كتاب المرضى
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المرضى باب ما جاء في كفارة المرض كذا لهم إلا أن البسملة سقطت لأبي ذر وخالفهم النسفي فلم يفرد كتاب المرضى من كتاب الطب بل صدر بكتاب الطب ثم بسمل ثم ذكر باب ما جاء واستمر على ذلك إلى آخر كتاب الطب ولكل وجه وفي بعض النسخ كتاب والمرضى جمع مريض والمراد بالمرض هنا مرض البدن وقد يطلق المرض على مرض القلب إما للشبهة كقوله تعالى في قلوبهم مرض وإما للشهوة كقوله تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض ووقع ذكر مرض البدن في القرآن في الوضوء والصوم والحج وسيأتي ذكر مناسبة ذلك في أول الطب والكفارة صيغة مبالغة من التكفير وأصله التغطية والستر والمعنى هنا أن ذنوب المؤمن تتغطى بما يقع له من ألم المرض قال الكرماني والإضافة بيانية لأن المرض ليست له كفارة بل هو الكفارة نفسها فهو كقولهم شجر الأراك أو الإضافة بمعنى في أو هو من إضافة الصفة إلى الموصوف وقال غيره هو من الإضافة إلى الفاعل وأسند التكفير للمرض لكونه سببه قوله وقول الله عز وجل من يعمل سوءا يجز به قال الكرماني مناسبة الآية للباب أن الآية أعم إذا المعنى أن كل من يعمل سيئة فإنه يجازى بها وقال بن المنير الحاصل أن المرض كما جاز أن يكون مكفرا للخطايا فكذلك يكون جزاء لها وقال بن بطال ذهب أكثر أهل التأويل إلى أن معنى الآية أن المسلم يجازى على خطاياه في الدنيا بالمصائب التي تقع له فيها فتكون كفارة لها وعن الحسن وعبد الرحمن بن زيد أن الآية المذكورة نزلت في الكفارة خاصة والأحاديث في هذا الباب تشهد للأول انتهى وما نقله عنهما أورده الطبري وتعقبه ونقل بن التين عن بن عباس نحوه والأول المعتمد والأحاديث الواردة في سبب نزول الآية لما لم تكن على شرط البخاري ذكرها ثم أورد من الأحاديث على شرطه ما يوافق ما ذهب إليه الأكثر من تأويلها ومنه ما أخرجه أحمد وصححه بن حبان من طريق عبيد بن عمير عن عائشة أن رجلا تلا هذه الآية من يعمل سوءا يجز به فقال إنا لنجزى بكل ما عملناه هلكنا إذا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم يجزى به في الدنيا من مصيبة في جسده مما يؤذيه وأخرجه أحمد وصححه بن حبان أيضا من حديث أبي بكر الصديق أنه قال يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به فقال غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تحزن قال قلت بلى قال هو ما تجزون به ولمسلم من طريق محمد بن قيس بن مخرمة عن أبي هريرة لما نزلت من يعمل سوءا يجز به بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها ثم ذكر المصنف في الباب ستة أحاديث الحديث الأول حديث عائشة

[ 5317 ] قوله ما من مصيبة أصل المصيبة الرمية بالسهم ثم استعملت في كل نازلة وقال الراغب أصاب يستعمل في الخير والشر قال الله تعالى ان تصبك حسنة تسؤهم وأن تصبك مصيبة الآية قال وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم وقال الكرماني المصيبة في اللغة ما ينزل بالإنسان مطلقا وفي العرف ما نزل به من مكروه خاصة وهو المراد هنا قوله تصيب المسلم في رواية مسلم من طريق مالك ويونس جميعا عن الزهري ما من مصيبة يصاب بها المسلم ولأحمد من طريق عبد الرزاق عن معمر بهذا السند ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن ولابن حبان من طريق بن أبي السري عن عبد الرزاق ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها ونحوه لمسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه قوله حتى الشوكة جوزوا فيه الحركات الثلاث فالجر بمعنى الغاية أي حتى ينتهي إلى الشوكة أو عطفا على لفظ مصيبة والنصب بتقدير عامل أي حتى وجدانه الشركة والرفع عطفا على الضمير في تصيب وقال القرطبي قيده المحققون بالرفع والنصب فالرفع على الابتداء ولا يجوز على المحل كذا قال ووجهه غيره بأنه يسوغ على تقدير أن من زائدة قوله يشاكها بضم أوله أي يشوكه غيره بها وفيه وصل الفعل لأن الأصل يشاك بها وقال بن التين حقيقة هذا اللقظ يعني قوله يشاكها أن يدخلها غيره قلت ولا يلزم من كونه الحقيقة أن لا يراد ما هو أعم من ذلك حتى يدخل ما إذا دخلت هي بغير إدخال أحد وقد وقع في رواية هشام بن عروة عند مسلم لا يصيب المؤمن شوكة فاضافة الفعل إليها هو الحقيقة ويحتمل إرادة المعنى الأعم وهي أن تدخل بغير فعل أحد أو بفعل أحد فمن لا يمنع الجمع بين إرادة الحقيقة والمجاز باللفظ الواحد يجوز مثل هذا ويشاكها ضبط بضم أوله ووقع في نسخة الصغاني بفتحه ونسبها بعض شراح المصابيح لصحاح الجوهري لكن الجوهري إنما ضبطها لمعنى آخر فقدم لفظ يشاك بضم أوله ثم قال والشوكة حدة الناس وحدة السلاح وقد شاك الرجل يشاك شوكا إذا ظهرت فيه شوكته وقويت قوله إلا كفر الله بها عنه في رواية أحمد إلا كان كفارة لذنبه أي يكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية ويكون ذلك سببا لمغفرة ذنبه ووقع في رواية بن حبان المذكورة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة ومثله لمسلم من طريق الأسود عن عائشة وهذا يقتضي حصول الأمرين معا حصول الثواب ورفع العقاب وشاهده ما أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن عائشة بلفظ ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة وسنده جيد وأما ما أخرجه مسلم أيضا من طريق عمرة نها إلا كتب الله له بها حسنة أو حط عنه بها خطيئة كذا وقع فيه بلفظ أو فيحتمل أن يكون شكا من الراوي ويحتمل التنويع وهذا أوجه ويكون المعنى إلا كتب الله له بها حسنة إن لم يكن عليه خطايا أو حط عنه خطايا إن كان له خطايا وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رفع درجته بقدر ذلك والفضل واسع تنبيه وقع لهذا الحديث سبب أخرجه أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب المؤمن نكبة شوكة الحديث وفي هذا الحديث تعقب على الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث قال ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منها بل الأجر علىالصبر والرضا ووجه التعقب أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة قال القرافي المصائب كفارات جزما سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قل كذا قال والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لتحصيل الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع كذا قال وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر فيه على ذلك الحديث الثاني والثالث حديث أبي سعيد وأبي هريرة معا

[ 5318 ] قوله عبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي مشهور بكنيته أكثر من اسمه وزهير بن محمد هو أبو المنذر التميمي وقد تكلموا في حفظه لكن قال البخاري في التاريخ الصغير ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح قلت وقال أحمد بن حنبل كان زهير بن محمد الذي يروي عنه الشاميون آخر لكثرة المناكير انتهى ومع ذلك فما أخرج له البخاري إلا هذا الحديث وحديثا آخر في كتاب الاستئذان من رواية أبي عامر العقدي أيضا عنه وأبو عامر بصري وقد تابعه على هذا الحديث الوليد بن كثير في حديث الباب عن شيخه فيه محمد بن عمرو بن حلحلة عند مسلم وحلحلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة وبعد الثانية لام مفتوحة ثم هاء قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الوليد بن كثير أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله من نصب بفتح النون والمهملة ثم موحدة هو التعب وزنه ومعناه قوله ولا وصب بفتح الواو والمهملة ثم الموحدة أي مرض وزنه ومعناه وقيل هو المرض اللازم قوله ولا هم ولا حزن هما من أمراض الباطن ولذلك ساغ عطفهما على الوصب قوله ولا أذى هو أعم مما تقدم وقيل هو خاص بما يلحق الشخص من تعدي غيره عليه قوله ولا غم بالغين المعجمة هو أيضا من أمراض الباطن وهو ما يضيق على القلب وقيل في هذه الأشياء الثلاثة وهي الهم والغم والحزن أن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده وقيل الهم والغم بمعنى واحد وقال الكرماني الغم يشمل جميع أنواع المكروهات لأنه إما بسبب ما يعرض للبدن أو النفس والأول إما بحيث يخرج عن المجرى الطبيعي أو لا والثاني إما أن يلاحظ فيه الغير أو لا وإما أن يظهر فيه الانقباض أو لا وإما بالنظر إلى الماضي أو لا الحديث الرابع حديث كعب قوله حدثنا يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري وسعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وعبد الله بن كعب أي بن مالك الأنصاري قوله كالخامة بالخاء المعجمة وتخفيف الميم هي الطاقة الطرية اللينة أو الغضة أو القضبة قال الخليل الخامة الزرع أول ما ينبت على ساق واحد والألف منها منقلبة عن واو ونقل بن التين عن القزاز أنه ذكرها بالمهملة والفاء وفسرها بالطاقة من الزرع ووقع عند أحمد في حديث جابر مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر أخرى وله في حديث لأبي بن كعب مثل المؤمن مثل الخامة تحمر مرة وتصفر أخرى قوله تفيئها بفاء وتحتانية مهموز أي تميلها وزنه ومعناه قال الزركشي هنا لم يذكر الفاعل وهو الريح وبه يتم الكلام وقد ذكره في باب كفارة المرض وهذا من أعجب ما وقع له فان هذا الباب الذي ذكر فيه ذلك هو باب كفارة المرض ولفظ الريح ثابت فيه عند معظم الرواة ونقل بن التين عن أبي عبد الملك أن معنى تفيئها ترقدها وتعقبه بأنه ليس في اللغة فاء إذا رقد قلت لعله تفسير معنى لأن الرقود رجوع عن القيام وفاء يجيء بمعنى رجع قوله وتعدلها بفتح أوله وسكون المهملة وكسر الدال وبضم أوله أيضا وفتح ثانيه والتشديد ووقع عند مسلم تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى وكأن ذلك باختلاف حال الريح فإن كانت شديدة حركتها فمالت يمينا وشمالا حتى تقارب السقوط وإن كانت ساكنة أو إلى السكون أقرب أقامتها ووقع في رواية زكريا عند مسلم حتى تهيج أي تستوي ويكمل نضجها ولأحمد من حديث جابر مثله قوله

[ 5319 ] ومثل المنافق في حديث أبي هريرة المذكور بعده الفاجر وفي رواية زكريا عند مسلم الكفار قوله كالأرزة بفتح الهمزة وقيل بكسرها وسكون الراء بعدها زاي كذا للأكثر وقال أبو عبيدة هو بوزن فاعلة وهي الثابتة في الأرض ورده أبو عبيد بأن الرواة اتفقوا على عدم المد وإنما اختلفوا في سكون الراء وتحريكها والأكثر على السكون وقال أبو حنيفة الدينوري الراء ساكنة وليس هو من نبات أرض العرب ولا ينبت في السباخ بل يطول طولا شديدا ويغلظ قال وأخبرني الخبير أنه ذكر الصنوبر وأنه لا يحمل شيئا وإنما يستخرج من أعجازه وعروقه الزفت وقال بن سيده الأرز العرعر وقيل شجر بالشام يقال لثمره الصنوبر وقال الخطابي الأرزة مفتوحة الراء واحدة الأرز وهو شجر الصنوبر فيما يقال وقال القزاز قاله قوم بالتحريك وقالوا هو شجر معتدل صلب لا يحركه هبوب الريح ويقال له الأرزن قوله انجعافها بجيم ومهملة ثم فاء أي انقلاعها تقول جعفته فانجعف مثل قلعته فانقلع ونقل بن التين عن الداودي أن معناه انكسارها من وسطها أو أسفلها قال المهلب معنى الحديث أن المؤمن حيث جاءه أمر الله أن طاع له فإن وقع له خير فرح به وشكر وإن وقع له مكروه صبر ورجا فيه الخير والأجر فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرا والكافر لا يتفقده الله باختياره بل يحصل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذابا عليه وأكثر ألما في خروج نفسه وقال غيره المعنى أن المؤمن يتلقى الأعراض الواقعة عليه لضعف حظه من الدنيا فهو كأوائل الزرع شديد الميلان لضعف ساقه والكافر بخلاف ذلك وهذا في الغالب من حال الإثنين قوله وقال زكريا هو بن أبي زائدة وهذا التعليق عنه وصله مسلم من طريق عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر كلاهما عنه قوله حدثني سعد هو بن إبراهيم المذكور من قبل قوله حدثني بن كعب يريد أنه مغاير لرواية سفيان عن سعد في شيئين أحدهما إبهامه اسم بن كعب والثاني تصريحه بالتحديث فيستفاد من رواية سفيان تسميته ومن رواية زكريا التصريح باتصاله وقد وقع في رواية لمسلم عند سفيان تسميته عبد الرحمن بن كعب ولعل هذا هو السر في إبهامه في رواية زكريا ويستفاد من صنيع مسلم في تخريج الروايتين عن سفيان أن الاختلاف إذا دار على ثقة لا يضر الحديث الخامس حديث أبي هريرة

[ 5320 ] قوله حدثني أبي هو فليح بن سليمان قوله عن هلال بن علي من بني عامر بن لؤي كذا فيه وليس هو من أنفسهم وإنما هو من مواليهم واسم جده أسامة وقد ينسب إلى جده ويقال له أيضا هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال وهو مدني تابعي صغير موثق وفي الرواة هلال بن أبي هلال سلمة الفهري تابعي مدني أيضا يروي عن بن عمر روى عنه أسامة بن زيد الليثي وحده ووهم من خلطه بهلال بن علي وفيهم أيضا هلال بن أبي هلال مذحجي تابعي أيضا يروي عن أبي هريرة وهلال بن أبي هلال أبو ظلال بصري تابعي أيضا يأتي ذكره قريبا في باب فضل من ذهب بصره وهلال بن أبي هلال شيخ يروي عن أنس أفرده الخطيب في المتفق عن أبي ظلال وقال أنه مجهول ولست أستبعد أن يكون واحدا قوله من حيث أتتها الريح كفأتها بفتح الكاف والفاء والهمز أي أمالتها ونقل بن التين أن منهم من رواه بغير همز ثم قال كأنه سهل الهمز وهو كما ظن والمعنى أمالتها قوله فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء قال عياض كذا فيه وصوابه فإذا انقلبت ثم يكون قوله تكفأ رجوعا إلى وصف المسلم وكذا ذكره في التوحيد وقال الكرماني كان المناسب أن يقول فإذا اعتدلت تكفأ بالريح كما يتكفأ المؤمن بالبلاء لكن الريح أيضا بلاء بالنسبة إلى الخامة أو لأنه لما شبة المؤمن بالخامة أثبت للمشبه به ما هو من خواص المشبه قلت ويحتمل أن يكون جواب إذا محذوفا والتقدير استقامت أي فإذا اعتدلت الريح استقامت الخامة ويكون قوله بعد ذلك تكفأ بالبلاء رجوعا إلى وصف المسلم كما قال عياض وسياق المصنف في باب المشيئة والإرادة من كتاب التوحيد يؤيد ما قلت فإنه أخرجه فيه عن محمد بن سنان عن فليح عاليا بإسناده الذي هنا وقال فيه فإذا سكنت اعتدلت وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء تنبيه ذكر المزي في الأطراف في ترجمة هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة حديث مثل المؤمن مثل خامة الزرع خ في الطب عن محمد بن سنان عن فليح وعن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عنه به قال أبو القاسم يعني بن عساكر لم أجد حديث محمد بن سنان ولا ذكره أبو مسعود فأشار إلى أن خلفا تفرد بذكره قلت ورواية إبراهيم بن المنذر في كتاب المرضى كما ترى لا في الطب لكن الأمر فيه سهل وأما رواية محمد بن سنان فقد بينت أين ذكرها البخاري أيضا فيتعجب من خفاء ذلك على هذين الحافظين الكبيرين بن عساكر والمزي ولله الحمد على ما أنعم قوله والفاجر في رواية محمد بن سنان والكافر وبهذا يظهر أن المراد بالمنافق في حديث كعب بن مالك نفاق الكفر قوله صماء أي صلبة شديدة بلا تجويف قوله يقصمها بفتح أوله وبالقاف أي يكسرها وكأنه مستند الداودي فيما فسر به الانجعاف لكن لا يلزم من التعبير بما يدل على الكسر أن يكون هو الانقلاع لأن الغرض القدر المشترك بينهما وهو الإزالة والمراد خروج الروح من الجسد الحديث السادس حديث أبي هريرة أيضا

[ 5321 ] قوله عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة هكذا جرد مالك نسبه ومنهم من ينسبه إلى جده ومنهم من ينسب عبد الله إلى جده ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق بن القاسم عن مالك حدثني محمد بن عبد الله فذكره قوله أبا الحباب بضم المهملة وموحدتين مخففا قوله من يرد الله به خيرا يصب منه كذا للأكثر بكسر الصاد والفاعل الله قال أبو عبيد الهروي معناه يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها وقال غيره معناه يوجه إليه البلاء فيصيبه وقال بن الجوزي أكثر المحدثين يرويه بكسر الصاد وسمعت بن الخشاب يفتح الصاد وهو أحسن وأليق كذا قال ولو عكس لكان أولى والله أعلم ووجه الطيبي الفتح بأنه أليق بالأدب لقوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين قلت ويشهد للكسر ما أخرجه أحمد من حديث محمود بن لبيد رفعه إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ورواته ثقات إلا أن محمود بن لبيد اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه وهو صغير وله شاهد من حديث أنس عند الترمذي وحسنه وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالبا من ألم بسبب مرض أو هم أو نحو ذلك مما ذكر وأن الأمراض والأوجاع والآلام بدنية كانت أو قلبية تكفر ذنوب من تقع له وسيأتي في الباب الذي بعده من حديث بن مسعود ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه وظاهره تعميم جميع الذنوب لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر للحديث الذي تقدم التنبيه عليه في أوائل الصلاة الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد ويحتمل أن يكون معنى الأحاديث التي ظاهرها التعميم أن المذكورات صالحة لتكفير الذنوب فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب ويكون كثرة التكفير وقلته باعتبار شدة المرض وخفته ثم المراد بتكفير الذنب ستره أو محو أثره المرتب عليه من استحقاق العقوبة وقد استدل به على أن مجرد حصول المرض أو غيره مما ذكر يترتب عليه التكفير المذكور سواء انضم إلى ذلك صبر المصاب أم لا وأبي ذلك قوم كالقرطبي في المفهم فقال محل ذلك إذا صبر المصاب واحتسب وقال ما أمر الله به في قوله تعالى الذين إذا أصابتهم مصيبة الآية فحينئذ يصل إلى ما وعد الله ورسوله به من ذلك وتعقب بأنه لم يأت على دعواه بدليل وأن في تعبيره بقوله بما أمر الله نظرا إذ لم يقع هنا صيغة أمر وأجيب عن هذا بأنه وإن لم يقع التصريح بالأمر فسياقه يقتضي الحث عليه والطلب له ففيه معنى الأمر وعن الأول بأنه حمل الأحاديث الواردة بالتقييد بالصبر على المطلقة وهو حمل صحيح لكن كان يتم له ذلك لو ثبت شيء منها بل هي إما ضعيفة لا يحتج بها وإما قوية لكنها مقيدة بثواب مخصوص فاعتبار الصبر فيما إنما هو لحصول ذلك الثواب المخصوص مثل ما سيأتي فيمن وقع الطاعون ببلد هو فيها فصبر واحتسب فله أجر شهيد ومثل حديث محمد بن خالد عن أبيه عن جده وكانت له صحبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ولده أو ماله ثم صبر على ذلك حتى يبلغ تلك المنزلة رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات إلا أن خالدا لم يرو عنه غير ابنه محمد وأبوه اختلف في اسمه لكن إبهام الصحابي لا يضر وحديث سخبرة بمهملة ثم معجمة ثم موحدة وزن مسلمة رفعه من أعطى فشكر وابتلى فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر أولئك لهم الأمن وهم مهتدون أخرجه الطبراني بسند حسن والحديث الآتي قريبا من ذهب بصره يدخل في هذا أيضا هكذا زعم بعض من لقيناه أنه استقرأ الأحاديث الواردة في الصبر فوجدها لا تعدو أحد الأمرين وليس كما قال بل صح التقييد بالصبر مع إطلاق ما يترتب عليه من الثواب وذلك فيما أخرجه مسلم من حديث صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد للمؤمن إن أصابته سراء فشكر الله فله أجر وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر فكل قضاء الله للمسلم خير وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ عجبت من قضاء الله للمؤمن إن أصابه خير حمد وشكر وإن أصابته مصيبة حمد وصبر فالمؤمن يؤجر في كل أمره الحديث أخرجه أحمد والنسائي وممن جاء عنه التصريح بأن الأجر لا يحصل بمجرد حصول المصيبة بل إنما يحصل بها التكفير فقط من السلف الأول أبو عبيدة بن الجراح فروى أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأصله في النسائي بسند جيد وصححه الحاكم من طريق عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته فقلنا كيف بات أبو عبيدة فقالت امرأته نحيفة لقد بات بأجر فقال أبو عبيدة ما بت بأجر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة وكأن أبا عبيدة لم يسمع الحديث الذي صرح فيه بالأجر لمن أصابته المصيبة أو سمعه وحمله على التقييد بالصبر والذي نفاه مطلق حصول الأجر العاري عن الصبر وذكر بن بطال أن بعضهم استدل على حصول الأجر بالمرض بحديث أبي موسى الماضي في الجهاد بلفظ إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما قال فقد زاد على التكفير وأجاب بما حاصله وأجاب بما حاصله أن الزيادة لهذا إنما هي باعتبار نيته أنه لو كان صحيحا لدام على ذلك العمل الصالح فتفضل الله عليه بهذه النية بأن يكتب له ثواب ذلك العمل ولا يلزم من ذلك أن يساويه من لم يكن يعمل في صحته شيئا وممن جاء عنه أن المريض يكتب له الأجر بمرضه أبو هريرة فعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عنه أنه قال ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى لأنها تدخل في كل عضو مني وإن الله يعطي كل عضو قسطه من الأجر ومثل هذا لا يقوله أبو هريرة برأيه وأخرج الطبراني من طريق محمد بن معاذ عن أبيه عن جده أبي بن كعب أنه قال يا رسول الله ما جزاء الحمى قال تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق الحديث والأولى حمل الإثبات والنفي على حالين فمن كانت له ذنوب مثلا أفاد المرض تمحيصها ومن لم تكن له ذنوب كتب له بمقدار ذلك ولما كان الأغلب من بني آدم وجود الخطايا فيهم أطلق من أطلق أن المرض كفارة فقط وعلى ذلك تحمل الأحاديث المطلقة ومن أثبت الأجر به فهو محمول على تحصيل ثواب يعادل الخطيئة فإذا لم تكن خطيئة توفر لصاحب المرض الثواب والله أعلم بالصواب وقد استبعد بن عبد السلام في القواعد حصول الأجر على نفس المصيبة وحصر حصول الأجر بسببها في الصبر وتعقب بما رواه أحمد بسند جيد عن جابر قال استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها إلى أهل قباء فشكوا إليه ذلك فقال ما شئتم إن شئتم دعوت الله لكم فكشفها عنكم وإن شئتم أن تكون لكم طهورا قالوا فدعها ووجه الدلالة منه أنه لم يؤاخذهم بشكواهم ووعدهم بأنها طهور لهم قلت والذي يظهر أن المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير ورفع الدرجات على ما تقدم تفصيله وإن لم يحصل الصبر نظر إن لم يحصل من الجزع ما يذم من قول أو فعل فالفضل واسع ولكن المنزلة منحطة عن منزلة الصابر السابقة وإن حصل فيكون ذلك سببا لنقص الأجر الموعود به أو التكفير فقد يستويان وقد يزيد أحدهما على الآخر فبقدر ذلك يقضى لأحدهما على الآخر ويشير إلى التفصيل المذكور حديث محمود بن لبيد الذي ذكرته قريبا والله أعلم

قوله باب شدة المرض أي وبيان ما فيها من الفضل

[ 5322 ] قوله وحدثني بشر بن محمد أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله عن الأعمش كذا أعاد الأعمش بعد التحويل ولو وقف في السند الأول عند سفيان وحول ثم قال كلاهما عن الأعمش لكان سائغا لكن أظنه فعل ذلك لكونه ساقه على لفظ الرواية الثانية وهي رواية شعبة وقد أخرجها الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن بن المبارك بلفظ ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقه من رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن قبيصة شيخ البخاري فيه بلفظ ما رأيت أحدا كان أشد عليه الوجع والباقي سواء والمراد بالوجع المرض والعرب تسمي كل وجع مرضا ثم ذكر المصنف حديث بن مسعود الآتي في الباب الذي يليه وقوله

[ 5323 ] في آخره إلا حات الله بحاء مهملة ومد وتشديد المثناة أصله حاتت بمثناتين فأدغمت إحداهما في الأخرى والمعنى فتت وهي كناية عن إذهاب الخطايا قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري

قوله باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كذا للأكثر وللنسفي الأول فالأول وجمعهما المستملي والمراد بالأول الأولية في الفضل والأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء وصدر هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الدارمي والنسائي في الكبرى وابن ماجة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم كلهم من طريق عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه الحديث وفيه حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة أخرجه الحاكم من رواية العلاء بن المسيب عن مصعب أيضا وأخرجه له شاهدا من حديث أبي سعيد ولفظه قال الأنبياء قال ثم من قال العلماء قال ثم من قال الصالحون الحديث وليس فيه ما في آخر حديث سعد ولعل الإشارة بلفظ الأول فالأول إلى ما أخرجه النسائي وصححه الحاكم من حديث فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء نعوده فإذا بسقاء يقطر عليه من شدة الحمى فقال إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

[ 5324 ] قوله عن أبي حمزة هو السكري بضم المهملة وتشديد الكاف قوله عن إبراهيم التيمي هو بن يزيد بن شريك والحارث بن سويد هو تيمي أيضا وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق كوفيون وليس للحارث بن سويد في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في الدعوات لكنهما عنده من طرق عديدة وله عنده ثالث مضى في الأشربة من روايته عن علي بن أبي طالب قوله دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك في رواية سفيان التي قبلها أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه والوعك بفتح الواو وسكون العين المهملة الحمى وقد تفتح وقيل ألم الحمى وقيل تعبها وقيل إرعادها الموعوك وتحريكها إياه وعن الأصمعي الوعك الحر فإن كان محفوظا فلعل الحمى سميت وعكا لحراراتها قوله ذلك إشارة إلى مضاعفة الأجر بشدة الحمى وعرف بهذا أن في الرواية السابقة في الباب قبله حذفا يعرف من هذه الرواية وهو قوله أني أوعك كما يوعك رجلان منكم قوله أجل أي نعم وزنا ومعنى قوله أذى شوكة التنوين فيه للتقليل لا للجنس ليصح ترتب فوقها ودونها في العظم والحقارة عليه بالفاء وهو يحتمل فوقها في العظم ودونها في الحقارة وعكسه والله أعلم قوله كما تحط بفتح أوله وضم المهملة وتشديد الطاء المهملة أي تلقيه منتثرا والحاصل أنه أثبت أن المرض إذا أشتد ضاعف الأجر ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها أو المعنى قال نعم شدة المرض ترفع الدرجات وتحط الخطيئات أيضا حتى لا يبقى منها شيء ويشير إلى ذلك حديث سعد الذي ذكرته قبل حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ومثله حديث أبي هريرة عند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة قال أبو هريرة ما من وجع يصيبني أحب إلي من الحمى أنها تدخل في كل مفصل من بن آدم وأن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر ووجه دلالة حديث الباب على الترجمة من جهة قياس الأنبياء على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإلحاق الأولياء بهم لقربهم منهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم والسر فيه أن البلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد ومن ثم ضوعف حد الحر على العبد وقيل لأمهات المؤمنين من يأت منكن بفاحشة مبينه يضعف لها العذاب ضعفين قال بن الجوزي في الحديث دلالة على أن القوي يحمل ما حمل والضعيف يرفق به إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلي هان عليه البلاء ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء وأعلى من ذلك درجة من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكة فيسلم ولا يعترض وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب من يتلذذ به لأنه عن اختياره نشأ والله أعلم

قوله باب وجوب عيادة المريض كذا جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة وتقدم حديث أبي هريرة في الجنائز حق المسلم على المسلم خمس فذكر منها عيادة المريض ووقع في رواية مسلم خمس تجب للمسلم على المسلم فذكرها منها قال بن بطال يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية كاطعام الجائع وفك الأسير ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة وجزم الداودي بالأول فقال هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض وقال الجمهور هي في الأصل ندب وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض وعن الطبري تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن يراعي حاله وتباح فيما عدا ذلك وفي الكافر خلاف كما سيأتي ذكره في باب مفرد ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان وقد تقدم حديث أبي موسى المذكور هنا في الجهاد وفي الوليمة وذكر بعده حديث البراء مختصرا مقتصرا على بعض الخصال السبع ويأتي شرحه مستوفي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى واستدل بعموم

[ 5325 ] قوله عودوا المريض على مشروعية العيادة في كل مريض لكن استثنى بعضهم الأرمد لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو وهذا الأمر خارجي قد يأتي مثله في بقية الأمراض كالمغمي عليه وقد عقبه المصنف به وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وهو عند البخاري في الأدب المفرد وسياقه أتم وأما ما أخرجه البيهقي والطبراني مرفوعا ثلاثة ليس لهم عيادة العين والدمل والضرس فصحح البيهقي أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير ويؤخذ من إطلاقه أيضا عدم التقييد بزمان يمضي من ابتداء مرضه وهو قول الجمهور وجزم الغزالي في الأحياء بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث واستند إلى حديث أخرجه بن ماجة عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث وهذا حديث ضعيف جدا تفرد به مسلمة بن علي وهو متروك وقد سئل عنه أبو حاتم فقال هو حديث باطل ووجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وفيه راو متروك أيضا ويلتحق بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك في العادة سببا لوجود نشاطه وانتعاش قوته وفي إطلاق الحديث أن العيادة لا تتقيد بوقت دون وقت لكن جرت العادة بها في طرفي النهار وترجمة البخاري في الأدب المفرد العيادة في الليل وساق عن خالد بن الربيع قال لما ثقل حذيفة أتوه في جوف الليل أو عند الصبح فقال أي ساعة هذه فأخبروه فقال أعوذ بالله من صباح إلى النار الحديث ونقل الأثرم عن أحمد أنه قيل له بعد ارتفاع الهار في الصيف تعود فلانا قال ليس هذا وقت عيادة ونقل بن الصلاح عن الفراوي أن العيادة تستحب في الشتاء ليلا وفي الصيف نهارا وهو غريب ومن آدابها أن لا يطيل الجلوس حتى يضجر المريض أو يشق على أهله فإن اقتضت ذلك ضرورة فلا بأس كما في حديث جابر الذي بعده وقد ورد في فضل العيادة أحاديث كثيرة جياد منها عند مسلم والترمذي من حديث ثوبان أن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة وخرفة بضم المعجمة وسكون الراء بعدها فاء ثم هاء هي الثمرة إذا نضجت شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر وقيل المراد بها هنا الطريق والمعنى أن العائد يمشي في طريق تؤديه إلى الجنة والتفسير الأول أولى فقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد من هذا الوجه وفيه قلت لأبي قلابة ما خرقة الجنة قال جناها وهو عند مسلم من جملة المرفوع وأخرج البخاري أيضا من طريق عمر بن الحكم عن جابر رفعه من عاد مريضا خاض في الرحمة حتى إذا قعد استقر فيها وأخرجه أحمد والبزار وصححه بن حبان والحاكم من هذا الوجه وألفاظهم فيه مختلفة ولأحمد نحوه من حديث كعب بن مالك بسند حسن

قوله باب عيادة المغمى عليه أي الذي يصيبه غشي تتعطل معه قوته الحساسة قال بن المنير فائدة الترجمة أن لا يعتقد أن عيادة المغمى عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده ولكن ليس في حديث جابر التصريح بأنهما علما أنه مغمى عليه قبل عيادته فلعله وافق حضورهما قلت بل الظاهر من السياق وقوع ذلك حال مجيئهما وقبل دخولهما عليه ومجرد علم المريض بعائده لا تتوقف مشروعية العيادة عليه لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله وما يرجى من بركة دعاء العائد ووضع يده على المريض والمسح على جسده والنفث عليه عند التعويذ إلى غير ذلك وقد تقدم شرح حديث جابر المذكور في كتاب الطهارة وفي تفسير سورة النساء

قوله باب فضل من يصرع من الريح انحباس الريح قد يكون سببا للصرع وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعا غير تام وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من الجن ولا يقع إلى من النفوس الخبيثة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لايقاع الأذية به والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاجا إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية لتندفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل أفعالها وممن نص منهم على ذلك إبقراط فقال لما ذكر علاج المصروع هذا إنما ينفع في الذي سببه أخلاط وأما الذي يكون من الأرواح فلا

[ 5328 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان قوله عن عمران أبي بكر هو المعروف بالقصير واسم أبيه مسلم وهو بصري تابعي صغير قوله ألا أريك ألا بتخفيف اللام قبلها همزة مفتوحة قوله هذه المرأة السوداء في رواية جعفر المستغفري في كتاب الصحابة وأخرجه أبو موسى في الذيل من طريقه ثم من رواية عطاء الخراساني عن عطاء بن أبي رباح في هذا الحديث فأراني حبشية صفراء عظيمة فقال هذه سعيرة الأسدية قوله فقالت إن بي هذه المؤتة وهو بضم الميم بعدها همزة ساكنة الجنون وأخرجه بن مردويه في التفسير من هذا الوجه فقال في روايته إن بي هذه المؤتة يعني الجنون وزاد في روايته وكذا بن منده أنها كانت تجمع الصوف والشعر والليف فإذا اجتمعت لها كية عظيمة نقضتها فنزل فيها ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها الآية وقد تقدم في تفسير النحل أنها امرأة أخرى قوله وإني أتكشف بمثناة وتشديد المعجمة من التكشف وبالنون الساكنة مخففا من الانكشاف والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر قوله في الطريق الأخرى حدثنا محمد هو بن سلام وصرح به في الأدب المفرد ومخلد هو بن يزيد قوله أنه رأى أم زفر بضم الزاي وفتح الفاء قوله تلك المرأة في رواية الكشميهني تلك امرأة قوله على ستر الكعبة بكسر المهملة أي جالسة عليها معتمدة ويجوز أن يتعلق بقوله رأي ثم وجدت الحديث في الأدب المفرد للبخاري وقد أخرجه بهذا السند المذكور هنا بعينه وقال على سلم الكعبة فالله أعلم وعند البزار من وجه آخر عن بن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت أني أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها وقد أخرج عبد الرزاق عن بن جريج هذا الحديث مطولا وأخرجه بن عبد البر في الاستيعاب من طريق حجاج بن محمد عن بن جريج عن الحسن بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالمجانين فيضرب صدر أحدهم فيبرا فأتى بمجنونة يقال لها أم زفر فضرب صدرها فلم تبرأ قال بن جريج وأخبرني عطاء فذكر كالذي هنا وأخرجه بن منده في المعرفة من طريق حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس فزاد وكان يثني عليها خيرا وزاد في آخره فقال أن يتبعها في الدنيا فلها في الآخرة خير وعرف مما أوردته أن اسمها سعيرة وهي بمهملتين مصغر ووقع في رواية بن منده بقاف بدل العين وفي أخرى للمستغفري بالكاف وذكر بن سعد وعبد الغني في المبهمات من طريق الزبير أن هذه المرأة هي ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة كما سيأتي ذكرها في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط وقد أخرج البزار وابن حبان من حديث أبي هريرة شبيها بقصتها ولفظه جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أدع الله فقال إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت ولا حساب عليك قالت بل أصبر ولا حساب علي وفي الحديث فضل من يصرع وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة وفيه دليل على جواز ترك التداوي وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية ولكن إنما ينجع بأمرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل والله أعلم

قوله باب فضل من ذهب بصره سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي وقد جاء بلفظ الترجمة حديث أخرجه البزار عن زيد بن أرقم بلفظ ما ابتلى عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره ومن ابتلى ببصره فصبر حتى يلقى الله تعالى ولا حساب عليه وأصله عند أحمد بغير لفظه بسند جيد وللطبراني من حديث بن عمر بلفظ من أذهب الله بصره فذكر نحوه

[ 5329 ] قوله حدثني بن الهاد في رواية المصنف في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث حدثني يزيد بن الهاد وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة قوله عن عمرو أي بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب أي بن عبد الله بن حنطب قوله إذا ابتليت عبدي محبيبتيه بالتثنية وقد فسرهما آخر الحديث بقوله يريد عينيه ولم يصرح بالذي فسرهما والمراد بالحبيبتين المحبوبتان لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه قوله فصبر زاد الترمذي في روايته عن أنس واحتسب وكذا لابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة ولابن حبان من حديث بن عباس أيضا والمراد أنه يصبر مستحضرا ما وعد الله به الصابر من الثواب لا أن يصبر مجردا عن ذلك لأن الأعمال بالنيات وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد وإلا يصبر كما جاء في حديث سلمان إن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتبا وإن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل أخرجه البخاري في الأدب المفرد موقوفا قوله عوضته منهما الجنة وهذا أعظم العوض لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقائها وهو شامل لكل من وقع له ذلك بالشرط المذكور ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في الأدب المفرد بلفظ إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في أول وقوع البلاء فيفوض ويسلم وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود وقد مضى حديث أنس في الجنائز إنما الصبر عند الصدمة الأولى وقد وقع في حديث العرباض فيما صححه بن حبان فيه بشرط آخر ولفظه إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة فالذي له أعمال صالحة أخرى يزاد في رفع الدرجات قوله تابعه أشعث بن جابر وأبو ظلال بن هلال عن أنس أما متابعة أشعث بن جابر وهو بن عبد الله بن جابر نسب إلى جده وهو أبو عبد الله الأعمى البصري الحداني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وحدان بطن من الأزد ولهذا يقال له الأزدي وهو الحملي بضم المهملة وسكون الميم وهو مختلف فيه وقال الدارقطني يعتد به وليس له في البخاري إلا هذا الموضع فأخرجها أحمد بلفظ قال ربكم من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة وأما متابعة أبي ظلال فأخرجها عبد بن حميد عن يزيد بن هارون عنه قال دخلت على أنس فقال لي أدنه متى ذهب بصرك قلت وأنا صغير قال ألا أبشرك قلت بلى فذكر الحديث بلفظ ما لمن أخذت كريمتيه عندي جزاء إلا الجنة وأخرج الترمذي من وجه آخر عن أبي ظلال بلفظ إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة تنبيه أبو ظلال بكسر الظاء المشالة المعجمة والتخفيف اسمه هلال والذي وقع في الأصل أبو ظلال بن هلال صوابه إما أبو ظلال هلال بحذف بن وإما أبو ظلال بن أبي هلال بزيادة أبي واختلف في اسم أبيه فقيل ميمون وقيل سويد وقيل يزيد وقيل زيد وهو ضعيف عند الجميع إلا أن البخاري قال إنه مقارب الحديث وليس له في صحيحه غير هذه المتابعة وذكر المزي في ترجمته أن بن حبان ذكره في الثقات وليس بجيد لأن بن حبان ذكره في الضعفاء فقال لا يجوز الاحتجاج به وإنما ذكر في الثقات هلال بن أبي هلال آخر روى عنه يحيى بن المتوكل وقد فرق البخاري بينهما ولهم شيخ ثالث يقال له هلال بن أبي هلال تابعي أيضا روى عنه ابنه محمد وهو أصلح حالا في الحديث منهما والله أعلم

قوله باب عيادة النساء الرجال أي ولو كانوا أجانب بالشرط المعتبر قوله وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار قال الكرماني لأبي الدرداء زوجتان كل منهما أم الدرداء فالكبرى اسمها خيرة بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها تحتانية ساكنة صحابية والصغرى اسمها هجيمة بالجيم والتصغير وهي تابعية والظاهر أن المراد هنا الكبرى والمسجد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة قلت وما أدعى أنه الظاهر ليس كذلك بل هي الصغرى لأن الأثر المذكور أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق الحارث بن عبيد وهو شامي تابعي صغير لم يلحق أم الدرداء الكبرى فإنها ماتت في خلافة عثمان قبل موت أبي الدرداء قال رأيت أم الدرداء على رحالة أعواد ليس لها غشاء تعود رجلا من الأنصار في المسجد وقد تقدم في الصلاة أن أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة جلسة الرجل وكانت فقيهة وبينت هناك أنها الصغرى والصغرى عاشت إلى أواخر خلافة عبد الملك بن مروان وماتت في سنة إحدى وثمانين بعد الكبرى بنحو خمسين سنة ثم ذكر المصنف حديث عائشة قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما الحديث وقد اعترض عليه بأن ذلك قبل الحجاب قطعا وقد تقدم أن في بعض طرقه وذلك قبل الحجاب وأجيب بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له من عيادة المرأة الرجل فإنه يجوز بشرط التستر والذي يجمع بين الأمرين ما قبل الحجاب وما بعده الأمن من الفتنة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أبواب الهجرة من أوائل المغازي وقوله

[ 5330 ] في البيت الذي أوله ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد كذا هو بالتنكير والإبهام والمراد به وادي مكة وذكر الجوهري في الصحاح ما يقتضي أن الشعر المذكور ليس لبلال فإنه قال كان بلال يتمثل به وأورده بلفظ هل أبيتن ليلة بمكة حولي وقوله شامة وطفيل هما جبلان عند الجمهور وصوب الخطابي أنهما عينان وقوله كيف تجدك أي تجد نفسك والمراد به الاحساس أي كيف تعلم حال نفسك

قوله باب عيادة الصبيان ذكر فيه حديث أسامة بن زيد في قصة ولد بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه مستوفي في أوائل كتاب الجنائز وقوله

[ 5331 ] في هذه الطريق أن ابنة في رواية الكشميهني أن بنتا وقوله فاشهدنا كذا للأكثر وعند الكشميهني فأشهدها والمراد به الحضور وقوله هذه الرحمة في رواية الكشميهني أيضا هذه رحمة بالتنكير

قوله باب عيادة الأعراب بفتح الهمزة هم سكان البوادي

[ 5332 ] قوله خالد هو الحذاء قوله عن عكرمة عن بن عباس قال الإسماعيلي رواه وهيب بن خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة فأرسله قلت قد وصله أيضا عبد العزيز بن مختار كما تقدم قريبا هنا وتقدم أيضا في علامات النبوة ووصله أيضا الثقفي كما سيأتي في التوحيد فإذا وصله ثلاثة من الثقات لم يضره إرسال واحد قوله دخل على أعرابي تقدم في علامات النبوة بيان اسمه قوله لا بأس أي أن المرض يكفر الخطايا فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان وإلا حصل ربح التكفير وقوله طهور هو خبر مبتدأ محذوف أي هو طهور لك من ذنوبك أي مطهرة ويستفاد منه أن لفظ الطهور ليس بمعنى الطاهر فقط وقوله إن شاء الله يدل على أن قوله طهور دعاء لا خير قوله قلت بفتح التاء على المخاطبة وهو استفهام إنكار قوله بل هي أي الحمى وفي رواية الكشميهني بل هو أي المرض قوله تفور أو تثور شك من الراوي هل قالها بالفاء أو بالمثلثة وهما بمعنى قوله تزيره بضم أوله من أزاره إذا حمله على الزيارة بغير اختياره قوله فنعم إذا الفاء فيه معقبة لمحذوف تقديره إذا أبيت فنعم أي كان كما ظننت قال بن التين يحتمل أني يكون ذلك دعاء عليه ويحتمل أن يكون خيرا عما يئول إليه أمره وقال غيره يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن تكون الحمى له طهرة لذنوبه ويحتمل أن يكون أعلم بذلك لما أجابه الأعرابي بما أجابه وقد تقدم في علامات النبوة أن عند الطبراني من حديث شرحبيل والد عبد الرحمن أن الأعرابي المذكور أصبح ميتا وأخرجه الدولابي في الكنى وابن السكن في الصحابة ولفظه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما قضى الله فهو كائن فأصبح الأعرابي ميتا وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلا نحوه قال المهلب فائدة هذا الحديث أنه لا نقص على الإمام في عيادة مريض من رعيته ولو كان أعرابيا جافيا ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلمه ويذكره بما ينفعه ويامره بالصبر لئلا يتسخط قدر الله فيسخط عليه ويسليه عن ألمه بل يغبطه بسقمه إلى غير ذلك من جبر خاطره وخاطر أهله وفيه أنه ينبغي للمريض أن يتلقى الموعظة بالقبول ويحسن جواب من يذكره بذلك

قوله باب عيادة المشرك قال بن بطال إنما تشرع عيادته إذا رجى أن يجيب إلى الدخول في إلاسلام فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا انتهى والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى قال الماوردي عيادة الذمى جائزة والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة الغلام اليهودي وتقدم شرحها مستوفي في كتاب الجنائز وذكر قول من زعم أن اسمه عبد القدوس

[ 5333 ] قوله وقال سعيد بن المسيب عن أبيه تقدم موصولا في تفسير سورة القصص وفي الجنائز أيضا وتقدم شرحه مستوفى في الجنائز

قوله باب إذا عاد مريضا فحضرت الصلاة فصلى أي المريض

[ 5334 ] بهم أي بمن عاده قوله يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه ناس يعودونه تقدم شرحه في أبواب الإمامة من كتاب الصلاة وكذا قول الحميدي المذكور في آخره

قوله باب وضع اليد على المريض قال بن بطال في وضع اليد على المريض تأنيس له وتعرف لشدة مرضه ليدعو له بالعافية على حسب ما يبدو له منه وربما رقاه بيده ومسح على ألمه بما ينتفع به العليل إذا كان العائد صالحا قلت وقد يكون العائد عارفا بالعلاج فيعرف العلة فيصف له ما يناسبه ثم ذكر المصنف في الباب حديثين تقدما أحدهما حديث سعد بن أبي وقاص وقد تقدم شرحه في الوصايا وأورده هنا عاليا من طريق الجعيد وهو بن عبد الرحمن وقوله

[ 5335 ] فيه تشكيت بمكة شكوى شديدة في رواية المستملي شديدا بالتذكير على إرادة المرض والشكوى بالقصر المرض وقوله وأترك لها الثلثين قال الداودي إن كانت هذه الزيادة محفوظة فلعل ذلك كان قبل نزول الفرائض وقال غيره قد يكون من جهة الرد وفيه نظر لأن سعدا كان له حينئذ عصبات وزوجات فيتعين تأويله ويكون فيه حذف تقديره وأترك لها الثلثين أي ولغيرها من الورثة وخصها بالذكر لتقدمها عنده وأما قوله ولا يرثني إلا ابنة لي فتقدم أن معناه من الأولاد ولم يرد ظاهر الحصر وقوله ثم وضع يده على جبهته في رواية الكشميهني على جبهتي وبها يتبين أو في الأول تجريدا وقوله فما زلت أجد برده أي برد يده وذكر باعتبار العضو أو الكف أو المسح وقوله فيما يخال إلي قال بن التين صوابه فيما يخيل إلي بالتشديد لأنه من التخيل قال الله تعالى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى قلت وأقره الزركشي وهو عجيب فإن الكلمة صواب وهو بمعنى يخيل قال في المحكم خال الشيء يخاله يظنه وتخيله ظنه وساق الكلام على المادة الحديث الثاني حديث بن مسعود وقد تقدم شرحه في أوائل كفارة المرضى وقوله

[ 5336 ] فمسسته بيدي بكسر السين الأولى وهي موضع الترجمة وجاء عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول بسم الله أخرجه أبو يعلى بسند حسن وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة بسند لين رفعه تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته فيسأله كيف هو وأخرجه بن السني ولفظه فيقول كيف أصبحت أو كيف أمسيت

قوله باب ما يقال للمريض وما يجيب ذكر فيه حديث بن مسعود المذكور في الباب قبله وحديث بن عباس في قصة الأعرابي الذي قال حمى تفور وقد تقدم أيضا قريبا وفيه بيان ما ينبغي أن يقال عند المريض وفائدة ذلك وأخرج بن ماجة والترمذي من حديث أبي سعيد رفعه إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب نفس المريض وفي سنده لين وقوله نفسوا أي أطمعوه في الحياة ففي ذلك تنفيس لما هو فيه من الكرب وطمائنينة لقلبه قال النووي هو معنى قوله في حديث بن عباس للأعرابي لا بأس وأخرج بن ماجة أيضا بسند حسن لكن فيه انقطاع عن عمر رفعه إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة وقد ترجم المصنف في الأدب المفرد ما يجيب به المريض وأورد قول بن عمر للحجاج لما قال له من أصابك قال أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله وقد تقدم هذا في العيدين

قوله باب عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار ذكر فيه حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار وفيه أنه أردفه يعود سعد بن عبادة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أواخر تفسير آل عمران وقوله

[ 5339 ] على حمار على إكاف على قطيفة على الثالثة بدل من الثانية وهي بدل من الأولى والحاصل أن الإكاف يلي الحمار والقطيفة فوق الإكاف والراكب فوق القطيفة والإكاف بكسر الهمزة وتخفيف الكاف ما يوضع على الدابة كالبرذعة والقطيفة كساء وقوله فدكية بفتح الفاء والدال وكسر الكاف نسبة إلى فدك القرية المشهورة كأنها صنعت فيها وحكى بعضهم أن في رواية فركبه بفتح الراء والموحدة الخفيفة من الركوب والضمير للحمار وهو تصحيف بين وقوله

[ 5340 ] في حديث جابر جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغل ولا برذون هذا القدر أفرده المزي في الأطراف وجعله الحميدي من جملة الحديث الذي أوله مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان وأظن الذي صنعه هو الصواب

قوله باب ما رخص للمريض أن يقول أني وجع أو وارأساه أو أشتد بي الوجع وقول أيوب عليه السلام مسني الضر وأنت أرحم الراحمين أما قوله أني وجع فترجم به في كتاب الأدب المفرد وأورده فيه من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال دخلت أنا وعبد الله بن الزبير على أسماء يعني بنت أبي بكر وهي أمهما وأسماء وجعة فقال لها عبد الله كيف تجدينك قالت وجعت الحديث وأصرح منه ما روى صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال دخلت على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه فسلمت عليه وسألته كيف أصبحت فاستوى جالسا فقلت أصبحت بحمد الله بارئا قال أما أني على ما ترى وجع فذكر القصة أخرجه الطبراني وأما قوله وارأساه فصريح في حديث عائشة المذكور في الباب وأما قوله أشتد بي الوجع فهو في حديث سعد الذي في آخر الباب وأما قول أيوب عليه إسلام فاعترض بن التين ذكره في الترجمة فقال هذا لا يناسب التبويب لأن أيوب أنما قاله داعيا ولم يذكره للمخلوقين قلت لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم فنبه على أن الطلب من الله ليس ممنوعا بل فيه زيادة عبادة لما ثبت مثل ذلك عن المعصوم وأثنى الله عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك وقد روينا في قصة أيوب في فوائد ميمونة وصححه بن حبان والحاكم من طريق الزهري عن أنس رفعه أن أيوب لما طال بلاؤه رفضه القريب والبعيد غير رجلين من إخوانه فقال أحدهما لصاحبه لقد أذنب أيوب ذبا ما أذنبه أحد من العالمين فبلغ ذلك أيوب يعنى فجزع من قوله ودعا ربه فكشف ما به وعند بن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عبيد بن نمير موقوفا عليه نحوه وقال فيه فجزع من قولهما جزعا شديدا ثم قال بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني وسجد فما رفع رأسه حتى كشف عنه فكأن مراد البخاري أن الذي يجوز من شكوى المريض ما كان على طريق الطلب من الله أو على غير طريق التسخط للقدر والتضجر والله أعلم قال القرطبي اختلف الناس في هذا الباب والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر والله أعلم وروى أحمد في الزهد عن طاوس أنه قال أنين المريض شكوى وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه وتعقبه النووي فقال هذا ضعيف أو باطل فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود وهذا لم يثبت فيه ذلك ثم احتج بحديث عائشة في الباب ثم قال فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى فإنه لا شك أن أشتغاله بالذكر أولى اه ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين وتشعر بالتسخط للقضاء وتورث شماتة الأعداء وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث الأول حديث كعب بن عجرة في حلق المحرم رأسه إذا آذاه القمل وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الحج وقوله

[ 5341 ] أيؤذيك هوام رأسك هو موضع الترجمة لنسبة الأذى للهوام وهي بتشديد الميم اسم للحشرات لأنها تهم أن تدب وإذا أضيقت إلى الرأس اختصت بالقمل الثاني حديث عائشة

[ 5342 ] قوله حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا هو النيسابوري الإمام المشهور وليس له في البخاري سوى مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحلام وأكثر عنه مسلم ويقال إنه تفرد بهذا الإسناد وإن أحمد كان يتمنى لو أمكنه الخروج إلى نيسابور ليسمع منه هذا الحديث ولكن أخرجه أبو نعيم في المستخرج من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال قوله وارأساه هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع وعند أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وارأساه قوله ذاك لو كان وأنا حي ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت أي لو مت وأنا حي ويرشد إليه جواب عائشة وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ولفظه ثم قال ما ضرك لو مت قبلى فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك وقولها واثكلياه بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد وليست حقيقته هنا مرادة بل هو كلام كان يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها وقولها والله أني لأظنك تحب موتى كأنها أخذت ذلك من قوله لها لو مت قبلي وقولها ولو كان ذلك في رواية الكشميهني ذاك بغير لأم أي موتها لظللت آخر يومك معرسا بفتح العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف يقال أعرس وعرس إذا بني على زوجته ثم استعمل في كل جماع والأول أشهر فإن التعريس النزول بليل ووقع في رواية عبيد الله لكأني بك والله لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولها بل أنا وارأساه هي كلمة إضراب والمعنى دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي وزاد في رواية عبيد الله ثم بدىء في وجعه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم قوله لقد هممت أو أردت شك من الراوي ووقع في رواية أبي نعيم أو وددت بدل أردت قوله أن أرسل إلى أبي بكر وابنه كذا للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون ووقع في رواية مسلم أو ابنه بلفظ أو التي للشك وأو للتخيير وفي أخرى أو آتيه بهمزة ممدودة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان بمعنى المجيء والصواب الأول ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه وقال ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم ادعى لي أباك وأخاك وأيضا فإن مجيئه إلى أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته قلت في هذا التعليل نظر لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم لقد هممت الخ وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة وإن كان ظاهر الحديث بخلافه ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة فكأنه يقول كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك هذا أن كان المراد بالعهد العهد بالخلافة وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض محارمها حتى لو أحتاج إلى قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك قوله فأعهد أي أوصي قوله أن يقول القائلون أي لئلا يقول أو كراهة أن يقول قوله أو يتمنى المتمنون بضم النون جمع متمني بكسرها وأصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة وفيه مداعبة الرجل أهله والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية فكم من ساكت وهو ساخط وكم من شاك وهو راض فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان والله أعلم الحديث الثالث حديث بن مسعود وقد تقدم شرحه قريبا وقوله

[ 5343 ] في هذه الرواية فمسسته وقع في رواية المستملي فسمعته وهو تحريف ووجهت بأن هناك حذفا والتقدير فسمعت أنينه الحديث الرابع حديث عامر بن سعد عن أبيه وهو سعد بن أبي وقاص

[ 5344 ] قوله من وجع أشتد بي تقدم شرحه مستوفي في كتاب الوصايا وقوله زمن حجة الوداع موافق لرواية مالك عن الزهري وتقدم أن بن عيينة قال في روايته إن ذلك في زمن الفتح والأول أرجح والله أعلم

قوله باب قول المريض قوموا عني أي إذا وقع من الحاضرين عنده ما يقتضي ذلك

[ 5345 ] قوله هشام هو بن يوسف الصنعاني وقوله حدثنا عبد الله بن محمد هو المسندي وساقه المصنف هنا على لفظ هشام وسبق لفظ عبد الرزاق في أواخر المغازي وتقدم شرحه هناك ووقع هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا وقد تقدم الحديث في كتاب العلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري بلفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا عني وهو المطابق للترجمة ولم أستحضره عند الكلام عليه في المغازي فنسبت هذه الزيادة لابن سعد وعزوها للبخاري أولى ويؤخذ من هذا الحديث أن الأدب في العيادة أن لا يطيل العائد عند المريض حتى يضجره وأن لا يتكلم عنده بما يزعجه وجملة آداب العيادة عشرة أشياء ومنها ما لا يختص بالعيادة أن لا يقابل الباب عند الاستئذان وأن يدق الباب برفق وأن لا يبهم نفسه كأن يقول أنا وأن لا يحضر في وقت يكون غير لائق بالعيادة كوقت شرب المريض الدواء وأن يخفف الجلوس وأن يغض البصر ويقلل السؤال وأن يظهر الرقة وأن يخلص الدعاء وأن يوسع للمريض في الأمل ويشير عليه بالصبر لما فيه من جزيل الأجر ويحذره من الجزع لما فيه من الوزر قوله وكان بن عباس يقول إن الرزية سبق الكلام عليه في الوفاة النبوية

قوله باب من ذهب بالصبي المريض ليدعي له في رواية الكشميهني ليدعوا له ذكر فيه حديث الجعيد وهو بن عبد الرحمن والسائب هو بن يزيد وقد تقدم الحديث مشروحا في الترجمة النبوية عند ذكر خاتم النبوة وأن خالة السائب لا يعرف اسمها وستأتي الإشارة إلى خصوص المسح على رأس المريض والدعاء بالبركة في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى

قوله باب تمني المريض الموت أي هل يمنع مطلقا أو يجوز في حالة ووقع في رواية الكشميهني نهي تمني المريض الموت وكأن المراد منع تمني المريض وذكر في الباب خمسة أحاديث الحديث الأول عن أنس

[ 5347 ] قوله لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه الخطاب للصحابة والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عموما وقوله من ضر أصابه حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي فإن وجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية بن حبان لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا على أن في في هذا الحديث سببية أي بسبب أمر من الدنيا وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة ففي الموطأ عن عمر أنه قال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عمر وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس ويقال عابس الغفاري أنه قال يا طاعون خذني فقال له عليم الكندي لم تقول هذا ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنين أحدكم الموت فقال أني سمعته يقول بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم الحديث وأخرج أحمد أيضا من حديث عوف بن مالك نحوه وأنه قيل له ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عمر المسلم كان خيرا له الحديث وفيه الجواب نحوه وأصرح منه في ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة وفيه وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون قوله فإن كان لا بد فاعلا في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في الدعوات فإن كان ولا بد متمنيا للموت قوله فليقل الخ وهذا يدل على أن النهي عن تمني الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة لأن في التمني المطلق نوع واعتراض ومراغمة للقدر المحتوم وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء وقوله فإن كان الخ فيه ما يصرف الأمر عن حقيقته من الوجوب أو الاستحباب ويدل على أنه لمطلق الإذن لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته وقريب من هذا السياق ما أخرجه أصحاب السنن من حديث المقدام بن معد يكرب حسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث للطعام الحديث أي إذا كان لا بد من الزيادة على اللقيمات فليقتصر على الثلث فهو إذن بالاقتصار على الثلث لا أمر يقتضي الوجوب ولا الاستحباب قوله ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت عبر في الحياة بقوله ما كانت لأنها حاصلة فحسن أن يأتي بالصيغة المقتضية للاتصاف بالحياة ولما كانت الوفاة لم تقع بعد حسن أن يأتي بصيغة الشرط والظاهر أن هذا التفصيل يشمل ما إذا كان الضر دينيا أو دنيويا وسيأتي في التمني من رواية النضر بن أنس عن أبيه لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تمنوا الموت لتمنيته فلعله رأى أن التفصيل المذكور ليس من التمني المنهي عنه الحديث الثاني حديث خباب

[ 5348 ] قوله عن إسماعيل بن أبي خالد لشعبة فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي من رواية غندر عنه عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال دخلت على خباب فذكر الحديث نحوه قوله وقد اكتوى سبع كيات في رواية حارثة وقد اكتوى في بطنه فقال ما أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت أي من الوجع الذي أصابه وحكى شيخنا في شرح الترمذي احتمال أن يكون أراد بالبلاء ما فتح عليه من المال بعد أن كان لا يجد درهما كما وقع صريحا في رواية حارثة المذكورة عنه قال لقد كنت وما أجد درهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ناحية بيتي أربعون ألفا يعني الآن وتعقبه بأن غيره من الصحابة كان أكثر مالا منه كعبد الرحمن بن عوف واحتمال أن يكون أراد ما لقي من التعذيب في أول الإسلام من المشركين وكأنه رأى أن اتساع الدنيا عليه يكون ثواب ذلك التعذيب وكان يحب أن لو بقي له أجره موفرا في الآخرة قال ويحتمل أن يكون أراد ما فعل من الكي مع ورود النهي عنه كما قال عمران بن حصين نهينا عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا أخرجه قال وهذا بعيد قلت وكذلك الذي قبله وسيأتي الكلام على حكم الكي قريبا في كتاب الطب إن شاء الله تعالى قوله إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا زاد في الرقاق من طريق يحيى القطان عن إسماعيل بن أبي خالد شيئا أي لم تنقص أجورهم بمعنى أنهم لم يتعجلوها في الدنيا بل بقيت وفرة لهم في الآخرة وكأنه عني بأصحابه بعض الصحابة ممن مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأما من عاش بعده فإنهم اتسعت لهم الفتوح ويؤيد حديثه الآخر هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير وقد مضى في الجنائز وفي المغازي أيضا ويحتمل أن يكون عني جميع من مات قبله وأن من اتسعت له الدنيا لم تؤثر فيه إما لكثرة إخراجهم المال في وجوه البر وكان من يحتاج إليه إذ ذاك كثيرا فكانت تقع لهم الموقع ثم لما اتسع الحال جدا وشمل العدل في زمن الخلفاء الراشدين استغنى الناس بحيث صار الغني لا يجد محتاجا يضع بره فيه ولهذا قال خباب وإنا أصبنا ما لا تجد له موضعا إلا التراب أي الإنفاق في البنيان وأغرب الداودي فقال أراد خباب بهذا القول الموت أي لا يجد للمال الذي أصابه إلا وضعه في القبر حكاه بن التين ورده فأصاب وقال بل هو عبارة عما أصابوا من المال قلت وقد وقع لأحمد عن يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد في هذا الحديث بعد قوله الا التراب وكان يبني حائطا له ويأتي في الرقاق نحوه باختصار وأخرجه أحمد أيضا عن وكيع عن إسماعيل وأوله دخلنا على خباب نعوده وهو يبني حائطا له وقد اكتوى سبعا الحديث قوله ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به الدعاء بالموت أخص من تمنى الموت وكل دعاء تمنى من غير عكس فلذلك أدخله في هذه الترجمة قوله ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا له هكذا وقع في رواية شعبة تكرار المجيء وهو أحفظ الجميع فزيادته مقبولة والذي يظهر أن قصة بناء الحائظ كانت سبب قوله أيضا وإنا أصبنا من الدنيا ما لا نجد له موضعا إلا التراب قوله إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب أي الذي يوضع في البنيان وهو محمول على ما زاد على الحاجة وسيأتي تقرير ذلك في آخر كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى تنبيه هكذا وقع من هذا الوجه موقوفا وقد أخرجه الطبراني من طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد حدثنا أبي عن بيان بن بشر وإسماعيل بن أبي خالد جميعا عن قيس عن أبي حازم قال دخلنا على خباب نعوده فذكر الحديث وفيه وهو يعالج حائطا له فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا ما يجعله في التراب وعمر كذبه يحيى بن معين الحديث الثالث والرابع حديث أبي هريرة

[ 5349 ] قوله أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف هو أبو عبيد مولى بن أزهر واسمه سعيد بن عبيد وابن أزهر الذي نسب إليه هو عبد الرحمن بن أزهر بن عوف وهو بن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري هكذا اتفق هؤلاء عن الزهري في روايته عن أبي عبيد وخالفهم إبراهيم بن سعد عن الزهري فقال عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة أخرجه النسائي وقال رواية الزبيدي أولى بالصواب وإبراهيم بن سعد ثقة يعني ولكنه أخطأ في هذا قوله لن يدخل أحدا عمله الجنة الحديث يأتي الكلام عليه في كتاب الرقاق فإنه أورده مفردا من وجه آخر عن أبي هريرة وغيره وإنما أخرجه هنا استطرادا لا قصدا والمقصود منه الحديث الذي بعده وهو قوله ولا يتمنى الخ وقد أفرده في كتاب التمني من طريق معمر عن الزهري وكذا أخرجه النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري قوله ولا يتمنى كذا للأكثر بإثبات التحتانية وهو لفظ نفي بمعنى النهي ووقع في رواية الكشميهني لا يتمن على لفظ النهي ووقع في رواية معمر الأتية في التمني بلفظ لا يتمنى للأكثر وبلفظ لا يتمنين للكشميهني وكذا هو في رواية همام عن أبي هريرة بزيادة نون التأكيد وزاد بعد قوله أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه وهو قيد في الصورتين ومفهومه أنه إذا حل به لا يمنع من تمنيه رضا بلقاء الله ولا من طلبه من الله لذلك وهو كذلك ولهذه النكتة عقب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى إشارة إلى أن النهي مختص بالحالة التي قبل نزول الموت فلله دره ما كان أكثر استحضاره وإيثار للأخفى على الأجلي شحذا للأذهان وقد خفي صنيعه هذا على من جعل حديث عائشة في الباب معارضا لأحاديث الباب أو ناسخا لها وقوى ذلك بقول يوسف عليه السلام توفني مسلما وألحقني بالصالحين قال بن التين قيل أن النهي منسوخ بقول يوسف فذكره وبقول سليمان وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وبحديث عائشة في الباب وبدعاء عمر بالموت وغيره قال وليس الأمر كذلك لأن هؤلاء إنما سألوا ما قارب الموت قلت وقد اختلف في مراد يوسف عليه السلام فقال قتادة لم يتمن الموت أحد إلا يوسف حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل أشتاق إلى لقاء الله أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه وقال غيره بل مراده توفني مسلما عند حضور أجلي كذا أخرجه بن أبي حاتم عن الضحاك بن مزاحم وكذلك مراد سليمان عليه السلام وعلى تقدير الحمل على ما قال قتادة فهو ليس من شرعنا وإنما يؤخذ بشرع من قبلنا ما لم يرد في شرعنا النهي عنه بالاتفاق وقد استشكل الإذن في ذلك عند نزول الموت لأن نزول الموت لا يتحقق فكم من انتهى إلى غاية جرت العادة بموت من يصل إليها ثم عاش والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد أن العبد يكون حاله في ذلك الوقت حال من يتمنى نزوله به ويرضاه أن لو وقع به والمعنى أن يطمئن قلبه إلى ما يرد عليه من ربه ويرضى به ولا يقلق ولو لم يتفق أنه يموت في ذلك المرض قوله إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب أي يرجع عن موجب العتب عليه ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت فإن الحياة يتسبب منها العمل والعمل يحصل زيادة الثواب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو أفضل الأعمال ولا يرد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد والعياذ بالله تعالى عن الإيمان لأن ذلك نادر والإيمان بعد أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد وعلى تقدير وقوع ذلك وقد وقع لكن نادرا فمن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوعها طال عمره أو قصر فتعجيله بطلب الموت لا خير له فيه ويؤيده حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك أو حسن من عملك فهو خير لك أخرجه بسند لين ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا واستشكل بأنه قد يعمل السيئات فيزيده عمره شرا وأجيب بأجوبة أحدها حمل المؤمن على الكامل وفيه بعد والثاني أن المؤمن بصدد أن يعمل ما يكفر ذنوبه إما من اجتناب الكبائر وإما من فعل حسنات أخر قد تقاوم بتضعيفها سيئاته وما دام الإيمان باق فالحسنات بصدد التضعيف والسيئات بصدد التكفير والثالث يقيد ما أطلق في هذه الرواية بما وقع في رواية الباب من الترجي حيث جاء بقوله لعله والترجي مشعر بالوقوع غالبا لا جزما فخرج الخبر مخرج تحسين الظن بالله وأن المحسن يرجو من الله الزيادة بأن يوفقه للزيادة من عمله الصالح وأن المسيء لا ينبغي له القنوط من رحمة الله ولا قطع رجائه أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي ويدل على أن قصر العمر قد يكون خيرا للمؤمن حديث أنس الذي في أول الباب وتوفني إذا كان الوفاة خيرا لي وهو لا ينافي حديث أبي هريرة إن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا إذا حمل حديث أبي هريرة على الأغلب ومقابله على النادر وسيأتي الإلمام بشيء من هذا في كتاب التمني إن شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث عائشة وألحقني بالرفيق الأعلى تقدم شرحه في أواخر المغازي في الوفاة النبوية وتقدم في الذي قبله أن ذلك لا يعارض النهي عن تمني الموت والدعاء به وأن هذه الحالة من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت وقد تقدم بسطه واضحا هناك ولله الحمد

قوله باب دعاء العائد للمريض أي بالشفاء ونحوه قوله وقالت عائشة بنت سعد أي بن أبي وقاص وهذا طرف من حديثه الطويل في الوصية بالثلث وقد تقدم موصولا في باب وضع اليد على المريض قريبا

[ 5351 ] قوله عن منصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي قوله إذا أتى مريضا أو أتى به شك من الراوي وقد حكى المصنف الاختلاف فيه في الروايات المعلقة بعد قوله لا يغادر بالغين المعجمة أي لا يترك وفائدة التقييد بذلك أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه فكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء قوله وقال عمرو بن أبي قيس وإبراهيم بن طهمان عن منصور عن إبراهيم وأبي الضحى إذا أتى المريض وقع في رواية الكشميهني إذا أتى بالمريض وهو أصوب فأما عمرو بن أبي قيس فهو الرازي وأصله من الكوفة ولا يعرف اسم أبيه وهو صدوق ولم يخرج له البخاري إلا تعليقا وقد وقع لنا حديثه هذا موصولا في فوائد أبي العباس محمد بن نجيح من رواية محمد بن سعيد بن سابق القزويني عنه بلفظ إذا أتى بالمريض وأما إبراهيم بن طهمان فوصل طريقه الإسماعيلي من رواية محمد بن سابق التميمي الكوفي نزيل بغداد عنه بلفظ إذا أتى بمريض قوله وقال جرير عن منصور عن أبي الضحى وحده وقال إذا أتى مريضا وهذا وصله بن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جرير بلفظ إذا أتى إلى المريض فدعا له وهي عند مسلم أيضا وقد دلت رواية كل من جرير وأبي عوانة على أن عمرو بن أبي قيس وإبراهيم بن طهمان حفظا عن منصور أن الحديث عنده عن شيخين وأنه كان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا وقد أخرجه مسلم من طريق إسرائيل عن منصور عنهما كذلك ورجح عند البخاري رواية منصور عن إبراهيم وحده لأن الثوري رواها عن منصور كذلك كما سيأتي في أثناء كتاب الطب ووافقه ورقاء عن منصور عند النسائي وسفيان أحفظ الجميع لكن رواية جرير غير مرفوعة والله أعلم وقد استشكل الدعاء للمريض بالشفاء مع ما في المرض من كفارة الذنوب والثواب كما تضافرت الأحاديث بذلك والجواب أن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لأنهما يحصلان بأول مرض وبالصبر عليه والداعي بين حسنتين إما أن يحصل له مقصوده أو يعوض عنه بجلب نفع أو دفع ضر وكل من فضل الله تعالى

قوله باب وضوء العائد للمريض ذكر فيه حديث جابر وقد تقدم التنبيه عليه قريبا في باب المغمى عليه ولا يخفى أن محله إذا كان العائد بحيث يتبرك المريض به

قوله باب الدعاء برفع الوباء والحمى الوباء يهمز ولا يهمز وجمع المقصور بلا همز أوبية وجمع المهموز أوباء يقال أوبأت الأرض فهي مؤبئة ووبئت فهي وبئة ووبئت بضم الواو فهو موبوءة قال عياض الوباء عموم الأمراض وقد أطلق بعضهم على الطاعون أنه وباء لأنه من أفراده لكن ليس كل وباء طاعونا وعلى ذلك يحمل قول الداودي لما ذكر الطاعون الصحيح أنه الوباء وكذا جاء عن الخليل بن أحمد أن الطاعون هو الوباء وقال بن الأثير في النهاية الطاعون المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان وقال بن سيناء الوباء ينشأ عن فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده قلت ويفارق الطاعون الوباء بخصوص سببه الذي ليس هو في شيء من الأوباء وهو كونه من طعن الجن كما سأذكره مبينا في باب ما يذكر من الطاعون من كتاب الطب إن شاء الله تعالى وساق المصنف في الباب حديث عائشة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ووقع فيه ذكر الحمى ولم يقع في سياقه لفظ الوباء لكنه ترجم بذلك إشارة إلى ما وقع في بعض طرقه وهو ما سبق في أواخر الحج من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة في حديث الباب قالت عائشة فقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وهذا مما يؤيد أن الوباء أعم من الطاعون فإن وباء المدينة ما كان إلا بالحمى كما هو مبين في حديث الباب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقل حماها إلى الجحفة وقد سبق شرح الحديث في باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في أوائل كتاب المغازي ويأتي شيء مما يتعلق به في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى وقد استشكل بعض الناس الدعاء برفع الوباء لأنه يتضمن الدعاء برفع الموت والموت حتم مقضي فيكون ذلك عبثا وأجيب بأن ذلك لا ينافي التعبد بالدعاء لأنه قد يكون من جملة الأسباب في طول العمر أو رفع المرض وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة من الجنون والجذام وسيء الأسقام ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء فمن ينكر التداوي بالدعاء يلزمه أن ينكر التداوي بالعقاقير ولم يقل بذلك الا شذوذ والأحاديث الصحيحة ترد عليهم وفي الالتجاء إلى الدعاء مزيد فائدة ليست في التداوي بغيره لما فيه من الخضوع والتذلل للرب سبحانه بل منع الدعاء من جنس ترك الأعمال الصالحة اتكالا على ما قدر فيلزم ترك العمل جملة ورد البلاء بالدعاء كرد السهم بالترس وليس من شرط الإيمان بالقدر أن لا يتقوس من رمى السهم والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب المرضى من الأحاديث المرفوعة على ثمانية وأربعين حديثا المعلق منها سبعة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى أربعة وثلاثون طريقا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة من يرد الله به خيرا يصب منه وحديث عطاء أنه رأى أم زفر وحديث أنس في الحبيبتين وحديث عائشة أنها قالت وارأساه إلى قوله بل أنا وارأساه فقط وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ثلاثة آثار والله أعلم