كتاب اللباس
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب اللباس وقول الله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده كذا للأكثر وزاد بن نعيم والطيبات من الرزق وللنسفي قال الله تعالى قل من حرم زينة الله الآية وكأنه أشار إلى سبب نزول الآية وقد أخرجه الطبري من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كانت قريش تطوف بالبيت عراة يصفرون ويصفقون فأنزل الله تعالى قل من حرم زينة الله الآية وسنده صحيح وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد جياد عن أصحاب بن عباس كمجاهد وعطاء وغيرهما نحوه وكذا عن إبراهيم النخعي والسدي والزهري وقتادة وغيرهم أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت وهم عراة وأخرج بن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كثير عن طاوس في هذه الآية قال لم يأمرهم بالحرير والديباج ولكن كانوا إذا طاف أحدهم وعليه ثيابه ضرب وانتزعت منه يعني فنزلت وأخرج مسلم وأبو داود من حديث المسور بن مخرمة سقط عني ثوبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذ عليك ثوبك ولا تمشوا عراة قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة ثبت هذا التعليق للمستملي والسرخسي فقط وسقط للباقين وهذا الحديث من الأحاديث التي لا توجد في البخاري إلا معلقة ولم يصله في مكان آخر وقد وصله أبو داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما من طريق همام بن يحيى عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به ولم يقع الاستثناء في رواية الطيالسي وذكره الحارث ولم يقع في روايته وتصدقوا وزاد في آخره فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده ووقع لنا موصولا أيضا في كتاب الشكر لابن أبي الدنيا بتمامه وأخرج الترمذي في الفصل الأخير منه وهي الزيادة المشار إليها من طريق قتادة بهذا الإسناد وهذا مصير من البخاري إلى تقوية شيخه عمرو بن شعيب ولم أر في الصحيح إشارة إليها إلا في هذا الموضع وقد قلب هذا الإسناد بعض الرواة فصحف والد عمرو بن شعيب وقوله عن أبيه ذكر بن أبي حاتم في العلل أنه سأل أباه عن حديث رواه أبو عبيدة الحداد عن همام عن قتادة عن عمرو بن سعيد عن أنس فذكر هذا الحديث فقال هذا خطأ والصواب عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومناسبة ذكر هذا الحديث والاثر الذي بعده للآية ظاهرة لأن في التي قبلها كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين والإسراف مجاوزة الحد في كل فعل أو قول وهو في الإنفاق أشهر وقد قال الله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم وقال تعالى فلا يسرف في القتل والمخيلة بوزن عظيمة وهي بمعنى الخيلاء وهو التكبر وقال بن التين هي بوزن مفعلة من اختال إذا تكبر قال والخيلاء بضم أوله وقد يكسر ممدودا التكبر وقال الراغب الخيلاء التكبر ينشأ عن فضيلة يترآها الإنسان من نفسه والتخيل تصوير خيال الشيء في النفس ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلا ولبسا وغيرهما إما لمعنى فيه وهو مجاوزة الحد وهو الإسراف وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه وهو الراجح ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام وقد يستلزم الإسراف الكبر وهو المخيلة قال الموفق عبد اللطيف البغدادي هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة فإن السرف في كل شيء يضر بالجسد ويضر بالمعيشة فيؤدي إلى الاتلاف ويضر بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وتضر بالآخرة حيث تكسب الإثم وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس قوله وقال بن عباس كل ما شئت واشرب ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة وصله بن أبي شيبة في مصنفه والدينوري في المجالسة من رواية بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس أما بن أبي شيبة فذكره بلفظه وأما الدينوري فلم يذكر السرف وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه بلفظ أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرف أو مخيلة وكذا أخرجه الطبري من رواية محمد بن ثور عن معمر به وقوله ما أخطأتك كذا للجميع بإثبات الهمزة بعد الطاء وأورده بن التين بحذفها قال والصواب إثباتها قال صاحب الصحاح أخطأت ولا تقل أخطيت وبعضهم يقوله ومعنى قوله ما أخطأتك أخبرني تناول ما شئت من المباحات ما دامت كل خصلة من هاتين تجاوزك قال الكرماني ويحتمل أن تكون ما نافية أي لم يوقعك في الخطأ اثنتان قلت وفيه بعد ورواية معمر ترده حيث قال ما لم تكن سرف أو مخيلة وقوله أو قال الكرماني أني بأو موضع الواو كقوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا على تقدير النفي أي أن انتفاء الأمرين لازم فيه وحاصله أن اشتراط منع كل واحد منهما يستلزم اشتراط منعهما مجتمعين بطريق الأولى قال بن مالك هو جائز عند أمن اللبس كما قال الشاعر فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما صدور رماح أشرعت أو سلاسل

[ 5446 ] قوله إسماعيل هو بن أبي أويس قوله عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم في الموطأ عن نافع وعن عبد الله بن دينار وعن زيد بن أسلم بتكرير عن وعند الترمذي من رواية معن عن مالك سمع كلهم يحدث هكذا جمع مالك رواية الثلاثة وقد روى داود بن قيس رواية زيد بن أسلم عنه بزيادة قصة قال أرسلني أبي إلى بن عمر قلت أدخل فعرف صوتي فقال أي بني إذا جئت إلى قوم فقل السلام عليكم فإن ردوا عليك فقل أدخل قال ثم رأى ابنه وقد انجز إزاره فقال أرفع إزارك فقد سمعت فذكر الحديث وأخرجه أحمد والحميدي جميعا عن سفيان بن عيينة عن زيد نحوه ساقه الحميدي واختصره أحمد وسميا الابن عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر وأخرجه أحمد أيضا من طريق معمر عن زيد بن أسلم سمعت بن عمر فذكره بدون هذه القصة وزاد قصة أبي بكر المذكورة في الباب الذي بعده وقصة أخرى لابن عمر تأتي الإشارة إليها بعد بابين وحديث نافع أخرجه مسلم من رواية أيوب والليث وأسامة بن زيد كلهم عن نافع قال مثل حديث مالك وزادوا فيه يوم القيامة قلت وهذه الزيادة ثابتة عند رواة الموطأ عن مالك أيضا وأخرجها أبو نعيم في المستخرج من طريق القعنبي وأخرج الترمذي والنسائي الحديث من طريق أيوب عن نافع وفيه زيادة تتعلق بذيول النساء وحديث عبد الله بن دينار أخرجه أحمد من طريق عبد العزيز بن مسلم عنه وفيه يوم القيامة وكذا في رواية سالم وغير واحد عن بن عمر كما سيأتي في الباب الذي بعده

قوله باب من جر إزاره من غير خيلاء أي فهو مستثنى من الوعيد المذكور لكن إن كان لعذر فلا حرج عليه وإن كان لغير عذر فيأتي البحث فيه وقد سقطت هذه الترجمة لابن بطال

[ 5447 ] قوله زهير بن معاوية هو أبو خيثمة الجعفي قوله من جر ثوبه سيأتي شرحه بعد ثلاثة أبواب قوله فقال أبو بكر هو الصديق أن أحد شقى إزاري كذا بالتثنية للنسفي والكشميهني ولغيرهما شق بالافراد والشق بكسر المعجمة الجانب ويطلق أيضا على النصف قوله يسترخي بالخاء المعجمة وكان سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر قوله الا أن أتعاهد ذلك منه أي يسترخي إذا غفلت عنه ووقع في رواية معمر عن زيد بن أسلم عند أحمد أن إزاري يسترخي أحيانا فكأن شده كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختياره فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي لأنه كلما كاد يسترخي شده وأخرج بن سعد من طريق طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة قالت كان أبو بكر أحتى لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه ومن طريق قيس بن أبي حازم قال دخلت على أبي بكر وكان رجلا نحيفا قوله لست ممن يصنعه خيلاء في رواية زيد بن أسلم لست منهم وفيه أنه لا حرج على من انجر إزاره بغير قصده مطلقا وأما ما أخرجه بن أبي شيبة عن بن عمر أنه كان يكره جر الإزار على كل حال فقال بن بطال هو من تشديداته والا فقد روى هو حديث الباب فلم يخف عليه الحكم قلت بل كراهة بن عمر محمولة على من قصد ذلك سواء كان عن مخيلة أم لا وهو المطابق لروايته المذكورة ولا يظن بابن عمر أنه يؤاخذ من لم يقصد شيئا وإنما يريد بالكراهة من أنجر إزاره بغير اختياره ثم تمادى على ذلك ولم يتداركه وهذا متفق عليه وأن اختلفوا هل الكراهة فيه للتحريم أو للتنزيه وفي الحديث اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها وهو أصل مطرد غالبا

[ 5448 ] قوله حدثني محمد لم أره منسوبا لأحد من الرواة وأغفلت التنبيه على هذا الموضع بخصوصه في المقدمة وقد صرح بن السكن في موضعين غير هذا بأن محمدا الراوي عن عبد الأعلى هو بن سلام فيحمل هذا أيضا على ذلك وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن المثنى عن عبد الأعلى فيحتمل أن يكون هو المراد هنا والله أعلم وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري بالموحدة ويونس هو بن عبيد والحسن هو البصري وقد تقدم الحديث في صلاة الكسوف مع شرحه والغرض منه هنا قوله فقام يجر ثوبه مستعجلا فإن فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي فيشعر بأن النهي يختص بما كان للخيلاء لكن لا حجة فيه لمن قصر النهي على ما كان للخيلاء حتى أجاز لبس القميص الذي ينجر على الأرض لطوله كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقوله وثاب الناس بمثلثة ثم موحدة أي رجعوا إلى المسجد بعد أن كانوا خرجوا منه

قوله باب التشمر في الثياب هو بالشين المعجمة وتشديد الميم رفع أسفل الثوب

[ 5449 ] قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه جزم بذلك أبو نعيم في المستخرج وابن شميل هو النضر وعمر بن أبي زائدة هو الهمداني بسكون الميم الكوفي أخو زكريا واسم أبي زائدة خالد ويقال هبيرة ولعمر في البخاري أحاديث يسيرة قوله قال فرأيت كذا للأكثر هو معطوف على جمل من الحديث فإن أوله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم الحديث وفيه ثم رأيت بلالا ألخ هكذا أخرجه المصنف في أوائل الصلاة عن محمد بن عرعرة عن عمر بن أبي زائدة فلما اختصره أشار إلى أن المذكور ليس أول الحديث ووقع للكشميهني في أوله رأيت وكذا في رواية النسفي وكذا أخرجه أبو نعيم من مسند إسحاق بن راهويه عن النضر وأخرجه من وجه آخر عن إسحاق قال أخبرنا أبو عامر العقدي حدثنا عمر بن أبي زائدة وذكر أن رواية إسحاق عن النضر لم يقع فيها قوله مشمرا ووقع في روايته عن أبي عامر وقد وقعت في الباب عن إسحاق عن النضر فيحتمل أن يكون إسحاق هو بن منصور ولم يقع لفظ مشمرا للإسماعيلي فإنه أخرجه من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عمه عمر بلفظ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى وبيص ساقيه ثم قال ورواه الثوري عن عون بن أبي جحيفة فقال في حديثه كأني أنظر إلى بريق ساقيه قال الإسماعيلي وهذا هو التشمير ويؤخذ منه أنه النهي عن كف الثياب في الصلاة محله في غير ذيل الإزار ويحتمل أن تكون هذه الصورة وقعت اتفاقا فإنها كانت في حالة السفر وهو محل التشمير

قوله باب بالتنوين ما أسفل من الكعبين فهو في النار كذا أطلق في الترجمة لم يقيده بالإزار كما في الخبر إشارة إلى التعميم في الإزار والقميص وغيرهما وكأنه أشار إلى لفظ حديث أبي سعيد وقد أخرجه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه أبو عوانة وابن حبان كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمنن بن يعقوب عن أبيه عن أبي سعيد ورجاله رجال مسلم وكأنه أعرض عنه لاختلاف فيه وقع على العلاء وعلى أبيه فرواه أكثر أصحاب العلاء عنه هكذا وخالفهم زيد بن أبي أنيسة فقال عن العلاء عن نعيم المجمر عن أبي عمر أخرجه الطبراني ورواه محمد بن عمرو ومحمد بن إبراهيم التيمي جميعا عن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة أخرجه النسائي وصحح الطريقين النسائي ورجح الدارقطني الأول وأخرج أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث أبي جرى بالجيم والراء مصغر واسمه جابر بن سليم رفعه قال في أثناء حديث مرفوع وارفع إزارك إلى نصف الساق فان أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة وأن الله لا يحب المخيلة وأخرج النسائي وصحح الحاكم أيضا من حديث حذيفة بلفظ الإزار إلى أنصاف الساقين فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فمن وراء الساقين ولا حق للكعبين في الإزار

[ 5450 ] قوله عن أبي هريرة في رواية الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة سمعت سعيدا المقبري سمعت أبا هريرة قوله ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار ما موصولة وبعض الصلة محذوف وهو كان واسفل خبره وهو منصوب ويجوز الرفع أي ما هو أسفل وهو أفعل تفضيل ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا ويجوز أن تكون ما نكرة موصوفة بأسفل قال الخطابي يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن بدن لابسه ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة وحاصله أنه من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حل فيه وتكون من بيانية ويحتمل أن تكون سببية ويكون المراد الشخص نفسه أو المعنى ما أسفل من الكعبين من الذي يسامت الإزار في النار أو التقدير لابس ما أسفل من الكعبين الخ أو التقدير أن فعل ذلك محسوب في أفعال أهل النار أو فيه تقديم وتأخير أي ما أسفل من الإزار من الكعبين في النار وكل هذا استبعاد ممن قاله لوقوع الإزار حقيقة في النار وأصله ما أخرج عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد أن نافعا سئل عن ذلك فقال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين اه لكن أخرج الطبراني من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن بن عمر قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم أسبلت إزاري فقال يا بن عمر كل شيء يمس الأرض من الثياب في النار وأخرج الطبراني بسند حسن عن بن مسعود أنه رأى أعرابيا يصلي قد أسبل فقال المسبل في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام ومثل هذا لا يقال بالرأي فعلى هذا لا مانع من حمل الحديث على ظاهره ويكون من وادي أنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أو يكون في الوعيد لما وقعت به المعصية إشارة إلى أن الذي يتعاطى المعصية أحق بذلك قوله في النار في رواية النسائي من طريق أبي يعقوب وهو عبد الرحمن بن يعقوب سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار بزيادة فاء وكأنها دخلت لتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار عقوبة له على فعله وللطبراني من حديث بن عباس رفعه كل شيء جاوز الكعبين من الإزار في النار وله من حديث عبد الله بن مغفل رفعه أزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين وليس عليه حرج فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك ففي النار وهذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد الخيلاء فهو الذي ورد فيه الوعيد بالإنفاق وأما مجرد الإسبال فسيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه ويستثنى من إسبال الإزار مطلقا ما أسبله لضرورة كمن يكون بكعبيه جرح مثلا يؤذيه الذباب مثلا أن لم يستره بازاره حيث لا يجد غيره نبه على ذلك شيخنا في شرح الترمذي واستدل على ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف في لبس القميص الحرير من أجل الحكة والجامع بينهما جواز تعاطي ما نهى عنه من أجل الضرورة كما يجوز كشف العورة للتداوي ويستثنى أيضا من الوعيد في ذلك النساء كما سيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى

قوله باب من جر ثوبه من الخيلاء أي بسبب الخيلاء أورد فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة بلفظ لا ينظر الله الى من جر إزاره بطرا ومثله لأبي داود والنسائي في حديث أبي سعيد المذكور قريبا والبطر بموحدة ومهملة مفتوحتين قال عياض جاء في الرواية بطرا بفتح الطاء علىالمصدر وبكسرها على الحال من فاعل جر أي جره تكبرا وطغيانا وأصل البطر الطغيان عند النعمة واستعمل بمعنى التكبر وقال الراغب أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة عن القيام بحقها

[ 5451 ] قوله لا ينظر الله أي لا يرحمه فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازا وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة وقال شيخنا في شرح الترمذي عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت متسببان عن النظر وقال الكرماني نسبة النظر لمن يجوز عليه النظر كناية لأن من أعند بالشخص التفت إليه ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وأن لم يكن هناك نظر ولمن لا يجوز عليه حقيقة النظر وهو تقليب الحدقة والله منزه عن ذلك فهو بمعنى الإحسان مجاز عما وقع في حق غيره كناية وقوله يوم القيامة إشارة إلى أنه محل الرحمة المستمرة بخلاف رحمة الدنيا فإنها قد تنقطع بما يتجدد من الحوادث ويؤيد ما ذكر من حمل النظر على الرحمة أو المقت ما أخرجه الطبراني وأصله في أبي داود من حديث أبي جرى أن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردة فتبختر فيها فنظر الله إليه فمقته فأمر الأرض فأخذته الحديث قوله من يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص وقد فهمت ذلك أم سلمة رضي الله عنها فأخرج النسائي والترمذي وصححه من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر متصلا بحديثه المذكور في الباب الأول فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن فقال يرخين شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه لفظ الترمذي وقد عزا بعضهم هذه الزيادة لمسلم فوهم فإنها ليست عنده وكأن مسلما أعرض عن هذه الزيادة للاختلاف فيها على نافع فقد أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبيد الله بن عمر عن سليمان بن يسار عن أم سلمة وأخرجه أبو داود من طريق أبي بكر بن نافع والنسائي من طريق أيوب بن موسى ومحمد بن إسحاق ثلاثتهم عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة وأخرجه النسائي من رواية يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة نفسها وفيه اختلافات أخرى ومع ذلك فله شاهد من حديث بن عمر أخرجه أبو داود من رواية أبي الصديق عن بن عمر قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال أن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء قال النووي ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء يقتضي أن التحريم مختص بالخيلاء ووجه التعقب أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة عن حكم النساء في جر ذيولهن معنى بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقا سواء كان عن مخيلة أم لا فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلا الإسبال من أجل ستر العورة لأن جميع قدمها عورة فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء ومراده منع الإسبال لتقريره صلى الله عليه وسلم أم سلمة على فهمها إلا أنه بين لها أنه عام مخصوص لتفرقته في الجواب بين الرجال والنساء في الإسبال وتبيينه القدر الذي يمنع ما بعده في حقهن كما بين ذلك في حق الرجال والحاصل أن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق وحال جواز وهو إلى الكعبين وكذلك للنساء حالان حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر وحال جواز بقدر ذراع ويؤيد هذا التفصيل في حق النساء ما أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق معتمر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة من عقبها شبرا وقال هذا ذيل المرأة وأخرجه أبو يعلى بلفظ شبر من ذيلها شبرا أو شبرين وقال لا تزدن على هذا ولم يسم فاطمة قال الطبراني تفرد به معتمر عن حميد قلت و أو شك من الراوي والذي جزم بالشبر هو المعتمد ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة شبرا ويستنبط من سياق الأحاديث أن التقييد بالجر خرج للغالب وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضرا لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة ففي صحيح مسلم عن بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل أن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال أن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس وقوله وغمط بفتح المعجمة وسكون الميم ثم مهلمة الاحتقار وأما ما أخرجه الطبري من حديث علي إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه فيدخل في قوله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض الآية فقد جمع الطبري بينه وبين حديث بن مسعود بأن حديث علي محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه لا من أحب ذلك ابتهاجا بنعمة الله عليه فقد أخرج الترمذي وحسنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وله شاهد عند أبي يعلى من حديث أبي سعيد وأخرج النسائي وأبو داود وصححه بن حبان والحاكم من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ورآه رث الثياب إذا آتاك الله ما لا فلير أثره عليك أي بأن يلبس ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه مع مراعاة القصد وترك الإسراف جمعا بين الأدلة تكملة الرجل الذي أبهم في حديث بن مسعود هو سواد بن عمرو الأنصاري وأخرجه الطبري من طريقه ووقع ذلك لجماعة غيره الحديث الثاني

[ 5452 ] قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم شك من آدم شيخ البخاري وقد أخرجه مسلم من رواية غندر وغيره عن شعبة فقالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه من رواية الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد قوله بينما رجل زاد مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة ممن كان قبلكم ومن ثم أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل كما مضى وخفي هذا على بعض الشراح وقد أخرجه أحمد من حديث أبي سعيد وأبو يعلى من حديث أنس وفي روايتهما أيضا ممن كان قبلكم وبذلك جزم النووي وأما ما أخرجه أبو يعلى من طريق كريب قال كنت أقود بن عباس فقال حدثني العباس قال بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل يتبختر بين ثوبين الحديث فهو ظاهر في أنه وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فسنده ضعيف والأول صحيح ويحتمل التعدد أو الجمع بأن المراد من كان قبل المخاطبين بذلك كأبي هريرة فقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى وأصله عند أحمد ومسلم أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة في حلة يتبختر فيها فقال يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا فقال والله إنكم لتؤذوننا ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه ما حدثتكم بشيء سمعت فذكر الحديث وقال في آخره فوالله ما أدري لعله كان من قومك وذكر السهيلي في مبهمات القرآن في سورة والصافات عن الطبري أن اسم الرجل المذكور الهيزن وأنه من أعراب فارس قلت وهذا أخرجه الطبري في التاريخ من طريق بن جريج عن شعيب الجياني وجزم الكلاباذي في معاني الأخبار بأنه قارون وكذا ذكر الجوهري في الصحاح وكأن المستند في ذلك ما أخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث أبي هريرة وابن عباس بسند ضعيف جدا قالا خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث الطويل وفيه ومن لبس ثوبا فاختال فيه خسف به من شفير جهنم فيتجلجل فيها لأن قارون لبس حلة فاختال فيها فخسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة وروى الطبري في التاريخ من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنه يخف بقارون كل يوم قامة وأنه يتجلجل فيما لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة قوله يمشي في حلة الحلة ثوبان أحدهما فوق الآخر وقيل إزار ورداء وهو الأشهر ووقع في رواية الأعرج وهمام جميعا عن أبي هريرة عند مسلم بينما رجل يتبختر في برديه قوله تعجبه نفسه في رواية الربيع بن مسلم فأعجبته جمته وبرداه ومثله لأحمد في رواية أبي رافع وفي حديث بن عمر بينا رجل يجر إزاره هكذا هنا وتقدم في أواخر ذكر بني إسرائيل بزيادة من الخيلاء والاقتصار على الإزار لا يدفع وجود الرداء وإنما خص الإزار بالذكر لأنه هو الذي يظهر به الخيلاء غالبا ووقع في حديث أبي سعيد عند أحمد وأنس عند أبي يعلى خرج في بردين يختال فيهما قال القرطبي اعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال مع نسيان نعمة الله فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم قوله مرجل بتشديد الجيم جمته بضم الجيم وتشديد الميم هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين وإلى أكثر من ذلك وأما الذي لا يتجاوز الأذنين فهو الوفرة وترجيل الشعر تسريحه ودهنه قوله إذ خسف الله به في رواية الأعرج فخسف الله به الأرض والأول أظهر في سرعة وقوع ذلك به قوله فهو يتجلجل إلى يوم القيامة في حديث بن عمر فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة وفي رواية الربيع بن مسلم عند مسلم فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة ومثله في رواية أبي رافع ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد حتى يوم القيامة والتجلجل بجيمين التحرك وقيل الجلجلة الحركة مع صوت وقال بن دريد كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته وقال بن فارس التجلجل أن يسوخ في الأرض مع أضطراب شديد ويندفع ممن شق إلى شق فالمعنى يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطربا متدافعا وحكى عياض أنه روى يتجلل بجيم واحدة ولام ثقيلة وهو بمعنى يتغطى أي تغطية الأرض وحكى عن بعض الروايات أيضا يتخلخل بخاءين معجمتين واستبعدها إلا أن يكون من قولهم خلخلت العظم إذا أخذت ما عليه من اللحم وجاء في غير الصحيحين يتحلحل بحاءين مهملتين قلت والكل تصحيف إلا الأول ومقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسد هذا الرجل فيمكن أن يلغز به فيقال كافر لا يبلى جسده بعد الموت

[ 5453 ] قوله تابعه يونس يعني بن يزيد عن الزهري وروايته تقدمت موصولة في أواخر ذكر بني إسرائيل قوله ولم يرفعه شعيب عن الزهري وصله الإسماعيلي من طريق أبي اليمان عنه بتمامه ولفظه جر إزاره مسبلا من الخيلاء الحديث الثالث

[ 5454 ] قوله وهب بن جرير حدثنا أبي هو جرير بن أبي حازم بن زيد الأزدي قوله عن عمه جرير بن زيد هو أبو سلمة البصري قاله أبو حاتم الرازي وليس لجرير بن زيد في البخاري سوى هذا الحديث وقد خالف فيه الزهري فقال عن سالم عن أبي هريرة والزهري يقول عن سالم عن أبيه لكن قوي عند البخاري أنه عن سالم عن أبيه وعن أبي هريرة معا لشدة إتقان الزهري ومعرفته بحديث سالم ولقول جرير بن زيد في روايته كنت مع سالم على باب داره فقال سمعت أبا هريرة فإنها قرينة في أنه حفظ ذلك عنه ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق علي بن سعيد عن وهب بن جرير فمر به شاب من قريش يجر إزاره فقال حدثنا أبو هريرة وهذا أيضا مما يقوي أن جرير بن زيد ضبطه لأن مثل هذه القصة لأبي هريرة قد رواها أبو رافع عنه كما قدمت أن مسلما أخرجها كذلك وقد أخرجه النسائي في الزينة من السنن من رواية علي بن المديني عن وهب بن جرير بهذا السند فقال في روايته عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة وأورده بن عساكر في ترجمة عبد الله بن عمر عن أبي هريرة وهو وهم نبه عليه المزي وكأنه رفع في نسخته تصحيف بن عبد الله فصارت عن عبد الله بن عمر قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه في رواية أبي نعيم المذكورة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما رجل يتبختر في حلة تعجبه نفسه خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ذكر طرق أخرى للحديث الثاني

[ 5455 ] قوله محارب بالمهملة والموحدة وزن مقاتل ودثار بكسر المهملة وتخفيف المثلثة قوله مكانه الذي يقضى فيه كان محارب قد ولى قضاء الكوفة قال عبد الله بن إدريس الأودي عن أبيه رأيت الحكم وحمادا في مجلس قضائه وقال سماك بن حرب كان أهل الجاهلية إذا كان في الرجل ست خصال سودوه الحلم والعقل والسخاء والشجاعة والبيان والتواضع ولا يكملن في الإسلام إلا بالعفاف وقد اجتمعن في هذا الرجل يعني محارب بن دثار وقال الداودي لعل ركوبه الفرس كان ليغيظ به الكفار ويرهب به العدو وتعقبه بن التين بأن ركوب الخيل جائز فلا معنى للاعتذار عنه قلت لكن المشي أقرب إلى التواضع ويحتمل أن منزله كان بعيدا عن منزل حكمة قوله فقلت لمحارب أذكر إزاره قال ما خص إزارا ولا قميصا كان سبب سؤال شعبة عن الإزار أن أكثر الطرق جاءت بلفظ الإزار وجواب محارب حاصله أن التعبير بالثوب يشمل الإزار وغيره وقد جاء التصريح بما اقتضاه ذلك فأخرج أصحاب السنن إلا الترمذي واستغربه بن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن أبي داود عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء الحديث كحديث الباب وعبد العزيز فيه مقال وقد أخرج أبو داود من رواية يزيد بن أبي سمية عن بن عمر قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص وقال الطبري إنما ورد الخبر بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في عهده كانوا يلبسون الإزار والأردية فلما لبس الناس القميص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في النهي قال بن بطال هذا قياس صحيح لو لم يأت النص بالثوب فإنه يشمل جميع ذلك وفي تصوير جر العمامة نظر إلا أن يكون المراد ما جرت به عادة العرب من إرخاء للعذبات فهمها زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وقد أخرج النسائي من حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه قال كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة قد أرخى طرفها بين كتفيه وهل يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه محل نظر والذي يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة كما يفعله بعض الحجازيين دخل في ذلك قال شيخنا في شرح الترمذي ما مس الأرض منها خيلاء لا شك في تحريمه قال ولو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يكن بعيدا ولكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك في تحريمه وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع ونقل عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة قلت وسأذكر البحث فيه قريبا قوله تابعه جبلة بفتح الجيم والموحدة بن سحيم بمهملتين مصغر وقد وصل روايته النسائي من طريق شعبة عنه عن بن عمر بلفظ من جر ثوبا من ثيابه من مخيلة فإن الله لا ينظر إليه وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن محارب بن دثار وجبلة بن سحيم جميعا عن بن عمر ولم يسق لفظه قوله وزيد بن أسلم تقدم الكلام عليه في أول اللباس قوله وزيد بن عبد الله أي بن عمر يعني تابعوا محارب بن دثار في روايته عن بن عمر بلفظ الثوب لا بلفظ الإزار جزم بذلك الإسماعيلي ولم تقع لي رواية زيد موصولة بعد وقد أخرج أبو عوانة هذا الحديث من رواية بن وهب عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله عن أبيه بلفظ أن الذي يجر ثيابه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة وسيأتي لمسلم مقرونا بسالم ونافع وأخرج البخاري من رواية بن وهب عن عمر بن محمد بن زيد عن جده حديثا آخر فلعل مراده بقوله هنا عن أبيه جده والله أعلم قوله وقال الليث عن نافع يعني عن بن عمر مثله وصله مسلم عن قتيبة عنه ولم يسق لفظه بل قال مثل حديث مالك وأخرجه النسائي عن قتيبة فذكره بلفظ الثوب وكذا أخرجه من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قوله وتابعه موسى بن عقبة وعمر بن محمد وقدامة بن موسى عن سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء أما رواية موسى بن عقبة فتقدمت في أول الباب الثاني من كتاب اللباس وأما رواية عمر بن محمد وهو بن زيد بن عبد الله بن عمر فوصلها مسلم من طريق بن وهب أخبرني عمر بن محمد عن أبيه وسالم ونافع عن بن عمر بلفظ الذي يجر ثيابه من المخيلة الحديث وأما رواية قدامة بن موسى وهو بن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي وهو مدني تابعي صغير وكان إمام المسجد النبوي وليس له في البخاري سوى هذا الموضع فوصلها أبو عوانة في صحيحه ووقعت لنا بعلو في الثقفيات بلفظ حديث مالك المذكور أول كتاب اللباس قلت وكذا أخرجه مسلم من رواية حنظلة بن أبي سفيان عن سالم وقد رواه جماعة عن بن عمر بلفظ من جر إزاره منهم مسلم بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون وآخره قاف ومحمد بن عباد بن جعفر كلاهما عند مسلم وعطية العوفي عند بن ماجة ورواه آخرون بلفظ الإزار والرواية بلفظ الثوب أشمل والله أعلم وفي هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا ولكن استدل بالتقيد في هذه الأحاديث بالخيلاء عن أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا فلا يحرم الجر والاسبال إذا سلم من الخيلاء قال بن عبد البر مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحق الوعيد إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال وقال النووي الإسبال تحت الكعبين الخيلاء فإن كان لغيرها فهو مكروه وهكذا نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير الخيلاء قال والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق والجائز بلا كراهية ما تحته إلى الكعبين وما نزل عن الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء وإلا فمنع تنزيه لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة فيجب تقيدها بالإسبال للخيلاء انتهى والنص الذي أشار إليه ذكره البويطي في مختصره عن الشافعي قال لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء ولغيرها خفيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر اه وقوله خفيف ليس صريحا في نفي التحريم بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال فإن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله فهذا لا يظهر فيه تحريم ولا سيما إن كان عن غير قصد كالذي وقع لأبي بكر وإن كان الثوب زائدا على قدر لابسه فهذا لا يظهر فيه تحريم ولا سيما ان كان عن غير قصد كالذي وقع لأبي بكر وان كان الثوب زائدا على قدر لابسه فهذا قد يتجه المنع فيه من جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم وقد يتجه المنع فيه من جهة التشبه بالنساء وهو أمكن فيه من الأول وقد صحح الحاكم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسه المرأة وقد يتجه المنع فيه من جهة أن لابسه لا يأمن من تعلق النجاسة به وإلى ذلك يشير الحديث الذي أخرجه الترمذي في الشمائل والنسائي من طريق أشعث بن أبي الشعثاء وأسم أبيه سليم المحاربي عن عمته واسمها رهم بضم الراء وسكون الهاء وهي بنت الأسود بن حنظلة عن عمها واسمه عبيد بن خالد قال كنت أمشي وعلي برد أجره فقال لي رجل أرفع ثوبك فإنه أنقى وأرقى فنظرت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إنما هي بردة ملحاء فقال أما لك في أسوة قال فنظرت فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه وسنده قبلها جيد وقوله ملحاء بفتح الميم وبمهملة قبلها سكون ممدودة أي فيها خطوط سود وبيض وفي قصة قتل عمر أنه قال للشاب الذي دخل عليه أرفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك وقد تقدم في المناقب ويتجه المنع أيضا في الإسبال من جهة أخرى وهي كونه مظنة الخيلاء قال بن العربي لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبة ويقول لا أجره خيلاء لأن النهي قد تناوله لفظا ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكما أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست في فإنها دعوة غير مسلمة بل إطالته ذيله دالة على تكبره اه ملخصا وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد اللباس الخيلاء ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن بن عمر في أثناء حديث رفعه وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال يا رسول الله إني حمش الساقين فقال يا عمرو إن الله قد أحسن كل شيء خلقه يا عمرو إن الله لا يحب المسبل الحديث وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه لكن قال في روايته عن عمرو بن فلان وأخرجه الطبراني أيضا فقال عن عمرو بن زرارة وفيه وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع تحت ركبة عمرو فقال يا عمرو هذا موضع الإزار ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع فقال يا عمرو هذا موضع الإزار الحديث ورجاله ثقات وظاهره أن عمرا المذكور لم يقصد بإسباله الخيلاء وقد منعه من ذلك لكونه مظنة وأخرج الطبراني من حديث الشريد الثقفي قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد أسبل إزاره فقال ارفع إزارك فقال أني أحنث تصطك ركبتاي فقال ارفع إزارك فكل خلق الله حسن أخرجه مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة من طرق عن رجل من ثقيف لم يسم وفي آخره ذاك أقبح مما بساقك وأما ما أخرجه بن أبي شيبة عن بن مسعود بسند جيد أنه كان يسبل إزاره فقيل له في ذلك فقال أني حمش الساقين فهو محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب وهو أن يكون إلى نصف الساق ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين والتعليل يرشد إليه ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة والله أعلم وأخرج النسائي وابن ماجة وصححه بن حبان من حديث المغيرة بن شعبة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برداء سفيان بن سهيل وهو يقول يا سفيان لا تسبل فإن الله لا يحب المسبلين

قوله باب الإزار المهدب بدال مهملة ثقيلة مفتوحة أي الذي له هدب وهي أطراف من سدى بغير لحمة ربما قصد بها التجمل وقد تفتل صيانة لها من الفساد وقال الداودي هي ما يبقى من الخيوط من أطراف الأردية قوله ويذكر عن الزهري وأبي بكر بن محمد وحمزة بن أبي أسيد ومعاوية بن عبد الله بن جعفر أنهم لبسوا ثيابا مهدبة قال بن التين قيل يريد أنها غير مكفوفة الأسفل وهذه الآثر لم يقع لي أكثرها موصولا أما الزهري فهو بن شهاب الإمام المعروف وأما أبو بكر بن محمد فهو بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة وأما حمزة بن أبي أسيد وهو بالتصغير الأنصاري الساعدي فوصله بن سعد قال أخبرنا معن بن عيسى حدثنا سلمة بن ميمون مولى أبي أسيد قال رأيت حمزة بن أبي أسيد الساعدي عليه ثوب مفتول الهدب وسلمة هذا لم يزد البخاري في ترجمته على ما في هذا السند وذكره بن حبان في الثقات وأما معاوية بن عبد الله بن جعفر أي بن أبي طالب فهو مدني تابعي ما له في البخاري سوى هذا الموضع ثم ذكر حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة والغرض منه قولها ما معه الأمثل الهدبة وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب الطلاق والمراد بالهدبة الخصلة من الهدب ووقع في هذا الباب حديث مرفوع أخرجه أبو داود من حديث أبي جرى جابر بن سليم قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتسب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه وقوله

[ 5456 ] في آخر هذه الطريق فصار سنة بعده في رواية الكشميهني بعد بغير ضمير وهو من قول الزهري فما فيما أحسب

قوله باب الاردية جمع رداء بالمد وهو ما يوضع على العاتق أبو بين الكتفين من الثياب على أي صفة كان قوله وقال أنس جبذ أعرابي رداء النبي صلى الله عليه وسلم بجيم وموحدة ومعجمة وهذا طرف من حديث وصله المؤلف بعد أبواب في باب البرود والحبرة ثم ذكر طرفا من حديث علي قال فدعا النبي صلى الله عليه وسلم برداءه فارتدى وهو طرف من حديثه في قصة حمزة والشارفين وقد تقدم بتمامه في فرض الخمس وقوله

[ 5457 ] فدعا عطف على ما ذكر في أول الحديث وهو قول علي كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر الحديث بطوله وقوله هنا فاستأذن فأذنوا له كذا للأكثر بصيغة الجمع والمراد حمزة ومن معه وفي رواية المستملي فأذن بالإفراد والمراد حمزة لكونه كان كبير القوم

قوله باب لبس القميص وقال الله تعالى حكاية عن يوسف اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي كأنه يشير إلى أن لبس القميص ليس حادثا وإن كان الشائع في العرب لبس الإزار والرداء ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عمر فيما يلبس المحرم من الثياب وقد مضى شرحه في الحج مستوفي وفيه لا يلبس المحرم القميص وفيه دلالة على وجود القصمان حينئذ والثاني حديث جابر في قصة موت عبد الله بن أبي

[ 5459 ] قوله حدثنا عبد الله بن عثمان هو المروزي الملقب عبدان زاد القابسي عبد الله بن عثمان بن محمد وهو تحريف وليس في شيوخ البخاري من اسمه عبد الله بن عثمان الا عبدان وجده هو جبلة بن أبي رواد ووقع في رواية أبي زيد المروزي عبد الله بن محمد فإن كان ضبطه فلعله اختلاف على البخاري وفي شيوخه عبد الله بن محمد الجعفي وهو أشهرهم وابن أبي شيبة وأكثر ما يجيء أبوه عنده غير مسمى وابن أبي الأسود كذلك وعبد الله بن محمد بن أسماء وليست له رواية عنده عن بن عيينة وعبد الله بن محمد النفيلي كذلك وقد مضى شرحه في تفسير سورة براءة أورده هنا مختصرا إلى قوله وألبسه قميصه فالله أعلم وهذه الكلمة الأخيرة من جملة الحديث قالها جابر وقد وقعت في كلام عمر أيضا في هذه القصة كما تقدم في تفسير براءة الثالث حديث بن عمر في قصة عبد الله بن أبي أيضا وقد تقدم شرحه أيضا تكملة قال بن العربي لم أر للقميص ذكرا صحيحا إلا في الآية المذكورة وقصة بن أبي ولم أر لهما ثالثا فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في كتابه سراج المريدين وكأنه صنفه قبل شرح الترمذي فلم يستحضر حديث أم سلمة ولا حديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصا بدأ بميامنه ولا حديث أسماء بنت يزيد كانت يد كم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ ولا حديث معاوية بن قرة بن إياس المزني حدثني أبي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه لمطلق فبايعته ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم ولا حديث أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد الحديث وكلها في السنن وأكثرها في الترمذي وفي الصحيحين حديث عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أثواب ليس فيها قميصا ولا عمامة وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف في قميص الحرير لحكة كانت به وحديث بن عمر رفعه لا يلبس المحرم القميص ولا العمائم الحديث وغير ذلك

قوله باب جيب القميص من عند الصدر وغيره الجيب بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها موحدة هو ما يقطع من الثوب ليخرج منه الرأس أو اليد أو غير ذلك واعترضه الإسماعيلي فقال الجيب الذي يحيط بالعنق جيب الثوب أي جعل فيه ثقب وأورده البخاري على أنه ما يجعل في الصدر ليوضع فيه الشيء وبذلك فسره أبو عبيد لكن ليس هو المراد هنا وإنما الجيب الذي أشار إليه في الحديث هو الأول كذا قال وكأنه يعني ما وقع في الحديث من

[ 5461 ] قوله ويقول بأصبعه هكذا في جيبه فإن الظاهر أنه كان لابس قميص وكان في طوقه فتحة إلى صدره ولا مانع من حمله على المعنى الآخر بل استدل به بن بطال على أن الجيب في ثياب السلف كان عند الصدر قال وهو الذي تصنعه النساء بالأندلس وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت في الموضع الذي ضاق عليها وهو الثدي والتراقي وذلك في الصدر قال فبان أن جيبه كان في صدره لأنه لو كان في يده لم تضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه قلت وفي حديث قرة بن إياس الذي أخرجه أبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم قال فأدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم ما يقتضي أن جيب قميصه كان في صدره لأن في أول الحديث أنه رآه مطلق القميص أي غير مزرور وذكر المصنف في الباب حديث مثل البخيل والمتصدق وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الزكاة وقوله في هذه الرواية مادت بتخفيف الدال أي مالت ولبعض الرواة مارت بالراء بدل الدال أبي سألت وقوله ثديهما بضم المثلثة على الجمع وبفتحها على التثنية وقوله يغشى بضم أوله والتشديد ويجوز فتح أوله وسكون ثانيه بمعنى وعبد الله بن محمد هو الجعفي وأبو عامر هو العقدي والحسن هو بن مسلم بن يناق وقد تقدم ضبط اسم جده قريبا قوله وتراقيهما جمع ترقوة بفتح المثناة وضم القاف هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وقال ثابت بن قاسم في الدلائل الترقوتان العظمان المشرفان في أعلى الصدر إلى طرف ثغرة النحر قوله فلو رأيته جوابه محذوف وتقديره لتعجبت منه أو هو للتمني والأول أوضح قوله يقول بأصبعه هكذا في جيبه كذا للأكثر بفتح الجيم وهو الموافق للترجمة وكذا في رواية مسلم وعليه اقتصر الحميدي وللكشميهني وحده بضم الجيم وتشديد الموحدة بعدها مثناة ثم ضمير والأول أولى لدلالته على الموضع بخصوصه بخلاف الثاني والله أعلم قوله تابعه بن طاوس يعني عبد الله عن أبيه يعني عن أبي هريرة وقد تقدم موصولا في الزكاة ولم يسقه بتمامه فيه بل ساقه في الجهاد قوله وأبو الزناد عن الأعرج يعني عن أبي هريرة قوله في الجبتين يعني بالموحدة وقد بينت اختلاف الرواة في ذلك هل هو بالموحدة أو النون في كتاب الزكاة ورواية أبي الزناد وصلها المؤلف في الزكاة قوله وقال حنظلة هو بن أبي سفيان وقد سبق القول فيه أيضا في الزكاة قوله وقال جعفر بن ربيعة كذا للأكثر وهو الصواب ووقع في رواية أبي ذر وقال جعفر بن حيان وكذا وقع عند بن بطال وهو خطأ وقد ذكرها في الزكاة أيضا تعليقا بزيادة فقال وقال الليث حدثني جعفر وبينت هناك أن لليث فيه إسنادا آخر من رواية عيسى بن حماد عنه عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد

قوله باب من لبيس جبة ضيقة الكمين في السفر ترجم له في الصلاة في الجبة الشامية وفي الجهاد الجبة في السفر والحرب وكأنه يشير إلى أن لبس النبي صلى الله عليه وسلم الجبة الضيقة إنما كان لحال السفر لاحتياج المسافر إلى ذلك وأن السفر يغتفر فيه لبس غير المعتاد في الحضر وقد تواردت الأحاديث عمن وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها أن كميه ضاقا عن إخراج يديه منهما أشار إلى ذلك بن بطال وأورد فيه حديث المغيرة في مسح الخفين وقد تقدم شرحه في الطهارة وفيه القصة المذكورة وفيه وعليه جبة شامية وهي بتشديد الياء ويجوز تخفيفها وعبد الواحد المذكور في سنده هو بن زياد وقوله

[ 5462 ] فيه فأخرج يديه من تحت بدنه بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون أي جبته ووقع كذلك في رواية أبي علي بن السكن والبدن درع ضيقة الكمين

قوله باب لبس جبة الصوف ذكر فيه حديث المغيرة المشار إليه من وجه آخر عنه وساقه عنه أتم وزكريا المذكور فيه هو بن أبي زائدة وعامر هو الشعبي قال بن بطال كره مالك لبس الصوف لمن يجد غيره لما فيه من الشهرة بالزهد لأن إخفاء العمل أولى قال ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه

قوله باب القباء بفتح القاف وبالموحدة ممدود فارسي معرب وقيل عربي واشتقاقه من القبو وهو الضم قوله وفروج حرير بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وآخره جيم قوله وهو القباء قلت ووقع كذلك مفسرا في بعض طرق الحديث كما سأبينه قوله ويقال هو الذي له شق من خلفه أي فهو قباء مخصوص وبهذا جزم أبو عبيد ومن تبعه من أصحاب الغريب نظرا لاشتقاقه وقال بن فارس هو قميص الصبي الصغير وقال القرطبي القباء والفروج كلاهما ثوب ضيق الكمين والوسط مشقوق من خلف يلبس في السفر والحرب لأنه أعون على الحركة وذكر فيه حديثين أحدهما

[ 5464 ] قوله عن بن أبي مليكة في رواية أحمد عن أبي النضر هاشم عن الليث حدثني عبد الله بن عبيد بن أبي مليكة وسيأتي كذلك في باب المزرور بالذهب معلقا قوله عن المسور بن مخرمة هكذا أسنده الليث وتابعه حاتم بن وردان عن أيوب عن بن أبي مليكة على وصله كما تقدم في الشهادات وأرسله حماد بن زيد كما تقدم في الخمس وإسماعيل بن علية كما سيأتي في الأدب كلاهما عن أيوب وقد تقدم الكلام على ذلك في باب قسمة الإمام ما يقدم عليه من كتاب الخمس قوله قسم النبي صلى الله عليه وسلم أقبية في رواية حاتم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية وفي رواية حماد أهديت النبي صلى الله عليه وسلم أقبية من ديباج مزرورة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه قوله ولم يعط مخرمة شيئا أي في حال تلك القسمة وإلا فقد وقع في رواية حماد بن زيد متصلا بقوله من أصحابه وعزل منها واحدا لمخرمة ومخرمة هو والد المسور وهو بن نوفل الزهري كان من رؤساء قريش ومن العارفين بالنسب وأنصاب الحرم وتأخر إسلامه إلى الفتح وشهد حنينا وأعطى من تلك الغنيمة مع المؤلفة ومات سنة أربع وخمسين وهو بن مائة وخمس عشرة سنة ذكره بن سعد قوله انطلق بنا في رواية حاتم عسى أن يعطينا منها شيئا وقوله أدخل فادعوه لي في رواية حاتم فقام أبي على الباب فتكلم فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته قال بن التين لعل خروج النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع صوت مخرمة صادف دخول المسور إليه قوله فخرج إليه وعليه قباء منها ظاهره استعمال الحرير قيل ويجوز أن يكون قبل النهي ويحتمل أن يكون المراد أنه نشره على أكتافه ليراه مخرمة كله ولم يقصد لبسه قلت ولا يتعين كونه على أكتافه بل يكفي أن يكون منشورا على يديه فيكون قوله عليه من إطلاق الكل على البعض وقد وقع في رواية حاتم فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه وفي رواية حماد فتلقاه به واستقبله بإزراره قوله خبأت هذا لك في رواية حاتم تكرار ذلك زاد في رواية حماد يا أبا المسور هكذا دعاه أبا المسور وكأنه على سبيل التأنيس له ذكر ولده الذي جاء صحبته وإلا فكنيته في الأصل أبا صفوان وهو أكبر أولاده ذكر ذلك بن سعد قوله فنظر إليه فقال رضي مخرمة زاد في رواية هاشم فأعطاه إياه وجزم الداودي أن قوله رضي مخرمة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد رجحت في الهبة أنه من كلام مخرمة زاد حماد في آخر الحديث وكان في خلقه شدة قال بن بطال يستفاد منه استئلاف أهل اللسن ومن في معناهم بالعطية والكلام الطيب وفيه الاكتفاء في الهبة بالقبض وقد تقدم البحث فيه هناك وتقدم في كتاب الشهادات الاستدلال به على جواز شهادة الأعمى لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف صوت مخرمة فاعتمد على معرفته به وخرج إليه ومعه القباء الذي خبأه له واستنبط بعض المالكية منه جواز الشهادة على الخط وتعقب بأن الخطوط تشتبه أكثر مما تشتبه الأصوات وقد تقدم بقية ما يتعلق بذلك في الشهادات وفيه رد على من زعم أن المسور لا صحبة له الحديث الثاني

[ 5465 ] قوله عن يزيد بن أبي حبيب في رواية أحمد عن حجاج هو بن محمد وهاشم هو بن القاسم عن الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب قوله عن أبي الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني وثبت كذلك في رواية أحمد المذكورة قوله عن عقبة عن عامر هو الجهني وصرح به رواية عبد الحميد من جعفر ومحمد بن إسحاق كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب عند أحمد قوله فروج حرير في رواية بن إسحاق عند أحمد فروج من حرير قوله ثم صلى فيه زاد في رواية بن إسحاق وعبد الحميد عند أحمد ثم صلى فيه المغرب قوله ثم انصرف في رواية بن إسحاق فلما قضى صلاته وفي رواية عبد الحميد فلما سلم من صلاته وهو المراد بالانصراف في رواية الليث قوله فنزعه نزعا شديدا زاد أحمد في روايته عن حجاج وهاشم عنيفا أي بقوة ومبادرة لذلك على خلاف عادته في الرفق والتأني وهو مما يؤكد أن التحريم وقع حينئذ قوله كالكاره له زاد أحمد في رواية عبد الحميد بن جعفر ثم ألقاه فقلنا يا رسول الله قد لبسته وصليت فيه قوله ثم قال لا ينبغي هذا يحتمل أن تكون الإشارة للبس ويحتمل أن تكون للحرير فيتناول غير اللبس من الاستعمال كالافتراش قوله للمتقين قال بن بطال يمكن أن يكون نزعه لكونه كان حريرا صرفا ويمكن أن يكون نزعه لأنه من جنس لباس الأعاجم وقد ورد حديث بن عمر رفعه من تشبه بقوم فهو منهم قلت أخرجه بن داود بسند حسن وهذا التردد مبني على تفسير المراد بالمتقين فإن كان المراد به مطلق المؤمنين حمل على الأول وإن كان المراد به قدرا زائدا على ذلك حمل على الثاني والله أعلم قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة اسم التقوى يعم جميع المسلمين لكن الناس فيه على درجات قال الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات الآية فكل من دخل في الإسلام فقد اتقى أي وقى نفسه من الخلود في النار وهذا مقام العموم وأما مقام الخصوص فهو مقام الإحسان كما قال صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه انتهى وقد رجع عياض أن المنع فيه لكونه حريرا واستدل لذلك بحديث جابر الذي أخرجه مسلم في الباب من حديث عقبة وقد قدمت ذكره في كتاب الصلاة وبينت هناك أن هذه القصة كانت مبتدأ تحريم لبس الحرير وقال القرطبي في المفهم المراد بالمتقين المؤمنون لأنهم الذين خافوا الله تعالى واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له وقال غيره لعل هذا من باب التهييج للمكلف على الأخذ بذلك لأن من سمع أن من فعل ذلك كان غير متق فهم منه أنه لا يفعله إلا المستخف فيأنف من فعل ذلك لئلا يوصف بأنه غير متق واستدل به على تحريم الحرير على الرجال دون النساء لأن اللفظ لا يتناولهن على الراجح ودخولهن بطريق التغليب مجاز يمنع منه ورود الأدلة الصريحة على إباحته لهن وسيأتي في باب مفرد بعد قريب من عشرين بابا وعلى الصبيان لا يحرم عليهم لبسه لأنهم لا يوصفون بالتقوى وقد قال الجمهور بجواز إلباسهم ذلك في نحو العيد وأما في غيره فكذلك في الأصح عند الشافعية وعكسه عند الحنابلة وفي وجه ثالث يمنع بعد التمييز وفي الحديث أن لا كراهة في لبس الثياب الضيقة و المفرجة لمن اعتادها أو احتاج إليها وقد أشرت إلى ذلك قريبا في باب لبس الجبة الضيقة قوله تابعه عبد الله بن يوسف عن الليث وقال غيره يعني بسنده فروج حرير أما رواية عبد الله بن يوسف فوصلها المؤلف رحمه الله في أوائل الصلاة وأما رواية غيره فوصلها أحمد عن حجاج بن محمد وهاشم وهو أبو النضر ومسلم والنسائي عند قتيبة والحارث عن يونس بن محمد المؤدب كلهم عن الليث وقد اختلف في المغايرة بين الروايتين على خمسة أوجه أحدها التنوين والإضافة وكا يقال ثوب خز بالإضافة وثوب خز بتنوين ثوب قاله بن التين إحتمالا ثانيها ضم أوله وفتحه حكاه بن التين رواية قال والفتح أوجه لأن فعولا لم يرد إلا في سبوح وقدوس وفروخ يعني الفرخ من الدجاج انتهى وقد قدمت في كتاب الصلاة حكاية حواز الضم في أبي العلاء المعري وقال القرطبي في المفهم حكى الضم والفتح والضم هو المعروف ثالثها تشديد الراء وتخفيفها حكاه عياض ومن تبعه رابعها هل هو بجيم آخره أو خاء معجمة حكاه عياض أيضا خامسها حكاه الكرماني قال الأول فروج من حرير بزيادة من والثاني بحذفها قلت وزيادة من ليست في الصحيحين وقد ذكرناها عن رواية لأحمد

قوله باب البرانس جمع برنس بضم الموحدة والنون بينهما راء ساكنة وآخره مهملة تقدم تفسيره في كتاب الحج وكذا شرح حديث بن عمر المذكور فيه قوله وقال لي مسدد حدثنا معتمر يعني بن سليمان التيمي وقوله من خز بفتح المعجمة وتشديد زاي هو ما غلظ من الديباج وأصله من وبر الأرنب ويقال لذكر الأرنب خزز بوزن عمر وسيأتي شرحه وحكمه في باب لبس القمي بعد أربعة عشر بابا وهذا الأثر موصول التصريح المصنف بقوله قال لي لكن لم يقع في رواية النسفي لفظ لي فهو تعليق وقد رويناه موصولا في مسند مسدد رواية معاذ بن المثنى عن مسدد وكذا وصله بن أبي شيبة عن بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال رأيت على أنس فذكر مثله وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان وقد سئل مالك عنه فقال لا بأس به قيل فإنه من لبوس النصارى قال كان يلبس ههنا وقال عبد الله بن أبي بكر ما كان أحد من القراء إلا له برنس وأخرج الطبراني من حديث أبي قرصافة قال كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم برنسا فقال إلبسه وفي سنده من لا يعرف ولعل من كرهه أخذ بعموم حديث على رفعه إياكم ولبوس الرهبان فإنه من تزيا بهم أو تشبه فليس مني أخرجه الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به

قوله باب السراويل ذكر فيه حديث بن عباس رفعه من لم يجد إزارا فليلبس سراويل وحديث بن عمر فيما لا يلبس المحرم من الثياب وقد تقدما وشرحهما في كتاب الحج ولم يرد فيه حديث على شرطه وقد أخرج حديث الدعاء للمتسرولات البزار من حديث علي بسند ضعيف وصح أنه صلى الله عليه وسلم اشترى رجل سراويل من سويد بن قيس أخرجه الأربعة وأحمد وصححه بن حبان من حديثه وأخرجه أحمد أيضا من حديث مالك بن عميرة الأسدي قال قدمت قبل مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى مني سراويل فأرجح لي وما كان ليشتريه عبثا وإن كان غالب لبسه الإزار وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث بن هريرة دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزاز فاشترى سراويل بأربعة دراهم الحديث وفيه قلت يا رسول الله وأنك لتلبس السراويل قال أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالتستر وفيه يونس بن زياد البصري وهو ضعيف قال بن القيم في الهدي اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل والظاهر أنه إنما اشتراه ليلبسه ثم قال وروى في حديث أنه لبس السراويل وكانوا يلبسونه في زمانه وباذنه قلت وتؤخذ أدلة ذلك كله مما ذكرته ووقع في الأحياء للغزالي أن الثمن ثلاثة دراهم والذي تقدم أنه أربعة دراهم أولى

قوله باب العمائم ذكر فيه حديث بن عمر المذكور قبله من وجه آخر وقد سبق في الحج وكأنه لم يثبت عنده على شرطه في العمامة شيء وقد ورد فيها الحديث الماضي في آخر باب من جر ثوبه من الخيلاء من حديث عمرو بن حريث أنه قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه أخرجه مسلم وعن أبي المليح بن أسامة عن أبيه رفعه اعتموا تزدادوا حلما أخرجه الطبراني والترمذي في العلل المفرد وضعفه البخاري وقد صححه الحاكم فلم يصب وله شاهد عند البزار عن بن عباس ضعيف أيضا وعن ركانة رفعه فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم أخرجه أبو داود والترمذي وعن بن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه أخرجه الترمذي وفيه أن بن عمر كان يفعله والقاسم وسالم وأما مالك فقال أنه لم ير أحدا يفعله إلا عامر بن عبد الله بن الزبير والله أعلم

قوله باب التقنع بقاف ونون ثقيلة وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره قوله وقال بن عباس خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة دسماء هذا طرف من حديث مسند عنده في مواضع منها في مناقب الأنصار في باب أقبلوا من محسنهم ومن طريق عكرمة سمعت بن عباس يقول خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء الحديث والدسماء بمهملتين والمد ضد النظيفة وقد يكون ذلك لونها في الأصل ويؤيده أنه وقع في رواية أخرى عصابة سوداء قوله وقال أنس عصب النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه حاشية برد هو أيضا طرف من حديث أخرجه في الباب المذكور من طريق هشام بن زيد بن أنس سمعت أنس بن مالك يقول فذكر الحديث وفيه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد ثم ذكر حديث عائشة في شأن الهجرة بطوله وقد تقدم في السيرة النبوية أتم منه وتقدم شرحه مستوفى والغرض منه قوله قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها وقوله

[ 5470 ] فيه فدا لك في رواية الكشميهني فداله وقوله إن جاء به في هذه الساعة لأمر بفتح اللام وبالتنوين مرفوعا واللام للتأكيد لأن إن الساكنة مخففة من الثقيلة وللكشميهني إلا لأمر و أن على هذا نافية وقوله أحث بمهملة ثم مثلثة ثقيلة في رواية الكشميهني أحب بموحدة وأظنه تصحيفا وقوله ويرعى عليهما عامر بن فهيرة منحة من غنم فيريحه أي يربح الذي يرعاه وللكشميهني فيريحها وقوله في رسلهما بالتثنية في رواية الكشميهني في رسلها وكذا القول في قوله حتى ينعق به ما عنده بها قال الإسماعيلي ما ذكره من العصابة لا يدخل في التقنع فالتقنع تغطية الرأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة قلت الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرأس فوق العمامة والله أعلم ونازع بن القيم في كتاب الهدى من استدل بحديث التقنع على مشروعية لبس الطيلسان بأن التقنع غير التطيلس وجزم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يلبس الطيلسان ولا أحد من أصحابه ثم على تقدير أن يؤخذ من التقنع بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتقنع إلا لحاجة ويرد عليه حديث أنس كان صلى الله عليه وسلم يكثر القناع وقد ثبت أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم كما تقدم معلقا في كتاب الجهاد من حديث بن عمرو وصله أبو داود وعند الترمذي من حديث أنس ليس منا من تشبه بغيرنا وقد ثبت عند مسلم من حديث النواس بن سمعان في قصة الدجال يتبعه اليهود وعليهم الطيالسة وفي حديث أنس أنه رأى قوما عليهم الطيالسة فقال كأنهم يهود خيبر وعورض بما أخرجه بن سعد بسند مرسل وصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطيلسان فقال هذا ثوب لا يؤدي شكره أخرجه وإنما يصلح الاستدلال بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعارهم وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة فصار داخلا في عموم المباح وقد ذكره بن عبد السلام في أمثلة البدعة المباحة وقد يصير من شعائر قوم فيصير تركه من الاخلال بالمروءة كما نبه عليه الفقهاء أن الشيء قد يكون لقوم وتركه بالعكس ومثل بن الرفعة ذلك بالسوقي والفقيه في الطيلسان

قوله باب المغفر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء بعدها راء تقدم شرحه والكلام على حديث أنس الذي في الباب في كتاب المغازي مستوفى وذكر بن بطال هنا أن بعض المتعسفين أنكر على مالك

[ 5471 ] قوله في هذا الحديث وعلى رأسه المغفر وأنه تفرد به قال والمحفوظ أنه دخل مكة وعليه عمامة سوداء ثم أجاب عن دعوى التفرد أنه وجد في كتاب حديث الزهري تصنيف النسائي هذا الحديث من رواية الأوزاعي عن الزهري مثل ما رواه مالك وعن الحديث الآخر بأنه دخل وعلى رأسه المغفر وكانت العمامة السوداء فوق المغفر قلت وقد ذكرت في شرح الحديث أن بضعة عشر نفسا رووه عن الزهري غير مالك وبينت مخارجها وعللها بما أغنى عن أعادته والحمد لله

قوله باب البرود جمع بردة بضم الموحدة وسكون الراء بعدها مهملة قال الجوهري كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب قوله والحبر بكسر المهملة وفتح الموحدة بعدها راء جمع حبرة يأتي شرحها في خامس أحاديث الباب قوله والشملة بفتح المعجمة وسكون الميم ما يشتمل به من الأكسية أي يلتحف وذكر فيه ستة أحاديث الحديث الأول قوله وقال خباب بخاء معجمة وموحدتين الأولى ثقيلة قوله وهو متوسد بردته في رواية الكشميهني بردة له وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في المبعث النبوي في باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة وتقدم شرحه هناك الثاني حديث أنس في قصة الأعرابي والغرض منه

[ 5472 ] قوله حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد وسيأتي شرحه في كتاب الأدب الثالث حديث سهل بن سعد جاءت امرأة ببردة قال سهل تدرون ما البردة قال نعم هي الشملة الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجنائز في باب من استمد الكفن الرابع حديث أبي هريرة في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق والغرض منه هنا قوله فيه يرفع نمرة عليه والنمرة بفتح النون وكسر الميم هي الشملة التي فيها خطوط ملونة كأنها أخذت من جلد النمر لاشتراكهما في التلون الخامس حديث أنس كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة وفي رواية أخرى أن أنسا قاله جواب سؤال قتادة له عن ذلك فتضمن السلامة من تدليس قتادة قال الجوهري الحبرة بوزن عنبة برد يمان وقال الهروي موشية مخططة وقال الداودي لونها أخضر لأنها لباس أهل الجنة كذا قال وقال بن بطال هي من برود اليمن تصنع من قطن وكانت أشرف الثياب عندهم وقال القرطبي سميت حبرة لأنها تحبر أي تزين والتحبير التزيين والتحسين الحديث السادس حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجى ببرد حبرة

[ 5477 ] قوله سجى بضم أوله وكسر الجيم الثقيلة أي غطى وزنا ومعنى يقال سجيت الميت إذا مددت عليه الثوب وكأن المصنف رمز إلى ما جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك فأخرج أحمد من طريق الحسن البصري أن عمر بن الخطاب أراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنها تصبغ بالبول فقال له أبي ليس ذلك لك فقد لبسهن النبي صلى الله عليه وسلم ولبسناهن في عهده والحسن لم يسمع من عمر

قوله باب الأكسية والخمائص جمع خميصة بالخاء المعجمة والصاد المهملة وهي كساء من صوف أسود أوخز مربعة لها أعلام ولا يسمى الكساء خميصة إلا ان كان لها علم ذكر فيه أربعة أحاديث الأول والثاني عن عائشة وابن عباس قالا لما نزل بضم أوله على البناء للمجهول والمراد نزول الموت وقوله

[ 5478 ] طفق يطرح خميصة له على وجهه أي يجعلها على وجهه من الحمى فإذا اغتم كشفها وذكر الحديث في التحذير من اتخاذ القبور مساجد وقد تقدم شرحه في كتاب الجنائز تنبيه ذكر أبو علي الجياني أنه وقع في رواية أبي محمد الاصيل عن أبي أحمد الجرجاني في هذا الإسناد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عائشة وابن عباس قال وقوله عن أبيه وهم وهي زيادة لا حاجة إليها الثالث حديث أبي بردة وهو بن أبي موسى الأشعري قال أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين تقدم هذا الحديث في أوائل الخمس وذكر له طريقا أخرى تعليقا زاد فيها وصف الإزار والكساء إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة والملبدة اسم مفعول من التلبيد وقال ثعلب يقال للرقعة التي يرقع بها القميص لبدة وقال غيره هي التي ضرب بعضها في بعض حتى تتراكب وتجتمع وقال الداودي هو الثوب الضيق ولم يوافق الرابع حديث عائشة في خميصة لها أعلام وفي آخره وائتوني بانبجانية أبي جهم بن حذيفة بن غانم من بني عدي بن كعب انتهى آخر الحديث عند

[ 5479 ] قوله بانبجانية أبي جهم وبقية نسبه مدرج في الخبر من كلام بن شهاب وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل كتاب الصلاة

قوله باب اشتمال الصماء تقدم ضبطه وتفسيره وشرح حديث أبي سعيد في هذا الباب فيما يتعلق بالاشتمال والاحتباء في باب ما يستر من العورة من كتاب الصلاة وقيل في اشتمال الصماء أن يرمي بطرفي الثوب على شقه الأيسر فيصير جانبه الأيسر مكشوفا ليس عليه من الغطاء شيء فتنكشف عورته إذا لم يكن عليه ثوب آخر فإذا خالف بين طرفي الثوب الذي اشتمل به لم يكن صماء وتقدم الكلام أيضا على اختلاف الرواة عن الزهري في شيخه فيه وعلى الليث أيضا وأما شرح البيعتين فتقدم أيضا في البيوع وأما النهي عن الصلاة بعد العصر والصبح فتقدم في أواخر أبواب المواقيت من كتاب الصلاة

[ 5481 ] قوله عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي جزم به المزي في الأطراف وقال في التهذيب وقع في بعض النسخ عبد الوهاب بن عطاء وفيه نظر لأن بن عطاء لا تعرف له رواية عن عبيد الله وهو بن عمر العمري ولم يذكر أحد في رجال البخاري عبد الوهاب بن عطاء وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من رواية بن خزيمة حدثنا بندار وهو محمد بن بشار شيخ البخاري فيه حدثنا عبد الوهاب به ولم ينسبه أيضا وأخرجه عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب به ولم ينسبه أيضا وهو الثقفي بلا ريب وسيأتي بعد قليل نظير هذا وجزم الإسماعيلي بأنه الثقفي وقوله

[ 5482 ] فيه أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدوا أحد شقيه أي يظهر

قوله باب الاحتباء في ثوب واحد ذكر فيه حديثين تقدم شرحهما أيضا في الباب المشار إليه من كتاب الصلاة وقوله في أول الإسناد الثاني حدثنا محمد غير منسوب هو بن سلام وشيخه مخلد بسكون المعجمة هو بن يزيد

قوله باب الخميصة السوداء تقدم تفسير الخميصة في أوائل كتاب الصلاة قال الأصمعي الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة وهي سود كانت من لباس الناس وقال أبو عبيد هو كساء مربع له علمان وقيل هي كساء رقيق من أي لون كان وقيل لا تسمى خميصة حتى تكون سوداء معلمة وذكر فيه حديثين الحديث الأول

[ 5485 ] قوله عن أبيه سعيد بن فلان بن سعيد بن العاص كذا قال البخاري عن أبي نعيم عن إسحاق بن سعيد عن أبيه فأبهم والد سعيد وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب عن الفضل بن دكين وهو أبو نعيم حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه وسيأتي بعد أبواب في باب ما يدعى لمن يلبس ثوبا جديدا عن أبي الوليد عن إسحاق وفيه سياق نسب إسحاق إلى العاص مثل هذا وفيه التصريح بالتحديث من أبيه وبتحديث أم خالد أيضا وكذا أخرجه بن سعد عن أبي نعيم وأبي الوليد جميعا عن إسحاق قوله عن أم خالد بنت خالد هي أمة بفتح الهمزة والميم مخففا كنيت بولدها خالد بن الزبير بن العوام وكان الزبير تزوجها فكان لها منه خالد وعمرو ابنا الزبير وذكر بن سعد أنها ولدت بأرض الحبشة وقدمت مع أبيها بعد خيبر وهي تعقل وأخرج من طريق أبي الأسود المدني عنها قالت كنت ممن اقرأ النبي صلى الله عليه وسلم من النجاشي السلام وأبوها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية أسلم قديما ثالث ثلاثة أو رابع أربعة واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر أو عمر قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم بثياب لم أقف على تعيين اسم الجهة التي حضرت منها الثياب المذكورة قوله فقال من ترون أن نكسو هذه فسكت القوم لم أقف على تعيين أسمائهم قوله فأتى بها تحمل كذا فيه وفيه التفات أو تجريد ووقع في رواية أبى الوليد فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم وفيه إشارة إلى صغر سنها إذ ذاك ولكن لا يمنع ذلك أن تكون حينئذ مميزة ووقع في أول رواية سفيان بن عيينة الماضية في هجرة الحبشة قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية ووقع في رواية خالد بن سعيد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر ولا معارضة بينهما لأنه يجوز أن يكون حين طلبها أتته مع أبيها قوله فألبسها في رواية أبي الوليد فألبسنيها على منوال ما تقدم قوله قال أبلى وأخلقي في رواية أبي الوليد وقال بزيادة واو قبل قال وقوله أبلى بفتح الهزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالابلاء وكذا قوله أخلقي بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق وهما بمعنى والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق قال الخليل أبل وأخلق معناه عش وخرق ثيابك وأرقعها وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري وأخلفي بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف لأن الأولى تستلزم التأكيد إذ الابلاء والأخلاق بمعنى لكن جاز العطف لتغاير اللفظين والثانية تفيد معنى زائدا وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره وعلى ما قال الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد لكن التي بالفاء أيضا أولى ويؤيدها ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له تبلى ويخلف الله ووقع في رواية أبي الوليد أبلي وأخلقي مرتين قوله وكان فيها علم أخضر أو أصفر وقع في رواية أبي النضر عن إسحاق بن سعيد عند أبي داود أحمر بدل أخضر وكذا عند بن سعد قوله فقال يا أم خالد هذا سناه وسناه بالحبشية كذا هنا أي وسناه لفظة بالحبشية ولم يذكر معناها بالعربية وفي رواية أبي الوليد فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إلي ويقول يا أم خالد هذا سنا ويا أم خالد هذا سنا والسنا بلسان الحبشة الحسن ووقع في رواية خالد بن سعيد الماضية في الجهاد فقال سنه سنه وهي بالحبشية حسن وقد تقدم ضبطها وشرحها هناك ووقع في رواية بن عيينة المذكورة ويقول سناه سناه قال الحميدي يعني حسن حسن وتقدم في الجهاد أن بن المبارك فسره بذلك ووقع في رواية بن سعد التصريح بأنه من تفسير أم خالد ووقع في رواية خالد بن سعيد في الجهاد من الزيادة وذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي وسيأتي بيان ذلك وبقية شرح ما اشتمل عليه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى الحديث الثاني حديث أنس

[ 5486 ] قوله عن بن عون هو عبد الله ومحمد هو بن سيرين والإسناد كله بصريون وقد سبقت الإشارة إلى هذا الإسناد في آخر باب تسمية المولود من كتاب العقيقة وتقدم حديث أنس في تسمية الصبي المذكور وتحنيكه في كتاب الزكاة من طريق إسحاق بن أبي طلحة وتقدمت له طريق أخرى عن إسحاق أتم منها في كتاب الجنائز قوله وعليه خميصة حريثية بمهملة وراء ومثلثة مصغر وأخرها هاء تأنيث قال عياض كذا لرواة البخاري وهي منسوبة إلى حريث رجل من فضاعة ووقع في رواية أبي السكن خيبرية بالخاء المعجمة والموحدة نسبة إلى خيبر البلد المعروف قال واختلف رواة مسلم فقيل كالأول ولبعضهم مثله لكن بواو بدل الراء ولا معنى لها ولبعضهم جونية بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون نسبة إلى بني الجون أو إلى لونها من السواد أو الحمرة أو البياض فإن العرب تسمي كل لون من هذه جونا ولبعضهم بالتصغير ولبعضهم بضم الحاء المهملة والباقي مثله ولا معنى له ولبعضهم كذلك لكن بمثناة نسبة إلى الحويت فقيل هي قبيلة وقيل شبهت بحسب الخطوط الممتدة التي في الحوت قلت والذي يطابق الترجمة من جميع هذه الروايات الجونية بالجيم والنون فإن الأشهر فيه أنه الأسود ولا يمنع ذلك وروده في حديث الباب بلفظ الحريثية لأن طرق الحديث يفسر بعضها بعضا فيكون لونها أسود وهي منسوبة إلى صانعها وقد أخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث عائشة أنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف سوداء فلبسها قال في النهاية المحفوظ المشهور جونية بالجيم والنون أي سوداء وأما حريثية فلا أعرفها وطالما بحثت عنها فلم أقف لها على معنى وفي رواية حوتكية ولعلها منسوبة إلى القصر فإن الحوتكي الرجل القصير الخطو أو هي منسوبة إلى رجل يسمى حوتكا وقال النووي وقع لجميع رواة البخاري حونبية بفتح المهملة وسكون الواو وفتح النون بعدها موحدة ثم تحتانية ثقيلة وفي بعضها بضم المعجمة وفتح الواو وسكون التحتانية بعدها مثلثة وساق بعض ما تقدم ونقل عن صاحب التحرير شارح مسلم حوتية نسبة إلى الحوت وهي قبيلة أو موضع ثم قال القاضي عياض في المشارق هذه الروايات كلها تصحيف إلا الجونية بالجيم والنون فهي منسوبة إلى بني الجون قبيلة من الأزد أو إلى لونها من السواد وإلا الحريثية بالراء والمثلثة ووقع في نسخة الصغاني في الحاشية مقابل حريثية هذا تصحيف والصواب حوتكية وكذا وقع في رواية الإسماعيلي أي قصيرة وهي في معنى الشلمة ومنه حديث العرباض بن سارية كان يخرج علينا في الصفة وعليه حوتكية

قوله باب الثياب الخضر كذا للكشميهني وللمستملي والسرخسي ثياب الخضر كقولهم مسجد الجامع قال بن بطال الثياب الخضر من لباس الجنة وكفى بذلك شرفا لها قلت وأخرج أبو داود من حديث أبي رمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة أنه رأى على النبي صلى الله عليه وسلم بردين أخضرين

[ 5487 ] قوله حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب هو الثقفي وصرح به الإسماعيلي قوله عن عكرمة في رواية أبي يعلى حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد الوهاب الثقفي بسنده وزاد فيه عن بن عباس قوله ان رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي قالت عائشة وعليها خمار أخضر فشكت إليها أي إلى عائشة وفيه التفات وتجريد وفي قوله قالت عائشة ما يبين وهم رواية سويد وأن الحديث من رواية عكرمة عن عائشة قوله والنساء ينصر بعضهم بعضا جملة معترضة وهي من كلام عكرمة وقد صرح وهيب بن خالد في روايته عن أيوب بذلك فقال بعد قوله لجلدها أشد خضرة من خمارها قال عكرمة والنساء ينصر بعضهن بعضا رويناه في فوائد أبي عمرو بن السماك من طريق عفان عن وهيب قال الكرماني خضرة جلدها يحتمل أن تكون لهزالها أو من ضرب زوجها لها قلت وسياق القصة رجح الثاني قوله قال وسمع أنها قد أتت في رواية وهيب قال فسمع بذلك زوجها قوله ومعه ابنان لم أقف على تسميتهما ووقع في رواية وهيب بنون له قوله لم تحلى أو لم تصلحي له كذا بالشك وهو من الراوي وفي رواية الكشميهني لا تحلين له ولا تصلحين له وذكر الكرماني أنه وقع في بعض الروايات لم تحلين ثم أخذ في توجيهه وعرف بهذا الجواب وجه الجمع بين قولها ما معه إلا مثل الهدبة وبين قوله صلى الله عليه وسلم حتى تذوقي عسيلته وحاصله أنه رد عليها دعواها أما أولا فعلى طريق صدق زوجها فيما زعم أنه ينفضها نفض الأديم وأما ثانيا فللاستدلال على صدقه بولديه اللذين كانا معه قوله وأبصر معه ابنين له فقال بنوك هؤلاء فيه جواز إطلاق اللفظ الدال على الجمع على الإثنين لكن وقع في رواية وهيب بصيغة الجمع فقال بنون له قوله تزعمين ما تزعمين في رواية وهيب هذا الذي تزعمين أنه كذا وكذا وهو كناية عما ادعت عليه من العنة وقد تقدمت مباحث قصة رفاعة وامرأته في كتاب الطلاق وقوله لأنفضها نفض الأديم كناية بليغة في الغاية من ذلك لأنها أوقع في النفس من التصريح لأن الذي ينفض الأديم يحتاج إلى قوة ساعد وملازمة طويلة قال الداودي يحتمل تشبيهها بالهدبة انكساره وأنه لا يتحرك وأن شدته لا تشتد ويحتمل أنها كنت بذلك عن نحافته أو وصفته بذلك بالنسبة للأول قال ولهذا يستحب نكاح البكر لأنها تظن الرجال سواء بخلاف الثيب

قوله باب الثياب البيض كأنه لم يثبت عنده على شرطة فيها شيء صريح فاكتفى بما وقع في الحديثين اللذين ذكرهما وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث سمرة رفعه عليكم بالثياب البيض فالبسوها فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم وأخرج أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وصححه الترمذي وابن حبان من حديث بن عباس بمعناه وفيه فإنها من خير ثيابكم والحديث الأول من حديثي الباب حديث سعد وهو بن أبي وقاص تقدم في غزوة أحد وفيه تسمية الرجلين وأنهما جبريل وميكائيل ولم يصب من زعم أن أحدهما إسرافيل والحديث الثاني عنه

[ 5489 ] قوله عن الحسين هو بن ذكوان المعلم البصري قوله عن عبد الله بن بريدة أي بن الحصيب الأسلمي وهو تابعي وشيخه تابعي أيضا إلا أنه أكبر منه وأبو الأسود أيضا تابعي كبير كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قوله أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض في هذا القدر الغرض المطلوب من هذا الحديث وبقيته تتعلق بكتاب الرقاق وقد أورده فيه من وجه آخر مطولا ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى وفائدة وصفه الثوب وقوله أتيته وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ الإشارة إلى استحضاره القصة بما فيها ليدل ذلك على إتقانه لها وقوله وأن رغم أنف أبي ذر يجوز في الغين المعجمة الفتح والكسر أي ذل كأنه لصق بالرغام وهو التراب وقوله قال أبو عبد الله هو البخاري قوله هذا عند الموت أو قبله إذا تاب أي من الكفر وندم يريد شرح قوله ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وحاصل ما أشار إليه أن الحديث محمول على من وحد ربه ومات على ذلك تائبا من الذنوب التي أشير إليها في الحديث فإنه موعود بهذا الحديث بدخول الجنة ابتداء وهذا في حقوق الله باتفاق أهل السنة وأما حقوق العباد فيشترط ردها عند الأكثر وقيل بل هو كالأول ويثيب الله صاحب الحق بما شاء وأما من تلبس بالذنوب المذكورة ومات من غير توبة فظاهر الحديث أنه أيضا داخل في ذلك لكن مذهب أهل السنة أنه في مشيئة الله تعالى ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت الماضي في كتاب الإيمان فإن فيه ومن أتى شيئا من ذلك فلم يعاقب به فأمره إلى الله تعالى أن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه وهذا المفسر مقدم على المبهم وكل منهما يرد على المبتدعة من الخوارج ومن المعتزلة الذين يدعون وجوب خلود من مات من مرتكبي الكبائر من غير توبة في النار أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه ونقل بن التين عن الداودي أن كلام البخاري خلاف ظاهر الحديث فإنه لو كانت التوبة مشترطة لم يقل وأن زنى وأن سرق قال وإنما المراد أنه يدخل الجنة إما ابتداء وإما بعد ذلك والله أعلم

قوله باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه أي في بعض الثياب ووقع في شرح بن بطال ومستخرج أبي نعيم زيادة افتراشه في الترجمة والأولى ما عند الجمهور وقد ترجم للافتراش مستقلا كما سيأتي بعد أبواب والحرير معروف وهو عربي سمي بذلك لخلوصه يقال لكل خالص محرر وحررت الشيء خلصته من الاختلاط بغيره وقيل هو فارسي معرب والتقييد بالرجال يخرج النساء وسيأتي في ترجمة مستقلة قال بن بطال اختلف في الحرير فقال قوم يحرم لبسه في كل الأحوال حتى على النساء نقل ذلك عن علي وابن عمر وحذيفة وأبي موسى وابن الزبير ومن التابعين عن الحسن وابن سيرين وقال قوم يجوز لبسه مطلقا وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عن لبسه على من لبسه خيلاء أو على التنزيه قلت وهذا الثاني ساقط لثبوت الوعيد على لبسه وأما قول عياض حمل بعضهم النهي العام في ذلك على الكراهة لا على التحريم فقد تعقبه بن دقيق العيد فقال قد قال القاضي عياض أن الإجماع انعقد بعد بن الزبير ومن وافقه على تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء ذكر ذلك في الكلام على قول بن الزبير في الطريق التي أخرجها مسلم ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر فذكر الحديث الآتي في الباب قال فإثبات قول بالكراهة دون التحريم إما أن ينقض ما نقله عن الإجماع وإما أن يثبت أن الحكم العام قبل التحريم على الرجال كان هو الكراهة ثم انعقد الإجماع على التحريم على الرجال والاباحة للنساء ومقتضاه نسخ الكراهة السابقة وهو بعيد جدا وأما ما أخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال لقي عمر عبد الرحمن بن عوف فنهاه عن لبس الحرير فقال لو أطعتنا للبسته معنا وهو يضحك فهو محمول على أن عبد الرحمن فهم من إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في لبس الحرير نسخ التحريم ولم ير تقييد الإباحة بالحاجة كما سيأتي واختلف في علة تحريم الحرير على رأيين مشهورين أحدهما الفخر والخيلاء والثاني لكونه ثوب رفاهية وزينة فيليق بزي النساء دون شهامة الرجال ويحتمل علة ثالثة وهي التشبه بالمشركين قال بن دقيق العيد وهذا قد يرجع إلى الأول لأنه من سمة المشركين وقد يكون المعنيان معتبرين إلا أن المعنى الثاني لا يقتضي التحريم لأن الشافعي قال في الأم ولا أكره لباس اللؤلؤ إلا للأدب فإنه زى النساء واستشكل بثبوت اللعن للمتشبهين من الرجال بالنساء فإنه يقتضي منع ما كان مخصوصا بالنساء في جنسه وهيئته وذكر بعضهم علة أخرى وهي السرف والله أعلم والمذكور في هذا الباب خمسة أحاديث الحديث الأول حديث عمر ذكره من طرق الأولى

[ 5490 ] قوله سمعت أبا عثمان النهدي قال أتانا كتاب عمر كذا قال أكثر أصحاب قتادة وشذ عمر بن عامر فقال عن قتادة عن أبي عثمان عن عثمان فذكر المرفوع وأخرجه البزار وأشار إلى تفرده به فلو كان ضابطا لقلنا سمعه أبو عثمان من كتاب عمر ثم سمعه من عثمان بن عفان لكن طرق الحديث تدل على أنه عن عمر لا عن عثمان وقد ذكره أصحاب الأطراف في ترجمة أبي عثمان عن عمر وفيه نظر لأن المقصود بالكتابة إليه هو عتبة بن فرقد وأبو عثمان سمع الكتاب يقرأ فأما أن تكون روايته له عن عمر بطريق الوجادة وإما أن يكون بواسطة المكتوب إليه وهو عتبة بن فرقد ولم يذكروه في رواية أبي عثمان عن عتبة وقد نبه الدارقطني على أن هذا الحديث أصل في جواز الرواية بالكتابة عند الشيخين قال ذلك بعد أن استدركه عليهما وفي ذلك رجوع منه عن الاستدراك عليه والله أعلم قوله ونحن مع عتبة بن فرقد صحابي مشهور سمي أبوه باسم النجم واسم جده يربوع بن حبيب بن مالك السلمي ويقال إن يربوع هو فرقد وأنه لقب له وكان عتبة أميرا لعمر في فتوح بلاد الجزيرة قوله باذربيجان تقدم ضبطها في أوائل كتاب فضائل القرآن وذكر المعافى في تاريخ الموصل أن عتبة هو الذي افتتحها سنة ثماني عشرة وروى شعبة عن حصين بن عبد الرحمن السلمي عن أم عاصم امرأة عتبة أن عتبة غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين وأما قول المعافى إنه شهد خيبر وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فلم يوافق على ذلك وإنما أول مشاهده حنين وروينا في المعجم الصغير للطبراني من طريق أم عاصم امرأة عتبة عن عتبة قال أخذني الشري على عهد رسول الله فأمرني فتجردت فوضع يده على بطني وظهري فعبق بي الطيب من يومئذ قالت أم عاصم كنا عنده أربع نسوة فكنا تجتهد في الطيب وما كان هو يمسه وأنه كان لأطيبنا ريحا قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي فيه من طريق علي بن الجعد عن شعبة بعد قوله مع عتبة بن فرقد أما بعد فاتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف والسراويلات وعلكيم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم وزي العجم وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب وتمعددوا واخشوشنوا واخلولقوا واقطعوا الركب وانزوا نزو وارموا الأغراض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث قوله نهى عن الحرير أي عن لبس الحرير كما في الرواية التي تلي هذه قوله إلا هكذا زاد الإسماعيلي في روايته من هذا الوجه وهكذا قوله وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام المشير بذلك يأتي في رواية عاصم ما يقتضي أنه النبي صلى الله عليه وسلم كما سأبينه قوله اللتين تليان الإبهام يعني السبابة والوسطى وصرح بذلك في رواية عاصم قوله فيما علمنا أنه يعني الأعلام بفتح الهمزة جمع علم بالتحريك أي الذي حصل في علمنا أن المراد بالمستثنى الاعلام وهو ما يكون في الثياب من تطريف وتطريز ونحوهما ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي فما بفتح الفاء بعدها حرف نفي عتمنا بمثناة بدل اللام أي ما أبطأنا في معرفة ذلك لما سمعناه قال أبو عبيد العاتم البطيء يقال عتم الرجل القوي إذا أخره الطريق الثانية

[ 5491 ] قوله حدثنا أحمد بن يونس هو بن عبد الله بن يونس نسب لجده وهو بذلك أشهر وشيخه زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفي وعاصم هو بن سليمان الأحول وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس هذا فبين جميع ذلك في سياقه قوله كتب إلينا عمر كذا للأكثر وكذا لمسلم وللكشميهني كتب إليه أي إلى عتبة بن فرقد وكلتا الروايتين صواب فإنه كتب إلى الأمير لأنه هو الذي يخاطبه وكتب إليهم كلهم بالحكم قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد فيه مسلم قبل هذا يا عتبة بن فرقد أنه ليس من كدك ولا كد أبيك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبس الحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى فذكر الحديث وبين أبو عوانة في صحيحه من وجه آخر سبب قول عمر ذلك فعنده في أوله أن عتبة بن فرقد بعث إلى عمر مع غلام له بسلال فيها خبيص عليها اللبود فلما رآه عمر قال أيشبع المسلمون في رحالهم من هذا قال لا فقال عمر لا أريده وكتب إلى عتبة أنه ليس من كدك الحديث قوله ورفع زهير الوسطى والسبابة زاد مسلم في روايته وضمهما الطريق الثالثة

[ 5492 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان قوله عن التيمي هو سليمان بن طرخان قوله عن أبي عثمان قال كنا مع عتبة فكتب إليه عمر في رواية مسلم من طريق جرير عن سليمان التيمي فجاءنا كتاب عمر وكذا عند الإسماعيلي من طريق معتمر بن سليمان قوله لا يلبس الحرير في الدنيا إلا لم يلبس منه شيء في الآخرة كذا للمستملي والسرخسي يلبس بضم أوله في الموضعين وكذا للنسفي وقال في الآخرة منه وللكشميهني لا يلبس الحرير في الدنيا إلا لم يلبس منه شيئا في الآخرة بفتح أوله على البناء الفاعل والمراد به الرجل المكلف وأورده الكرماني بلفظ إلا من لم يلبسه قال وفي أخرى إلا من ليس يلبس منه وفي رواية مسلم المذكورة لا يلبس الحرير إلا من ليس له منه شيء في الآخرة قوله وأشار أبو عثمان بأصبعيه المسبحة والوسطى وقع هذا في رواية المستملي وحده وهو لا يخالف ما في رواية عاصم فيجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار أولا ثم نقله عنه عمر فبين بعد ذلك بعض رواته صفة الإشارة قوله حدثنا الحسن بن عمر أي بن شقيق الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أبو علي البلخي كذا جزم به الكلاباذي وآخرون وشد بن عدي فقال هو بن عمر بن إبراهيم العبدي قلت ولم أقف لهذا العبدي على ترجمة إلا أن بن حبان قال في الطبقة الرابعة من الثقات الحسن بن عمر بن إبراهيم روى عن شعبة فلعله هذا وقد جزم صاحب المزهر أنه يكنى أبا بصير وأنه من شيوخ البخاري وأنه أخرج له حديثين وأنه أخرج للحسن بن عمر بن شبة وأكثر من ذلك قلت ولم أر في جميع البخاري بهذه الصورة إلا أربعة أحاديث أحدها في باب الطواف بعد العصر من كتاب الحج قال فيه حدثنا الحسن بن عمر البصري حدثنا يزيد بن زريع وهذا وآخر مثل هذا في الاستئذان والرابع في كتاب الأحكام فساقه كما في سياق الحج سواء فتعين أنه هو وأما هذا والذي في الاستئذان فعلى الاحتمال والأقرب أنه كما قال الأكثر قوله معتمر هو بن سليمان التيمي قوله وأشار أبو عثمان بأصبعيه المسبحة والوسطى يريد أن معتمر بن سليمان رواه عن أبيه عن أبي عثمان عن كتاب عمر وزاد هذه الزيادة وهذا مما يؤيد أن رواية الأكثر في الطريق التي قبلها التي خلت عن هذه الزيادة أولى من رواية المستملي التي أوردها فيه فإن هذا القدر زاده معتمر بن سليمان في روايته عن أبيه ثم ظهر لي أن الذي زاده معتمر تفسير الأصبعين فإن الإسماعيلي أخرجه من روايته ومن رواية يحيى القطان جميعا عن سليمان التيمي وقال في سياقه كنا مع عتبة بن فرقد فكتب إليه عمر يحدثه بأشياء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وفيما كتبه إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا لا يلبس الحرير في الدنيا من له في الآخرة منه شيء إلا وأشار بأصبعيه فعرف أن زيادة معتمر تسمية الاصبعين وقد أخرجه مسلم والإسماعيلي أيضا من طريق جرير عن سليمان وقال فيه بأصبعيه اللتين تليان الإبهام فرأيناها أزرار الطيالسة حين رأينا الطيالسة قال القرطبي الأزرار جمع زر بتقديم الزاي ما يزرر به الثوب بعضه على بعض والمراد به هنا أطراف الطيالسة والطيالسة جمع طيلسان وهو الثوب الذي له علم وقد يكون كساء وكان للطيالسة التي رآها أعلام حرير في أطرافها قلت وقد أغفل صاحب المشارق و النهاية في مادة ط ل س ذكر الطيالسة وكأنهما تركا ذلك لشهرته لكن المعهود الآن ليس على الصفة المذكورة هنا وقد قال عياض في شرح مسلم المراد بازرار الطيالسة أطرافها ووقع في حديث أسماء بنت أبي بكر عند مسلم أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية فقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن المراد بالطيالسة في هذا الحديث ما يلبس فيشمل الجسد لا المعهود الآن ولم يقع في رواية أبي عثمان في الصحيحين في استثناء ما يجوز من لبس الحرير إلا ذكر الاصبعين لكن وقع عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا إصبعين وثلاثة وأربعة ولمسلم من طريق سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء واللام الخفيفتين أن عمر خطب فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع و أو هنا للتنويع والتخيير وقد أخرجه بن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ أن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا يعني إصبعين وثلاثا وأربعا وجنح الحليمي إلى أن المراد بما وقع في رواية مسلم أن يكون في كل كم قدر إصبعين وهو تأويل بعيد من سياق الحديث وقد وقع عند النسائي في رواية سويد لم يرخص في الديباج الا في موضع أربعة أصابع الحديث الثاني

[ 5493 ] قوله الحكم هو بن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن ووقع في رواية القابسي عن أبي ليلى وهو غلط لكن كتب في الهامش الصواب بن أبي ليلى قوله كان حذيفة هو بن اليمان وقد مضى شرح حديثه هذا في كتاب الأشربة قوله الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة تمسك به من منع استعمال النساء للحرير والديباج لأن حذيفة استدل به على تحريم الشرب في إناء الفضة وهو حرام على النساء والرجال جميعا فيكون الحرير كذلك والجواب أن الخطاب بلفظ لكم للمذكر ودخول المؤنث فيه قد اختلف فيه والراجح عند الأصوليين عدم دخولهن وأيضا فقد ثبت إباحة الحرير والذهب للنساء كما سيأتي التنبيه عليه في باب الحرير للنساء قريبا وأيضا فإن هذا اللفظ مختصر وقد تقدم بلفظ لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة والخطاب في ذلك للذكور وحكم النساء في الافتراش سيأتي في باب افتراش الحرير قريبا وقوله هي لهم في الدنيا تمسك به من قال أن الكافر ليس مخاطبا بالفروع وأجيب بأن المراد هي شعارهم وزيهم في الدنيا ولا يدل ذلك على الإذن لهم في ذلك شرعا الحديث الثالث

[ 5494 ] قوله قال شعبة فقلت أعن النبي صلى الله عليه وسلم فقال شديدا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقع في رواية علي بن الجعد عن شعبة سألت عبد العزيز بن صهيب عن الحرير فقال سمعت أنسا فقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال شديدا وهذا الجواب يحتمل أن يكون تقريرا لكونه مرفوعا إنما حفظه حفظا شديدا ويحتمل أن يكون إنكارا أي جزمي برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقع شديدا على وأبعد من قال المراد أنه رفع صوته رفعا شديدا وقال الكرماني لفظة شديدا صفة لفعل محذوف وهو الغضب أي غضب عبد العزيز من سؤال شعبة غضبا شديدا كذا قال ووجهه غير وجيه والاحتمال الأول عندي أوجه ولكنه يؤيد الثاني أن أحمد أخرجه عن محمد بن جعفر عن شعبة فقال فيه سمعت أنسا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أيضا عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه مسلم أيضا من طريق إسماعيل هذا الحديث الرابع

[ 5495 ] قوله عن ثابت هو البناني قوله سمعت بن الزبير يخطب زاد النسائي وهو على المنبر أخرجه عن قتيبة عن حماد بن زيد به وأخرجه أحمد عن عفان عن حماد بلفظ يخطبنا قوله قال محمد صلى الله عليه وسلم هذا من مرسل بن الزبير ومراسيل الصحابة محتج بها عند جمهور من لا يحتج بالمراسيل لأنهم إما أن يكون عند الواحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر واحتمال كونها عن تابعي لوجود رواية بعض الصحابة عن بعض التابعين نادر لكن تبين من الروايتين اللتين بعد هذه أن بن الزبير إنما حمله عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة عمر ومع ذلك فلم أقف في شيء من الطرق المتفقة عن عمر أنه رواه بلفظ لن بل الحديث عنه في جميع الطرق بلفظ لم والله أعلم وابن الزبير قد حفظ من النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث منها حديثه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة فرفع يديه أخرجه أحمد ومنها حديثه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا وعقد بن الزبير أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ومنها حديثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن نبيذ الجر أخرجه أحمد أيضا قوله لن يلبسه في الآخرة كذا في جميع الطرق عن ثابت وهو أوضح في النفي الحديث الخامس

[ 5496 ] قوله عن أبي ذبيان بكسر المعجمة ويجوز ضمها بعدها موحدة ساكنة ثم تحتانية هو التيمي البصري ماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد وثقه النسائي ووقع في رواية أبي علي بن السكن عن الفربري عن أبي ظبيان بظاء مشالة بدل الذال وهو خطأ وأشد خطأ منه ما وقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري عن أبي دينار بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة ونون ثم راء نبه على ذلك أبو محمد الأصيلي قوله سمعت بن الزبير يقول سمعت عمر يقول وقع في رواية النضر بن شميل عن شعبة حدثنا خليفة بن كعب سمعت عبد الله بن الزبير يقول لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر أخرجه النسائي وقد أخرجه النسائي أيضا من طريق جعفر بن ميمون عن خليفة بن كعب فلم يذكر عمر في إسناده وشعبة أحفظ من جعفر بن ميمون قوله من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة في رواية الكشميهني لن يلبسه والمحفوظ من هذا الوجه لم وكذا أخرجه مسلم والنسائي وزاد النسائي في رواية جعفر بن ميمون في آخره ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة قال الله تعالى ولباسهم فيها حرير وهذه الزيادة مدرجة في الخير وهي موقوفة على بن الزبير بين ذلك النسائي أيضا من طريق شعبة فذكر مثل سند حديث الباب وفي آخره قال بن الزبير فذكر الزيادة وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق علي بن الجعد عن شعبة ولفظه فقال بن الزبير من رأيه ومن لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة وذلك لقوله تعالى ولباسهم فيها حرير وقد جاء مثل ذلك عن بن عمر أيضا أخرجه النسائي من طريق حفصة بنت سيرين عن خليفة بن كعب قال خطبنا بن الزبير فذكر الحديث المرفوع وزاد فقال قال بن عمر إذا والله لا يدخل الجنة قال الله ولباسهم فيها حرير وأخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم من طريق داود السراج عن أبي سعيد فذكر الحديث المرفوع مثل حديث عمر هذا في الباب وزاد وأن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو وهذا يحتمل أن يكون أيضا مدرجا وعلى تقدير أن يكون الرفع محفوظا فهو من العام المخصوص بالمكلفين من الرجال للادلة الأخرى بجوازه للنساء وستأتي الإشارة إلى معنى الوعيد فيه قريبا من طريق أخرى لرواية بن الزبير عن عمر قوله وقال أبو معمر هو عبد الله بن معمر بن عمرو بن الحجاج وقد أكثر عنه البخاري ولم يصرح في هذا الموضع عنه بالتحديث وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق يعقوب بن سفيان زاد الإسماعيلي ويحيى بن معلى الرازي قالا حدثنا أبو معمر قوله حدثنا عبد الوارث هو بن سعيد ويزيد هو الضبعي المعروف بالرشك بكسر الراء وسكون المعجمة ومعاذة هي العدوية والإسناد من مبتدئه إلى معاذة بصريون قوله أخبرتني أم عمرو بنت عبد الله جزم أبو نصر الكلاباذي ومن تبعه بأنها بنت عبد الله بن الزبير ولم أرها منسوبة فيما وقفت عليه من طرق هذا الحديث قوله سمعت عبد الله بن الزبير سمع عمر في رواية الإسماعيلي سمعت من عبد الله بن الزبير يقول في خطبته أنه سمع من عمر بن الخطاب قوله نحوه ساقه الإسماعيلي بلفظ فإنه لا يكساه في الآخرة وله من طريق شيبان بن فروخ عن عبد الوارث فلا كساه الله في الآخرة طريق أخرى لحديث عمر

[ 5497 ] قوله حدثنا محمد بن بشار هو بندار وعثمان هو بن عمر بن فارس والسند كله إلى عمران بن حطان بصريون وعمران هو السدوسي كان أحد الخوارج من العقدية بل هو رئيسهم وشاعرهم وهو الذي مدح بن ملجم قاتل علي بالأبيات المشهورة وأبوه حطان بكسر المهملة بعدها طاء مهملة ثقيلة وإنما أخرج له البخاري على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متدينا وقد قيل إن عمران تاب من بدعته وهو بعيد وقيل إن يحيى بن أبي كثير حمله عنه قبل أن يبتدع فإنه كان تزوج امرأة من أقاربه تعتقد رأي الخوارج لينقلها عن معتقدها فنقلته هي إلى معتقدها وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وهو متابعة وآخر في باب نقض الصور قوله سألت عائشة عن الحرير فقالت ائت بن عباس فسله قال فسألته فقال سل بن عمر كذا في هذه الطريق وفي رواية حرب بن شداد التي تذكر عقب هذه بالعكس أنه سأل بن عباس فقال سل عائشة فسألها فقالت سل بن عمر قوله أخبرني أبو حفص يعني عمر بن الخطاب كذا في الأصل قوله فقلت صدق وما كذب أبو حفص هو قول عمران بن حطان قوله وقال عبد الله بن رجاء هو الغدائي بضم المعجمة وتخفيف المهملة وهو من شيوخ البخاري أيضا لكن لم يصرح في هذا بتحديثه قوله حدثنا حرب هو بن شداد وزعم الكرماني أنه بن ميمون ونسبه لصاحب الكاشف وهو عجيب فإن صاحب الكاشف لم يرقم لحرب بن ميمون علامة البخاري وإنما قال في ترجمة عبد الله بن رجاء روى عن حرب بن ميمون ولا يلزم من كون عبد الله بن رجاء روى عنه أن لا يروي عن حرب بن شداد بل روايته عن حرب بن شداد موجودة في غير هذا ويحيى هو بن أبي كثير وأراد البخاري بهذه الرواية تصريح يحيى بتحديث عمران له بهذا الحديث قوله وقص الحديث ساقه النسائي موصولا عن عمرو بن منصور عن عبد الله بن رجاء عن حرب بن شداد بلفظ من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة وقد ذكر الدارقطني أن هذا اللفظ في حديث عمر خطأ ولعل البخاري لم يسق اللفظ لهذا المعنى وفي هذه الأحاديث بيان واضح لمن قال يحرم على الرجال لبس الحرير للوعيد المذكور وقد تقدم شرح معناه في كتاب الأشربة في شرح أول حديث منه فإن الحكم فيها واحد وهو نفي اللبس ونفي الشرب في الآخرة وفي الجنة وحاصل أعدل الأقوال أن الفعل المذكور مقتض للعقوبة المذكورة وقد يتخلف ذلك لمانع كالتوبة والحسنات التي توازن والمصائب التي تكفر وكدعاء الولد بشرائط وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين وفيه حجة لمن أجاز لبس العلم من الحرير إذا كان في الثوب وخصه بالقدر المذكور وهو أربع أصابع وهذا هو الأصح عند الشافعية وفيه حجة على من أجاز العلم في الثوب مطلقا ولو زاد على أربعة أصابع وهو منقول عن بعض المالكية وفيه حجة على من منع العلم في الثوب مطلقا وهو ثابت عن الحسن وابن سيرين وغيرهما لكن يحتمل أن يكونوا منعوه ورعا وإلا فالحديث حجة عليهم فلعلهم لم يبلغهم قال النووي وقد نقل مثل ذلك عن مالك وهو مذهب مردود وكذا مذهب من أجاز بغير تقدير والله أعلم واستدل به على جواز لبس الثوب المطرز بالحرير وهو ما جعل عليه طراز حرير مركب وكذلك المطرف وهو ما سجفت أطرافه بسجف من حرير بالتقدير المذكور وقد يكون التطريز في نفس الثوب بعد النسج وفيه احتمال ستأتي الإشارة إليه واستدل به أيضا على جواز لبس الثوب الذي يخالطه من الحرير مقدار العلم سواء كان ذلك القدر مجموعا أو مفرقا وهو قوي وسيأتي البحث في ذلك في باب القسي بعد بابين

قوله باب من مس الحرير من غير لبس ويروي فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المزي في الأطراف أنه أراد بهذا التعليق ما أخرجه أبو داود والنسائي من رواية بقية عن الزبيدي بهذا الإسناد إلى أنس أنه رأى على أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم بردا سيراء كذا قال وليس هذا مراد البخاري والرؤية لا يقال لها مس وأيضا فلو كان هذا الحديث مراده لجزم به لأنه صحيح عنده على شرطه وقد أخرجه في باب الحرير للنساء من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي قريبا وإنما أراد البخاري ما رويناه في المعجم الكبير للطبراني وفي فوائد تمام من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي عن الزهري عن أنس قال أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلة من إستبرق فجعل ناس يلمسونها بأيديهم ويتعجبون منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعجبكم هذه فوالله لمناديل سعد في الجنة أحسن منها قال الدارقطني في الأفراد لم يروه عن الزبيدي الا عبد الله بن سالم ومما يؤكد ما قلته أن البخاري لما أخرج في المناقب حديث البراء بن عازب في قصة سعد بن معاذ في هذا المعنى موصولا قال بعده رواه الزهري عن أنس ولما صدر بحديث الزهري عن أنس المعلق هنا عقبة بحديث البراء الموصول بعينه والله أعلم وقوله

[ 5498 ] في حديث البراء فجعلنا نلمسه جزم في المحكم بأنه بضم الميم في المضارع وقوله مناديل سعد قيل خص المناديل بالذكر لكونها تمتهن فيكون ما فوقها أعلى منها بطريق الأولى قال بن بطال النهي عن لبس الحرير ليس من أجل نجاسة عينه بل من أجل أنه ليس من لباس المتقين وعينه مع ذلك طاهرة فيجوز مسه وبيعه والانتفاع بثمنه وقد تقدم شيء مما يتعلق بالحديث المذكور في كتاب الهبة

قوله باب افتراش الحرير أي حكمة في الحل والحرمة قوله وقال عبيدة هو بن عمرو السلماني بسكون اللام وهو بفتح العين المهملة قوله هو كلبسه وصله الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سيرين قال قلت لعبيدة افتراش الحرير كلبسه قال نعم

[ 5499 ] قوله حدثنا على هو بن المديني قوله حدثنا وهب بن جرير أي بن أبي حازم قوله أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها تقدم البحث فيه في الأطعمة قوله وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقد أخرج البخاري ومسلم حديث حذيفة من عدة أوجه ليس فيها هذه الزيادة وهي قوله وأن نجلس عليه وهي حجة قوية لمن قال بمنع الجلوس على الحرير وهو قول الجمهور خلافا لابن الماجشون والكوفيين وبعض الشافعية وأجاب بعض الحنفية بأن لفظ نهى ليس صريحا في التحريم وبعضهم باحتمال أن يكون النهي ورد عن مجموع اللبس والجلوس لا عن الجلوس بمفرده وهذا يرد على بن بطال دعواه أن الحديث نص في تحريم الجلوس على الحرير فإنه ليس بنص بل هو ظاهر وقد أخرج بن وهب في جامعه من حديث سعد بن أبي وقاص قال لأن أقعد على جمر الغضا أحب ألي من أن أقعد على مجلس من حرير وأدار بعض الحنفية الجواز والمنع على اللبس لصحة الأخبار فيه قالوا والجلوس ليس بلبس واحتج الجمهور بحديث أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ولأن لبس كل شيء بحسبه واستدل به على منع النساء من افتراش الحرير وهو ضعيف لأن خطاب الذكور لا يتناول المؤنث علىالراجح ولعل الذي قال بالمنع تمسك فيه بالقياس على منع استعمالهن آنية الذهب مع جواز لبسهن الحلي منه فكذلك يجوز لبسهن الحرير ويمنعن من استعماله وهذا الوجه صححه الرافعي وصحح النووي الجواز واستدل به على منع افتراش الرجل الحرير مع امرأته في فراشها ووجهه المجيز لذلك من المالكية بأن المرأة فراش الرجل فكما جاز له أن يفترشها وعليها الحلي من الذهب والحرير فكذلك يجوز له أن يجلس وينام معها على فراشها المباح لها تنبيه الذي يمنع من الجلوس عليه هو ما منع من لبسه وهو ما صنع من حرير صرف أو كان الحرير فيه أزيد من غيره كما سبق تقريره

قوله باب لبس القسي بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ياء نسبة وذكر أبو عبيد في غريب الحديث أن أهل الحديث يقولونه بكسر القاف وأهل مصر يفتحونها وهي نسبة إلى بلد يقال لها القس رأيتها ولم يعرفها الأصمعي وكذا قال الأكثر هي نسبة للقس قرية بمصر منهم الطبري وابن سيده وقال الحازمي هي من بلاد الساحل وقال المهلب هي على ساحل مصر وهي حصن بالقرب من الفرما من جهة الشام وكذا وقع في حديث بن وهب أنها تلي الفرما والفرما بالفاء وراء مفتوحة وقال النووي هي بقرب تنيس وهو متقارب وحكى أبو عبيد الهروي عن شمر اللغوي أنها بالزاي لا بالسين نسبة إلى القز وهو الحرير فأبدلت الزاي سينا وحكى بن الأثير في النهاية أن القس الذي نسب إليه هو الصقيع سمي بذلك لبياضه وهو والذي قبله كلام من لم يعرف القس القرية قوله وقال عاصم عن أبي بردة قال قلنا لعلي ما القسية الخ هذا طرف من حديث وصله مسلم من طريق عبد الله بن إدريس سمعت عاصم بن كليب عن أبي بردة وهو بن أبي موسى الأشعري عن علي قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي وعن المياثر قال فأما القسي فثياب مضلعة الحديث وأخرج مسلم من وجهين أخرين عن علي النهي عن لباس القسي لكن ليس فيه تفسيره قوله ثياب أتتنا من الشام أو من مصر في رواية مسلم من مصر والشام قوله مضلعة فيها حرير أي فيها خطوط عريضة كالأضلاع وحكى المنذري أن المراد بالمضلع ما نسج بعضه وترك بعضه قوله فيها حرير يشعر بأنها ليست حريرا صرفا وحكى النووي عن العلماء أنها ثياب مخلوطة بالحرير وقيل من الخز وهو رديء الحرير قوله وفيها أمثال الأترج أي أن الأضلاع التي فيها غليظة معوجة ووقع في رواية مسلم فيها شبة كذا على الإبهام وقد فسرته رواية البخاري المعلقة ووقع لنا موصولا في أمالي المحاملي باللفظ الذي علقه البخاري قوله والميثرة هي بكسر الميم وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همز فيها وأصلها من الوثارة أو الوثرة بكسر الواو وسكون المثلثة والوثير هو الفراش الوطىء وامرأة وثيرة كثيرة اللحم قوله كانت النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف يصفونها أي يجعلونها كالصفة وحكى عياض في رواية يصفرنها بكسر الفاء ثم راء وأظنه تصحيفا وإنما قال يصفونها بلفظ المذكر للإشارة إلى أن النساء يصنعن ذلك والرجال هم الذين يستعملونها في ذلك وقال الزبيدي اللغوي والميثرة مرفقة كصفة السرج وقال الطبري هو وطاء بوضع على سرج الفرس أو رحل البعير كانت النساء تصنعه لأزواجهن من الأرجوان الأحمر ومن الديباج وكانت مراكب العجم وقيل هي أغشية للسروج من الحرير وقيل هي سروج من الديباج فحصلنا على أربعة أقوال في تفسير المثيرة هل هي وطاء للدابة أو لراكبها أو هي السرج نفسه أو غشاوة وقال أبو عبيد المياثر الحمر كانت من مراكب العجم من حرير أو ديباج قوله وقال جرير عن يزيد في حديثه القسية الخ هو طرف أيضا من حديث وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل قال القسية ثياب مضلعة الحديث ووهم الدمياطي فضبط يزيد في حاشية نسخته بالموحدة والراء مصغر فكأنه لما رأى التعليق الأول من رواية أبي بردة بن أبي موسى ظن أن التعليق الثاني من رواية حفيده بريد بن عبد الله بن أبي بردة وزعم الكرماني وتبعه بعض من لقيناه أن يزيد هذا هو بن رومان قال وجرير هو بن حازم وليس كما قال والفيصل في ذلك رواية إبراهيم الحربي وقد أخرج بن ماجة أصل هذا الحديث من طريق علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقدم قال يزيد قلت للحسن بن سهيل ما المقدم قال المسبغ بالعصفر هذا القدر الذي ذكر بن ماجة منه وبقيته هو هذا الموقوف على الحسن بن سهيل وهو المراد بقول البخاري قال جرير عن يزيد في حديثه يريد أنه ليس من قول يزيد بل من روايته عن غيره والله أعلم قوله والميثرة جلود السباع قال النووي هو تفسير باطل مخالف لما أطبق عليه أهل الحديث قلت وليس هو بباطل بل يمكن توجيهه وهو ما إذا كانت الميثرة وطاء صنعت من جلد ثم حشيت والنهي حينئذ عنها إما لأنها من زى الكفار وإما لأنها لا تعمل فيها الذكاة أو لأنها لات تذكى غالبا فيكون فيه حجة لمن منع لبس ذلك ولو دبغ لكن الجمهور على خلافه وأن الجلد يطهر بالدباغ وقد اختلف أيضا في الشعر هل يطهر بالدباغ لكن الغالب على المياثر أن لا يكون فيها شعر وقد ثبت النهي عن الركوب على جلود النمور أخرجه النسائي من حديث المقدام بن معد يكرب وهو مما يؤيد التفسير المذكور ولأبي داود لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر قوله قال أبو عبد الله عاصم أكثر وأصح في الميثرة يعني رواية عاصم في تفسير الميثرة أكثر طرقا وأصح من رواية يزيد وهذا الكلام لم يقع في رواية أبي ذر ولا النسفي وأطلق في حديث على المياثر وقيدها في حديث البراء بالحمر وسيأتي الكلام على ذلك في باب الثوب الأحمر إن شاء الله تعالى وقوله

[ 5500 ] في الحديث الثاني أخبرنا عبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري وقوله نهانا في رواية الكشميهني نهى وقوله عن المياثر الحمر وعن القسي هو طرف من حديث أوله أمرنا بسبع ونهانا عن سبع وسيأتي بتمامه في باب المياثر الحمر بعد أبواب واستدل بالنهي عن لبس القسي على منع لبس ما خالطه الحرير من الثياب لتفسير القسي بأنه ما خالط غير الحرير فيه الحرير ويؤيده عطف الحرير على القسي في حديث البراء ووقع كذلك في حديث على عند أبي داود والنسائي وأحمد بسند صحيح على شرط الشيخين من طريق عبيدة بن عمرو عن علي قال نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القسي والحرير ويحتمل أن تكون المغايرة باعتبار النوع فيكون الكل من الحرير كما وقع عطف الديباج على الحرير في حديث حذيفة الماضي قريبا ولكن الذي يظهر من سياق طرق الحديث في تفسير القسي أنه الذي يخالط الحرير لا أنه الحرير الصرف فعلى هذا يحرم لبس الثوب الذي خالطه الحرير وهو قول بعض الصحابة كابن عمر والتابعين كابن سيرين وذهب الجمهور إلى جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير الأغلب وعمدتهم في ذلك ما تقدم في تفسير الحلة السيراء وما انضاف إلى ذلك من الرخصة في العلم في الثوب إذا كان من حرير كما تقدم تقريره في حديث عمر قال بن دقيق العيد وهو قياس في معنى الأصل لكن لا يلزم من جواز ذلك جواز كل مختلط وإنما يجوز منه ما كان مجموع الحرير فيه قدر أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة لجميع الثوب فيكون المنع من لبس الحرير شاملا للخالص والمختلط وبعد الاستثناء يقتصر على القدر المستثنى وهو أربع أصابع إذا كانت منفردة ويلتحق بها في المعنى ما إذا كانت مختلطة قال وقد توسع الشافعية في ذلك ولهم طريقان أحدهما وهو الراجح اعتبار الوزن فإن كان الحرير أقل وزنا لم يحرم أو أكثر حرم وأن استويا فوجهان اختلف الترجيح فيهما عندهم والطريق الثاني أن الاعتبار بالقلة والكثرة بالظهور وهذا اختيار القفال ومن تبعه وعند المالكية في المختلط أقوال ثالثها الكراهة ومنهم من فرق بين الخز وبين المختلط بقطن ونحوه فأجاز الخز ومنع الآخر وهذا مبني على تفسير الخز وقد تقدم في بعض تفاسير القسي أنه الخز فمن قال أنه رديء الحرير فهو الذي يتنزل عليه القول المذكور ومن قال أنه ما كان من وبر فخلط بحرير لم يتجه التفصيل المذكور واحتج أيضا من أجاز لبس المختلط بحديث بن عباس إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به أخرجه الطبراني بسند حسن هكذا وأصله عند أبي داود وأخرجه الحاكم بسند صحيح بلفظ إنما نهى عن المصمت إذا كان حريرا وللطبراني من طريق ثالث نهى عن مصمت الحرير فأما ما كان سداه من قطن أو كتان فلا بأس به واستدل بن العربي للجواز أيضا بأن النهي عن الحرير حقيقة في الخالص والأذن في القطن ونحوه صريح فإذا خلط بحيث لا يسمى حريرا بحيث لا يتناوله الاسم ولا تشمله علة التحريم خرج عن الممنوع فجاز وقد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة وغيرهم قال أبو داود لبسه عشرون نفسا من الصحابة وأكثر وأورده بن أبي شيبة عن جمع منهم وعن طائفة من التابعين بأسانيد جياد وأعلى ما ورد في ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن سعد الدشتكي عن أبيه قال رأيت رجلا على بغلة وعليه عمامة خز سوداء وهو يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج بن أبي شيبة من طريق عمار بن أبي عمار قال أتت مروان بن الحكم مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها من حرير ولحمتها من غيره وقيل تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه وقيل أصله اسم دابة يقال لها الخز سمي الثوب المتخذ من وبره خزا لنعومته ثم أطلق على ما يخلط بالحرير لنعومة الحرير وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير ما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه السلف كان من المخلوط بالحرير والله أعلم وأجاز الحنفية والحنابلة لبس الخز ما لم يكن فيه شهرة وعن مالك الكراهة وهذا كله في الخز وأما القز بالقاف بدل الخاء المعجمة فقال الرافعي عد الأئمة القز من الحرير وحرموه على الرجال ولو كان كمد اللون ونقل الإمام الاتفاق عليه لكن حكى المتولي في التتمة وجها أنه لا يحرم لأنه ليس من ثياب الزينة قال بن دقيق العيد أن كان مراده بالقز ما نطلقه نحن الآن عليه فليس يخرج عن اسم الحرير فيحرم ولا اعتبار بكمودة اللون ولا بكونه ليس من ثياب الزينة فإن كلا منهما تعليل ضعيف لا أثر له بعد انطلاق الاسم عليه أه كلامه ولم يتعرض لمقابل التقسيم وهو وأن كان المراد به شيئا آخر فيتجه كلامه والذي يظهر أن مراده به رديء الحرير ونحو ما تقدم في الخز ولأجل ذلك وصفه بكمودة اللون والله أعلم

قوله باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة بكسر المهملة وتشديد الكاف نوع من الجرب أعاذنا الله تعالى منه وذكر الحكة مثالا لا قيدا وقد ترجم له في الجهاد الحرير للحرب وتقدم أن الراجح أنه بالمهملة وسكون الراء

[ 5501 ] قوله حدثني محمد كذا للأكثر غير منسوب ووقع في رواية أبي علي بن السكن حدثنا محمد بن سلام وبه جزم المزي في الأطراف قوله عن أنس وقع في رواية يحيى القطان عن شعبة عن قتادة سمعت أنسا وقد تقدمت في الجهاد قوله للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما أي لأجل الحكة وفي رواية سعيد عن قتادة من حكة كانت بهما وفي رواية همام عن قتادة أنهما شكيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل وقد تقدمتا في الجهاد وكأن الحكة نشأت من أثر القمل وتقدمت مباحثه في كتاب الجهاد قال الطبري فيه دلالة على أن النهي عن لبس الحرير لا يدخل فيه من كانت به علة يخففها لبس الحرير انتهى ويلتحق بذلك ما يقي من الحر أو البرد حيث لا يوجد غيره وقد تقدم في الجهاد أن بعض الشافعية خص الجواز بالسفر دون الحضر واختاره بن الصلاح وخصه النووي في الروضة مع ذلك بالحكة ونقله الرافعي في القمل أيضا تنبيه وقع في الوسيط للغزالي أن الذي رخص له في لبس الحرير حمزة بن عبد المطلب وغلطوه وفي وجه للشافعية أن الرخصة خاصة بالزبير وعبد الرحمن وقد تقدم في الجهاد عن عمر ما يوافقه

قوله باب الحرير للنساء كأنه لم يثبت عنده الحديثان المشهوران في تخصيص النهي بالرجال صريحا فاكتفى بما يدل على ذلك وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا وذهبا فقال هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثهم وأخرج أبو داود والنسائي وصححه الترمذي والحاكم من حديث موسى وأعله بن حبان وغيره بالانقطاع وأن رواية سعيد بن أبي هند لم تسمع من أبي موسى وأخرج أحمد والطحاوي وصححه من حديث مسلمة بن مخلد أنه قال لعقبة بن عامر قم فحدث بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعته يقول الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة إن قلنا إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فالذي يظهر أنه سبحانه وتعالى علم قلة صبرهن عن التزين فلطف بهن في إباحته ولان تزيينهن غالبا إنما هو للأزواج وقد ورد أن حسن التبعل من الإيمان قال ويستنبط من هذا أن الفحل لا يصلح له أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكون ذلك من صفات الإناث وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول

[ 5502 ] قوله عن عبد الملك بن ميسرة بفتح الميم وتحتانية ساكنة ثم مهملة هو الهلالي أبو زيد الزراد بزاي ثم راء ثقيلة وقد تقدم في النفقات من وجه آخر عن شعبة أخبرني عبد الملك ولشعبة فيه إسناد آخر أخرجه مسلم من رواية معاذ عنه عن أبي عون الثقفي عن أبي صالح الحنفي عن علي قوله عن زيد بن وهب كذا للأكثر وتقدم كذلك في الهبة والنفقات وكذا عند مسلم ووقع في رواية علي بن السكن هنا وحده عن النزال بن سبرة بدل زيد بن وهب وهو وهم كأنه انتقل من حديث إلي حديث لأن رواية عبد الملك عن النزال عن علي إنما هي في الشرب قائما كما تقدم في الأشربة وقد وافق الجماعة في الموضعين الآخرين وزيد بن وهب هو الجهني الثقة المشهور من كبار التابعين وما له في البخاري عن علي سوى هذا الحديث وتقدم في الهبة بلفظ سمعت زيد بن وهب قوله أهدى بفتح أوله قوله إلى بتشديد الياء ووقع في رواية أبي صالح المذكورة أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة فبعث بها إلى ولمسلم أيضا من وجه آخر عن أبي صالح عن علي أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا وفي رواية للطحاوي أهدى أمير أذربيجان إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير وسنده ضعيف قوله حلة سيراء قال أبو عبيد الحلل برود اليمن والحلة إزار ورداء ونقله بن الأثير وزاد إذا كان من جنس واحد وقال بن سيده في المحكم الحلة برد أو غيره وحكى عياض أن أصل تسمية الثوبين حلة أنهما يكونان جديدين كما حل طيهما وقيل لا يكون الثوبان حلة حتى يلبس أحدهما فوق الآخر فإذا كان فوقه فقد حل عليه والأول أشهر والسيراء بكسر المهملة وفتح التحتانية والراء مع المد قال الخليل ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله مع المد سوى سيراء وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد وعنباء لغة في العنب قال مالك هو الوشي من الحرير كذا قال والوشي بفتح الواو وسكون المعجمة بعدها تحتانية وقال الأصمعي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز وإنما قيل لها سيراء لتسيير الخطوط فيها وقال الخليل ثوب مضلع بالحرير وقيل مختلف الألوان فيه خطوط ممتدة كأنها السيور ووقع عند أبي داود في حديث أنس أنه رأى على أم كلثوم حلة سيراء والسيراء المضلع بالقز وقد جزم بن بطال كما سيأتي في ثالث أحاديث الباب أنه من تفسير الزهري وقال بن سيده هو ضرب من البرود وقيل ثوب مسير فيه خطوط يعمل من القز وقيل ثياب من اليمن وقال الجوهري برد فيه خطوط صفر ونقل عياض عن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسما وهو الحرير الصافي واختلف في قوله حلة سيراء هل هو بالإضافة أو لا فوقع عند الأكثر بتنوين حلة على أن سيراء عطف بيان أو نعت وجزم القرطبي بأنه الرواية وقال الخطابي قالوا حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء ونقل عياض عن أبي مروان بن السراج أنه بالإضافة قال عياض وكذا ضبطناه عن متقني شيوخنا وقال النووي أنه قول المحققين ومتقني العربية وأنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خز قوله فخرجت فيها في رواية أبي صالح عن علي فلبستها قوله فرأيت الغضب في وجهه زاد مسلم في رواية أبي صالح فقال أني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء وله في أخرى شققها خمرا بين الفواطم قوله فشققتها بين نسائي أي قطعتها ففرقتها عليهن خمرا والخمر بضم المعجمة والميم جمع خمار بكسر أوله والتخفيف ما تغطى به المرأة رأسها والمراد بقوله نسائي ما فسره في رواية أبي صالح حيث قال بين الفواطم ووقع في رواية النسائي حيث قال فرجعت إلى فاطمة فشققتها فقالت ماذا جئت به قلت نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبسها فالبسيها وأكسي نساءك وفي هذه الرواية أن عليا إنما شققها بإذن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد بن قتيبة المراد بالفواطم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت أسد بن هاشم والدة علي ولا أعرف الثالثة وذكر أبو منصور الأزهري أنها فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وقد أخرج الطحاوي وابن أبي الدنيا في كتاب الهدايا وعبد الغني بن سعيد في المبهمات وابن عبد البر كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن هبيرة بن يريم بتحتانية أوله ثم راء وزن عظيم عن علي في نحو هذه القصة قال فشققت منها أربعة أخمرة فذكر الثلاث المذكورات قال ونسي يزيد الرابعة وفي رواية الطحاوي خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي وخمارا لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وخمارا لفاطمة أخرى قد نسيتها فقال عياض لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب وهي بنت شيبة بن ربيعة وقيل بنت عتبة بن ربيعة وقيل بنت الوليد بن عتبة وامرأة عقيل هذه هي التي لما تخاصمت مع عقيل بعث عثمان معاوية وابن عباس حكمين بينهما ذكره مالك في المدونة وغيره واستدل بهذا الحديث على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الحلة إلى علي فبنى علي على ظاهر الإرسال فانتفع بها في أشهر ما صنعت له وهو اللبس فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبح له لبسها وإنما بعث بها إليه ليكسوها غيره ممن تباح له وهذا كله أن كانت القصة وقعت بعد النهي عن لبس الرجال الحرير وسيأتي مزيد لهذا في الحديث الذي بعده الحديث الثاني

[ 5503 ] قوله جويرية بالجيم والراء مصغر وبعد الراء تحتانية مفتوحة قوله عن عبد الله هو بن عمر قوله أن عمر رأى حلة سيراء هكذا رواه أكثر أصحاب نافع وأخرجه النسائي من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن بن عمر عن عمر أنه رأى حلة فجعله في مسند عمر قال الدارقطني المحفوظ أنه من مسند بن عمر وسيراء تقدم ضبطها وتفسيرها في الحديث الذي قبله ووقع في رواية مالك عن نافع كما تقدم في كتاب الجمعة أن ذلك كان على باب المسجد وفي رواية بن إسحاق عن نافع عند النسائي أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فرأى الحلة ولا تخالف بين الروايتين لأن طرف السوق كان يصل إلى قرب باب المسجد قوله تباع في رواية جرير بن حازم عن نافع عند مسلم رأى عمر عطاردا التميمي يقيم حلة بالسوق وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم وأخرج الطبراني من طريق أبي مجلز عن حفصة بنت عمر أن عطارد بن حاجب جاء بثوب من ديباج كساه إياه كسرى فقال عمر ألا أشتريه لك يا رسول الله ومن طريق عبد الرحمن بن عمرو بن معاذ عن عطارد نفسه أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب ديباج كساه إياه كسرى والجمع بينهما أن عطاردا لما أقامه في السوق ليباع لم يتفق له بيعه فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم وعطارد هذا هو بن حاجب بن زرارة بن عدس بمهملات الدارمي يكنى أبا عكرشة بشين معجمة كان من جملة وفد بني تميم أصحاب الحجرات وقد أسلم وحسن إسلامه واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه وكان أبوه من رؤساء بني تميم في الجاهلية وقصته مع كسرى في رهنه قوسه عوضا عن جمع كثير من العرب عند كسرى مشهورة حتى ضرب المثل بقوس حاجب قوله لو ابتعتها فلبستها في رواية سالم عن بن عمر كما تقدم في العيدين ابتع هذه فتجمل بها وكان عمر أشار بشرائها وتمناه قوله للوفد إذا أتوك في رواية جرير بن حازم لوفود العرب وكأنه خصه بالعرب لأنهم كانوا إذ ذاك الوفود في الغالب لأن مكة لما فتحت بادر العرب بإسلامهم فكان كل قبيلة ترسل كبراءها ليسلموا ويتعلموا ويرجعوا إلى قومهم فيدعوهم إلى الإسلام ويعلموهم قوله والجمعة في رواية سالم العيد بدل الجمعة وجمع بن إسحاق عن نافع ما تضمنته الروايتان أخرجه النسائي بلفظ فتجمل بها لوفود العرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس في يوم عيد وغيره قوله إنما يلبس هذه في رواية جرير بن حازم إنما يلبس الحرير قوله من لا خلاق له زاد مالك في روايته في الآخرة والخلاق النصيب وقيل الحظ وهو المراد هنا ويطلق أيضا على الحرمة وعلى الدين ويحتمل أن يراد من لا نصيب له في الآخرة أي من لبس الحرير قاله الطيبي وقد تقدم في حديث أبي عثمان عن عمر في أول حديث من باب لبس الحرير ما يؤيده ولفظه لا يلبس الحرير إلا من لبس له في الآخرة منه شيء قوله وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى عمر حلة سيراء زاد الإسماعيلي من هذا الوجه بحلة سيراء من حرير ومن بيانية وهو يقتضي أن السيراء قد تكون من غير حرير قوله كساها إياه كذا أطلق وهي باعتبار ما فهم عمر من ذلك وإلا فقد ظهر من بقية الحديث أنه لم يبعث إليه بها ليلبسها أو المراد بقوله كساه أعطاه ما يصلح أن يكون كسوة في رواية مالك الماضية في الجمعة ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأطعى عمر حلة وفي رواية جرير بن حازم فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة وأعطى علي بن أبي طالب حلة وعرف بهذا جهة الحلة المذكورة في حديث علي المذكور أولا قوله فقال عمر كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت في رواية جرير بن حازم فجاء عمر بحلته يحملها فقال بعثت إلى بهذه وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت والمراد بالأمس هنا يحتمل الليلة الماضية أو ما قبلها بحسب ما اتفق من وصول الحلل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قصة حلة عطارد وفي رواية محمد بن إسحاق فخرجت فزعا فقلت يا رسول الله ترسل بها إلي وقد قلت فيها ما قلت قوله انما بعثت بها إليك لتبيعها أو تكسوها في رواية جرير لتصيب بها وفي رواية الزهري عن سالم كما مضى في العيدين تبيعها وتصيب بها حاجتك وفي رواية يحيى بن إسحاق عن سالم كما سيأتي في الأدب لتصيب بها ما لا وزاد مالك في آخر الحديث فكساها عمر أخا له بمكة مشركا زاد في رواية عبيد الله بن عمر العمري عند النسائي أخا له من أمه وتقدم في البيوع من طريق عبد الله بن دينار عن بن عمر فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم قال النووي هذا يشعر بأنه أسلم بعد ذلك قلت ولم أقف على تسمية هذا الأخ إلا فيما ذكره بن بشكوال في المبهمات نقلا عن بن الحذاء في رجال الموطأ فقال اسمه عثمان بن حكيم قال الدمياطي هو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص قال وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب قلت بل له وجه بطريق المجاز ويحتمل أن يكون عمر ارتضع من أم أخيه زيد فيكون عثمان أخا عمر لأمه من الرضاع وأخا زيد لأمه من النسب وأفاد بن سعد أن والدة سعيد بن المسيب هي أم سعيد بن عثمان بن الحكم ولم أقف على ذكره في الصحابة فإن كان أسلم فقد فاتهم فليستدرك وإن كان مات كافرا وكان قوله قبل أن يسلم لا مفهوم له بل المراد أن البعث إليه كان في حال كفره مع قطع النظر عما وراء ذلك فلتعد بنته في الصحابة وفي حديث جابر الذي أوله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في قباء حرير ثم نزعه فقال نهاني عنه جبريل كما تقدم التنبيه عليه في أوائل كتاب الصلاة زيادة عند النسائي وهي فأعطاه لعمر فقال لم أعطكه لتلبسه بل لتبيعه فباعه عمر وسنده قوي وأصله في مسلم فإن كان محفوظا أمكن أن يكون عمر باعه بإذن أخيه بعد أن أهداه له والله أعلم تنبيه وجه إدخال هذا الحديث في باب الحرير للنساء يؤخذ من قوله لعمر لتبيعها أو تكسوها لأن الحرير إذا كان لبسه محرما على الرجال فلا فرق بين عمر وغيره من الرجال في ذلك فينحصر الإذن من النساء وأما كون عمر كساها أخاه فلا يشكل على ذلك عند من يرى أن الكافر مخاطب بالفروع ويكون أهدى عمر الحلة لأخيه ليبيعها أو يكسوها امرأة ويمكن من يرى أن الكافر غير مخاطب أن ينفصل عن هذا الإشكال بالتمسك بدخول النساء في عموم قوله أو يكسوها أي إما للمرأة أو للكافر بقرينة قوله إنما يلبس هذا من لا خلاق له أي من الرجال ثم ظهر لي وجه آخر وهو أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكورة فقد أخرج الحديث المذكور الطحاوي من رواية أيوب بن موسى عن نافع عن بن عمر قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عطارد حلة فكرهها له ثم أنه كساها عمر مثله الحديث وفيه أني لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتلبسها النساء واستدل به على جواز لبس المرأة الحرير الصرف بناء على أن الحلة السيراء هي التي تكون من حرير صرف قال بن عبد البر هذا قول أهل العلم وأما أهل اللغة فيقولون هي التي يخالطها الحرير قال والأول هو المعتمد ثم ساق من طريق محمد بن سيرين عن بن عمر نحو حديث الباب وفيه حلة من حرير وقال بن بطال دلت طرق الحديث على أن الحلة المذكورة كانت من حرير محض ثم ذكر من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر أن عمر قال يا رسول الله أني مررت بعطارد يعرض حلة حرير للبيع الحديث أخرجه أبو عوانة والطبري بهذا اللفظ قلت وتقدم في البيوع من طريق أبي بكر بن حفص عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه حلة حرير أو سيراء وفي العيدين من طريق الزهري عن سالم حلة من إستبرق وقد فسر الإستبرق في طريق أخرى بأنه ما غلظ من الديباج أخرجه المصنف في الأدب من طريق يحيى بن إسحاق قال سألني سالم عن الإستبرق فقلت ما غلظ من الديباج فقال سمعت عبد الله بن عمر فذكر الحديث ووقع عند مسلم من حديث أنس في نحو هذه القصة حلة من سندس قال النووي هذه الألفاظ تبين أن الحلة كانت حريرا محضا قلت الذي يتبين أن السيراء قد تكون حريرا صرفا وقد تكون غير محض فالتي في قصة عمر جاء التصريح بأنها كانت من حرير محض ولهذا وقع في حديثه إنما يلبس هذه من لا خلاق له والتي في قصة علي لم تكن حريرا صرفا لما روى بن أبي شيبة من طريق أبي فاختة عن هبيرة بن يريم عن علي قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير إما سداها أو لحمتها فأرسل بها إلي فقلت ما أصنع بها ألبسها قال لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم وقد أخرجه أحمد وابن ماجة من طريق بن إسحاق عن هبيرة فقال فيه حلة من حرير وهو محمول على رواية أبي فاختة وهو بفاء ومعجمة ثم مثناة اسمه سعيد بن علاقة بكسر المهملة وتخفيف اللام ثم قاف ثقة ولم يقع في قصة علي وعيد على لبسها كما وقع في قصة عمر بل فيه لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي ولا ريب أن ترك لبس ما خالطه الحرير أولى من لبسه عند من يقول بجوازه والله أعلم الحديث الثالث حديث أنس أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير سيراء هكذا وقع في رواية شعيب عن الزهري ووافقه الزبيدي كما تقدمت الإشارة إليه في باب مس الحرير من غير لبس وأخرجه النسائي من رواية بن جريج عن الزهري كالأول ومن طريق معمر عن الزهري نحوه لكن قال زينب بدل أم كلثوم والمحفوظ ما قال الأكثر وقد غفل الطحاوي فقال أن كان أنس رأى ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيعارض حديث عقبة يعني الذي أخرجه النسائي وصححه بن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحرير والحلة وإن كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان دليلا على نسخ حديث عقبة كذا قال وخفي عليه أن أم كلثوم ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك زينب فبطل التردد وأما دعوى المعارضة فمردودة وكذا النسخ والجمع بينهما واضح يحمل النهي في حديث عقبة على التنزيه وإقرار أم كلثوم على ذلك أما لبيان الجواز وإما لكونها كانت إذ ذاك صغيرة وعلى هذا التقدير فلا إشكال في رواية أنس لها وعلى تقدير أن تكون كانت كبيرة فيحمل على أن ذلك كان قبل الحجاب أو بعده لكن لا يلزم من رؤية الثوب على اللابس رؤية اللابس فلعله رأى ذيل القميص مثلا ويحتمل أيضا أن السيراء التي كانت على أم كلثوم كانت من غير الحرير الصرف كما تقدم في حلة علي والله أعلم واستدل بأحاديث الباب على جواز لبس الحرير للنساء سواء كان الثوب حريرا كله أو بعضه وفي الأول عرض المفضول علىالفاضل والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحه ممن يظن أنه لم يطلع عليه وفيه إباحة الطعن لمن يستحقه وفيه جواز البيع والشراء على باب المسجد وفيه مباشرة الصالحين والفضلاء البيع والشراء وقال بن بطال فيه ترك النبي صلى الله عليه وسلم لباس الحرير وهذا في الدنيا وإرادة تأخير الطيبات إلى الآخرة التي لا انقضاء لها إذ تعجيل الطيبات في الدنيا ليس من الحزم فزهد في الدنيا للآخرة وأمر بذلك ونهى عن كل سرف وحرمه وتعقبه بن المنير بان تركه صلى الله عليه وسلم لبس الحرير إنما هو لاجتناب المعصية وأما الزهد فإنما هو في خالص الحلال ومالا عقوبة فيه فالتقلل منه وتركه مع الإمكان هو الذي تتفاضل فيه درجات الزهاد قلت ولعل مراد بن بطال بيان سبب التحريم فيستقيم ما قاله وفيه جواز بيع الرجال الثياب الحرير وتصرفهم فيها بالهبة والهدية لا اللبس وفيه جواز صلة القريب الكافر والإحسان إليه بالهدية وقال بن عبد البر فيه جواز الهدية للكافر ولو كان حربيا وتعقب بأن عطاردا إنما وفد سنة تسع ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة عطارد سنة تسع أن تكون قصة الحلة كانت حينئذ بل جاز أن تكون قبل ذلك وما زال المشركون يقدمون المدينة ويعاملون المسلمين بالبيع وغيره وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود فيحتمل أن يكون في المدة التي كانت بين الفتح وحج أبي بكر فإن منع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر سنة تسع ففيها وقع النهي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان واستدل به على أن الكافر ليس مخاطبا بالفروع لأن عمر لما منع من لبس الحلة أهداها لأخيه المشرك ولم ينكر عليه وتعقب بأنه لم يأمر أخاه بلبسها فيحتمل أن يكون وقع الحكم في حقه كما وقع في حق عمر فينتفع بها بالبيع أو كسوة النساء ولا يلبس هو وأجيب بأن المسلم عنده من الوازع الشرعي ما يحمله بعد العلم بالنهي عن الكف بخلاف الكافر فإن كفره يحمله على عدم الكف عن تعاطي المحرم فلولا أنه مباح له لبسه لما أهدي له لما في تمكينه منه من الإعانة على المعصية ومن ثم يحرم بيع العصير ممن جرت عادته أن يتخذه خمرا وأن احتمل أنه قد يشربه عصيرا وكذا بيع الغلام الجميل ممن يشتهر بالمعصية لكن يحتمل أن يكون ذلك كان على أصل الإباحة وتكون مشروعية خطاب الكافر بالفروع تراخت عن هذه الواقعة والله أعلم

قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط معنى قوله يتجوز يتوسع فلا يضيق بالاقتصار على صنف بعينه أولا يضيق بطلب النفيس والغالي بل يستعمل ما تيسر ووقع في رواية الكشميهني يتجزى بجيم وزاي أيضا لكنها ثقيلة مفتوحة بعدها ألف وهي أوضح والبسط بفتح الموحدة ما يبسط ويجلس عليه وذكر فيه حديثين أحدهما حديث بن عباس في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا وقد تقدم شرحه في الطلاق مستوفى والغرض منه نومه صلى الله عليه وسلم على حصير وتحت رأسه مرفقة حشوها ليف وقوله

[ 5505 ] في هذه الرواية مرفقة بكسر أوله وسكون الراء وفتح الفاء بعدها قاف ما يرتفق به وقد تقدم في الرواية الأخرى بلفظ وسادة وقوله فما شعرت بالأنصاري وهو يقول قد حدث أمر في رواية الكشميهني فما شعرت إلا بالأنصاري وهو يقول وفي نسخة عنه فما شعرت بالأنصاري إلا وهو يقول قال الكرماني سقط حرف الاستثناء من جل النسخ بل من كلها وهو مقدر والقرينة تدل عليه أو ما زائدة والتقدير شعرت بالأنصاري وهو يقول أو ما مصدرية وتكون هي المبتدأ وبالأنصاري الخبر أي شعوري متلبس بالأنصاري قائلا قلت ويحتمل أن تكون ما نافية على حالها بغير احتياج لحرف الاستثناء والمراد المبالغة في نفي شعوره بكلام الأنصاري من شدة ما دهمه من الخبر الذي أخبر به ويكون قد استثبته فيه مرة أخرى ولذلك نقله عنه لكن رواية الكشميهني ترجح الاحتمال الأول وتوضح أن قول الكرماني بل كلها ليس كذلك وقوله وعلى باب المشربة وصيف بمهملة وفاء وزن عظيم هو الغلام دون البلوغ وقد يطلق على من بلغ الخدمة يقال وصف الغلام بالضم وصافة وقول عمر فتقدمت إليها في أذاه أي أنذرتها من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقع من العقوبة بسبب أذاه الحديث الثاني

[ 5506 ] قوله كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة قال بن بطال قرن النبي صلى الله عليه وسلم نزول الخزائن بالفتنة إشارة إلى أنها تسبب عنها وإلى أن القصد في الأمر خير من الأكثار وأسلم من الفتنة ومطابقة حديث أم سلمة هذا للترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم حذر من لباس الرقيق من الثياب الواصفة لاجسامهن لئلا يعرين في الآخرة وفيما حكاه الزهري عن هند ما يؤيد ذلك قال وفيه إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلبس الثياب الشفافة لأنه إذا حذر من لبسها من ظهور العورة كان أولى بصفة الكمال من غيره أه وهو مبنى على أحد الأقوال في تفسير المراد بقوله كاسية عارية كما سيأتي بيانه في كتاب الفتن ويحتمل أن يكون الحديثان دالين على الترجمة بالتوزيع فحديث عمر مطابق للبسط وحديث أم سلمة مطابق للباس والمراد بقوله يتجزى أي فيما يتعلق بنفسه وبأهله قوله قال الزهري وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها هو موصول بالإسناد المذكور إلى الزهري وقوله أزرار وقع للأكثر وفي رواية أبي أحمد الجرجاني أزار براء واحدة وهو غلط والمعنى أنها كانت تخشي أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كميها فكانت تزرر ذلك لئلا يبدو منه شيء فتدخل في قوله كاسية عارية

قوله باب ما يدعي لمن لبس ثوبا جديدا كأنه لم يثبت عنده حديث بن عمر قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوبا فقال ألبس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه بن حبان وأعله النسائي وجاء أيضا فيما يدعو به من لبس الثوب الجديد أحاديث منها ما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وأخرج الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث عمر رفعه من لبس ثوبا جديدا فقال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في حفظ الله وفي كنف الله حيا وميتا وأخرج أحمد والترمذي وحسنه من حديث معاذ بن أنس رفعه من لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وحديث أم خالد بنت سعيد المذكور في هذا الباب تقدم شرحه في باب الخميصة السوداء قريبا وتقدم بيان الاختلاف في قوله صلى الله عليه وسلم لها أبلى واخلقي هل بالقاف أو الفاء وقوله

[ 5507 ] فيه خميصة سوداء لا ينافي ما وقع في كتاب الجهاد أنه كان عليها قميص أصفر لأن القميص كان عليها لما جيء بها والخميصة هي التي كسيتها وقوله في آخره قال إسحاق هو بن سعيد راوي الحديث عن أبيه وهو موصول بالسند المذكور وقوله حدثتني امرأة من أهلي لم أقف على اسمها وقوله أنها رأته على أم خالد أي الثوب ويستفاد من ذلك أنه بقي زمانا طويلا وقد تقدم ما يدل على ذلك صريحا في باب الخميصة

قوله باب النهي عن التزعفر للرجال أي في الجسد لأنه ترجم بعده باب الثوب المزعفر وقيده بالرجل ليخرج المرأة

[ 5508 ] قوله عن عبد العزيز هو بن صهيب قوله أن يتزعفر الرجل كذا رواه عبد الوارث وهو بن سعيد مقيدا ووافقه إسماعيل بن علية وحماد بن زيد عند مسلم وأصحاب السنن ووقع في رواية حماد بن زيد نهى عن التزعفر للرجال ورواه شعبة عن بن علية عند النسائي مطلقا فقال نهى عن التزعفر وكأنه اختصره وإلا فقد رواه عن إسماعيل فوق العشرة من الحفاظ مقيدا بالرجل ويحتمل أن يكون إسماعيل اختصره لما حدث به شعبة والمطلق محمول على المقيد ورواية شعبة عن إسماعيل من رواية الأكابر عن الأصاغر واختلف في النهي عن التزعفر هل هو لرائحته لكونه من طيب النساء ولهذا جاء الزجر عن الخلوق أو للونه فيلتحق به كل صفرة وقد نقل البيهقي عن الشافعي أنه قال أنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر وآمره إذا تزعفر أن يغسله قال وأرخص في المعصفر لأنني لم أجد أحدا يحكي عنه إلا ما قال علي نهاني ولا أقول أنهاكم قال البيهقي قد ورد ذلك عن غير علي وساق حديث عبد الله بن عمر وقال رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما أخرجه مسلم وفي لفظ له فقلت أغسلهما قال لا بل أحرقهما قال البيهقي فلو بلغ ذلك الشافعي لقال به اتباعا للسنة كعادته وقد كره المعصفر جماعة من السلف ورخص فيه جماعة وممن قال بكراهته من أصحابنا الحليمي واتباع السنة هو الأولى أه وقال النووي في شرح مسلم أتقن البيهقي المسألة والله أعلم ورخص مالك في المعصفر والمزعفر في البيوت وكرهه في المحافل وسيأتي قريبا حديث بن عمر في الصفرة وتقدم في النكاح حديث أنس في قصة عبد الرحمن بن عوف حين تزوج وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة وتقدم الجواب عن ذلك بأن الخلوق كان في ثوبه علق به من المرأة ولم يكن في جسده والكراهة لمن تزعفر في بدنه أشد من الكراهة لمن تزعفر في ثوبه وقد أخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سلم العلوي عن أنس دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة فكره ذلك وقلما كان يواجه أحدا بشيء يكرهه فلما قام قال لو أمرتم هذا أن يترك هذه الصفرة وسلم بفتح المهملة وسكون اللام فيه لين ولأبي داود من حديث عمار رفعه لا تحضر الملائكة جنازة كافر ولا مضمخ بالزعفران وأخرج أيضا من حديث عمار قال قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرحب بي وقال أذهب فاغسل عنك هذا

قوله باب الثوب المزعفر ذكر فيه حديث بن عمر نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بورس أو زعفران كذا أورده مختصرا وقد تقدم مطولا مشروحا في كتاب الحج وقد أخذ من التقييد بالمحرم جواز لبس الثوب المزعفر للحلال قال بن بطال أجاز مالك وجماعة لباس الثوب المزعفر للحلال وقالوا إنما وقع النهي عنه للمحرم خاصة وحمله الشافعي والكوفيون على المحرم وغير المحرم وحديث بن عمر الآتي في باب النعال السبتية يدل على الجواز فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة وأخرج الحاكم من حديث عبد الله بن جعفر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران وفي سنده عبد الله بن مصعب الزبيري وفيه ضعف وأخرج الطبراني من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبغ إزاره ورداؤه بزعفران وفيه روا مجهول ومن المستغرب قول بن العربي لم يرد في الثوب الأصفر حديث وقد ورد فيه عدة أحاديث كما ترى قال المهلب الصفرة أبهج الألوان إلى النفس وقد أشار إلى ذلك بن عباس في قوله تعالى صفراء فاقع لونها تسر الناظرين

قوله باب الثوب الأحمر ذكر فيه حديث البراء كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا ورأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه وقد تقدم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أتم سياقا من هذا

[ 5510 ] قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي سمع البراء هو بن عازب كذا قال أكثر أصحاب أبي إسحاق وخالفهم أشعث فقال عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة أخرجه النسائي وأعله الترمذي وحسنه ونقل عن البخاري أنه قال حديث أبي إسحاق عن البراء وعن جابر بن سمرة صحيحان وصححه الحاكم وقد تقدم حديث أبي جحيفة قريبا ويأتي وفيه حلة حمراء أيضا ولأبي داود من حديث هلال بن عامر عن أبيه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى على بعير وعليه برد أحمر وإسناده حسن وللطبراني بسند حسن عن طارق المحاربي نحوه لكن قال بسوق ذي المجاز وتقدم في باب التزعفر ما يتعلق بالمعصفر فإن غالب ما يصبغ بالمصفر يكون أحمر وقد تلخص لنا من أقوال السلف في لبس الثوب الأحمر سبعة أقوال الأول الجواز مطلقا جاء عن علي وطلحة وعبد الله بن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وطائفة من التابعين القول الثاني المنع مطلقا لما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وما نقله البيهقي وأخرج بن ماجة من حديث بن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقدم وهو بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر فسره في الحديث وعن عمر أنه كان إذا رأى على الرجل ثوبا معصفرا جذبه وقال دعوا هذا للنساء أخرجه الطبري وأخرج بن أبي شيبة من مرسل الحسن الحمرة من زينة الشيطان والشيطان يحب الحمرة وصله أبو علي بن السكن وأبو محمد بن عدي ومن طريق البيهقي في الشعب من رواية أبي بكر الهذلي وهو ضعيف عن الحسن عن رافع بن يزيد الثقفي رفعه أن الشيطان يحب الحمرة وإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة وأخرجه بن منده وأدخل في رواية له بين الحسن ورافع رجلا فالحديث ضعيف وبالغ الجوزقاني فقال أنه باطل وقد وقفت على كتاب الجوزقاني المذكور وترجمه بالأباطيل وهو بخط بن الجوزي وقد تبعه على ما ذكر في أكثر كتابه في الموضوعات لكنه لم يوافقه على هذا الحديث فإنه ما ذكره في الموضوعات فأصاب وعن عبد الله بن عمرو قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وقال لا نعلمه إلا بهذا الإسناد وفيه أبو يحيى القتات مختلف فيه وعن رافع بن خديج قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى على رواحلنا أكسية فيها خطوط عهن حمر فقال ألا أرى هذه الحمرة قد غلبتكم قال فقمنا سراعا فنزعناها حتى نفر بعض إبلنا أخرجه أبو داود وفي سنده روا لم يسم وعن امرأة من بني أسد قالت كنت عند زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة إذ طلع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى المغرة رجع فلما رأت ذلك زينب غسلت ثيابها ووارت كل حمرة فجاء فدخل أخرجه أبو داود وفي سنده ضعف القول الثالث يكره لبس الثوب المتشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد وكأن الحجة فيه حديث بن عمر المذكور قريبا في المفدم القول الرابع يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهوة ويجوز في البيوت والمهنة جاء ذلك عن بن عباس وقد تقدم قول مالك في باب التزعفر القول الخامس يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج ويمنع ما صبغ بعد النسج جنح إلى ذلك الخطابي واحتج بأن الحلة الواردة في الأخبار الواردة في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء إحدى حلل اليمن وكذلك البرد الأحمر وبرود اليمن يصبغ غزلها ثم ينسج القول السادس اختصاص النهي بما يصبغ بالمعصفر لورود النهي عنه ولا يمنع ما صبغ بغيره من الاصباغ ويعكر عليه حديث المغيرة المتقدم القول السابع تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها قال بن القيم كان بعض العلماء يلبس ثوبا مشبعا بالحمرة يزعم أنه يتبع السنة وهو غلط فإن الحلة الحمراء من برود اليمن والبرد لا يصبغ أحمر صرفا كذا قال وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا فإن مراعاة زى الزمان من المروءة ما لم يكن إثما وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء كما سيأتي وإن كان من أجل أنه زى النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء فيكون النهي عنه لا لذاته وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمنع حيث يقع ذلك وإلا فيقوي ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت

قوله باب الميثرة الحمراء ذكر فيه حديث سفيان وهو الثوري عن أشعث وهو بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن البراء قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع الحديث وفي آخره وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق والمياثر الحمر فالحرير قد سبق القول فيه والديباج والإستبرق صنفان نفيسان منه وأما المياثر فهي جمع ميثرة تقدم ضبطها في باب لبس القسي وقد أخرج أحمد والنسائي وأصله عند أبي داود بسند صحيح عن علي قال نهى عن المياثر الأرجوان هكذا عندهم بلفظ نهى على البناء للمجهول وهو محمول على الرفع وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان من طريق هبيرة بن يريم بتحتانية أوله وزن عظيم عن علي قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي والميثرة الحمراء قال أبو عبيد المياثر الحمر التي جاء النهي عنها كانت من مراكب العجم من ديباج وحرير وقال الطبري هي وعاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير من الأرجوان وحكى في المشارق قولا أنها سروج من ديباج وقولا أنها أغشية للسروج من حرير وقول أنها تشبه المخدة تحشى بقطن أو ريش يجعلها الراكب تحته وهذا يوافق تفسير الطبري والأقوال الثلاثة يحتمل أن لا تكون متخالفة بل الميثرة تطلق على كل منها وتفسير أبي عبيد يحتمل الثاني والثالث وعلى كل تقدير فالميثرة وإن كانت من حرير فالنهي فيها كالنهي عن الجلوس على الحرير وقد تقدم القول فيه ولكن تقييدها بالأحمر أخص من مطلق الحرير فيمتنع إن كانت حريرا ويتأكد المنع ان كانت مع ذلك حمراء وإن كانت من غير حرير فالنهي فيها للزجر عن التشبه بالأعاجم قال بن بطال كلام الطبري يقتضي التسوية في المنع من الركوب عليه سواء كانت من حرير أم من غيره فكان النهي عنها إذا لم يكن من حرير للتشبه أو للسرف أو التزين وبحسب ذلك تفصيل الكراهة بين التحريم والتنزيه وأما تقييدها بالحمرة فمن يحمل المطلق على المقيد وهم الأكثر يخص المنع بما كان أحمر والأرجوان المذكور في الرواية التي أشرت إليها بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو خفيفة وحكى عياض ثم القرطبي فتح الهمزة وأنكره النووي وصوب أن الضم هو المعروف في كتب الحديث واللغة والغريب واختلفوا في المراد به فقيل هو صبغ أحمر شديد الحمرة وهو نور شجر من أحسن الألوان وقيل الصوف الأحمر وقيل كل شيء أحمر فهو أرجوان ويقال ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان وحكى السيرافي أحمر أرجوان فكأنه وصف للمبالغة في الحمرة كما يقال أبيض يقق وأصفر فاقع واختلفوا هل الكلمة عربية أو معربة فإن قلنا باختصاص النهي بالأحمر من المياثر فالمعنى في النهي عنها ما في غيرها كما تقدم في الباب قبله وأن قلنا لا يختص بالأحمر فالمعنى بالنهي عنها ما فيه من الترفه وقد يعتادها الشخص فتعوزه فيشق عليه تركها فيكون النهي نهي إرشاد لمصلحة دنيوية وأن قلنا النهي عنها من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة والله أعلم

قوله باب النعال جمع نعل وهي مؤنثة قال بن الأثير هي التي تسمى الآن تاسومة وقال بن العربي النعل لباس الأنبياء وإنما أتخذ الناس غيرها لما في أرضهم من الطين وقد يطلق النعل على كل ما يقي القدم قال صاحب المحكم النعل والنعلة ما وقيت به القدم قوله السبتية بكسر الهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة منسوبة إلى السبت قال أبو عبيد هي المدبوغة ونقل عن الأصمعي وعن أبي عمرو الشيباني زاد الشيباني بالقرظ قال وزعم بعض الناس أنها التي حلق عنها الشعر قلت أشار بذلك إلى مالك نقله بن وهب عنه ووافقه وكأنه مأخوذ من لفظ السبت لأن معناه القطع فالحلق بمعناه وأيد ذلك جواب بن عمر المذكور في الباب وقد وافق الأصمعي الخليل وقالوا قيل لها سبتية لأنها تسبتت بالدباغ أي لانت قال أبو عبيد كانوا في الجاهلية لا يلبس النعال المدبوغة إلا أهل السعة واستشهد لذلك بشعر وذكر في الباب أربعة أحاديث الأول حديث أنس في الصلاة في النعلين وقد تقدم شرحه في الصلاة الثاني حديث بن عمر من رواية سعيد المقبري عن عبيد بن جريج وهما تابعيان مدنيان

[ 5513 ] قوله رأيتك تصنع أربعا فذكرها فأما الاقتصار على مس الركنين اليمانيين فتقدم شرحه في كتاب الحج وكذلك الأهلال يوم التروية وأما الصبغ بالصفرة فتقدم في باب التزعفر ووقع في رواية بن إسحاق عن عبيد بن جريج تصفر بالورس وأما لبس النعال السبتية فهو المقصود بالذكر هنا وقول بن عمر يلبس النعال التي لبس فيها شعر يؤيد تفسير مالك المذكور وقال الخطابي السبتية التي دبغت بالقرظ وهي التي سبت ما عليها من شعر أي حلق قال وقد يتمسك بهذا من يدعي أن الشعر ينجس بالموت وأنه لا يؤثر فيه الدباغ ولا دلالة فيه لذلك واستدل بحديث بن عمر في لباس النبي صلى الله عليه وسلم النعال السبتية ومحبته لذلك على جواز لبسها على كل حال وقال أحمد يكره لبسها في المقابر لحديث بشير بن الخصاصية قال بينما أنا أمشي في المقابر علي نعلان إذا رجل ينادي من خلفي يا صاحب السبتيتين إذا كنت في هذا الموضع فاخلع نعليك أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم واحتج به على ما ذكر وتعقبه الطحاوي بأنه يجوز أن يكون الأمر يخلعهما لأذى فيهما وقد ثبت في الحديث أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين وهو دال على جواز لبس النعال في المقابر قال وثبت حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه قال فإذا جاز دخول المسجد بالنعل فالمقبرة أولى قلت ويحتمل أن يكون النهي لاكرام الميت كما ورد النهي عن الجلوس علىا لقبر وليس ذكر السبتيتين للتخصيص بل اتفق ذلك والنهي إنما هو للمشي على القبور بالنعال الحديث الثالث والرابع حديث بن عمر وابن عباس فيما لا يلبس المحرم وفيه ذكر النعلين وقد تقدم شرحهما في كتاب الحج وفي هذه الأحاديث استحباب لبس النعل وقد أخرج مسلم من حديث جابر رفعه استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل أي أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة وقلة التعب وسلامة الرجل من أذى الطريق قاله النووي وقال القرطبي هذا كلام بليغ ولفظ فصيح بحيث لا ينسج على منواله ولا يؤتى بمثاله وهو إرشاد إلى المصلحة وتنبيه على ما يخفف المشقة فإن الحافي المديم للمشي يلقى من الآلام والمشقة بالعثار وغيره ما يقطعه عن المشي ويمنعه من الوصول إلى مقصوده كالراكب فلذلك شبة به

قوله باب يبدأ بالنعل اليمنى ذكر فيه حديث عائشة كان يحب التيمن في طهوره وتنعله وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة وهو ظاهر فيما ترجم له والله أعلم

قوله باب لا يمشي في نعل واحدة ذكر فيه حديث أبي هريرة من رواية الأعرج عنه قال الخطابي الحكمة في النهي أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض من شوك أو نحوه فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه ولا يأمن مع ذلك من العثار وقيل لأنه لم يعدل بين جوارحه وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي أو ضعفه وقال بن العربي قيل العلة فيها أنها مشية للشيطان وقيل لأنها خارجة عن الاعتدال وقال البيهقي الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن ترى ذلك منه وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس فكل شيء صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب وأما ما أخرج مسلم من طريق أبي رزين عن أبي هريرة بلفظ إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في نعل واحدة حتى يصلحها وله من حديث جابر حتى يصلح نعله وله ولأحمد من طريق همام عن أبي هريرة إذا انقطع شسع أحدكم أو شراكه فلا يمشي في إحداهما بنعل والأخرى حافية ليحفها جميعا أو لينعلهما جميعا فهذا لا مفهوم له حتى يدل على الإذن في غير هذه الصورة وإنما هو تصوير خرج مخرج الغالب ويمكن أن يكون مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا منع مع الاحتياج فمع عدم الاحتياج أولى وفي هذا التقرير استدراك على من أجاز ذلك حين الضرورة وليس كذلك وإنما المراد أن هذه الصورة قد يظن أنها أخف لكونها للضرورة المذكورة لكن لعلة موجودة فيها أيضا وهو دال على ضعف ما أخرجه الترمذي عن عائشة قالت ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى في النعل الواحدة حتى يصلحها وقد رجح البخاري وغير واحد وقفه على عائشة وأخرج الترمذي بسند صحيح عن عائشة أنها كانت تقول لأخيفن أبا هريرة فيمشي في نعل واحدة وكذا أخرجه بن أبي شيبة موقوفا وكأنها لم يبلغها النهي وقولها لأخيفن معناه لأفعلن فعلا يخالفه وقد اختلف في ضبطه فروى لأخالفن وهو أوضح في المراد وروى لاحنثن من الحنث بالمهملة والنون والمثلثة واستبعد لكن يمكن أن يكون بلغها أن أبا هريرة حلف على كراهية ذلك فأرادت المبالغة في مخالفته وروى لأخيفن بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء وهو تصحيف وقد وجهت بأن مرادها أنه إذا بلغه أنها خالفته أمسك عن ذلك خوفا منها وهذا في غاية البعد وقد كان أبو هريرة يعلم أن من الناس من ينكر عليه هذا الحكم ففي رواية مسلم المذكورة من طريق أبي رزين خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال أما إنكم تحدثون أني أكذب اتهتدوا وأضل أشهد لسمعت فذكر الحديث وقد وافق أبا هريرة جابر على رفع الحديث فأخرج مسلم من طريق بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يمش في نعل واحدة الحديث ومن طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة ومن طريق أبي خيثمة عن أبي الزبير عن جابر رفعه إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمشي في خف واحد قال بن عبد البر لم يأخذ أهل العلم برأي عائشة في ذلك وقد ورد عن علي وابن عمر أيضا أنهما فعلا ذلك وهو إما أن يكون بلغهما النهي فحملاه على التنزيه أو كان زمن فعلهما يسيرا بحيث يؤمن معه المحذور أو لم يبلغهما النهي أشار إلى ذلك بن عبد البر والشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة بعدها عين مهملة السير الذي يجعل فيه إصبع الرجل من النعل والشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء وآخره كاف أحد سيور النعل التي تكون في وجهها وكلاهما يختل المشي بفقده وقال عياض روى عن بعض السلف في المشي في نعل واحدة أو خف واحد أثر لم يصح أوله تأويل في المشي اليسير بقدر ما يصلح الأخرى والتقييد بقوله لا يمش قد يتمسك به من أجاز الوقوف بنعل واحدة إذا عرض النعل ما يحتاج إلى اصلاحها وقد اختلف في ذلك فنقل عياض عن مالك أنه قال يخلع الأخرى ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها مما يضر فيه المشي فيه حتى يصلحها أو يمشي حافيا أن لم يكن ذلك قال بن عبد البر هذا هو الصحيح في الفتوى وفي الأثر وعليه العلماء ولم يتعرض لصورة الجلوس والذي يظهر جوازها بناء على أن العلة في النهي ما تقدم ذكره إلا ما تقدم ذكره إلا ما ذكر من إرادة العدل بين الجوارح فإنه يتناول هذه الصورة أيضا

[ 5518 ] قوله لينعلها جميعا قال بن عبد البر أراد القدمين وأن لم يجر لهما ذكر وهذا مشهور في لغة العرب وورد في القرآن أن يؤتى بضمير لم يتقدم له ذكر لدلالة السياق عليه وينعلهما ضبطه النووي بضم أوله من أنعل وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن أهل اللغة قالوا نعل بفتح العين وحكى كسرها وانتعل أي لبس النعل لكن قد قال أهل اللغة أيضا أنعل رجله ألبسها نعلا ونعل دابته جعل لها نعلا وقال صاحب المحكم أنعل الدابة والبعير ونعلهما بالتشديد وكذا ضبطه عياض في حديث عمر المتقدم أن غسان تنعل الخيل بالضم أي تجعل لها نعالا والحاصل أن الضمير إن كان للقدمين جاز الضم والفتح وإن كان للنعلين تعين الفتح قوله أو ليحفهما جميعا كذا للأكثر ووقع في رواية أبي مصعب في الموطأ أو ليخلعهما وكذا في رواية لمسلم والذي في جميع روايات الموطأ كالذي في البخاري وقال النووي وكلا الروايتين صحيح وعلى ما وقع في رواية أبي مصعب فالضمير في قوله أو ليخلعهما يعود على النعلين لأن ذكر النعل قد تقدم والله أعلم تكملة قد يدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين واخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى وللتردي على أحد المنكبين دون الآخر قاله الخطابي قلت وقد أخرج بن ماجة حديث الباب من رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لا يمش أحدكم في نعل واحدة ولا خف واحد وهو عند مسلم أيضا من حديث جابر وعند أحمد من حديث أبي سعيد وعند الطبراني من حديث بن عباس وإلحاق إخراج اليد الواحدة من الكم وترك الأخرى بلبس النعل الواحدة والخف الواحد بعيد إلا إن أخذ من الأمر بالعدل بين الجوارح وترك الشهرة وكذا وضع طرف الرداء على أحد المنكبين والله أعلم

قوله باب ينزع نعله اليسرى وقد ذكر هذه الترجمة قبل التي قبلها عند الجميع إلا أبا ذر ولكل منهما وجه

[ 5517 ] قوله إذا انتعل أي لبس النعل قوله باليمين في رواية الكشميهني باليمنى قوله وإذا انتزع في رواية مسلم وإذا خلع قوله لتسكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع زعم بن وضاح فيما حكاه بن التين أن هذا القدر مدرج وأن المرفوع انتهى عند قوله بالشمال وضبط قوله أولهما وآخرهما بالنصب على أنه خبر كان أو على الحال والخبر تنعل وتنزع وضبطا بمثناتين فوقانيتين وتحتانيتين مذكرتين باعتبار النعل والخلع قال بن الرعبي البداءة باليمين مشروعة في جميع الأعمال الصالحة لفضل اليمن حسا في القوة وشرعا في الندب إلى تقديمها وقال النووي يستحب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم أو الزينة والبداءة باليسار في ضد ذلك كالدخول إلى الخلاء ونزع النعل والخف والخروج من المسجد والاستنجاء وغيره من جميع المستقذرات وقد مر كثير من هذا في كتاب الطهارة في شرح حديث عائشة كان يعجبه التيمن وقال الحليمي وجه الابتداء بالشمال عند الخلع أن اللبس كرامة لأنه وقاية للبدن فلما كانت اليمنى أكرم من اليسرى بدىء بها في اللبس وأخرت في الخلع لتكون الكرامة لها أدوم وحظها منها أكثر قال بن عبد البر من بدأ بالانتعال في اليسرى أساء لمخالفة السنة ولكن لا يحرم عليه لبس نعله وقال غيره ينبغي له أن ينزع النعل من اليسرى ثم يبدأ باليمنى ويمكن أن يكون مراد بن عبد البر ما إذا لبسهما معا فبدأ باليسرى فإنه لا يشرع له أن ينزعهما ثم يلبسهما على الترتيب المأمور به إذ قد فات محله ونقل عياض وغيره الإجماع على أن الأمر فيه للاستحباب والله أعلم

قوله باب قبالان في نعل أي في كل فردة ومن رأى قبالا واحدا واسعا أي جائز القبال بكسر القاف وتخفيف الموحدة وآخره لام هو الزمام وهو السير الذي يعقد فيه الشسع الذي يكون بين إصبعي الرجل قوله همام وقع في رواية بن السكن على الفربري هشام بدل همام والذي عند الجماعة أولى

[ 5519 ] قوله أن نعلي النبي صلى الله عليه وسلم وقع في رواية عند الكشميهني بالافراد وكذا في قوله لهما وقوله قبالان زاد بن سعد عن عفان عن همام من سبت ليس عليهما شعر وقد أخرجه أحمد عن عفان بدون هذه الزيادة وقوله سبت بكسر المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة وقد فسره في الحديث قوله حدثنا محمد هو بن مقاتل وعبد الله هو بن المبارك

[ 5520 ] قوله عيسى بن طهمان قال أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين لهما قبالان فقال ثابت البناني هذه نعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا مرسل قاله الإسماعيلي قلت صورته الإرسال لأن ثابات لم يصرح بان أنسا أخبره بذلك فإن كان ثابت قاله بحضرة أنس وأقره أنس على ذلك فيكون أخذ عيسى بن طهمان له عن أنس عرضا لكن قد تقدم هذا الحديث في الخمس من طريق بن أحمد الزبيري عن عيسى بن طهمان بما ينفي هذا الاحتمال ولفظه أخرج إلينا أنس نعلين جرداوتين لهما قبالان فحدثني ثابت البناني بعد أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم فظهر بهذا أن رواية عيسى عن أنس إخراجه النعلين فقط وأن إضافتهما للنبي صلى الله عليه وسلم من رواية عيسى عن ثابت عن أنس وقد أشار الإسماعيلي إلى أن إخراج طريق أبي أحمد أولى وكأنه لم يستحضر أنها تقدمت هناك والبخاري على عادته إذا صحت الطريق موصولة لا يمتنع من إيراد ما ظاهره الإرسال اعتمادا على الموصول وقد أخرج الترمذي في الشمائل وابن ماجة بسند قوي من حديث بن عباس كانت لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثنى شراكهما قال الكرماني دلالة الحديث على الترجمة من جهة أن النعل صادقة على مجموع ما يلبس في الرجلين وأما الركن الثاني من الترجمة فمن جهة أن مقابلة الشيء بالشيء يفيد التوزيع فلكل واحد من نعل كل رجل قبال واحد قلت بل أشار البخاري إلى ما ورد عن بعض السلف فقد أخرج البزار والطبراني في الصغير من حديث أبي هريرة مثل حديث أنس هذا وزاد وكذا لأبي بكر ولعمر وأول من عقد عقدة واحدة عثمان بن عفان لفظ الطبراني وسياق البزار مختصر ورجال سنده ثقات وله شاهد أخرجه النسائي من رواية محمد بن سيرين عن عمرو بن أوس مثله دون ذكر عثمان

قوله باب القبة الحمراء من أدم بفتح الهمزة والمهملة هو الجلد المدبوغ وكأنه صبغ بحمرة قبل أن يجعل قبة ذكر فيه طرفا من حديث أبي جحيفة وقد تقدم في أوائل الصلاة بتمامه مشروحا وساقه فيه بهذا الإسناد بعينه والغرض منه هنا

[ 5521 ] قوله وهو في قبة حمراء من أدم فهو مطابق لما ترجم له وتقدم شرح الحلة الحمراء قريبا في باب الثوب الأحمر ولعله أراد الإشارة إلى تضعيف حديث رافع المقدم ذكره هناك ثم ذكر حديث أنس قال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم وهو أيضا طرف من حديث أورده بتمامه في كتاب الخمس عن أبي اليمان بهذا الإسناد بعينه قال الكرماني هذا لا يدل على أن القبة حمراء لكن يكفي أنه يدل على بعض الترجمة وكثيرا ما يفعل البخاري ذلك قلت ويمكن أن يقال لعله حمل المطلق على المقيد وذلك لقرب العهد فإن القصة التي ذكرها أنس كانت في غزوة حنين والتي ذكرها أبو جحيفة كانت في حجة الوداع وبينهما نحو سنتين فالظاهر أنها هي تلك القبة لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يتأنق في مثل ذلك حتى يستبدل وإذا وصفها أبو جحيفة بأنها حمراء في الوقت الثاني فلأن تكون حمرتها موجودة في الوقت الأول أولى

[ 5522 ] قوله وقال الليث حدثني يونس عن بن شهاب هو الزهري المذكور في السند الذي قبله وقد اقتطع هذه الجملة من الحديث فساقها على لفظ الليث وأول حديث شعيب عنده في فرض الخمس أن ناسا من الأنصار قالوا حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فذكر القصة قال فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم الحديث بطوله وقد تقدم شرحه في غزوة حنين وقد وصل الإسماعيلي رواية الليث من طريق الرمادي حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثني يونس ومن طريق حرملة عن بن وهب أخبرني يونس وساقه بلفظ فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم هكذا اقتطعه وقد أخرجه مسلم عن حرملة وأوله عنده أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله فذكر الحديث بطوله

قوله باب الجلوس على الحصير ونحوه أما الحصير فمعروف يتخذ من السعف وما أشبه وأما قوله ونحوه فيريد من الأشياء التي تبسط وليس لها قدر رفيع ذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل ويصلي عليه ومعتمر في إسناده هو بن سليمان التيمي وعبيد الله هو بن عمر العمري وسعيد هو المقبري وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق أولهم أبو سلمة وهم مدنيون وفيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله يقول وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فقالت لم يكن على الحصير ويمكن الجمع بحمل النفي على المداومة لكن يخدش فيه ما ذكره شريح من الآية وقد تقدم شرح حديث عائشة في كتاب الصلاة وترجم المصنف في أوائل الصلاة باب الصلاة على الحصير وأورد فيه حديث أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس الحديث وسبق ما يتعلق به وقوله

[ 5523 ] في حديث عائشة يحتجر بحاء مهملة ثم راء مهملة للأكثر أي يتخذ حجرة لنفسه يقال حجرت الأرض واحتجرتها إذا جعلت عليها علامة تمنعها من غيرك ووقع في رواية الكشميهني بزاي في آخره قوله يثوبون بمثلثة ثم موحدة أي يرجعون وقوله فيه فإن الله لا يمل حتى تملوا تقدم شرحه أيضا في كتاب الإيمان وأن الملال كناية عن القبول أو الترك أو أطلق على سبيل المشاكلة وقوله وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام أي ما استمر في حياة العامل وليس المراد حقيقة الدوام التي هي شمول جميع الأزمنة ووقع في رواية الكشميهني ما دوام أي ما داوم عليه العامل

قوله باب المزرر بالذهب أي من الثياب

[ 5524 ] قوله وقال الليث وصله أحمد عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن الليث بلفظه وللإسماعيلي من رواية كامل بن طلحة حدثنا الليث وقد تقدم موصولا قريبا وفي الهبة عن قتيبة عن الليث لكن بغير هذا اللفظ قوله ان أباه مخرمة قال يا بني في رواية الكشميهني قال له وقد تقدم شرح الحديث قريبا في باب القباء وفروج من حرير وقوله فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب هذا محتمل أن يكون وقع قبل التحريم فلما وقع تحريم الحرير والذهب على الرجال لم يبق في هذا حجة لمن يبيح شيئا من ذلك ويحتمل أن يكون بعد التحريم فيكون أعطاه لينتفع به بأن يكسوه النساء أو ليبيعه كما وقع لغيره ويكون معنى قوله فخرج وعليه قباء أي على يده فيكون من إطلاق الكل على البعض وقد تقدم أنه أراد تطيب قلب مخرمة وأنه كان في خلقه شيء وفي قوله لولده في هذه الرواية لما قال له أدعو لك النبي صلى الله عليه وسلم في معرض الأنكار لقوله أدعه لي فأجابه بقوله يا بني إنه ليس بجبار ما يدل على صحة إيمان مخرمة وإن كان قد وصف بأنه سيء الخلق وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن تلطفه بأصحابه

قوله باب خواتيم الذهب جمع خاتم ويجمع أيضا على خواتم بلا ياء وعلى خياتيم بياء بدل الواو وبلا ياء أيضا وفي الخاتم ثمان لغات فتح التاء وكسرها وهما واضحتان وبتقديمها على الألف مع كسر الخاء ختام وبفتحها وسكون التحتانية وضم المثناة بعدها واو خيتوم وبحذف الياء والواو مع سكون المثناة ختم وبألف بعد الخاء وأخرى بعد التاء خاتام وبزيادة تحتانية بعد المثناة المكسورة خاتيام وبحذف الألف الأولى وتقديم التحتانية خيتام وقد جمعتها في بيت وهو
خاتام خاتم ختم خاتم وختا
م خاتيام وخيتوم وخيتام وقبله
خذ نظم عد لغات الخاتم انتظمت
ثمانيا ما حواها قبل نظام ثم زدت ثالثا
وهمز مفتوح تاء تاسع وإذا
ساغ القياس أتم العشر خاتام أما الأول فذكر أبو البقاء في إعراب الشواذ في الكلام على من قرأ العألمين بالهمز قال ومثله الخأتم بالهمز وأما الثاني فهو على الاحتمال واقتصر كثيرون منهم النووي على أربعة والحق أن الختم والختام مختص بما يختم به فتكمل الثمان فيه وأما ما يتزين به فليس فيه إلا ستة وأنشدوا في الخاتيام وهو أغربها
أخذت من سعداك خاتياما
لموعد تكتسب الآثاما ذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث البراء قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبع نهانا عن خاتم الذهب أو قال حلقة الذهب كذا في هذه الطريق من رواية آدم عن شعبة عن أشعث بن سليم وهو بن أبي الشعثاء سمعت معاوية بن سويد بن مقرن قال سمعت البراء فذكره بتقديم النواهي على الأوامر وتقدم في أوائل الجنائز عن أبي الوليد عن شعبة بتقديم الأوامر على النواهي لكن سقط من النواهي ذكر المياثر وقال فيه خاتم الذهب ولم يشك وأورده في المظالم عن سعيد بن الربيع عن شعبة لكن لم يسق فيه المنهيات جملة وأورده في الطب عن حفص بن عمر عن شعبة لكن سقط من النواهي آنية الفضة وذكر من الأوامر ثلاثة فقط اتباع الجنائز وعيادة المريض وإفشاء السلام واختصر الباقي وقال فيه أيضا خاتم الذهب وأورده في أواخر الأدب عن سليمان بن حرب عن شعبة كذلك لكن لم يذكر القسي ولا آنية الفضة وقال بدل الإستبرق السندس وأخرجه في الأيمان والنذور من طريق غند عن شعبة مقتصرا على إبرار القسم حسب فهذا ما عنده من تغاير السياق في رواية شعبة فقط وأما من رواية غيره عن أشعث عنده أيضا فإنه أخرجه في الأشربة فقط من رواية أبي عوانة عن الأشعث فقدم الأوامر على النواهي وساقه تاما وقال فيه ونهانا عن خواتيم الذهب وهكذا أخرجه في الوليمة من طريق أبي الأحوص عن أشعث مثله سواء وهو المطابق للترجمة هنا وأخرجه في أوائل الاستئذان من طريق جرير عن أشعث كذلك لكن قال ونهى عن تختم الذهب وقد تقدم قريبا في اللباس من رواية سفيان الثوري في آخر باب القسي مختصرا جدا نهانا عن المياثر الحمر وعن القسي وفي باب الميثرة الحمراء من روايته أمرنا بسبع فذكر منها العيادة واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونهانا عن سبع فلم يذكر منها خاتم الذهب ولا آنية الفضة فهذه جميع طرق هذا الحديث عنده فأما المنهيات فقد شرحت في أماكنها ومعظمها هذا الكتاب كتاب اللباس وتقدم الكلام على آنية الفضة في كتاب الأشربة وأما الأوامر فنذكر كل واحدة منها في بابها ويأتي بسطها في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى الحديث الثاني حديث أبي هريرة

[ 5526 ] قوله عن بشير بن نهيك بفتح الموحدة وكسر المعجمة ونهيك بالنون وزنه سواء قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن خاتم الذهب في الكلام حذف تقديره نهى عن لبس خاتم الذهب قوله وقال عمرو هو بن مرزوق أنبأنا شعبة ساق هذا الإسناد لما فيه من بيان سماع قتادة من النضر وهو بن أنس بن مالك المذكور في السند الذي قبله وسماع النظر من بشير بن نهيك وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن أبي قلابة الرقاشي وقاسم بن أصبغ في مصنفه عن محمد بن غالب بن حرب كلاهما عن عمرو بن مرزوق به ووقع التصريح بسماع قتادة من النضر بهذا الحديث أيضا في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة وأخرجه الإسماعيلي كذلك قال بن دقيق العيد أخبار الصحابي عن الأمر والنهي على ثلاث مراتب الأولى أن يأتي بالصيغة كقوله افعلوا أولا تفعلوا الثانية قوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ونهانا عن كذا وهو كالمرتبة الأولى في العمل به أمرا أو نهيا وإنما نزل عنها لاحتمال أن يكون ظن ما ليس بأمر أمرا إلا أن هذا الاحتمال مرجوح للعلم بعدالته ومعرفته بمدلولات الألفاظ لغة المرتبة الثالثة أمرنا ونهينا على البناء للمجهول وهي كالثانية وإنما نزلت عنها لاحتمال أن يكون الآمر غير النبي صلى الله عليه وسلم وإذا تقرر هذا فالنهي عن خاتم الذهب أو التختم به مختص بالرجال دون النساء فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء قلت وقد أخرج بن أبي شيبة من حديث عائشة أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلية فيها خاتم من ذهب فأخذه وأنه لمعرض عنه ثم دعا أمامة بنت ابنته فقال تحلى به قال بن دقيق العيد وظاهر النهي التحريم وهو قول الأئمة واستقر الأمر عليه قال عياض وما نقل عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم من تختمه بالذهب فشذوذ والأشبه أنه لم تبلغه السنة فيه فالناس بعده مجمعون على خلافه وكذا ما روى فيه عن خباب وقد قال له بن مسعود أما آن لهذا الخاتم أن يلقى فقال انك لن تراه علي بعد اليوم فكأنه ما كان بلغه النهي فلما بلغه رجع قال وقد ذهب بعضهم إلى أن لبسه للرجال مكروه كراهة تنزيه لا تحريم كما قال مثل ذلك في الحرير قال بن دقيق العيد هذا يقتضي اثبات الخلاف في التحريم وهو يناقض القول بالإجماع على التحريم ولا بد من اعتبار وصف كونه خاتما قلت التوفيق بين الكلامين ممكن بأن يكون القائل بكراهة التنزيه انقرض واستقر الإجماع بعده على التحريم وقد جاء عن جماعة من الصحابة لبس خاتم الذهب من ذلك ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق محمد بن أبي إسماعيل أنه رأى ذلك على سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وصهيب وذكر ستة أو سبعة وأخرج بن أبي شيبة أيضا عن حذيفة وعن جابر بن سمرة وعن عبد الله بن يزيد الخطمي نحوه ومن طريق حمزة بن أبي أسيد نزعنا من يدي أبي أسيد خاتما من ذهب وأغرب ما ورد من ذلك ما جاء عن البراء الذي روى النهي فأخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي السفر قال رأيت على البراء خاتما من ذهب وعن شعبة عن أبي إسحاق نحوه أخرجه البغوي في الجعديات وأخرج أحمد من طريق محمد بن مالك قال رأيت على البراء خاتما من ذهب فقال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فألبسنيه فقال ألبس ما كساك الله ورسوله قال الحازمي إسناده ليس بذاك ولو صح فهو منسوخ قلت لو ثبت النسخ عند البراء ما لبسه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى حديث النهي المتفق على صحته عنه فالجمع بين روايته وفعله إما بأن يكون حمله على التنزيه أو فهم الخصوصية له من قوله ألبس ما كساك الله ورسوله وهذا أولى من قول الحازمي لعل البراء لم يبلغه النهي ويؤيد الاحتمال الثاني أنه وقع في رواية أحمد كان الناس يقولون للبراء لم تتختم بالذهب وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر لهم هذا الحديث ثم يقول كيف تأمرونني أن أضع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبس ما كساك الله ورسوله ومن أدلة النهي أيضا ما رواه يونس عن الزهري عن أبي إدريس عن رجل له صحبة قال جلس رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب فقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بقضيب فقال ألق هذا وعموم الأحاديث المقدم ذكرها في باب لبس الحرير حيث قال في الذهب والحرير هذان حرامان على رجال أمتي حل لاناثها وحديث عبد الله بن عمرو رفعه من مات من أمتي وهو يلبس الذهب حرم الله عليه ذهب الجنة الحديث أخرجه أحمد والطبراني وفي حديث بن عمر ثالث أحاديث الباب ما يستدل به على نسخ جواز لبس الخاتم إذا كان من ذهب واستدل به على تحريم الذهب على الرجال قليله وكثيره للنهي عن التختم وهو قليل وتعقبه بن دقيق العيد بأن التحريم يتناول ما هو في قدر الخاتم وما فوقه كالدملج والمعضد وغيرهما فأما ما هو دونه فلا دلالة من الحديث عليه وتناول النهي جميع الأحوال فلا يجوز لبس خاتم الذهب لمن فاجأه الحرب لأنه لا تعلق له بالحرب بخلاف ما تقدم في الحرير من الرخصة في لبسه بسبب الحرب وبخلاف ما على السيف أو الترس أو المنطقة من حلية الذهب فإنه لو فجأه الحرب جاز له الضرب بذلك السيف فإذا انقضت الحرب فلينتقض لأنه كله من متعلقات الحرب بخلاف الخاتم الحديث الثالث حديث بن عمر سيأتي شرحه في الباب الذي يليه وقوله

[ 5527 ] فيه فاتخذه الناس أي اتخذوا مثله كما بينه بعد وقوله من ورق أو فضة شك من الراوي وجزم في الذي يليه بقوله من فضة وفي الذي يليه بأنه من ورق والورق بفتح الواو وكسر الراء ويجوز اسكانها وحكى الصغاني وحكى كسر أوله مع السكون فتلك أربع لغات وفيها لغة خامسة الرقة والراء بدل الواو كالوعد والعدة وقيل الورق يختص بالمصكوك والرقة أعم

قوله باب خاتم الفضة أي جواز لبسه وذكر فيه حديثين الأول

[ 5528 ] قوله عبيد الله هو بن عمر العمري قوله اتخذ خاتما من ذهب معنى اتخذه أمر بصياغته فصيغ فلبسه أو وجده مصوغا فاتخذه وقوله مما يلي باطن كفه في رواية الكشميهني بطن كفه زاد في رواية جويرية عن نافع كما سيأتي قريبا إذا لبسه وقوله ونقش فيه محمد رسول الله كذا فيه بالرفع على الحكاية ونقش أي أمر بنقشه قوله فاتخذ الناس مثله يحتمل أن يكون المراد بالمثلية كونه من فضة وكونه على صورة النقش المذكورة ويحتمل أن يكون لمطلق الاتخاذ وقوله فرمى به وقال لا ألبسه أبدا وقع في رواية جويرية عن نافع فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال أني كنت أصطنعته وإني لا ألبسه وفي رواية المغيرة بن زياد فرمى به فلا ندري ما فعل وهذا يحتمل أن يكون كرهه من أجل المشاركة أو لما رأى من زهوهم بلبسه ويحتمل أن يكون لكونه من ذهب وصادف وقت تحريم لبس الذهب على الرجال ويؤيد هذا رواية عبد الله بن دينار عن بن عمر المتخصرة في هذا الباب بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فنبذه فقال لا ألبسه أبدا وقوله واتخذ خاتما من فضة في وراية المغيرة بن زياد ثم أمر بخاتم من فضة فأمر أن ينقش فيه محمد رسول الله قوله فاتخذ الناس خواتيم الفضة لم يذكر في حديث بن عمر في اتخاذ الناس خواتيم الفضة منعا ولا كراهية وسيأتي ذلك في حديث أنس قوله قال بن عمر فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان في بئر أويس بفتح الهمزة وكسر الراء وبالسين المهملة وزن عظيم وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء وسيأتي في باب نقش الخاتم قريبا من رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله العمري بلفظ ثم كان بعد في يد أبي بكر وذكر عمر وعثمان بمثل هذا الترتيب ويأتي بعد في باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر من حديث أنس نحوه وقال فيه فلما كان عثمان جلس على بئر أويس زاد بن سعد عن الأنصاري بسند المصنف ثم كان في يد عثمان ست سنين ثم اتفقا ووقع في حديث بن عمر عند أبي داود والنسائي من طريق المغيرة بن زياد عن نافع من الزيادة في آخره عن بن عمر فاتخذ عثمان خاتما ونقش فيه محمد رسول الله فكان يختم به أو يتختم به وله شاهد من مرسل علي بن الحسين عند بن سعد في الطبقات وفي رواية أيوب بن موسى عن نافع عند مسلم نحو حديث عبيد الله بن عمر عن نافع إلى قوله فجعل فصه مما يلي كفه قال وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس وهذا يدل على أن نسبة سقوطه إلى عثمان نسبة مجازية أو بالعكس وأن عثمان طلبه من معيقيب فختم به شيئا واستمر في يده وهو مفكر في شيء يعبث به فسقط في البئر أو رده إليه فسقط منه والأول هو الموافق لحديث أنس وقد أخرج النسائي من طريق المغيرة بن زياد عن نافع هذا الحديث وقال في آخره وفي يد عثمان ست سنين من عمله فلما كثرت عليه دفعه إلى رجل من الأنصار فكان يختم به فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط فالتمس فلم يوجد الطريق الثانية لحديث بن عمر

[ 5529 ] قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فنبذه كذا رواه مالك عن عبد الله بن دينار ورواه سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار أتم منه وساقه نحو رواية نافع التي قبلها وسيأتي في الاعتصام وكذا أخرجه أحمد والنسائي من رواية إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار الحديث الثاني

[ 5530 ] قوله يونس هو بن يزيد الأبلي قوله أنه رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا وإن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق فلبسوها فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتيمهم هكذا روى الحديث الزهري عن أنس واتفق الشيخان على تخريجه من طريقه ونسب فيه إلى الغلط لأن المعروف أن الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب اتخاذ الناس مثله إنما هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث بن عمر قال النووي تبعا لعياض قال جميع أهل الحديث هذا وهم من بن شهاب لأن المطروح ما كان الا خاتم الذهب ومنهم من تأوله كما سيأتي قلت وحاصل الأجوبة ثلاثة أحدها قاله الإسماعيلي فإنه قال بعد أن ساقه أن كان هذا الخبر محفوظا فنيبغي أن يكون تأويله أنه أتخذ خاتما من ورق على لون من الألوان وكره أن يتخذ غيره مثله فلما اتخذوه رمى به حتى رموا به ثم اتخذ بعد ذلك ما اتخذه ونقش عليه ما نقش ليختم به ثانيها أشار إليه الإسماعيلي أيضا أنه اتخذه زينة فلما تبعه الناس فيه رمى به فلما أحتاج إلى الختم اتخذه ليختم به وبهذا جزم المحب الطبري بعد أن حكى قول المهلب وذكر أنه متكلف قال والظاهر من حالهم أنهم اتخذوها للزينة فطرح خاتمه ليطرحوا ثم لبسه بعد ذلك للحاجة إلى الختم به واستمر ذلك وسيأتي جواب البيهقي عن ذلك في باب اتخاذ الخاتم ثالثها قال بن بطال خالف بن شهاب رواية قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب في كون الخاتم الفضة استقر في يد النبي صلى الله عليه وسلم يختم به الخلفاء بعده فوجب الحكم للجماعة وأن وهم الزهري فيه لكن قال المهلب قد يمكن أن يتأول لابن شهاب ما ينفي عنه الوهم وان كان الوهم أظهر وذلك أنه يحتمل أن يكون لما عزم على اطراح خاتم الذهب اصطنع خاتم الفضة بدليل أنه كان لا يستغنى عن الختم على الكتب إلى الملوك وغيرهم من أمراء السرايا والعمال فلما لبس خاتم الفضة أراد الناس أن يصطنعوا مثله فطرح عند ذلك خاتم الذهب فطرح الناس خواتيم الذهب قلت ولا يخفى وهي هذا الجواب والذي قاله الإسماعيلي أقرب مع أنه يخدش فيه أنه يستلزم اتخاذ خاتم الورق مرتين وقد نقل عياض نحوا من قول بن بطال قائلا قال بعضهم يمكن الجمع بأنه لما عزم على تحريم خاتم الذهب اتخذ خاتم فضة فلما لبسه أراه الناس في ذلك اليوم ليعلموا إباحته ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم تحريمه فطرح الناس خواتيمهم من الذهب فيكون قوله فطرح خاتمه وطرحوا خواتيمهم أي التي من الذهب وحاصله أنه جعل الموصوف في قوله فطرح خاتمه فطرحوا خواتيمهم خاتم الذهب وأن لم يجر له ذكر قال عياض وهذا يسوغ أن لو جاءت الرواية بجملة ثم أشار إلى أن رواية بن شهاب لا تحتمل هذا التأويل فأما النووي فارتضى هذا التأويل وقال هذا هو التأويل الصحيح وليس في الحديث ما يمنعه قال وأما قوله فصنع الناس الخواتيم من الورق فلبسوها ثم قال فطرح خاتمه فطرحوا خواتيمهم فيحتمل أنهم لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يصطنع لنفسه خاتم فضة اصطنعوا لأنفسهم خواتيم الفضة وبقيت معهم خواتيم الذهب كما بقي معه خاتمه إلى أن استبدل خاتم الفضة وطرح خاتم الذهب فاستبدلوا وطرحوا أه وأيده الكرماني بأنه ليس في الحديث أن الخاتم المطروح كان من ورق بل هو مطلق فيحمل على خاتم الذهب أو على ما نقش عليه نقش خاتمه قال ومهما أمكن الجمع لا يجوز توهيم الراوي قلت ويحتمل وجها رابعها ليس فيه تغير ولا زيادة اتخاذ وهو أنه أتخذ خاتم الذهب للزينة فلما تتابع الناس فيه وافق وقوع تحريمه فطرحه ولذلك قال لا ألبسه أبدا وطرح الناس خواتيمهم تبعا له وصرح بالنهي عن لبس خاتم الذهب كما تقدم في الباب قبله ثم أحتاج إلى الخاتم لأجل الختم به فاتخذه من فضة ونقش فيه اسمه الكريم فتبعه الناس أيضا في ذلك فرمى به حتى رمى الناس تلك الخواتيم المنقوشة على اسمه لئلا تفوت مصلحة نقش اسمه بوقوع الاشتراك فلما عدمت خواتيمهم برميها رجع إلى خاتمه الخاص به فصار يختم به ويشير إلى ذلك قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي قريبا في باب الخاتم في الخنصر إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا عليه أحد فلعل بعض من لم يبلغه النهي أو بعض من بلغه ممن لم يرسخ في قلبه الإيمان من منافق ونحوه اتخذوا ونقشوا فوقع ما وقع ويكون طرحه له غضبا ممن تشبه به في ذلك النقش وقد أشار إلى ذلك الكرماني مختصرا جدا والله أعلم وقول الزهري في روايته إنه رآه في يده يوما لا ينافي ذلك ولا يعارضه قوله في الباب الذي بعده في رواية حميد سئل أنس هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما قال أخر ليلة صلاة العشاء إلى أن قال فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه فإنه يحمل على أنه رآه كذلك في تلك الليلة واستمر في يده بقية يومها ثم طرحه في آخر ذلك اليوم والله أعلم وأما ما أخرجه النسائي من طريق المغيرة بن زياد عن نافع عن بن عمر أتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فلبسه ثلاثة أيام فيجمع بينه وبين حديث أنس بأحد أمرين إن قلنا أن قول الزهري في حديث أنس خاتم من ورق سهو وأن الصواب خاتم من ذهب فقوله يوما واحدا ظرف لرؤية أنس لا لمدة اللبس وقول بن عمر ثلاثة أيام ظرف لمدة اللبس وان قلنا أن لا وهم فيها وجمعنا بما تقدم فمدة لبس خاتم الذهب ثلاثة أيام كما في حديث بن عمر هذا ومدة لبس خاتم الورق الأول كانت يوما واحدا كما في حديث أنس ثم لما رمى الناس الخواتيم التي نقشوها على نقشه ثم عاد فلبس خاتم الفضة واستمر إلى أن مات قوله تابعه إبراهيم بن سعد وزياد وشعيب عن الزهري أما متابعة إبراهيم بن سعد وهو الزهري المدني فوصلها مسلم وأحمد وأبو داود من طريقه بمثل رواية يونس بن يزيد لا مخالفة إلا في بعض لفظ وأما متابعة زياد وهو بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني نزيل مكة ثم اليمن فوصلها مسلم أيضا وأشار إليها أبو داود أيضا ولفظه عنه كذلك لكن قال اضطربوا واصطنعوا وأما متابعة شعيب فوصلها الإسماعيلي كذلك وأشار إليها أبو داود أيضا قوله وقال بن مسافر عن الزهري أرى خاتما من ورق هذا التعليق لم أره في أصل من رواية أبي ذر وهو ثابت للباقين إلا النسفي وقد أشار إليه أبو داود أيضا وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن عفير عن الليث عن بن مسافر وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن بن شهاب عن أنس كذلك ولي فيه لفظ أرى فكأنها من البخاري قال الإسماعيلي رواه أيضا عن بن شهاب كذلك موسى بن عقبة وابن أبي عتيق ثم ساقه من طريق سليمان بن بلال عنهما قال مثل حديث إبراهيم بن سعد وفي حديثي الباب مبادرة الصحابة إلى الافتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم فمهما أقر عليه استمروا عليه ومهما أنكره امتنعوه منه وفي حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم لا يورث وإلا لدفع خاتمه للورثة كذا قال النووي وفيه نظر لجواز أن يكون الخاتم اتخذ من مال المصالح فانتقل للإمام لينتفع به فيما صنع له وفيه حفظ الخاتم الذي يختم به تحت يد أمين إذا نزعه الكبير من إصبعه وفيه أن يسير المال إذا ضاع لا يهمل طلبه ولا سيما إذا كان من أثر أهل الخير وفيه بحث سيأتي وفيه أن العبث اليسير بالشيء حال التفكر لا عيب فيه

قوله باب فص الخاتم قال الجوهري الفص بفتح الفاء والعامة تكسرها وأثبتها غيره لغة وزاد بعضهم الضم وعليه جرى بن مالك في المثلث ثم ذكر حديث حميد سئل أنس هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما قال أخر ليلة صلاة العشاء الحديث وقد تقدم شرحه في المواقيت من كتاب الصلاة وقوله

[ 5531 ] وبيص بموحدة وآخره مهملة هو البريق وزنا ومعنى وسيأتي من رواية عبد العزيز بن صهيب بلفظ بريقه ومن رواية قتادة عن أنس بلفظ بياضه ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس في آخره ورفع أنس يده اليسرى أخرجه مسلم والنسائي وله في آخرى وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى قوله في الطريق الثانية

[ 5532 ] كان خاتمه من فضة في رواية أبي داود من طريق زهير بن معاوية عن حميد من فضة كله فهذا نص في أنه كله من فضة وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملويا عليه فضة فربما كان في يدي قال وكان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم يعني كان أمينا عليه فيحمل على التعدد وقد أخرج له بن سعد شاهدا مرسلا عن مكحول أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من حديد ملويا عليه فضة غير أن فصه باد وآخر مرسلا عن إبراهيم النخعي مثله دون ما في آخره وثالثا من رواية سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أن خالد بن سعيد يعني بن العاص أتى وفي يده خاتم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اطرحه فطرحه فإذا خاتم من حديد ملوي عليه فضة قال فما نقشه قال محمد رسول الله قال فأخذه فلبسه ومن وجه آخر عن سعيد بن عمرو المذكور أن ذلك جرى لعمرو بن سعيد أخي خالد بن سعيد وسأذكر لفظه في باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر قوله وكان فصه منه لا يعارضه ما أخرجه مسلم وأصحاب السنن من طريق بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن أنس كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق وكان فصه حبشيا لأنه إما أن يحمل على التعدد وحينئذ فمعنى قوله حبشي أي كان حجرا من بلاد الحبشة أو على لون الحبشة أو كان جزعا أو عقيقا لأن ذلك قد يؤتى به من بلاد الحبشة ويحتمل أن يكون هو الذي فصه منه ونسب إلى الحبشة لصفة فيه إما الصياغة وإما النقش قوله وقال يحيى بن أيوب ألخ أراد بهذا التعليق بيان سماع حميد له من أنس وقد تقدم في المواقيت معلقا أيضا وذكرت من وصله ولله الحمد وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ليس هذا الحديث من الباب الذي ترجمه في شيء وأجيب بأنه أشار إلى أنه لا يسمى خاتما إلا إذا كان له فص فإن كان بلا فص فهو حلقة قلت لكن في الطريق الثانية في الباب أن فص الخاتم كان منه فلعله أراد الرد على من زعم أنه لا يقال له خاتم إلا إذا كان له فص من غيره ويؤيده أن في رواية خالد بن قيس عن قتادة عن أنس عند مسلم فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقة من فضة والذي يظهر لي أنه أشار إلى أن الإجمال في الرواية الأولى محمول على التمييز في الرواية الثانية

قوله باب خاتم الحديد قد ذكرت ما ورد فيه في الباب الذي قبله وكأنه لم يثبت عنده شيء من ذلك على شرطه وفيه دلالة على جواز لبس ما كان على صفته وأما ما أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان من رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه فقال ما لي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال مالي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه فقال يا رسول الله من أي شيء اتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا وفي سنده أبو طيبة بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة اسمه عبد الله بن مسلم المروزي قال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به وقال بن حبان في الثقات يخطىء ويخالف فإن كان محفوظا حمل المنع على ما كان صرفا وقد قال التيفاشي في كتاب الأحجار خاتم الفولاذ مطردة للشيطان إذا لوي عليه فضة فهذا يؤيد المغايرة في الحكم ثم ذكر حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة وقوله

[ 5533 ] فيه أذهب فالتمس ولو خاتما من حديد استدل به على جواز لبس خاتم الحديد ولا حجة فيه لأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته وقوله ولو خاتما محذوف الجواب لدلالة السياق عليه فإنه لما أمره بالتماس مهما وجد كأنه خشي أن يتوهم خروج خاتم الحديد لحقارته فأكد دخوله بالجملة المشعرة بدخول ما بعدها فيما قبلها وقوله في الجواب فقال لا والله ولا خاتما من حديد انتصب على تقدير لم أحد وقد صرح به في الطريق الأخرى

قوله باب نقش الخاتم ذكر فيه حديثين أحدهما عن أنس

[ 5534 ] قوله حدثنا عبد الأعلى هو بن حماد وسعيد هو بن أبي عروبة قوله أراد أن يكتب إلى رهط أو أناس هو شك من الراوي قوله من الأعاجم في رواية شعبة عن قتادة كما يأتي بعد باب إلى الروم قوله فقيل له في مرسل طاوس عند بن سعد أن قريشا هم الذين قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قوله نقشه محمد رسول الله زاد بن سعد من مرسل بن سيرين بسم الله محمد رسول الله ولم يتابع على هذه الزيادة وقد أورده من مرسل طاوس والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسالم بن أبي الجعد وغيرهم ليس فيه الزيادة وكذا وقع في الباب من حديث بن عمر وأما ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه أخرج لهم خاتما فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه فيه تمثال أسد قال معمر فغسله بعض أصحابنا فشربه ففيه مع إرساله ضعف لأن بن عقيل مختلف في الاحتجاج به إذا انفرد فكيف إذا خالف وعلى تقدير ثبوته فلعله لبسه مرة قبل النهي قوله في إصبع النبي صلى الله عليه وسلم أو في كفه شك من الراوي ووقع في رواية شعبة في يده وسيأتي من وجه آخر عن أنس في الباب الذي بعده في خنصره الحديث الثاني حديث بن عمر وقد تقدم شرحه في باب خاتم الفضة

قوله باب الخاتم في الخنصر أي دون غيرها من الأصابع وكأنه أشار إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن علي قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ألبس خاتمي في هذه وفي هذه يعني السبابة والوسطى وسيأتي بيان أي الخنصرين اليمني أو اليسرى كان يلبس الخاتم فيه بعد باب

[ 5536 ] قوله فلا ينقش عليه أحد في رواية الكشميهني وحده ينقشن بالنون المؤكدة وإنما نهى أن ينقش أحد على نقشه لأن فيه اسمه وصفته وإنما صنع فيه ذلك ليختم به فيكون علامة تختص به وتتميز عن غيره فلو جاز أن ينقش أحد نظير نقشه لفات المقصود

قوله باب اتخاذ الخاتم سقط لفظ باب من رواية أبي ذر قال الخطابي لم يكن لباس الخاتم من عادة العرب فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك أتخذ الخاتم واتخذه من ذهب ثم رجع عنه لمافيه من الزينة ولما يخشى من الفتنة وجعل فصه مما يلي باطن كفه ليكون أبعد من التزين قال شيخنا في شرح الترمذي دعواه أن العرب لا تعرف الخاتم عجيبة فإنه عربي وكانت العرب تستعمله انتهى ويحتاج إلى ثبوت لبسه عن العرب وإلا فكونه عربيا واستعمالهم له في ختم الكتب لا يرد على عبارة الخطابي وقد قال الطحاوي بعد أن أخرج الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي ريحانة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان ذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا لذي سلطان وخالفهم آخرون فأباحوه ومن حجتهم حديث أنس المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ألقى خاتمه ألقى الناس خواتيمهم فأنه يدل على أنه كان يلبس الخاتم في العهد النبوي من ليس ذا سلطان فإن قيل هو منسوخ قلنا الذي نسخ منه لبس خاتم الذهب قلت أو لبس خاتم المنقوش عليه نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره ثم أورد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يلبسون الخواتم ممن ليس له سلطان انتهى ولم يجب عن حديث أبي ريحانة والذي يظهر أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى لأنه ضرب من التزين واللائق بالرجال خلافه وتكون الأدلة الدالة على الجواز هي الصارفة للنهي عن التحريم ويؤيده أن في بعض طرقه نهي عن الزينة والخاتم الحديث ويمكن أن يكون المراد بالسلطان من له سلطنة على شيء ما يحتاج إلى الختم عليه لا السلطان الأكبر خاصة والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه عبثا وأما من لبس الخاتم الذي لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل في النهي وعلى ذلك يحمل حال من لبسه ويؤيده ما ورد من صفة نقش خواتم بعض من كان يلبس الخواتم مما يدل على أنها لم تكن بصفة ما يختم به وقد سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضعفه وقال سأل صدقة بن يسار سعيد بن المسيب فقال ألبس الخاتم وأخبر الناس أني قد أفتيتك والله أعلم تكملة جزم أبو الفتح اليعمري أن اتخاذ الخاتم كان في السنة السابعة وجزم غيره بأنه كان في السادسة ويجمع بأنه كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند ارادته مكاتبة الملوك كما تقدم وكان إرساله إلى الملوك في مدة الهدنة وكان في ذي القعدة سنة ست ورجع إلى المدينة في ذي الحجة ووجه الرسل في المحرم من السابعة وكان اتخاذه الخاتم قبل إرساله الرسل إلى الملوك والله أعلم

قوله باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه سقط لفظ باب من رواية أبي ذر قال بن بطال قيل لمالك يجعل الفص في باطن الكف قال لا قال بن بطال ليس في كون فص الخاتم في بطن الكف ولا ظهرها أمر ولا نهي وقال غيره السر في ذلك أن جعله في بطن الكف أبعد من أن يظن أنه فعله للتزيين به وقد أخرج أبو داود من حديث بن عباس جعله في ظاهر الكف كما سأذكره قريبا

[ 5538 ] قوله حدثنا جويرية هو بن أسماء وعبد الله هو بن عمر قوله اصطنع خاتما من ذهب وجعل كذا للأكثر وللمستملي والسرخسي ويجعل وقد تقدم شرح الحديث في باب خاتم الفضة قوله قال جويرية ولا أحسبه إلا قال في يده اليمنى هو موصول بالإسناد المذكور قال أبو ذر في روايته لم يقع في البخاري موضع الخاتم من أي اليدين إلا في هذا وقال الداودي لم يجزم به جويرية وتواطؤ الروايات على خلافه يدل على أنه لم يحفظه وعمل الناس على لبس الخاتم في اليسار يدل على أنه المحفوظ قلت وكلامه متعقب فإن الظن فيه من موسى شيخ البخاري وقد أخرجه بن سعد عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عبد الله بن محمد بن أسماء كلاهما عن جويرية وجزما بأنه لبسه في يده اليمني وهكذا أخرج مسلم من طريق عقبة بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر في قصة اتخاذ الخاتم من ذهب وفيه وجعله في يده اليمني وأخرجه الترمذي وابن سعد من طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فتختم به في يمينه ثم جلس على المنبر فقال أني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني ثم نبذه الحديث وهذا صريح من لفظه صلى الله عليه وسلم رافع للبس وموسى بن عقبة أحد الثقات الأثبات وأما ما أخرجه بن عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو داود من طريق عبد العزيز بن أبي رواد كلاهما عن نافع عن بن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يساره فقد قال أبو داود بعده ورواه بن إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع في يمينه انتهى ورواية بن إسحاق قد أخرجها أبو الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من طريقه وكذا رواية أسامة وأخرجها محمد بن سعد أيضا فظهر أن رواية اليسار في حديث نافع شاذة ومن رواها أيضا أقل عددا وألين حفظا ممن روى اليمن وقد أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وأخرج أبو الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من رواية خالد بن أبي بكر عن سالم عن بن عمر نحوه فرجحت رواية اليمين في حديث بن عمر أيضا وقد ورد التختم في اليمين أيضا في أحاديث أخرى منها عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من فضة في يمينه فصه حبشي وأخرج أبو داود أيضا من طريق بن إسحاق قال رأيت على الصلت بن عبد الله خاتما في خنصره اليمن فسألته فقال رأيت بن عباس يلبس خاتمه هكذا وجعل فصه على ظهرها ولا إخال بن عباس إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وأورده الترمذي من هذا الوجه مختصرا رأيت بن عباس يتختم في يمينه ولا إخاله إلا قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وللطبراني من وجه آخر عن بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وفي سنده لين وأخرج الترمذي أيضا من طريق حماد بن سلمة رأيت بن أبي رافع يتختم في يمينه وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه ثم نقل عن البخاري أنه أصح شيء روي في هذا الباب وأخرج أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وصححه بن حبان من طريق إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه وفي الباب عن جابر في الشمائل بسند لين وعائشة عند البزار بسند لين وعند أبي الشيخ بسند حسن وعن أبي أمامة عند الطبراني بسند ضعيف وعن أبي هريرة عند الدارقطني في غرائب مالك بسند ساقط وورد التختم في اليسار من حديث بن عمر كما تقدم ومن حديث أنس أيضا أخرجه ملسم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه وأشار إلى الخنصر اليسرى وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي في الشعب من طريق قتادة عن أنس ولأبي الشيخ من حديث أبي سعيد بلفظ كان يلبس خاتمه في يساره وفي سنده لين وأخرجه بن سعد أيضا وأخرج البيهقي في الأدب من طريق أبي جعفر الباقر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين يتختمون في اليسار وأخرجه الترمذي موقوفا على الحسن والحسين حسب وأما دعوى الداودي أن العمل على التختم في اليسار فكأنه توهمه من استحباب مالك للتختم وهو يرجح عمل أهل المدينة فظن أنه عمل أهل المدينة وفيه نظر فإنه جاء عن أبي بكر وعمر وجمع جم من الصحابة والتابعين بعدهم من أهل المدينة وغيرهم التختم في اليمني وقال البيهقي في الأدب يجمع بين هذه الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث بن عمر والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة وأما رواية الزهري عن أنس التي فيها التصريح بأنه كان فضة ولبسه في يمينه فكأنها خطأ فقد تقدم أن الزهري وقع له وهم في الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه وقع في روايته أنه الذي كان من فضة وأن الذي في رواية غيره أنه الذي كان من ذهب فعلى هذا فالذي كان لبسه في يمينه هو الذهب أه ملخصا وجمع غيره بأنه لبس الخاتم أولا في يمينه ثم حوله إلى يساره واستدل له بما أخرجه أبو الشيخ وابن عدي من رواية عبد الله بن عطاء عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه ثم أنه حوله في يساره فلو صح هذا لكان قاطعا للنزاع ولكن سنده ضعيف وأخرج بن سعد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال طرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه الذهب ثم تختم خاتما من ورق فجعله في يساره وهذا مرسل أو معضل وقد جمع البغوي في شرح السنة بذلك وأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين وقال بن أبي حاتم سألت أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك فقال لا يثبت هذا ولا هذا ولكن في يمينه أكثر وقد تقدم قول البخاري أن حديث عبد الله بن جعفر أصح شيء ورد فيه وصرح فيه بالتختم في اليمن وفي المسألة عند الشافعية اختلاف والأصح اليمن قلت ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد فإن كان اللبس للتزين به فاليمين أفضل وإن كان للتختم به فاليسار أولى لأنه كالمودع فيها ويحصل تناوله منها باليمين وكذا وضعه فيها ويترجح التختم في في اليمين مطلقا لأن اليسار آلة الاستنجاء فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة وترجح التختم في اليسار بما أشرت إليه من التناول وجنحت طائفة إلى استواء الأمرين وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث وإلى ذلك أشار أبو داود حيث ترجم باب التختم في اليمين واليسار ثم أورد الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح ونقل النووي وغيره الإجماع على الجواز ثم قال ولا كراهة فيه يعني عند الشافعية وإنما الاختلاف في الأفضل وقال البغوي كان آخر الأمرين التختم في اليسار وتعقبه الطبري بأن ظاهره النسخ وليس ذلك مراده بل الأخبار بالواقع اتفاقا والذي يظهر أن الحكمة فيه ما تقدم والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقش بضم أوله على نقش خاتمه ذكر فيه حديث أنس من رواية عبد العزيز بن صهيب عنه في اتخاذ الخاتم من فضة وفيه فلا ينقش أحد على نقشه وقوله

[ 5539 ] فيه أنا اتخذنا بصيغة الجمع وهي للتعظيم هنا والمراد أني اتخذت وأخرج الترمذي من طريق معمر عن ثابت عن أنس نحوه وقال فيه ثم قال لا تنقشوا عليه وأخرج الدارقطني في الأفراد من طريق سلمة بن وهرام عن عكرمة عن يعلى بن أمية قال أنا صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم خاتما لم يشركني فيه أحد نقش فيه محمد رسول الله فيستفاد منه اسم الذي صاغ خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ونقشه وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن ينقش أحد على نقشه أي مثل نقشه فقد تقدمت الإشارة إلى الحكمة فيه في باب خاتم الفضة وقد أخرج بن أبي شيبة في المصنف عن بن عمر أنه نقش على خاتمه عبد الله بن عمر وكذا أخرج عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه نقش اسمه على خاتمه وكذا القاسم بن محمد قال بن بطال وكان مالك يقول من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم وأخرج بن أبي شيبة عن حذيفة وأبي عبيدة أنه كان نقش خاتم كل واحد منهما الحمد لله وعن علي الله الملك وعن إبراهيم النخعي بالله وعن مسروق بسم الله وعن أبي جعفر الباقر العزة لله وعن الحسن والحسين لا بأس بنقش ذكر الله على الخاتم قال النووي وهو قول الجمهور ونقل عن بن سيرين وبعض أهل العلم كراهته انتهى وقد أخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن بن سيرين أنه لم يكن يرى بأسا أن يكتب الرجل في خاتمه حسبي الله ونحوها فهذا يدل على أن الكراهة عنه لم تثبت ويمكن الجمع بأن الكراهة حيث يخاف عليه حمله للجنب والحائض والاستنجاء بالكف التي هو فيها والجواز حيث حصل الأمن من ذلك فلا تكون الكراهة لذلك بل من جهة ما يعرض لذلك والله أعلم

قوله باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر قال بن بطال ليس كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر أو سطرين أفضل من كونه سطرا واحدا كذا قال قلت قد يظهر أثر الخلاف من أنه إذا كان سطرا واحدا يكون الفص مستطيلا لضرورة كثرة الأحرف فإذا تعددت الأسطر أمكن كونه مربعا أو مستديرا وكل منهما أولى من المستطيل

[ 5540 ] قوله حدثني أبي هو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس قوله عن ثمامة هو بن عبد الله بن أنس عم عبد الله بن المثنى الراوي والسند كله بصريون من آل أنس قوله عن أنس في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي حدثنا ثمامة حدثني أنس قوله أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف كتب له لم يذكر المكتوب وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب الزكاة وأنه كتب له مقادير الزكاة قوله وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر هذا ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك لكن أخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عرعرة بن البرند بكسر الموحدة والراء بعدها نون ساكنة ثم دال عن عزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء بن ثابت عن ثمامة عن أنس قال كن فص خاتم النبي صلى الله عليه وسلم حبشيا مكتوبا عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وعرعرة ضعفه بن المديني وزيادته هذه شاذة وظاهره أيضا أنه كان على هذا الترتيب لكن لم تكن كتابته على السياق العادي فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويا وأما قول بعض الشيوخ أن كتابته كانت من أسفل إلى فوق يعني أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ومحمد في أسفلها فلم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك فإنه قال فيها محمد سطر والسطر الثاني رسول والسطر الثالث الله ولك أن تقرأ محمد بالتنوين ورسول بالتنوين وعدمه والله بالرفع وبالجر قوله وزادني أحمد حدثنا الأنصاري إلى آخره هذه الزيادة موصولة وأحمد المذكور جزم المزي في الأطراف أنه أحمد بن حنبل لكن لم أر هذا الحديث في مسند أحمد من هذا الوجه أصلا قوله وفي يد عمر بعد أبي بكر فلما كان عثمان جلس على بئر أريس وقع في رواية بن سعد عن الأنصاري ثم كان في يد عثمان ست سنين فلما كان في ألست الباقية كنا معه على بئر أريس قوله فجعل يعبث به في رواية بن سعد فجعل يحوله في يده قوله فسقط في رواية بن سعد فوقع في البئر قوله فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم نجده أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها ووقع في رواية بن سعد فطلبناه مع عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه قال بعض العلماء كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان قال بن بطال يؤخذ من الحديث أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه والاجتهاد في تفتيشه وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك لما ضاع عقد عائشة وحبس الجيش على طلبه حتى وجد كذا قال وفيه نظر فاما عقد عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه وهي رخصة التيمم فكيف يقاس عليه غيره وأما فعل عثمان فلا ينهض الاحتجاج به أصلا لما ذكر لأن الذي يظهر أنه إنما بالغ في التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى الله عليه وسلم قد لبسه واستعمله وختم به ومثل ذلك يساوي في العادة قدرا عظيما من المال وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى الله عليه وسلم لاكتفى بطلبه بدون ذلك وبالضرورة يعلم أن قدر المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم لكن اقتضت صفته عظيم قدره فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال قال وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم وليس ذلك بعائب لهم قلت وإنما كان كذلك لأن ذلك من مثلهم إنما ينشأ عن فكر وفكرتهم إنما هي في الخير قال الكرماني معنى قوله يعبث به يحركه أو يخرجه من إصبعه ثم يدخله فيها وذلك صورة العبث وإنما يفعل الشخص ذلك عند تفكره في الأمور قال بن بطال وفيه أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام أن له أن يتركه ولا يكون بعد الثلاث مضيعا وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها

قوله باب الخاتم للنساء قال بن بطال الخاتم للنساء من جملة الحلي الذي أبيح لهن قوله وكان على عائشة خواتيم الذهب وصله بن سعد من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب قال سألت القاسم بن محمد فقال لقد رأيت والله عائشة تلبس المعصفر وتلبس خواتيم الذهب

[ 5541 ] قوله طاوس عن بن عباس شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فصلى قبل الخطبة سقط لفظ فصلى من رواية المستملي والسرخسي وهي مرادة ثابتة في أصل الحديث فإنه طرف من حديث تقدم في صلاة العيد من طريق عبد الرزاق عن بن جريج بسنده هنا قوله وزاد بن وهب عن بن جريج يعني بهذا السند إلى بن عباس وقد تقدم بالزيادة موصولا في تفسير سورة الممتحنة من رواية هارون بن معروف عن بن وهب قوله فأتى النساء فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم الفتخ بفتح الفاء ومثناة فوق بعدها خاء معجمة جمع فتخة وهي الخواتيم التي تلبسها النساء في أصابع الرجلين قاله بن السكيت وغيره وقيل الخواتيم التي لا فصوص لها وقيل الخواتم الكبار كما تقدم ذلك من تفسير عبد الرزاق في كتاب العيدين مع بسط ذلك

قوله باب القلائد والسخاب للنساء السخاب بكسر المهملة وتخفيف الخاء المعجمة وبعد الألف موحدة قوله يعني قلادة من طيب وسك بضم المهملة وتشديد الكاف وفي رواية الكشميهني ومسك بكسر الميم وسكون المهملة وكاف خفيفة والسخاب جمع سخب بضمتين وقد تقدم بيان ما فسره به غيره في باب ما ذكر في الأسواق من كتاب البيوع ثم أورد فيه حديث بن عباس من رواية سعيد بن جبير عنه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فجعلت المرأة تلقي سخابها وخرصها بضم الخاء المعجمة وسكون الراء ثم صاد مهملة هي الحلقة الصغيرة من ذهب أو فضة وقد تقدم تفسيره في باب الخطبة بعد العيد من كتاب العيدين

قوله باب استعارة القلائد ذكر فيه حديث عائشة في قصة قلادة أسماء وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة وفيه بيان القلادة المذكورة مم كانت وقوله

[ 5543 ] زاد بن نمير عن هشام يعني بسنده المذكور أنها استعارت من أسماء أي بنت أبي بكر القلادة المذكورة وقد وصله المؤلف رحمه الله في كتاب الطهارة من طريقه

قوله باب القرط للنساء بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة ما يحلى به الإذن ذهبا كان أو فضة صرفا أو مع لؤلؤ وغيره ويعلق غالبا على شحمتها قوله وقال بن عباس أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن هذا طرف من حديث وصله المؤلف رحمه الله في العيدين وفي الاعتصام وغيرهما من طريق عبد الرحمن بن عابس عن بن عباس فإما في الاعتصام فقال في رواية فجعل النساء يشرن إلى آذانهم وحلوقهن وقال في العيدين فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال أخرجه قبيل كتاب الجمعة من هذا الوجه بلفظ فجلعت المرأة تهوى بيدها إلى حلقها تلقى في ثوب بلال ومعنى الأهواء الإيماء باليد إلى الشيء ليؤخذ وقد ظهر أنه في الآذان إشارة إلى الحلق وأما في الحلوق فالذي يظهر أن المراد القلائد فإنها توضع في العنق وأن كان محلها إذا تدلت الصدر واستدل به على جواز ثقب أذن المرأة لتجعل فيها القرط وغيره مما يجوز لهن التزين به وفيه نظر لأنه لم يتعين وضع القرط في ثقبة الإذن بل يجوز أن يشبك في الرأس بسلسلة لطيفة حتى تحاذى الأذن وتنزل عنها سلمنا لكن إنما يؤخذ من ترك إنكاره عليهن ويجوز أن تكون آذانهن ثقبت قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ونحوه قول أم زرع أناس من حلي أذني ولا حجة فيه لما ذكرنا وقال بن القيم كره الجمهور ثقب أذن الصبي ورخص بعضهم في الأنثى قلت وجاء الجواز في الأنثى عن أحمد للزينة والكراهة للصبي قال الغزالي في الأحياء يحرم ثقب أذن المرأة ويحرم الاستئجار عليه إلا أن ثبت فيه شيء من جهة الشرع قلت جاء عن بن عباس فيما أخرجه الطبراني في الأوسط سبعة في الصبي من السنة فذكر السابع منها وثقب اذنه وهو يستدرك على قول بعض الشارحين لا مستند لاصحابنا في قولهم إنه سنة

[ 5544 ] قوله أخبرني عدي هو بن ثابت وقد تقدم قبل بابين من طريق شعبة أيضا بهذا الإسناد بلفظ خرصها بدل قرطها

قوله باب السخاب للصبيان تقدم بيان السخاب وحديث أبي هريرة المذكور في الباب تقدم شرحه في باب ما ذكر في الأسواق من كتاب البيوع مستوفى وقوله

[ 5545 ] فيه أين لكع في رواية المستملي والسرخسي أي لكع بصيغة النداء

قوله باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال أي ذم الفريقين ويدل على ذلك اللعن المذكور في الخبر

[ 5546 ] قوله حدثنا محمد بن جعفر كذا لأبي ذر ولغيره حدثنا غندر وهو هو قوله لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين قال الطبري المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس قلت وكذا في الكلام والمشي فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زى نسائهم من رجالهم في اللبس لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والادمان على ذلك بالتدريج فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم ولا سيما أن بدا منه ما يدل على الرضا به وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين وإما إطلاق من أطلق كالنووي وأن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة أترك ذلك وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدريج فتركه بغير عذر لحقه اللوم واستدل لذلك الطبري بكونه صلى الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من الدخول على النساء حتى سمع منه التدقيق في وصف المرأة كما في ثالث أحاديث الباب الذي يليه فمنعه حينئذ فدل على أن لا ذم على ما كان من أصل الخلقة وقال بان التين المراد باللعن في هذا الحديث من تشبه من الرجال بالنساء في الزي ومن تشبه من النساء بالرجال كذلك فأما من انتهى في التشبه بالنساء من الرجال إلى أن يؤتى في دبره وبالرجال من النساء إلى أن تتعاطى السحق بغيرها من النساء فإن لهذين الصنفين من الذم والعقوبة أشد ممن لم يصل إلى ذلك وإنما أمر بإخراج من تعاطى ذلك من البيوت كما في الباب الذي يليه لئلا يفضى الأمر بالتشبه إلى تعاطي ذلك الأمر المنكر وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ما ملخصه ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها لا التشبه في أمور الخير وقال أيضا اللعن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين أحدهما يراد به الزجر عن الشيء الذي وقع اللعن بسببه وهو مخوف فإن اللعن من علامات الكبائر والآخر يقع في حال الحرج وذلك غير مخوف بل هو رحمة في حق من لعنه بشرط أن لا يكون الذي لعنه مستحقا لذلك كما ثبت من حديث بن عباس عند مسلم قال والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله المغيرات خلق الله قوله تابعه عمرو قال أخبرنا شعبة يعني بالسند المذكور وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي قال حدثنا عمرو بن مرزوق به واستدل به على أنه يحرم على الرجل لبس الثوب المكلل باللؤلؤ وهو واضح لورود علامات التحريم وهو لعن من فعل ذلك وأما قول الشافعي ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا لأنه من زى النساء فليس مخالفا لذلك لأن مراده أنه لم يرد في النهي عنه بخصوصه شيء

قوله باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت كذا للأكثر وللنسفي باب إخراجهم وكذا عند الإسماعيلي وأبي نعيم

[ 5547 ] قوله حدثنا هشام هو الدستوائي عن يحيى هو بن أبي كثير وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وهشام جميعا عن قتادة عن عكرمة وكان أبا داود حمل رواية هشام على رواية شعبة فإن رواية شعبة عن قتادة هي باللفظ المذكور في الباب الذي قبله ورواية هشام عن يحيى هي بهذا اللفظ الذي في هذا الباب وقد أخرجه المصنف وأبو داود في السنن كلاهما عن مسلم بن إبراهيم وأخرجه أحمد عن إسماعيل بن علية ويحيى القطان ويزيد بن هارون كلهم عن هاشم عن يحيى بن أبي كثير قوله المخنثين من الرجال تأتي الإشارة إلى ضبطه عقب هذا قوله والمترجلات من النساء زاد أبو داود من طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة فقلت له ما المترجلات من النساء قال المتشبهات بالرجال قوله فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانة كذا في رواية أبي ذر فلانة بالتأنيث وكذا وقع في شرح بن بطال والباقين فلانا بالتذكير وكذا عند أحمد وقد أخرج الطبراني وتمام الرازي في فوائده من حديث وائلة مثل حديث بن عباس هذا بتمامه وقال فيه وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة وأخرج عمر فلانا وأنجشة هو العبد الأسود الذي كان يحدو بالنساء وسيأتي خبره في ذلك في كتاب الأدب وقد تقدم ذكر أسامي من كان في العهد النبوي من المخنثين ولم أقف في شيء من الروايات على تسمية الذي أخرجه عمر إلى أن ظفرت بكتاب لأبي الحسن المدايني سماه كتاب المغربين بمعجمة وراء مفتوحة ثقيلة فوجدت فيه عدة قصص لمن غربهم عمر عن المدينة وسأذكر ذلك في كتاب أواخر الحدود إن شاء الله تعالى

[ 5548 ] قوله حدثنا زهير هو بن معاوية الجعفي قوله وفي البيت مخنث تقدم ضبطه وتسميته في أواخر كتاب النكاح وشرح الحديث مستوفى وبيان ما وقع هنا من كلام البخاري من شرح قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان وقوله في آخر الحديث لا يدخلن بضم أوله وتشديد النون هؤلاء عليكن كذا للأكثر وهو الوجه وفي رواية المستملي والسرخسي عليكم بصيغة جمع المذكر ويوجه بأنه جمع مع النساء المخاطبات بذلك من يلوذ بهن من صبي ووصيف فجاء التغليب وقد تفتح التحتانية أوله مخففا ومثقلا وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب

قوله باب قص الشارب هذه الترجمة وما بعدها إلى آخر كتاب اللباس لها تعلق باللباس من جهة الاشتراك في الزينة فذكر أولا التراجم المتعلقة بالشعور وما شاكلها وثانيا المتعلقة بالتطيب وثالثا المتعلقة بتحسين الصورة ورابعا المتعلقة بالتصاوير لأنها قد تكون في الثياب وختم بما يتعلق بالارتداف وتعلقه به خفي وتعلقه بكتاب الأدب الذي يليه ظاهر والله أعلم وأصل القص تتبع الأثر وقيده بن سيده في المحكم بالليل والقص أيضا إيراد الخبر تاما على من لم يحضره ويطلق أيضا على قطع شيء من شيء بآلة مخصوصة والمراد به هنا قطع الشعر النابت على الشفعة العليا من غير استئصال وكذا قص الظفر أخذ أعلاه من غير استئصال قوله وكان بن عمر كذا لأبي ذر والنسفي وهو المعتمد ووقع للباقين وكان عمر قلت وهو خطأ فإن المعروف عن عمر أنه كان يوفر شاربه قوله يحفي شاربه بالحاء المهملة والفاء ثلاثيا ورباعيا من الإحفاء أو الحفو والمراد الازالة قوله حتى يرى بياض الجلد وصله أبو بكر الأثرم من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال رأيت بن عمر يحفي شاربه حتى لا يترك منه شيئا وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن أبي عثمان رأيت بن عمر يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله وهذا يرد تأويل من تأول في أثر بن عمر أن المراد به إزالة ما على طرف الشفة فقط قوله ويأخذ هذين يعني بين الشارب واللحية كذا وقع في التفسير في الأصل وقد ذكره رزين في جامعه من طريق نافع عن بن عمر جازما بالتفسير المذكور وأخرج البيهقي نحوه وقوله بين كذا للجميع إلا أن عياضا ذكر أن محمد بن أبي صفرة رواه بلفظ من التي للتبعيض والأول هو المعتمد

[ 5549 ] قوله حدثنا المكي بن إبراهيم عن حنظلة عن نافع قال أصحابنا عن المكي عن بن عمر كذا للجميع والمعنى أن شيخه مكي بن إبراهيم حدثه به عن حنظلة وهو بن أبي سفيان الجمحي عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لم يذكر بن عمر في السند وحدث به غير البخاري عن مكي موصولا يذكر بن عمر فيه وهو المراد بقول البخاري قال أصحابنا هذا هو المعتمد وبهذا جزم شيخنا بن الملقن رحمه الله لكن قال ظهر لي أنه موقوف على نافع في هذه الطريق وتلقى ذلك من الحميدي فإنه جزم بذلك في الجمع وهو محتمل وأما الكرماني فزعم أن الرواية الثانية منقطعة لم يذكر فيها بين مكي وابن عمر أحدا فقال المعنى أن البخاري قال روى أصحابنا الحديث منقطعا فقالوا حدثنا مكي عن بن عمر فطرحوا ذكر الراوي الذي بينهما كذا قال وهو وأن كان ظاهر ما أورد البخاري لكن تبين من كلام الأئمة أنه موصول بين مكي وابن عمر وقال الزركشي هذا الموضع مما يجب أن يعتني به الناظر وهو ماذا الذي أراد بقوله قال أصحابنا عن المكي عن بن عمر فيحتمل أنه رواه مرة عن شيخه مكي عن نافع مرسلا ومرة عن أصحابه عن مكي مرفوعا عن بن عمر ويحتمل أن بعضهم نسب الراوي عن بن عمر إلى أنه المكي اه وهذا الثاني هو الذي جزم به الكرماني وهو مردود ثم قال الزركشي ويشهد للأول أن البخاري ربما روى عن المكي بالواسطة كما تقدم في البيوع ووقع له في كتابه نظائر لذلك منها ما سيأتي قريبا في باب الجعد حيث قال حدثنا مالك بن إسماعيل فذكر حديثا ثم قال في آخره قال بعض أصحابي عن مالك بن إسماعيل فذكر زيادة في المتن ونظيره في الاستئذان في باب قوله قوموا إلى سيدكم قلت وهو قوله حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة فذكر حديثا وقال في آخره أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد فذكر كلمة في المتن وقريب منه ما سبق في المناقب في ذكر أسامة بن زيد حيث قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن فذكر حديثا وقال في آخره حدثني بعض أصحابنا عن سليمان فذكر زيادة في المتن أيضا قلت والفرق بين هذه المواضع وبين حديث الباب أن الاختلاف في الباب وقع في الوصل والارسال والاختلاف في غيره وقع بالزيادة في المتن لكن اشترك الجميع في مطلق الاختلاف والله أعلم وقد أورد البخاري الحديث المذكور في الباب الذي يليه من طريق إسحاق بن سليمان عن حنظلة موصولا مرفوعا لكنه نزل فيه درجة وطريق مكي وقعت لنا في مسند بن عمر لأبي أمية الطرسوسي قال حدثنا مكي بن إبراهيم فذكره موصولا مرفوعا وزاد فيه بعد قوله قص الشارب والظفر وحلق العانة وكذا أخرجه البيهقي في الشعب من وجه آخر عن مكي قلت وهذا الحديث أغفله المزي في الأطراف فلم يذكره في ترجمة حنظلة عن نافع عن بن عمر لا من طريق مكي ولا من طريق إسحاق بن سليمان ثم بعد أن كتب هذا ذكر لي محدث حلب الشيخ برهان الدين الحلبي أن شيخنا البلقيني قال له القائل قال أصحابنا هو البخاري والمراد بالمكي حنظلة بن أبي سفيان الجمحي فإنه مكي قال والسندان متصلان وموضع الاختلاف بيان أن مكي بن إبراهيم لما حدث به البخاري سمى حنظلة وأما أصحاب البخاري فلما رووه له عن حنظلة لم يسموه بل قالوا عن المكي قال فالسند الأول مكي عن حنظلة عن نافع عن بن عمر والثاني أصحابنا عن المكي عن نافع عن بن عمر ثم قال وفي فهم ذلك صعوبة وكأنه كان يتبجح بذلك ولقد صدق فيما ذكر من الصعوبة ومقتضاه أن يكون عند البخاري جماعة لقوا حنظلة وليس كذلك فإن الذي سمع من حنظلة هذا الحديث لا يحدث البخاري عنه إلا بواسطة وهو إسحاق بن سليمان الرازي وكانت وفاته قبل طلب البخاري الحديث قال بن سعد مات سنة تسع وتسعين ومائة وقال بن نافع وابن حبان مات سنة مائتين وقد أفصح أبو مسعود في الأطراف بالمراد فقال في ترجمة حنظلة عن نافع عن بن عمر حديث من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظافر وقص الشارب خ في اللباس عن أحمد بن أبي رجاء عن إسحاق بن سليمان عن حنظلة عن نافع عن بن عمر وعن مكي بن إبراهيم عن حنظلة عن نافع قال وقال أصحابنا عن مكي عن حنظلة عن نافع عن بن عمر فصرح بأن مراد البخاري بقوله عن المكي المكي بن إبراهيم وأن مراده بقوله عن بن عمر بالسند المذكور وهو عن حنظلة عن نافع عنه والحاصل أنه كما قدمته أن مكي بن إبراهيم لما حدث به البخاري أرسله ولما حدث به غير البخاري وصله فحكى البخاري ذلك ثم ساقه موصولا من طريق إسحاق بن سليمان

[ 5550 ] قوله حدثنا علي هو بن المديني وبذلك جزم المزي قوله الزهري حدثنا هو من تقديم الراوي على الصيغة وهو سائغ وقد رواه الحميدي عن سفيان قال سمعت الزهري أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريقه ورواه أحمد عن سفيان عن الزهري بالعنعنة وكذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغير واحد وأبو داود عن مسدد كلهم عن سفيان قوله عن أبي هريرة رواية هي كناية عن قول الراوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحوها وقد وقع في رواية مسدد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أحمد في روايته أن سفيان كان تارة يكنى وتارة يصرح وقد تقرر في علوم الحديث أن قول الراوي رواية أو يرويه أو يبلغ به ونحو ذلك محمول على الرفع وسيأتي في الباب الذي يليه من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري زيادة أبي سلمة مع سعيد بن المسيب في السند أخرجه أبو الشيخ قوله الفطرة خمس أو خمس من الفطرة كذا وقع هنا ولمسلم وأبي داود بالشك وهو من سفيان ووقع في رواية أحمد خمس من الفطرة ولم يشك وكذا في رواية معمر عن الزهري عند الترمذي والنسائي ووقع في رواية إبراهيم بن سعد بالعكس كما في الباب الذي يليه بلفظ الفطرة خمس وكذا في رواية يونس بن يزيد عن الزهري عند مسلم والنسائي وهي محمولة على الأولى قال بن دقيق العيد دلالة من على التبعيض فيه أظهر من دلالة هذه الرواية على الحصر وقد ثبت في أحاديث أخرى زيادة على ذلك فدل على أن الحصر فيها غير مراد واختلف في النكتة في الإتيان بهذه الصيغة فقيل برفع الدلالة وأن مفهوم العدد ليس بحجة وقيل بل كان أعلم أولا بالخمس ثم أعلم بالزيادة وقيل بل الاختلاف في ذلك بحسب المقام فذكر في كل موضع اللائق بالمخاطبين وقيل أريد بالحصر المبالغة لتأكيد أمر الخمس المذكورة كما حمل عليه قوله الدين النصيحة والحج عرفة ونحو ذلك ويدل على التأكيد ما أخرجه الترمذي والنسائي من حديث زيد بن أرقم مرفوعا من لم يؤخذ شاربه فليس منا وسنده قوي وأخرج أحمد من طريق يزيد بن عمرو المعافري نحوه زاد فيه حلق العانة تقليم الأظافر وسيأتي في الكلام على الختان دليل من قال بوجوبه وذكر بن العربي أن خصال الفطرة تبلغ ثلاثين خصلة فإذا أراد خصوص ما ورد بلفظ الفطرة فليس كذلك وإن أراد أعم من ذلك فلا تنحصر في الثلاثين بل تزيد كثيرا وأقل ما ورد في خصال الفطرة حديث بن عمر المذكور قيل فإنه لم يذكر فيه إلا ثلاثا وسيأتي في الباب الذي يليه أنه ورد بلفظ الفطرة وبلفظ من الفطرة وأخرج الإسماعيلي في رواية له بلفظ ثلاث من الفطرة وأخرجه في رواية أخرى بلفظ من الفطرة فذكر الثلاث وزاد الختان ولمسلم من حديث عائشة عشر من الفطرة فذكر الخمسة التي في حديث أبي هريرة إلا الختان وزاد إعفاء اللحية والسواك والمضمضة والاستنشاق وغسل البراجم والاستنجاء أخرجه من رواية مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عنها لكن قال في آخره إن الراوي نسي العاشرة إلا أن تكون المضمضة وقد أخرجه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ عشرة من السنة وذكر الاستنثار بدل الاستنشاق وأخرج النسائي من طريق سليمان التيمي قال سمعت طلق بن حبيب يذكر عشرة من الفطرة فذكر مثله إلا أنه قال وشككت في المضمضة وأخرجه أيضا من طريق أبي بشر عن طلق قال من السنة عشر فذكر مثله إلا أنه ذكر الختان بدل غسل البراجم ورجح النسائي الرواية المقطوعة على الموصولة المرفوعة والذي يظهر لي أنها ليست بعلة فادحة فإن راويها مصعب بن شيبة وثقة بن معين والعجلي وغيرهما ولينه أحمد وأبو حاتم وغيرهما فحديثه حسن وله شواهد في حديث أبي هريرة وغيره فالحكم بصحته من هذه الحيثية سائغ وقول سليمان التيمي سمعت طلق بن حبيب يذكر عشرا من الفطرة يحتمل أن يريد أنه سمعه يذكرها من قبل نفسه على ظاهر ما فهمه النسائي ويحتمل أن يريد أنه سمعه يذكرها وسندها فحذف سليمان السند وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث عمار بن ياسر مرفوعا نحو حديث عائشة قال من الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وغسل البراجم والانتضاح وذكر الخمس التي في حديث أبي هريرة ساقه بن ماجة وأما أبو داود فأحال به على حديث عائشة ثم قال وروى نحوه عن بن عباس وقال خمس في الرأس وذكر منها الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية قلت كأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره والطبري من طريقه بسند صحيح عن طاوس عن بن عباس في قوله تعالى وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد قلت فذكر مثل حديث عائشة كما في الرواية التي قدمتها عن أبي عوانة سواء ولم يشك في المضمضة وذكر أيضا الفرق بدل إعفاء اللحية وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس فذكر غسل الجمعة بدل الاستنجاء فصار مجموع الخصال التي وردت في هذه الأحاديث خمس عشرة خصلة اقتصر أبو شامة في كتاب السواك وما أشبه ذلك منها على اثني عشر وزاد النووي واحدة في شرح مسلم وقد رأيت قبل الخوض في شرح الخمس الواردة في الحديث المتفق عليه أن أشير إلى شرح العشر الزائدة عليها فأما الوضوء والاستنشاق والاستنثار والاستنجاء والسواك وغسل الجمعة فتقدم شرحها في كتاب الطهارة وأما إعفاء اللحية فيأتي في الباب الذي يليه وأما الفرق فيأتي بعد أبواب وأما غسل البراجم فهو بالموحدة والجيم جمع برجمة بضمتين وهي عقد الأصابع التي في ظهر الكف قال الخطابي هي المواضع التي تتسخ ويجتمع فيها الوسخ ولا سيما ممن لا يكون طري البدن وقال الغزالي كانت العرب لا تغسل اليد عقب الطعام فيجتمع في تلك الغضون وسخ فأمر بغسلها قال النووي وهي سنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء يعني أنها يحتاج إلى غسلها في الوضوء والغسل والتنظيف وقد ألحق بها إزالة ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ فإن في بقائه إضرارا بالسمع وقد أخرج بن عدي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعاهد البراجم عند الوضوء لأن الوسخ إليها سريع وللترمذي الحكيم من حديث عبد الله بن بشر رفعه قصوا أظفاركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم وفي سنده راو مجهول ولأحمد من حديث بن عباس أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ولم لا يبطيء عني وأنتم لا تستنون أي لا تستاكون ولا تقصون شواربكم ولا تنقون رواجبكم والرواجب جمع راجبة بجيم موحدة قال أبو عبيد البراجم والرواجب مفاصل الأصابع كلها وقال بن سيده البرجمة المفصل الباطن عند بعضهم والرواجب بواطن مفاصل أصول الأصابع وقيل قصب الأصابع وقيل هي ظهور السلاميات وقيل ما بين البراجم من السلامات وقال بن الأعرابي الراجبة البقعة الملساء التي بين البراجم والبراجم المسبحات من مفاصل الأصابع وفي كل إصبع ثلاث برجمات إلا الإبهام فلها برجمتان وقال الجوهري الرواجب مفاصل الأصابع اللاتي تلي الأنامل ثم البراجم ثم الأشاجع اللاتي على الكف وقال أيضا الرواجب رءوس السلاميات من ظهر الكف إذا قبض القابض كفه نشزت وارتفعت والأشاجع أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف واحدها أشجع وقيل هي عروق ظاهر الكف وأما الانتضاح فقال أبو عبيد الهروي هو أن يأخذ قليلا من الماء فينضح به مذاكيره بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس وقال الخطابي انتضاح الماء الاستنجاء به وأصله من النضح وهو الماء القليل فعلى هذا هو والاستنجاء خصلة واحدة وعلى الأول فهو غيره ويشهد له ما أخرجه أصحاب السنن من رواية الحكم بن سفيان الثقفي أو سفيان بن الحكم عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ حفنة من ماء فانتضح بها وأخرج البيهقي من طريق سعيد بن جبير أن رجلا أتى بن عباس فقال إني أحد بللا إذا قمت أصلي فقال له بن عباس انضح بماء فإذا وجدت من ذلك شيئا فقل هو منه وأما الخصال الواردة في المعنى لكن لم يرد التصريح فيها بلفظ الفطرة فكثيرة منها ما أخرجه الترمذي من حديث أبي أيوب رفعه أربع من سنن المرسلين الحياء والتعطير والسواك والنكاح واختلف في ضبط الحياء فقيل بفتح المهملة والتحتانية الخفيفة وقد ثبت في الصحيحين أن الحياء من الإيمان وقيل هي بكسر المهملة وتشديد النون فعلى الأول خصلة معنوية تتعلق بتحسين الخلق وعلى الثاني هي خصلة حسية تتعلق بتحسين البدن وأخرج البزار والبغوي في معجم الصحابة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق فليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده رفعه خمس من سنن المرسلين فذكر الأربعة المذكورة الا النكاح وزاد الحلم والحجامة والحلم بكسر المهملة وسكون اللام وهو مما يقوي الضبط الأول في حديث أبي أيوب وإذا تتبع ذلك من الأحاديث كثر العدد كما أشرت إليه والله أعلم ويتعلق بهذه الخصال مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع منها تحسين الهيئة وتنظيف البدن جملة وتفصيلا والاحتياط للطهارتين والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعباد الأوثان وامتثال أمر الشارع والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى وصوركم فأحسن صوركم لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك وكأنه قيل قد حسنت صوركم فلا تشووهوها بما يقبحها أو حافظوا على ما يستمر به حسنها وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة كان أدعى لانبساط النفس إليه فيقبل قوله ويحمد رأيه والعكس بالعكس وأما شرح الفطرة فقال الخطابي ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد بالفطرة هنا السنة وكذا قاله غيره قالوا والمعنى أنها من سنن الأنبياء وقالت طائفة المعنى بالفطرة الدين وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وقال النووي في شرح المهذب جزم الماوردي والشيخ أبو إسحاق بأن المراد بالفطرة في هذا الحديث الدين واستشكل بن الصلاح ما ذكره الخطابي وقال معنى الفطرة بعيد من معنى السنة لكن لعل المراد أنه على حذف مضاف أي سنة الفطرة وتعقبه النووي بأن الذي نقله الخطابي هو الصواب فإن في صحيح البخاري عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار قال وأصح ما فسر الحديث بما جاء في رواية أخرى لا سيما في البخاري اه وقد تبعه شيخنا بن الملقن على هذا ولم أر الذي قاله في شيء من نسخ البخاري بل الذي فيه من حديث بن عمر بلفظ الفطرة وكذا من حديث أبي هريرة نعم وقع التعبير بالسنة موضع الفطرة في حديث عائشة عند أبي عوانة في رواية وفي أخرى بلفظ الفطرة كما في رواية مسلم والنسائي وغيرهما وقال الراغب أصل الفطر بفتح الفاء الشق طولا ويطلق على الوهي وعلى الاختراع وعلى الايجاد والفطرة الايجاد على غير مثال وقال أبو شامة أصل الفطرة الخلقة المبتدأة ومنه فاطر السماوات والأرض أي المبتدىء خلقهن وقوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه وفيه إشارة إلى قوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها والمعنى أن كل أحد لو ترك من وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد ويؤيده قوله تعالى قبلها فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله واليه يشير في بقية الحديث حيث عقبة بقوله فأبواه يهودانه وينصرانه والمراد بالفطرة في حديث الباب أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة اه وقد رد القاضي البيضاوي الفطرة في حديث الباب إلى مجموع ما ورد في معناها وهو الاختراع والجبلة والدين والسنة فقال هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع وكأنها أمر جبلي فطروا عليها انتهى وسوغ الابتداء بالنكرة في قوله خمس من الفطرة أن قوله خمس صفة موصوف محذوف والتقدير خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال ويجوز أن تكون الجملة خبر مبتدأ محذوف والتقدير الذي شرع لكم خمس من الفطرة والتعبير في بعض روايات الحديث بالسنة بدل الفطرة يراد بها الطريقة لا التي تقابل الواجب وقد جزم بذلك الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما وقالوا هو كالحديث الآخر عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فقال عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين فكيف من جملة المسلمين كذا قال في شرح الموطأ وتعقبه أبو شامة بأن الأشياء التي مقصودها مطلوب لتحسين الخلق وهي النظافة لا تحتاج إلى ورود أمر إيجاب للشارع فيها اكتفاء بداوعي الأنفس فمجرد الندب إليها كاف ونقل بن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه قال دل الخبر على أن الفطرة بمعنى الدين والأصل فيما أضيف إلى الشيء أنه منه أن يكون من أركانه لا من زوائده حتى يقوم دليل على خلافه وقد ورد الأمر باتباع إبراهيم عليه السلام وثبت أن هذه الخصال أمر بها إبراهيم عليه السلام وكل شيء أمر الله باتباعه فهو على الوجوب لمن أمر به وتعقب بأن وجوب الأتباع لا يقتضي وجوب كل متبوع فيه بل يتم الأتباع بالامتثال فإن كان واجبا على المتبوع كان واجبا على التابع أو ندبا فندب فيتوقف ثبوت وجوب هذه الخصال على الأمة على ثبوت كونها كانت واجبة على الخليل عليه السلام قوله الختان بكسر المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع وللختن بفتح ثم سكون قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص ووقع في رواية يونس عند مسلم الاختتان والختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان أيضا كما في حديث عائشة إذا التقي الختانان والأول المراد هنا قال الماوردي ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة وقال إمام الحرمين المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل وقال بن الصباغ حتى تنكشف جميع الحشفة وقال بن كج فيما نقله الرافعي يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وأن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها قال النووي وهو شاذ والأول هو المعتمد قال الإمام والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم قال الماوردي ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله وقد أخرج أبو داود من حديث أم عطية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وقال أنه ليس بالقوي قلت وله شاهدان من حديث أنس ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي قال النووي ويسمى ختان الرجل اعذارا بذال معجمة وختان المرأة خفضا بخاء وضاد معجمتين وقال أبو شامة كلام أهل اللغة يقتضي تسمية الكل اعذارا والخفض يختص بالأنثى قال أبو عبيدة عذرت الجارية والغلام وأعذرتهما ختنتهما وأختنتهما وزنا ومعنى قال الجوهري والأكثر خفضت الجارية قال وتزعم العرب أن الغلام إذا ولد في القمر فسخت قلفته أي اتسعت فصار كالمختون وقد استحب العلماء من الشافعية فيمن ولد مختونا أن يمر بالموسى على موضع الختان من غير قطع قال أبو شامة وغالب من يولد كذلك لا يكون ختانه تاما بل يظهر طرف الحشفة فإن كان كذلك وجب تكميله وأفاد الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل أنه اختلف في النساء هل يخفضن عموما أو يفرق بين نساء المشرق فيخفضن ونساء المغرب فلا يخفضن لعدم الفضلة المشروع قطعها منهن بخلاف نساء المشرق قال فمن قال أن من ولد مختونا استحب امرار الموسى على الموضع امتثالا للأمر قال في حق المرأة كذلك ومن لا فلا وقد ذهب إلى وجوب الختان دون باقي الخصال الخمس المذكورة في الباب الشافعي وجمهور أصحابه وقال به من القدماء عطاء حتى قال لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختن وعن أحمد وبعض المالكية يجب وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغني عن أحمد وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أنه ليس بواجب ومن حجتهم حديث شداد بن أوس رفعه الختان سنة للرجال مكرمة للنساء وهذا لا حجة فيه لما تقرر أن لفظ السنة إذا ورد في الحديث لا يراد به التي تقابل الواجب لكن لما وقعت التفرقة بين الرجال والنساء في ذلك دل على أن المراد افتراق الحكم وتعقب بأنه لم ينحصر في الوجوب فقد يكون في حق الذكور آكد منه في حق النساء أو يكون في حق الرجال للندب وفي حق النساء للإباحة على أن الحديث لا يثبت لأنه من رواية حجاج بن أرطاة ولا يحتج به أخرجه أحمد والبيهقي لكن له شاهد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن جابر بن زيد عن بن عباس وسعيد مختلف فيه وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي من وجه آخر عن بن عباس وأخرجه البيهقي أيضا من حديث أبي أيوب واحتجوا أيضا بأن الخصال المنتظمة مع الختان ليست واجبة إلا عند بعض من شذ فلا يكون الختان واجبا وأجيب بأنه لا مانع أن يراد بالفطرة وبالسنة في الحديث القدر المشترك الذي يجمع الوجوب والندب وهو الطلب المؤكد فلا يدل ذلك على عدم الوجوب ولا ثبوته فيطلب الدليل من غيره وأيضا فلا مانع من جمع المختلفي الحكم بلفظ أمر واحد كما في قوله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده فإيتاء الحق واجب والأكل مباح هكذا تمسك به جماعة وتعقبه الفاكهاني في شرح العمدة فقال الفرق بين الآية والحديث أن الحديث تضمن لفظة واحدة استعملت في الجميع فتعين أن يحمل على أحد الأمرين الوجوب أو الندب بخلاف الآية فإن صيغة الأمر تكررت فيها والظاهر الوجوب فصرف في أحد الأمرين بدليل وبقي الآخر على الأصل وهذا التعقب إنما يتم على طريقة من يمنع استعمال اللفظ الواحد في معنيين وأما من يجيزه كالشافعية فلا يرد عليهم واستدل من أوجب الاختتان بأدلة الأول أن القلفة تحبس النجاسة فتمنع صحة الصلاة كمن أمسك نجاسة بفمه وتعقب بأن الفم في حكم الظاهر بدليل أن وضع المأكول فيه لا يفطر به الصائم بخلاف داخل القلفة فإنه في حكم الباطن وقد صرح أبو الطيب الطبري بأن هذا القدر عندنا مغتفر الثاني ما أخرجه أبو داود من حديث كليب جد عثيم بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ألق عنك شعر الكفر واختتن مع ما تقرر أن خطابه للواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوصية وتعقب بأن سند الحديث ضعيف وقد قال بن المنذر لا يثبت فيه شيء الثالث جواز كشف العورة من المختون وسيأتي أنه إنما يشرع لمن بلغ أو شارف البلوغ وجواز نظر الخاتن إليها وكلاهما حرام فلو لم يجب لما أبيح ذلك وأقدم من نقل عنه الاحتجاج بهذا أبو العباس بن سريج نقله عنه الخطابي وغيره وذكر النووي أنه رآه في كتاب الودائع المنسوب لابن سريج قال ولا أظنه يثبت عنه قال أبو شامة وقد عبر عنه جماعة من المصنفين بعده بعبارات مختلفة كالشيخ أبي حامد والقاضي الحسين وأبي الفرج السرخسي والشيخ في المهذب وتعقبه عياض بأن كشف العورة مباح لمصلحة الجسم والنظر إليها يباح للمداواة وليس ذلك واجبا إجماعا وإذا جاز في المصلحة الدنيوية كان في المصلحة الدينية أولى وقد استشعر القاضي حسين هذا فقال فإن قيل قد يترك الواجب لغير الواجب كترك الانصات للخطبة بالتشاغل بركعتي التحية وكترك القيام في الصلاة لسجود التلاوة وكشف العورة للمداواة مثلا وأجاب عن الأولين ولم يجب عن الثالث وأجاب النووي بأن كشف العورة لا يجوز لكل مداواة فلا يتم المراد وقوى أبو شامة الإيراد بأنهم جوزوا الغاسل الميت أن يحلق عانة الميت ولا يتأتى ذلك للغاسل الا بالنظر واللمس وهما حرامان وقد أجيز لأمر مستحب الرابع احتج أبو حامد وأتباعه كالماوردي بأنه قطع عضو لا يستخلف من الجسد تعبدا فيكون واجبا كقطع اليد في السرقة وتعقب بأن قطع اليد إنما أبيح في مقابلة جرم عظيم فلم يتم القياس الخامس قال الماوردي في الختان إدخال ألم عظيم على النفس وهو لا يشرع إلا في إحدى ثلاث خصال لمصلحة أو عقوبة أو وجوب وقد انتفى الاولان فثبت الثالث وتعقبه أبو شامة بأن في الختان عدة مصالح كمزيد الطهارة والنظافة فإن القلفة من المستقذرات عند الحرب وقد كثر ذم الأقلف في أشعارهم وكان للختان عندهم قدر وله وليمة خاصة به وأقر الإسلام ذلك السادس قال الخطابي محتجا بأن الختان واجب بأنه من شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر حتى لو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين وتعقبه أبو شامة بأن شعار الدين ليست كلها واجبة وما ادعاه في المقتول مردود لأن اليهود وكثيرا من النصارى يختنون فليقيد ما ذكر بالقرينة قلت قد بطل دليله السابع قال البيهقي أحسن الحجج أن يحتج بحديث أبي هريرة الذي في الصحيحين مرفوعا أختتن إبراهيم وهو بن ثمانين سنة بالقدوم وقد قال الله تعالى ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم وصح عن بن عباس أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن هي خصال الفطرة ومنهن الختان والابتلاء غالبا إنما يقع بما يكون واجبا وتعقب بأنه لا يلزم ما ذكر إلا إن كان إبراهيم عليه السلام فعله على سبيل الوجوب فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب فيحصل امتثال الأمر باتباعه على وفق ما فعل وقد قال الله تعالى في حق نبيه محمد واتبعوه لعلكم تهتدون وقد تقرر في الأصول أن أفعاله بمجردها لا تدل على الوجوب وأيضا فباقي الكلمات العشر ليست واجبة وقال الماوردي إن إبراهيم عليه السلام لا يفعل ذلك في مثل سنه إلا عن أمر من الله اه وما قاله بحثا قد جاء منقولا فأخرج أبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه أن إبراهيم عليه السلام أمر أن يختتن وهو حينئذ بن ثمانين سنة فجعل واختتن بالقدوم فاشتد عليه الوجع فدعا ربه فأوحى الله إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال يا رب كرهت أن أؤخر أمرك قال الماوردي القدوم جاء مخففا ومشددا وهو الفأس الذي اختتن به وذهب غيره إلى أن المراد به مكان يسمى القدوم وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين يقال هو كان مقيله وقيل اسم قرية بالشام وقال أبو شامة هو موضع بالقرب من القرية التي فيها قبره وقيل يقرب حلب وجزم غير واحد أن الآلة بالتخفيف وصرح بن السكيت بأنه لا يشدد واثبت بعضهم الوجهين في كل منهما وقد تقدم بعض هذا في شرح الحديث المذكور في ذكر إبراهيم عليه السلام من أحدايث الأنبياء ووقع عند أبي الشيخ من طريق أخرى أن إبراهيم لما اختتن كان بن مائة وعشرين سنة وأنه عاش بعد ذلك إلى أن أكمل مائتي سنة والأول أشهر وهو أنه اختتن وهو بن ثمانين وعاش بعدها أربعين والغرض أن الاستدلال بذلك متوقف كما تقدم على أنه كان في حق إبراهيم عليه السلام واجبا فإن ثبت ذلك استقام الاستدلال به وإلا فالنظر باق واختلف في الوقت الذي يشرع فيه الختان قال الماوردي له وقتان وقت وجوب ووقت استحباب فوقت الوجوب البلوغ ووقت الاستحباب قبله والاختيار في اليوم السابع من بعد الولادة وقيل من يوم الولادة فإن أخر ففي الأربعين يوما فإن أخر ففي السنة السابعة فإن بلغ وكان نضوا نحيفا يعلم من حاله أنه إذا اختتن تلف سقط الوجوب ويستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب إلا لعذر وذكر القاضي حسين أنه لا يجوز أن يختتن الصبي حتى يصير بن عشر سنين لأنه حينئذ يوم ضربه على ترك الصلاة وألم الختان فوق ألم الضرب فيكون أولى بالتأخير وزيفه النووي في شرح المهذب وقال إمام الحرمين لا يجب قبل البلوغ لأن الصبي ليس من أهل العبادة المتعلقة بالبدن فكيف مع الألم قال ولا يرد وجوب العدة على الصبية لأنه لا يتعلق به تعب بل هو مضي زمان محض وقال أبو الفرج السرخسي في ختان الصبي وهو صغير مصلحة من جهة أن الجلد بعد التمييز يغلظ ويخشن فمن ثم جوز الأئمة الختان قبل ذلك ونقل بن المنذر عن الحسن ومالك كراهة الختان يوم السابع لأنه فعل اليهود وقال مالك يحسن إذا أثغر أي ألقى ثغره وهو مقدم أسنانه وذلك يكون في السبع سنين وما حولها وعن الليث يستحب ما بين سبع سنين إلى عشر سنين وعن أحمد لم أسمع فيه شيئا وأخرج الطبراني في الأوسط عن بن عباس قال سبع من السنة في الصبي يسمى في السابع ويختن الحديث وقد قدمت ذكره في كتاب العقيقة وأنه ضعيف وأخرج أبو الشيخ من طريق الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن بن المنكدر أو غيره عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن حسنا وحسبنا لسبعة أيام قال الوليد فسألت مالكا عنه فقال لا أدري ولكن الختان طهرة فكلما قدمها كان أحب إلي وأخرج البيهقي حديث جابر وأخرج أيضا من طريق موسى بن علي عن أبيه أن إبراهيم عليه السلام ختن إسحاق وهو بن سبعة أيام وقد ذكرت في أبواب الوليمة من كتاب النكاح مشروعية الدعوة في الختان وما أخرجه أحمد من طريق الحسن عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فقال ما كنا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى له وأخرجه أبو الشيخ من رواية فبين أنه كان ختان جارية وقد نقل الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل أن السنة إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الأنثى والله أعلم قوله والاستحداد بالحاء المهملة استفعال من الحديد والمراد به استعمال الموسى في حلق الشعر من مكان مخصوص من الجسد قيل وفي التعبير بهذه اللفظة مشروعية الكناية عما يستحى منه إذا حصل الإفهام بها وأغنى عن التصريح والذي يظهر أن ذلك من تصرف الرواة وقد وقع في رواية النسائي في حديث أبي هريرة هذا التعبير بحلق العانة وكذا في حديث عائشة وأنس المشار إليهما من قبل عند مسلم قال النووي المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فتحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما قال وذكر الحلق لكونه هو الأغلب وإلا فيجوز الازالة بالنورة والنتف وغيرهما وقال أبو شامة العانة الشعر النابت على الركب بفتح الراء والكاف وهو ما انحدر من البطن فكان تحت الثنية وفوق الفرج وقيل لكل فخذ ركب وقيل ظاهر الفرج وقيل الفرج بنفسه سواء كان من رجل و امرأة قال ويستحب إماطة الشعر عن القبل والدبر بل هو من الدبر أولى خوفا من أن يعلق شيء من الغائط فلا يزيله المستنجي إلا بالماء ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار قال ويقوم التنور مكان الحلق وكذلك النتف والقص وقد سئل أحمد عن أخذ العانة بالمقراض فقال أرجو أن يجزئ قيل فالنتف قال وهل يقوى على هذا أحد وقال بن دقيق العيد قال أهل اللغة العانة الشعر النابت على الفرج وقيل هو منبت الشعر قال وهو المراد في الخبر وقال أبو بكر بن العربي شعر العانة أولى الشعور بالازالة لأنه يكشف ويتلبد فيه الوسخ بخلاف شعر الإبط قال وأما حلق ما حول الدبر فلا يشرع وكذا قال الفاكهي في شرح العمدة أنه لا يجوز كذا قال ولم يذكر للمنع مستندا والذي استند إليه أبو شامة قوي بل ربما تصور الوجوب في حق من تعين ذلك في حقه كمن لم يجد من الماء إلا القليل وأمكنه أن لو حلق الشعر أن لا يعلق به شيء من الغائط يحتاج معه إلى غسله وليس معه ماء زائد على قدر الاستنجاء وقال بن دقيق العيد كأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس قال والأولى في إزالة الشعر هنا الحلق اتباعا ويجوز النتف بخلاف الإبط فإنه بالعكس لأنه تحتبس تحته الأبخرة بخلاف العانة والشعر من الإبط بالنتف يضعف وبالحلق يقوى فجاء الحكم في كل من الموضعين بالمناسب وقال النووي وغيره السنة في إزالة شعر العانة الحلق بالموسى في حق الرجل والمرأة معا وقد ثبت الحديث الصحيح عن جابر في النهي عن طروق النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة وقد تقدم شرحه في النكاح لكن يتأدى أصل السنة بالإزالة بكل مزيل وقال النووي أيضا والأولى في حق الرجل الحلق وفي حق المرأة النتف واستشكل بأن فيه ضررا على المرأة بالألم وعلى الزوج باسترخاء المحل فإن النتف يرخي المحل باتفاق الأطباء ومن ثم قال بن دقيق العيد أن بعضهم مال إلى ترجيح الحلق في حق المرأة لأن النتف يرخي المحل لكن قال بن العربي أن كانت شابة فالنتف في حقها أولى لأنه يربو مكان النتف وأن كانت كهلة فالأولى في حقها الحلق لأن النتف يرخي المحل ولو قيل الأولى في حقها التنور مطلقا لما كان بعيدا وحكى النووي في وجوب الإزالة عليها إذا طلب ذلك منها وجهين أصحهما الوجوب ويفترق الحكم في نتف الإبط وحلق العانة أيضا بأن نتف الإبط وحلقه يجوز أن يتعاطاه الأجنبي بخلاف حلق العانة فيحرم إلا في حق من يباح له المس والنظر كالزوج والزوجة وأما التنور فسئل عنه أحمد فأجازه وذكر أنه يفعله وفيه حديث عن أم سلمة أخرجه بن ماجة والبيهقي ورجاله ثقات ولكنه أعله بالإرسال وأنكر أحمد صحته ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا طل ولى عانته بيده ومقابله حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقة ولكن سنده ضعيف جدا قوله ونتف الإبط في رواية الكشميهني الآباط بصيغة الجمع والإبط بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو المشهور وصوبه الجواليقي وهو يذكر ويؤنث وتأبط الشيء وضعه تحت إبطه والمستحب البداءة فيه باليمنى ويتأدى أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف وقد أخرج بن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى قال دخلت على الشافعي ورجل يحلق إبطه فقال أني علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع قال الغزالي هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده قال والحلق كاف لأن المقصود النظافة وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك وقال بن دقيق العيد من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى فذكر نحو ما تقدم قال وهو معنى ظاهر لا يهمل فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسبا يحتمل أن يكون مقصودا في الحكم لا يترك والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور لكنه يرق الجلد فقد يتأذى صاحبه به ولا سيما إن كان جلده رقيقا وتستحب البداءة في إزالته باليد اليمني ويزيل ما في اليمني بأصابع اليسرى وكذا اليسرى إن أمكن وإلا فباليمنى قوله وتقليم الأظفار وهو تفعيل من القلم وهو القطع ووقع في حديث بن عمر قص الأظفار كما في حديث الباب ووقع في حديثه في الباب الذي يليه بلفظ تقليم وفي حديث عائشة وأنس قص الأظفار والتقليم أعم والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء وبسكونها وحكى أبو زيد كسر أوله وأنكره بن سيده وقد قيل إنها قراءة الحسن وعن أبي السماك أنه قرئ بكسر أوله وثانيه والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الإصبع من الظفر لأن الوسخ يجتمع فيه فيستقذر وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة وقد حكى أصحاب الشافعي فيه وجهين فقطع المتولي بأن الوضوء حينئذ لا يصح وقطع الغزالي في الأحياء بأنه يعفى عن مثل ذلك واحتج بأن غالب الأعراب لا يتعاهدون ذلك ومع ذلك لم يرد في شيء من الآثار أمرهم بإعادة الصلاة وهو ظاهر لكن قد يعلق بالظفر إذا طال النجو لمن استنجى بالماء ولم يمعن غسله فيكون إذا صلى حاملا للنجاسة وقد أخرج البيهقي في الشعب من طريق قيس بن أبي حازم قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة فأوهم فيها فسئل فقال مالي لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته رجاله ثقات مع إرساله وقد وصله الطبراني من وجه آخر والرفغ بضم الراء وبفتحها وسكون الفاء بعدها غين معجمة يجمع على أرفاغ وهي مغابن الجسد كالإبط وما بين الأنثيين والفخذين وكل موضع يجتمع فيه الوسخ فهو من تسمية الشيء باسم ما جاوره والتقدير وسخ رفغ أحدكم والمعنى أنكم لا تقلمون أظفاركم ثم تحكون بها أرفاغكم فيتعلق بها ما في الارفاغ من الأوساخ المجتمعة قال أبو عبيد أنكر عليهم طول الأظفار وترك قصها قلت وفيه إشارة إلى الندب إلى تنظيف المغابن كلها ويستحب الاستقصاء في إزالتها إلى حد لا يدخل منه ضرر على الأصبع واستحب أحمد للمسافر أن يبقى شيئا لحاجته إلى الاستعانة لذلك غالبا ولم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث لكن جزم النووي في شرح مسلم بأنه يستحب البداءة بمسبحة اليمني ثم بالوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام وفي اليسرى بالبداءة بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام ويبدأ في الرجلين بخنصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر ولم يذكر للاستحباب مستندا وقال في شرح المهذب بعد أن نقل عن الغزالي وأن المازري أشتد إنكاره عليه فيه لا بأس بما قاله الغزالي إلا في تأخير إبهام اليد اليمنى فالأولى أن تقدم اليمني بكمالها على اليسرى قال وأما الحديث الذي ذكره الغزالي فلا أصل له اه وقال بن دقيق العيد يحتاج من ادعى استحباب تقديم اليد في القص على الرجل إلى دليل فإن الإطلاق يأبى ذلك قلت يمكن أن يؤخذ بالقياس على الوضوء والجامع التنظيف وتوجيه البداءة بالمينى لحديث عائشة الذي مر في الطهارة كان يعجبه التيمن في طهوره وترجله وفي شأنه كله والبداءة بالمسبحة منها لكونها أشرف الأصابع لأنها آلة التشهد وأما اتباعها بالوسطى فلأن غالب من يقلم أظفاره يقلمها من قبل ظهر الكف فتكون الوسطى جهة يمينه فيستمر إلى أن يختم بالخنصر ثم يكمل اليد بقص الإبهام وأما في اليسرى فإذا بدأ بالخنصر لزم أن يستمر على جهة اليمن إلى الإبهام قال شيخنا في شرح الترمذي وكان ينبغي أن لو أخر إبهام اليمني ليختم بها ويكون قد استمر على الانتقال إلى جهة اليمني ولعل الأول لحظ فصل كل يد عن الأخرى وهذا توجيه في اليدين يعكر على ما نقله في الرجلين إلى أن يقال غالب من يقلم أظافر رجليه يقلمها من جهة باطن القدمين فيستمر التوجيه وقد قال صاحب الأقليد قضية الأخذ في ذلك بالتيامن أن يبدأ بخنصر اليمنى إلى أن ينتهي إلى خنصر اليسرى في اليدين والرجلين معا وكأنه لحظ أن القص يقع من باطن الكفين أيضا وذكر الدمياطي أنه تلقى عن بعض المشايخ من قص أظفاره مخالفا لم يصبه رمد وأنه جرب ذلك مدة طويلة وقد نص أحمد على استحباب قصها مخالفا وبين ذلك أبو عبد الله بن بطة من أصحابهم فقال يبدأ بخنصره اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة ويبدأ بإبهام اليسرى على العكس من اليمني وقد أنكر بن دقيق العيد الهيئة التي ذكرها الغزالي ومن تبعه وقال كل ذلك لا أصل له وإحداث استحباب لا دليل عليه وهو قبيح عندي بالعالم ولو تخيل متخيل أن البداءة بمسبحة اليمني من أجل شرفها فبقية الهيئة لا يتخيل فيه ذلك نعم البداءة بيمنى اليدين ويمنى الرجلين له أصل وهو كان يعجبه التيامن اه ولم يثبت أيضا في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث وقد أخرجه جعفر المستغفري بسند مجهول ورويناه في مسلسلات التيمي من طريقه وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة وله شاهد موصول عن أبي هريرة لكن س
قوله باب تقليم الأظفار تقدم بيان ذلك في الذي قبله وقد ذكر فيه ثلاثة أحاديث الثالث منها لا تعلق له بالظفر وإنما هو مختص بالشارب واللحية فيمكن أن يكون مراده في هذه الترجمة والتي قبلها تقليم الأظفار وما ذكر معها وقص الشارب وما ذكر معه ويحتمل أن يكون أشار إلى أن حديث بن عمر في الأول وحديثه في الثالث واحد منهم من طوله ومنهم من اختصره الحديث الأول

[ 5551 ] قوله حدثنا أحمد بن أبي رجاء هو أحمد بن عبد الله بن أيوب الهروي وإسحاق بن سليمان هو الرازي وحنظلة هو بن سفيان الجمحي قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا للجميع وزعم أبو مسعود في الأطراف أن البخاري ذكره من هذا الوجه موقوفا ثم تعقبه بأن أبا سعيد الأشج رواه عن إسحاق بن سليمان مرفوعا وتعقب الحميدي كلام أبي مسعود فأجاد قوله من الفطرة كذا للجميع وقد تقدم نقل النووي أنه وقع فيه بلفظ من السنة قوله وقص الشارب في رواية الإسماعيلي وأخذ الشارب وفي أخرى له وقص الشوارب قال وقال مرة الشارب قال الجياني وقع في كلامهم أنه لعظم الشوارب وهو من الواحد الذي فرق وسمي كل جزء منه باسمه فقالوا لكل جانب منه شاربا ثم جمع شوارب وحكى بن سيده عن بعضهم من قال الشاربان أخطأ وإنما الشاربان ما طال من ناحية السبلة قال وبعضهم يسمي السبلة كلها شاربا ويؤيده أثر عمر الذي أخرجه مالك أنه كان إذا غضب فتل شاربه والذي يمكن فتله من شعر الشارب السبال وقد سماه شاربا الحديث الثاني حديث أبي هريرة وقد تقدم شرحه مستوفى الحديث الثالث

[ 5553 ] قوله عمر بن محمد بن زيد أي بن عبد الله بن عمر قوله خالفوا المشركين في حديث أبي هريرة عند مسلم خالفوا المجوس وهو المراد في حديث بن عمر فإنهم كانوا يقصون لحاهم ومنهم من كان يحلقها قوله أحفوا الشوارب بهمزة قطع من الاحفاء للأكثر وحكى بن دريد حفى شاربه حفوا إذا استأصل أخذ شعره فعلى هذا فهي همزة وصل قوله ووفروا اللحى أما قوله وفروا فهو بتشديد الفاء من التوفير وهو الإبقاء أي اتركوها وافرة وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في الباب الذي يليه اعفوا وسيأتي تحريره وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أرجئوا وضبطت بالجيم والهمزة أي أخروها وبالخاء المعجمة بلا همز أي أطيلوها وله في رواية أخرى أوفوا أي اتركوها وافية قال النووي وكل هذه الروايات بمعنى واحد واللحى بكسر اللام وحكى ضمها وبالقصر والمد جمع لحية بالكسر فقط وهي اسم لما نبت على الخدين والذقن قوله وكان بن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه هو موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع بلفظ كان بن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه وفي حديث الباب مقدار المأخوذ وقوله فضل بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعلم والأشهر الفتح قاله بن التين وقال الكرماني لعل بن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى محلقين رءوسكم ومقصرين وخص ذلك من عموم قوله وفروا اللحى فحمله على حالة غير حالة النسك قلت الذي يظهر أن بن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالاعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بافراط طول شعر اللحية أو عرضه فقد قال الطبري ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها وقال قوم إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد ثم ساق بسنده إلى بن عمر أنه فعل ذلك وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل ومن طريق أبي هريرة أنه فعله وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافرا وهذا يؤيد ما نقل عن بن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية هل له حد أم لا فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه قال وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها قال وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء وقال إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها وهذا أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون لا أعلم له حديثا منكرا الا هذا اه وقد ضعف عمر بن هارون مطلقا جماعة وقال عياض يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره وكأن مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نص على استحبابه فيه وذكر النووي عن الغزالي وهو في ذلك تابع لأبي طالب المكي في القوت قال يكره في اللحية عشر خصال خضبها بالسواد لغير الجهاد وبغير السواد أيهاما للصلاح لا لقصد الأتباع وتبيضها استعجالا للشيخوخة لقصد التعاظم على الأقران ونتفها إبقاء للمرودة وكذا تحذيفها ونتف الشيب ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه كما سيأتي قريبا وتصفيفها طاقة طاقة تصنعا ومخيلة وكذا ترجيلها والتعرض لها طولا وعرضا على ما فيه من اختلاف وتركها شعثة إيهاما للزهد والنظر إليها إعجابا وزاد النووي وعقدها لحديث رويفع رفعه من عقد لحيته فإن محمدا منه بريء الحديث أخرجه أبو داود قال الخطابي قيل المراد عقدها في الحرب وهو من زى الأعاجم وقيل المراد معالجة الشعر لينعقد وذلك من فعل أهل التأنيث تنبيه أنكر بن التين ظاهر ما نقل عن بن عمر فقال ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته قال أبو شامة وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها وقال النووي يستثنى من الأمر باعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة وسيأتي البحث فيه في باب المتنمصات

قوله باب اعفاء اللحى كذا استعمله من الرباعي وهو بمعنى الترك ثم قال عفوا كثروا وكثرت أموالهم وأراد تفسير قوله تعالى في الأعراف حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فقد تقدم هناك بيان من فسر قوله عفوا بكثروا فأما أن يكون أشار بذلك إلى أصل المادة أو إلى أن لفظ الحديث وهو اعفوا اللحى جاء بالمعنيين فعلى الأول يكون بهمزة قطع وعلى الثاني بهمزة وصل وقد حكى ذلك جماعة من الشراح منهم بن التين قال وبهمزة قطع أكثر وقال بن دقيق العيد تفسير الاعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب لأن حقيقة الاعفاء الترك وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها وأغرب بن السيد فقال حمل بعضهم

[ 5554 ] قوله أعفوا اللحى على الأخذ منها بإصلاح ما شذ منها طولا وعرضا واستشهد بقول زهير على آثار من ذهب العفاء وذهب الأكثر إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب قال بن دقيق العيد لا أعلم أحدا فهم من الأمر في قوله أعفوا اللحى تجويز معالجتها بما يغزرها كما يفعله بعض الناس قال وكأن الصارف عن ذلك قرينة السياق في قوله في بقية الخبر وأحفوا الشوارب انتهى ويمكن أن يؤخذ من بقية طرق ألفاظ الحديث الدالة على مجرد الترك والله أعلم تنبيه في قوله أعفوا وأحفوا ثلاثة أنواع من البديع الجناس والمطابقة والموازنة

قوله باب ما يذكر في الشيب أي هل يخضب أو يترك

[ 5555 ] قوله عن بن سيرين هو محمد بينه مسلم في روايته عن حجاج بن الشاعر عن معلى شيخ البخاري فيه قوله سألت أنسا أخضب النبي صلى الله عليه وسلم يعرف منه أنه المبهم في الرواية التي بعدها حيث قال ثابت سئل أنس وكذا قوله في هذه الرواية لم يبلغ من الشيب إلا قليلا يفسره

[ 5556 ] قوله في الثانية لم يبلغ ما يخضب وذلك أن العادة أن القليل من الشعر الأبيض إذا بدا في اللحية لم يبادر إلى خضبه حتى يكثر ومرجع القلة والكثرة في ذلك إلى العرف وزاد أحمد من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين في هذا الحديث ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم قال وجاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضا وستأتي الإشارة إليه في باب الخضاب ولمسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس نحو حديث بن سيرين وزاد ولم يخضب ولكن خضب أبو بكر وعمر قوله في الثانية لو شئت أن أعد شمطاته في لحيته المراد بالشمطات الشعرات اللاتي ظهر فيهن البياض فكأن الشعرة البيضاء مع ما يجاورها من شعرة سوداء ثوب أشمط والأشمط الذي يخالطه بياض وسواد وجواب لو في قوله لو شئت محذوف والتقدير لعددتها وذلك مما يدل على قلتها وقد تقدم في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من المناقب بيان الجمع بين مختلف الأحاديث في ذلك قوله حدثنا مالك بن إسماعيل هو بن غسان النهدي وإسرائيل هو بن يونس بن أبي إسحاق وعثمان بن عبد الله بن موهب هو التيمي مولى آل طلحة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سبق في الحج وغيره

[ 5557 ] قوله أرسلني أهلي إلى أم سلمة يعني زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولم أقف على تسمية أهله ولكنهم من آل طلحة لأنهم مواليه ويحتمل أن يريد بأهله امرأته قوله بقدح من ماء وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قصة فيها وفي رواية الكشميهني فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في ضبطه قصة هو بقاف مضمومة ثم صاد مهملة أو بفاء مكسورة ثم ضاد معجمة فأما قوله وقبض إسرائيل ثلاث أصابع فإن فيه إشارة إلى صغر القدح وزعم الكرماني أنه عبارة عن عدد إرسال عثمان إلى أم سلمة وهو بعيد وأما قوله فيها فضمير لمعنى القدح لأن القدح إذا كان فيه مائع يسمى كأسا والكأس مؤنثة أو الضمير للقصة كما سيأتي توجيهه وأما رواية الكشميهني بالتذكير فواضحة وقوله من فضة ان كان بالفاء والمعجمة فهو بيان لجنس القدح قال الكرماني ويحمل على أنه كان مموها بفضة لا أنه كان كله فضة قلت وهذا ينبني على أن أم سلمة كانت لا تجيز استعمال آنية الفضة في غير الأكل والشرب ومن أين له ذلك وقد أجاز جماعة من العلماء استعمال الإناء الصغير من الفضة في غير الأكل والشرب وإن كان بالقاف والمهملة فهو من صفة الشعر على ما في التركيب من قلق العبارة ولهذا قال الكرماني عليك بتوجيهه ويظهر أن من سببية أي أرسلوني بقدح من ماء بسبب قضة فيها شعر وهذا كله بناء على أن هذه اللفظة محفوظة بالقاف والصاد المهملة وقد ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ دال على أنه بالفاء والمعجمة ولفظه أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر الخ ولم يذكر قول إسرائيل فكأنه سقط على رواة البخاري قوله فجاءت بجلجل وبه ينتظم الكلام ويعرف منه أن قوله من فضة بالفاء والمعجمة وأنه صفة الجلجل لا صفة القدح الذي أحضره عثمان بن موهب قال بن دحية وقع لأكثر الرواة بالقاف والمهملة والصحيح عند المحققين بالفاء والمعجمة وقد بينه وكيع في مصنفه بعد ما رواه عن إسرائيل فقال كان جلجلا من فضة صيغ صوانا لشعرات كانت عند أم سلمة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم قوله وكان الناس إذا أصاب الإنسان أي منهم عين أي أصيب بعين أو شيء أي من أي مرض كان وهو موصول من قول عثمان المذكور قوله بعث إليها مخضبه بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الضاد المعجمة بعدها موحدة هو من جملة الآنية وقد تقدم بيانه في كتاب الطهارة والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها قوله فاطلعت في الجلجل كذا للأكثر بجيمين مضمومتين بينهما لام وآخره أخرى هو شبة الجرس وقد تنزع منه الحصاة التي تتحرك فيوضع فيه ما يحتاج إلى صيانته والقائل فاطلعت هو عثمان وقيل أن في بعض الروايات الجحل بفتح الجيم وسكون المهملة وفسر بالسقاء الضخم وما أظنه الا تصحيفا لأنه إذا كان صوانا للشعرات كما جزم به وكيع أحد رواة الخبر كان المناسب لهن الظرف الصغير لا الإناء الضخم ولم يفسر صاحب المشارق ولا النهاية الجلجل كأنهما تركاه لشهوته لكن حكى عياض أن في رواية بن السكن المخضب بدل الجلجل فالله أعلم قوله فرأيت شعرات حمرا في الرواية التي تليها مخضوبا ويأتي البحث فيه

[ 5558 ] قوله سلام هو بالتشديد اتفاقا وجزم أبو نصر الكلاباذي بأنه بن مسكين وخالفه الجمهور فقالوا هو بن أبي مطيع وبذلك جزم أبو علي بن السكن وأبو علي الجياني ووقع التصريح به في هذا الحديث عند بن ماجة من رواية يونس بن محمد عن سلام بن أبي مطيع وقد أخرجه بن أبي خيثمة عن موسى شيخ البخاري فيه فقال حدثنا سلام بن أبي مطيع قوله مخضوبا زاد يونس بالحناء والكتم وكذا لابن أبي خيثمة وكذا لأحمد عن عفان وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سلام وله من طريق أبي معاوية وهو شيبان بن عبد الرحمن شعرا أحمد مخضوبا بالحناء والكتم وللإسماعيلي من طريق أبي إسحاق عن عثمان المذكور كان مع أم سلمة من شعر لحية النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر الحناء والكتم والحناء معروف والكتم بفتح الكاف والمثناة سيأتي تفسيره بعد هذا قال الإسماعيلي ليس فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خضب بل يحتمل أن يكون أحمر بعده لما خالطه من طيب فيه صفرة فغلبت به الصفرة قال فإن كان كذلك وإلا فحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب أصح كذا قال والذي ابداه احتمالا قد تقدم معناه موصولا إلى أنس في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه جزم بأنه إنما أحمر من الطيب قلت وكثير من الشعور التي تفصل عن الجسد إذا طال العهد يئول سوادها إلى الحمرة وما جنح إليه من الترجيح خلاف ما جمع به الطبري وحاصله أن من جزم أنه خضب كما في ظاهر حديث أم سلمة وكما في حديث بن عمر الماضي قريبا أنه صلى الله عليه وسلم خضب بالصفرة حكى ما شاهده وكان ذلك في بعض الاحيان ومن نفى ذلك كأنس فهو محمول على الأكثر الأغلب من حاله وقد أخرج مسلم وأحمد والترمذي والنسائي من حديث جابر بن سمرة قال ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته من الشيب إلا شعرات كان إذا دهن واراهن الدهن فيحتمل أن يكون الذين اثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض ثم لما واراه الدهن ظنوا أنه خضبه والله أعلم قوله وقال أبو نعيم كذا لأبي ذر وصرح غيره بوصله فقال قال لنا أبو نعيم قوله نصير بنون مصغر بن أبي الأشعث ويقال الأشعث اسمه وليس لنصير في البخاري سوى هذا الموضع

قوله باب الخضاب أي تغيير لون شيب الرأس واللحية

[ 5559 ] قوله عن أبي سلمة وسليمان بن يسار كذا جمع بينهما وتابعه الأوزاعي عن الزهري أخرجه النسائي ورواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده وقد مضت رواية صالح في أحاديث الأنبياء ورواية الآخرين عند النسائي عن أبي هريرة في رواية إسحاق بن راهويه عن سفيان بسنده أنهما سمعا أبا هريرة أخرجه النسائي قوله إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم هكذا أطلق ولأحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب وأخرج الطبراني في الأوسط نحوه من حديث أنس وفي الكبير من حديث عتبة بن عبد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتغيير الشعر مخالفة للأعاجم وقد تمسك به من أجاز الخضاب بالسواد وقد تقدمت في باب ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء مسألة استثناء الخضب بالسواد لحديثي جابر وابن عباس وأن من العلماء من رخص فيه في الجهاد ومنهم من رخص فيه مطلقا وأن الأولى كراهته وجنح النووي إلى أنه كراهة تحريم وقد رخص فيه طائفة من السلف منهم سعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر والحسن والحسين وجرير وغير واحد واختاره بن أبي عاصم في كتاب الخضاب له وأجاب عن حديث بن عباس رفعه يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة بأنه لا دلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد بل فيه الأخبار عن قوم هذه صفتهم وعن حديث جابر جنبوه السواد بأنه في حق من صار شيب رأسه مستبشعا ولا يطرد ذلك في حق كل أحد انتهى وما قاله خلاف ما يتبادر من سياق الحديثين نعم يشهد له ما أخرجه هو عن بن شهاب قال كنا نخضب بالسواد إذ كان الوجه جديدا فلما نغض الوجه والأسنان تركناه وقد أخرج الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي الدرداء رفعه من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة وسنده لين ومنهم من فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فأجازه لها دون الرجل واختاره الحليمي وأما خضب اليدين والرجلين فلا يجوز للرجال إلا في التداوي وقوله فخالفوهم في رواية مسلم فخالفوا عليهم واصبغوا وللنسائي من حديث بن عمر رفعه غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ورجاله ثقات لكن اختلف على هشام بن عروة فيه كما بينه النسائي وقال إنه غير محفوظ وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة وزاد والنصارى ولأصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث أبي ذر رفعه إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم وهذا يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع وقد أخرج مسلم من حديث أنس قال اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا وقوله بحتا بموحدة مفتوحة ومهملة ساكنة بعدها مثناة أي صرفا وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائما والكتم نبات باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر فالصبغ بهما معا يخرج بين السواد والحمرة واستنبط بن أبي عاصم من قوله صلى الله عليه وسلم جنبوه السواد أن الخضاب بالسواد كان من عادتهم وذكر بن الكلبي أن أول من اختضب بالسواد من العرب عبد المطلب وأما مطلقا ففرعون وقد اختلف في الخضب وتركه فخضب أبو بكر وعمر وغيرهما كما تقدم وترك الخضاب علي وأبي بن كعب وسلمة بن الأكوع وأنس وجماعة وجمع الطبري بأن من صبغ منهم كان اللائق به كمن يستشنع شيبه ومن ترك كان اللائق به كمن لا يستشنع شيبه وعلى ذلك حمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي أخرجه مسلم في قصة أبي قحافة حيث قال صلى الله عليه وسلم لما رأى رأسه كأنها الثغامة بياضا غيروا هذا وجنبوه السواد ومثله حديث أنس الذي تقدمت الإشارة إليه أول باب ما يذكر في الشيب وزاد الطبري وابن أبي عاصم من وجه آخر عن جابر فذهبوا به فحمروه والثغامة بضم المثلثة وتخفيف المعجمة نبات شديد البياض زهره وثمره قال فمن كان في مثل حال أبي قحافة استحب له الخضاب لأنه لا يحصل به الغرور لأحد ومن كان بخلافه فلا يستحب في حقه ولكن الخضاب مطلقا أولى لأنه فيه إمتثال الأمر في مخالفة أهل الكتاب وفيه صيانة للشعر عن تعلق الغبار وغيره به إلا إن كان من عادة أهل البلد ترك الصبغ وأن الذي ينفرد بدونهم بذلك يصير في مقام الشهرة فالترك في حقه أولى ونقل الطبري بعد أن أورد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه بلفظ من شاب شيبة فهي له نور إلى أن ينتفها أو يخضبها وحديث بن مسعود إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره خصالا فذكر منها تغيير الشيب إذ بعضهم ذهب إلى أن هذه الكراهة تستحب بحديث الباب ثم ذكر الجمع وقال دعوى النسخ لا دليل عليها قلت وجنح إلى النسخ الطحاوي وتمسك بالحديث الآتي قريبا أنه كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم صار يخالفهم ويحث على مخالفتهم كما سيأتي تقريره في باب الفرق إن شاء الله تعالى وحديث عمرو بن شعيب المشار إليه أخرجه الترمذي وحسنه ولم أر في شيء من طرقه الاستثناء المذكور فالله أعلم قال بن العربي وإنما نهى عن النتف دون الخضب لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة علىالناظر إليه والله أعلم وقد نقل عن أحمد أنه يجب وعنه يجب ولو مرة وعنه لا أحب لأحد ترك الخضب ويتشبه بأهل الكتاب وفي السواد عنه كالشافعية روايتان المشهورة يكره وقيل يحرم ويتأكد المنع لمن دلس به

قوله باب الجعد هو صفة الشعر يقال شعر جعد بفتح الجيم وسكون المهملة وبكسرها ذكر فيه سبعة أحاديث الحديث الأول حديث أنس في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه في المناقب والمقصود منه هنا

[ 5560 ] قوله وليس بالجعد القطط ولا بالسبط أي أن شعره كان بين الجعودة والسبوطة وقد تقدم بيان ذلك في المناقب وأن الشعر الجعد هو الذي يتجعد كشعور السودان وأن السبط هو الذي يسترسل فلا يتكسر منه شيء كشعور الهنود والقطط بفتح الطاء البالغ في الجعودة بحيث يتفلفل وقوله وليس في لحيته عشرون شعرة بيضاء تقدم في المناقب بيان الاختلاف في تعيين العدد المذكور ومما لم يتقدم هناك أن في حديث الهيثم بن دهر عند الطبراني ثلاثون شعرة عددا وسنده ضعيف والمعتمد ما تقدم أنهن دون العشرين الحديث الثاني حديث البراء قوله حدثنا مالك بن إسماعيل هو أبو غسان النهدي

[ 5561 ] قوله قال بعض أصحابي عن مالك هو بن إسماعيل المذكور قوله ان جمته بضم الجيم وتشديد الميم أي شعر رأسه إذا نزل إلى قرب المنكبين قال الجوهري في حرف الواو والوفرة الشعر إلى شحمة الإذن ثم الجمة ثم اللمة إذا ألمت بالمنكبين وقد خالف هذا في حرف الجيم فقال إذا بلغت المنكبين فهي جمة واللمة إذا جاوزت شحم الإذن وتقدم نظيره في ترجمة عيسى من أحاديث الأنبياء في شرح حديث بن عمر قال شيخنا في شرح الترمذي كلام الجوهري الثاني هو الموافق لكلام أهل اللغة وجمع بن بطال بين اللفظين المختلفين في الحديث بأن ذلك إخبار عن وقتين فكان إذا غفل عن تقصيره بلغ قريب المنكبين وإذا قصه لم يجاوز الأذنين وجمع غيره بأن الثاني كان إذا اعتمر يقصر والأول في غير تلك الحالة وفيه بعد ثم هذا الجمع إنما يصلح لو اختلفت الأحاديث وأما هنا فاللفظان وردا في حديث واحد متحدا المخرج وهما من رواية أبي إسحاق عن البراء فالأولى في الجمع بينهما الحمل على المقاربة وقد وقع في حديث أنس الآتي قريبا كما وقع في حديث البراء قوله لنضرب قريبا من منكبيه في رواية شعبة المعلقة عقب هذا شعره يبلغ شحمة أذنيه وقد تقدم في المناقب أن في رواية يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ما يجمع بين الروايتين ولفظه له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه وحاصله أن الطويل منه يصل إلى المنكبين وغيره إلى شحمة الأذن والمراد ببعض أصحابه الذي أبهمه يعقوب بن سفيان فإنه كذلك أخرجه عن مالك بن إسماعيل بهذا السند وفيه الزيادة قوله قال شعبة شعره يبلغ شحمة أذنيه كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما تابعه شعبة شعره ألخ وقد وصله المؤلف رحمه الله في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن البراء وشرحه الكرماني على رواية الأكثر وأشار إلى أن البخاري لم يذكر شيخ شعبة قال فيحتمل أنه أبو إسحاق لأنه شيخه الحديث الثالث حديث بن عمر في صفة عيسى بن مريم وفيه له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم وفي صفة الدجال وأنه جعد قطط وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء وغلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة إذ لا يلزم من كون النبي صلى الله عليه وسلم رآه في المنام بمكة أنه دخلها حقيقة ولو سلم أنه رأى في زمانه صلى الله عليه وسلم بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان وقد استدل على بن صياد أنه ما هو الدجال بكونه سكن المدينة ومع ذلك فكان عمر وجابر يحلفان على أنه هو الدجال كما سيأتي في آخر الفتن الحديث الرابع حديث أنس أورده من عدة طرق عن قتادة عنه ووقع في الرواية الأولى يضرب شعره منكبيه وفي الثانية كان شعره بين أذنيه وعاتقه والجواب عنه كالجواب في حديث البراء سواء وقد أخرج مسلم وأبو داود من رواية إسماعيل بن علية عن حميد عن أنس كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ووقع عند أبي داود وابن ماجة وصححه الترمذي من طريق أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة لفظ أبي داود ولفظ بن ماجة بنحوه ولفظ الترمذي عكسه فوق الجمة ودون الوفرة وجمع بينهما شيخنا في شرح الترمذي بأن المراد بقوله فوق ودون بالنسبة إلى المحل وتارة بالنسبة إلى الكثرة والقلة فقوله فوق الجمة أي أرفع في المحل وقوله دون الجمة أي في القدر وكذا بالعكس وهو جمع جيد لولا أن مخرج الحديث متحد وإسحاق في السند الأول هو بن راهويه وحبان بفتح المهملة وتشديد المهملة وتشديد الموحدة هو بن هلال قوله في رواية جرير بن حازم

[ 5566 ] كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا بفتح الراء وكسر الجيم وقد تضم وتفتح أي فيه تكسر يسير يقال رجل شعره إذا مشطه فكان بين السبوطة والجعودة وقد فسره الراوي كذلك في بقية الحديث ثم أورده من طريق أخرى عن جرير وهو بن حازم أيضا زاد فيها كان ضخم اليدين وفي ثالثة كان ضخم الرأس والقدمين ولم يذكر ما في الروايتين الأوليين من صفة الشعر وزاد لم أر قبله ولا بعده مثله قال وكان سبط الكفين ثم أورده من طريق معاذ بن هانئ عن همام بسند نحوه لكن قال عن قتادة عن أنس أر عن رجل عن أبي هريرة وهذه الزيادة لا تأثير لها في صحة الحديث لأن الذين جزموا بكون الحديث عن قتادة عن أنس أضبط وأتقن من معاذ بن هانئ وهم حبان بن هلال وموسى بن إسماعيل كما هنا وكذا جرير بن حازم كما مضى ومعمر كما سيأتي حيث جزما به عن قتادة عن أنس ويحتمل أن يكون عند قتادة من الوجهين والرجل المبهم يحتمل أن يكون هو سعيد بن المسيب فقد أخرج بن سعد من روايته عن أبي هريرة نحوه وقتادة معروف بالرواية عن سعيد بن المسيب وجوز الكرماني أن يكون الحديث من مسند أبي هريرة وإنما وقع التردد في الراوي هل هو أنس أو رجل مبهم ثم رجح كون التردد في كونه من مسند أنس أو من مسند أبي هريرة بأن أنسا خادم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعرف بوصفه من غيره فبعد أن يروي عن رجل عن صحابي آخر هو أقل ملازمة له منه اه وكلامه الأخير لا يحتمله السياق أصلا وإنما الاحتمال البعيد ما ذكره أولا والحق أن التردد فيه من معاذ بن هانئ هل حدثه به همام عن قتادة عن أنس أو عن قتادة عن رجل عن أبي هريرة وبهذا جزم أبو مسعود والحميدي والمزي وغيرهم من الحفاظ

[ 5568 ] قوله وقال هشام هو بن يوسف عن معمر عن قتادة عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم شئن الكفين والقدمين هذا التعليق وصله الإسماعيلي من طريق علي بن بحر عن هشام بن يوسف به سواء وكذا أخرجه يعقوب بن سفيان عن مهدي بن أبي مهدي عن هاشم بن يوسف وقوله شئن بفتح المعجمة وسكون المثلثة وبكسرها بعدها نون أي غليظ الأصابع والراحة قال بن بطال كانت كفه صلى الله عليه وسلم ممتلئة لحما غير أنها مع ضخامتها كانت لينة كما تقدم في حديث أنس يعني الذي مضى في المناقب ما مسست حريرا ألين من كفه صلى الله عليه وسلم قال وأما قول الأصمعي الشئن غلظ الكف مع خشونتها فلم يوافق على تفسيره بالخشونة والذي فسره به الخليل وأبو عبيد أولى ويؤيده قوله في الرواية الأخرى ضخم الكفين والقدمين قال بن بطال وعلى تقدير تسليم ما فسر الأصمعي به الشئن يحتمل أن يكون أنس وصف حالتي كف النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا عمل بكفه في الجهاد أو في مهنة أهله صار كفه خشنا للعارض المذكور وإذا ترك ذلك رجع كفه إلى أصل جبلته من النعومة والله أعلم وقال عياض فسر أبو عبيد الشئن بالغلظ مع القصر وتعقب بأنه ثبت في وصفه صلى الله عليه وسلم أنه كان سابل الأطراف قلت ويؤيده قوله في رواية أبي النعمان في الباب كان بسط الكفين ووقع هنا في رواية الكشميهني سبط الكفين بتقديم المهملة على الموحدة وهو موافق لوصفها باللين قال عياض وفي رواية المروزي سبط أو بسط بالشك والتحقيق في الشئن أنه الغلظ من غير قيد قصر ولا خشونة وقد نقل بن خالويه أن الأصمعي لما فسر الشئن بما مضى قيل له إنه ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فآلى على نفسه أنه لا يفسر شيئا في الحديث اه ومجىء شئن الكفين بدل سبط الكفين أو بسط الكفين قال دال على أن المراد وصف الخلقة وأما من فسره ببسط العطاء فإنه وإن كان الواقع كذلك لكن ليس مرادا هنا قوله وقال أبو هلال أنبأنا قتادة عن أنس أو جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم الكفين والقدمين لم أر بعده شبيها له هذا التعليق وصله البيهقي في الدلائل ووقع لنا بعلو في فوائد العيسوي كلاهما من طريق أبي سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي حدثنا أبو هلال به وأبو هلال اسمه محمد بن سليم الراسبي بكسر المهملة والموحدة بصري صدوق وقد ضعفه من قبل حفظه فلا تأثير لشكه أيضا وقد بينت إحدى روايات جرير بن حازم صحة الحديث بتصريح قتادة بسماعه له من أنس وكأن المصنف أراد بسياق هذه الطرق بيان الاختلاف فيه على قتادة وأنه لا تأثير له ولا يقدح في صحة الحديث وخفي مراده على بعض الناس فقال هذه الروايات الواردة في صفة الكفين والقدمين لا تعلق لها بالترجمة وجوابه أنها كلها حديث واحد اختلفت رواته بالزيادة فيه والنقص والمراد منه بالأصالة صفة الشعر وما عدا ذلك فهو تبع والله أعلم وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر وفي لفظ أربع ضفائر وفي رواية بن ماجة أربع غدائر يعني ضفائر والغدائر بالغين المعجمة جمع غديرة بوزن عظيمة والضفائر بوزنه فالغدائر هي الذوائب والضفائر هي العقائص فحاصل الخبر أن شعره طال حتى صار ذوائب فضفره أربع عقائص وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحو والله أعلم وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فقال ذناب ذباب فرجعت فجزرته ثم أتيت من الغد فقال إني لم أعنك وهذا أحسن الحديث الخامس والحديث السادس عن أبي هريرة وعن جابر ذكرا تبعا لحديث أنس كما تقدم الحديث السابع حديث بن عباس في ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء والغرض منه

[ 5569 ] قوله فيه وأما موسى فرجل آدم بالمد جعد الحديث والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم صاحبكم نفسه صلى الله عليه وسلم

قوله باب التلبيد هو جمع الشعر في الرأس بما يلزق بعضه ببعض كالخطمي والصمغ لئلا يتشعث ويقمل في الإحرام وقد تقدم بسطه في الحج

[ 5570 ] قوله سمعت عمر يقول من ضفر بفتح المعجمة والفاء مخففا ومثقلا قوله فليحلق ولا تشبهوا بالتلبيد يعني في الحج وكان بن عمر يقول لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ملبدا كذا في هذه الرواية وتقدم في أوائل الحج بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا كما في الرواية التي تلي هذه في الباب وأما قول عمر فحمله بن بطال على أن المراد ان أراد الإحرام فضفر شعره ليمنعه من الشعث لم يجز له أن يقصر لأنه فعل ما يشبه التلبيد الذي أوجب الشارع فيه الحلق وكان عمر يرى أن من لبد رأسه في الإحرام تعين عليه الحلق والنسك ولا يجزئه فشبه من ضفر رأسه بمن لبده فلذلك أمر من ضفر أن يحلق ويحتمل أن يكون عمر أراد الأمر بالحلق عند الإحرام حتى لا يحتاج إلى التلبيد ولا إلى الضفر أي من أراد أن يضفر أو يلبد فليحلق فهو أولى من أن يضفر أو يلبد ثم إذا أراد بعد ذلك التقصير لم يصل إلى الأخذ من سائر النواحي كما هي السنة وأما قوله تشبهوا فحكى بن بطال أنه بفتح أوله والأصل لا تتشبهوا فحذفت إحدى التاءين قال ويجوز ضم أوله وكسر الموحدة والأول أظهر وأما قول بن عمر فظاهره أنه فهم عن أبيه أنه كان يرى أن ترك التلبيد أولى فأخبر هو أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وتقدم شرح التلبيد وحكمه في كتاب الحج وكذا حديث بن عمر في التلبيد وحديث حفصة إني لبدت رأسي وقلدت هديي الحديث

قوله باب الفرق بفتح الفاء وسكون الراء بعدها قاف أي فرق شعر الرأس وهو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس يقال فرق شعره فرقا بالسكون وأصله من الفرق بين الشيئين والمفرق مكان انقسام الشعر من الجبين إلى دارة وسط الرأس وهو بفتح الميم وبكسرها وكذلك الراء تكسر وتفتح ذكر فيه حديثين الأول

[ 5573 ] قوله عن بن عباس كذا وصله إبراهيم بن سعد ويونس وقد تقدم في الهجرة وغيرها واختلف على معمر في وصله وإرساله قال عبد الرزاق في مصنفه أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فذكره مرسلا وكذا أرسله مالك حيث أخرجه في الموطأ عن زياد بن سعد عن الزهري ولم يذكر من فوقه قوله كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه في رواية معمر وكان إذا شك في أمر لم يؤمر فيه بشيء صنع ما يصنع أهل الكتاب قوله وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم بسكون السين وكسر الدال المهملتين أي يرسلونها قوله وكان المشركون يفرقون هو بسكون الفاء وضم الراء وقد شددها بعضهم حكاه عياض قال والتخفيف أشهر وكذا في قوله ثم فرق الأشهر فيه التخفيف وكأن السر في ذلك أن أهل الأوثان أبعد عن الإيمان من أهل الكتاب ولأن أهل الكتاب يتمسكون بشريعة في الجملة فكان يحب موافقتهم ليتألفهم ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله واستمر أهل الكتاب على كفرهم تمحضت المخالفة لأهل الكتاب قوله ثم فرق بعد في رواية معمر ثم أمر بالفرق ففرق وكان الفرق آخر الأمرين ومما يشبه الفرق والسدل صبغ الشعر وتركه كما تقدم ومنها صوم عاشوراء ثم أمر بنوع مخالفة لهم فيه بصوم يوم قبله أو بعده ومنها استقبال القبلة ومخالفتهم في مخالطة الحائض حتى قال اصنعوا كل شيء الا الجماع فقالوا ما يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض وهذا الذي استقر عليه الأمر ومنها ما يظهر لي النهي عن صوم يوم السبت وقد جاء ذلك من طرق متعددة في النسائي وغيره وصرح أبو داود بأنه منسوخ وناسخه حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد يتحرى ذلك ويقول أنهما يوما عيد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم وفي لفظ ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد أخرجه أحمد والنسائي وأشار بقوله يوما عيد إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود والأحد عيد عند النصارى وأيام العيد لا تصام فخالفهم بصيامه ويستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيدا بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معا وفرادى امتثالا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب قال عياض سدل الشعر إرساله يقال سدل شعره وأسدله إذا أرسله ولم يضم جوانبه وكذا الثوب والفرق تفريق الشعر بعضه من بعض وكشفه عن الجبين قال والفرق سنة لأنه الذي استقر عليه الحال والذي يظهر أن ذلك وقع بوحي لقول الراوي في أول الحديث إنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فالظاهر أنه فرق بأمر من الله حتى ادعى بعضهم فيه النسخ ومنع السدل واتخاذ الناصية وحكى ذلك عن عمر بن عبد العزيز وتعقبه القرطبي بأن الظاهر أن الذي كان صلى الله عليه وسلم يفعله إنما هو لأجل استئلافهم فلما لم ينجع فيهم أحب مخالفتهم فكانت مستحبة لا واجبة عليه وقول الراوي فيما لم يؤمر فيه بشيء أي لم يطلب منه والطلب يشمل الوجوب والندب وأما توهم النسخ في هذا فليس بشيء لا مكان الجمع بل يحتمل أن لا يكون الموافقة والمخالفة حكما شرعيا إلا من جهة المصلحة قال ولو كان السدل منسوخا لصار إليه الصحابة أو أكثرهم والمنقول عنهم أن منهم من كان يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض وقد صح أنه كانت له صلى الله عليه وسلم لمة فإن انفرقت فرقها وإلا تركها فالصحيح أن الفرق مستحب لا واجب وهو قول مالك والجمهور قلت وقد جزم الحازمي بأن السدل نسخ بالفرق واستدل برواية معمر التي أشرت إليها قبل وهو ظاهر وقال النووي الصحيح جواز السدل والفرق قال واختلفوا في معنى قوله يحب موافقة أهل الكتاب فقيل للاسئتلاف كما تقدم وقيل المراد أنه كان مأمورا باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه بشيء وما علم أنهم لم يبدلوه واستدل به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يرد في شرعنا ما يخالفه وعكس بعضهم فاستدل به على أنه ليس بشرع لنا لأنه لو كان كذلك لم يقل يحب بل كان يتحتم الأتباع والحق أن لا دليل في هذا على المسألة لأن القائل به يقصره على ما ورد في شرعنا أنه شرع لهم لا ما يؤخذ عنهم هم إذ لا وثوق بنقلهم والذي جزم به القرطبي أنه كان يوافقهم لمصلحة التأليف محتمل ويحتمل أيضا وهو أقرب أن الحالة التي تدور بين الأمرين لا ثالث لهما إذا لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم شيء كان يعمل فيه بموافقة أهل الكتاب لأنهم أصحاب شرع بخلاف عبدة الأوثان فإنهم ليسوا على شريعة فلما أسلم المشركون انحصرت المخالفة في أهل الكتاب فأمر بمخالفتهم وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت على الثلاثين حكما وقد أودعتها كتابي الذي سميته القول الثبت في الصوم يوم السبت ويؤخذ من قول بن عباس في الحديث كان يحب موافقة أهل الكتاب وقوله ثم فرق بعد نسخ حكم تلك الموافقة كما قررته ولله الحمد ويؤخذ منه أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ الحديث الثالث حديث عائشة قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم وقد تقدم شرحه في الحج وقوله

[ 5574 ] عبد الله هو بن رجاء الذي أخرج الحديث عنه مقرونا بأبي الوليد وهو الطيالسي وأراد أن أبا الوليد رواه بلفظ الجمع فقال مفارق وعبد الله بن رجاء رواه بلفظ الأفراد فقال مفرق وقد وافق عبد الله بن رجاء آدم عند المصنف في الطهارة ومحمد بن كثير عند الإسماعيلي وكذا عند مسلم من رواية الحسن بن عبيد الله وعند أحمد من رواية منصور وحماد وعطاء بن السائب كلهم عن إبراهيم عنه ووافق أبا الوليد محمد بن جعفر غندر عند مسلم والأعمش عند أحمد والنسائي وعبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عند مسلم وكأن الجمع وقع باعتبار تعدد انقسام الشعر والله أعلم

قوله باب الذوائب جمع ذؤابة والأصل ذآئب فأبدلت الهمزة واوا والذؤابة ما يتدلى من شعر الرأس ذكر فيه حديث بن عباس في صلاته خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وقد مضى شرحه في الصلاة والغرض منه هنا

[ 5575 ] قوله فأخذ بذؤابتي فإن فيه تقريره صلى الله عليه وسلم على اتخاذ الذؤابة وفيه دفع لرواية من فسر القزع بالذؤابة كما سأذكره في الباب الذي يليه وأورد الحديث من رواية الفضل بن عنبسة عن هشيم ثم أردفها بروايته عاليا عن قتيبة عن هشيم وإنما أورده نازلا من أجل تصريح هشيم فيها بالإخبار ثم أردفه بروايته عاليا أيضا عن عمرو بن محمد الناقد عن هشيم مصرحا أيضا وكأنه استظهر بذلك لأن في الفضل بن عنبسة مقالا لكنه غير قادح وليس له في البخاري إلا هذا الموضع

قوله باب القزع بفتح القاف والزاي ثم المهملة جمع قزعة وهي القطعة من السحاب وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعا تشبيها بالسحاب المتفرق

[ 5576 ] قوله حدثنا محمد هو بن سلام ومخلد بسكون المعجمة هو بن يزيد قوله أخبرني عبيد الله بن حفص هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو العمري المشهور نسبه بن جريج في هذه الرواية إلى جده وقد أخرجه أبو قرة في السنن عن بن جريج وأبو عوانة من طريقه فقال عن عبيد الله بن عمر بن حفص وعبيد الله بن عمر وشيخه هنا عمر بن نافع والراوي عنه هو بن جريج أقران متقاربون في السن واللقاء والوفاة واشترك الثلاثة في الرواية عن نافع فقد نزل بن جريج في هذا الإسناد درجتين وفيه دلالة على قلة تدليسه وقد وافق مخلد بن يزيد على هذه الرواية أبو قرة موسى بن طارق في السنن عن بن جريج وأخرجه أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما من طريقه وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق هشام بن سليمان عن بن جريج وكذلك قال حجاج بن محمد عن بن جريج وأخرجه النسائي والإسماعيلي وأبو عوانة وأبو نعيم في المستخرج من طريقه لكن سقط ذكر عمر بن نافع من رواية النسائي ومن رواية لأبي عوانة أيضا وقد صرح الدارقطني في العلل بأن حجاج بن محمد وافق مخلد بن يزيد على ذكر عمر بن نافع وأخرجه النسائي من رواية سفيان الثوري على الاختلاف عليه في إسقاط عمر بن نافع واثباته وقال إثباته أولى بالصواب وأخرجه الترمذي من رواية حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع لم يذكر عمر بن نافع وهو مقلوب وإنما هو عند حماد بن زيد عن عبد الرحمن السراج عن نافع أخرجه مسلم وقد أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وابن حبان وغيرهم من طرق متعددة عن عبيد الله بن عمر بإثبات عمر بن نافع وراء سفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ومحمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر بإسقاطه وكأنهم سلكوا الجادة لأن عبيد الله بن عمر معروف بالرواية عن نافع مكثر عنه والعمدة على من زاد عمر بن نافع بينهما لأنهم حفاظ ولا سيما فيهم من سمع عن نافع نفسه كابن جريج والله أعلم قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع في رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع قوله قال عبيد الله قلت وما القزع هو موصول بالإسناد المذكور وظاهره أن المسئول هو عمر بن نافع لكن بين مسلم أن عبيد الله إنما سأل نافعا وذلك أنه أخرجه من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني عمر بن نافع عن أبيه فذكر الحديث قال قلت لنافع وما القزع فذكر الجواب وأشار لنا عبيد الله قال إذا حلق الصبي وترك ههنا شعرة وههنا وههنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه المجيب بقوله قال إذا حلق هو نافع وهو ظاهر سياق مسلم من طريق يحيى القطان المذكورة لفظه قال يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضا قوله قيل لعبيد الله لم أقف على تسمية القائل ويحتمل أن يكون هو بن جريج أبهم نفسه قوله فالجارية والغلام كأن السائل فهم التخصيص بالصبي الصغير فسأل عن الجارية الأنثى وعن الغلام والمراد به غالبا المراهق قوله قال عبيد الله وعاودته هو موصول بالسند المذكور كأن عبيد الله لما أجاب السائل بقوله لا أدري أعاد سؤال شيخه عنه وهذا يشعر بأنه حدث عنه به في حال حياته وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر قال وجعل التفسير من قول عبيد الله بن عمر ثم أخرجه من طريق عثمان النطفاني وروح بن القاسم كلاهما عن عمر بن نافع قال وألحقا التفسير في الحديث يعني أدرجاه ولم يسق مسلم لفظه وقد أخرجه أحمد عن عثمان الغطفاني ولفظه نهى عن القزع والقزع أن يحلق فذكر التفسير مدرجا وأخرجه أبو داود عن أحمد وأما رواية روح بن القاسم فأخرجها مسلم وأبو نعيم في المستخرج وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن السراج عن نافع ولم يسق لفظه وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من هذا الوجه فحذف التفسير وأخرجه مسلم أيضا من طريق معمر عن أيوب عن نافع ولم يسق لفظه وهو عند عبد الرزاق في مصنفه عن معمر وأخرجه أبو داود والنسائي وفي سياقه ما يدل على مستند من رفع تفسير القزع ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك فقال احلقوا كله أو ذروا كله قال النووي الأصح أن القزع ما فسره به نافع وهو حلق بعض رأس الصبي مطلقا ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به قلت ألا أن تخصيصه بالصبي ليس قيدا قالوا النووي أجمعوا على كارهيته إذا كان في مواضع متفرقة الا للمداواة أو نحوها وهي كراهة تنزيه ولا فرق بين الرجل والمرأة وكرهه مالك في الجارية والغلام وقيل في رواية لهم لا بأس به في القصة والقفا للغلام والجارية قال ومذهبنا كراهته مطلقا قلت حجته ظاهرة لأنه تفسير الراوي واختلف في علة النهي فقيل لكونه يشوه الخلقة وقيل لأنه زى الشيطان وقيل لأنه زى اليهود وقد جاء هذا في رواية لأبي داود قوله أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما القصة بضم القاف ثم الهملة والمراد بها هنا شعر الصدغين والمراد بالقفا شعر القفا والحاصل منه أن القزع مخصوص بشعر الرأس وليس شعر الصدغين والقفا من الرأس وأخرج بن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال لا بأس بالقصة وسنده صحيح وقد تطلق القصة على الشعر المجتمع الذي يوضع على الأذن من غير أن يوصل شعر الرأس وليس هو المراد هنا وسيأتي الكلام عليه في باب الموصولة وأما ما أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع وهو أن يحلق رأس الصبي ويتخذ له ذؤابة فما أعرف الذي فسر القزع بذلك فقد أخرج أبو داود عقب هذا من حديث أنس كانت لي ذؤابة فقالت أمي لا أجزها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدها ويأخذ بها وأخرج النسائي بسند صحيح عن زياد بن حصين عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده على ذؤابته وسمت عليه ودعا له ومن حديث بن مسعود وأصله في الصحيحين قال قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وأن زيد بن ثابت لمع الغلمان له ذؤابتان ويمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما يفرد من الشعر فيرسل ويجمع ما عداها بالضفر وغيره والتي تمنع أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع والله أعلم

قوله باب تطييب المرأة زوجها بيديها كأن فقه هذه الترجمة من جهة الإشارة إلى الحديث الوارد في الفرق بين طيب الرجل والمرأة وأن طيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه والمرأة بالعكس فلو كان ذلك ثابتا لامتنعت المرأة من تطييب زوجها بطيبه لما يعلق بيدها وبدنها منه حالة تطييبها له وكان يكفيه أن يطيب نفسه فاستدل المصنف بحديث عائشة المطابق للترجمة وقد تقدم مشروحا في الحج وهو ظاهر فيما ترجم له والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي وصححه الحاكم من حديث عمران بن حصين وله شاهد عن أبي موسى الأشعري عند الطبراني في الأوسط ووجه التفرقه أن المرأة مأمورة بالاستتار حالة بروزها من منزلها والطيب الذي له رائحة لو شرع لها لكانت فيه زيادة في الفتنة بها وإذا كان الخبر ثابتا فالجمع بينه وبين حديث الباب أن لها مندوحة أن تغسل أثره إذا أرادت الخروج لأن منعها خاص بحالة الخروج والله أعلم وألحق بعض العلماء بذلك لبسها النعل الصرارة وغير ذلك مما يلفت النظر إليها وأحمد بن محمد شيخ البخاري فيه هو المروزي وعبد الله هو بن المبارك ويحيى هو بن سعيد الأنصاري

[ 5578 ] قوله طيبته بيدي لحرمه وطيبته بيدي بمنى قبل أن يفيض سيأتي بعد أبواب من وجه آخر عنها أنها طيبته بذريرة

قوله باب الطيب في الرأس واللحية ان كان باب بالتنوين فيكون ظاهر الترجمة الحصر في ذلك وان كان بالإضافة فالتقدير باب حكم الطيب أو مشروعية الطيب

[ 5579 ] قوله حدثني إسحاق بن نصر هو بن إبراهيم بن نصر نسبه إلى جده وإسرائيل هو بن يونس وأبو إسحاق هو السبيعي قوله بأطيب ما أجد يؤيد ما ذكرته في الباب الذي قبله ولعله أشار بالترجمة إلى الحديث المذكور في التفرقة بين طيب الرجال والنساء وقال بن بطال يؤخذ منه أن طيب الرجال لا يجعل في الوجه بخلاف طيب النساء لأنهن يطيبن وجوههن ويتزين بذلك بخلاف الرجال فإن تطيب الرجل في وجهه لا يشرع لمنعه من التشبه بالنساء

قوله باب الامتشاط هو افتعال من المشط بفتح الميم وهو تسريح الشعر بالمشط وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن حميد بن عبد الرحمن لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشط أحدنا كل يوم ولأصحاب السنن وصححه بن حبان من حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الترجل إلا غبا وفي الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ثائر الرأس واللحية فأشار إليه بإصلاح رأسه ولحيته وهو مرسل صحيح السند وله شاهد من حديث جابر أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن وسأذكر طرق الجمع بين مختلفي هذه الأخبار في باب الترجل

[ 5580 ] قوله عن سهل بن سعد في رواية الليث عن بن شهاب أن سهل بن سعد أخبره وسيأتي في الديات قوله أن رجلا قيل هو الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان وقيل سعد غير منسوب وسأوضح ذلك في كتاب الديات ان شاء الله تعالى وقوله اطلع بتشديد الطاء والجحر بضم الجيم وسكون المهملة والمدري بكسر الميم وسكون المهملة عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها الى بعض وهو يشبه المسلة يقال مدرت المرأة سرحت شعرها وقيل مشط له أسنان يسيرة وقال الأصمعي وأبو عبيد هو المشط وقال الجوهري أصل المدري القرن وكذلك المرأة وقيل هو عود أو حديدة كالخلال لها رأس محدد وقيل خشبة على شكل شيء من أسنان المشط ولها ساعد جرت عادة الكبير أن يحك بها ما لا تصل إليه يده من جسده ويسرح بها الشعر الملبد من لا يحضره المشط وقد ورد في حديث لعائشة ما يدل على أن المدري غير المشط أخرجه الخطيب في الكفاية عنها قالت خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر المرآة والمكحلة والمشط والمدري والسواك وفي إسناده أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف وأخرجه بن عدي من وجه آخر ضعيف أيضا وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من وجه آخر عن عائشة أقوى من هذا لكن فيه قارورة دهن بدل المدري وأخرج الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن عائشة كان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه ومشطه وكان ينظر في المرآة إذا سرح لحيته وفيه سليمان بن أرقم وهو ضعيف وله شاهد من مرسل خالد بن معدان أخرجه بن سعد وقرأت بخط الحافظ اليعمري عن علماء الحجاز المدري تطلق على نوعين أحدهما صغير يتخذ من آبنوس أو عاج أو حديد يكون طول المسلة يتخذ لفرق الشعر فقط وهو مستدير الرأس على هيئة نصل السيف بقبضة وهذه صفته ثانيهما كبير وهو عود مخروط من أبنوس أو غيره وفي رأسه قطعة منحوتة في قدر الكف ولها مثل الأصابع أولاهن معوجة مثل حلقة الإبهام المستعمل للتسريح ويحك الرأس والجسد وهذه صفته اه ملخصا قوله تنتظر كذا لهم وللكشميهني تنظر وهي أولى والأخرى بمعناها وللإسماعيلي لو علمت أنك تطلع على وقوله من قبل بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة والابصار بفتح أوله جمع بصر وبكسره مصدر أبصر وفي رواية الإسماعيلي من أجل البصر بفتحتين أي الرؤية

قوله باب ترجيل الحائض زوجها أي تسريحها شعره ذكر فيه حديث مالك عن بن شهاب وهشام بن عروة فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة وقد تقدم في الطهارة عن عبد الله بن يوسف الذي أخرجه عنه هنا عن مالك عن الزهري فقط والحديث في الموطأ هكذا مفرقا عند أكثر الرواة ورواه خالد بن مخلد وابن وهب ومعن بن عيسى وعبد الله بن نافع وأبو حذافة عن مالك عن بن شهاب وهشام بن عروة جميعا عن عروة أخرجها الدارقطني في الموطآت

[ 5581 ] قوله كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض كذا عند جميع الرواة عن مالك ورواه أبو حذافة عنه عن هشام بلفظ أنها كانت تغسل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجاور في المسجد وهي حائض يخرجه إليها أخرجه الدارقطني أيضا

قوله باب الترجيل والتيمن فيه ذكر فيه حديث عائشة كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وقد تقدم شرحه في الطهارة والتيمن في الترجل أن يبدأ بالجانب الأيمن وأن يفعله باليمنى قال بن بطال الترجيل تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه وهو من النظافة وقد ندب الشرع إليها وقال الله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد وأما حديث النهي عن الترجل إلا غبا يعني الحديث الذي أشرت إليه قريبا فالمراد به ترك المبالغة في الترفه وقد روى أبو أمامة بن ثعلبة رفعه البذاذة من الإيمان اه وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود والبذاذة بموحدة ومعجمتين رثائة الهيئة والمراد بها هنا ترك الترفه والتنطع في اللباس والتواضع فيه مع القدرة لا بسبب جحد نعمة الله تعالى وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن بريدة أن رجلا من الصحابة يقال له عبيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثير من الارفاه قال بن بريدة الارفاه الترجل قلت الارفاه بكسر الهمزة وبفاء وآخره هاء التنعم والراحة ومنه الرفه بفتحتين وقيده في الحديث بالكثير إشارة إلى أن الوسط المعتدل منه لا يذم وبذلك يجمع بين الأخبار وقد أخرج أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة رفعه من كان له شعر فليكرمه وله شاهد من حديث عائشة في الغيلانيات وسنده حسن أيضا

قوله باب ما يذكر في المسك قد تقدم التعريف به في كتاب الذبائح حيث ترجم له باب المسك وأورد هنا حديث أبي هريرة رفعه كل عمل بن آدم له إلا الصوم الحديث من أجل

[ 5583 ] قوله أطيب عند الله من ريح المسك وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام وقوله هنا فإنه لي وأنا أجزي به ظاهر سياقه أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك وإنما هو من كلام الله عز وجل وهو من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل كذلك أخرجه المصنف في التوحيد من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يرويه عن ربكم عن عز وجل قال لكل عمل كفارة فالصوم لي وأنا أجزي به الحديث وأخرجه الشيخان من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ولمسلم من طريق ضرار بن مرة عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعد قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول إن الصوم لي وأنا أجزي به وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الصيام مع الإشارة إلى ما بينت هنا وذكرت أقوال العلماء في معنى اضافته سبحانه وتعالى الصيام إليه بقوله فإنه لي ونقلت عن أبي الخير الطالقاني أنه أجاب عنه بأجوبة كثيرة نحو الخمسين وانني لم أقف عليه وقد يسر الله تعالى الوقوف على كلامه وتتبعت ما ذكره متأملا فلم أجد فيه زيادة على الأجوبة العشرة التي حررتها هناك إلا إشارات صوفية وأشياء تكررت معنى وان تغايرت لفظا وغالبها يمكن ردها إلى ما ذكرته فمن ذلك قوله لأنه عبادة خالية عن السعي وإنما هي ترك محض وقوله يقول هو لي فلا يشغلك ما هو لك عما هو لي وقوله من شغله ما لي عني أعرضت عنه وإلا كنت له عوضا عن الكل وقوله لا يقطعك ما لي عني وقوله لا يشغلك الملك عن المالك وقوله فلا تطلب غيري وقوله فلا يفسد ما لي عليك بك وقوله فاشكرني على أن جعلتك محلا للقيام بما هو لي وقوله فلا تجعل لنفسك فيه حكما وقوله فمن ضيع حرمة ما لي ضيعت حرمة ما له لأن فيه جبر الفرائض والحدود وقوله فمن أداه بما لي وهو نفسه صح البيع وقوله فكن بحيث تصلح أن تؤدي ما لي وقوله أضافه إلى نفسه لأن به يتذكر العبد نعمة الله عليه في الشبع وقوله لأن فيه تقديم رضا الله على هوى النفس وقوله لأن فيه التمييز بين الصائم المطيع وبين الآكل العاصي وقوله لأنه كان محل نزول القرآن وقوله لأن ابتداءه على المشاهدة وانتهاءه على المشاهدة لحديث صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وقوله لأن فيه رياضة النفس بترك المألوفات وقوله لأن فيه حفظ الجوارح عن المخالفات وقوله لأن فيه قطع الشهوات وقوله لأن فيه مخالفة النفس بترك محبوبها وفي مخالفة النفس موافقة الحق وقوله لأن فيه فرحة اللقاء وقوله لأن فيه مشاهدة الآمر به وقوله لأن فيه مجمع العبادات لأن مدارها على الصبر والشكر وهما حاصلان فيه وقوله معناه الصائم لي لأن الصوم صفة الصائم وقوله معنى الإضافة الإشارة إلى الحماية لئلا يطمع الشيطان في إفساده وقوله لأن عبادة استوى فيها الحر والعبد والذكر والأنثى وهذا عنوان ما ذكره مع إسهاب في العبارة ولم أستوعب ذلك لأنه ليس على شرطي في هذا الكتاب وإنما كنت أجد النفس متشوقة إلى الوقوف على تلك الأجوبة وغالب من نقل عنه من شيوخنا لا يسوقها وإنما يقتصر على أن الطالقاني أجاب عنه بنحو من خمسين أو ستين جوابا ولا يذكر منه شيئا فلا أدري اتركوه إعراضا أو مللا أو اكتفى الذي وقف عليه أولا بالإشارة ولم يقف عليه من جاء من بعده والله أعلم

قوله باب ما يستحب من الطيب كأنه يشير إلى أنه يندب استعمال أطيب ما يوجد من الطيب ولا يعدل إلى الأدنى مع وجود الأعلى ويحتمل أن يشير إلى التفرقة بين الرجال والنساء في التطيب كما تقدمت الإشارة إليه قريبا

[ 5584 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل ووهيب هو بن خالد وهشام هو بن عروة قوله عن عثمان بن عروة هكذا أدخل هشام بينه وبين أبيه عروة في هذا الحديث أخاه عثمان وذكر الحميدي عن سفيان بن عيينة أن عثمان قال له ما يروي هشام هذا الحديث الا عنى اه وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه أن الليث وداود العطار وأبا أسامة وافقوا وهيب بن خالد عن هشام في ذكر عثمان وأن أيوب وابن المبارك وابن نمير وغيرهم رووه عن هشام عن أبيه بدون ذكر عثمان قلت ورواية الليث عند النسائي والدارمي ورواية داود العطار عند أبي عوانة ورواية أبي أسامه وصلها مسلم ورواية أيوب عند النسائي وذكر الدارقطني أن إبراهيم بن طهمان وابن إسحاق وحماد بن سلمة في آخرين رووه أيضا عن هشام بدون ذكر عثمان قال ورواه بن عيينة عن هشام عن عثمان قال ثم لقيت عثمان فحدثني به وقال لي لم يروه هشام إلا عني قال الدارقطني لم يسمعه هشام عن أبيه وإنما سمعه من أخيه عن أبيه وأخرج الإسماعيلي عن سفيان قال لا أعلم عند عثمان إلى هذا الحديث اه وقد أورد له أحمد في مسنده حديثا آخر في فضل الصف الأول وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم قوله عند إحرامه بأطيب ما أجد في رواية أبي أسامة بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم وفي رواية أحمد عن بن عيينة حدثنا عثمان أنه سمع أباه يقول سألت عائشة بأي شيء طيبت النبي صلى الله عليه وسلم قالت بأطيب الطيب وكذا أخرجه مسلم وله من طريق عمرة عن عائشة لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يفيض بأطيب ما وجدت ومن طريق الأسود عن عائشة كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد وله من وجه آخر عن الأسود عنها كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ومن طريق القاسم عن عائشة كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بطيب فيه مسك وقد تقدم بسط هذا الموضع والبحث في أحكامه في كتاب الحج والغرض منه نا أن المراد بأطيب الطيب المسك وقد ورد ذلك صريحا أخرجه مالك من حديث أبي سعيد رفعه قال المسك أطيب الطيب وهو عند مسلم أيضا

قوله باب من لم يرد الطيب كأنه أشار إلى أن النهي عن رده ليس على التحريم وقد ورد ذلك في بعض طرق حديث الباب وغيره

[ 5585 ] قوله عزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء بن ثابت أي بن أبي زيد عمرو بن أخطب لجده صحبة قوله وزعم هو من إطلاق الزعم على القول قوله كان لا يرد الطيب أخرجه البزار من وجه آخر عن أنس بلفظ ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم طيب قط فرده وسنده حسن وللإسماعيلي من طريق وكيع عن عزرة بسند حديث الباب نحوه وزاد وقال إذا عرض على أحدكم الطيب فلا يرده وهذه الزيادة لم يصرح برفعها وقد أخرج أبو داود والنسائي وصححه بن حبان من رواية الأعرج عن أبي هريرة رفعه من عرض عليه طيب فلا يدره فإنه طيب الريح خفيف المحمل وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن وقع عنده ريحان بدل طيب والرحيان كل بقلة لها رائحة طيبة قال المنذري ويحتمل أن يراد بالريحان جميع أنواع الطيب يعني مشتقا من الرائحة قلت مخرج الحديث واحد والذين رووه بلفظك الطيب أكثر عددا وأحفظ فروايتهم أولى وكأن من رواه بلفظ ريحان أراد التعميم حتى لا يخص بالطيب المصنوع لكن اللفظ غير واف بالمقصود وللحديث شاهد عن بن عباس أخرجه الطبراني بلفظ من عرض عليه الطيب فليصب منه نعم أخرج الترمذي من مرسل أبي عثمان النهدي إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة قال بن العربي إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه ولحاجته إليه أكثر من غيره لأنه يناجي من لا نناجي وأما نهيه عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه لأنه مردود بأصل الشرع

قوله باب الذريرة بمعجمة وراءين بوزن عظيمة وهي نوع من الطيب مركب قال الداودي تجمع مفرداته ثم تسحق وتنخل ثم تذر في الشعر والطوق فلذلك سميت ذريرة كذا قال وعلى هذا فكل طيب مركب ذريرة لكن الذريرة نوع من الطيب مخصوص يعرفه أهل الحجاز وغيرهم وجزم غير واحد منهم النووي بأنه فتات قصب طيب يجاء به من الهند

[ 5586 ] قوله حدثنا عثمان بن الهيثم أو محمد عنه أما محمد فهو بن يحيى الذهلي وأما عثمان فهو من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه عدة أحاديث بلا واسطة منها في أواخر الحج وفي النكاح وأخرج عنه في الأيمان والنذور كما سيأتي حديثا آخر بمثل هذا التردد قوله أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أي بن الزبير وهو مدني ثقة قليل الحديث ما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد وقد ذكره بن حبان في أتباع التابعين من الثقات قوله سمع عروة هو جده والقاسم هو بن محمد بن أبي بكر قوله بذريرة كأن الذريرة كان فيها مسك بدليل الرواية الماضية قوله للحل والاحرام كذا وقع مختصرا هنا وكذا لمسلم وأخرجه الإسماعيلي من رواية روح بن عبادة عن بن جريج بلفظ حين أحرم وحين رمى الجمرة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت

قوله باب المتفلجات للحسن أي لأجل الحسن والمتفلجات جمع متفلجة وهي التي تطلب الفلج أو تصنعه والفلج بالفاء واللام والجيم انفراج ما بين الثنيتين والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات ويستحسن من المرأة فربما صنعته المرأة التي تكون أسنانها متلاصقة لتصير متفلجة وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة لأن الصغير غالبا تكون مفلجة جديدة السن ويذهب ذلك في الكبر وتحديد الأسنان يسمى الوشر بالراء وقد ثبت النهي عنه أيضا في بعض طرق حديث بن مسعود ومن حديث غيره في السنن وغيرها وستأتي الإشارة إليه في آخر باب الموصولة فورد النهي عن ذلك لما فيه من تغيير الخلقة الأصلية

[ 5587 ] قوله حدثنا عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو بن قيس والإسناد كله كوفيون وقال الدارقطني تابع منصور الأعمش ومن أصحاب الأعمش من لم يذكر عنه علقمة في السند وقال إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي عن أم يعقوب عن بن مسعود والمحفوظ قول منصور قوله لعن الله الواشمات جمع واشمة بالشين المعجمة وهي التي تشم والمستوشمات جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم ونقل بن التين عن الداودي أنه قال الواشمة التي يفعل بها الوشم والمستوشمة التي تفعله ورد عليه ذلك وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن منصور بلفظ المستوشمات وهو بكسر الشين التي تفعل ذلك وبفتحها التي تطلب ذلك ولمسلم من طريق مفضل بن مهلهل عن منصور والموشومات وهي من يفعل بها الوشم قال أهل اللغة الوشم بفتح ثم سكون أن يغرز في العضو إبرة أو نحوها حتى يسيل الدم ثم يحشى بنورة أو غيرها فيخضر وقال أبو داود في السنن الواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد والمستوشمة المعمول بها انتهى وذكر الوجه للغالب وأكثر ما يكون في الشفة وسيأتي عن نافع في آخر الباب الذي يليه أنه يكون في اللثة فذكر الوجه ليس قيدا وقد يكون في اليد وغيرها من الجسد وقد يفعل ذلك نقشا وقد يجعل دوائر وقد يكتب اسم المحبوب وتعاطيه حرام بدلالة اللعن كما في حديث الباب ويصير الموضع الموشوم نجسا لأن الدم انحبس فيه فتجب إزالته إن أمكنت ولو بالجرح إلا إن خاف منه تلفا أو شيئا أو فوات منفعة عضو فيجوز إبقاؤه وتكفي التوبة في سقوط الإثم ويستوي في ذلك الرجل والمرأة قوله والمتنمصات يأتي شرحه في باب مفرد يلي الباب الذي يليه ووقع عند أبي داود عن محمد بن عيسى عن جرير الواصلات بدل المتنمصات هنا قوله والمتفلجات للحسن يفهم منه أن المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلا جاز قوله المغيرات خلق الله هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والفلج وكذا الوصل على إحدى الروايات قوله ما لي لا ألعن كذا هنا باختصار ويأتي بعد باب عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير بزيادة ولفظه فقالت أم يعقوب ما هذا وأخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم شيخي البخاري فيه أتم سياقا منه فقال بلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك إنك لعنت الواشمات الخ فقال عبد الله وما لي لا ألعن وذكر مسلم أن السياق لإسحاق وقد أخرجه أبو داود عن عثمان وسياقه موافق لسياق إسحاق إلا في أحرف يسيرة لا تغير المعنى وسبق في تفسير سورة الحشر للمصنف من طريق الثوري عن منصور بتمامه لكن لم يقل فيه وكانت تقرأ القرآن وما في قول بن مسعود ما لي لا ألعن استفهامية وجوز الكرماني أن تكون نافية وهو بعيد قوله وهو في كتاب الله وما آتاكم الرسول كذا أورده مختصرا زاد في رواية إسحاق فقالت والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته وفي رواية مسلم عن عثمان ما بين لوحي المصحف والمراد به ما يجعل المصحف فيه وكانوا يكتبون المصحف في الرق ويجعلون له دفتين من خشب وقد يطلق على الكرسي الذي يوضع عليه المصحف اسم لوحين قوله فقالت والله لقد قرأت في رواية مسلم لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه كذا فيه بإثبات الياء في الموضعين وهي لغة والافصح حذفها في خطاب المؤنث في الماضي قوله وما آتاكم الرسول إلى فانتهوا في رواية مسلم قال الله عز وجل وما آتاكم الخ وزاد فقالت المرأة إني أرى شيئا من هذا على امرأتك وقد تقدم ذلك في تفسير الحشر وقد أخرجه الطبراني من طريق مسروق عن عبد الله وزاد في آخره فقال عبد الله ما حفظت وصية شعيب إذا يعني قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه وفي إطلاق بن مسعود نسبة لعن من فعل ذلك إلى كتاب الله وفهم أم يعقوب منه أنه أراد بكتاب الله القرآن وتقريره لها على هذا الفهم ومعارضتها له بأنه ليس في القرآن وجوابه بما أجاب دلالة على جواز نسبة ما يدل عليه الاستنباط إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم نسبة قولية فكما جاز نسبة لعن الواشمة إلى كونه في القرآن لعموم قوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه مع ثبوت لعنه صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك يجوز نسبة من فعل أمرا يندرج في عموم خبر نبوي ما يدل على منعه إلى القرآن فيقول القائل مثلا لعن الله من غير منار الأرض في القرآن ويستند في ذلك إلى أنه صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك تنبيه أم يعقوب المذكورة في هذا الحديث لا يعرف اسمها وهي من بني أسد بن خزيمة ولم أقف لها على ترجمة ومراجعتها بن مسعود تدل على أن لها إدراكا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

قوله باب وصل الشعر أي الزيادة فيه من غيره ذكر فيه خمسة أحاديث الأول حديث معاوية

[ 5588 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله عن حميد بن عبد الرحمن في رواية معمر عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن أخرجه أحمد وفي رواية يونس عن الزهري أنبأنا حميد أخرجه الترمذي وقد أخرج مسلم روايتي معمر ويونس لكن أحال بهما على رواية مالك وأخرجه الطبراني من طريق النعمان بن راشد عن الزهري فقال عن السائب بن يزيد بدل حميد بن عبد الرحمن وحميد هو المحفوظ قوله عام حج تقدم في ذكر بني إسرائيل من طريق سعيد بن المسيب عن معاوية تعيين العام المذكور قوله وتناول قصة من شعر كان بيد حرسي القصة بضم القاف وتشديد المهملة الخصلة من الشعر وفي رواية سعيد بن المسيب كبة ولمسلم من وجه آخر عن سعيد بن المسيب أن معاوية قال إنكم أخذتم زى سوء وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة والحرسي بفتح الحاء والراء وبالسين المهملات نسبة إلى الحرس وهم خدم الأمير الذين يحرسونه ويقال للواحد حرسي لأنه اسم جنس وعند الطبراني من طريق عروة عن معاوية من الزيادة قال وجدت هذه عند أهلي وزعموا أن النساء يزدنه في شعورهن وهذا يدل على أنه لم يكن يعرف ذلك في النساء قبل ذلك وفي رواية سعيد بن المسيب ما كنت أرى يفعل ذلك إلى اليهود قوله أين علماؤكم تقدم في ذكر بني إسرائيل أن فيه إشارة إلى قلة العلماء يومئذ بالمدينة ويحتمل أنه أراد بذلك احضارهم ليستعين بهم على ما أراد من إنكار ذلك أو لينكر عليهم سكوتهم عن إنكارهم هذا الفعل قبل ذلك قوله إنما هلكت بنو إسرائيل في رواية معمر عند مسلم إنما عذب بنو إسرائيل ووقع في رواية سعيد بن المسيب المذكورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور وفي رواية قتادة عن سعيد عند مسلم نهى عن الزور وفي آخره ألا وهذا الزور قال قتادة يعني ما تكثر به النساء أشعارهن من الخرق وهذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعرا أم لا ويؤيده حديث جابر زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئا أخرجه مسلم وذهب الليث ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال لا بأس بالقرامل وبه قال أحمد والقرامل جمع قرمل بفتح القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به الشعر من غير الشعر مستورا بعد عقده مع الشعر بحيث يظن أنه من الشعر وبين ما إذا كان ظاهرا فمنع الأول قوم فقط لما فيه من التدليس وهو قوي ومنهم من أجاز الوصل مطلقا سواء كان بشعر آخر أو بغير شعر إذا كان بعلم الزوج وباذنه وأحاديث الباب حجة عليه ويستفاد من الزيادة في رواية قتادة منع تكثير شعر الرأس بالخرق كما لو كانت المرأة مثلا قد تمزق شعرها فتضع عوضه خرقا توهم أنها شعر وقد أخرج مسلم عقب حديث معاوية هذا حديث أبي هريرة وفيه ونساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت قال النووي يعني يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها قال وفي الحديث ذم ذلك وقال القرطبي البخت بضم الموحدة وسكون المعجمة ثم مثناة جمع بختية وهي ضرب من الإبل عظام الأسنمة والأسمنة بالنون جمع سنام وهو أعلى ما في ظهر الجمل شبة رءوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رءوسهن تزيينا وتصنعا وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن تنبيه كما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة وقد أخرج الطبري من طريق أم عثمان بنت سفيان عن بن عباس قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها وهو عند أبي داود من هذا الوجه بلفظ ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير والله أعلم الحديث الثاني حديث أبي هريرة

[ 5589 ] قوله وقال بن أبي شيبة هو أبو بكر كذا أخرجه في مسنده ومصنفه بهذا الإسناد ووصله أبو نعيم في المستخرج من طريقه وأخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن يونس بن محمد كذلك فيحتمل أن يكون هو المراد لأن أبا بكر وعثمان كلاهما من شيوخ البخاري ويونس هو المؤدب وفليح هو بن سليمان قوله لعن الله الواصلة أي التي تصل الشعر سواء كان لنفسها أم لغيرها والمستوصلة أي التي تطلب فعل ذلك ويفعل بها وكذا القول في الواشمة والمستوشمة وتقدم تفسيره وهذا صريح في حكاية ذلك عن الله تعالى ان كان خبرا فيستغني عن استنباط بن مسعود ويحتمل أن يكون دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من فعلت ذلك الحديث الثالث حديث عائشة

[ 5590 ] قوله الحسن بن مسلم بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون وآخره قاف كأنه اسم عجمي ويحتمل أن يكون اسم فعال من الأنيق وهو الشيء الحسن المعجب فسهلت همزته ياء والحسن المذكور تابعي صغير من أهل مكة ثقة عندهم وكان كثير الرواية عن طاوس ومات قبله قوله أن جارية من الأنصار تزوجت تقدم ما يتعلق بتسميتها وتسمية الزوج في كتاب النكاح قوله فتمعط بالعين والطاء المهملتين أي خرج من أصله وأصل المعط المد كأنه مد إلى أن تقطع ويطلق أيضا على من سقط شعره قوله فأرادوا أن يصلوها أي يصلوا شعرها وقوله فسألوا تقدم هناك أن السائل أمها وهو في حديث أسماء بنت أبي بكر الذي يلي هذا قوله تابعه بن إسحاق عن أبان بن صالح عن الحسن هو بن مسلم وهذه المتابعة رويناها موصولة في أمالي المحاملي من رواية الاصبهانيين عنه ثم من طريق إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق حدثني أبان بن صالح فذكره وصرح بالتحديث في جميع السند وأول الحديث عنده أن امرأة سألت عائشة وهي عندها عن وصل المرأة رأسها بالشعر فذكر الحديث وقال فيه فتمرق بالراء والقاف وقال فيه أفأضع على رأسها شيئا والباقي مثله وفائدة هذه المتابعة أن يعلم أن الحديث عند صفية بنت شيبة عن عائشة وعن أسماء بنت أبي بكر جميعا ولأبان بن صالح في هذا المعنى حديث آخر أخرجه أبو داود من رواية أسامة بن زيد عنه عن مجاهد عن بن عباس فذكر الحديث المرفوع دون القصة وزاد فيه النامصة والمتنمصة وقال في آخره والمستوشمة من غير داء وسنده حسن ويستفاد منه أن من صنعت الوشم عن غير قصد له بل تداوت مثلا فنشأ عنه الوشم أن لا تدخل في الزجر الحديث الرابع حديث أسماء بنت أبي بكر ذكره من طريقين الأولى

[ 5591 ] قوله منصور بن عبد الرحمن هو الحجي وأمه هي صفية بنت شيبة وفضيل بن سليمان رواية عن منصور وان كان في حفظه شيء لكن قد تابعه وهيب بن خالد عن منصور عند مسلم وأبو معشر البراء عند الطبراني قوله فتمزق بالزاي أي تقطع كذا للكشميهني والحموي وهي رواية مسلم وبالراء للباقين أي مرق من أصله وهو أبلغ ويحتمل أن يكون من المرق وهو نتف الصوف وللطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر فأصابتها الحصبة أو الجدري فسقط شعرها وقد صحت وزوجها يستحثنا وليس على رأسها شعر أفنجعل على رأسها شيئا نجملها به الحديث وقوله أفأصل رأسها في رواية الكشميهني شعرها وهو المراد بالرواية الأخرى قوله فسب بالمهملة والموحدة أي لعن كما صرح به في الرواية الأخرى الطريق الثانية

[ 5592 ] قوله عن امرأته فاطمة هي بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي بنت عم هشام بن عروة الراوي عنها وأسماء بنت أبي بكر هي جدتهما معا لأنها أم المنذر وأم عروة وهذه الطريق تؤكد رواية منصور بن عبد الرحمن عن أمه وأن للحديث عن أسماء بنت أبي بكر أصلا ولو كان مختصرا قوله الواصلة والمستوصلة هذا القدر الذي وجدته من حديث أسماء فكأنها ما سمعت الزيادة التي في حديث أبي هريرة وفي حديث بن عمر في الواشمة والمستوشمة فأخرج الطبري بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم قال دخلت مع أبي على أبي بكر الصديق فرأيت يد أسماء موشومة قال الطبري كأنها كانت صنعته قبل النهي فاستمر في يدها قال ولا يظن بها أنها فعلته بعد النهي لثبوت النهي عن ذلك قلت فيحتمل أنها لم تسمعه أو كانت بيدها جراحة فداوتها فبقي الأثر مثل الوشم في يدها الحديث الخامس

[ 5593 ] قوله عبد الله هو بن المبارك وعبيد الله بالتصغير هو بن عمر العمري قوله قال نافع الوشم في اللثة بكسر اللام وتخفيف المثلثة وهي ما على الأسنان من اللحم وقال الداودي هو أن يعمل على الأسنان صفرة أو غيرها كذا قال ولم يرد نافع الحصر في كون الوشم في اللثة بل مراده أنه قد يقع فيها وفي هذه الأحاديث حجة لمن قال يحرم الوصل في الشعر والوشم والنمص على الفاعل والمفعول به وهي حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه لأن دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات بل عند بعضهم أنه من علامات الكبيرة وفي حديث عائشة دلالة على بطلان ما روي عنها أنها رخصت في وصل الشعر بالشعر وقالت إن المراد بالواصل المرأة تفجر في شبابها ثم تصل ذلك بالقيادة وقد رد ذلك الطبري وأبطله بما جاء عن عائشة في قصة المرأة المذكورة في الباب وفي حديث معاوية طهارة شعر الآدمي لعدم الاستفصال وايقاع المنع على فعل الوصل لا على كون الشعر نجسا وفيه نظر وفيه جواز إبقاء الشعر وعدم وجوب دفنه وفيه قيام الإمام بالنهي على المنبر ولا سيما إذا رآه فاشيا فيفشي إنكاره تأكيدا ليحذر منه وفيه انذار من عمل المعصية بوقوع الهلاك بمن فعلها قبله كما قال تعالى وما هي من الظالمين ببعيد وفيه جواز تناول الشيء في الخطبة ليراه من لم يكن رآه للمصلحة الدينية وفيه إباحة الحديث عن بني إسرائيل وكذا غيرهم من الأمم للتحذير مما عصوا فيه

قوله باب المتنمصات جمع متنمصة وحكى بن الجوزي منتمصة بتقديم الميم على النون وهو مقلوب والمتنمصة التي تطلب النماص والنامصة التي تفعله والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش ويسمى المنقاش منماصا لذلك ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما قال أبو داود في السنن النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه ذكر فيه حديث بن مسعود الماضي في باب المتفلجات قال الطبري لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها أو طويلة فتقطع منها أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها فكل ذلك داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله تعالى قال ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك والرجل في هذا الأخير كالمرأة وقال النووي يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم عليها إزالتها بل يستحب قلت وإطلاقه مقيد بإذن الزوج وعلمه وإلا فمني خلا عن ذلك منع للتدليس وقال بعض الحنابلة ان كان النمص أشهر شعارا للفواجر وامتنع وإلا فيكون تنزيها وفي رواية يجوز بإذن الزوج إلا إن وقع به تدليس فيحرم قالوا ويجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة وقد أخرج الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت المرأة تحف جبينها لزوجها فقالت أميطي عنك الأذى ما استطعت وقال النووي يجوز التزين بما ذكر الا الحف فإنه من جملة النماص

قوله باب الموصولة تقدمت مباحثه قبل بباب وذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث بن عمر

[ 5596 ] قوله عبدة هو بن سليمان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله المستوصلة هي التي تطلب وصل شعرها الثاني حديث أسماء بنت أبي بكر

[ 5597 ] قوله أصابتها في رواية الكشميهني أصابها بالتذكير على إرادة الحب والحصبة بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة ويجوز فتحها وكسرها بعدها موحدة بثرات حمر تخرج في الجلد متفرقة وهي نوع من الجدري قوله أمرق بتشديد الميم بعدها راء وأصله أنمرق بنون فذهبت في الإدغام ووقع في رواية الحموي والكشميهني بالزاي بدل الراء كما تقدم

[ 5598 ] قوله حدثني يوسف بن موسى حدثنا الفضل بن دكين كذا للأكثر وهو كذلك في رواية النسفي وفي رواية المستملي الفضل بن زهير ولبعض رواة الفربري أيضا الفضل بن زهير أو الفضل بن دكين وجزم مرة أخرى بالفضل بن زهير قال أبو علي الغساني هو الفضل بن دكين بن حماد بن زهير فنسب مرة إلى جد أبيه وهو أبو نعيم شيخ البخاري وقد حدث عنه بالكثير بغير واسطة وحدث هنا في مواضع أخرى قليلة بواسطة قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم شك من الراوي وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن صخر بن جويرية بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم قوله لعن الله ثم قال في آخره يعني لعن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتجه لي هذا التفسير إلا إن كان المراد لعن الله على لسان نبيه أو لعن النبي صلى الله عليه وسلم للعن الله وقد سقط الكلام الأخير من بعض الروايات وسقط من بعضها لفظ لعن الله من أوله وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن صخر بن جويرية بلفظ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا في أول الباب ويأتي كذلك بعد باب وقد تقدم في آخر باب وصل الشعر بلفظ لعن الله وكلها من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قوله والمستوصلة في رواية النسائي من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر الموتصلة وهي بمعناها وكذا في حديث أسماء الموصولة الحديث الثالث حديث بن مسعود

[ 5599 ] قوله عبد الله هو بن المبارك وسفيان هو الثوري ولم يقع في هذه الرواية للواصلة ولا للموصولة ذكر وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وقد تقدم بيانه في باب المتفلجات وأنه صرح بذكر الواصلة فيه في التفسير وعند أحمد والنسائي من طريق الحسن العوفي عن يحيى بن الخراز عن مسروق أن المرأة جاءت إلى بن مسعود فقالت أنبئت أنك تنهي عن الواصلة قال نعم القصة بطولها وفي آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من أذى

قوله باب الواشمة تقدم شرحه قريبا وذكر فيه أيضا ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة العين حق ونهى عن الوشم وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الطب ويأتي في الباب الذي يليه عن أبي هريرة بلفظ آخر في الوشم الثاني حديث بن مسعود أورده مختصرا من وجهين وقد تقدم بيانه في باب المتفلجات الثالث حديث أبي جحيفة

[ 5601 ] قوله رأيت أبي فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى كذا أورده مختصرا و ساقه في البيوع تاما ولفظه رأيت أبي اشترى حجاما فكسر محاجمه فسألته عن ذلك فذكر الحديث كالذي هنا وزاد وعن كسب الأمة وسيأتي بأتم من سياقه في باب من لعن المصور

قوله المستوشمة ذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة

[ 5602 ] قوله عن عمارة هو بن القعقاع بن شبرمة وأبو زرعة هو بن عمرو بن جرير قوله أتى عمر بامرأة تشم قلت لم تسم هذه المرأة قوله أنشدكم بالله يحتمل أن يكون عمر سمع الزجر عن ذلك فأراد أن يستثبت فيه أو كان نسيه فأراد أن يتذكره أو بلغه ممن لم يصرح بسماعه فأراد أن يسمعه ممن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال أبو هريرة هو موصول بالسند المذكور قوله لا تشمن بفتح أوله وكسر المعجمة وسكون الميم ثم نون خطاب جمع المؤنث بالنهي وكذا ولا تستوشمن أي لا تطلبن ذلك وهذا يفسر قوله في الباب الذي قبله نهى عن الوشم وفائدة ذكر أبي هريرة قصة عمر إظهار ضبطه وأن عمر كان يستثبته في الأحاديث مع تشدد عمر ولو أنكر عليه عمر ذلك لنقل الحديث الثاني والحديث الثالث عن بن عمر وعن بن مسعود وقد تقدما قال الخطابي إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء لما فيها من الغش والخداع ولو رخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش ولما فيها من تغيير الخلقة وإلى ذلك الإشارة في حديث بن مسعود بقوله المغيرات خلق الله والله أعلم

قوله باب التصاوير جمع تصوير بمعنى الصورة والمراد بيان حكمها من جهة مباشرة صنعتها ثم من جهة استعمالها واتخاذها

[ 5605 ] قوله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أي بن مسعود قوله عن أبي طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس قوله وقال الليث حدثني يونس الخ وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي صالح كاتب الليث حدثنا الليث وفائدة هذا التعليق تصريح الزهري بن شهاب وتصريح شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وكذا من فوقهما بالتحديث في جميع الإسناد وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الله بن وهب عن يونس وفيه التصريح أيضا ووقع في رواية الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة لم يذكر بن عباس بينهما ورجح الدارقطني رواية من أثبته وقد أخرجه مالك في الموطأ عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة يعوده فذكر قصة وفيها المتن المذكور وزاد فيه استثناء الرقم في الثوب كما سيأتي البحث فيه فلعل عبيد الله سمعه من بن عباس عن أبي طلحة ثم لقي أبا طلحة لما دخل يعوده فسمعه منه ويؤيد ذلك زيادة القصة في رواية أبي النضر لكن قال بن عبد البر الحديث لعبيد الله عن بن عباس عن أبي طلحة فإن عبيد الله لم يدرك أبا طلحة ولا سهل بن حنيف كذا قال وكأن مستنده في ذلك أن سهل بن حنيف مات في خلافة علي وعبيد الله لم يدرك عليا بل قال علي بن المديني إنه لم يدرك زيد بن ثابت ولا رآه وزيد مات بعد سهل بن حنيف بمدة ولكن روى الحديث المذكور محمد بن إسحاق عن أبي النضر فذكر القصة لعثمان بن حنيف لا لسهل أخرجه الطبراني وعثمان تأخر بعد سهل بمدة وكذلك أبو طلحة فلا يبعد أن يكون عبيد الله أدركهما قوله لا تدخل الملائكة ظاهره العموم وقيل يستثنى من ذلك الحفظة فإنهم لا يفارقون الشخص في كل حالة وبذلك جزم بن وضاح والخطابي وآخرون لكن قال القرطبي كذا قال بعض علمائنا والظاهر العموم والمخصص يعني الدال على كون الحفظة لا يمتنعون من الدخول ليس نصا قلت ويؤيده أنه ليس من الجائز أن يطلعهم الله تعالى على عمل العبد ويسمعهم قوله وهم بباب الدار التي هو فيها مثلا ويقابل القول بالتعميم القول بتخصيص الملائكة بملائكة الوحي وهو قول من ادعى أن ذلك كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كما سأذكره وهو شاذ قوله بيتا فيه كلب المراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك والظاهر العموم في كل كلب لأنه نكرة في سياق النفي وذهب الخطابي وطائفة إلى استثناء الكلاب التي أذن في اتخاذها وهي كلاب الصيد والماشية والزرع وجنح القرطبي إلى ترجيح العموم وكذا قال النووي واستدل لذلك بقصة الجرو التي تأتي الإشارة إليها في حديث بن عمر بعد ستة أبواب قال فامتنع جبريل من دخول البيت الذي كان فيه مع ظهور العذر فيه قال فلو كان العذر لا يمنعهم من الدخول لم يمتنع جبريل من الدخول اه ويحتمل أن يقال لا يلزم من التسوية بين ما علم به أو لم يعلم فيما لم يؤمر باتخاذه أن يكون الحكم كذلك فيما أذن في اتخاذه قال القرطبي واختلف في المعنى الذي في الكلب حتى منع الملائكة من دخول البيت الذي هو فيه فقيل لكونها نجسة العين ويتأيد ذلك بما ورد في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم فأمر بنضح موضع الكلب وقيل لكونها من الشياطين وقيل لأجل النجاسة التي تتعلق بها فإنها تكثر أكل النجاسة وتتلطخ بها فينجس ما تعلقت به وعلى هذا يحمل من لا يقول أن الكلب نجس العين نضح موضعه احتياطا لأن النضح مشروع لتطهير المشكوك فيه واختلف في المراد بالملائكة فقيل هو على العموم وأيده النووي بقصة جبريل الآتي ذكرها فقيل يستثنى الحفظة وأجاب الأول بجواز أن لا يدخلوا مع استمرار الكتابة بأن يكونوا على باب البيت وقيل المراد من نزل منهم بالرحمة وقيل من نزل بالوحي خاصة كجبريل وهذا نقل عن بن وضاح والداودي وغيرهما ويلزم منه اختصاص النهي بعهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الوحي انقطع بعده وبانقطاعه انقطع نزولهم وقيل التخصيص في الصفة أي لا يدخل الملائكة دخولهم بيت من لا كلب فيه قوله ولا تصاوير في رواية معمر الماضية في بدء الخلق عن الزهري ولا صورة بالافراد وكذا في معظم الروايات وفائدة إعادة حرف النفي الاحتراز من توهم القصر في عدم الدخول على اجتماع الصنفين فلا يمتنع الدخول مع وجود أحدهما فلما أعيد حرف النفي صار التقدير ولا تدخل بيتا فيه صورة قال الخطابي والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن على ما سيأتي تقريره في باب ما وطىء من التصاوير بعد بابين وتأتي الإشارة إلى تقوية ما ذهب إليه الخطابي في باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة وأغرب بن حبان فادعى أن هذا الحكم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قال وهو نظير الحديث الآخر لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس قال فإنه محمول على رفقة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ محال أن يخرج الحاج والمعتمر لقصد بيت الله عز وجل على رواحل لا تصحبها الملائكة وهم وفد الله انتهى وهو تأويل بعيد جدا لم أره لغيره ويزيل شبهته أن كونهم وفد الله لا يمنع أن يؤاخذوا بما يرتكبونه من خطيئة فيجوز أن يحرموا بركة الملائكة بعد مخالطتهم لهم إذا ارتكبوا النهي واستصحبوا الجرس وكذا القول فيمن يقتني الصورة والكلب والله أعلم وقد استشكل كون الملائكة لا تدخل المكان الذي فيه التصاوير مع قوله سبحانه وتعالى عند ذكر سليمان عليه السلام يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وقد قال مجاهد كانت صورا من نحاس أخرجه الطبري وقال قتادة كانت من خشب ومن زجاج أخرجه عبد الرزاق والجواب أن ذلك كان جائزا في تلك الشريعة وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصالحين منهم على هيئتهم في العبادة ليتعبدوا كعبادتهم وقد قال أبو العالية لم يكن ذلك في شريعتهم حراما ثم جاء شرعنا بالنهي عنه ويحتمل أن يقال أن التماثيل كانت على صورة النقوش لغير ذوات الأرواح وإذا كان اللفظ محتملا لم يتعين الحمل على المعنى المشكل وقد ثبت في الصحيحين حديث عائشة في قصة الكنيسة التي كانت بأرض الحبشة وما فيها من التصاوير وأنه صلى الله عليه وسلم قال كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله فإن ذلك يشعر بأنه لو كان ذلك جائزا في ذلك الشرع ما أطلق عليه صلى الله عليه وسلم أن الذي فعله شر الخلق فدل على أن فعل صور الحيوان فعل محدث أحدثه عباد الصور والله أعلم

قوله باب عذاب المصورين يوم القيامة أي الذين يصنعون الصور ذكر فيه حديثين الأول

[ 5606 ] قوله عن مسلم هو بن صبيح أبو الضحى وهو بكنيته أشهر وجوز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران البطين ثم قال أنه الظاهر وهو مردود فقد وقع في رواية مسلم في هذا الحديث من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى قوله كنا مع مسروق هو بن الأجدع قوله في دار يسار بن نمير هو بتحتانية ومهملة خفيفة وأبوه بنون مصغر وسيار مدني سكن الكوفة وكان مولى عمر وخازنه وله رواية عن عمر وعن غيره وروى عنه أبو وائل وهو من أقرانه وأبو بردة بن أبي موسى وأبو إسحاق السبيعي وهو موثق ولم أر له في البخاري إلا هذا الموضع قوله فرأى في صفته بضم المهملة وتشديد الفاء في رواية منصور عن أبي الضحى عند مسلم كنت مع مسروق في بيت فيه تماثيل فقال لي مسروق هذه تماثيل كسرى فقلت لا هذه تماثيل مريم كأن مسروقا ظن أن التصوير كان من مجوسي وكانوا يصورون صورة ملوكهم حتى في الأواني فظهر أن التصوير كان من نصراني لأنهم يصورون صورة مريم والمسيح وغيرهما ويعبدونها قوله سمعت عبد الله هو بن مسعود وفي رواية منصور فقال أما أني سمعت عبد الله بن مسعود قوله إن أشد الناس عذابا عند الله المصورون وقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان يوم القيامة بدل قوله عند الله وكذا هو في مسند بن أبي عمر عن سفيان وأخرجه الإسماعيلي من طريقه فلعل الحميدي حدث به على الوجهين بدليل ما وقع في الترجمة أو لما حدث به البخاري حدث به بلفظ عند الله والترجمة مطابقة للفظ الذي في حديث بن عمر ثاني حديثي الباب والمراد بقوله عند الله حكم الله ووقع عند مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش أن من أشد الناس واختلفت نسخه ففي بعضها المصورين وهي للأكثر وفي بعضها المصورون وهي لأحمد عن أبي معاوية أيضا ووجهت بأن من زائدة واسم أن أشد ووجهها بن مالك على حذف ضمير الشأن والتقدير أنه من أشد الناس الخ وقد استشكل كون المصور أشد الناس عذابا مع قوله تعالى ادخلوا آل فرعون أشد العذاب فإنه يقتضي أن يكون المصور أشد عذابا من آل فرعون وأجاب الطبري بأن المراد هنا من يصور ما يعبد من دون الله وهو عارف بذلك قاصدا له فإنه يكفر بذلك فلا يبعد أن يدخل مدخل آل فرعون وأما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصيا بتصويره فقط وأجاب غيره بأن الرواية بإثبات من ثابتة وبحذفها محمولة عليها وإذا كان من يفعل التصوير من أشد الناس عذابا كان مشتركا مع غيره وليس في الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشد العذاب بل هم في العذاب الأشد فكذلك غيرهم يجوز أن يكون في العذاب الأشد وقوي الطحاوي ذلك بما أخرجه من وجه آخر عن بن مسعود رفعه إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي وإمام ضلالة وممثل من الممثلين وكذا أخرجه أحمد وقد وقع بعض هذه الزيادة في رواية بن أبي عمر التي أشرت إليها فاقتصر على المصور وعلى من قتله نبي وأخرج الطحاوي أيضا من حديث عائشة مرفوعا أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل هجا رجلا فهجا القبيلة بأسرها قال الطحاوي فكل واحد من هؤلاء يشترك مع الآخر في شدة العذاب وقال أبو الوليد بن رشد في مختصر مشكل الطحاوي ما حاصله إن الوعيد بهذه الصيغة إن ورد في حق كافر فلا إشكال فيه لأنه يكون مشتركا في ذلك مع آل فرعون ويكون فيه دلالة على عظم كفر المذكور وإن ورد في حق عاص فيكون أشد عذابا من غيره من العصاة ويكون ذلك دالا على عظم المعصية المذكورة وأجاب القرطبي في المفهم بأن الناس الذين أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل الناس بل بعضهم وهم من يشارك في المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد الناس الذين ادعوا الإلهية عذابا ومن يقتدي به في ضلالة كفره أشد عذابا ممن يقتدي به في ضلالة فسقه ومن صور صورة ذات روح للعبادة أشد عذابا ممن يصورها لا للعبادة واستشكل ظاهر الحديث أيضا بإبليس وبابن آدم الذي سن القتل وأجيب بأنه في إبليس واضح ويجاب بأن المراد بالناس من ينسب إلى آدم وأما في بن آدم فأجيب بأن الثابت في حقه أن عليه مثل أوزار من يقتل ظلما ولا يمتنع أن يشاركه في مثل تعذيبه من ابتدأ الزنا مثلا فإن عليه مثل أوزار من يزني بعده لأنه أول من سن ذلك ولعل عدد الزناة أكثر من القاتلين قال النووي قال العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره فصنعه حرام بكل حال وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها فإما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام قلت ويؤيد التعميم فيما له ظل وفيما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره ولا صورة إلا لطخها أي طمسها الحديث وفيه من عاد إلى صنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد وقال الخطابي إنما عظمت عقوبة المصور لأن الصور كانت تعبد من دون الله ولأن النظر إليها يفتن وبعض النفوس إليها تميل قال والمراد بالصور هنا التماثيل التي لها روح وقيل يفرق بين العذاب والعقاب فالعذاب يطلق على ما يؤلم من قول أو فعل كالعتب والإنكار والعقاب يختص بالفعل فلا يلزم من كون المصور أشد الناس عذابا أن يكون أشد الناس عقوبة هكذا ذكره الشريف المرتضى في الغرر وتعقب بالآية المشار إليها وعليها انبنى الاشكال ولم يكن هو عرج عليها فلهذا ارتضى التفرقة والله أعلم واستدل به أبو علي الفارسي في التذكرة على تكفير المشبهة فحمل الحديث عليهم وأنهم المراد بقوله المصورون أي الذين يعتقدون أن لله صورة وتعقب بالحديث الذي بعده في الباب بلفظ أن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون وبحديث عائشة الآتي بعد بابين بلفظ إن أصحاب هذه الصور يعذبون وغير ذلك ولو سلم له استدلاله لم يرد عليه الاشكال المقدم ذكره وخص بعضهم الوعيد الشديد بمن صور قاصدا أن يضاهي فإنه يصير بذلك القصد كافرا وسيأتي في باب مواطىء من التصاوير بلفظ أشد الناس عذابا الذين يضاهون بخلق الله تعالى وأما من عداه فيحرم عليه ويأثم لكن إثمه دون إثم المضاهي قلت وأشد منه من يصور ما يعبد من دون الله كما تقدم وذكر القرطبي أن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى أن بعضهم عمل صنعه من عجوة ثم جاع فأكله الحديث الثاني

[ 5607 ] قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله ان الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم هو أمر تعجيز ويستفاد منه صفة تعذيب المصور وهو أن يكلف نفخ الروح في الصورة التي صورها وهو لا يقدر على ذلك فيستمر تعذيبه كما سيأتي تقريره في باب من صور صورة بعد أبواب

قوله باب نقض الصور بفتح النون وسكون القاف بعدها معجمة والصور بضم المهملة وفتح الواو جمع صورة وحكى سكون الواو في الجمع أيضا ذكر فيه حديثين

[ 5608 ] قوله هشام هو بن أبي عبد الله الدستوائي قوله عن يحيى هو بن أبي كثير وعمران بن حطام تقدم ذكره في أوائل كتاب اللباس وفي قوله أن عائشة حدثته رد على بن عبد البر في قوله إن عمران لم يسمع من عائشة وقد أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده من رواية صالح بن سرح عن عمران سمعت عائشة فذكر حديثا آخر وفي الطبري الصغير بسند قوي من وجه آخر عن عمران قالت لي عائشة وتقدم في أوائل اللباس له حديث آخر فيه التصريح بسؤاله عائشة قوله لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب جمع صليب كأنهم سموا ما كانت فيه صورة الصليب تصليبا تسمية بالمصدر ووقع في رواية الإسماعيلي شيئا فيه تصليب وفي رواية الكشميهني تصاوير بدل تصاليب ورواية الجماعة أثبت فقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن هشام فقال تصاليب وكذا أخرجه أبو داود من رواية أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير وعلى هذا فيحتاج إلى مطابقة الحديث للترجمة والذي يظهر أنه استنبط من نقض الصليب نقض الصورة التي تشترك مع الصليب في المعنى وهو عبادتهما من دون الله فيكون المراد بالصور في الترجمة خصوص ما يكون من ذوات الأرواح بل أخص من ذلك قوله إلا نقضه كذا للأكثر ووقع في رواية أبان إلا قضبة بتقديم القاف ثم المعجمة ثم الموحدة وكذا وقع في رواية عند بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام ورجحها بعض شراح المصابيح وعكسه الطيبي فقال رواية البخاري أضبط والاعتماد عليهم أولى قلت ويترجح من حيث المعنى أن النقض يزيل الصورة مع بقاء الثوب على حاله والقضب وهو القطع يزيل صورة الثوب قال بن بطال في هذا الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقض الصورة سواء كانت مما له ظل أم لا وسواء كانت مما توطأ أم لا سواء في الثياب وفي الحيطان وفي الفرش والأوراق وغيرها قلت وهذا مبني على ثبوت الرواية بلفظ تصاوير وأما بلفظ تصاليب فلا لأن في التصاليب معنى زائدا على مطلق الصور لأن الصليب مما عبد من دون الله بخلاف الصور فليس جميعها مما عبد فلا يكون فيه حجة على من فرق في الصور بين ما له روح فمنعه وما لا روح فيه فلم يمنعه كما سيأتي تفصيله فإذا كان المراد بالنقض الإزالة دخل طمسها فيما لو كانت نقشا في الحائط أو حكها أو لظخها بما يغيب هيئتها الحديث الثاني

[ 5609 ] قوله عبد الواحد هو بن زياد وعمارة هو بن القعقاع قوله حدثنا أبو زرعة هو بن عمرو بن جرير قوله دخلت مع أبي هريرة جاء عن أبي زرعة المذكور حديث آخر بسند آخر أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من طريق علي بن مدرك عن عبد الله بن نجي بنون وجيم مصغر عن أبيه عن علي رفعه لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة قوله دارا بالمدينة هي لمروان بن الحكم وقع ذلك في رواية محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عند مسلم من هذا الوجه وعند مسلم أيضا والإسماعيلي من طريق جرير عن عمارة دارا تبنى لسعيد أو لمروان بالشك وسعيد هو بن العاص بن سعيد الأموي وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان أمرة المدينة لمعاوية والرواية الجازمة أولى قوله مصورا يصور لم أقف على اسمه وقوله يصور بصيغة المضارعة للجميع وضبطه الكرماني بوجهين أحدهما هذا والآخر بكسر الموحدة وضم الصاد المهملة وفتح الواو ثم راء منونة وهو بعيد قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي هكذا في البخاري وقد وقع نحو ذلك في حديث آخر لأبي هريرة تقدم قريبا في باب ما يذكر في المسك وفيه حذف بينه ما وقع في رواية جرير المذكورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ومن أظلم ألخ ونحوه في رواية بن فضيل وقوله ذهب أي قصد وقوله كخلقي التشبيه في فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه قال بن بطال فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل وما ليس له ظل فلهذا أنكر ما ينقش في الحيطان قلت هو ظاهر من عموم اللفظ ويحتمل أن يقصر على ما له ظل من جهة قوله كخلقي فإن خلقه الذي اخترعه ليس صورة في حائط بل هو خلق تام لكن بقية الحديث تقتضي تعميم الزجر عن تصوير كل شيء وهي قوله فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة وهي بفتح المعجمة وتشديد الراء ويجاب عن ذلك بأن المراد ايجاد حبة على الحقيقة لا تصويرها ووقع لابن فضيل من الزيادة وليخلقوا شعرة والمراد بالحبة حبة القمح بقرينة ذكر الشعير أو الحبة أعم والمراد بالذرة النملة والغرض تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وأخرى بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم على ذلك قوله ثم دعا بتور أي طلب تورا وهو بمثناة إناء كالطست تقدم بيانه في كتاب الطهارة قوله من ماء أي فيه ماء قوله فغسل يديه حتى بلغ إبطه في هذه الرواية اختصار وبيانه في رواية جرير بلفظ فتوضأ أبو هريرة فغسل يده حتى بلغ إبطه وغسل رجليه حتى بلغ ركبتيه أخرجها الإسماعيلي وقدم قصة الوضوء على قصة المصور ولم يذكر مسلم قصة الوضوء هنا قوله منتهى الحلية في رواية جرير أنه منتهى الحلية كأنه يشير إلى الحديث المتقدم في الطهارة في فضل الغرة والتحجيل في الوضوء ويؤيده حديثه الآخر تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء وقد تقدم شرحه والبحث في ذلك مستوفى هناك وليس بين ما دل عليه الخبر من الزجر عن التصوير وبين ما ذكر من وضوء أبي هريرة مناسبة وإنما أخبر أبو زرعة بما شاهد وسمع من ذلك

قوله باب من وطىء من التصاوير أي هل يرخص فيه ووطىء بضم الواو مبني للمجهول أي صار يداس عليه ويمتهن

[ 5610 ] قوله القاسم هو بن محمد بن أبي بكر الصديق قوله من سفر في رواية البيهقي أنها غزوة تبوك وفي أخرى لأبي داود والنسائي غزوة تبوك أو خيبر على الشك قوله بقرام بكسر القاف وتخفيف الراء هو ستر فيه رقم ونقش وقيل ثوب من صوف ملون يفرش في الهودج أو يغطى به قوله على سهوة بفتح المهملة وسكون الهاء هي صفة من جانب البيت وقيل الكوة وقيل الرف وقيل أربعة أعواد أو ثلاثة يعارض بعضها ببعض يوضح عليها شيء من الأمتعة وقيل أن يبني من حائط البيت حائط صغير ويجعل السقف على الجميع فما كان وسط البيت فهو السهوة وما كان داخله فهو المخدع وقيل دخلة في ناحية البيت وقيل بيت صغير يشبه المخدع وقيل بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع من الأرض كالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع ورجح هذا الأخير أبو عبيد ولا مخالفة بينه وبين الذي قبله قلت وقد وقع في حديث عائشة أيضا في ثاني حديثي الباب أنها علقته على بابها وكذا في رواية زيد بن خالد الجهني عن عائشة عند مسلم فتعين أن السهوة بيت صغير علقت الستر على بابه قوله فيه تماثيل بمثناة ثم مثلثة جمع تمثال وهو الشيء المصور أعم من أن يكون شاخصا أو يكون نقشا أو دهانا أو نسجا في ثوب وفي رواية بكير بن الأشج عن عبد الرحمن بن القاسم عند مسلم أنها نصبت سترا فيه تصاوير قوله هتكه أي نزعه وقد وقع في الرواية التي بعدها فأمرني أن أنزعه فنزعته قوله أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله أي يشبهون ما يصنعونه بما يصنعه الله ووقع في رواية الزهري عن القاسم عند مسلم الذين يشبهون بخلق الله وقد تقدم الكلام على قوله أشد قبل بباب قوله فجعلناه وسادة أو وسادتين تقدم هذا الحديث في المظالم من طريق عبيد الله العمري عن عبد الرحمن بن القاسم بهذا السند قالت فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت يجلس عليهما وهو عند مسلم من وجه آخر عن عبيد الله بلفظ فأخذته فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت والنمرقة يأتي ضبطها في الباب الذي يليه ولمسلم من طريق بكير بن الأشج فقطعته وسادتين فقال رجل في المجلس يقال له ربيعة بن عطاء أفما سمعت أبا محمد يريد القاسم بن محمد يذكر أن عائشة قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما قال بن القاسم يعني عبد الرحمن لا قال لكني قد سمعته

[ 5611 ] قوله عبد الله بن داود هو الخربي بمعجمة وراء وموحدة مصغر وهشام هو بن عروة قوله درنوكا زاد مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام على بأبي والدرنوك بضم الدال المهملة وسكون الراء بعدها نون مضمومة ثم كاف ويقال فيه درموك بالميم بدل النون قال الخطابي هو ثوب غليظ له خمل إذا فرش فهو بساط وإذا علق فهو ستر قوله فيه تماثيل زاد في رواية أبي أسامة عند مسلم فيه الخيل ذوات الأجنحة واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ الصور إذا كانت لا ظل لها وهي مع ذلك مما يوطأ ويداس أو يمتهن بالاستعمال كالمخاد والوسائد قال النووي وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وهو قول الثوري ومالك وأبي حنفية والشافعي ولا فرق في ذلك بين ما له ظل وما لا ظل له فإن كان معلقا على حائط أو ملبوسا أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام قلت وفيما نقله مؤاخذات منها أن بن العربي من المالكية نقل أن الصورة إذا كان لها ظل حرم بالإجماع سواء كانت مما يمتهن أم لا وهذا الإجماع محله في غير لعب البنات كما سأذكره في باب من صور صورة وحكى القرطبي في المفهم في الصور التي لا تتخذ للابقاء كالفخار قولين أظهرهما المنع قلت وهل يلتحق ما يصنع من الحلوى بالفخار أو بلعب البنات محل تأمل وصحح بن العربي أن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها حرمت سواء كانت مما يمتهن أم لا وإن قطع رأسها أو فرقت هيئتها جاز وهذا المذهب منقول عن الزهري وقواه النووي وقد يشهد له حديث النمرقة يعني المذكورة في الباب الذي بعده وسيأتي ما فيه ومنها أن إمام الحرمين نقل وجها أن الذي يرخص فيه مما لا ظل له ما كان على ستر أو وسادة وأماما على الجدار والسقف فيمنع والمعنى فيه أنه بذلك يصير مرتفعا فيخرج عن هيئة الامتهان بخلاف الثوب فإنه بصدد أن يمتهن وتساعده عبارة مختصر المزني صورة ذات روح إن كانت منصوبة ونقل الرافعي عن الجمهور أن الصورة إذا قطع رأسها ارتفع المانع وقال المتولي في التتمة لا فرق ومنها أن مذهب الحنابلة جواز الصورة في الثوب ولو كان معلقا على ما في خبر أبي طلحة لكن إن ستر به الجدار منع عندهم قال النووي وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ما كان له ظل وأما ما لا ظل له فلا بأس باتخاذه مطلقا وهو مذهب باطل فإن الستر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل بغير شك ومع ذلك فأمر بنزعه قلت المذهب المذكور نقله بن أبي شيبة عن القاسم بن محمد بسند صحيح ولفظه عن بن عون قال دخلت على القاسم وهو بأعلى مكة في بيته فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء ففي إطلاق كونه مذهبا باطلا نظر إذ يحتمل أنه تمسك في ذلك بعموم قوله الا رقما في ثوب فإنه أعم من أن يكون معلقا أو مفروشا وكأنه جعل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة تعليق الستر المذكور مركبا من كونه مصورا ومن كونه ساترا للجدار ويؤيده ما ورد في بعض طرقه عند مسلم فأخرج من طريق سعيد بن يسار عن زيد بن خالد الجهني قال دخلت على عائشة فذكر نحو حديث الباب لكن قال فجذبه حتى هتكه وقال أن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين قال فقطعنا منه وسادتين الحديث فهذا يدل على أنه كره ستر الجدار بالثوب المصور فلا يساويه الثوب الممتهن ولو كانت فيه صورة وكذلك الثوب الذي لا يستر به الجدار والقاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة وكان من أفضل أهل زمانه وهو الذي روى حديث النمرقة فلولا أنه فهم الرخصة في مثل الحجلة ما استجاز استعمالها لكن الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك يدل على أنه مذهب مرجوح وأن الذي رخص فيه من ذلك ما يمتهن لا ما كان منصوبا وقد أخرج بن أبي شيبة من طريق أيوب عن عكرمة قال كانوا يقولون في التصاوير في البسط والوسائد التي توطأ ذل لها ومن طريق عاصم عن عكرمة قال كانوا يكرهون ما نصب من التماثيل نصبا ولا يرون بأسا بما وطئته الأقدام ومن طريق بن سيرين وسالم بن عبد الله وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير فرقهم أنهم قالوا لا بأس بالصورة إذا كانت توطأ ومن طريق عروة أنه كان يتكىء على المرافق فيها التماثيل الطير والرجال قوله في آخر الحديث وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كذا أورده عقب حديث التصوير وهو حديث آخر مستقل قد أفرده في كتاب الطهارة من وجه آخر عن الزهري عن عروة وأخرجه عقب حديث عائشة في صفة الغسل من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن عروة به وتقدم شرحه هناك وكأن البخاري سمع الحديث على هذه الصورة فأورده كما هو واغتفر ذلك لكون المتن قصيرا مع أن كثرة عادته التصرف في المتن بالاختصار والاقتصار وقال الكرماني يحتمل أن الدرموك كان في باب المغتسل أو اقتضى الحال ذكر الاغتسال إما بسحب سؤال وإما بغيره

قوله باب من كره القعود على الصور أي ولو كانت مما توطأ ذكر فيه حديثين الأول حديث عائشة

[ 5612 ] قوله جويرية بالجيم والراء مصغر قوله عن عائشة في رواية مالك عن نافع عن القاسم عن عائشة أنها أخبرته وسيأتي بعد بابين قوله نمرقة بفتح النون وسكون الميم وضم الراء بعدها قاف كذا ضبطها القزاز وغيره وضبطها بن السكيت بضم النون أيضا وبكسرها وكسر الراء وقيل في النون الحركات الثلاث والراء مضمومة جزما والجمع نمارق وهي الوسائد التي يصف بعضها إلى بعض وقيل النمرقة الوسادة التي يجلس عليها قوله فلم يدخل زاد مالك في روايته فعرفت الكراهية في وجهه قوله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت يستفاد منه جواز التوبة من الذنوب كلها إجمالا وأن لم يستحضر التائب خصوص الذنب الذي حصلت به مؤاخذته قوله ما هذه النمرقة في رواية مالك ما بال هذه قوله قلت لتجلس عليها في رواية مالك اشتريتها لتقعد عليها قوله وتوسدها بفتح أوله وبتشديد السين المهملة أصله تتوسدها قوله ان أصحاب هذه الصور الخ وفيه أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصور والجملة الثانية هي المطابقة لامتناعه من الدخول وإنما قدم الجملة الأولى عليها اهتماما بالزجر عن اتخاذ الصور لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لا تصنع الا لتستعمل فالصانع متسبب والمستعمل مباشر فيكون أولى بالوعيد ويستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون الصورة لها ظل أو لا ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة خلافا لمن استثنى النسج وادعى أنه ليس بتصوير وظاهر حديثي عائشة هذا والذي قبله التعارض لأن الذي قبله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم استعمل الستر الذي فيه الصورة بعد أن قطع وعملت منه الوسادة وهذا يدل على أنه لم يستعمله أصلا وقد أشار المصنف إلى الجمع بينهما بأنه لا يلزم من جواز اتخاذ ما يوطأ من الصور جواز القعود على الصورة فيجوز أن يكون استعمل من الوسادة ما لا صورة فيه ويجوز أن يكون رأى التفرقة بين القعود والاتكاء وهو بعيد ويحتمل أيضا أن يجمع بين الحديثين بأنها لما قطعت الستر وقع القطع في وسط الصورة مثلا فخرجت عن هيئتها فلهذا صار يرتفق بها ويؤيد هذا الجمع الحديث الذي في الباب قبله في نقض الصور وما سيأتي في حديث أبي هريرة المخرج في السنن وسأذكره في الباب بعده وسلك الداودي في الجمع مسلكا آخر فادعى أن حديث الباب ناسخ لجميع الأحاديث الدالة على الرخصة واحتج بأنه خبر والخبر لا يدخله النسخ فيكون هو الناسخ قلت والنسخ لا يثبت بالاحتمال وقد أمكن الجمع فلا يلتفت لدعوى النسخ وأما ما أحتج به فرده بن التين بأن الخبر إذا قارنه الأمر جاز دخول النسخ فيه

[ 5613 ] قوله عن بكير بالموحدة مصغر في رواية النسائي عن عيسى بن حماد عن الليث حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج وكذا عند أحمد عن حجاج بن محمد وهاشم بن القاسم عن الليث قوله عن بسر بضم الموحدة وسكون المهملة في رواية عمرو بن الحارث عن بكير أن بسر بن سعيد حدثه وقد مضت في بدء الخلق قوله عن زيد بن خالد هو الجهني الصحابي في رواية عمرو أيضا أن زيد بن خالد الجهني حدثه ومع بسر بن سعيد عبيد الله الخولاني الذي كان في حجر ميمونة قوله أبي طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري الصحابي المشهور وفي الإسناد تابعيان في نسق وصحابيان في نسق وعلى رواية بسر عن عبيد الله الخولاني للزيادة الآتي ذكرها يكون فيه ثلاثة من التابعين في نسق وكلهم مدنيون ووقع في رواية عمرو بن الحارث أن أبا طلحة حدثه قوله فيه صورة كذا لكريمة وغيرها وفي رواية أبي ذر عن مشايخه الا المستملي صور بصيغة الجمع وكذا في قوله فإذا على بابه ستر فيه صورة ووقع في رواية عمرو بن الحارث فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير وهي تقوي رواية أبي ذر قوله فقلت لعبيد الله الخولاني أي الذي كان معه كما بينته رواية عمرو بن الحارث وعبيد الله هو بن الأسود ويقال بن أسد ويقال له ربيب ميمونة لأنها كانت ربته وكان من مواليها ولم يكن بن زوجها وليس له في البخاري سوى هذا الحديث آخر تقدم في الصلاة من روايته عن عثمان قوله يوم الأول في رواية الكشميهني يوم أول قوله فقال عبيد الله ألم تسمعه حين قال إلا رقما في ثوب في رواية عمرو بن الحارث فقال أنه قال إلا رقما في ثوب ألا سمعته قلت لا قال بلى قد ذكره قوله وقال بن وهب أخبرني عمرو هو بن الحارث تقدم أنه وصله في بدء الخلق وقد بينت ما في روايته من فائدة زائدة ووقع عند النسائي من وجه آخر عن بسر بن سعيد عن عبيدة بن سفيان قال دخلت أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن على زيد بن خالد نعوده فوجدنا عنده نمرقتين فيهما تصاوير وقال أبو سلمة أليس حدثتنا فذكر الحديث فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إلا رقما في ثوب قال النووي يجمع بين الأحاديث بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجر ونحوها اه ويحتمل أن يكون ذلك قبل النهي كما يدل عليه حديث أبي هريرة الذي أخرجه أصحاب السنن وسأذكره في الباب الذي يليه وقال بن العربي حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع وإن كانت رقما فأربعة أقوال الأول يجوز مطلقا على ظاهر قوله في حديث الباب إلا رقما في ثوب الثاني المنع مطلقا حتى الرقم الثالث إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز قال وهذا هو الأصح الرابع إن كان مما يمتهن جاز وإن كان معلقا لم يجز

قوله باب كراهية الصلاة في التصاوير أي في الثياب المصورة

[ 5614 ] قوله عبد الوارث هو بن سعيد والإسناد كله بصريون قوله كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها تقدم ضبط القرام قريبا قوله أميطي أي أزيلي وزنه ومعناه قوله تمرض بفتح أوله وكسر الراء أي أنظر إليها فتشغلني ووقع في حديث عائشة عند مسلم أنها كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال أخريه عني ووجه انتزاع الترجمة من الحديث أن الصور إذا كانت تلهي المصلي وهي مقابله فكذا تلهيه وهو لابسها بل حالة اللبس أشد ويحتمل أن تكون في بمعنى إلى فتحصل المطابقة وهو اللائق بمراده فإن في المسألة خلافا فنقل عن الحنفية أنه لا تكره الصلاة إلى جهة فيها صورة إذا كانت صغيرة أو مقطوعة الرأس وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث عائشة أيضا في النمرقة لأنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت الذي كان فيه الستر المصور أصلا حتى نزعه وهذا يدل على أنه أقره وصلى وهو منصوب إلى أن أمر بنزعه من أجل ما ذكر من رؤيته الصورة حالة الصلاة ولم يتعرض لخصوص كونها صورة ويمكن الجمع بأن الأول كانت تصاويره من ذوات الأرواح وهذا كانت تصاويره من غير الحيوان كما تقدم تقريره في حديث زيد بن خالد

قوله باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة تقدم البحث في المراد بالصورة في باب التصاوير وقال القرطبي في المفهم إنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه الصورة لأن متخذها قد تشبه بالكفار لأنهم يتخذون الصور في بيوتهم ويعظمونها فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجرا له لذلك

[ 5615 ] قوله عمر بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر وسالم شيخه هو عم أبيه وهو بن عبد الله بن عمر قوله وعد جبريل النبي صلى الله عليه وسلم زادت عائشة في ساعة يأتيه فيها أخرجه مسلم قوله فراث عليه بالمثلثة أي أبطأ وفي حديث عائشة فجاءت تلك الساعة ولم يأته قوله حتى أشتد على النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة وفي يده عصا فألقاها من يده وقال ما يخلف الله وعده ولا رسله وفي حديث ميمونة عند مسلم نحو حديث عائشة وفيه أنه أصبح واجما بالجيم أي منقبضا قوله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه فشكا إليه ما وجد أي من إبطائه فقال له إنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب في هذا الحديث اختصار وحديث عائشة أتم ففيه ثم ألتفت فإذا جرو كلب تحت سريره فقالت يا عائشة متى دخل هذا الكلب فقالت وأيم الله ما دريت ثم أمر به فأخرج فجاء جبريل فقال واعدتني فجلست لك فلم تأت فقال منعني الكلب الذي كان في بيتك وفي حديث ميمونة فظل يومه على ذلك ثم وقع في نفسه جرو كلب فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه فلما أمسى لقيه جبريل وزاد فيه الأمر بقتل الكلاب وحديث أبي هريرة في السنن وصححه الترمذي وابن حبان أتم سياقا منه ولفظه أتاني جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي على باب البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية النسائي إما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بسطا توطأ وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أن الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول المكان التي تكون فيه باقية على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة فأما لو كانت ممتهنة أو غير ممتهنة لكنها غيرت من هيئتها إما بقطعها من نصفها أو بقطع رأسها فلا امتناع وقال القرطبي ظاهر حديث زيد بن خالد عن أبي طلحة الماضي قيل إن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي فيه صورة إن كانت رقما في الثوب وظاهر حديث عائشة المنع ويجمع بينهما بان يحمل حديث عائشة على الكراهة وحديث أبي طلحة على مطلق الجواز وهو لا ينافي الكراهة قلت وهو جمع حسن لكن الجمع الذي دل عليه حديث أبي هريرة أولى منه والله تعالى أعلم

قوله باب من لم يدخل بيتا فيه صورة ذكر فيه حديث عائشة في النمرقة وقد تقدم بيانه في باب من كره القعود على التصاوير قال الرافعي وفي دخول البيت الذي فيه الصورة وجهان قال الأكثر يكره وقال أبو محمد يحرم فلو كانت الصورة في ممر الدار لا داخل الدار كما في ظاهر الحمام أو دهليزها لا يمتنع الدخول قال وكان السبب فيه أن الصورة في الممر ممتهنة وفي المجلس مكرمة قلت وقصة إطلاق نص المختصر وكلام الماوردي وابن الصباغ وغيرهما لا فرق

قوله باب من لعن المصور ذكر فيه حديث أبي جحيفة وقد تقدم بيانه في باب الواشمة

قوله باب من صور صورة الخ كذا ترجم بلفظ الحديث ووقع عند النسفي باب بغير ترجمة وثبتت الترجمة عند الأكثر وسقط الباب والترجمة من رواية الإسماعيلي وعلى ذلك جرى بن بطال ونقل عن المهلب توجيه إدخال حديث الباب في الباب الذي قبله فقال اللعن في اللغة الابعاد من رحمة الله تعالى ومن كلف أن ينفخ الروح وليس بنافخ فقد أبعد من الرحمة

[ 5618 ] قوله حدثنا عياش هو بالتحتانية وبالشين المعجمة وعبد الأعلى هو بن عبد الأعلى وسعيد هو بن أبي عروبة والسند كله بصريون قوله سمعت النضر بن أنس بن مالك يحدث قتادة كان سعيد بن أبي عروبة كثير الملازمة لقتادة فاتفق أن قتادة والنضر بن أنس اجتمعا فحدث النضر قتادة فسمعه سعيد وهو معه ووقع في رواية المستملي وغيره يحدثه قتادة والضمير للحديث وقتادة بالنصب على المفعولية والفاعل النضر وضبطه بعضهم بالرفع على أن الضمير النضر وفاعل يحدث قتادة وهو خطأ لأنه لا يلائم قوله سمعت النضر ولأن قتادة لم يسمع من بن عباس ولا حضر عنده وقد تقدم تصريح البخاري بأن سعيدا سمع من النضر هذا الحديث الواحد ووقع في رواية خالد بن الحارث عن سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس أخرجها الإسماعيلي وقوله عن قتادة من المزيد في متصل الأسانيد فإن كان خالد حفظه احتمل أن يكون سعيد كان سمعه من قتادة عن النضر ثم لقي النضر فسمعه منه فكان يحدثه به على الوجهين وقد حدث به قتادة عن النضر من غير طريق سعيد أخرجها الإسماعيلي من رواية هشام الدستوائي عن قتادة قوله وهم يسألونه ولا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أي يجيبهم عما يسألونه بالفتوى من غير أن يذكر الدليل من السنة وقد وقع بيان ذلك عند الإسماعيلي من رواية بن أبي عدي عن سعيد ولفظه فجعلوا يستفتونه ويفتيهم ولم يذكر فيما يفتيهم النبي صلى الله عليه وسلم قوله حتى سئل فقال سمعت كذا أبهم المسألة وبينها بن أبي عدي عن سعد ففي روايته حتى أتاه رجل من أهل العراق أراه نجارا فقال إني أصور هذه التصاوير فما تأمرني فقال إذا سمعت وتقدم في البيوع من رواية سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند بن عباس إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس أني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي قوله من صور صورة في الدنيا كذا أطلق وظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه لكن الذي فهم بن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله كلف أن ينفخ فيها الروح فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر قوله كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ في رواية سعيد بن أبي الحسن فإن الله يعذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا واستعمال حتى هنا نظير استعمالها في قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذا قولهم لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب قال الكرماني ظاهره أنه من تكليف ما لا يطاق وليس كذلك وإنما القصد طول تعذيبه وإظهار عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله وقوله ليس بنافخ أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبا دائما وقد تقدم في باب عذاب المصورين من حديث بن عمر أنه يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم وأنه أمر تعجيز وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم فإن وعيد القاتل عمدا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده بحمل التخليد على مدة مديدة وهذا الوعيد أشد منه لأنه مغيا بما لا يمكن وهو نفخ الروح فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانا طويلا ثم يتخلص والجواب أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد وهذا في حق العاصي بذلك وأما من فعله مستحلا فلا إشكال فيه واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق فدل على أن غير الله ليس بخالق حقيقة وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس بذلك بجوهر وأما استثناء غير ذي الروح فورد مورد الرخصة كما قررته وفي قوله كلف يوم القيامة رد على من زعم أن الآخرة ليست بدار تكليف وأجيب بأن المراد بالنفي أنها ليست بدار تكليف بعمل يترتب عليه ثوابل أو عقاب وأما مثل هذا التكليف فليس بممتنع لأنه نفسه عذاب وهو نظير الحديث الآخر من قتل نفسه بحديدة فحديدة في يده يجأ بها نفسه يوم القيامة وسيأتي في موضعه وأيضا فالتكليف بالعمل في الدنيا حسن على مصطلح أهل علم الكلام بخلاف هذا التكليف الذي هو عذاب واستدل به على جواز التكليف بما لا يطاق والجواب ما تقدم وأيضا فنفخ الروح في الجماد قد ورد معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يمكن وإن كان في وقوعه خرق عادة والحق أنه خطاب تعجيز لا تكليف كما تقدم والله أعلم وقد تقدم في باب بيع التصاوير في أواخر البيوع زيادة سعيد بن أبي الحسن في روايته أن بن عباس قال للرجل ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر الحديث مع ضبط لفظه وإعرابه واستدل به على جواز تصوير ما لا روح له من شجر أو شمس أو قمر ونقل الشيخ أبو محمد الجويني وجها بالمنع لأن من الكفار من عبدها قلت ولا يلزم من تعذيب من يصور ما فيه روح بما ذكر تجويز تصوير ما لا روح فيه فإن عموم قوله الذين يضاهون بخلق الله وقوله ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي يتناول ما فيه روح وما لا روح فيه فإن خص ما فيه روح بالمعنى من جهة أنه مما لم تجر عادة الآدميين بصنعته وجرت عادتهم بغرس الأشجار مثلا أمتنع ذلك في مثل تصوير الشمس والقمر ويتأكد المنع بما عبد من دون الله فإنه يضاهي صورة الأصنام التي هي الأصل في منع التصوير وقد قيد مجاهد صاحب بن عباس جواز تصوير الشجر بما لا يثمر وأما ما يثمر فألحقه بما له روح قال عياض لم يقله أحد غير مجاهد ورده الطحاوي بأن الصورة لما أبيحت بعد قطع رأسها التي لو قطعت من ذي الروح لما عاش دل ذلك على إباحة ما لا روح له أصلا قلت وقضيته أن تجويز تصوير ما له روح بجميع أعضائة إلا الرأس فيه نظر لا يخفى وأظن مجاهدا سمع حديث أبي هريرة الماضي ففيه فليخلقوا ذرة وليخلقوا شعيرة فإن في ذكر الذرة إشارة إلى ما له وفي ذكر الشعيرة إشارة إلى ما ينبت مما يؤكل وأما ما لا روح فيه ولا يثمر فلا تقع الإشارة إليه ويقابل هذا التشديد ما حكاه أبو محمد الجويني أن نسج الصورة في الثوب لا يمتنع لأنه قد يلبس وطرده المتولي في التصوير على الأرض ونحوها وصحح النووي تحريم جميع ذلك قال النووي ويستثنى من جواز تصوير ما له ظل ومن اتخاذه لعب البنات لما ورد من الرخصة في ذلك قلت وسأذكر ذلك في كتاب الأدب واضحا إن شاء الله تعالى

قوله باب الاردتداف على الدابة أي إركاب راكب الدابة خلفه غيره وقد كنت استشكلت إدخال هذه التراجم في كتاب اللباس ثم ظهر لي أن وجهه أن الذي يرتدف لا يأمن من السقوط فينكشف فأشار أن احتمال السقوط لا يمنع من الارتداف إذا الأصل عدمه فيتحفظ المرتدف إذا ارتدف من السقوط وإذا سقط فليبادر إلى الستر وتلقيت فهم ذلك من حديث أنس في قصة صفية الآتي في باب أرداف المرأة خلف الرجل وقال الكرماني الغرض الجلوس على لباس الدابة وأن تعدد أشخاص الراكبين عليها والتصريح بلفظ القطيفة في الحديث الثامن مشعر بذلك

[ 5619 ] قوله أبو صفوان هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي قوله ركب على حمار هو طرف من حديث طويل تقدم أصله في العلم ويأتي بهذا السند في الاستئذان ثم في الرقاق وهو ظاهر في مشروعية الارتداف

قوله باب الثلاثة على الدابة كأنه يشير إلى الزيادة التي في حديث الباب الذي بعده والأصل في ذلك ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ثلاثة على دابة وسنده ضعيف وأخرج الطبري عن أبي سعيد رفعه لا يركب الدابة فوق اثنين وفي سنده لين وأخرج بن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال لينزل أحدكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث ومن طريق أبي بردة عن أبيه نحوه ولم يصرح برفعه ومن طريق الشعبي قوله مثله ومن حديث المهاجر بن قنفذ أنه لعن فاعل ذلك وقال إنا قد نهينا أن يركب الثلاثة على الدابة وسنده ضعيف وأخرج الطبري عن علي قال إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتي ينزل أحدهم وعكسه ما أخرجه الطبري أيضا بسند جيد عن بن مسعود قال كان يوم بدر ثلاثة على بعير وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة أيضا من طريق الشعبي عن بن عمر قال ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك وبهذا يجمع بين مختلف الحديث في ذلك فيحمل ما ورد في الزجر عن ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلا وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة قال النووي مذهبنا ومذاهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقا وهو فاسد قلت لم يصرخ أحد بالجواز مع العجز ولا بالمنع مع الطاقة بل المنقول من المطلق في المنع والجواز محمول على المقيد

[ 5620 ] قوله خالد هو بن مهران الحذاء قوله لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة يعني في الفتح قوله استقبله في رواية الكشميهني استقبلته وأغيلمة تصغير غلمة وهو جمع غلام على غير قياس والقياس غليمة وقال بن التين كأنهم صغروا أغلمة على القياس وإن كانوا لم ينطقوا بأغلمة قال ونظيره أصيبية وإضافتهم إلى عبد المطلب لكونهم من ذريته قوله فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه قد فسرهما في الرواية التي بعد هذه ووقع عند الطبراني في رواية بن أبي مليكة عن بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان حينئذ راكبا على ناقته ووقع له ذلك في قصة أخرى أخرجها مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مؤرق العجلي حدثني عبد الله بن جعفر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بنا فيلقى بي وبالحسن أو بالحسين فحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى دخلنا المدينة وتقدم حديث آخر لعبد الله بن جعفر في المعنى في أواخر الجهاد ووقع في قصة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راكبا على بغلته الشهباء عند قدومه المدينة أخرجه مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامة وهذا خلفه ووقع في حديث بريدة الذي سأذكره في الباب بعده أنه ركب على حمار وأردف واحدا خلفه وهو يقوي الجمع الذي أشرت إليه في الباب

قوله باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه وقال بعضهم صاحب الدابة أحق بصدر الدابة إلا أن يأذن له ثبت هذا التعليق عند النسفي وهو لأبي ذر عن المستملي وحده والبعض المبهم هو الشعبي أخرجه بن أبي شيبة عنه وقد جاء ذلك مرفوعا أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه بن حبان والحاكم من طريق حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ جاءه رجل ومعه حمار فقال يا رسول الله اركب وتأخر الرجل فقال لأنت أحق بصدر دابتك إلا أن تجعله لي قال قد جعلته لك فركب وهذا الرجل هو معاذ بن جبل بينه حبيب بن الشهيد في روايته عن عبد الله بن بريدة لكنه أرسله أخرجه بن أبي شيبة من طريقه قال بن بطال كأن البخاري لم يرتض إسناده يعني حديث بريدة فأدخل حديث بن عباس ليدل على معناه قلت ليس هو على شرطه فلذلك اقتصر على الإشارة إليه وقد وجدت له شاهدا من حديث النعمان بن بشير أخرجه الطبراني وفيه زيادة الاستثناء وأخرج أحمد من حديث قيس بن سعد بدون هذه الزيادة وفي الباب عدة أحاديث مرفوعة وموقوفة بمعنى ذلك قال بن العربي إنما كان الرجل أحق بصدر دابته لأنه شرف والشرف حق المالك ولأنه يصرفها في المشي حيث شاء وعلى أي وجه أراد من إسراع أبو بطء ومن طول أو قصر بخلاف غير المالك وقوله في حديث بريدة إلا أن تجعله لي يريد الركوب على مقدم الدابة وفيه نظر لأن الرجل قد تأخر وقال له يا رسول الله اركب أي في المقدم فدل على أنه جعله له ويمكن أن يجاب بان المراد أنه طلب منه أن يجعله له صريحا أو الضمير للتصرف في الدابة بعد الركوب كيف أراد كما أشار إليه بن العربي في حق صاحب الدابة فكأنه قال اجعل حقك لي كله من الركوب على مقدم الدابة وما يترتب على ذلك

[ 5621 ] قوله ذكر شر الثلاثة عند عكرمة كذا للمستملي وفي رواية الكشميهني أشر بزيادة ألف أوله وفي رواية الحموي الأشر فأما أشر بزيادة ألف فهي لغة تقدم تقريرها في شرح حديث عبد الله بن سلام ففيه قالوا أخيرنا وابن أخيرنا وجاء في المثل صغراها أشرها وقالوا أيضا نعوذ بالله من نفس حرى وعين شرى أي ملآي من الشر وهو مثل أصغر وصغرى وأما الرواية بزيادة اللام فهو مثل قولهم الحسن الوجه والواهب المائة والمراد بلفظ الشر لأن أفعل التفضيل لا يستعمل على هذه الصور إلا نادرا قوله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الهمزة من أتى ورسول الله بالرفع أي جاء وقد حمل قئم بين يديه والفضل خلفه وهما ولدا العباس بن عبد المطلب وأخوا عبد الله بن عباس راوي الحديث قوله أو قئم خلفه شك من الراوي وقثم بقاف ومثلثة وزن عمر ليس له في البخاري رواية وهو صحابي وذكره الحافظ عبد الغني مع غير الصحابة فوهم قوله فأيهم شر أو أيهم خير هذا كلام عكرمة يرد به على من ذكر له شر الثلاثة وقال الداودي إن ثبت الخبر في ذلك قدم على هذا ويكون ناسخا له لأن الفعل يدخله النسخ والخبر لا يدخله النسخ كذا قال ودعوى النسخ هنا في غاية البعد والجمع الذي أشار إليه الطبري أولا أولى

قوله باب أرداف الرجل خلف الرجل ذكر فيه حديث معاذ بن جبل وقد تقدم في الجهاد وأحيل بشرحه على هذا المكان واللائق به كتاب الرقاق فقد ذكره فيه بهذا السند والمتن تاما فليشرح هناك والمقصود منه هنا من الإرداف واضح ووقع في شرح بن بطال باب بلا ترجمة وقال كان ينبغي له أن يورده مع حديث أسامة في باب الإرتداف وقد عرف جوابه وقوله

[ 5622 ] كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم الردف والرديف الراكب خلف الراكب بإذنه وردف كل شيء مؤخره وأصله من الركوب على الردف وهو العجز ولهذا قيل للراكب الأصلي ركب صدر الدابة وردفت الرجل إذا ركبت وراءه وأردفته إذا أركبته وراءك وقد أفرد بن منده أسماء من أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فبلغوا ثلاثين نفسا

قوله باب أرداف المرأة خلف الرجل ذا محرم كذا للأكثر والنصب على الحال ولبعضهم ذي محرم على الصفة واقتصر النسفي على خلف الرجل فلم يذكر ما بعده

[ 5623 ] قوله أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وإني لرديف أبي طلحة وهو يسير وبعض نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عثرت الناقة فقلت المرأة فنزلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أمكم فشددت الرحل كذا في هذه الرواية وظاهره أن الذي قال ذلك وفعله هو أنس وقد تقدم في أواخر الجهاد من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق وفيه أن الذي فعل ذلك أبو طلحة وأن الذي قال المرأة رسول لله صلى الله عليه وسلم ولفظه أنه أقبل هو وأبو طلحة ومع النبي صلى الله عليه وسلم صفية يردفها على راحلته فلما كان ببعض الطريق عثرت الدابة فصرع النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة وأن أبا طلحة أحسبه قال اقتحم عن بعيره فقال يا نبي الله هل أصابك من شيء قال لا ولكن عليك المرأة فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه فقصد قصدها فألقى ثوبه عليها فقامت المرأة فشد لهما على راحلتهما فركبا الحديث وفي أخرى عن يحيى بن أبي إسحاق أيضا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وقد أردف صفية بنت حي فعثرت ناقته فساقه نحوه فيستفاد من هاتين الطريقتين تسمية المرأة وأن الذي تولى شد الرحل وغير ذلك مما ذكر هو أبو طلحة لا أنس والاختلاف فيه على يحيى بن أبي إسحاق رواية عن أنس فقال شعبة عنه ما في هذا الباب وقال عبد الوارث وبشر بن المفضل كلاهما عنه ما أشرت إليه في الجهاد وهو المعتمد فإن القصة واحدة ومخرج الحديث واحد واتفاق اثنين أولى من انفراد واحد ولا سيما أن أنسا كان إذ ذاك يصغر عن تعاطي ذلك الأمر وأن كان لا يمتنع أن يساعد عمه أبا طلحة على شيء من ذلك والله أعلم فقد يرتفع الاشكال بهذا وفي الحديث أنه لا بأس للرجل أن يتدارك المرأة الأجنبية إذا سقطت أو كادت تسقط فيعينها على التخلص مما يخشى عليها

قوله باب الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى وجه دخول هذه الترجمة في كتاب اللباس من جهة أن الذي يفعل ذلك لا يأمن من الانكشاف ولا سيما الاستلقاء يستدعى النوم والنائم لا يتحفظ فكأنه أشار إلى أن من فعل ذلك ينبغي أن يتحفظ لئلا ينكشف وذكر فيه حديث عباد بن تميم عن عمه وهو عبد الله بن زيد وفيه ثبوت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزاد عند الإسماعيلي في روايته في آخر الحديث وأن أبا بكر كان يفعل ذلك وعمر وعثمان وكأنه لم يثبت عنده النهي عن ذلك وهو فيما أخرجه مسلم من حديث جابر رفعه لا يستلقين أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى أو ثبت لكنه رآه منسوخا وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى خاتمة اشتمل كتاب اللباس من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث واثنين وعشرين حديثا المعلق منها وما أشبه ستة وأربعون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة واثنان وثمانون حديثا والخالص أربعون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار وحديث الزبير في لبس الحرير وحديث أم سلمة في شعر النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أنس كان لا يرد الطيب وحديث أبي هريرة في لعن الواصلة وحديثه لا تشمن وحديث عائشة في نقض الصور وحديث بن عمر في وعد جبريل ومنه لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة وقد أخرجه مسلم من حديث عائشة وحديث صاحب الدابة أحق بصدرها على أنه لم يصرح برفعه وهو مرفوع على ما بينته وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم تسعة عشر أثرا والله أعلم