كتاب الأضاحي
 قوله كتاب الأضاحي باب سنة الأضحية كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما سنة الأضاحي وهو جمع أضحية بضم الهمزة ويجوز كسرها ويجوز حذف الهمزة فتفتح الضاد والجمع ضحايا وهي أضحاة والجمع أضحى وبه سمي يوم الأضحى وهو يذكر ويؤنث وكأن تسميتها اشتقت من اسم الوقت الذي تشرع فيه وكأنه ترجم بالسنة إشارة إلى مخالفة من قال بوجوبها قال بن حزم لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين وهي عند الشافعية والجمهور سنة مؤكدة على الكفاية وفي وجه الشافعية من فروض الكفاية وعن أبي حنيفة تجب على المقيم الموسر وعن مالك مثله في رواية لكن لم يقيد بالمقيم ونقل عن الأوزاعي وربيعة والليث مثله وخالف أبو يوسف من الحنفية وأشهب من المالكية فوافقا الجمهور وقال أحمد يكره تركها مع القدرة وعنه واجبة وعن محمد بن الحسن هي سنة غير مرخص في تركها قال الطحاوي وبه نأخذ وليس في الآثار ما يدل على وجوبها أه وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة رفعه من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا أخرجه بن ماجة وأحمد ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ومع ذلك فليس صريحا في الإيجاب قوله قال بن عمر هي سنة ومعروف وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى بن عمر وللترمذي محسنا من طريق جبلة بن سحيم إن رجلا سأل بن عمر عن الأضحية أهي واجبة فقال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده قال الترمذي العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة وكأنه فهم من كون بن عمر لم يقل في الجواب نعم أنه لا يقول بالوجوب فإن الفعل المجرد لا يدل على ذلك وكأنه أشار بقوله والمسلمون إلى أنها ليست من الخصائص وكان بن عمر حريصا على اتباع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يصرح بعدم الوجوب وقد احتج من قال بالوجوب بما ورد في حديث مخنف بن سليم رفعه على أهل كل بيت أضحية أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية واستدل من قال بعدم الوجوب بحديث بن عباس كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وهو حديث ضعيف أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني والدارقطني وصححه الحاكم فذهل وقد استوعبت طرقه ورجاله في الخصائص من تخريج أحاديث الرافعي وسيأتي شيء من المباحث في وجوب الأضحية في الكلام على حديث البراء في حديث أبي بردة بن نيار بعد أبواب ثم ذكر المصنف حديث البراء وأنس في أمر من ذبح قبل الصلاة بالإعادة وسيأتي شرحهما مستوفى بعد أبواب وقوله

[ 5225 ] في حديث البراء أن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر وقع في بعض الروايات في يومنا هذا نصلي بحذف إن وعليها شرح الكرماني فقال هو مثل تسمع بالمعيدى خير من أن تراه وهو على تنزيل الفعل منزلة المصدر والمراد بالسنة هنا في الحديثين معا الطريقة لا السنة بالإصطلاح التي تقابل الوجوب والطريقة أعم من أن تكون للوجوب أو للندب فإذا لم يقم دليل علىالوجوب بقى الندب وهو وجه إيرادها في هذه الترجمة وقد استدل من قال بالوجوب بوقوع الأمر فيهما بالإعادة وأجيب بأن المقصود بيان شرط الأضحية المشروعة فهو كما لو قال لمن صلى راتبة الضحى مثلا قبل طلوع الشمس إذا طلعت الشمس فأعد صلاتك وقوله في حديث البراء وليس من النسك في شيء النسك يطلق ويراد به الذبيحة ويستعمل في نوع خاص من الدماء المراقة ويستعمل بمعنى العبادة وهو أعم يقال فلان ناسك أي عابد وقد استعمل في حديث البراء بالمعنى الثالث وبالمعنى الأول أيضا في قوله في الطريق الأخرى من نسك قبل الصلاة قال فلا نسك له أي من ذبح قبل الصلاة فلا ذبح له أي لا يقع عن الأضحية وقوله فيه وقال مطرف يعني بن طريف بالطاء المهملة وزن عظيم وعامر هو الشعبي وقد تقدمت رواية مطرف موصولة في العيدين وتأتي أيضا بعد ثمانية أبواب

[ 5226 ] قوله إسماعيل هو بن علية وأيوب هو السختياني ومحمد هو بن سيرين والإسناد كله بصريون

قوله باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس أي بنفسه أو بأمره

[ 5227 ] قوله هشام هو الدستوائي ويحيى هو بن أبي كثير قوله عن بعجة في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى أخبرني بعجة بن عبد الله وهو بفتح الموحدة وسكون المهملة بعدها جيم واسم جده بدر وهو تابعي معروف ما له في البخاري إلا هذا الحديث وقد أزالت رواية مسلم ما يخشى من تدليس يحيى بن أبي كثير قوله عن عقبة في رواية مسلم المذكورة أن عقبة بن عامر أخبره قوله قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا سيأتي بعد أربعة أبواب أن عقبة هو الذي باشر القسمة وتقدم في الشركة باب وكالة الشريك للشريك في القسمة وأورده فيه أيضا وأشار إلى أن عقبة كان له في تلك الغنم نصيب باعتبار أنها كانت من الغنائم وكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها نصيب ومع هذا فوكله في قسمتها وقدمت له هناك توجيها آخر وهذا التوجيه أقوى منه قال بن المنير يحتمل أن يكون المراد أنه أطلق عليها ضحايا باعتبار ما يؤول أليه الأمر ويحتمل أن يكون عينها للأضحية ثم قسمها بينهم ليحوز كل واحد نصيبه فيؤخذ منه جواز قسم لحم الأضحية بين الورثة ولا يكون ذلك بيعا وهي مسألة خلاف المالكية قال وما أرى البخاري مع دقة نظره قصد بالترجمة إلا هذا كذا قال قوله فصارت لعقبة أي بن عامر جذعة بفتح الجيم والذال المعجمة هو وصف لسن معين من بهيمة الأنعام فمن الضأن ما أكمل السنة وهو قول الجمهور وقيل دونها ثم اختلف في تقديره فقيل بن ستة أشهر وقيل ثمانية وقيل عشرة وحكى الترمذي عن وكيع أنه بن ستة أشهر أو سبعة أشهر وعن بن الأعرابي أن بن الشابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة وابن الهرمين يجذع لثمانية إلى عشرة قال والضأن أسرع إجذاعا من المعز وأما الجذع من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية ومن البقر ما أكمل الثالثة ومن الإبل ما دخل في الخامسة وسيأتي بيان المراد بها هنا قريبا وأنها كانت من المعز بعد أربعة أبواب

قوله باب الأضحية للمسافر والنساء فيه إشارة إلى خلاف من قال إن المسافر لا أضحية عليه وقد تقدم نقله في أول الباب وإشارة إلى خلاف من قال أن النساء لا أضحية عليهن ويحتمل أن يشير إلى خلاف من منع من مباشرتهن التضحية فقد جاء عن مالك كراهة مباشرة المرأة الحائض للتضحية

[ 5228 ] قوله سفيان هو بن عيينة ولم يسمع مسدد من سفيان الثوري قوله عن عبد الرحمن بن القاسم في رواية علي بن عبد الله عن سفيان سمعت عبد الرحمن بن القاسم وتقدمت في كتاب الحيض قوله بسرف بفتح المهملة وكسر الراء مكان معروف خارج مكة قوله أنفست قيده الأصيلي وغيره بضم النون أي حضت ويجوز الفتح وقيل هو في الحيض بالفتح فقط وفي النفاس بالفتح والضم قوله قالت فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر تقدم في الحج من وجه آخر عن عائشة أخصر من هذا وتقدم شرحه مبينا هناك وقوله ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر ظاهر في أن الذبح المذكور كان على سبيل الأضحية وحاول بن التين تأويله ليوافق مذهبه فقال المراد أنه ذبحها وقت ذبح الأضحية وهو ضحى يوم النحر قال وأن حمل على ظاهره فيكون تطوعا لا على أنها سنة الأضحية كذا قال ولا يخفى بعده واستدل به الجمهور على أن ضحية الرجل تجري عنه وعن أهل بيته وخالف في ذلك الحنفية وأدعى الطحاوي أنه مخصوص أو منسوخ ولم يأت لذلك بدليل قال القرطبي لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل واحدة من نسائه بأضحية مع تكرار سنى الضحايا ومع تعددهن والعادة تقضي بنقل ذلك لو وقع كما نقل غير ذلك من الجزئيات ويؤيده ما أخرجه مالك وابن ماجة والترمذي وصححه من طريق عطاء بن يسار سألت أبا أيوب كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تناهى الناس كما ترى

قوله باب ما يشتهى من اللحم يوم النحر أي أتباعا للعادة بالالتذاذ بأكل اللحم يوم العيد وقال الله تعالى ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام

[ 5229 ] قوله حدثنا صدقة هو بن الفضل وابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم قوله فقام رجل هو أبو بردة بن نيار كما في حديث البراء قوله ان هذا يوم يشتهي فيه اللحم في رواية داود بن أبي هند عن الشعبي عند مسلم فقال يا رسول الله أن هذا يوم اللحم فيه مكروه وفي لفظ له مقروم وهو بسكون القاف قال عياض رويناه في مسلم من طريق الفارسي والسجزي مكروه ومن طريق العذري مقروم وقد صوب بعضهم هذه الرواية الثانية وقال معناه يشتهي فيه اللحم يقال قرمت إلى اللحم وقرمته إذا اشتهيته فهو موافق للرواية الأخرى إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم قال عياض وقال بعض شيوخنا صواب الرواية اللحم فيه مكروه بفتح الحاء وهو اشتهاء اللحم والمعنى ترك الذبح والتضحية وإبقاء أهله فيه بلا لحم حتى يشتهوه مكروه قال وقال لي الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان معناه ذبح ما لا يجزي في الأضحية مما هو لحم أه وبالغ بن العربي فقال الرواية بسكون الحاء هنا غلط وإنما هو اللحم بالتحريك يقال لحم الرجل بسكر الحاء يلحم بفتحها إذا كان يشتهي اللحم وأما القرطبي في المفهم فقال تكلف بعضهم ما لا يصح رواية أي اللحم بالتحريك ولا معنى وهو قول الآخر معنى المكروه إنه مخالف للسنة قال وهو كلام من لم يتأمل سياق الحديث فإن هذا التأويل لا يلائمه إذ لا يستقيم أن يقول هذا اليوم اللحم فيه مخالف للسنة وأني عجلت لأطعم أهلي قال وأقرب ما يتكلف لهذه الرواية أن معناه اللحم فيه مكروه التأخير فحذف لفظ التأخير لدلالة قوله عجلت وقال النووي ذكر الحافظ أبو موسى أن معناه هذا يوم طلب اللحم فيه مكروه شاق قال وهو معنى حسن قلت يعني طلبه من الناس كالصديق والجار فاختار هو أن لا يحتاج أهله إلى ذلك فأغناهم بما ذبحه عن الطلب ووقع في رواية منصور عن الشعبي كما مضى في العيدين وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي ويظهر لي أن بهذه الرواية يحصل الجمع بين الروايتين المتقدمتين وأن وصفه اللحم بكونه مشتهى وبكونه مكروها لا تناقض فيه وإنما هو باعتبارين فمن حيث أن العادة جرت فيه بالذبائح فالنفس تتشوق له يكون مشتهى ومن حيث توارد الجميع عليه حتى يكثر يصير مملوأ فاطلقت عليه الكراهة لذلك فحيث وصفه بكونه مشتهى أراد ابتداء حاله وحيث وصفه بكونه مكروها أراد انتهاءه ومن ثم استعجل بالذبح ليفوز بتحصيل الصفة الأولى عند أهله وجيرانه ووقع في رواية فراس عن الشعبي عند مسلم فقال خالي يا رسول الله قد نسكت عن بن لي وقد استشكل هذا وظهر لي أن مراده أنه ضحى لأجله للمعنى الذي ذكره في أهله وجيرانه فخص ولده بالذكر لأنه أخص بذلك عنده حتى يستغنى ولده مما عنده عن التشوف إلى ما عند غيره قوله وذكر جيرانه في رواية عاصم عند مسلم وإني عجلت فيه نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري قوله فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه أم لا قد وقع في حديث البراء اختصاصه بذلك كما سيأتي بعد أبواب ويأتي البحث فيه كأن أنسا لم يسمع ذلك وقد روى بن عون عن الشعبي حديث البراء وعن بن سيرين حديث أنس فكان إذا حدث حديث البراء يقف عند قوله ولن تجزى عن أحد بعدك ويحدث بقول أنس لا أدري أبلغت الرخصة غيره أم لا ولعله استشكل الخصوصية بذلك لما جاء من ثبوت ذلك لغير أبي بردة كما سيأتي بيانه قريبا قوله ثم انكفأ مهموز أي مال يقال كفأت الإناء إذا أملته والمراد أنه رجع عن مكان الخطبة إلى مكان الذبح قوله وقام الناس كذا هنا وفي الرواية الآتية في باب من ذبح قبل الصلاة أعاد فتمسك به بن التين في أن من ذبح قبل الإمام لا يجزئه وسيأتي البحث فيه قوله إلى غنيمة بغين معجمة ونون مصغر فتوزعوها أو قال فتجزعوها شك من الراوي والأول بالزاي من التوزيع وهو التفرقة أي تفرقوها والثاني بالجيم والزاي أيضا من الجزع وهو القطع أي اقتسموها حصصا وليس المراد أنهم اقتسموها بعد الذبح فأخذ كل واحد قطعة من اللحم وإنما المراد أخذ حصة من الغنم والقطعة تطلق على الحصة من كل شيء فبهذا التقرير يكون المعنى واحدا وإن كان ظاهره في الأصل الاختلاف

قوله باب من قال الأضحى يوم النحر قال بن المنير أخذه من إضافة اليوم إلى النحر حيث قال أليس يوم النحر واللام للجنس فلا يبقى نحر إلا في ذلك اليوم قال والجواب على مذهب الجماعة أن المراد النحر الكامل واللام تستعمل كثيرا للكمال كقوله الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب قلت واختصاص النحر باليوم العاشر قول حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وداود الظاهري وعن سعيد بن جبير وأبي الشعثاء مثله إلا في منى فيجوز ثلاثة أيام ويمكن أن يتمسك لذلك بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة الحديث صححه بن حبان وقال القرطبي التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول ضعيف مع قوله تعالى ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام ويحتمل أن يكون أراد أن أيام النحر الأربعة أو الثلاثة لكل واحد منها اسم يخصه فالأضحى هو اليوم العاشر والذي يليه يوم القر والذي يليه يوم النفر الأول والرابع يوم النفر الثاني وقال بن التين مراده أنه يوم تنحر فيه الأضاحي في جميع الأقطار وقيل مراده لا ذبح إلا فيه خاصة يعني كما تقدم نقله عمن قال به وزاد مالك ويذبح أيضا في يومين بعده وزاد الشافعي اليوم الرابع قال وقيل يذبح عشرة أيام ولم يعزه لقائل وقيل إلى آخر الشهر وهو عن عمر بن عبد العزيز وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وغيرهم وقال به بن حزم متمسكا بعدم ورود نص بالتقييد وأخرج ما رواه بن أبي شيبة من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار قالا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال وهذا سند صحيح إليهما لكنه مرسل فيلزم من يحتج بالمرسل أن يقول به قلت وسيأتي عن أبي أمامة بن سهل في الباب الذي يليه شيء من ذلك ويمثل قول مالك قال الثوري وأبوحنيفة وأحمد وبمثل قول الشافعي قال الأوزاعي قال بن بطال تبعا للطحاوي ولم ينقل عن الصحابة غير هذين القولين وعن قتادة ستة أيام بعد العاشر وحجة الجمهور حديث جبير بن مطعم رفعه فجاج منى منحر وفي كل أيام التشريق ذبح أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع ووصله الدارقطني ورجاله ثقات واتفقوا على أنها تشرع ليلا كما تشرع نهارا إلا رواية عن مالك وعن أحمد أيضا ثم ذكر المصنف حديث محمد وهو بن سيرين عن بن أبي بكرة وهو عبد الرحمن وقد تقدم شرحه في العلم وفي باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج شيء منه وكذا في تفسير براءة

[ 5230 ] قوله ثلاث متواليات إلى قوله ورجب مضر هذا هو الصواب وهو عدها من سنتين ومنهم من عدها سنة واحدة فبدأ بالمحرم لكن الأول أليق ببيان المتوالية وشذ من أسقط رجبا وأبدله بشوال زاعما أن بذلك تتوالى الأشهر الحرم وأن ذلك المراد بقوله تعالى فسيحوا في الأرض أربعة أشهر حكاه بن التين قوله قال وأحسبه هو بن سيرين كأنه كان يشك في هذه اللفظة وقد ثبتت في رواية غيره وكذا قوله فكان محمد إذا ذكره في رواية الكشميهني ذكر قوله أن يكون أوعى له من بعض من سمعه كذا للأكثر بالواو أي أكثر وعيا له وتفهما فيه ووقع في رواية الأصيل والمستملي أرعى بالراء من الرعاية ورجحها بعض الشراح وقال صاحب المطالع هي وهم وقوله قال ألا هل بلغت القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو بقية الحديث ولكن الراوي فصل بين قوله بعض من سمعه وبين قوله ألا هل بلغت بكلام بن سيرين المذكور

قوله باب الأضحى والنحر بالمصلى قال بن بطال هو سنة للأمام خاصة عند مالك قال مالك فيما رواه بن وهب إنما يفعل ذلك لئلا يذبح أحد قبله زاد المهلب وليذبحوا بعده على يقين وليتعلموا منه صفة الذبح وذكر فيه المؤلف حديث بن عمر من وجهين أحدهما موقوف والثاني مرفوع كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى وهو اختلاف على نافع وقيل بل المرفوع يدل على الموقوف لأن

[ 5231 ] قوله الموقوف كان ينحر في منحر النبي صلى الله عليه وسلم يريد به المصلي بدلالة الحديث المرفوع المصرح بذلك وقال بن التين هو مذهب مالك أن الإمام يبرز أضحيته للمصلى فيذبح هناك وبالغ بعض أصحابه وهو أبو مصعب فقال من لم يفعل ذلك لم يؤتم به وقال بن العربي قال أبو حنيفة ومالك لا يذبح حتى يذبح الإمام أن كان ممن يذبح قال ولم أر له دليلا

قوله باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أي لكل منهما قرنان معتدلان والكبش فحل الضأن في أي سن كان واختلف في ابتدائه فقيل إذا أثنى وقيل إذا أربع قوله ويذكر سمينين أي في صفة الكبشين وهي في بعض طرق حديث أنس من رواية شعبة عن قتادة عنه أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة وقد ساقه المصنف في الباب من طريق شعبة عنه وليس فيه سمينين وهو المحفوظ عن شعبة وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد والآخر عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ وقد أخرجه بن ماجة من طريق عبد الرزاق لكن وقع في النسخة ثمينين بمثلثة أوله بدل السين والأول أولى وابن عقيل المذكور في سنده مختلف فيه وقد اختلف عليه في إسناده فقال زهير بن محمد وشريك وعبيد الله بن عمرو كلهم عنه عن علي بن الحسين عن أبي رافع وخالفهم الثوري كما ترى ويحتمل أن يكون له في هذا الحديث طريقان وليس في روايته في حديث أبي رافع لفظ سمينين وأخرج أبو داود من وجه آخر عن جابر ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشين أقرنين أملحين موجوءين قال الخطابي الموجود يعني بضم الجيم وبالهمز منزوع الأنثيين والوجاء الخصاء وفيه جواز الخصي في الضحية وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو لكن ليس هذا عيبا لأن الخصاء يفيد اللحم طيبا وينفي عنه الزهومة وسوء الرائحة وقال بن العربي حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه الترمذي بلفظ ضحى بكبش فحل أي كامل الخلقة لم تقطع انثياه يرد رواية موجوءين وتعقب باحتمال أن يكون ذلك وقع في وقتين قوله وقال يحيى بن سعيد سمعت أبا أمامة بن سهل قال كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني محمد بن سعيد وهو الأنصاري ولفظه كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة قال أحمد هذا الحديث عجيب قال بن التين كان بعض المالكية يكره تسمين الأضحية لئلا يتشبه باليهود وقول أبي أمامة أحق قاله الداردي

[ 5233 ] قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحى بكبشين وأنا أضحي بكبشين هكذا في هذه الطريق وقائل ذلك هو أنس بينه النسائي في روايته وهذه الرواية مختصرة ورواية أبي قلابة المذكورة عقبها مبينة لكن في هذه زيادة قول أنس أنه كان يضحى بكبشين للاتباع وفيها أيضا إشعار بالمداومة على ذلك فتمسك به من قال الضأن في الأضحية أفضل

[ 5234 ] قوله في رواية أبي قلابة إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده الأملح بالمهملة هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر ويقال هو الأغبر وهو قول الأصمعي وزاد الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود ويقال الأبيض الخالص قاله بن الأعرابي وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية وقيل الذي يعلوه حمرة وقيل الذي ينظر في سواد ويمشي في سواد ويأكل في سواد ويبرك في سواد أي أن مواضع هذه منه سود وما عدا ذلك أبيض وحكى ذلك الماوردي عن عائشة وهو غريب ولعله أراد الحديث الذي جاء عنها كذا لكن ليس فيه وصفه بالأملح وسيأتي قريبا أن مسلما أخرجه فإن ثبت فلعله كان في مرة أخرى واختلف في اختيار هذه الصفة فقيل لحسن منظره وقيل لشحمه وكثرة لحمه واستدل به على اختيار العدد في الأضحية ومن ثم قال الشافعية أن الأضحية بسبع شياه أفضل من البعير لأن الدم المراق فيها أكثر والثواب يزيد بحسبه وأن من أراد أن يضحي بأكثر من واحد يعجله وحكى الروياني من الشافعية استحباب التفريق على أيام النحر قال النووي هذا أرفق بالمساكين لكنه خلاف السنة كذا قال والحديث دال على اختيار التثنية ولا يلزم منه أن من أراد أن يضحي بعدد فضحى أول يوم باثنين ثم فرق البقية على أيام النحر أن يكون مخالفا للسنة وفيه أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى وهو قول أحمد وعنه رواية أن الأنثى أولى وحكى الرافعي فيه قولين عن الشافعي أحدهما عن نصه في البوبطي الذكر لأن لحمه أطيب وهذا هو الأصح والثاني أن الأنثى أولى قال الرافعي وإنما يذكر ذلك في جزاء الصيد عند التقويم والأنثى أكثر فيمة فلا تفدي بالذكر أو أراد الأنثى التي لم تلد وقال بن العربي الأصح أفضلية الذكور على الإناث في الضحايا وقيل هما سواء وفيه استحباب النضحية بالأقرن وأنه أفضل من الأجم مع الاتفاق على جواز التضحية بالأجم وهو الذي لا قرن له واختلفوا في مكسور القرن وفيه استحباب مباشرة المضحى الذبح بنفسه واستدل به على مشروعية استحسان الأضحية صفة ولونا قال الماوردي إن اجتمع حسن المنظر مع طيب المخبر في اللحم فهو أفضل وإن انفردا فطيب المخبر أولى من حسن المنظر وقال أكثر الشافعية أفضلهما البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء ثم البلقاء ثم السوداء وسيأتي بقية فوائد حديث أنس بعد أبواب قوله فذبحهما بيده سيأتي البحث فيه قريبا قوله وقال إسماعيل وحاتم بن وردان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس يعني أنهما خالفا عبد الوهاب الثقفي في شيخ أيوب فقال هو أبو قلابة وقالا محمد بن سيرين فأما حديث إسماعيل وهو بن علية فقد وصله المصنف بعد أربعة أبواب في أثناء حديث وهو مصير منه إلى أن الطريقين صحيحان وهو كذلك لاختلاف سياقهما وأما حديث حاتم بن وردان فوصله مسلم من طريقه قوله تابعه وهيب عن أيوب كذا وقع في رواية أبي ذر وقدم الباقون متابعة وهيب على روايتي إسماعيل وحاتم وهو الصواب لأن وهيبا إنما رواه عن أيوب عن أبي قلابة متابعا لعبد الوهاب الثقفي وقد وصله الأسماعيلي من طريقه كذلك قال بن التين إنما قال أولا قال إسماعيل وثانيا تابعه وهيب لأن القول يستعمل على سبيل المذاكرة والمتابعة تستعمل عند النقل والتحمل قلت لو كان هذا على إطلاقه لم يخرج البخاري طريق إسماعيل في الأصول ولم ينحصر التعليق الجازم في المذاكرة بل الذي قال إن البخاري لا يستعمل ذلك إلا في المذاكرة لا مستند له

[ 5235 ] قوله الليث عن يزيد هو بن أبي حبيب بينه المصنف في كتاب الشركة قوله أعطاه غنما هو أعم من الضأن والمعز قوله على صحابته يحتمل أني يكون الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون لعقبة فعلى كل يحتمل أن تكون الغنم ملكا للنبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقسمتها بينهم تبرعا ويحتمل أن تكون من الفيء واليه جنح القرطبي حيث قال في الحديث إن الإمام ينبغي له أن يفرق الضحايا على من لم يقدر عليها من بيت مال المسلمين وقال بن بطال إن كان قسمها بين الأغنياء فهي من الفيء وأن كان خص بها الفقراء فهي من الزكاة وقد ترجم له البخاري في الشركة باب قسمة الغنم والعدل فيها وكأنه فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لعقبة ما يعطيه لكل واحد منهم وهو لا يوكل إلا بالعدل وإلا لو كان و كل ذلك لرأيه لعسر عليه لأن الغنم لا يتأتى فيها قسمة الأجزاء وأما قسمة التعديل فتحتاج إلى رد لأن استواء قسمتها على التحرير بعيد قلت ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بها عنهم ووقعت القسمة في اللحم فتكون القسمة قسمة الأجزاء كما تقدم توجيهه عن بن المنير قبل أبواب قوله فبقي عتود بفتح المهملة وضم المثناة الخفيفة وهو من أولاد المعز ما قوي ورعى وأتى عليه حول والجمع اعتدة وعتدان وتدغم التاء في الدال فيقال عدان وقال بن بطال العتود الجذع من المعز بن خمسة أشهر وهذا يبين المراد بقوله في الرواية الأخرى عن عقبة كما مضى قريبا جذعة وأنها كانت من المعز وزعم بن حزم أن العتود لا يقال إلا للجذع من المعز وتعقبه بعض الشراح بما وقع في كلام صاحب المحكم أن العتود الجدي الذي استكرش وقيل الذي بلغ السفاد وقيل هو الذي أجذع قوله فقال ضح به أنت زاد البيهقي في روايته من طريق يحيى بن بكير عن الليث ولا رخصة فيها لأحد بعدك وسأذكر البحث في هذه الزيادة في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى واستدل به على أجزاء الأضحية بالشاة الواحدة وكأن المصنف أراد بإيراد حديث عقبة في هذه الترجمة وهي ضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين الاستدلال على أن ذلك ليس على الوجوب بل على الاختيار فمن ذبح واحدة أجزأت عنه ومن زاد فهو خير والأفضل الأتباع في الأضحية بكبشين ومن نظر إلى كثرة اللحم قال كالشافعي الأفضل الإبل ثم الضأن ثم البقر قال بن العربي وافق الشافعي أشهب من المالكية ولا يعدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم شيء لكن يمكن التمسك بقول بن عمر يعني الماضي قريبا كان يذبح وينحر بالمصلى أي فإنه يشمل الإبل وغيرها قال لكنه عموم والتمسك بالصريح أولى وهو الكبش قلت قد أخرج البيهقي من حديث بن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحى بالمدينة بالجزور أحيانا وبالكبش إذا لم يجد جزروا فلو كان ثابتا لكان نصا في موضع النزاع لكن في سنده عبد الله بن نافع وفيه مقال وسيأتي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر في باب من ذبح ضحية غيره وقد ثبت في حديث عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فاضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحي أخرجه مسلم قال الخطابي قولها يطأ في سواد الخ سواد الخ تريد أن أظلافه ومواضع البروك منه وما أحاط بملاحظ عينيه من وجهه أسود وسائر بدنه أبيض

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة ضح بالجذع من المعز ولن تجزى عن أحد بعدك أشار بذلك إلى أن الضمير في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية التي ساقها اذبحها للجذعة التي تقدمت في قول الصحابي أن عندي داجنا جذعة من المعز

[ 5236 ] قوله حدثنا مطرف هو بن طريف بمهملة وزن عقيل وعامر هو الشعبي قوله ضحى خال لي يقال له أبو بردة في رواية زبيد عن الشعبي في أول الأضاحي أبو بردة بن نيار وهو بكسر النون وتخفيف الياء المثناة من تحت وآخره راء واسمه هانىء واسم جده عمرو بن عبيد وهو بلوي من حلفاء الأنصار وقد قيل أن اسمه الحارث بن عمرو وقيل مالك بن هبيرة والأول هو الأصح وأخرج بن منده من طريق جابر الجعفي عن الشعبي عن البراء قال كان اسم خالي قليلا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا وقال يا كثير إنما نسكنا بعد صلاتنا ثم ذكر حديث الباب بطوله وجابر ضعيف وأبو بردة ممن شهد العقبة وبدرا والمشاهد وعاش إلى سنة اثنتين وقيل خمس وأربعين وله في البخاري حديث سيأتي في الحدود قوله شاتك شاة لحم أي ليست أضحية بل هو لحم ينتفع به كما وقع في رواية زبيد قائما هو لحم يقدمه لأهله وسيأتي في باب الذبح بعد الصلاة وفي رواية فراس عند مسلم قال ذاك شيء عجلته لأهلك وقد استشكلت الإضافة في قوله شاة لحم وذلك أن الإضافة قسمان معنوية ولفظية فالمعنوية إما مقدرة بمن كخاتم حديد أو باللام كغلام زيد أو بفي كضرب اليوم معناه ضرب في اليوم وأما اللفظية فهي صفة مضافة إلى معمولها كضارب زيد وحسن الوجه ولا يصح شيء من الأقسام الخمسة في شاة لحم قال الفاكهي والذي يظهر لي أن أبا بردة لما اعتقد أن شاته شاة أضحية أوقع صلى الله عليه وسلم في الجواب قوله شاة لحم موقع قوله شاة غير أضحية قوله ان عندي داجنا الداجن التي تألف البيوت وتستأنس وليس لها سن معين ولما صار هذا الاسم علما على ما يألف البيوت اضمحل الوصف عنه فاستوى فيه المذكر والمؤنث والجذعة تقدم بيانها وقد بين في هذه الرواية أنها من المعز ووقع في الرواية الأخرى كما سيأتي بيانه فإن عندنا عناقا وفي رواية أخرى عناق لبن والعناق بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز عند أهل اللغة ولم يصب الداودي في زعمه أن العناق هي التي استحقت أن تحمل وأنها تطلق على الذكر والأنثى وأنه بين بقوله لبن أنها أنثى قال بن التين غلط في نقل اللغة وفي تأويل الحديث فإن معنى عناق لبن أنها صغيرة سن ترضع أمها ووقع عند الطبراني من طريق سهل بن أبي حثمة أن أبا بردة ذبح ذبيحته بسحر فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنما الأضحية ما ذبح بعد الصلاة أذهب فضح فقال ما عندي الا جذعة من المعز الحديث قلت وسيأتي بيان ذلك عند ذكر التعاليق التي ذكرها المصنف عقب هذه الرواية وزاد في رواية أخرى هي أحب إلي من شأتين وفي رواية لمسلم من شاتي لحم والمعنى أنها أطيب لحما وأنفع للآكلين لسمنها ونفاستها وقد استشكل هذا بما ذكر أن عتق نفسين أفضل من عتق نفس واحدة ولو كانت أنفس منهما وأجيب بالفرق بين الأضحية والعتق أن الأضحية يطلب فيها كثرة اللحم فتكون الواحدة السمينة أولى من الهزلتين والعتق يطلب فيه التقرب إلى الله بفك الرقبة فيكون عتق الإثنين أولى من عتق الواحدة نعم إن عرض للواحد وصف يقتضى رفعته على غيره كالعلم وأنواع الفضل المتعدي فقد جزم بعض المحتقين بأنه أولى لعموم نفعه للمسلمين ووقع في الرواية الأخرى التي في أواخر الباب وهي خير من مسنة وحكى بن التين عن الداودي أن المسنة التي سقطت أسنانها للبدل وقال أهل اللغة المسن الثني الذي يلقى سنة ويكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي ذات الظلف والحافر في السنة الثالثة وقال بن فارس إذا دخل ولد الشاة في الثالثة فهو ثن ومسن قوله قال اذبحها ولا تصلح لغيرك في رواية فراس الآتية في باب من ذبح قبل الإمام أأذبحها قال نعم ثم لا تجزى عن أحد بعدك ولمسلم من هذا الوجه ولن تجزى الخ وكذا في رواية أبي جحيفة عن البراء كما في أواخر هذا الباب ولن تجزى عن أحد بعدك وفي حديث سهل بن أبي حثمة وليس فيها رخصة لأحد بعدك وقوله تجزى بفتح أوله غير مهموز أي تقضي يقال جزا عني فلان كذا أي قضى ومنه لا تجزى نفس عن نفس شيئا أي لا تقضي عنها قال بن بري الفقهاء يقولون لا تجزىء بالضم والهمز في موضع لا تقضى والصواب بالفتح وترك الهمز قال لكن يجوز الضم والهمز بمعنى الكفاية يقال أجزأ عنك وقال صاحب الاساس بنو تميم يقولون البدنة تجزى عن سبعة بضم أوله وأهل الحجاز تجزى بفتح أوله وبهما فرىء لا تجزى نفس عن نفس شيئا وفي هذا تعقب على من نقل الاتفاق على منع ضم أوله وفي هذا الحديث تخصيص أبي بردة بأجزاء الجذع من المعز في الأضحية لكن وقع في عدة أحاديث التصريح بنظير ذلك لغير أبي بردة ففي حديث عقبة بن عامر كما تقدم قريبا ولا رخصة فيها لأحد بعدك قال البيهقي أن كانت هذه الزيادة محفوظة كان هذا رخصة لعقبة كما رخص لأبي بردة قلت وفي هذا الجمع نظر لأن في كل منهما صيغة عموم فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني وأقرب ما يقال فيه إن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني ولا مانع من ذلك لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحا وقد انفصل بن التين وتبعه القرطبي عن هذا الاشكال باحتمال أن يكون العتود كان كبير السن بحيث يجزي لكنه قال ذلك بناء على أن الزيادة التي في آخره لم تقع له ولا يتم مراده مع وجودها مع مصادمته لقول أهل اللغة في العتود وتمسك بعض المتأخرين بكلام بن التين فضعف الزيادة وليس بجيد فإنها خارجة من مخرج الصحيح فإنها البيهقي من طريق عبد الله البوشنجي أحد الأئمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم رواها عن يحيى بن بكير عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري ولكني رأيت الحديث في المتفق للجوزقي من طريق عبيد بن عبد الواحد ومن طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان كلاهما عن يحيى بن بكير وليست الزيادة فيه فهذا هو السر في قوله البيهقي أن كانت محفوظة فكأنه لما رأى التفرد خشي أن يكون دخل على راويها حديث في حديث وقد وقع في كلام بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة أو خمسة واستشكل الجمع وليس بمشكل فإن الأحاديث التي وردت في ذلك ليس فيها التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي وأما ما عدا ذلك فقد أخرج أبو داود وأحمد وصححه بن حبان من حديث زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عتودا جذعا فقال ضح به فقلت أنه جذع أفأضحي به قال نعم ضح به فضحيت به لفظ أحمد وفي صحيح بن حبان وابن ماجة من طريق عباد بن تميم عن عويمر بن أشقر أنه ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد أضحية أخرى وفي الطبراني الأوسط من حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سعد بن أبي وقاص جذعا من المعز فأمره أن يضحي به وأخرجه الحاكم من حديث عائشة وفي سنده ضعف ولأبي يعلى والحاكم من حديث أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله هذا جذع من الضأن مهزول وهذا جذع من المعز سمين وهو خيرهما أفأضحي به قال ضح به فإن لله الخير وفي سنده ضعف والحق أنه لا منافاة بين هذه الأحاديث وبين حديثي أبي بردة وعقبة لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر ثم تقرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزي واختص أبو بردة وعقبة بالرخصة في ذلك وإنما قلت ذلك لأن بعض الناس زعم أن هؤلاء شاركوا عقبة وأبا بردة في ذلك والمشاركة إنما وقعت في مطلق الأجزاء لا في خصوص منع الغير ومنهم من زاد فيهم عويمر بن أشقر وليس في حديثه إلا مطلق الإعادة لكونه ذبح قبل الصلاة وأما ما أخرجه بن ماجة من حديث أبي زيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار اذبحها ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك فهذا يحمل على أنه أبو بردة بن نيار فإنه من الأنصار وكذا ما أخرجه أبو يعلى والطبراني من حديث أبي جحيفة أن رجلا ذبح قبل الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزى عنك قال أن عندي جذعة فقال تجزى عنك ولا تجزى بعد فلم يثبت الأجزاء لأحد ونفيه عن الغير الا لأبي بردة وعقبة وأن تعذر الجمع الذي قدمته فحديث أبي بردة أصح مخرجا والله أعلم قال الفاكهي ينبغي النظر في اختصاص أبي بردة بهذا الحكم وكشف السر فيه وأجيب بأن الماوردي قال أن فيه وجهين أحدهما أن ذلك كان قبل استقرار الشرع فاستثنى والثاني أنه علم من طاعته وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه قلت وفي الأول نظر لأنه لو كان سابقا لامتنع وقوع ذلك لغيره بعد التصريح بعدم الأجزاء لغيره والفرض ثبوت الأجزاء لعدد غيره كما تقدم وفي الحديث أن الجذع من المعز لا يجزي وهو قول الجمهور وعن عطاء وصاحبه الأوزاعي يجوز مطلقا وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي وقال النووي وهو شاذ أو غلط وأغرب عياض فحكى الإجماع على عدم الأجزاء قيل والأجزاء مصادر النص ولكن يحتمل أن يكون قائله قيد ذلك بمن لم يجد غيره ويكون معنى نفى الأجزاء عن غير من أذن له في ذلك محمولا على من وجد وأما الجذع من الضأن فقال الترمذي أن العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لكن حكى غيره عن بن عمر والزهري أن الجذع لا يجزي مطلقا سواء كان من الضأن أم من غيره وممن حكاه عن بن عمر بن المنذر في الأشراف وبه قال بن حزم وعزاه لجماعة من السلف وأطنب في الرد على من أجازه ويحتمل أن يكون ذلك أيضا مقيدا بمن لم يجد وقد صح فيه حديث جابر رفعه لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم لكن نقل النووي عن الجمهور أنهم حملوه على الأفضل والتقدير يستحب لكم أن لا تبذحوا إلا مسنة فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من الضأن قال وليس فيه تصريح بمنع الجذعة من الضأن وأنها لا تجزى قال وقد أجمعت الأمة على أن الحديث ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه فتعين تأويله قلت ويدل للجمهور الأحاديث الماضية قريبا وكذا حديث أم هلال بنت هلال عن أبيها رفعه يجوز الجذع من الضأن أضحية أخرجه بن ماجة وحديث رجل من بني سليم يقال له مجاشع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الجذع يوفي ما يوفى منه الثني أخرجه أبو داود وابن ماجة وأخرجه النسائي من وجه آخر لكن لم يسم الصحابي بل وقع عنده أنه رجل من مزينة وحديث معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن أخرجه النسائي بسند قوي وحديث أبي هريرة رفعه فعمت الأضحية الجذعة من الضأن أخرجه الترمذي وفي سنده ضعف واختلف القائلون بأجزاء الجذع من الضأن وهم الجمهور في سنة على آراء أحدها أنه ما أكمل سنة ودخل في الثانية وهو الأصح عند الشافعية وهو الأشهر عند أهل اللغة ثانيها نصف سنة وهو قول الحنفية والحنابلة ثالثها سبعة أشهر وحكاه صاحب الهداية من الحنفية عن الزعفراني رابعها ستة أو سبعة حكاه الترمذي عن وكيع خامسها التفرقة بين ما تولد بين شابين فيكون له نصف سنة أو بين هرمين فيكون بن ثمانية سادسها بن عشر سابعها لا يجزي حتى يكون عظيما حكاه بن العربي وقال انه مذهب باطل كذا قال وقد قال صاحب الهداية أنه إذا كانت عظيمة بحيث لو اختلطت بالثنيات اشتبهت علىالناظر من بعيد أجزأت وقال العبادي من الشافعية لو أجذع قبل السنة أي سقطت أسنانه أجزأ كما لو تمت السنة قبل أن يجذع ويكون ذلك كالبلوغ أما بالسن وإما بالاحتلام وهكذا قال البغوي الجذع ما استكمل السنة أو أجذع قبلها والله أعلم قوله ثم قال من ذبح قبل الصلاة أي صلاة العيد فانما يذبح لنفسه أي وليس أضحية ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه أي عبادته وأصاب سنة المسلمين أي طريقتهم هكذا وقع في هذه الرواية أن هذا الكلام وقع بعد قصة أبي بردة بن نيار والذي في معظم الروايات كما سيأتي قريبا من رواية زبيد عن الشعبي أن هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم وقع في الخطبة بعد الصلاة وأن خطاب أبي بردة بما وقع له كان قبل ذلك وهو المعتمد ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا فقال أبو بردة يا رسول الله ذبحت قبل أن أصلي وتقدم في العيدين من طريق منصور عن الشعبي عن البراء قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فإنه لا نسك له فقال أبو بردة فذكر الحديث وسيأتي بيان الحكم في هذا قريبا في باب من ذبح قبل الصلاة أعاد إن شاء الله تعالى واستدل به على وجوب الأضحية على من التزم الأضحية فأفسد ما يضحى به ورده الطحاوي بأنه لو كان كذلك لتعرض إلى قيمة الأولى ليلزم بمثلها فلما لم يعتبر ذلك دل على أن الأمر بالإعادة كان على جهة الندب وفيه بيان ما يجزي في الأضحية لا على وجوب الإعادة وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المرجع في الأحكام إنما هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد يخص بعض أمته بحكم ويمنع غيره منه ولو كان بغير عذر وأن خطابه للواحد يعم جميع المكلفين حتى يظهر دليل الخصوصية لأن السياق يشعر بأن قوله لأبي بردة ضح به أي بالجذع ولو كان يفهم منه تخصيصه بذلك لما أحتاج إلى أن يقول له ولن تجزى عن أحدد بعدك ويحتمل أن تكون فائدة ذلك قطع إلحاق غيره به في الحكم المذكور لا أن ذلك مأخوذ من مجرد اللفظ وهو قوي واستدل بقوله أذبح مكانها أخرى وفي لفظ أعد نسكا وفي لفظ ضح بها وغير ذلك من الألفاظ المصرحة بالأمر بالأضحية على وجوب الأضحية قال القرطبي في المفهم ولا حجة في شيء من ذلك وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية لمن أراد أن يفعلها أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطأ أو جهلا فبين له وجه تدارك ما فرط منه وهذا معنى قوله لا تجزى عن أحد بعدك أي لا يحصل له مقصود القربة ولا الثواب كما يقال في صلاة النفل لا تجزى الا بطهارة وستر عورة قال وقد استدل بعضهم للوجوب بأن الأضحية من شريعة إبراهيم الخليل وقد أمرنا باتباعه ولا حجة فيه لأنا نقول بموجبه ويلزمهم الدليل على أنها كانت في شريعة إبراهيم واجبة ولا سبيل إلى علم ذلك ولا دلالة في قصة الذبيح للخصوصية التي فيها والله أعلم وفيه أن الإمام يعلم الناس في خطبة العيد أحكام النحر وفيه جواز الاكتفاء في الأضحية بالشاة الواحدة عن الرجل وعن أهل بيته وبه قال الجمهور وقد تقدمت الإشارة إليه قبل وعن أبي حنيفة والثوري يكره وقال الخطابي لا يجوز أن يضحى بشاة واحدة عن اثنين وادعى نسخ ما دل عليه حديث عائشة الآتي في باب من ذبح ضحية غيره وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة وفيه أن العمل وأن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وقع على وفق الشرع وفيه جواز أكل اللحم يوم العيد من غير لحم الأضحية لقوله إنما هو لحم قدمه لأهله وفيه كرم الرب سبحانه وتعالى لكونه شرع لعبيده الأضحية مع ما لهم فيها من الشهوة بالأكل والادخار ومع ذلك فأثبت لهم الأجر في الذبح ثم من تصدق أثيب وإلا لم يأثم قوله تابعه عبيدة عن الشعبي وإبراهيم وتابعه وكيع عن حريث عن الشعبي قلت أما عبيدة فهو بصيغة التصغير وهو بن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد المثناة وكسرها بعدها موحدة الضبي وروايته عن الشعبي يعني عن البراء بهذه القصة وأما قوله وإبراهيم فيعني النخعي وهو من طريق إبراهيم منقطع وليس لعبيدة في البخاري سوى هذا الموضع الواحد وأما متابعة حريث وهو بصيغة التصغير وهو بن أبي مطر واسمه عمرو الأسدي الكوفي وما له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع وقد وصله أبو الشيخ في كتاب الأضاحي من طريق سهل بن عثمان العسكري عن وكيع عن حريث عن الشعبي عن البراء أن خاله سأل فذكر الحديث وفيه عندي جذعة من المعز أو في منها وفي هذا تعقب على الدارقطني في الأفراد حيث زعم أن عبيد الله بن موسى تفرد بهذا عن حريث وساقه من طريقه بلفظ قال فعندي جذعة معز سمينة قوله وقال عاصم وداود عن الشعبي عندي عناق لبن أما عاصم فهو بن سليمان الأحول وقد وصله مسلم من طريق عبد الواحد بن زياد عنه عن الشعبي عن البراء بلفظ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم نحر فقال لا يضحين أحد حتى يصلي فقال رجل عندي عناق لبن وقال في آخره ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك وأما داود فهو بن أبي هند فوصله مسلم أيضا من طريق هشيم عنه عن الشعبي عن البراء بلفظ إن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري فقال أعد نسكا فقال إن عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم قال هي خير نسيكتيك ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك قوله وقال زبيد وفراس عن الشعبي عندي جذعة أما رواية زبيد وهو بالزاي ثم الموحدة مصغر فوصلها المؤلف في أول الأضاحي كذلك وأما رواية فراس وهو بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة بن يحيى فوصلها أيضا المؤلف في باب من ذبح قبل الصلاة أعاد قوله وقال أبو الأحوص حدثنا منصور عناق جذعة هو بالتغوين فيهما ورواية منصور هذه وهو بن المعتمر وصلها المؤلف من الوجه المذكور عنه عن الشعبي عن البراء في العيدين قوله وقال بن عون هو عبد الله عناق جذع عناق لبن يعني أن في روايته عن الشعبي عن البراء باللفظين جميعا لفظ عاصم ومن تابعه ولفظ منصور ومن تابعه وقد وصل المؤلف رواية بن عون في كتاب الأيمان والنذور من طريق معاذ بن معاذ عن بن عون باللفظ المذكور

[ 5237 ] قوله عن سلمة هو بن كهيل وصرح أحمد وبه في روايته عن محمد بن جعفر بهذا الإسناد وأبو جحيفة هو الصحابي المشهور قوله ذبح أبو بردة هو بن نيار الماضي ذكره قوله أبدلها بموحدة وفتح أوله وقد تقدم بيانه في قوله أذبح مكانها أخرى قوله قال شعبة وأحسبه قال هي خير من مسنة في رواية أبي عامر العقدي عن شعبة عند مسلم هي خير من مسنة ولم يشك قوله اجعلها مكانها أي اذبحها وقد تسمك بهذا الأمر من ادعى وجوب الأضحية ولا دلالة فيه لأنه ولو كان ظاهر الأمر الوجوب إلا أن قرينة إفساد الأولى تقتضي أن يكون الأمر بالإعادة لتحصيل المقصود وهو أعم من أن يكون في الأصل واجبا أبو مندوبا وقال الشافعي يحتمل أن يكون الأمر بالإعادة للوجوب ويحتمل أن يكون الأمر بالإعادة للإشارة إلى أن التضحية قبل الصلاة لا تقع أضحية فأمره بالإعادة ليكون في عداد من ضحى فلما احتمل ذلك وجدنا الدلالة على عدم الوجوب في حديث أم سلمة المرفوع إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي قال فلو كانت الأضحية واجبة لم يكل ذلك إلى الإرادة وأجاب من قال بالوجوب بأن التعليق على الإرادة لا يمنع القول بالوجوب فهو كما قيل من أراد الحج فليكثر من الزاد فان ذلك لا بدل على أن الحج لا يجب وتعقب بأنه لا يلزم من كون ذلك لا يدل على عدم الوجوب ثبوت الوجوب بمجرد الأمر بالإعادة لما تقدم من احتمال إرادة الكمال وهو الظاهر والله أعلم قوله وقال حاتم بن وردان الخ تقدم ذكر من وصله في الباب الذي قبله ولم يسق مسلم لفظه لكنه قال يمثل حديثهما يعني رواية إسماعيل بن علية عن أيوب ورواية هشام عن محمد بن سيرين

قوله باب من ذبح الأضاحي بيده أي وهل يشترط ذلك أو هو الأولى وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر لكن عند المالكية رواية بعدم الأجزاء مع القدرة وعند أكثرهم يكره لكن يستحب أن يشهدها ويكره أن يستنيب حائضا أو صبيا أو كتابيا وأولهم أولى ثم ما يليه

[ 5238 ] قوله ضحى كذا في رواية شعبة بصيغة الفعل الماضي وكذا في رواية أبي عوانة الآتية قريبا عن قتادة وفي رواية همام الآتية قريبا أيضا عن قتادة كان يضحي وهو أظهر في المداومة على ذلك قوله بكبشين أملحين زاد في رواية أبي عوانة وفي رواية همام كلاهما عن قتادة أقرنين وسيأتيان قريبا وتقدم مثله في رواية أبي قلابة قبل باب قوله فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما أي على صفاح كل منهما عند ذبحه والصفاح بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وآخره حاء مهملة الجوانب والمراد الجانب الواحد من وجه الأضحية وإنما ثنى إشارة إلى أنه فعل ذلك في كل منهما فهو من إضافة الجمع إلى المثنى بإرادة التوزيع قوله يسمى ويكبر في رواية أبي عوانة وسمي وكبر والأول أظهر في وقوع ذلك عند الذبح وفي الحديث غير ما تقدم مشروعية التسمية عند الذبح وقد تقدم في الذبائح بيان من اشترطها في صفة الذبح وفيه استحباب التكبير مع التسمية واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وامساك رأسها بيده اليسار

قوله باب من ذبح ضحية غيره أراد بهذه الترجمة بيان أن التي قبلها ليست للاشتراط قوله وأعان رجل بن عمر في بدنته أي عند ذبحها وهذا وصله عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت بن عمر ينحر بدنة بمنى وهي باركة معقولة ورجال يمسك بحبل في رأسها وابن عمر يطعن قال بن المنير هذا الأثر لا يطابق الترجمة إلا من جهة أن الاستعانة إذا كانت مشروعة التحقت بها الاستنابة وجاء في نحو قصة بن عمر حديث مرفوع أخرجه أحمد من حديث رجل من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم أضجع أضحيته فقال أعني على أضحيتي فأعانه ورجاله ثقات قوله وأمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن وصله الحاكم في المستدرك ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع أن أبا موسى كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بايديهن وسنده صحيح قال بن التين فيه جواز ذبيحة المرأة ونقل محمد عن مالك كراهته قلت وقد سبق في الذبائح مبينا وهذا الأثر مباين للترجمة فيحتمل أن يكون محله في الترجمة التي قبلها أو أراد أن الأمر في ذلك على اختيار المضحى وعن الشافعية الأولى للمرأة أن توكل في ذبح أضحيتها ولا تباشر الذبح بنفسها ثم ذكر المصنف حديث عائشة لما حاضت بسرف وفيه هذا أم كتبه الله على بنات آدم وفي آخره وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر ولمسلم من حديث جابر نحر النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة في حجة الوداع

قوله باب الذبح بعد الصلاة ذكر فيه حديث البراء في قصة أبي بردة وقد تقدم شرحه قريبا وسأذكر ما يتعلق بهذه الترجمة في التي بعدها وقوله

[ 5240 ] فيه ولن تجزى أو توفي شك من الراوي ومعنى توفي أي تكمل الثواب وعند أحمد من طريق يزيد بن البراء عن أبيه ولن تفي بغير واو ولا شك يقال وفى إذا انجز فهو بمعنى تجزى بفتح أوله

قوله باب من ذبح قبل الصلاة أعاد أي أعاد الذبح ذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس

[ 5241 ] قوله فيه وذكر هنة بفتح الهاء والنون الخفيفة بعدها هاء تأنيث أي حاجة من جيرانه إلى اللحم قوله فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره بتخفيف الذال المعجمة من العذر أي قبل عذره ولكن لم يجعل ما فعله كافيا ولذلك أمره بالإعادة قال بن دقيق العيد فيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل والفرق بين المأمورات والمنهيات أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها وذلك لا يحصل إلا بالفعل والمقصود من المنهيات الكف عنها بسبب مفاسدها ومع الجهل والنسيان لم يقصد المكلف فعلها فيعذر قوله وعندي جذعة هو معطوف على كلام الرجل الذي عني عنه الراوي بقوله وذكر هنة من جيرانه تقديره هذا يوم يشتهي فيه اللحم ولجيرانه حاجة فذبحت قبل الصلاة وعندي جذعة وقد تقدمت مباحثه قبل ثلاثة أبواب الثاني حديث جندب بن سفيان أورده مختصرا وتقدم في الذبائح من طريق أبي عوانة عن الأسود بن قيس أتم منه وأوله ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاة فإذا ناس ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة الحديث

[ 5242 ] قوله ومن لم يذبح فليذبح في رواية أبي عوانة ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله وفي رواية لمسلم فليذبح بسم الله أي فليذبح قائلا بسم الله أو مسميا والمجرور متعلق بمحذوف وهو حال من الضمير في قوله فليذبح وهذا أولى ما حمل عليه الحديث وصححه النووي ويؤيده ما تقدم في حديث أنس وسمي وكبر وقال عياض يحتمل أن يكون معناه فليذبح لله والباء تجىء بمعنى اللام ويحتمل أن يكون معناه بتسمية الله ويحتمل أن يكون معناه متبركا باسمه كما يقال سر على بركة الله ويحتمل أن يكون معناه فليذبح بسنة الله قال وأما كراهة بعضهم أفعل كذا على اسم الله لأنه اسمه على كل شيء فضعيف قلت ويحتمل وجها خامسا أن يكون معنى قوله بسم الله مطلق الإذن في الذبيحة حينئذ لأن السياق يقتضي المنع قبل ذلك والأذن بعد ذلك كما يقال للمستأذن بسم الله أي ادخل وقد استدل بهذا الأمر في قوله فليذبح مكانها أخرى من قال بوجوب الأضحية قال بن دقيق العيد صيغة من في قوله من ذبح صيغة عموم في حق كل من ذبح قبل أن يصلي وقد جاءت لتأسيس قاعدة وتنزيل صيغة العموم إذا وردت لذلك على الصورة النادرة يستنكر فإذا بعد تخصيصه بمن نذر أضحية معينة بقي التردد هل الأولى حمله على من سبقت له أضحية معينة أو حمله على ابتداء أضحيه من غير سبق تعيين فعلى الأول يكون حجة لمن قال بالوجوب على من اشترى الأضحية كالمالكية فإن الأضحية عندهم تجب بالتزام اللسان وبنية الشراء وبنية الذبح وعلى الثاني يكون لا حجة لمن أوجب الضحية مطلقا لكن حصل الانفصال ممن لم يقل بالوجوب بالأدلة الدالة على عدم الوجوب فيكون الأمر الندب واستدل به من اشترط تقدم الذبح من الإمام بعد صلاته وخطبته لأن قوله من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى إنما صدر منه بعد صلاته وخطبته وذبحه فكأنه قال من ذبح قبل فعل هذه الأمور فليعد أي فلا يعتمد بما ذبحه قال بن دقيق العيد وهذا استدلال غير مستقيم لمخالفته التقييد بلفظ الصلاة والتعقيب بالفاء الحديث الثالث حديث البراء أورده من طريق فراس بن يحيى عن الشعبي وقد تقدمت مباحثه قريبا

[ 5243 ] قوله من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا المراد من كان على دين الإسلام قوله فلا يذبح أي الأضحية حتى ينصرف تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة وإنما شرطوا فراغ الخطيب لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلى العيد أم لا وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي ونقل الطحاوي عن مالك والأوزاعي والشافعي لا تجوز أضحية قبل أن يذبح الإمام وهو معروف عن مالك والأوزاعي لا الشافعي قال القرطبي ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها وقال أبو حنيفة والليث لا ذبح قبل الصلاة ويجوز بعدها ولو لم يذبح الإمام وهو خاص بأهل المصر فأما أهل القرى والبوادي فيدخل وقت الأضحية في حقهم إذا طلع الفجر الثاني وقال مالك يذبحون إذا نحر أقرب أئمة القرى إليهم فإن نحروا قبل أجزأهم وقال عطاء وربيعة يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس وقال أحمد وإسحاق إذا فرغ الإمام من الصلاة جازت الأضحية وهو وجه للشافعية قوي من حيث الدليل وأن ضعفه بعضهم ومثله قول الثوري يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها ويحتمل أن يكون قوله حتى ينصرف أي من الصلاة كما في الروايات الأخر وأصرح من ذلك ما وقع عند أحمد من طريق يزيد بن البراء عن أبيه رفعه إنما الذبح بعد الصلاة ووقع في حديث جندب عند مسلم من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى قال بن دقيق العيد هذا اللفظ أظهر في اعتبار فعل الصلاة من حديث البراء أي حيث جاء فيه من ذبح قبل الصلاة قال لكن أن أجريناه على ظاهره اقتضى أن لا تجزىء الأضحية في حق من لم يصل العيد فإن ذهب إليه أحد فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث وإلا وجب الخروج عن هذا الظاهر في هذه الصورة ويبقى ما عداها في محل البحث وتعقب بأنه قد وقع في صحيح مسلم في رواية أخرى قبل أن يصلي أو نصلي بالشك قال النووي الأولى بالياء والثانية بالنون وهو شك من الراوي فعلى هذا إذا كان بلفظ يصلي ساوى لفظ حديث البراء في تعليق الحكم بفعل الصلاة قلت وقد وقع عند البخاري في حديث جندب في الذبائح بمثل لفظ البراء وهو خلاف ما يوهمه سياق صاحب العمدة فإنه ساقه على لفظ مسلم وهو ظاهر في اعتبار فعل الصلاة فإن إطلاق لفظ الصلاة وإرادة وقتها خلاف الظاهر وأظهر من ذلك قوله قبل أن نصلي بالنون وكذا قوله قبل أن ننصرف سواء قلنا من الصلاة أم من الخطبة وارعى بعض الشافعية أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى أي بعد أن يتوجه من مكان هذا القول لأنه خاطب بذلك من حضره فكأنه قال من ذبح قبل فعل هذا من الصلاة والخطبة فليذبح أخرى أي لا يعتد بما ذبحه ولا يخفي ما فيه وأورد الطحاوي ما أخرجه مسلم من حديث بن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمرهم أن يعيدوا قال ورواه حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بلفظ أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة وصححه بن حبان ويشهد لذلك قوله في حديث البراء أن أول ما نصنع أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فإنه دال على أن وقت الذبح يدخل بعد فعل الصلاة ولا يشترط التأخير إلى نحر الإمام ويؤيده من طريق النظر أن الإمام لو لم ينحر لم يكن ذلك مسقطا عن الناس مشروعية النحر ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلي لم يجزئه نحره فدل على أنه هو والناس في وقت الأضحية سواء وقال المهلب إنما كره الذبح قبل الإمام لئلا يشتغل الناس بالذبح عن الصلاة قوله فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله فعلت أي ذبحت قبل الصلاة ووقع عند مسلم من هذا الوجه نسكت عن بن لي وقد تقدم توجيهه قوله هي خير من مسنتين كذا وقع هنا بالتثنية وهي مبالغة ووقع في رواية غيره من مسنة بالافراد وتقدم توجيهه أيضا قوله قال عامر هي خير نسيكتيه كذا فيه بالتثنية وفيه ضم الحقيقة إلى المجاز بلفظ واحد فإن النسيكة هي التي أجزأت عنه وهي الثانية والأولى لم تجز عنه لكن أطلق عليها نسيكة لأن نحرها على أنها نسيكة أو نحرها في وقت النسيكة وإنما كانت خيرهما لأنها أجزأت عن الأضحية بخلاف الأولى وفي الأولى خير في الجملة باعتبار القصد الجميل ووقع عند ما من هذا الوجه قال ضح بها فإنها خير نسيكة ونقل بن التين عن الشيخ أبي الحسن يعني بن القصار أنه استدل بتسميتها نسيكة على أنه لا يجوز بيعها ولو ذبحت قبل الصلاة ولا يخفي وجه الضعف عليه

قوله باب وضع القد على صفح الذبيحة ذكر فيه حديث أنس ويضع رجله على صفحتهما وقد تقدمت مباحثه قريبا

قوله باب التكبير عند الذبح ذكر فيه حديث أنس أيضا وقد تقدم أيضا

قوله باب إذا بعث بهديه ليذبح لم يحرم عليه شيء ذكر فيه حديث عائشة وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج وأحمد بن محمد شيخه هو المروزي وعبد الله هو بن المبارك وإسماعيل هو بن أبي خالد وقوله

[ 5246 ] فيه إن رجلا يبعث بالهدى هو زياد بن أبي سفيان وقد تقدم نقله عن بن عباس وغيره وقوله فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب أي ضربت إحدى يديها على الأخرى تعجبا أو تأسفا على وقوع ذلك واستدل الداودي بقولها هدية على أن الحديث الذي روته ميمونة مرفوعا إذا دخل على عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره يكون منسوخا بحديث عائشة أو ناسخا قال بن التين ولا يحتاج إلى ذلك لأن عائشة إنما أنكرت أن يصير من يبعث هدية محرما بمجرد بعثه ولم تتعرض على ما يستحب في العشر خاصة من اجتناب إزالة الشعر والظفر ثم قال لكن عموم الحديث يدل على ما قال الداودي وقد استدل به الشافعي على إباحة ذلك في عشر ذي الحجة قال والحديث المذكور أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي قلت هو من حديث أم سلمة لا من حديث ميمونة فوهم الداودي في النقل وفي الاحتجاج أيضا فإنه لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يجتنبه المحرم على المضحي أنه لا يستحب فعل ما ورد به الخير المذكور لغير المحرم والله أعلم

قوله باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي أي من غير تقييد بثلث ولا نصف وما يتزود منها أي للسفر وفي الحضر وبيان التقييد بثلاثة أيام إما منسوخ وإما خاص بسبب فيه أحاديث الأول حديث جابر

[ 5247 ] قوله لحوم الأضاحي تقدم البحث في قوله إلى المدينة في باب ما كان السلف يدخرون من كتاب الأطعمة قوله وقال غير مرة لحوم الهدى فاعل قال هو سفيان بن عيينة وقائل ذلك الراوي عنه علي بن عبد الله وهو بن المديني بين أن سفيان كان تارة يقول لحوم الأضاحي ومرارا يقول لحوم الهدى ووقع في رواية الكشميهني هنا وقال غيره وهو تصحيف وقد تقدم في الباب المذكور من رواية أخرى عن سفيان لحوم الهدى الثاني

[ 5248 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وسليمان هو بن بلال ويحيى بن سعيد هو الأنصاري والقاسم هو بن محمد بن أبي بكر الصديق وابن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة اسمه عبد الله والإسناد كله مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق يحيى والقاسم وشيخه وفيه صحابيان أبو سعيد وقتادة بن النعمان قوله فقدم أي من السفر فقدم بضم القاف وتشديد الدال المكسورة أي وضع بين يديه قوله فقال أخروه فعل أمر من التأخير لا أذوقه أي لا آكل منه قوله قال ثم قمت فخرجت قد تقدم في غزوة بدر من كتاب المغازي من رواية الليث عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد بلفظ أن أبا سعيد قدم من سفر فقدم إليه أهله لحما من لحوم الأضاحي فقال ما أنا بآكله حتى أسأل قوله فخرجت حتى أتى أخي أبا قتادة وكان أخاه لأمه كذا لأبي ذر ووافقه الأصيلي والقابسي في روايتهما عن أبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني وهو وهم وقال الباقون حتى أتى أخي قتادة وهو الصواب وقد تقدم في رواية الليث فانطلق إلى أخيه لأمه قتادة بن النعمان وزعم بعض من لم يمعن النظر في ذلك أنه وقع في كل النسخ أبا قتادة وليس كما زعم وقد نبه على اختلاف الرواة في ذلك أبو علي الجياني في تقييده وتبعه عياض وآخرون وأم أبي سعيد وقتادة المذكورة أنيسة بنت أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك من بني عدي بن النجار ذكر ذلك بن سعد قوله حدث بعدك أمر زاد الليث نقض لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وقد أخرجه أحمد من رواية محمد بن إسحاق قال حدثني أبي ومحمد بن علي بن حسين عن عبد الله بن خباب مطولا ولفظه عن أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل لحوم نسكنا فوق ثلاث قال فخرجت في سفر ثم قدمت على أهلي وذلك بعد الأضحى بأيام فأتتني صاحبتي بسلق قد جعلت فيه قديدا فقالت هذا من ضحايانا فقلت لها أو لم ينهنا فقالت إنه رخص للناس بعد ذلك فلم أصدقها حتى بعثت إلى أخي قتادة بن النعمان فذكره وفيه قد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في ذلك وأخرجه النسائي وصححه بن حبان من طريق زينب بنت كعب عن أبي سعيد فقلب المتن جعل راوي الحديث أبا سعيد والممتنع من الأكل قتادة بن النعمان وما في الصحيحين أصح وأخرجه أحمد من وجه آخر فجعل القصة لأبي قتادة وأنه سأل قتادة بن النعمان عن ذلك أيضا وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في حجة الوداع فقال إني كنت أمرتكم ألا تأكلوا الأضاحي فوق ثلاثة أيام لتسعكم وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم الحديث فبين في هذا الحديث وقت الإحلال وأنه كان في حجة الوداع وكأن أبا سعيد ما سمع ذلك وبين فيه أيضا السبب في التقييد وأنه لتحصيل التوسعة بلحوم الأضاحي لمن لم يضح الثالث حديث سلمة بن الأكوع وهو من ثلاثياته

[ 5249 ] قوله فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي استفاد منه أن النهي كان سنة تسع لما دل عليه الذي قبله أن الإذن كان في سنة عشر قال بن المنير وجه قولهم هل نفعل كما كنا نفعل مع أن النهي يقتضي الاستمرار لأنهم أن ذلك النهي ورد على سبب خاص فلما احتمل عندهم عموم النهي أو خصوصه من أجل السبب سألوا فارشدهم إلى أنه خاص بذلك العام من أجل السبب المذكور وقوله كلوا وأطعموا تمسك به من قال بوجوب الأكل من الأضحية ولا حجة فيه لأنه أمر بعد حظر فيكون للإباحة واستدل به على أن العام إذا ورد على سبب خاص ضعفت دلالة العموم حتى لا يبقى على أصالته لكن لا يقتصر فيه على السبب قوله وادخروا بالمهملة وأصله من ذخر بالمعجمة دخلت عليه تاء الافتعال ثم ادغمت ومنه قوله تعالى واذكر بعد أمة ويؤخذ من الإذن في الادخار الجواز خلافا لمن كرهه وقد ورد في الادخار كان يدخر لأهله قوت سنة وفي رواية كان لا يدخر لغد والأول في الصحيحين والثاني في مسلم والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه ويدخر لعياله أو أن ذلك كان باختلاف الحال فيتركه عند حاجة الناس إليه ويفعله عند عدم الحاجة قوله كان بالناس جهد بالفتح أي مشقة من جهد قحط السنة قوله فأردت أن تعينوا فيها كذا هنا من الإعانة وفي رواية مسلم عن محمد بن المثنى عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه فأردت أن تفشوا فيهم وللإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي عاصم فأردت أن تقسموا فيهم كلوا وأطعموا وادخروا قال عياض الضمير في تعينوا فيها للمشقة المفهومة من الجهد أو من الشدة أو من السنة لأنها سبب الجهد وفي تفشوا فيهم أي في الناس المحتاجين إليها قال في المشارق ورواية البخاري أوجه وقال في شرح مسلم ورواية مسلم أشبه قلت قد عرفت أن مخرج الحديث وأحد ومداره على أبي عاصم وأنه تارة قال هذا وتارة قال هذا والمعنى في كل صحيح فلا وجه للترجيح الحديث الرابع حديث عائشة

[ 5250 ] قوله إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس الذي روى عنه حديث أبي سعيد وقوله حدثني أخي هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال ويحيى بن سعيد هو الأنصاري فإسماعيل في حديث أبي سعيد يروي عن سليمان بن بلال بغير واسطة وفي حديث عائشة هذا يروي عنه بواسطة وقد تكرر له هذا في عدة أحاديث وذلك يرشد إلى أنه كان لا يدلس قوله الضحية بفتح المعجمة وكسر الحاء المهملة قوله نملح منه أي من لحم الأضحية في رواية الكشميهني منها أي من الأضحية قوله فنقدم بسكون القاف وفتح الدال من القدوم وفي رواية بفتح القاف وتشديد الدال أي نضعه بين يديه وهو أوجه قوله فقال لا تأكلوا أي منه هذا صريح في النهي عنه ووقع في رواية الترمذي من طريق عابس بن ربيعة عن عائشة أنها سألت أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الأضاحي فقالت لا والجمع بينهما أنها نفت نهي التحريم لا مطلق النهي ويؤيده قوله في هذه الرواية وليست بعزيمة قوله وليست بعزيمة ولكن أراد أن نطعم منه بضم النون وسكون الطاء أي نطعم غيرنا قال الإسماعيلي بعد أن أخرج هذا الحديث عن علي بن العباس عن البخاري بسنده إلى قوله بالمدينة كأن الزيادة من قوله بالمدينة الخ من كلام يحيى بن سعيد قلت بل هو من جملة الحديث فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن البخاري بتمامه وتقدم في الأطعمة من طريق عابس بن ربيعة قلت لعائشة أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكل من لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالت ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير والطحاوي من هذا الوجه أكان يحرم لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالت لا ولكنه لم يكن يضحي منهم إلا القليل ففعل ليطعم من ضحى منهم من لم يضح وفي رواية مسلم من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة إنما نهبتكم من أجل الدافة التي دفت وتصدقوا وادخروا وأول الحديث عند مسلم دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقى فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس ينفعون من ضحاياهم فقال إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وتصدقوا وادخروا قال الخطابي الدف يعني بالمهملة والفاء الثقيلة السير السريع والدافة من يطرأ من المحتاجين واستدل بإطلاق هذه الأحاديث على أنه لا تقييد في القدر الذي يجزي من الإطعام ويستحب للمضحي أن يأكل من الأضحية شيئا وبطعم الباقي صدقة وهدية وعن الشافعي يستحب قسمتها أثلاثا لقوله كلوا وتصدقوا وأطعموا قال بن عبد البر وكان غيره يقول يستحب أن يأكل النصف ويطعم النصف وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الأضاحي من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة رفعه من ضحى فليأكل من أضحيته ورجله ثقات لكن قال أبو حاتم الرازي الصواب عن عطاء مرسل قال النووي مذهب الجمهور أنه لا يحب الأكل من الأضحية وإنما الأمر فيه للإذن وذهب بعض السلف إلى الأخذ بظاهر الأمر وحكاه الماوردي عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية وأما الصدقة منها فالصحيح أنه يجب التصدق من الأضحية بما يقع عليه الاسم والأكمل أن يتصدق بمعظمها الحديث الخامس والسادس والسابع أحاديث أبي عبيد عن عمر ثم عن عثمان ثم عن علي

[ 5251 ] قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد وأبو عبيد مولى بن أزهر أي عبد الرحمن بن أزهر بن عوف بن أخي عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيد اسمه سعد بن عبيد قوله قد نهاكم عن صيام هذين العيدين تقدمت مباحثه في أواخر كتاب الصيام واستدل به على أن النهي عن الشيء إذا تحدث جهته لم يجز فعله كصوم يوم العيد فإنه لا ينفك عن الصوم فلا يتحقق فيه جهتان فلا يصح بخلاف ما إذا تعددت الجهة كالصلاة في الدار المغصوبة فإن الصلاة تتحقق في غير المغصوب فيصح في المغصوب مع التحريم والله أعلم قوله قال أبو عبيد هو موصول بالسند المذكور قوله ثم شهدت العيد لم يبين كونه أضحى أو فطرا والظاهر أنه الأضحى الذي قدمه في حديثه عن عمر فتكون اللام فيه للعهد قوله وكان ذلك يوم الجمعة أي يوم العيد قوله قد اجتمع لكم فيه عيدان أي يوم الأضحى ويوم الجمعة قوله من أهل العوالي جمع العالية وهي قرى معروفة بالمدينة قوله فلينتظر أي يتأخر إلى أن يصلى الجمعة قوله ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له استدل به من قال بسقوط الجمعة عمن صلى العيد إذا وافق العيد يوم الجمعة وهو محكى عن أحمد وأجيب بأن قوله أذنت له ليس فيه تصريح بعدم العود وأيضا فظاهر الحديث في كونهم من أهل العوالي أنهم لم يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة لبعد منازلهم عن المسجد وقد ورد في أصل المسألة حديث مرفوع قوله ثم شهدته أي العيد ودل السياق على أن المراد به الأضحى وهو يؤيد ما تقدم في حديث عثمان وأصرح من ذلك ما وقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد أنه سمع عليا يقول يوم الأضحى وللنسائي من طريق غندر عن معمر بسنده شهدت عليا في يوم عيد بدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ثم قال سمعت فذكر المرفوع قوله نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث زاد عبد الرزاق في روايته فلا تأكلوها بعدها قال القرطبي اختلف في أول الثلاث التي كان الادخار فيها جائزا فقيل أولها يوم النحر فمن ضحى فيه جاز له أن يمسك يومين بعده ومن ضحى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة وقيل أولها يوم يضحى فلو ضحى في آخر أيام النحر جاز له أن يمسك ثلاثا بعدها ويحتمل أن يؤخذ من قوله فوق ثلاث أن لا يحسب اليوم الذي يقع فيه النحر من الثلاث وتعتبر الليلة التي تليه وما بعدها قلت ويؤيده ما في حديث جابر كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فإن ثلاث منى تتناول يوما بعد يوم النحر لأهل النفر الثاني قال الشافعي لعل عليا لم يبلغه النسخ وقال غيره يحتمل أن يكون الوقت الذي قال علي فيه ذلك كان بالناس حاجة كما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك جزم بن حزم فقال إنما خطب علي بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان حوصر فيه وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة فاصابهم الجهد فلذلك قال علي ما قال قلت أما كون علي خطب به وعثمان محصورا فأخرجه الطحاوي من طريق الليث عن عقيل عن الزهري في هذا الحديث ولفظه صليت مع علي العيد وعثمان محصور وأما الحمل المذكور فلما أخرج أحمد والطحاوي أيضا من طريق مخارق بن سليم عن رفعه أني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فادخروا ما بدا لكم ثم جمع الطحاوي بنحو ما تقدم وكذلك يجاب عما أخرج أحمد من طريق أم سليمان قالت دخلت على عائشة فسألتها عن لحوم الأضاحي فقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ثم رخص فيها فقدم علي من السفر فأتته فاطمة بلحم من ضحاياها فقال أو لم ننه عنه قالت إنه قد رخص فيها فهذا علي قد اطلع على الرخصة ومع ذلك خطب بالمنع فطريق الجمع ما ذكرته وقد جزم به الشافعي في الرسالة في آخر باب العلل في الحديث فقال ما نصه فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وأن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة قال الشافعي ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث منسوخا في كل حال قلت وبهذا الثاني أخذ المتأخرون من الشافعية فقال الرافعي الظاهر أنه لا يحرم اليوم مجال وتبعه النووي فقال في شرح المهذب الصواب المعروف أنه لا يحرم الادخار اليوم مجال وحكى في شرح مسلم عن جمهور العلماء أنه من نسخ السنة بالسنة قال والصحيح نسخ النهي مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث والأكل إلى متى شاء اه وإنما رجح ذلك لأنه يلزم من القول بالتحريم إذا دفت الدافة إيجاب الإطعام وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حتى سوى الزكاة ونقل بن عبد البر ما يوافق ما نقله النووي فقال لا خلاف بين فقهاء المسلمين في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وأن النهي عن ذلك منسوخ كذا أطلق وليس بجيد فقد قال القرطبي حديث سلمة وعائشة نص على أن المنع كان لعلة فلما ارتفعت ارتفع لارتفاع موجبه فتعين الأخذ به وبعود الحكم تعود العلة فلو قدم على أهل بلد ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا تعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث قلت والتقييد بالثلاث واقعة حال وإلا فلو لم تستد الخلة إلا بتفرقة الجميع لزم على هذا التقرير عدم الإمساك ولو ليلة واحدة وقد حكى الرافعي عن بعض الشافعية أن التحريم كان لعلة فلما زالت زال الحكم لكن لا يلزم عود الحكم عند عود العلة قلت واستبعدوه وليس ببعيد لأن صاحبه قد نظر إلى أن الخلة لم تستد يومئذ إلا بما ذكر فأما الآن فإن الخلة تستد بغير لحم الأضحية فلا يعود الحكم إلا لو فرض أن الخلة لا تستد إلا بلحم الأضحية وهذا في غاية الندور وحكى البيهقي عن الشافعي أن النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث كان في الأصل للتنزيه قال وهو كالأمر في قوله تعالى فكلوا منها وأطعموا القانع وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالا وقال المهلب أنه الصحيح لقول عائشة وليس بعزيمة والله أعلم واستدل بهذه الأحاديث على أن النهي عن الأكل فوق ثلاث خاص بصاحب الأضحية فإما من أهدى له أو تصدق عليه فلا لمفهوم قوله من أضحيته وقد جاء في حديث الزبير بن العوام عند أحمد وأبي يعلى ما يفيد ذلك ولفظه قلت يا نبي الله أرأيت قد نهى المسلمون أن يأكلوا من لحم نسكهم فوق ثلاث فكيف نصنع بما أهدي لنا قال أما ما أهدي إليكم فشأنكم به فهذا نص في الهدية وأما الصدقة فإن الفقير لا حجر عليه في التصرف فيما يهدى له لأن القصد أن تقع المواساة من الغني للفقير وقد حصلت قوله عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد نحوه هذا ظاهره أنه معطوف على السند المذكور فيكون من رواية حبان بن موسى عن بن المبارك عن معمر وبهذا جزم أبو العباس الطرقي في الأطراف وهو مقتضي صنيع المزي لكن أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن حبان بن موسى فساق رواية يونس بتمامها ثم أخرجه من رواية يزيد بن زريع عن معمر وقال أخرجه البخاري عقب رواية بن المبارك عن يونس قلت فاحتمل على هذا أن تكون رواية معمر معلقة وقد بينت ما فيها من فائدة زائدة قبل ويؤيده أن الإسماعيل أخرجه عن الحسن بن سفيان عن حبان بسنده ومن طريق بن وهب عن يونس ومالك كلاهما عن بن شهاب به ثم قال البخاري وعن معمر عن الزهري عن أبي عبيد نحوه ولم يذكر الخبر أي لم يوصل السند إلى معمر الحديث الثامن

[ 5252 ] قوله محمد بن عبد الرحيم هو المعروف بصاعقة وابن أخي بن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم وسالم هو بن عبد الله بن عمر قوله كلوا من الأضاحي ثلاثا أي فقط ولمسلم من طريق معمر نهى أن تؤكل الأضاحي بعد ثلاث وله من طريق نافع عن بن عمر لا يأكل أحد من أضحيته فوق ثلاثة أيام قوله وكان عبد الله أي بن عمر يأكل بالزيت سيأتي بيانه قوله حين ينفر من منى هذا هو الصواب ووقع في رواية الكشميهني وحده حتى بدل حين وهو تصحيف يفسد المعنى فإن المراد أن بن عمر كان لا يأكل من لحم الأضحية بعد ثلاث فكان إذا انقضت ثلاث مني ائتدم بالزيت ولا يأكل اللحم تمسكا بالأمر المذكور ويدل عليه قوله في آخر الحديث من أجل لحوم الهدي وكأنه أيضا لم يبلغه الأذن بعد المنع وعلى رواية الكشميهني ينعكس الأمر ويصير المعنى كان يأكل بالزيت إلى أن ينفر فإذا نفر أكل بغير الزيت فيدخل فيه لحم الأضحية وأما تعبيره في الحديث بالهدى فيحتمل أن يكون بن عمر كان يسوى بين لحم الهدى ولحم الأضحية في الحكم ويحتمل أن يكون أطلق على لحم الأضحية لحم الهدى لمناسبة أنه كان بمنى وفي هذه الأحاديث من الفوائد غير ما تقدم نسخ الأثقل بالأخف لأن النهي عن ادخار لحم الأضحية بعد ثلاث مما يثقل على المضحين والأذن في الادخار أخف منه وفيه رد على من يقول إن النسخ لا يكون إلا بالاثقل للأخف وعكسه بن العربي زعما أن الإذن في الادخار نسخ بالنهي وتعقب بأن الادخار كان مباحا بالبراءة الأصلية فالنهي عنه ليس نسخا وعلى تقدير أن يكون نسخا ففيه نسخ الكتاب بالسنة لأن في الكتاب الإذن في أكلها من غير تقييد لقوله تعالى فكلوا منها وأطعموا ويمكن أن يقال إنه تخصيص لا نسخ وهو الأظهر خاتمة اشتمل كتاب الأضاحي من الأحاديث المرفوعة على أربعة وأربعين حديثا المعلق منها خمسة عشر والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة وثلاثون حديثا والخالص خمسة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث قتادة بن النعمان في الباب الأخير وسوى زيادة معلقة في حديث أنس وهي قوله بكبشين سمينين فإن أصل الحديث عند مسلم سوى قوله سمينين وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار والله سبحانه وتعالى أعلم