كتاب الطب
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطب كذا لهم الا النسفي فترجم كتاب الطب أول كفارة المرض ولم يفرد كتاب الطب وزاد في نسخة الصغاني والأدوية والطب بكسر المهملة وحكى بن السيد تثليثها والطبيب هو الحاذق بالطب ويقال له أيضا طب بالفتح والكسر ومستطب وامرأة طب بالفتح يقال استطب تعاني الطب واستطب استوصفه ونقل أهل اللغة أن الطب بالكسر يقال بالاشتراك للمداوي وللتداوي وللداء أيضا فهو من الأضداد ويقال أيضا للرفق والسحر ويقال للشهوة ولطرائق ترى في شعاع الشمس وللحذق بالشيء والطبيب الحاذق في كل شيء وخص به المعالج عرفا والجمع في القلة أطبة وفي الكثرة أطباء والطب نوعان طب جسد وهو المراد هنا وطب قلب ومعالجته خاصة بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام عن ربه سبحانه وتعالى وأما طب الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه صلى الله عليه وسلم ومنه ما جاء عن غيره وغالبه راجع إلى التجربة ثم هو نوعان نوع لا يحتاج إلى فكر ونظر بل فطر الله على معرفته الحيوانات مثل ما يدفع الجوع والعطش ونوع يحتاج إلى الفكر والنظر كدفع ما يحدث في البدن مما يخرجه عن الاعتدال وهو إما إلى حرارة أو برودة وكل منهما إما إلى رطوبة أو يبوسة أو إلى ما يتركب منهما وغالب ما يقاوم الواحد منهما بضده والدفع قد يقع من خارج البدن وقد يقع من داخله وهو أعسرهما والطريق إلى معرفته بتحقق السبب والعلامة فالطبيب الحاذق هو الذي يسعى في تفريق ما يضر بالبدن جمعه أو عكسه وفي تنقيص ما يضر بالبدن زيادته أو عكسه ومدار ذلك على ثلاثة أشياء حفظ الصحة والاحتماء عن المؤذي واستفراغ المادة الفاسدة وقد أشير إلى الثلاثة في القرآن فالأول من قوله تعالى فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وذلك أن السفر مظنة النصب وهو من مغيرات الصحة فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر إبقاء على الجسد وكذا القول في المرض الثاني وهو الحمية من قوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم فإنه استنبط منه جواز التيمم عند خوف استعمال الماء البارد والثالث من قوله تعالى أو به أذى من رأسه ففدية فإنه أشير بذلك إلى جواز حلق الرأس الذي منع منه المحرم لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن في الرأس وأخرج مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين أيكما أطب قالا يا رسول الله وفي الطب خير قال أنزل الداء الذي أنزل الدواء

قوله باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء كذا للإسماعيلي وابن بطال ومن تبعه ولم أرد لفظ باب من نسخ الصحيح إلا للنسفي

[ 5354 ] قوله أبو أحمد الزبيري هو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي نسب لجده وهو أسد من بني أسد بن خزيمة فقد يلتبس بمن ينسب إلى الزبير بن العوام لكونهم من بني أسد بن عبد العزي وهذا من فنون علم الحديث وصنفوا فيه الأنساب المتفقة في اللفظ المفترقة في الشخص وقد وقع عند أبي نعيم في الطب من طريق أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة قالا حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي أبو أحمد الزبيري وعند الإسماعيلي من طريق هارون بن عبد الله الحمال حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري قوله عن أبي هريرة كذا قال عمر بن سعيد عن عطاء وخالفه شبيب بن بشر فقال عن عطاء عن أبي سعيد الخدري أخرجه الحاكم وأبو نعيم في الطب ورواه طلحة بن عمرو عن علط عن بن عباس هذه رواية عبد بن حميد عن محمد بن عبيد عنه وقال معتمر بن سليمان عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة أخرجه بن عاصم في الطب وأبو نعيم وهذا مما يترجح به رواية عمر بن سعيد قوله ما أنزل الله داء وقع في رواية الإسماعيلي من داء و من زائدة ويحتمل أن يكون مفعول أنزل محذوفا فلا تكون من زائدة بل لبيان المحذوف ولا يخفي تكلفه قوله إلا أنزل له شفاء في رواية طلحة بن عمرو من الزيادة في أول الحديث يا أيها الناس تداووا ووقع في رواية طارق بن شهاب عن بن مسعود رفعه أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا وأخرجه النسائي وصححه بن حبان والحاكم ونحوه للطحاوي وأبي نعيم من حديث بن عباس ولأحمد عن أنس أن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا وفي حديث أسامة بن شريك تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحدا الهرم أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والأربعة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وفي لفظ إلا السام بمهملة مخففة يعني الموت ووقع في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن بن مسعود نحو حديث الباب وزاد في آخره علمه من علمه وجهله من جهله أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم ولمسلم عن جابر رفعه لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برا بإذن الله تعالى ولأبي داود من حديث أبي الدرداء رفعه إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام وفي مجموع هذه الألفاظ ما يعرف منه المراد بالإنزال في حديث الباب وهو إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى الله عليه وسلم مثلا أو عبر بالإنزال عن التقدير وفيها التقييد بالحلال فلا يجوز التداوي بالحرام وفي حديث جابر منها الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع بل ربما أحدث داء آخر وفي حديث بن مسعود الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد وفيها كلها إثبات الأسباب وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر بإذن الله فمدار ذلك كله على تقدير الله وارادته والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك وسيأتي مزيد لهذا البحث في باب الرقية إن شاء الله تعالى ويدخل في عمومها أيضا الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته ولعل الإشارة في حديث بن مسعود بقوله وجهله من جهله إلى ذلك فتكون باقية على عمومها ويحتمل أن يكون في الخبر حذف تقديره لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء والأول أولى ومما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعض المرضى أنه يتداوى من داء بدواء فيبرا ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء قرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبا فيقع الخطأ من هنا وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع فلا ينجع ومن هنا تخضع رقاب الأطباء وقد أخرج بن ماجة من طريق أبي خزامة وهو بمعجمة وزاي خفيفة عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت رقي نسترقيها ودواء نتداوى به هل يرد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله تعالى والحاصل أن حصول الشفاء بالدواء إنما هو كدفع الجوع بالأكل والعطش بالشرب وهو ينجع في ذلك في الغالب وقد يتخلف لمانع والله أعلم ثم الداء والدواء كلاهما بفتح الدال وبالمد وحكى كسر دال الدواء واستثناء الموت في حديث أسامة بن شريك واضح ولعل التقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت واستثناء الهرم في الرواية الأخرى إما لأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة أو لقربه من الموت وإفضائه إليه ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا والتقدير لكن الهرم لا دواء له والله أعلم

قوله باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل ذكر فيه حديث الربيع بالتشديد كنا نغزو ونسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة وليس في هذا السياق تعرض للمداواة إلا أن كان يدخل في عموم قولها نخدمهم نعم ورد الحديث المذكور بلفظ ونداوي الجرحى ونرد القتلى وقد تقدم كذلك في باب مداواة النساء الجرحى في الغزو من كتاب الجهاد فجرى البخاري على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض ألفاظ الحديث ويؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس وإنما لم يجزم بالحكم لاحتمال أن يكون ذلك قبل الححاب أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجا لها أو محرما وأما حكم المسألة فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك وقد تقدم البحث في شيء من ذلك في كتاب الجهاد

قوله باب الشفاء في ثلاث سقطت الترجمة للنسفي ولفظ باب للسرخعي

[ 5356 ] قوله حدثني الحسين كذا لهم غير منسوب وجزم جماعة بأنه بن محمد بن زياد النيسابوري المعروف بالقباني قال الكلاباذي كان يلازم البخاري لما كان بنيسابور وكان عنده مسند أحمد بن منيع سمعه منه يعني شيخه في هذا الحديث وقد ذكر الحاكم في تاريخه من طريق الحسين المذكور أنه روى حديثا فقال كتب عني محمد بن إسماعيل هذا الحديث ورأيت في كتاب بعض الطلبة قد سمعه منه عني اه وقد عاش الحسين القبائي بعد البخاري ثلاثا وثلاثين سنة وكان من أقران مسلم فرواية البخاري عنه من رواية الأكابر عن الأصاغر وأحمد بن منيع شيخ الحسين فيه من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري فلو رواه عنه بلا واسطة لم يكن عاليا له وكانت وفاة أحمد بن منيع وكنيته أبو جعفر سنة أربع وأربعين ومائتين وله أربع وثمانون سنة واسم جده عبد الرحمن وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه ولذلك يقال له المنيعي وابن بنت منيع وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وجزم الحاكم بأن الحسين المذكور هو بن يحيى بن جعفر البيكندي وقد أكثر البخاري الرواية عن أبيه يحيى بن جعفر وهو من صغار شيوخه والحسين أصغر من البخاري بكثير وليس في البخاري عن الحسين سواء كان القبائي أو البيكندي سوى هذا الحديث وقول البخاري بعد ذلك حدثنا محمد بن عبد الرحيم هو المعروف بصاعقة يكنى أبا يحيى وكان من كبار الحفاظ وهو من أصاغر شيوخ البخاري ومات قبل البخاري بسنة واحدة وسريج بن يونس شيخه بمهملة ثم جيم من طبقة أحمد بن منيع ومات قبله بعشر سنين وشيخهما مروان بن شجاع هو الحراني أبو عمرو وأبو عبد الله مولى محمد بن مروان بن الحكم نزل بغداد وقواه أحمد بن حنبل وغيره وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه وليس بالقوي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الشهادات ولم يتفق وقوع هذا الحديث للبخاري عاليا فإنه قد سمع من أصحاب مروان بن شجاع هذا ولم يقع له هذا الحديث عنه إلا بواسطتين وشيخه سالم الأفطس هو بن عجلان وما له في البخاري سوى الحديثين المذكورين من رواية مروان بن شجاع عنه قوله حدثني سالم الأفطس وفي الرواية الثانية عن سالم وقع عند الإسماعيلي عن المنيعي حدثنا جدي هو أحمد بن منيع حدثنا مروان بن شجاع قال ما أحفظه إلا عن سالم الأفطس حدثني فذكره قال الإسماعيلي صار الحديث عن مروان بن شجاع بالشك منه فيمن حدثه به قلت وكذا أخرجه أحمد بن حنبل عن مروان بن شجاع سواء وأخرجه بن ماجة عن أحمد بن منيع مثل رواية البخاري الأولى بغير شك وكذا أخرجه الإسماعيلي أيضا عن القاسم بن زكريا عن أحمد بن منيع وكذا رويناه في فوائد أبي طاهر المخلص حدثنا محمد بن يحيى بن صاعد حدثنا أحمد بن منيع قوله عن سعيد بن جبير وقع في مسند دعلج من طريق محمد بن الصباح حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس أظنه عن سعيد بن جبير كذا بالشك أيضا وكان ينبغي للإسماعيلي أن يعترض بهذا أيضا والحق أنه لا أثر للشك المذكور والحديث متصل بلا ريب قوله عن بن عباس قال الشفاء في ثلاث كذا أورده موقوفا لكن آخره يشعر بأنه مرفوع لقوله وأنهى أمتي عن الكي ولقوله رفع الحديث وقد صرح برفعه في رواية سريج بن يونس حيث قال فيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولعل هذا هو السر في إيراد هذه الطريق أيضا مع نزولها وإنما لم يكتف بها عن الأولى للتصريح في الأولى بقول مروان حدثني سالم ووقعت في الثانية بالعنعنة قوله رواه القمي بضم القاف وتشديد الميم هو يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي عامر الأشعري لجده أبي عامر صحبة وكنية يعقوب أبو الحسن وهو من أهل قم ونزل الري قواه النسائي وقال الدارقطني ليس بالقوي وما له في البخاري سوى هذا الموضع وليث شيخه هو بن أبي سليم الكوفي سيء الحفظ وقد وقع لنا هذا الحديث من رواية القمي موصولا في مسند البزار وفي الغيلانيات في جزء بن بخيت كلهم من رواية عبد العزيز بن الخطاب عنه بهذا السند وقصر بعض الشراح فنسبه إلى تخريج أبي نعيم في الطب والذي عند أبي نعيم بهذا السند حديث آخر في الحجامة لفظه احتجموا لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم قوله في العسل والحجم في رواية الكشميهني والحجامة ووقع في رواية عبد العزيز بن الخطاب المذكورة إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي مصة من الحجام أو مصة من العسل وإلى هذا أشار البخاري بقوله في العسل والحجم وأشار بذلك إلى أن الكي لم يقع في هذه الرواية وأغرب الحميدي في الجمع فقال في أفراد البخاري الحديث الخامس عشر عن طاوس عن بن عباس من رواية مجاهد عنه قال وبعض الرواة يقول فيه عن مجاهد عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في العسل والحجم الشفاء وهذا الذي عزاه للبخاري لم أره فيه أصلا بل ولا في غيره والحديث الذي اختلف الرواة فيه هل هو عن مجاهد عن طاوس عن بن عباس أو عن مجاهد عن بن عباس بلا واسطة إنما هو في القبرين اللذين كانا يعذبان وقد تقدم التنبيه عليه في كتاب الطهارة وأما حديث الباب فلم أره من رواية طاوس أصلا وأما مجاهد فلم يذكره البخاري عنه إلا تعليقا كما بينته وقد ذكرت من وصله وسياق لفظه قال الخطابي انتظم هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس وذلك أن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم وأما العسل فهو مسهل للاخلاط البلغمية ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن وأما الكي فإنما يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنه وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها آخر الدواء الكي وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره وأكتوى غير واحد من الصحابة قلت ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها وإنما نبه بها على أصول العلاج وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية وشفاء الدموية بإخراج الدم وإنما خص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب والفهم له بخلاف الفصد فإنه وإن كان في معنى الحجم لكنه لم يكن معهودا لها غالبا على أن في التعبير بقوله شرطة محجم ما قد يتناول الفصد وأيضا فالحجم في البلاد الحارة أنجح من الفصد والفصد في البلاد التي ليست بحارة أنجح من الحجم وأما الامتلاء الصفراوي وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل وقد نبه عليه يذكر العسل وسيأتي توجيهه ذلك في الباب الذي بعده وأما الكي فإنه يقع أخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات وإنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه فكرهه لذلك ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء لظنهم أنه يحسم الداء فيتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار لأمر مظنون وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض الذي يقطعه الكي ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى وعلى هذا التفسير يحمل حديث المغيرة رفعه من اكتوى أو استرقى فقد بريء من التوكل أخرجه الترمذي والنسائي وصححه بن حبان والحاكم وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعا وأن فيه مضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حمرها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع انتهى ملخصا وسيأتي الكلام على كل من هذه الأمور الثلاثة في أبواب مفردة لها وقد قيل إن المراد بالشفاء في هذا الحديث الشفاء من أحد قسمى المرض لأن الأمراض كلها إما مادية أو غيرها والمادية كما تقدم حارة وباردة وكل منهما وأن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركبة فالأصل الحرارة والبرودة وما عداهما ينفعل من إحداهما فنبه بالخبر على أصل المعالجة بضرب من المثال فالحارة تعالج بإخراج الدم لما فيه من استفراغ المادة وتبريد المزاج والباردة بتناول العسل لما فيه من التسخين والانضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين فيحصل بذلك استفراغ المادة برفق وأما الكي فخاص بالمرض المزمن لأنه يكون عن مادة باردة فقد تفسد مزاج العضو فإذا كوي خرجت منه وأما الأمراض التي ليست بمادية فقد أشير إلى علاجها بحديث الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وسيأتي الكلام عليه عند شرحه إن شاء الله تعالى وأما قوله وما أحب أن أكتوي فهو من جنس تركه أكل الضب مع تقريره أكله على مائدته واعتذاره بأنه يعافه

قوله باب الدواء بالعسل وقول الله تعالى فيه شفاء للناس كأنه أشار بذكر الآية إلى أن الضمير فيها للعسل وهو قول الجمهور وزعم بعض أهل التفسير أنه للقرآن وذكر بن بطال أن بعضهم قال إن قوله تعالى فيه شفاء للناس أي لبعضهم وحمله على ذلك أن تناول العسل قد يضر ببعض الناس كمن يكون حار المزاج لكن لا يحتاج إلى ذلك لأنه ليس في حمله على العموم ما يمنع أنه قد يضر ببعض الأبدان بطريق العرض والعسل يذكر ويؤنث وأسماؤه تزيد على المائة وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات ويغسل خمل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية وفيه حفظ المعجونات وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة وتنقية الكبد والصدر وإدرار البول والطمث ونفع للسعال الكائن من البلغم ونفع لأصحاب البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء ثم هو غذاء من الأغذيه ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلوى من الحلاوات وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات ومن منافعه أنه إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر وكذلك الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك من الفواكة وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه ونعمه وأن اكتحل به جلا ظلمة البصر وأن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها وهو عجيب في حفظ جثث الموتى فلا يسرع إليها لبلى وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا وقد أخرج أبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجة بسند ضعيف من حديث جابر رفعه من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم بلاء والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الحلواء والعسل قال الكرماني الإعجاب أعم من أن يكون على سبيل الدواء أو الغذاء فتؤخذ المناسبة بهذه الطريق وقد تقدم باقي الكلام عليه في كتاب الأطعمة الحديث الثاني

[ 5359 ] قوله عبد الرحمن بن الغسيل اسم الغسيل حنظلة بن أبي عامر الأوسي الأنصاري استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة فقيله له الغسيل وهو فعيل بمعنى مفعول وهو جد جد عبد الرحمن فهو بن سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة وعبد الرحمن معدود في صغار التابعين لأنه رأى أنسا وسهل بن سعد وجل روايته عن التابعين وهو ثقة عند الأكثر واختلف فيه قول النسائي وقال بن حبان كان يخطىء كثيرا اه وكان قد عمر فجاز المائة فلعله تغير حفظه في الآخر وقد احتج به الشيخان وشيخه عاصم بن عمر بن قتادة أي بن النعمان الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمر ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في باب من بنى مسجدا في أوائل الصلاة وهو تابعي ثقة عندهم وأغرب عبد الحق فقال في الأحكام وثقة بن معين وأبو زرعة وضعفه غيرهما ورد ذلك أبو الحسن بن القطان على عبد الحق فقال لا أعرف أحد ضعفه ولا ذكره الضعفاء اه وهو كما قال قوله ان كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم كذا وقع بالشك وكذا لأحمد عن أبي أحمد الزبيري عن بن الغسيل وسيأتي بعد أبواب باللفظ الأول بغير شك وكذا لمسلم وذكرت فيه في باب الحجامة من الداء قصة وقوله أو يكون قال بن التين صوابه أو يكن لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزوما قلت وقد وقع في رواية أحمد إن كان أو إن يكن فلعل الرواي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوا فأثبتها ويحتمل أن يكون التقدير إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء فيكون التردد لإثبات لفظ يكون وعدمها وقرأها بعضهم بشتديد الواو وسكون النون وليس ذلك بمحفوظ قوله ففي شرطة محجم بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم قوله أو لذعة بنار بذال معجمة ساكنة وعين مهملة اللذع هو الخفيف من حرق النار وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عض ذات السم قوله توافق الداء فيه إشارة إلى أن الكي إنما يشرع منه ما يتعين طريقا إلى إزالة ذلك الداء وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق ويحتمل أن يكون المراد بالموافقة موافقة القدر قوله وما أحب أن أكتوي سيأتي بيانه بعد أبواب الحديث الثالث حديث أبي سعيد في الذي اشتكى بطنه فأمر بشرب العسل وسيأتي شرحه في باب دواء المبطون وشيخه عباس فيه هو بالموحدة ثم مهملة النرسي بنون ومهملة وعبد الأعلى شيخه هو بن عبد الأعلى وسعيد هو بن أبي عروبة والإسناد كله بصريون

قوله باب الدواء بألبان الإبل أي في المرض الملائم له

[ 5361 ] قوله سلام بن مسكين هو الأزدي وهو بالتشديد وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في كتاب الأدب ووقع في اللباس عن موسى بن إسماعيل حدثنا سلام عن عثمان بن عبد الله فزعم الكلاباذي أنه سلام بن مسكين وليس كذلك بل هو سلام بن أبي مطيع وسأذكر الحجة لذلك هناك إن شاء الله تعالى قوله حدثنا ثابت هو البناني ووقع للإسماعيلي من رواية بهز بن أسد عن سلام بن مسكين قال حدث ثابت الحسن وأصحابه وأنا شاهد معهم فيؤخذ من ذلك أنه لا يتشرط في قول الراوي حدثنا فلان أن يكون فلان قد قصد إليه بالتحديث بل إن سمع منه اتفاقا جاز أن يقول حدثنا فلان ورجال هذا الإسناد أيضا كلهم بصريون قوله ان ناسا زاد بهز في روايته من أهل الحجاز وقد تقدم في الطهارة أنهم من عكل أو عرينة بالشك وثبت أنهم كانوا ثمانية وأن أربعة منهم كانوا من عكل وثلاثة من عرينه والرابع كان تبعا لهم قوله كان بهم سقم فقالوا يا رسول الله آوونا وأطعمنا فلما صحوا في السياق حذف تقديره فآواهم وأطعمهم فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة وكان السقم الذي بهم أولا من الجوع أو من التعب فلما زال ذلك عنهم خشوا من وخم المدينة إما لكونهم أهل ريف فلم يعتادوا بالحضر وإما بسبب ما كان بالمدينة من الحمى وهذا هو المراد بقوله في الرواية التي بعدها اجتووا المدينة وتقدم تفسير الجوي في كتاب الطهارة ووقع في رواية بهز بن أسد بهم ضر وجهد وهو يشير إلى ما قلناه قوله في ذود له ذكر بن سعد أن عدد الذود كان خمس عشرة وفي رواية بهز بن أسد أن اللذود كان مع الراعي بجانب الحرة قوله فقال اشربوا ألبانها كذا هنا وتقدم من رواية أبي قلابة وغيره عن أنس من ألبانها وأبوالها قوله فلما صحوا في السياق حذف تقديره فخرجوا فشربوا فلما صحوا قوله وسمر أعينهم كذا للأكثر والكشميهني باللام بدل الراء وقد تقدم شرحها قوله فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت زاد بهز في روايته مما يجد من الغم والوجع وفي صحيح أبي عوانة هنا يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة قوله قال سلام هو موصول بالسند المذكور وقوله فبلغني أن الحجاج هو بن يوسف الأمير المشهور وفي رواية أنس فذكر ذلك قوم للحجاج فبعث إلى أنس فقال هذا خاتمي فليكن بيدك أي يصير خازنا له فقال أنس أني أعجز عن ذلك قال فحدثني بأشد عقوبة الحديث قوله بأشد عقوبة عاقبه النبي صلى الله عليه وسلم كذا بالتذكير على إرادة العقاب وفي رواية بهز عاقبها على ظاهر اللفظ قوله فبلغ الحسن هو بن أبي الحسن البصري فقال وددت أنه لم يحدثه زاد الكشميهني بهذا وفي رواية بهز فوالله ما انتهى الحجاج حتى قام بها على المنبر فقال حدثنا أنس فذكره وقال قطع النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي والأرجل وسمل الأعين في معصية الله أفلا نفعل نحن ذلك في معصية الله وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن ثابت حدثني أنس قال ما ندمت على شيء ما ندمت على حديث حدثت به الحجاج فذكره وإنما ندم أنس على ذلك لأن الحجاج كان مسرفا في العقوبة وكان يتعلق بأدنى شبهة ولا حجة له في قصة العرنيين لأنه وقع التصريح في بعض طرقه أنهم ارتدوا وكان ذلك أيضا قبل أن تنزل الحدود كما في الذي بعده وقبل النهي عن المثلثة كما تقدم في المغازي وقد حضر أبو هريرة الأمر بالتعذيب بالنار ثم حضر نسخه والنهي عن التعذيب بالنار كما مر في كتاب الجهاد وكان إسلام أبي هريرة متأخرا عن قصة العرنيين وقد تقدم بسط القول في ذلك في باب أبوال الإبل والدواب في كتاب الطهارة وإنما أشرت إلى اليسير منه لبعد العهد به

قوله باب الدواء بأبوال الإبل ذكر فيه حديث العرنيين ووقع في خصوص التداوي بأبوال الإبل حديث أخرجه بن المنذر عن بن عباس رفعه عليكم بأبوال الإبل فإنها نافعة للذرية بطونهم والذرية بفتح المعجمة وكسر الراء جمع ذرب والذرب بفتحتين فساد المعدة

[ 5362 ] قوله ان ناسا اجتووا في المدينة كذا هنا بإثبات في وهي ظرفية أي حصل لهم الجوي وهم في المدينة ووقع في روايةأبي قلابة عن أنس اجتووا المدينة قوله أن يلحقوا براعيه يعني الإبل كذا في الأصل وفي رواية مسلم من هذا الوجه أن يلحقوا براعي الإبل قوله حتى صلحت في رواية الكشميهني صحت قوله قال قتادة هو موصول بالإسناد المذكور وقوله فحدثني محمد بن سيرين الخ يعكر عليه ما أخرجه مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال إنما سملهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم سملوا أعين الرعاة وسيأتي بيان ذلك واضحا في كتاب الديات إن شاء الله تعالى

قوله باب الحبة السوداء سيأتي بيان المراد بها في آخر الباب

[ 5363 ] قوله حدثني عبد الله بن أبي شيبة كذا سماه ونسبه لجده وهو أبو بكر مشهور بكنيته أكثر من اسمه وأبو شيبة جده وهو بن محمد بن إبراهيم وكان إبراهيم أبو شيبة قاضي واسط قوله حدثنا عبيد الله بالتصغير كذا للجميع غير منسوب وكذا أخرجه بن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله غير منسوب وجزم أبو نعيم في المستخرج بأنه عبيد الله بن موسى وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر الأعين والخطيب في كتاب رواية الآباء عن الأبناء من طريق أبي مسعود الرازي وهو عندنا بعلو من طريقه وأخرجه أيضا أحمد بن حازم عن أبي غرزة بفتح المعجمة والراء والزاي في مسنده ومن طريقه الخطيب أيضا كلهم عن عبيد الله بن موسى وهو الكوفي المشهور ورجال الإسناد كلهم كوفيون وعبيد الله بن موسى من كبار شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كالذي هنا قوله عن منصور هو بن المعتمر قوله عن خالد بن سعد هو مولى أبي مسعود البدري الأنصاري وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد أخرجه المنجنيقي في كتاب رواية الأكابر عن الأصاغر عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد فأدخل بين منصور وخالد بن سعد مجاهدا وتعقبه الخطيب بعد أن أخرجه من طريق المنجنيقي بأن ذكر مجاهد فيه وهم ووقع في رواية المنجنيقي أيضا خالد بن سعيد بزيادة ياء في اسم أبيه وهو وهم نبه عليه الخطيب أيضا قوله ومعنا غالب بن أبجر بموحدة وجيم وزن أحمد يقال إنه الصحابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية وحديثه عند أبي داود قوله فعاده بن أبي عتيق في رواية أبي بكر الأعين فعاده أبو بكر بن أبي عتيق وكذا قال سائر أصحاب عبد الله بن أبي موسى إلا المنجنيقي فقال في روايته عن خالد بن سعد عن غالب بن أبجر عن أبي بكر الصديق عن عائشة واختصر القصة وبسياقها يتبين الصواب قال الخطيب وقوله في السند عن غالب بن أبجر وهم فليس لغالب فيه رواية وإنما سمعه خالد مع غالب من أبي بكر بن أبي عتيق قال وأبو بكر بن أبي عتيق هذا هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأبو عتيق كنية أبيه محمد بن عبد الرحمن وهو معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه وجده وجد أبيه صحابة مشهورون قوله عليكم بهذه الحبيبة السويداء كذا هنا بالتصغير فيهما إلا الكشميهني فقال السوداء وهي رواية الأكثر ممن قدمت ذكره أنه أخرج الحديث قوله فإن عائشة حدثتني أن هذه الحبة السوداء شفاء والكشميهني أن في هذه الحبة شفاء كذا للأكثر وفي رواية الأعين هذه الحبة السوداء التي تكون في الملح وكان هذا قد أشكل علي ثم ظهر لي أنه يريد الكمون وكانت عادتهم جرت أن يخلط بالملح قوله إلا من السام بالمهملة بغير همز ولابن ماجة إلا أن يكون الموت وفي هذا أن الموت داء من جملة الأدواء قال الشاعر وداء الموت ليس له دواء وقد تقدم توجيه إطلاق الداء على الموت في الباب الأول قوله قلت وما السام قال الموت لم أعرف اسم السائل ولا القائل وأظن السائل خالد بن سعد والمجيب بن أبي عتيق وهذا الذي أشار إليه بن أبي عتيق ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض معه عطاس كثير وقالوا تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات فلعل غالب بن أبجر كان مزكوما فلذلك وصف له بن أبي عتيق الصفة المذكورة وظاهر سياقه أنها موقوفة عليه ويحتمل أن تكون عنده مرفوعة أيضا فقد وقع في رواية الأعين عند الإسماعيلي بعد قوله من كل داء واقطروا عليها شيئا من الزيت وفي رواية له أخرى وربما قال واقطروا الخ وادعى الإسماعيلي أن هذه الزيادة مدرجة في الخبر وقد أوضحت ذلك رواية بن أبي شيبة ثم وجدتها مرفوعة من حديث بريدة فأخرج المستغفري في كتاب الطب من طريق حسام بن مصك عن عبيد الله بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه الحبة السوداء فيها شفاء الحديث قال وفي لفظ قيل وما الحبة السوداء قال الشونيز قال وكيف أصنع بها قال تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين فإذا كان من الغد قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفي الأيسر واحدة فإذا كان اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة وربما استعملت أكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك وقيل إن قوله كل داء تقديره يقبل العلاج بها فإنها تنفع من الأمراض الباردة وأما الحارة فلا نعم قد تدخل في بعض الأمراض الحارة اليابسة بالعرض فتوصل قوي الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها ويستعمل الحار في بعض الأمراض الحارة لخاصية فيه لا يستنكر كالعنزروت فإنه حار ويستعمل في أدوية الرمد المركبة مع أن الرمد ورم حار باتفاق الأطباء وقد قال أهل العلم بالطب إن طبع الحبة السوداء حار يابس وهي مذهبة للنفخ نافعة من حمى الربع والبلغم مفتحة للسدد والريح مجففة لبلة المعدة وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار أذابت الحصاة وأدرت البول والطمث وفيها جلاء وتقطيع وإذا دقت وربطت بخرقة من كتان وأديم شمها نفع من الزكام البارد وإذا نقع منها سبع حبات في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان أفاده وإذا شرب منها وزن مثقال بماء أفاد من ضيق النفس والضماد بها ينفع من الصداع البارد وإذا طبخت بخل وتمضمض بها نفعت من وجع الأسنان الكائن عن برد وقد ذكر بن البيطار وغيره ممن صنف في المفردات في منافسها هذا الذي ذكرته وأكثر منه وقال الخطابي قوله من كل داء هو من العام الذي يراد به الخاص لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة وقال أبو بكر بن العربي العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به فإن كان المراد بقوله في العسل فيه شفاء للناس الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى وقال غيره كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض فلعل

[ 5364 ] قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد فيكون معنى قوله شفاء من كل داء أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه والتخصيص بالحيثية كثير شائع والله أعلم وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة ولاخفاء بغلط قائل ذلك لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار عليهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم انتهى وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الأفراد والتركيب ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث والله أعلم قوله أخبرني أبو سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف قوله وسعيد هو بن المسيب كذا في رواية عقيل وأخرجه مسلم من وجهين اقتصر في كل منهما على واحد منها وأخرجه مسلم أيضا من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ما من داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السام قوله والحبة السوداء الشونيز كذا عطفه على تفسير بن شهاب للسام فاقتضى ذلك أن تفسير الحبة السوداء أيضا له والشونيز بمض المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتانية بعدها زاي وقال القرطبي قيد بعض مشايخنا الشين بالفتح وحي عياض عن بن الأعرابي أنه كسرها فأبدل الواو ياء فقال الشينيز وتفسير الحبة السوداء بالشونيز لشهره الشونيز عندهم إذ ذاك وأما الآن فالأمر بالعكس والحبة السوداء أشهر عند أهل هذا العصر من الشونيز بكثير وتفسيرها بالشونيز هو الأكثر الأشهر وهي الكمون الأسود ويقال له أيضا الكمون الهندي ونقل إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن الحسن البصري أنها الخردل وحكى أبو عبيد الهروي في الغربيين أنها ثمرة البطم بضم الموحدة وسكون المهملة واسم شجرتها الضرو بكسر المعجمة وسكون الراء وقال الجوهري هو صمغ شجرة تدعي الكمكام تجلب من اليمن ورائحتها طيبة وتستعمل في البخور قلت وليست المراد هنا جزما وقال القرطبي تفسيرها بالشونيز أولى من وجهين أحدهما أنه قول الأكثر والثاني كثرة منافعها بخلاف الخردل والبطم

قوله باب التلبينة للمريض هي بفتح المثناة وسكون اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية ثم نون ثم هاء وقد يقال بلا هاء قال الأصمعي هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل قال غيره أو لبن سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها وقال بن قتيبة وعلى قول من قال يخلط فيها لبن سميت بذلك لمخالطة اللبن لها وقال أبو نعيم في الطب هي دقيق بحت وقال قوم فيه شحم وقال الداودي يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا فيكون لا يخالطه شيء فلذلك كثر نفعه وقال الموفق البغدادي التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن وهو الدقيق النضيج لا الغليظ النىء

[ 5365 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله حدثنا يونس بن يزيد عن عقيل هو من رواية الأقران وذكر النسائي فيما رواه أبو علي الأسيوطي عنه أن عقيلا تفرد به عن الزهري ووقع في الترمذي عقب حديث محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة في التلبينة وقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة حدثنا بذلك الحسين بن محمد حدثنا أبو إسحاق الطالقاني حدثنا بن المبارك عن يونس عن الزهري قال المزي كذا في النسخ ليس فيه عقيل قلت وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية نعيم بن حماد ومن رواية عبد الله بن سنان كلاهما عن بن المبارك ليس فيه عقيل وأخرجه أيضا من رواية علي بن الحسن بن شقيق عن بن المبارك بإثباته وهذا هو المحفوظ وكأن من لم يذكر فيه عقيلا جرى على الجادة لأن يونس مكثر عن الزهري وقد رواه عن عقيل أيضا الليث بن سعد وتقدم حديثه في كتاب الأطعمة قوله أنها كانت تأمر بالتلبين في رواية الإسماعيلي بالتلبينة بزيادة الهاء قوله للمريض وللمحزون أي يصنعه لكل منهما وتقدم في رواية الليث عن عقيل إن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها ثم اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن أمرت ببرمة تلبينة فطبخت ثم قالت كلوا منها قوله عليكم بالتلبينة أي كلوها قوله فإنها تجم بفتح المثناة وضم الجيم وبضم أوله وكسر ثانيه وهما بمعنى ووقع في رواية الليث فإنها مجمة بفتح الميم والجيم وتشديد الميم الثانية هذا هو المشهور وروى بضم أوله وكسر ثانيه وهما بمعنى يقال جم وأجم والمعنى أنها تريح فؤاده وتزيل عنه الهم وتنشطه والجام بالتشديد المستريح والمصدر الجمام والاجمام ويقال جم الفرس وأجم إذا أريح فلم يركب فيكون أدعى لنشاطه وحكى بن بطال أنه روى تخم بخاء معجمة قال والمخمة المكنسة قوله في الطريق الثانية حدثنا فروة بفتح الفاء بن أبي الفراء بفتح الميم وسكون المعجمة وبالمد هو الكندي الكوفي واسم أبي المغراء معد يكرب وكنية فروة أبو القاسم من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري ولم يكثر عنه قوله انها كانت تأمرنا بالتلبينة وتقول هو البغيض النافع كذا فيه موقوفا وقد حذف الإسماعيلي هذه الطريق وضاقت على أبي نعيم فأخرجها من طريق البخاري هذه عن فروة ووقع عند أحمد وابن ماجة من طريق كلثم عن عائشة مرفوعا عليكم بالبغيض النافع التلبينة يعني الحساء وأخرجه النسائي من وجه آخر عن عائشة وزاد والذي نفس محمد بيده أنها لتغسل بطن أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء وله وهو عند أحمد والترمذي من طريق محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ثم قال إنه يرثو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء ويرتو بفتح أوله وسكون الراء وضم المثناة ويسرو وزنه بسين مهملة ثم راء ومعنى يرتو يقوى ومعنى يسرو بكشف والبغيض بوزن عظيم من البغض أي ببغضه المريض مع كونه ينفعه كسائر الأدوية وحكى عياض أنه وقع في رواية أبي زيد المروزي بالنون بدل الموحدة قال ولا معنى له هنا قال الموفق البغدادي إذا شئت معرفة منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير ولا سيما إذا كان نخالة فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذى غذاء لطيفا وإذا شرب حارا كان أجلى وأقوى نفوذا وأنمى للحرارة الغريزية قال والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة قال وسماه البغيض النافع لأن المريض يعافه وهو نافع له قال ولا شيء أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير وأما من يغلب على غذائه الحنطة فالأولى به في مرضه حساء الشعير وقال صاحب الهدي التلبينة أنفع من الحساء لأنها تطبخ مطحونة فتخرج خاصة الشعير بالطحن وهي أكثر تغذية وأقوى فعلا وأكثر جلاء وإنما أختار الأطباء النضيج لأنه أرق وألطف فلا يثقل على طبيعة المريض وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحا وبالحزين إذا طبخ مكحونا لما تقدمت الإشارة من الفرق بينما في الخاصية والله أعلم

قوله باب السعوط بمهملتين ما يجعل في الأنف مما يتداوى به

[ 5367 ] قوله واستعط أي استعمل السعوط وهو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعها لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس وسيأتي ذكر ما يستعط به في الباب الذي يليه وأخرج الترمذي من وجه آخر عن بن عباس رفعه أن خير ما تداويتم به السعوط

قوله باب السعوط بالقسط الهندي والبحري قال أبو بكر بن العربي القسط نوعان هندي وهو أسود وبحري وهو أبيض والهندي أشدهما حرارة قوله وهو الكست يعني أنه يقال بالقاف وبالكاف ويقال بالطاء وبالمثناة وذلك لقرب كل من المخرجين بالاخر وعلى هذا يجوز أيضا مع القاف بالمثناة ومع الكاف بالطاء وقد تقدم في حديث أم عطية عند الطهر من الحيض نبذة من الكست وفي رواية عنها من قسط ومضى للمصنف في ذلك كلام في باب القسط للحادة قوله مثل الكافور والقافور تقدم هذا في باب القسط للحادة قوله ومثل كشطت وقشطت وقرأ عبد الله قشطت زاد النسقي أي نزعت يريد أن عبد الله بن مسعود قرأ وإذا السماء قشطت بالقاف ولم تشتهر هذه القراءة وقد وجدت سلف البخاري في هذا فقرأت في كتاب معاني القرآن للفراء في قوله تعالى وإذا السماء كشطت قال يعني نزعت وفي قراءة عبد الله قشطت بالقاف والمعنى واحد والعرب تقول الكافور والقافور والقشط والكشط وإذا تقارب الخرقان في المخرج تعاقبا في المخرج هكذا رأيته في نسخة جيدة منه الكشط بالكاف والطاء والله أعلم

[ 5368 ] قوله عن عبيد الله سيأتي بلفظ أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قوله عن أم قيس بنت محصن وقع عند مسلم التصريح بسماعه له منها وسيأتي أيضا قريبا قوله عليكم بهذا العود الهندي كذا وقع هنا مختصرا ويأتي بعد أبواب في أوله قصة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي وقد أعلقت عليه من العذرة فقال عليكن بهذا العود الهندي وأخرج أحمد وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعا أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه وفي حديث أنس الآتي بعد بابين أن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري وهو محمول على أنه وصف لكل ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان لاحتياج في المعالجة إلى دواء شديد الحرارة وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي كما تقدم أشد حرارة من البحري وقال بن سينا القسط حار في الثالثة يابس في الثانية قوله فإن فيه سبعة أشفية جمع شفاء كدواء وأدوية قوله يسمط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب كذا وقع الاقتصار في الحديث من السبعة على اثنين فإما أن يكون ذكر السبعة فاختصره الراوي أو اقتصر على الإثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما وسيأتي ما يقوي الاحتمال الثاني وقد ذكر الأطباء من مناف القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل ديدان الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك شهوة الجماع ويذهب الكلف طلاء فذكروا أكثر من سبعة وأجاب بعض الشراح بأن السبعة علمت بالوحي وما زاد عليها بالتجربة فاقتصر على ما هو بالوحي لتحققه وقيل ذكر ما يحتاج إليه دون غيره لأنه لم يبعث بتفاصيل ذلك قلت ويحتمل أن تكون السبعة أصول صفة التداوي بها لأنها إما طلاء أو شرب أو تكميد أو تنطيل أو تبخير أو سعوط أو لدود فالطلاء يدخل في المراهم ويحل بالزيت يلطخ وكذا التكميد والشرب يسحق ويجعل في عسل أو ماء أو غيرهما وكذا التنطيل والسعوط يسحق في زيت ويقطر في الأنف وكذا الدهن والتبخير واضح وتحت كل واحدة من السبعة منافع لأدواء مختلفة ولا يستغرب ذلك ممن أوتي جوامع الكلم وأما العذرة فهي بضم المهملة وسكون المعجمة وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبا وقيل هي قرحة تخرج بين الإذن والحلق أو في الخرم الذي بين الأنف والحلق قيل سميت بذلك لأنها تخرج غالبا عند طلوع العذرة وهي خمسة كواكب تحت الشعري العبور ويقال لها أيضا العذاري وطلوعها يقع وسط الحر وقد استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارا والعذرة إنما تعرض في زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة ولا سيما قطر الحجاز حار وأجيب بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم وفي القسط تخفيف للرطوبة وقد يكون نفعه في هذا الدواء بالخاصية وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض كثيرا بل وبالذات أيضا وقد ذكر بن سينا في معالجة سعوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره على أننا لو لم نجد شيئا من التوجيهات لكان أمر المعجزة خارجا عن القواعد الطبية وسيأتي بيان ذات الجنب في باب اللدود وفيه شرح بقية حديث أم قيس هذا وقولها ودخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي تقدم مطولا في الطهارة وهو حديث آخر لأم قيس وقد ذكره هنا استطرادا والله أعلم

قوله باب أي ساعة يحتجم في رواية الكشميهني أي ساعة بلا هاء والمراد بالساعة في الترجمة مطلق الزمان لا خصوص الساعة المتعارفة قوله واحتجم أبو موسى ليلا تقدم موصولا في كتاب الصيام وفيه أن امتناعه من الحجامة نهارا كان بسبب الصيام لئلا يدخله خلل وإلى ذلك ذهب مالك فكره الحجامة للصائم لئلا يغرر بصومه لا لكون الحجامة تفطر الصائم وقد تقدم للبحث في حديث أفطر الحاجم والمحجوم هناك وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج ولا تقيد بوقت دون وقت لأنه ذكر الاحتجام ليلا وذكر حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارا وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة وأن لا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام أو غيرهما ولا عقب شبع ولا جوع وقد ورد في تعيين الأيام للحجامة حديث لابن عمر عند بن ماجة رفعه في أثناء حديث وفيه فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واحتجموا يوم الإثنين والثلاثاء واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد أخرجه من طريقين ضعيفين وله طريق ثالثة ضعيفة أيضا عند الدارقطني في الأفراد وأخرجه بسند جيد عن بن عمر موقوفا ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها وورد في عدد من الشهر أحاديث منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل بن أبي صالح وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه وله شاهد من حديث بن عباس عند أحمد والترمذي ورجاله ثقات لكنه معلول وشاهد آخر من حديث أنس عند بن ماجة وسنده ضعيف وهو عند الترمذي من وجه آخر عن أنس لكن من فعله صلى الله عليه وسلم ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن إسحاق كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت وقد أنفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من الحجامة في أوله وآخره قال الموفق البغدادي وذلك أن الأخلاط في أول الشهر تهيج في آخره تسكن فأولى ما يكون الاستفراغ في اثنائه والله أعلم

قوله باب الحجم في السفر والإحرام قاله بن بحينة عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يشير إلى ما أورده في الباب الذي يليه موصولا عن عبد الله بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في طريق مكة وقد تبين في حديث بن عباس أنه كان حينئذ محرما فانتزعت الترجمة من الحديثين معا على أن حديث بن عباس وحده كاف في ذلك لأن من لازم كونه صلى الله عليه وسلم كان محرما أن يكون مسافرا لأنه لم يحرم قط وهو مقيم وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بحجامة المحرم في كتاب الحج وأما الحجامة للمسافر فعلى ما تقدم أنه تفضل عند الاحتياج إليها من هيجان الدم ونحو ذلك فلا يختص ذلك بحالة دون حالة والله أعلم

قوله باب الحجامة من الداء أي بسبب الداء قال الموفق البغدادي الحجامة تنقى سطح البدن أكثر من الفصد والفصد لأعماق البدن والحجامة للصبيان وفي البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة وقد تغنى عن كثير من الأدوية ولهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد ولأن العرب غالبا ما كانت تعرف إلا الحجامة وقال صاحب الهدى التحقيق في أمر الفصد والحجامة أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والمزاج فالحجامة في الأزمان الحارة والأمكنة الحارة والأبدان الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج أنفع والفصد بالعكس ولهذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد

[ 5371 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله عن أنس في رواية شعبة عن حميد سمعت أنسا وقد تقدمت الإشارة إليه في الإجارة قوله عن أجر الحجام في رواية أحمد عن يحيى القطان عن حميد كسب الحجام قوله حجمه أبو طيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة تقدم في الإجارة ذكر تسميته وتعيين مواليه وكذا جنس ما أعطى من الأجرة وأنه تمر وحكم كسبه فأغنى عن إعادته قوله وقال إن أمثل ما تداويتم به الحجامة هو موصول بالإسناد المذكور وقد أخرجه النسائي مفردا من طريق زياد بن سعد وغيره عن حميد عن أنس بلفظ خير ما تداويتم به الحجامة ومن طريق معتمر عن حميد بلفظ أفضل قال أهل المعرفة الخطاب بذلك لأهل الحجاز ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وتميل إلى ظاهر الأبدان لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن ويؤخذ من هذا أن الخطاب أيضا لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن بن سيرين قال إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم قال الطبري وذلك أنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوى جسده فلا ينبغي أن يزيده وهيا بأخراج الدم وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتد به وقد قال بن سينا في أرجوزته ومن يكن تعود الفصاده فلا يكن يقطع تلك العاده ثم أشار إلى أنه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين قوله وقال لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط هو موصول أيضا بالإسناد المذكور إلى حميد عن أنس مرفوعا وقد أورده النسائي من طريق يزيد بن زريع عن حميد به مضموما إلى حديث خير ما تداويتم به الحجامة وقد اشتمل هذا الحديث على مشروعية الحجامة والترغيب في المداواة بها ولا سيما لمن أحتاج إليها وعلى حكم كسب الحجام وقد تقدم في الإجارة وعلى التداوي بالقسط وقد تقدم قريبا وسيأتي الكلام على الاعلاق في العذرة والغمزة في باب اللدود

[ 5372 ] قوله حدثنا سعيد بن تليد بمثناة ولام وزن سعيد وهو سعيد بن عيسى بن تليد نسب لجده وهو مصري وثقة أبو يونس وقال كان فقيها ثبتا في الحديث وكان يكتب للقضاة قوله أخبرني عمرو وغيره أما عمرو فهو بن الحارث وأما غيره فما عرفته ويغلب على ظني أنه بن لهيعة وقد أخرج الحديث أحمد ومسلم والنسائي وأبو عوانة والطحاوي والإسماعيلي وابن حبان من طريق عن بن وهب عن عمرو بن الحارث وحده لم يقل أحد في الإسناد وغيره والله أعلم قوله أن بكيرا حدثه هكذا أفرد الضمير لواحد بعد أن قدم ذكر اثنين وبكير هو بن عبد الله بن الأشج وربما نسب لجده مدني سكن مصر والإسناد إليه مصريون قوله عاد المنفع بقاف ونون ثقيلة مفتوحة هو بن سنان تابعي لا أعرفه إلا في هذا الحديث قوله ان فيه شفاء كذا ذكره بكير بن الأشج مختصرا ومضى في باب الدواء بالعسل من طريق عبد الرحمن بن الغسيل عن عاصم بن عمر مطولا وسيأتي أيضا عن قرب

قوله باب الحجامة على الرأس ورد في فضل الحجامة في الرأس حديث ضعيف أخرجه بن عدي من طريق عمر بن رباح عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن بن عباس رفعه الحجامة في الرأس تنفع من سبع من الجنون والجذام والبرص والنعاس والصداع ووجع الضرس والعين وعمر متروك رماه الفلاس وغيره بالكذب ولكن قال الأطباء أن الحجامة في وسط الرأس نافعة جدا وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها كما في أول حديثي الباب وآخرهما وأن كان مطلقا فهو مقيد بأولهما وورد أنه صلى الله عليه وسلم احتجم أيضا في الأخدعين والكاهل أخرجه الترمذي وحسنه وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم قال أهل العلم بالطب فصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويا ولا سيما إن كان فسد وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد وفصد الودجين لوجع الطحال والربو ووجع الجنبين والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب عن فصد الباسليق والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقى الرأس والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق عند الكعب وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض

[ 5373 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أريس وسليمان هو بن بلال وعلقمة هو بن أبي علقمة والسند كله مدنيون وقد تقدم بيان حاله في أبواب المحصر في الحج قوله احتجم بلحي جمل كذا وقع بالتثنية وتقدم بلفظ الأفراد واللازم مفتوحة ويجوز كسرها وجمل بفتح الجيم والميم قال بن وضاح هي بقعة معروفة وهي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا وزعم بعضهم أنه الآلة التي احتجم بها أي احتجم بعظم جمل والأول المعتمد وسأذكر في حديث بن عباس التصريح بقصة ذلك قوله في وسط رأسه بفتح السين المهملة ويجوز تسكينها وتقدم بيانه في كتاب الحج وقول من فرق بينهما قوله وقال الأنصاري وصله الإسماعيلي قال حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن فضالة حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري فذكره بلفظ احتجم احتجامه في رأسه ووصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي حدثنا الأنصاري بلفظ احتجم وهو محرم من صداع كان به أو داء وأحتجم فيما يقال له لحي جمل وهكذا أخرجه أحمد عن الأنصاري وسيأتي في الباب الذي بعده في حديث بن عباس بلفظ بما يقال له لحي جمل

قوله باب الحجامة من الشقيقة والصداع أي بسببهما وقد سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي وأورد ما فيها في الذي قبله وهو متجه والشقيقة بشين معجمة وقافين وزن عظيمة وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس أو في مقدمه وذكر أهل الطب أنه من الأمراض المزمنة وسببه أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ فإن لم تجد منفذا أحدث الصداع فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة وأن ملك قمة الرأس أحدث داء البيضة وذكر الصداع بعده من العام بعد الخاص وأسباب الصداع كثيرة جدا منها ما تقدم ومنها ما يكون عن ورم في المعدة أو في عروقها أو ريح غليظة فيها أو لامتلائها ومنها ما يكون من الحركة العنيفة كالجماع والقيء والاستفراغ أو السهر أو كثرة الكلام ومنها ما يحدث عن الأعراض النفسانية كالهم والغم والحزن والجوع والحمى ومنها ما يحدث عن حادث في الرأس كضربة تصيبه أو ورم في صفاق الدماغ أو حمل شيء ثقيل يضغط الرأس أو تسخينه بلبس شيء خارج عن الاعتدال أو تبريده بملاقاة الهواء أو الماء في البرد وأما الشقيقة بخصوصها فهي في شرايين الرأس وحدها وتختص بالموضع الأضعف من الرأس وعلاجها بشد العصابة وقد أخرج أحمد من حديث بريدة أنه صلى الله عليه وسلم كان ربما أخذته الشقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج الحديث وتقدم في الوفاة النبوية حديث بن عباس خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عصب رأسه قوله في الطريق الأولى عن هشام هو بن حسان وقوله من وجع كان قد بينه في الرواية التي بعده قوله وقال محمد بن سواء بمهملة ومد هو السدوسي واسم جده عنبر بمهملة ونون وموحدة بصري يكنى أبا الخطاب ما له في البخاري سوى حديث موصول مضى في المناقب وآخر يأتي في الأدب وهذا المعلق وقد وصله الإسماعيلي قال حدثنا أبو يعلى حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي حدثنا محمد بن سواء فذكره سواء وقد اتفقت هذه الطرق عن بن عباس أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم في رأسه ووافقها حديث بن بحينة وخالف ذلك حديث أنس فأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وصححه بن خزيمة وابن حبان من طريق معمر عن قتادة عنه قال احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا داود حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي عروبة رواه عن قتادة فأرسله وسعيد أحفظ من معمر وليست هذه بعلة قادحة والجمع بين حديثي بن عباس وأنس واضح بالحمل على التعدد أشار إلى ذلك الطبري وفي الحديث أيضا جواز الحجامة للمحرم وأن إخراجه الدم لا يقدح في إحرامه وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج وحاصله أن المحرم أن احتجم وسط رأسه لعذر جاز مطلقا فإن قطع الشعر وجبت عليه الفدية فإن احتجم لغير عذر وقطع حرم والله أعلم

[ 5375 ] قوله حدثنا إسماعيل بن أبان هو الوراق الأزدي الكوفي أبو إسحاق أو أبو إبراهيم من كبار شيوخ البخاري وهو صدوق تكلم فيه الجوزجاني لأجل التشيع قال بن عدي وهو مع ذلك صدوق وفي عصره إسماعيل بن أبان آخر يقال له الغنوي قال بن معين الغنوي كذاب والوراق ثقة وقال بن المديني الوراق لا بأس به والغنوي كتبت عنه وتركته وضعفه جدا وكذا فرق بينهما أحمد وعثمان بن أبي شيبة وجماعة وغفل من خلطهما وكانت وفاة الغنوي قبل الوراق بست سنين والله أعلم قوله حدثنا بن الغسيل هو عبد الرحمن بن سليمان تقدم شرح حاله قريبا

قوله باب الحلق من الأذى أي حلق شعر الرأس وغيره ذكر فيه حديث كعب بن عجرة في حلق رأسه وهو محرم بسبب كثرة القمل وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الحج وكأنه أورده عقب حديث الحجامة وسط الرأس للإشارة إلى أن جواز حلق الشعر للمحرم لأجل الحجامة عند الحاجة إليها يستنبط من جواز حلق جميع الرأس للمحرم عند الحاجة

قوله باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو كأنه أراد أن الكي جائز للحاجة وأن الأولى تركه إذا لم يتعين وأنه إذا جاز كان أعم من أن يباشر الشخص ذلك بنفسه أو بغيره لنفسه أو لغيره وعموم الجواز مأخوذ من نسبة الشفاء إليه في أول حديثي الباب وفضل تركه من قوله وما أحب أن أكتوي وقد أخرج مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال رمى سعد بن معاذ على أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريق أبي سفيان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه وروى الطحاوي وصححه الحاكم عن أنس قال كواني أبو طلحة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصله في البخاري وأنه كوى من ذات الجنب وسيأتي قريبا وعند الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة ولمسلم عن عمران بن حصين كان يسلم علي حتى أكتويت فترك ثم تركت الكي فعاد وله عنه من وجه آخر أن الذي كان انقطع عني رجع إلي يعني تسليم الملائكة كذا في الأصل وفي لفظ أنه كان يسلم علي فلما اكتويت أمسك عني فلما تركته عاد إلي وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن عمران نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا وفي لفظ فلم يفلحن ولم ينجحن وسنده قوي والنهي فيه محمول على الكراهة أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث وقيل أنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وكان موضعه خطرا فنهاه عن كيه فلما أشتد عليه كواه فلم ينجح وقال بن قتيبة الكي نوعان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر والقدر لا يدافع والثاني كي الجرح إذا نغل أي فسد والعضو إذا قطع فهو الذي يشرع التداوي به فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق وحاصل الجمع أن الفعل يدل على الجواز وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله وكذا الثناء على تاركه وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه وإما عما لا يتعين طريقا إلى الشفاء والله أعلم وقد تقدم شيء من هذا في باب الشفاء في ثلاث ولم أر في أثر صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتوى إلا أن القرطبي نسب إلى كتاب أدب النفوس للطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتوى وذكره الحليمي بلفظ روى أنه اكتوى للجرح الذي أصابه بأحد قلت والثابت في الصحيح كما تقدم في غزوة أحد أن فاطمة أحرقت حصيرا فحشت به جرحه وليس هذا الكي المعهود وجزم بن التين بأنه اكتوى وعكسه بن القيم في الهدى

[ 5377 ] قوله حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك هو الطيالسي قوله سمعت جابرا في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن خلاد عن أبي الوليد بسنده أتانا جابر في بيتنا فحدثنا قوله ففي شرطة محجم أو لذعة بنار كذا اقتصر في هذه الطريق على شيئين وحذف الثالث وهو العسل وثبت ذكره في رواية أبي نعيم من طريق أبي مسعود عن أبي الوليد وكذا عند الإسماعيلي لكن لم يسق لفظه بل أحال به على رواية أبي نعيم عن بن الغسيل وقد تقدم عن أبي نعيم تاما في باب الدواء بالعسل واختصر من هذه الطريق أيضا قوله توافق الداء وقد تقدم بيانها هناك

[ 5378 ] قوله عمران بن ميسرة بفتح الميم وسكون التحتانية بعدها مهملة قوله حصين بالتصغير هو بن عبد الرحمن الواسطي وعامر هو الشعبي قوله عن عمران بن حصين قال لا رقية إلا من عين أو حمة كذا رواه محمد بن فضيل عن حصين موقوفا ووافقه هشيم وشعبة عن حصين على وقفه ورواية هشيم عند أحمد ومسلم ورواية شعبة عند الترمذي تعليقا ووصلها ابنا أبي شيبة ولكن قالا عن بريدة بدل عمران بن حصين وخالف الجميع مالك بن مغول عن حصين فرواه مرفوعا وقال عن عمران بن حصين أخرجه أحمد وأبو داود وكذا قال بن عيينة عن حصين أخرجه الترمذي وكذا قال إسحاق بن سليمان عن حصين أخرجه بن ماجة واختلف فيه على الشعبي اختلافا آخر فأخرجه أبو داود من طريق العباس بن ذريح بمعجمة وراء وآخره مهملة بوزن عظيم فقال عن الشعبي عن أنس ورفعه وشذ العباس بذلك والمحفوظ رواية حصين مع الاختلاف عليه في رفعه ووقفه وهل هو عن عمران أبو بريدة والتحقيق أنه عنده عن عمران وعن بريدة جميعا ووقع لبعض الرواة عن البخاري قال حديث الشعبي مرسل والمسند حديث بن عباس فأشار بذلك إلى أنه أورد حديث الشعبي استطرادا ولم يقصد إلى تصحيحه ولعل هذا هو السر في حذف الحميدي له من الجمع بين الصحيحين فإنه لم يذكره أصلا ثم وجدت في نسخة الصغاني قال أبو عبد الله هو المصنف إنما أردنا من هذا حديث بن عباس والشعبي عن عمران مرسل وهذا يؤيد ما ذكرته قوله لا رقية إلا من عين أو حمة بضم المهملة وتخفيف الميم قال ثعلب وغيره هي سم العقرب وقال القزاز قيل هي شوكة العقرب وكذا قال بن سيده أنها الابرة التي تضرب بها العقرب والزنبور وقال الخطابي الحمة كل هامة ذات سم من حية أو عقرب وقد أخرج أبو داود من حديث سهل بن حنيف مرفوعا لا رقية إلا من نفس أو حمة أو لدغة فغاير بينهما فيحتمل أن يخرج على أن الحمة خاصة بالعقرب فيكون ذكر اللدغة بعدها من العام بعد الخاص وسيأتي بيان حكم الرقية في باب رقية الحية والعقرب بعد أبواب وكذلك ذكر حكم العين في باب مفرد قوله فذكرته لسعيد بن جبير القائل ذلك حصين بن عبد الرحمن وقد بين ذلك هشيم عن حصين بن عبد الرحمن قال كنت عند سعيد بن جبير فقال حدثني بن عباس وسيأتي ذلك في كتاب الرقاق وأخرجه أحمد عن هشيم ومسلم من وجه آخر عنه بزيادة قصة قال كنت عند سعيد بن جبير فقال أيكم رأى الكوكب الذي أنقض البارحة قلت أنا ثم قلت أما أني لم أكن في صلاة ولكن لدغت قال وكيف فعلت قلت استرقيت قال وما حملك على ذلك قلت حديث حدثناه الشعبي عن بريدة أنه قال لا رقية إلا من عين أو حمة فقال سعيد قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ثم قال حدثنا بن عباس فذكر الحديث قوله وعرضت على الأمم سيأتي شرحه في كتاب الرقاق وقوله في هذه الرواية حتى وقع في سواد كذا للأكثر بواو وقاف وبلفظ في والكشميهني حتى رفع براء وفاء وبلفظ لي وهو المحفوظ في جميع طرق هذا الحديث قوله فقال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون سيأتي الكلام على الرقية بعد قليل وكذلك يأتي القول في الطيرة بعد ذلك إن شاء الله تعالى

قوله باب الاثمد والكحل من الرمد أي بسبب الرمد والرمد بفتح الراء والميم ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط أو أبخرة تصعد من المعدة إلى الدماغ فإن اندفع إلى الخياشيم أحدث الزكام أو إلى العين أحدث الرمد أو إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخنان بالخاء المعجمة والنون أو إلى الصدر أحدث النزلة أو إلى القلب أحدث الشوصة وإن لم ينحدر وطلب نفاذا فلم يجد أحدث الصداع كما تقدم قوله فيه عن أم عطية يشير إلى حديث أم عطية مرفوعا لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد فوق ثلاث إلى على زوج فإنها لا تكتحل وقد تقدم في أبواب العدة لكن لم أر في شيء من طرقه ذكر الاثمد فكأنه ذكره لكون العرب غالبا إنما تكتحل به وقد ورد التنصيص عليه في حديث بن عباس رفعه اكتحلوا بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر أخرجه الترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجة وصححه بن حبان وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن بن عباس في الشمائل وفي الباب عن جابر عند الترمذي في الشمائل وابن ماجة وابن عدي من ثلاث طرق عن بن المنكدر عنه بلفظ عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر وعن علي عند بن أبي عاصم والطبراني ولفظه عليكم بالأثمد فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذي مصفاة للبصر وسنده حسن وعن بن عمر بنحوه عند الترمذي في الشمائل وعن أنس في غريب مالك الدارقطني بلفظ كان يأمرنا بالأثمد وعن سعيد بن هوذة عند أحمد بلفظ اكتحلوا بالأثمد فإنه الحديث وهو عند أبي داود من حديثه بلفظ أنه أمر بالأثمد المروح عند النوم وعن أبي هريرة بلفظ خير أكحالكم الاثمد فإنه الحديث أخرجه البزار وفي سنده مقال وعن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالأثمد أخرجه البيهقي وفي سنده مقال وعن عائشة كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم اثمد يكتحل به عند منامه في كل عين ثلاثا أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف والاثمد بكسر الهمزة والميم بينهما ثاء مثلثة ساكنة وحكى فيه ضم الهمزة حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون في بلاد الحجاز وأجوده يؤتى به من أصبهان واختلف هل هو اسم الحجر الذي يتخذ منه الكحل أو هو نفس الكحل ذكره بن سيده وأشار إليه الجوهري وفي هذه الأحاديث استحباب الاكتحال بالإثمد ووقع الأمر بالاكتحال وترا من حديث أبي هريرة في سنن أبي داود ووقع في بعض الأحاديث التي أشرت إليها كيفية الاكتحال وحاصله ثلاثا في كل عين فيكون الوتر في كل واحدة على حدة أو اثنتين في كل عين وواحدة بينهما أو في اليمن ثلاثا وفي اليسرى ثنتين فيكون الوتر بالنسبة لهما جميعا وأرجحها الأول والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث أم سلمة من رواية زينب وهي بنتها عنها إن امرأة توفي زوجها فاشتكت عينها فذكروها للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له الكحل وأنه يخاف على عينها الحديث وقد مرت مباحثه في أبواب الإحداد وأما

[ 5379 ] قوله في آخره فلا أربعة أشهر وعشرا كذا للأكثر وعند الكشميهني فهلا أربعة أشهر وعشرا وهي واضحة وأما الاقتصار على حرف النهي فالمنفي مقدر كأنه قال فلا تكتحل ثم قال تمكث أربعة أشهر وعشرا

قوله باب الجذام بضم الجيم وتخفيف المعجمة هو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله فتفسد مزاج الأعضاء وربما أفسد في آخره ايصالها حتى يتأكل قال بن سيده سمي بذلك لتجذم الأصابع وتقطعها

[ 5380 ] قوله وقال عفان هو بن مسلم الصفار وهو من شيوخ البخاري لكن أكثر ما يخرج عنه بواسطة وهو من المعلقات التي لم يصلها في موضع آخر وقد جزم أبو نعيم أنه أخرجه عنه بلا رواية وعلى طريقة بن الصلاح يكون موصولا وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي داود الطيالسي وأبي قتيبة مسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان فيه وأخرجه أيضا من طريق عمرو بن مرزوق عن سليم لكن موقوفا ولم يستخرجه الإسماعيلي وقد وصله بن خزيمة أيضا وسليم بفتح أوله وكسر ثانيه وحيان بمهملة ثم تحتانية ثقيلة قوله لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر كذا جمع الأربعة في هذه الرواية ويأتي مثله سواء بعد عدة أبواب في باب لا هامة من طريق أبي صالح عن أبي هريرة ويأتي بعد خمسة أبواب من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مثله لكن بدون قوله ولا طيرة وأعاده بعد أبواب كثيرة بزيادة قصة وبعد عدة أبواب في باب لا طيرة من طريق عبيد الله بن عتبة عن أبي هريرة لا طيرة حسب وفي باب لا عدوى من طريق سنان بن أبي سنان عن أبي هريرة بلفظ لا عدوى حسب ولمسلم من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ لا عدوى ولا هامة ولا طيرة وأخرج مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثل رواية أبي سلمة وزاد ولا نوء ويأتي في باب لا عدوى من حديث بن عمر ومن حديث أنس لا عدوى ولا طيرة ولمسلم وابن حبان من طريق بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا بلفظ لا عدوي ولا صفر ولا غول وأخرج بن حبان من طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس مثل رواية سعيد بن ميناء وأبي صالح عن أبي هريرة وزاد فيه القصة التي في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهو في بن ماجة باختصار فالحاصل من ذلك ستة أشياء العدوى والطيرة والهامة والصفر والغول والنوء والأربعة الأول قد أفرد البخاري لكل واحد منها ترجمة فنذكر شرحها فيه وأما الغول فقال الجمهور كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغول لهم تغولا أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم وقد كثر في كلامهم غالته الغول أي أهلكته أو أضلته فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك وقيل ليس المراد إبطال وجود الغيلان وإنما معناه إبطال ما كانت العرب تزعمه من تلون الغول بالصور المختلفة قالوا والمعنى لا يستطيع الغول أن يضل أحدا ويؤيده حديث إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان أي ادفعوا شرها بذكر الله وفي حديث أبي أيوب عند قوله كانت لي سهوة فيها تمر فكانت الغول تجيء فتأكل منه الحديث وأما النوء فقد تقدم القول فيه في كتاب الاستسقاء وكانوا يقولون مطرنا بنوء كذا فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك بأن المطر إنما يقع بإذن الله لا بفعل الكواكب وان كانت العادة جرت بوقوع المطر في ذلك الوقت لكن بإرادة الله تعالى وتقديره لا صنع للكواكب في ذلك والله أعلم قوله وفر من المجذوم كما تفر من الأسد لم أقف عليه من حديث أبي هريرة إلا من هذا الوجه ومن وجه آخر عند أبي نعيم في الطب لكنه معلول وأخرج بن خزيمة في كتاب التوكل له شاهدا من حديث عائشة ولفظه لا عدوي وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد وأخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد الثقفي عن أبيه قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قد بايعناك فارجع قال عياض اختلفت الآثار في المجذوم فجاء ما تقدم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم وقال ثقة بالله وتوكلا عليه قال فذهب عمر وجماعة من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ وممن قال بذلك عيسى بن دينار من المالكية قال والصحيح الذي عليه الأكثر ويتعين المصير إليه أن لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط والأكل معه على بيان الجواز اه هكذا اقتصر القاضي ومن تبعه على حكاية هذين القولين وحكى غيره قوله ثالثا وهو الترجيح وقد سلكه فريقان أحدهما سلك ترجيح الأخبار الدالة على نفي العدوي وتزييف الأخبار الدالة على عكس ذلك مثل حديث الباب فأعلوه بالشذوذ وبأن عائشة أنكرت ذلك فأخرج الطبري عنها أن امرأة سألتها عنه فقالت ما قال ذلك ولكنه قال لا عدوى وقال فمن أعدى الأول قالت وكان لي مولى به هذا الداء فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي وبأن أبا هريرة تردد في هذا الحكم كما سيأتي بيانه فيؤخذ الحكم من رواية غيره وبأن الأخبار الواردة من رواية غيره في نفي العدوى كثيرة شهيرة بخلاف الأخبار المرخصة في ذلك ومثل حديث لا تديموا النظر إلى المجذومين وقد أخرجه بن ماجة وسنده ضعيف ومثل حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمحين أخرجه أبو نعيم في الطب بسند واه ومثل ما أخرجه الطبري من طريق معمر عن الزهري أن عمر قال لمعيقيب أجلس مني قيد رمح ومن طريق خارجة بن زيد كان عمر يقول نحوه وهما أثران منقطعان وأما حديث الشريد الذي أخرجه مسلم فليس صريحا في أن ذلك بسبب الجذام والجواب عن ذلك أن طريق الترجيح لا يصار إليها إلا مع تعذر الجمع وهو ممكن فهو أولى الفريق الثاني سلكوا في الترجيح عكس هذا المسلك فردوا حديث لا عدوى بأن أبا هريرة رجع عنه إما لشكه فيه وإما لثبوت عكسه عنده كما سيأتي إيضاحه في باب لا عدو قالوا والأخبار الدالة على الاجتناب أكثر مخارج وأكثر طرقا فالمصير إليها أولى قالوا وأما حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه ففيه نظر وقد أخرجه الترمذي وبين الاختلاف فيه على روايه ورجح وقفه على عمر وعلى تقدير ثبوته فليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم أكل معه وإنما فيه أنه وضع يده في القصعة قاله الكلاباذي في معاني الأخبار والجواب أن طريق الجمع أولى كما تقدم وأيضا فحديث لا عدوى ثبت من غير طريق أبي هريرة فصح عن عائشة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وجابر وغيرهم فلا معنى لدعوى كونه معلولا والله أعلم وفي طريق الجمع مسالك أخرى أحدها نفى العدوى جملة وحمل الأمر بالفرار من المجذوم على رعاية خاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح البدن السليم من الآفة تعظم مصيبته وتزداد حسرته ونحوه حديث لا تديموا النظر إلى المجذومين فإنه محمول على هذا المعنى ثانيها حمل الخطاب بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين فحيث جاء لا عدوى كان المخاطب بذلك من قوي يقينه وصح توكله بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى كما يستطيع أن يدفع التطير الذي يقع في نفس كل أحد لكن القوي اليقين لا يتأثر به وهذا مثل ما تدفع قوة الطبيعة العلة فتبطلها وعلى هذا يحمل حديث جابر في أكل المجذوم من القصعة وسائر ما ورد من جنسه وحيث جاء فر من المجذوم كان المخاطب بذلك من ضعف يقينه ولم يتمكن من تمام التوكل فلا يكون له قوة على دفع اعتقاد العدوى فأريد بذلك سد باب اعتقاد العدوى عنه بأن لا يباشر ما يكون سببا لاثباتها وقريب من هذا كراهيته صلى الله عليه وسلم الكي مع إذنه فيه كما تقدم تقريره وقد فعل هو صلى الله عليه وسلم كلا من الأمرين لينأسى به كل من الطائفتين ثالث المسالك قال القاضي أبو بكر الباقلاني إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى قال فيكون معنى قوله لا عدوى أي الا من الجذام والبرص والجرب مثلا قال فكأنه قال لا يعدي شيء شيئا إلا ما تقدم تبيني له أن فيه العدوى وقد حكى ذلك بن بطال أيضا رابعها أن الأمر بالفرار من المجذوم ليس من باب العدوى في شيء بل هو لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد لجسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة ولذلك يقع في كثير من الأمراض في العادة انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة وهذه طريقة بن قتيبة فقال المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ومضاجعته وكذا يقع كثيرا بالمرأة من الرجل وعكسه وينزع الولد إليه ولهذا يأمر الأطباء بترك مخالطة المجذوم لا على طريق العدوى بل على طريق التأثر بالرائحة لأنها تسقم من واظب اشتمامها قال ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا يورد ممرض على مصح لأن الجرب الرطب قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها وأوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه وكذا بالنظر نحو ما به قال وأما قوله لا عدوى فله معنى آخر وهو أن يقع المرض بمكان كالطاعون فيفر منه مخافة أن يصيبه لأن فيه نوعا من الفرار من قدر الله المسلك الخامس أن المراد بنفي العدوى أن شيئا لا يعدى بطبعه نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ففي نهيه إثبات الأسباب وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئا وإن شاء أبقاها فأثرت ويحتمل أيضا أن يكون أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم أنه كان به أمر يسير لا يعدي مثله في العادة إذا ليس الجذمي كلهم سواء ولا تحصل العدوى من جميعهم بل لا يحصل منه في العادة عدوى أصلا كالذي أصابه شيء من ذلك ووقف فلم يعد بقية جسمه فلا يعدي وعلى الاحتمال الأول جرى أكثر الشافعية قال البيهقي بعد أن أورد قول الشافعي ما نصه الجذام والبرص يزعم أهل العلم بالطب والتجارب أنه يعدي الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد تطيب بمجامعة من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به وأما الولد فبين أنه إذا كان من ولده أجذم أو أبرص أنه قلما يسلم وان سلم أدرك نسله قال البيهقي وأما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا عدوى فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من هذه العيوب سببا لحدوث ذلك ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد وقال لا يورد ممرض على مصح وقال في الطاعون من سمع به بأرض فلا يقدم عليه وكل ذلك بتقدير الله تعالى وتبعه على ذلك بن الصلاح في الجمع بين الحديثين ومن بعده وطائفة ممن قبله المسلك السادس العمل بنفي العدوى أصلا ورأسا وحمل الأمر بالمجانبة على حسم المادة وسد الذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها الشارع وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد وتبعه جماعة فقال أبو عبيد ليس في قوله لا يورد ممرض على مصح إثبات العدوى بل لأن الصحاح لو مرضت بتقدير الله تعالى ربما وقع في نفس صاحبها أن ذلك من العدوى فيفتتن ويتشكك في ذلك فأمر باجتنابه قال وكان بعض الناس يذهب إلى أن الأمر بالاجتناب إنما هو للمخافة على الصحيح من ذوات العاهة قال وهذا شر ما حمل عليه الحديث لأن فيه إثبات العدوى التي نفاها الشارع ولكن وجه الحديث عندي ما ذكرته وأطنب بن خزيمة في هذا كتاب التوكل فإنه أورد حديث لا عدوى عن عدة من الصحابة وحديث لا يورد ممرض على مصح من حديث أبي هريرة وترجم للأول التوكل على الله في نفي العدوى وللثاني ذكر خبر غلط في معناه بعض العلماء وأثبت العدوى التي نفاها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترجم الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد اثبات العدوى بهذا القول فساق حديث أبي هريرة لا عدوى فقال أعرابي فما بال الإبل يخالطها الأجرب فتجرب قال فمن أعدى الأول ثم ذكر طرقه عن أبي هريرة ثم أخرجه من حديث بن مسعود ثم ترجم ذكر خبر روى في الأمر بالفرار من المجذوم قد يخطر لبعض الناس أن فيه اثبات العدوى وليس كذلك وساق حديث فر من المجذوم فرارك من الأسد من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة وحديث عمرو بن الشريد عن أبيه في أمر المجذوم بالرجوع وحديث بن عباس لا تديموا النظر إلى المجذومين ثم قال إنما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم كما نهاهم أن يورد الممرض على المصح شفقة عليهم وخشية أن يصيب بعض من يخالطه المجذوم الجذام والصحيح من الماشية الجرب فيسبق إلى بعض المسلمين أن ذلك من العدوى فيثبت العدوى التي نفاها صلى الله عليه وسلم فأمرهم بتجنب ذلك شفقة منه ورحمة ليسلموا من التصديق بإثبات العدوى وبين لهم أنه لا يعدي شيء شيئا قال ويؤيد هذا أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم ثقة بالله وتوكلا عليه وساق حديث جابر في ذلك ثم قال وأما نهيه عن إدامة النظر إلى المجذوم فيحتمل أن يكون لأن المجذوم يغتم ويكره إدمان الصحيح نظره إليه لأنه قل من يكون به داء إلا وهو يكره أن يطلع عليه اه وهذا الذي ذكره احتمالا سبقه إليه مالك فإنه سئل عن هذا الحديث فقال ما سمعت فيه بكراهية وما أدري ما جاء من ذلك إلا مخافة أن يقع في نفس المؤمن شيء وقال الطبري الصواب عندنا القول بما صح به الخبر وأن لا عدوى وأنه لا يصيب نفسا إلا ما كتب عليها وأما دنو عليل من صحيح فغير موجب انتقال العلة للصحيح إلا أنه لا ينبغي لذي صحة الدنو من صاحب العاهة التي يكرهها الناس لا لتحريم ذلك بل لخشية أن يظن الصحيح أنه لو نزل به ذلك الداء أنه من جهة دنوه من العليل فيقع فيما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم من العدوى قال وليس في أمره بالفرار من المجذوم معارضة لأكله معه لأنه كان يأمر بالأمر على سبيل الإرشاد أحيانا وعلى سبيل الإباحة أخرى وان كان أكثر الأوامر على الإلزام وإنما كان يفعل ما نهى عنه أحيانا لبيان أن ذلك ليس حراما وقد سلك الطحاوي في معاني الآثار مسلك بن خزيمة فيما ذكره فأورد حديث لا يورد ممرض على مصح ثم قال معناه أن المصح قد يصيبه ذلك المرض فيقول الذي أورده لو أني ما أوردته عليه لم يصبه من هذا المرض شيء والواقع أنه لو لم يورده لأصابه لكون الله تعالى قدره فنهى عن إيراده لهذه العلة التي لا يؤمن غالبا من وقوعها في قلب المرء ثم ساق الأحاديث في ذلك فأطنب وجمع بينها بنحو ما جمع به بن خزيمة ولذلك قال القرطبي في المفهم إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيراد الممرض على المصح مخافة الوقوع فيما وقع فيه أهل الجاهلية من اعتقاد العدوى أو مخافة تشويش النفوس وتأثير الأوهام وهو نحو قوله فر من المجذوم فرارك من الأسد وان كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي لكنا نجد في أنفسنا نفرة وكراهية لمخالطته حتى لو أكره إنسان نفسه على القرب منه وعلى مجالسته لتأذت نفسه بذلك فحينئذ فالأولى للمؤمن أن لا يتعرض إلى ما يحتاج فيه إلى مجاهدة فيجتنب طرق الأوهام ويباعد أسباب الآلام مع أنه يعتقد أن لا ينجي حذر من قدر والله أعلم قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة الأمر بالفرار من الأسد ليس للوجوب بل للشفقة لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى أمته عن كل ما فيه ضرر بأي وجه كان ويدلهم على كل ما فيه خير وقد ذكر بعض أهل الطب أن الروائح تحدث في الأبدان خللا فكان هذا وجه الأمر بالمجانبة وقد أكل هو مع المجذوم فلو كان الأمر بمجانبته على الوجوب لما فعله قال ويمكن الجمع بين فعله وقوله بأن القول هو المشروع من أجل ضعف المخاطبين وفعله حقيقة الإيمان فمن فعل الأول أصاب السنة وهي أثر الحكمة ومن فعل الثاني كان أقوى يقينا لأن الأشياء كلها لا تأثير لها إلا بمقتضى إرادة الله تعالى وتقديره كما قال تعالى وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله فمن كان قوي اليقين فله أن يتابعه صلى الله عليه وسلم في فعله ولا يضره شيء ومن وجد في نفسه ضعفا فليتبع أمره في الفرار لئلا يدخل بفعله في إلقاء نفسه إلى التهلكة فالحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر وقد أباحت الحكمة الربانية الحذر منها فلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها وأما أصحاب الصدق واليقين فهم في ذلك بالخيار قال وفي الحديث أن الحكم للأكثر لأن الغالب من الناس هو الضعف فجاء الأمر بالفرار بحسب ذلك واستدل بالأمر بالفرار من المجذوم لإثبات الخيار للزوجين في فسخ النكاح إذا وجده أحدهما بالآخر وهو قول جمهور العلماء وأجاب فيه من لم يقل بالفسخ بأنه لو أخذ بعمومه لثبت الفسخ إذا حدث الجذام ولا قائل به ورد بأن الخلاف ثابت بل هو الراجح عند الشافعية وقد تقدم في النكاح الإلمام بشيء من هذا واختلف في أمة الأجذم هل يجوز لها أن تمنع نفسها من استمتاعه إذا أرادها واختلف العلماء في المجذومين إذا كثروا هل يمنعون من المساجد والمجامع وهل يتخذ لهم مكان منفرد عن الأصحاء ولم يختلفوا في النادر أنه لا يمنع ولا في شهود الجمعة

قوله باب المن شفاء للعين كذا للأكثر وفي رواية الأصيلي شفاء من العين وعليها شرح بن بطال ويأتي توجيهها وفي هذه الترجمة إشارة إلى ترجيح القول الصائر إلى أن المراد بالمن في حديث الباب الصنف المخصوص ومن المأكول لا المصدر الذي بمعنى الامتنان وإنما أطلق على المن شفاء لأن الخبر ورد أن الكمأة منه وفيها شفاء فإذا ثبت الوصف للفرع كان ثبوته للأصل أولى

[ 5381 ] قوله عن عبد الملك هو بن عمير وصرح به أحمد في روايته عن محمد بن جعفر غندر وعمرو بن حريث هو المخزومي له صحبة قوله سمعت سعيد بن زيد أي بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عم أبيه كذا قال عبد الملك بن عمير ومن تابعه وخالفهم عطاء بن السائب من رواية عبد الوارث عنه فقال عن عمرو بن حريث عن أبيه أخرجه مسدد في مسنده وابن السكن في الصحابة والدارقطني في الأفراد وقال في العلل الصواب رواية عبد الملك وقال بن السكن أظن عبد الوارث أخطأ فيه وقيل كان سعيد بن زيد تزوج أم عمرو بن حريث فكأنه قال حدثني أبي وأراد زوج أمه مجازا فظنه الراوي أباه حقيقة قوله الكمأة بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة مفتوحة قال الخطابي وفي العامة من لا يهمزه واحدة الكمء بفتح ثم سكون ثم همزة مثل تمرة وتمر وعكس بن الأعرابي فقال الكمأة الجمع والكمء الواحد على غير قياس قال ولم يقع في كلامهم نظير هذا سوى خبأة وخبء وقيل الكمأة قد تطلق على الواحد وعلى الجمع وقد جمعوها على أكمؤ قال الشاعر ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا والعساقل بمهملتين وقاف ولام الشراب وكأنه أشار إلى أن الأكمؤ محل وجدانها الفلوات والكمأة نبات لا ورق لها ولا ساق توجد في الأرض من غير أن تزرع قيل سميت بذلك لاستتارها يقال كمأ الشهادة إذا كتمها ومادة الكمأة من جوهر أرضي بخارى يحتقن نحو سطح الأرض ببرد الشتاء وينميه مطر الربيع فيتولد ويندفع متجسدا ولذلك كان بعض العرب يسميها جدري الأرض تشبيها لها بالجدري مادة وصورة لأن مادته رطوبة دموية تندفع غالبا عند الترعرع وفي ابتداء استيلاء الحرارة ونماء القوة ومشابهتها له في الصورة ظاهر وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الكمأة جدري الأرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن الحديث وللطبري من طريق بن المنكدر عن جابر قال كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع قوم من أكلها وقالوا هي جدري الأرض فبلغه ذلك فقال أن الكمأة لست من جدري الأرض ألا أن الكمأة من المن والعرب تسمي المكأة أيضا بنات الرعد لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض وهي كثيرة بأرض العرب وتوجد بالشام ومصر فأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء ومنها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة وهي باردة رطبة في الثانية رديئة للمعدة بطيئة الهضم وإدمان أكلها يورث القولنج والسكتة والفالج وعسر البول والرطب منها أقل ضررا من اليابس وإذا دفنت في الطين الرطب ثم سلقت بالماء والملح والسعتر وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها فلذلك كان ماؤها شفاء للعين قوله من المن قيل في المراد بالمن ثلاثة أقوال أحدها أن المراد أنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلوا ومنه الترنجبين فكأنه شبة به الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفوا بغير علاج قلت وقد تقدم بيان ذلك واضحا في تفسير سورة البقرة وذكرت من زاد في متن هذا الحديث الكمأة من المن الذي أنزل على بني إسرائيل والثاني أن المعنى أنها من المن الذي أمتن الله به على عباده عفوا بغير علاج قال أبو عبيد وجماعة وقال الخطابي ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل على بني إسرائيل فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان كالترنجبين الذي يسقط على الشجر وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي فهو من قبيل المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل فيقع على الشجر فيتناولونه ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعا منها ما يسقط على الشجر ومنها ما يخرج من الأرض فتكون الكمأة منه وهذا هو القول الثالث وبه جزم الموفق عبد اللطيف البغدادي ومن تبعه فقالوا أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط بل كان أنواعا من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوا ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد ومن الطل الذي يسقط على الشجر والمن مصدر بمعنى المفعول أي ممنون به فلما لم يكن للعبد فيه شائبة كسب كان منا محضا وان كانت جميع نعم الله تعالى على عبيده منا منه عليهم لكن خص هذا باسم المن لكونه لا صنع فيه لأحد فجعل سبحانه وتعالى قوتهم في التبه الكمأة وهي تقوم مقام الخبز وأدمهم السلوى وهي تقوم مقام اللحم وحلواهم الطل الذي ينزل على الشجر فكمل بذلك عيشهم ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من المن فأشار إلى أنها فرد من أفراده فالترنجبين كذلك فرد من أفراد المن وأن غلب استعمال المن عليه عرفا اه ولا يعكر على هذا قولهم لن نصبر على طعام واحد لأن المراد بالوحدة دوام الأشياء المذكورة من غير تبدل وذلك يصدق على ما إذا كان المطعوم أصنافا لكنها لا تتبدل أعيانها قوله وماؤها شفاء للعين كذا للأكثر وكذا عند مسلم وفي رواية المستملي من العين أي شفاء من داء العين قال الخطابي إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر والعكس بالعكس قال بن الجوزي في المراد بكونها شفاء للعين قولان أحدهما أنه ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين أحدهما أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها حكاه أبو عبيد قال ويصدق هذا الذي حكاه أبو عبيد أن بعض الأطباء قالوا أكل الكمأة يجلو البصر ثانيهما أن تؤخذ فتشق وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة ويبقى النافع منه ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع وقد حكى إبراهيم الحربي عن صالح وعبد الله ابني أحمد بن حنبل أنهما اشتكت أعينهما فأخذا كمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما ورمدا قال بن الجوزي وحكى شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي أن بعض الناس عصر ماء كمأة فاكتحل به فذهبت عينه والقول الثاني أن المراد ماؤها الذي تنبت به فإنه أول مطر يقع في الأرض فتربي به الأكحال حكاه بن الجوزي عن أبي بكر بن عبد الباقي أيضا فتكون الإضافة إضافة الكل لا إضافة جزء قال بن القيم وهذا أضعف الوجوه قلت وفيما ادعاه بن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفا نظر فقد حكى عياض عن بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلا وهو إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة وبهذا جزم بن العربي فقال الصحيح أنه ينفع بصورته في حال وبإضافته في أخرى وقد جرب ذلك فوجد صحيحا نعم جزم الخطابي بما قال بن الجوزي فقال تربى بها التوتياء وغيرها من الأكحال قال ولا تستعمل صرفا فإن ذلك يؤذي العين وقال الغافقي في المفردات ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الاثمد واكتحل به فإنه يقوي الجفن ويزيد الروح الباصر حدة وقوة ويدفع عنها النوازل وقال النووي الصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقا فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه قال وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردا فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي صاحب صلاح ورواية في الحديث وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادا في الحديث وتبركا به فنفعه الله به قلت الكمال المذكور هو كمال الدين بن عبد العزيز بن عبد المنعم بن الخضر يعرف بابن عبد بغير إضافة الحارثي الدمشقي من أصحاب أبي طاهر الخشوعي سمع منه جماعة من شيوخ شيوخنا عاش ثلاثا وثمانين سنة ومات سنة اثنتين وسبعين وستمائة قبل النووي بأربع سنين وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوه اعتقاد في صحة الحديث والعمل به كما يشير إليه آخر كلامه وهو ينافي قوله أولا مطلقا وقد أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح إلى قتادة قال حدثت أن أبا هريرة قال أخذت ثلاثة أكمأ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية لي فبرئت وقال بن القيم اعترف فضلاء الأطباء أن ماء الكمأة يجلو العين منهم المسبحي وابن سينا وغيرهما والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار ثم عرضت لها الآفات بأمور أخرى من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى فالكمأة في الأصل نافعة لما اختصت به من وصفها بأنها من الله وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله ويدفع الله عنه الضرر بنيته والعكس بالعكس والله أعلم قوله وقال شعبة كذا لأبي ذر بواو في أوله وصورته صورة التعليق وسقطت الواو لغيره وهو أولى فإنه موصول بالإسناد المذكور وقد أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه فأعاد الإسناد من أوله للطريق الثانية وكذا أورده أحمد عن محمد بن جعفر بالإسنادين معا قوله وأخبرني الحكم هو بن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر والحسن العرني بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون هو بن عبد الله البجلي كوفي وثقة أبو زرعة والعجلي وابن سعد وقال بن معين صدوق قلت وما له في البخاري إلا هذا الموضع قوله قال شعبة لما حدثني به الحكم لم أنكره من حديث عبد الملك كأنه أراد أن عبد الملك كبر وتغير حفظه فلما حدث به شعبة توقف فيه فلما تابعه الحكم بروايته ثبت عند شعبة فلم ينكره وانتفى عنه التوقف فيه وقد تكلف الكرماني لتوجيه كلام شعبة أشياء فيها نظر أحدها أن الحكم مدلس وقد عنعن وعبد الملك صرح بقوله سمعته فلما تقوى برواية عبد الملك لم يبق به محل للانكار قلت شعبة ما كان يأخذ عن شيوخه الذين ذكر عنهم التدليس إلا ما يتحقق سماعهم فيه وقد جزم بذلك الإسماعيلي وغيره ببعد هذا الاحتمال وعلى تقدير تسليمه كان يلزم الأمر بالعكس بأن يقول لما حدثني عبد الملك لم أنكره من حديث الحكم ثانيها لم يكن الحديث منكورا لي لأني كنت أحفظه ثالثها يحتمل العكس بأن يراد لم ينكر شيئا من حديث عبد الملك وقد ساق مسلم هذه الطريق من أوجه أخرى عن الحكم ووقع عنده في المتن من المن الذي أنزل على بني إسرائيل وفي لفظ على موسى وقد أشرت إلى ما في هذه الزيادة من الفائدة في الكلام على هذا الحديث في تفسير سورة البقرة

قوله باب اللدود بفتح اللام وبمهملتين هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض واللدود بالضم الفعل ولددت المريض فعلت ذلك به وتقدم شرح الحديث الأول مستوفى في باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان ما لدوه صلى الله عليه وسلم به وبيان من عرف اسمه مما كان في البيت ولد لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك فأغنى عن إعادته وأما الحديث الثاني فسيأتي شرحه في باب العذرة قريبا

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وذكر فيه حديث عائشة لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي الحديث وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية ومن قبل ذلك في كتاب الطهارة والغرض منه هنا قوله هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن وقد تقدم بيان الحكمة فيه في الطهارة وقد استشكل بن بطال مناسبة حديث هذا الباب لترجمة الذي قبله بعد أن تقرر أن الباب إذا كان بلا ترجمة يكون كالفصل من الذي قبله وأجاب باحتمال أن يكون أشار إلى أن الذي يفعل بالمريض بأمره لا يلزم فاعل ذلك لوم ولا قصاص لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بصب الماء على كل من حضره بخلاف ما نهى عنه أن لا يفعل به لأن فعله جناية عليه فيكون فيه القصاص قلت ولا يخفى بعده ويمكن أن يقرب بأن يقال أولا إنه أشار إلى أن الحديث عن عائشة في مرض النبي صلى الله عليه وسلم وما اتفق له فيه واحد ذكره بعض الرواة قاما واقتصر بعضهم على بعضه وقصة اللدود كانت عندما أغمي عليه وكذلك قصة السبع قرب لكن اللدود كان نهى عنه ولذلك عاتب عليه بخلاف الصب فإنه كان أمر فلم ينكر عليهم فيؤخذ منه أن المريض إذا كان عارفا لا يكره على تناول شيء ينهى عنه ولا يمنع من شيء يأمر به

قوله باب العذرة بضم المهملة وسكون الذال المعجمة هو وجع الحلق وهو الذي يسمى سقوط اللهاة وقيل هو اسم اللهاة والمراد وجمعها سمي باسمها وقيل هو موضع قريب من اللهاة واللهاه بفتح اللام اللحمة التي في أقصى الحلق

[ 5385 ] قوله وكانت من المهاجرات الخ يشبه أن يكون الوصف من كلام الزهري فيكون مدرجا ويحتمل أن يكون من كلام شيخه فيكون موصولا وهو الظاهر قوله بابن لها تقدم في باب السعوط أنه الابن الذي بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم قوله قد اعلقت عليه تقدم قيل بباب من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري بلفظ أعلقت عنه وفيه قلت لسفيان فإن معمرا يقول أعلقت عليه قال لم يحفظ إنما قال أعلقت عنه حفظته من في الزهري ووقع هنا معلقا من رواية يونس وهو بن يزيد وإسحاق بن راشد عن الزهري علقت عليه بتشديد اللام والصواب أعلقت والاسم العلاق بفتح المهملة وكذا وقع في رواية سفيان الماضية بهذا العلاق كذا للكشميهني ولغيره الاعلاق ورواية يونس المعلقة هنا وصلها أحمد ومسلم ورواية إسحاق بن راشد وصلها المؤلف في باب ذات الجنب وسيأتي قريبا ورواية معمر التي سأل عنها علي بن عبد الله سفيان أخرجها أحمد عن عبد الرزاق عنه لكن بلفظ جئت بابن لي قد أعلقت عنه قال عياض وقع في البخاري أعلقت وعلقت والعلاق والأعلاق ولم يقع في مسلم إلا أعلقت وذكر العلاق في رواية والأعلاق في رواية والكل بمعنى جاءت به الروايات لكن أهل اللغة إنما يذكرون أعلقت والأعلاق رباعي وتفسيره غمز العذرة وهي اللهاة بالأصبع ووقع في رواية يونس عند مسلم قال أعلقت غمزت وقوله في الحديث علام أي لأي شيء قوله تدغرن خطاب للنسوة وهو بالغين المعجمة والدال المهملة والدغر غمز الحلق قوله عليكم في رواية الكشميهني عليكن قوله بهذا العود الهندي يريد الكست في رواية إسحاق بن راشد يعني القسط قال وهي لغة قلت وقد تقدم ما فيها في باب السعوط بالقسط الهندي ووقع في رواية سفيان الماضية قريبا قال فسمعت الزهري يقول بين لنا اثنتين ولم يبين لنا خمسة يعني من السبعة في قوله فإن فيه سبعة أشفيه فذكر منها ذات الجنب ويسعط من العذرة قلت وقد قدمت في باب السعوط من كلام الأطباء ما لعله يؤخذ منه الخمسة المشار إليها

قوله باب المبطون المراد بالمبطون من اشتكى بطنه لافراط الاسهال وأسباب ذلك متعددة

[ 5386 ] قوله قتادة عن أبي المتوكل كذا لشعبة وسعيد بن أبي عروبة وخالفهما شيبان فقال عن قتادة عن أبي بكر الصديق عن أبي سعيد أخرجه النسائي ولم يرجح والذي يظهر ترجيح طريق أبي المتوكل لاتفاق الشيخين عليها شعبة وسعيد أولا ثم البخاري ومسلم ثانيا ووقع في رواية أحمد عن حجاج عن شعبة عن قتادة سمعت أبا المتوكل قوله جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي لم أقف على اسم واحد منهما قوله استطلق بطنه بضم المثناة وسكون الطاء المهملة وكسر اللام بعدها قاف أي كثر خروج ما فيه يريد الاسهال ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة في رابع باب من كتاب الطب هذا بن أخي يشتكي بطنه ولمسلم من طريقه قد عرب بطنه وهي بالعين المهملة والراء المكسورة ثم الموحدة أي فسد هضمه لاعتلال المعدة ومثله ذرب بالذال المعجمة بدل العين وزنا ومعنى قوله فقال اسقه عسلا وعند الإسماعيلي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة اسقه العسل واللام عهدية والمراد عسل النحل وهو مشهور عندهم وظاهره الأمر بسقيه صرفا ويحتمل أن يكون ممزوجا قوله فسقاه فقال أني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا كذا فيه وفي السياق حذف تقديره فسقاه فلم يبرأ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سقيته ووقع في رواية مسلم فسقاه ثم جاء فقال أني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا أخرجه عن محمد بن بشار الذي أخرجه البخاري عنه لكن قرنه بمحمد بن المثنى وقال أن اللفظ لمحمد بن المثنى نعم أخرجه الترمذي عن محمد بن بشار وحده بلفظ ثم جاء فقال يا رسول الله اني قد سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا قوله فقال صدق الله كذا اختصره وفي رواية الترمذي فقال اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فذكر مثله فقال صدق الله وفي رواية مسلم فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال اسقه عسلا فقال سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال صدق الله وعند أحمد عن يزيد بن هارون عن شعبة فذهب ثم جاء فقال قد سقيته فلم يزده الا استطلاقا فقال صدق الله وعند أحمد عن يزيد بن هارون عن شعبة فذهب ثم جاء فقال قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال اسقه عسلا فسقاه كذلك ثلاثا وفيه فقال في الرابعة اسقه عسلا وعند الإسماعيلي من رواية خالد بن الحارث ثلاث مرات يقول فيهن ما قال في الأولى وتقدم في رواية سعيد بن أبي عروبة بلفظ ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلا ثم أتاه الثالثة قوله فقال صدق الله وكذب بطن أخيك زاد مسلم في روايته فسقاه فبرأ وكذا للترمذي وفي رواية أحمد عن يزيد بن هارون فقال في الرابعة اسقه عسلا قال فأظنه قال فسقاه فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرابعة صدق الله وكذب بطن أخيك كذا وقع ليزيد بالشك وفي رواية خالد بن الحارث فقال في الرابعة صدق الله وكذب بطن أخيك والذي اتفق عليه محمد بن جعفر ومن تابعه أرجح وهو أن هذا القول وقع منه صلى الله عليه وسلم بعد الثالثة وأمره أن يسقيه عسلا فسقاه في الرابعة فبرا وقد وقع في رواية سعيد بن أبي عروبة ثم أتاه الثالثة فقال اسقه عسلا ثم أتاه فقال قد فعلت فسقاه فبرأ قوله تابعه النضر يعني بن شميل بالمعجمة مصغر عن شعبة وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر قال الإسماعيلي وتابعه أيضا يحيى بن سعيد وخالد بن الحارث ويزيد بن هارون قلت رواية يحيى عند النسائي في الكبرى ورواية خالد عند الإسماعيلي عن أبي يعلى ورواية يزيد عند أحمد وتابعهم أيضا حجاج بن محمد وروح بن عبادة وروايتهما عند أحمد أيضا قال الخطابي وغيره أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ يقال كذب سمعك أي زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له فمعنى كذب بطنه أي لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه وقد اعترض بعض الملاحدة فقال العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الاسهال والجواب أن ذلك جهل من قائله بل هو كقوله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعمله فقد أتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة وعلى أن الاسهال يحدث من أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته فوصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والامعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها وللمعدة خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها الاخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شيء في ذلك مثل العسل لا سيما أن مزج بالماء الحار وإنما لم يفده في أول مرة لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جارزه أو هي القوة وأحدث ضررا آخر فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء فأمره بمعاردة سقيه فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله تعالى وفي قوله صلى الله عليه وسلم وكذب بطن أخيك إشارة إلى أن هذا الدواء نافع وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكثرة المادة الفاسدة فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها فكان كذلك وبرأ بإذن الله قال الخطابي والطب نوعان طب اليونان وهو قياسي وطب العرب والهند وهو تجاربي وكان أكثر ما يصفه النبي صلى الله عليه وسلم لمن يكون عليلا على طريقة طب العرب ومنه ما يكون مما اطلع عليه بالوحي وقد قال صاحب كتاب المائة في الطب إن العسل تارة يجري سريعا إلى العروق وينفذ معه جل الغذاء ويدر البول فيكون قابضا وتارة يبقى في المعدة فيهيجها بلذعها حتى يدفع الطعام ويسهل البطن فيكون مسهلا فانكار وصفه للمسهل مطلقا قصور من المنكر وقال غيره طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن البرء لصدوره عن الوحي وطب غيره أكثره حدس أو تجربة وقد يتخلف الشفاء عن بعض من يستعمل طب النبوة وذلك لمانع قام بالمستعمل من ضعف اعتقاد الشفاء به وتلقيه بالقبول وأظهر الأمثلة في ذلك القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور ومع ذلك فقد لا يحصل لبعض الناس شفاء صدره لقصوره في الاعتقاد والتلقي بالقبول بل لا يزيد المنافق إلا رجسا إلى رجسه ومرضا إلى مرضه فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا القلوب الطيبة والله أعلم وقال بن الجوزي في وصفه صلى الله عليه وسلم العسل لهذا المنسهل أربعة أقوال أحدها أنه حمل الآية على عمومها في الشفاء وإلى ذلك أشار بقوله صدق الله أي في قوله فيه شفاء للناس فلما نبهه على هذه الحكمة تلقاها بالقبول فشفي بإذن الله الثاني أن الوصف المذكور على المألوف من عادتهم من التداوي بالعسل في الأمراض كلها الثالث أن الموصوف له ذلك كانت به هيضة كما تقدم تقريره الرابع يحتمل أن يكون أمره بطبخ العسل قبل شربه فإنه يعقد البلغم فلعله شربه أولا بغير طبخ انتهى والثاني والرابع ضعيفان وفي كلام الخطابي احتمال آخر وهو أن يكون الشفاء يحصل للمذكور ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وبركة وصفه ودعائه فيكون خاصا بذلك الرجل دون غيره وهو ضعيف أيضا ويؤيد الأول حديث بن مسعود عليكم بالشفاءين العسل والقرآن أخرجه بن ماجة والحاكم مرفوعا وأخرجه بن أبي شيبة والحاكم موقوفا ورجاله رجال الصحيح وأثر علي إذا اشتكى أحدكم فليستوهب من امرأته من صداقها فليشتر به عسلا ثم يأخذ ماء السماء فيجمع هنيئا مريئا شفاء مباركا أخرجه بن أبي حاتم في التفسير بسند حسن قال بن بطال يؤخذ من قوله صدق الله وكذب بطن أخيك أن الألفاظ لا تحمل على ظاهرها إذ لو كان كذلك لبرىء العليل من أول شربة فلما لم يبرأ إلا بعد التكرار دل على أن الألفاظ تقتصر على معانيها قلت ولا يخفى تلكف هذا الانتزاع وقال أيضا فيه أن الذي يجعل الله فيه الشفاء قد يتخلف لتتم المدة التي قدر الله تعالى فيها الداء وقال غيره في قوله في رواية سعيد بن أبي عروبة فسقاه فبرأ بفتح الراء والهمز بوزن قرأ وهي لغة أهل الحجاز وغيرهم يقولها بكسر الراء بوزن علم وقد وقع في رواية أبي الصديق الناجي في آخره فسقاه فعافاه الله والله أعلم

قوله باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن كذا جزم بتفسير الصفر وهو بفتحتين وقد نقل أبو عبيدة معمر بن المثنى في غريب الحديث له عن يونس بن عبيد الجرمي أنه سأل رؤبة بن العجاج فقال هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس وهي أعدى من الجرب عند العرب فعلى هذا فالمراد بنفي الصفر ما كانوا يعتقدونه فيه من العدوى ورجح عند البخاري هذا القول لكونه قرن في الحديث بالعدوى وكذا رجح الطبري هذا القول واستشهد له بقول الأعشى ولا يعض على شرسوفه الصفر والشرسوف بضم المعجمة وسكون الراء ثم مهملة ثم فاء الضلع والصفر دود يكون في الجوف فربما عض الضلع أو الكبد فقتل صاحبه وقيل المراد بالصفر الحية لكن المراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون أن من أصابه قتله فرد ذلك الشارع بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل وقد جاء هذا التفسير عن جابر وهو أحد رواة حديث لا صفر قاله الطبري وقيل في الصفر قول آخر وهو أن المراد به شهر صفر وذلك أن العرب كانت تحرم صفر وتستحل المحرم كما تقدم في كتاب الحج فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه من ذلك فلذلك قال صلى الله عليه وسلم لا صفر قال بن بطال وهذا القول مروي عن مالك والصفر أيضا وجع في البطن يأخذ من الجوع ومن اجتماع الماء الذي يكون منه الاستسقاء ومن الأول حديث صفرة في سبيل الله خير من حمر النعم أي جرعة ويقولون صفر الإناء إذا خلا عن الطعام ومن الثاني ما سبق في الأشربة في حديث بن مسعود أن رجلا أصابه الصفر فنعت له السكر أي حصل له الاستسقاء فوصف له النبيذ وحمل الحديث على هذا لا يتجه بخلاف ما سبق وسيأتي شرح الهامة والعدوى كل منهما في باب مفرد

[ 5387 ] قوله عن صالح هو بن كيسان وقوله أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وغيره وقع في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان عند مسلم في هذا الحديث أنه سمع أبا هريرة وقوله في آخر الباب رواه الزهري عن أبي سلمة وسنان بن أبي سنان يعني كلاهما عن أبي هريرة وسيأتي ذلك في باب لا عدوى من رواية شعيب عن الزهري عنهما وفيه تفصيل لفظ أبي سلمة من لفظ سنان ويأتي البحث فيه هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب ذات الجنب هو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للاضلاع وقد يطلق على ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الصفافات والعضل التي في الصدر والاضلاع فتحدث وجعا فالأول هو ذات الجنب الحقيقي الذي تكلم عليه الأطباء قالوا ويحدث بسببه خمسة أعراض الحمى والسعال والنخس وضيق النفس والنبض المنشاري ويقال لذات الجنب أيضا وجع الخاصرة وهي من الأمراض المخوفة لأنها تحدث بين القلب والكبد وهي من سيء الأسقام ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ما كان الله ليسلطها علي والمراد بذات الجنب في حديثي الباب الثاني لأن القسط وهو العود الهندي كما تقدم بيانه قريبا هو الذي تداوى به الريح الغليظة قال المسبحي العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة قال ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقي أيضا إذا كانت ناشئة عن مادة بلغمية ولا سيما في وقت إنحطاط العلة ثم ذكر المؤلف في الباب حديثين أحدهما حديث أم قيس بنت محصن في قصة ولدها والاعلاق عليه من العذرة وقد تقدم شرح ذلك وبيانه قبل ببابين وقوله

[ 5388 ] في أوله حدثنا محمد هو الذهلي وقوله عتاب بن بشير بمهملة ومثناة ثقيلة وآخره موحدة وأبوه بموحدة ومعجمة وزن عظيم وشيخه إسحاق هو بن راشد الجزري وقوله في آخره يريد الكست يعني القسط قال وهي لغة هو تفسير العود الهندي بأنه القسط والقائل قال هي لغة هو الزهري ثانيهما حديث أنس

[ 5389 ] قوله حدثنا عارم هو محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي وحماد هو بن زيد قوله قرئ على أيوب هو السختياني قوله من كتب أبي قلابة منه ما حدث به ومنه ما قرئ عليه فكان هذا في الكتاب أي كتاب أبي قلابة كذا للأكثر ووقع في رواية الكشميهني بدل قوله في الكتاب قرا الكتاب وهو تصحيف ووقع عند الإسماعيلي بعد قوله في الكتاب غير مسموع ولم أر هذه اللفظه في شيء من نسخ البخاري قوله عن أنس هو بن مالك قوله أن أبا طلحة هو زيد بن سهل زوج والدة أنس أم سليم وأنس بن النضر هو عم أنس بن مالك قوله كوياه وكواه أبو طلحة بيده نسب الكي إليهما معا لرضاهما به ثم نسب الكي لأبي طلحة وحده لمباشرته له وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن أيوب وشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وزيد بن ثابت قوله وقال عباد بن منصور هو التاجي بالنون والجيم وأراد بهذا التعليق فائدة من جهة الإسناد وأخرى من جهة المتن أما الإسناد فبين أن حماد بن زيد بين في روايته صورة أخذ أيوب هذا الحديث عن أبي قلابة وأنه كان قرأه عليه من كتابه وأطلق عباد بن منصور وروايته بالعنعنة وأما المتن فلما فيه من الزيادة وهي أن الكي المذكور كان بسبب ذات الجنب وأن ذلك كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن زيد بن ثابت كان فيمن حضر ذلك وفي رواية عباد بن منصور زيادة أخرى في أوله أفردها بعضهم وهي حديث إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار أن يرقوا من الحمة والأذن وليس لعباد بن منصور وكنيته أبو سلمة في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وهو من كبار أتباع التابعين تكلموا فيه من عدة جهات إحداها أنه رمى بالقدر لكنه لم يكن داعية ثانيها أنه كان يدلس ثالثها أنه قد تغير حفظه وقال يحيى القطان لما رأيناه كان لا يحفظ ومنهم من أطلق ضعفه وقد قال بن عدي هو من جملة من يكتب حديثه ووصل الحديث المذكور أبو يعلى عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن ريحان بن سعيد عن عباد بطوله وأخرجه عند الإسماعيلي كذلك وفرقه البزار حديثين وقال في كل منهما تفرد به عباد بن منصور والحمة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وقد تشدد وأنكره الأزهري هي السم وقد تقدم شرحها في باب من اكتوى وسيأتي الكلام على حكمها في باب رقية الحية والعقرب بعد أبواب وأما رقية الأذن فقال بن بطال المراد وجع الأذن أي رخص في رقية الأذن إذا كان بها وجع وهذا يرد على الحصر الماضي في الحديث المذكور في باب من اكتوى حيث قال لا رقية إلا من عين أو حمة فيجوز أن يكون رخص فيه بعد أن منع منه ويحتمل أن يكون المعنى لا رقية أنفع من رقية العين والحمة ولم يرد نفي الرقي عن غيرهما وحكى الكرماني عن بن بطال أنه ضبطه الأدر بضم الهمزة وسكون المهملة بعدها راء وأنه جمع أدرة وهي نفخة الخصية قال وهو غريب شاذ انتهى ولم أر ذلك في كتاب بن بطال فليحرر ووقع عند الإسماعيلي في سياق رواية عباد بن منصور بلفظ أن يرقوا من الحمة وأذن برقية العين والنفس فعلى هذا فقوله والأذن في الرواية المعلقة تصحيف من قوله أذن فعل ماضي من الإذن لكن زاد الإسماعيلي في رواية من هذا الوجه وكان زيد بن ثابت يرقى من الإذن والنفس فالله أعلم وسيأتي بعد أبواب باب رقية العين وغير ذلك وقوله رخص لأهل بيت من الأنصار هم آل عمرو بن حزم وقع ذلك عند مسلم من حديث جابر والمخاطب بذلك منهم عمارة بن حزم كما بينته في ترجمته في كتاب الصحابة

قوله باب حرق الحصير كذا لهم وأنكره بن التين فقال والصواب إحراق الحصير لأنه من أحرق أو تحريق من حرق قال فأما الحرق فهو حرق الشيء يؤذيه قلت لكن له توجيه وقوله

[ 5390 ] ليسد به الدم هو بالسين المهملة أي مجاري الدم أو ضمن سد معنى قطع وهو الوجه وكأنه أشار إلى أن هذا ليس من إضاعة المال لأنه إنما يفعل للضروة المبيحة وقد كان أبو الحسن القابسي يقول وددنا لو علمنا ذلك الحصير مما كان لنتخذه دواء لقطع الدم قال بن بطال قد زعم أهل الطب أن الحصير كلها إذا أحرقت تبطل زيادة الدم بل الرماد كله كذلك لأن الرماد من شأنه القبض ولهذا ترجم الترمذي لهذا الحديث التداوي بالرماد وقال المهلب فيه أن قطع الدم بالرماد كان معلوما عندهم لا سيما إن كان الحصير من ديس السعد فهي معلومة بالقبض وطيب الرائحة فالقبض يسد أفواه الجرج وطيب الرائحة يذهب بزهم الدم وأما غسل الدم أولا فينبغي أن يكون إذا كان الجرح غير غائر أما لو كان غائرا فلا يؤمن معه ضرر الماء إذا صب فيه وقال الموفق عبد اللطيف الرماد فيه تجفيف وقلة لذع والمجفف إذا كان فيه قوة لذع ربما هيج الدم وجلب الورم ووقع عند بن ماجة من وجه آخر عن سهل بن سعد أحرقت له حين لم يرقأ قطعة حصير خلق فوضعت رماده عليه وقد تقدم شرح حديث الباب وهو حديث سهل بن سعد في غسل فاطمة وجه النبي صلى الله عليه وسلم من الدم لما جرح يوم أحد في كتاب الجهاد وقوله في آخر الحديث فرقأ بقاف وهمزة أي بطل خروجه وفي رواية فاستمسك الدم

قوله باب الحمى من فيح جهنم بفتح الفاء وسكون التحتانية بعدها مهملة وسيأتي في حديث رافع آخر الباب من فوح بالواو وتقدم من حديثه في صفة النار بلفظ فور بالراء بدل الحاء وكلها بمعنى والمراد سطوع حرها ووجهه والحمى أنواع كما سأذكره واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل حقيقة واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة وقد جاء في حديث أخرجه البزار من حديث عائشة بسند حسن وفي الباب عن أبي أمامة عند أحمد وعن أبي ريحانة عند الطبراني وعن بن مسعود في مسند الشهاب الحمى حظ المؤمن من النار وهذا كما تقدم في حديث الأمر بالإيراد أن شدة الحر من فيح جهنم وأن الله أذن لها بنفسين وقيل بل الخبر ورد مورد التشبيه والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها كما قيل بذلك في حديث الإيراد والأول أولى والله أعلم ويؤيده قول بن عمر في آخر الباب وذكر المصنف فيه أربعة أحاديث الحديث الأول حديث بن عمر أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن مالك وكذا مسلم وأخرجه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك قال الدارقطني في الموطآت لم يروه من أصحاب مالك في الموطأ الا بن وهب وابن القاسم وتابعهما الشافعي وسعيد بن عفير وسعيد بن داود قال ولم يأت به معن ولا القعنبي ولا أبو مصعب ولا بن بكير انتهى وكذا قال بن عبد البر في التقصى وقد أخرجه شيخنا في تقريبه من رواية أبي مصعب عن مالك وهو ذهول منه لأنه اعتمد فيه على الملخص للقابسي والقابسي إنما أخرج الملخص من طريق بن القاسم عن مالك وهذا ثاني حديث عثرت عليه في تقريب الأسانيد لشيخنا عفا الله تعالى عنه من هذا الجنس وقد نبهت عليه نصيحة لله تعالى والله أعلم وقد أخرجه الدارقطني والإسماعيلي من رواية حرملة عن الشافعي وأخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن عفير ومن طريق سعيد بن داود ولم يخرجه بن عبد البر في التمهيد لأنه ليس في رواية يحيى بن يحيى الليثي والله أعلم

[ 5391 ] قوله فأطفئوها بهمزة قطع ثم طاء مهملة وفاء مكسورة ثم همزة أمر بالإطفاء وتقدم في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في صفة النار من بدء الخلق بلفظ فأبردوها والمشهور في ضبطها بهمزة وصل والراء مضمومة وحكى كسرها يقال بردت الحمى أبردها بردا بوزن قتلتها أقلتها قتلا أي أسكنت حرارتها قال شاعر الحماسة إذا وجدت لهيب الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد هبني بردت ببرد الماء ظاهره فمن لنار على الاحشاء تتقد وحكى عياض رواية بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء من أبرد الشيء إذا عالجه فصيره باردا مثل أسخنة إذا صيره سخنا وقد أشار إليها الخطابي وقال الجوهري أنها لغة رديئة قوله بالماء في حديث أبي هريرة عند بن ماجة بالماء البارد ومثله في حديث سمرة عند أحمد ووقع في حديث بن عباس بماء زمزم كما مضى في صفة النار من رواية أبي جمرة بالجيم قال كنت أجالس بن عباس بمكة فأخذتني الحمى وفي رواية أحمد كنت أدفع الناس عن بن عباس فاحتبست أياما فقال ما حبسك قلت الحمى قال أبردها بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو بماء زمزم شك همام كذا في رواية البخاري من طريق أبي عامر العقدي عن همام وقد تعلق به من قال بأن ذكر ماء زمزم ليس قيدا لشك رواية فيه وممن ذهب إلى ذلك بن القيم وتعقب بأنه وقع في رواية أحمد عن عفان عن همام فأبردوها بماء زمزم ولم يشك وكذا أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم من رواية عفان وأن كان الحاكم وهم في استدراكه وترجم له بن حبان بعد إيراده حديث بن عمر فقال ذكر الخبر المفسر للماء المجمل في الحديث الذي قبله وهو أن شدة الحمى تبرد بماء زمزم دون غيره من المياه وساق حديث بن عباس وقد تعقب على تقدير أن لا شك في ذكر ما زمزم فيه بأن الخطاب لأهل مكة خاصة لتيسر ماء زمزم عندهم كما خص الخطاب بأصل الأمر بأهل البلاد الحارة وخفي ذلك على بعض الناس قال الخطابي ومن تعبه اعترض بعض سخفاء الأطباء على هذا الحديث بأن قال اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون ذلك سببا للتلف قال الخطابي غلط بعض من ينسب إلى العلم فانغمس في الماء لما أصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه فأصابته علة صعبة كادت تهلكه فلما خرج من علته قال قولا سيئا لا يحسن ذكره وإنما أوقعه في ذلك جهله بمعنى الحديث والجواب أن هذا الإشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر فيقال له أولا من أين حملت الأمر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية فضلا عن اختصاصها بالغسل وإنما في الحديث الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء فإن أظهر الوجود أو اقتضت صناعة الطب أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه إياه على جميع بدنه يضره فليس هو المراد وإنما قصد صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه ينفع فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به وهو كما وقع في أمره العائن بالاغتسال وأطلق وقد ظهر من الحديث الآخر أنه لم يرد مطلق الاغتسال وإنما أراد الاغتسال على كيفية مخصوصة وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالمراد من غيرها ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري لحديثها عقب حديث بن عمر المذكور وهذا من بديع ترتيبه وقال المازري ولا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفضيل حتى أن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له من غضب يحمى مزاجه مثلا فيتغير علاجه ومثل ذلك كثير فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء في حالة ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء المتقدم والتأثير المألوف وقوة الطباع ثم ذكر نحو ما تقدم قالوا وعلى تقدير أن يرد التصريح بالاغتسال في جميع الجسد فيجاب بأنه يحتمل أن يكون أراد أنه يقع بعد إقلاع الحمى وهو بعيد ويحتمل أن يكون في وقت مخصوص بعدد مخصوص فيكون من الخواص التي اطلع صلى الله عليه وسلم عليها بالوحي ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب وقد أخرج الترمذي من حديث ثوبان مرفوعا إذا أصاب أحدكم الحمى وهي قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل بسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ فخمس وإلا فسبع وإلا فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله قال الترمذي غريب قلت وفي سنده سعيد بن زرعة مختلف فيه قال ويحتمل أن يكون لبعض الحميات دون بعض الأماكن دون بعض لبعض الأشخاص دون بعض وهذا أوجه فإن خطابه صلى الله عليه وسلم قد يكون عاما وهو الأكثر وقد يكون خاصا كما قال لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا فقوله شرقوا أو غربوا ليس عاما لجميع أهل الأرض بل هو خاص لمن كان بالمدينة النبوية وعلى سمتها كما تقدم تقريره في كتاب الطهارة فكذلك هذا يحتمل أن يكون مخصوصا بأهل الحجاز وما والاهم إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا لأن الحمى حرارة غربية تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن وهي قسمان عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القيظ الشديد ونحو ذلك ومرضية وهي ثلاثة أنواع وتكون عن مادة ثم منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تقع غالبا في يوم ونهايتها إلى ثلاثة وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهي أخطرها وأن كان تعلقها بالاخلاط سميت عفنية وهي بعدد الاخلاط الأربعة وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الأفراد والتركيب وإذا تقرر هذا فيجوز أن يكون المراد النوع الأول فإنها تسكن بالانغماس في الماء البارد وشرب الماء المبرد بالثلج وبغيره ولا يحتاج صاحبها إلى علاج آخر وقد قال جالينوس في كتاب حيلة البرء لو أن شابا حسن اللحم خصب البدن ليس في أحشائه ورم استحم بماء بارد أو سبح فيه وقت القيظ عند منتهى الحمى لا ينتفع بذلك وقال أبو بكر الرازي إذا كانت القوي قوية والحمى حادة والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق فإن الماء البارد ينفع شربه فإن كان العليل خصب البدن والزمان حارا وكان معتادا باستعمال الماء البارد اغتسالا فليؤذن له فيه وقد نزل بن القيم حديث ثوبان على هذه القيود فقال هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية أو الغب الخالصة التي لا ورم معها ولا شيء من الأعراض الردئية والمراد الفاسدة فيطفئها بإذن الله فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس ووفور القوي في ذلك الوقت لكونه عقب النوم والسكون وبرد الهواء قال والأيام التي أشار إليها هي التي يقع فيها بحرارة الأمراض الحادة غالبا ولا سيما في البلاد الحارة والله أعلم قالوا وقد تكرر في الحديث استعمال صلى الله عليه وسلم الماء البارد في علته كما قال صبوا على من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن وقد تقدم شرحه وقال سمرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل أخرجه البزار وصححه الحاكم ولكن في سنده راو ضعيف وقال أنس إذا حم أحدكم فليشن عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال أخرجه الطحاوي وأبو نعيم في الطب والطبراني في الأوسط وصححه الحاكم وسنده قوي وله شاهد من حديث أم خالد بنت سعيد أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده وأبو نعيم في الطب من طريقه وقال عبد الرحمن بن المرقع رفعه الحمى رائد الموت وهي سجن الله في الأرض فبردوا لها الماء في الشنان وصبوه عليكم فيما بين الأذنين المغرب والعشاء قال ففعلوا فذهب عنهم أخرجه الطبراني وهذه الأحاديث كلها ترد التأويل الذي نقله الخطابي عن بن الأنباري أنه قال المراد بقوله فأبردوها الصدقة به قال بن القيم أظن الذي حمل قائل هذا أنه أشكل عليه استعمال الماء في الحمى فعدل إلى هذا وله وجه حسن لأن الجزاء من جنس العمل فكأنه لما أخمد لهيب العطشان بالماء أخمد الله لهيب الحمى عنه ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته وأما المراد به بالأصل فهو استعماله في البدن حقيقة كما تقدم والله أعلم قوله قال نافع وكان عبد الله أي بن عمر يقول اكشف عنا الرجز أي العذاب وهذا موصول بالسند الذي قبله وكأن بن عمر فهم من كون أصل الحمى من جهنم أن من أصابته عذب بها وهذا التعذيب يختلف باختلاف محله فيكون للمؤمن تفكيرا لذنوبه وزيادة في أجوره كما سبق وللكافر عقوبة وانتقاما وإنما طلب بن عمر كشفه مع ما فيه من الثواب لمشروعية طلب العافية من الله سبحانه إذ هو قادر على أن يكفر سيئات عبده ويعظم ثوابه من غير أن يصيبه شيء يشق عليه والله أعلم الحديث الثاني

[ 5392 ] قوله عن هشام هو بن عروة بن الزبير وفاطمة بنت المنذر أي بن الزبير هي بنت عمه وزوجته وأسماء بنت أبي بكر جدتهما لأبويهما معا قوله بينها وبين جيبها بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها موحدة هو ما يكون مفرجا من الثوب كالكم والطوق وفي رواية عبدة عن هشام عند مسلم فتصبه في جيبها قوله ان نبردها بفتح أوله وضم الراء الخفيفة وفي رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الموحدة وتشديد الراء من التبريد وهو بمعنى رواية أبرد بهمزة مقطوعة زاد عبدة في روايته وقال أنها من فيح جهنم الحديث الثالث حديث عائشة

[ 5393 ] قوله يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة أيضا وأشار بإيراد روايته هذه عقب الأولى إلى أنه ليس اختلافا على هشام بل له في هذا المتن إسنادان بقرينة مغايرة السياقين الحديث الرابع حديث رافع بن خديج قوله من فيح جهنم في رواية السرخسي من فوح بالواو وتقدم في صفة النار من بدء الخلق من هذا الوجه بلفظ من فور وكلها بمعنى وتقدم هناك بلفظ فأبردوها عنكم بزيادة عنكم وكذا زادها مسلم في روايته عن هناد بن السري عن أبي الأحوص بالسند المذكور هنا

قوله باب من خرج من أرض لا تلايمه بتحتانية مكسورة وأصله بالهمز ثم كثر استعماله فسهل وهو من الملاءمة بالمد أي الموافقة وزنا ومعنى وذكر فيه قصة العرفيين وقد تقدمت الإشارة إليها قريبا وكأنه أشار إلى أن الحديث الذي أورده بعده في النهي عن الخروج من الأرض التي وقع فيها الطاعون ليس على عمومه وإنما هو مخصوص بمن خرج فرارا منه كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى

قوله باب ما يذكر في الطاعون أي مما يصح على شرطه والطاعون بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون وإذا أصابه الطعن بالرمح فهو مطعون هذا كلام الجوهري وقال الخليل الطاعون الوباء وقال صاحب النهاية الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان وقال أبو بكر بن العربي الطاعون الوجع الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله وقال أبو الوليد الباجي هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة وقال الداودي الطاعون حبة تخرج من الأرقاع وفي كل طي من الجسد والصحيح أنه الوباء وقال عياض أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا قال ويدل على ذلك أن وباء الشام الذي وقع في عمواس إنما كان طاعونا وما ورد في الحديث أن الطاعون وخز الجن وقال بن عبد البر الطاعون غدة تخرج في المراق والآباط وقد تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله وقال النووي في الروضة قيل الطاعون إنصباب الدم إلى عضو وقال آخرون هو هيجان الدم وانتفاخه قال المتولي وهو قريب من الجذام من أصابه تأكلت أعضاؤه وتساقط لحمه وقال الغزالي هو انتفاخ جميع البدن من الدم مع الحمى أو انصباب الدم إلى بعض الأطراف فينتفخ ويحمر وقد يذهب ذلك العضو وقال النووي أيضا في تهذيبه هو بئر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقيء ويخرج غالبا في المراق والآباط وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد وقال جماعة من الأطباء منهم أبو علي بن سينا الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف الإذن أو عند الأرنبة قال وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو بغير ما يليه ويؤدي إلى القلب كيفية ردئية فيحدث القيء والغثيان والغشي والخفقان وهو لرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع وأردؤه ما يقع في الأعضاء الرئيسية والأسود منه قل من يسلم منه وأسلمه الأحمر ثم الأصفر والطواعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبئة ومن ثم أطلق على الطاعون وباء وبالعكس وأما الوباء فهو فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده قلت فهذا ما بلغنا من كلام أهل اللغة والفقه وأهل الفقه والأطباء في تعريفه والحاصل أن حقيقته ورم ينشأ عن هيجان الدم أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء يسمى طاعونا بطريق المجاز لاشتراكهما في عموم المرض به أو كثرة الموت والدليل على أن الطاعون يغاير الوباء ما سيأتي في رابع أحاديث الباب أن الطاعون لا يدخل المدينة وقد سبق في حديث عائشة قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وفيه قول بلال أخرجونا إلى أرض الوباء وما سبق في الجنائز من حديث أبي الأسود قدمت المدينة في خلافة عمر وهم يموتون موتا ذريعا وما سبق في حديث العرنيين في الطهارة أنهم استوخموا المدينة وفي لفظ أنهم قالوا أنها أرض وبئة فكل ذلك يدل على أن الوباء كان موجودا بالمدينة وقد صرح الحديث الأول بأن الطاعون لا يدخلها فدل على أن الوباء غير الطاعون وأن من أطلق على كل وباء طاعونا فبطريق المجاز قال أهل اللغة الوباء هو المرض العام يقال أوبأت الأرض فهي موبئة ووبئت بالفتح فهي وبئة وبالضم فهي موبوءة والذي يفترق به الطاعون من الوباء أصل الطاعون الذي لم يتعرض له الأطباء ولا أكثر من تكلم في تعريف الطاعون وهو كونه من طعن الجن ولا يخالف ذلك ما قال الأطباء من كون الطاعون ينشأ عن هيجان الدم أو انصبابه لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها أو ينصب وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن لأنه أمر لا يدرك بالعقل وإنما يعرف من الشارع فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم وقال الكلاباذي في معاني الأخبار يحتمل أن يكون الطاعون على قسمين قسم يحصل من غلبة بعض الأخلاط من دم أو صفراء محترقة أو غير ذلك من غير سبب يكون من الجن وقسم يكون من وخز الجن كما تقع الجراحات من القروح التي تخرج في البدن من غلبة بعض الأخلاط وإن لم يكن هناك طعن وتقع الجراحات أيضا من طعن الإنس انتهى ومما يؤيد أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن وقوعه غالبا في أعدل الفصول وفي أصح البلاد هواء وأطيبها ماء ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى وهذا يذهب أحيانا ويجيء أحيانا على غير قياس ولا تجربة فربما جاء سنة على سنة وربما أبطأ سنين وبأنه لو كان كذلك لعم الناس والحيوان والموجود بالمشاهدة أنه يصيب الكثير ولا يصيب من هم بجانبهم مما هو في مثل مزاجهم ولو كان كذلك لعم جميع البدن وهذا يختص بموضع من الجسد ولا يتجاوزه ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الاخلاط وكثرة الأسقام وهذا في الغالب يقتل بلا مرض فدل على أنه من طعن الجن كما ثبت في الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي موسى رفعه فناء أمتي بالطعن والطاعون قيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة أخرجه أحمد من رواية زياد بن علاقة عن رجل عن أبي موسى وفي رواية له عن زياد حدثني رجل من قومي قال كنا على باب عثمان ننتظر الإذن فسمعت أبا موسى قال زياد فلم أرض بقوله فسألت سيد الحي فقال صدق وأخرجه البزار والطبراني من وجهين آخرين عن زياد فسميا المبهم يزيد بن الحارث وسماه أحمد في رواية أخرى أسامة بن شريك فأخرجه من طريق أبي بكر النهشلي عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال خرجنا في بضع عشرة نفسا من بني ثعلبة فإذا نحن بأبي موسى ولا معارضة بينه وبين من سماه يزيد بن الحارث لأنه يحمل على أن أسامة هو سيد الحي الذي أشار إليه في الرواية الأخرى واستثبته فيما حدثه به الأول وهو يزيد بن الحارث ورجاله رجال الصحيحين إلا المبهم وأسامة بن شريك صحابي مشهور والذي سماه وهو أبو بكر النهشلي من رجال مسلم فالحديث صحيح بهذا الاعتبار وقد صححه بن خزيمة والحاكم وأخرجاه وأحمد والطبراني من وجه آخر عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو وخز أعدائكم من الجن وهو لكم شهادة ورجاله رجال الصحيح إلا أبا بلج بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها جيم واسمه يحيى وثقه بن معين والنسائي وجماعة وضعفه جماعة بسبب التشيع وذلك لا يقدح في قبول روايته عند الجمهور وللحديث طريق ثالثة أخرجها الطبراني من رواية عبد الله بن المختار عن كريب بن الحارث بن أبي موسى عن أبيه عن جده ورجاله الصحيح إلا كريبا وأباه وكريب وثقه بن حبان وله حديث آخر في الطاعون أخرجه أحمد وصححه الحاكم من رواية عاصم الأحول عن كريب بن الحارث عن أبي بردة بن قيس أخي أبي موسى الأشعري رفعه اللهم اجعل فناء أمتي قتلا في سبيلك بالطعن والطاعون قال العلماء أراد صلى الله عليه وسلم أن يحصل لأمته أرفع أنواع الشهادة وهو القتل في سبيل الله بأيدي أعدائهم إما من الإنس وإما من الجن ولحديث أبي موسى شاهد من حديث عائشة أخرجه أبو يعلى من رواية ليث بن أبي سليم عن رجل عن عطاء عنها وهذا سند ضعيف وآخر من حديث بن عمر سنده أضعف منه والعمدة في هذا الباب على حديث أبي موسى فإنه يحكم له بالصحة لتعدد طرقه إليه وقوله وخز بفتح أوله وسكون المعجمة بعدها زاي قال أهل اللغة هو الطعن إذا كان غير نافذ ووصف طعن الجن بأنه وخز لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر فيؤثر بالباطن أولا ثم يؤثر في الظاهر وقد لا ينفذ وهذا بخلاف طعن الإنس فإنه يقع من الظاهر إلى الباطن فيؤثر في الظاهر أولا ثم يؤثر في الباطن وقد لا ينفذ تنبيه يقع في الألسنة وهو في النهاية لابن الأثير تبعا لغربي الهروي بلفظ وخز إخوانكم ولم أره بلفظ إخوانكم بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق الحديث المسندة لا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة وقد عزاه بعضهم لمسند أحمد أو الطبراني أو كتاب الطواعين لابن أبي الدنيا ولا وجود لذلك في واحد منها والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الأول حديث أسامة بن زيد

[ 5396 ] قوله حبيب بن أبي ثابت سمعت إبراهيم بن سعد أي بن أبي وقاص وقع في سياق أحمد فيه قصة عن حبيب قال كنت بالمدينة فبلغني أن الطاعون بالكوفة فلقيت إبراهيم بن سعد فسألته وأخرجه مسلم أيضا من هذا الوجه وزاد فقال لي عطاء بن يسار وغيره فذكر الحديث المرفوع فقلت عمن قالوا عن عامر بن سعد فأتيته فقالوا غائب فلقيت أخاه إبراهيم بن سعد فسألته قوله سمعت أسامة بن زيد يحدث سعدا أي والد إبراهيم المذكور ووقع في رواية الأعمش عن حبيب عن إبراهيم بن سعد عن أسامة بن زيد وسعد أخرجه مسلم ومثله في رواية النووي عن حبيب وزاد وخزيمة بن ثابت أخرجه أحمد ومسلم أيضا وهذا الاختلاف لا يضر لاحتمال أن يكون سعد تذكر لما حدثه به أسامة أو نسبت الرواية إلى سعد لتصديقه أسامة وأما خزيمة فيحتمل أن يكون إبراهيم بن سعد سمعه منه بعد ذلك فضمه إليها تارة وسكت عنه أخرى قوله إذا سمعتم بالطاعون وقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أسامة في هذا الحديث زيادة على رواية أخيه إبراهيم أخرجها المصنف في ترك الحيل من طريق شعيب عن الزهري أخبرني عامر بن سعد أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الوجع فقال رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى الحديث وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري وقال فيه إن هذا الوجع أو السقم وأخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل ومسلم أيضا والنسائي من طريق مالك ومسلم أيضا من طريق الثوري ومغيرة بن عبد الرحمن كلهم عن محمد بن المنكدر زاد مالك وسالم أبي النضر كلاهما عن عامر بن سعد أنه سمع أباه يسأل أسامة بن زيد ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم الحديث كذا وقع بالشك ووقع بالجزم عند بن خزيمة من طريق عمرو بن دينار عن عامر بن سعد بلفظ فإنه رجز سلط على طائفة من بني إسرائيل وأصله عند مسلم ووقع عند بن خزيمة بالجزم أيضا من رواية عكرمة بن خالد عن بن سعد عن سعد لكن قال رجز أصيب به من كان قبلكم تنبيه وقع الرجس بالسين المهملة موضع الرجز بالزاي والذي بالزاي هو المعروف وهو العذاب والمشهور في الذي بالسين أنه الخبيث أو النجس أو القذر وجزم الفارابي والجوهري بأنه يطلق على العذاب أيضا ومنه قوله تعالى ويجعل الرجس على الذين لا يؤمنون وحكاه الراغب أيضا والتخصيص على بني إسرائيل أخص فإن كان ذلك المراد فكأنه أشار بذلك إلى ما جاء في قصة بلعام فأخرج الطبري من طريق سليمان التيمي أحد صغار التابعين عن سيار أن رجلا كان يقال له بلعام كان مجاب الدعوة وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام فأتاه قومه فقالوا أدع الله عليهم فقال حتى أؤامر ربي فمنع فأتوه بهدية فقبلها وسألوه ثانيا فقال حتى أؤامر ربي فلم يرجع إليه بشيء فقالوا لو كره لنهاك فدعا عليهم فصار يجري على لسانه ما يدعو به على بني إسرائيل فينقلب على قومه فلاموه على ذلك فقال سأدلكم على ما فيه هلاكهم أرسلوا النساء في عسكرهم ومروهن أن لا يمتنعن من أحد فعسى أن يزنوا فيهلكوا فكان فيمن خرج بنت المالك فأرادها رأس بعض الأسباط وأخبرها بمكانه فمكنته من نفسها فوقع في بني إسرائيل الطاعون فمات منهم سبعون ألفا في يوم وجاء رجل من بني هارون ومعه الرمح فطعنهما وأيده الله فانتظمهما جميعا وهذا مرسل جيد وسيار شامي موثق وقد ذكر الطبري هذه القصة من طريق محمد بن إسحاق عن سالم أبي النضر فذكر نحوه وسمي المرأة كشتا بفتح الكاف وسكون المعجمة بعدها مثناة والرجل زمري بكسر الزي وسكون الميم وكسر الراء رأس سبط شمعون وسمي الذي طعنهما فنحاص بكسر الفاء وسكون النون بعدها مهملة ثم مهملة بن هارون وقال في آخره فحسب من هلك من الطاعون سبعون ألفا والمقلل يقول عشرون ألفا وهذه الطريق تعضد الأولى وقد أشار إليها عياض فقال قوله أرسل على بني إسرائيل قيل مات منهم في ساعة واحدة عشرون ألفا وقيل سبعون ألفا وذكر بن إسحاق في المبتدأ أن الله أوحى إلى داود أن بني إسرائيل كثر عصيانهم فخيرهم بين ثلاث إما أن أبتليهم بالقحط أو العدو شهرين أو الطاعون ثلاثة أيام فأخبرهم فقالوا اختر لنا فاختار الطاعون فمات منهم إلى أن زالت الشمس سبعون ألفا وقيل مائة ألف فتضرع داود إلى الله تعالى فرفعه وورد وقوع الطاعون في غير بني إسرائيل فيحتمل أن يكون هو المراد بقوله من كان قبلكم فمن ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال أمر موسى بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشا ثم ليخضب كفه في دمه ثم ليضرب به على بابه ففعلوا فسألهم القبط عن ذلك فقالوا إن الله سيبعث عليكم عذابا وإنما ننجو منه بهذه العلامة فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفا فقال فرعون عند ذلك لموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز الآية فدعا فكشفه عنهم وهذا مرسل جيد الإسناد وأخرج عبد الرزاق في تفسيره والطبري من طريق الحسن في قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت قال فروا من الطاعون فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم وأخرج بن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قصتهم مطولة فأقدم من وقفنا عليه في المنقول ممن وقع الطاعون به من بني إسرائيل في قصة بلعام ومن غيرهم في قصة فرعون وتكرر بعد ذلك لغيرهم والله أعلم وسيأتي شرح قوله إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها الخ في شرح الحديث الذي بعده الحديث الثاني حديث عبد الرحمن بن عوف وفيه قصة عمر وأبي عبيدة ذكره من وجهين مطولا ومختصرا

[ 5397 ] قوله عن عبد الحميد هو بتقديم الحاء المهملة على الميم وروايته عن شيخه فيه من رواية الأقران وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق وصحابيان ف ينسق وكلهم مدنيون قوله عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث أي بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب لجد أبيه نوفل بن عم النبي صلى الله عليه وسلم صحبة وكذا لولده الحارث وولد عبد الله بن الحارث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فعد لذلك في الصحابة فهم ثلاثة من الصحابة في نسق وكان عبد الله بن الحارث يلقب ببة بموحدتين مفتوحتين الثانية مثقلة ومعناه الممتلىء البدن من النعمة ويكنى أبا محمد ومات سنة أربع وثمانين وأما ولده راوي هذا الحديث فهو ممن وافق اسمه اسم أبيه وكان يكنى أبا يحيى ومات سنة تسع وتسعين وما له في البخاري سوى هذا الحديث وقد وافق مالكا على روايته عن بن شهاب هكذا معمر وغيره وخالفهم يونس فقال علي بن شهاب عن عبد الله بن الحارث أخرجه مسلم ولم يسق لفظه وساقه بن خزيمة وقال قول مالك ومن تابعه أصح وقال الدار قطني تابع يونس صالح بن نصر عن مالك وقد رواه بن وهب عن مالك ويونس جميعا عن بن شهاب عن عبد الله بن الحارث والصواب الأول وأظن بن وهب حمل رواية مالك على رواية يونس قال وقد رواه إبراهيم بن عمر بن أبي الوزير عن مالك كالجماعة لكن قال عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن بن عباس زاد في السند عن أبيه وهو خطأ قلت وقد خالف هشام بن سعد جميع أصحاب بن شهاب فقال عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه وعمر أخرجه بن خزيمة وهشام صدوق سيء الحفظ وقد اضطرب فيه فرواه تارة هكذا ومرة أخرى عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه وعمر أخرجه بن خزيمة أيضا ولابن شهاب فيه شيخ آخر قد ذكره البخاري أثر هذا السند قوله أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ذكر سيف بن عمر في الفتوح أن ذلك كان في ربيع الآخر سنة ثماني عشرة وأن الطاعون كان وقع أولا في المحرم وفي صفر ثم ارتفع فكتبوا إلى عمر فخرج حتى إذا كان قريبا من الشام بلغه أنه أشد ما كان فذكر القصة وذكر خليفة بن خياط أن خروج عمر إلى سرغ كان في سنة سبع عشرة فالله أعلم وهذا الطاعون الذي وقع بالشام حينئذ هو الذي يسمى طاعون عمواس بفتح المهملة والميم وحكى تسكينها وآخره مهملة قبل سمي بذلك لأنه عم وواسي قوله حتى إذا كان بسرغ بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمة وحكى عن بن وضاح تحريك الراء وخطأه بعضهم مدينة افتتحها أبو عبيدة وهي واليرموك والجابية متصلات وبينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة وقال بن عبد البر قيل إنه واد بتبوك وقيل بقرب تبوك وقال الحازمي هي أول الحجاز وهي من منازل حاج الشام وقيل بينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة قوله لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه هم خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص وكان أبو بكر قد قسم البلاد بينهم وجعل أمر القتال إلى خالد ثم رده عمر إلى أبي عبيدة وكان عمر رضي الله تعالى عنه قسم الشام أجنادا الأردن جند وحمص جند ودمشق جند وفلسطين جند وقنسرين جند وجعل على كل جند أميرا ومنهم من قال أن قنسرين كانت مع حمص فكانت أربعة ثم أفردت قنسرين في أيام يزيد بن معاوية قوله فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام في رواية يونس الوجع بدل الوباء وفي رواية هشام بن سعد أن عمر لما خرج إلى الشام سمع بالطاعون ولا مخالفة بينها فإن كل طاعون وباء ووجع من غير عكس قوله فقال عمر أدع لي المهاجرين الأولين في رواية يونس أجمع لي قوله ارتفعوا عني في رواية يونس فأمرهم فخرجوا عنه قوله من مشيخة قريش ضبط مشيخة بفتح الميم والتحتانية بينهما معجمة ساكنة وبفتح الميم وكسر المعجمة وسكون التحتانية جمع شيخ ويجمع أيضا على شيوخ بالضم وبالكسر واشياخ وشيخه بكسر ثم فتح وشيخان بكسر ثم سكون ومشايخ ومشيخاء بفتح سكون ثم ضم ومد وقد تشبع الضمة حتى تصير واوا فنتم عشرا قوله من مهاجرة الفتح أي الذين هاجروا إلى المدينة عام الفتح أو المراد مسلمة الفتح أو أطلق على من تحول إلى المدينة بعد فتح مكة مهاجرا صورة وأن كانت الهجرة بعد الفتح حكما قد ارتفعت وأطلق عليهم ذلك احتراز عن غيرهم من مشيخة قريش ممن أقام بمكة ولم يهاجر أصلا وهذا يشعر بأن لمن هاجر فضلا في الجملة على من لم يهاجر وأن كانت الهجرة الفاضلة في الأصل إنما هي لمن هاجر قبل الفتح لقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وإنما كان كذلك لأن مكة بعد الفتح صارت دار إسلام فالذي يهاجر منها للمدينة إنما يهاجر لطلب العلم أو الجهاد لا للفرار بدينه بخلاف ما قبل الفتح وقد تقدم بيان ذلك قوله بقية الناس أي الصحابة أطلق عليهم ذلك تعظيما لهم أي ليس الناس إلا هم ولهذا عطفهم على الصحابة عطف تفسير ويحتمل أن يكون المراد ببقية الناس أي الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم عموما والمراد بالصحابة الذين لازموه وقاتلوا معه قوله فنادى عمر في الناس أني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه زاد يونس في روايته فإني ماض لما أرى فانظروا ما آمركم به فامضوا له قال فأصبح على ظهر قوله فقال أبو عبيدة وهو إذ ذاك أمير الشام أفرارا من قدر الله أي أترجع فرارا من قدر الله وفي رواية هشام بن سعد وقالت طائفة منهم أبو عبيدة أمن الموت نفر إنما نحن بقدر لن يصبنا إلا ما كتب الله لنا قوله فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة أي لعاقبته أو لكان أولى منك بذلك أو لم أتعجب منه ولكني أتعجب منك مع علمك وفضلك كيف تقول هذا ويحتمل أن يكون المحذوف لأدبته أو هي التمني فلا يحتاج إلى جواب والمعنى أن غيرك ممن لا فهم له إذا قال ذلك يعذر وقد بين سبب ذلك بقوله وكان عمر يكره خلافه أي مخالفته قوله نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله في رواية هشام بن سعد إن تقدمنا فبقدر الله وإن تأخرنا فبقدر الله وأطلق عليه فرارا لشبهه به في الصورة وإن كان ليس فرارا شرعيا والمراد أن هجوم المرء على ما يهلكه منهي عنه ولو فعل لكان من قدر الله وتجنبه ما يؤذيه مشروع وقد يقدر الله وقوعه فيما فر منه فلو فعله أو تركه لكان من قدر الله فهما مقامان مقام التوكل ومقام التمسك بالأسباب كما سيأتي تقريره ومحصل قول عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله أنه أراد أنه لم يفر من قدر الله حقيقة وذلك أن الذي فر منه أمر خاف على نفسه منه فلم يهجم عليه والذي فر إليه أمر لا يخاف على نفسه إلا الأمر الذي لا بد من وقوعه سواء كان ظاعنا أو مقيما قوله له عدوتان بضم العين المهملة وبكسرها أيضا وسكون الدال المهملة تثنية عدوة وهو المكان المرتفع من الوادي وهو شاطئه قوله إحداهما خصيبة بوزن عظيمة وحكى بن التين سكون الصاد بغير ياء زاد مسلم في رواية معمر وقال له أيضا أرأيت لو أنه رعى الجدبة وترك الخصبة أكنت معجزه وهو بتشديد الجيم قال نعم قال فسر إذا فسار حتى أتى المدينة قوله فجاء عبد الرحمن بن عوف هو موصول عن بن عباس بالسند المذكور قوله وكان متغيبا في بعض حاجته أي لم يحضر معهم المشاورة المذكورة لغيبته قوله ان عندي في هذا علما في رواية مسلم لعلما بزيادة لام التأكيد قوله إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه الخ هو موافق للمتن الذي قبله عن أسامة بن زيد وسعد وغيرهما فلعلهم لم يكونوا مع عمر في تلك السفرة قوله فلا تخرجوا فرارا منه في رواية عبد الله بن عامر التي بعد هذه وفي حديث أسامة عند النسائي فلا تفروا منه وفي رواية لأحمد من طريق بن سعد عن أبيه مثله ووقع في ذكر بني إسرائيل إلا فرارا منه وتقدم الكلام على إعرابه هناك

[ 5398 ] قوله عن عبد الله بن عامر هو بن ربيعة وثبت كذلك في رواية القعنبي كما سيأتي في ترك الحيل وعبد الله بن عامر هذا معدود في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه بن شهاب هذا الحديث عاليا عن عبد الرحمن بن عوف وعمر لكنه اختصر القصة واقتصر على حديث عبد الرحمن بن عوف وفي رواية القعنبي عقب هذه الطريق وعن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمن وهو لمسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك وقال إنما رجع بالناس من سرغ عن حديث عبد الرحمن بن عوف وكذا هو في الموطأ وقد رواه جويرية بن أسماء عن مالك خارج الموطأ مطولا أخرجه الدارقطني في الغرائب فزاد بعد قوله عن حديث عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقدم عليه إذا سمع به وأن يخرج عنه إذا وقع بأرض هو بها وأخرجه أيضا من رواية بشر بن عمر عن مالك بمعناه ورواية سالم هذه منقطعة لأنه لم يدرك القصة ولا جده عمر ولا عبد الرحمن بن عوف وقد رواه بن أبي ذئب عن بن شهاب عن سالم فقال عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عبد الرحمن أخبر عمر وهو في طريق الشام لما بلغه أن بها الطاعون فذكر الحديث أخرجه الطبراني فإن كان محفوظا فيكون بن شهاب سمع أصل الحديث من عبد الله بن عامر وبعضه من سالم عنه واختصر مالك الواسطة بين سالم وعبد الرحمن والله أعلم وليس مراد سالم بهذا الحصر نفى سبب رجوع عمر أنه كان عن رأيه الذي وافق عليه مشيخة قريش من رجوعه بالناس وإنما مراده أنه لما سمع الخبر رجح عنده ما كان عزم عليه من الرجوع وذلك أنه قال أني مصبح على ظهر فبات على ذلك ولم يشرع في الرجوع حتى جاء عبد الرحمن بن عوف فحدث بالحديث المرفوع فوافق رأي عمر الذي رآه فحضر سالم سبب رجوعه في الحديث لأنه السبب الأقوى ولم يرد نفي السبب الأول وهو اجتهاد عمر فكأنه يقول لولا وجود النص لأمكن إذا أصبح أن يتردد في ذلك أو يرجع عن رأيه فلما سمع الخبر استمر على عزمه الأول ولولا الخبر لما استمر فالحاصل أن عمر أراد بالرجوع ترك الإلقاء إلى التهلكة فهو كمن أراد الدخول إلى دار فرأى بها مثلا حريقا تعذر طفؤه فعدل عن دخولها لئلا يصيبه فعدل عمر لذلك فلما بلغه الخبر جاء موافقا لرأيه فأعجبه فلأجل ذلك قال من قال إنما رجع لأجل الحديث لا لما اقتضاه نظره فقط وقد أخرجه الطحاوي بسند صحيح عن أنس أن عمر أتى الشام فاستقبله أبو طلحة وأبو عبيدة فقالا يا أمير المؤمنين إن معك وجوه الصحابة وخيارهم وإنا تركنا من بعدنا مثل حريق النار فارجع العام فرجع وهذا في الظاهر يعارض حديث الباب فإن فيه الجزم بأن أبا عبيدة أنكر الرجوع ويمكن الجمع بأن أبا عبيدة أشار أولا بالرجوع ثم غلب عليه مقام التوكل لما رأى أكثر المهاجرين والأنصار جنحوا إليه فرجع عن رأي الرجوع وناظر عمر في ذلك فاستظهر عليه عمر بالحجة فتبعه ثم جاء عبد الرحمن بن عوف بالنص فارتفع الاشكال وفي هذا الحديث جواز رجوع من أراد دخول بلدة فعلم أن بها الطاعون وأن ذلك ليس من الطيرة وإنما هي من منع الالقاء إلى التهلكة أو سد الذريعة لئلا يعتقد من يدخل إلى الأرض التي وقع بها أن لو دخلها وطعن العدوى المنهي عنها كما سأذكره وقد زعم قوم أن النهي عن ذلك إنما هو للتنزيه وأنه يجوز الإقدام عليه لمن قوي توكله وصح يقينه وتمسكوا بما جاء عن عمر أنه ندم على رجوعه من سرغ كما أخرجه بن أبي شيبة بسند جيد من رواية بن رويم عن القاسم بن محمد عن بن عمر قال جئت عمر حين قدم فوجدته قائلا في خبائه فانتظرته في ظل الخباء فسمعته يقول حين تضور اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده أيضا وأجاب القرطبي في المفهم بأنه لا يصح عن عمر قال وكيف يندم على فعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ويرجع عنه ويستغفر منه وأجيب بأن سنده قوي والأخبار القوية لا ترد بمثل هذا مع إمكان الجمع فيحتمل أن يكون كما حكاه البغوي في شرح السنة عن قوم أنهم حملوا النهي على التنزيه وأن القدوم عليه جائز لمن غلب عليه التوكل والانصراف عنه رخصة ويحتمل وهو أقوى أن يكون سبب ندمه أنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين فلما وصل إلى قرب البلد المقصود رجع مع أنه كان يمكنه أن يقيم بالقرب من البلد المقصود إلى أن يرتفع الطاعون فيدخل إليها ويقضي حاجة المسلمين ويؤيد ذلك أن الطاعون ارتفع عنها عن قرب فلعله كان بلغه ذلك فندم على رجوعه إلى المدينة لا على مطلق رجوعه فرأى أنه لو أنتظر لكان أولى لما في رجوعه على العسكر الذي كان صحبته من المشقة والخبر لم يرد بالأمر بالرجوع وإنما ورد بالنهي عن القدوم والله أعلم وأخرج الطحاوي بسند صحيح عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر اللهم إن الناس قد نحلوني ثلاثا أنا أبرأ إليك منهن زعموا أني فررت من الطاعون وأنا أبرأ إليك من ذلك وذكر الطلاء والمكس وقد ورد عن غير عمر التصريح بالعمل في ذلك بمحض التوكل فأخرج بن خزيمة بسند صحيح عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام خرج غازيا نحو مصر فكتب إليه أمراء مصر أن الطاعون قد وقع فقال إنما خرجنا للطعن والطاعون فدخلها فلقي طعنا في جبهته ثم سلم وفي الحديث أيضا منع من وقع الطاعون ببلد هو فيها من الخروج منها وقد اختلف الصحابة في ذلك كما تقدم وكذا أخرج أحمد بسند صحيح إلى أبي منيب أن عمرو بن العاص قال في الطاعون أن هذا رجز مثل السيل من تنكبه أخطأه ومثل النار من أقام أحرقته فقال شرحبيل بن حسنة إن هذا رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبض الصالحين قبلكم وأبو منيب بضم الميم وكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة وهو دمشقي نزل البصرة يعرف بالأحدب وثقه العجلي وابن حبان وهو غير أبي منيب الجرشي فيما ترجح عندي لأن الأحدب أقدم من الجرشي وقد أثبت البخاري سماع الأحدب من معاذ بن جبل والجرشي يروي عن سعيد بن المسيب ونحوه وللحديث طريق أخرى أخرجها أحمد أيضا من رواية شرحبيل بن شفعة بضم المعجمة وسكون الفاء عن عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بمعناه وأخرجه بن خزيمة والطحاوي وسنده صحيح وأخرجه أحمد وابن خزيمة أيضا من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن شرحبيل بمعناه وأخرج أحمد من طريق أخرى أن المراجعة في ذلك أيضا وقعت عن عمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وفي طريق أخرى بينه وبين واثلة الهذلي وفي معظم الطرق أن عمرو بن العاص صدق شرحبيل وغيره على ذلك ونقل عياض وغيره جواز الخروج من الأرض التي يقع بها الطاعون عن جماعة من الصحابة منهم أبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة ومن التابعين منهم الأسود بن هلال ومسروق ومنهم من قال النهي فيه للتنزيه فيكره ولا يحرم وخالفهم جماعة فقالوا يحرم الخروج منها لظاهر النهي الثابت في الأحاديث الماضية وهذا هو الراجح عند الشافعية وغيرهم ويؤيده ثبوت الوعيد على ذلك فأخرج أحمد وابن خزيمة من حديث عائشة مرفوعا في اثناء حديث بسند حسن قلت يا رسول الله فما الطاعون قال غدة كغدة الإبل المقيم فيها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف وله شاهد من حديث جابر رفعه الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف أخرجه أحمد أيضا وابن خزيمة وسنده صالح للمتابعات وقال الطحاوي استدل من أجاز الخروج بالنهي الوارد عن الدخول إلى الأرض التي يقع بها قالوا وإنما نهى عن ذلك خشية أن يعدي من دخل عليه قال وهو مردود لأنه لو كان النهي لهذا لجاز لأهل الموضع الذي وفع فيه الخروج وقد ثبت النهي أيضا عن ذلك فعرف أن المعنى الذي لأجله منعوا من القدوم عليه غير معنى العدوى والذي يظهر والله أعلم أن حكمة النهي عن القدوم عليه لئلا يصيب من قدم عليه بتقدير الله فيقول لولا أني قدمت هذه الأرض لما أصابني ولعله لو أقام في الموضع الذي كان فيه لأصابه فأمر أن لا يقدم عليه حسما للمادة ونهى من وقع وهو بها أن يخرج من الأرض التي نزل بها لئلا يسلم فيقول مثلا لو أقمت في تلك الأرض لأصابني ما أصاب أهلها ولعله لو كان أقام بها ما أصابه من ذلك شيء اه ويؤيده ما أخرجه الهيثم بن كليب والطحاوي والبيهقي بسند حسن عن أبي موسى أنه قال إن هذا الطاعون قد وقع فمن أراد أن يتنزه عنه فليفعل واحذروا اثنتين أن يقول قائل خرج خارج فسلم وجلس جالس فأصيب فلو كنت خرجت لسلمت كما سلم فلان أو لو كنت جلست أصبت كما أصيب فلان لكن أبو موسى حمل النهي على من قصد الفرار محضا ولا شك أن الصور ثلاث من خرج لقصد الفرار محضا فهذا يتناوله النهي لا محالة ومن خرج لحاجة متمحضة لا لقصد الفرار أصلا ويتصور ذلك فيمن تهيأ للرحيل من بلد كان بها إلى بلد إقامته مثلا ولم يكن الطاعون وقع فاتفق وقوعه في أثناء تجهيزه فهذا لم يقصد الفرار أصلا فلا يدخل في النهي والثالث من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم إلى ذلك أنه قصد الراحة من الإقامة بالبلد التي وقع بها الطاعون فهذا محل النزاع ومن جملة هذه الصورة الأخيرة أن تكون الأرض التي وقع بها وخمة والأرض التي يريد التوجه إليها صحيحة فيتوجه بهذا القصد فهذا جاء النقل فيه عن السلف مختلفا فمن منع نظر إلى صورة الفرار في الجملة ومن أجاز نظر إلى أنه مستثنى من عموم الخروج فرارا لأنه لم يتحمض للفرار وإنما هو لقصد التداوي وعلى ذلك يحمل ما وقع في أثر أبي موسى المذكور أن عمر كتب إلى أبي عبيدة إن لي إليك حاجة فلا تضع كتابي من يدك حتى تقبل إلي فكتب إليه أني قد عرفت حاجتك وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم فكتب إليه أما بعد فإنك نزلت بالمسلمين أرضا غميقة فارفعهم إلى أرض نزهة فدعا أبو عبيدة أبا موسى فقال أخرج فارتد للمسلمين منزلا حتى انتقل بهم فذكر القصة في اشتغال أبي موسى بأهله ووقوع الطاعون بأبي عبيدة لما وضع رجله في الركاب متوجها وأنه نزل بالناس في مكان آخر فارتفع الطاعون وقوله غميقة بغين معجمة وقاف وزن عظيمة أي قريبة من المياه والنزور وذلك مما يفسد غالبا به الهواء لفساد المياه والنزهة الفسيحة البعيدة عن الوخم فهذا يدل على أن عمر رأى أن النهي عن الخروج إنما هو لمن قصد الفرار متمحضا ولعله كانت له حاجة بأبي عبيدة في نفس الأمر فلذلك استدعاه وظن أبو عبيدة أنه إنما طلبه ليسلم من وقوع الطاعون به فاعتذر عن إجابته لذلك وقد كان أمر عمر لأبي عبيدة بذلك بعد سماعها للحديث المذكور من عبد الرحمن بن عوف فتأول عمر فيه ما تأول واستمر أبو عبيدة على الأخذ بظاهره وأيد الطحاوي صنيع عمر بقصة العرنيين فإن خروجهم من المدينة كان للعلاج لا للفرار وهو واضح من قصتهم لأنهم شكوا وخم المدينة وأنها لم توافق أجسامهم وكان خروجهم من ضرورة الواقع لأن الإبل التي أمرو أن يتداووا بألبانها وأبوالها واستنشاق روائحا ما كانت تتهيأ إقامتها بالبلد وإنما كانت في مراعيها فلذلك خرجوا وقد لحظ البخاري ذلك فترجم قبل ترجمة الطاعون من خرج من الأرض التي لا تلائمه وساق قصة العرنيين ويدخل فيه ما أخرجه أبو داود من حديث فروة بن مسيك بمهملة وكاف مصغر قال قلت يا رسول الله إن عندنا أرضا يقال لها أبين هي أرض ريفنا وميرتنا وهي وبئة فقال دعها عنك فإن من القرف التلف قال بن قتيبة القرف القرب من الوباء وقال الخطابي ليس في هذا إثبات العدوى وإنما هو من باب التداوي فإن استصلاح الأهوية من أنفع الأشياء في تصحيح البدن وبالعكس واحتجوا أيضا بالقياس على الفرار من المجذوم وقد ورد الأمر به كما تقدم والجواب أن الخروج من البلد التي وقع بها الطاعون قد ثبت النهي عنه والمجذوم قد ورد الأمر بالفرار منه فكيف يصح القياس وقد تقدم في باب الجذام من بيان الحكمة في ذلك ما يغني عن إعادته وقد ذكر العلماء في النهي عن الخروج حكما منها أن الطاعون في الغالب يكون عاما في البلد الذي يقع به فإذا وقع فالظاهر مداخلة سببه لمن بها فلا يفيده الفرار لأن المفسدة إذا تعينت حتى لا يقع الانفكاك عنها كان الفرار عبثا فلا يليق بالعاقل ومنها أن الناس لو تواردوا على الخروج لصار من عجز عنه بالمرض أو بغيره ضائع المصلحة لفقد من يتعهده حيا وميتا وأيضا فلو شرع الخروج فخرج الأقوياء لكان في ذلك كسر قلوب الضعفاء وقد قالوا إن حكمة الوعيد في الفرار من الزحف لما فيه من كسر قلب من لم يفر وإدخال الرعب عليه بخذلانه وقد جمع الغزالي بين الأمرين فقال الهواء لا يضر من حيث ملاقاته ظاهر البدن بل من حيث دوام الأستنشاق فيصل الى القلب والرئة فيؤثر في الباطن ولا يظهر على الظاهر إلا بعد التأثير في الباطن فالخارج من البلد الذي يقع به لا يخلص غالبا مما استحكم به وينضاف إلى ذلك أنه لو رخص للاصحاء في الخروج لبقي المرضى لا يجدون من يتعاهدهم فتضيع مصالحهم ومنها ما ذكره بعض الأطباء أن المكان الذي يقع به الوباء تتكيف أمزجة أهله بهواء تلك البقعة وتألفها وتصير لهم كالأهوية الصحيحة لغيرهم فلو انتقلوا إلى الأماكن الصحيحة لم يوافقهم بل ربما إذا استنشقوا هواءها استصحب معه إلى القلب من الأبخرة الرديئة التي حصل تكيف بدنه بها فأفسدته فمنع من الخروج لهذه النكتة ومنها ما تقدم أن الخارج يقول لو أقمت لأصبت والمقيم يقول لو خرجت لسلمت فيقع في اللو المنهي عنه والله أعلم وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في قوله فلا تقدموا عليه فيه منع معارضة متضمن الحكمة بالقدر وهو من مادة قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وفي قوله فلا تخرجوا فرارا منه إشارة آلى الوقوف مع المقدور والرضا به قال وأيضا فالبلاء إذا نزل إنما يقصد به أهل البقعة لا البقعة نفسها فمن أراد الله إنزال البلاء به فهو واقع به ولا محالة فأينما توجه يدركه فأرشده الشارع إلى عدم النصب من غير أن يدفع ذلك المحذور وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الذي يترجح عندي في الجمع بينهما أن في الإقدام عليه تعريض النفس للبلاء ولعلها لا تصبر عليه وربما كان فيه ضرب من الدعوى لمقام الصبر أو التوكل فمنع ذلك حذرا من اغترار النفس ودعواها ما لا تثبت عليه عند الاختبار وأما الفرار فقد يكون داخلا في التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة بما قدر عليه فأمرنا الشارع بترك التكلف في الحالتين ومن هذه المادة قوله صلى الله عليه وسلم لا تتمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصبروا فأمر بترك التمني لما فيه من التعرض للبلاء وخوف اغترار النفس إذ لا يؤمن غدرها عند الوقوع ثم أمرهم بالصبر عند الوقوع تسليما لأمر الله تعالى وفي قصة عمر من الفوائد مشروعية المناظرة والاستشارة في النوازل وفي الأحكام وأن الاختلاف لا يوجب حكما وأن الاتفاق هو الذي يوجبه وأن الرجوع عند الاختلاف إلى النص وأن النص يسمى علما وأن الأمور كلها تجري بقدر الله وعلمه وأن العالم قد يكون عنده ما لا يكون عند غيره ممن هو أعلم منه وفيه وجوب العمل بخبر الواحد وهو من أقوى الأدلة على ذلك لأن ذلك كان باتفاق أهل الحل والعقد من الصحابة فقبلوه من عبد الرحمن بن عوف ولم يطلبوا معه مقويا وفيه الترجيح بالأكثر عددا والأكثر تجربة لرجوع عمر لقول مشيخة قريش مع ما انضم إليهم ممن وافق رايهم من المهاجرين والأنصار فإن مجموع ذلك أكثر من عدد من خالفه من كل من المهاجرين والأنصار ووازن ما عند الذين خالفوا ذلك من مزيد الفضل في العلم والدين ما عند المشيخة من السن والتجارب فلما تعادلوا من هذه الحيثية رجح بالكثرة ووافق اجتهاده النص فلذلك حمد الله تعالى على توفيقه لذلك وفيه تفقد الإمام أحوال رعيته لما فيه من إزالة ظلم المظلوم وكشف كربة المكروب وردع أهل الفساد وإظهار الشرائع والشعائر وتنزيل الناس منازلهم الحديث الثالث حديث أبي هريرة لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون كذا أورده مختصرا وقد أورده في الحج عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك أتم من هذا بلفظ على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وقدمت هناك ما يتعلق بالدجال وأخرجه في الفتن عن القعنبي عن مالك كذلك ومن حديث أنس رفعه المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة فلا يدخلها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله تعالى وقد استشكل عدم دخول الطاعون المدينة مع كون الطاعون شهادة وكيف قرن بالدجال ومدحت المدينة بعدم دخولهما والجواب أن كون الطاعون شهادة ليس المراد بوصفه بذلك ذاته وإنما المراد أن ذلك يترتب عليه وينشأ عنه لكونه سببه فإذا استحضر ما تقدم من أنه طعن الجن حسن مدح المدينة بعدم دخوله إياها فإن فيه إشارة إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة ومن اتفق دخوله إليها لا يتمكن من طعن أحد منهم فإن قيل طعن الجن لا يختص بكفارهم بل قد يقع من مؤمنيهم قلنا دخول كفار الإنس المدينة ممنوع فإذا لم يسكن المدينة إلا من يظهر الإسلام جرت عليه أحكام المسلمين ولو لم يكن خالص الإسلام فحصل الأمن من وصول الجن إلى طعنهم بذلك فلذلك لم يدخلها الطاعون أصلا وقد أجاب القرطبي في المفهم عن ذلك فقال المعنى لا يدخلها من الطاعون مثل الذي وقع في غيرها كطاعون عمواس والجارف وهذا الذي قاله يقتضي تسليم أنه دخلها في الجملة وليس كذلك فقد جزم بن قتيبة في المعارف وتبعه جمع جم من آخرهم الشيخ محي الدين النووي في الأذكار بان الطاعون لم يدخل المدينة أصلا ولا مكة أيضا لكن نقل جماعة أنه دخل مكة في الطاعون العام الذي كان في سنة تسع وأربعين وسبعمائة بخلاف المدينة فلم يذكر أحد قط أنه وقع بها الطاعون أصلا ولعل القرطبي بني على أن الطاعون أعم من الوباء أو أنه هو وأنه الذي ينشا عن فساد الهواء فيقع به الموت الكثير وقد مضى في الجنائز من صحيح البخاري قول أبي الأسود قدمت المدينة وهم يموتون بها موتا ذريعا فهذا وقع بالمدينة وهو وباء بلا شك ولكن الشأن في تسميته طاعونا والحق أن المراد بالطاعون في هذا الحديث المنفي دخوله المدينة الذي ينشأ عن طعن الجن فيهيج بذلك الطعن الدم في البدن فيقتل فهذا لم يدخل المدينة قط فلم يتضح جواب القرطبي وأجاب غيره بأن سبب الترجمة لم ينحصر في الطاعون وقد قال صلى الله عليه وسلم ولكن عافتيك أوسع لي فكان منع دخول الطاعون المدينة من خصائص المدينة ولوازم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها بالصحة وقال آخر هذا من المعجزات المحمدية لأن الأطباء من أولهم إلى آخرهم عجزوا أن يدفعوا الطاعون عن بلد بل عن قرية وقد أمتنع الطاعون عن المدينة هذه الدهور الطويلة قلت وهو كلام صحيح ولكن ليس هو جوابا عن الاشكال ومن الأجوبة أنه صلى الله عليه وسلم عوضهم عن الطاعون الحمى لأن الطاعون يأتي مرة بعد مرة والحمى تتكرر في كل حين فيتعادلان في الأجر ويتم المراد من عدم دخول الطاعون لبعض ما تقدم من الأسباب ويظهر لي جواب آخر بعد استحضار الحديث الذي أخرجه أحمد من رواية أبي عسيب بهملتين آخره موحدة وزن عظيم رفعه أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلىالشام وهو أن الحكمة في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة كان في قلة من أصحابه عددا ومددا وكانت المدينة وبئة كما سبق من حديث عائشة ثم خير النبي صلى الله عليه وسلم في أمرين يحصل بكل منهما الأجر الجزيل فاختار الحمى حينئذ لقلة الموت بها غالبا بخلاف الطاعون ثم لما أحتاج إلى جهاد الكفار وأذن له في القتال كانت قضية استمرار الحمى بالمدينة أن تضعف أجساد الذين يحتاجون إلى التقوية لأجل الجهاد فدعا بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة فعادت المدينة أصح بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله ومن فاته ذلك حصلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ثم استمر ذلك بالمدينة تمييزا لها عن غيرها لتحقق إجابة دعوته وظهور هذه المعجزة العظيمة بتصديق خبره هذه المدة المتطاولة والله أعلم تنبيه سيأتي في ذكر الدجال في أواخر كتاب الفتن حديث أنس وفيه فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله تعالى وأنه اختلف في هذا الاستثناء فقيل هو التبرك فيشملهما وقيل هو للتعليق وأنه يختص بالطاعون وأن مقتضاه جواز دخول الطاعون المدينة ووقع في بعض طرق حديث أبي هريرة المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة عن شريح عن فليح عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ورجاله رجال الصحيح وعلى هذا فالذي نقل أنه وجد في سنة تسع وأربعين وسبعمائة منه ليس كما ظن من نقل ذلك أو يجاب إن تحقق ذلك بجواب القرطبي المتقدم الحديث الرابع

[ 5400 ] قوله عبد الواحد هو بن زياد وعاصم هو بن سليمان الأحول والإسناد كله بصريون قوله قالت قال لي أنس ليس لحفصة بنت سيرين عن أنس في البخاري إلا هذا الحديث قوله يحيى بم مات أي بأي شيء مات ووقع في رواية بما مات باشباع الميم وهو للأصيلي وهي ما الاستفهامية لكن اشتهر حذف الألف منها إذا دخل عليها حرف جر ويحيى المذكور هو بن سيرين أخو حفصة ووقع في رواية مسلم يحيى بن أبي عمرة وهو بن سيرين لأنها كنية سيرين وكانت وفاة يحيى في حدود التسعين من الهجرة على ما يورد من هذا الحديث لكن أخرج البخاري في التاريخ الأوسط من طريق حماد عن يحيى بن عتيق سمعت يحيى بن سيرين ومحمد بن سيرين يتذاكران الساعة التي في الجمعة نقله بعد موت أنس بن مالك أرادا أن يحيى بن سيرين مات بعد أنس بن مالك فيكون حديث حفصة خطأ انتهى وتخريجه لحديث حفصة في الصحيح يقضتي أنه ظهر له أن حديث يحيى بن عتيق خطأ وقد قال في التاريخ الصغير حديث يحيى بن عتيق عن حفصة خطأ فإذا جوز عليه الخطأ في حديثه عن حفصة جاز تجويزه عليه في قوله يحيى بن سيرين فلعله كان أنس بن سيرين والله أعلم قوله الطاعون شهادة لكل مسلم أي يقع به هكذا جاء مطلقا في حديث أنس وسيأتي مقيدا بثلاثة قيود في حديث عائشة الذي في الباب بعده وكأن هذا هو السر في إيرداه عقبة الحديث الخامس حديث أبي هريرة رفعه المبطون شيهد والمطعون شهيد هكذا أورده مختصرا مقتصرا على هاتين الخصلتين وقد أورده في الجهاد من رواية عبد الله بن يوسف عن مالك مطولا بلفظ الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والمقتول في سبيل الله وأشرت هناك إلى الأخبار الواردة في الزيادة على الخمسة والمراد بالمطعون من طعنه الجن كما تقدم تقريره في أول الباب

قوله باب أجر الصابر علىالطاعون أي سواء وقع به أو وقع في بلد هو مقيم بها

[ 5402 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه وحبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو بن هلال ويحيى بن يعمر بفتح التحتانية والميم بينهما عين مهملة ساكنة وآخره راء قوله أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون في رواية أحمد من هذا الوجه عن عائشة قالت سألت قوله أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء في رواية الكشميهني على من شاء أي من كافر أو عاص كما تقدم في قصة آل فرعون وفي قصة أصحاب موسى مع بلعام قوله فجعله الله رحمة للمؤمنين أي من هذه الأمة وفي حديث أبي عسيب عند أحمد فالطاعون شهادة للمؤمنين ورحمة لهم ورجس على الكافر وهو صريح في أن كون الطاعون رحمة إنما هو خاص بالمسلمين وإذا وقع بالكفار فإنما هو عذاب عليهم يعجل لهم في الدنيا قبل الآخرة وأما العاصي من هذه الأمة فهل يكون الطاعون له شهادة أو يختص بالمؤمن الكامل فيه نظر والمراد بالعصي من يكون مرتكب الكبيرة ويهجم عليه ذلك وهو مصر فإنه يحتمل أن يقال لا يكرم بدرجة الشهادة لشؤم ما كان متلبسا به لقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات وأيضا فقد وقع في حديث بن عمر ما يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة أخرجه بن ماجة والبيهقي بلفظ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الحديث وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك وكان من فقهاء الشام لكنه ضعيف عند أحمد وابن معين وغيرهما ووثقه أحمد بن صالح المصري وأبو زرعة الدمشقي وقال بن حبان كان يخطىء كثيرا وله شاهد عن بن عباس في الموطأ بلفظ ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت الحديث وفيه انقطاع وأخرجه الحاكم من وجه آخر موصولا بلفظ إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله وللطبراني موصولا من وجه آخر عن بن عباس نحو سياق مالك وفي سنده مقال وله من حديث عمرو بن العاص بلفظ ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفناء الحديث وسنده ضعيف وفي حديث بريدة عند الحاكم بسند جيد بلفظ ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ولأحمد من حديث عائشة مرفوعا لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب وسنده حسن ففي هذه الأحاديث أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية فكيف يكون شهادة ويحتمل أن يقال بل تحصل له درجة الشهادة لعموم الأخبار الواردة ولا سيما في الحديث الذي قبله عن أنس الطاعون شهادة لكل مسلم ولا يلزم من حصول درجة الشهادة لمن اجترح السيئات مساواة المؤمن الكامل في المنزلة لأن درجات الشهداء متفاوتة كنظيره من العصاة إذا قتل مجاهدا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا مقبلا غير مدبر ومن رحمه الله بهذه الأمة المحمدية أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا ولا ينافي ذلك أن يحصل لمن وقع به الطاعون أجر الشهادة ولا سيما وأكثرهم لم يباشر تلك الفاحشة وإنما عمهم والله أعلم لتقاعدهم عن إنكار المنكر وقد أخرج أحمد وصححه بن حبان من حديث عتبة بن عبيد رفعه القتل ثلاثة رجل جاهد بنفسه وما له في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل فذاك الشهيد المفتخر في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وما له في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل فانمحت خطاياه أن السيف محاء للخطايا ورجل منافق جاهد بنفسه وما له حتى يقتل فهو في النار أن السيف لا يمحو النفاق وأما الحديث الآخر الصحيح أن الشهيد يغفر له كل شيء الا الدين فإنه يستفاد منه أن الشهادة لا تكفر التبعات وحصو التبعات لا يمنع حصول درجة الشهادة وليس للشهادة معنى إلى أن الله يثيب من حصلت له ثوابا مخصوصا ويكرمه كرامة زائدة وقد بين الحديث أن الله يتجاوز عنه ما عدا التبعات فلو فرض أن للشهيد أعمالا صالحة وقد كفرت الشهادة أعماله السيئة غير التبعات فإن أعماله الصالحة تنفعه في موازنة ما عليه من التبعات وتبقى له درجة الشهادة خالصة فإن لم يكن له أعمال صالحة فهو في المشيئة والله أعلم قوله فليس من عبد أي مسلم يقع الطاعون أي في مكان هو فيه فيمكث في بلده في رواية أحمد في بيته ويأتي في القدر بلفظ يكون فيه ويمكث فيه ولا يخرج من البلد أي التي وقع فيها الطاعون قوله صابرا أي غير منزعج ولا قلق بل مسلما لأمر الله راضيا بقضائه وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون وهو أن يمكث بالمكان الذي يقع به فلا يخرج فرارا منه كما تقدم النهي عنه في الباب قبله صريحا وقوله يعلم أنه لن يصيبه الا ما كتب الله له قيد آخر وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة فلو مكث وهو قلق أو متندم على عدم الخروج ظانا أنه لو خرج لما وقع به أصلا ورأسا وأنه بإقامته يقع به فهذا لا يحصل له أجر الشهيد ولو مات بالطاعون هذا الذي يقتضيه مفهوم هذا الحديث كا اقتضى منطوقه أن من اتصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد وإن لم يمت بالطاعون ويدخل تحته ثلاث صور أن من اتصف بذلك فوقع به الطاعون فمات به أو وقع به ولم يمت به أو لم يقع به أصلا ومات بغيره عاجلا أو آجلا قوله مثل أجر الشهيد لعل السر في التعبير بالمثلية مع ثبوت التصريح بأن من مات بالطاعون كان شهيدا أن من لم يمت من هؤلاء بالطاعون كان له مثل أجر الشهيد وأن لم تحصل له درجة الشهادة بعينها وذلك أن من اتصف بكونه شهيدا أعلى درجة ممن وعد بأنه يعطي مثل أجر الشهيد ويكون كمن خرج على نية الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فمات بسبب غير القتل وأما ما اقتضاه مفهوم حديث الباب أن من اتصف بالصفات المذكورة ووقع به الطاعون ثم لم يمت منه أنه يحصل له ثواب الشهيد فيشهد له حديث بن مسعود الذي أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمد أخبره وكان من أصحاب بن مسعود أنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته والضمير في قوله أنه لابن مسعود فإن أحمد أخرجه في مسند بن مسعود ورجال سنده موثوقون واستنبط من الحديث أن من اتصف بالصفات المذكورة ثم وقع به الطاعون فمات به أن يكون له أجر شهيدين ولا مانع من تعدد الثواب بتعدد الأسباب كمن يموت غريبا بالطاعون أو نفساء مع الصبر والاحتساب والتحقيق فيما اقتضاه حديث الباب أنه يكون شهيدا بوقوع الطاعون به ويضاف له مثل أجر الشهيد لصبره وثباته فإن درجة الشهادة شيء وأجر الشهادة شيء وقد أشار إلى ذلك الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة وقال هذا هو السر في قوله والمطعون شهيد وفي قوله في هذا فله مثل أجر شهيد ويمكن أن يقال بل درجات الشهداء متفاوتة فأرفعها من اتصف بالصفات المذكورة ومات بالطاعون ودونه في المرتبة من اتصف بها وطعن ولم يمت به ودونه من اتصف ولم يطعن ولم يمت به ويستفاد من الحديث أيضا أن من لم يتصف بالصفات المذكورة لا يكون شهيدا ولو وقع الطاعون ومات به فضلا عن أن يموت بغيره وذلك ينشأ عن شؤم الاعتراض الذي ينشأ عنه التضجر والتسخط لقدر الله وكراهة لقاء الله وما أشبه ذلك من الأمور التي تفوت معها الخصال المشروطة والله أعلم وقد جاء في بعض الأحاديث استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة فأخرج أحمد بسند حسن عن عتبة بن عبد السلمي رفعه يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فيقول أصحاب الطاعون نحن شهداء فيقال انظروا فإن كان جراحهم كجراح الشهداء تسيل دما وريحها كريح المسك فيهم شهداء فيجدونهم كذلك وله شاهد من حديث العرباض بن سارية أخرجه أحمد أيضا والنسائي بسند حسن أيضا بلفظ يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين ماتوا بالطاعون فيقول الشهداء إخواننا قتلوا كما قتلنا ويقول الذين ماتوا على فرشهم إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا فيقول الله عز وجل انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم فإذا جراحهم أشبهت جراحهم زاد الكلاباذي في معاني الأخبار من هذا الوجه في آخره فيلحقون بهم قوله تابعه النضر عن داود النضر هو بن شميل وداود هو بن أبي الفرات وقد أخرج طريق النضر في كتاب القدر عن إسحاق بن إبراهيم عنه وتقدم موصولا أيضا في ذكر بني إسرائيل عن موسى بن إسماعيل وأخرجه أحمد عن عفان وعبد الصمد بن عبد الوارث وأبي عبد الرحمن المقري والنسائي من طريق يونس بن محمد المؤدب كلهم عن داود بن أبي الفرات وإنما ذكرت ذلك لئلا يتوهم أن البخاري أراد بقوله تابعه النضر إزالة توهم من يتوهم تفرد حبان بن هلال به فيظن أنه لم يروه غيرهما ولم يرد البخاري ذلك وإنما أراد إزالة توهم التفرد به فقط ولم يرد الحصر فيهما والله أعلم

قوله باب الرقي بضم الراء وبالقاف مقصور جمع رقية بسكون القاف يقال رقي بالفتح في الماضي يرقى بالكسر في المستقبل ورقيت فلانا بكسر القاف أرقيه واسترقى طلب الرقية والجمع بغير همز وهو بمعنى التعويذ بالذال المعجمة قوله بالقرآن والمعوذات هو من عطف الخاص على العام لأن المراد بالمعوذات سورة الفلق والناس والإخلاص كما تقدم في أواخر التفسير فيكون من باب التغليب أو المراد الفلق والناس وكل ما ورد من التعويذ في القرآن كقوله تعالى وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وغير ذلك والأول أولى فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من رواية عبد الرحمن بن حرملة عن بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال فذكر فيها الرقي إلا بالمعوذات وعبد الرحمن بن حرملة قال البخاري لا يصح حديثه وقال الطبري لا يحتج بهذا الخبر لجهالة راوية وعلى تقدير صحته فهو منسوخ بالاذن في الرقية بفاتحة الكتاب وأشار المهلب إلى الجواب عن ذلك بأن في الفاتحة معنى الاستعاذة وهو الاستعانة فعلى هذا يختص الجواز بما يشتمل على هذا المعنى وقد أخرج الترمذي وحسنه والنسائي من حديث أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذات فأخذ بها وترك ما سواها وهذا لا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين بل يدل على الأولوية ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما وإنما اجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا وقد أجمع العلماء على جواز الرقي عند اجتماع ثلاثة شروط أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى واختلفوا في كونها شرطا والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك فقال اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك وله من حديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقي فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب قال فعرضوا عليه فقال ما أرى بأسا من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجزؤوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها لكن دل حديث عوف أنها مهما كان من الرقي يؤدي إلى الشرك يمنع وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمتنع احتياطا والشرط الآخر لا بد منه وقال قوم لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة كما تقدم في باب من اكتوى من حديث عمران بن حصين لا رقية غلا من عين أو حمة وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصل كل ما يحتاج إلى الرقية فيلتحق بالعين جواز رقية من به خبل أو مس ونحو ذلك لاشتراكها في كونها تنشأ عن أحوال شيطانية من إنسي أو جني ويلتحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية وقد وقع عند أبي داود في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد أو دم وفي مسلم من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أنس قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقي من العين والحمة والنملة وفي حديث آخر والأذن ولأبي داود من حديث الشفاء بنت عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ألا تعلمين هذه يعني حفصة رقية النملة والنملة قروح تخرج في الجنب وغيره من الجسد وقيل المراد بالحصر معنى الأفضل أي لا رقية أنفع كما قيل لا سيف إلا ذو الفقار وقال قوم المنهي عنه من الرقي ما يكون قبل وقوع البلاء والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه ذكره بن عبد البر والبيهقي وغيرهما وفيه نظر وكأنه مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقى فأخرج أبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم من طريق بن أخي زينب امرأة بن مسعود عنها عن بن مسعود رفعه أن الرقي والتمائم والتولة شرك وفي الحديث قصة والتمائم جمع تميمة وهي خرز أو قلادة تعلق في الرأس كانوا في الجاهلية يعتقدون أن ذلك يدفع الآفات والتولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها وهو ضرب من السحر وإنما كان ذلك من الشرك لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وكلامه فقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك قبل وقوعه كما سيأتي قريبا في باب المرأة ترقى الرجل من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه ينفث المعوذات ويمسح بهما وجهه الحديث ومضى في أحاديث الأنبياء حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة الحديث وصحح الترمذي من حديث خولة بنت حكيم مرفوعا من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يتحول وعند أبي داود والنسائي بسند صحيح عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن رجل من أسلم جاء رجل فقال لدغت الليلة فلم أتم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك والأحاديث في هذا المعنى موجودة لكن يحتمل أن يقال إن الرقي أخص من التعوذ وإلا فالخلاف في الرقي مشهور ولا خلاف في مشروعية الفزع إلى الله تعالى والالتجاء إليه في كل ما وقع وما يتوقع وقال بن التين الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطلب الجسماني وتلك الرقي المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله واسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم ويقال إن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها وكذا اللديغ إذا رقي بتلك الأسماء سألت سمومها من بدن الإنسان فلذلك كره من الرقي ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئا من الشرك وعلى كراهة الرقي بغير كتاب الله علماء الأمة وقال القرطبي الرقي ثلاثة أقسام أحدها ما كان يرقى به في الجاهلية مما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك الثاني ما كان بكلام الله أو بأسمائه فيجوز فإن كان مأثورا فيستحب الثالث ما كان بأسماء غير الله من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش قال فهذا فليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى إلا أن يتضمن تعظيم المرقي به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير الله تعالى قلت ويأتي بسط ذلك في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى وقال للربيع سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن يرقى بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله قلت أيرقى أهل الكتاب المسلمين قال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله اه وفي الموطأ أن أبا بكر قال لليهودية التي كانت ترقى عائشة ارقيها بكتاب الله وروى بن وهب عن مالك كراهة الرقية بالحديدة والملح وعقد الخيط والذي يكتب خاتم سليمان وقال لم يكن ذلك من أمر الناس القديم وقال المازري اختلف في استرقاء أهل الكتاب فأجازها قوم وكرهها مالك لئلا يكون مما بدلوه وأجاب من أجاز بأن مثل هذا يبعد أن يقولوه وهو كالطب سواء كان غير الحاذق لا يحسن أن يقول والحاذق بأنف أن يبدل حرصا على استمرار وصفه بالحذق لترويج صناعته والحق أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال وسئل بن عبد السلام عن الحروف المقطعة فمنع منها ما لا يعرف لئلا يكون فيها كفر وسيأتي الكلام على من منع الرقي أصلا في باب من لم يرق بعد خمسة أبواب إن شاء الله تعالى

[ 5403 ] قوله هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات دلالته على المعطوف في الترجمة ظاهرة وفي دلالته على المعطوف عليه نظر لأنه لا يلزم من مشروعية الرقي بالمعوذات أن يشرع بغيرها من القرآن لاحتمال أن يكون في المعوذات سر ليس في غيرها وقد ذكرنا من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم ترك ما عدا المعوذات لكن ثبتت الرقية بفاتحة الكتاب فدل على أن لا اختصاص للمعوذات ولعل هذا هو السر في تعقيب المصنف هذه الترجمة بباب الرقي بفاتحة الكتاب وفي الفاتحة من معنى الاستعاذة بالله الاستعانة به فمهما كان فيه استعاذة أو استعانة بالله وحده أو ما يعطي معنى ذلك فالاسترقاء به مشروع ويجاب عن حديث أبي سعيد بأن المراد أنه ترك ما كان يتعوذ به من الكلام غير القرآن ويحتمل أن يكون المراد بقوله في الترجمة الرقي بالقرآن بعضه فإنه اسم جنس يصدق على بعضه والمراد ما كان فيه النجاء إلى الله سبحانه ومن ذلك المعوذات وقد ثبتت الاستعاذة بكلمات الله في عدة أحاديث كما مضى قال بن بطال في المعوذات جوامع من الدعاء نعم أكثر المكروهات من السحر والحسد وشر الشيطان ووسوسته وغير ذلك فلهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بها قلت وسيأتي في باب السحر شيء من هذا وقوله في المرض الذي مات فيه ليس قيدا في ذلك وإنما أشارت عائشة إلى أن ذلك وقع في آخر حياته وأن ذلك لم ينسخ قوله أنفث عنه في رواية الكشميهني عليه وسيأتي باب مفرد في النفث في الرقية قوله وأمسح بيده نفسه بالنصب على المفعولية أي أمسح جسده بيده وبالكسر على البدل وفي رواية الكشميهني بيد نفسه وهو يؤيد الاحتمال الثاني قال عياض فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي ماسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر وقد يكون على سبيل التفاؤل بزوال ذلك الألم عن المريض كانفصال ذكر عن الراقي انتهى وليس بين قوله في هذه الرواية كان ينفث على نفسه وبين الرواية الأخرى كان يأمرني أن أفعل ذلك معارضة لأنه محمول على أنه في ابتداء المرض كان يفعله بنفسه وفي اشتداده كان يأمرها به وتفعله هي من قبل نفسها قوله فسألت الزهري القائل معمر وهو موصول بالإسناد المذكور وفي الحديث التبرك بالرجل الصالح وسائر أعضائه وخصوصا اليد اليمني

قوله باب الرقي بفاتحة الكتاب ويذكر عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ذكره بصيغة التمريض وهو يعكر على ما تقرر بين أهل الحديث أن الذي يورده البخاري بصيغة التمريض لا يكون على شرطه مع أنه أخرج حديث بن عباس في الرقية بفاتحة الكتاب عقب هذا الباب وأجاب شيخنا في كلامه على علوم الحديث بأنه قد يصنع ذلك إذا ذكر الخبر بالمعنى ولا شك أن خبر بن عباس ليس فيه التصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرقية بفاتحة الكتاب وإنما فيه تقريره على ذلك فنسبة ذلك إليه صريحا تكون نسبة معنوية وقد علق البخاري بعض هذا الحديث بلفظه فأتى به مجزوما كما تقدم في الإجارة في باب ما يعطي في الرقية بفاتحة الكتاب وقال بن عباس إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ثم قال شيخنا لعل لابن عباس حديثا آخر صريحا في الرقية بفاتحة الكتاب ليس على شرطه فلذلك أتى به بصيغة التمريض قلت ولم يقع لي ذلك بعد التتبع ثم ذكر فيه حديث أبي سعيد في قصة الذين أتوا على الحي فلم يقروهم فلدغ سيد الحي فرقاه أبو سعيد بفاتحة الكتاب وقد تقدم شرحه في كتاب الإجارة مستوفى وقال بن القيم إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب فقد اشتملت على ذكر أصول أسماء الله ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال لعدم معرفته له مع ما تضمنته من اثبات القدر والشرع والأسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء والله أعلم

قوله باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب تقدم التنبيه على هذه الترجمة في كتاب الإجارة

[ 5405 ] قوله حدثنا سيدان بكسر المهملة وسكون التحتانية بن مضارب بضاد معجمة وموحدة آخره أبو محمد الباهلي هو بصري قواه أبو حاتم وغيره وشيخه البراء بفتح الموحدة وتشديد الراء نسب إلى بري العود كان عطارا وقد ضعفه بن معين ووثقه المقدمي وقال أبو حاتم يكتب حديثه واتفق الشيخان على التخريج له ووقع في نسخة الصغاني أبو معشر البصري وهو صدوق وشيخه عبيد الله بالتصغير بن الأخنس بخاء معجمة ساكنة ونون مفتوحة هو نخعي كوفي يكنى أبا مالك ويقال أنه من موالي الأزد وثقه الأئمة وشد بن حبان فقال في الثقات يخطىء كثيرا وما للثلاثة في البخاري سوى هذا الحديث ولكن لعبيد الله بن الأخنس عنده حديث آخر في كتاب الحج ولأبي معشر آخر في الأشربة قوله مروا بماء أي بقوم نزول على ماء قوله فيهم لديغ بالغين المعجمة أو سليم شك من الراوي والسليم هو اللديغ سمي بذلك تفاؤلا من السلامة لكون غالب من يلدغ يعطب وقيل سليم فعيل بمعنى مفعول لأنه أسلم للعطب واستعمال اللدغ في ضرب العقرب مجاز والأصل أنه الذي يضرب بفيه والذي يضرب بمؤخره يقال لسع وبإسنانه نهيس بالمهملة والمعجمة وبأنفه نكز بنون وكاف وزاي وبنا به نشط هذا هو الأصل وقد يستعمل بعضها مكان بعض تجوزا قوله فعرض لهم رجل من أهل الماء لم أقف على اسمه قوله فانطلق رجل منهم لم أقف على اسمه وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الإجارة وبينت فيه أن حديث بن عباس وحديث أبي سعيد في قصة واحدة وأنها وقعت لهم مع الذي لدغ وأنه وقعت للصحابة قصة أخرى مع رجل مصاب بعقله فاغنى ذلك عن إعادته هنا

قوله باب رقية العين أي رقية الذي يصاب بالعين تقول عنت الرجل أصبته بعينك فهو معين ومعيون ورجل عائن ومعيان وعيون والعين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه العين حق ويحضرها الشيطان وحسد بن آدم وقد أشكل ذلك على بعض الناس فقال كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون والجواب أن طبائع الناس تختلف فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو أشار إلى ذلك بن بطال وقال الخطابي في الحديث أن للعين تأثيرا في النفوس وإبطال قول الطبائيعين أنه لا شيء إلا ما تدرك الحواس الخمس وما عدا ذلك لا حقيقة له وقال المازري زعم بعض الطبائعيين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد وهو كأصابة السم من نظر الأفاعي وأشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر وهل ثم جواهر خفية أو لا هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه ومن قال ممن ينتمي إلى الإسلام من أصحاب الطبائع بالقطع بأن جواهر لطيفة غير مرئية تنبعث من العائن فتتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق الباري الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم فقد أخطأ بدعوى القطع لكن جائز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة اه وهو كلام سديد وقد بالغ بن العربي في إنكاره قال ذهبت الفلاسفة إلىان الإصابة بالعين صادرة عن تأثير النفس بقوتها فيه فأول ما تؤثر في نفسها ثم تؤثر في غيرها وقيل إنما هو سم في عين العائن يصيب بلفحه عند التحديق إليه كما يصيب لفح سم الأفعى من يتصل به ثم رد الأول بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الإصابة في كل حال والواقع خلافه والثاني بأن سم الأفعى جزء منها وكلها قاتل والعائن ليس يقتل منه شيء في قولهم إلا نظره وهو معنى خارج عن ذلك قال والحق أن الله يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة وقد يصرفه قبل وقوعه إما بالاستعاذة أو بغيرها وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو بالاغتسال أو بغير ذلك اه كلامه وفيه بعض ما يتعقب فإن الذي مثل بالأفعى لم يرد أنها تلامس المصاب حتى يتصل به من سمها وإنما أراد أن جنسا من الأفاعي اشتهر أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك فكذلك العائن وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث أبي لبابة الماضي في بدء الخلق عند ذكر الأبتر وذي الطفيتين قال فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل وليس مراد الخطابي بالتأثير المعنى الذي يذهب إليه الفلاسفة بل ما أجرى الله به العادة من حصول الضرر للمعيون وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس قال الراوي يعني بالعين وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوي والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعفه قواه وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجه الروح كالذي يحدث من الأدعية والرقي والالتجاء إلى الله وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيل فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن لا وقاية له أثر فيه وإلا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسة سواء

[ 5406 ] قوله سفيان هو الثوري قوله حدثني معبد بن خالد هو الجدلي الكوفي تابعي وشيخه عبد الله بن شداد هو المعروف بابن الهاد له رؤية وأبوه صحابي قوله عن عائشة كذا للأكثر وكذا لمسلم من طريق مسعر عن معبد بن خالد ووقع عند الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي مثله لكن شك فيه فقال أو قال عن عبد الله بن شداد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة قوله قالت أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقي من العين أي يطلب الرقية ممن يعرف الرقي بسبب العين كذا وقع بالشك هل قالت أمر بغير إضافة أو أمرني وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه عن الطبراني عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فقال أمرني جزما وكذا أخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق أبي نعيم عن سفيان الثوري ولمسلم من طريق عبد الله بن نمير عن سفيان كان يأمرني أن أسترقي وعنده من طريق مسعر عن معبد بن خالد كان يأمرها ولابن ماجة من طريق وكيع عن سفيان أمرها أن تسترقي وهو الإسماعيلي في رواية عبد الرحمن بن مهدي وفي هذا الحديث مشروعية الرقية لمن أصابه العين وقد أخرج الترمذي وصححه والنسائي من طريق عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم قال نعم الحديث وله شاهد من حديث جابر أخرجه مسلم قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل حزم في الرقية وقال لأسماء مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم قال أرقيهم فعرضت عليه فقال أرقيهم وقوله ضارعة بمعجمة أوله أي نحيفة وورد في مداواة المعيون أيضا ما أخرجه أبو داود من رواية الأسود عن عائشة أيضا قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين وسأذكر كيفية اغتساله في شرح حديث الباب الذي بعد هذا

[ 5407 ] قوله حدثنا محمد بن خالد قال الحاكم والجوزقي والكلاباذي وأبو مسعود ومن تبعهم هو الذهلي نسب إلى جد أبيه فإنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس وقد كان أبو داود يروي عن محمد بن يحيى فينسب أباه إلى جد أبيه أيضا فيقول حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قالوا وقد حدث أبو محمد بن الجارود بحديث الباب عن محمد بن يحيى الذهلي وهي قرينة في أنه المراد وقد وقع في رواية الأصيلي هنا حدثنا محمد بن خالد الذهلي فانتفى أن يظن أنه محمد بن خالد بن جبلة الرافعي الذي ذكره بن عدي في شيوخ البخاري وقد أخرج الإسماعيلي وأبو نعيم أيضا حديث الباب من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب بن عطية المذكور وكذا هو في كتاب الزهريات جمع الذهلي وهذا الإسناد مما نزل فيه البخاري في حديث عروة بن الزبير ثلاث درجات فإنه أخرج في صحيحه حديثا عن عبد الله بن موسى عن هشام بن عروة عن أبيه وهو في العتق فكان بينه وبين عروة رجلان وهنا بينه وبينه فيه خمسة أنفس ومحمد بن وهب بن عطية سلمى قد أدركه البخاري وما أدري لقيه أم لا وهو من أقران الطبقة الوسطى من شيوخه وما له عنده إلا هذا الحديث وقد أخرجه مسلم عاليا بالنسبة لرواية البخاري هذه قال حدثنا أبو الربيع حدثنا محمد بن حرب فذكره ومحمد بن حرب شيخه خولاني حمصي كان كاتبا للزبيدي شيخه في هذا الحديث وهو ثقة عند الجميع تنبيه اجتمع في هذا السند من البخاري إلى الزهري ستة أنفس في نسق كل منهم اسمه محمد وإذا روينا الصحيح من طريق الفراوي عن الحفص عن الكشميهني عن الفربري كانوا عشرة قوله رأى في بيتها جارية لم أقف على اسمها ووقع في مسلم قال لجارية في بيت أم سلمة قوله في وجهها سفعة بفتح المهملة ويجوز ضمها وسكون الفاء بعدها عين مهملة وحكى عياض ضم أوله قال إبراهيم الحربي هو سواد في الوجه ومنه سفعة الفرس سواد ناصيته وعن الأصمعي حمرة يعلوها سواد وقيل صفرة وقيل سواد مع لون آخر وقال بن قتيبة لون يخالف لون الوجه وكلها متقاربة وحاصلها أن بوجهها موضعا على غير لونه الأصلي وكأن الاختلاف بحسب اللون الأصلي فإن كان أحمر فالسفعة سواد صرف وأن كان أبيض فالسفعة صفرة وإن كان أسمر فالسفعة حمرة يعلوها سواد وذكر صاحب البارع في اللغة أن السفع سواد الخدين من المرأة الشاحبة والشحوب بمعجمة ثم مهملة تغير اللون بهزال أو غيره ومنه سفعاء الخدين وتطلق السفعة على العلامة ومنه بوجهها سفعة غضب وهو راجع إلى تغير اللون وأصل السفع الأخذ بقهر ومنه قوله تعالى لنسفعا بالناصية ويقال أن أصل السفع الأخذ بالناصية ثم استعمل في غيرها وقيل في تفسيرها لنعلمنه بعلامة أهل النار من سواد الوجه ونحوه وقيل معناه لنذلنه ويمكن رد الجميع إلى معنى واحد فإنه إذا أخذ بناصيته بطريق القهر أذله وأحدث له تغير لونه فظهرت فيه تلك العلامة ومنه قوله في حديث الشفاعة قوم أصابهم سفع من النار قوله استرقوا لها بسكون الراء قوله فإن بها النظرة بسكون الظاء المعجمة وفي رواية مسلم فقال أن بها نظرة فاسترقوا لها يعني بوجهها صفرة وهذا التفسير ما عرفت قائله إلا أنه يغلب على ظني أنه الزهري وقد أنكره عياض من حيث اللغة وتوجيهه ما قدمته واختلف في المراد بالنظرة فقيل عين من نظر الجن وقيل من الإنس وبه جزم أبو عبيد الهروي والأولى أنه أعم من ذلك وأنها أصيبت بالعين فلذلك أذن صلى الله عليه وسلم في الاسترقاء لها وهو دال على مشروعية الرقية من العين على وفق الترجمة قوله تابعه عبد الله بن سالم يعني الحصمي وكنيته أبو يوسف عن الزبيدي أي على وصل الحديث وقال عقيل عن الزهري أخبرني عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني لم يذكر في إسناده زينب ولا أم سلمة فأما رواية عبد الله بن سالم فوصلها الذهلي في الزهريات وللطبراني في مسند الشاميين من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي عن عمرو بن لحارث الحمصي عن عبد الله بن سالم به سندا ومتنا وأما رواية عقيل فرواها بن وهب عن بن لهيعة عن عقيل ولفظه إن جارية دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة فقال كأن بها سفعة أو خطرت بنار هكذا وقع لنا مسموعا في جزء من فوائد أبي الفضل بن طاهر بسنده إلى بن وهب ورواه الليث عن عقيل أيضا ووجدته في مستدرك الحاكم من حديثه لكن زاد فيه عائشة بعد عروة وهو وهم فيما أحسب ووجدته في جامع بن وهب عن يونس عن الزهري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجارية فذكر الحديث واعتمد الشيخان في هذا الحديث على رواية الزبيدي لسلامتها من الاضطراب ولم يلتفتا إلى تقصير يونس فيه وقد روى الترمذي من طريق الوليد بن مسلم أنه سمع الأوزاعي يفضل الزبيدي على جميع أصحاب الزهري يعني في الضبط وذلك أنه كان يلازمه كثيرا حضرا وسفرا وقد تمسك بهذا من زعم أن العمدة لمن وصل على من أرسل لإتفاق الشيخين على تصحيح الموصول هنا على المرسل والتحقيق أنهما ليس لهما في تقديم الوصل عمل مطرد بل هو دائر مع القرينة فمهما ترجح بها اعتمداه وإلا فكم حديث أعرضا عن تصحيحه للاختلاف في وصله وإرساله وقد جاء حديث عروة هذا من غير رواية الزهري أخرجه البزار من رواية أبي معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة عن أم سلمة فسقط من روايته ذكر زينب بنت أم سلمة وقال الدارقطني رواه مالك وابن عيينة وسمي جماعة كلهم عن يحيى بن سعيد فلم يجاوزا به عروة وتفرد أبو معاوية بذكر أم سلمة ولا يصح وإنما قال ذلك بالنسبة لهذه الطريق لانفراد الواحد عن العدد الجم وإذا انضمت هذه الطريق إلى رواية الزبيدي قويت جدا والله أعلم

قوله باب العين حق أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود أو هو من جملة ما تحقق كونه قال المازري أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى لأن كل شيء ليس محالا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فهو من متجاوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة

[ 5408 ] قوله العين حق ونهى عن الوشم لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين فكأنهما حديثان مستقلان ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق الذي أخرجه البخاري من جهته ويحتمل أن يقال المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي والوشم بفتح الواو وسكون المعجمة أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر وسيأتي بيان حكمة في باب المستوشمة من أواخر كتاب اللباس إن شاء الله تعالى وقد ظهرت لي مناسبة بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها وهي أن من جملة الباعث على عمل الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين فنهى عن الوشم مع إثبات العين وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا وأن الذي قدره الله سيقع وأخرج مسلم من حديث بن عباس رفعه العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا فأما الزيادة الأولى ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله العين حق يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام فإن عين الشيء حقيقته والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور لكن ظاهره اثبات العين التي تصيب إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها وإما باجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في اثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء إذ القدر عبارة عن سابق علم الله وهو لا راد لأمره أشار إلى ذلك القرطبي وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس قال الراوي يعني بالعين وقال النووي في الحديث إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر وأما الزيادة الثانية وهي أمر العاين بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك وظاهر الأمر الوجوب وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى ولم يبين في حديث بن عباس صفة الاغتسال وقد وقعت في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي وصححه بن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط أي صرع وزنا ومعنى سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تتهمون به من أحد قالوا عامر بن ربيعة فدعا عامرا فتغيظ عليه فقال علام يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت ثم قال اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس لفظ أحمد من رواية أبي أويس عن الزهري ولفظ النسائي من رواية بن أبي ذئب عن الزهري بهذا السند أنه يصب صبه على وجهه بيده اليمني وكذلك سائر أعضائه صبة صبة في القدح وقال في آخر ثم يكفأ القدح وراءه على الأرض ووقع في رواية بن ماجة من طريق بن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فذكر الحديث وفيه فليدع بالبركة ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه قال المازري المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي الذي بلي حقوه الأيمن قال فظن بعضهم أنه كناية عن الفرج انتهى وزاد عياض أن المراد ما يلي جسده من الإزار وقيل أراد موضع الإزار من الجسد وقيل أراد وركه لأنه معقد الإزار والحديث في الموطأ وفيه عن مالك حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أباه يقول اغتسل سهل فذكر نحوه وفيه فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء فوعك سهل مكانه واشتد وعكة وفيه ألا بركت أن العين حق توضأ له فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس تنبيهات الأول اقتصر النووي في الأذكار على قوله الاستغسال أن يقال للعائن اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد فإذا فعل صبه على المنظور إليه وهذا يوهم الاقتصار على ذلك وهو عجيب ولا سيما وقد نقل في شرح مسلم كلام عياض بطوله الثاني قال المازري هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه وقال بن العربي أن توقف فيه متشرع قلنا له قل الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة أو متفلسف فالرد عليه أظهر لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك ويسمون ما هذا سبيله الخواص وقال بن القيم هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما تفعل بالخاصية فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن فكأن أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شيء أرق من المغابن فكان في غسلها إبطال لعملها ولا سيما أن للأرواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصا وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفىء تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء الثالث هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة فإما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى ألا بركت عليه وفي رواية بن ماجة فليدع بالبركة ومثله عند بن السني من حديث عامر بن ربيعة وأخرج البزار وابن السني من حديث أنس رفعه من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره وفي الحديث من الفوائد أيضا أن العائن إذا عرف يقضي عليه بالاغتسال وأن الاغتسال من النشرة النافعة وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة ويكون ذلك رقية منه وأن الماء المستعمل طاهر وفيه جواز الاغتسال بالفضاء وأن الإصابة بالعين قد تقتل وقداختلف في جريان القصاص بذلك فقال القرطبي لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا انتهى ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه وقالوا أنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا وقال النووي في الروضة ولا دية فيه ولا كفارة لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلا وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة وأيضا فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلل الشخص ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين اه ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه والفرق بينهما فيه عسر ونقل بن بطال عن بعض أهل العلم فإنه يبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس كما تقدم واضحا في بابه وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة قال النووي وهذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه

قوله باب رقية الحية والعقرب أي مشروعية ذلك وأشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض طرق حديث الباب على ما سأذكره

[ 5409 ] قوله عبد الواحد هو بن زياد وبذلك جزم أبو نعيم حيث أخرج الحديث من طريق محمد بن عبيد بن حسان عنه قوله سليمان الشيباني هو أبو إسحاق مشهور بكنيته أكثر من اسمه قوله رخص فيه إشارة إلى أن النهي عن الرقي كان متقدما وقد بينت ذلك في الباب الأول قوله من كل ذي حمة بضم المهملة وتخفيف الميم تقدم بيانها في باب ذات الجنب وأن المراد بها ذوات السموم ووقع في رواية أبي الأحوص عن الشيباني بسنده رخص في الرقية من الحية والعقرب

قوله باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم أي التي كان يرقى بها ذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس

[ 5410 ] قوله عبد الوارث هو بن سعيد وعبد العزيز هو بن صهيب والإسناد بصريون قوله فقال ثابت هو البناني يا أبا حمزة هي كنية أنس قوله اشتكيت بضم التاء أي مرضت ووقع في رواية الإسماعيلي أني اشتكيت قوله ألا بتخفيف اللام للعرض و أرقيك بفتح الهمزة قوله مذهب الباس بغير همز للمؤاخاة فإن أصله الهمزة قوله أنت الشافي يؤخذ منه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن بشرطين أحدهما أن لا يكون في ذلك ما يوهم نقصا والثاني أن يكون له أصل في القرآن وهذا من ذاك فإن في القرآن وإذا مرضت فهو يشفين قوله لا شافي إلا أنت إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف تقدير الله تعالى وإلا فلا ينجع قوله شفاء مصدر منصوب بقوله اشف ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ أي هو قوله لا يغادر بالغين المعجمة أي لا يترك وقد تقدم بيانه والحكمة فيه في أواخر كتاب المرضى وقوله سقما بضم ثم سكون وبفتحتين أيضا ويؤخذ من هذا الحديث أن الإضافة في الترجمة للفاعل وقد ورد ما يدل على أنها للمفعول وذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد والله يشفيك وله شاهد عنده بمعناه من حديث عائشة الحديث الثاني

[ 5411 ] قوله يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري وسليمان هو الأعمش ومسلم هو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه وجوز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران لكونه يروي عن مسروق ويروي الأعمش عنه وهو تجويز عقلي محض يمجه سمع المحدث على أنني لم أر لمسلم بن عمران البطين رواية عن مسروق وإن كانت ممكنة وهذا الحديث إنما هو من رواية الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق وقد أخرجه مسلم من رواية جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق به ثم أخرجه من رواية هشيم ومن رواية شعبة ومن رواية يحيى القطان عن الثوري كلهم عن الأعمش قال بإسناد جرير فوضح أن مسلما المذكور في رواية البخاري هو أبوالضحى فإنه أخرجه من رواية يحيى القطان وغايته أن بعض الرواة عن يحيى سماه وبعضهم كناه والله أعلم قوله كان يعوذ بعض أهله لم أقف على تعيينه قوله يمسح بيده اليمني أي على الوجع قال الطبري هو على طريق التفاؤل لزوال ذلك الوجع قوله واشفه وأنت الشافي في رواية الكشميهني بحذف الواو والضمير في اشفه للعليل أو هي هاء السكت قوله لا شفاء بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف والتقدير لنا أو له قوله إلا شفاؤك بالرفع على أنه يدل من موضع لا شفاء قوله قال سفيان هو موصول بالإسناد المذكور قوله حدثت به منصورا هو بن المعتمر وصار بذلك في هذا الحديث إلى مسروق طريقان وإذا ضم الطريق الذي بعده إليه صار إلى عائشة طريقان وإذا ضم إلى حديث أنس صار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه طريقان قوله نحوه تقدم سياقه في أواخر كتاب المرضى مع بيان الاختلاف على الأعمش ومنصور في الواسطة بينهما وبين مسروق ومن أفرد ومن جمع وتحرير ذلك واضحا قوله في الطريق الأخرى

[ 5412 ] النضر هو بن شميل قوله كان يرقى بكسر القاف وهو بمعنى قوله في الرواية التي قبلها كان يعوذ ولعل هذا هو السر أيضا في إيراد طريق عروة وأن كان سياق مسروق أتم لكن عروة صرح بكون ذلك رقية فيوافق حديث أنس في أنها رقية النبي صلى الله عليه وسلم قوله امسح هو بمعنى قوله في الرواية الأخرى أذهب والمراد الازالة قوله بيدك الشفاء لا كاشف له أي للمرض إلا أنت وهو بمعنى قوله اشف أنت الشافعي لا شافي إلا أنت الحديث الثالث

[ 5413 ] قوله سفيان هو بن عيينة كما صرح به في الطريق الثانية وقدم الأولى لتصريح سفيان بالتحديث وصدقه شيخه في الثانية هو بن الفضل المرزوي قوله عبد ربه بن سعيد هو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد هو ثقة ويحيى أشهر منه وأكثر حديثا قوله كان يقول للمريض بسم الله في رواية صدقة كان يقول في الرقية وفي رواية مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان زيادة في أوله ولفظه كان إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها بسم الله قوله تربة أرضنا خبر مبتدأ محذوف أي هذه تربة وقوله بريقة بعضنا يدل على أنه كان يتفل عند الرقية قال النووي معنى الحديث أنه أخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه ثم مسح به الموضع العليل أو الجريح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح قال القرطبي فيه دلالة على جواز الرقي من كل الآلام وأن ذلك كان أمرا فاشيا معلوما بينهم قال ووضع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته بالأرض ووضعها عليه يدل على استحباب ذلك عند الرقية ثم قال وزعم بعض علمائنا أن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرىء الموضع الذي به الألم ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجراح واندمالها قال وقال في الريق أنه يختص بالتحليل والانضاج وابراء الجرح والورم لا سيما من الصائم الجائع وتعقبه القرطبي أن ذلك إنما يتم إذا وقعت المعالجة على قوانينها من مراعاة مقدار التراب والريق وملازمة ذلك في أوقاته وإلا فالنفث ووضع السبابة على الأرض إنما يتعلق بها ما ليس له بال ولا أثر وإنما هذا من باب التبرك بأسماء الله تعالى وآثار رسوله وأما وضع الإصبع بالأرض فلعله لخاصية في ذلك أو لحكمة إخفاء آثار القدرة بمباشرة الأسباب المعتادة وقال البيضاوي قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلا في النضج وتعديل المزاج وتراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر فقد ذكروا أن ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئا منه في سقائه ليأمن مضرة ذلك ثم أن الرقي والعزائم لها آثار عجيبة تتعاقد العقول عن الوصول إلى كنهها وقال التوربشتي كأن المراد بالتربة الإشارة إلى فطرة آدم والريقة الإشارة إلى النطفة كأنه تضرع بلسان الحال إنك اخترعت الأصل الأول من التراب ثم أبدعته منه من ماء مهين فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته وقال النووي قيل المراد بأرضنا أرض المدينة خاصة لبركتها وبعضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرف ريقه فسيكون ذلك مخصوصا وفيه نظر قوله يشفي سقيمنا ضبط بالوجهين بضم أوله على البناء للمجهول وسقيمنا بالرفع وبفتح أوله على أن الفاعل مقدر وسقيمنا بالنصب على المفعولية تنبيه أخرج أبو داود والنسائي ما يفسر به الشخص المرقي وذلك في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ثابت بن قيس بن شماس وهو مريض فقال اكشف البأس رب الناس ثم أخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه ثم صبه عليه

قوله باب النفث بفتح النون وسكون الفاء بعدها مثلثة في الرقية في هذه الترجمة إشارة إلى الرد على من كره النفث مطلقا كالأسود بن يزيد أحد التابعين تمسكا بقوله تعالى ومن شر النفاثات في العقد وعلى من كره النفث عند قراءة القرآن خاصة كإبراهيم النخعي أخرج ذلك بن أبي شيبة وغيره فأما الأسود فلا حجة له في ذلك لأن المذموم ما كان من نفث السحرة وأهل الباطل ولا يلزم منه ذم النفث مطلقا ولا سيما بعد ثبوته في الأحاديث الصحيحة وأما النخعي فالحجة عليه ما ثبت في حديث أبي سعيد الخدري ثالث أحاديث الباب فقد قصوا على النبي صلى الله عليه وسلم القصة وفيها أنه قرأ بفاتحة الكتاب وتفل ولم ينكر ذلك صلى الله عليه وسلم فكان ذلك حجة وكذا الحديث الثاني فهو واضح من قوله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم بيان النفث مرارا أو من قال إنه لا ريق فيه وتصويب أن فيه ريقا خفيفا وذكر فيه ثلاثة أحاديث

[ 5415 ] قوله سليمان هو بن بلال ويحيى بن سعيد هو الأنصاري والإسناد كله مدنيون قوله الرؤيا من الله يأتي شرحه مستوفى في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى وقوله فلينفث هو المراد من الحديث المذكور في هذه الترجمة لأنه دل على جدواها قوله وقال أبو سلمة هو موصول بالإسناد المذكور وقوله فإن كنت في رواية الكشميهني بدون الفاء وقوله أثقل على من الجبل أي لما كان يتوقع من شرها الحديث الثاني

[ 5416 ] قوله سليمان هو بن بلال أيضا ويونس هو بن يزيد قوله إذا أوى إلى فراشه نفث في كفه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين أي يقرؤها وينفث حالة القراءة وقد تقدم بيان ذلك في الوفاة النبوية قوله ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده في رواية المفضل بن فضالة عن عقيل ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات قوله فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به وهذا مما تفرد به سليمان بن بلال عن يونس وقد تقدم في الوفاة النبوية من رواية عبد الله بن المبارك عن يونس بلفظ فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه وأخرجه مسلم من رواية بن وهب عن يونس فلم يذكرها قوله قال يونس كنت أرى بن شهاب يصنع ذلك إذا أوى إلى فراشه وقع نحو ذلك في رواية عقيل عن بن شهاب عند عبد بن حميد وفيه إشارة إلى الرد على من زعم أن هذه الرواية شاذة وأن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا اشتكى كما في رواية مالك وغيره فدلت هذه الزيادة على أنه كان يفعل ذلك إذا أوى إلى فراشه وكان يفعله إذا اشتكى شيئا من جسده فلا منافاة بين الراوايتين وقد تقدم في فضائل القرآن قول من قال إنهما حديثان عن الزهري بسند واحد الحديث الثالث حديث أبي سعيد في قصة اللديغ الذي رقاه بفاتحة الكتاب وتقدم شرحه مستوفى في كتاب الإجارة وتقدمت الإشارة إليه قريبا ووقع في هذه الرواية فجعل يتفل ويقرأ وقد قدمت أن النفث دون التفل وإذا جاز التفل جاز النفث بطريق الأولى وفيها ما به قلبة بفتح اللام بعدها موحدة أي ما به ألم يقلب لآجله على الفراش وقيل أصله من القلاب بضم القاف وهو داء يأخذ البعير فيمسك على قلبه فيموت من يومه

قوله باب مسح الراقي الوجع بيده اليمنى ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه قريبا والقائل فذكرته لمنصور هو سفيان الثوري كما تقدم التصريح به في باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب المرأة ترقي الرجل ذكر فيه حديث عائشة وفيه قولها كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه وقد تقدم قبل بباب من رواية يونس عن بن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك وزاد في رواية معمر هنا كيفية ذلك فقال ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه

قوله باب من لم يرق هو بفتح أوله وكسر القاف مبنيا للفاعل وبضم أوله وفتح القاف مبنيا للمفعول

[ 5420 ] قوله حصين بن نمير بنون مصغر هو الواسطي ماله في البخاري سوى هذا الحديث وقد تقدم بهذا الإسناد وقد تقدم بها الإسناد في أحاديث الأنبياء لكن باختصار وتقدم الحديث بعينه من وجه آخر عن حصين بن عبد الرحمن في باب من اكتوى وذكرت من زاد في أوله قصة وأن شرحه سيأتي في كتاب الرقاق والغرض منه هنا قوله هم الذين لا يطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون فأما الطيرة فسيأتي ذكرها بعد هذا وأما الكي فتقدم ذكر ما فيه هناك وأما الرقية فتمسك بهذا الحديث من كره الرقي والكي من بين سائر الأدوية وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة أحدها قاله الطبري والمازري وطائفة أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون وقال غيره الرقي التي يحمد تركها ما كان من كلام الجاهلية ومن الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفرا بخلاف الرقي بالذكر ونحوه وتعقبه عياض وغيره بأن الحديث يدل على أن للسبعين ألفا مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقي الجاهلية ونحوها ما فليس مسلما فلم يسلم هذا الجواب ثانيها قال الداودي وطائفة إن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا وقد قمت قدمت هذا عن بن قتيبة وغيره في باب من اكتوى وهذا اختيار بن عبد البر غير أنه معترض بما قدمته من ثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء ثالثها قال الحليمي يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه فهم غافلون عن طب الأطباء ورقي الرقاة ولا يحسنون من ذلك شيئا والله أعلم رابعها أن المراد بترك الرقي والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب وإلى هذا نحا الخطابي ومن تبعه قال بن الأثير هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها وهؤلاء هم خواص الأولياء ولا يرد على هذا وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئا بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل لكن من ترك الأسباب وفوض وأخلص في ذلك كان أرفع مقاما قال الطبري قيل لا يستحق التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا من لم يسع في طلب رزق ولا في مداواة ألم والحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب أتباعا لسنته وسنة رسوله فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم في الحرب بين درعين ولبس على سه المغفر وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو على كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك وقال للذي سأله أعقل ناقتي أو أدعها قال اعقلها وتوكل فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل والله أعلم

قوله باب الطيرة بكسر المهملة وفتح التحتانية وقد تسكن هي التشاؤم بالشين وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة قال بعض أهل اللغة لم يجيء من المصادر هكذا غير هاتين وتعقب بأنه سمع طيبة وأورد بعضهم التولة وفيه نظر وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر وأن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها فجاء الشرع بالنهي عن ذلك وكانوا يسمونه السانح بمهملة ثم نون ثم حاء مهملة والبارح بموحدة وآخره مهملة فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك والبارح بالعكس وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح لأنه لا يمكن رميه إلى بان ينحرف إليه وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له إذ لا نطق للطير ولا تمييز فيستدل بفعله على مضمون عنى فيه وطلب العلم من غير مظائه جهل من فاعله وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويتمدح بتركه قال شاعر منهم ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واق وحاتم فإذا الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم وقال آخر الزجر والطير والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال وقال آخر وما عاجلات الطير تدنى من الفتى نجاحا ولا عن رئيهن قصور وقال آخر لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع وقال آخر تخير طيرة فيها زياد لتخبره وما فيها خبير تعلم أنه لا طير إلا على متطير وهو الثبور بلى شيء يوافق بعض شيء أحايينا وباطله كثير وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين وقد أخرج بن حبان في صحيحه من حديث أنس رفعه لا طيرة والطيرة على من تطير وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد فإذا تطيرت فلا ترجع وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق وهذا مرسل أو معضل لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب وأخرج بن عدي بسند لين عن أبي هريرة رفعه إذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رفعه لن ينال الدرجات العلاء من تكهن أو استسقم أو رجع من سفر تطيرا ورجاله ثقات إلا أنني أظن أن فيه انقطاعا وله شاهد عن عمران بن حصين وأخرجه البزار في أثناء حديث بسند جيد وأخرج أبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان عن بن مسعود رفعه الطيرة شرك وما منا الا تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل وقوله وما منا إلا من كلام بن مسعود أدرج في الخبر وقد بينه سليمان بن حرب شيخ البخاري فيما حكاه الترمذي عن البخاري عنه وإنما جعل ذلك شركا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفع ضرا فكأنهم أشركوه مع الله تعالى وقوله ولكن الله يذهبه بالتوكل إشارة إلى أن من وقع له ذلك فسلم لله ولم يعبأ بالطيرة أنه لا يؤاخذ بما عرض له من ذلك وأخرج البيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن عمرو موقوفا من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك

[ 5421 ] قوله لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث قد تقدم شرح هذا الحديث وبيان اختلاف الرواة في سياقه في كتاب الجهاد والتطير والتشاؤم بمعنى واحد فنفى أولا بطريق العموم كما نفى العدوى ثم أثبت الشؤم في الثلاثة المذكورة وقد ذكرت ما قيل في ذلك هناك وقد وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود بلفظ وإن كانت الطيرة في شيء الحديث قوله في الحديث الثاني لا طيرة وخيرها الفأل يأتي شرحه في الباب الذي بعده وكأنه أشار بذلك إلى أن النفي في الطيرة على ظاهر لكن في الشر ويستثنى من ذلك ما يقع فيه من الخير كما سأذكره

قوله باب الفأل بفاء ثم همزة وقد تسهل والجمع فئول بالهمزة جزما

[ 5423 ] قوله عن عبيد الله بن عبد الله أي بن عتبة بن مسعود وقد صرح في رواية شعيب التي قبل هذه فيه بالإخبار قوله قال وما الفأل كذا للأكثر بالافراد وللكشميهني قالوا كراوية شعيب قوله الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم وقال في حديث أنس ثاني حديثي الباب ويعجبني الفأل الصالح الكلمة الحسنة وفي حديث عروة بن عامر الذي أخرجه أبو داود قال ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خيرها الفأل ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي الحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلى بالله وقوله وخيرها الفأل قال الكرماني تبعا لغيره هذه الإضافة تشعر بأن الفأل من جملة الطيرة وليس كذلك بل هي إضافة توضيح ثم قال وأيضا فإن من جملة الطيرة كما تقدم تقريره التيامن فبين بهذا الحديث أنه ليس كل التيامن مردودا كالتشاؤم بل بعض التيامن مقبول قلت وفي الجواب الأول دفع في صدر السؤال وفي الثاني تسليم السؤال ودعوى التخصيص وهو أقرب وقد أخرج بن ماجة بسند حسن عن أبي هريرة رفعه كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة وأخرج الترمذي من حديث حابس التميمي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول العين حق وأصدق الطيرة الفأل ففي هذا التصريح أن الفأل من جملة الطيرة لكنه مستثنى وقال الطيبي الضمير المؤنث في قوله وخيرها راجع إلى الطيرة وقد علم أن الطيرة كلها لا خير فيها فهو كقوله تعالى أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وهو مبني على زعمهم وهو من إرخاء العنان في المخادعة بأن يجري الكلام على زعم الخصم حتى لا يشمئز عن التفكر فيه فإذا تفكر فانصف من نفسه قبل الحق فقوله خيرها الفأل إطماع للسامع في الاستماع والقبول لا أن في الطيرة خيرا حقيقة أو هو من نحو قولهم الصيف أحر من الشتاء أي الفأل في بابه أبلغ من الطيرة في بابها والحاصل أن أفعل التفضيل في ذلك إنما هو بين القدر المشترك بين الشيئين والقدر المشترك بين الطيرة والفأل تأثير كل منهما فيما هو فيه والفأل في ذلك أبلغ قال الخطابي وإنما كان ذلك لأن مصدر الفأل عن نطق وبيان فكأنه خبر جاء عن غيب بخلاف غيره فإنه مستند إلى حركة الطائر أو نطقه وليس فيه بيان أصلا وإنما هو تكلف ممن يتعاطاه وقد أخرج الطبري عن عكرمة قال كنت عند بن عباس فمر طائر فصاح فقال رجل خير خير فقال بن عباس ما عند هذا لا خير ولا شر وقال أيضا الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل من طريق حسن الظن بالله والطيرة لا تكون إلا في السوء فلذلك كرهت وقال النووي الفال يستعمل فيما يسوء وفيما يسر وأكثره في السرور والطيرة لا تكون إلا في الشؤم وقد تستعمل مجازا في السرور اه وكأن ذلك بحسب الواقع وأما الشرع فخص الطيرة بما يسوء والفال بما يسر ومن شرطه أن لا يقصد إليه فيصير من الطيرة قال بن بطال جعل الله في فطر الناس محبة الكلمة الطيبة والأنس بها كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق والماء الصافي وأن كان لا يملكه ولا يشربه وأخرج الترمذي وصححه من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع يا نجيح يا راشد وأخرج أبو داود بسند حسن عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث عاملا يسأل عن اسمه فإذا أعجبه فرح به وأن كره اسمه رؤى كراهة ذلك في وجهه وذكر البيهقي في الشعب عن الحليمي ما ملخصه كان التطير في الجاهلية في العرب ازعاج الطير عند إرادة الخروج للحاجة فذكر نحو ما تقدم ثم قال وهكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب وبمرور الظباء فسموا الكل تطيرا لأن أصله الأول قال وكان التشاؤم في العجم إذا رأى الصبي ذاهبا إلى المعلم تشاءم أو راجعا تيمن وكذا إذا رأى الجمل موقرا حملا تشاءم فإن رآه واضعا حمله تيمن ونحو ذلك فجاء الشرع برفع ذلك كله وقال من تكهن أورده عن سفر تطير فليس منا ونحو ذلك من الأحاديث وذلك إذا اعتقد أن الذي يشاهده من حال الطير موجبا ما ظنه ولم يضف التدبير إلى الله تعالى فأما إن علم أن الله هو المدبر ولكنه أشفق من الشر لأن التجارب قضت بأن صوتا من أصواتها معلوما أو حالا من أحوالها معلومة يردفها مكروه فإن وطن نفسه على ذلك أساء وأن سأل الله الخير واستعاذ به من الشر ومضى متوكلا لم يضره ما وجد في نفسه من ذلك وإلا فيؤاخذ به وربما وقع به ذلك المكروه بعينه الذي اعتقده عقوبة له كما كان يقع كثيرا لأهل الجاهلية والله أعلم قال الحليمي وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفال لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق والتفاؤل حسن ظن به والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال وقال الطيبي معنى الترخص في الفأل والمنع من الطيرة هو أن الشخص لو رأى شيئا فظنه حسنا محرضا على طلب حاجته فليفعل ذلك وأن رآه بضد ذلك فلا يقبله بل يمضي لسبيله فلو قبل وانتهى عن المضي فهو الطيرة التي اختصت بأن تستعمل في الشؤم والله أعلم

قوله باب لا هامة كذا للجميع وذكر فيه حديث أبي هريرة لا عدوي ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ثم ترجم بعد سبعة أبواب باب لا هامة وذكر فيه الحديث المذكور مطولا وليس فيه ولا طيرة وهذا من نوادر ما اتفق له أن يترجم للحديث في موضعين بلفظ واحد وسأذكر شرح الهامة في الموضع الثاني إن شاء الله تعالى ثم ظهر لي أنه أشار بتكرار هذه الترجمة إلى الخلاف في تفسير الهامة كما سيأتي بيانه

قوله باب الكهانة وقع في بن بطال هنا والسحر وليس هو في نسخ الصحيح فيما وقفت عليه بل ترجمة السحر في باب مفرد عقب هذه والكهانة بفتح الكاف ويجوز كسرها ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب والأصل فيه استراق الجنى السمع من كلام الملائكة فيلقيه في أذن الكاهن والكاهن لفظ يطلق على العراف والذي يضرب بالحصى والمنجم ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه وقال في المحكم الكاهن القاضي بالغيب وقال في الجامع العرب تسمي كل من أذن بشيء قبل وقوعه كاهنا وقال الخطابي الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور ومساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب لانقطاع النبوة فيهم وهي على أصناف منها ما يتلقونه من الجن فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا إلى أن يدنو الأعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى الذي يليه إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين وأرسلت عليهم الشهب فبقي من استراقهم ما يتخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى إلا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب وكانت إصابة الكهان قبل إلاسلام كثيرة جدا كما جاء في أخبار شق وسطيح ونحوهما وأما في الإسلام فقد ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل ولله الحمد ثانيها ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره مما لا يطلع عليه الإنسان غالبا أو يطلع عليه من قرب منه لا من بعد ثالثها ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه رابعها ما يستند إلى التجربة والعادة فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر وقد يعتضد بعضهم من ذلك بالزجر والطرق والنجوم وكل ذلك مذموم شرعا وورد في ذم الكهانة ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رفعه من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين ولفظهما من أتى كاهنا وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن الرواة من سماها حفصة بلفظ ممن أتى عرافا وأخرجه أبو يعلى من حديث بن مسعود بسند جيد لكن لم يصرح برفعه ومثله لا يقال بالرأي ولفظه من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا واتفقت ألفاظهم على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة إلا حديث مسلم فقال فيه لم يقبل لهما صلاة أربعين يوما ووقع عند الطبراني من حديث أنس بسند مرفوعا بلفظ من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل صلاته أربعين يوما والأحاديث الأول مع صحتها وكثرتها أولى من هذا والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصلاة وتارة بالتكفير فيحمل على حالين من الآتي أشار إلى ذلك القرطبي والعراف بفتح المهملة وتشديد الراء من يستخرج الوقوف على المغيبات بضرب من فعل أو قول ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة

[ 5426 ] قوله عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وساقه بطوله كذا قال عبد الرحمن بن خالد بن مسافر من رواية الليث عنه عن بن شهاب وفصل مالك عن بن شهاب قصة ولي المرأة فجعله من رواية بن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا كما بينه المصنف في الطريق التي تلي طريق بن مسافر هذه وقد روى الليث عن بن شهاب أصل الحديث بدون الزيادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة موصولا كما سيأتي في الديات وكذا أخرج هناك طريق يونس عن بن شهاب عن أبي سلمة وسعيد معا عن أبي هريرة بأصل الحديث دون الزيادة ويأتي شرح ما يتعلق بالجنين والغرة هناك إن شاء الله تعالى قوله فقال ولي المرأة هو حمل بفتح المهملة والميم الخفيفة بن مالك بن النابغة الهذلي بينه مسلم من طريق يونس عن بن شهاب عن بن المسيب وأبي سلمة معا عن أبي هريرة وكنية حمل المذكور أبو نضلة وهو صحابي نزل البصرة وفي رواية مالك فقال الذي قضى عليه أي قضى على من هي منه بسبيل وفي رواية الليث عن بن شهاب المذكورة أن المرأة من بني لحيان وبنو لحيان حي من هذيل وجاء تسمية الضرتين فيما أخرج أحمد من طريق عمرو بن تميم بن عويم عن أبيه عن جده قال كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن مالك بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة بمسطح الحديث لكن قال فيه فقال العلاء بن مسروح يا رسول الله أنغرم من لا شرب ولا أكل الحديث وفي آخره أسجع كسجع الجاهلية ويجمع بينهما بأن كلا من زوج المرأة وهو حمل وأخيها وهو العلاء قال ذلك تواردا معا عليه لما تضرر عندهما أن الذي يودي هو الذي يخرج حيا وأما السقط فلا يودي فأبطل الشرع ذلك وجعل فيه غرة وسيأتي بيانه في كتاب الديات إن شاء الله تعالى ووقع في رواية للطبراني أيضا أن الذي قال ذلك عمران بن عويم فلعلها قصة أخرى وأم عفيف بمهملة وفاءين وزن عظيم ووقع في المبهمات للخطيب وأصله عند أبي داود والنسائي من طريق سماك عن عكرمة عن بن عباس أنها أم غطيف بغين ثم طاء مهملة مصغر فالله أعلم قوله كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل في رواية مالك من لا أكل ولا شرب والأول أولى لمناسبة السجع ووقع في رواية الكشميهني في رواية مالك ما لا بدل من لا وهذا هو الذي في الموطأ وقال أبو عثمان بن جنى معنى قوله لا أكل أي لم يأكل أقام الفعل الماضي مقام المضارع

[ 5427 ] قوله فمثل ذلك بطل للأكثر بضم المثناة التحتانية وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي يهدر يقال دم فلان هدر إذا ترك الطلب بثأره وطل الدم بضم الطاء وبفتحها أيضا وحكى أطل ولم يعرفه الأصمعي ووقع للكشميهني في رواية بن مسافر بطل بفتح الموحدة والتخفيف من البطلان كذا رأيته في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر وزعم عياض أنه وقع هنا للجميع بالموحدة قال وبالوجهين في الموطأ وقد رجح الخطابي أنه من البطلان وأنكره بن بطال فقال كذا يقوله أهل الحديث وإنما هو طل الدم إذا هدر قلت وليس لإنكاره معنى بعد ثبوت الرواية وهو موجه راجع إلى معنى الرواية الأخرى قوله إنما هذا من إخوان الكهان أي لمشابهة كلامه كلامهم زاد مسلم والإسماعيلي من رواية يونس من أجل سجعه الذي سجع قال القرطبي هو من تفسير الراوي وقد ورد مستند ذلك فيما أخرجه مسلم في حديث المغيرة بن شعبة فقال رجل من عصبة القاتلة يغرم فذكر نحوه وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب والسجع هو تناسب آخر الكلمات لفظا وأصله الاستواء وفي الاصطلاح الكلام المقفي والجمع أسجاع وأساجيع قال بن بطال فيه ذم الكفار وذم من تشبه بهم في ألفاظهم وإنما لم يعاقبه لأنه صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالصفح عن الجاهلين وقد تمسك به من كره السجع في الكلام وليس على إطلاقه بل المكروه منه ما يقع مع التكلف في معرض مدافعة الحق وأما ما يقع عفوا بلا تكلف في الأمور المباحة فجائز وعلى ذلك يحمل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الدعوات والحاصل أنه إن جمع الأمرين من التكلف وإبطال الحق كان مذموما وان اقتصر على أحدهما كان أخف في الذم ويخرج من ذلك تقسيمه إلى أربعة أنواع فالمحمود ما جاء عفوا في حق ودونه ما يقع متكلفا في حق أيضا والمذموم عكسهما وفي الحديث من الفوائد أيضا رفع الجناية للحاكم ووجوب الدية في الجنين ولو خرج ميتا كما سيأتي تقريره في كتاب الديات مع استيفاء فوائده الحديث الثاني حديث أبي مسعود وهو عقبة بن عمرو في النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب البيع الحديث الثالث

[ 5429 ] قوله عن يحيى بن عروة بن الزبير عن عروة كأن هذا مما فات الزهري سماعه من عروة فحمله عن ولده عنه مع كثرة ما عند الزهري عن عروة وقد وصفه الزهري بسعة العلم ووقع في رواية معقل بن عبيد الله عند مسلم عن الزهري أخبرني يحيى بن عروة أنه سمع عروة وكذا للمصنف في التوحيد من طريق يونس وفي الأدب من طريق بن جريج كلاهما عن بن شهاب ولم أقف ليحيى بن عروة في البخاري إلا على هذا الحديث وقد روى بعض هذا الحديث محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود عن عروة وتقدم موصولا في بدء الخلق وكذا هشام بن عروة عن أبيه به قوله سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية الكشميهني سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا هو في رواية يونس وعند مسلم من رواية معقل مثله ومن رواية معقل مثل الذي قبله وقد سمي ممن سأل عن ذلك معاوية بن الحكم السلمي كما أخرجه مسلم من حديثه قال قلت يا رسول الله أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان فقال لا تأتوا الكهان الحديث وقال الخطابي هؤلاء الكهان فيما علم بشهادة الامتحان قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطبائع نارية فهم يفزعون إلى الجن في أمورهم ويستفتونهم في الحوادث فيلقون إليهم الكلمات ثم تعرض إلى مناسبة ذكر الشعراء بعد ذكرهم في قوله تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين قوله فقال ليس بشيء في رواية مسلم ليسوا بشيء وكذا في رواية يونس في التوحيد وفي نسخة فقال لهم ليسوا بشيء أي ليس قولهم بشيء يعتمد عليه والعرب تقول لمن عمل شيئا ولم يحكمه ما عمل شيئا قال القرطبي كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والأحكام ويرجعون إلى أقوالهم وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية لكن بقي في الوجود من يتشبه بهم وثبت النهي عن اتيانهم ولا تصديقهم قوله انهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا في رواية يونس فإنهم يتحدثون هذا أورده السائل إشكالا على عموم قوله ليسوا بشيء لأنه فهم منه أنهم لا يصدقون أصلا فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق وأنه إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصا بل يشوبه بالكذب قوله تلك الكلمة من الحق كذا في البخاري بهملة وقاف أي الكلمة المسموعة التي تقع حقا ووقع في مسلم تلك الكلمة من الجن قال النووي كذا في نسخ بلادنا بالجيم والنون أي الكلمة المسموعة من الجن أو التي تصح مما نقلته الجن قلت التقدير الثاني يوافق رواية البخاري قال النووي وقد حكى عياض أنه وقع يعني في مسلم بالحاء والقاف قوله يخطفها الجني كذا للأكثر وفي رواية السرخسي يخطفها من الجني أي الكاهن يخطفها من الجني أو الجني الذي يلقى الكاهن يخطفها من جني آخر فوقه ويخطفها بخاء معجمة وطاء مفتوحة وقد تكسر بعدها فاء ومعناه الأخذ بسرعة وفي رواية الكشميهني يحفظها بتقديم الفاء بعدها ظاء معجمة والأول هو المعروف والله أعلم قوله فيقرها بفتح أوله وثانيه وتشديد الراء أي يصبها تقول قررت على رأسه دلوا إذا صببته فكأنه صب في إذنه ذلك الكلام قال القرطبي ويصح أن يقال المعنى ألقاها في أذنه بصوت يقال قر الطائر إذا صوت انتهى ووقع في رواية يونس المذكورة فيقرقرها أي يرددها يقال قرقرت الدجاجة تقرقر قرقرة إذا رددت صوتها قال الخطابي ويقال أيضا قرت الدجاجة تقر قرا وقريرا وإذا رجعت في صوتها قيل قرقرت قرقرة وقرقريرة قال والمعنى أن الجني إذا ألقى الكلمة لوليه تسامع بها الشياطين فتناقلوها كما إذا صوتت الدجاجة فسمعها الدجاج فجاوبتها وتعقبه القرطبي بأن الأشبه بمساق الحديث أن الجني يلقي الكلمة إلى وليه بصوت خفي متراجع له زمزمة ويرجعه له فلذلك يقع كلام الكهان غالبا على هذا النمط وقد تقدم شيء من ذلك في أواخر الجنائز في قصة بن صياد وبيان اختلاف الرواة في قوله في قطيفة له فيها زمزمة وأطلق على الكاهن ولي الجنى لكونه يواليه أو عدل عن قوله الكاهن إلى قوله وليه للتعميم في الكاهن وغيره ممن يوالي الجن قال الخطابي بين صلى الله عليه وسلم أن إصابة الكاهن أحيانا إنما هي لأن الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع فربما أصاب نادرا وخطؤه الغالب وقوله في رواية يونس كقرقرة الدجاجة يعني الطائر المعروف ودالها مثلثة والأشهر فيها الفتح وقع في رواية المستملي الزجاجة بالزاي المضمومة وأنكرها الدارقطني وعدها في التصحيف لكن وقع في حديث الباب من وجه آخر تقدم في باب ذكر الملائكة في كتاب بدء الخلق فيقرها في أذنه كما تقر القارورة وشرحوه على أن معناه كما يسمع صوت الزجاجة إذا حلت على شيء أو ألقى فيها شيء وقال القابسي المعنى أنه يكون لما يلقيه الجني إلى الكاهن حس كحس القارورة إذا حركت باليد أو على الصفا وقال الخطابي المعنى أنه يطبق به كما يطبق رأس القارورة براس الوعاء الذي يفرغ فيه منها ما فيها وأغرب شارح المصابيح النوربشتي فقال الرواية بالزاي أحوط لما ثبت في الرواية الأخرى كما تقر القارورة واستعمال قر في ذلك شائع بخلاف ما فسروا عليه الحديث فإنه غير مشهور ولم تجد له شاهدا في كلامهم فدل على أن الرواية بالدال تصحيف أو غلط من السامع وتعقبه الطيبي فقال لا ريب أن قوله قر الدجاجة مفعول مطلق وفيه معنى التشبيه فكما يصح أن يشبه إيراد ما اختطفه من الكلام في إذن الكاهن بصب الماء في القارورة يصح أن يشبه ترديد الكلام في أذنه بترديد الدجاجة صوتها في أذن صواحباتها وهذا مشاهد ترى الديك إذا رأى شيئا ينكره يقرقر فتسمعه الدجاج فتجتمع وتقرقر معه وباب الشتبيه واسع لا يفتقر إلى العلاقة غير أن الاختطاف مستعار للكلام من فعل الطير كما قال الله تعالى فتخطفه الطير فيكون ذكر الدجاجة هنا أنسب من ذكر الزجاجة لحصول الترشيح في الاستعارة قلت ويؤيده دعوى الدارقطني وهو إمام الفن أن الذي بالزاي تصحيف وأن كنا ما قبلنا ذلك فلا أقل أن يكون أرجح قوله فيخلطون معها مائة كذبة في رواية بن جريج أكثر من مائة كذبة وهو دال على أن ذكر المائة للمبالغة لا لتعيين العدد وقوله كذبة هنا بالفتح وحكى الكسر وأنكره بعضهم لأنه بمعنى الهيئة والحالة وليس هذا موضعه وقد أخرج مسلم في حديث آخر أصل توصل الجني إلى الاختطاف فأخرج من حديث بن عباس حدثني رجال من الأنصار أنهم بينا هم جلوس ليلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار فقال ما كنتم تقولون إذا رمى مثل هذا في الجاهلية قالوا كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم فقال أنها لا يرمي بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى أهل هذه السماء الدنيا فيقولون ماذا قال ربكم فيخبرونهم حتى يصل إلى السماء الدنيا فيسترق منه الجني فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه وينقصون وقد تقدم في تفسير سبأ وغيرها بيان كيفيتهم عند استراقهم وأما ما تقدم في بدء الخلق من وجه آخر عن عروة عن عائشة أن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضى في السماء فتسترق الشياطين السمع فيحتمل أن يريد بالسحاب السماء كما أطلق السماء على السحاب ويحتمل أن يكون على حقيقته وأن بعض الملائكة إذا نزل بالوحي إلى الأرض تسمع منهم الشياطين أو المراد الملائكة الموكلة بانزال المطر قوله قال علي قال عبد الرزاق مرسل الكلمة من الحق ثم بلغني أنه أسنده بعد على هذا هو بن المديني شيخ البخاري فيه ومراده أن عبد الرزاق كان يرسل هذا القدر من الحديث ثم أنه بعد ذلك وصله يذكر عائشة فيه وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد والإسماعيلي من طريق فياض بن زهير وأبو نعيم من طريق عباس العنبري ثلاثتهم عن عبد الرزاق موصولا كرواية هشام بن يوسف عن معمر وفي الحديث بقاء استراق الشياطين السمع لكنه قل وندر حتى كاد يضمحل بالنسبة لما كانوا فيه من الجاهلية وفيه النهي عن إتيان الكهان قال القرطبي يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم من يتعاطى شيئا من ذلك من الأسواق وينكر عليهم أشد النكير وعلى من يجيء إليهم ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينسب إلى العلم فإنهم غير راسخين في العلم بل من الجهال بما في إتيانهم من المحذور تنبيه إيراد باب الكهانة في كتاب الطب لمناسبته لباب السحر لما يجمع بينهما من مرجع كل منهما للشياطين وايراد باب السحر في كتاب الطب لمناسبته ذكر الرقي وغيرها من الأدوية المعنوية فناسب ذكر الأدواء التي تحتاج إلى ذلك واشتمل كتاب الطب على الإشارة للأدوية الحسية كالحبة السوداء والعسل ثم على الأدوية المعنوية كالرقي بالدعاء والقرآن ثم ذكرت الأدواء التي تنفع الأدوية المعنوية في دفعها كالسحر كما ذكرت الأدواء التي تنفع الأدوية الحسية في دفعها كالجذام والله أعلم

قوله باب السحر قال الراغب وغيره السحر يطلق على معان أحدها ما لطف ودق منه سحرت الصبي خادعته واستملته وكل من استمال شيئا فقد سحره ومنه إطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس ومنه قول الأطباء الطبيعة ساحرة ومه قوله تعالى بل نحن قوم مسحورون أي مصرفون عن المعرفة ومنه حديث أن من البيان لسحرا وسيأتي قريبا في باب مفرد الثاني ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وقوله تعالى سحروا أعين الناس ومن هناك سموا موسى ساحرا وقد يستعين في ذلك بما يكون فيه خاصية كالحجر الذي يجذب الحديد المسمى المغنطيس الثالث ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الرابع ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنزال روحانياتها بزعمهم قال بن حزم ومنه ما يوجد من الطلسمات كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب فينفع إمساكه من لدغة العقرب وكالمشاهد ببعض بلاد الغرب وهي سرقسطة فإنها لا يدخلها ثعبان قط إلا إن كان بغير إرادته وقد يجمع بعضهم بين الأمرين الأخيرين كالاستعانة بالشياطين ومخاطبة الكواكب فيكون ذلك أقوى بزعمهم قال أبو بكر الرازي في الأحكام له كان أهل بابل قوما صائبين يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة ويعتقدون أنها الفعالة لكل ما في العالم وعملوا أوثانا على أسمائها ولكل واحد هيكل فيه صنمه يتقرب إليه بما يوافقه بزعمهم من أدعية وبخور وهم الذين بعث إليهم إبراهيم عليه السلام وكانت علومهم أحكام النجوم ومع ذلك فكان السحرة منهم يستعملون سائر وجوه السحر وينسبونها إلى فعل الكواكب لئلا يبحث عنها وينكشف تمويههم انتهى ثم السحر يطلق ويراد به الآلة التي يسحر بها ويطلق ويراد به فعل الساحر والآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط كالرقي والنفث في العقد وتارة تكون بالمحسوسات كتصوير الصورة على صورة المسحور وتارة بجميع الأمرين الحسي والمعنوي وهو أبلغ واختلف في السحر فقيل هو تخبيل فقط ولا حقيقة له وهذا اختيار أبي جعفر الاسترباذي من الشافعية وأبي بكر الرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري وطائفة قال النووي والصحيح أنه له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة انتهى لكن محل النزاع هل يقع بالسحر انقلاب عين أو لا فمن قال أنه تخييل فقط منع ذلك ومن قال أن له حقيقة اختلفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا من الأمراض أو ينتهي إلى الاحالة بحيث يصير الجاد حيوانا مثلا وعكسه فالذي عليه الجمهور هو الأول وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف فأن كثيرا ممن يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه ونقل الخطابي أن قوما أنكروا السحر مطلقا وكأنه عني القائلين بأنه تخييل فقط وإلا فهي مكابرة وقال المازري جمهور العلماء على إثبات السحر وأن له حقيقة ونفى بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة وهو مردود لورود النقل بإثبات السحر ولأن العقل لا ينكر أن الله قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص ونظير ذلك ما يقع من حذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده بالتركيب نافعا وقيل لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله يفرقون به بين المرء وزوجه لكون المقام مقام تهويل فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره قال المازري والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك قال والآية ليست نصا في منع الزيادة ولو قلنا أنها ظاهرة في ذلك ثم قال والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق وأن الكرامة لا تظهر على فاسق ونقل النووي في زيادات الروضة عن المتولي نحو ذلك وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه فإن كان متمسكا بالشريعة متجنبا للموبقات فالذي يظهر على يده من الخوارق كرامة وإلا فهو سحر لأنه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين وقال القرطبي السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتاسب غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته وأكثره تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون وجاءوا بسحر عظيم مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالا وعصيا ثم قال والحق أن لبعض أصناف السحر تاثيرا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر وفي الأبدان بالألم والسقم وإنما المنكور أن الجماد ينقلب حيوانا أو عكسه بسحر الساحر ونحو ذلك قوله وقول الله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الآية كذا للأكثر وساق في رواية كريمة إلى قوله من خلاق وفي هذه الآية بيان أصل السحر الذي يعمل به اليهود ثم هو مما وضعته الشياطين على سليمان بن داود عليه السلام ومما أنزل على هاروت وماروت بأرض بابل والثاني متقدم العهد على الأول لأن قصة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح عليه السلام على ما ذكر بن إسحاق وغيره وكان السحر موجودا في زمن نوح إذ أخبر الله عن قوم نوح أنهم زعموا أنه ساحر وكان السحر أيضا فاشيا في قوم فرعون وكل ذلك قبل سليمان واختلف في المراد بالآية فقيل أن سليمان كان جمع كتب السحر والكهانة فدفنها تحت كرسيه فلم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي فلما مات سليمان وذهبت العلماء الذين يعرفون الأمر جاءهم شيطان في صورة إنسان فقال لليهود هل أدلكم على كنز لا نظير له قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسي فحفروا وهو متنح عنهم فوجدوا تلك الكتب فقال لهم أن سليمان كان يضبط الإنس والجن بهذا ففشا فيهم أن سليمان كان ساحرا فلما نزل القرآن بذكر سليمان في الأنبياء أنكرت اليهود ذلك وقالوا إنما كان ساحرا فنزلت هذه الآية أخرجه الطبري وغيره عن السدي ومن طريق سعيد بن جبير بسند صحيح نحوه ومن طريق عمران بن الحارث عن بن عباس موصولا بمعناه وأخرج من طريق الربيع بن أنس نحوه ولكن قال أن الشياطين هي التي كتبت كتب السحر ودفنتها تحت كرسيه ثم لما مات سليمان استخرجته وقالوا هذا العلم الذي كان سليمان يكتمه الناس وأخرجه من طريق محمد بن إسحاق وزاد أنهم نقشوا خاتما على نقش خاتم سليمان وختموا به الكتاب وكتبوا عنوانه هذا ما كتب آصف بن برخياء الصديق الملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم ثم دفنوه فذكر نحو ما تقدم وأخرج من طريق العوفي عن بن عباس نحو ما تقدم عن السدي ولكن قال إنهم لما وجدوا الكتب قالوا هذا مما أنزل الله على سليمان فأخفاه منا وأخرج بسند صحيح عن سعيد بن جبير عن بن عياض قال انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سليمان فكتبت كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنتها تحت كرسيه ثم أخرجوها بعده فقرءوها على الناس وملخص ما ذكر في تفسير هذه الآية أن المحكي عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين هم أهل الكتاب إذ تقدم قبل ذلك في الآيات إيضاح ذلك والجملة معطوفة على مجموع الجمل السابقة من قوله تعالى ولما جاءهم رسول إلى آخر الآية و ما في قوله ما تتلو الشياطين موصولة على الصواب وغلط من قال أنها نافية لأن نظم الكلام يأباه ونتلو لفظه مضارع لكن هو واقع موقع الماضي وهو استعمال شائع ومعنى تتلو تتقول ولذلك عداه بعلي وقيل معناه تتبع أو تقرأ ويحتاج إلى تقدير قيل هو تقرأ على زمان ملك سليمان وقوله وما كفر سليمان ما نافية جزما وقوله ولكن الشياطين كفروا هذه الواو عاطفة لجملة الاستدراك على ما قبلها وقوله يعلمون الناس السحر الناس مفعول أول والسحر مفعول ثان والجمله حال من فاعل كفروا أي كفروا معلمين وقيل هي بدل من كفروا وقيل استئنافية وهذا على إعادة ضمير يعلمون على الشياطين ويحتمل عوده على الذين اتبعوا فيكون حالا من فاعل اتبعوا أو استئنافا وقوله وما أنزل ما موصولة ومحلها النصب عطفا على السحر والتقدير يعلمون الناس السحر والمنزل على الملكين وقيل الجر عطفا على ملك سليمان أي تقولا على ملك سليمان وعلى ما أنزل وقيل بل هي نافية عطفا على وما كفر سليمان والمعنى ولم ينزل على الملكين إباحة السحر وهذان الإعرابان ينبنيان على ما جاء في تفسير الآية عن البعض والجمهور على خلافه وأنها موصولة ورد الزجاج على الأخفش دعواه أنها نافية وقال الذي جاء في الحديث والتفسير أولى وقوله ببابل متعلق بما أنزل أي في بابل والجمهور على فتح لام الملكين وقرىء بكسرها وهاروت وماروت بدل من الملكين وجرا بالفتحة أو عطف بيان وقيل بل هما بدل من الناس وهو بعيد وقيل من الشياطين على أن هاروت وماروت اسمان لقبيلتين من الجن وهو ضعيف وقوله وما يعلمان من أحد بالتشديد من التعليم وقرىء في الشاذ بسكون العين من الاعلام بناء على أن التضعيف يتعاقب مع الهمزة وذلك أن الملكين لا يعلمان الناس السحر بل يعلمانهم به ونيهيانهم عنه والأول أشه وقد قال على الملكان يعلمان تعليم انذار لا تعليم طلب وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر ومتعلمه كافر وهو واضح في بعض أواعه التي قدمتها وهو التعبد للشياطين أو للكواكب وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلا قال النووي عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات ومنه ما يكون كفرا ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه ولا يقتل فإن تاب قبلت توبته وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر وعن مالك الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق قال عياض وبقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين اه وفي المسألة اختلاف كثير وتفاصيل ليس هذا موضع بسطها وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين إما لتمييز ما فيه كفر من غيره وإما لأزالته عمن وقع فيه فأما الأول فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تسلتزم منعا كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان لأن كيفية ما يعلمه الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل بخلاف تعاطيه والعمل به وأما الثاني فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلا وإلا جاز للمعنى المذكور وسيأتي مزيد لذلك في باب هل يستخرج السحر قريبا والله أعلم وهذا فصل الخطاب في هذه المسألة وفي إيراد المصنف هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر لقوله فيها وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر وكذا قوله في الآية على لسان الملكين إنما نحن فتنة فلا تكفر فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر فيكون العمل به كفرا وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه وقد زعم بعضهم أن السحر لا يصح إلا بذلك وعلى هذا فتسميه ما عدا ذلك سحرا مجاز كإطلاق السحر على القول البليغ وقصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن من حديث بن عمر في مسند أحمد وأطنب الطبري في إيراد طرقها بحيث يقضي بمجموعها على أن للقصة أصلا خلافا لمن زعم بطلانها كعياض ومن تبعه ومحصلها أن الله ركب الشهوة في ملكين من الملائكة اختبارا لهما وأمرهما أن يحكما في الأرض فنزلا على صورة البشر وحكما بالعدل مدة ثم افتتنا بامرأة جميلة فعوقبا بسبب ذلك بأن حبسا في بتر ببابل منكسين وابتليا بالنطق يعلم السحر فصار يقصدهما من يطلب ذلك فلا ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه فإذا أصر تكلما بذلك ليتعلم منهما ذلك وهما قد عرفا ذلك فيتعلم منهما ما قص الله عنهما والله أعلم قوله وقوله تعالى ولا يفلح الساحر حيث أتى في الآية نفى الفلاح عن الساحر وليست فيه دلالة على كفر الساحر مطلقا وأن كثر في القرآن إثبات الفلاح للمؤمن ونفيه عن الكافر لكن ليس فيه ما ينفي نفي الفلاح عن الساحر وكذا العاصي قوله وقوله أفتأتون السحر وأنتم تبصرون هذا يخاطب به كفار قريش يستبعدون كون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا من الله لكونه بشرا من البشر فقال قائلهم منكرا على من اتبعه أفتأتون السحر أي أفتتبعونه حتى تصيروا كمن أتبع السحر وهو يعلم أنه سحر قوله وقوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى هذه الآية عمدة من زعم أن السحر إنما هو تخييل ولا حجة له بها لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل قال أبو بكر الرازي في الأحكام أخبر الله تعالى أن الذي ظنه موسى من أنها تسعى لم يكن سعيا وإنما كان تخييلا وذلك أن عصيهم كانت بحوفة قد ملئت زئبقا وكذلك الحبال كانت من أدم محشوة زئبقا وقد حفروا قبل ذلك أسرابا وجعلوا لها أزواجا وملأوها نارا فلما طرحت على ذلك الموضع وحمى الزئبق حركها لأن من شأن الزئبق إذا أصابته النار أن يطير فلما أثقلته كثافة الحبال والعصي صارت تتحرك بحركته فظن من رآها أنها تسعى ولم تكن تسعى حقيقة قوله ومن شر النفاثات في العقد والنفاثات السواحر هو تفسير الحسن البصري أخرجه الطبري بسند صحيح وذكره أبو عبيدة أيضا في المجاز قال النفاثات السواحر ينفثن وأخرج الطبري أيضا عن جماعة من الصحابة وغيرهم أنه النفث في الرقية وقد تقدم البحث في ذلك في باب الرقية وقد وقع في حديث بن عباس فيما أخرجه البيهقي في الدلائل بسند ضعيف في آخر قصة السحر الذي سحر به النبي صلى الله عليه وسلم أنهم وجدوا وترا فيه إحدى عشرة عقدة وأنزلت سورة الفلق والناس وجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة وأخرجه بن سعد بسند آخر منقطع عن بن عباس أن عليا وعمارا لما بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم لاستخراج السحر وجدا طلعة فيها إحدى عشرة عقدة فذكر نحوه قوله تسحرون تعمون بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الميم المفتوحة وضبط أيضا بسكون العين قال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله تعالى سيقولون الله قل فأنى تسحرون أي كيف تعمون عن هذا وتصدون عنه قال ونراه من قوله سحرت أعيننا عنه فلم نبصره وأخرج في قوله فأنى تسحرون أي تخدعون أو تصرفون عن التوحيد والطاعة قلت وفي هذه الآية إشارة إلى الصنف الأول من السحر الذي قدمته وقال بن عطية السحر هنا مستعار لما وقع منهم من التخليط ووضع الشيء في غير موضعه كما يقع من المسحور والله أعلم

[ 5430 ] قوله حدثنا إبراهيم بن موسى هو الرازي وفي رواية أبي ذر حدثني بالافراد وهشام هو بن عروة بن الزبير قوله عن أبيه وقع في رواية يحيى القطان عن هشام حدثني أبي وقد تقدمت في الجزية وسيأتي في رواية بن عيينة عن بن جريج حدثني آل عروة ووقع في رواية الحميدي عن سفيان عن بن جريج حدثني بعض آل عروة عن عروة وظاهره أن غير هشام أيضا حدث به عن عروة وقد رواه غير عروة عن عائشة كما سأبينه وجاء أيضا من حديث بن عباس وزيد بن أرقم وغيرهما قوله سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق بزاي قبل الراء مصغر قوله يقال له لبيد بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة بن الأعصم بوزن أحمر بمهملتين ووقع في رواية عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عند مسلم سحر النبي صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق ووقع في رواية بن عيينة الآتية قريبا رجل من بني زريق حليف اليهود وكان منافقا ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره وقال بن الجوزي هذا يدل على أنه كان أسلم نفاقا وهو واضح وقد حكى عياض في الشفاء أنه كان أسلم ويحتمل أن يكون قيل له يهودي لكونه كان من حلفائهم لا أنه كان على دينهم وبنو زريق بطن من الأنصار مشهور من الخزرج وكان بين كثير من الأنصار وبين كثير من اليهود قبل الإسلام حلف وإخاء وود فلما جاء الإسلام ودخل الأنصار فيه تبرءوا منهم وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر أخرجه عنه بن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم وكان حليفا في بني زريق وكان ساحرا فقالوا له يا أبا الأعصم أنت أسحرنا وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه فجعلوا له ثلاثة دنانير ووقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي فأقام أربعين ليلة وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد ستة أشهر ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه والأربعين يوما من استحكامه وقال السهيلي لم أنف في شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها في السحر حتى ظفرت به في جامع معمر عن الزهري أنه لبث ستة أشهر كذا قال وقد وجدناه موصولا بإسناد الصحيح فهو المعتمد قوله حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله قال المازري أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها قالوا وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثم وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء قال المازري وهذا كله مردود لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ والمعجزات شاهدات بتصديقه فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين قال وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطىء زوجاته ولم يكن وطأهن وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة قلت وهذا قد ورد صريحا في رواية بن عيينة في الباب الذي يلي هذا ولفظه حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وفي رواية الحميدي أنه يأتي أهله ولا يأتيهم قال الداودي يرى بضم أوله أي يظن وقال بن التين ضبطت يرى بفتح أوله قلت وهو من الرأي لا من الرؤية فيرجع إلى معنى الظن وفي مرسل يحيى بن يعمر عند عبد الرزاق سحر النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة حتى أنكر بصره وعنده في مرسل سعيد بن المسيب حتى كاد ينكر بصره قال عياض فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده قلت ووقع في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند بن سعد فقالت أخت لبيد بن الأعصم أن يكن نبيا فسيخبر وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله قلت فوقع الشق الأول كما في هذا الحديث الصحيح وقد قال بعض العلماء لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت فلا يبقى على هذا للملحد حجة وقال عياض يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود ويكون قوله في الرواية الأخرى حتى كاد ينكر بصره أي صار كالذي أنكر بصره بحيث أنه إذا رأى الشيء يخيل أنه على غير صفته فإذا تأمله عرف حقيقته ويؤيد جميع ما تقدم أنه لم ينقل عنه في خبر من الأخبار أنه قال قولا فكان بخلاف ما أخبر به وقال المهلب صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده فقد مضى في الصحيح أن شيطانا أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام أو عجز عن بعض الفعل أو حدوث تخيل لا يستمر بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين واستدل بن القصار على أن الذي أصابه كان من جنس المرض بقوله في آخر الحديث أما أنا فقد شفاني الله وفي الاستدلال بذلك نظر لكن يؤيد المدعي أن في رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي في الدلائل فكان يدور ولا يدري ما وجعه وفي حديث بن عباس عند بن سعد مرض النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عن النساء والطعام والشراب فهبط عليه ملكان الحديث قوله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة شك من الراوي وأظنه من البخاري لأنه أخرجه في صفة إبليس من بدء الخلق فقال حتى كان ذات يوم ولم يشك ثم ظهر لي أن الشك فيه من عيسى بن يونس وأن إسحاق بن راهويه في مسنده عنه على الشك ومن طريقه أخرجه أبو نعيم فيحمل الجزم الماضي على أن إبراهيم بن موسى شيخ البخاري حدثه به تارة بالجزم وتارة بالشك ويؤيده ما سأذكره من الاختلاف عنه وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أن يخرج الحديث تاما بإسناد واحد بلفظين ووقع في رواية أبي أسامة الآتية قريبا ذات يوم بغير شك وذات بالنصب ويجوز الرفع ثم قيل أنها مقحمة وقيل بل هي من إضافة الشيء لنفسه على رأي من يجيزه قوله وهو عندي لكنه دعا ودعا كذا وقع وفي الرواية الماضية في بدء الخلق حتى كان ذات يوم دعا ودعا وكذا علقه المصنف لعيسى بن يونس في الدعوات ومثله في رواية الليث قال الكرماني يحتمل أن يكون هذا الاستدراك من قولها عندي أي لم يكن مشتغلا بي بل اشتغل بالدعاء ويحتمل أن يكون من التخيل أي كان السحر أضره في بدنه لا في عقله وفهمه بحيث أنه توجه إلى الله ودعا على الوضع الصحيح والقانون المستقيم ووقع في رواية بن نمير عند مسلم فدعا ثم دعا ثم دعا وهذا هو المعهود منه أنه كان يكرر الدعاء ثلاثا وفي رواية وهيب عند أحمد وابن سعد فرأيته يدعو قال النووي فيه استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات وتكريره والالتجاء إلى الله تعالى في دفع ذلك قلت سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب ففي أول الأمر فوض وسلم لأمر ربه فاحتسب الأجر في صبره على بلائه ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعفه عن فنون عبادته جنح إلى التداوي ثم إلى الدعاء وكل من المقامين غاية في الكمال قوله اشعرت أي علمت وهي رواية بن عيينة كما في الباب الذي بعده قوله أفناني فيما استفتيته في رواية الحميدي أفناني في أمر استفتيته فيه أي أجابني فيما دعوته فأطلق على الدعاء استفتاء لأن الداعي طالب والمجيب مفت أو المعنى أجابني بما سألته عنه لأن دعاءه كان أن يطلعه الله على حقيقة ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر ووقع في رواية عمرة عن عائشة أن الله أنبأني بمرضي أي أخبرني قوله أتاني رجلان وقع في رواية أبي أسامة قلت وما ذاك قال أتاني رجلان ووقع في رواية معمر عند أحمد ومرجأ بن رجاء عند الطبراني كلاهما عن هشام أتاني ملكان وسماهما بن سعد في رواية منقطعة جبريل وميكائيل وكنت ذكرت في المقدمة ذلك احتمالا قوله فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي لم يقع لي أيهما قعد عند رأسه لكنني أظنه جبريل لخصوصيته به عليهما السلام ثم وجدت في السيرة للدمياطي الجزم بأنه جبريل قال لأنه أفضل ثم وجدت في حديث زيد بن أرقم عند النسائي وابن سعد وصححه الحاكم وعبد بن حميد سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما فأتاه جبريل فقال أن رجلا من اليهود سحرك عقد لك عقدا في بئر كذا فدل مجموع الطرق على أن المسئول هو جبريل والسائل ميكائيل قوله فقال أحدهما لصاحبه في رواية بن عيينة الآتية بعد باب فقال الذي عند رأسي للآخر وفي رواية الحميدي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي وكأنها أصوب وكذا هو في حديث بن عباس عند البيهقي ووقع بالشك في رواية بن نمير عند مسلم قوله ما وجع الرجل كذا للأكثر وفي رواية بن عيينة ما بال الرجل وفي حديث بن عباس عند البيهقي ما ترى وفيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام إذ لو جاء إليه في اليقظة لخاطباه وسألاه ويحتمل أن يكون كان بصفة النائم وهو يقظان فتخاطبا وهو يسمع وأطلق في رواية عمرة عن عائشة أنه كان نائما وكذا في رواية بن عيينة عند الإسماعيلي فانتبه من نومه ذات يوم وهو محمول على ما ذكرت وعلى تقدير حملها على الحقيقة فرؤيا الأنبياء وحي ووقع في حديث بن عباس عند بن سعد بسند ضعيف جدا فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان قوله فقال مطبوب أي مسحور يقال طب الرجل بالضم إذا سحر يقال كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا كما قالوا للديغ سليم وقال بن الأنباري الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب والسحر من الداء ويقال له طب وأخرج أبو عبيد من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى قال احتجم النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه بقرن حين طب قال أبو عبيد يعني سحر قال بن القيم بنى النبي صلى الله عليه وسلم الأمر أولا على أنه مرض وأنه عن مادة مالت إلى الدماغ وغلبت على البطن المقدم منه فغيرت مزاجه فرأى استعمال الحجامة لذلك مناسبا فلما أوحى إليه أنه سحر عدل إلى العلاج المناسب له وهو استخراجه قال ويحتمل أن مادة السحر انتهت إلى إحدى قوي الرأس حتى صار يخيل إليه ما ذكر فإن السحر قد يكون من تأثير الأرواح الخبيثة وقد يكون من انفعال الطبيعة وهو أشد السحر واستعمال الحجم لهذا الثاني نافع لأنه إذا هيج الأخلاط وظهر أثره في عضو كان استفراغ المادة الخبيثة نافعا في ذلك وقال القرطبي إنما قيل للسحر طب لأن أصل الطب الحذق بالشيء والتفطن له فلما كان كل من علاج المرض والسحر إنما يتأتى عن فطنة وحذق أطلق على كل منهما هذا الاسم قوله في مشط ومشاطة أما المشط فهو بضم الميم ويجوز كسرها أثبته أبو عبيد وأنكره أبو زيد وبالسكون فيهما وقد يضم ثانيه مع ضم أوله فقط وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية وهذا هو المشهور ويطلق المشط بالاشتراك على أشياء أخرى منها العظم العريض في الكتف وسلاميات ظهر القدم ونبت صغير يقال له مشط الذنب قال القرطبي يحتمل أن يكون الذي سحر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحد هذه الأربع قلت وفاته آلة لها أسنان وفيها هراوة يقبض عليها ويغطى بها الإناة قال بن سيده في المحكم أنها تسمى المشط والمشط أيضا سمة من سمات البعير تكون في العين والفخذ ومع ذلك فالمراد بالمشط هنا هو الأول فقد وقع في رواية عمرة عن عائشة فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مراطة رأسه وفي حديث بن عباس من شعر رأسه ومن أسنان مشطه وفي مرسل عمر بن الحكم فعمد إلى مشط وما مشط من الرأس من شعر فعقد بذلك عقدا قوله ومشاطة سيأتي بيان الاختلاف هل هي بالطاء أو القاف في آخر الكلام على هذا الحديث حيث بينه المصنف قوله وجف طلع نخلة ذكر قال عياض وقع للجرجاني يعني في البخاري والعذري يعني في مسلم بالفاء ولغيرهما بالموحدة قلت أما رواية عيسى بن يونس هنا فوقع للكشميهني بالفاء ولغيره بالموحدة وأما روايته في بدء الخلق فالجميع بالفاء وكذا في رواية بن عيينة للجميع وللمستعلي في رواية أبي أسامة بالموحدة وللكشميهني بالفاء وللجميع في رواية أبي ضمرة في الدعوات بالفاء قال القرطبي روايتنا يعني في مسلم بالفاء وقال النووي في أكثر نسخ بلادنا بالباء يعني في مسلم وفي بعضها بالفاء وهما بمعنى واحد وهو الغشاء الذي يكون على الطلع ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده بالذكر في قوله طلعة ذكر وهو بالإضافة انتهى ووقع في روايتنا هنا بالتنوين فيهما على أن لفظ ذكر صفة لجف وذكر القرطبي أن الذي بالفاء هو وعاء الطلع وهو للغشاء الذي يكون عليه وبالموحدة داخل الطلعة إذا خرج منها الكفري قاله شمر قال ويقال أيضا لداخل الركية من أسفلها إلى أعلاها جف وقيل هو من القطع يعني ما قطع من قشورها وقال أبو عمرو الشيباني الجف بالفاء شيء ينقر من جذوع النخل قوله قال وأين هو قال هو في بئر ذروان زاد بن عيينة وغيره تحت راعوفة وسيأتي شرحها بعد باب وذروان بفتح المعجمة وسكون الراء وحكى بن التين فتحها وأنه قرأه كذلك قال ولكنه بالسكون أشبه وفي رواية بن نمير عند مسلم في بئر ذي أروان ويأتي في رواية أبي ضمرة في الدعوات مثله وفي نسخة الصغاني لكن بغير لفظ بئر ولغيره في ذروان وذروان بئر في بني زريق فعلى هذا فقوله بئر ذروان من إضافة الشيء لنفسه ويجمع بينهما وبين رواية بن نمير بأن الأصل بئر ذي أروان ثم لكثرة الاستعمال سهلت الهمزة فصارت ذروان ويؤيده أن أبا عبيد البكري صوب أن اسم البئر أروان بالهمز وأن من قال ذروان أخطأ وقد ظهر أنه ليس بخطأ على ما وجهته ووقع في رواية أحمد عن وهيب وكذا في روايته عن بن نمير بئر أروان كما قال البكري فكأن رواية الأصيلي كانت مثلها فسقطت منها الراء ووقع عند الأصيلي فيما حكاه عياض في بئر ذي أوان بغير راء قال عياض وهو وهم فإن هذا موضع آخر على ساعة من المدينة وهو الذي بني فيه مسجد الضرار قوله فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من اصحابه وقع في حديث بن عباس عند بن سعد فبعث إلى علي وعمار فأمرهما أن يأتيا البئر وعنده في مرسل عمر بن الحكم فدعا جبير بن إياس الزرقي وهو ممن شهد بدرا فدله على موضعه في بئر ذروان فاستخرجه قال ويقال الذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي ويجمع بأنه أعان جبيرا على ذلك وباشره بنفسه فنسب إليه وعند بن سعد أيضا أن الحارث بن قيس قال يا رسول الله ألا يهور البئر فيمكن تفسير من أبهم بهؤلاء أو بعضهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم وجههم أولا ثم توجه فشاهدها بنفسه قوله فجاء فقال يا عائشة في رواية وهيب فلما رجع قال يا عائشة ونحوه في رواية أبي أسامة ولفظه فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى البئر فنظر إليها ثم رجع إلى عائشة فقال وفي رواية عمرة عن عائشة فنزل رجل فاستخرجه وفيه من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالا من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه أبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرا آية انحلت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ثم يجد بعدها راحة وفي حديث بن عباس نحوه كما تقدم التنبيه عليه وفي حديث زيد بن أرقم الذي أشرت إليه عند عبد بن حميد وغيره فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وفيه فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام كأنما نشط من عقال وعند بن سعد من طريق عمر مولى غفرة مغضلا فاستخرج السحر من الجف من تحت البئر ثم نزعه فحله فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله كأن ماءها في رواية بن نمير والله لكأن ماءها أي البئر نقاعة الحناء بضم النون وتخفيف القاف والحناء معروف وهو بالمد أي أن لون ماء البئر لون الماء الذي ينقع فيه الحناء قال بن التين يعني أحمر وقال الداودي المراد الماء الذي يكون من غسالة الإناء الذي تعجن فيه الحناء قلت ووقع في حديث زيد بن أرقم عند بن سعد وصححه الحاكم فوجد الماء وقد اخضر وهذا يقوي قول الداودي قال القرطبي كأن ماء البئر قد تغير إما لردائه بطول إقامته وإما لما خالطه من الأشياء التي ألقيت في البئر قلت ويرد الأول أن عند بن سعد في مرسل عبد الرحمن بن كعب أن الحارث بن قيس هور البئر المذكورة وكان يستعذب منها وحفر بئرا أخرى فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرها قوله وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين كذا هنا وفي الرواية التي في بدء الخلق نخلها كأنه رءوس الشياطين وفي رواية بن عيينة وأكثر الرواة عن هشام كأن نخلها بغير ذكر رءوس أولا والتشبيه إنما وقع على رءوس النخل فلذلك أفصح به في رواية الباب وهو مقدر في غيرها ووقع في رواية عمرة عن عائشة فإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رءوس الشياطين وقد وقع تشبيه طلع شجرة الزقوم في القرآن برءوس الشياطين قال الفراء وغيره يحتمل أن يكون شبة طلعها في قبحه برءوس الشياطين لأنها موصوفة بالقبح وقد تقرر في اللسان أن من قال فلان شيطان أراد أنه خبيث أو قبيح وإذا قبحوا مذكرا قالوا شيطان أو مؤنثا قالوا غول ويحتمل أن يكون المراد بالشياطين الحيات والعرب تسمي بعض الحيات شيطانا وهو ثعبان قبيح الوجه ويحتمل أن يكون المراد نبات قبيح قيل إنه يوجد باليمن قوله قلت يا رسول الله أفلا استخرجته في رواية أبي أسامة فقال لا ووقع في رواية بن عيينة أنه استخرجه وأن سؤال عائشة إنما وقع عن النشرة فأجابها بلا وسيأتي بسط القول فيه بعد باب قوله فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا في رواية الكشميهني سوءا ووقع في رواية أبي أسامة أن أثور بفتح المثلثة وتشديد الواو وهما بمعنى والمراد بالناس التعميم في الموجودين قال النووي خشي من إخراجه وإشاعته ضررا على المسلمين من تذكر السحر وتعلمه ونحو ذلك وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة ووقع في رواية بن نمير على أمتي وهو قابل أيضا للتعميم لأن الأمة تطلق على أمة الإجابة وأمة الدعوة وعلى ما هو أعم وهو يرد على من زعم أن المراد بالناس هنا لبيد بن الأعصم لأنه كان منافقا فأراد صلى الله عليه وسلم أن لا يثير عليه شرا لأنه كان يؤثر الاغضاء عمن يظهر الإسلام ولو صدر منه ما صدر وقد وقع أيضا في رواية بن عيينة وكرهت أن أثير على أحد من الناس شرا نعم وقع في حديث عمرة عن عائشة فقيل يا رسول الله لو قتلته قال ما وراءه من عذاب الله أشد وفي رواية عمرة فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه وفي حديث زيد بن أرقم فما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك اليهودي شيئا مما صنع به ولا رآه في وجهه وفي مرسل عمر بن الحكم فقال له ما حملك على هذا قال حب الدنانير وقد تقدم في كتاب الجزية قول بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله وأخرج بن سعد من مرسل عكرمة أيضا أنه لم يقتله ونقل عن الواقدي أن ذلك أصح من رواية من قال إنه قتله ومن ثم حكى عياض في الشفاء قولين هل قتل أم لم يقتل وقال القرطبي لا حجة على مالك من هذه القصة لأن ترك قتل لبيد بن الأعصم كان لخشية أن يثير بسبب قتله فتنة أو لئلا ينفر الناس عن الدخول في الإسلام وهو من جنس ما راعاه النبي صلى الله عليه وسلم من منع قتل المنافقين حيث قال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه قوله فأمر بها أي بالبئر فدفنت وهكذا وقع في رواية بن نمير وغيره عن هشام وأورده مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام عقب رواية بن نمير وقال لم يقل أبو أسامة في روايته فأمر بها فدفنت قلت وكأن شيخه لم يذكرها حين حدثه وإلا فقد أوردها البخاري عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة كما في الباب بعده وقال في آخره فأمر بها فدفنت وقد تقدم أن في مرسل عبد الرحمن بن كعب أن الحارث بن قيس هورها قوله تابعه أبو أسامة هو حماد بن أسامة وتأتي روايته موصولة بعد بابين قوله وأبو ضمرة هو أنس بن عياض وستأتي روايته موصولة في كتاب الدعوات قوله وابن أبي الزناد هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان ولم أعرف من وصلها بعد قوله وقال الليث وابن عيينة عن هشام في مشط ومشاطة كذا لأبي ذر ولغيره ومشاقة وهو الصواب وإلا لاتحدت الروايات ورواية الليث تقدم ذكرها في بدء الخلق ورواية بن عيينة تأتي موصولة بعد باب وذكر المزي في الأطراف تبعا لخلف أن البخاري أخرجه في الطب عن الحميدي وعن عبد الله بن محمد كلاهما عن بن عيينة وطريق الحميدي ما هي في الطب في شيء من النسخ التي وقفت عليها وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق الحميدي وقال بعده أخرجه البخاري عن عبيد الله بن محمد لم يزد على ذلك وكذا لم يذكر أبو مسعود في أطرافه الحميدي والله أعلم قوله ويقال المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط هذا لا اختلاف فيه بين أهل اللغة قال بن قتيبة المشاطة ما يخرج من الشعر الذي سقط من الرأس إذا سرح بالمشط وكذا من اللحية قوله والمشاطة من مشاطة الكتان كذا لأبي ذر كأن المراد أن اللفظ مشترك بين الشعر إذا مشط وبين الكتان إذا سرح ووقع في رواية غير أبي ذر والمشاقة وهو أشبه وقيل المشاقة هي المشاطة بعينها والقاف تبدل من الطاء لقرب المخرج والله أعلم

قوله باب الشرك والسحر من الموبقات أي المهلكات

[ 5431 ] قوله اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر هكذا أورد الحديث مختصرا وحذف لفظ العدد وقد تقدم في كتاب الوصايا بلفظ اجتنبوا السبع الموبقات وساق الحديث بتمامه ويجوز نصب الشرك بدلا من السبع ويجوز الرفع على الاستئناف فيكون خبر مبتدأ محذوف والنكتة في اقتصاره على اثنتين من السبع هنا الرمز إلى تأكيد أمر السحر فظن بعض الناس أن هذا القدر هو جملة الحديث فقال ذكر الموبقات وهي صيغة جمع وفسرها باثنتين فقط وهو من قبيل قوله تعالى فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا فاقتصر على اثنتين فقط وهذا على أحد الأقول في الآية ولكن ليس الحديث كذلك فإنه في الأصل سبعة حذف البخاري منها خمسة وليس شأن الآية كذلك وقال بن مالك تضمن هذا الحديث حذف المعطوف للعلم به فإن التقدير اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر وأخواتهما وجاز الحذف لأن الموبقات سبع وقد ثبتت في حديث آخر واقتصر في هذا الحديث على ثنتين منها تنبيها على أنهما أحق بالاجتناب ويجوز رفع الشرك والسحر على تقدير منهن قلت وظاهر كلامه يقتضي أن الحديث ورد هكذا تارة وتارة ورد بتمامه وليس كذلك وإنما الذي اختصره البخاري نفسه كعادته في جواز الاقتصار على بعض الحديث وقد أخرجه المصنف في كتاب الوصايا في باب قول الله عز وجل أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما عن عبد العزيز بن عبد الله شيخه في هذا الحديث بهذا الإسناد وساقها سبعا فذكر بعد السحر وقتل النفس الخ وأعاده في أواخر كتاب المحاربين بهذا الإسناد بعينه بتمامه وأغفل المزي في الأطراف ذكر هذا الموضع في ترجمة سالم أبي الغيث عن أبي هريرة

قوله باب هل يستخرج السحر كذا أورد الترجمة بالاستفهام إشارة إلى الاختلاف وصدر بما نقله عن سعيد بن المسيب من الجواز إشارة إلى ترجيحه قوله وقال قتادة قلت لسعيد بن المسيب الخ وصله أبو بكر الأثرم في كتاب السنن من طريق أبان العطار عن قتادة ومثله من طريق هشام الدستوائي عن قتادة بلفظ يلتمس من يداويه فقال إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع وأخرجه الطبري في التهذيب من طريق يزيد بن زريع عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه فقال هو صلاح قال قتادة وكان الحسن يكره ذلك يقول لا يعلم ذلك إلا ساحر قال فقال سعيد بن المسيب إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع وقد أخرج أبو داود في المراسيل عن الحسن رفعه النشرة من عمل الشيطان ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن عن جابر قال بن الجوزي النشرة حل السحر عن المسحور ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال لا بأس به وهذا هو المعتمد ويجاب عن الحديث والأثر بأن قوله النشرة من عمل الشيطان إشارة إلى أصلها ويختلف الحكم بالقصد فمن قصد بها خيرا كان خيرا وإلا فهو شر ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعويذ ولكن يحتمل أن تكون النشرة نوعين قوله به طب بكسر الطاء أي سحر وقد تقدم توجيهه قوله أو يؤخذ بفتح الواو مهموز وتشديد الخاء المعجمة وبعدها معجمة أي يحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها والأخذة بضم الهمزة هي الكلام الذي يقوله الساحر وقيل خرزة يرقى عليها أو هي الرقية نفسها قوله أو يحل عنه بضم أوله وفتح المهملة قوله أو ينشر بتشديد المعجمة من النشرة بالضم وهي ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرا أو مسا من الجن قيل لها ذلك لأنه يكشف بها عنه ما خالطه من الداء ويوافق قول سعيد بن المسيب ما تقدم في باب الرقية في حديث جابر عند مسلم مرفوعا من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ويؤيد مشروعية النشرة ما تقدم في حديث العين حق في قصة اغتسال العائن وقد أخرج عبد الرزاق من طريق الشعبي قال لا بأس بالنشرة العربية التي إذا وطئت لا تضره وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاه فيأخذ عن يمينه وعن شماله من كل ثم يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به وذكر بن بطال أن في كتب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقوافل ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل به فإنه يذهب عند كل ما به وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله وممن صرح بجواز النشرة المزني صاحب الشافعي وأبو جعفر الطبري وغيرهما ثم وقفت على صفة النشرة في كتاب الطب النبوي لجعفر المستغفري قال وجدت في خط نصوح بن واصل على ظهر جزء من تفسير قتيبة بن أحمد البخاري قال قال قتادة لسعيد بن المسيب رجل به طب أخذ عن امرأته أيحل له أن ينشر قال لا بأس إنما يريد به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه قال نصوح فسألني حماد بن شاكر ما الحل وما النشرة فلم أعرفهما فقال هو الرجل إذا لم يقدر على مجامعة أهله وأطاق ما سواها فإن المبتلي بذلك يأخذ حزمة قضبان وفاسا ذا قطارين ويضعه في وسط تلك الحزمة ثم يؤجج نارا في تلك الحزمة حتى إذا ما حمى الفأس استخرجه من النار وبال على حره فإنه يبرأ بإذن الله تعالى وأما النشرة فإنه يجمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورد المفاره وورد البساتين ثم يلقيها في إناء نظيف ويجعل فيهما ماء عذبا ثم يغلي ذلك الورد في الماء غليا يسيرا ثم يمهل حتى إذا فتر الماء أفاضه عليه فإنه يبرأ بإذن الله تعالى قال حاشاد تعلمت هاتين الفائدتين بالشام قلت وحاشد هذا من رواة الصحيح عن البخاري وقد أغفل المستغفري أن أثر قتادة هذا علقه البخاري في صحيحه وأنه وصله الطبري في تفسيره ولو أطلع على ذلك ما اكتفى بعزوه إلى تفسير قتيبة بن أحمد بغير إسناد وأغفل أيضا أثر الشعبي في صفته وهو أعلى ما اتصل بنا من ذلك ثم ذكر حديث عائشة في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق شرحه مستوفي قريبا وقوله فيه قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر سفيان هو بن عيينة وهو موصول بالسند المذكور ولم أقف على كلام سفيان هذا في مسند الحميدي ولا بن أبي عمر ولا غيرهما والله أعلم قوله في جف طلعة ذكر تحت رعوفة في رواية الكشميهني راعوفة بزيادة ألف بعد الراء وهو كذلك لأكثر الرواة وعكس بن التين وزعم أن راعوفة للأصيلي فقط وهو المشهور في اللغة وفي لغة أخرى أرعوفة ووقع كذلك في مرسل عمر بن الحكم ووقع في رواية معمر عن هشام بن عروة عند أحمد تحت رعوثة بمثلثة بدل الفاء وهي لغة أخرى معروفة ووقع في النهاية لابن الأثير أن في رواية أخرى زعوبة بزاي وموحدة وقال هي بمعنى راعوفة اه والراعوفة حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي وقد يكون في أسفل البئر قال أبو عبيد هي صخرة تنزل في أسفل البئر إذا حفرت يجلس عليها الذي ينظف البئر وهو حجر يوجد صلبا لا يستطاع نزعه فيترك واختلف في اشتقاقها فقيل لتقدمها وبروزها يقال جاء فلان يرعف الخيل أي يتقدمها وذكر الأزهري في تهذيبه عن شمر قال راعوفة البئر النظافة وهي مثل عين على قر حجر العقرب في أعلى الركية فيجاوز في الحفر خمس قيم وأكثر فربما وجدوا ماء كثيرا قال شمر فمن ذهب بالراعوفة إلى النظافة فكأنه أخذه من رعاف الأنف ومن ذهب بالراعوفة إلى الحجر الذي يتقدم طي البئر فهو من رعف الرجل إذا سبق قلت وتنزيل الراعوفة على الأخير واضح بخلاف الأول والله أعلم

[ 5432 ] قوله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه إلى أن قال فاستخرج كذا وقع في رواية بن عيينة وفي رواية عيسى بن يونس قلت يا رسول الله أفلا استخرجته وفي رواية وهيب قلت يا رسول الله فأخرجه للناس وفي رواية بن نمير أفلا أخرجته قال لا وكذا في رواية أبي أسامة التي بعد هذا الباب قال بن بطال ذكر المهلب أن الرواة اختلفوا على هشام في إخراج السحر المذكور فأثبته سفيان وجعل سؤال عائشة عن النشرة ونفاه عيسى بن يونس وجعل سؤالها عن الاستخراج ولم يذكر الجواب وصرح به أبو أسامة قال والنظر يقتضي ترجيح رواية سفيان لتقدمه في الضبط ويؤيده أن النشرة لم تقع في رواية أبي أسامة والزيادة من سفيان مقبولة لأنه أثبتهم ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين فيبعد من الوهم وزاد ذكر النشرة وجعل جوابه صلى الله عليه وسلم عنها بلا بدلا عن الاستخراج قال ويحتمل وجها آخر فذكر ما محصله أن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان فالمثبت هو استخراج الجف والمنفي استخراج ما حواه قال وكأن السر في ذلك أن لا يراه الناس فيتعلمه من أراد استعمال السحر قلت وقع في رواية عمرة فاستخرج جف طلعة من تحت راعوفة وفي حديث زيد بن أرقم فأخرجوه فرموا به وفي مرسل عر بن الحكم أن الذي أستخرج السحر قيس بن محصن وكل هذا لا يخالف الحمل المذكور لكن في آخر رواية عمرة وفي حديث بن عباس أنهم وجدوا وترا فيه عقد وأنها انحلت عند قراءة المعوذتين ففيه إشعار باستكشاف ما كان داخل الجف فلو كان ثابتا لقدح في الجمع المذكور لكن لا يخلو إسناد كل منهما من ضعف تنبيه وقع في رواية أبي أسامة مخالفة في لفظة آخرى فرواية البخاري عن عبيد بن إسماعيل عنه أفلا أخرجته وهكذا أخرجه أحمد عن أبي أسامة ووقع عند مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة أفلا أحرقته بحاء مهملة وقاف وقال النووي كلا الروايتين صحيح كأنها طلبت أنه يخرجه ثم يحرقه قلت لكن لم يقعا معا في رواية واحدة وإنما وقعت اللفظة مكان اللفظة وانفرد أبو كريب بالرواية التي بالمهملة والقاف فالجاري على القواعد أن روايته شاذة وأغرب القرطبي فجعل الضمير في أحرقته للبيد بن أعصم قال واستفهمته عائشة عن ذلك عقوبة له على ما صنع من السحر فأجابها بالامتناع ونبه على سببه وهو خوف وقوع شر بينهم اليهود لأجل العهد فلو قتله لثارت فتنة كذا قال ولا أدري ما وجه تعين قتله بالاحراق وإن لو سلم أن الرواية ثابتة وأن الضمير له قوله قالت فقلت أفلا أي تنشرت وقع في رواية الحميدي فقلت يا رسول الله فهلا قال سفيان بمعنى تنشرت فبين الذي فسر المراد بقولها أفلا كأنه لم يستحضر اللفظة فذكره بالمعنى وظاهر هذا اللفظة أنه من النشرة وكذا وقع في رواية معمر عن هشام عند أحمد فقالت عائشة لو أنك تعني تنشر وهو مقتضي صنيع المصنف حيث ذكر النشرة في الترجمة ويحتمل أن يكون من النشر بمعنى الإخراج فيوافق رواية من رواه بلفظ فهلا أخرجته ويكون لفظ هذه الرواية هلا استخرجت وحذف المفعول للعلم به ويكون المراد بالمخرج ما حواه الجف لا الجف نفسه فيتأيد الجمع المقدم ذكره تكميل قال بن القيم من أنفع الأدوية وأقوى ما يوجد من النشرة مقاومة السحر الذي هو من تأثيرات الأرواح الخبيثة بالأدوية الإلهية من الذكر والدعاء والقراءة فالقلب إذا كان ممتلئا من الله معمورا بذكره وله ورد من الذكر والدعاء والتوجه لا يخل به كان ذلك من أعظم الأسباب المانعة من إصابة السحر له قال وسلطان تأثير السحر هو في القلوب الضعيفة ولهذا غالب ما يؤثر في النساء والصبيان والجهال لأن الأرواح الخبيثة إنما تنشط على أرواح تلقاها مستعدة لما يناسبها انتهى ملخصا ويعكر عليه حديث الباب وجواز السحر على النبي صلى الله عليه وسلم مع عظيم مقامه وصدق توجهه وملازمة ورده ولكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن الذي ذكره محمول على الغالب وأن ما وقع به صلى الله عليه وسلم لبيان تجويز ذلك والله أعلم

قوله باب السحر كذا وقع هنا للكثير وسقط لبعضهم وعليه جرى بن بطال والإسماعيلي وغيرهما وهو الصواب لأن الترجمة قد تقدمت بعينها قبل ببابين ولا يعهد ذلك للبخاري إلا نادرا عند بعض دون بعض وذكر حديث عائشة من رواية أبي أسامة فاقتصر الكثير منه على بعضه من أوله إلى

[ 5433 ] قوله يفعل الشيء وما فعله وفي رواية الكشميهني أنه فعل الشيء وما فعله ووقع سياق الحديث بكماله في رواية الكشميهني والمستملي وكذا صنع النسفي وزاد في آخره طريق يحيى القطان عن هشام إلى قوله صنع شيئا ولم يصنعه وقد تقدم سندا ومتنا لغيره في كتاب الجزية وأغفل المزي في الأطراف ذكرها هنا وذكر هنا رواية الحميدي عن سفيان ولم أرها ولا ذكرها أبو مسعود في أطرافه واستدل بهذا الحديث على أن الساحر لا يقتل حدا إذا كان له عهد وأما ما أخرجه الترمذي من حديث جندب رفعه قال حد الساحر ضربه بالسيف ففي سنده ضعف فلو ثبت لخص منه من له عهد وتقدم في الجزية من رواية بجالة أن عمر كتب إليهم أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وزاد عبد الرزاق عن بن جريج عن عمرو بن دينار في روايته عن بجالة فقتلنا ثلاث سواحر أخرج البخاري أصل الحديث دون قصة قتل السواحر قال بن بطال لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك والزهري إلا أن يقتل بسحره فيقتل وهو قول أبي حنيفة والشافعي وعن مالك إن أدخل بسحره ضررا على مسلم لم يعاهد عليه نقض العهد بذلك فيحل قتله وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم لأنه كان لا ينتقم لنفسه ولأنه خشي إذا قتله أن تثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفائه من الأنصار وهو من نمط ما راعاه من ترك قتل المنافقين سواء كان لبيد يهوديا أو منافقا على ما مضى من الاختلاف فيه قال وعند مالك أن حكم الساحر حكم الزنديق فلا تقبل توبته ويقتل حدا إذا ثبت عليه ذلك وبه قال أحمد وقال الشافعي لا يقتل إلا إن اعترف أنه قتل بسحره فيقتل به فإن اعترف أن سحره قد يقتل وقد لا يقتل وأنه سحره وأنه مات لم يجب عليه القصاص ووجبت الدية في ماله لا على عاقلته ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة وادعى أبو بكر الرازي في الأحكام أن الشافعي تفرد بقوله إن الساحر يقتل قصاصا إذا اعترف أنه قتله بسحره والله أعلم قال النووي إن كان في السحر قول أو فعل يقتضي الكفر كفر الساحر وتقبل توبته إذا تاب عندنا وإذا لم يكن في سحره ما يقتضي الكفر عزر واستتيب

قوله باب أن من البيان سحرا في رواية الكشميهني والاصيلي السحر

[ 5434 ] قوله قدم رجلان لم أقف على تسميتهما صريحا وقد زعم جماعة أنها الزبرقان بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبالقاف واسمه الحصين ولقب الزبرقان لحسنه والزبرقان من أسماء القمر وهو بن بدر بن امرئ القيس بن خلف وعمرو بن الأهتم واسم الأهتم سنان بن سمي يجتمع مع الزبرقان في كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم فهما تميميان قدما في وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة واستندوا في تعيينهما إلى ما أخرجه البيهقي في الدلائل وغيره من طريق مقسم عن بن عباس قال جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم ففخر الزبرقان فقال يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم وآخذ منهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهتم فقال عمرو أنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أذنيه فقال الزبرقان والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال وما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو أنا أحسدك والله يا رسول الله أنه لئيم الخال حديث المال أحمق الوالد مضيع في العشيرة والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الآخرة ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أن من البيان سحرا وأخرجه الطبراني من حديث أبي بكرة قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وفد بني تميم عليهم قيس بن عاصم والزبرقان وعمرو بن الأهتم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو ما تقول في الزبرقان فذكر نحوه وهذا لا يلزم منه أن يكون الزبرقان وعمرو هما المراد بحديث بن عمر فإن المتكلم إنما هو عمرو بن الأهتم وحده وكان كلامه في مراجعته الزبرقان فلا يصح نسبة الخطبة إليهما إلا على طريق التجوز قوله من المشرق أي من جهة المشرق وكانت سكنى بني تميم من جهة العراق وهي في شرقي المدينة قوله فخطبا فعجب الناس لبيانهما قال الخطابي البيان اثنان أحدهما ما تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان والآخر ما دخلته الصنعة بحيث يروق للسامعين ويستميل قلوبهم وهو الذي يشبه بالسحر إذا خلب القلب وغلب على النفس حتى يحول الشيء عن حقيقته ويصرفه عن جهته فيلوح للناظر في معرض غيره وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح وإذا صرف إلى الباطل يذم قال فعلى هذا فالذي يشبه بالسحر منه هو المذموم وتعقب بأنه لا مانع من تسمية الآخر سحرا لأن السحر يطلق على الاستمالة كما تقدم تقريره في أول باب السحر وقد حمل بعضهم الحديث على المدح والحث على تحسين الكلام وتحبير الألفاظ وهذا واضح إن صح أن الحديث ورد في قصة عمرو بن الأهتم وحمله بعضهم على الذم لم تصنع في الكلام وتكلف لتحسينه وصرف الشيء عن ظاهره فشبه بالسحر الذي هو تخييل لغير حقيقة وإلى هذا أشار مالك حيث أدخل هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله وتقدم في باب الخطبة من كتاب النكاح في الكلام على حديث الباب من قول صعصعة بن صوحان في تفسير هذا الحديث ما يؤيد ذلك وهو أن المراد به الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق فيسحر الناس ببيانه فيذهب بالحق وحمل الحديث على هذا صحيح لكن لا يمنع حمله على المعنى الآخر إذا كان في تزيين الحق وبهذا جزم بن العربي وغيره من فضلاء المالكية وقال بن بطال أحسن ما يقال في هذا أن هذا الحديث ليس ذما للبيان كله ولا مدحا لقوله من البيان فأتى بلفظة من التي للتبعيض قال وكيف يذم البيان وقد أمتن الله به على عباده حيث قال خلق الإنسان علمه البيان انتهى والذي يظهر أن المراد بالبيان في الآية المعنى الأول الذي نبه عليه الخطابي لا خصوص ما نحن فيه وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام وهذا كله من البيان بالمعنى الثاني نعم الإفراط في كل شيء مذموم وخير الأمور أوسطها والله أعلم

قوله باب الدواء بالعجوة للسحر العجوة ضرب من أجود تمر المدينة وألينه وقال الداودي هو من وسط التمر وقال بن الأثير العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بالمدينة وذكر هذا الأخير القزاز

[ 5435 ] قوله حدثنا علي لم أره منسوبا في شيء من الروايات ولا ذكره أبو علي الغساني لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه علي بن عبد الله يعني بن المديني وبذلك جزم المزي في الأطراف وجزم الكرماني بأنه علي بن سلمة اللبقي وما عرفت سلفه فيه قوله حدثنا مروان هو بن معاوية الفزاري جزم به أبو نعيم وأخرجه مسلم عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن مروان الفزاري قوله هاشم هو بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وعامر بن سعد هو بن عم أبيه ووقع في رواية أبي أسامة في الطريق الثانية في الباب سمعت عامرا سمعت سعدا ويأتي بعد قليل من وجه آخر سمعت عامر بن سعد سمعت أبي وهو سعد بن أبي وقاص قوله من اصطبح في رواية أبي أسامة من تصبح وكذا في رواية جمعة عن مروان الماضية في الأطعمة وكذا لمسلم عن بن عمرو كلاهما بمعنى التناول صباحا وأصل الصبوح والاصطباح تناول الشراب صبحا ثم استعمل في الأكل ومقابله الغبوق والاغتباق بالغين المعجمة وقد يستعمل في مطلق الغذاء أعم من الشرب والأكل وقد يستعمل في أعم من ذلك كما قال الشاعر صبحنا الخزرجية مرهفات وتصبح مطاوع صبحته بكذا إذا أتيته به صباحا فكأن الذي يتناول العجوة صباحا قد أتى بها وهو مثل تغدى وتمشى إذا وقع ذلك في وقت الغداء أو العشاء قوله كل يوم تمرات عجوة كذا أطلق في هذه الرواية ووقع مقيدا في غيرها ففي رواية جمعة وابن أبي عمر سبع تمرات وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية دحيم عن مروان وكذا هو في رواية أبي أسامة في الباب ووقع مقيدا بالعجوة في رواية أبي ضمرة أنس بن عياض عن هاشم بن هاشم عند الإسماعيلي وكذا في رواية أبي أسامة وزاد أبو ضمرة في روايته التقييد بالمكان أيضا ولفظه من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية والعالية القرى التي في الجهة العالية من المدينة وهي جهة نجد وقد تقدم لها ذكر في المواقيت من كتاب الصلاة وفيه بيان مقدار ما بينها وبين المدينة وللزيادة شاهد عند مسلم من طريق بن أبي مليكة عن عائشة بلفظ في عجوة العالية شفاء في أول البكرة ووقع لمسلم أيضا من طريق أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن عامر بن سعد بلفظ من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح وأراد لابتي المدينة وأن لم يجر لها ذكر للعلم بها قوله لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل السم معروف وهو مثلث السين والسحر تقدم تحرير القول فيه قريبا وقوله ذلك اليوم ظرف وهو معمول ليضره أو صفة لسحر وقوله إلى الليل فيه تقييد الشفاء المطلق في رواية بن أبي مليكة حيث قال شفاء أول البكرة في أو ترياق وتردده في ترياق شك من الراوي والبكرة بضم الموحدة وسكون الكاف يوافق ذكر الصباح في حديث سعد والشفاء أشمل من الترياق يناسب ذكر السم والذي وقع في حديث سعد شيئان السحر والسم فمعه زيادة علم وقد أخرج النسائي من حديث جابر رفعه العجوة من الجنة وهي شفاء من السم وهذا يوافق رواية بن أبي مليكة والترياق بكسر المثناة وقد تضم وقد تبدل المثناة دالا أو طاء بالاهمال فيهما وهو دواء مركب معروف يعالج به المسموم فأطلق على العجوة اسم الترياق تشبيها لها به وأما الغاية في قوله إلى الليل فمفهومه أن السر الذي في العجوة من دفع ضرر السحر والسم يرتفع إذا دخل الليل في حق من تناوله من أول النهار ويستفاد منه إطلاق اليوم على ما بين طلوع الفجر أو الشمس إلى غروب الشمس ولا يستلزم دخول الليل ولم أقف في شيء من الطرق على حكم من تناول ذلك في أول الليل هل يكون كمن تناوله أول النهار حتى يندفع عنه ضرر السم والسحر إلى الصباح والذي يظهر خصوصية ذلك بالتناول أول النهار لأنه حينئذ يكون الغالب أن تناوله يقع على الريق فيحتمل أن يلحق به من تناول الليل على الريق كالصائم وظاهر الإطلاق أيضا المواظبة على ذلك وقد وقع مقيدا فيما أخرجه الطبري من رواية عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تأمر بسبع تمرات عجوة في سبع غدوات وأخرجه بن عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام مرفوعا وذكر بن عدي أنه تفرد به ولعله أراد تفرده برفعه وهو من رجال البخاري لكن في المتابعات قوله وقال غيره سبع تمرات وقع في نسخة الصغاني يعني غير حديث علي انتهى والغير كأنه أراد به جمعة وقد تقدم في الأطعمة عنه أو غيره ممن نبهت عليه ممن رواه كذلك قوله في رواية أبي أسامة سبع تمرات عجرة في رواية الكشميهني بسبع تمرات بزيادة الموحدة في أوله ويجوز في تمرات عجوة الإضافة فتخفض كما تقول ثياب خز ويجوز التنوين على أنه عطف بيان أو صفه لسبع أو تمرات ويجوز النصب منونا على تقدير فعل أو على التمييز قال الخطابي كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر وقال بن التين يحتمل أن يكون المراد نخلا خاصا بالمدينة لا يعرف الآن وقال بعض شراح المصابيح نحوه وأن ذلك لخاصية فيه قال ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمانه صلى الله عليه وسلم وهذا يبعده وصف عائشة لذلك بعده صلى الله عليه وسلم وقال بعض شراح المشارق أما تخصيص تمر المدينة بذلك فواضح من ألفاظ المتن وأما تخصيص زمانه بذلك فبعيد وأما خصوصية السبع فالظاهر أنه لسر فيها وإلا فيستحب أن يكون ذلك وترا وقال المازري هذا مما لا يعقل معناه في طريقة علم الطب ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر في السم وجه من جهة الطب لم يقدر على إظهار وجه الاقتصار على هذا العدد الذي هو السبع ولا على الاقتصار على هذا الجنس الذي هو العجوة ولعل ذلك كان لأهل زمانه صلى الله عليه وسلم خاصة أو لأكثرهم إذا لم يثبت استمرار وقوع الشفاء في زماننا غالبا وأن وجد في الأكثر حمل على أنه أراد وصف غالب الحال وقال عياض تخصيصه ذلك بعجوة العالية وبما بين لابتي المدينة يرفع هذا الاشكال ويكون خصوصا لها كما وجد الشفاء لبعض الأدواء في الأدوية التي تكون في بعض تلك البلاد دون ذلك الجنس في غيره لتأثير يكون في ذلك من الأرض أو الهواء قال وأما تخصيص هذا العدد فلجمعه بين الأفراد والاشفاع لأنه زاد على نصف العشرة وفيه أشفاع ثلاثة وأوقار أربعة وهي من نمط غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا وقوله تعالى سبع سنابل وكما أن السبعين مبالغة في كثرة العشرات والسبعمائة مبالغة في كثرة المئين وقال النووي في الحديث تخصيص عجوة المدينة بما ذكر وأما خصوص كون ذلك سبعا فلا يعقل معناه كما في أعداد الصلوات ونصب الزكوات قال وقد تكلم في ذلك المازري وعياض بكلام باطل فلا يغتر به انتهى ولم يظهر لي من كلامهما ما يقتضي الحكم عليه بالبطلان بل كلام المازري يشير إلى محصل ما اقتصر عليه النووي وفي كلام عياض إشارة إلى المناسبة فقط والمناسبات لا يقصد فيها التحقيق البالغ بل يكتفي منها بطرق الإشارة وقال القرطبي ظاهر الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر والمطلق منها محمول على المفيد وهو من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني ومن أئمتنا من تكلف لذلك فقال أن السموم إنما تقتل لإفراط برودتها فإذا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم قال وهذا يلزم منه رفع خصوصية عجوة المدينة بل خصوصية العجوة مطلقا بل خصوصية التمر فإن من الأدوية الحارة ما هو أولى بذلك من التمر والأولى أن ذلك خاص بعجوة المدينة ثم هل هو خاص بزمان نطقه أو في كل زمان هذا محتمل ويرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة فمن جرب ذلك فصح معه عرف أنه مستمر وإلا فهو مخصوص بذلك الزمان قال وأما خصوصية هذا العدد فقد جاء في مواطن كثيرة من الطب كحديث صبوا علي من سبع قرب وقوله للمفؤد الذي وجهه للحارث بن كلدة أن يلده بسبع تمرات وجاء تعويذه سبع مرات إلى غير ذلك وأما في غير الطب فكثير فما جاء من هذا العدد في معرض التداوي فذلك لخاصية لا يعلمها إلا الله أو من أطلعه على ذلك وما جاء منه في غير معرض التداوي فإن العرب تضع هذاالعدد موضع الكثرة وإن لم ترد عددا بعينه وقال بن القيم عجوة المدينة من أنفع تمر الحجاز وهو صنف كريم ملزز متين الجسم والقوة وهو من ألين التمر وألذه قال والتمر في الأصل من أكثر الثمار تغذية لما فيه من الجوهر الحار الرطب وأكله على الريق يقتل الديدان لما فيه من القوة الترياقية فإذا أديم أكله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه أو قتله انتهى وفي كلامه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السم وهو ما ينشأ عن الديدان التي في البطن لا كل السموم لكن سياق الخبر يقتضي التعميم لأنه نكرة في سياق النفي وعلى تقديم التسليم في السم فماذا يصنع في السحر

قوله باب لا هامة قال أبو زيد هي بالتشديد وخالفه الجميع فخففوها وهو المحفوظ في الرواية وكأن من شددها ذهب إلى واحدة الهوام وهي ذوات السموم وقيل دواب الأرض التي تهم بأذى الناس وهذا لا يصح نفيه إلا إن أريد أنها لا تضر لذواتها وإنما تضر إذا أراد الله إيقاع الضرر بمن أصابته وقد ذكر الزبير بن بكار في الموفقيات أن العرب كانت في الجاهلية تقول إذا قتل الرجل ولم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة وهي دودة فتدور حول قبره فتقول اسقوني اسقوني فإن أدرك بثأره ذهبت وإلا بقيت وفي ذلك يقول شاعرهم يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني قال وكانت اليهود تزعم أنها تدور حول قبره سبعة أيام ثم تذهب وذكر بن فارس وغيره من اللغويين نحو الأول إلا أنهم لم يعينوا كونها دودة بل قال القزاز الهامة طائر من طير الليل كأنه يعني البومة وقال بن الأعرابي كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم يقول نعت إلى نفسي أو أحدا من أهل داري وقال أبو عبيد كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير ويسمون ذلك الطائر الصدى فعلى هذا فالمعنى في الحديث لا حياة لهامة الميت وعلى الأول لا شؤم بالبومة ونحوها ولعل المؤلف ترجم لا هامة مرتين بالنظر لهذين التفسيرين والله أعلم

[ 5437 ] قوله عن أبي سلمة في رواية شعيب عن الزهري حدثني أبو سلمة وهي في الباب الذي بعده قوله لا عدوى تقدم شرحه مستوفى في باب الجذام وكيفية الجمع بين قوله لا عدوى وبين قوله لا يورد ممرض على مصح وكذا تقدم شرح قوله ولا صفر ولا هامة قوله فقال أعرابي لم أقف على اسمه قوله تكون في الرمل كأنها الظباء في رواية شعيب عن الزهري في الباب الذي يليه أمثال الظباء بكسر المعجمة بعدها موحدة وبالمد جمع ظبى شبهها بها في النشاط والقوة والسلامة من الداء قوله فيجربها في رواية مسلم فيدخل فيها ويجربها بضم أوله وهو بناء على ما كانوا يعتقدون من العدوى أي يكون سببا لوقوع الجرب بها وهذا من أوهام الجهال كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل في الأصحاء أمرضهم فنفى الشارع ذلك وأبطله فلما أورد الأعرابي الشبهة رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فمن أعدى الأول وهو جواب في غاية البلاغة والرشاقة وحاصله من أين جاء الجرب الذي أعدى بزعمهم فإن أجيب من بعير آخر لزم التسلسل أو سبب آخر فليفصح به فإن أجيب بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعى وهو أن الذي فعل بالجميع ذلك هو الخالق القادر على كل شيء وهو الله سبحانه وتعالى قوله وعن أبي سلمة سمع أبا هريرة بعد يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوردن ممرض على مصح كذا فيه بتأكيد النهي عن الإيراد ولمسلم من رواية يونس عن الزهري لا يورد بلفظ النفي وكذا تقدم من رواية صالح وغيره وهو خبر بمعنى النهي بدليل رواية الباب والممرض بضم أوله وسكون ثانيه وكسر الراء بعدها ضاد معجمة هو الذي له إبل مرضى والمصح بضم الميم وكسر الصاد المهملة بعدها مهملة من له إبل صحاح نهى صاحب الإبل المريضة أن يوردها على الإبل الصحيحة قال أهل اللغة الممرض اسم فاعل من أمرض الرجل إذا أصاب ماشيته مرض والمصح اسم فاعل من أصح إذا أصاب ماشيته عاهة ثم ذهب عنها وصحت قوله وأنكر أبو هريرة الحديث الأول وقع في رواية المستملي والسرخسي حديث الأول وهو كقولهم مسجد الجامع وفي رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة كان أبو هريرة يحدثهما كليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى قوله وقلنا ألم تحدث أنه لا عدوى في رواية يونس فقال الحارث بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين وهو بن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديث لا عدوى فأبى أن يعرف ذلك ووقع عند الإسماعيلي من رواية شعيب فقال الحارث إنك حدثتنا فذكره قال فأنكر أبو هريرة وغضب وقال لم أحدثك ما تقول قوله فرطن بالحبشية في رواية يونس فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة حتى رطن بالحبشية فقال للحارث أتدري ماذا قلت قال لا قال أني قلت أبيت قوله فما رأيته في رواية الكشميهني فما رأيناه نسي حديثا غيره في رواية يونس قال أبو سلمة ولعمرى لقد كان يحدثنا به فما أدري أنسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين للآخر وهذا الذي قاله أبو سلمة ظاهر في أنه كان يعتقد أن بين الحديثين تمام التعارض وقد تقدم وجه الجمع بينهما في باب الجذام وحاصله أن قوله لا عدوى نهى عن اعتقادها وقوله لا يورد سبب النهي عن الإيراد خشية الوقوع في اعتقاد العدوى أو خشية تاثير الأوهام كما تقدم نظيره في حديث فر من المجذوم لأن الذي لا يعتقد أن الجذام يعدي يجد في نفسه نفرة حتى لو أكرهها على القرب منه لتألمت بذلك فالأولى بالعاقل أن لا يتعرض لمثل ذلك بل يباعد أسباب الآلام ويجانب طرق الأوهام والله أعلم قال بن التين لعل أبا هريرة كان يسمع هذا الحديث قبل أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديث من بسط رداءه ثم ضمه إليه لم ينس شيئا سمعه من مقالتي وقد قيل في الحديث المذكور إن المراد أنه لا ينسى تلك المقالة التي قالها ذلك اليوم لا أنه ينتفي عنه النسيان أصلا وقيل كان الحديث الثاني ناسخا للأول فسكت عن المنسوخ وقيل معنى قوله لا عدوى النهي عن الاعتداء ولعل بعض من أجلب عليه إبلا جرباء أراد تضمينه فاحتج عليه في إسقاط الضمان بأنه إنما أصابها ما قدر عليها وما لم تكن تنجو منه لأن العجماء جبار ويحتمل أن يكون قال هذا على ظنه ثم تبين له خلاف ذلك انتهى فأما دعوى نسيان أبي هريرة للحديث فهو بحسب ما ظن أبو سلمة وقد بينت ذلك رواية يونس التي أشرت إليها وأما دعوى النسخ فمردودة لأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال ولا سيما مع إمكان الجمع وأما الاحتمال الثالث فبعيد من مساق الحديث والذي بعده أبعد منه ويحتمل أيضا أنهما لما كانا خبرين متغايرين عن حكمين مختلفين لا ملازمة بينهما جاز عنده أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة قاله القرطبي في المفهم قال ويحتمل أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين فسكت عن أحدهما وكان إذا أمن ذلك حدث بهما جميعا قال القرطبي وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقلي إذا كان السائل أهلا لفهمه وأما من كان قاصرا فيخاطب بما يحتمله عقله من الاقناعيات قال وهذه الشبهة التي وقعت للأعرابي هي التي وقعت للطبائعيين أولا وللمعتزلة ثانيا فقال الطبائعيون بتأثير الأشياء بعضها في بعض وإيجدها إياها وسموا المؤثر طبيعة وقال المعتزلة بنحو ذلك في الحيوانات والمتولدات وأن قدرهم مؤثرة فيها بالايجاد وأنهم خالقون لافعالهم مستقلون باختراعها واستند الطائفتان إلى المشاهدة الحسية ونسبوا من أنكر ذلك إلى إنكار البديهة وغلط من قال ذلك منهم غلطا فاحشا لالتباس إدراك العقل فإن المشاهد إنما هو تأثير شيء عند شيء آخر وهذا حظ الحس فإما تأثيره فهو فيه حظ العقل فالحس أدرك وجود شيء عند وجود شيء وارتفاعه عند ارتفاعه أما إيجاده به فليس للحس فيه مدخل فالعقل هو الذي يفرق فيحكم بتلازمهما عقلا أو عادة مع جواز التبدل عقلا والله أعلم وفيه وقوع تشبيه الشيء بالشيء إذا جمعهما وصف خاص ولو تباينا في الصورة وفيه شدة ورع أبي هريرة لأنه مع كون الحارث أغضبه حتى تكلم بغير العربية خشي أن يظن الحارث أنه قال فيه شيئا يكرهه ففسر له في الحال ما قال والله أعلم

قوله باب لا عدوى تقدم تفسيرها وذكر في الباب ثلاثة أحاديث الأول

[ 5438 ] قوله أخبرني سالم بن عبد الله أي بن عمر قوله وحمزة هو أخو سالم قوله أن عبد الله بن عمر قال في رواية مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن بن وهب بهذا السند عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في أوائل النكاح من طريق مالك عن الزهري عن حمزة وسالم ابنى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر وفي تصريح الزهري بالأخبار فيه في هذه الرواية دفع لتوهم انقطاعه بسبب ما رواه بن أبي ذئب عن الزهري فأدخل بين الزهري وسالم رجلا وهو محمد بن زيد بن قنفذ ويحمل أن كان محفوظا على أن الزهري حمله عن محمد بن زيد عن سالم ثم سمعه من سالم قوله لا عدوى ولا طيرة إنما الشؤم في ثلاث الحديث تقدم الكلام على حديث الشؤم في ثلاث في النكاح وجمع بن عمر بين الحديثين يدل على أنه قوى عنده أحد الاحتمالات في المراد بالشؤم وذكر مسلم أنه لم يقل أحد من أصحاب الزهري عنه في أول هذا الحديث لا عدوى ولا طيرة إلا يونس بن يزيد قلت وقد أخرجه النسائي من رواية القاسم بن مبرور عن يونس بدونها فكان المنفرد بالزيادة عبد الله بن وهب الحديث الثاني

[ 5439 ] قوله أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى قال أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا توردوا الممرض على المصح وعن الزهري قال أخبرني سنان بن أبي سنان أن أبا هريرة قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى فقام أعرابي فذكر القصة الماضية في الباب قبله هكذا أورده من رواية شعيب عن الزهري وقد أخرجه مسلم من روايته عن الزهري عن أبي سلمة بالحديثين لكن لم يسق لفظه أحال به على رواية صالح بن كيسان ولفظه لا عدوى ويحدث مع ذلك لا يورد الممرض على المصح قاله يمثل حديث يونس وقد بينت ما في رواية يونس من فائدة زائدة في الباب الذي قبله وأورد أيضا رواية شعيب عن الزهري عن سنان بن أبي سنان بالقصة وأحال بسياقه على رواية يونس فظهر بذلك أنها كلها موصولة وسنان بن أبي سنان مدني ثقة واسم أبيه يزيد بن أمية وليس له في البخاري عن أبي هريرة سوى هذا الحديث الواحد وله آخر عن جابر قرنه في كل منهما بأبي سلمة بن عبد الرحمن والله أعلم الحديث الثالث حديث أنس بلفظ لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل وفيه تفسيره وقد تقدم شرحه مستوفى في باب مفرد

قوله باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم الإضافة فيه إلى المفعول قوله رواه عروة عن عائشة كأنه يشير إلى ما علقه في الوفاة النبوية آخر المغازي فقال قال يونس عن بن شهاب قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم وقد ذكرت هناك من وصله وهو البزار وغيره وتقدم شرحه مستوفى وقوله أجد ألم الطعام أي الألم الناشىء عن ذلك الأكل لا أن الطعام نفسه بقي إلى تلك الغاية وأخرج الحاكم من حديث أم مبشر نحو حديث عائشة ثم ذكر حديث أبي هريرة في قصة الشاة المسمومة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد تقدم ذكره في غزوة خيبر وأنه أخرجه مختصرا وفي أواخر الجزية مطولا

[ 5441 ] قوله أهديت بضم أوله على البناء للمجهول تقدم في الهبة من رواية هشام بن زيد عن أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجىء بها الحديث فعرف أن التي أهدت الشاة المذكورة امرأة وقدمت في المغازي أنها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم أخرجه بن إسحاق بغير إسناد وأورده بن سعد من طرق عن بن عباس بسند ضعيف ووقع في مرسل الزهري أنها أكثرت السم في الكتف والذراع لأنه بلغها أن ذلك كان أحب أعضاء الشاة إليه وفيه فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف فنهش منها وفيه فلما ازدرد لقمته قال إن الشاة تخبرني يعني أنها مسمومة وبينت هناك الاختلاف هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أو تركها ووقع في حديث أنس المشار إليه فقيل الا تقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم كيفية الجمع بين الاختلاف المذكور ومن المستغرب قول محمد بن سحنون أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها قوله اجمعوا لي لم أقف على تعيين المأمور بذلك قوله أني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه كذا وقع في هذا الحديث في ثلاثة مواضع قال بن التين ووقع في بعض النسخ صادقي بتشديد الياء بغير نون وهو الصواب في العربية لأن أصله صادقوني فحذفت النون للاضافة فاجتمع حرفا علة سبق الأول بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ومثله وما أنتم بمصرخي وفي حديث بدء الوحي أو مخرجي هم انتهى وإنكاره الرواية من جهة العربية ليس بجيد فقد وجهها غيره قال بن مالك مقتضى الدليل أن تصحب نون الوقاية اسم الفاعل وأفعل التفضيل والأسماء المعربة المضافة إلى ياء المتكلم لتقيها خفاء الاعراب فلما منعت ذلك كانت كأصل متروك فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل كقول الشاعر وليس الموافيني ليرتد خائبا فإن له أضعاف ما كان أملا ومنه في الحديث غير الدجال أخوفني عليكم والأصل فيه أخوف مخوفاتي عليكم فحذف المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه فاتصل أخوف بها مقرونة بالنون وذلك أن أفعل التفضيل شبيه بفعل التعجب وحاصل كلامه أن النون الباقية هي نون الوقاية ونون الجمع حذفت كما تدل عليه الرواية الأخرى بلفظ صادقي ويمكن تخريجه أيضا على أن النون الباقية هي نون الجمع فإن بعض النحاة أجاز في الجمع المذكر السالم أن يعرب بالحركات على النون مع الواو ويحتمل أن تكون الياء في محل نصب بناء على أن مفعول اسم الفاعل إذا كان ضميرا بارزا متصلا به كان في محل نصب وتكون النون على هذا أيضا نون الجمع قوله من أبوكم قالوا أبونا فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا صدقت وبررت بكسر الراء الأولى وحكى فتحها وهو من البر قوله نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها بضم اللام مخففا أي تدخلون فتقيمون في المكان الذي كنا فيه وضبطه الكرماني بتشديد اللام وقد أخرج الطبري من طريق عكرمة قال خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا إليها قوم آخرون يعنون محمدا وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم بل أنتم خالدون يخلدون لا مخلفكم فيها أحد فأنزل الله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة الآية ومن طريق بن إسحاق عن سيف بن سليم عن مجاهد عن بن عباس أن اليهود كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت وهذا سند حسن وأخرج الطبري أيضا من وجه آخر عن عكرمة قال اجتمعت يهود تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لن تصيبنا النار فذكر نحوه وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون لا نخلفكم فيها أبدا إن شاء الله تعالى فنزل القرآن تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حدثني أبي زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود أنشدكم الله من أهل النار الذين ذكرهم الله في التوراة قالوا إن الله غضب علينا غضبة فنمكث في النار أربعين يوما ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال كذبتهم والله لا نخلفكم فيها أبدا فنزل القرآن تصديقا له وهذان خبران مرسلان يقوي أحدهما الآخر ويستفاد منهما تعيين مقدار الأيام المعدودة المذكورة في الآية وكذا في حديث أبي هريرة حيث قال فيه أياما يسيرة وأخرج الطبري أيضا من رواية قتادة وغيره أن حكمة العدد المذكور وهو الأربعون أنها المدة التي عبدوا فيها العجل قوله اخسئوا فيها هو زجر لهم بالطرد والابعاد أو دعاء عليهم بذلك قوله والله لا نخلفكم فيها أبدا أي لا تخرجون منها ولا نقيم بعدكم فيها لأن من يدخل النار من عصاة المسلمين يخرج منها فلا يتصور أنه يخلف غيره أصلا قوله أردنا إن كنت كاذبا في رواية المستملي والسرخسي إن كنت كذابا قوله وإن كنت نبيا لم يضرك يعني على الوجه المعهود من السم المذكور وفي حديث أنس المشار إليه فقالت أردت لأقتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك وفي رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في نحو هذه القصة فقالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك أخرجه البيهقي وأخرج نحوه موصولا عن جابر وأخرجه بن سعد بسند صحيح عن بن عباس ووقع عند بن سعد عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي وعمي وأخي ونلت من قومي ما نلت فقلت إن كان نبيا فسيخبره الذراع وإن كان ملكا استرحنا منه وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيب وتكليم الجماد له ومعاندة اليهود لاعترافهم بصدقه فيما أخبر به عن اسم أبيهم وبما وقع منهم من دسيسة السم ومع ذلك فعاندوا واستمروا على تكذيبه وفيه قتل من قتل بالسم قصاصا وعن الحنفية إنما تجب فيه الدية ومحل ذلك إذا استكرهه عليه اتفاقا وأما إذا دسه عليه فأكله ففيه اختلاف للعلماء فإن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قتل اليهودية ببشر بن البراء ففيه حجة لمن يقول بالقصاص في ذلك والله أعلم وفيه أن الأشياء كالسموم وغيرها لا تؤثر بذواتها بل بإذن الله لأن السم أثر في بشر فقيل إنه مات في الحال وقيل إنه بعد حول ووقع في مرسل الزهري في مغازي موسى بن عقبة أن لونه صار في الحال كالطيلسان يعني أصفر شديد الصفرة وأما قول أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فاللهوات جمع لهاة ويجمع أيضا على لهى بضم أوله والقصر منون ولهيان وزن إنسان وقد تقدم بيانها فيما مضى في الطب في الكلام على العذرة وهل اللحمة المعلقة في أصل الحنك وقيل هي ما بين منقطع اللسان إلى منقطع أصل الفم وهذا هو الذي يوافق الجمع المذكور ومراد أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتريه المرض من تلك الأكلة أحيانا وهو موافق لقوله في حديث عائشة ما أزال أجد ألم الطعام ووقع في مغازي موسى بن عقبة عن الزهري مرسلا ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري ومثله في الرواية المذكورة عند بن سعد والعداد بكسر المهملة والتخفيف ما يعتاد والأبهر عرق في الظهر تقدم بيانه في الوفاة النبوية ويحتمل أن يكون أنس أراد أنه يعرف ذلك في اللهوات بتغير لونها أو بنتوء فيها أو تحفير قاله القرطبي

قوله باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه هو بضم أوله وقال الكرماني يجوز فتحه وهو عطف على السم قوله والخبيث أي الدواء الخبيث وكأنه يشير بالدواء بالسم إلى ما ورد من النهي عن التداوي بالحرام وقد تقدم بيانه في كتاب الأشربة في باب الباذق في شرح حديث أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وزعم بعضهم أن المراد بقوله به منه والمراد ما يدفع ضرر السم وأشار بذلك إلى ما تقدم قبل من حديث من تصبح بسبع تمرات الحديث وفيه لم يضره سم فيتسفاد منه استعمال ما يدفع ضرر السم قبل وصوله ولا يخفي بعد ما قال لكن يستفاد منه مناسبة ذكر حديث العجوة في هذا الباب وأما قوله وما يخاف منه فهو معطوف على الضمير المجرور العائد على السم وقوله منه أي من الموت به أو استمرار المرض فيكون فاعل ذلك قد أعان على نفسه وأما مجرد شرب السم فليس بحرام على الإطلاق لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع أشار إلى ذلك بن بطال وقد أخرج بن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم فقال ائتوني به فأتوه به فأخذه بيده ثم قال بسم الله واقتحمه فلم يضره فكأن المصنف رمز إلى أن السلامة من ذلك وقعت كرامة لخالد بن الوليد فلا يتأسى به في ذلك لئلا يفضي إلى قتل المرء نفسه ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة في الباب ولعله كان عند خالد في ذلك عهد عمل به وأما قوله والخبيث فيجوز جره والتقدير والتداوي بالخبيث ويجوز الرفع على أن الخبر محذوف والتقدير ما حكمة أو هل يجوز التداوي به وقد ورد النهي عن تناوله صريحا أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه بن حبان من طريق مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا قال الخطابي خبث الدواء يقع بوجهين أحدهما من جهة نجاسته كالخمر ولحم الحيوان الذي لا يؤكل وقد يكون من جهة استقذاره فتكون كراهته لإدخال المشقة على النفس وإن كان كثير من الأدوية تكره النفس تناوله لكن بعضها في ذلك أيسر من بعض قلت وحمل الحديث على ما ورد في بعض طرقه أولى وقد ورد في آخر الحديث متصلا به يعني السم ولعل البخاري أشار في الترجمة إلى ذلك

[ 5442 ] قوله عن سليمان هو الأعمش قوله سمعت ذكوان هو أبو صالح السمان وقد أخرجه مسلم من رواية وكيع عن الأعمش عن أبي صالح ثم أردفه برواية شعبة عن سليمان قال سمعت ذكوان مثله وأخرجه الترمذي من رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة فقال عن الأعمش سمعت أبا صالح به وقدم في رواية وكيع من قتل نفسه بحديدة وثلث بقصة من تردى عكس رواية شعبة هنا ووقع في رواية أبي داود الطيالسي المذكورة كرواية وكيع وكذا عند الترمذي من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش ولم يذكر قصة قوله من تردى من جبل أي أسقط نفسه منه لما يدل عليه قوله فقتل نفسه على أنه تعمد ذلك وإلا فمجرد قوله تردى لا يدل على التعمد قوله ومن تحسى بمهملتين بوزن تغدى أي تجرع قوله يجأ بفتح أوله وتخفيف الجيم وبالهمز أي يطعن بها وقد تسهل الهمزة والأصل في يجأ يوجأ قال بن التين في رواية الشيخ أبي الحسن يجأ بضم أوله ولا وجه له وإنما يبني للمجهول بإثبات الواو ويوجأ بوزن بوجد انتهى ووقع في رواية مسلم يتوجأ بمثناة واو مفتوحتين وتشديد الجيم بوزن يتكبر وهو بمعنى الطعن ووقع في رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في أواخر الجنائز بلفظ الذي يطعن نفسه يطعنها في النار وقد تقدم شرحه هناك وبيان تأويل الخلود والتأييد المذكورين وحكى بن التين عن غيره أن هذا الحديث ورد في حق رجل بعينه وأولى ما حمل عليه هذا الحديث ونحوه من أحاديث الوعيد أن المعنى المذكور جزاء فاعل ذلك إلا أن يتجاوز الله تعالى عنه

[ 5443 ] قوله أحمد بن بشير أبو بكر هو الكوفي المخزومي مولاهم ليس له عند البخاري سوى هذا الموضع قال بن معين لا بأس به هكذا روى عباس الدوري عنه وقال عثمان الدارمي عن بن معين متروك وتعقب ذلك الخطيب بأنه التبس على عثمان بآخر يقال له أحمد بن بشير لكن كنيته أبو جعفر وهو بغدادي من طبقة صاحب الترجمة وكأن هذا هو السر في تكنية المصنف له ليمتاز عن قرينه الضعيف وقد تقدم شرح حديث سعد قريبا وقوله في أول السند حدثنا محمد كذا للأكثر ووقع لأبي ذر عن المستملي محمد بن سلام

قوله باب ألبان الأتن بضم الهمزة والمثناة الفوقانية بعدها نون جمع أتان

[ 5444 ] قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي وسفيان هو بن عيينة قوله من السباع كذا للأكثر وللمستملي والسرخسي من السبع بلفظ الأفراد والمراد الجنس قوله قال الزهري ولم أسمعه حتى أتيت الشام تقدم الكلام على ذلك في الطب قوله وزاد الليث حدثني يونس عن بن شهاب هو الزهري وهذه الزيادة وصلها الذهلي في الزهريات أوردها أبو نعيم في المستخرج مطولة من طريق أبي ضمرة أنس بن عياض عن يونس بن يزيد قوله عن بن شهاب قال وسألته الباهلي نتوضأ هذه الجملة حالية ووقع في رواية أبي ضمرة سئل الزهري وأعرض الزهري في جوابه عن الوضوء فلم يجب عنه لشذوذ القول به وقد تقدمت في الطهارة الإشارة إلى من أجاز الوضوء باللبن والخل قوله قد كان المسلمون في رواية أبي ضمرة أما أبوال الإبل فقد كان المسلمون قوله ولم يبلغنا عن ألبانها أمر ولا نهي في رواية أبي ضمرة ولا أرى ألبانها إلا تخرج من لحومها قوله وأما مرارة السبع قال بن شهاب حدثني أبو إدريس في رواية أبي ضمرة وأما مرارة السبع فإنه أخبرني أبو إدريس والباقي مثله وزاد أبو ضمرة في آخره ولم أسمعه من علمائنا فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فلا خير في مراراتها ويؤخذ من هذه الزيادة أن الزهري كان يتوقف في صحة هذا الحديث لكونه لم يعرف له أصلا بالحجاز كما هي طريقة كثير من علماء الحجاز وقال بن بطال استدل الزهري على منع مرارة السبع بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع ويلزمه مثل ذلك في ألبان الأتن وغفل رحمه الله عن الزيادة التي أفادتها رواية أبي ضمرة وقد اختلف في ألبان الأتن فالجمهور على التحريم وعند المالكية قول في حلها من القول بحل أكل لحمها وقد تقدم بسطه في الأطعمة

قوله باب إذا وقع الذباب في الإناء الذباب بضم المعجمة وموحدتين وتخفيف قال أبو هلال العسكري الذباب واحد والجمع ذبان كغربان والعامة تقول ذباب للجمع وللواحد ذبابة بوزن قرادة وهو خطأ وكذا قال أبو حاتم السجستاني إنه خطأ وقال الجوهري الذباب واحده ذبابة ولا تقل ذبانة ونقل في المحكم عن أبي عبيدة عن خلف الأحمر تجويز ما زعم العسكري أنه خطأ وحكى سيبويه في الجمع ذب وقرأته بخط البحتري مضبوطا بضم أوله والتشديد

[ 5445 ] قوله عن عتبة بن مسلم مولى بني تميم هو مدني وأبوه يكنى أبا عتبة وما لعتبة في البخاري سوى هذا الموضع قوله عن عبيد بن حنين مضى في بدء الخلق من طريق سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم أخبرني عبيد بن حنين وهو بالمهملة والنونين مصغر وكنيته أبو عبد الله قوله مولى بني زريق بزاي ثم راء ثم قاف مصغر وحكى الكلاباذي أنه مولى زيد بن الخطاب وعن بن عيينة أنه مولى العباس وهو خطأ كأنه ظن أنه أخو عبد الله بن حنين وليس كذلك وما لعبيد أيضا في البخاري سوى هذا الحديث أورده في موضعين قوله إذا وقع الذباب قيل سمي ذبابا لكثرة حركته واضطرابه وقد أخرج أبو يعلى عن بن عمر مرفوعا عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار الا النحل وسنده لا بأس به وأخرجه بن عدي دون أوله من وجه آخر ضعيف قال الجاحظ كونه في النار ليس تعذيبا له بل ليعذب أهل النار به قال الجوهري يقال إنه ليس شيء من الطيور يلغ إلا الذباب وقال أفلاطون الذباب أحرص الأشياء حتى أنه يلقى نفسه في كل شيء ولو كان فيه هلاكه ويتولد من العفونة ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها والجفن يصقل الحدقة فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عينيها ومن عجيب أمره أن رجعيه يقع على الثوب الأسود أبيض وبالعكس وأكثر ما يظهر في أماكن العفونة ومبدأ خلقه منها ثم من التوالد وهو من أكثر الطيور سفادا ربما بقي عامة اليوم على الأنثى ويحكى أن بعض الخفاء سأل الشافعي لأي علة خلق الذباب فقال مذلة للملوك وكانت ألحت عليه ذبابة فقال الشافعي سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطته من الهيئة الحاصلة وقال أبو محمد المالقي ذباب الناس يتولد من الزبل وأن أخذ الذباب الكبير فقطعت رأسها وحك بجسدها الشعرة التي في الجفن حكا شديدا أبرأته وكذا داء الثعلب وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن الوجع قوله في إناء أحدكم تقدم في بدء الخلق بلفظ شراب ووقع في حديث أبي سعيد عند النسائي وابن ماجة وصححه بن حبان إذا وقع في الطعام والتعبير بالإناء أشمل وكذا وقع في حديث أنس عند البزار قوله فليغمسه كله أمر إرشاد لمقابلة الداء بالدواء وفي قوله كله رفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه قوله ثم ليطرحه في رواية سليمان بن بلال ثم لينزعه وقد وقع في رواية عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة أنه حدثه قال كنا عند أنس فوقع ذباب في إناء فقال أنس بأصبعه فغمسه في ذلك الإناء ثلاثا ثم قال بسم الله وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يفعلوا ذلك أخرجه البزار ورجاله ثقات ورواه حماد بن سلمة عن ثمامة فقال عن أبي هريرة ورجحها أبو حاتم وأما الدارقطني فقال الطريقان محتملان قوله فان في إحدى جناحيه في رواية أبي داود فإن في أحد والجناح يذكر ويؤنث وقيل انث باعتبار اليد وجزم الصغاني بأنه لا يؤنث وصوب رواية أحد وحقيقته للطائر ويقال لغيره على سبيل المجاز كما في قوله واخفض لهما جناح الذل ووقع في رواية أبي داود وصححه بن حبان من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ولم يقع لي في شيء من الطرق تعيين الجناح الذي فيه الشفاء من غيره لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء والمناسبة في ذلك ظاهرة وفي حديث أبي سعيد المذكور أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ويستفاد من هذه الرواية تفسير الداء الواقع في حديث الباب وأن المراد به السم فيستغني عن التخريج الذي تكلفه بعض الشراح فقال أن في اللفظ مجازا وهو كون الداء في أحد الجناحين فهو إما من مجاز الحذف والتقدير فإن في أحد جناحيه سبب داء وإما مبالغة بأن يجعل كل الداء في أحد جناحيه لما كان سببا له وقال آخر يحتمل أن يكون الداء ما يعرض في نفس المرء من التكبر عن أكله حتى ربما كان سببا لترك ذلك الطعام وإتلافه والدواء ما يحصل من قمع النفس وحملها على التواضع قوله وفي الآخر شفاء في رواية أبي ذر وفي الأخرى وفي نسخة والأخرى بحذف حرف الجر وكذا وقع في رواية سليمان بن بلال في إحدى جناحيه داء والآخر شفاء واستدل به لمن يجيز العطف على معمولي عاملين كالاخفش وعلى هذا فيقرأ بخفض الآخر وبنصب شفاء فعطف الآخر على الأحد وعطف شفاء على داء والعامل في إحدى حرف في والعامل في داء إن وهما عاملان في الآخر وشفاء وسيبويه لا يجيز ذلك ويقول إن حرف الجر حذف وبقي العمل وقد وقع صريحا في الرواية الأخرى وفي الأخرى شفاء ويجوز رفع شفاء على الاستئناف واستدل بهذا الحديث على أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه ووجه الاستدلال كما رواه البيهقي عن الشافعي أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بغمس ما ينجس الماء إذا مات فيه لأن ذلك إفساد وقال بعض من خالف في ذلك لا يلزم من غمس الذباب موته فقد يغمسه برفق فلا يموت والحي لا ينجس ما يقع فيه كما صرح البغوي باستنباطه من هذا الحديث وقال أبو الطيب الطبري لم يقصد النبي النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث بيان النجاسة والطهارة وإنما قصد بيان التداوي من ضرر الذباب وكذا لم يقصد بالنهي عن الصلاة في معاطن الإبل والأذن في مراح الغنم طهارة ولا نجاسة وإنما أشار إلى أن الخشوع لا يوجد مع الإبل دون الغنم قلت وهو كلام صحيح إلا أنه لا يمنع أن يستنبط منه حكم آخر فإن الأمر بغمسه يتناول صورا منها أن يغمسه محترزا عن موته كما هو المدعى هنا وأن لا يحترز بل يغمسه سواء مات أو لم يمت ويتناول ما لو كان الطعام حارا فإن الغالب أنه في هذه الصورة يموت بخلاف الطعام البارد فلما لم يقع التقييد حمل على العموم لكن فيه نظر لأنه مطلق يصدق بصورة فإذا قام الدليل على صورة معينة حمل عليها واستشكل بن دقيق العيد إلحاق غير الذباب به في الحكم المذكور بطريق أخرى فقال ورد النص في الذباب فعدوه إلى كل ما لا نفس له سائلة وفيه نظر لجواز أن تكون العلة في الذباب قاصرة وهي عموم البلوي به وهذه مستنبطة أو التعليل بأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وهذه منصوصة وهذان المعنيان لا يوجدان في غيره فيبعد كون العلة مجرد كونه لا دم له سائل بل الذي يظهر أنه جزء علة لا علة كاملة انتهى وقد رجح جماعة من المتأخرين أن ما يعم وقوعه في الماء كالذباب والبعوض لا ينجس الماء وما لا يعم كالعقارب ينجس هو قوي وقال الخطابي تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له فقال كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الشفاء وما ألجأه إلى ذلك قال وهذا سؤال جاهل أو متجاهل فإن كثيرا من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوي الحيوان وأن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه وألهم النملة أن تدخر قوتها أو أن حاجتها وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحا وتؤخر آخر وقال بن الجوزي ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقى السم من أسفلها والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الترياق الذي يعالج به السم والذبابة تسحق مع الأثمد لجلاء البصر وذكر بعض حذاق الأطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه وهي بمنزلة السلاح له فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله تعالى واستدل بقوله ثم لينزعه على أنها تنجس بالموت كما هو أصح القولين للشافعي والقول الآخر كقول أبي حنيفة أنها لا تنجس والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الطب من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وثمانية عشر حديثا المعلق منها ثمانية عشر طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وثمانون طريقا والخالص ثلاثة وثلاثون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة في نزول الداء والشفاء وحديث بن عباس الشفاء في ثلاث وحديث عائشة في الحبة السوداء وحديث أبي هريرة فر من المجذوم وحديث أنس رخص لأهل بيت في الرقية وحديثه أن أبا طلحة كواه وحديث عائشة في الصبر على الطاعون وحديث أنس اشف وأنت الشافي وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة عشرا أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب