كتاب الأدب
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأدب قوله باب البر والصلة وقول الله سبحانه وتعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا كذا للأكثر وحذف بعضهم لفظ البر والصلة وبعضهم البسملة واقتصر النسفي على قوله كتاب البر والصلة الخ ووقع في أول الأدب المفرد للبخاري باب ما جاء في قول الله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وكتاب الأدب المفرد يشتمل على أحاديث زائدة على ما في الصحيح وفيه قليل من الآثار الموقوفة وهو كثير الفائدة والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق وقيل الوقوف مع المستحسنات وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك وقيل أنه مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى الطعام سمي بذلك لأنه يدعى إليه وهذه الآية وقعت بهذا اللفظ في العنكبوت وفي الأحقاف لكن المراد هنا التي في العنكبوت وقال بن بطال ذكر أهل التفسير أن هذه الآية التي في لقمان نزلت في سعد بن أبي وقاص كذا قال أنها التي في لقمان وليس كذلك وقد أخرج مسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال حلفت أم سعد لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه قالت زعمت أن الله أوصاك بوالديك فأنا أمك وأنا آمرك بهذا فنزلت ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا كذا وقع عنده وفيه انتقال من آية إلى آية فإن في آية العنكبوت وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم والمذكور عنده بعد قوله وان جاهداك على الخ إنما هو في لقمان وقد وقع عند الترمذي إلى قوله حسنا الآية فقط ومثله عند أحمد لكن لم يقل الآية ووقع في أخرى لأحمد ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وقرأ حتى بلغ بما كنتم تعملون وهذا القدر الأخير إنما هو في آية العنكبوت وأوله من آية لقمان ويظهر لي أن الآيتين معا كانتا في الأصل ثابتتين فسقط بعضهما على بعض الرواة والله أعلم واسم أم سعد بن أبي وقاص حمنة بفتح المهملة وسكون الميم بعدها نون بنت سفيان بن أمية وهي ابنة عم أبي سفيان بن حرب بن أمية ولم أر في شيء من الأخبار أنها أسلمت واقتضت الآية الوصية بالوالدين والأمر بطاعتهما ولو كانا كافرين إلا إذا أمرا بالشرك فتجب معصيتهما في ذلك ففيها بيان ما أجمل في غيرها وكذا في حديث الباب من الأمر ببرهما

[ 5625 ] قوله قال الوليد بن عيزار أخبرني هو من تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز وكان شعبة يستعمله كثيرا ووقع لبعضهم العيزار بزيادة ألف ولام في أوله وكذا تقدم في أوائل الصلاة مع كثير من فوائد الحديث ولله الحمد وقال بن التين تقديم البر على الجهاد يحتمل وجهين أحدهما التعدية إلى نفع الغير والثاني أن الذي يفعله يرى أنه مكافأة على فعلهما فكأنه يرى أن غيره أفضل منه فنبهه على إثبات الفضيلة فيه قلت والأول ليس بواضح ويحتمل أنه قدم لتوقف الجهاد عليه إذ من بر الوالدين استئذانهما في الجهاد لثبوت النهي عن الجهاد بغير اذنهما كما يأتي قريبا

قوله باب من أحق الناس بحسن الصحبة الصحبة والصحابة مصدران بمعنى وهو المصاحبة أيضا

[ 5626 ] قوله حدثنا جرير هو بن عبد الحميد قوله عمارة بن القعقاع بن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة كذا للأكثر ووقع عند النسفي وكذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي عن عمارة بن القعقاع وابن شبرمة بزيادة واو والصواب حذفها فإن رواية بن شبرمة قد علقها المصنف عقب رواية عمارة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق زهير بن حرب عن جرير عن عمارة حسب قوله جاء رجل يحتمل أنه معاوية بن حيدة بفتح المهملة وسكون التحتانية وهو جد بهز بن حكيم فقد أخرج المصنف في الأدب المفرد من حديثه قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك الحديث وأخرجه أبو داود والترمذي قوله فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي في رواية محمد بن فضيل عن عمارة عند مسلم بحسن الصحبة وعنده في رواية شريك عن عمارة وابن شبرمة جميعا عن أبي زرعة قال مثل رواية جرير وزاد فقال نعم وأبيك لتنبأن وقد أخرجه بن ماجة من هذا الوجه مطولا وزاد فيه حديث أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح وأخرجه أحمد من طريق شريك فقال في أوله يا رسول الله نبئني بأحق الناس مني صحبة ووجدته في النسخة بلفظ فقال نعم والله بدل وأبيك فلعلها تصحفت وقوله وأبيك لم يقصد به القسم وإنما هي كلمة تجري لإرادة تثبيت الكلام ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل النهي عن الحلف بالآباء قوله قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال أبوك كذا للجميع بالرفع ووقع عند مسلم من هذا الوجه وعند المصنف في الأدب المفرد من وجه آخر بالنصب وفي آخره ثم أباك والأول ظاهر ويخرج الثاني على إضمار فعل ووقع صريحا عند المصنف في الأدب المفرد كما سأنبه عليه وهكذا وقع تكرار الأم ثلاثا وذكر الأب في الرابعة وصرح بذلك في الرواية يحيى بن أيوب ولفظه ثم عاد الرابعة فقال بر أباك وكذا وقع في رواية بهز بن حكيم وزاد في آخره ثم الأقرب فالأقرب وله شاهد من حديث خداش أبي سلامة رفعه أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأبيه أوصي امرأ بمولاه الذي يليه وإن كان عليه فيه أذى يؤذيه أخرجه بن ماجة والحاكم قال بن بطال مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر قال وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين فسوى بينهما في الوصاية وخص الأم بالأمور الثلاثة قال القرطبي المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة وقال عياض وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب وقيل يكون برهما سواء ونقله بعضهم عن مالك والصواب الأول قلت إلى الثاني ذهب بعض الشافعية لكن نقل الحارث المحاسبي الإجماع على تفضيل الأم في البر وفيه نظر والمنقول عن مالك ليس صريحا في ذلك فقد ذكره بن بطال قال سئل مالك طلبني أبي فمنعتني أمي قال أطع أباك ولا تعص أمك قال بن بطال هذا يدل على أنه يرى برهما سواء كذا قال وليست الدلالة على ذلك بواضحة قال وسئل الليث يعني عن المسألة بعينها فقال أطع أمك فإن لها ثلثي البر وهذا يشير إلى الطريق التي لم يتكرر ذكر الأم في الأمرتين وقد وقع كذلك في رواية محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عند مسلم في الباب ووقع كذلك في حديث المقدام بن معدي كرب فيما أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد بن ماجة وصححه الحاكم ولفظه إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بآبائكم ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب وكذا وقع في حديث بهز بن حكيم كما تقدم وكذا في آخر رواية محمد بن فضيل المذكورة عند مسلم بلفظ ثم أدناك فأدناك وفي حديث أبي رمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك أخرجه الحاكم هكذا وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن حبان والمراد بالدنو القرب إلى البار قال عياض تردد بعض العلماء في الجد والأخ والأكثر على تقديم الجد قلت وبه جزم الشافعية قالوا يقدم الجد ثم الأخ ثم يقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم ويقدم منهم المحارم على من ليس بمحرم ثم سائر العصبات ثم المصاهرة ثم الولاء ثم الجار وسيأتي الكلام على حكمة بعد وأشار بن بطال إلى أن الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة وهو واضح وجاء ما يدل على تقديم الأم في البر مطلقا وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة قال زوجها قلت فعلى الرجل قال أمه ويؤيد تقديم الأم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال أنت أحق به ما لم تنكحي كذا أخرجه الحاكم وأبو داود فتوصلت لاختصاصها به باختصاصه بها في الأمور الثلاثة قوله وقال بن شبرمة ويحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله أما بن شبرمة فهو عبد الله الفقيه المشهور الكوفي وهو بن عم عمارة بن القعقاع المذكور قبل وطريقه هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا وهيب بن خالد عن بن شبرمة سمعت أبا زرعة فذكر بلفظ قيل يا رسول الله من أبر والباقي مثل رواية جرير سواء لكن على سياق مسلم وأما يحيى بن أيوب فهو حفيد أبي زرعة بن عمرو بن جرير شيخه في هذا الحديث ولهذا يقال له الجريري وطريقه هذه وصلها المؤلف أيضا في الأدب المفرد وأحمد كلاهما من طريق عبد الله هو بن المبارك أنبأنا يحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة فذكره بلفظ أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تأمرني فقال بر أمك ثم عاد الحديث وكذا هو في كتاب البر والصلة لابن المبارك ونقل المحاسبي الإجماع على أن الأم مقدمة في البر على الأب

قوله باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد وحبيب المذكور في السند هو حبيب بن أبي ثابت وسفيان في الطريقين هو الثوري وترجم له هناك في الجهاد بإذن الأبوين ووقع عند أحمد من حديث أبي سعيد هاجر رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل باليمن أبواك قال نعم قال أذنا لك قال لا قال ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك وإلا فبرهما وقوله

[ 5627 ] ففيهما فجاهد أي إن كان لك أبوان فأبلغ جهدك في برهما والإحسان إليهما فإن ذلك يقوم لك مقام قتال العدو

قوله باب لا يسب الرجل والديه أي ولا أحدهما أي لا يتسبب إلى ذلك

[ 5628 ] قوله ان من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه سيأتي بعد باب عد العقوق في أكبر الكبائر والمذكور هنا فرد من أفراد العقوق وإن كان التسبب إلى لعن الوالد من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنه أشد وترجم بلفظ السب وساقه بلفظ اللعن إشارة إلى ما وقع في بقية الحديث وقد وقع أيضا في بعض طرقه وهو في الأدب المفرد من طريق عروة بن عياض سمع عبد الله بن عمرو يقول من الكبائر عند الله أن يسب الرجل والده وقد أخرجه المصنف في الأدب المفرد من طريق سفيان الثوري ومسلم من طريق يزيد بن الهاد كلاهما عن سعد بن إبراهيم بلفظ من الكبائر شتم الرجل وفي رواية المصنف أن يشتم الرجل والديه قوله قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه هو استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم بأبي ذلك فبين في الجواب أنه وأن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر لكن قد يقع منه التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه كثيرا قال بن بطال هذا الحديث أصل في سد الذرائع ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وأن لم يقصد إلى ما يحرم والأصل في هذا الحديث قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله الآية واستنبط منه الماوردي منه بيع الثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه والغلام الأمرد ممن يتحقق أنه يفعل به الفاحشة والعصير ممن يتحقق أنه يتخذه خمرا وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة فيه دليل على عظم حق الأبوين وفيه العمل بالغالب لأن الذي يسب أبا الرجل يجوز أن يسب الآخر أباه ويجوز أن لا يفعل لكن الغالب أن يجيبه بنحو قوله وفيه مراجعة الطالب لشيخه فيما يقوله مما يشكل عليه وفيه إثبات الكبائر وسيأتي البحث فيه قريبا وفيه أن الأصل يفضل الفرع بأصل الوضع ولو فضله الفرع ببعض الصفات

قوله باب إجابة دعاء من بر والديه ذكر فيه قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم فم الغار حتى ذكروا أعمالهم الصالحة ففرج عنهم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإجارة وقوله

[ 5629 ] في هذه الرواية على فم غارهم في رواية الكشميهني باب بدل فم وقوله فأطبقت تقدم توجيهه في أواخر أحاديث الأنبياء ووقع هنا في رواية الكشميهني فتطابقت وقوله نأى أي بعد والشجر بمعجمة وجيم للأكثر وفي رواية الكشميهني بالمهملتين والأول أولى فإن في الخبر أنه رجع بعد أن ناما فأقام ينتظر استيقاظهما إلى الصباح حتى انتبها من قبل أنفسهما وإنما قال بعد بي الشجر أي لطلب المرعى وقوله فرجة يرون منها السماء في روايته حتى رأوا ووقع هنا للحموي وقص الحديث بطوله وساقه الباقون وقوله يحب الرجال النساء في رواية الكشميهني الرجل بالافراد وقوله تلك البقر في رواية الكشميهني ذلك البقر في الموضعين والإشارة فيه إلى الجنس

قوله باب بالتنوين قوله عقوق الوالدين من الكبائر قاله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا في رواية أبي ذر عمر بضم العين وللأصيلي عمرو بفتحها وكذا هو في بعض النسخ عن أبي ذر وهو المحفوظ وسيأتي في كتاب الأيمان والنذور موصولا من رواية الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكبائر الأشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس ولابن عمر حديث في العاق أخرجه النسائي والبزار وصححه بن حبان والحاكم بلفظ ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان وأخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أيضا نحو حديث بن عمر هذا لكن قال الديوث بدل المنان والديوث بمهملة ثم تحتانية وآخره مثلثة بوزن فروج وقع تفسيره في نفس الخبر أنه الذي يقر الخبث في أهله والعقوق بضم العين المهملة مشتق من العق وهو القطع والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد وضبطه بن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا واستحبابها في المندوبات وفروض الكفاية كذلك ومنه تقديمها عند تعارض الامرين وهو كمن دعته أمه ليمرضها مثلا بحيث يفوت عليه فعل واجب إن استمر عندها ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها وغير ذلك لو تكرها وفعله وكان مما يمكن تداركه مع فوات الفضيلة كالصلاة أول الوقت أو في الجماعة ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أيضا أولها حديث المغيرة بن شعبة

[ 5630 ] قوله عن منصور هو بن المعتمر والمسيب هو بن رافع ووراد هو كاتب المغيرة بن شعبة والسند كله كوفيون ووقع التصريح بسماع منصور له من المسيب في الدعوات وقد تقدم في الاستقراض من رواية عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور كالذي هنا وذكر المزي في الأطراف أن في رواية منصور عن المسيب عند البخاري ذكر عقوق الأمهات فقط وليس كما قال بل هو بتمامه في الموضعين لكنه في الأصل طرف من حديث مطول سيأتي في القدر من طريق عبد الملك بن عمير وفي الرقاق من طريق الشعبي كلاهما عن وراد أن معاوية كتب إلى المغيرة أن أكتب إلي بحديث سمعته فذكر الحديث في التهليل عقب الصلوات قال وكان ينهى فذكر ما هنا وسيأتي في الدعوات أوله فقط من رواية قتيبة عن جرير دون ما في آخره والحاصل أنه فرقه من حديث جرير عن منصور في موضعين ويحتمل أنه كان عند شيخه هكذا وتقدم في الزكاة من طريق أخرى عن الشعبي مقتصرا على الذي هنا أيضا قوله ان الله حرم عليكم عقوق الأمهات تقدم في الاستقراض الإشارة إلى حكمة اختصاص الأم بالذكر وهو من تخصيص الشيء بالذكر إظهارا لعظم موقعه والأمهات جمع أمهة وهي لمن يعقل بخلاف لفظ الأم فإنه أعم قوله ومنعا وهات وقع في رواية غير أبي ذر وفي الاستقراض ومنع بغير تنوين وهي في الموضعين بسكون النون مصدر منع يمنع وسيأتي ما يتعلق به في الكلام على قيل وقال وأما هات فبكسر المثناة فعل أمر من الايتاء قال الخليل أصل هات آت فقلبت الألف هاء والحاصل من النهي منع ما أمر باعطائه وطلب ما لا يستحق أخذه ويحتمل أن يكون النهي عن السؤال مطلقا كما سيأتي بسط القول فيه قريبا ويكون ذكره هنا مع ضده ثم أعيد تأكيدا للنهي عنه ثم هو محتمل أن يدخل في النهي ما يكون خطابا لاثنين كما ينهى الطالب عن طلب ما لا يستحقه وينهى المطلوب منه عن إعطاء ما لا يستحقه الطالب لئلا يعينه على الإثم قوله ووأد البنات بسكون الهمزة هو دفن البنات بالحياة وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن ويقال أن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي وكان بعض أعدائه أغار عليه فاسر بنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية فتبعه العرب في ذلك وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقا إما نفاس منه على ما ينقصه من ماله وإما من عدم ينفقه عليه وقد ذكر الله أمرهم في القرآن في عدة آيات وكان صعصعة بن ناجية التميمي أيضا وهو جد الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة أول من فدى الموءودة وذلك أنه يعمد إلى من يريد أن يفعل ذلك فيفدى الولد منه بمال يتفقان عليه وإلى ذلك أشار الفرزدق بقوله وجدي الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم يوأد وهذا محمول على الفريق الثاني وقد بقي كل من قيس وصعصعة إلى أن أدركا الإسلام ولهما صحبة وإنما خص البنات بالذكر لأنه كان الغالب من فعلهم لأن الذكور مظنة القدرة على الاكتساب وكانوا في صفة الوأد على طريقين أحدهما أن يأمر امرأته إذا قرب وضعها أن تطلق بجانب حفيرة فإذا وضعت ذكرا أبقته وإذا وضعت أنثى طرحتها في الحفيرة وهذا أليق بالفريق الأول ومنهم من كان إذا صارت البنت سداسية قال لأمها طيبيها وزينيها لأزور بها أقاربها ثم يبعد بها في الصحراء حتى يأتي البئر فيقول لها انظري فيها ويدفعها من خلفها ويطمها وهذا اللائق بالفريق الثاني والله أعلم قوله وكره لكم قيل وقال في رواية الشعبي وكان ينهى عن قيل وقال كذا للأكثر في جميع المواضع بغير تنوين ووقع في رواية الكشميهني هنا قيلا وقالا والأول أشهر وفيه تعقب على من زعم أنه جائز ولم تقع به الرواية قال الجوهري قيل وقال اسمان يقال كثير القيل والقال كذا جزم بأنهما اسمان وأشار إلى الدليل على ذلك بدخول الألف واللام عليهما وقال أين دقيق العيد لو كانا اسمين بمعنى واحد كالقول لم يكن لعطف أحدهما على الآخر فائدة فأشار إلى ترجيح الأول وقال المحب الطبري في قيل وقال ثلاثة أوجه أحدها أنهما مصدران للقول تقول قلت قولا وقيلا وقالا والمراد في الأحاديث الأشارة إلى كراهة كثرة الكلام لأنها تئول إلى الخطأ قال وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه ثانيها إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها ليخبر عنها فيقول قال فلان كذا وقيل كذا والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه وإما لشيء مخصوص منه وهو ما يكرهه المحكى عنه ثالثها أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين كقوله قال فلان كذا وقال فلان كذا ومحل كراهة ذلك أن يكثر من ذلك بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت ولكن يقلد من سمعه ولا يحتاط له قلت ويؤيد ذلك الحديث الصحيح كفى بالمرء إنما أن يحدث بكل ما سمع أخرجه مسلم وفي شرح المشكاة قوله قيل وقال من قولهم قيل كذا وقال كذا وبناؤهما على كونهما فعلين محكيين متضمنين للضمير والأعرب على إجرامهما مجرى الأسماء خلوين من الضمير ومنه قوله إنما الدنيا قيل وقال وإدخال حرف التعريف عليهما في قوله ما يعرف القال القيل لذلك قوله وكثرة السؤال تقدم في كتاب الزكاء بيان الاختلاف في المراد منه وهل هو سؤال المال أو السؤال عن المشكلات والمعضلات أو أعم من ذلك وأن الأولى حمله على العموم وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود من حديث معاوية وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ وأما ما تقدم في اللعان فكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها وكذا في التفسير في قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم فذلك خاص بزمان نزول الوحي ويشير إليه حديث أعظم الناس جرما عند الله من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته وثبت أيضا ذم السؤال للمال ومدح من لا يلحف فيه كقوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا وتقدم في الزكاة حديث لا تزال المسألة بالعبد حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لهم وفي صحيح مسلم أن المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو غرم مفظع أو جائحة وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس إذا سألت فاسأل الله وفي سنن أبي داو إن كنت لا بد سائلا فاسأل الصالحين وقد اختلف العلماء في ذلك والمعروف عند الشافعية أنه جائز لأنه طلب مباح فأشبه العارية وحملوا الأحاديث الواردة على من سأل من الزكاة الواجبة ممن ليس من أهلها لكن قال النووي في شرح مسلم اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة قال واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث والثاني يجوز مع الكراهة بشروط ثلاثة أن لا يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال ولا يؤذي المسئول فإن فقد شرط من ذلك حرم وقال الفاكهاني يتعجب ممن قال بكراهة السؤال مطلقا مع وجود السؤال في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم السلف الصالح من غير نكير فالشارع لا يقر على مكروه قلت لعل من كره مطلقا أراد أنه خلاف الأولى ولا يلزم من وقوعه أن تتغير صفته ولا من تقريره أيضا وينبغي حمل حال أولئك على السداد وأن السائل منهم غالبا ما كان يسأل إلا عند الحاجة الشديدة وفي قوله من غير نكير نظر ففي الأحاديث الكثيرة الواردة في ذم السؤال كفاية في إنكار ذلك تنبيه جميع ما تقدم فيما سأل لنفسه وأما إذا سأل لغيره فالذي يظهر أيضا أنه يختلف باختلاف الأحوال قوله وإضاعة المال تقدم في الاستقراض أن الأكثر حملوه على الإسراف في الإنفاق وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه لأن الله تعالى جعل الماء قياما لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق غيره ويستثنى من ذلك كثرة انفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقا أخرويا أهم منه والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه الأول إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا فلا شك في منعه والثاني إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا فلا شك في كونه مطلوبا بالشرط المذكور والثالث إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله فهذا ليس باسراف والثاني ما لا يليق به عرفا وهو ينقسم أيضا إلى قسمين أحدهما ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس باسراف والثاني ما لا يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس باسراف قال لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح وإذا كان في غير معصية فهو مباح له قال بن دقيق العيد وظاهر القرآن يمنع ما قال اه وقد صرح بالمنع القاضي حسين فقال في كتاب قسم الصدقات هو حرام وتبعه الغزالي وجزم به الرافعي في الكلام على المغارم وصحح في باب الحجر من الشرح وفي المحرر أنه ليس بتبذير وتبعه النووي والذي يترجح أنه ليس مذموما لذاته لكنه يفضي غالبا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس وما أدى إلى المحذور فهو محذور وقد تقدم في كتاب الزكاة البحث في جواز التصدق بجميع المال وأن ذلك يجوز لمن عرف من نفسه الصبر على المضايقة وجزم الباجي من المالكية بمنع استيعاب جميع المال بالصدقة قال ويكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا ولا بأس به إذا وقع نادرا لحادث يحدث كضيف أو عيد أو وليمة ومما لا خلاف في كراهته مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة ولا سيما أن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة ومنه احتمال الغبن الفاحش في البياعات بغير سبب وأما إضاعة المال في المعصية فلا يختص بارتكاب الفواحش بل يدخل فيها سوء القيام على الرقيق والبهائم حتى يهلكوا ودفع مال من لم يؤنس منه الرشد إليه وقسمه ما لا ينتفع بجزئه كالجوهرة النفيسة وقال السبكي الكبير في الحلبيات الضابط في إضاعة المال أن لا يكون لغرض ديني ولا دنيوي فإن انتفيا حرم قطعا وأن وجد أحدهما وجودا له بال وكان الإنفاق لائقا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعا وبين الرتبتين وسائط كثيرة لا تدخل تحت ضابط فعلى المفتي أن يرى فيما تيسر منها رأيه وأما ما لا يتيسر فقد تعرض له فالإنفاق في المعصية حرام كله ولا نظر إلى ما يحصل في مطلوبه من قضاء شهوة ولذة حسنة وأما انفاقه في الملاذ المباحة فهو موضع الاختلاف فظاهر قوله تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسراف ثم قال ومن بذل ما لا كثيرا في غرض يسير تافه عده العقلاء مضيعا بخلاف عكسه والله أعلم قال الطيبي هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة الحديث الثاني

[ 5631 ] قوله حدثني إسحاق هو بن شاهين الواسطي وخالد هو بن عبد الله الطحان والجريري بضم الجيم هو سعيد بن إياس وهو ممن اختلط ولم أر من صرح بأن سماع خالد منه قبل الاختلاط ولا بعده لكن تقدم في الشهادات من طريق بشر بن المفضل ويأتي في استتابة المرتدين من رواية إسماعيل بن علية كلاهما عن الجريري وإسماعيل ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه وبين في الشهادات تصريح الجريري في رواية إسماعيل عنه بتحديث عبد الرحمن بن أبي بكرة له به قوله ألا أنبئكم في رواية بشر بن المفضل عن الجريري في الاستئذان ألا أخبركم قوله بأكبر الكبائر ثلاثا أي قالها ثلاث مرات على عادته في تكرير الشيء ثلاث مرات تأكيدا لينبه السامع على إحضار قلبه وفهمه للخبر الذي يذكره وفهم بعضهم منه أن المراد بقوله ثلاثا عدد الكبائر وهو بعيد ويؤيد الأول أن أول رواية إسماعيل بن علية في استتابة المرتدين أكبر الكبائر الأشراك وعقوق الوالدين وشهادة الزور ثلاثا وقد اختلف السلف فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر ومنها صغائر وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني فقال ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى الله عنه كبيرة ونقل ذلك عن بن عباس وحكاه القاضي عياض عن المحققين واحتجوا بأن كل مخالفة لله فهي بالنسبة إلى جلالة كبيرة اه ونسبه بن بطال إلى الأشعرية فقال انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا المعاصي كلها كبائر وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها كما يقال القبلة المحرمة صغيرة باضافتها إلى الزنا وكلها كبائر قالوا ولا ذنب عندنا يغفر واجبا باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها وهي قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه أن المراد الشرك وقد قال الفراء من قرا كبائر فالمراد بها كبير وكبير الإثم هو الشرك وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين ولم يرسل إليهم غير نوح قالوا وجواز العقاب على الصغيرة كجوازه على الكبيرة اه قال النووي قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة إلى القول الأول وقال الغزالي في البسيط إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه قلت قد حقق إمام الحرمين المنقول عن الأشاعرة واختاره وبين أنه لا يخالف ما قاله الجمهور فقال في الإرشاد المرضي عندنا أن كل ذنب يعصي الله به كبيرة فرب شيء يعد صغيرة بالإضافة إلى الأقران ولو كان حق الملك لكان كبيرة والرب أعظم من عصى فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم ولكن الذنوب وأن عظمت فهي متفاوتة في رتبها وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي فقال التحقيق أن للكبيرة اعتبارين فالبنسبة إلى مقايسة بعضها لبعض فهي تختلف قطعا وبالنسبة إلى الآمر الناهي فكلها كبائر اه والتحقيق أن الخلاف معنوي وإنما جرى إليه الأخذ بظاهر الآية والحديث الدال على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر كما تقدم والله أعلم وقال القرطبي ما أظنه يصح عن بن عباس أن كل ما نهى الله عز وجل عنه كبيرة لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر في قوله الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الا اللمم وقوله ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فجعل في المنهيات صغائر وكبائر وفرق بينهما في الحكم إذ جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن قلت ويؤيده ما سيأتي عن بن عباس في تفسير اللمم لكن النقل المذكور عنه أخرجه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح على شرط الشيخين إلى بن عباس فالأولى أن يكون المراد بقوله نهى الله عنه محمولا على نهي خاص وهو الذي قرن به وعيد كما قيد في الرواية الأخرى عن بن عباس فيحمل مطلقه على مقيده جمعا بين كلاميه وقال الطيبي الصغيرة والكبيرة أمران نسبيان فلا بد من أمر يضافان إليه وهو أحد ثلاثة أشياء الطاعة أو المعصية أو الثواب فأما الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلا فهو من الصغائر وكل ما يكفره الإسلام أو الهجرة فهو من الكبائر وأما المعصية فكل معصية يستحق فاعلها بسببها وعيدا أو عقابا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى فهي كبيرة وأما الثواب ففاعل المعصية إذا كان من المقربين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة فقد وقعت المعاتبة في حق بعض الأنبياء على أمور لم تعد من غيرهم معصية اه وكلامه فيما يتعلق بالوعيد والعقاب يخصص عموم من أطلق أن علامة الكبيرة ورود الوعيد أو العقاب في حق فاعلها لكن يلزم منه أن مطلق قتل النفس مثلا ليس كبيرة كأنه وأن ورد الوعيد فيه أو العقاب لكن ورد الوعيد والعقاب في حق قاتل ولده أشد فالصواب ما قاله الجمهور وأن المثال المذكور وما أشبهه ينقسم إلى كبيرة وأكبر والله أعلم قال النووي واختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافا كثيرا منتشرا فروى عن بن عباس أنها كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب قال وجاء نحو هذا عن الحسن البصري وقال آخرون هي ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة أو أوجب فيه حدا في الدنيا قلت وممن نص على هذا الأخير الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلى ومن الشافعية الماوردي ولفظه الكبيرة ما وجبت فيه الحدود أو توجه إليها الوعيد والمنقول عن بن عباس أخرجه بن أبي حاتم بسند لا بأس به إلا أن فيه انقطاعا وأخرج من وجه آخر متصل لا بأس برجاله أيضا عن بن عباس قال كل ما توعد الله عليه بالنار كبيرة وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخرى منها قول إمام الحرمين كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة وقول الحليمي كل محرم لعينه منهى عنه لمعنى في نفسه وقال الرافعي هي ما أوجب الحد وقيل ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة هذا أكثر ما يوجد للأصحاب وهم إلى ترجيح الأول أميل لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر كلامه وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كالعقوق وأجاب بعض الأئمة بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة وقال بن عبد السلام في القواعد لم أنف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بدينه إشعارا دون الكبائر المنصوص عليها قلت وهو ضابط جيد وقال القرطبي في المفهم الراجح أن كل ذنب نصل على كبره أو عظمه أو توعد عليه بالعقاب أو علق عليه حد أو شدد النكير عليه فهو كبيرة وكلام بن الصلاح يوافق ما نقل أولا عن بن عباس وزاد إيجاب الحد وعلى هذا يكثر عدد الكبائر فأما ما ورد النص الصريح بكونه كبيرة فسيأتي القول فيه في الكلام على حديث أبي هريرة اجتنبوا السبع الموبقات في كتاب استنابة المرتدين ونذكر هناك ما ورد في الأحاديث زيادة على السبع المذكورات مما نص على كونها كبيرة أو موبقة وقد ذهب آخرون إلى أن الذنوب التي لم ينص على كونها كبيرة مع كونها كبيرة لا ضابط لها فقال الواحدي ما لم ينص الشارع على كونه كبيرة فالحكمة في إخفائه أن يمتنع العبد من الوقوع فيه خشية أن يكون كبيرة كاخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة والاسم الأعظم والله أعلم فصل قوله أكبر الكبائر ليس على ظاهره من الحصر بل من فيه مقدرة فقد ثبت في أشياء أخر أنها من أكبر الكبائر منها حديث أنس في قتل النفس وسيأتي بيانه في الذي بعده وحديث بن مسعود أي الذنب أعظم فذكر فيه الزنا بحليلة الجار وسيأتي بعد أبواب وحديث عبد الله بن أنيس الجهني مرفوعا قال من أكبر الكبائر فذكر منها اليمن الغموس أخرجه الترمذي بسند حسن وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد وحديث أبي هريرة رفعه أن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم أخرجه بن أبي حاتم بسند حسن وحديث بريدة رفعه من أكبر الكبائر فذكر منها منع فضل الماء ومنع الفحل أخرجه البزار بسند ضعيف وحديث بن عمر رفعه أكبر الكبائر سوء الظن بالله أخرجه بن مردويه بسند ضعيف ويقرب منه حديث أبي هريرة مرفوعا ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي الحديث وقد تقدم قريبا في كتاب اللباس وحديث عائشة أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم أخرجه الشيخان وتقدم قريبا حديث عبد الله بن عمرو من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه ولكنه من جملة العقوق قال بن دقيق العيد يستفاد من قوله أكبر الكبائر انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر ويستنبط منه أن في الذنوب صغائر لكن فيه نظر لأن من قال كل ذنب كبيرة فالكبائر والذنوب عنده متواردان على شيء واحد فكأنه قيل ألا أنبئكم بأكبر الذنوب قال ولا يلزم من كون الذي ذكر أنه أكبر الكبائر استواؤها فإن الشرك بالله أعظم من جميع ما ذكر معه قوله الإشراك بالله قال بن دقيق العيد يحتمل أن يراد به مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود لا سيما في بلاد العرب فذكر تنبيها على غيره من أصناف الكفر ويحتمل أن يراد به خصوصه إلا أنه يرد على هذا الاحتمال أنه قد يظهر أن بعض الكفر أعظم من الشرك وهو التعطيل فيترجح الاحتمال الأول على هذا قوله وعقوق الوالدين تقدم الكلام عليه قريبا وذكر قبله في حديث أنس الآتي بعده قتل النفس والمراد قتلها بغير حق قوله وكان متكئا فجلس في رواية بشر بن المفضل عن الجريري في الشهادات وجلس وكان متكئا وأما في الاستئذان فكالأول قوله فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت هكذا في هذه الطريق ووقع في رواية بشر بن المفضل فقال ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت أي تمنيناه يسكت اشفاقا عليه لما رأوا من انزعاجه في ذلك وقال بن دقيق العيد اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشهادة الزور يحتمل أن يكون لأنها أسهل وقوعا على الناس والنهاون بها أكثر ومفسدتها أيسر وقوعا لأن الشرك ينبو عنه المسلم والعقوق ينبو عنه الطبع وأما قول الزور فإن الحوامل عليه كثيرة فحسن الاهتمام بها وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها قال وأما عطف الشهادة على القول فينبغي أن يكون تأكيدا للشهادة لأنا لو حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقا كبيرة وليس كذلك وإذا كان بعض الكذب منصوصا على عظمه كقوله تعالى ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا وفي الجملة فمراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده قال وقد نص الحديث الصحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة والغيبة تختلف بحسب القول المغتاب به فالغيبة بالقذف كبيرة ولا تساويها الغيبة بقبح الخلقه أو الهيئة مثلا والله أعلم وقال غيره يجوز أن يكون من عطف الخاص على العام لأن كل شهادة زور قول زور بغير عكس ويحتمل قول الزور على نوع خاص منه قلت والأولى ما قاله الشيخ ويؤيده وقوع الشك في ذلك في حديث أنس الذي بعده فدل على أن المراد شيء واحد وقال القرطبي شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال فلا شيء من الكبائر أعظم ضررا منها ولا أكثر فسادا بعد الشرك بالله وزعم بعضهم أن المراد بشهادة الزور في هذا الحديث الكفر فإن الكافر شاهد بالزور وهو ضعيف وقيل المراد من يستحل شهادة الزور وهو بعيد والله أعلم الحديث الثالث

[ 5632 ] قوله عبيد الله بن أبي بكر أي بن أنس بن مالك ووقع كذلك في الشهادات من رواية وهب بن جرير وعبد الملك بن إبراهيم عن شعبة قوله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر كذا في هذه الرواية بالشك وجزم في الرواية التي في الشهادات بالثاني قال سئل الخ ووقع في الديات عن عمر وهو بن مرزوق عن شعبة عن بن أبي بكر سمع أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكبر الكبائر الإشراك بالله الحديث وكذا رويناه في كتاب الإيمان لابن منده وفي كتاب القضاة للنقاش من طريق أبي عامر العقدي عن شعبة وقد علق البخاري في الشهادات طريق أبي عامر ولم يسق لفظه وهذا موافق لحديث أبي بكرة في أن المذكورات من أكبر الكبائر لا من الكبائر المطلقة قوله فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور الخ هذا ظاهره أنه خص أكبر الكبائر بقول الزور ولكن الرواية التي أشرت إليها قبل تؤذن بأن الأربعة المذكورات مشتركات في ذلك قوله أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور قلت ووقع الجزم بذلك في رواية وهب بن جرير وعبد الملك بن إبراهيم في الشهادات قال قتيبة وشهادة الزور ولم يشك ولمسلم من رواية خالد بن الحارث عن شعبة وقول الزور ولم يشك أيضا وفي هذا الحديث والذي قبله استحباب إعادة الموعظة ثلاثا لتفهم وانزعاج الواعظ في وعظه ليكون أبلغ في الوعي عنه والزجر عن فعل ما ينهى عنه وفيه غلظ أمر شهادة الزور لما يترتب عليها من المفاسد وان كانت مراتبها متفاوتة وقد تقدم بيان شيء من أحكامها في كتاب الشهادات وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها وقد يضاف إلى الفعل ومنه لابس ثوبي زور ومنه تسمية الشعر الموصول زورا كما تقدم في اللباس وتقدم بيان الاختلاف في المراد بقوله تعالى والذين لا يشهدون الزور وأن الراجح أن المراد به في الآية الباطل والمراد لا يحضرونه وفيه التحريض على مجانبة كبائر الذنوب ليحصل تكفير الصغائر بذلك كما وعد الله عز وجل وفيه إشفاق التلميذ على شيخه إذا رآه منزعجا وتمنى عدم غضبه لما يترتب على الغضب من تغير مزاجه والله أعلم

قوله باب صلة الوالد المشرك ذكر فيه حديث أسماء بنت أبي بكر أتتني أمي وهي راغبة وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الهبة وتقدم بيان الاختلاف في

[ 5633 ] قوله راغبة هل هو بالميم أو الموحدة قال الطيبي الذي تحرر أن قولها راغبة ان كان بلا قيد فالمراد راغبة في الإسلام لا غير وإذا قرنت بقوله مشركة أو في عهد قريش فالمراد راغبة في صلتي وان كانت الرواية راغمة بالميم فمعناه كارهة للإسلام قلت أما التي بالموحدة فيتعين حمل المطلق فيه على المقيد فإنه حديث واحد في قصة واحدة ويتعين القيد من جهة أخرى وهي أنها لو جاءت راغبة في الإسلام لم تحتج أسماء أن تستأذن في صلتها لشيوع التألف على الإسلام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فلا يحتاج إلى استئذانه في ذلك

قوله باب صلة المرأة أمها ولها زوج ذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي سفيان في قصة هرقل أورد منها طرفا وهو قول أبي سفيان يأمرنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الصحيح وذكرت كثيرا من فوائده أيضا في تفسير آل عمران والمراد منه هنا ذكر الصلة فيؤخذ حكم الترجمة من عمومها الثاني حديث أسماء بنت أبي بكر المشار إليه في الباب قبله أورده معلقا فقال وقال الليث حدثني هشام وهو بن عروة وقد وقع لنا موصولا في مستخرج أبي نعيم إلى الليث ووقع لنا بعلو في جزء أبي الجهم العلاء بن موسى عن الليث قال بن بطال فقه الترجمة من حديث أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لأسماء أن تصل أمها ولم يشترط في ذلك مشاورة زوجها قال وفيه حجة لمن أجاز للمرأة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها كذا قال ولا يخفى أن القول بالاشتراط إن ثبت فيه دليل خاص يقدم على ما دل عليه عدم التقييد في حديث أسماء

قوله باب صلة الأخ المشرك ذكر فيه حديث بن عمر رأى عمر حلة سيراء تباع الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب اللباس وقوله

[ 5636 ] فيه ولكن تبيعها وقع في رواية الكشميهني لتبيعها

قوله باب فضل صلة الرحم بفتح الراء وكسر الحاء المهملة يطلق على الاقارب وهم من بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا سواء كان ذا محرم أم لا وقيل هم المحارم فقط والأول هو المرجح لأن الثاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام وليس كذلك وذكر فيه حديث أبي أيوب الأنصاري قال قيل يا رسول الله أخبرني بعلم يدخلني الجنة أورده من وجهين وفيه

[ 5637 ] قوله صلى الله عليه وسلم أرب ماله وفيه تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الزكاة

قوله باب إثم القاطع أي قاطع الرحم

[ 5638 ] قوله لا يدخل الجنة قاطع كذا أورده من طريق عقيل وكذا عند مسلم من رواية مالك ومعمر كلهم عن الزهري وقد أخرجه المصنف في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث وقال قاطع الرحم وأخرجه مسلم والترمذي من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري كرواية مالك قال سفيان يعني قاطع رحم وذكر بن بطال ان بعض أصحاب سفيان رواه عند كراوية عبد الله بن صالح فأدرج التفسير وقد ورد بهذا اللفظ من طريق الأعمش عن عطية عن أبي سعيد أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام ومن طريق أبي حريز بمهملة وراء ثم زاي بوزن عظيم واسمه عبد الله بن الحسين قاضي سجستان عن أبي بردة عن أبي موسى رفعه لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا مصدق بسحر ولا قاطع رحم أخرجه بن حبان والحاكم ولأبي داود من حديث أبي بكرة رفعه ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم وللمصنف في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رفعه أن أعمال بني آدم تعرض كل عشية خميس ليلة جمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم وللطبراني من حديث بن مسعود أن أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم وللمصنف في الأدب المفرد من حديث بن أبي أوفى رفعه أن للرحم لا تنزل على قوم فيهم قاطع الرحم وذكر الطيبي أنه يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا في ينكرون عليه ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر وأنه يحبس عن الناس عموما بشؤم التقاطع

قوله باب من بسط له الرزق لصلة الرحم أي لأجل صلة الرحم

[ 5639 ] قوله محمد بن معن أي بن محمد بن معن بن نضلة بنون مفتوحة ومعجمة ساكنة بن عمرو ولنضلة جده الأعلى صحبة وهو قليل الحديث موثق ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وكذا أبوه لكن له موضع آخر أو موضعان قوله سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله من سره أن يبسط له في رزقه في حديث أنس من أحب وللترمذي وحسنه من وجه آخر عن أبي هريرة أن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر وعند أحمد بسند رجاله ثقات عن عائشة مرفوعا صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الاعمار وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبزار وصححه الحاكم من حديث على نحو حديثي الباب قال ويدفع عنه ميتة السوء ولأبي يعلى من حديث أنس رفعه أن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة السوء فجمع الأمرين لكن سنده ضعيف وأخرج المؤلف في الأدب المفرد من حديث بن عمر بلفظ من اتقى ربه ووصل رحمه نسىء له في عمره وثرى ماله وأحبه أهله قوله وينسأ بضم أوله وسكون النون بعدها مهملة ثم همزة أي يؤخر قوله في أثره أي في أجله وسمي الأجل أثرا لأنه يتبع العمر قال زهير والمرء ما عاش ممدود له أمل لا ينقضي العمر حتى ينتهي الأثر وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن من مات لا يبقى له حركة فلا يبقى لقدمه في الأرض أثر قال بن التين ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والجمع بينهما من وجهين أحدهما أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى ثانيهما أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وأما الأول الذي دلت عليه الآية فالبنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلا أن عمر فلان مائة مثلا أن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص واليه الإشارة بقوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فالمحو الاثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب فإن الأثر ما يتبع الشيء فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور وقال الطيبي الوجه الأول أظهر واليه يشير كلام صاحب الفائق قال ويجوز أن يكون المعنى أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المرائي توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر قال له أبو دلف لم يمت من قيل فيه هذا الشعر ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام واجعل لي لسان صدق في الآخرين وقد ورد في تفسيره وجه ثالث فأخرج الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصل رحمه أنسىء له في أجله فقال إنه ليس زيادة في عمره قال الله تعالى فإذا جاء أجلهم الآية ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده وله في الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني رفعه إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وإنما زيادة العمر ذرية صالحة الحديث وجزم بن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله وقال غيره في أعم من ذلك وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك

قوله باب من وصل وصله الله أي من وصل رحمه

[ 5641 ] قوله عبد الله هو بن المبارك ومعاوية هو بن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء بعدها دال مهملة تقدم ضبطه وتسميته في أول الزكاة ولمعاوية بن أبي مزرد في هذا الباب حديث آخر وهو ثالث أحاديث الباب من طريق عائشة قوله أن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ تقدم تأويل فرغ في تفسير القتال قال بن أبي حمرة يحتمل أن يكون المراد بالخلق جميع المخلوقات ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين وهذا القول يحتمل أن يكون بعد خلق السماوات والأرض وأبرازها في الوجود ويحتمل أن يكون بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ ولم يبرز بعد الا اللوح والقلم ويحتمل أن يكون بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله ألست بربكم لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر قوله قامت الرحم فقالت قال بن أبي جمرة يحتمل أن يكون بلسان الحال ويحتمل أن يكون بلسان القال قولان مشهوران والثاني أرجح وعلى الثاني فهل تتكلم كما هي أو يخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا قولان أيضا مشهوران والأول أرجح لصلاحية القدرة العامة لذلك ولما في الأولين من تخصيص عموم لفظ القرآن والحديث بغير دليل ولما يلزم منه من حصر قدرة القادر التي لا يحصرها شيء قلت وقد تقدم في التفسير القتال حمل عياض له على المجاز وأنه من باب ضرب المثل وقوله أيضا يجوز أن يكون الذي نسب إليه القول ملكا يتكلم على لسان الرحم وتقدم أيضا ما يتعلق بزيادة في هذا الحديث من وجه آخر عن معاوية بن أبي مزرد وهي قوله فأخذت بحقو الرحمن ووقع في حديث بن عباس عند الطبراني أن الرحم أخذت بحجزة الرحمن وحكى شيخنا في شرح الترمذي أن المراد بالحجزة هنا قائمة العرش وأيد ذلك بما أخرجه مسلم من حديث عائشة أن الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش وتقدم أيضا ما يتعلق بقوله هذا مقام العائذ بك من القطيعة في تفسير القتال ووقع في رواية حبان بن موسى عن بن المبارك بلفظ هذا المكان بدل مقام وهو تفسير المراد أخرجه النسائي قوله أصل من وصلك وأقطع من قطعك في ثاني أحاديث الباب من وجه آخر عن أبي هريرة من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته قال بن أبي جمرة الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه وإنما خاطب الناس بما يفهمون ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده قال وكذا القول في القطع هو كناية عن حرمان الإحسان وقال القرطبي وسواء قلنا إنه يعني القول المنسوب إلى الرحم على سبيل المجاز أو الحقيقة أو أنه على جهة التقدير والتمثيل كأن يكون المعنى لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت كذا ومثله لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا الآية وفي آخرها وتلك الأمثال نضربها للناس فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم وأنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول وقد قال صلى الله عليه وسلم من صلى الصبح فهو في ذمة الله وان من يطلبه الله بشيء من ذمته يدركه ثم يكبه على وجهه في النار أخرجه مسلم الحديث الثاني

[ 5642 ] قوله حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثنا عبد الله بن دينار لسليمان في هذا المعنى ثلاثة أحاديث أحدها هذا والآخر الحديث الذي قبله وقد سبق من طريقه في تفسير القتال ويأتي في التوحيد والثالث حديثه عن معاوية بن أبي مزرد أيضا عن يزيد بن رومان وهو ثالث أحاديث الباب قوله الرحم شجنة بكسر المعجمة وسكون الجيم بعدها نون وجاء بضم أوله وفتحه رواية ولغة وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة والشجن بالتحريك واحد والشجون وهي طرق الأودية ومنه قولهم الحديث ذو شجون أي يدخل بعضه في بعض وقوله من الرحمن أي أخذ اسمها من هذا الاسم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعا أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمى والمعنى أنه أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله وقال الإسماعيلى معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة وليس معناه أنها من ذات الله تعالى الله عن ذلك قال القرطبي الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة وأما الرحم الخاصة فتزيد النفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما في الحديث الأول من كتاب الأدب الأقرب فالأقرب وقال بن أبي جمرة تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم اعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى قوله فقال الله زاد الإسماعيلي في روايته لها وهذه الفاء عاطفة على شيء محذوف وأحسن ما يقدر له ما في الحديث الذي قبله فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال الله الخ الحديث الثالث حديث عائشة وهو بلفظ حديث أبي هريرة الذي قبله إلا أنه بلفظ الغيبة وفي الأحاديث الثلاثة تعظيم أمر الرحم وأن صلتها مندوب مرغب فيه وأن قطعها من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه واستدل به على أن الأسماء توقيفية وعلى رجحان القول الصائر إلى أن المراد بقوله وعلم آدم الأسماء كلها أسماء جميع الأشياء سواء كانت من الذوات أو من الصفات والله أعلم

قوله باب هو بالتنوين تبل الرحم ببلالها بضم أوله بالمثناة ويجوز بفتح أوله بالتحتانية والمراد المكلف

[ 5644 ] قوله حدثني لغير أبي ذر حدثنا وعمرو بن عباس بالموحدة والمهملة هو أبو عثمان الباهلي البصري ويقال له الأهوازي أصله من إحداهما وسكن الأخرى وهو من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري وانفرد به عن الستة وحديث الباب قد حدث به أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من شيوخ البخاري عن بن مهدي لكن ناسب تخريجه عنه كون صحابيه سميه وهو عمرو بن العاص ومحمد بن جعفر شيخه هو غندر وهو بصري ولم أر الحديث المذكور عند أحد من أصحاب شعبة إلا عنده إلا ما أخرجه الإسماعيلي من رواية وهب بن حفص عن عبد الملك بن إبراهيم الجدي عن شعبة ووهب بن حفص كذبوه قوله ان عمرو بن العاص قال عند مسلم عن أحمد وعند الإسماعيلي عن يحيى بن معين كلاهما عن غندر بلفظ عن عمرو بن العاص ووقع في رواية بيان بن بشر عن قيس سمعت عمرو بن العاص وستأتي الإشارة إليها في الكلام على الطريق المعلقة وليس لقيس بن أبي حازم في الصحيحين عن عمرو بن العاص غير هذا الحديث ولعمرو في الصحيحين حديثان آخران حديث أي الرجال أحب إليك وقد مضى في المناقب وحديث إذا اجتهد الحاكم وسيأتي في الاعتصام وله آخر معلق عند البخاري مضى في المبعث النبوي وآخر مضى في التيمم وعند مسلم حديث آخر في السحور وهذا جميع ماله عندهما من الأحايث المرفوعة قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهارا يحتمل أن يتعلق بالمفعول أي كان المسموع في حالة الجهر ويحتمل أن يتعلق بالفاعل أي أقول ذلك جهارا وقوله غير سر تأكيد لذلك لدفع توهم أنه جهر به مرة وأخفاه أخرى والمراد أنه لم يقل ذلك خفية بل جهر به وأشاعه قوله ان آل أبي كذا للأكثر بحذف ما يضاف إلى أداة الكنية وأثبته المستملي في روايته لكن كنى عنه فقال آل أبي فلان وكذا هو في روايتي مسلم والإسماعيلي وذكر القرطبي أنه وقع في أصل مسلم موضع فلان بياض ثم كتب بعض الناس فيه فلان على سبيل الأصلاح وفلان كناية عن اسم علم ولهذا وقع لبعض رواته أن آل أبي يعني فلان ولبعضهم أن آل أبي فلان بالجزم قوله قال عمرو هو بن عباس شيخ البخاري فيه قوله في كتاب محمد بن جعفر أي غندر شيخ عمرو فيه قوله بياض قال عبد الحق في كتاب الجمع بين الصحيحين أن الصواب في ضبط هذه الكلمة بالرفع أي وقع في كتاب محمد بن جعفر موضع أبيض يعني بغير كتابة وفهم منه بعضهم أنه الاسم المكنى عنه في الرواية فقرأه بالجر على أنه في كتاب محمد بن جعفر أن آل أبي بياض وهو فهم سيء ممن فهمه لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها آل أبي بياض فضلا عن قريش وسياق الحديث مشعر بأنهم من قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم وهي قريش بل فيه إشعار بأنهم أخص من ذلك لقوله أن لهم رحما وأبعد من حمله على بني بياضة وهم بطن من الأنصار لما فيه من التغيير أو الترخيم على رأي ولا يناسب السياق أيضا وقال بن التين حذفت التسمية لئلا يتأذى بذلك المسلمون من أبنائهم وقال النووي هذه الكناية من بعض الرواة خشي أن يصرح بالاسم فيترتب عليه مفسدة إما في حق نفسه وإما في حق غيره وإما معا وقال عياض أن المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبي العاص وقال بن دقيق العيد كذا وقع مبهما في السياق وحمله بعضهم على بني أمية ولا يستقيم مع قوله آل أبي فلو كان آل بني لأمكن ولا يصح تقدير آل أبي العاص لأنهم أخص من بني أمية والعام لا يفسر بالخاص قلت لعل مراد القائل أنه أطلق العام وأراد الخاص وقد وقع في رواية وهب بن حفص التي أشرت إليها أن آل بني لكن وهب لا يعتمد عليه وجزم الدمياطي في حواشيه بأنه آل أبي العاص بن أمية ثم قال بن دقيق العيد أنه رأى في كلام بن العربي في هذا شيئا يراجع منه قلت قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين كان في أصل حديث عمرو بن العاص أن آل أبي طالب فغير أل أبي فلان كذا جزم به وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ولم يصب هذا المنكر فإن هذه الرواية التي أشار إليها بن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رفعه أن لبني أبي طالب رحما أبلها ببلالها وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا لكن أبهم لفظ طالب وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصا في آل أبي طالب وليس كما توهموه كما سأوضحه إن شاء الله تعالى قوله ليسوا بأوليائي كذا للأكثر وفي نسخة من رواية أبي ذر بأولياء فنقل بن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض والمنفي على هذا المجموع لا الجميع وقال الخطابي الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين ورجح بن التين الأول وهو الراجح فإن من جملة آل أبي طالب عليا وجعفر أو هما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي وآل بيته قلت أما قيس بن أبي حازم فقال يعقوب بن شيبة تكلم أصحابنا في قيس فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد حتى قال بن معين هو أوثق من الزهري ومنهم من حمل عليه وقال له أحاديث مناكير وأجاب من أطراه بأنها غرائب وافراده لا يقدح فيه ومنهم من حمل عليه في مذهبه وقال كان يحمل على علي ولذلك تجنب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين وأجاب من اطراه بأنه كان يقدم عثمان على علي فقط قلت والمعتمد عليه أنه ثقة ثبت مقبول الرواية وهو من كبار التابعين سمع من أبي بكر الصديق فمن دونه وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وهما كوفيان ولم ينسبا إلى النصب لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شيء من النصب وأما عمرو بن العاص وان كان بينه وبين على ما كان فحاشاه أن يتهم وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني آل أبي طالب وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه وهو إطلاق سائغ كقوله في أبي موسى أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود وقوله صلى الله عليه وسلم آل أبي أوفى وخصه بالذكر مبالغة في الانتفاء ممن لم يسلم لكونه عمه وشقيق أبيه وكان القيم بأمره ونصره وحمايته ومع ذلك فلما لم يتابعه على دينه انتفى من موالاته قوله إنما ولي الله وصالح المؤمنين كذا للأكثر بالإفراد وإرادة الجملة وهو اسم جنس ووقع في رواية البرقاني وصالحوا المؤمنين بصيغة الجمع وقد أجاز بعض المفسرين أن الآية التي في التحريم كانت في الأصل فإن الله هو مولاه وجبريل وصالحو المؤمنين لكن حذفت الواو من الخط على وفق النطق وهو مثل قوله سندع الزبانية وقوله يوم يدع الداع وقوله ويمح الله الباطل وقال النووي معنى الحديث ان ولي من كان صالحا وأن بعد منى نسبه وليس ولي من كان غير صالح وان قرب مني نسبه وقال القرطبي فائدة الحديث انقطاع الولاية في الدين بين المسلم والكافر ولو كان قريبا حميما وقال بن بطال أوجب في هذا الحديث الولاية بالدين ونفاها عن أهل رحمه أن لم يكونوا من أهل دينه فدل ذلك على أن النسب يحتاج إلى الولاية التي يقع بها الموارثة بين المتناسبين وأن الأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد لم يكن بينهم توارث ولا ولاية قال ويستفاد من هذا أن الرحم المأمور بصلتها والمتوعد على قطعها هي التي شرع لها ذلك فأما من أمر بقطعه من أجل الدين فيستثني من ذلك ولا يلحق بالوعيد من قطعه لأنه قطع من أمر الله بقطعه لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدنيا لكان فضلا كما دعا صلى الله عليه وسلم لقريش بعد أن كانوا كذبوه فدعا عليهم بالقحط ثم استشفعوا به فرق لهم لما سألوه برحمهم فرحمهم ودعا لهم قلت ويتعقب كلامه في موضعين أحدهما يشاركه فيه كلام غيره وهو قصره النفي على من ليس على الدين وظاهر الحديث أن من كان غير صالح في أعمال الدين دخل في النفي أيضا لتقييده الولاية بقوله وصالح المؤمنين والثاني أن صلة الرحم الكافر ينبغي تقييدها بما إذا أيس منه رجوعا من عن الكفر أو رجى أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدل بها وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقريش بالخصب وعلل بنحو ذلك فيحتاج من يترخص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك وأما من كان على الدين ولكنه مقصر في الأعمال مثلا فلا يشارك الكافر في ذلك وقد وقع في شرح المشكاة المعنى أني لا أوالي أحدا بالقرابة وإنما أحب الله تعالى لما له من الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء كان من ذوي رحم أولا ولكن أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم انتهى وهو كلام منقح وقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله تعالى وصالح المؤمنين على أقوال أحدها الأنبياء أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن قتادة وأخرجه الطبري وذكره بن أبي حاتم عن سفيان الثوري وأخرجه النقاش عن العلاء بن زياد الثاني الصحابة أخرجه بن أبي حاتم عن السدي ونحوه في تفسير الكلبي قال هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأشباههم ممن ليس بمنافق الثالث خيار المؤمنين أخرجه بن أبي حاتم عن الضحاك الرابع أبو بكر وعمر وعثمان أخرجه بن أبي حاتم عن الحسن البصري الخامس أبو بكر وعمر أخرجه الطبري وابن مردويه عن بن مسعود مرفوعا وسنده ضعيف وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن الضحاك أيضا وكذا هو في تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء بسنده عن بن عباس موقوفا وأخرجه بن مردويه من وجه آخر ضعيف عنه كذلك قال بن أبي حاتم وروى عن عكرمة وسعيد بن جبير وعبد الله بن بريدة ومقاتل بن حيان كذلك السادس أبو بكر خاصة ذكره القرطبي عن المسيب بن شريك السابع عمر خاصة أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير وأخرجه الطبري بسند ضعيف عن مجاهد وأخرجه بن مردويه بسند واه جدا عن بن عباس الثامن على أخرجه بن أبي حاتم بسند منقطع عن علي نفسه مرفوعا وأخرجه الطبري بسند ضعيف عن مجاهد قال هو علي وأخرجه بن مردويه بسندين ضعيفين من حديث أسماء بنت عميس مرفوعا قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صالح المؤمنين علي بن أبي طالب ومن طريق أبي مالك عن بن عباس مثله موقوفا وفي سنده راو ضعيف وذكره النقاش عن بن عباس ومحمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق قلت فإن ثبت هذا ففيه دفع توهم من توهم أن في الحديث المرفوع نقصا من قدر على رضي الله عنه ويكون المنفي أبا طالب ومن مات من آله كافرا والمثبت من كان منهم مؤمنا وخص علي بالذكر لكونه رأسهم وأشير بلفظ الحديث إلى لفظ الآية المذكورة ونص فيها على على تنويها بقدره ودفعا لظن من يتوهم عليه في الحديث المذكور غضاضة ولو تفطن من كنى عن أبي طالب لذلك لاستغنى عما صنع والله أعلم قوله وزاد عنبسة بن عبد الواحد أي بن أمية بن عبد الله بن سعيد بن العاص بن أبي أحيحة بمهملتين مصغرا وهو سعيد بن العاص بن أمية وهو موثق عندهم وما له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وقد وصله البخاري في كتاب البر والصلة فقال حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة حدثنا جدي فذكره وأخرجه الإسماعيلي من رواية نهد بن سليمان عن محمد بن عبد الواحد المذكور وساقه بلفظ سمعت عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي جهرا غير سر إن نبي أبي فلان ليسوا بأوليائي إنما ولي الله والذين آمنوا ولكن لهم رحم الحديث وقد قدمت لفظ رواية الفضل بن الموفق عن عنبسة من عند أبي نعيم وأنها أخص من هذا قوله ولكن لها رحم أبلها ببلالها يعني أصلها بصلتها كذا لهم لكن سقط التفسير من رواية النسفي ووقع عند أبي ذر بعده أبلها ببلائها وبعده في الأصل كذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها لا أعرف له وجها انتهى وأظنه من قوله كذا وقع الخ من كلام أبي ذر وقد وجه الداودي فيما نقله بن التين هذه الرواية على تقدير ثبوتها بأن المراد ما أوصله إليها من الأذى على تركهم الإسلام وتعقبه بن التين بأنه لا يقال في الأذى أبله ووجهها بعضهم بأن البلاء بالمد يجيء بمعنى المعروف والانعام ولما كانت الرحم مما يستحق المعروف أضيف إليها ذلك فكأنه قال أصلها بالمعروف اللائق بها والتحقيق أن الرواية إنما هي ببلالها مشتق من أبلها قال النووي ضبطنا قوله ببلالها بفتح الموحدة وبكسرها وهما وجهان مشهوران وقال عياض رويناه بالكسر ورأيته للخطابي بالفتح وقال بن التين هو بالفتح للأكثر ولبعضهم بالكسر قلت بالكسر أوجه فإنه من البلال جمع بلل مثل جمل وجمال ومن قاله بالفتح بناه على الكسر مثل قطام وحذام والبلال بمعنى البلل وهو النداوة وأطلق ذلك على الصلة كما أطلق اليبس على القطيعة لأن النداوة من شأنها تجميع ما يحصل فيها وتأليفه بخلاف اليبس فمن شأنه التفريق وقال الخطابي وغيره بللت الرحم بلا وبللا وبلالا أي نديتها بالصلة وقد أطلقوا على الإعطاء الندى وقالوا في البخيل ما تندى كفه بخير فشبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بالماء الذي يطفئ ببرده الحرارة ومنه الحديث بلوا أرحامكم ولو بالسلام وقال الطيبي وغيره شبة الرحم بالأرض التي إذا وقع عليها الماء وسقاها حتى سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء وإذا تركت بغير سقي يبست وبطلت منفعتها فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء ومنه قولهم سنة جماد أي لا مطر فيها وناقة جماد أي لا لبن فيها وجوز الخطابي أن يكون معنى قوله أبلها ببلالها في الآخرة أي أشفع لها يوم القيامة وتعقبه الداودي بأن سياق الحديث يؤذن بأن المراد ما يصلهم به في الدنيا ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص إلى أن قال يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها وأصله عند البخاري بدون هذه الزيادة وقال الطيبي في قوله ببلالها مبالغة بديعة وهي مثل قوله إذا زلزلت الأرض زلزالها أي زلزالها الشديد الذي لا شيء فوقه فالمعنى أبلها بما اشتهر وشاع بحيث لا أترك منه شيئا

قوله باب ليس الواصل بالمكافىء التعريف فيه للجنس

[ 5645 ] قوله سفيان هو الثوري والحسن بن عمرو الفقيمي بفاء وقاف مصغر وفطر بكسر الفاء وسكون المهملة ثم راء هو بن خليفة قوله عن مجاهد أي الثلاثة عن مجاهد وعبد الله بن عمرو هو بن العاص وقوله قال سفيان هو الراوي وهو موصول بهذا الإسناد وقوله لم يرفعه الأعمش ورفعه حسن وفطر هذا هو المحفوظ عن الثوري وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن الحسن بن عمرو وحده مرفوعا من رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن الحسن بن عمرو موقوفا وعن الأعمش مرفوعا وتابعه أبو قرة موسى بن طارق عن الثوري على رفع رواية الأعمش وخالفه عبد الرزاق عن الثوري فرفع رواية الحسن بن عمرو وهو المعتمد ولم يختلفوا في أن رواية فطر بن خليفة مرفوعة وقد أخرجه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن فطر وبشير بن إسماعيل كلاهما عن مجاهد مرفوعا وأخرجه أحمد عن جماعة من شيوخه عن فطر مرفوعا وزاد في أول الحديث أن الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافىء الحديث قوله ليس الواصل بالمكافىء أي الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر موقوفا ليس الوصل أن تصل من وصلك ذلك القصاص ولكن الوصل أن تصل من قطعك قوله ولكن قال الطيبي الرواية فيه بالتشديد ويجوز التخفيف قوله الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها أي الذي إذا منع أعطى وقطعت ضبطت في بعض الروايات بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمجهول وفي أكثرها بفتحتين قال الطيبي المعنى ليست حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافىء صاحبه بمثل فعله ولكنه من يتفضل على صاحبه وقال شيخنا في شرح الترمذي المراد بالواصل في هذا الحديث الكامل فإن في المكافأة فإن في المكافأة نوع صلة بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه فإن فيه قطعا باعراضه عن ذلك وهو من قبيل ليس الشديد بالصرعة وليس الغني عن كثرة العرض انتهى وأقول لا يلزم من نفى الوصل ثبوت القطع فهم ثلاث درجات مواصل ومكافىء وقاطع فالواصل من يتفضل ولا يتفضل عليه والمكافىء الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ والقاطع الذي يتفضل عليه ولا يتفضل وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ حيئنذ فهو الواصل فإن جوزي سمي من جازاه مكافئا والله أعلم

قوله باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم أي هل يكون له في ذلك ثواب وإنما لم يجزم بالحكم لوجود الاختلاف في ذلك وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل كتاب الزكاة وتقدم البحث في ذلك في كتاب الإيمان في الكلام على حديث أبي سعيد الخدري إذا أسلم العبد فحسن إسلامه

[ 5646 ] قوله هل كان لي فيها من أجر وهو تفسير رواية يونس بن يزيد عند مسلم هل لي فيها من شيء ووقع في رواية صالح بن كيسان أفيها أجر وفي رواية بن مسافر هلي لي فيها من أجر قوله ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت كذا لأبي ذر ووقع في رواية غيره وقال أيضا وعلى هذا فهو من كلام البخاري وفاعل قال هو البخاري قوله عن أبي اليمان أتحنت يعني بالمثناة بدل المثلثة يشير إلى ما أورده هو في باب شراء المملوك من الحربي في كتاب البيوع عن أبي اليمان بلفظ كنت أتحنت أو أتحنث بالشك وكأنه سمعه منه بالوجهين وتقدم في كتاب الزكاة ما صوبه عياض من ذلك وقال بن التين أتحنت بالمثناة لا أعلم له وجها انتهى ووقع عند الإسماعيلي أتجنب بجيم وآخره موحدة فقال قال البخاري يقال أتجنب قال الإسماعيلي والتجنب تصحيف وإنما هو التحنث مأخوذ من الحنث وهو الإثم فكأنه قال أتوقى ما يؤثم قلت وبهذا التأويل تقوى رواية أتجنب بالجيم والموحدة ويكون التردد في اللفظتين وهما اتحنث بمهملة ومثلثة وأتجنب بجيم وموحدة والمعنى واحد وهو توقي ما يوقع في الإثم لكن ليس المراد توقى الإثم فقط بل أعلى منه وهو تحصيل البر قوله وقال معمر وصالح وابن المسافر أتحنث يعني بالمثلثة أما رواية معمر فوصلها المؤلف في الزكاة وهي في باب فمن تصدق في الشرك ثم أسلم وعزاها المزي في الأطراف للصلاة ولم أرها فيها وأما رواية صالح وهو بن كيسان فأخرجهما مسلم وأما رواية بن المسافر فكذا وقع هنا بالألف واللام والمشهور فيه بحذفهما وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي المصري أمير مصر فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق الليث بن سعد عنه قوله وقال بن إسحاق التحنث التبرر هكذا ذكره بن إسحاق في السيرة النبوية فقال حدثني وهب بن كيسان قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول لعبيد بن عمير حدثنا كيف كان بدء النبوة قال فقال عبيد وأنا حاضر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما تنحنت به قريش في الجاهلية والتحنث التبرر وقد تقدم التنبيه على ذلك في بدء الوحي في حديث عائشة في هذا المعنى فكان يتحنث وهو التعبد ومضى التنبيه على ذلك في أول الكتاب قوله وتابعه هشام بن عروة عن أبيه في رواية الكشميهني وتابعهم بصيغة الجمع والأول أرجح فإن المراد بهذه المتابعة خصوص تفسير التحنث بالتبرر ورواية هشام وصلها المؤلف في العتق من طريق أبي أسامة عنه ولفظه أن حكيم بن حزام قال فذكر الحديث وفيه كنت أتحنث بها يعني أتبرر

قوله باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به أي ببعض جسده قوله أو قبلها أو مازحها قال بن التين ليس في الخبر المذكور في الباب للتقبيل ذكر فيحتمل أن يكون لما لم ينهها عن مس جسده صار كالتقبيل وإلى ذلك أشار بن بطال والذي يظهر لي أن ذكر المزح بعد التقبيل من العام بعد الخاص وأن الممازحة بالقول والفعل مع الصغيرة إنما يقصد به التأنيس والتقبيل من جملة ذلك وحديث الباب عن أم خالد بنت خالد بن سعيد تقدم شرحه في باب الخميصة السوداء من كتاب اللباس وعبد الله في هذا السند هو بن المبارك وخالد بن سعيد المذكور في السند تقدم بيان نسبه في كتاب الجهاد

[ 5647 ] قوله فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي أي نهرني والزبر بزاي وموحدة ساكنة هو الزجر والمنع وزنه ومعناه قوله أبلى وأخلقي تقدم ضبطه والاختلاف فيه قوله ثم أبلي وأخلقي قال الداودي يستفاد منه مجيء ثم للمقارنة وأبى ذلك بعض النحاة فقالوا لا تأتي الا للتاريخ كذا قال وتعقبه بن التين بأن قال ما علمت أن أحدا قال ان ثم للمقارنة وإنما هي للترتيب بالمهلة وقال وليس في الحديث ما ادعاه من المقارنة لأن الإبلاء يقع بعد الخلق أو الخلف قلت لعل الداودي أراد بالمقارنة المعاقبة فيتجه كلامه بعض اتجاه قوله قال عبد الله هو بن المبارك وهو متصل بالإسناد المذكور قوله فبقي أي الثوب المذكور كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر فبقيت والمراد أم خالد قوله حتى ذكر كذا للأكثر بذال معجمة ثم كاف خفيفة مفتوحتين ثم راء وفيه اكتفاء والتقدير ذكر الراوي زمنا طويلا وقال الكرماني المعنى صار شيئا مذكورا عند الناس بخروج بقائه عن العادة قلت وكأنه قرأه ذكر بضم أوله لكن لم يقع عندنا في الرواية الا بالفتح ووقع في رواية أبي علي بن السكن حتى ذكر دهرا وهو يؤيد ما قدمته وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني حتى دكن بدال مهملة وكاف مكسورة ثم نون أي صار أدكن أي أسود قال أهل اللغة الدكن لون يضرب إلى السواد وقد دكن الثوب بالكسر يدكن بفتح الكاف وبضمها مع الفتح وقد جزم جماعة بأن رواية الكشميهني تصحيف قوله يعني من بقائها كذا للاصيلي والضمير للخميصة أو لأم خالد بحسب التوجيهين المتقدمين

قوله باب رحمة الولد وقبلته ومعانقته قال بن بطال يجوز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه وكذا الكبير عند أكثر العلماء ما لم يكن عورة وتقدم في مناقب فاطمة عليها السلام أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وكذا كان أبو بكر يقبل ابنته عائشة قوله وقال ثابت عن أنس أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه سقط هذا التعليق لأبي ذر عن غير الكشميهني وقد وصله المؤلف في الجنائز من طريق قريش بن حبان عن ثابت في حديث طويل وإبراهيم هو بن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية ثم ذكر المصنف في الباب ستة أحاديث الحديث الأول حديث بن عمر

[ 5648 ] قوله مهدي هو بن ميمون وثبت ذلك في رواية أبي ذر قوله بن أبي يعقوب هو محمد بن عبد الله الضبي البصري وابن أبي نعم بضم النون وسكون المهملة هو عبد الرحمن واسم أبيه لا يعرف والسند كله إلى عبد الرحمن هذا بصريون وهو كوفي عابد اتفقوا على توثيقه وشذ بن أبي خيثمة فحكى عن بن معين أنه ضعفه قوله كنت شاهدا لابن عمر أي حاضرا عنده قوله وسأله رجل الجملة حالية واسم الرجل السائل ما عرفته قوله عن دم البعوض تقدم في المناقب بلفظ الذباب بضم المعجمة وموحدتين قال الكرماني لعله سأل عنهما معا قلت أو أطلق الراوي الذباب على البعوض لقرب شبهه منه وان كان في البعوض معنى زائد قال الجاحظ العرب تطلق على النحل والدبر وما أشبه ذلك ذبابا قوله وقد قتلوا بن النبي صلى الله عليه وسلم يعني الحسين بن علي قوله وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول هي جملة حالية قوله ريحانتاي كذا للأكثر ولأبي ذر عن المستملي والحموي ريحاني بكسر النون والتخفيف على الأفراد وكذا عند النسفي ولأبي ذر عن الكشميهني ريحانتي بزيادة تاء التأنيث قال بن التين وهو وهم والصواب ريحانتاي قلت كأنه قرأه بفتح المثناة وتشديد الياء الأخيرة على التثنية فجعله وهما ويجوز أن يكون بكسر المثناة والتخفيف فلا يكون وهما والمراد بالريحان هنا الرزق قاله بن التين وقال صاحب الفائق أي هما من رزق الله الذي رزقنيه يقال سبحان الله وريحانه أي أسبح الله وأسترزقه ويجوز أن يريد بالريحان المشموم يقال حباني بطاقة ريحان والمعنى أنهما مما أكرمني الله وحباني به لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين وقوله من الدنيا أي نصيبي من الريحان الدنيوي وقال بن بطال يؤخذ من الحديث أنه يجب تقديم ما هو أوكد على المرء من أمر دينه لإنكار بن عمر على من سأله عن دم البعوض مع تركه الاستغفار من الكبيرة التي ارتكبها بالإعانة على قتل الحسين فوبخه بذلك وإنما خصه بالذكر لعظم قدر الحسين ومكانه من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى والذي يظهر أن بن عمر لم يقصد ذلك الرجل بعينه بل أراد التنبيه على جفاء أهل العراق وغلبة الجهل عليهم بالنسبة لأهل الحجاز ولا مانع أن يكون بعد ذلك أفتى السائل عن خصوص ما سأل عنه لأنه لا يحل له كتمان العلم إلا إن حمل على أن السائل كان متعنتا ويؤكد ما قلته أنه ليس في القصة ما يدل على أن السائل المذكور كان ممن أعان على قتل الحسين فإن ثبت ذلك فالقول ما قال بن بطال والله أعلم الحديث الثاني

[ 5649 ] قوله عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم ومضى في الزكاة من رواية بن المبارك عن معمر عبد الله بن أبي بكر بن حزم فنسب أباه لجد أبيه وإدخال الزهري بينه وبين عروة رجلا مما يؤذن بأنه قليل التدليس وقد أخرجه الترمذي مختصرا من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد عن معمر بإسقاط عبد الله بن أبي بكر من السند فإن كان محفوظا احتمل أن يكون الزهري سمعه من عروة مختصرا وسمعه عن مطولا وإلا فالقول ما قال بن المبارك قوله جاءتني امرأة ومعها بنتان لم أقف على أسمائهن وسقطت الواو لغير أبي ذر من قوله ومعها وكذا هو في رواية بن المبارك قوله فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها زاد معمر ولم تأكل منها شيئا قوله ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته هكذا في رواية عروة ووقع في رواية عراك بن مالك عن عائشة جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهن تمرة ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فأعجبني شأنها الحديث أخرجه مسلم وللطبراني من حديث الحسن بن علي نحوه ويمكن الجمع بأن مرادها بقولها في حديث عروة فلم تجد عندي غير تمرة واحدة أي أخصها بها ويحتمل أنها لم يكن عندها في أول الحال سوى واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين ويحتمل تعدد القصة قوله من يلي من هذه البنات شيئا كذا للأكثر بتحتانية مفتوحة أوله من الولاية وللكشميهني بموحدة مضمومة من البلاء وفي رواية الكشميهني أيضا بشيء وقواه عياض وأيده برواية شعيب بلفظ من ابتلى وكذا وقع في رواية معمر عند الترمذي واختلف في المراد بالابتلاء هل هو نفس وجودهن أو ابتلى بما يصدر منهن وكذلك هل هو على العموم في البنات أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به قوله فأحسن اليهن هذا يشعر بأن المراد بقوله في أول الحديث من هذه أكثر من واحدة وقد وقع في حديث أنس عند مسلم من عال جاريتين ولأحمد من حديث أم سلمة من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذاتي قرابة يحتسب عليهما والذي يقع في أكثر الروايات بلفظ الإحسان وفي رواية عبد المجيد فصبر عليهن ومثله في حديث عقبة بن عامر في الأدب المفرد وكذا وقع في بن ماجة وزاد وأطعمهن وسقاهن وكساهن وفي حديث بن عباس عند الطبراني فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن وفي حديث جابر عند أحمد وفي الأدب المفرد يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن زاد الطبري فيه ويزوجهن وله نحوه من حديث أبي هريرة في الأوسط وللترمذي وفي الأدب المفرد من حديث أبي سعيد فأحسن صحبتهن وأتقى الله فيهن وهذه الأوصاف يجمعها لفظ الإحسان الذي اقتصر عليه في حديث الباب وقد اختلف في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب أو بما زاد عليه والظاهر الثاني فإن عائشة أعطت المرأة التمرة فآثرت بها ابنتيها فوصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان بما أشار إليه من الحكم المذكور فدل على أن من فعل معروفا لم يكن واجبا عليه أو زاد على قدر الواجب عليه عد محسنا والذي يقتصر على الواجب وان كان يوصف بكونه محسنا لكن المراد من الوصف المذكور قدر زائد وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصن لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن عنه بزوج أو غيره كما أشير إليه في بعض ألفاظ الحديث والإحسان إلى كل أحد بحسب حاله وقد جاء أن الثواب المذكور يحصل لمن أحسن لواحدة فقط ففي حديث بن عباس المتقدم فقال رجل من الأعراب أو اثنتين فقال أو اثنتين وفي حديث عوف بن مالك عن الطبراني فقالت امرأة وفي حديث جابر وقيل وفي حديث أبي هريرة قلنا وهذا يدل على تعدد السائلين وزاد في حديث جابر فرأى بعض القوم أن لو قال وواحدة لقال وواحدة وفي حديث أبي هريرة قلنا وثنتين قال وثنتين قلنا وواحدة قال وواحدة وشاهده حديث بن مسعود رفعه من كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها وعلمها فأحسن تعليمها وأوسع عليها من نعمة الله التي أوسع عليه أخرجه الطبراني بسند واه قوله كن له سترا من النار كذا في أكثر الأحاديث التي أشرت إليها ووقع في رواية عبد المجيد حجابا وهو بمعناه وفي الحديث تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال قال بن بطال وفيه جواز سؤال المحتاج وسخاء عائشة لكونها لم تجد إلا تمرة فآثرت بها وأن القليل لا يمتنع التصدق به لحقارته بل ينبغي للمتصدق أن يتصدق بما تيسر له قل أو كثر وفيه جواز ذكر المعروف إن لم يكن على وجه الفخر ولا المنة وقال النووي تبعا لابن بطال إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهون البنات فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك ورغب في إبقائهن وترك قتلهن بما ذكر من الثواب الموعود به من أحسن إليهن وجاهد نفسه في الصبر عليهن وقال شيخنا في شرح الترمذي يحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا الاختبار أي من اختبر بشيء من البنات لينظر ما يفعل أيحسن إليهن أو يسيء ولهذا قيده في حديث أبي سعيد بالتقوى فإن من لا يتقي الله لا يأمن أن يتضجر بمن وكله الله إليه أو يقصر عما أمر بفعله أولا يقصد بفعله امتثال أمر الله وتحصيل ثوابه والله أعلم الحديث الثاني

[ 5650 ] قوله وأمامة بنت أبي العاص أي بن الربيع وهي ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم قوله فإذا ركع وضع كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني وضعها وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أوائل الصلاة في أبواب سترة المصلي ووقع هنا بلفظ ركع وهناك بلفظ سجد ولا منافاة بينهما بل يحمل على أنه كان يفعل ذلك في حال الركوع والسجود وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة وهو رحمة الولد وولد الولد ولد ومن شفقته صلى الله عليه وسلم ورحمته لأمامة أنه كان إذا ركع أو سجد يخشى عليها أن تسقط فيضعها بالأرض وكأنها كانت لتعلقها به لا تصبر في الأرض فتجزع من مفارقته فيحتاج أن يحملها إذا قام واستنبط منه بعضهم عظم قدر رحمة الولد لأنه تعارض حينئذ المحافظة على المبالغة في الخشوع والمحافظة على مراعاة خاطر الولد فقدم الثاني ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لبيان الجواز الحديث الرابع

[ 5651 ] قوله أن أبا هريرة قال كذا في رواية شعيب ووقع عند مسلم من رواية سفيان بن عيينة ومعمر فرقهما كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قوله وعنده الأقرع بن حابس الجملة حالية وقد تقدم نسب الأقرع في تفسير سورة الحجرات وهو من المؤلفة وممن حسن إسلامه وقوله ان لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا زاد الإسماعيلي في روايته ما قبلت إنسانا قط قوله من لا يرحم لا يرحم هو بالرفع فيهما على الخبر وقال عياض هو للأكثر وقال أبو البقاء من موصولة ويجوز أن تكون شرطية فيقرأ بالجزم فيهما قال السهيلي جعله على الخبر أشبه بسياق الكلام لأنه سيق للرد على من قال أن لي عشرة من الولد الخ أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم ولو كانت شرطية لكان في الكلام بعض انقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف قلت وهو أولى من جهة أخرى لأنه يصير من نوع ضرب المثل ورجح بعضهم كونها موصولة لكون الشرط إذا أعقبه نفي بنفي غالبا بلم وهذا لا يقتضي ترجيحا إذا كان المقام لائقا بكونها شرطية وأجاز بعض شراح المشارق الرفع في الجزءين والجزم فيهما والرفع في الأولى والجزم في الثاني وبالعكس فيحصل أربعة أوجه وأستبعد الثالث ووجه بأنه يكون الثاني بمعنى النهي أي لا ترحموا من لا يرحم الناس وأما الرابع فظاهر وتقديره من لا يكن من أهل الرحمة فإنه لا يرحم ومثله قول الشاعر فقلت له أحمل فوق طوقك انها مطوقة من يأتها لا يضيرها وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلم للاقرع إشارة إلى أن تقبيل الولد وغيره من الأهل المحارم وغيرهم من الأجانب إنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم والمعانقة الحديث الخامس

[ 5652 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري قوله عن هشام هو بن عروة ووقع في رواية الإسماعيلي عن هشام بن عروة عن أبيه قوله جاء أعرابي يحتمل أن يكون هو الأقرع المذكور في الذي قبله ويحتمل أن يكون قيس بن عاصم التميمي ثم السعدي فقد أخرج أبو الفرج الأصبهاني في لأغاني ما يشعر بذلك ولفظه عن أبي هريرة أن قيس بن عاصم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر قصة فيها فهل الا أن تنزع الرحمة منك فهذا أشبه بلفظ حديث عائشة ووقع نحو ذلك لعيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري أخرجه أبو يعلى في مسنده بسند رجاله ثقات إلى أبي هريرة قال دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه يقبل الحسن والحسين فقال أتقبلهما يا رسول الله إن لي عشرة فما قبلت أحدا منهم ويحتمل أن يكون وقع ذلك لجميعهم فقد وقع في رواية مسلم قدم ناس من الأعراب فقالوا قوله تقبلون الصبيان كذا للأكثر بحذف أداة الاستفهام وثبتت في رواية الكشميهني قوله فما نقبلهم وفي رواية الإسماعيلي فوالله ما نقبلهم وعند مسلم فقال نعم قالوا لكنا والله ما نقبل قوله أو أملك هو بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام الإنكاري ومعناه النفي أي لا أملك أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه ووقع عند مسلم بحذف الاستفهام وهي مرادة وعند الإسماعيلي وما أملك وله في أخرى ما ذنبي ان كان الخ قوله أن نزع بفتح الهمزة في الروايات كلها مفعول أملك وحكى بعض شراح المصابيح كسر الهمزة على أنها شرط والجزاء محذوف وهو من جنس ما تقدم أي أن نزع الله الرحمة من قلبك لا أملك لك ردها إليه ووقع في قصة عيينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم الحديث السادس

[ 5653 ] قوله حدثنا بن أبي مريم هو سعيد ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه وأبو غسان هو محمد بن مطرف والإسناد منه فصاعدا مدنيون قوله قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي في رواية الكشميهني بسبي وبضم قاف قدم وهذا السبي هو سبي هوازن قوله فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقى كذا للمستملي والسرخسي بسكون المهملة من تحلب وضم اللام وثديها بالنصب وتسقى بفتح المثناة وبقاف مكسورة وللباقين قد تحلب بفتح الحاء وتشديد اللام أي تهيأ لأن يحلب وثديها بالرفع ففي رواية الكشميهني بالافراد والباقين ثدياها بالتثنية وللكشميهني بسقي بكسر الموحدة وفتح المهملة وسكون القاف وتنوين التحتانية وللباقين تسعى بفتح العين المهملة من السعي وهو المشي بسرعة وفي رواية مسلم عن الحلواني وابن عسكر كلاهما عن بن أبي مريم تبتغي بموحدة ساكنة ثم مثناة مفتوحة ثم غين معجمة من الابتغاء وهو الطلب قال عياض وهو وهم والصواب ما في رواية البخاري وتعقبه النووي بأن كلا من الروايتين صواب فهي ساعية وطالبة لولدها وقال القرطبي لإخفاء بحسن رواية تسعى ووضوحها ولكن لرواية تبتغي وجها وهو تطلب ولدها وحذف المفعول للعلم به فلا يغلط الراوي مع هذا التوجيه قوله إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها كذا للجميع ولمسلم وحذف منه شيء بينته رواية الإسماعيلي ولفظه إذا وجدت صبيا أخذته فأرضعته فوجدت صبيا فأخذته فألزمته بطنها وعرف من سياقه أنها كانت فقدت صبيها وتضررت باجتماع اللبن في ثديها فكانت إذا وجدت صبيا أرضعته ليخف عنها فلما وجدت صبيها بعينه أخذته فالتزمته ولم أقف على اسم هذا الصبي ولا على اسم أمه قوله أترون بضم المثناة أي أتظنون قوله قلنا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه أي لا تطرحه طائعة أبدا وفي رواية الإسماعيلي فقلنا لا والله الخ قوله الله بفتح أوله لام تأكيد وصرح بالقسم في رواية الإسماعيلي فقال والله لله أرحم الخ قوله بعباده كأن المراد بالعباد هنا من مات على الإسلام ويؤيده ما أخرجه أحمد والحاكم من حديث أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي على الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول ابني ابني وسعت فأخذته فقال القوم يا رسول الله ما كانت هذه لتلقى ابنها في النار فقال ولا الله بطارح حبيبه في النار فالتعبير بحبيبه يخرج الكافر وكذا من شاء إدخاله ممن لم يتب من مرتكبي الكبائر وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لفظ العباد عام ومعناه خاص بالمؤمنين وهو كقوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون فهي عامة من جهة الصلاحية وخاصة بمن كتبت له قال ويحتمل أن يكون المراد أن رحمة الله لا يشبهها شيء لمن سبق له منها نصيب من أي العباد كان حتى الحيوانات وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلقه في جميع أموره بالله وحده وأن كل من فرض أن فيه رحمة ما حتى يقصد لاجلها فالله سبحانه وتعالى أرحم منه فليقصد العاقل لحاجته من هو أشد له رحمة قال وفي الحديث جواز نظر النساء المسبيات لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن النظر إلى المرأة المذكورة بل في سياق الحديث ما يقتضي إذنه في النظر إليها وفيه ضرب المثل يما يدرك بالحواس لما لا يدرك بها لتحصيل معرفة الشيء على وجهه وان كان الذي ضرب به المثل لا يحاط بحقيقته لأن رحمة الله لا تدرك بالعقل ومع ذلك فقربها النبي صلى الله عليه وسلم للسامعين بحال المرأة المذكورة وفيه جواز ارتكاب أخف الضررين لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه المرأة عن ارضاع الاطفال الذين أرضعتم مع احتمال أن يكبر بعضهم فيتزوج بعض من أرضعته المرأة معه لكن لما كانت حالة الارضاع ناجزة وما يخشى من المحرمية متوهم اغتفر قلت ولفظ الصبي بالتذكير في الخبر ينازع في ذلك قال وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وقد يستدل به على عكس ذلك فأما الأول فمن جهة أن الأطفال لولا أنهم كان بهم ضرورة إلى الارضاع في تلك الحالة ما تركها النبي صلى الله عليه وسلم ترضع أحدا منهم وأما الثاني وهو أقوى فلأنه أقرها على إرضاعهم من قبل أن تتبين الضرورة اه ملخصا ولا يخفى ما فيه

قوله باب بالتنوين جعل الله الرحمة في مائة جزء هكذا ترجم ببعض الحديث وفي رواية النسفي باب من الرحمة وللإسماعيلي باب بغير ترجمة

[ 5654 ] قوله البهراني بفتح الموحدة وسكون الهاء نسبة إلى قبيلة من قضاعة ينتهي نسبهم إلى بهر بن عمرو بن الحاف بن قضاعة نزل أكثرهم حمص في الإسلام قوله جعل الله الرحمة في مائة جزء قال الكرماني كان المعنى يتم بدون الظرف فلعل في زائدة أو متعلقة بمحذوف وفيه نوع مبالغة إذ جعلها مظروفا لها معنى بحيث لا يفوت منها شيء وقال بن أبي جمرة يحتمل أن يكون سبحانه وتعالى لما من على خلقه بالرحمة جعلها في مائة وعاء فاهبط منها واحدا للأرض قلت خلت أكثر الطرق عن الظرف كرواية سعيد المقبري عن أبي هريرة الآتية في الرقاق أن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ولمسلم من رواية عطاء عن أبي هريرة أن لله مائة رحمة وله من حديث سلمان أن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض وقال القرطبي يجوز أن يكون معنى خلق اخترع وأوجد ويجوز أن يكون بمعنى قدر وقد ورد خلق بمعنى قدر في لغة العرب فيكون المعنى أن الله أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقدير السماوات والأرض وقوله كل رحمة تسع طباق الأرض المراد بها التعظيم والتكثير وقد ورد التعظيم بهذا اللفظ في اللغة والشرع كثيرا قوله فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا في رواية عطاء وأخر عنده تسعة وتسعين رحمة وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم وخبأ عنده مائة إلا واحدة قوله وأنزل في الأرض جزءا واحدا في رواية المقبري وأرسل في خلقه كلهم رحمة وفي رواية عطاء أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والأنس والبهائم وفي حديث سلمان فجعل منها في الأرض واحدة قال القرطبي هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة لا نفس الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم قوله فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه في رواية عطاء فيها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وفي حديث سلمان فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض قال بن أبي جمرة خص الفرس بالذكر لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطبون حركته مع ولده ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها ووقع في حديث سلمان عند مسلم في آخره من الزيادة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة مائة وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها أيضا وصرح بذلك المهلب فقال الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدنيا هي التي يتغافرون بها يوم القيامة التبعات بينهم قال ويجوز أن يستعمل الله تلك الرحمة فيهم فيرحمهم بها سوى رحمته التي وسعت كل شيء وهي التي من صفة ذاته ولم يزل موصوفا بها فهي التي يرحمهم بها زائدا على الرحمة التي خلقها لهم قال ويجوز أن تكون الرحمة التي أمسكها عند نفسه هي التي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض لأن استغفارهم لهم دال على أن في نفوسهم الرحمة لأهل الأرض قلت وحاصل كلامه أن الرحمة رحمتان رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد ورحمة من صفة الفعل وهي المشار إليها هنا ولكن ليس في شيء من طرق الحديث أن التي عند الله رحمة واحدة بل اتفقت جميع الطرق على أن عنده تسعة وتسعين رحمة وزاد في حديث سلمان أنه يكملها يوم القيامة مائة بالرحمة التي في الدنيا فتعدد الرحمة بالنسبة للخلق وقال القرطبي مقتضى هذا الحديث أن الله علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي فبلغت مائة وكلها للمؤمنين واليه الإشارة بقوله تعالى وكان بالمؤمنين رحيما فإن رحيما من أبنية المبالغة التي لا شيء فوقها ويفهم من هذا أن الكفار لا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها إذا أكمل كل ما كان في علم الله من الرحمات للمؤمنين واليه الإشارة بقوله تعالى فسأكتبها للذين يتقون الآية وقال الكرماني الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بايصال الخير والقدرة في نفسها غير متناهية والتعلق غير متناه لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله سبحانه وتعالى وأما مناسبة هذا العدد الخاص فحكى القرطبي عن بعض الشراح أن هذا العدد الخاص أطلق لإرادة التكثير والمبالغة فيه وتعقبه بأنه لم تجر عادة العرب بذلك في المائة وإنما جرى في السبعين كذا قال وقال بن أبي جمرة ثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسع وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فيؤخذ منه أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله غلبت رحمتي غضبي قلت لكن تبقى مناسبة خصوص هذا العدد فيحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكان كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم منزلة من حصلت له جميع الأنواع من الرحمة وقال بن أبي جمرة في الحديث إدخال السرور على المؤمنين لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها إذا كان معلوما مما يكون موعودا وفيه الحث على الإيمان واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة قلت وقد وقع في آخر حديث سعيد المقبري في الرقاق فلو يعلم الكافر بكل ما عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة وأفرده مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى

قوله باب قتل الولد خشية أن يأكل معه تقدير الكلام قتل المرء ولده الخ فالضمير يعود للمقدر في قوله قتل الولد ووقع لأبي ذر عن المستملي والكشميهني باب أي الذنب أعظم وعند النسفي باب من الرحمة وذكر فيه حديث بن مسعود أي الذنب أعظم الحديث وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

قوله باب وضع الصبي في الحجر ذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع صبيا في حجره وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة وتقدم أيضا قريبا في العقيقة ويستفاد منه الرفق بالاطفال والصبر على ما يحدث منهم وعدم مؤاخذتهم لعدم تكليفهم

قوله باب وضع الصبي على الفخذ هذه الترجمة أخص من التي قبلها وذكر فيه حديث أسامة بن زيد

[ 5657 ] قوله عن أبيه هو سليمان بن طرخان التيمي وأبو تميمة هو طريف بمهملة بوزن عظيم بن مجالد بالجيم الهجيمي بالجيم مصغر قوله فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر استشكله الداودي فيما نقله بن التين فقال لا أدري ذلك وقع في وقت واحد لأن أسامة أكبر من الحسن ثم أخذ يستدل على ذلك والأمر فيه أوضح من أن يحتاج إلى دليل فإن أكثر ما قيل في عمر الحسن عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين وأما أسامة فكان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وقد أمره على الجيش الذي اشتمل على عدد كثير من كبار المسلمين كعمر كما تقدم بيانه في ترجمته في المناقب وصرح جماعة بأنه كان عند موت النبي صلى الله عليه وسلم بن عشرين سنة وذكر الواقدي في المغازي عن محمد بن الحسن بن أسامة عن أهله قالوا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسامة بن تسع عشرة سنة فيحتمل أن يكون ذلك وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة مراهق والحسن بن سنتين مثلا ويكون إقعاده أسامة في حجره لسبب اقتضى ذلك كمرض مثلا أصاب أسامة فكان النبي صلى الله عليه وسلم لمحبته فيه ومعزته عنده يمرضه بنفسه فيحتمل أن يكون أقعده في تلك الحالة وجاء الحسن بن ابنته فأقعده على الفخذ الأخرى وقال معتذرا عن ذلك إني أحبهما والله أعلم قوله وعن علي قال حدثنا يحيى حدثنا سليمان أما علي فهو علي بن عبد الله المديني وأما يحيى فهو بن سعيد القطان وأما سليمان فهو التيمي المذكور قبل ثم هو معطوف على السند الذي قبله وهو قوله حدثنا عبد الله بن محمد فيكون من رواية البخاري عن علي ولكنه عبر عنه بصيغة عن فقال حدثنا عبد الله بن محمد الخ وعن علي الخ ويحتمل أن يكون معطوفا على قوله حدثنا عارم فيكون من رواية البخاري عن شيخه بواسطة قرينه عبد الله بن محمد ولا يستغرب ذلك من رواية الأقران ولا من البخاري فقد حدث بالكثير عن كثير من شيوخه ويدخل أحيانا بينهم الواسطة وقد حدث عن عارم بالكثير بغير واسطة منها ما سيأتي قريبا في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا وأدخل هنا بينه وبين عبد الله بن محمد الجعفي ووقع في بعض النسخ في آخر هذا الحديث قيل لأبي عبد الله من يقول عن علي فقال حدثنا عبد الله بن محمد انتهى فإن كان محفوظا صح الاحتمال الأخير وبالله التوفيق قوله قال التيمي هو موصول بالسند المذكور قوله فوقع في قلبي منه شيء يعني شك هل سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان أو سمعه من أبي عثمان بغير واسطة وفي السند على الأول ثلاثة بصريون من التابعين في نسق من سليمان التيمي فصاعدا وليس لأبي تميمة في البخاري إلا هذا الحديث وآخر سيأتي في كتاب الأحكام من روايته عن جندب البجلي قوله فوجدته عندي مكتوبا فيما سمعت أي من أبي عثمان فكأنه سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان ثم لقي أبا عثمان فسمعه منه أو كان سمعه من أبي عثمان فثبته فيه أبو تميمة وانتزع منه بعضهم جواز الاعتماد في تحديثهم على خطه ولو لم يتذكر السماع ولا حجة فيه لاحتمال التذكر في هذه الحالة وقد ذكر بن الصلاح المسألة ونقل الخلاف فيها والراجح في الرواية الاعتماد

قوله باب حسن العهد من الإيمان قال أبو عبيد العهد هنا رعاية الحرمة وقال عياض هو الاحتفاظ بالشيء والملازمة له وقال الراغب حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال وعهد الله تارة يكون بما ركزه في العقل وتارة بما جاءت به الرسل وتارة بما يلتزمه المكلف ابتداء كالنذر ومنه قوله تعالى ومنهم من عاهد الله وأما لفظ العهد فيطلق بالاشتراك بإزاء معان أخرى منها الزمان والمكان واليمين والذمة والصحة والميثاق والإيمان والنصيحة والوصية والمطر ويقال له العهاد أيضا

[ 5658 ] قوله عن عائشة رضي الله عنها قالت ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة قد تقدم شرحه في ترجمة خديجة من كتاب المناقب وقوله على خديجة يريد من خديجة فأقام على مقام من وحروف الجر تتناوب في رأي أو على سببية أي بسبب خديجة وقوله فيه ولقد أمره ربه الخ تقدم شرحه هناك أيضا ولكن أورده هناك من حديث عبد الله بن أبي أوفى وقوله فيه وان كان ليذبح الشاة ثم ليهدي في خلتها منها أي من الشاة المذبوحة وزاد في رواية الليث عن هشام في فضل خديجة ما يسعهن وقد تقدم هناك بيان الاختلاف في ضبط هذه اللفظة وأن مخففة من الثقيلة وخلتها بضم المعجمة أي خلائلها وقال الخطابي الخلة مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجماعة تقول رجل خلة وامرأة خلة وقوم خلة ويحتمل أن يكون فيه محذوف تقديره إلى أهل خلتها أي أهل صداقتها والخلة الصداقة والخليل الصديق قلت وقع في رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ ثم نهديها إلى خلائلها وسبق في المناقب من وجه آخر عن هشام بن عروة وإلى اصدقائها وللبخاري في الأدب المفرد من حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالشيء يقول اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة تنبيه جرى البخاري على عادته في الاكتفاء بالإشارة دون التصريح فإن لفظ الترجمة قد وقد في حديث يتعلق بخديجة رضي الله عنها أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب من طريق صالح بن رستم عن بن أبي مليكة عن عائشة قالت جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف أنتم كيف حالكم كيف كنتم بعدنا قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله فلما خرجت قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال يا عائشة أنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان وأخرجه البيهقي أيضا من طريق مسلم بن جنادة عن حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مثله بمعنى القصة وقال غريب ومن طريق أبي سلمة عن عائشة نحوه وإسناده ضعيف

قوله باب فضل من يعول يتيما أي يربيه وينفق عليه

[ 5659 ] قوله عبد العزيز بن أبي حازم أي سلمة بن دينار قوله أنا وكافل اليتيم أي القيم بأمره ومصالحه زاد مالك من مرسل صفوان بن سليم كافل اليتيم له أو لغيره ووصله البخاري في الأدب المفرد والطبراني من رواية أم سعيد بنت مرة الفهرية عن أبيها ومعنى قوله له بأن يكون جدا أو عما أو أخا أو نحو ذلك من الأقارب أو يكون أبو المولود قد مات فتقوم أمه مقامه أو ماتت أمه فقام أبوه في التربية مقامها وأخرج البزار من حديث أبي هريرة موصولا من كفل يتيما ذا قرابة أو لا قرابة له وهذه الرواية تفسر المراد بالرواية التي قبلها قوله وأشار بأصبعيه السبابة في رواية الكشميهني السباحة بمهملة بدل الموحدة الثانية والسباحة هي الإصبع التي تلي الإبهام سميت بذلك لأنها يسبح بها في الصلاة فيشار بها في التشهد لذلك وهي السبابة أيضا لأنها يسب بها الشيطان حينئذ قال بن بطال حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك قلت قد تقدم الحديث في كتاب اللعان وفيه وفرج بينهما أي بين السبابة والوسطى وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير الحديث الآخر بعثت أنا والساعة كهاتين الحديث وزعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك استوت أصبعاه في تلك الساعة ثم عادتا إلى حالهما الطبيعية الأصلية تأكيدا لأمر كفالة اليتيم قلت ومثل هذا لا يثبت بالاحتمال ويكفي في اثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة إصبع أخرى وقد وقع في رواية لأم سعيد المذكورة عند الطبراني معي في الجنة كهاتين يعني المسبحة والوسطى إذ اتقى ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حالة دخول الجنة لما أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رفعه أنا أول من يفتح باب الجنة فإذا امرأة تبادرني فأقول من أنت فتقول أنا امرأة تأيمت على أيتام لي ورواته لا بأس بهم وقوله تبادرني أي لتدخل معي أو تدخل في أثري ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين سرعة الدخول وعلو المنزلة وقد أخرج أبو داود من حديث عوف بن بن مالك رفعه أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة امرأة ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى ماتوا أو بانوا فهذا فيه قيد زائدة وتقييده في الرواية التي أشرت إليها بقوله اتقى الله أي فيما يتعلق باليتيم المذكور وقد أخرج الطبراني في المعجم الصغير من حديث جابر قلت يا رسول الله مم أضرب منه يتيمي قال مم كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله وقد زاد في رواية مالك المذكور حتى يستغنى عنه فيستفاد منه أن الكفالة المذكورة أمدا قال شيخنا في شرح الترمذي لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي أو منزلة النبي لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا وكذلك اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك اه ملخصا

قوله بال الساعي على الأرملة أي في مصالحها ذكر فيه حديث أبي هريرة موصولا وحديث صفوان بن سليم مرسلا كلاهما من رواية مالك وقد تقدم شرحه في كتاب النفقات

قوله باب الساعي على المسكين ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور قبله مقتصرا عليه دون المرسل ووقع في هذه الرواية كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال يشك القعنبي وهو رواية عن مالك كالقائم لا يفتر ولفظ الرواية التي قبلها لإسماعيل بن أبي أويس عن مالك كالمجاهد أو كالذي يصوم الحديث وقد تقدم بيان ذلك واضحا في كتاب النفقات

قوله باب رحمة الناس والبهائم أي صدور الرحمة من الشخص لغيره وكأنه أشار إلى حديث بن مسعود رفعه قال لن تؤمنوا حتى ترحموا قالوا كنا رحيم يا رسول الله قال انه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة الناس رحمة العامة أخرجه الطبراني ورجاله ثقات وقد ذكر فيه أحاديث الأول حديث مالك بن الحويرث وفيه وصلوا كما رأيتموني أصلي وقد سبق شرحه في كتاب الصلاة والغرض منه هنا

[ 5662 ] قوله وكان رقيقا رحيما وهو للأكثر بقافين من الرقة وللقابسي والأصيلي والكشميهني بفاء ثم قاف من الرفق وقوله شببة بفتح المعجمة والموحدة جمع شاب مثل بار وبررة وقوله فقال ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم وفي الرواية الأخرى لو رجعتم إلى أهليكم فعلمتموهم استدل به بن التين على أن الهجرة قبل الفتح لم تكن واجبة على الأعيان بل على البعض وفيه نظر ومن أين له أن وفود مالك ومن معه كان قبل الفتح وقوله وصلوا كما رأيتموني أصلي حكى بن التين عن الداودي أنه فيه دلالة على إمامة الصبيان وزيفه فأجاد الحديث الثاني حديث أبي هريرة في كل ذات كبد رطبة أجر وفيه قصة الرجل الذي سقى الكلب وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الشرب قبيل كتاب الاستقراض والرطوبة هنا كناية عنا لحياة وقيل إن الكبد إذا ظمئت ترطبت بدليل أنها إذا ألقيت في النار ظهر منها الرشح والسبب في ذلك أن النار تخرج منها رطوبتها إلى خارج وقد تقدم في بدء الخلق أن القصة المذكورة وقع نحوها لامرأة وحمل على التعدد الحديث الثالث حديث أبي هريرة أيضا في قصة الأعرابي الذي قال اللهم ارحمني ومحمدا وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب الوضوء وأنه الذي بال في المسجد وأنه ذو الخويصرة اليماني وقيل الأقرع بن حابس وأخرج بن ماجة وصححه بن حبان من وجه آخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال دخل الأعرابي المسجد فقال اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد احتظرت واسعا ثم تنحى الأعرابي فبال في ناحية المسجد الحديث

[ 5664 ] قوله لقد حجرت واسعا يريد رحمة الله حجرت بمهملة ثم جيم ثقيلة ثم راء أي ضيقت وزنا ومعنى ورحمة الله واسعة كما قال تعالى واتفقت الروايات على أن حجرت بالراء لكن نقل بن التين أنها في رواية أبي ذر بالزاي قال وهما بمعنى والقائل يريد رحمة الله بعض رواته وكأنه أبو هريرة قال بن بطال أنكر صلى الله عليه وسلم على الأعرابي لكونه بخل برحمة الله على خلقه وقد أثنى الله تعالى على من فعل خلاف ذلك حيث قال والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان وقوله في الرواية الأخرى احتظرت بحاء مهملة وظاء مشالة بمعنى امتنعت مأخوذ من الحظار بكسر أوله وهو الذي يمنع ما وراءه الحديث الرابع

[ 5665 ] قوله زكريا هو بن أبي زائدة وعامر هو الشعبي قوله ترى المؤمنين في تراحمهم قال بن أبي جمرة المراد من يكون إيمانه كاملا قوله وتوادهم بتشديد الدال والأصل التوادد فأدغم والتوادد تفاعل من المودة والود والوداد بمعنى وهو تقرب شخص من آخر بما يحب قوله وتعاطفهم قال بن أبي جمرة الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وان كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف فأما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا كما يعطف الثوب عليه ليقويه اه ملخصا ووقع في رواية الأعمش عن الشعبي وخيثمة فرقهما عن النعمان عند مسلم المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر وفي رواية خيثمة اشتكى وان اشتكى رأسه كله قوله كمثل الجسد أي بالنسبة إلى جميع أعضائه ووجه التشبيه فيه التوافق في التعب والراحة قوله تداعى أي دعا بعضه بعضا إلى المشاركة في الألم ومنه قولهم تداعت الحيطان أي تساقطت أو كادت قوله بالسهر والحمى أما السهر فلأن الألم يمنع النوم وأما الحمى فلأن فقد النوم يثيرها وقد عرف أهل الحذق الحمى بأنها حرارة غريزية تشتعل في القلب فتشب منه في جميع البدن فتشتعل اشتعالا يضر بالأفعال الطبيعية قال القاضي عياض فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح وفيه تقريب للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية وفيه تعظيم حقوق المسلمين والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا وقال بن أبي جمرة شبة النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف فإذا أخل المرء بشيء من التكاليف شأن ذلك الاخلال الأصل وكذلك الجسد أصل كالشجرة وأعضاؤه كالأغصان فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب الحديث الخامس حديث أنس ما من مسلم غرس غرسا تقدم شرحه في المزارعة وقوله

[ 5666 ] أو دابة إن كان مأخوذا من دب على الأرض فهو من عطف العام على الخاص وإن كان المراد الدابة في العرف فهو من عطف جنس على جنس وهو الظاهر هنا قال بن أبي جمرة يدخل الغارس في عموم قوله إنسان فإن فضل الله واسع وفيه التنويه بقدر المؤمن وأنه يحصل له الأجر وإن لم يقصد إليه عينا وفيه الترغيب في التصرف على لسان المعلم والحض على التزام طريق المصلحين والإرشاد إلى ترك المقاصد الفاسدة والترغيب في المقاصد الصالحة الداعية إلى تكثير الثواب وأن تعاطي الأسباب التي اقتضتها الحكمة الربانية من عمارة هذه الدار لا ينافي العبادة ولا طريق الزهد ولا التوكل وفيه التحريض على تعلم السنة ليعلم المرء ماله من الخير فيرغب فيه لأن مثل هذا الفضل المذكور في الغرس لا يدرك إلا من طريق السنة وفيه إشارة إلى أن المرء قد يصل إليه من الشر ما لم يعمل به ولا قصد إليه فيحذر من ذلك لأنه لما جاز حصول هذا الخير بهذا الطريق جاز حصول مقابله اه ملخصا الحديث السادس حديث جرير

[ 5667 ] قوله عمر بن حفص أي بن غياث والسند كله كوفيون قوله من لا يرحم لا يرحم تقدم هذا المتن في أثناء حديث أبي هريرة في باب رحمة الولد ووقع في حديث جرير في رواية لمسلم من لا يرحم الناس لا يرحمه الله وهو عند الطبراني بلفظ من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء وله من حديث بن مسعود رفعه أرحم من في الأرض يرحمك من في السماء ورواته ثقات وهو في حديث عبد الله بن عمر وعند أبي داود والترمذي والحاكم بلفظ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وهذا الحديث قد اشتهر بالمسلسل بالأولية وفي حديث الأشعث بن قيس عند الطبراني في الأوسط من لم يرحم المسلمين لم يرحمه الله قال بن بطال فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب وقال بن أبي جمرة يحتمل أن يكون المعنى من لا يرحم غيره بأي نوع من الإحسان لا يحصل له الثواب كما قال تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ويحتمل أن يكون المراد من لا يكون فيه رحمة الإيمان في الدنيا لا يرحم في الآخرة أو من لا يرحم نفسه بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه لا يرحمه الله لأنه ليس له عنده عهد فتكون الرحمة الأولى بمعنى الأعمال والثانية بمعنى الجزاء أي لا يثاب إلا من عمل صالحا ويحتمل أن تكون الأولى الصدقة والثانية البلاء أي لا يسلم من البلاء إلا من تصدق أو من لا يرحم الرحمة التي ليس فيها شائبة أذى لا يرحم مطلقا أو لا ينظر الله بعين الرحمة إلا لمن جعل في قلبه الرحمة ولو كان عمله صالحا اه ملخصا قال وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه في هذه الأوجه كلها فما قصر فيه لجأ إلى الله تعالى في الإعانة عليه

قوله باب الوصاءة بالجار بفتح الواو وتخفيف الصاد المهملة مع المد لغة في الوصية وكذا الوصاية بإبدال الهمزة ياء وهما بمعنى لكن الأول من أوصيت والثاني من وصيت تنبيه وقع في شرح شيخنا بن الملقن هنا بسملة وبعدها كتاب البر والصلة ولم أر ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا ويؤيد ما عندنا أن أحاديث صلة الرحم تقدمت وأحاديث بر الوالدين قبلها والوصية بالجار وما يتعلق بها ذكرت هنا وتلاها باقي أبواب الأدب وقوله هنا بعد الباب واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا يؤيد ذلك لأنه بوب على ترتيب ما في هذه الآية فبدأ ببر الوالدين وثنى بذي القربى وثلث بالجار وربع بالصاحب ولم يقع ذلك أيضا في مستخرج الإسماعيلي ولا أبي نعيم قوله وقول الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا الآية كذا لأبي ذر وللباقين بعد قوله إحسانا إلى قوله مختالا فخورا وللنسفي وقوله تعالى وبالوالدين إحسانا الآية والمراد من هذه الآية هنا قوله تعالى والجار ذي القربى والجار الجنب وثبت للنسفي البسملة قبل الباب وكأنه للانتقال إلى نوع غير الذي قبله ورأيت في شرح شيخنا سراج الدين بن الملقن كتاب البر والصلة ولم أره لغيره والجار القريب من بينهما قرابة والجار الجنب بخلافه وهذا قول الأكثر وأخرجه الطبري بسند حسن عن بن عباس وقيل الجار القريب المسلم والجار الجنب غيره وأخرجه أيضا الطبري عن نوف البكالي أحد التابعين وقيل الجار القريب المرأة والجنب الرقيق في السفر ثم ذكر فيه حديثين الأول حديث عائشة

[ 5668 ] قوله أبو بكر بن محمد أي بن عمرو بن حزم وعمرة هي أمه والسند كله كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وقد سمع يحيى بن سعيد وهو الأنصاري من عمرة كثيرا وربما دخل بينهما واسطة مثل هذا وروايته عن أبي بكر المذكور من الأقران قوله ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره واختلف في المراد بهذا التوريث فقيل يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب وقيل المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة والأول أظهر فإن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ حتى ظننت أنه يجعل له ميراثا وقال بن أبي جمرة الميراث على قسمين حسي ومعنوي فالحس هو المراد هنا والمعنوي ميراث العلم ويمكن أن يلحظ هنا أيضا فإن حق الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه والله أعلم واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد وله مراتب بعضها أعلى من بعض فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد وعكسه من احجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك فيعطي كل حقه بحسب حاله وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوي وقد حمله عبد الله بن عمرو أحد من روى الحديث على العموم فأمر لما ذبحت له شاة أن يهدي منها لجاره اليهودي أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه وقد وردت الإشارة إلى ما ذكرته في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من حديث جابر رفعه الجيران ثلاثة جار له حق وهو المشرك له حق الجوار وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم قال القرطبي الجار يطلق ويراد به الداخل في الجوار ويطلق ويراد به المجاور في الدار وهو الأغلب والذي يظهر أنه المراد به في الحديث الثاني لأن الأول كان يرث ويورث فإن كان هذا الخبر صدر قبل نسخ التوريث بين المتعاقدين فقد كان ثابتا فكيف يترجى وقوعه وإن كان بعد النسخ فكيف يظن رجوعه بعد رفعه فتعين أن المراد به المجاور في الدار وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة حفظ الجار من كمال الإيمان وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ويحصل امتثال الوصية به بايصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية وقد نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه كما في الحديث الذي يليه وهي مبالغة تنبىء عن تعظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر قال ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الاضرار له بالقول والفعل والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضا ويستر عليه ولله عن غيره وينهاه برفق فإن أفاد فبه وإلا فيهجره قاصدا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب ليكف وسيأتي القول في حد الجار في باب حق الجوار قريبا انتهى ملخصا الحديث الثاني

[ 5669 ] قوله عمر بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وذكر لفظه مثل لفظ حديث عائشة وقد روى هذا المتن أيضا أبو هريرة وهو في صحيح بن حبان وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو عند أبي داود والترمذي وأبو أمامة وهو عند الطبراني ووقع عنده في حديث عبد الله بن عمرو أن ذلك كان في حجة الوداع وله في لفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى ظننت أنه سيورثه فأفاد أنه وقع لعبد الله بن عمرو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نظير ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل ولأحمد من حديث رجل من الأنصار خرجت أريد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به قائم ورجل مقبل عليه فجلست حتى جعلت أرثي له من طول القيام فذكرت له ذلك فقال أتدري من هذا قلت لا قال هذا جبريل فذكر مثل حديث بن عمر سواء وأخرج عبد بن حميد نحوه من حديث جابر فأفاد سبب الحديث ولم أر في شيء من طرقه بيان لفظ وصية جبريل إلا أن الحديث يشعر بأنه بالغ في تأكيد حق الجار وقال بن أبي جمرة يستفاد من الحديث أن من أكثر من شيء من أعمال البر يرجى له الانتقال إلى ما هو أعلى منه وأن الظن إذا كان في طريق الخير جاز ولو لم يقع المظنون بخلاف ما إذا كان في طريق الشر وفيه جواز الطمع في الفضل إذا توالت النعم وفيه جواز التحدث بما يقع في النفس من أمور الخير والله أعلم

قوله باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه البوائق بالموحدة والقاف جمع بائقة وهي الداهية والشيء المهلك والأمر الشديد الذي يوافى بغتة قوله يوبقهن يهلكهن موبقا مهلكا هما أثران قال أبو عبيدة في قوله تعالى أو يوبقهن بما كسبوا قال يهلكهن وقال في قوله تعالى وجعلنا بينهم موبقا أي متوعدا وأخرج بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وجعلنا بينهم موبقا أي مهلكا

[ 5670 ] قوله عن سعيد هو المقبري ووقع منسوبا غير مسمى عند الإسماعيلي عن محمد بن يحيى بن سليمان عن عاصم بن علي شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريق عمر بن حفص ومن طريق إبراهيم الحربي كلاهما عن عاصم بن علي مسمى منسوبا قال عن سعيد المقبري قوله عن أبي شريح هو الخزاعي ووقع كذلك عند أبي نعيم واسمه علي المشهور خويلد وقيل عمرو وقيل هانئ وقيل كعب قوله والله لا يؤمن وقع تكريرها ثلاثا صريحا ووقع عند أحمد والله لا يؤمن ثلاثا وكأنه اختصار من الراوي ولأبي يعلى من حديث أنس ما هو بمؤمن وللطبراني من حديث كعب بن مالك لا يدخل الجنة ولأحمد نحوه عن أنس بسند صحيح قوله قيل يا رسول الله ومن هذه الواو يحتمل أن تكون زائدة أو استئنافية أو عاطفة على شيء مقدر أي عرفنا ما المراد مثلا ومن المحدث عنه ووقع لأحمد من حديث بن مسعود أنه السائل عن ذلك وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ قالوا يا رسول الله لقد خاب وخسر من هو وعزاه للبخاري وحده وما رأيته فيه بهذه الزيادة ولا ذكرها الحميدي في الجمع قوله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه في حديث أنس من لم يأمن وفي حديث كعب من خاف زاد أحمد والإسماعيلي قالوا وما بوائقه قال شره وعند المنذري هذه الزيادة للبخاري ولم أرها فيه تنبيه في المتن جناس بليغ وهو من جناس التحريف وهو قوله لا يؤمن ولا يأمن فالأول من الإيمان والثاني من الآمان قوله تابعه شبابة وأسد بن موسى يعني عن بن أبي ذئب في ذكر أبي شريح فأما رواية شبابة وهو بن سوار المدايني فأخرجها الإسماعيلي وأما رواية أسد بن موسى وهو الأموي المعروف بأسد السنة فأخرجها الطبراني في مكارم الأخلاق قوله وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياش وشعيب بن إسحاق عن بن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة يعني اختلف أصحاب بن أبي ذئب عليه في صحابي هذا الحديث فالثلاثة الأول قالوا فيه عن أبي شريح والأربعة قالوا عن أبي هريرة وقد نقل أبو معين الرازي عن أحمد أن من سمع من بن أبي ذئب بالمدينة فإنه يقول عن أبي هريرة ومن سمع منه ببغداد فإنه يقول عن أبي شريح قلت ومصداق ذلك أن بن وهب وعبد العزيز الدراوردي وأبا عمرو العقدي وإسماعيل بن أبي أويس وابن أبي فديك ومعن بن عيسى إنما سمعوا من بن أبي ذئب بالمدينة وقد قالوا كلهم فيه عن أبي هريرة وقد أخرجه الحاكم من رواية بن وهب ومن رواية إسماعيل ومن رواية الدراوردي وأخرجه الإسماعيلي من رواية معن والعقدي وابن أبي فديك وأما حميد بن الأسود وأبو بكر بن عياش اللذان علقه البخاري من طريقهما فهما كوفيان وسماعهما من بن أبي ذئب أيضا بالمدينة لما حجا وأما عثمان بن عمر فهو بصري وقد أخرج أحمد الحديث عنه كذلك وأما رواية شعيب بن إسحاق فهو شامي وسماعه من بن أبي ذئب أيضا بالمدينة وقد أخرجه أحمد أيضا عن إسماعيل بن عمر فقال عن أبي هريرة وإسماعيل واسطي وممن سمعه ببغداد من بن أبي ذئب يزيد بن هارون وأبو داود الطيالسي وحجاج بن محمد وروح بن عبادة وآدم بن أبي إياس وقد قالوا كلهم عن أبي شريح وهو في مسند الطيالسي كذلك وعند الإسماعيلي من رواية يزيد وعند الطبراني من رواية آدم وعند أحمد من رواية حجاج وروح بن عبادة ويزيد واسطي سكن بغداد وأبو داود وروح بصريان وحجاج بن محمد مصيصي وآدم عسقلاني وكانوا كلهم يقدمون بغداد ويطلبون بها الحديث وإذا تقرر ذلك فالأكثر قالوا فيه عن أبي هريرة فكان ينبغي ترجيحهم ويؤيده أن الراوي إذا حدث في بلده كان أتقن لما يحدث به في حال سفره ولكن عارض ذلك أن سعيدا المقبري مشهور بالرواية عن أبي هريرة فمن قال عنه عن أبي هريرة سلك الجادة فكانت مع من قال عنه عن أبي شريح زيادة علم ليست عند الآخرين وأيضا فقد وجد معنى الحديث من رواية الليث عن سعيد المقبري عن أبي شريح كما سيأتي بعد باب فكانت فيه تقوية لمن رآه عن بن أبي ذئب فقال فيه عن أبي شريح ومع ذلك فصنيع البخاري يقتضي تصحيح الوجهين وان كانت الرواية عند أبي شريح أصح وقد أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة ذاهلا عن الذي أورده البخاري بل وعن تخريج مسلم له من وجه آخر عن أبي هريرة فقال بعد تخريجه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ وإنما أخرجاه من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه وتعقبه شيخنا في أماليه بأنهما لم يخرجا طريق أبي الزناد ولا واحد منهما وإنما أخرج مسلم طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة باللفظ الذي ذكره الحاكم قلت وعلى الحاكم تعقب آخر وهو أن مثل هذا لا يستدرك لقرب اللفظين في المعنى قال بن بطال في هذا الحديث تأكيد حق الجار لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات وفيه نفى الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل ومراده الإيمان الكامل ولا شك أن العاصي غير كامل الإيمان وقال النووي عن نفي الإيمان في مثل هذا جوابان أحدهما أنه في حق المستحل والثاني أن معناه ليس مؤمنا كاملا اه ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يجازى مجازاة المؤمن بدخول الجنة من أول وهلة مثلا أو أن هذا خرج مخرج الزجر والتغليظ وظاهره غير مراد والله أعلم وقال بن أبي جمرة إذا أكد حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه وأمر بحفظه وإيصال الخير إليه وكف أسباب الضرر عنه فينبغي له أن يراعي حق الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات فقد جاء أنهما يسران بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السيئات فينبغي مراعاة جانبهما وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعات والمواظبة على اجتناب المعصية فهما أولى برعاية الحق من كثير من الجيران اه ملخصا

قوله باب لا تحقرن جارة لجارتها كذا حذف المفعول اكتفاء بشهرة الحديث وأورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك واتفق أن هذا الحديث ورد من طريق سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة والحديث قبله من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة ليس بينهما واسطة وكل من الطريقين صحيح لأن سعيدا أدرك أبا هريرة وسمع منه أحاديث وسمع من أبيه عن أبي هريرة أشياء كان يحدث بها تارة عن أبي هريرة بلا واسطة وقد ذكر البخاري بعضها وبين الاختلاف على سعيد فيها وهي محمولة على أنه سمعها من أبي هريرة واستثبت أباه فيها فكان يحدث بها تارة عن أبيه عن أبي هريرة وتارة عنه بلا واسطة ولم يكن مدلسا وإلا لحدث بالجميع عن أبي هريرة والله أعلم وبقية المتن ولو فرسن شاة بكسر الفاء وسكون الراء وكسر المهملة ثم نون حافر الشاة وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الهبة والكلام على إعراب يا نساء المسلمات وحاصله إن فيه اختصارا لأن المخاطبين يعرفون المراد منه أي لا تحقرن أن تهدى إلى جارتها شيئا ولو أنها تهدي لها ما لا ينتفع به في الغالب ويحتمل أن يكون من باب النهي عن الشيء أمر بضده وهو كناية عن التحابب والتوادد فكأنه قال لتوادد الجارة جارتها بهدية ولو حقرت فيتساوى في ذلك الغني والفقير وخص النهي بالنساء لأنهن موارد المودة والبغضاء ولأنهن أسرع إنفعالا في كل منهما وقال الكرماني يحتمل أن يكون النهي للمعطية ويحتمل أن يكون للمهدي إليها قلت ولا يتم حمله على المهدي إليها إلا بجعل اللام في

[ 5671 ] قوله لجارتها بمعنى من ولا يمتنع حمله على المعنيين

قوله باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ذكر فيه حديثا لأبي هريرة في ذلك وآخر لأبي شريح

[ 5672 ] قوله أبو الأحوص هو سلام بالتشديد بن سليم وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وأبو صالح هو ذكوان قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر المراد بقوله يؤمن الإيمان الكامل وخصه بالله واليوم الآخر إشارة إلى المبدأ والمعاد أي من آمن بالله الذي خلقه وآمن بأنه سيجازيه بعمله فليفعل الخصال المذكورات قوله فلا يؤذ جاره في حديث أبي شريح فليكرم جاره وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ فليحسن إلى جاره وقد ورد تفسير الأكرام والإحسان للجار وترك أذاه في عدة أحاديث أخرجها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ من حديث معاذ بن جبل قالوا يا رسول الله ما حق الجار على الجار قال إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن مرض عدته وإن احتاج أعطيته وإن افتقر عدت عليه وإن أصابه خير هنيته وإن أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له وإن اشتريت فاكهة فأهد له وإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده وألفاظهم متقاوية والسياق أكثره لعمرو بن شعيب وفي حديث بهز بن حكيم وإن أعوز سترته وأسانيدهم واهية لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلا ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فقد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مستحبا ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق قوله ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه زاد في حديث أبي شريح جائزته قال وما جائزته يا رسول الله قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام الحديث وسيأتي شرحه بعد نيف وخمسين بابا في باب إكرام الضيف إن شاء الله تعالى قوله ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت بضم الميم ويجوز كسرها وهذا من جوامع الكلم لأن القول كله إما خير وإما شر وإما آيل إلى أحدهما فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال فرضها وندبها فأذن فيه على اختلاف أنواعه ودخل ما يؤول إليه وما عدا ذلك مما هو شر أو يئول إلى الشر فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت وقد أخرج الطبراني والبيهقي في الزهد من حديث أبي أمامة نحو حديث الباب بلفظ فليقل خيرا ليغنم أو ليسكت عن شر ليسلم واشتمل حديث الباب من الطريقين على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية أما الأولان فمن الفعلية وأولهما يرجع إلى الأمر بالتخلي عن الرذيلة والثاني يرجع إلى الأمر بالتحلي بالفضيلة وحاصله من كان حامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولا بالخير وسكوتا عن الشر وفعلا لما ينفع أو تركا لما يضر وفي معنى الأمر بالصمت عدة أحاديث منها حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو بن العاص المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه وقد تقدما في كتاب الإيمان وللطبراني عن بن مسعود قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل فذكر فيها أن يسلم المسلمون من لسانك ولأحمد وصححه بن حبان من حديث البراء رفعه في ذكر أنواع من البر قال فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير وللترمذي من حديث بن عمر من صمت نجا وله من حديثه كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب وله من حديث سفيان الثقفي قلت يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي قال هذا وأشار إلى لسانه وللطبراني مثله من حديث الحارث بن هشام وفي حديث معاذ عند أحمد والترمذي والنسائي أخبرني بعمل يدخلني الجنة فذكر الوصية بطولها وفي آخرها ألا أخبرك بملاك ذلك كله كف عليك هذا وأشار إلى لسانه الحديث وللترمذي من حديث عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك

قوله باب حق الجوار في قرب الأبواب ذكر فيه حديث عائشة قلت يا رسول الله إن لي جارين فالي أيهما أهدي قال إلى أقربهما منك بابا وقد تقدم الكلام على سنده مستوفى في كتاب الشفعة وقوله أقربهما أي أشدهما قربا قيل الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المبهمات ولا سيما في أوقات الغفلة وقال بن أبي جمرة الاهداء إلى الأقرب مندوب لأن الهدية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجبا ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى وفيه تقديم العلم على العمل واختلف في حد الجوار فجاء عن علي رضي الله عنه من سمع النداء فهو جار وقيل من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار وعن عائشة حد الجوار أربعون دارا من كل جانب وعن الأوزاعي مثله وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعا ألا إن أربعين دارا جار وأخرج بن وهب عن يونس عن بن شهاب أربعون دارا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه وهذا يحتمل كالأولى ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة

قوله باب كل معروف صدقة أورد فيه حديث جابر بهذا اللفظ وقد أخرج مسلم من حديث حذيفة وقد أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن بن المنكدر مثله وزاد في آخره وما أنفق الرجل على أهله كتب له به صدقة وما وقى به المرء عرضه فهو صدقة وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن المنكدر عن أبيه كالأول وزاد ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وأن تلقى من دلوك في اناء أخيك قال بن بطال دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة وقد فسر ذلك في حديث أبي موسى المذكور في الباب بعد حديث جابر وزاد عليه أن الإمساك عن الشر صدقة وقال الراغب المعروف اسم كل فعل يعرف حسنة بالشرع والعقل معا ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف وقال بن أبي جمرة يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البر سواء جرت به العادة أم لا قال والمراد بالصدقة الثواب فإن قارنته النية أجر صاحبه جزما وإلا ففيه احتمال قال وفي هذا الكلام إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر في الأمر المحسوس منه فلا تختص بأهل اليسار مثلا بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة وقوله

[ 5676 ] على كل مسلم صدقة أي في مكارم الأخلاق وليس ذلك بفرض إجماعا قال بن بطال وأصل الصدقة ما يخرجه المرء من ماله متطوعا به وقد يطلق على الواجب لتحري صاحبه الصدق بفعله ويقال لكل ما يحابي به المرء من حقه صدقة لأنه تصدق بذلك على نفسه قوله فان لم يجد أي ما يتصدق به قال فيعمل بيديه قال بن بطال فيه التنبيه على العمل والتكسب ليجد المرء ما ينفق على نفسه ويتصدق به ويغنيه على ذل السؤال وفيه الحث على فعل الخير مهما أمكن وأن من قصد شيئا منها فتعسر فلينتقل إلى غيره قوله فان لم يستطع أو لم يفعل هو شك من الراوي قوله فيعين ذا الحاجة الملهوف أي بالفعل أو بالقول أبو بهما قوله فان لم يفعل أي عجزا أو كسلا قوله فليأمر بالخير أو قال بالمعروف هو شك من الراوي أيضا قوله فإن لم يفعل قال فليمسك عن الشر الخ قال بن بطال فيه حجة لمن جعل الترك عملا وكسبا للعبد خلافا لمن قال من المتكلمين أن الترك ليس بعمل ونقل عن المهلب أنه مثل الحديث الآخر من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة قلت وسيأتي الكلام على شرح هذا الحديث في كتاب الرقاق أن الحسنة إنما تكتب لمن هم بالسيئة فلم يعملها إذا قصد بتركها الله تعالى وحينئذ فيرجع إلى العمل وهو فعل القلب وقد مضى هذا مع شرح الحديث مستوفى في كتاب الزكاة واستدل بظاهر الحديث الكعبي لقوله ليس في الشرع شيء يباح بل إما أجر وإما وزر فمن اشتغل بشيء عن المعصية فهو مأجور عليه قال بن التين والجماعة على خلافه وقد ألزموه أن يجعل الزاني مجأورا لأنه يشتغل به عن غيره من المعصية قلت ولا يرد هذا عليه لأنه إنما أراد الاشتغال بغير المعصية نعم يمكن أن يرد عليه ما لو اشتغل بعمل صغيرة عن كبيرة كالقبلة والمعانقة عن الزنا وقد لا يرد عليه أيضا لأن الذي يظهر أنه يريد الاشتغال بشيء مما لم يرد النص بتحريمه

قوله باب طيب الكلام أصل الطيب ما تستلذه الحواس ويختلف باختلاف متعلقة قال بن بطال طيب الكلام من جليل عمل البر لقوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن الآية والدفع قد يكون بالقول كما يكون بالفعل قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة صدقة هو طرف من حديث أورده المصنف موصولا في كتاب الصلح وفي كتاب الجهاد وقد تقدم الكلام عليه هناك في باب من أخذ بالركاب قال بن بطال وجه كون الكلمة الطيبة صدقة أن إعطاء المال يفرح به قلب الذي يعطاه ويذهب ما في قلبه وكذلك الكلام الطيب فاشتبها من هذه الحيثية ثم ذكر حديث عدي بن حاتم وفيه اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة وقوله

[ 5677 ] أخبرني عمرو كذا لهم وهو بن مرة وقد تقدم الحديث من طريق شعبة عنه في كتاب الزكاة مع شرحه وخيثمة شيخ عمرو هو بن عبد الرحمن وتقدم الحديث مبسوطا في علامات النبوة

قوله باب الرفق في الأمر كله الرفق بكسر الراء وسكون الفاء بعدها قاف هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف وذكر فيه حديثين أحدهما حديث عائشة في قصة اليهود لما قالوا السام عليكم وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الاستئذان وقوله

[ 5678 ] ان الله يحب الرفق في الأمر كله في حديث عمرة عن عائشة عند مسلم أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف والمعنى أنه يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده وقيل المراد يثيب عليه ما لا يثيب على غيره والأول أوجه وله في حديث شريح بن هانئ عنها أن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه وفي حديث أبي الدرداء من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير الحديث وأخرجه الترمذي وصححه وابن خزيمة وفي حديث جرير عند مسلم من يحرم الرفق يحرم الخير كله وقوله فيه عن صالح هو بن كيسان ثانيهما حديث أنس في قصة الذي بال في المسجد وقد تقدم مشروحا في كتاب الطهارة وقوله

[ 5679 ] لا تزرموه بضم أوله وسكون الزاي وكسر الراء من الإزرام أي لا تقطعوا عليه بوله يقال زرم البول إذا انقطع وأزرمته قطعته وكذلك يقال في الدمع

قوله باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا بجر بعضهم على البدل ويجوز الضم

[ 5680 ] قوله سفيان هو الثوري وبريد بن أبي بردة بموحدة وراء مصغر هو بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى نسب لجده وكنية بريد أبو بردة أيضا وقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان حدثنا سفيان حدثني أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة فذكره قوله المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا اللام فيه للجنس والمراد بعض المؤمنين للبعض وقوله يشد بعضه بعضا بيان لوجه التشبيه وقال الكرماني نصب بعضا بنزع الخافض وقال غيره بل هو مفعول يشد قلت ولكل وجه قال بن بطال والمعاونة في أمور الآخرة وكذا في الأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها وقد ثبت حديث أبي هريرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه قوله ثم شبك بين أصابعه هو بيان لوجه التشبيه أيضا أي يشد بعضهم بعضا مثل هذا الشد ويستفاد منه أن الذي يريد المبالغة في بيان أقواله يمثلها بحركاته ليكون أوقع في نفس السامع قوله وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا إذ جاء رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل بوجهه فقال اشفعوا هكذا وقع في النسخ من رواية محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري وفي تركيبه قلق ولعله كان في الأصل كان إذا كان جالسا إذا جاء رجل الخ فحذف اختصارا أو سقط على الراوي لفظ إذا كان على أنني تتبعت ألفاظ الحديث من الطرق فلم أره في شيء منها بلفظ جالسا وقد أخرجه أبو نعيم من رواية إسحاق بن زريق عن الفريابي بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طالب الحاجة أقبل علينا بوجهه الحديث وهذا السياق لا إشكال فيه وأخرجه النسائي من طريق يحيى القطان عن سفيان مختصر اقتصر على قوله اشفعوا تؤجروا الخ وأخرجه الإسماعيلي من رواية عمر بن علي المقدمي عن سفيان الثوري لكنه جعله كله من قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني أوتي فأسأل أو تطلب إلى الحاجة وأنتم عندي فاشفعوا الحديث وقد أخرجه المصنف في الباب الذي يليه من رواية أبي أسامة عن بريد ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة ومن هذا الوجه أخرجه مسلم وتقدم في الزكاة من رواية عبد الواحد بن زياد عن بريد بلفظ كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه الحاجة وكذا أخرجه مسلم من رواية علي بن مسهر وحفص بن غياث كلاهما عن بريد بلفظ كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال فذكره قوله فلتؤجروا كذا للأكثر وفي رواية كريمة تؤجروا وقال القرطبي وقع في أصل مسلم اشفعوا تؤجروا بالجزم على جواب الأمر المضمن معنى الشرط وهو واضح وجاء بلفظ فلتؤجروا وينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة لأنها لام كي وتكون الفاء زائدة كما زيدت في حديث قوموا فلأصلي لكم ويكون معنى الحديث اشفعوا كي تؤجروا ويحتمل أن تكون لام الأمر والمأمور به التعرض للأجر بالشفاعة فكأنه قال اشفعوا فتعرضوا بذلك للأجر وتكسر هذه اللام على أصل لام الأمر ويجوز تسكينها تخفيفا لأجل الحركة التي قبلها قلت ووقع في رواية أبي داود اشفعوا لتؤجروا وهو يقوي أن اللام للتعليل وجوز الكرماني أن تكون الفاء سببية واللام بالكسر وهي لام كي وقال جاز اجتماعهما لأنهما لأمر واحد ويحتمل أن تكون جزائية جوابا للأمر ويحتمل أن تكون زائدة على رأي أو عاطفة على اشفعوا واللام لام الأمر أو على مقدر أي اشفعوا لتؤجروا فلتؤجر أو لفظ اشفعوا تؤجروا في تقدير ان تشفعوا تؤجروا والشرط يتضمن السببية فإذا أتى باللام وقع التصريح بذلك وقال الطيبي الفاء واللام زائدتان للتأكيد لأنه لو قيل اشفعوا تؤجروا صح أي إذا عرض المحتاج حاجته فاشفعوا له إلي فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أم لا ويجري الله على لسان نبيه ما شاء أي من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها أي ان قضيتها أو لم أقضها فهو بتقدير الله تعالى وقضائه تنبيه وقع في حديث عن بن عباس سنده ضعيف رفعه من سعى لأخيه المسلم في حاجة قضيت له أو لم تقض غفر له قوله وليقض الله على لسان نبيه ما شاء كذا ثبت في هذه الرواية وليقض باللام وكذا في رواية أبي أسامة التي بعدها للكشميهني فقط وللباقين ويقضي بغير لام وفي رواية مسلم من طريق علي بن مسهر وحفص بن غياث فليقض أيضا قال القرطبي لا يصح أن تكون هذه اللام لام الأمر لأن الله لا يؤمر ولا لام كي لأنه ثبت في الرواية وليقض بغير ياء مد ثم قال يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء أي اللهم أقض أو الأمر هنا بمعنى الخير وفي الحديث الحض على الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه والشفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس ولا التمكن منه ليلج عليه أو يوضح له مراده ليعرف حاله على وجهه وإلا فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب قال عياض ولا يستثنى من الوجوه التي تستحب الشفاعة فيها إلا الحدود وإلا فما لأحد فيه تجوز الشفاعة فيه ولا سيما ممن وقعت منه الهفوة أو كان من أهل الستر والعفاف قال وأما المصورون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا يشفع فيهم ليزجروا عن ذلك

قوله باب قول الله تعالى من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها كذا لأبي ذر وساق غيره إلى قوله مقيتا وقد عقب المصنف الحديث المذكور قبله بهذه الترجمة إشارة إلى أن الأجر على الشفاعة ليس على العموم بل مخصوص بما تجوز فيه الشفاعة وهي الشفاعة الحسنة وضابطها ما أذن فيه الشرع دون ما لم يأذن فيه كما دلت عليه الآية وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن مجاهد قال هي في شفاعة الناس بعضهم لبعض وحاصله أن من شفع لأحد في الخير كان له نصيب من الأجر ومن شفع له بالباطل كان له نصيب من الوزر وقيل الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمن والسيئة الدعاء عليه قوله كفل نصيب هو تفسير أبي عبيدة وقال الحسن وقتادة الكفل الوزر والإثم وأراد المصنف أن الكفل يطلق ويراد به النصيب ويطلق ويراد به الأجر وأنه في آية النساء بمعنى الجزاء وفي آية الحديد بمعنى الأجر ثم ذكر حديث أبي موسى وقد أشرت إلى ما فيه في الذي قبله ووقع فيه إذا أتاه صاحب الحاجة وعند الكشميهني صاحب حاجة قوله قال أبو موسى كفلين أجرين بالحبشية وصله بن أبي حاتم من طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبي موسى الأشعري في قوله تعالى يؤتكم كفلين من رحمته قال ضعفين بالحبشية أجرين

قوله باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفاحشا كذا للأكثر وللكشميهني ولا متفحشا بالتشديد كما في لفظ حديث عبد الله بن عمر وفي الباب ووقع في بعضها بلفظ متفاحشا والفحش كل ما خرج عن مقداره حتى يستقبح ويدخل في القول والفعل والصفة يقال طويل فاحش الطول إذا أفرط في طوله لكن استعماله في القول أكثر والمتفحش بالتشديد الذي يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه وأغرب الداودي فقال الفاحش الذي يقول الفحش والمتفحش الذي يستعمل الفحش ليضحك الناس ذكر فيه أربعة أحاديث الحديث الأول حديث عبد الله بن عمر وأورده من طريق شعبة عن سليمان وهو الأعمش سمعت أبا وائل ومن طريق جرير عن الأعمش عن شقيق بن سلمة وهو أبو وائل المذكور وقد تقدم المتن بتمامه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء في معناه وفيه أيضا

[ 5682 ] قوله ان من خيركم أحسنكم أخلاقا ووقع هنا للكمشيهني أن خيركم وتبين بالرواية الأخرى أن من مرادة فيه ووقع للأكثر اخيركم بوزن أفضلكم ومعناه وهي على الأصل والرواية الأخرى بمعناها يقال فلان خير من فلان أي أفضل منه وقد أخرج أحمد والطبراني وصححه بن حبان من حديث أسامة رفعه ان الله لا يحب كل فحاش متفحش الحديث الثاني حديث عائشة في قصة اليهود وقد تقدم قريبا في باب الرفق وأن شرحه يأتي في الاستئذان ووقع هنا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش وقد حكى عياض عن بعض شيوخه أن عين العنف مثلثة والمشهور ضمها الحديث الثالث حديث أنس

[ 5684 ] قوله سبابا بالمهملة وموحدتين الأولى ثقيلة قوله كان يقول لأحدنا عند المعتبة بفتح الميم وسكون المهملة وكسر المثناة الفوقية ويجوز فتحها بعدها موحدة وهي مصدر عتب عليه يعتب وعتابا ومعتبة ومعاتبة قال الخليل العتاب مخاطبة الادلال ومذاكرة الموجدة قوله ما له ترب جبينه قال الخطابي يحتمل أن يكون المعنى خر لوجهه فأصاب التراب جبينه ويحتمل أن يكون دعاء له بالعبادة كأن يصلي فيترب جبينه والأول أشبه الأن الجبين لا يصلي عليه قال ثعلب الجبينان يكتنفان الجبهة ومنه قوله تعالى وتله للجبين أي ألقاه على جبينه قلت وأيضا فالثاني بعيد جدا لأن هذه الكلمة استعملها العرب قبل أن يعرفوا وضع الجبهة بالأرض في الصلاة وقال الداودي قوله ترب جبينه كلمة تقولها العرب جرت على ألسنتهم وهي من التراب أي سقط جبينه للأرض وهو كقولهم رغم أنفه ولكن لا يراد معنى قوله ترب جبينه بل هو نظير ما تقدم في قوله تربت يمينك أي أنها كلمة تجري على اللسان ولا يراد حقيقتها الحديث الرابع حديث عائشة

[ 5685 ] قوله حدثنا عمرو بن عيسى هو أبو عثمان الضبعي البصري ثقة مستقيم الحديث قاله بن حبان وما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في كتاب الصلاة وشيخه محمد بن سواء هو أبو الخطاب السدوسي البصري ثقة أيضا له عند البخاري هذا الحديث وآخر في المناقب وشيخه روح بن القاسم مشهور كثير الحديث وقد تابعه عن محمد بن المنكدر سفيان بن عيينة كما سيأتي في باب اغتياب أهل الفساد وفي باب المداراة ومعمر عند مسلم وسياق روح أتم قوله عن عروة عن عائشة في رواية بن عيينة سمعت عروة أن عائشة أخبرته قوله أن رجلا قال بن بطال هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان يقال له الأحمق المطاع ورجا النبي صلى الله عليه وسلم بإقباله عليه تألفه ليسلم قومه لأنه كان رئيسهم وكذا فسره به عياض ثم القرطبي والنووي جازمين بذلك ونقله بن التين عن الداودي لكن احتمالا جزما وقد أخرجه عبد الغني بن سعيد في المبهمات من طريق عبد الله بن عبد الحكم عن مالك أنه بلغه عن عائشة استأذن عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال بئس بن العشيرة الحديث وأخرجه بن بشكوال في المبهمات من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عيينة استأذن فذكره مرسلا وأخرج عبد الغني أيضا من طريق أبي عامر الخراز عن أبي يزيد المدني عن عائشة قالت جاء مخرمة بن نوفل يستأذن فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته قال بئس أخو العشيرة الحديث وهكذا وقع لنا في أواخر الجزء الأول من فوائد أبي إسحاق الهاشمي وأخرجه الخطيب فيحمل على التعدد وقد حكى المنذر في مختصره القولين فقال هو عيينة وقيل مخرمة وأما شيخنا بن الملقن فاقتصر على أنه مخرمة وذكر أنه نقله من حاشية بخط الدمياطي فقصر لكنه حكى بعد ذلك عن بن التين أنه جوز أنه عيينة قال وصرح به بن بطال قوله بئس أخو العشيرة وبئس بن العشيرة في رواية معمر بئس أخو القوم وابن القوم وهي بالمعنى قال عياض المراد بالعشيرة الجماعة أو القبيلة وقال غيره العشيرة الأدنى إلى الرجل من أهله وهم ولد أبيه وجده قوله فلما جلس تطلق بفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي أبدى له طلاقة وجهه يقال وجهه طلق وطليق أي مسترسل منبسط غير عبوس ووقع في رواية بن عامر بش في وجهه ولأحمد من وجه آخر عن عائشة واستأذن آخر فقال نعم أخو العشيرة فلما دخل لم يهش له ولم ينبسط كما فعل بالآخر فسألته فذكر الحديث قال الخطابي جمع هذا الحديث علما وأدبا وليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بالأمور التي يسميهم بها ويضيفها إليهم من المكروه غيبة وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض بل الواجب عليه أن يبين ذلك ويفصح به ويعرف الناس أمره فإن ذلك من باب النصيحة والشفقة على الأمة ولكنه لما جبل عليه من الكرم وأعطيه من حسن الخلق أظهر له البشاشة ولم يجبهه بالمكروه لتقتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله وفي مداراته ليسلموا من شره وغائلته قلت وظاهر كلامه أن يكون هذا من جملة الخصائص وليس كذلك بل كل من اطلع من حال شخص على شيء وخشى أن غيره يغتر بجميل ظاهره فيقع في محذور ما فعليه أن يكلعه على ما يحذر من ذلك قاصدا نصيحته وإنما الذي يمكن أن يختص به النبي صلى الله عليه وسلم أن يكشف له عن حال من يغتر بشخص من غير أن يطلعه المغتر على حاله فيذم الشخص بحضرته ليتجنبه المغتر ليكون نصيحة بخلاف غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن جواز ذمه للشخص يتوقف على تحقق الأمر بالقول أو الفعل ممن يريد نصحه وقال القرطبي في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى ثم قال تبعا لعياض والفرق بين المدارة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله فإن قوله قيه قول حق وفعله معه حسن عشرة فيزول مع هذا التقرير الاشكال بحمد الله تعالى وقال عياض لم يكن عيينة والله أعلم حينئذ أسلم فلم يكن القول فيه غيبة أو كان أسلم ولم يكن إسلامه ناصحا فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه وقد كانت منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده أمور تدل على ضعف إيمانه فيكون ما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم من جملة علامات النبوة وأما إلانة القول له بعد أن دخل فعلى سبيل التألف له ثم ذكر نحو ما تقدم وهذا الحديث أصل في المداراة وفي جواز غيبة أهل الكفر والفسق ونحوهم والله أعلم قوله متى عهدتني فاحشا في رواية الكشميهني فحاشا بصيغة المبالغة قوله من تركه الناس في رواية عيينة من تركه أو ودعه الناس قال المازري ذكر بعض النحاة أن العرب أماتوا مصدر يدع وماضيه والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب وقد نطق بالمصدر في قوله لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات وبماضيه في هذا الحديث وأجاب عياض بان المراد بقولهم أماتوه أي تركوا استعماله إلا نادرا قال ولفظ أماتوه يدل عليه ويؤيد ذلك أنه لم ينقل في الحديث إلا في هذين الحديثين مع شك الراوي في حديث الباب مع كثرة استعمال ترك ولم يقل أحد من النحاة إنه لا يجوز قوله اتقاء شره أي قبح كلامه لأن المذكور كان من جفاة العرب وقال القرطبي في هذا الحديث إشارة إلى أن عيينة المذكور ختم له بسوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتقى فحشه وشره أخبر أن من يكون كذلك يكون شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة قلت ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال فإن الحديث ورد بلفظ العموم فمن اتصف بالصفة المذكورة فهو الذي يتوجه عليه الوعيد وشرط ذلك أن يموت على ذلك ومن أين له أن عيينة مات على ذلك واللفظ المذكور يحتمل لأن يقيد بتلك الحالة التي قيل فيها ذلك وما المانع أن يكون تاب وأناب وقد كان عيينة ارتد في زمن أبي بكر وحارب ثم رجع وأسلم وحضر بعض الفتوح في عهد عمر وله مع عمر قصة ذكرت في تفسير الأعراف ويأتي شرحها في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وفيها ما يدل على جفائه والحديث الذي فيه أنه أحمق مطاع أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال جاء عيينة بن حصن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فقال من هذه قال أم المؤمنين قال ألا أنزل لك عن أجمل منها فغضبت عائشة وقالت من هذا قال هذا أحمق ووصله الطبراني من حديث جرير وزاد فيه أخرج فاستأذن قال أنها يمين على أن لا استأذن على مضري وعلى تقدير أن يسلم له ذلك وللقاضي قبله في عيينة لا يسلم له ذلك في مخرمة بن نوفل وسيأتي في باب المداراة ما يدل على أن تفسير المبهم هنا بمخرمة هو الراجح

قوله باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل جمع في هذه الترجمة بين هذه الأمور الثلاثة لأن السخاء من جملة محاسن الأخلاق بل هو من معظمها والبخل ضده فأما الحسن فقال الراغب هو عبارة عن كل مرغوب فيه إما من جهة العقل وإما من جهة العرض وإما من جهة الحسن وأكثر ما يقال في عرف العامة فيما يدرك بالبصر وأكثر ما جاء في الشرع فيما يدرك بالبصيرة انتهى ملخصا وأما الخلق فهو بضم الخاء واللام ويجوز سكونها قال الراغب الخلق والخلق يعني بالفتح وبالضم في الأصل بمعنى واحد كالشرب والشرب لكن خص الخلق الذي بالفتح بالهيئات والصور المدركة بالبصر وخص الخلق الذي بالضم بالقوي والسجايا المدركة بالبصيرة انتهى وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي أخرجه أحمد وصححه بن حبان وفي حديث علي الطويل في دعاء الافتتاح عند مسلم واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت وقال القرطبي في المفهم الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره وهي محمودة ومذمومة فالمحمودة على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها ولا تنصف لها وعلى التفصيل العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب ونحو ذلك والمذموم منها ضد ذلك وأما السخاء فهو بمعنى الجود وهو بذل ما يقتنى بغير عوض وعطفه على حسن الخلق من عطف الخاص على العام وإنما أفرد للتنويه به وأما البخل فهو منع ما يطلب مما يقتنى وشره ما كان طالبه مستحقا ولا سيما إن كان من غير مال المسئول وأشار بقوله وما يكره من البخل إلى أن بعض ما يجوز انطلاق اسم البخل عليه قد لا يكون مذموما ثم ذكر المصنف في الباب ثمانية أحاديث الأولان معلقان الحديث الأول قوله وقال بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس تقدم موصولا في كتاب الإيمان وتقدم شرحه في كتاب الصيام وفيه بيان السبب في أكثرية جوده في رمضان الحديث الثاني قوله وقال أبو ذر لما بلغه مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه الخ كذا للأكثر بتكرير قال وفي رواية الكشميهني وكان أبو ذر الخ وهي أولى وهذا طرف من قصة إسلام أبي ذر وقد تقدمت موصولة مطولة في المبعث النبوي مشروحة والغرض منه هنا قوله ويأمر بمكارم الأخلاق والمكارم جمع مكرمة بضم الراء وهي من الكرم قال الراغب وهو اسم الأخلاق وكذلك الأفعال المحمودة قال ولا يقال للرجل كريم حتى يظهر ذلك منه ولما كان أكرم الأفعال ما يقصد به أشرف الوجوه وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى وإنما يحصل ذلك من المتقى قال الله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم وكل فائق في بابه يقال له كريم الحديث الثالث حديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس أي أحسنهم خلقا وخلقا وأجود الناس أي أكثرهم بذلا لما يقدر عليه وأشجع الناس أي أكثرهم إقداما مع عدم الفرار وقد تقدم شرح الحديث المذكور في كتاب الهبة واقتصار أنس على هذه الأوصاف الثلاث من جوامع الكلم لأنها أمهات الأخلاق فإن في كل إنسان ثلاث قوى أحدها الغضبية وكمالها الشجاعة ثانيها الشهوانية وكمالها الجود ثالثها العقلية وكمالها النطق بالحكمة وقد أشار أنس إلى ذلك بقوله أحسن الناس لأن الحسن يشمل القول والفعل ويحتمل أن يكون المراد بأحسن الناس حسن الخلقة وهو تابع لاعتدال المزاج الذي يتبع صفاء النفس الذي منه جودة القريحة التي تنشأ عنها الحكمة قاله الكرماني وقوله

[ 5686 ] فزع أهل المدينة أي سمعوا صوتا في الليل فخافوا أن يهجم عليهم عدو وقوله فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت أي أنه سبق فاستكشف الخبر فلم يجد ما يخاف منه فرجع يسكنهم وقوله لم تراعوا هي كلمة تقال عند تسكين الروع تأنيسا وإظهار للرفق بالمخاطب الحديث الرابع حديث جابر

[ 5687 ] قوله سفيان هو الثوري قوله عن بن المنكدر في رواية الإسماعيلي من طريق أبي الوليد الطيالسي ومن طريق عبد الله وهو بن المبارك كلاهما عن سفيان سمعت محمد بن المنكدر قوله ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا كذا للجميع وكذا في الأدب المفرد من طريق بن عيينة سمعت بن المنكدر ووقع في رواية الإسماعيلي من الطريقين المذكورين وكذا عند مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن بن المنكدر بلفظ ما سئل شيئا قط فقال لا قال الكرماني معناه ما طلب منه شيء من أمر الدنيا فمنعه قال الفرزدق ما قال لا قط إلا في تشهده قلت وليس المراد أنه يعطى ما يطلب منه جزما بل المراد أنه لا ينطق بالرد بل إن كان عنده أعطاه إن كان الإعطاء سائغا وإلا سكت وقد ورد بيان ذلك في حديث مرسل لابن الحنفية أخرجه بن سعد ولفظه إذا سئل فأراد أن يفعل قال نعم وإذا لم يرد أن يفعل سكت وهو قريب من حديث أبي هريرة الماضي في الأطعمة ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام معناه لم يقل لا منعا للعطاء ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها اعتذارا كما في قوله تعالى قلت لا أجد ما أحملكم عليه ولا يخفى الفرق بين قول لا أجد ما أحملكم وبين لا أحملكم قلت وهو نظير ما تقدم في حديث أبي موسى الأشعري لما سأل الأشعريون الحملان فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما عندي ما أحملكم لكن يشكل على ما تقدم أن في حديث الأشعري المذكور أنه صلى الله عليه وسلم حلف لا يحملهم فقال والله لا أحملكم فيمكن أن يخص من عموم حديث جابر بما إذا سئل ما ليس عنده والسائل يتحقق أنه ليس عنده ذلك أو حيث كان المقام لا يقتضي الاقتصار على السكوت من الحالة الواقعة أو من حال السائل كأن يكون لم يعرف العادة فلو اقتصر في جوابه على السكوت مع حاجة السائل لتمادى على السؤال مثلا ويكون القسم على ذلك تأكيدا لقطع طمع السائل والسر في الجمع بين قوله لا أجد ما أحملكم وقوله والله لا أحملكم أن الأول لبيان أن الذي سأله لم يكن موجودا عنده والثاني أنه لا يتكلف الإجابة إلى ما سئل بالقرض مثلا أو بالاستيهاب إذ لا اضطرار حينئذ إلى ذلك وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الأيمان والنذور وفهم بعضهم من لازم عدم قول لا اثبات نعم ورتب عليه أنه يلزم منه تحريم البخل لأن من القواعد أنه صلى الله عليه وسلم إذا وظب على شيء كان ذلك علامة وجوبه والترجمة تقتضي أن البخل مكروه وأجيب بأنه إذا تم هذا البحث حملت الكراهة على التحريم لكنه لا يتم لأن الذي يحرم من البخل ما يمنع الواجب سلمنا أنه يدل على الوجوب لكن على من هو في مقام النبوة إذ مقابله نقص منزه عنه الأنبياء فيختص الوجوب بالنبي صلى الله عليه وسلم والترجمة تتضمن أن من البخل ما يكره ومقابله أن منه ما يحرم كما أن فيه ما يباح بل ويستحب بل ويجب فلذلك اقتصر المصنف على قوله يكره الحديث الخامس حديث مسروق كنا جلوسا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ورجاله إلى الصحابة كوفيون وقد دخلها كما تقدم صريحا في هذا الحديث في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله لم يكن فاحشا تقدم شرحه في الباب المذكور وهو الحديث السادس عشر منه وقوله

[ 5688 ] فيه ان خياركم أحاسنكم أخلاقا في رواية الكشميهني أحسنكم ووقع في الرواية الماضية أن من خياركم وهي مرادة هنا وقد أخرج أبو يعلى من حديث أنس رفعه أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وللترمذي وحسنة والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة رقعه ان من أكمل المؤمنين أحسنهم خلقا ولأحمد بسند رجاله ثقات من حديث جابر بن سمرة نحوه بلفظ أحسن الناس إسلاما وللترمذي من حديث جابر رفعه إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولأحمد والطبراني وصححه بن حبان من حديث أبي ثعلبة نحوه وقال أحاسنكم أخلاقا وسياقه أتم وللبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم والطبراني من حديث أسامة بن شريك قالوا يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله قال أحسنهم خلقا وفي رواية عنه ما خير ما أعطى الإنسان قال خلق حسن ومن الأحاديث الصحيحة في حسن الخلق حديث النواس بن سمعان رفعه البر حسن الخلق أخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد وحديث أبي الدرداء رفعه ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان وزاد الترمذي فيه وهو عند البزار وأن صاحب حسن الخلق ليبلغ درجة صاحب الصوم والصلاة وأخرجه أبو داود وابن حبان أيضا والحاكم من حديث عائشة نحوه وأخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم من حديث أبي هريرة وأخرجه الطبراني من حديث أنس نحوه وأحمد والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو وأخرج الترمذي وابن حبان وصححاه وهو عند البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق وللبزار بسند حسن من حديث أبي هريرة رفعه إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق والأحاديث في ذلك كثيرة وحكى بن بطال تبعا للطبري خلافا هل حسن الخلق غريزة أو مكتسب وتمسك من قال بأنه غريزة بحديث بن مسعود أن الله قسم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم الحديث وهو عند البخاري في الأدب المفرد وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في كتاب القدر وقال القرطبي في المفهم الخلق جبلة في نوع الإنسان وهم في ذلك متفاوتون فمن غلب عليه شيء منها إن كان محمودا وإلا فهو مأمور بالمجاهدة فيه حتى يصير محمودا وكذا ان كان ضعيفا فيرتاض صاحبه حتى يقوى قلت وقد وقع في حديث الأشج العصري عند أحمد والنسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه بن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة قال يا رسول الله قديما كانا في أو حديثا قال قديما قال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما فترديده السؤال وتقريره عليه يشعر بأن في الخلق ما هو جبلى وما هو مكتسب الحديث السادس حديث سهل بن سعد في قصة البردة التي سأل الصحابي لتكون كفنه والغرض منه قولهم للذي طلبها سألته إياها وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أوائل الجنائز وفي قولهم سألته إياها استعمال ثاني الضميرين منفصلا وهو المتعين هنا فرارا من الاستثقال إذ لو قاله متصلا فإنه يصير هكذا سألتموها قال بن مالك والأصل أن لا يستعمل المنفصل إلا عند تعذر المتصل لأن الاتصال أخصر وأبين لكن إذا اختلف الضميران وتقاربا فالأحسن الانفصال نحو هذا فإن اختلفا في الرتبة جاز الاتصال والانفصال مثل اعطيتكه وأعطيتك أياه الحديث السابع حديث أبي هريرة يتقارب الزمان وسيأتي شرحه في كتاب الفتن وقوله

[ 5690 ] فيه وينقص العمل وقع في رواية الكشميهني وينقص العلم وهو المعروف في هذا الحديث وللآخر وجه وقوله فيه ويلقي الشح وهو مقصود الباب وهو أخص من البخل فإنه بخل مع حرص واختلف في ضبط يلقى فالأكثر على أنه بسكون اللام أي يوضع في القلوب فيكثر وهو على هذا بالرفع وقيل بفتح اللام وتشديد القاف أي يعطي القلوب الشح وهو على هذا بالنصب حكاه صاحب المطالع وقال الحميدي لم تضبط الراوة هذا الحرف ويحتمل أن يكون تلقى بالتشديد أي يتلقى ويتواصى به ويدعوه إليه من قوله وما يلقاها إلا الصابرون أي ما يعلمها وينبه عليها قال ولو قيل يلقى مخففة لكان بعيدا لأنه لو ألقى لترك وكان مدحا والحديث مساق للذم ولو كان بالفاء بمعنى يوجد لم يستقم لأنه لم يزل موجودا اه وقد ذكرت توجيه القاف الحديث الثامن حديث أنس

[ 5691 ] قوله خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين تقدم نظيره في الوليمة من وجه آخر عن أنس ومثله عند أحمد وغيره عن ثابت عن أنس وكذا هو في معظم الروايات ووقع عند مسلم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس والله لقد خدمته تسع سنين ولا مغايرة بينهما لأن ابتداء خدمته له كان بعد قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة وبعد تزويج أمه أم سليم بأبي طلحة فقد مضى في الوصايا من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي الحديث وفيه أن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر وأشار بالسفر إلى ما وقع في المغازي وغيرها من طريق عمرو بن أبي عمرو عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي طلحة لما أراد الخروج إلى خيبر من يخدمه فأحضر له أنسا فأشكل هذا على الحديث الأول لأن بين قدومه إلى المدينة وبين خروجه إلى خيبر ست سنين وأشهرا وأجيب بأنه طلب من أبي طلحة من يكون أسن من أنس وأقوى على الخدمة في السفر فعرف أبو طلحة من أنس القوة على ذلك فأحضره فلهذا قال أنس في هذه الرواية خدمته في الحضر والسفر وإنما تزوجت أم سليم بأبي طلحة بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أشهر لأنها بادرت إلى الإسلام ووالد أنس حي فعرف بذلك فلم يسلم وخرج في حاجة له فقتله عدو له وكان أبو طلحة قد تأخر إسلامه فاتفق أنه خطبها فاشترطت عليه أن يسلم فأسلم أخرجه بن سعد بسند حسن فعلى هذا تكون مدة خدمة أنس تسع سنين وأشهرا فألغى الكسر مرة وجبره أخرى وقوله في هذا الحديث والله ما قال لي أف قط قال الراغب أصل الأف كل مستقذر من وسخ كقلامة الظفر وما يجري مجراها ويقال ذلك لكل مستخف به ويقال أيضا عند تكره الشيء وعند التضجر من الشيء واستعملوا منها الفعل كاففت بفلان وفي أف عدة لغات الحركات الثلاث بغير تنوين وبالتنوين ووقع في رواية مسلم هنا أفا بالنصب والتنوين وهي موافقة لبعض القراءات الشاذة كما سيأتي وهذا كله مع ضم الهمزة والتشديد وعلى ذلك اقتصر بعض الشراح وذكر أبو الحسن الرماني فيها لغات كثيرة فبلغها تسعا وثلاثين ونقلها بن عطية وزاد واحدة أكملها أربعين وقد سردها أبو حيان في البحر واعتمد على ضبط القلم ولخص ضبطها صاحبه الشهاب السمين ولخصته منه وهي الستة المقدمة وبالتخفيف كذلك ستة أخرى وبالسكون مشددا ومخففا وبزيادة هاء ساكنة في آخره مشددا ومخففا وافى بالامالة وبين بين وبلا إمالة الثلاثة بلا تنوين وأفو بضم ثم سكون وافى بسكر ثم سكون فذلك ثنتان وعشرون وهذا كله مع ضم الهمزة ويجوز كسرها وفتحها فأما بكسرها ففي إحدى عشرة كسر الفاء وضمها ومشددا مع التنوين وعدمه أربعة ومخففا بالحركات الثلاث مع التنوين وعدمه ستة وافى بالامالة والتشديد وأفا بفتح الهمزة ففي ست بفتح الفاء وكسرها مع التنوين وعدمه أربعة وبالسكون وبألف مع التشديد والتي زادها بن عطية أفاه بضم أوله وزيادة ألف وهاء ساكنة وقرىء من هذه اللغات ست كلها بضم الهمزة فأكثر السبعة بكسر الفاء مشددا بغير تنوين ونافع وحفص كذلك لكن بالتنوين وابن كثير وابن عامر بالفتح والتشديد بلا تنوين وقرأ أبو السماك كذلك لكن بضم الفاء وزيد بن علي بالنصب والتنوين وعن بن عباس بسكون الفاء قلت وبقى من الممكن في ذلك أفى كما مضى لكن بفتح الفاء وسكون الياء وأفيه بزيادة هاء وإذا ضممت هاتين إلى التي زادها بن عطية وأضفتها إلى ما بدىء به صارت العدة خمسا وعشرين كلها بضم الهمزة فإذا استعملت القياس في اللغة كان الذي بفتح الهمزة كذلك وبكسرها كذلك فتكمل خمسا وسبعين قوله ولا لم صنعت ولا ألا صنعت بفتح الهمزة والتشديد بمعنى هلا وفي رواية مسلم من هذا الوجه لشيء مما يصنعه الخادم وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا ولشيء تركته هل لا فعلت كذا وكذا وفي رواية عبد العزيز بن صهيب ما قال لشيء صنعته لم صنعت كذا ولا لشيء لم اصنعه لم لم تصنع هذا كذا ويستفاد من هذا ترك العتاب على ما فات لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه وفائدة تنزيه اللسان عن الزجر والذم والإستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته وكل ذلك في الأمور التي تتعلق بحظ الناس وأما الأمور الازمة شرعا فلا يتسامح فيها لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قوله باب بالتنوين كيف يكون الرجل في أهله ذكر فيه حديث عائشة كان في مهنة أهله وقد تقدم شرحه في أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة وقوله

[ 5692 ] في مهنة أهله المهنة بكسر الميم وبفتحها وأنكر الأصمعي الكسر وفسرها هناك بخدمة أهله وبينت أن التفسير من قول الراوي عن شعبة وأن جماعة رووه عن شعبة بدونها وكذا أخرجه بن سعد في الترجمة النبوية عن وهب بن جرير وعفان وأبي قطن كلهم عن شعبة بدونها لكن وقع عنده عن أبي النضر عن شعبة في آخره يعني بالمهنة في خدمة أهله وقد وقع في حديث آخر لعائشة أخرجه أحمد وابن سعد وصححه بن حبان من رواية هشام بن عروة عن أبيه قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم وفي رواية لابن حبان ما يعمل أحدكم في بيته وله ولأحمد من رواية الزهري عن عروة عن عائشة يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه وله من طريق معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة بلفظ ما كان إلا بشرا من البشر كان يفلى ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه وأخرجه الترمذي في الشمائل والبزار وقال وروى عن يحيى عن القاسم عن عائشة وروى عن يحيى عن حميد المكي عن مجاهد عن عائشة وفي رواية حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة عند أبي سعد كان ألين الناس وأكرم الناس وكان رجلا من رجالكم إلا أنه كان بساما قال بن بطال من أخلاق الأنبياء التواضع والبعد عن التنعم وامتهان النفس ليستن بهم ولئلا يخلدوا إلى الرفاهية المذمومة وقد أشير إلى ذمها بقوله تعالى وذرف والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا

قوله باب المقة من الله أي ابتداؤها من الله المقة بسكر الميم وتخفيف القاف هي المحبة وقد ومق يمق والأصل الومق والهاء فيه عوض عن الواو كعدة ووعد وزنة ووزن وهذه الترجمة لفظ زيادة وقعت في نحو حديث الباب في بعض طرقه لكنها على غير شرط البخاري فأشار إليها في الترجمة كعادته أخرجه أحمد والطبراني وابن أبي شيبة من طريق محمد بن سعد الأنصاري عن أبي ظبية بمعجمة عن أبي أمامة مرفوعا قال المقة من الله والصيت من السماء فإذا أحب الله عبدا الحديث وللبزار من طريق أبي وكيع الجراح بن مليح عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه ما من عبد إلا وله صيت في السماء فإن كان حسنا وضع في الأرض وإن كان سيئا وضع في الأرض والصيت بكسر الصاد المهملة وسكون التحتانية بعدها مثناة أصله الصوت كالريح من الروح والمراد به الذكر الجميل وربما قيل لضده لكن بقيد

[ 5693 ] قوله أبو عاصم هو النبيل وهو من كبار شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة مثل هذا فقد علقه في بدء الخلق لأبي عاصم وقد نبهت عليه ثم قوله عن نافع هو مولى بن عمر قال البزار بعد أن أخرجه عن عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري فيه لم يروه عن نافع إلا موسى بن عقبة ولا عن موسى إلا بن جريج قلت وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثوبان عند أحمد والطبراني في الأوسط وأبو أمامة عند أحمد ورواه عن أبي هريرة أبو صالح عند المصنف في التوحيد وأخرجه مسلم والبزار قوله إذا أحب الله العبد وقع في بعض طرقه بيان سبب هذه المحبة والمراد بها ففي حديث ثوبان ان العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى فلا يزال كذلك حتى يقول يا جبريل ان عبدي فلانا يلتمس أن يرضيني ألا وان رحمتي غلبت عليه الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي في الرقاق ففيه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث قوله ان الله يحب فلانا فأحبه بفتح الموحدة المشددة ويجوز الضم ووقع في حديث ثوبان فيقول جبريل رحمة الله على فلان وتقوله حملة العرش قوله فينادي جبريل في أهل السماء الخ في حديث ثوبان أهل السماوات السبع قوله ثم يوضع له القبول في أهل الأرض زاد الطبراني في حديث ثوبان ثم يهبط إلى الأرض ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وثبتت هذه الزيادة في آخر هذا الحديث عند الترمذي وابن أبي حاتم من طريق سهيل عن أبيه وقد أخرج مسلم إسنادها ولم يسق اللفط وزاد مسلم فيه وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فساقه على منوال الحب وقال في آخره ثم يوضع له البغضاء في الأرض ونحوه في حديث أبي أمامة عند أحمد وفي حديث ثوبان عند الطبراني وان العبد يعمل بسخط الله فيقول الله يا جبريل إن فلانا يستسخطني فذكر الحديث على منوال الحب أيضا وفيه فيقول جبريل سخطة الله على فلان وفي آخره مثل ما في الحب حتى يقوله أهل السماوات السبع ثم يهبط إلى الأرض وقوله يوضع له القبول هو من قوله تعالى فتقبلها ربها بقول حسن أي رضيها قال المطرزي القبول مصدر لم أسمع غيره بالفتح وقد جاء مفسرا في رواية القعنبي فيوضع له المحبة والقبول والرضا بالشيء وميل النفس إليه وقال بن القطاع قبل الله منك قبولا والشيء والهدية أخذت والخبر صدق وفي التهذيب عليه قبول إذا كانت العين تقبله والقبول من الريح الصبا لأنها تستقبل الدبور والقبول أن يقبل العفو والعافية وغير ذلك وهو اسم للمصدر أميت الفعل منه وقال أبو عمرو بن العلاء القبول بفتح القاف لم أسمع غيره يقال فلان عليه قبول إذا قبلته النفس وتقبلت الشيء قبولا ونحو لابن الأعرابي وزاد قبلته قبولا بالفتح والضم وكذا قبلت هديته عن اللحياني قال بن بطال في هذه الزيادة رد على ما يقوله القدرية ان الشر من فعل العبد وليس من خلق الله انتهى والمراد بالقبول في حديث الباب قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه ويؤخذ منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله ويؤيده ما تقدم في الجنائز أنتم شهداء الله في الأرض والمراد بمحبة الله إرادة الخير للعبد وحصول الثواب له وبمحبة الملائكة استغفارهم له وإرادتهم خير الدارين له وميل قلوبهم إليه لكونه مطيعا لله محبا له ومحبة العباد له اعتقادهم فيه الخير وارادتهم دفع الشر عنه ما أمكن وقد تطلق محبة الله تعالى للشيء على إرادة إيجاده وعلى إرادة تكميله والمحبة التي في هذا الباب من القبيل الثاني وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد وإنما يعرفها من قامت به وجدانا لا يمكن التعبير عنه والحب على ثلاثة أقسام إلهي وروحاني وطبيعي وحديث الباب يشتمل على هذه الأقسام الثلاثة فحب الله العبد حب إلهي وحب جبريل والملائكة له حب روحاني وحب العباد له حب طبيعي

قوله باب الحب في الله ذكر فيه حديث أنس لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحب إلا لله الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإيمان وبيان أن هذه الترجمة أول حديث أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي أمامة ولفظه الحب في الله والبغض في الله من الإيمان وان له طرقا أخرى وقوله

[ 5694 ] أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه وأمه وولده وزوجه وجميع الناس لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار إنما كان بالله على لسان رسوله ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم الآية كذا لأبي ذر والنسفي وسقطت الآية لغيرهما وزاد عسى أن يكونوا خيرا منهم إلى قوله فأولئك هم الظالمون وذكر فيه حديثين أحدهما حديث عبد الله بن زمعة نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس وقد تقدم في تفسير والشمس وضحاها من وجه آخر عن هشام بن عروة راوية هنا بلفظ ثم وعظهم في الضرطة فقال لم يضحك أحدهم مما يخرج منه قوله لا يسخر نهى عن السخرية وهي فعل الساخر وهو الذي يهزأ منه والسخرية تسخير خاص والسخرية سياقه الشيء إلى الغرض المختص به قهرا فورد النهي عن استهزاء المرء بالآخر تنقيصا له مع احتمال أن يكون في نفس الأمر خيرا منه وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رفعه في اثناء حديث بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم

[ 5695 ] قوله وقال الثوري ووهيب بن خالد وأبو معاوية عن هشام جلد العبد يريد أن هؤلاء الثلاثة رووه عن هشام بن عروة بهذا الإسناد في قصة النهي عن ضرب المرأة وأن هؤلاء جزموا بقولهم جلد العبد موضع شك بن عيينة هل قال جلد الفحل أو جلد العبد والتعاليق الثلاثة تقدم بيان كونها موصولة أما رواية الثوري فوصلها المؤلف في النكاح وساقها كذلك وأما رواية وهيب فوصلها المؤلف في التفسير كذلك وأما رواية أبي معاوية فوصلها أحمد وإسحاق كذلك وتقدم التنبيه عليها في التفسير أيضا الحديث الثاني حديث بن عمر في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى والغرض منه بيان تحريم العرض وهو موضع المدح والذم من الشخص أعم من أن يكون في نفسه أو نسبه أو حسبه وقال بن قتيبة عرض الرجل بدنه ونفسه لا غير ومنه استبرأ لدينه وعرضه قلت ولا حجة فيه لما ادعاه من الحصر ويدل للأول قول حسان فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء يخاطب بذلك من كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ما يقع تهاجيهم في مدح الآباء وذمهم وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الحج وعند مسلم من حديث أبي هريرة كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله

قوله باب ما ينهى من السباب واللعن في رواية غير أبي ذر والنسفي عن بدل من وهي أولى وفي الأول حذف تقديره ما ينهى عنه والسباب بكسر المهملة وتخفيف الموحدة تقدم بيانه مع شرح الحديث الأول في كتاب الإيمان وهو محتمل لأن يكون على ظاهر لفظه من التفاعل ويحتمل أن يكون بمعنى السب وهو الشتم وهو نسبة الإنسان إلى عيب ما وعلى الأول فحكم من بدأ منهما أن الوزر عليه حتى يعتدى الثاني كما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة وصحح بن حبان من حديث العرباض بن سارية قال المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان وقوله

[ 5697 ] في آخر الحديث الأول تابعه محمد بن جعفر عن شعبة وصله أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر وهو غندر بهذا الإسناد لكن قال فيه عن شعبة عن زبيد ومنصور وزاد فيه زبيدا وهو بالزاي والموحدة مصغر ومعنى اللعن الدعاء بالابعاد من رحمة الله تعالى الحديث الثاني

[ 5698 ] قوله عن الحسين هو بن ذكوان المعلم والإسناد إلى أبي ذر بصريون وقد دخلها هو أيضا وفي رواية مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي حدثنا الحسين المعلم قوله عن أبي ذر في رواية الإسماعيلي من وجهين عن أبي معمر شيخ البخاري فيه بالسند إلى أبي الأسود أن أبا ذر حدثه قوله لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كما قال وفي رواية للإسماعيلي إلا حار عليه وفي أخرى الا ارتدت عليه يعني رجعت عليه و حار بمهملتين أي رجع وهذا يقتضي أن من قال لآخر أنت فاسق أو قال له أنت كافر فإن كان ليس كما قال كان هو المستحق للوصف المذكور وأنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء لكونه صدق فيما قال ولكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقا ولا كافرا أن لا يكون آثما في صورة قوله له أنت فاسق بل في هذه الصورة تفصيل إن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز وأن قصد تعبيره وشهرته بذلك ومحض أذاه لم يجز لأنه مأمور بالستر عليه وتعليمه وعظته بالحسنى فمهما أمكنه ذلك بالرفق لا يجوز له أن يفعله بالعنف لأنه قد يكون سببا لإغرائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس من الآنفة لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في المنزلة ووقع في رواية مسلم بلفظ ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه ذكره في أثناء حديث في ذم من ادعى إلى غير أبيه وقد تقدم صدره في مناقب قريش بالإسناد المذكور هنا فهو حديث واحد فرقه البخاري حديثين وسيأتي هذا المتن في باب من أكفر أخاه بغير تأويل من حديث أبي هريرة ومن حديث بن عمر بلفظ فقد باء بها أحدهما وهو بمعنى رجع أيضا قال النووي اختلف في تأويل هذا الرجوع فقيل رجع عليه الكفر إن كان مستحلا وهذا بعيد من سياق الخبر وقيل محمول على الخوارج لأنهم يكفرون المؤمنين هكذا نقله عياض عن مالك وهو ضعيف لأن الصحيح عند الأكثرين أن الخوارج لا يكفرون ببدعتهم قلت ولما قاله مالك وجه وهو أن منهم من يكفر كثيرا من الصحابة ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وبالايمان فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشهادة المذكورة لا من مجرد صدور التكفير منهم بتأويل كما سيأتي إيضاحه في باب من أكفر أخاه بغير تأويل والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم وقيل معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره وهذا لا بأس به وقيل يخشى عليه أن يؤل به ذلك إلى الكفر كما قيل المعاصي بريد الكفر فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك كما سيأتي تقريره فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره فالراجع التكفير لا الكفر فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام ويؤيده أن في بعض طرقه وجب الكفر على أحدهما وقال القرطبي حيث جاء الكفر في لسان الشرع فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضرورة الشرعية وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم وترك شكر المنعم والقيام بحقه كما تقدم تقريره في كتاب الإيمان في باب كفر دون كفر وفي حديث أبي سعيد يكفرن الإحسان ويكفرن العشير قال وقوله باء بها أحدهما أي رجع بإثمها ولازم ذلك واصل البوء اللزوم ومنه أبوء بنعمتك أي ألزمها نفسي وأقر بها قال والهاء في قوله بها راجع إلى التكفيرة الواحدة التي هي أقل ما يدل عليها لفظ كافر ويحتمل أن يعود إلى الكلمة والحاصل أن المقول له ان كان كافرا كفرا شرعيا فقد صدق القائل وذهب بها المقول له وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول واثمه كذا اقتصر على هذا التأويل في رجع وهو من أعدل الأجوبة وقد أخرج أبو داود عن أبي الدرداء بسند جيد رفعه أن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتأخذ يمنة ويسرة فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلهم وله شاهد عند أحمد من حديث بن مسعود بسند حسن وآخر عند أبي داود والترمذي عن بن عباس ورواته ثقات ولكنه أعل بالإرسال الحديث الثالث حديث أنس تقدم شرحه في باب حسن الخلق الحديث الرابع حديث ثابت بن الضحاك وقد اشتمل على خمسة أحكام وسيأتي في باب من أكفر أخاه بغير تأويل بتمامه إلا خصلة واحدة منها ويأتي كذلك في الأيمان والنذور ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى ويؤخذ حكم ما يتعلق بتكفير من كفر المسلم من الذي قبله وقوله لعن المسلم كقتله أي لأنه إذا لعنه فكأنه دعا عليه بالهلاك الحديث الخامس حديث سليمان بن صرد بضم الصاد وفتح الراء بعدها دال مهملات وهو بن الجون بن أبي الجون الخزاعي صحابي شهير يقال كان اسمه يسار بتحتانية ومهملة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم ويكنى أبا المطرف وقتل في سنة خمس وستين وله ثلاث وتسعون سنة

[ 5701 ] قوله استب رجلان لم أعرف أسماءهما ووقع في صفة إبليس من وجه آخر عن الأعمش بهذا السند كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان قوله حتى انتفخ وجهه في الرواية المذكورة فاحمر وجهه وانتفخت أوداجه وفي رواية مسلم تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وقد تقدم تفسير الودج في صفة إبليس وفي حديث معاذ بن جبل عند أحمد وأصحاب السنن حتى أنه ليخيل إلي أن أنفه ليتمزع من الغضب قوله إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد في الرواية المذكورة لو قال أعوذ بالله من الشيطان وفي رواية مسلم الرجيم ومثله في حديث معاذ ولفظه أني لأعلم كلمة لو يقولها هذا الغضبان لذهب عنه الغضب اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم قوله فانطلق إليه الرجل في رواية مسلم فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم وفي الرواية المتقدمة فقالوا له فدلت هذه الرواية على أن الذي خاطبه منهم واحد وهو معاذ بن جبل كما بينته رواية أبي داود ولفظه قال فجعل معاذ يأمره فأبى وضحك وجعل يزداد غضبا قوله وقال تعوذ بالله في الرواية المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله وهو بالمعنى فإنه صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ذلك وليس في الخبر أنه أمرهم أن يأمروه بذلك لكن استفادوا ذلك من طريق عموم الأمر بالنصيحة للمسلمين قوله أترى بي بأس بضم التاء أي أتظن ووقع بأس هنا بالرفع للأكثر وفي بعضها بأسا بالنصب وهو أوجه قوله أمجنون أنا في الرواية المذكورة وهل بي من جنون قوله اذهب هو خطاب من الرجل للرجل الذي أمره بالتعوذ أي أمض في شغلك وأخلق بهذا المأمور أن يكون كافرا أو منافقا أو كان غلب عليه الغضب حتى أخرجه عن الاعتدال بحيث زجر الناصح الذي دله على ما يزيل عنه ما كان به من وهج الغضب بهذا الجواب السيء وقيل أنه كان من جفاة الأعراب وظن أنه لا يستعيذ من الشيطان إلا من به جنون ولم يعلم أن الغضب نوع من شر الشيطان ولهذا يخرج به عن صورته ويزين إفساد ما له كتقطيع ثوبه وكسر آنيته أو الأقدام على من أغضبه ونحو ذلك مما يتعاطاه من يخرج عن الاعتدال وقد أخرج أبو داود من حديث عطية السعدي رفعه إن الغضب من الشيطان الحديث الحديث السادس عن عبادة بن الصامت في ذكر ليلة القدر وقد تقدم في أواخر الصيام مشروحا وأورده هنا لقوله فيه فتلاحى أي تنازع والتلاحي بالمهملة أي التجادل والتنازع وهو يفضي في الغالب إلى المسابية وتقدم أن الرجلين هما كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد الحديث السابع حديث أبي ذر ساببت رجلا وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان وأن الرجل المذكور هو بلال المؤذن وكان اسم أمه حمامة بفتح المهملة وتخفيف الميم وقوله

[ 5703 ] إنك امرؤ فيك جاهلية التنوين للتقليل والجاهلية ما كان قبل الإسلام ويحتمل أن يراد بها هنا الجهل أي إن فيك جهلا وقوله قلت على ساعتي هذه من كبر السن أي هل في جاهلية أو جهل وأنا شيخ كبير وقوله هم إخوانكم أي العبيد أو الخدم حتى يدخل من ليس في الرق منهم وقرينة قوله تحت أيديكم ترشد إليه ويؤخذ منة المبالغة في ذم السب واللعن لما فيه من احتقار المسلم وقد جاء الشرع بالتسوية بين المسلمين في معظم الأحكام وأن التفاضل الحقيقي بينهم إنما هو بالتقوى فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى وينتفع الوضيع النسب بالتقوى كما قال تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم

قوله باب ما يجوز من ذكر الناس أي بأوصافهم نحو قولهم الطويل والقصير وقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يقول ذو اليدين وما لا يراد به شين الرجل هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الألقاب وما لا يعجب الرجل أن يوصف به مما هو فيه وحاصله أن اللقب إن كان مما يعجب الملقب ولا إطراء فيه مما يدخل في نهي الشرع فهو جائز أو مستحب وإن كان مما لا يعجبه فهو حرام أو مكروه إلا إن تعين طريقا إلى التعريف به حيث يشتهر به ولا يتميز عن غيره إلا بذكره ومن ثم أكثر الرواة من ذكر الأعمش والأعرج ونحوهما وعارم وغندر وغيرهم والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لما سلم في ركعتين من صلاة الظهر فقال أكما يقول ذو اليدين وقد أورده المصنف في الباب ولم يذكر هذه الزيادة وقال في سياق الرواية التي أوردها وفي القوم رجل كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه ذا اليدين وأما الرواية التي علقها في الباب فوصلها في باب تشبيك الأصابع في أوائل كتاب الصلاة من طريق بن عون عن بن سيرين عن أبي هريرة ولكن لفظه أكما يقول ذو اليدين وقد أخرجه مسلم من طريق أيوب عن بن سيرين بلفظ ما يقول ذو اليدين وهو المطابق للتعليق المذكور وإلى ما ذهب إليه البخاري من التفصيل في ذلك ذهب الجمهور وشذ قوم تشددوا حتى نقل عن الحسن البصري أنه كان يقول أخاف أن يكون قولنا حميدا الطويل غيبة وكأن البخاري لمح بذلك حيث ذكر قصة ذي اليدين وفيها وفي القوم رجل في يديه طول قال بن المنير أشار البخاري إلى أن ذكر مثل هذا إن كان للبيان والتمييز فهو جائز وإن كان للتنقيص لم يجز قال وجاء في بعض الحديث عن عائشة في المرأة التي دخلت عليها فأشارت بيدها أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اغتبتيها وذلك أنها لم تفعل هذا بيانا وإنما قصدت الأخبار عن صفتها فكان كالاغتياب انتهى والحديث المذكور أخرجه بن أبي الدنيا في كتاب الغيبة وابن مردوية في التفسير وفي من طريق حبان بن مخارق عن عائشة وهو

قوله باب الغيبة وقول الله تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا الآية هكذا اكتفى بذكر الآية المصرحة بالنهي عن الغيبة ولم يذكر حكمها كما ذكر حكم النميمة بعد بابين حيث جزم بأن النميمة من الكبائر وقد اختلف في حد الغيبة وفي حكمها فأما حدها فقال الراغب هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك وقال الغزالي حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه وقال بن الأثير في النهاية الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وان كان فيه وقال النووي في الأذكار تبعا للغزالي ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو وطلاقته أو عبوسته أو غير ذلك بما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز قال النووي وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم قال بعض من يدعى العلم أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو نحو ذلك مما يفهم السامع المراد به ومنه قولهم عند ذكره الله يعاقبنا الله يتوب علينا نسأل الله السلامة ونحو ذلك فكل ذلك من الغيبة وتمسك من قال أنها لا يشترط فيها غيبة الشخص بالحديث المشهور الذي أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رفعه أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكرهه قال أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وله شاهد مرسل عن المطلب بن عبد الله عند مالك فلم يقيد ذلك بغيبة الشخص فدل على أن لا فرق بين أن يقول ذلك في غيبته أو في حضوره والأرجح اختصاصها بالغيبة مراعاة لاشتقاقها وبذلك جزم أهل اللغة قال بن التين الغيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب وكذا قيده الزمخشري وأبو نصر القشيري في التفسير وابن خميس في جزء له مفرد في الغيبة والمنذري وغير واحد من العلماء من آخرهم الكرماني قال الغيبة أن تتكلم خلف الإنسان بما يكرهه لو سمعه وكان صدقا قال وحكم الكناية والإشارة مع النية كذلك وكلام من أطلق منهم محمول على المقيد في ذلك وقد وقع في حديث سليم بن جابر والحديث سيق لبيان صفتها واكتفى باسمها على ذكر محلها نعم المواجهة بما ذكر حرام لأنه داخل في السب والشتم وأما حكمها فقال النووي في الأذكار الغيبة والنميمة محرمتان بإجماع المسلمين وقد تظاهرت الأدلة على ذلك وذكر في الروضة تبعا للرافعي أنها من الصغائر وتعقبه جماعة ونقل أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الإجماع على أنها من الكبائر لأن حد الكبيرة صادق عليها لأنها مما ثبت الوعيد الشديد فيه وقال الأذرعي لم أر من صرح بأنها من الصغائر إلا صاحب العدة والغزالي وصرح بعضهم بأنها من الكبائر وإذا لم يثبت الإجماع فلا أقل من التفصيل فمن اغتاب وليا لله أو عالما ليس كمن اغتاب مجهول الحالة مثلا وقد قالوا ضابطها ذكر الشخص بما يكره وهذا يختلف باختلاف ما يقال فيه وقد يشتد تأذيه بذلك وأذى المسلم محرم وذكر النووي من الأحاديث الدالة على تحريم الغيبة حديث أنس رفعه لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون بها وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم أخرجه أبو داود وله شاهد عن بن عباس عند أحمد وحديث سعيد بن زيد رفعه ان من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق أخرجه أبو داود وله شاهد عند البزار وابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وعند أبي يعلى من حديث عائشة ومن حديث أبي هريرة رفعه من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب له يوم القيامة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيا فيأكله ويكلح ويصيح سنده حسن وفي الأدب المفرد عن بن مسعود قال ما التقم أحد لقمة شرا من اغتياب مؤمن الحديث وفيه أيضا وصححه بن حبان من حديث أبي هريرة في قصة ماعز ورجمه في الزنا وان رجلا قال لصاحبه انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يدع نفسه حتى رجم رجم الكلب فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم كلا من جيفة هذا الحمار لحمار ميت فما نلتما من عرض هذا الرجل أشد من أكل هذه الجيفة وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن عن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين وهذا الوعيد في هذه الأحاديث يدل على أن الغيبة من الكبائر لكن تقييده في بعضها بغير حق قد يخرج الغيبة بحق لما تقرر أنها ذكر المرء بما فيه ثم ذكر المصنف حديث بن عباس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين يعذبان الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة وليس فيه ذكر الغيبة بل فيه يمشي بالنميمة قال بن التين إنما ترجم بالغيبة وذكر النميمة لأن الجامع بينهما ذكر ما يكرهه المقول فيه بظهر الغيب وقال الكرماني الغيبة نوع من النميمة لأنه لو سمع المنقول عنه ما نقل عنه لغمه قلت الغيبة قد توجد في بعض صور النميمة وهو أن يذكره في غيبته بما فيه مما يسوؤه قاصدا بذلك الافساد فيحتمل أن تكون قصة الذي كان يعذب في قبره كانت كذلك ويحتمل أن يكون أشار إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الغيبة صريحا وهو ما أخرجه هو في الأدب المفرد من حديث جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى على قبرين فذكر فيه حديث الباب وقال فيه أما أحدهما فكان يغتاب الناس الحديث وأخرج أحمد والطبراني بإسناد صحيح عن أبي بكرة قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير وبكى وفيه وما يعذبان إلا في الغيبة والبول ولأحمد والطبراني أيضا من حديث يعلى بن شبابة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبر يعذب صاحبه فقال إن هذا كان يأكل لحوم الناس ثم دعا بجريدة رطبة الحديث ورواته موثقون ولأبي داود الطيالسي عن بن عباس بسند جيد مثله وأخرجه الطبراني وله شاهد عن أبي أمامة عند أبي جعفر الطبري في التفسير وأكل لحوم الناس يصدق على النميمة والغيبة والظاهر اتحاد القصة ويحتمل التعدد وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب الطهارة

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار ذكر فيه أول حديث أبي أسيد الساعدي وقد تقدم في المناقب بتمامه وفي إيراد هذه الترجمة هنا إشكال لأن هذا ليس من الغيبة أصلا إلا إن أخذ من أن المفضل عليهم يكرهون ذلك فيستثني ذلك من عموم قوله ذكرك أخاك بما يكره ويكون محل الزجر إذا لم يترتب عليه حكم شرعي فأما ما يترتب عليه حكم شرعي فلا يدخل في الغيبة ولو كرهه المحدث عنه ويدخل في ذلك ما يذكر لقصد النصيحة من بيان غلط من يخشى أن يقلد أو يغتر به في أمر ما فلا يدخل ذكره بما يكره من ذلك في الغيبة المحرمة كما سيأتي واليه يشير ما ترجم به المصنف عقب هذا وقال بن التين في حديث أبي أسيد دليل على جواز المفاضلة بين الناس لمن يكون عالم بأحوالهم لينبه على فضل الفاضل ومن لا يلحق بدرجته في الفضل فيتمثل أمره صلى الله عليه وسلم بتنزيل الناس منازلهم وليس ذلك بغيبة

قوله باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد ذكر فيه حديث عائشة في

[ 5707 ] قوله بئس أخو العشيرة وقد تقدم شرحه قريبا في باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا وقد نوزع في كون ما وقع من ذلك غيبة وإنما هو نصيحة ليحذر السامع وإنما لم يواجه المقول فيه بذلك لحسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولو واجه المقول فيه بذلك لكان حسنا ولكن حصل القصد بدون مواجهة والجواب أن المراد أن صورة الغيبة موجودة فيه وأن لم يتناول الغيبة المذمومة شرعا وغايته أن تعريف الغيبة المذكور أولا هو اللغوي وإذا استثنى منه ما ذكر كان ذلك تعريفها الشرعي وقوله في الحديث أن شر الناس استئناف كلام كالتعليل اتركه مواجهته بما ذكره في غيبته ويستنبط منه أن المجاهر بالفسق والشر لا يكون ما يذكر عنه من ذلك من ورائه من الغيبة المذمومة قال العلماء تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعا حيث يتعين طريقا إلى الوصول إليه بها كالتظلم والاستعانة على تغيير المنكر والاستفتاء والمحاكمة والتحذير من الشر ويدخل فيه تجريح الرواة والشهود وإعلام من له ولاية عامة بسيرة من هو تحت يده وجواب الاستشارة في نكاح أو عقد من العقود وكذا من رأى متفقها يتردد إلى مبتدع أو فاسق ويخاف عليه الاقتداء به وممن تجوز غيبتهم من يتجاهر بالفسق أو الظلم أو البدعة ومما يدخل في ضابط الغيبة وليس بغيبة ما تقدم تفصيله في باب ما يجوز من ذكر الناس فيستثنى أيضا والله أعلم

قوله باب النميمة من الكبائر سقط لفظ باب من رواية أبي ذر وحده ذكر فيه حديث بن عباس في قصة القبرين وهو ظاهر فيما ترجم به لقوله في سياقه وأنه لكبير وقد تقدم القول فيه في كتاب الطهارة وقد صحح بن حبان من حديث أبي هريرة بلفظ وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة لطيفة أبدى بعضهم للجمع بين هاتين الخصلتين مناسبة وهي أن البرزخ مقدمة الآخرة وأول ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد الدماء ومفتاح الصلاة التطهر من الحدث والخبث ومفتاح الدماء الغيبة والسعي بن الناس بالنميمة بنشر الفتن التي يسفك بسببها الدماء

قوله باب ما يكره من النميمة كأنه أشار بهذه الترجمة إلى بعض القول المنقول على جهة الافساد يجوز إذا كان المقول فيه كافرا مثلا كما يجوز التجسس في بلاد الكفار ونقل ما يضرهم قوله وقوله تعالى هماز مشاء بنميم قال الراغب همز الإنسان اغتيابه والنم إظهار الحديث بالوشاية وأصل النميمة الهمس والحركة قوله ويل لكل همزة لمزة يهمز ويلمز ويعيب واحد كذا للأكثر بكسر العين المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة ووقع في رواية الكشميهني ويغتاب بغين معجمة ساكنة ثم مثناة وأظنه تصحيفا والهمزة الذي يكثر منه الهمز وكذا اللمزة واللمز تتبع المعايب ونقل بن التين أن اللمز العيب في الوجه والهمز في القفا وقيل بالعكس وقيل الهمز الكسر واللهمز الطعن فعلى هذا هما بمعنى واحد لأن المراد بالكسر الكسر من الأعراض وبالطعن الطعن فيها وحكى في ميم يهمز ويلمز الضم والكسر وأسند البيهقي عن بن جريج قال الهمز بالعين والشدق واليد واللمز باللسان

[ 5709 ] قوله سفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وهمام هو بن الحارث والسند كله كوفيون قوله ان رجلا يرفع الحديث لم أقف على اسمه وعثمان هو بن عفان أمير المؤمنين قوله فقال حذيفة في رواية المستملي فقال له حذيفة ولمسلم من رواية الأعمش عن إبراهيم فقال حذيفة وأراده أن يسمعه قوله لا يدخل الجنة أي في أول وهلة كما في نظائره قوله قتات بقاف ومثناة ثقيلة وبعد الألف مثناة أخرى هو التمام ووقع بلفظ تمام في رواية أبي وائل عن حذيفة عند مسلم وقيل الفرق بين القتات والتمام أن التمام الذي يحضر القصة فينقلها والقتات الذي يتسمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه قال الغزالي ما ملخصه ينبغي لمن حملت إليه نميمة أن لا يصدق من نم له ولا يظن بمن نم عنه ما نقل عنه ولا يبحث عن تحقيق ما ذكر له وأن ينهاه ويقبح له فعله وأن يبغضه ان لم ينزجر وان لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فينم هو على النمام فيصير نماما قال النووي وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية وإلا فهي مستحبة أو واجبة كمن اطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصا ظلما فحذره منه وكذا من أخبر الإمام أو من له ولاية بسيرة نائبة مثلا فلا منع من ذلك وقال الغزالي ما ملخصه النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما وسواء كان المنقول قولا أم فعلا وسواء كان عيبا أم لا حتى لو رأى شخصا يخفى ما له فأفشى كان نميمة واختلف في الغيبة والنميمة هل هما متغايرتان أو متحدتان والراجح التغاير وأن بينهما عموما وخصوصا وجهيا وذلك لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أم بغير علمه والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه فامتازت النميمة بقصد الافساد ولا يشترط ذلك في الغيبة وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه واشتركتا فيما عدا ذلك ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائبا والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى واجتنبوا قول الزور قال الراغب الزور الكذب قيل له ذلك لكونه مائلا عن الحق والزور بفتح الزاي الميل وكان موقع هذه الترجمة للإشارة إلى أن القول المنقول بالنميمة لما كان أعم من أن يكون صدقا أو كذبا فالكذب فيه أقبح

[ 5710 ] قوله حدثنا أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس نسب إلى جده وقد تقدم حديث الباب في أوائل الصيام أخرجه عن آدم بن أبي إياس عن بن أبي ذئب بالسند والمتن وتقدم شرحه هناك وقوله هنا في آخره قال أحمد أفهمني رجل إسناده أحمد هو بن يونس المذكور والمعنى أنه لما سمع الحديث من بن أبي ذئب لم يتيقن إسناده من لفظ شيخه فأفهمه إياه رجل كان معه في المجلس وقد خالف أبو داود رواية البخاري فأخرج الحديث المذكور عن أحمد بن يونس هذا لكن قال في آخره قال أحمد فهمت إسناده من بن أبي ذئب وافهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه بن أخيه وهكذا أخرجه الإسماعيلي عن إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس وهذا عكس ما ذكره البخاري فإن مقتضى روايته أن المتن فهمه أحمد من شيخه ولم يفهم الإسناد منه بخلاف ما قال أبو داود وإبراهيم بن شريك فيحمل على أن أحمد بن يونس حدث به على الوجهين وخبط الكرماني هنا فقال قال أفهمني أي كنت نسيت هذا الإسناد فذكرني رجل إسناده ووجه الخبط نسبته إلى أحمد بن يونس نسيان الإسناد وإن التذكير وقع له من الرجل بعد ذلك وليس كذلك بل أراد أنه لما سمعه من بن أبي ذئب خفي عنه بعض لفظه أما على رواية البخاري فمن الإسناد وأما على رواية أبي داود فمن المتن وكان الرجل بجنبه فكأنه استفهمه عما خفي عليه منه فأفهمه فلما كان بعد ذلك وتصدى للتحديث به أخبر بالواقع ولم يستجز أن يسنده عن بن أبي ذئب بغير بيان وقد وقع مثل ذلك لكثير من المحدثين وعقد الخطيب لذلك بابا في كتاب الكفاية وانظر إلى قوله أفهمني رجل إلى جنبه أي إلى جنب بن أبي ذئب ثم قال الكرماني وأراد رجل عظيم والتنوين يدل عليه والغرض مدح شيخه بن أبي ذئب أو رجل آخر غيره أفهمني اه ولم يتعين أنه تعظيم للرجل الذي أفهمه من مجرد قول رجل بل الذي فيه أنه إما نسي اسمه فعبر عنه برجل أو كنى عن اسمه عمدا وأما مدح شيخه فليس في السياق ما يقتضيه قلت وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة المخزومي وكان له أخوان المغيرة وطالوت ولم أقف على اسم بن أخيه المذكور ولا على تعيين أبيه أيهما هو قال بن التين ظاهر الحديث أن من اغتاب في صومه فهو مفطر واليه ذهب بعض السلف وذهب الجمهور الى خلافة لكن معنى الحديث أن الغيبة من الكبائر وأن إثمها لا يفي له بأجر صومه فكأنه في حكم المفطر قلت وفي كلامه مناقشة لأن حديث الباب لا ذكر للغيبة فيه وإنما فيه قول الزور والعمل به والجهل ولكن الحكم والتأويل في كل ذلك ما أشار إليه والله أعلم وقوله فيه فليس لله حاجة هو مجاز عن عدم قبول الصوم

قوله باب ما قيل في ذي الوجهين أورد فيه حديث أبي هريرة وفيه تفسيره وهو من جملة صور التمام

[ 5711 ] قوله تجد من شرار الناس كذا وقع في رواية الكشميهني شرار بصيغة الجمع وأخرجه الترمذي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ أن من شر الناس وقد تقدم في أوائل المناقب من طريق عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عنه عن أبي هريرة بلفظ تجدون شر الناس وأخرجه مسلم من هذا الوجه ومن رواية بن شهاب عن سعيد بن المسيب عنه بلفظ تجدون من شر الناس ذا الوجهين وأخرجه أبو داود من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عنه بلفظ من شر الناس ذو الوجهين ولمسلم من رواية مالك عن أبي الزناد ان من شر الناس ذا الوجهين وسيأتي في الأحكام من طريق عراك بن مالك عنه بلفظ أن شر الناس ذو الوجهين وهو عند مسلم أيضا وهذه الألفاظ متقاربة والروايات التي فيها شر الناس محمولة علىالرواية التي فيها من شر الناس ووصفه بكونه شر الناس أو من شر الناس مبالغة في ذلك ورواية أشر الناس بزيادة الألف لغة في شر يقال خير وأخير وشر وأشر بمعنى ولكن الذي بالألف أقل استعمالا ويحتمل أن يكون المراد بالناس من ذكر من الطائفتين المتضادتين خاصة فإن كل طائفة منهما مجانبة للأخرى ظاهرا فلا يتمكن من الاطلاع على أسرارها إلا بما ذكر من خداعه الفريقين ليطلع على أسرارهم فهو شرهم كلهم والأولى حمل الناس على عمومة فهو أبلغ في الذم وقد وقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي شهاب عن الأعمش بلفظ من شر خلق الله ذو الوجهين قال القرطبي إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود وقال غيره الفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذمل كل طائفة عند الأخرى والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل إليه ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح ويؤيد هذه التفرقة رواية الإسماعيلي من طريق بن نمير عن الأعمش الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء وقال بن عبد البر حمله على ظاهره جماعة وهو أولى وتأوله قوم على أن المراد به من يرائي بعمله فيرى الناس خشوعا واستكانة ويوهمهم أنه يخشى الله حتى يكرموه وهو في الباطن بخلاف ذلك قال وهذا محتمل لو اقتصر في الحديث على صدره فإنه داخل في مطلق ذي الوجهين لكن بقية الحديث ترد هذا التأويل وهي قوله يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه قلت وقد اقتصر في رواية الترمذي على صدر الحديث لكن دلت بقية الروايات على أن الراوي اختصره فإنه عند الترمذي من رواية الأعمش وقد ثبت هنا من رواية الأعمش بتمامه ورواية بن نمير التي أشرت إليها هي التي ترد التأويل المذكور صريحا وقد رواه البخاري في الأدب المفرد من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا وأخرج أبو داود من حديث عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار وفي الباب عن أنس أخرجه بن عبد البر بهذا اللفظ وهذا يتناول الذي حكاه بن عبد البر عمن ذكره بخلاف حديث الباب فإنه فسر من يتردد بين طائفتين من الناس والله أعلم

قوله باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه قد تقدمت الإشارة إلى أن المذموم من نقله الاخبار من يقصد الافساد وأما من يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويتجنب الأذى فلا وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك مما لا يباح الإمساك عن ذلك وذكر فيه حديث بن مسعود إخباره في إخباره النبي صلى الله عليه وسلم بقول القائل هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وسيأتي شرحه مستوفى في باب الصبر على الأذى إن شاء الله تعالى وقوله

[ 5712 ] في هذه الرواية فتمعر وجهه بالعين المهملة أي تغير من الغضب وللكشميهني فتمغر بالغين المعجمة أي صار لونه لون المغرة وأراد البخاري بالترجمة بيان جواز النقل على وجه النصيحة لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بن مسعود نقله ما نقل بل غضب من قول المنقول عنه ثم حلم عنه وصبر على أذاء ائتساء بموسى عليه السلام وامتثالا لقوله تعالى فبهداهم اقتده

قوله باب ما يكره من التمادح هو تفاعل من المدح أي المبالغ والتمدح التكلف والممادحة أي مدح كل من الشخصين الآخر وكأنه ترجم ببعض ما يدل عليه الخبر لأنه أعم من أن يكون من الجانبين أو من جانب واحد ويحتمل أن لا يريد حمل التفاعل فيه على ظاهره وقد ترجم له في الشهادات ما يكره من الإطناب في المدح أورد فيه حديثين الأول حديث أبي موسى قال فيه حدثنا محمد بن الصباح بفتح المهملة وتشديد الموحدة وآخره حاء مهملة هو البزار ووقع هنا في رواية أبي ذر محمد بن صباح بغير ألف ولام وتقدم الكل في الشهادات بهذا الحديث بعينه وأخرجه مسلم عنه فقال حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وهذا الحديث مما اتفق الشيخان على تخريجه عن شيخ واحد ومما ذكره البخاري بسنده ومتنه في موضعين ولم يتصرف في متنه ولا إسناده وهو قليل في كتابه وقد أخرجه أحمد في مسنده عن محمد بن الصباح وقال عبد الله بن أحمد بعد أن أخرجه عن أبيه عنه قال عبد الله وسمعته أنا من محمد بن الصباح فذكره وإسماعيل بن زكريا شيخه هو الخلقاني بضم المعجمة وسكون اللام بعدها قاف وبريدة بموحدة وراء يكنى أبا بردة مثل كنية جده وهو شيخه فيه وقوله

[ 5713 ] عن بريد في رواية الإسماعيلي حدثنا بريد قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل لم أقف على اسمهما صريحا ولكن أخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث محجن بن الأدرع الأسلمي قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فذكر حديثا قال فيه فدخل المسجد فإذا رجل يصلي فقال لي من هذا فأثنيت عليه خيرا فقال اسكت لا تسمعه فتهلكه وفي رواية له فقلت يا رسول الله هذا فلان وهذا وهذا وفي أخرى له هذا فلان وهو من أحسن أهل المدينة صلاة أو من أكثر أهل المدينة الحديث والذي أثنى عليه محجن يشبه أن يكون هو عبد الله ذو النجادين المزني فقد ذكرت في ترجمته في الصحابة ما يقرب ذلك قوله ويطربه بضم أوله وبالطاء المهملة من الأطراء وهو المبالغة في المدح وسأذكر ما ورد في بيان ما وقع من ذلك في الحديث الذي بعده قوله في المدحة بكسر الميم وفي نسخة مضت في الشهادات في المدح بفتح الميم بلا هاء وفي أخرى في مدحه بفتح الميم وزيادة الضمير والأول هو المعتمد قوله لقد أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل كذا فيه بالشك وكذا لمسلم وسيأتي في حديث أبي بكرة الذي بعده بلفظ قطعت عنق صاحبك وهما بمعنى المراد بكل منهما الهلاك لأن من يقطع عنقه يقتل ومن يقطع ظهره يهلك الحديث الثاني

[ 5714 ] قوله عن خالد هو الحذاء وصرح به مسلم في روايته من طريق غندر عن شعبة قوله ان رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا وفي رواية غندر فقال يا رسول الله ما من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه في كذا وكذا لعله يعني الصلاة لما سيأتي قوله ويحك هي كلمة رحمة وتوجع وويل كلمة عذاب وقد تأتي موضع ويح كما سأذكره قوله قطعت عنق صاحبك يقوله مرارا في رواية يزيد بن زريع عن خالد الحذاء التي مضت في الشهادات ويحك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك مرارا وبين في رواية وهيب التي سأنبه عليها بعد أنه قال ذلك ثلاثا قوله ان كان أحدكم في رواية يزيد بن زريع وقال ان كان قوله لا محالة أي لا حيلة له في ترك ذلك وهي بمعنى لا بد والميم زائدة ويحتمل أن يكون من الحول أي القوة والحركة قوله فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى بضم أوله أي يظن ووقع في رواية يزيد بن زريع إن كان يعلم ذلك وكذا في رواية وهيب قوله والله حسيبه بفتح أوله وكسر ثانيه وبعد التحتانية الساكنة موحدة أي كافيه ويحتمل أن يكون هنا فعيل من الحساب أي محاسبه على عمله الذي يعلم حقيقته وهي جملة اعتراضية وقال الطيبي هي من تتمة المقول والجملة الشرطية حال من فاعل فليقل والمعنى فليقل أحسب أن فلانا كذا إن كان يحسب ذلك منه والله يعلم سره لأنه هو الذي يجازيه ولا يقل أتيقن ولا أتحقق جازما بذلك قوله ولا يزكى على الله أحد كذا لأبي ذر عن المستملي والسرخسي بفتح الكاف على البناء للمجهول وفي رواية الكشميهني ولا يزكى بكسر الكاف على البناء للفاعل وهو المخاطب أولا المقول له فليقل وكذا في أكثر الروايات وفي رواية غندر ولا أزكى بهمزة بدل التحتانية أي لا أقطع على عاقبة أحد ولا على ما في ضميره لكون ذلك مغيبا عنه وجيء بذلك بلفظ الخبر ومعناه النهي أي لا تزكوا أحدا على الله لأنه أعلم بكم منكم قوله قال وهيب عن خالد يعني بسنده المتقدم ويلك أي وقع في روايته ويلك بدل ويحك وستأتي رواية وهيب موصولة في باب ما جاء في قول الرجل ويلك ويأتي شرح هذه اللفظة هناك قال بن بطال حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالا على ما وصف به ولذلك تأول العلماء في الحديث الآخر احثوا في وجوه المداحين التراب أن المراد من يمدح الناس في وجوههم بالباطل وقال عمر المدح هو الذبح قال وأما من مدح بما فيه فلا يدخل في النهي فقد مدح صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يحث في وجه مادحه ترابا انتهى ملخصا فأما الحديث المشار إليه فأخرجه مسلم من حديث المقداد وللعلماء فيه خمسة أقوال أحدها هذا وهو حمله على ظاهره واستعمله المقداد راوي الحديث والثاني الخيبة والحرمان كقولهم لمن رجع خائبا رجع وكفه مملوءة ترابا والثالث قولوا له بفيك التراب والعرب تستعمل ذلك لمن تكره قوله والرابع أن ذلك يتعلق بالممدوح كأن يأخذ ترابا فيبذره بين يديه يتذكر بذلك مصيره إليه فلا يطغى بالمدح الذي سمعه والخامس المراد بحثو التراب في وجه المادح إعطاؤه ما طلب لأن كل الذي فوق التراب تراب وبهذا جزم البيضاوي وقال شبه الإعطاء بالحثى على سبيل الترشيح والمبالغة في التقليل والاستهانة قال الطيبي ويحتمل أن يراد دفعه عنه وقطع لسانه عن عرضه بما يرضيه من الرضخ والدافع قد يدفع خصمه بحثي التراب على وجهه استهانة به وأما الأثر عن عمر فورد مرفوعا أخرجه بن ماجة وأحمد من حديث معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره بلفظ إياكم والتمادح فإنه الذبح وإلى لفظ هذه الرواية رمز البخاري في الترجمة وأخرجه البيهقي في الشعب مطولا وفيه وإياكم والمدح فإنه من الذبح وأما ما مدح به النبي صلى الله عليه وسلم فقد أرشد مادحيه إلى ما يجوز من ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم الحديث وقد تقدم بيانه في أحاديث الأنبياء وقد ضبط العلماء المبالغة الجائزة من المبالغة الممنوعة بأن الجائزة يصحبها شرط أو تقريب والممنوعة بخلافها ويستثنى من ذلك ما جاء عن المعصوم فإنه لا يحتاج إلى قيد كالالفاظ التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم بها بعض الصحابة مثل قوله لابن عمرو نعم العبد عبد الله وغير ذلك وقال الغزالي في الأحياء آفة المدح في المادح أنه قد يكذب وقد يرائي الممدوح بمدحه ولا سيما أن كان فاسقا أو ظالما فقد جاء في حديث أنس رفعه إذا مدح الفاسق غضب الرب أخرجه أبو يعلى وابن أبي الدنيا في الصمت وفي سنده ضعف وقد يقول ما لا يتحققه مما لا سبيل له إلى الاطلاع عليه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فليقل أحسب وذلك كقوله إنه ورع ومتق وزاهد بخلاف ما لو قال رأيته يصلي أو يحج أو يزكي فإنه يمكنه الاطلاع على ذلك ولكن تبقى الآفة على الممدوح فإنه لا يأمن أن يحدث فيه المدح كبرا أو إعجابا أو يكله على ما شهره به المادح فيفتر عن العمل لأن الذي يستمر في العمل غالبا هو الذي يعد نفسه مقصرا فإن سلم المدح من هذه الأمور لم يكن به بأس وربما كان مستحبا قال بن عيينة من عرف نفسه لم يضره المدح وقال بعض السلف إذا مدح الرجل في وجهه فليقل اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون أخرجه البيهقي في الشعب

قوله باب من أثنى على أخيه بما يعلم أي فهو جائز ومستثنى من الذي قبله والضابط أن لا يكون في المدح مجازفة ويؤمن على الممدوح الإعجاب والفتنة كما تقدم قوله وقال سعد هو بن أبي وقاص وقد تقدم الحديث المذكور موصولا في مناقب عبد الله بن سلام من كتاب المناقب ثم ذكر فيه حديث بن عمر موصولا في قصة جر الإزار فقال أبو بكر إن إزاري يسقط من أحد شقيه قال إنك ليست منهم وقد تقدم أبسط من هذا في كتاب اللباس وفي لفظ انك لست ممن يفعل ذلك خيلاء وهذا من جملة المدح لكنه لما كان صدقا محضا وكان الممدوح يؤمن معه الإعجاب والكبر مدح به ولا يدخل ذلك في المنع ومن جملة ذلك الأحاديث المتقدمة في مناقب الصحابة ووصف كل واحد منهم بما وصف به من الأوصاف الجميلة كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر ما لقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك وقوله للأنصاري عجب الله من صنعكما وغير ذلك من الأخبار

قوله باب قول الله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية كذا لأبي ذر والنسفي وساق الباقون إلى تذكرون وأخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي الضحى قال قال شتير بن شكل لمسروق حدث يا أبا عائشة وأصدقك قال هل سمعت عبد الله بن مسعود يقول ما في القرآن آية أجمع لحلال وحرام وأمر ونهي من هذه الآية إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي قال نعم وسنده صحيح قوله وقوله إنما بغيكم على أنفسكم أي إن إثم البغي وعقوبة البغي على الباغي إما عاجلا وإما آجلا قوله وقوله ثم بغي عليه لينصرنه الله كذا في رواية كريمة والأصيلي على وفق التلاوة وكذا في رواية النسفي وأبي ذر وللباقين ومن بغي عليه وهو سبق قلم إما من المصنف وإما ممن بعده كما أن المطابق للتلاوة إما من المصنف وإما من إصلاح من بعده وإذا لم تتفق الروايات على شيء فمن جزم بأن الوهم من المصنف فقد تحامل عليه قال الراغب البغي مجاوزة القصد في الشيء فمنه ما يحمد ومنه ما يذم فالمحمود مجاوزة العدل الذي هو الإتيان بالمأمور بغير زيادة فيه ولا نقصان منه إلى الإحسان وهو الزيادة عليه ومنه الزيادة على الفرض بالتطوع المأذون فيه والمذموم مجاوزة العدل إلى الجور والحق إلى الباطل والمباح إلى الشبهة ومع ذلك فأكثر ما يطلق البغي على المذموم قال الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق وقال تعالى إنما بغيكم على أنفسكم وقال تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد وإذا أطلق البغي وأريد به المحمود يزاد فيه غالبا التاء كما قال تعالى فابتغوا عند الله الرزق وقال تعالى وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها وقال غيره البغي الاستعلاء بغير حق ومنه بغي الجرح إذا فسد قوله وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر ثم ذكر فيه حديث عائشة في قصة الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم قال بن بطال وجه الجمع بين الآيات المذكورة وترجمة الباب مع الحديث أن الله لما نهى عن البغي وأعلم أن ضرر البغي إنما هو راجع إلى الباغي وضمن النصر لمن بغى عليه كان حق من بغى عليه أن يشكر الله على إحسانه إليه بأن يعفو عمن بغى عليه وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقب الذي كاده بالسحر مع قدرته على ذلك انتهى ملخصا ويحتمل أن يكون مطابقة الترجمة للآيات والحديث أنه صلى الله عليه وسلم ترك استخراج السحر خشية أن يثور على الناس منه شر فسلك مسلك العدل في أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر من أثر الضرر الناشىء عن السحر شر وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني كما سبق وقال بن التين يستفاد من الآية الأولى أن دلالة الاقتران ضعيفة لجمعه تعالى بين العدل والإحسان في أمر واحد والعدل واجب والإحسان مندوب قلت وهو مبني على تفسير العدل والإحسان وقد اختلف السلف في المراد بهما في الآية فقيل العدل لا إله إلا الله والإحسان الفرائض وقيل العدل لا إله إلا الله والإحسان الإخلاص وقيل العدل خلع الأنداد والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وهو بمعنى الذي قبله وقيل العدل الفرائض والإحسان النافلة وقيل العدل العبادة والإحسان الخشوع فيها وقيل العدل الإنصاف والإحسان التفضل وقيل العدل امتثال المأمورات والإحسان اجتناب المنهيات وقيل العدل بذلك الحق والإحسان ترك الظلم وقيل العدل استواء السر والعلانية والإحسان فضل العلانية وقيل العدل البذل والإحسان العفو وقيل العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال وقيل غير ذلك وأقربها لكلامه الخامس والسادس وقال القاضي أبو بكر بن العربي العدل بين العبد وربه بامتثال أوامره واجتناب مناهيه وبين العبد وبين نفسه بمزيد الطاعات وتوقي الشبهات والشهوات وبين العبد وبين غيره بالإنصاف انتهى ملخصا وقال الراغب العدل ضربان مطلق يقتضى العقل حسنه ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا ولا يوصف بالاعتداء بوجه نحو أن تحسن لمن أحسن إليك وتكف الأذى عمن كف أذاه عنك وعدل يعرف بالشرع ويمكن أن يدخله النسخ ويوصف بالاعتداء مقابلة كالقصاص وأرش الجنايات وأخذ مال المرتد ولذا قال تعالى فمن اعتدى عليكم الآية وهذا النحو هو المعنى بقوله تعالى أن الله يأمر بالعدل والإحسان فإن العدل هو المساواة في المكافأة في خير أو شر والإحسان مقابلة الخير بأكثر منه والشر بالترك أو بأقل منه

[ 5716 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله مطبوب يعني مسحورا هذا التفسير مدرح في الخير وقد بينت ذلك عند شرح الحديث في كتاب الطب وكذا قوله فهلا تعني تنشرت ومن قال هو مأخوذ من النشرة أو من نشر الشيء بمعنى إظهاره وكيف يجمع بين قولها فأخرج وبين قولها في الرواية الأخرى هلا استخرجته وأن حاصله أن الإخراج الواقع كان لأصل السحر والاستخراج المنفي كان لأجزاء السحر وقوله في آخره حليف ليهود وقع في رواية الكشميهني هنا لليهود بزيادة لام

قوله باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر كذا للأكثر وعند الكشميهني وحده من بدل عن وقوله تعالى ومن شر حاسد إذا حسد أشار بذكر هذه الآية إلى أن النهي عن التحاسد ليس مقصورا على وقوعه بين اثنين فصاعدا بل الحسد مذموم ومنهي عنه ولو وقع من جانب واحد لأنه إذا ذم مع وقوعه مع المكافأة فهو مذموم مع الأفراد بطريق الأولى وذكر في الباب حديثين أحدهما

[ 5717 ] قوله بشر بن محمد هو المروزي وعبد الله هو بن المبارك قوله إياكم والظن قال الخطابي وغيره ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به وكذا ما يقع في القلب بغير دليل وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطر لا يمكن دفعها وما لا يقدر عليه لا يكلف به ويؤيده حديث تجاوز الله للأمة عما حدثت به أنفسها وقد تقدم شرحه وقال القرطبي المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها ولذلك عطف عليه قوله ولا تجسسوا وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع فنهى عن ذلك وهذا الحديث يوافق قوله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن فإن قال الظان أبحث لأتحقق قيل له ولا تجسسوا فإن قال تحققت من غير تجسس قيل له ولا يغتب بعضكم بعضا وقال عياض استدل بالحديث قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي وحمله المحققون على ظن مجرد عن الدليل ليس مبنيا على أصل ولا تحقيق نظر وقال النووي ليس المراد في الحديث بالظن ما يتعلق بالاجتهاد الذي يتعلق بالأحكام أصلا بل الاستدلال به لذلك ضعيف أو باطل وتعقب بأن ضعفه ظاهر وأما بطلانه فلا فإن اللفظ صالح لذلك ولا سيما إن حمل على ما ذكره القاضي عياض وقد قربه القرطبي في المفهم وقال الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد الجانبين أو هو بمعنى اليقين ليس مرادا من الحديث ولا من الآية فلا يلتفت لمن استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي وقال بن عبد البر احتج به بعض الشافعية على من قال بسد الذريعة في البيع فأبطل بيع العينة ووجه الاستدلال النهي عن الظن بالمسلم شرا فإذا باع شيئا حمل على ظاهره الذي وقع العقد به ولم يبطل بمجرد توهم أن سلك به مسلك الحيلة ولا يخفى ما فيه وأما وصف الظن بكونه أكذب الحديث مع أن تعمد الكذب الذي لا يستند إلى ظن أصلا أشد من الأمر الذي يستند إلى الظن فللإشارة إلى أن الظن المنهي عنه هو الذي لا يستند إلى شيء يجوز الاعتماد عليه فيعتمد عليه ويجعل أصلا ويجزم به فيكون الجازم به كاذبا وإنما صار أشد من الكاذب لأن الكذب في أصله مستقبح مستغنى عن ذمه بخلاف هذا فإن صاحبه بزعمه مستند إلى شيء فوصف بكونه أشد الكذب مبالغة في ذمه والتنفير منه وإشارة إلى أن الاغترار به أكثر من الكذب المحض لخفائه غالبا ووضوح الكذب المحض قوله فإن الظن أكذب الحديث قد استشكلت تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولا أو فعلا ويحتمل أن يكون المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا قوله ولا تحسسوا ولا تجسسوا إحدى الكلمتين بالجيم والأخرى بالحاء المهملة وفي كل منهما حذف إحدى التاءين تخفيفا وكذا في بقية المناهي التي في حديث الباب والأصل تتحسسوا قال الخطابي معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها قال الله تعالى حاكيا عن يعقوب عليه السلام اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه وأصل هذه الكلمة التي بالمهملة من الحاسة إحدى الحواس الخمس وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشيء باليد وهي إحدى الحواس فتكون التي بالحاء أعم وقال إبراهيم الحربي هما بمعنى واحد وقال بن الأنباري ذكر الثاني للتأكيد كقولهم بعد وسخطا وقيل بالجيم البحث عن عوراتهم وبالحاء استماع حديث القوم وهذا رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أحد صغار التابعين وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين والأذن ورجح هذا القرطبي وقيل بالجيم تتبع الشخص لأجل غيره وبالحاء تتبعه لنفسه وهذا اختيار ثعلب ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقا إلى انقاذ نفس من الهلاك مثلا كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو بامرأة ليزني بها فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه نقله النووي عن الأحكام السلطانية للماوردي واستجاده وأن كلامه ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استمرار أهلها بها إلا هذه الصورة قوله ولا تحاسدوا الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أو لا فإن سعى كان باغيا وإن لم يسع في ذلك ولا أظهر ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق المسلم نظر فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفعه ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منها يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وعن الحسن البصري قال ما من آدمي إلا وفيه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء قوله ولا تدابروا قال الخطابي لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه وقال بن عبد البر قيل للأعراض مدابرة لأن من أبغض ومن اعرض ومن أعرض ولي دبره والمحب بالعكس وقيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر وقيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر وقال المازري معنى التدابر المعاداة يقول دابرته أي عاديته وحكى عياض أن معناه لا تجادلوا ولكن تعاونوا والأول أولى وقد فسره مالك في الموطأ بأخص منه فقال إذ ساق حديث الباب عن الزهري بهذا السند ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام يدبر عنه بوجهه وكأنه أخذه من بقية الحديث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام فإنه يفهم أن صدور السلام منهما أو من أحدهما يرفع ذلك الإعراض وسيأتي مزيد لهذا في باب الهجرة ويؤيده ما أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في زيادات كتاب البر والصلة لابن المبارك بسند صحيح عن أنس قال التدابر التصارم قوله ولا تباغضوا أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن البغض لا يكتسب ابتداء وقيل المراد النهي عن الأهواء المضلة المقتضية للتباعض قلت بل هو لأعم من الأهواء لأن تعاطي الأهواء ضرب من ذلك وحقيقة التباغض أن يقع بين اثنين وقد يطلق إذا كان من أحدهما والمذموم منه ما كان في غير الله تعالى فإنه واجب فيه ويثاب فاعله لتعظيم حق الله ولو كانا أو أحدهما عند الله من أهل السلامة كمن يؤديه اجتهاده إلى اعتقاد ينافي الآخر فيبغضه على ذلك وهو معذور عند الله قوله وكونوا عباد الله إخوانا بلفظ المنادى المضاف زاد مسلم في آخره من رواية أبي صالح عن أبي هريرة كما أمركم الله ومثله عنده من طريق قتادة عن أنس وهذه الجملة تشبه التعليل لما تقدم كأنه قال إذا تركتم هذه المنهيات كنتم إخوانا ومفهومه إذا لم تتركوها تصيروا أعداء ومعنى كونوا إخوانا اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما سبق ذكره وغير ذلك من الأمور المقتضية لذلك اثباتا ونفيا وقوله عباد الله أي يا عباد الله بحذف حرف النداء وفيه إشارة إلى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بذلك قال القرطبي المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة ولعل قوله في الرواية الزائدة كما أمركم الله أي بهذه الأوامر المقدم ذكرها فإنها جامعة لمعاني الإخوة ونسبتها إلى الله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله وقد أخرج أحمد بسند حسن عن أبي أمامة مرفوعا لا أقول إلا ما أقول ويحتمل أن يكون المراد بقوله كما أمركم الله الإشارة إلى قوله تعالى إنما المؤمنون إخوة فإنه خبر عن الحالة التي شرعت للمؤمنين فهو بمعنى الأمر قال بن عبد البر تضمن الحديث تحريم بغض المسلم والإعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي والحسد له على ما أنعم به عليه وأن يعامله معاملة الأخ النسيب وأن لا ينقب عن معايبه ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذلك تنبيه وقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن همام في هذا الحديث من الزيادة ولا تنافسوا وكذا وقعت في حديث أبي هريرة من رواية الأعرج وبين الاختلاف فيها في الباب الذي بعده ووقع عند مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة في آخره كما أمركم الله وقد نبهت عليها ولمسلم أيضا من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فيه ولا يبع بعضكم على بيع بعض وأفرد هذه الزيادة في البيوع من وجه آخر ومثله من رواية أبي سعيد مولى عامر بن كريز عن أبي هريرة وزاد بعد قوله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وما له وعرضه التقوى ههنا ويشير إلى صدره وزاد في رواية أخرى من هذه الطريق أن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وقد افردها أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة وزاد البخاري من رواية جعفر بن ربيعة عن الأعرج فيه زيادة سأذكرها في الباب الذي بعده وهذه الطريق من رواية مولى عامر أجمع ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث عن أبي هريرة وكأنه كان يحدث به أحيانا مختصرا وطورا بتمامه وقد فرقه بعض الرواة أحاديث وممن وقع عنده بعضه مفرقا بن ماجة في كتاب الزهد من كتابه وهو حديث عظيم اشتمل على جمل من الفوائد والآداب المحتاج إليها الحديث الثاني حديث أنس قوله لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا هكذا اقتصر الحفاظ من أصحاب الزهري عنه على هذه الثلاثة وزاد عبد الرحمن بن إسحاق عنه فيه ولا تنافسوا ذكر ذلك بن عبد البر في التمهيد والخطيب في المدرج قال وهكذا قال سعيد بن أبي مريم عن مالك عن بن شهاب وقد قال الخطيب وابن عبد البر خالف سعيد جميع الرواة عن مالك في الموطأ وغيره فإنهم لم يذكروا هذه الكلمة في حديث أنس وإنما هي عندهم في حديث مالك عن أبي الزناد أي الحديث الذي يلي هذا فأدرجها بن أبي مريم إسناد حديث أنس وكذا قال حمزة الكناني لا أعلم أحدا قالها عن مالك في حديث أنس غير سعيد وسيأتي الكلام على حكم التهاجر والتنبيه على زيادة وقعت في آخر حديث أنس هذا بعد ثلاثة أبواب إن شاء الله تعالى

قوله باب يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا كذا للجميع إلا أن لفظ باب سقط من رواية أبي ذر وأورد فيه حديث أبي هريرة من رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه فقط وزعم بن بطال وتبعه بن التين أن البخاري أورد فيه حديث أنس أي المذكور في الباب الذي قبله ثم حكى بن بطال عن المهلب أن مطابقته للترجمة من جهة أن البغض والحسد ينشآن عن سوء الظن قال بن التين وذلك أنهما يتأولان أفعال من يبغضانه ويحسدانه على أسوأ التأويل أه والذي وقفت عليه في النسخ التي وقعت لنا كلها أن حديث أنس في الباب الذي قبله ولا اشكال فيه قوله فيه ولا تناجشوا كذا في جميع النسخ التي وقفت عليها من البخاري بالجيم والشين المعجمة من النجش وهو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها وقد تقدم بيانه وحكمه في كتاب البيوع والذي في جميع الروايات عن مالك بلفظ ولا تنافسوا بالفاء والسين المهملة وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق بن وهب ومعن وابن القاسم وإسحاق بن عيسى بن الطباع وروح بن عبادة ويحيى بن يحيى التميمي والقعنبي ويحيى بن بكير ومحمد بن الحسن ومحمد بن جعفر الوركاني وأبي مصعب وأبي حذافة كلهم عن مالك وكذا ذكره بن عبد البر من رواية يحيى بن يحيى الليثي وغيره عن مالك وكذا أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى التميمي وكذلك أخرجه مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ولكنه أخرج من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ ولا تناجشوا كما وقع عند البخاري ومن طريق أبي سعيد مولى عامر بن كريز كذلك فاختلف فيها على أبي هريرة ثم على أبي صالح عنه فلا يمتنع أن يختلف فيها على مالك إلا أني ما وجدت ما يعضد رواية عبد الله بن يوسف هذه ويبعد أن يجتمع الجميع على شيء وينفرد واحد بخلافه ويكون محفوظا ولم أر الحديث في نسختي من مستخرج الإسماعيلي أصلا فلا أدري سقط عليه أو سقط من النسخة وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية الوركاني عن مالك ووقع فيه عنده ولا تنافسوا كالجماعة ولكنه قال في آخره أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك ولم ينبه على هذه اللفظة فما أدري هل وقع في نسخته على وفاق الجماعة أو على ما عندنا ولم يعتن ببيان ذلك ولم أر من نبه على هذا الموضع حتى أن الحميدي ساقه من البخاري وحده من رواية جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة وهذه الطريق قد مضت في أوائل النكاح وليس فيها هذه اللفظة المختلف فيها ولكن فيها بعد قوله إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك قال وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك فساقه بهذا السند والمتن بتمامه دون اللفظة التي أتكلم عليها وقال هكذا أخرجه البخاري في الأدب وأغفله أبو مسعود ولكنه ذكر أنه أخرجه من رواية شعيب عن أبي الزناد ولم أجد ذلك فيه إلا من رواية شعيب عن الزهري عن أنس قال الحميدي وأخرجه البخاري من رواية همام عن أبي هريرة نحوه ومن رواية طاوس عن أبي هريرة مثل رواية الأعرج سواء قلت ورواية طاوس تأتي في الفرائض قال الحميدي وقد أخرجه مسلم أيضا من رواية مالك عن أبي الزناد فساقه وفيه ولا تنافسوا قال فهو متفق عليه من رواية مالك لا من أفراد البخاري وكأنه استدرك ذلك على نفسه والغرض من ذلك أن الحميدي مع تتبعه واعتنائه لم ينبه على ما وقع في هذه اللفظة من الاختلاف وكذا أغفل بن عبد البر التنبيه عليها وهي على شرطه في التمهيد وكذلك الدارقطني ولو تفطن لها لساقها في غرائب مالك كعادته في أنظارها ولكنه لم يتعرض لها فلعلها من تغيير بعض الرواة بعد البخاري والله أعلم

قوله باب ما يجوز من الظن كذا للنسفي ولأبي ذر عن الكشميهني وكذا في بن بطال وفي رواية القابسي والجرجاني ما يكره وللباقين ما يكون والأول أليق بسياق الحديث

[ 5720 ] قوله ما أظن فلانا وفلانا لم أقف على تسميتهما وقد ذكر الليث في الرواية الأولى أنهما كانا منافقين قوله يعرفان من ديننا شيئا وفي الرواية الأخرى يعرفان ديننا الذي نحن عليه قال الداودي تأويل الليث بعيد ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف جميع المنافقين كذا قال وقال غيره الحديث لا يطابق لا ترجمة لأن في الترجمة إثبات الظن وفي الحديث نفي الظن والجواب أن النفي في الحديث لظن النفي لا لنفي الظن فلا تنافي بينه وبين الترجمة وحاصل الترجمة أن مثل هذا الذي وقع في الحديث ليس من الظن المنهي عنه لأنه في مقام التحذير من مثل من كان حاله كحال الرجلين والنهي إنما هو عن الظن السوء بالمسلم السالم في دينه وعرضه وقد قال بن عمر إنا كنا إذا فقدنا الرجل في عشاء الآخرة أسأنا به الظن ومعناه أنه لا يغيب إلا لأمر سيء إما في بدنه وإما في دينه

قوله باب ستر المؤمن على نفسه أي إذا وقع منه ما يعاب فيشرع له ويندب له

[ 5721 ] قوله عبد العزيز بن عبد الله هو الأويسي قوله عن بن أخي بن شهاب هو محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري ووقع في رواية لأبي نعيم في المستخرج من وجه آخر عن عبد العزيز شيخ البخاري فيه حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن عبد الله بن أخي بن شهاب وقد روى إبراهيم بن سعد عن الزهري نفسه الكبير وربما أدخل بينهما واسطة مثل هذا قوله عن بن شهاب في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن بن أخي بن شهاب عن عمه أخرجه مسلم والإسماعيلي قوله كل أمتي معافى بفتح الفاء مقصور اسم مفعول من العافية وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلمة الله وسلم منه قوله إلا المجاهرين كذا للأكثر وكذا في رواية مسلم ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم بالنصب وفي رواية النسفي إلا المجاهرون بالرفع وعليها شرح بن بطال وابن التين وقال كذا وقع وصوابه عند البصريين بالنصب وأجاز الكوفيون الرفع في الاستثناء المنقطع كذا قال وقال بن مالك الا على هذا بمعنى لكن وعليها خرجوا قراءة بن كثير وأبي عمرو ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك أي لكن امرأتك أنه مصيبها ما أصابهم وكذلك هنا المعنى لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون فالمجاهرون مبتدأ والخبر محذوف وقال الكرماني حق الكلام النصب إلا أن يقال العفو بمعنى الترك وهو نوع من النفي ومحصل الكلام كل واحد من الأمة يعفى عن ذنبه ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن أه واختصره من كلام الطيبي فإنه قال كتب في نسخة المصابيح المجاهرون بالرفع وحقه النصب وأجاب بعض شراح المصابيح بأنه مستثنى من قوله معافى وهو في معنى النفي أي كل أمتي لا ذنب عليهم إلا المجاهرون وقال الطيبي والأظهر أن يقال المعنى كل أمتي يتركون في الغيبة الا المجاهرون والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي كقوله وبأبي الله الا أن يتم نوره والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به أه والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به والنكتة في التعبير بفاعل إرادة المبالغة ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحديث بالمعاصي وبقية الحديث توكد الاحتمال الأول قوله وإن المجاهرة كذا لابن السكن والكشميهني وعليه شرح بن بطال وللباقين المجانة بدل المجاهرة ووقع في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأن من الاجهار كذا عند مسلم وفي رواية له الجهار وفي رواية الإسماعيلي الاهجار وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج وان من الهجار فتحصلنا على أربعة أشهرها الجهار ثم تقديم الهاء وبزيادة ألف قبل كل منهما قال الإسماعيلي لا أعلم أني سمعت هذه اللفظة في شيء من الحديث يعني إلا في هذا الحديث وقال عياض وقع للعذرى والسجزي في مسلم الاجهار وللفارسي الاهجار وقال في آخره وقال زهير الجهار هذه الروايات من طريق بن سفيان وابن أبي ماهان عن مسلم وفي أخرى عن بن سفيان في رواية زهير الهجار قال عياض الجهار والاجهار والمجاهرة كله صواب بمعنى الظهور والاظهار يقال جهر وأجهر بقوله وقراءته إذا أظهر وأعلن لأنه راجع لتفسير قوله أولا الا المجاهرون قال وأما المجانة فتصحيف وإن كان معناها لا يبعد هنا لأن الماجن هو الذي يستهتر في أموره وهو الذي لا يبالي بما قال وما قيل له قلت بل الذي يظهر رجحان هذه الرواية لأن الكلام المذكور بعده لا يرتاب أحد أنه من المجاهرة فليس في إعادة ذكره كبير فائدة وأما الرواية بلفظ المجانة فتفيد معنى زائدا وهو أن الذي يجاهر بالمعصية يكون من جملة المجان والمجانة مذمومة شرعا وعرفا فيكون الذي يظهر المعصية قد أرتكب محذورين إظهار المعصية وتلبسه بفعل المجان قال عياض وأم الاهجار فهو الفحش والخناء وكثرة الكلام وهو قريب من معنى المجانة يقال أهجر في كلامه وكأنه أيضا تصحيف من الجهار أو الاجهار وإن كان المعنى لا يبعد أيضا هنا وأما لفظ الهجار فبعيد لفظا ومعنى لأن الهجار الحبل أو الوتر تشد به يد البعير أو الحلقة التي يتعلم فيها الطعن ولا يصح له هنا معنى والله أعلم قلت بل له معنى صحيح أيضا فإنه يقال هجر وأهجر إذا أفحش في كلامه فهو مثل جهر وأجهر فما صح في هذا صح في هذا ولا يلزم من استعمال الهجار بمعنى الحبل أو غيره أن لا يستعمل مصدرا من الهجر بضم الهاء قوله البارحة هي أقرب ليلة مضت من وقت القول تقول لقيته البارحة وأصلها من برح إذا زال وورد في الأمر بالستر حديث ليس على شرط البخاري وهو حديث بن عمر رفعه اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله الحديث أخرجه الحاكم وهو في الموطأ من مرسل زيد بن أسلم قال بن بطال في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدا وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة والذي يجاهر يفوته جميع ذلك وبهذا يعرف موقع إيراد حديث النجوي عقب حديث الباب وقد استشكلت مطابقته للترجمة من جهة أنها معقودة لستر المؤمن على نفسه والذي في الحديث ستر الله على المؤمن والجواب أن الحديث مصرح بذم من جاهر بالمعصية فيستلزم مدح من يستتر وأيضا فإن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره ومن قصد التستر بها حياء من ربه ومن الناس من الله عليه بستره إياه وقيل إن البخاري يشير بذكر هذا الحديث في هذه الترجمة إلى تقوية مذهبه أن أفعال العباد مخلوقة لله

[ 5722 ] قوله عن صفوان بن محرز في رواية شيبان عن قتادة حدثنا صفوان وتقدم التنبيه عليها في تفسير سورة هود وصفوان مازني بصري وأبوه بضم أوله وسكون المهملة وكسر الراء ثم زاي ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق عنه عن عمران بن حصين وقد ذكرهما في عدة مواضع قوله أن رجلا سأل بن عمر في رواية همام عن قتادة الماضية في المظالم عن صفوان قال بينما أنا أمشي مع بن عمر آخذ بيده وفي رواية سعيد وهشام عن قتادة في تفسير هود بينما بن عمر يطوف إذ عرض له رجل ولم أقف على اسم السائل لكن يمكن أن يكون هو سعيد بن جبير فقد أخرج الطبراني من طريقه قال قلت لابن عمر حدثني فذكر الحديث قوله كيف سمعت في رواية سعيد وهشام فقال يا أبا عبد الرحمن وهي كنية عبد الله بن عمر قوله كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى هي ما تكلم به المرء يسمع نفسه ولا يسمع غيره أو يسمع غيره سرا دون من يليه قال الراغب ناجيته إذا ساررته وأصله أن تخلو في نجوه من الأرض وقيل أصله من النجاة وهي أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه والنجوى أصله المصدر وقد يوصف بها فيقال هو نجوى وهم نجوى والمراد بها هنا المناجاة التي تقع من الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع المؤمنين وقال الكرماني أطلق على ذلك النجوى لمقابلة مخاطبة الكفار على رؤوس الأشهاد هناك قوله يدنو أحدكم من ربه في رواية سعيد بن أبي عروبة يدنو المؤمن من ربه أي يقرب منه قرب كرامة وعلو منزلة قوله حتى يضع كنفه بفتح الكاف والنون بعدها فاء أي جانبه والكنف أيضا الستر وهو المراد هنا والأول مجاز في حق الله تعالى كما يقال فلان في كنف فلان أي في حمايته وكلاءته وذكر عياض أن بعضهم صحفه تصحيفا شنيعا فقال بالمثناة بدل النون ويؤيد الرواية الصحيحة أنه وقع في رواية سعيد بن جبير بلفظ يجعله في حجابه زاد في رواية همام وستره قوله فيقول عملت كذا وكذا في رواية همام فيقول أتعرف ذنب كذا وكذا زاد في رواية سعيد وهشام فيقرره بذنوبه وفي رواية سعيد بن جبير فيقول له اقرأ صحيفتك فيقرأ ويقرره بذنب ذنب ويقول أتعرف أتعرف قوله فيقول نعم زاد في رواية همام أي رب وفي رواية سعيد وهشام فيقول أعرف قوله ثم يقول اني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم في رواية سعيد بن جبير فيلتفت يمنة ويسرة فيقول لا بأس عليك إنك في سترى لا يطلع على ذنوبك غيري زاد همام وسعيد وهشام في روايتهم فيعطى كتاب حسناته ووقع في بعض روايات سعيد وهشام فيطوى وهو خطأ وفي رواية سعيد بن جبير أذهب فقد غفرتها لك ووقع عند الثلاثة وأما الكافر والمنافق ولبعضهم الكفار والمنافقون وفي رواية سعيد وهشام وأما الكافر فينادي على رءوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين وقد تقدم في تفسير هود أن الأشهاد جمع شاهد مثل أصحاب وصاحب وهو أيضا جمع شهيد كشريف وأشراف قال المهلب في الحديث تفضل الله على عباده بستره لذنوبهم يوم القيامة وأنه يغفر ذنوب من شاء منهم بخلاف قول من أنفذ الوعيد على أهل الإيمان لأنه لم يستثن في هذا الحديث ممن يضع عليه كنفه وستره أحدا الا الكفار والمنافقين فإنهم الذين ينادى عليهم على رءوس الأشهاد باللعنة قلت قد استشعر البخاري هذا فأورد في كتاب المظالم هذا الحديث ومعه حديث أبي سعيد إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة الحديث فدل هذا الحديث على أن المراد بالذنوب في حديث بن عمر ما يكون بين المرء وربه سبحانه وتعالى دون مظالم العباد فمقتضى الحديث أنها تحتاج إلى المقاصصة ودل حديث الشفاعة أن بعض المؤمنين من العصاة يعذب بالنار ثم يخرج منها بالشفاعة كما تقدم تقريره في كتاب الإيمان فدل مجموع هذه الأحاديث على أن العصاة من المؤمنين في القيامة على قسمين أحدهما من معصيته بينه وبين ربه فدل حديث بن عمر على أن هذا القسم على قسمين قسم تكون معصيته مستورة في الدنيا فهذا الذي يسترها الله عليه في القيامة وهو بالمنطوق وقسم تكون معصيته مجاهرة فدل مفهومه على أنه بخلاف ذلك والقسم الثاني من تكون معصيته بينه وبين العباد فهم على قسمين أيضا قسم ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء يقعون في النار ثم يخرجون بالشفاعة وقسم تتساوى سيئاتهم وحسناتهم فهؤلاء لا يدخلون الجنة حتى يقع بينهم التقاص كما دل عليه حديث أبي سعيد وهذا كله بناء على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة أن يفعله باختياره وإلا فلا يجب على الله شيء وهو يفعل في عباده ما يشاء

قوله باب الكبر بكسر الكاف وسكون الموحدة ثم راء قال الراغب الكبر والتكبر والاستكبار متقارب فالكبر الحالة التي يختص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق والاذعان له بالتوحيد والطاعة والتكبر يأتي على وجهين أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة زائدة على محاسن الغير ومن ثم وصف سبحانه وتعالى بالمتكبر والثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا بما ليس فيه وهو وصف عامة الناس نحو قوله كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار والمستكبر مثله وقال الغزالي الكبر على قسمين فإن ظهر على الجوارح يقال تكبر وإلا قيل في نفسه كبر والأصل هو الذي في النفس وهو الاسترواح إلى رؤية النفس والكبر يستدعي متكبرا عليه يرى نفسه فوقه ومتكبرا به وبه ينفصل الكبر عن العجب فمن لم يخلق إلا وحده يتصور أن يكون معجبا لا متكبرا قوله وقال مجاهد ثم عطفه مستكبرا في نفسه عطفه رقبته وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله تعالى ثاني عطفه قال رقبته وأخرج بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ثاني عطفه قال مستكبرا في نفسه ومن طريق قتادة قال لاوي عنقه ومن طريق السدي ثاني عطفه أي معرض من العظمة ومن طريق أبي صخر المدني قال كان محمد بن كعب يقول هو الرجل يقول هذا شيء ثنيت عليه رجلي فالعطف هو الرجل قال أبو صخر والعرب تقول العطف العنق وأخرج بن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد أنها نزلت في النضر بن الحارث ثم ذكر فيه حديثين أحدهما حديث حارثة بن وهب وقد تقدم شرحه في تفسير سورة ن والغرض منه وصف المستكبر بأنه من أهل النار وقوله

[ 5723 ] ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف هو برفع كل لأن التقدير هم كل ضعيف الخ ولا يجوز أن يكون بدلا من أهل ثانيهما حديث أنس

[ 5724 ] قوله وقال محمد بن عيسى أي بن أبي نجيح المعروف بابن الطباع بمهملة مفتوحة وموحدة ثقيلة وهو أبو جعفر البغدادي نزيل أذنة بفتح الهمزة والمعجمة والنون وهو ثقة عالم بحديث هشيم حتى قال علي بن المديني سمعت يحيى القطان وابن مهدي يسألانه عن حديث هشيم وقال أبو حاتم حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع الثقة المأمون ورجحه على أخيه إسحاق بن عيسى وإسحاق أكبر من محمد وقال أبو داود وكان يتفقه وكأني يحفظ نحو أربعين ألف حديث مات سنة أربع وعشرين ومائتين وحدث عنه أبو داود بلا واسطة وأخرج الترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة من حديثه بواسطة ولم أر له في البخاري سوى هذا الموضع وموضع آخر في الحج قال محمد بن عيسى حدثنا قال حماد ولم أر في شيء من نسخ البخاري تصريحه عنه بالتحديث وقد قال أبو نعيم بعد تخريجه ذكره البخاري بلا رواية وأما الإسماعيلي فإنه قال قال البخاري قال محمد بن عيسى فذكره ولم يخرج له سندا وقد ضاق مخرجه على أبي نعيم أيضا فساقه في مستخرجه من طريق البخاري وغفل عن كونه في مسند أحمد وأخرجه أحمد عن هشيم شيخ محمد بن عيسى فيه وإنما عدل البخاري عن تخريجه عن أحمد بن حنبل لتصريح حميد في رواية محمد بن عيسى بالتحديث فإنه عنده عن هشيم أنبأنا حميد عن أنس وحميد مدلس والبخاري يخرج له ما صرح فيه بالتحديث قوله فتنطلق به حيث شاءت في رواية أحمد فتنطلق به في حاجتها وله من طريق علي بن زيد عن أنس إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت وأخرجه بن ماجة من هذا الوجه والمقصود من الأخذ باليد لازمه وهو الرفق والانقياد وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع لذكره المرأة دون الرجل والأمة دون الحرة وحيث عمم بلفظ الاماء أي أمة كانت وبقوله حيث شاءت أي من الأمكنة والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك وهذا دال على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر صلى الله عليه وسلم وقد ورد في ذم الكبر ومدح التواضع أحاديث من أصحها ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقيل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال الكبر بطر الحق وغمط الناس والغمط بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة هو الازدراء والاحتقار وقد أخرجه الحاكم بلفظ الكبر من بطر الحق وازدري الناس والسائل المذكور يحتمل أن يكون ثابت بن قيس فقد روى الطبراني بسند حسن عنه أنه سأل عن ذلك وكذا أخرج من حديث سواد بن عمرو أنه سأل عن ذلك وأخرج عبد بن حميد من حديث بن عباس رفعه الكبر السفه عن الحق وغمص الناس فقال يا نبي الله وما هو قال السفه أن يكون لك على رجل مال فينكره فيأمره رجل بتقوى الله فيأبى والغمص أن يجيء شامخا بأنفه وإذا رأى ضعفاء الناس وفقراءهم لم يسلم عليهم ولم يجلس إليهم محقرة لهم وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدين دخل الجنة وأخرج أحمد وابن ماجة وصححه بن حبان من حديث أبي سعيد رفعه من تواضع لله درجة رفعه الله درجة حتى يجعله الله في أعلى عليين ومن تكبر على الله درجة وضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين وأخرج الطبراني في الأوسط عن بن عمر رفعه إياكم والكبر فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة ورواته ثقات وحكى بن بطال عن الطبري أن المراد بالكبر في هذه الأحاديث الكفر بدليل قوله في الأحاديث على الله ثم قال ولا ينكر أن يكون من الكبر ما هو استكبار على غير الله تعالى ولكنه غير خارج عن معنى ما قلناه لأن معتقد الكبر على ربه يكون لخلق الله أشد استحقارا انتهى وقد أخرج مسلم من حديث عياض بن حمار بكسر المهملة وتخفيف الميم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد الحديث والأمر بالتواضع نهى عن الكبر فإنه ضده وهو أعم من الكفر وغيره واختلف في تأويل ذلك في حق المسلم فقيل لا يدخل الجنة مع أول الداخلين وقيل لا يدخلها بدون مجازاة وقيل جزاؤه أن لا يدخلها ولكن قد يعفى عنه وقيل ورد مورد الزجر والتغليظ وظاهره غير مراد وقيل معناه لا يدخل الجنة حال دخولها وفي قلبه كبر حكاه الخطابي واستضعفه النووي فأجاد لأن الحديث سيق لذم الكبر وصاحبه لا للأخبار عن صفة دخول أهل الجنة الجنة قال الطيبي المقام يقتضي حمل الكبر على من يرتكب الباطل لأن تحرير الجواب إن كان استعمال الزينة لإظهار نعمة الله فهو جائز أو مستحب وإن كان للبطر المؤدي إلى تسفيه الحق وتحقير الناس والصد عن سبيل الله فهو المذموم

قوله باب الهجرة بكسر الهاء وسكون الجيم أي ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا وهي في الأصل الترك فعلا كان أو قولا وليس المراد بها مفارقة الوطن فإن تلك تقدم حكمها قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال قد وصله في الباب عن أبي أيوب وأراد هنا أن يبين أن عمومه مخصوص بمن هجر أخاه بغير موجب لذلك قال النووي قال العلماء تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم وإنما عفى عنه في ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض وقال أبو العباس القرطبي المعتبر ثلاث ليال حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار الغي البعض وتعتبر ليلة ذلك اليوم وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة قلت وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود وقد مضى في باب ما نهي عن التحاسد في رواية شعيب في حديث أبي أيوب بلفظ ثلاثة أيام فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها ويكون الاعتبار مضى ثلاثة أيام بلياليها ملفقة إذا ابتدئت مثلا من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء ويحتمل أن يلغى الكسر ويكون أول العدد من ابتداء اليوم أو الليلة والأول أحوط ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول وفيه عن ثلاثة من الصحابة شيء مرفوع وباقيه عنهم وعن رابع موقوف

[ 5725 ] قوله حدثني عوف بن الطفيل وهو بن أخي عائشة كذا عند النسفي وأبي ذر وعند غيرهما وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فقال عوف بن مالك بن الطفيل وهو بن أخي عائشة لأمها وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق علي بن المديني من رواية الأوزاعي وصالح بن كيسان ومعمر ثلاثتهم عن الزهري ففي رواية الأوزاعي عنه حدثني الطفيل بن الحارث وكان من أزد شنوءة وكان أخا لها من أمها أم رومان وفي رواية صالح عنه حدثني عوف بن الطفيل بن الحارث وهو بن أخي عائشة لأمها وفي رواية معمر عوف بن الحارث بن الطفيل قال علي بن المديني هكذا اختلفوا والصواب عندي وهو المعروف عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة يعني بفتح المهملة والموحدة بينهما معجمة ساكنة قال والطفيل أبوه هو الذي روى عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عنه يعني حديث لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان أخرجه النسائي وابن ماجة وكذا أخرج أحمد طريق معمر والأوزاعي وقال إبراهيم الحربي في كتاب النهي عن الهجران بعد أن أورد من طريق معمر وشعيب وصالح الأوزاعي كما تقدم ومن طريق عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن عوف بن الحارث بن الطفيل ومن طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن عروة عن المسور هذا وهم قال وكذا وهم الأوزاعي في قوله الطفيل بن الحارث وصالح في قوله عوف بن الطفيل بن الحارث وأصاب معمر وعبد الرحمن بن خالد في قولهما عوف بن الحارث بن الطفيل كذا قال ثم قال الذي عندي أن الحارث بن سخبرة الأزدي قدم مكة ومعه امرأته أم رومان بنت عامر الكنانية فخالف أبا بكر الصديق ثم مات فخلف أبو بكر على أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة وكان لها من الحارث الطفيل بن الحارث فهو أخو عائشة لأمها وولد الطفيل بن الحارث عوفا وله عن عائشة رواية غير هذه وهو الذي حدث عنه الزهري انتهى فعلى هذا يكون الذي أصاب في تسميته ونسبه صالح بن كيسان وأما معمر وعبد الرحمن بن خالد فقبلاه والأول هو الذي صوبه على بن المديني وقد اختلف على الأوزاعي فالرواية التي ذكرها الحربي عنه هي رواية الوليد بن مسلم وأخرجه الإسماعيلي من رواية بن كثير عن الأوزاعي على وفق رواية معمر وابن خالد وأما شعيب في رواية أحمد فقلب الحارث أيضا فسماه مالكا وحذفه البخاري في رواية أبي ذر فأصاب وسكت عن تسمية جده وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد رواية عبد الرحمن بن خالد كذلك وإذا تحرر ذلك ظهر أن الذي جزم به بن الأثير في جامع الأصول من أنه عوف بن مالك بن الطفيل ليس بجيد والاختلاف المذكور كله في تحرير اسم الراوي هنا عن عائشة ونسبه إلا رواية النعمان بن راشد فإنها شاذة لأنه قلب شيخ الزهري فجعله عروة بن الزبير والمحفوظ رواية الجماعة على أن للخبر من رواية عروة أصلا كما تقدم في أوائل مناقب قريش لكنه من غير رواية الزهري عنه قوله ان عائشة حدثت كذا للأكثر بضم أوله وبحذف المفعول ووقع في رواية الأصيلي حدثته والأول أصح ويؤيده أن في رواية الأوزاعي أن عائشة بلغها ووقع في رواية معمر على الوجهين ووقع في رواية صالح أيضا حدثته قوله في بيع أو عطاء أعطته عائشة في رواية الأوزاعي في دار لها باعتها فسخط عبد الله بن الزبير بيع تلك الدار قوله لتنتهين عائشة زاد في رواية الأوزاعي فقال أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها وهذا مفسر لما أبهم في رواية غيره وكذا لما تقدم في مناقب قريش من طريق عروة قال كانت عائشة لا تمسك شيئا فما جاءها من رزق الله تصدقت به وهذا لا يخالف الذي هنا لأنه يحتمل أن تكون باعت الرباع لتتصدق بثمنها وقوله لتنتهين أو لأحجرن عليها هذا أيضا يفسر قوله في رواية عروة ينبغي أن يؤخذ على يدها قوله لله علي نذر أن لا أكلم بن الزبير أبدا في رواية عبد الرحمن بن خالد كلمة أبدا وفي رواية معمر بكلمة وفي رواية الإسماعيلي من طريق الأوزاعي بدل قوله أبدا حتى يفرق الموت بيني وبينه قال بن التين قولها أن لا أكلم تقديره علي نذر إن كلمته اه ووقع في بعض الروايات بحذف لا وشرح عليها الكرماني وضبطها بالكسر بصيغة الشرط قال وهو الموافق للرواية المتقدمة في مناقب قريش بلفظ لله على نذر ان كلمته فعلى هذا يكون النذر معلقا على كلامه لا أنها نذرت ترك كلامه ناجزا قوله فاستشفع بن الزبير إليها حين طالت الهجرة كذا للأكثر ووقع في رواية السرخسي والمستملي حتى بدل حين والأول الصواب ووقع في رواية معمر على الصواب زاد في رواية الأوزاعي فطالت هجرتها إياه فنقصه الله بذلك في أمره كله فاستشفع بكل جدير أنها تقبل عليه وفي الرواية الأخرى عنه فاستشفع عليها بالناس فلم تقبل وفي رواية عبد الرحمن بن خالد فاستشفع بن الزبير بالمهاجرين وقد أخرج إبراهيم الحربي من طريق حميد بن قيس بن عبد الله بن الزبير قال فذكر نحو هذه القصة قال فاستشفع إليها بعبيد بن عمير فقال لها أين حديث أخبرتنيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصوم فوق ثلاث قوله فقالت لا والله لا أشفع بكسر الفاء الثقيلة قوله فيه أحدا في رواية الكشميهني أبدا بدل قوله أحدا وجمع بين اللفظين في رواية عبد الرحمن بن خالد وكذا في رواية معمر قوله ولا أتحنث إلى نذري في رواية معمر ولا أحنث في نذري وفي رواية الأوزاعي فقالت والله لا آثم فيه أي في نذرها أو في بن الزبير وتكون في سببيه قوله فلما طال ذلك على بن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة أما المسور فهو بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن زهرة بن كلاب وأما عبد الرحمن فجده يغوث بفتح التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو بعدها مثلثة وهو بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة يجتمع مع المسور في عبد مناف بن زهرة ووهيب وأهيب أخوان ومات الأسود قبل الهجرة ولم يسلم ومات النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن صغير فذكر في الصحابة وله في البخاري غير هذا الموضع حديث عن أبي بن كعب سيأتي قريبا ووقع في رواية عروة المتقدمة فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وقد بينت هناك معنى هذه الخئولة وصفة قرابة بني زهرة برسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه وأمه قوله أنشدكما بالله لما بالتخفيف و ما زائدة ويجوز التشديد حكاه عياض يعني إلا أي لا أطلب الا الادخال عليها ونظره بقوله تعالى لما جميع لدينا محضرون وقوله لما عليها حافظ فقد قرنا بالوجهين وفي رواية الكشميهني إلا أدخلتماني زاد الأوزاعي فسألهما أن يشتملا عليه بأرديتهما قوله فإنها في رواية الكشميهني فإنه والهاء ضمير الشأن قوله لا يحل لها أن تنذر قطيعتي لأنه كان بن أختها وهي التي كانت تتولى تربيته غالبا قوله فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته في رواية معمر فقالا السلام على النبي ورحمة الله فيحتمل أن تكون الكاف في الأول مفتوحة قوله أندخل قالت نعم قالوا كلنا قالت نعم في رواية الأوزاعي قالا ومن معنا قالت ومن معكما قوله فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي في رواية الأوزاعي فبكى إليها وبكت إليه وقبلها وفي روايته الأخرى عند الإسماعيلي وناشدها بن الزبير الله والرحم قوله ويقولان إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عما قد علمت من الهجرة وأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال في رواية معمر أنه لا يحل بحذف الواو وهو كالتفسير لما قبله ويؤيد ذلك ورود الحديث مرفوعا من طريق أخرى كحديثي أنس وأبي أيوب اللذين بعده وهذا القدر هو المرفوع من الحديث وهو هنا من مسند المسور وعبد الرحمن بن الأسود وعائشة جميعا فإنها أقرتهما على ذلك وقد غفل أصحاب الأطراف عن ذكره في مسند عبد الرحمن بن الأسود لكونه مرسلا ولكن ذكروا أنظاره فيلزمهم من هذه الحيثية وله عن عائشة طريق أخرى تقدم بيانها وأنها من رواية حميد بن قيس عن عبيد بن عمير عنها وأخرجه أيضا أبو داود من طريق أخرى عن عائشة وجاء المتن عن جماعة كثيرة من الصحابة يزيد بعضهم على بعض كما سأبينه بعد تنبيه ادعى المحب الطبري أن الهجران المنهي عنه ترك السلام إذا التقيا ولم يقع ذلك من عائشة في حق بن الزبير ولا يخفى ما فيه فإنها حلفت أن لا تكلمه والحالف يحرص على أن لا يحنث وترك السلام داخل في ترك الكلام وقد ندمت على سلامها عليه فدل على أنها اعتقدت أنها حنثت ويؤيده ما كانت تعتقه في نذرها ذلك قوله فلما أكثروا على عائشة من التذكرة أي التذكير بما جاء في فضل صلة الرحم والعفو وكظم الغيظ قوله والتحريج بحاء مهملة ثم الجيم أي الوقوع في الحرج وهو الضيق لما ورد في القطيعة من النهي وفي رواية معمر التخويف قوله فلم يزالا بها حتى كلمت بن الزبير في رواية الأوزاعي فكلمته بعد ما خشي أن لا تكلمه وقبلت منه بعد أن كادت أن لا تقبل منه قوله وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة في رواية الأوزاعي ثم بعثت إلى اليمن بمال فابتيع لها به أربعون رقبة فأعتقها كفارة لنذرها ووقع في رواية عروة المتقدمة فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم وظاهره أن عبد الله بن الزبير أرسل إليها بالعشرة أولا ولا ينافي رواية الباب أن تكون هي اشترت بعد ذلك تمام الأربعين فأعتقتهم وقد وقع في الرواية الماضية ثم لم تزل حتى بلغت أربعين قوله وكانت تذكر نذرها في رواية الأوزاعي قال عوف بن الحارث ثم سمعتها بعد ذلك تذكر نذرها ذلك ووقع في رواية عروة أنها قالت وددت أني جعلت حين حلفت عملا فأعمله فأفرغ منه وبينت هناك ما يحتمله كلامها هذا الحديث الثاني والثالث حديث الزهري عن أنس وعن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب وقد تقدم حديث أنس في باب التحاسد وأراد بإيرادهما معا أنه عند الزهري على الوجهين لأنه أخرج من طريق مالك عن شيخه وأول حديث أبي أيوب عنه لا يحل لرجل كما علقه أولا وزاد فيه يلتقيان وفي رواية الكشميهني فيلتقيان بزيادة فاء

[ 5727 ] قوله عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب هكذا اتفق أصحاب الزهري وخالفهم عقيل فقال عن عطاء بن يزيد عن أبي وخالفهم كلهم شبيب بن سعيد عن يونس عنه فقال عن عبيد الله أو عبد الرحمن عن أبي بن كعب قال إبراهيم الحربي أما شبيب فلم يضبط سنده وقد ضبطه بن وهب عن يونس فساقه على الصواب أخرجه مسلم وأما عقيل فلعله سقط عليه لفظ أيوب فصار عن أبي فنسبه من قبل نفسه فقال بن كعب فوهم في ذلك قوله فوق ثلاث ظاهره إباحة ذلك في الثلاث وهو من الرفق لأن الآدمي في طبعه الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك والغالب أنه يزول أو يقل في الثلاث قوله فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام زاد الطبري من طريق أخرى عن الزهري يسبق إلى الجنة ولأبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد عليه فقد اشتركا في الأجر وأن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة ولأحمد والمصنف في الأدب المفرد وصححه بن حبان من حديث هشام بن عامر فإنهما ناكثان عن الحق ما داما على صرامهما وأولهما فيئا يكون سبقه كفارة فذكر نحو حديث أبي هريرة وزاد في آخره فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا قوله وخيرهما الذي يبدأ بالسلام قال أكثر العلماء نزول الهجرة بمجرد السلام ورده وقال أحمد لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولا وقال أيضا ترك الكلام ان كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام وكذا قال بن القاسم وقال عياض إذا اعتزل كلامه لم تقبل شهادته عليه عندنا ولو سلم عليه يعني وهذا يؤيد قول بن القاسم قلت ويمكن الفرق بأن الشهادة يتوقى فيها وترك المكالمة يشعر بأن في باطنه عليه شيئا فلا تقبل شهادته عليه وأما زوال الهجرة بالسلام عليه بعد تركه ذلك في الثلاث فليس بممتنع واستدل للجمهور بما رواه الطبراني من طريق زيد بن وهب عن بن مسعود في أثناء حديث موقوف وفيه ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه واستدل بقوله أخاه على أن الحكم يختص بالمؤمنين وقال النووي لا حجة في قوله لا يحل لمسلم لمن يقول الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة لأن التقييد بالمسلم لكونه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به وأما التقييد بالأخوة فدال على أن للمسلم أن يهجر الكافر من غير تقييد واستدل بهذه الأحاديث على أن من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع من مكالمته والسلام عليه أثم بذلك لأن نفي الحل يستلزم التحريم ومرتكب الحرام آثم قال بن عبد البر أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة فإن كان كذلك جاز ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق بن الزبير قال بن التين إنما ينعقد النذر إذا كان في طاعة كلله علي أن أعتق أو أن أصلي وأما إذا كان في حرام أو مكروه أو مباح فلا نذر وترك الكلام يفضي إلى التهاجر وهو حرام أو مكروه وأجاب الطبري بأن المحرم إنما هو ترك السلام فقط وأن الذي صدر من عائشة ليس فيه أنها امتنعت من السلام على بن الزبير ولا من رد السلام عليه لما بدأها بالسلام وأطال في تقرير ذلك وجعله نظير من كانا في بلدين لا يجتمعان ولا يكلم أحدهما الآخر وليسا مع ذلك متهاجرين قال وكانت عائشة لا تأذن لأحد من الرجال أن يدخل عليها إلا بإذن ومن دخل كان بينه وبينها حجاب إلا إن كان ذا محرم منها ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها فكانت في تلك المدة منعت بن الزبير من الدخول عليها كذا قال ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه لا فائدة للاطالة بها والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رأت أن بن الزبير أرتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله لأحجرن عليها فإن فيه تنقيصا لقدرها ونسبة لها إلى ارتكاب ما لا يجوز من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته كما تقدم التصريح به في أوائل مناقب قريش فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة الثلاثة لعظيم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم فعلى هذا يحمل ما صدر من عائشة وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا مع علمهم بالنهي عن المهاجرة ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم بخلاف الأقارب فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم وإلى هذا أشار بن الزبير في قوله فإنه لا يحل لها قطيعتي أي ان كانت هجرتي عقوبة على ذنبي فليكن لذلك أمد وإلا فتأييد ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم وقد كانت عائشة علمت بذلك لكنها تعارض عندها هذا والنذر الذي التزمته فلما وقع من اعتذار بن الزبير واستشفاعه ما وقع رجح عندها ترك الإعراض عنه واحتاجت إلى التكفير عن نذرها بالعتق الذي تقدم ذكره ثم كانت بعد ذلك يعرض عندها شك في أن التكفير المذكور لا يكفيها فتظهر الأسف على ذلك إما ندما على ما صدر منها من أصل النذر المذكور وإما خوفا من عاقبة ترك الوفاء به والله أعلم

قوله باب ما يجوز من الهجران لمن عصى أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع فتبين هنا السبب المسوغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها قوله وقال كعب أي بن مالك الأنصاري حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا وذكر خمسين ليلة وهذا طرف من الحديث الطويل وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر المغازي وذكر حديث عائشة أني لأعرف غضبك ورضاك وقد تقدم شرحه في باب غيرة النساء ووجدهن في كتاب النكاح قال المهلب غرض البخاري في هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز وأنه يتنوع بقدر الجرم فمن كان من أهل العصيان يستحق الهجران بترك المكالمة كما في قصة كعب وصاحبيه وما كان من المغاضبة بين الأهل والأخوان فيجوز الهجر فيه بترك التسمية مثلا أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام وقال الكرماني لعله أراد قياس هجران من يخالف الأمر الشرعي على هجران اسم من يخالف الأمر الطبيعي وقال الطبري قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعا ولا يشرع هجران الكافر وهو أشد جرما منهما لكونهما من أهل التوحيد في الجملة وأجاب بن بطال بأن لله أحكاما فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لأمره فيها فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه وأجاب غيره بأن الهجران على مرتبتين الهجران بالقلب والهجران باللسان فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر لا سيما إذا كان حربيا وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالبا ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها قال عياض إنما اغتفرت مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم مع ما في ذلك من الحرج لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم معصية كبيرة لأن الحامل لها على ذلك الغيرة التي جبلت عليها النساء وهي لا تنشأ إلا عن فرط المحبة فلما كان الغضب لا يستلزم البغض اغتفر لأن البغض هو الذي يفضي إلى الكفر أو المعصية وقد دل قولها لا أهجر الا اسمك على أن قلبها مملوء بمحبته صلى الله عليه وسلم

[ 5728 ] قوله أجل بوزن نعم ومعناه وقال الأخفش الا أن نعم أحسن من أجل في جواب الاستفهام وأجل أحسن من نعم في التصديق قلت وهي في هذا الحديث على وفق ما قال

قوله باب هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا قيل العشي من الزوال إلى العتمة وقيل إلى الفجر فقال بن فارس العشاء بالفتح والمد الطعام وبالكسر من الزوال إلى العتمة والعشي من الزوال إلى الفجر

[ 5729 ] قوله هشام هو بن يوسف قوله عن معمر وقال الليث حدثني عقيل وفي بعض النسخ ح وقال الليث وهذا التعليق سبق مطولا في باب الهجرة إلى المدينة موصولا عن يحيى بن بكير عن الليث قوله قال بن شهاب فأخبرني عروة كأن هذا سياق معمر وكأنه كان عنده قبل قوله لم أعقل أبوي كلام آخر فعطف هذا عليه وقد وقع عند أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب قال وأخبرني عروة كذا رأيته فيه بالواو وأما رواية عقيل فلفظه في باب الهجرة إلى المدينة عن بن شهاب أخبرني عروة عن عائشة قالت لم أعقل الخ وقد استشكل كون أبي بكر كان يحوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يتكلف المجيء إليه وكان يمكنه هو أن يفعل ذلك وأجاب بن التين بأنه لم يكن يجيء إلى أبي بكر لمجرد الزيارة بل لما يتزايد عنده من علم الله ولم يتضح لي هذا الجواب ويحتمل أن يقال أنه ليس في الخبر ما يمنع أن أبا بكر كان يجيء إليه صلى الله عليه وسلم في الليل والنهار أكثر من مرتين ويحتمل أن يقال كان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء إلى بيت أبي بكر يأمن من أذى المشركين بخلاف ما لو جاء أبو بكر إليه ويحتمل أن يكون منزل أبي بكر كان بين بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبين المسجد فكان يمر به والمقصود المسجد وكان يشهده كلما مر به وقد تقدم شرح الحديث مستوفى بطوله في باب الهجرة إلى المدينة وكأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور زر غبا تزدد حبا وقد ورد من طرق أكثرها غرائب لا يخلو واحد منها من مقال وقد جمع طرقه أبو نعيم وغيره وجاء من حديث علي وأبي ذر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي برزة وعبد الله بن عمر وأنس وجابر وحبيب بن مسلمة ومعاوية بن حيدة وقد جمعتها في جزء مفرد وأقوى طرقه ما أخرجه الحاكم في تاريخ نيسابور والخطيب في تاريخ بغداد والحافظ أبو محمد بن السقاء في فوائده من طريق أبي عقيل يحيى بن حبيب بن إسماعيل بن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن جعفر بن عون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأبو عقيل كوفي مشهور بكنيته قال بن أبي حاتم سمع منه أبي وهو صدوق وذكره بن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وأغرب قلت واختلف عليه في رفعه ووقفه وقد رفعه أيضا يعقوب بن شيبة عن جعفر بن عون رويناه في فوائد أبي محمد بن السقاء أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جده يعقوب واختلف فيه على جعفر بن عون فرواه عبد بن حميد في تفسيره عنه عن أبي حبان الكلبي عن عطاء عن عبيد بن عمير موقوفا في قصة له مع عائشة وأخرجه بن حيان في صحيحه من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت يا عبيد بن عمير ما يمنعك أن تزورنا قال قول الأول زر غبا تزدد حبا فقال عبد الله بن عمير دعونا من بطالتكم هذه وأخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث في صلاته صلى الله عليه وسلم وذكر أبو عبيد في الأمثال بأنه من أمثال العرب وكان هذا الكلام شائعا في المتقدمين فرويناه في فوائد أبي محمد السقاء قال أنشدونا لهلال بن العلاء الله يعلم أنني لك أخلص الثقلين قلبا لكن لقول نبينا زوروا على الأيام غبا ولقوله من زار غبا منكم يزداد حبا قلت وكان يمكنه أن يوجز فيقول لكن لقول نبينا من زار غبا زاد حبا وقد أنشدونا لأبي محمد بن هارون القرطبي راوي الموطأ أقل زيارة الإخوان تزدد عندهم قربا فإن المصطفى قد قال زر غبا تزد حبا قلت ولا منافاة بين هذا الحديث وحديث الباب لأن عمومه يقبل التخصيص فيحمل على من ليست له خصوصية ومودة ثابتة فلا ينقص كثرة زيارته من منزلته قال بن بطال الصديق الملاطف لا يزيده كثرة الزيارة إلا محبة بخلاف غيره

قوله باب الزيارة أي مشروعيتها ومن زار قوما فطعم عندهم أي من تمام الزيارة أن يقدم للزائر ما حضر قاله بن بطال وهو مما يثبت المودة ويزيد في المحبة قلت وقد ورد في ذلك حديث أخرجه الحاكم وأبو يعلى من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير قال دخل على جابر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقدم إليهم خبزا وخلا فقال كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم الأدام الخل انه هلاك بالرجل أن يدخل إليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم وورد في فضل الزيادة أحاديث منها عند الترمذي وحسنه وصححه بن حبان من حديث أبي هريرة رفعه من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا وله شاهد عند البزار من حديث أنس بسند جيد وعند مالك وصححه بن حبان من حديث معاذ بن جبل مرفوعا حقت محبتي للمتزاورين في الحديث وأخرجه أحمد بسند صحيح من حديث عتبان بن مالك وعند الطبراني من حديث صفوان بن عسال رفعه من زار أخاه المؤمن خاض في الرحمة حتى يرجع قوله وزار سلمان أبا الدرداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكل عنده هو طرف من حديث لأبي جحيفة تقدم مستوفى مشروحا في كتاب الصيام

[ 5730 ] قوله عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي قوله زار أهل بيت من الأنصار هم أهل عتبان بن مالك كما مضى في الصلاة من وجه آخر عن أنس بن سيرين بأتم من هذا السياق وأوله قال رجل من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم اني لا أستطيع الصلاة معك وصنع طعاما الحديث وأورده في صلاة الضحى وقصة عتبان وطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته قد تقدمت في الصلاة أيضا مطولة وفيها أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى في بيته تأخر حتى أكل عندهم وفيه قصة مالك بن الدخشم ووقع له صلى الله عليه وسلم نحو القصة التي في هذا الباب في بيت أبي طلحة كما سيأتي في باب كنية الصبي من طريق أبي التياح عن أنس فإن فيه ذكر البساط ونضحه لكن ليس فيه ذكر الطعام نعم في رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته وفيه ذكر نضح الحصير والصلاة بهم لكن ليس في أوله القصة التي في رواية أنس بن سيرين عن أنس أن الرجل قال لا أستطيع الصلاة معك فإن هذا القدر مختص بقصة عتبان فتعين الحمل عليه ووهم من رجح أنه بيت أبي طلحة وفي الحديث استحباب الزيارة ودعاء الزائر لمن زاره وطعم عنده

قوله باب من تجمل للوفود أي حسن هيئته بالملبوس ونحوه لمن يقدم عليه والوفود جمع وافد وهو من يقدم على من له أمر أو سلطان زائرا أو مستوفدا والمراد هنا من قول عمر للوفود من كان يرد على النبي صلى الله عليه وسلم ممن يرسلهم قبائلهم يبايعون لهم على الإسلام ويتعلمون أمور الدين حتى يعلموهم وإنما أورد الترجمة بصورة الاستفهام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر فالظاهر أنه إنما أنكر لبس الحرير بقربنة

[ 5731 ] قوله إنما يلبس هذه ولم ينكر أصل التجمل لكنه محتمل مع ذلك ذكر فيه حديث بن عمر في قصة حلة عطارد وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب اللباس وعبد الصمد في سنده هو بن عبد الوارث وقوله وخشن بفتح الخاء وضم الشين المعجمتين للأكثر ولبعضهم بالمهملتين وشاهد الترجمة منه قول عمر تجمل بها للوفود وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد اعترضها الداودي فقال كان ينبغي أن يقول التجمل للوفود لأنه لا يقال فعل كذا إلا لمن صدر منه الفعل وليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وجوابه أن معنى الترجمة من فعل ذلك متمسكا بما دل عليه الحديث المذكور وقوله في آخر الحديث وكان بن عمر يكره العلم في الثوب لهذا الحديث قال الخطابي مذهب بن عمر في هذا مذهب الورع وكان بن عباس يقول في روايته إلا علما في ثوب وذلك لأن مقدار العلم لا يقع عليه اسم اللبس قال ولو أن رجلا حلف لا يلبس غزل فلانة فأخذ ثوبا فنسج فيه من غزلها ومن غزل غيرها وكان الذي من غزلها لو انفرد لم يبلغ إذا نسج أنه يحصل منه شيء مما يقع على مثله اسم اللبس لم يحنث كذا قال وقد تقدم في كتاب اللباس من رواية أبي عثمان عن عمر في النهي عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع وتقدم شرح ذلك مستوفى هناك

قوله باب الإخاء والحلف بكسر المهملة وسكون اللام وبفتح المهملة وكسر اللام هو المعاهدة وقد تقدم بيانها في أوائل الهجرة قوله آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء هو طرف من الحديث الذي أشرت إليه في الباب الذي قبله وقد تقدم في باب الهجرة إلى المدينة أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين الصحابة وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أنس قال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين بن مسعود والزبير والأحاديث في ذلك كثيرة شهيرة وذكر غير واحد أنه آخى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه مرتين مرة بين المهاجرين فقط ومرة بين المهاجرين والأنصار قوله وقال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو لم ولو بشاة هذا طرف من حديث تقدم موصولا في فضائل الأنصار وقدمت شيئا يتعلق به في أبواب الوليمة

[ 5733 ] قوله حدثنا إسماعيل بن زكريا لمحمد بن الصباح فيه شيخ آخر فإن مسلما أخرجه عنه عن حفص بن غياث عن عاصم قوله عاصم هو بن سليمان الأحول قوله قلت لأنس بن مالك أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا حلف في الإسلام فقال قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري ووقع في رواية أبي داود من رواية سفيان بن عيينة عن عاصم قال سمعت أنس بن مالك يقول حالف فذكره بلفظ المهاجرين بدل قريش فقيل له أليس قال لا حلف في الإسلام قال قد حالف فذكر مثله وزاد مرتين أو ثلاثا وأخرجه مسلم بنحوه مختصرا وعرف من رواية الباب تسمية السائل عن ذلك وذكره المصنف في الاعتصام مختصرا خاليا عن السؤال وزاد في آخره وقنت شهرا يدعو على أحياء من بني سليم وحديث القنوت من طريق عاصم مضى في الوتر وغيره وأما الحديث المسئول عنه فهو حديث صحيح أخرجه مسلم عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة وأخرجه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن أبي أوفى نحوه باختصار وأخرج أيضا أحمد وأبو يعلى وصححه بن حبان والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا شهدت مع عمومتي حلف المطيبين فما أحب أن أنكثه وحلف المطيبين كان قبل المبعث بمدة ذكره بن إسحاق وغيره وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين الناس ونحو ذلك من خلال الخير واستمر ذلك بعد المبعث ويستفاد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنهم استمروا على ذلك في الإسلام وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم وتضمن جواب أنس إنكار صدر الحديث لأن فيه نفي الحلف وفيما قاله هو إثباته ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالما ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدين ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد وقد تقدم حديث بن عباس في نسخ التوارث بين المتعاقدين وذكر الداودي أنهم كانوا يورثون الحليف السدس دائما فنسخ ذلك وقال بن عيينة حمل العلماء قول أنس حالف على المؤاخاة قلت لكن سياق عاصم عنه يقتضي أنه أراد المحالفة حقيقة إلا لما كان الجواب مطابقا وترجمة البخاري ظاهرة في المغايرة بينهما وتقدم في الهجرة إلى المدينة باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وذكر الحديثين المذكورين هنا أولا ولم يذكر حديث الحلف وتقدم ما يتعلق بالمؤاخاة المذكورة هناك قال النووي المنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى فهو أمر مرغب فيه

قوله باب التبسم والضحك قال أهل اللغة التبسم مبادىء الضحك والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فهو الضحك وإن كان بلا صوت فهو التبسم وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ قوله وقالت فاطمة أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضحكت هو طرف من حديث لعائشة عن فاطمة عليها السلام مر بتمامه وشرحه في الوفاة النبوية قوله وقال بن عباس إن الله هو أضحك وأبكى أي خلق في الإنسان الضحك والبكاء وهذا طرف من حديث لابن عباس تقدم في الجنائز وأشار فيه بن عباس بجواز البكاء بغير نياحة إلى قوله تعالى في سورة النجم وأنه هو أضحك وأبكى ثم ذكر في الباب تسعة أحاديث تقدم أكثرها وفي جميعها ذكر التبسم أو الضحك وأسبابها مختلفة لكن أكثرها للتعجب وبعضها للإعجاب وبعضها للملاطفة الأول حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة والغرض منه قولها فيه وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم وقد مر شرحه مستوفى في كتاب الصلاة وقوله

[ 5734 ] فيه وابن سعيد بن العاص جالس وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني وسعيد بن العاص والصواب الأول وهو خالد وقد وقع مسمى فيما مضى الثاني حديث سعد استأذن عمر تقدم شرحه مستوفى في مناقب عمر والغرض منه قوله والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك فقال أضحك الله سنك ويستفاد منه ما يقال للكبير إذا ضحك وإسماعيل شيخه فيه هو بن أبي أويس كما جزم به المزي وقال أبو علي الجياني لعله بن أبي أويس قلت وقد تقدم في فضائل الأنصار حديث قال فيه البخاري حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد وإسماعيل هذا هو بن أبي أويس جزما وهو يؤيد ما جزم به المزي الحديث الثالث حديث عمرو هو بن دينار عن أبي العباس وهو الشاعر عن عبد الله بن عمر كذا للأكثر بضم العين وللحموي وحده هنا عمرو بفتحها والصواب الأول وقد تقدم بيانه في غزوة الطائف مع شرح الحديث والغرض منه هنا

[ 5736 ] قوله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله فيه لا نبرح أو نفتحها قال بن التين ضبطناه بالرفع والصواب النصب لأن أو إذا كانت بمعنى حتى أو إلى أن نصبت وهي هنا كذلك قوله قال الحميدي حدثنا سفيان بالخبر كله تقدم بيان من وصله في غزوة الطائف ووقع في رواية الكشميهني حدثنا سفيان كله بالخبر والمعنى أنه ذكر بصريح الأخبار في جميع السند لا بالعنعنة الحديث الرابع

[ 5737 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل وإبراهيم هو بن سعد قوله حدثنا بن شهاب هذا إنما سمعه إبراهيم بن سعد من الزهري وقد سبق في الحديث الثاني أنه روى عنه بواسطة صالح بن كيسان بينهما وقصة المجامع في رمضان تقدم شرحها في كتاب الصيام وقوله فيه قال إبراهيم هو بن سعد وهو موصول بالسند المذكور وقوله والعرق المكتل فيه بيان لما أدرجه غيره فجعل تفسير العرق من نفس الحديث والغرض منه قوله فضحك حتى بدت نواجذه والنواجذ جمع ناجذة بالنون والجيم والمعجمة هي الاضراس ولا تكاد تظهر إلا عند المبالغة في الضحك ولا منافاة بينه وبين حديث عائشة ثامن أحاديث الباب ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته لأن المثبت مقدم على النافي قاله بن بطال وأقوى منه أن الذي نفته غير الذي أثبته أبو هريرة ويحتمل أن يريد بالنواجذ الأنياب مجازا أو تسامحا وبالإنياب مرة فقد تقدم في الصيام في هذا الحديث بلفظ حتى بدت أنيابه والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم وربما زاد على ذلك فضحك والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه أو الافراط فيه لأنه يذهب الوقار قال بن بطال والذي ينبغي أن يقتدي به من فعله ما واظب عليه من ذلك فقد روى البخاري في الأدب المفرد وابن ماجة من وجهين عن أبي هريرة رفعه لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب الحديث الخامس حديث أنس

[ 5738 ] قوله مالك قال الدارقطني لم أر هذا الحديث عند أحمد من رواة الموطأ إلا عند يحيى بن بكير ومعن بن عيسى ورواه جماعة من رواة الموطأ عن مالك لكن خارج الموطأ وزاد بن عبد البر أنه رواه في الموطأ أيضا مصعب بن عبد الله الزبيري وسليمان بن صرد قلت ولم يخرجه البخاري إلا من رواية مالك وأخرجه مسلم أيضا من رواية الأوزاعي ومن رواية همام ومن رواية عكرمة بن عمار كلهم عن إسحاق بن أبي طلحة وساقه على لفظ مالك وبين بعض لفظ غيره قوله كنت أمشي في رواية الأوزاعي أدخل المسجد قوله وعليه برد في رواية الأوزاعي رداء قوله نجراني بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى نجران بلد معروف بين الحجاز واليمن وتقدم في أواخر المغازي قوله غليظ الحاشية في رواية الأوزاعي الصنفة بفتح المهملة وكسر النون بعدها فاء وهي طرف الثوب مما يلي طرته قوله فأدركه أعرابي زاد همام من أهل البادية وفي رواية الأوزاعي فجاء أعرابي من خلفه قوله فجبذ بفتح الجيم والموحدة بعدها ذال معجمة وفي رواية الأوزاعي فجذب وهي بمعنى جبذ قوله جبذة شديدة في رواية عكرمة حتى رجع النبي صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي قوله قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق في رواية مسلم عنق وكذا عند جميع الرواة عن مالك وكذا في رواية الأوزاعي قوله أثرت فيها في رواية الكشميهني بها وكذا لمسلم من رواية مالك وفي رواية همام حتى انشق البرد وذهبت حاشيته في عنقه وزاد أن ذلك وقع من الأعرابي لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجرته ويجمع بأنه لقيه خارج المسجد فأدركه لما كاد يدخل فكلمه أو مسك بثوبه لما دخل فلما كاد يدخل الحجرة خشي أن يفوته فجبذة قوله مر لي في رواية الأوزاعي أعطنا قوله فضحك في رواية الأوزاعي فتبسم ثم قال مروا له وفي رواية همام وأمر له بشيء وفي هذا الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والاغضاء والدفع بالتي هي أحسن الحديث السادس حديث جرير وهو بن عبد الله البجلي وابن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير وابن إدريس هو عبد الله وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم والجميع كوفيون والغرض منه قوله والغرض منه قوله ولا رأني إلا تبسم وتقدم في المناقب بلفظ إلا ضحك وهما متقاربان والتبسم أوائل الضحك كما تقدم وبقية شرحه هناك الحديث السابع حديث أم سلمة في سؤال أم سليم هل على المرأة من غسل وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة والغرض منه

[ 5740 ] قوله فضحكت أم سلمة لوقوع ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها ضحكها وإنما أنكر عليها إنكارها احتلام المرأة الحديث الثامن

[ 5741 ] قوله عمرو هو بن الحارث المصري وأبو النضر هو سالم قوله مستجمعا قط ضاحكا في رواية الكشميهني مستجمعا ضحكا أي مبالغا في الضحك لم يترك منه شيئا يقال استجمع السيل اجتمع من كل موضع واستجمعت للمرء أموره اجتمع له ما يحبه فعلى هذا قوله ضاحكا منصوب على التمييز وإن كان مشتقا مثل لله دره فارسا أي ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكا تاما مقبلا بكليته على الضحك واللهوات بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم وهذا القدر المذكور طرف من حديث تقدم بتمامه وشرحه في تفسير سورة الأحقاف الحديث التاسع حديث أنس في قصة الذي طلب الاستقاء ثم الاستصحاء والغرض منه ضحكه صلى الله عليه وسلم عند قول القائل غرقنا أورده من وجهين عن قتادة وساقه هنا على لفظ سعيد بن أبي عروبة وساقه في الدعوات على لفظ أبي عوانة ومحمد بن محبوب شيخه هو أبو عبد الله البناني البصري وهو غير محمد بن الحسن الذي لقيه محبوب ووهم من وحدهما كشيخنا بن الملقن فإنه جزم بذلك وزعم أن البخاري روى عنه هنا وروى عن رجل عنه وليس كذلك بل هما اثنان أحدهما في عداد شيوخ الآخر وشيخ البخاري اسمه محمد واسم أبيه محبوب والآخر اسمه محمد واسم أبيه الحسن ومحبوب لقب محمد لا لقب الحسن وقد أخرج له البخاري في كتاب الأحكام حديثا واحدا قال فيه حدثنا محبوب بن الحسن وسبب الوهم أنه وقع في بعض الأسانيد حدثنا محمد بن الحسن محبوب فظنوا أنه لقب الحسن وليس كذلك

قوله باب قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وما ينهى عن الكذب قال الراغب أصل الصدق والكذب في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا كان أو غيره ولا يكونان بالقصد الأول إلا في الخير وقد يكونان في غيره كالاستفهام والطلب والصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه فإن انخرم شرط لم يكن صدقا بل إما أن يكون كذبا أو مترددا بينهما على اعتبارين كقول المنافق محمد رسول الله فإنه يصح أن يقال صدق لكون المخبر عنه كذلك ويصح أن يقال كذب لمخالفة قوله لضميره والصديق من كثر منه الصدق وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق في الاعتقاد ويحصل نحو صدق ظني وفي الفعل نحو صدق في القتال ومنه قد صدقت الرؤيا اه ملخصا وقال بن التين اختلف في قوله مع الصادقين فقيل معناه مثلهم وقيل منهم قلت وأظن المصنف لمح بذكر الآية إلى قصة كعب بن مالك وما أداء صدقه في الحديث إلى الخير الذي ذكره في الآية بعد أن وقع له ما وقع من ترك المسلمين كلامه تلك المدة حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت ثم من الله عليه بقبول توبته وقال في قصته ما أنعم الله علي من نعمة بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي أن لا أكون كذبت فأهلك كما هلك الذين كذبوا وقال الغزالي الكذب من قبائح الذنوب وليس حراما لعينه بل لما فيه من الضرر ولذلك يؤذن فيه حيث يتعين طريقا إلى المصلحة وتعقب بأنه يلزم أن يكون الكذب إذا لم ينشأ عنه ضرر مباحا وليس كذلك ويمكن الجواب بأنه يمنع من ذلك حسما للمادة فلا يباح منه إلا ما يترتب عليه مصلحة فقد أخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن أبي بكر الصديق قال الكذب يجانب الإيمان وأخرجه عنه مرفوعا وقال الصحيح موقوف وأخرج البزار من حديث سعد بن أبي وقاص رفعه قال يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب وسنده قوي وذكر الدارقطني في العلل أن الأشبه أنه موقوف وشاهد المرفوع من مرسل صفوان بن سليم في الموطأ قال بن التين ظاهره يعارض حديث بن مسعود والجمع بينهما حمل حديث صفوان على المؤمن الكامل

[ 5743 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وأما جرير المذكور في ثالث أحاديث الباب فهو بن حازم قوله إن الصدق يهدي بفتح أوله من الهداية وهي الدلالة الموصلة إلى المطلوب هكذا وقع أول الحديث من رواية منصور عن أبي وائل ووقع في أوله من رواية الأعمش عن أبي وائل عند مسلم وأبي داود والترمذي عليكم بالصدق فإن الصدق وفيه وإياكم والكذب فإن الكذب الخ قوله الى البر بكسر الموحدة أصله التوسع في فعل الخير وهو اسم جامع للخيرات كلها ويطلق على العمل الخالص الدائم قوله وإن البر يهدي إلى الجنة قال بن بطال مصداقه في كتاب الله تعالى ان الأبرار لفي نعيم قوله وان الرجل ليصدق زاد في رواية الأعمش ويتحرى الصدق وكذا زادها في الشق الثاني قوله حتى يكون صديقا في رواية الأعمش حتى يكتب عند الله صديقا قال بن بطال المراد أنه يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق قوله ان الكذب يهدي إلى الفجور قال الراغب أصل الفجر الشق فالفجور شق ستر الديانة ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى الانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع للشر قوله ان الرجل ليكذب حتى يكتب في رواية الكشميهني يكون وهو وزن الأول والمراد بالكتابة الحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض وقد ذكره مالك بلاغا عن بن مسعود وزاد فيه زيادة مفيدة ولفظه لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكث في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين قال النووي قال العلماء في هذا الحديث حث على تحري الصدق وهو قصده والاعتناء به وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فيعرف به قلت والتقييد بالتحري وقع في رواية أبي الأحوص عن منصور بن المعتمر عند مسلم ولفظه وإن العبد ليتحرى الصدق وكذا قال في الكذب وعنده أيضا في رواية الأعمش عن شقيق وهو أبو وائل وأوله عنده عليكم بالصدق وفيه وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق وقال فيه وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب فذكره وفي هذه الزيادة إشارة إلى أن من توقى الكذب بالقصد الصحيح إلى الصدق صار له الصدق سجية حتى يستحق الوصف به وكذلك عكسه وليس المراد أن الحمد والذم فيهما يختص بمن يقصد إليهما فقط وإن كان الصادق في الأصل ممدوحا والكاذب مذموما ثم قال النووي وأعلم أن الموجود في نسخ البخاري ومسلم في بلادنا وغيرها أنه ليس في متن الحديث إلا ما ذكرناه قاله القاضي عياض وكذا نقله الحميدي ونقل أبو مسعود عن كتاب مسلم في حديث بن مثنى وابن بشار زيادة وهي أن شر الروايا روايا الكذب لأن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا يعد الرجل صبيه ثم يخلفه فذكر أبو مسعود أن مسلما روى هذه الزيادة في كتابه وذكرها أيضا أبو بكر البرقاني في هذا الحديث قال الحميدي وليست عندنا في كتاب مسلم والروايا جمع روية بالتشديد وهو ما يتروى فيه الإنسان قبل قوله أو فعله وقيل هو جمع راوية أي للكذب والهاء للمبالغة قلت لم أر شيئا من هذا في الأطراف لأبي مسعود ولا في الجمع بين الصحيحين للحميدي فلعلهما ذكراه في غير هذين الكتابين ثم ذكر حديث أبي هريرة آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان وطرفا من حديث سمرة في المنام الطويل المقدم ذكره وشرحه في كتاب الجنائز وفيه الذي رأيته يشق شدقه الكذاب قال بن بطال إذا كرر الرجل الكذب حتى استحق اسم المبالغة بالوصف بالكذب لم يكن من صفات كملة المؤمنين بل من صفات المنافقين يعني فلهذا عقب البخاري حديث بن مسعود بحديث أبي هريرة قلت وحديث أبي هريرة المذكور هنا في صفة المنافق يشمل الكذب في القول والفعل والقصد الأول في حديثه والثاني في إمارته والثالث في وعده قال وأخبر في حديث سمرة بعقوبة الكاذب بأنه يشق شدقه وذلك في موضع المعصية وهو فمه الذي كذب به قلت ومناسبته للحديث الأول أن عقوبة الكاذب أطلقت في الحديث الأول بالنار فكان في حديث سمرة بيانها قوله في حديث سمرة

[ 5745 ] قالا الذي رأيته يشق شدقه فكذاب هكذا وقع بالفاء واستشكل بأن الموصول الذي يدخل خبره الفاء يشترط أن يكون مبهما عاما وأجاب بن مالك بأنه نزل المعين المبهم منزلة العام إشارة إلى اشتراك من يتصف بذلك في العقاب المذكور والله أعلم

قوله باب الهدي الصالح بفتح الهاء وسكون الدال هو الطريقة الصالحة وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد من وجهين من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس رفعه الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة وفي الطريق الأخرى جزء من سبعين جزءا من النبوة وأخرجه أبو داود وأحمد باللفظ الأول وسنده حسن وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن بن عباس بلفظ خمسة وأربعين وسنده ضعيف وستأتي الإشارة إلى طريق الجمع بين هذه الروايات في التعبير في شرح حديث الرؤيات الصالحة قال التوربشتي الاقتصاد على ضربين أحدهما ما كان متوسطا بين محمود ومذموم كالتوسط بين الجور والعدل وهذا المراد بقوله تعالى ومنهم مقتصد وهذا محمود ومذموم بالنسبة والثاني متوسط بين طرفي الافراط والتفريط كالجود فإنه متوسط بين الإسراف والبخل وكالشجاعة فإنها متوسطة بين التهور والجبن وهذا هو المراد في الحديث

[ 5746 ] قوله حدثني إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه ونص البخاري لفظه ولكنه حذف من آخره قول أبي أسامة وهو ثابت في مسند إسحاق فقال في آخر الحديث فأقر به أبو أسامة وقال نعم وشقيق هو أبو وائل قوله دلا بفتح المهملة وتشديد اللام هو حسن الحركة في المشي والحديث وغيرهما ويطلق أيضا على الطريق قوله وسمتا بفتح المهملة وسكون الميم هو حسن المنظر في أمر الدين ويطلق أيضا على القصد في الأمر وعلى الطريق والجهة قوله وهديا قال أبو عبيد الهدى والدل متقاربان يقال في السكينة والوقار وفي الهيبة والمنظر والشمائل قال والسمت يكون في حسن الهيئة والمنظر من جهة الخير والدين لا من جهة الجمال والزينة ويطلق على الطريق وكلاهما جيد بأن يكون له هيئة أهل الخير على طريقة أهل الإسلام قوله لابن أم عبد بفتح اللام وهي تأكيد بعد التأكيد بأن المكسورة التي في أول الحديث وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود ووقع في رواية محمد بن عبيد عن الأعمش عند الإسماعيلي بلفظ عبد الله بن مسعود وفي الحديث فضيلة لابن مسعود جليلة لشهادة حذيفة له بأنه أشد الناس شبها برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخصال وفيه توقى حذيفة حيث قال من حين يخرج إلى أن يرجع فإنه اقتصر في الشهادة له بذلك على ما يمكنه مشاهدته وإنما قال لا أدري ما يصنع في أهله لأنه جوز أن يكون إذا خلا يكون في انبساطه لأهله يزيد أبو ينقص عن هيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله ولم يرد بذلك اثبات نقص في حق عبد الله رضي الله عنه وقد أخرج أبو عبيد في غريب الحديث أن أصحاب عبد الله بن مسعود كانوا ينظرون إلى سمته وهديه ودله فيتشبهون به فكأن الحامل لهم على ذلك حديث حذيفة وأخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق زيد بن وهب سمعت بن مسعود قال اعلموا أن حسن الهدى في آخر الزمان خير من بعض العمل وسنده صحيح ومثله لا يقال من قبل الرأي فكأن بن مسعود لأجل هذا كان يحرص على حسن الهدى وقد استشكل الداودي الشارح بقول حذيفة في بن مسعود قول مالك كان عمر أشبه الناس بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشبه الناس بعمر ابنه عبد الله وبعبد الله ابنه سالم قال الداودي وقول حذيفة يقدم على قول مالك ويمكن الجمع باختلاف متعلق الشبه بحمل شبة بن مسعود بالسمت وما ذكر معه وقول مالك بالقوة في الدين ونحوها ويحتمل أن تكون مقالة حذيفة وقعت بعد موت عمر ويؤيد قول مالك ما أخرج البخاري في كتاب رفع اليدين عن جابر قال لم يكن أحد منهم ألزم لطريق النبي صلى الله عليه وسلم من عمر وفي السنن ومستدرك الحاكم عن عائشة قالت ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة عليها السلام قلت ويجمع بالحمل في هذا على النساء وأخرج أحمد عن عمر من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود قلت ويجمع بالحمل على من بعد الصحابة وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حج عمرو بن الأسود فرآه بن عمر يصلي فقال ما رأيت أشبه صلاة ولا هديا ولا خشوعا ولا لبسة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الرجل انتهى وعمرو المذكور

[ 5747 ] قوله عن مخارق هو بن عبد الله ويقال بن خليفة الأحمسي وطارق هو بن شهاب الأحمسي قوله قال قال عبد الله في رواية الإسماعيلي كان عبد الله يقول وعبد الله هو بن مسعود وجزم بن بطال بان عبد الله هذا هو بن عمر فوهم في ذلك قوله أن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد هو بفتح الهاء كما في الترجمة وروى بضمها ضد الضلال زاد أبو خليفة عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه في آخره وشر الأمور محدثاتها وان ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين أخرجه أبو نعيم في المستخرج وسيأتي في كتاب الاعتصام من وجه آخر عن بن مسعود وفيه هذه الزيادة بلفظها وسأذكر شرحها هناك إن شاء الله تعالى هكذا رأيت هذا الحديث في جميع الطرق موقوفا وقد ورد بعضه مرفوعا من طريق أبي الأحوص عن بن مسعود أخرجه أصحاب السنن وجاء أكثره مرفوعا من حديث جابر أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد وابن ماجة وغيرهم من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بألفاظ مختلفة منها لأحمد عن يحيى القطان عن جعفر به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته بعد التشهد ان أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد قال يحيى ولا أعلمه إلا قال وشر الأمور محدثاتها الحديث وفي لفظ لمسلم من طريق عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد في أثناء حديث قال فيه ويقول أما بعد إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة الحديث

قوله باب الصبر في الأذى أي حبس النفس عن المجازاة على الأذى قولا أو فعلا وقد يطلق على الحلم وقول الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال بعض أهل العلم الصبر على الأذى جهاد النفس وقد جبل الله الأنفس على التألم بما يفعل بها ويقال فيها ولهذا شق على النبي صلى الله عليه وسلم نسبتهم له إلى الجور في القسمة لكنه حلم عن القائل فصبر لما علم من جزيل ثواب الصابرين وأن الله تعالى يأجره بغير حساب والصابر أعظم أجرا من المنفق لأن حسنته مضاعفة إلى سبعمائة والحسنة في الأصل بعشر أمثالها إلا من شاء الله أن يزيده وقد تقدم في أوائل الإيمان حديث بن مسعود الصبر نصف الإيمان وقد ورد في فضل الصبر على الأذى حديث ليس على شرط البخاري وهو ما أخرجه بن ماجة بسند حسن عن بن عمر رفعه المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم وأخرجه الترمذي من حديث صحابي لم يسم قوله حديث أبي موسى ليس أحد أو ليس شيء هو شك من الراوي وقد أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد بسند البخاري وقال فيه أحد بغير شك قوله أصبر على أذى هو بمعنى الحلم أو أطلق الصبر لأنه بمعنى الحبس والمراد به حبس العقوبة على مستحقها عاجلا وهذا هو الحلم قوله على أذى سمعه من الله قد بينه في بقية الحديث وهو أنهم يشركون به ويرزقهم وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى قوله قال عبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية سفيان عن الأعمش الماضية في باب من أخبر صاحبه بما يعلم بلفظ عن بن مسعود

[ 5749 ] قوله قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسما في رواية شعبة عن الأعمش أنها قسمة غنائم حنين وفي رواية منصور عن أبي وائل لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصين مائة من الإبل وأعطى ناسا من أشراف العرب وقد تقدم إيضاح ذلك في غزوة حنين قوله فقال رجل من الأنصار تقدمت تسميته في غزوة حنين والرد على من زعم أنه حرقوص بن زهير قوله والله أنها لقسمة ما أريد بها وجه الله قد تقدم في غزوة حنين من وجه آخر بلفظ ما أراد على البناء للفاعل وفي رواية منصور ما عدل فيها وهو بضم أوله على البناء للمجهول قوله قلت أما لأقولن قال بن التين هي بتخفيف الميم ووقع في رواية أما بتشديدها وليس ببين قلت وقع للكشميهني أم بغير ألف وهو يؤيد التخفيف ويوجه التشديد على أن في الكلام حذفا تقديره أما إذ قلت ذلك لأقولن قوله فشق ذلك عليه وتغير وجهه قد تقدم بأكثر من عشرة أبواب بلفظ فتمعر وجهه وهو بالعين المهملة ويجوز بالمعجمة قوله حتى وددت أني لم أكن في رواية أن بفتح وتخفيف قوله ثم قال قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر في رواية شعبة عن الأعمش يرحم الله موسى قد أوذى فذكره وزاد في رواية منصور فقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى الحديث وفي هذا الحديث جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم ليحذروا القائل وفيه بيان ما يباح من الغيبة والنميمة لأن صورتهما موجودة في صنيع بن مسعود هذا ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن قصد بن مسعود كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وأعلامه بمن يطعن فيه ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن من كيدهم وقد أرتكب الرجل المذكور بما قال إثما عظيما فلم يكن له حرمة وفيه أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى عليه السلام وأشار بقوله قد أوذي موسى إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى قد حكى في صفة إذا هم له ثلاث قصص إحداها قولهم هو آدر وقد تقدم ضبط ذلك وشرحه في قصة موسى من أحاديث الأنبياء ثانيها في قصة موت هارون وقد أوضحته أيضا في قصة موسى ثالثها في قصته مع قارون حيث أمر البغي أن تزعم أن موسى راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون وقد تقدم ذلك في قصة قارون في آخر أخبار موسى من أحاديث الأنبياء

قوله باب من لم يواجه الناس بالعتاب أي حياء منهم

[ 5750 ] قوله مسلم هو بن صبيح أبو الضحى ووهم من زعم أنه بن عمران البطين وقد أخرجه مسلم من طريق جرير عن الأعمش فقال عن أبي الضحى ومن طريق حفص بن غياث التي أخرجها البخاري من طريقه فقال نحو جرير ومن طريق عيسى بن يونس عن الأعمش كذلك ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم قوله صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فترخص فيه في رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أمر قوله فتنزه عنه قوم في رواية مسلم من طريق جرير عن الأعمش فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا قوله فخطب في رواية أبي معاوية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب حتى بان الغضب في وجهه قوله ما بال أقوام في رواية جرير ما بال رجال قال بن بطال هذا لا ينافي الترجمة لأن المراد بها المواجهة مع التعيين كأن يقول ما بالك يا فلان تفعل كذا وما بال فلان يفعل كذا فأما مع الإبهام فلم تحصل المواجهة وأن كانت صورتها موجودة وهي مخاطبة من فعل ذلك لكنه لما كان من جملة المخاطبين ولم يميز عنهم صار كأنه لم يخاطب قوله يتنزهون عن الشيء أصنعه في رواية جرير بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه وفي رواية أبي معاوية يرغبون عما رخص لي فيه قوله فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية جمع بين القوة العلمية والقوة العملية أي أنهم توهموا أن رغبتهم عما أفعل أقرب لهم عند الله وليس كذلك إذ هو أعلمهم بالقربة وأولاهم بالعمل بها وقد تقدم معنى هذا الحديث في كتاب الإيمان في رواية هشام بن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون الحديث وفيه فيغضب ثم يقول إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا وقد أوضحت شرحه هناك وذكرت فيه أن الحديث من أفراد هشام عن أبيه عروة عن عائشة وطريق مسروق هذه متابعة جيدة لأصل هذا الحديث قال بن بطال كان النبي صلى الله عليه وسلم رفيفا بأمته فلذلك خفف عنهم العتاب لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من الأخذ بالشدة ولو كان ذلك حراما لأمرهم بالرجوع إلى فعله قلت أما المعاتبة فقد حصلت منه لهم بلا ريب وإنما لم يميز الذي صدر منه ذلك سترا عليه فحصل منه الرفق من هذه الحيثية لا بترك العتاب أصلا وأما استدلاله بكون ما فعلوه غير حرام فواضح من جهة أنه لم يلزمهم بفعل ما فعله هو وفي الحديث الحث على الافتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذم التعمق والتنزه عن المباح وحسن العشرة عند الموعظة والانكار والتلطف في ذلك ولم أعرف أعيان القوم المشار إليهم في هذا الحديث ولا شيء الذي ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت ما يمكن أن يعرف به ذلك وهو ما أخرجه مسلم في كتاب الصيام من وجه آخر عن عائشة أن رجلا قال يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إني أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي ونحو هذا في حديث أنس المذكور في كتاب النكاح أن ثلاثة رهط سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في السر الحديث وفيه قولهم وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وفيه قوله لهم والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء وثالث أحاديث الباب حديث أبي سعيد يأتي في باب الحياء بعد أربعة أبواب وقد تقدم شرحه أيضا في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم قال بن بطال يستفاد منه الحكم بالدليل لأنهم جزموا بأنهم كانوا يعرفون ما يكرهه بتغير وجهه ونظيره أنهم كانوا يعرفون أنه يقرأ في الصلاة باضطراب لحيته كما تقدم في موضعه

قوله باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال كذا قيد مطلق الخبر بما إذا صدر ذلك بغير تأويل من قائله واستدل لذلك في الباب الذي يليه

[ 5752 ] قوله حدثنا محمد وأحمد بن سعيد قالا حدثنا عثمان بن عمر أما محمد فهو بن يحيى الذهلي وأما أحمد بن سعيد فهو بن سعيد بن صخر أبو جعفر الدارمي جزم بذلك أبو نصر الكلاباذي قوله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة كذا في رواية الجميع بالعنعنة قوله عن أبي هريرة في رواية عكرمة بن عمار المعلقة أنه سمع أبا هريرة قوله إذا قال الرجل لأخيه يا كافر تقدم شرحه في باب ما ينهى عنه من السباب واللعن قوله وقال عكرمة بن عمار عن يحيى هو بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد هو المدني مولى الأسود بن سفيان وليس له في البخاري سوى هذا الحديث المعلق وحديث آخر موصول مضى في التفسير قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني بهذا الحديث وقد وصله الحارث بن أبي أسامة في مسنده وأبو نعيم في المستخرج من طريقه عن النضر بن محمد اليماني عن عكرمة بن عمار به وقد أخرج مسلم في كتاب الإيمان من طريق النضر بن محمد عن عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة حديثا غير هذا ليس فيه بين يحيى وأبي سلمة واسطة وأخرج الإسماعيلي حديث الباب من رواية أبي حذيفة عن عكرمة بن عمار بهذا السند وقال إنه موقوف لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه انتهى وقد رفعه النضر بن محمد عن عكرمة كما ترى ودل صنيع البخاري على أن زيادة عبد الله بن يزيد بين يحيى وأبي سلمة في هذه الرواية المعلقة لم تقدح في رواية علي بن المبارك عن يحيى بدون ذكر عبد الله بن يزيد عنده إما لاحتمال أن يكون يحيى سمعه من أبي سلمة بواسطة ثم سمعه من أبي سلمة وإما أن يكون لم يعتد بزيادة عكرمة بن عمار لضعف حفظه عنده وقد استدرك الدارقطني عليه إخراجه لرواية علي بن المبارك وقال يحيى بن أبي كثير مدلس وقد زاد فيه عكرمة رجلا والحق أن مثل هذا لا يتعقب به البخاري لأنه لم تخف عليه العلة بل عرفها وأبرزها وأشار إلى أنها لا تقدح وكأن ذلك لأن أصل الحديث معروف ومتنه مشهور مروي من عدة طرق فيستفاد منه أن مراتب العلل متفاوته وأن ما ظاهره القدح منها إذا انجبر زال عنه القدح والله أعلم ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في المعنى وحديث ثابت بن الضحاك كذلك وتقدم شرحهما في الباب المشار إليه قال بن بطال كنت أسأل المهلب كثيرا عن هذا الحديث لصعوبته فيجيبني بأجوبة مختلفة والمعنى واحد قال قوله فهو كما قال يعني فهو كاذب لا كافر إلا أنه لما تعمد الكذب الذي حلف عليه والتزم الملة التي حلف بها قال عليه السلام فهو كما قال من التزام تلك الملة أن صح قصده بكذبه إلى التزامها في تلك الحالة لا في وقت ثان إذا كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له قلت وحاصله أنه لا يصير بذلك كافرا وإنما يكون كالكافر في حال حلفه بذلك خاصة وسيأتي أن غيره حمل الحديث على الزجر والتغليظ وأن ظاهره غير مراد وفيه غير ذلك من التأويلات

قوله باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا أي بالحكم أو بحال المقول فيه قوله وقال عمر لحاطب بن أبي بلتعة إنه نافق كذا للأكثر بلفظ الفعل الماضي وفي رواية الكشميهني منافق باسم الفاعل وهذا طرف من حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة وقد تقدم موصولا مع شرحه في تفسير سروة الممتحنة ثم ذكر حديث جابر في قصة معاذ بن جبل حيث طول في صلاة الصبح ففارقه الرجل فصلى وحده فقال معاذ أنه منافق وقد تقدم شرحه مستوفى في صلاة الجماعة ومحمد بن عبادة شيخ البخاري فيه أبوه بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة وقوله

[ 5755 ] فتجوز رجل بالجيم والزاي للجميع وحكى بن التين أنه روى بالحاء المهملة أي انحاز فصلى وحده

[ 5756 ] قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه وأبو المغيرة هو عبد القدوس بن الحجاج الحمصي وهو من شيوخ البخاري قد حدث عنه كثيرا بلا واسطة وتقدم الحديث في تفسير سورة النجم مع شرحه ووجه دخوله في هذا الباب واضح قال بن بطال عن المهلب أمره صلى الله عليه وسلم للحالف باللات والعزى بقوله لا إله إلا الله خشية أن يستديم حاله على ما قال فيخشى عليه من حبوط عمله فيما نطق به من كلمة الكفر بعد الإيمان قال ومثله قوله لا يزني حين يزني وهو مؤمن فنفى عنه الإيمان في حالة الزنا خاصة انتهى وقال في موضع آخر ليس في هذا الحديث إطلاق الحلف بغير الله وإنما فيه تعليم من نسي أو جهل فحلف بذلك أن يبادر إلى ما يكفر عنه ما وقع فيه وحاصله أنه أرشد من تلفظ بشيء مما لا ينبغي له التلفظ به أن يبادر إلى ما يرفع الحرج عن القائل أن لو قال ذلك قاصدا إلى معنى ما قال وقد قدمت توجيه هذا في شرح الحديث المذكور ومناسبة الأمر بالصدقة لمن قال أقامرك من حيث أنه أراد إخراج المال في الباطل فأمر بأخراجه في الحق ثم ذكر المصنف حديث بن عمر في حلف عمر بأبيه وفيه النهي عن ذلك وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأيمان والنذور وقصد بذكره هنا الإشارة إلى ما ورد في بعض طرفه من حلف بغير الله فقد أشرك لكن لما كان حلف عمر بذلك قبل أن يسمع النهي كان معذورا فيما صنع فلذلك اقتصر على نهيه ولم يؤاخذه بذلك لأنه تأول أن حق أبيه عليه يقتضي أنه يستحق أن يحلف به فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يحب لعبده أن يحلف بغيره والله أعلم

قوله باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى وقال الله تعالى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم كأنه يشير إلى أن الحديث الوارد في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبر على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يتمثل فيه أمر الله من الشدة وذكر فيه خمسة أحاديث تقدمت كلها وفي كل منها ذكر غضب النبي صلى الله عليه وسلم في أسباب مختلفة مرجعها إلى أن ذلك كان في أمر الله وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد في الزجر عنها الحديث الأول حديث عائشة في القرام وقد تقدم شرحه في اللباس ويسرة شيخه بفتح الياء المثناة من تحت والمهملة الثاني حديث أبي مسعود في قصة تطويل الإمام في صلاة الغداة وتقدم شرحه في صلاة الجماعة الثالث حديث بن عمر في النخامة في القبلة وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الصلاة وقوله

[ 5760 ] حيال وجهه بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة أي تلقاءه الرابع حديث زيد بن خالد في اللقطة وتقدم شرحه هناك الخامس حديث زيد بن ثابت أحتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة وقد تقدم شرحه في أبواب الإمامة وحجيرة تصغير حجرة بالراء وقد تقدم فيه رواية بالزاي ويقال بفتح أوله وكسر ثانيه والخصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة ثم فاء ما يتخذ من خوص المقل أو النخل وقوله

[ 5762 ] فيه وقال المكي هو بن إبراهيم البلخي أحد مشايخه وقد وصله أحمد والدارمي في مسنديهما عن المكي بن إبراهيم بتمامه ومحمد بن زياد شيخه في الطريق الثانية هو الزيادي ماله في البخاري سوى هذا الحديث قال الكلاباذي أخرج له شبة المقرون وكذا قال بن عدي روى له ما له استشهادا وكانت وفاته قبل البخاري بقليل مات في حدود الخمسين ويقال سنة اثنتين وخمسين ذكر ذلك الدمياطي في حواشيه ومحمد بن جعفر هو غندر وعبد الله بن سعيد هو بن أبي هند وسياق الحديث في هذا الباب على لفظ محمد بن جعفر والغرض منه قوله فخرج عليهم مغضبا والظاهر أن غضبه لكونهم اجتمعوا بغير أمره فلم يكتفوا بالإشارة منه لكونه لم يخرج عليهم بل بالغوا فحصبوا بابه وتتبعوه أو غضب لكونه تأخر اشفاقا عليهم لئلا تفرض عليهم وهم يظنون غير ذلك وأبعد من قال صلى في مسجده بغير أمره وقوله في آخره أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة دال على أن المراد بالصلاة أي في قوله في الحديث الآخر اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا صلاة النافلة وحكى بن التين عن قوم أنه يستحب أن يجعل في بيته من فريضة وزيفه بحديث الباب والله أعلم

قوله باب الحذر من الغضب لقوله تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون وقوله عز وجل الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ الآية كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى قوله المحسنين وكأنه أشار بالآية الثانية إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الأول في الباب فعند أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال ما هذا قالوا فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه قال أفلا أدلكم على من هو أشد منه رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه رواه البزار بسند حسن وليس في الآيتين دلالة على التحذير من الغضب إلا أنه لما ضم من يكظم غيظه إلى من يجتنب الفواحش كان في ذلك إشارة إلى المقصود

[ 5763 ] قوله ليس الشديد بالصرعة بضم الصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الناس كثيرا بقوته والهاء للمبالغة في الصفة والصرعة بسكون الراء بالعكس وهو من يصرعه غيره كثيرا وكل ما جاء بهاذ الوزن بالضم وبالسكون فهو كذلك كهمزة ولمزة وحفظة وخدعة وضحكة ووقع بيان ذلك في حديث بن مسعود عند مسلم وأوله ما تعدون الصرعة فيكم قالوا الذي لا يصرعه الرجال قال بن التين ضبطناه بفتح الراء وقرأه بعضهم بسكونها وليس بشيء لأنه عكس المطلوب قال وضبط أيضا في بعض الكتب بفتح الصاد وليس بشيء قوله إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب في رواية أحمد من حديث رجل لم يسمه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصرعة كل الصرعة كررها ثلاثا الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه فيصرع غضبه الحديث الثاني حديث سليمان بن صرد تقدم شرحه في باب السباب واللعن الحديث الثالث

[ 5765 ] قوله حدثني يحيى بن يوسف هو الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم لم أر له في البخاري رواية إلا عن أبي بكر بن عياش وأبو حصين بفتح أوله قوله عن أبي صالح عن أبي هريرة خالفه الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي سعيد أخرجه مسدد في مسنده عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وهو على شرط البخاري أيضا لولا عنعنة الأعمش قوله ان رجلا هو جارية بالجيم بن قدامة أخرجه أحمد وابن والطبراني من حديثه مبهما ومفسرا ويحتمل أن يفسر بغيره ففي الطبراني من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله قل لي قولا أنتفع به وأقلل قال لا تغضب ولك الجنة وفيه عن أبي الدرداء قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب وفي حديث بن عمر عند أبي يعلى قلت يا رسول الله قل لي قولا وأقلل لعلي أعقله قوله أوصني في حديث أبي الدرداء دلني على عمل يدخلني الجنة وفي حديث بن عمر عند أحمد ما يباعدني من غضب الله زاد أبو كريب عن أبي بكر بن عياش عند الترمذي ولا تكثر علي لعلي أعيه وعند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه قوله فردد مرارا أي ردد السؤال يلتمس أنفع من ذلك أو أبلغ أو أعم فلم يزده على ذلك قوله قال لا تغضب في رواية أبي كريب كل ذلك يقول لا تغضب وفي رواية عثمان بن أبي شيبة قال لا تغضب ثلاث مرات وفيها بيان عدد المرار وقد تقدم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه وأنه كان لا يراجع بعد ثلاث وزاد أحمد وابن حبان في رواية عن رجل لم يسم قال تفكرت فيما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله قال الخطابي معنى قوله لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة وقال غيره ما كان من قبيل الطبع الحيواني لا يمكن دفعه فلا يدخل في النهي لأنه من تكليف المحال وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد وقيل معناه لا تغضب لأن أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكبر لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب فالذي يتواضع حتى يذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب وقيل معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب وقال بن بطال في الحديث الأول أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة وقال غيره لعل السائل كان غضوبا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كل أحد بما هو أولى به فلهذا اقتصر في وصيته له على ترك الغضب وقال بن التين جمع صلى الله عليه وسلم في قوله لا تغضب خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنه الرفق وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين وقال البيضاوي لعله لما رأى أن جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته ومن غضبه وكانت شهوة السائل مكسورة فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغضب الذي هو أعظم ضررا من غيره وأنه إذا ملك نفسه عند حصوله كان قد قهر أقوى أعدائه انتهى ويحتمل أن يكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى لأن أعدى عدو الشخص شيطانه ونفسه والغضب إنما ينشأ عنهما فمن جاهدهما حتى يغلبهما مع ما في ذلك من شدة المعالجة كان لقهر نفسه عن الشهوة أيضا أقوى وقال بن حبان بعد أن أخرجه أراد لا تعمل بعد الغضب شيئا مما نهيت عنه لا أنه نهاه عن شيء جبل عليه ولا حيلة له في دفعه وقال بعض العلماء خلق الله الغضب من النار وجعله غريزة في الإنسان فمهما قصد أو نوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم لأن البشرة تحكى لون ما وراءها وهذا إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفر اللون حزنا وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن كتغير اللون والرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن غير ترتيب واستحالة الخلقة حتى لو رأى الغضبان نفسه في حال غضبه لكان غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته هذا كله في الظاهر وأما الباطن فقبحه أشد من الظاهر لأنه يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار السوء على اختلاف أنواعه بل أولى شيء يقبح منه باطنه وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه وهذا كله أثره في الجسد وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب ويظهر أثر الغضب أيضا في الفعل بالضرب أو القتل وإن فات ذلك بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم خده وربما سقط صريعا وربما أغمى عليه وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة ومن تأمل هذه المفاسد عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة من قوله صلى الله عليه وسلم لا تغضب من الحكمة واستجلاب المصلحة في درء المفسدة مما يتعذر احصاؤه والوقوف على نهايته وهذا كله في الغضب الدنيوي لا الغضب الديني كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله ويعين على ترك الغضب استحضار ما جاء في كظم الغيظ من الفضل وما جاء في عاقبة ثمرة الغضب من الوعيد وأن يستعيذ من الشيطان كما تقدم في حديث سليمان بن صرد وأن يتوضأ كما تقدمت الإشارة إليه في حديث عطية والله أعلم وقال الطوفي أقوى الأشياء في دفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي وهو أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره فهو آلة له فمن توجه إليه بمكروه من جهة غيره فاستحضر أن الله لو شاء لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه لأنه لو غضب والحالة هذه كان غضبه على ربه جل وعلا وهو خلاف العبودية قلت وبهذا يظهر السر في أمره صلى الله عليه وسلم الذي غضب بأن يستعيذ من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة به من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر وإذا استمر الشيطان متلبسا متمكنا من الوسوسة لم يمكنه من استحضار شيء من ذلك والله أعلم

قوله باب الحياء بالمد تقدم تعريفه في أول كتاب الإيمان ووقع لابن دقيق العيد في شرح العمدة أن أصل الحياء الامتناع ثم استعمل في الانقباض والحق ان الامتناع من لوازم الحياء ولازم الشيء لا يكون أصله ولما كان الامتناع لازم الحياء كان في التحريض على ملازمة الحياء حض على الامتناع عن فعل ما يعاب والحياء بالقصر المطر وذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول

[ 5766 ] قوله عن قتادة كذا قال أكثر أصحاب شعبة وخالفهم شبابة بن سوار فقال عن شعبة عن خالد بن رباح بدل قتادة أخرجه بن منده ووقع نظير هذه القصة عن عمران بن حصين أيضا للعلاء بن زياد أخرجه بن المبارك في كتاب البر والصلة قوله عن أبي السوار بفتح المهملة وتشديد الواو وبعد الألف راء اسمه حريث على الصحيح وقيل حجير بن الربيع وقيل غير ذلك ووقع في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عند مسلم سمعت أبا السوار قوله الحياء لا يأتي إلا بخير في رواية خالد بن رباح عن أبي السوار عند أحمد وكذلك في رواية أبي قتادة العدوي عن عمران عند مسلم الحياء خير كله وللطبراني من حديث قرة بن إياس قيل لرسول الله الحياء من الدين فقال بل هو الدين كله وللطبراني من وجه آخر عن عمران بن حصين الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة قوله بشير بن كعب بالموحدة والمعجمة مصغر تابعي جليل يأتي ذكره في الدعوات قوله مكتوب في الحكمة في رواية محمد بن جعفر أنه مكتوب في الحكمة وفي رواية أبي قتادة العدوي عند مسلم فقال بشير بن كعب إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة بالشك والحكمة في الأصل إصابة الحق بالعلم وسيأتي بسط القول في ذلك في باب ما يجوز من الشعر إن شاء الله تعالى قوله أن من الحياء وقارا وأن من الحياء سكينة في رواية الكشميهني السكينة بزيادة ألف ولام وفي رواية أبي قتادة العدوي أن منه سكينة ووقارا لله وفيه ضعف وهذه الزيادة متعينة ومن أجلها غضب عمران وإلا فليس في ذكر السكينة والوقار ما ينافي كونه خيرا أشار إلى ذلك بن بطال لكن يحتمل أن يكون غضب من قوله منه لأن التبعيض يفهم أن منه ما يضاد ذلك وهو قد روى أنه كله خيرا وقال القرطبي معنى كلام بشير أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويتوقر هو في نفسه ومنه ما يحمله على أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة ولم ينكر عمران عليه هذا القدر من حيث معناه وإنما أنكره عليه من حيث أنه ساقه في معرض من يعارض كلام الرسول بكلام غيره وقيل إنما أنكر عليه لكونه خاف أن يخلط السنة بغيرها قلت ولا يخفى حسن التوجيه السابق قوله وتحدثني عن صحيفتك في رواية أبي قتادة فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال لا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه وفي رواية أحمد وتعرض فيه بحديث الكتب وهذا يؤيد الاحتمال الماضي وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه لبشير بن كعب هذا قصة مع بن عباس تشعر بأنه كان يتساهل في الأخذ عن كل من لقيه الحديث الثاني

[ 5767 ] قوله عبد العزيز بن أبي سلمة هو الماجشون قوله مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يعظ أخاه في الحياء تقدم في أول كتاب الإيمان مع شرحه ولم أعرف اسم الرجل ولا اسم أخيه إلى الآن والمراد بوعظه أنه يذكر له ما يترتب على ملازمته من المفسدة قوله الحياء من الإيمان حكى بن التين عن أبي عبد الملك أن المراد به كمال الإيمان وقال أبو عبيد الهروي معناه أن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي وإن لم يكن له تقية فصار كالايمان القاطع بينه وبين المعاصي قال عياض وغيره إنما جعل الحياء من الإيمان وان كان غريزة لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم وأما كونه خيرا كله ولا يأتي الا بخير فأشكل حمله على العموم لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الاخلال ببعض الحقوق والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيا والحياء الذي ينشأ عنه الاخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي وهو خلق يبعث على ترك القبيح قلت ويحتمل أن يكون اشير إلى أن من كان الحياء من خلقه أن الخير يكون فيه أغلب فيضمحل ما لعله يقع منه مما ذكر في جنب ما يحصل له بالحياء من الخير أو لكونه إذا صار عادة وتخلق به صاحبه يكون سببا لجلب الخير إليه فيكون منه الخير بالذات والسبب وقال أبو العباس القرطبي الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان وهو المكلف به دون الغريزي غير أن من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب وقد ينطبع بالمكتسب حتى يصير غريزا قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له النوعان فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها وكان في الحياء المكتسب في الذروة العليا صلى الله عليه وسلم انتهى وبهذا تعرف مناسبة ذكر الحديث الثالث هنا وقد تقدم شرحه في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله

[ 5768 ] عن مولى أنس قال أبو عبد الله اسمه عبد الله بن أبي عتبة كذا للأكثر وحكى الجياني أنه وقع لبعض رواة الفربري عبد الله بدل عبد الرحمن وأبو عبد الله المذكور هو البخاري هكذا جزم بتسميته هنا وتقدم كذلك مسمى هناك وفي اسمه خلاف فقيل عبد الرحمن وقيل عبيد الله بالتصغير والمعتمد أنه عبد الله مكبرا وقوله العذراء بفتح المهملة وسكون الذال المعجمة ثم راء ومد هي البكر والخدر بكسر المعجمة وسكون المهملة الموضع الذي تحبس فيه وتستتر والله أعلم

قوله باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت كذا ترجم بلفظ الحديث وضمه في الأدب المفرد إلى ترجمة الحياء

[ 5769 ] قوله زهير هو بن معاوية أبو خيثمة ومنصور هو بن المعتمر والإسناد كله كوفيون وقد تقدم الاختلاف فيه على ربعي في آخر ذكر بني إسرائيل قوله إن مما أدرك الناس وقع في حديث حذيفة عند أحمد والبزار إن آخر ما تعلق به أهل الجاهلية من كلام النبوة الأولى والناس يجوز فيه الرفع والعائد على ما محذوف ويجوز النصب وللعائد ضمير الفاعل و أدرك بمعنى بلغ و إذا لم تستح اسم للكلمة المشبهة بتأويل هذا القول قوله فاصنع ما شئت قال الخطابي الحكمة في التعبير بلفظ الأمر دون الخبر في الحديث أن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه صار كالمأمور طبعا بارتكاب كل شر وقد سبق هذا الحديث والإشارة إلى شرحه في ذكر بني إسرائيل في أواخر أحاديث الأنبياء وأشير هنا إلى زيادة على ذلك قال النووي في الأربعين الأمر فيه للإباحة أي إذا أردت فعل شيء فإن كان مما لا تستحي إذا فعلته من الله ولا من الناس فافعله وإلا فلا وعلى هذا مدار الإسلام وتوجيه ذلك أن المأمور به الواجب والمندوب يستحي من تركه والمنهي عنه الحرام والمكروه يستحي من فعله وأما المباح فالحياء من فعله جائز وكذا من تركه فتضمن الحديث الأحكام الخمسة وقيل هو أمر تهديد كما تقدم توجيهه ومعناه إذا نزع منك الحياء فافعل ما شئت فإن الله مجازيك عليه وفيه إشارة إلى تعظيم أمر الحياء وقيل هو أمر بمعنى الخبر أي من لا يستحي يصنع ما أراد

قوله باب ما لا يستحي من الحق للتفقه في الدين هذا تخصيص للعموم الماضي في الذي قبله أن الحياء خير كله أو يحمل الحياء في الخبر الماضي على الحياء الشرعي فيكون ما عداه مما يوجد فيه حقيقة الحياء لغة ليس مرادا بالوصف المذكور وذكر فيه ثلاثة أحاديث تقدمت وهي ظاهرة فيما ترجم له أحدها حديث أم سلمة في سؤال أم سليم عن احتلام المرأة وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة ثانيها حديث بن عمر مثل المؤمن مثل شجرة خضراء أورده من وجهين ومناسبته للترجمة من إنكار عمر علي ابنه تركه

[ 5771 ] قوله الذي ظهر له لكونه استحيي وتمنيه أن لو كان قال ذلك وقوله أحب إلي من كذا أي من حمر النعم كما تقدم صريحا وقد تقدم شرحه في كتاب العلم ثالثها حديث أنس

[ 5772 ] قوله مرحوم هو بن عبد العزيز العطار قوله جاءت امرأة لم أقف على تعيين اسمها وقوله فقالت ابنته الضمير لأنس واسم ابنته فيما أظن أمينة بنون مصغر وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب النكاح

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف والتسري على الناس أما حديث يسروا فوصله في الباب وأما الحديث الآخر فأخرجه مالك في الموطأ عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا في صلاة الضحى وفيه وكان يحب ما خف على الناس وفي حديث أيمن المخزومي عن عائشة في قصة الصلاة بعد العصر وفيه وما كان يصليها في المسجد مخافة أن تثقل على أمته وكان يحب ما خفف عليهم وقد تقدم في باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت من كتاب الصلاة وقد وصل في الباب حديث أبي برزة وفيه أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورأى من تيسيره وذكر في الباب أيضا خمسة أحاديث الأول حديث أنس يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا الحديث الثاني حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ لما بعثهما إلى اليمن يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا قوله يسرو هو أمر بالتيسير والمراد به الأخذ بالتسكين تارة وبالتيسير أخرى من جهة أن التنفير يصاحب المشقة غالبا وهو ضد التسكين والتبشير يصاحب التسكين غالبا وهو ضد التنفير وقد تقدم بيان الوقت الذي بعث فيه أبو موسى ومعاذ رضي الله عنهما إلى اليمن في أواخر كتاب المغازي وتقدم الكلام على البتع وهو بكسر الموحدة وسكون المثناة بعدها مهملة في كتاب الأشربة قال الطبري المراد بالأمر بالتيسير فيما كان من النوافل مما كان شاقا لئلا يفضي بصاحبه إلى الملل فيتركه أصلا أو يعجب بعمله فيحبط فيما رخص فيه من الفرائض كصلاة الفرض قاعدا للعاجز والفطر في الفرض لمن سافر فيشق عليه وزاد غيره في ارتكاب أخف الضررين إذا لم يكن من أحدهما بد كما في قصة الأعرابي حيث بال في المسجد وإسحاق في حديث أبي موسى هو بن راهويه كما وقع في رواية بن السكن وجزم به أبو نعيم وتردد الكلاباذي وتبعه أبو علي الجياني هل هو بن راهويه أو هو بن منصور الحديث الثالث حديث عائشة ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الحديث وقد تقدم شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قال البيضاوي يتصور التخيير بين ما فيه إثم ومالا إثم فيه إذا صدر من الكفار مثلا وفيه توجيه آخر تقدم هناك الحديث الرابع حديث أبي برزة

[ 5776 ] قوله وفينا رجل له رأي لم أقف على اسمه وحكى بن التين عن الداودي أن معنى قوله له رأي يظن أنه محسن وليس كذلك وقوله نضب عنه الماء بنون وضاد معجمة ثم موحدة أي زال وقد تقدم في أواخر الصلاة بلفظ فجعل رجل من الخوارج يقول فهذا هو المعتمد وأن المراد بالرأي رأي الخوارج والتنوين فيه للتحقير أي رأي فاسد وقد تقدم شرح الحديث هناك الحديث الخامس حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وقد سبقت الإشارة إليه في باب الرفق وأن شرحه تقدم في كتاب الطهارة وفي هذه الأحاديث أن الغلو ومجاوزة القصد في العبادة وغيرها مذموم وأن المحمود من جميع ذلك ما أمكنت المواظبة معه وأمن صاحبه العجب وغيره من المهلكات

قوله باب الإنبساط إلى الناس في رواية الكشميهني مع الناس قوله وقال بن مسعود خالط الناس ودينك لا تكلمنه بفتح أوله وسكون الكاف وكسر اللام وفتح الميم من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو الجرح وزنا ومعنى وروى بالمثلثة بدل الكاف والنون مشددة للتأكيد وقوله ودينك يجوز فيه النصب والرفع وهذا الأثر وصله الطبراني في الكبير من طريق عبد الله بن باباه بموحدتين عن بن مسعود قال خالطوا الناس وصافوهم بما يشتهون ودينكم لا تكلمنه وهذه بضم الميم للجميع وأخرجه بن المبارك في كتاب البر والصلة من وجه آخر عن بن مسعود بلفظ خالقوا الناس وزايلوهم في الأعمال وعن عمر مثله لكن قال وانظروا ألا تكلموا دينكم قوله والدعابة مع الأهل هو بقية الترجمة معطوف على الانبساط فهو بالجر ويجوز أن يعطف على باب فيقرأ بالرفع والدعابة بضم الدال وتخفيف العين المهملتين وبعد الألف موحدة هي الملاطفة في القول بالمزاح وغيره وقد أخرج الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال أني لا أقول إلا حقا وأخرج من حديث بن عباس رفعه لا تمار أخاك ولا تمازحه الحديث والجمع بينهما أن المنهي عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر الله والتفكر في مهمات الدين ويئول كثيرا إلى قسوة القلب والايذاء والحقد وسقوط المهابة والوقار والذي يسلم من ذلك هو المباح فإن صادف مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب ومؤانسته فهو مستحب قال الغزالي من الغلط أن يتخذ المزاح حرفة ويتمسك بأنه صلى الله عليه وسلم مزح فهو كمن يدور مع الريح حيث دار وينظر رقصهم ويتمسك بأنه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تنظر إليهم وذكر فيه حديث أنس في قصة النغير وسيأتي شرحه مستوفى في باب ما يجوز من الشعر قريبا إن شاء الله تعالى وحديث عائشة كنت ألعب بالبنات ومحمد شيخه فيه هو بن سلام

[ 5779 ] قوله وكان لي صواحب يلعبن معي أي من أقرانها قوله يتقمعن بمثناة وتشديد الميم المفتوحة وفي رواية الكشميهني بنون ساكنة وكسر الميم ومعناه أنهن يتغيبن منه ويدخلن من وراء الستر وأصله من قمع التمرة أي يدخلن في الستر كما يدخلن التمرة في قمعها قوله فيسر بهن إلي بسين مهملة ثم موحدة أي يرسلهن واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن قال وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ واليه مال بن بطال وحكى عن بن أبي زيد عن مالك أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور ومن ثم رجح الداودي أنه منسوخ وقد ترجم بن حبان الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب وترجم له النسائي إباحة الرجل لزوجته اللعبه بالبنات فلم يقيد بالصغر وفيه نظر قال البيهقي بعد تخريجه ثبت النهي عن اتخاذ الصور فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كان قبل التحريم وبه جزم بن الجوزي وقال المنذري إن كانت اللعب كالصورة فهو قبل التحريم وإلا فقد يسمى ما ليس بصورة لعبة وبهذا جزم الحليمي فقال إن كانت صورة كالوثن لم يجز وإلا جاز وقيل معنى الحديث اللعب مع البنات أي الجواري والباء هنا بمعنى مع حكاه بن التين عن الداودي ورده قلت ويرده ما أخرجه بن عيينة في الجامع من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن هشام بن عروة في هذا الحديث وكن جواري يأتين فيلعبن بها معي وفي رواية جرير عن هشام كنت ألعب بالبنات وهن اللعب أخرجه أبو عوانة وغيره وأخرج أبو داود والنسائي من وجه آخر عن عائشة قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها قالت فكشف ناحية الستر على بنات لعائشة لعب فقال ما هذا يا عائشة قالت بناتي قالت ورأى فيها فرسا مربوطا جناحان فقال ما هذا قلت فرس قال فرس له جناحان قلت ألم تسمع أنه كان كان لسليمان خيل لها أجنحة فضحك فهذا صريح في أن المراد باللعب غير الآدميات قال الخطابي في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد وإنما أرخص لعائشة فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ قلت وفي الجزم به نظر لكنه محتمل لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة إما أكملتها أو جاوزتها أو قاربتها وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا فيترجح رواية من قال في خيبر ويجمع بما قال الخطابي لأن ذلك أولى من التعارض

قوله باب المداراة مع الناس هو بغير همز وأصله الهمز لأنه من المدافعة والمراد به الدفع برفق وأشار المصنف بالترجمة إلى ما ورد فيه على غير شرطه واقتصر على إيراد ما يؤدي معناه فما ورد فيه صريحا حديث لجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مداراة الناس صدقة أخرجه بن عدي والطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه وقال بن عدي أرجو أنه لا بأس به وأخرجه بن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه وحديث أبي هريرة رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس أخرجه البزار بسند ضعيف قوله ويذكر عن أبي الدرداء إنا لنكشر بالكاف الساكنة وكسر المعجمة قوله في وجوه أقوام وأن قلوبنا لتلعنهم كذا للأكثر بالعين المهملة واللام الساكنة والنون وللكشميهني بالقاف الساكنة قبل اللام المكسورة ثم تحتانية ساكنة من القلا بكسر القاف مقصور وهو البغض وبهذه الرواية جزم بن التين ومثله في تفسير المزمل من الكشاف وهذا الأثر وصله بن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في غريب الحديث والدينوري في المجالسة من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء فذكر مثله وزاد ونضحك إليهم وذكره بلفظ اللعن ولم يذكر الدينوري في إسناده جبير بن نفير ورويناه في فوائد أبي بكر بن المقري من طريق كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي الدرداء قال إنا لنكشر أقواما فذكر مثله وهو منقطع وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق خلف بن حوشب قال قال أبو الدراء فذكر اللفظ المعلق سواء وهو منقطع أيضا والكشر بالشين المعجمة وفتح أوله ظهور الأسنان وأكثر ما يطلق عند الضحك والاسم الكشرة كالعشرة قال بن بطال المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك ثم ذكر حديثين تقدما أحدهما حديث عائشة استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال ائذنوا له فبئس أبن العشيرة وقد تقدم بيان موضع شرحه في باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والنكتة في إيراده هنا التلميح إلى ما وقع في بعض الطرق بلفظ المداراة وهو عند الحارث بن أبي أسامة من حديث صفوان بن عسال نحو حديث عائشة وفيه فقال أنه منافق أداريه عن نفاقه وأخشى أن يفسد علي غيره والثاني حديث المسور بن مخرمة قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية وفيه قصة أبيه مخرمة وقد تقدم شرحه في كتاب اللباس ووقع في هذه الطريق وكان في خلقه شيء وقد رمز البخاري بإيراده عقب الحديث الذي قبله بأنه المبهم فيه كما أشرت إلى ذلك قبل ووقع في رواية مسروق عن عائشة مر رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بئس عبد الله وأخو العشيرة ثم دخل عليه فرأيته أقبل عليه بوجهه كأن له عنده منزلة أخرجه النسائي وشرح بن بطال الحديث على أن المذكور كان منافقا وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالحكم بما ظهر لا بما يعلمه في نفس الأمر وأطال في تقرير ذلك ولم يقل أحد في المبهم في حديث عائشة أنه كان منافقا لا مخرمة بن نوفل ولا عيينة بن حصن وإنما قيل في مخرمة ما قيل لما كان في خلقه من الشدة فكان لذلك في لسانه بذاءة وأما عيينة فكان إسلامه ضعيفا وكان مع ذلك أهوج فكان مطاعا في قومه كما تقدم والله أعلم وقوله في هذه الرواية فلما جاء قال خبأت هذا لك وفي رواية الكشميهني قد خبأت وقوله قال أيوب هو موصول بالسند المذكور وقوله

[ 5781 ] بثوبه وأنه يريه إياه والمعنى أشار أيوب بثوبه ليرى الحاضرين كيفية ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند كلامه مع مخرمة ولفظ القول يطلق ويراد به الفعل وقوله رواه حماد بن زيد عن أيوب تقدم موصولا في باب فرض الخمس وصورته مرسل أيضا قوله وقال حاتم بن وردان الخ أراد بهذا التعليق بيان وصل الخبر وأن رواية بن علية وحماد وإن كانت صورتهما الإرسال لكن الحديث في الأصل موصول وقد مضى بيان وصل رواية حاتم هذه في الشهادات

قوله باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة ما يكون من ذوات السموم واللذع بالذال المعجمة والعين المهملة ما يكون من النار وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الطب والجحر بضم الجيم وسكون المهملة قوله وقال معاوية لا حكيم إلا بتجربة كذا للأكثر بوزن عظيم وفي رواية الأصيلي إلا ذو تجربة وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني لا حلم بكسر المهملة وسكون اللام إلا بتجربة وفي رواية الكشميهني إلا لذي تجربة وهذا الأثر وصله أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال معاوية لا حلم إلا بالتجارب وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال كنت جالسا عند معاوية فحدث نفسه ثم انتبه فقال لا حليم إلا ذو تجربة قالها ثلاثا وأخرج من حديث أبي سعيد مرفوعا لا حليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة وأخرجه أحمد وصححه بن حبان قال بن الأثير معناه لا يحصل الحلم حتى يرتكب الأمور ويعثر فيها فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها وقال غيره المعنى لا يكون حليما كاملا إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ فحينئذ يخجل فنيبغي لمن كان كذلك أن يستر من رآه على عيب فيعفو عنه وكذلك من جرب الأمور علم نفعها وضررها فلا يفعل شيئا إلا عن حكمة قال الطيبي ويمكن أن يكون تخصيص الحليم بذي التجربة للإشارة إلى أن غير الحكيم بخلافه وأن الحليم الذي ليس له تجربة قد يعثر في مواضع لا ينبغي له فيها الحلم بخلاف الحليم المجرب وبهذا تظهر مناسبة أثر معاوية لحديث الباب والله تعالى أعلم

[ 5782 ] قوله عن بن المسيب في رواية يونس عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وكذا قال أصحاب الزهري فيه وخالفهم صالح بن أبي الأخضر وزمعة بن صالح وهما ضعيفان فقالا عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أخرجه بن عدي من طريق المعافى بن عمران عن زمعة وابن أبي الأخضر واستغربه من حديث المعافى قال وأما زمعة فقد رواه عنه أيضا أبو نعيم قلت أخرجه أحمد عنه ورواه عن زمعة أيضا أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو أحمد الزبيري أخرجه بن ماجة قوله لا يلدغ هو بالرفع على صيغة الخبر قال الخطابي هذا لفظه خبر ومعناه أمر أي ليكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر وقد روي بكسر الغين في الوصل فيتحقق معنى النهي عنه قال بن التين وكذلك قرأناه قيل معنى لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين أن من أذنب ذنبا فعوقب به في الدنيا لا يعاقب به في الآخرة قلت إن أراد قائل هذا أن عموم الخبر يتناول هذا فيمكن وإلا فسبب الحديث يأبى ذلك ويؤيده قول من قال فيه تحذير من التغفيل وإشارة إلى استعمال الفطنة وقال أبو عبيد معناه ولا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه قلت وهذا هو الذي فهمه الأكثر ومنهم الزهري راوي الخبر فأخرج بن حبان من طريق سعيد بن عبد العزيز قال قيل للزهري لما قدم من عند هشام بن عبد الملك ماذا صنع بك قال أوفى عني ديني ثم قال بابن شهاب تعود تدان قلت لا وذكر الحديث وقال أبو داود الطيالسي بعد تخريجه لا يعاقب في الدنيا بذنب فيعاقب به في الآخرة وحمله غيره على غير ذلك قيل المراد بالمؤمن في هذا الحديث الكامل الذي قد أوقفته معرفته على غوامض الأمور حتى صار يحذر مما سيقع وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ مرارا قوله من جحر زاد في رواية الكشميهني والسرخسي واحد ووقع في بعض النسخ من جحر حية وهي زيادة شاذة قال بن بطال وفيه أدب شريف أدب به النبي صلى الله عليه وسلم أمته ونبههم كيف يحذرون مما يخافون سوء عاقبته وفي معناه حديث المؤمن كيس حذر أخرجه صاحب مسند الفردوس من حديث أنس بسند ضعيف قال وهذا الكلام مما لم يسبق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأول ما قاله لأبي عزة الجمحي وكان شاعرا فأسر ببدر فشكى عائلة وفقرا فمن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء فظفر به بأحد فقال من علي وذكر فقره وعياله فقال لا تمسح عارضيك بمكة تقول سخرت بمحمد مرتين وأمر به فقتل وأخرج قصته بن إسحاق في المغازي بغير إسناد وقال بن هشام في تهذيب السيرة بلغني عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينئذ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وصنيع أبي عبيد في كتاب الأمثال مشكل على قول بن بطال أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من قال ذلك ولذلك قال بن التين أنه مثل قديم وقال التوربشتي هذا السبب يضعف الوجه الثاني يعني الرواية بكسر الغين على النهي وأجاب الطيبي بأنه يوجه بأن يكون صلى الله عليه وسلم لما رأى من نفسه الزكية الميل إلى الحلم جرد منها مؤمنا حازما فنهاه عن ذلك يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله أن ينخدع من الغادر المتمرد فلا يستعمل الحلم في حقه بل ينتقم منه ومن هذا قول عائشة ما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها قال فيستفاد من هذا أن الحلم ليس محمودا مطلقا كما أن الجود ليس محمودا مطلقا وقد قال تعالى في وصف الصحابة أشداء على الكفار رحماء بينهم قال وعلى الوجه الأول وهو الرواية بالرفع فيكون إخبارا محضا لا يفهم هذا الغرض المستفاد من هذه الرواية فتكون الرواية بصيغة النهي أرجح والله أعلم قلت ويؤيده حديث احترسوا من الناس بسوء الظن أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أنس وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف فله علتان وصح من قول مطرف التابعي الكبير أخرجه مسدد

قوله باب حق الضيف

[ 5783 ] قوله حسين هو المعلم وقد تقدم الحديث مشروحا في كتاب الصيام والغرض منه قوله وأن لزورك عليك حقا والزور بفتح الزاي وسكون الواو بعدها راء الزائر وقد بسط القول فيه في الباب الذي يليه

قوله باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله تعالى ضيف إبراهيم المكرمين يشير إلى أن لفظ ضيف يكون واحدا وجمعا وجمع القلة أضياف والكثرة ضيوف وضيفان قوله قال أبو عبد الله يقال هو زور وضيف ومعناه أضيافه وزواره لأنها مصدر مثل قوم رضا وعدل ويقال ماء غور وبئر غور وما آن غور ومياه غور قلت ثبت هذا في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني فقط وهو مأخوذ من كلام الفراء قال في معاني القرآن قوله تعالى قال أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا العرب تقول ماء غور وماآن غور ومياه غور ولا يجمعون غورا ولا يثنونه فلم يقولوا ما آن غوران ولا مياه أغوار وهو بمنزلة الزور يقال هؤلاء زور فلان وضيف فلان معناه أضيافه وزواره وذلك لأنه مصدر فأجرى على مثل قولهم قوم عدل وقوم رضا ومقنع وقال غيره الزور جمع زائر كراكب وركب قلت وهذا قول أبي عبيدة وجزم به في الصحاح قوله ويقال الغور الغائر لا تناله الدلاء كلا شيء غرت فيه فهو مغارة هو كلام أبي عبيدة أيضا وقال أبو عبيدة غور أي غائر والغور مصدر قوله تزاور تميل من الزور والأزور الأميل قلت هو كلام أبي عبيدة قاله في تفسير سروة الكهف في قوله تعالى وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين أي تميل وهو من الزور يعني بفتح الواو وهو العوج والميل ثم ذكر ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي شريح من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وقوله

[ 5784 ] في الطريق الثانية حدثنا إسماعيل أنبأنا مالك مثله يعني بإسناده وقوله أو ليصمت ضبطه النووي بضم الميم وقال الطوفي سمعناه بكسرها وهو القياس كضرب يضرب وقد استشكل التخيير الذي في قوله فليقل خيرا أو ليصمت لأن المباح إذا كان في أحد الشقين لزم أن يكون مأمورا به فيكون واجبا أو منهيا فيكون حراما والجواب عن ذلك أن صيغة أفعل في قوله فليقل وفي قوله ليسكت لمطلق الإذن الذي هو أعم من المباح وغيره نعم يلزم من ذلك أن يكون المباح حسنا لدخوله في الخير ومعنى الحديث أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليفكر قبل كلامه فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى محرم ولا مكروه فليتكلم وإن كان مباحا فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى المحرم والمكروه وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه بن حبان ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه ثانيها حديث أبي هريرة فيه أورده من وجهين عنه وفي أحدهما ما ليس في الآخر وقد تقدم كل ذلك في باب إكرام الجار باختلاف ألفاظه وبيان المراد به قال الطوفي ظاهر الحديث انتفاء الإيمان عمن قال ذلك وليس مرادا بل أريد به المبالغة كما يقول القائل ان كنت ابني فأطعني تهييجا له على الطاعة لا أنه بانتفاء طاعته ينتفي أنه ابنه ثالثها حديث عقبة بن عامر قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب المظالم قوله في حديث أبي شريح جائزته يوم وليلة قال السهيلي روى جائزته بالرفع على الابتداء وهو واضح وبالنصب على بدل الاشتمال أي يكرم جائزته يوما وليلة قوله والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة قال بن بطال سئل عنه مالك فقال يكرمه ويتحفه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة قلت واختلفوا هل الثلاث غير الأول أو بعد منها فقال أبو عبيد يتكلف له في اليوم الأول بالبر والالطاف وفي الثاني والثالث يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل ومنه الحديث الآخر أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وقال الخطابي معناه أنه إذا نزل به الضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يوما وليلة وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه فما زاد عليها مما يقدمه له يكون صدقة وقد وقع في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح عند أحمد ومسلم بلفظ الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهذا يدل على المغايرة ويؤيده ما قال أبو عبيد وأجاب الطيبي بأنها جملة مستأنفة بيان للجملة الأولى كأنه قيل كيف يكرمه قال جائزته ولا بد من تقدير مضاف أي زمان جائزته أي بره والضيافة يوم وليلة فهذه الرواية محمولة على اليوم الأول ورواية عبد الحميد على اليوم الأخير أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يوم وليلة فينبغي أن يحمل على هذا عملا بالروايتين انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله وجائزته بيانا لحالة أخرى وهي أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه فهذا لا يزاد على الثلاث بتفاصيلها وتارة لا يقيم فهذا يعطى ما يجوز به قدر كفايته يوما وليلة ولعل هذا أعدل الأوجه والله أعلم واستدل بجعل ما زاد على الثلاث صدقة على أن الذي قبلها واجب فإن المراد بتسميته صدقة التنفير عنه لأن كثيرا من الناس خصوصا الأغنياء يأنفون غالبا من أكل الصدقة وقد تقدمت أجوبة من لم يوجب الضيافة في شرح حديث عقبة واستدل بن بطال لعدم الوجوب بقوله جائزته قال والجائزة تفضل واحسان ليست واجبة وتعقب بأنه ليس المراد بالجائزة في حديث أبي شريح العطية بالمعنى المصطلح وهي ما يعطاه الشاعر والوافد فقد ذكر في الأوائل أن أول من سماها جائزة بعض الأمراء من التابعين وأن المراد بالجائزة في الحديث أنه يعطيه ما يغنيه عن غيره كما تقدم تقريره قبل قلت وهو صحيح في المراد من الحديث وأما تسمية العطية للشاعر ونحوه جائزة فليس بحادث للحديث الصحيح أجيزوا الوفد كما تقدمت الإشارة إليه ولقوله صلى الله عليه وسلم للعباس ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أجيزك فذكر حديث صلاة التسبيح فدل على أن استعمالها كذلك ليس بحادث قوله ولا يحل له أن يثوي عنده قال بن التين هو بكسر الواو وبفتحها في الماضي وبكسرها في المضارع قوله حتى يحرجه بحاء مهملة ثم جيم من الحرج وهو الضيق والثواء بالتخفيف والمد والإقامة بمكان معين قال النووي في رواية لمسلم حتى يؤثمه أي يوقعه في الإثم لأنه قد يغتابه لطول مقامه أو يعرض له بما يؤذيه أو يظن به ظنا سيئا وهذا كله محمول على ما إذا لم تكن الإقامة باختيار صاحب المنزل بأن يطلب منه الزيادة في الإقامة أو يغلب على ظنه أنه لا يكره ذلك وهو مستفاد من قوله حتى يحرجه لأن مفهومه إذا ارتفع الحرج أن ذلك يجوز ووقع عند أحمد في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح قيل يا رسول الله وما يؤثمه قال يقيم عنده لا يجد شيئا يقدمه أخرجه أحمد والحاكم وفيه قصة لسلمان مع ضيفه حيث طلب منه زيادة على ما قدم له فرهن مطهرته بسبب ذلك ثم قال الحمد لله قال بن بطال إنما كره له المقام بعد الثلاث لئلا يؤذيه فتصير الصدقة منه على وجه المن والأذى قلت وفيه نظر فإن في الحديث فما زاد فهو صدقة فمفهومه أن الذي في الثلاث لا يسمى صدقة فالأولى أن يقول لئلا يؤذيه فيوقعه في الإثم بعد أن كان مأجورا

قوله باب صنع الطعام والتكلف للضيف ذكر فيه حديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبي الدرداء وهو ظاهر فيما ترجم له وقد تقدم إيضاح ذلك مع بقية شرحه في كتاب الصيام

[ 5788 ] قوله أبو جحيفة وهب السوائي يعني بضم المهملة والمد وهب الخير أي كان يقال له وهب الخير وهذا لم يقع في رواية أبي ذر ووقع في التكلف للضيف حديث سلمان نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف أخرجه أحمد والحاكم وفيه قصة سلمان مع ضيفه حيث طلب منه زيادة على ما قدم له فرهن مطهرته بسبب ذلك ثم قال الرجل لما فرغ الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال له سلمان لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة

قوله باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في قصة أضياف أبي بكر وقد تقدم شرحه في علامات النبوة من الترجمة النبوية وأخذ الغضب منه من قول عبد الرحمن فعرفت أنه يجد على وهو من الموجدة وهي الغضب وقد وقع التصريح بذلك في الطريق التي بعد هذه حيث قال فيه فغضب أبو بكر

قوله باب قول الضيف لصاحبه والله لا آكل حتى تأكل ذكر فيه حديث أبي جحيفة يشير إلى قصة أبي الدرداء وسلمان وقد تقدم شرحها في كتاب الصيام ولم تقع هذه الترجمة ولا هذا التعليق في رواية أبي ذر وإنما ساق قصة أضياف أبي بكر تلو الطريق التي قبلها وهي من هذا الوجه مختصرة وسليمان في سندها هو التيمي وقوله

[ 5790 ] الأولى للشيطان أي الحالة التي غضب فيها وحلف وتقدم له توجيه متعقب

قوله باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال المراد الأكبر في السن إذا وقع التساوي في الفضل وإلا فيقدم الفاضل في الفقه والعلم إذا عارضه السن وذكر فيه حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج في قصة محيصة وحويصة وسيأتي شرحه في كتاب القسامة وقوله

[ 5791 ] فوداهم هو للأكثر ويروي بالفاء بدل الواو وقوله من قبله بكسر القاف وفتح الموحدة على الصحيح قوله قال الليث حدثني يحيى هو بن سعيد الأنصاري ويشير بالموحدة والمعجمة مصغر هو بن يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة وهذا التعليق وصله مسلم والترمذي والنسائي من حديث الليث به قوله وقال بن عيينة حدثنا يحيى هو بن سعيد أيضا وهذا التعليق وصله مسلم والنسائي من حديث بن عيينة ثم ذكر حديث بن عمر أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب العلم مستفوى وكأنه أشار بإيراده إلى أن تقديم الكبير حيث يقع التساوي أما لو كان عند الصغير ما ليس عند الكبير فلا يمنع من الكلام بحضرة الكبير لأن عمر تأسف حيث لم يتكلم ولده مع أنه اعتذر له بكونه بحضوره وحضور أبي بكر ومع ذلك تأسف على كونه لم يتكلم

قوله باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء أما الشعر فهو في الأصل اسم لما دق ومنه ليت شعري ثم استعمل في الكلام المقفي الموزون قصدا ويقال أصله الشعر بفتحتين يقال شعرت أصبت الشعر وشعرت بكذا علمت علما دقيقا كاصابة الشعر وقال الراغب قال بعض الكفار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شاعر فقيل لما وقع في القرآن من الكلمات الموزونة والقوافي وقيل أرادوا أنه كاذب لأنه أكثر ما يأتي به الشاعر كذب ومن ثم سموا الأدلة الكاذبة شعرا وقيل في الشعر أحسنه أكذبه ويؤيد ذلك قوله تعالى وأنهم يقولون ما لا يفعلون ويؤيد الأول ما ذكر في حد الشعر أن شرطه القصد إليه وأما ما وقع موزونا اتفاقا فلا يسمى شعرا وأما الرجز فهو بفتح الراء والجيم بعدها زاي وهو نوع من الشعر عند الأكثر وقيل ليس بشعر لأنه يقال راجز لا شاعر وسمي رجزا لتقارب اجزائه واضطراب اللسان به ويقال رجز البعير إذا تقارب خطوه واضطراب لضعف فيه وأما الحداء فهو بضم الحاء وتخفيف الدال المهملتين يمد ويقصر سوق الإبل بضرب مخصوص من الغناء والحداء في الغالب إنما يكون بالرجز وقد يكون بغيره من الشعر ولذلك عطفه على الشعر والرجز وقد جرت عادة الإبل أنها تسرع السير إذا حدي بها وأخرج بن سعد بسند صحيح عن طاوس مرسلا وأورده البزار موصولا عن بن عباس دخل حديث بعضهم في بعض أن أول من حدا الإبل عبد لمضر بن نزار بن معد بن عدنان كان في إبل لمضر فقصر فضربه مضر على يده فارجعه فقال يا يداه يا يداه وكان حسن الصوت فاسرعت الإبل لما سمعت في السير فكان ذلك مبدأ الحداء ونقل بن عبد البر الاتفاق على إباحة الحداء وفي كلام بعض الحنابلة إشعار بنقل خلاف فيه ومانعه محجوج بالأحاديث الصحيحة ويلتحق بالحداء هنا الحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد قوله وقوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ساق في رواية كريمة والأصيل إلى آخر السورة ووقع في رواية أبي ذر بين الآيتين المذكورتين لفظة وقوله وهي زيادة لا يحتاج إليها قال المفسرون في هذه الآية المراد بالشعراء شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشيطاين وعصاة الجن ويروون شعرهم لأن الغاري لا يتبع إلا غاريا مثله وسمي الثعلبي منهم عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب ومسافع وعمرو بن أبي أمية بن أبي الصلت وقيل نزلت في شاعرين تهاجيا فكان مع كل واحد منهما جماعة وهم الغواة السفهاء وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأبو داود من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون إلى قوله ما لا يفعلون قال فنسخ من ذلك واستثنى فقال الا الذين آمنوا إلى آخر السورة وأخرج بن أبي شيبة من طريق مرسلة قال لما نزلت والشعراء يتبعهم الغاوون جاء عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وهم يبكون فقالوا يا رسول الله أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء فقال أقرءوا ما بعدها إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنتم وانتصروا من بعد ما ظلموا أنتم وقال السهيلي نزلت الآية في الثلاثة وإنما وردت بالإبهام ليدخل معهم من اقتدى بهم وذكر الثعلبي مع الثلاثة كعب بن زهير بغير إسناد والله أعلم قوله قال بن عباس في كل لغو يخوضون وصله بن أبي حاتم والطبري من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله في كل واد قال في كل لغو وفي قوله يهيمون قال يخوضون وقال غيره يهيمون أي يقولون في الممدوح والمذموم ما ليس فيه فهم كالهائم على وجهه والهائم المخالف للقصد قوله وما يكره منه هو قسيم قوله ما يجوز والذي يتحصل من كلام العلماء في حد الشعر الجائز أنه إذا لم يكثر منه في المسجد وخلا عن هجو وعن الإغراق في المدح والكذب المحض والتغزل بمعين لا يحل وقد نقل بن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك واستدل بأحاديث الباب وغيرها وقال ما أنشد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو استنشده ولم ينكره قلت وقد جمع بن سيد الناس شيخ شيوخنا مجلدا في أسماء من نقل عنه من الصحابة شيء من شعر متعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقد ذكر في الباب خمسة أحاديث دالة على الجواز وبعضها مفصل لما يكره مما لا يكره وترجم في الأدب المفرد ما يكره من الشعر وأورد فيه حديث عائشة مرفوعا أن أعظم الناس فرية الشاعر يهجو القبيلة بأسرها وسنده حسن وأخرجه بن ماجة من هذا الوجه بلفظ أعظم الناس فرية رجل هاجي رجلا فهجا القبيلة بأسرها وصححه بن حبان وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن عائشة أنها كانت تقول الشعر منه حسن ومنه قبيح خذ الحسن ودع القبيح ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا منها القصيدة فيها أربعون بيتا وسنده حسن وأخرج أبو يعلى أوله من حديثها من وجه آخر مرفوعا وأخرجه البخاري في الأدب المفرد أيضا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام وسنده ضعيف وأخرجه الطبراني في الأوسط وقال لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وقد اشتهر هذا الكلام عن الشافعي واقتصر بن بطال على نسبته إليه فقصر وعاب القرطبي المفسر على جماعة من الشافعية الاقتصار على نسبة ذلك للشافعي وقد شاركهم في ذلك بن بطال وهو مالكي وأخرج الطبري من طريق بن جريج قال سألت عطاء عن الحداء والشعر والغناء فقال لا بأس به ما لم يكن فحشا الحديث الأول

[ 5793 ] قوله عن الزهري أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن يعني بن الحارث بن هشام المخزومي وفي هذا الإسناد أربعة من التابعين قرشيون مدنيون في نسق فالزهري من صغار التابعين وأبو بكر ومن فوقه من كبارهم ولمروان وعبد الرحمن مزية إدراك النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهما من حيث الرواية معدودان في التابعين وقد تقدم قريبا أن لعبد الرحمن رؤية وأنه عد لذلك في الصحابة وكذا ذكر بعضهم مروان في الصحابة لادراكه وقد تقدم ذلك في الشروط وقد اختلف على الزهري في سنده فالأكثر على ما قال شعيب وقال معمر في المشهور عنه عن الزهري عن عروة بدل أبي بكر موصولا وأخرجه بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة مرسلا ووافق رباح بن زيد عن معمر الجماعة وكذا قال هشام بن يوسف عن معمر لكن قال عبد الله بن الأسود وكذا قال إبراهيم بن سعيد عن الزهري وحذف يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد مروان من السند والصواب إثباته قوله أن من الشعر حكمة أي قولا صادقا مطابقا للحق وقيل أصل الحكمة المنع فالمعنى أن من الشعر كلاما نافعا يمنع من السفه وأخرج أبو داود من رواية صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن من البيان سحرا وأن من العلم جهلا وأن من الشعر حكما وأن من القول عيا فقال صعصعة بن صوحان صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أما قوله أن من البيان سحرا فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأن قوله وأن من العلم جهلا فيكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهل ذلك وأما قوله أن من الشعر حكما فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله أن من القول عيا فعرضك كلامك على من لا يريده وقال بن التين مفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك لأن من تبعيضية ووقع في حديث بن عباس عند البخاري في الأدب المفرد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن ماجة بلفظ أن من الشعر حكما وكذا أخرجه بن أبي شيبة من حديث بن مسعود وأخرجه أيضا من حديث بريدة مثله وأخرج بن أبي شيبة من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال أبو بكر ربما قال الشاعر الكلمة الحكيمة وقال بن بطال ما كان في الشعر والرجز ذكر الله تعالى وتعظيم له ووحدانيته وايثار طاعته والاستسلام له فهو حسن مرغب فيه وهو المزاد في الحديث بأنه حكمة وما كان كذبا وفحشا فهو مذموم قال الطبري في هذا الحديث رد على من كره الشعر مطلقا واحتج بقول بن مسعود الشعر مزامير الشيطان وعن مسروق أنه تمثل بأول بيت شعر ثم سكت فقيل له فقال أخاف أن أجد في صحيفتي شعرا وعن أبي أمامة رفعه أن إبليس لما أهبط إلى الأرض قال رب اجعل لي قرآنا قال قرآنك الشعر ثم أجاب عن ذلك بأنها أخبار واهية وهو كذلك فحديث أبي أمامة فيه علي بن يزيد الهاني وهو ضعيف وعلى تقدير قوتها فهو محمول على الافراط فيه والاكثار منه كما سيأتي تقريره بعد باب ويدل على الجواز سائر أحاديث الباب وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن عمر بن الشريد عن أبيه قال استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته حتى أنشدته مائة قافية وعن مطرف قال صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فقل منزل نزله إلا وهو ينشدني شعرا وأسند الطبري عن جماعة من كبار الصحابة ومن كبار التابعين أنهم قالوا الشعر وأنشدوه واستنشدوه وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن خالد بن كيسان قال كنت عند بن عمر فوقف عليه إياس بن خيثمة فقال ألا أنشدك من شعري قال بلى ولكن لا تنشدني إلا حسنا وأخرج بن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه ومن طريق عبد الرحمن بن أبي بكرة قال كنت أجالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي في المسجد فيتناشدون الأشعار ويذكرون حديث الجاهلية وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وصححه من حديث جابر بن سمرة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون الشعر وحديث الجاهلية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهاهم وربما يتبسم الحديث الثاني

[ 5794 ] قوله سفيان هو الثوري قوله سمعت جندبا في رواية أبي عوانة عن الأسود الماضية في أوائل الجهاد جندب بن سفيان البجلي قوله بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في رواية أبي عوانة كان في بعض المشاهد وفي رواية شعبة عن الأسود خرج إلى الصلاة وأخرجه الطيالسي وأحمد في رواية بن عيينة عن الأسود عن جندب كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار قوله فعثر بالعين المهملة والثاء المثلثة قوله فقال هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت هذان قسمان من رجز والتاء في آخرهما مكسورة على وفق الشعر وجزم الكرماني بأنهما في الحديث بالسكون وفيه نظر وزعم غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد إسكانهما ليخرج القسمين عن الشعر وهو مردود فإنه يصير من ضرب آخر من الشعر وهو من ضروب البحر الملقب الكامل وفي الثاني زحاف جائز قال عياض وقد غفل بعض الناس فروى دميت ولقيت بغير مد فخالف الرواية ليسلم من الاشكال فلم يصب وقد اختلف هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم متمثلا أو قاله من قبل نفسه غير قاصد لانشائه فخرج موزونا وبالأول جزم الطبري وغيره ويؤيده أن بن أبي الدنيا في محاسبة النفس أوردهما لعبد الله بن رواحة فذكر أن جعفر بن أبي طالب لما قتل في غزوة مؤتة بعد أن قتل زيد بن حارثة أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل فأصيب إصبعه فارتجز وجعل يقول هذين القسمين وزاد يا نفس إن لا تقتلي تموتي هذي حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد لقيت أن تفعلي فعلهما هديت وهكذا جزم بن التين بأنهما من شعر بن رواحة وذكر الواقدي أن الوليد بن الوليد بن المغيرة كان رافق أبا بصير في صلح الحديبية على ساحل البحر ثم أن الوليد رجع إلى المدينة فعثر بالحرة فانقطعت إصبعه فقال هذين القسمين وأخرجه الطبراني من وجه آخر موصول بسند ضعيف وقال بن هشام في زيادات السيرة حدثني من أثق به أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لي بعباس بن أبي ربيعة فقال الوليد بن الوليد أنا فذكر قصة فيها فعثر فدميت إصبعه فقالهما وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون بن رواحة ضمنهما شعره وزاد عليهما فإن قصة الحديبية قبل قصة مؤتة وقد تقدم نحو هذا الاحتمال في أوائل غزوة خيبر في الرجز المنسوب لعامر بن الأكوع اللهم لولا أنت ما اهتدينا وأنه نسب في رواية أخرى لابن رواحة وقد اختلف في جواز تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الشعر وانشاده حاكيا عن غيره فالصحيح جوازه وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والترمذي وصححه والنسائي من رواية المقدام بن شريح عن أبيه قلت لعائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان يتمثل من شعر بن رواحة ويأتيك بالأخبار من لم تزود وأخرج بن أبي شيبة نحوه من حديث بن عباس وأخرج أيضا من مرسل أبي جعفر الخطمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني المسجد وعبد الله بن رواحة يقول أفلح من يعالج المساجدا فيقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول بن رواحة يتلو القرآن قائما وقاعدا فيقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما أخرجه الخطيب في التاريخ عن عائشة تفاءل بما تهوى تكن فلقلما يقال لشيء كان إلا تحققا قال وإنما لم يعربه لئلا يكون شعرا فهو شيء لا يصح ومما يدل على وهائه التعليل المذكور والحديث الثالث في الباب يؤيد ذلك وأنه صلى الله عليه وسلم كان يجوز له أن يحكي الشعر عن ناظمه وقد تقدم في غزوة حنين قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب وأنه دل على جواز وقوع الكلام منه منظوما من غير قصد إلى ذلك ولا يسمى ذلك شعرا وقد وقع الكثير من ذلك في القرآن العظيم لكن غالبها أشطار أبيات والقليل منها وقع وزن بيت تام فمن التام قوله تعالى الحامدون السائحون الراكعون الساجدون أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم وجفان كالجوابي وقدور راسيات واتقون يا أولي الألباب ان هذا لرزقنا ما له من نفاد تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم وكذلك السجود والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم اني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها يأتيكم التابوت فهي سكينة من ربكم وبقية مما ترك وأزواج مطهرة ورضوان من الله ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ودامية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويأكلون التراث أكلا لما ويحبون المال حبا جما والواو في كل منهما وان كانت زائدة على الوزن لكنه يجوز في النظم ويسمى الخزم بالزاي بعد الخاء المعجمة وأما الاشطار فكثيرة جدا فمنها فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ليقضي الله أمرا كان مفعولا فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم في أمة قد خلت من قبلها أمم فذلكن الذي لمتنني فيه فانبذ إليهم على سواء ادخلوها بسلام آمنين إنه كان وعده مفعولا حسدا من عند أنفسهم ألا بعدا لعاد قوم هود ويعلم ما جرحتم بالنهار وتراهم يعرضون عليها وكفى الله المؤمنين القتال والله أركسهم بما كسبوا حتى يخوضوا في حديث غيره قل هو الرحمن آمنا به ألا إلى الله تصير الأمور نصر من الله وفتح قريب ذلك تقدير العزيز العليم نقذف بالحق على الباطل اليوم أكملت لكم دينكم يا أيها الناس اتقوا ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم قتل الإنسان ما أكفره ثاني اثنين إذ هما في الغار قد علمنا ما تنقص الأرض منهم إن قارون كان من قوم موسى إن ربي بكيدهن عليم وينصرك الله نصرا عزيزا خلق الإنسان من علق وآخر دعواهم أن الحمد لله وأحلوا قومهم دار البوار ولا تقتلوا النفس التي حرم الله التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم كلما أضاء لهم وتحشر المجرمين يومئذ يا أيها الإنسان إنك كادح يا أيها الإنسان ما غرك وهب لنا من لدنك رحمة وينصرك الله نصرا عزيزا والطير محشورة كل له أواب وعندهم قاصرات الطرف أتراب فإن عدنا فانا ظالمون زلزلة الساعة شيء عظيم أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ثمرات النخيل والاعناب ذلك الكتاب لا ريب فيه ومن التام أيضا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس ونزلناه تنزيلا وإذا انتهى إلى الناس تم أيضا وأيضا لتقرأه على الناس ونزلناه تنزيلا وقيل في الجواب عن الحديث ان وقوع البيت الواحد من الفصيح لا يسمى شعرا ولا يسمى قائله شاعرا الحديث الثالث حديث أبي هريرة أصدق كلمة قالها الشاعر تقدم شرحه في أيام الجاهلية وقوله

[ 5795 ] عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقع في رواية زائدة بن قدامة عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة به وزاد بعد قوله كلمة لبيد ثم تمثل أوله وترك آخره وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن زائدة مثل رواية سفيان ومن تابعه وهو المحفوظ الحديث الرابع حديث سلمة بن الأكوع في قصة عامر بن الأكوع تقدم شرحه مستوفى في غزوة خيبر من كتاب المغازي وقوله

[ 5796 ] فيه وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يؤخذ منه جميع الترجمة لاشتماله على الشعر والرجز والحداء ويؤخذ منه الرجز من جملة الشعر وقوله اللهم لولا أنت ما اهتدينا قال بن التين هذا ليس بشعر ولا رجز لأنه ليس بموزون وليس كما قال بل هو رجز موزون وإنما زيد في أوله سبب خفيف ويسمى الخزم بالمعجمتين وقوله فاغفر فداء لك ما اقتفينا أما فداء فهو بكسر الفاء والمد منون ومنهم من يقوله بالقصر وشرط اتصاله بحرف الجر كالذي هنا قاله بن التين وقال المازري لا يقال لله فداء لك لأنها كلمة تستعمل عند توقع مكروه لشخص فيختار شخص آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك أو هذه الكلمة وقعت خطابا لسامع الكلام وقد تقدم له توجيه آخر في غزوة خيبر وقال بن بطال معناه اغفر لنا ما ارتكبناه من الذنوب وفداء لك دعاء أي افدنا من عقابك على ما اقترفنا من ذنوبنا كأنه قال اغفر لنا وافدنا منك فداء لك أي من عندك فلا تعاقبنا به وحاصله أنه جعل اللام للتبيين مثل هيت لك واستدل بجواز الحداء على جواز غناء الركبان المسمى بالنصب وهو ضرب من النشيد بصوت فيه تمطيط وأفرط قوم فاستدلوا به على جواز الغناء مطلقا بالألحان التي تشتمل عليها الموسيقى وفيه نظر وقال الماوردي اختلف فيه فأباحه قوم مطلقا ومنعه قوم مطلقا وكرهه مالك والشافعي في أصح القولين ونقل عن أبي حنيفة المنع وكذا أكثر الحنابلة ونقل بن طاهر في كتاب السماع الجواز عن كثير من الصحابة لكن لم يثبت من ذلك شيء إلا في النصب المشار إليه أولا قال بن عبد البر الغناء الممنوع ما فيه تمطيط وإفساد لوزن الشعر طلبا للضرب وخروجا من مذاهب العرب وإنما وردت الرخصة في الضرب الأول دون ألحان العجم وقال الماوردي هو الذي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه من غير نكير إلا في حالتين أن يكثر منه جدا وأن يصحبه ما يمنعه منه واحتج من إباحه بأن فيه ترويحا للنفس فإن فعله ليقوى على الطاعة فهو مطيع أو على المعصية فهو عاص وإلا فهو مثل التنزه في البستان والتفرج على المارة وأطنب الغزالي في الاستدلال ومحصله أن الحداء بالرجز والشعر لم يزل يفعل في الحضرة النبوية وربما التمس ذلك وليس هو إلا أشعار توزن باصوات طيبة وألحان موزونة وكذلك الغناء اشعار موزونة تؤدي بأصوات مستلذة وألحان موزونة وقد تقدم له بوجه آخر في غزوة خيبر والحليمي ما تعين طريقا إلى الدواء أو شهد به طبيب عدل عارف الحديث الخامس

[ 5795 ] قوله إسماعيل هو بن علية قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه يأتي في باب المعاريض في رواية حماد بن زيد عن أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر في رواية شعبة عن ثابت عن أنس كان في منزله فحدى الحادي وسيأتي ذلك في باب المعاريض وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق شعبة بلفظ وكان معهم سائق وحاد ولأبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس كان أنجشة يحدو بالنساء وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال وأخرجه أبو عوانة من رواية عفان عن حماد وفي رواية قتادة عن أنس كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاد يقال له أنجشة وكان حسن الصوت وسيأتي في باب المعاريض وفي رواية وهيب وأنجشة غلام النبي صلى الله عليه وسلم يسوق بهن وفي رواية حميد عن أنس فاشتد بهن في السياق أخرجها أحمد عن بن عدي عنه وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت فإذا اعنقت الإبل وهي بعين مهملة ونون وقاف أي أسرعت وزنه ومعناه والعنق بفتحتين قد تقدم بيانه في كتاب الحج قوله ومعهن أم سليم في رواية حميد عن أنس عند الحارث وكان يحدو بأمهات المؤمنين ونسائهم وفي رواية وهيب عن أيوب كما سيأتي بعد عشرين بابا كانت أم سليم في الثقل وفي رواية سليمان التيمي عن أنس عند مسلم كانت أم سليم مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه من طريق يزيد بن زريع عنه وأخرجه النسائي من طريق زهير والرامهرمزي في الأمثال من طريق حماد بن مسعدة كلاهما عن سليمان فقال عن أنس عن أم سليم جعله من مسند أم سليم والأول هو المحفوظ وحكى عياض أن في رواية السمرقندي في مسلم أم سلمة بدل أم سليم قال وقوله في الرواية الأخرى مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم يقوى أنها ليست من نسائه قلت وتضافر الروايات على أنها أم سليم يقضي بأن قوله أم سلمة تصحيف قوله فقال ويحك أيا أنجشة في رواية حماد كان في سفر له وكان غلام يحدو بهن يقال له أنجشة وسيأتي في باب المعاريض وفي رواية مسلم من هذا الوجه كان في بعض أسفاره وغلام أسود وفي رواية للنسائي عن قتيبة عن حماد وغلام له يقال له أنجشة وهو بفتح الهمز وسكون النون وفتح الجيم وبعدها شين معجمة ثم هاء تأنيث ووقع في رواية وهيب يا أنجش على الترخيم قال البلاذري كان أنجشة حبشيا يكنى أبا مارية وأخرج الطبراني من حديث واثلة أنه كان ممن نفاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المخنثين قوله رويدك كذا للأكثر وفي رواية سليمان التيمي رويدا وفي رواية شعبة أرفق ووقع في رواية حميد رويدك أرفق جمع بينهما رويناه في جزء الأنصاري عن حميد وأخرجه الحارث عن عبد الله بن بكر عن حميد فقال كذلك سوقك وهي بمعنى كفاك قال عياض قوله رويدا منصوب على أنه صفة لمحذوف دل عليه اللفظ أي سق سوقا رويدا أو أحد حدوا رويدا أو على المصدر أي أورد رويدا مثل أرفق رفقا أو على الحال أي سر رويدا أو رويدك منصوب على الإغراء أو مفعول بفعل مضمر أي الزم رفقك أو على المصدر أي ارود رويدك وقال الراغب رويدا من أرود يرود كأمهل يمهل وزنه ومعناه وهو من الرود بفتح الراء وسكون ثانيه وهو التردد في طلب الشيء برفق راد وارتاد والرائد طالب الكلأ ورادت المرأة ترود إذا مشت على هينتها وقال الرامهرمزي رويدا تصغير رود وهو مصدر فعل الرائد وهو المبعوث في طلب الشيء ولم يستعمل في معنى المهملة إلا مصغرا قال وذكر صاحب العين أنه إذا أريد به معنى التزويد في الوعيد لم ينون وقال السهيلي قوله رويدا أي ارفق جاء بلفظ التصغير لأن المراد التقليل أي ارفق قليلا وقد يكون من تصغير المرخم وهو أن يصغر الاسم بعد حرف الزوائد كما قالوا في أسود سويد فكذا في أرود رويد قوله سوقك كذا للأكثر وفي رواية حميد سيرك وهو بالنصب على نزع الخافض أي ارفق في سوقك أو سقهن كسوقك وقال القرطبي في المفهم رويدا أي ارفق وسوقك مفعول به ووقع في رواية مسلم سوقا وكذا للإسماعيلي في رواية شعبة وهو منصوب على الإغراء بقوله ارفق سوقا أو على المصدر أي سق سوقا وقرأت بخط بن الصائغ المتأخر رويدك إما مصدر والكاف في محل خفض وإما اسم فعل والكاف حرف خطاب وسوقك بالنصب على الوجهين والمراد به حدوك إطلاقا لاسم المسبب على السبب وقال بن مالك رويدك اسم فعل بمعنى أرود أي أمهل والكاف المتصلة به حرف خطاب وفتحة داله بنائية ولك أن تجعل رويدك مصدرا مضافا إلى الكاف ناصبها سوقك وفتحة داله على هذا إعرابية وقال أبو البقاء الوجه النصب برويدا والتقدير أمهل سوقك والكاف حرف خطاب وليست اسما ورويدا يتعدى إلى مفعول واحد قوله بالقوارير في رواية هشام عن قتادة رويدك سوقك ولا تكسر القوارير وزاد حماد في روايته عن أيوب قال أبو قلابة يعني النساء ففي رواية همام عن قتادة ولا تكسر القوارير قال قتادة يعني ضعفة النساء والقوارير جمع قارورة وهي الزجاجة سميت بذلك لاستقرار الشراب فيها وقال الرامهرمزي كنى عن النساء بالقوارير لرقتهن وضعفهن عن الحركة والنساء يشبهن بالقوارير في الرقة واللطافة وضعف البنية وقيل المعنى سقهن كسوقك القوارير لو كانت محمولة على الإبل وقال غيره شبههن بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على الوفاء كالقوارير يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر وقد استعملت الشعراء ذلك قال بشار ارفق بعمرو إذا حركت نسبته فإنه عربي من قوارير قال أبو قلابة فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه قوله سوقك بالقوارير قال الداودي هذا قاله أبو قلابة لأهل العراق لما كان عندهم من التكلف ومعارضة الحق بالباطل وقال الكرماني لعله نظر إلى أن شرط الاستعارة أن يكون وجه الشبه جليا وليس بين القارورة والمرأة وجه التشبيه من حيث ذاتهما ظاهر لكن الحق أنه كلام في غاية الحسن والسلامة عن العيب ولا يلزم في الاستعارة أن يكون جلاء وجه الشبه من حيث ذاتهما بل يكفي الجلاء الحاصل من القرائن الحاصلة وهو هنا كذلك قال ويحتمل أن يكون قصد أبي قلابة أن هذه الاستعارة من مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغة ولو صدرت من غيره ممن لا بلاغة له لعبتموها قال وهذا هو اللائق بمنصب أبي قلابة قلت وليس ما قاله الداودي بعيدا ولكن المراد من كان يتنطع في العبارة ويتجنب الألفاظ التي تشتمل على شيء من الهزل وقريب من ذلك قول شداد بن أوس الصحابي لغلامه ائتنا بسفرة نعبث بها فأنكرت عليه أخرجه أحمد والطبراني قال الخطابي كان أنجشة أسود وكان في سوقه عنف فأمره أن يرفق بالمطايا وقيل كان حسن الصوت بالحداء فكره أن تسمع النساء الحداء فإن حسن الصوت يحرك من النفوس فشبه ضعف عزائمهن وسرعة تأثير الصوت فيمن بالقوارير في سرعة الكسر إليها وجزم بن بطال بالأول فقال القوارير كناية عن النساء اللاتي كن على الإبل التي تساق حينئذ فأمر الحادي بالرفق في الحداء لأنه يحث الإبل حتى تسرع فإذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط وإذا مشت رويدا أمن على النساء السقوط قال وهذا من الاستعارة البديعة لأن القوارير أسرع شيء تكسيرا فأفادت الكناية من الحض على الرفق بالنساء في السير ما لم تفده الحقيقة لو قال أرفق بالنساء وقال الطيبي هي استعارة لأن المشبه به غير مذكور والقرينة حالية لا مقالية ولفظ الكسر ترشيح لها وجزم أبو عبيد الهروي بالثاني وقال شبه النساء بالقوارير لضعف عزائمهن والقوارير يسرع إليها الكسر فخشى من سماعهن النشيد الذي يحدو به أن يقع بقلوبهن منه فأمره بالكف فشبه عزائمهن بسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في إسراع الكسر إليها ورجح عياض هذا الثاني فقال هذا أشبه بمساق الكلام وهو الذي يدل عليه كلام أبي قلابة وإلا فلو عبر عن السقوط بالكسر لم يعبه أحد وجوز القرطبي في المفهم الأمرين فقال شبههن بالقوارير لسرعة تأثرهن وعدم تجلدهن فخاف عليهن من حث السير بسرعة السقوط أو التألم من كثرة الحركة والاضطراب الناشيء عن السرعة أو خاف عليهن الفتنة من سماع النشيد قلت والراجح عند البخاري الثاني ولذلك أدخل هذا الحديث في باب المعاريض ولو أريد المعنى الأول لم يكن في لفظ القوارير تعريض

قوله باب هجاء المشركين الهجاء والهجو بمعنى ويقال هجوته ولا تقل هجيته وأشار بهذه الترجمة الى ان بعض الشعر قد يكون مستحبا وقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه بن حبان من حديث أنس رفعه جاهدوا المشركين بألسنتهم وتقدم في مناقب قريش الإشارة الى حديث كعب بن مالك وغيره في ذلك وللطبراني من حديث عمار بن ياسر لما هجانا المشركون قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لهم كما يقولون لكم فان كنا لنعلمه إماء أهل المدينة وذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول والثاني

[ 5798 ] قوله حدثنا محمد هو بن سلام نسبه أبو علي بن السكن وصرح به البخاري في الأدب المفرد وعبدة هو بن سليمان وتقدم شرح حديث عائشة هذا في مناقب قريش وقوله استأذن حسان ووقع في طريق مرسلة بيان ذلك وسببه فروى بن وهب في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه من طريق محمد بن سيرين قال هجا رهط من المشركين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المهاجرون يا رسول الله ألا تأمر عليا فيهجو هؤلاء القوم فقال ان القوم الذين نصروا بأيديهم أحق أن ينصروا بألسنتهم فقالت الأنصار أرادنا والله فأرسلوا إلى حسان فأقبل فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما أحب أن لي بمقولي ما بين صنعاء وبصرى فقال أنت لها فقال لا علم لي بقريش فقال لأبي بكر أخبره عنهم ونقب له في مثالبهم وقد تقدم بعض هذا موصولا من حديث عائشة وهو عند مسلم وقوله لأسلنك أي لأخلصن نسبك من هجوهم بحيث لا يبقى شيء من نسبك فيناله الهجو كالشعرة إذا انسلت لا يبقى عليها شيء من العجين وفي الحديث جواز سب المشرك جوابا عن سبه للمسلمين ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين لأنه محمول على البداءة به لا على من أجاب منتصرا وقوله في الحديث الثاني ينافح بفاء ومهملة أي يخاصم بالمدافعة والمنافح المدافع تقول نافحت عن فلان أي دافعت عنه الحديث الثالث حديث أبي هريرة في شعر عبد الله بن رواحة وقد تقدم شرحه في قيام الليل في أواخر كتاب الصلاة وكذا بيان متابعة عقيل ومن وصلها ورواية الزبيدي ومن وصلها قال بن بطال فيه أن الشعر إذا اشتمل على ذكر الله والأعمال الصالحة كان حسنا ولم يدخل فيما ورد فيه الذم من الشعر قال الكرماني في البيت الأول إشارة إلى علمه وفي الثالث إلى عمله وفي الثاني إلى تكميله غيره صلى الله عليه وسلم فهو كامل مكمل تنبيه وقع للجميع في البيت الثالث إذا استثقلت بالكافرين المضاجع إلا الكشميهني فقال بالمشركين واستثقلت بالمثلثة والقاف من الثقل وزعم عياض أنه وقع في رواية أبي ذر استقلت بمثناة فقط وتشديد اللام قال وهو فاسد الرواية والنظم والمعنى قلت وروايتنا من طريق أبي ذر متقنة وهي كالجادة الحديث الرابع

[ 5800 ] قوله وحدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه أبو بكر واسمه عبد الحميد وسليمان هو بن بلال ومحمد بن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأبو عتيق كنية جده محمد وقد تقدمت رواية شعيب مفردة في باب الشعر في المسجد في أوائل الصلاة وقرنها هنا برواية بن أبي عتيق ولفظهما واحد إلا أنه قال هناك أنشدك الله هل سمعت وقال هنا نشدتك الله وفي رواية الكشميهني نشدتك بالله يا أبا هريرة والباقي سواء وقد تقدم بيان الاختلاف على الزهري في شيخه في هذا الحديث هناك وتوجيه الجمع والإشارة إلى شرح الحديث وقوله هل سمعت وقال في آخره نعم يستفاد منه مشروعية تحمل الحديث بهذه الصيغة وعد المزي هذا الحديث في الأطراف من مسند حسان وهو صريح في كونه من مسند أبي هريرة ويحتمل أن يكون من مسند حسان الحديث الخامس

[ 5801 ] قوله عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان هكذا رواه أكثر أصحاب شعبة فقال فيه عن البراء عن حسان جعله من مسند حسان أخرجه النسائي وقد أوردت هذا في الملائكة من بدء الخلق معزوا إلى الترمذي وهو سهو كأن سببه التباس الرقم فإنه للترمذي ت وللنسائي ن وهما يلتبسان وقد تقدم بيان الوقت الذي وقع ذلك فيه لحسان في المغازي في غزوة بني قريظة

قوله باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن هو في هذا الحمل متابع لأبي عبيد كما سأذكره ووجهه أن الذم إذا كان للامتلاء وهو الذي لا بقية لغيره معه دل على أن ما دون ذلك لا يدخله الذم ثم ذكر فيه حديث لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا من حديث بن عمرو من حديث أبي هريرة وزاد أبو ذر في روايته عن الكشميهني في حديث أبي هريرة حتى يريه وهذه الزيادة ثابتة في الأدب المفرد عن الشيخ الذي أخرجه عنه هنا وكذلك رواية النسفي ونسبها بعضهم للاصيلي ولسائر رواة الصحيح قيحا يريه بإسقاط حتى وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو عوانة وابن حبان من طرق عن الأعمش في أكثرها حتى يريه ووقع عند الطبراني من وجه آخر عن سالم عن بن عمر بلفظ حتى يريه أيضا قال بن الجوزي وقع في حديث سعد عند مسلم حتى يريه وفي حديث أبي هريرة عند البخاري بإسقاط حتى فعلى ثبوتها يقرأ يريه بالنصب وعلى حذفها بالرفع قال ورأيت جماعة من المبتدئين يقرءونها بالنصب مع إسقاط حتى جريا على المألوف وهو غلط إذ ليس هنا ما ينصب وذكر أن بن الخشاب نبه على ذلك ووجه بعضهم النصب على بدل الفعل من الفعل واجراء إعراب يمتلىء على يريه ووقع في حديث عوف بن مالك عند الطحاوي والطبراني لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته قيحا يتخضخض خير له من أن يمتلىء شعرا وسنده حسن ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم لهذا الحديث سبب ولفظه بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض لنا شاعر ينشد فقال أمسكوا الشيطان لأن يمتلىء فذكره ويريه بفتح الياء آخر الحروف بعدها راء ثم ياء أخرى قال الأصمعي هو من الورى بوزن الرمي يقال منه رجل مورى غير مهموز وهو أن يورى جوفه وأنشد قالت له وريا إذا تنحنحا تدعو عليه بذلك وقال أبو عبيد الورى هو أن يأكل القيح جوفه وحكى بن التين فيه الفتح بوزن الفري وهو قول الفراء وقال ثعلب هو بالسكون المصدر وبالفتح الاسم وقيل معنى

[ 5803 ] قوله حتى يريه أي يصيب رئته وتعقب بأن الرئة مهموزة فإذا بنيت منه فعلا قلت رآه يرأه فهو مرئي انتهى ولا يلزم من كون أصلها مهموزا أن لا تستعمل مسهلة ويقرب ذلك أن الرئة إذا امتلأت قيحا يحصل الهلاك وأما قوله جوف أحدكم فقال بن أبي جمرة يحتمل ظاهره أن يكون المراد جوفه كله وما فيه من القلب وغيره ويحتمل أن يريد به القلب خاصة وهو الأظهر لأن أهل الطب يزعمون أن القيح إذا وصل إلى القلب شيء منه وأن كان يسيرا فإن صاحبه يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف من الكبد والرئة قلت ويقوى الاحتمال الأول رواية عوف بن مالك لأن يتملىء جوف أحدكم من عانته إلى لهاته وتظهر مناسبته للثاني لأن مقابله وهو الشعر حله القلب لأنه ينشأ عن الفكر وأشار بن أبي جمرة إلى عدم الفرق في امتلاء الجوف من الشعر بين من ينشئه أو يتعانى حفظه من شعر غيره وهو ظاهر وقوله قيحا بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها مهملة المدة لا يخالطها دم وقوله شعرا ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا حقا كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه عند مسلم كما أشرت إليه قريبا قال بن بطال ذكر بعضهم أن معنى قوله خير له من أن يمتلىء شعرا يعني الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول لأن الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه ولكن وجهه عندي أن يمتلىء قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فإما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر قلت وأخرج أبو عبيد التأويل المذكور من رواية مجالد عن الشعبي مرسلا فذكر الحديث وقال في آخره يعني من الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع لنا ذلك موصولا من وجهين آخرين فعند أبي يعلى من حديث جابر في الحديث المذكور قيحا أو دما خير له من أن يمتلىء شعرا هجيت به وفي سنده راو لا يعرف وأخرجه الطحاوي وابن عدي من رواية بن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث الباب قال فقالت عائشة لم يحفظ إنما قال من أن يمتلىء شعرا هجيت به وابن الكلبي واهي الحديث وأبو صالح شيخه ما هو الذي يقال له السمان المتفق على تخريج حديثه في الصحيح عن أبي هريرة بل هذا آخر ضعيف يقال له باذان فلم تثبت هذه الزيادة ويؤيد تأويل أبي عبيد ما أخرجه البغوي في معجم الصحابة والحسن بن سفيان في مسنده والطبراني في الأوسط من حديث مالك بن عمير السلمي أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح وغيرها وكان شاعرا فقال يا رسول الله أفتني في الشعر فذكر الحديث وزاد قلت يا رسول الله امسح على رأسي قال فوضع يده على رأسي فما قلت بيت شعر بعد وفي رواية الحسن بن سفيان بعد قوله على رأسي ثم أمرها على كبدي وبطني وزاد البغوي في روايته فإن رابك منه شيء فاشبب بامرأتك وامدح راحلتك فلو كان المراد الامتلاء من الشعر لما إذن له في شيء منه بل دلت الزيادة الأخيرة على الإذن في المباح منه وذكر السهيلي في غزوة ودان عن جماع بن وهب أنه روى فيه أن عائشة رضي الله عنها تأولت هذا الحديث على ما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم وأنكرت على من حمله على العموم في جميع الشعر قال السهيلي فإن قلنا بذلك فليس في الحديث الا عيب امتلاء الجوف منه فلا يدخل في النهي رواية اليسير على سبيل الحكاية ولا الاستشهاد به في اللغة ثم ذكر استشكال أبي عبيد وقال عائشة أعلم منه فإن الذي يروي ذلك على سبيل الحكاية لا يكفر ولا فرق بينه وبين الكلام الذي ذموا به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحواب عن صنيع بن إسحاق في إيراده بعض أشعار الكفرة في هجو المسلمين والله أعلم واستدل بتأويل أبي عبيد على أن مفهوم الصفة ثابت باللغة لأنه فهم منه أن غير الكثير من الشعر ليس كالكثير فخص الذم بالكثير الذي دل عليه الامتلاء دون القليل منه فلا يدخل في الذم وأما من قال أن أبا عبيد بنى هذا التأويل على اجتهاده فلا يكون نافلا للغة فجوابه أنه إنما فسر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه على ما تلقفه من لسان العرب لا على ما يعرض في خاطره لما عرف من تحرزه في تفسير الحديث النبوي وقال النووي استدل به على كراهة الشعر مطلقا وأن قل وأن سلم من الفحش وتعلق بقوله في حديث أبي سعيد خذوا الشيطان وأجيب باحتمال أن يكون كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه أو كان شعره الذي ينشده إذ ذاك من المذموم وبالجملة فهي واقعة عين يتطرق إليها الاحتمال ولا عموم لها فلا حجة فيها وألحق بن أبي جمرة بامتلاء الجوف بالشعر المذموم حتى يشغله عما عداه من الواجبات والمستحبات الامتلاء من السجع مثلا ومن كل علم مذموم كالسحر وغير ذلك من العلوم التي تقسي القلب وتشغله عن الله تعالى وتحدث الشكوك في الاعتقاد وتفضى به إلى التباغض والتنافس تنبيه مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر أن الذين خوطبوا بذلك كانوا في غاية الإقبال عليه والاشتغال به فزجرهم عنه ليقبلوا على القرآن وعلى ذكر الله تعالى وعبادته فمن أخذ من ذلك ما أمر به لم يضره ما بقي عنده مما سوى ذلك والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم تربت يمينك وعقرى حلقى ذكر فيه حديثين لعائشة مقدما فيهما ما ترجم به أحدهما حديثها في قصة أبي القعيس في الرضاعة وقد تقدم شرحه في كتاب النكاح في باب الأكفاء في الدين في شرح حديث أبي هريرة تنكح المرأة لأربع الحديث قال بن السكيت أصل تربت افتقرت ولكنها كلمة تقال ولا يراد بها الدعاء وإنما أراد التحريض على الفعل المذكور وأنه إن خالف أساء وقال النحاس معناه أن لم تفعل لم يحصل في يديك إلا التراب وقال بن كيسان هو مثل جرى على أنه أن فاتك ما أمرتك به افتقرت إليه فكأنه قال افتقرت أن فاتك فاختصر وقال الداودي معناه افتقرت من العلم وقيل هي كلمة تستعمل في المدح عند المبالغة كما قالوا للشاعر قاتله الله لقد أجاد وقيل غير ذلك مما تقدم بيانه في حديث أبي هريرة ثانيهما حديثهما في قصة صفية لما حاضت في الحج وقد تقدم شرحه في كتاب الحج في باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت وضبطه أبو عبيد في غريب الحديث بالقصر وبالتنوين وذكر في الأمثال أنه في كلام العرب بالمد وفي كلام المحدثين بالقصر وقال أبو علي القالي هو بالمد وبالقصر معا قالوا والمعنى عقرها الله وحلقها وفيه من القول نحو ما تقدم في تربت

قوله باب ما جاء في زعموا كأنه يشير إلى حديث أبي قلابة قال قيل لأبي قلابة قال قيل لأبي مسعود ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا قال بئس مطية الرجل أخرجه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا وكأن البخاري أشار إلى ضعف هذا الحديث بإخراجه حديث أم هانئ وفيه قولها زعم بن أمي فإن أم هانئ أطلقت ذلك في حق علي ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم والأصل في زعم أنها تقال في الأمر الذي لا يوقف على حقيقته وقال بن بطال معنى حديث أبي مسعود أن من أكثر من الحديث بما لا يتحقق صحته لم يؤمن عليه الكذب وقال غيره كثر استعمال الزعم بمعنى القول وقد وقع في حديث ضمام بن ثعلبة الماضي في كتاب العلم زعم رسولك وقد أكثر سيبويه في كتابه من قوله في أشياء يرتضيها زعم الخليل

قوله باب ما جاء في قول الرجل ويلك تقدم شرح هذه الكلمة في كتاب الحج عند شرح أول أحاديث الباب وقد قيل إن أصل ويل وي وهي كلمة تأوه فلما كثر قولهم وي لفلان وصلوها باللام وقدروها أنها منها فأعربوها وعن الأصمعي ويل للتقبيح على المخاطب فعله وقال الراغب ويل قبوح وقد تستعمل بمعنى التحسر وويح ترحم وويس استصغار وأما ما ورد ويل واد في جهنم فلم يرد أنه معناه في اللغة وإنما أراد من قال الله ذلك فيه فقد استحق مقرا من النار وفي كتاب من حدث ونسي عن معتمر بن سليمان قال قال لي أبي أنت حدثتني عني عن الحسن قال ويح كلمة رحمة وأكثر أهل اللغة على أن ويل كلمة عذاب وويح كلمة رحمة وعن اليزيدي هما بمعنى واحد تقول ويح لزيد وويل لزيد ولك أن تنصبهما بإضمار فعل كأنك قلت ألزمه الله ويلا أو ويحا قلت وتصرف البخاري يقتضي أنه على مذهب اليزيدي في ذلك فإنه ذكر في بعض الأحاديث في الباب ما ورد بلفظ ويل فقط وما ما ورد بلفظ ويح فقط وما وقع التردد فيهما ولعله رمز إلى تضعيف الحديث الوارد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في قصة لا تجزعي من الويح فإنه كلمة رحمة ولكن اجزعي من الويل أخرجه الخرائطي في مساوىء الأخلاق بسند واه وهو آخر حديث فيه وقال الداودي ويل وويح وويس كلمات تقولها العرب عند الذم قال وويح مأخوذ من الحزن وويس من الآسي وهو الحزن وتعقبه بن التين بأن أهل اللغة إنما قالوا ويل كلمة تقال عند الحزن وأما قول بن عرفة الويل الحزن فكأنه أخذه من أن الدعاء بالويل إنما يكون عند الحزن والأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله هنا فيها ما اختلف الرواة في لفظه هل هي ويل أو ويح وفيها ما تردد الراوي فقال ويل أو ويح وفيها ما جزم فيه بأحدهما ومجموعها يدل على أن كلا منهما كلمة توجع يعرف هل المراد الذم أو غيره من السياق فإن في بعضها الجزم بويل وليس حمله على العذاب بظاهر والحاصل أن الأصل في كل منهما ما ذكر وقد تستعمل إحداهما موضع الأخرى وقوله ويس مأخوذ من الاسى متعقب لاختلاف تصريف الكلمتين وذكر المصنف في الباب تسعة أحاديث تقدمت كلها الحديث الأول والثاني لأبي هريرة وأنس في

[ 5807 ] قوله صلى الله عليه وسلم لسائق البدنة اركبها ويلك هذا لفظ أنس زاد في رواية أبي هريرة في الثانية أو في الثالثة وقد تقدم شرحه في باب ركوب البدن من كتاب الحج وما وقع في حديث أنس من اختلاف ألفاظه في قوله ثلاثا أو في الثالثة أو الرابعة وهل قال له ويلك أو ويحك الحديث الثالث حديث أنس في قصة أنجشة وقد تقدم شرحه قريبا قبل أربعة أبواب الحديث الرابع حديث أبي بكرة أثنى رجل وفيه ويلك قطعت عنق أخيك وقد تقدم شرحه في باب ما يكره من التمادح الحديث الخامس حديث أبي سعيد في قصة ذي الخويصرة وقوله

[ 5811 ] يا رسول الله أعدل قال ويلك من يعدل إذا لم أعدل وقد تقدم بعض شرحه في علامات النبوة وفي أواخر المغازي ويأتي تمامه في استتابة المرتدين وقوله هنا على حين فرقة بالحاء المهملة المكسورة والنون ووقع في رواية الكشميهني خير فرقة بخاء معجمة وراء والضحاك المذكور في السند هو بن شرحبيل المشرفي بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الراء منسوب إلى بطن من همدان الحديث السادس حديث أبي هريرة في الذي وقع على امرأته في رمضان وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام وأورده هنا لقوله في بعض طرقه فقال ويلك كما سأبينه وقوله

[ 5812 ] عبد الله هو بن المبارك وقوله أخبرنا الأوزاعي قال حدثني الزهري فيه رد على من أعل هذه الطريق بأن الأوزاعي لم يسمعه من الزهري لرواية عقبة بن علقمة له عن الأوزاعي قال بلغني عن الزهري هكذا رويناه في الجزء الثاني من حديث أبي العباس الأصم وعقبة لا بأس به فيحتمل أن يكون الأوزاعي لقي الزهري فحدثه به بعد أن كان بلغه منه فحدث به على الوجهين وقوله ما بين طنبي المدينة بضم الطاء والمهملة وسكون النون بعدها موحدة تثنية طنب أي ناحيتي المدينة قال بن التين ضبط في رواية الشيخ أبي الحسن بفتحتين وفي رواية أبي ذر بضمتين والأصل ضم النون وتسكن تخفيفا وأصل الطنب الحبل للخيمة فاستعير للطرف من الناحية وقوله أحوج مني وقع في رواية الكشميهني أفقر وقوله في آخره وقال خذه في رواية الكشميهني ثم قال أطعمه أهلك قوله تابعه يونس يعني بن يزيد عن الزهري يعني بسنده في قوله فقال ويحك قال وقعت على أهلي وهذه المتابعة وصلها البيهقي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد عن الزهري بتمامه وقال في روايته فقال ويحك وما ذاك قوله وقال عبد الرحمن بن خالد علن الزهري ويلك يعني بدل قوله ويحك وهذا التعليق وصله الطحاوي من طريق الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن بن شهاب الزهري بسنده المذكور فيه فقال مالك ويلك قال وقعت على أهلي الحديث السابع حديث أبي سعيد في رواية الوليد هو بن مسلم

[ 5813 ] قوله أخبرني عن الهجرة قال ويحك إن الهجرة شأنها شديد الحديث وقد تقدم في باب الهجرة إلى المدينة وان الهجرة كانت واجبة على أهل مكة على الأعيان قبل فتح مكة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذرهم شدة الهجرة ومفارقة الأهل والوطن وقد تقدم شرح حديثه صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح وقوله من وراء البحار بموحدة ثم مهملة للأكثر أي من وراء القرى والفرية يقال لها البحرة لاتساعها ووقع في رواية الكشميهني بمثناة ثم جيم وهو تصحيف وقوله لن يترك بفتح أوله وسكون ثانيه من الترك والكاف أصلية وبفتح أوله وكسر ثانيه ونصب الراء وفتح الكاف أي لن ينقصك الحديث الثامن حديث بن عمر

[ 5814 ] قوله قال ويلكم أو ويحكم قال شعبة شك هو يعني شيخه واقد بن محمد قوله وقال النضر هو بن شميل عن شعبة يعني بهذا السند ويحكم يعني لم يشك وقوله وقال عمر بن محمد هو أخو واقد المذكور قوله عن أبيه هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده بن عمر ويلكم أو ويحكم يعني مثل ما قال أخوه واقد فدل على أن الشك فيه من محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أو ممن فوقه وقد تقدمت طريق عمر هذه موصولة في أواخر المغازي من طريق بن وهب عنه وتقدم حديث عمر هذا من وجه آخر عن بن عمر مطولا في باب قوله يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ويأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى الحديث التاسع

[ 5815 ] قوله همام عن قتادة عن أنس صرح شعبة في روايته عن قتادة بسماعه له من أنس ويأتي بيانه عقب هذا قوله ان رجلا من أهل البادية في رواية الزهري عن أنس عند مسلم أن رجلا من الأعراب وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس عنده نحوه وفي رواية سالم بن أبي الجعد الآتية في كتاب الأحكام عن أنس بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد فلقينا رجل عند سدة المسجد وقد بينت في مناقب عمر أنه ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وأن حديثه بذلك مخرج عند الدارقطني وأن من زعم أنه أبو موسى أو أبو ذر فقد وهم فإنهما وان اشتركا في معنى الجواب وهو أن المرء مع من أحب فقد اختلف سؤالهما فإن كلا من أبي موسى وأبي ذر إنما سأل عن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم وهذا سأل متى الساعة قوله متى الساعة قائمة يجوز فيه الرفع والنصب وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم متى تقوم الساعة وكذا في أكثر الروايات قوله ويلك وما أعددت لها قال ما أعددت لها زاد معمر عن الزهري عن أنس عند مسلم من كثير عمل أحمد عليه نفسي وفي رواية سفيان عن الزهري عند مسلم فلم يذكر كثيرا وفي رواية سالم بن أبي الجعد المذكورة فكأن الرجل استكان ثم قال ما أعددت من كبير صلاة ولا صوم ولا صدقة قوله إلا أني أحب الله ورسوله قال الكرماني هذا الاستثناء يحتمل أن يكون متصلا وأن يكون منقطعا قوله إنك مع من أحببت أي ملحق بهم حتى تكون من زمرتهم وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة فكيف تصح المعية فيقال أن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما ولا تلزم في جميع الأشياء فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية وان تفاوتت الدرجات ويأتي بقية شرحه في الباب الذي بعده قوله فقلنا ونحن كذلك قال نعم هذا يؤيد ما بينت به المعية لأن درجات الصحابة متفاوتة قوله ففرحنا يومئذ فرحا شديدا في رواية أخرى عن أنس فلم أر المسلمين فرحوا فرحا أشد منه قوله فمر غلام للمغيرة في رواية مسلم للمغيرة بن شعبة أخرجه من رواية عفان عن همام قال مر غلام ولم يذكر ما قبله من هذه الطريق قوله وكان من أقراني أي مثلي في السن قال بن التين القرن المثل في السن وهو بفتح القاف وبكسرها المثل في الشجاعة قال وفعل بتفح أوله وسكون ثانيه إذا كان صحيحا لا يجمع على أفعال إلا ألفاظ لم يعدوا هذا فيها ووقع في رواية معبد بن هلال عند مسلم عن أنس وذلك الغلام من أترابي يومئذ والأتراب جمع ترب بكسر المثناة وسكون الراء بعدها موحدة وهم المتماثلون شبهوا بالترائب التي هي ضلوع للصدر ووقع في رواية الحسن عن أنس في آخره وأنا يومئذ بعد غلام قال بن بشكوال اسم هذا الغلام محمد واحتج بما أخرجه مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة وغلام من الأنصار يقال له محمد الحديث قال وقيل اسمه سعد ثم أخرج من طريق الحسن عن أنس أن رجلا سأل عن الساعة فذكر حديثا قال فنظر إلى غلام من دوس يقال له سعد وهذا أخرجه البارودي في الصحابة وسنده حسن وأخرجه أيضا من طريق أبي قلابة عن أنس نحوه وأخرجه بن منده من طريق قيس بن وهب عن أنس وقال فيه مر سعد الدوسي قال ورواه قرة بن خالد عن الحسن فقال فيه فقال لشاب من دوس يقال له بن سعد قلت وقد وقع عند مسلم في رواية معبد بن هلال عن أنس ثم نظر إلى غلام من أزد شنوءة فيحتمل التعدد أو كان اسم الغلام سعدا ويدعى محمدا أو بالعكس ودوس من أزد شنوءة فيحتمل أن يكون حالف الأنصار قوله فقال ان أخر هذا فلم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة في رواية الكشميهني فلن وكذا لمسلم وهي أولى وفي رواية حماد بن سلمة أن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم وفي رواية معبد بن هلال لئن عمر هذا لم يدركه الهرم كذا في الطرق كلها بإسناد الإدراك للهرم ولو أسند للغلام لكان سائغا ولكن أشير بالأول إلى أن الأجل كالقاصد للشخص قوله حتى تقوم الساعة وقع في رواية الباوردي التي أشرت إليها بدل قوله حتى تقوم الساعة لا يبقى منكم عين تطرف وبهذا يتضح المراد وله في أخرى ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تقدم بيانه في العلم أنه قال لأصحابه في آخر عمره أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد وكان جماعة من أهل ذلك العصر يظنون أن المراد أن الدنيا تنقضي بعد مائة سنة فلذلك قال الصحابي فوهل الناس فيما يتحدثون من مائة سنة وإنما أراد صلى الله عليه وسلم بذلك انخرام قرنه أشار إلى ذلك عياض مختصرا قلت ووقع في الخارج كذلك فلم يبق ممن كان موجودا عند مقالته تلك عند استكمال مائة سنة من سنة موته أحد وكان آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم موتا أبو الطفيل عامر بن وائلة كما ثبت في صحيح مسلم وقال الإسماعيلي بعد أن قرر أن المراد بالساعة ساعة الذين كانوا حاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلم وأن المراد موتهم وأنه أطلق على يوم موتهم اسم الساعة لافضائه بهم إلى أمور الآخرة ويؤيد ذلك أن الله استأثر بعلم وقت قيام الساعة العظمى كما دلت عليه الآيات والأحاديث الكثيرة قال ويحتمل أن يكون المراد بقوله حتى تقوم الساعة المبالغة في تقريب قيام الساعة لا التحديد كما قال في الحديث الآخر بعثت أنا والساعة كهاتين ولم يرد أنها تقوم عند بلوغ المذكور الهرم قال وهذا عمل شائع للعرب يستعمل للمبالغة عند تفخيم الأمر وعند تحقيره وعند تقريب الشيء وعند تبعيده فيكون حاصل المعنى أن الساعة تقوم قريبا جدا وبهذا الاحتمال الثاني جزم بعض شراح المصابيح واستبعده بعض شراح المشارق وقال الداودي المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك للذين خاطبهم بقوله تأتيكم ساعتكم يعني بذلك موتهم لأنهم كانوا أعرابا فخشي أن يقول لهم لا أدري متى الساعة فيرتابوا فكلمهم بالمعاريض وكأنه أشار إلى حديث عائشة الذي أخرجه مسلم كان الأعراب إذا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة فينظر إلى أحدث إنسان منهم سنا فيقول أن يعش هذا حتى يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم قال عياض وتبعه القرطبي هذه رواية واضحة تفسر كل ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها وأما قول النووي يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن الغلام المذكور لا يؤخر ولا يعمر ولا يهرم أي فيكون الشرط لم يقع فكذلك لم يقع الجزاء فهو تأويل بعيد ويلزم منه استمرار الإشكال لأنه ان حمل الساعة على انقراض الدنيا وحلول أمر الآخرة كان مقتضي الخبر أن القدر الذي كان بين زمانه صلى الله عليه وسلم وبين ذلك بمقدار ما لو عمر ذلك الغلام إلى أن يبلغ الهرم والشاهد خلاف ذلك وأن حمل الساعة على زمن مخصوص رجع إلى التأويل المتقدم وله أن ينفصل عن ذلك بأن سن الهرم لا حد لقدره وقال الكرماني يحتمل أن يكون الجزاء محذوفا كذا قال قوله واختصره شعبة عن قتادة سمعت أنسا وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة ولم يسق ألفاظه بل أحاله به على رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس وساقها أحمد في مسنده عن محمد بن جعفر ولفظه جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال متى الساعة قال ما أعددت لها قال حب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت وهو موافق لرواية همام فكأن مراد البخاري بالاختصار ما زاده همام في آخر الحديث من قوله فقلنا ونحن كذلك قال نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا فمر غلام الخ

قوله باب علامة الحب في الله لقوله تعالى إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ذكر فيه حديث المرء مع من أحب قال الكرماني يحتمل أن يكون المراد بالترجمة محبة الله للعبد أو محبة العبد لله أو المحبة بين العباد في ذات الله بحيث لا يشوبها شيء من الرياء والآية مساعدة للأولين واتباع الرسول علامة للأولى لأنها مسببة للاتباع وللثانية لأنها سببه انتهى ولم يتعرض لمطابقة الحديث للترجمة وقد توقف فيه غيره واحد والمشكل منه جعل ذلك علامة الحب في الله وكأنه محمول على الاحتمال الثاني الذي أبداه الكرماني وأن المراد علامة حب العبد لله فدلت الآية أنها لا تحصل إلا باتباع الرسول ودل الخبر على أن أتباع الرسول وإن كان الأصل أنه لا يحصل إلا بامتثال جميع ما أمر به أنه قد يحصل من طرق التفضل باعتقاد ذلك وان لم يحصل استيفاء العمل بمقتضاه بل محبة من يعمل ذلك كافية في حصول أصل النجاة والكون مع العاملين بذلك لأن محبتهم إنما هي لأجل طاعتهم والمحبة من أعمال القلوب فأثاب الله محبهم على معتقده إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها وليس من لازم المعية الاستواء في الدرجات وقد اختلف في سبب نزول الآية فأخرج بن أبي حاتم عن الحسن البصري قال كان قوم يزعمون أنهم يحبون الله فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فأنزل الله هذه الآية وذكر الكلبي في تفسيره عن بن عباس أنها نزلت حين قال اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه وفي تفسير محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير نزلت في نصارى نجران قالوا إنما نعبد المسيح حبا لله وتعظيما له وفي تفسير الضحاك عن بن عباس أنها نزلت في قريش قالوا إنما نعبد الأصنام حبا لله لتقربنا إليه زلفى فنزلت

[ 5816 ] قوله شعبة عن سليمان هو الأعمش وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش قوله عن أبي وائل في رواية الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمع أبا وائل وكذا في رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة عن الأعمش سمعت أبا وائل قوله عن عبد الله هكذا رواه أصحاب شعبة فقالوا عن عبد الله ولم ينسبوه منهم بن أبي عدي عند مسلم وأبو داود الطيالسي عند أبي عوانة وعمرو بن مرزوق عند أبي نعيم وأبو عامر العقدي ووهب بن جرير عند الإسماعيلي وحكى الإسماعيلي عن بندار أنه عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري واستدل برواية سفيان الثوري عن الأعمش الآتية عقب هذا وسيأتي ما يؤيده ولكن صنيع البخاري يقتضي أنه كان عند أبي وائل عن بن مسعود وعن أبي موسى جميعا وأن الطريقين صحيحان لأنه بين الاختلاف في ذلك ولم يرجع ولذا ذكر أبو عوانة في صحيحه عن عثمان بن أبي شيبة أن الطريقين صحيحان قلت ويؤيد ذلك أن له عند بن مسعود أصلا فقد أخرج أبو نعيم في كتاب المحبين من طريق عطية عن أبي سعيد قال أتيت أنا وأخي عبد الله بن مسعود فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وأخرجه أيضا من طريق مسروق عن عبد الله به

[ 5817 ] قوله جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال قال عبد الله بن مسعود ثم قال في آخره تابعه جرير بن حازم فيه إشارة إلى أن جريرا الأول هو بن عبد الحميد وأما متابعة جرير بن حازم فوصلها أبو نعيم في كتاب المحبين من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم حدثنا أبي سمعت الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله فذكره ولم ينسب عبد الله قوله وسليمان بن قرم هو بفتح القاف وسكون الراء ومتابعته هذه وصلها مسلم من طريق أبي الجواب عمار بن رزيق بتقديم الراء عنه عن عبد الله وعطفها على رواية شعبة فقال مثله وساق أبو عوانة في صحيحه لفظها ولم ينسب عبد الله أيضا وساقها الخطيب في كتاب المكمل مطولة قوله وأبو عوانة عن الأعمش يعني أن الثلاثة رووه عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله وأبو عوانة هذا هو الوضاح وأما أبو عوانة صاحب الصحيح فاسمه يعقوب ومتابعة أبي عوانة الوضاح وصلها أبو عوانة يعقوب والخطيب في كتاب المكمل من طريق يحيى بن حماد عنه وقال فيه أيضا عن عبد الله ولم يسنبه

[ 5818 ] قوله حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان هو الثوري قوله عن أبي موسى هكذا صرح به أبو نعيم وأخرجه أبو عوانة من رواية قبيصة عن سفيان الثوري فقال عن عبد الله ولم ينسبه وهذا يؤيد قول بندار أن عبد الله حيث لم ينسب فالمراد به في هذا الحديث أبو موسى وأن من نسبه ظن أنه بن مسعود لكثرة مجيء ذلك على هذه الصورة في رواية أبي وائل ولكنه هنا خرج عن القاعدة وتبين برواية من صرح أنه أبو موسى الأشعري أن المراد بعبد الله بن قيس وهو أبو موسى الأشعري ولم أر من صرح في روايته عن الأعمش أنه عبد الله بن مسعود إلا ما وقع في رواية جرير بن عبد الحميد هذه عند البخاري عن قتيبة عنه وقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن جرير فقال عن عبد الله حسب وكذا قال أبو يعلى عن أبي خيثمة وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر بن العباس وأبو عوانة من رواية إسحاق بن إسماعيل كلهم عن جرير به وكل من ذكر البخاري أنه تابعه إنما جاء من روايته أيضا عن عبد الله غير منسوب وكذا أخرجه أبو عوانة من رواية شيبان عن الأعمش فقال عبد الله ولم ينسبه قوله تابعه أبو معاوية ومحمد بن عبيد يعني عن الأعمش وهذه المتابعة وصلها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عنهما وقال في روايته عن أبي موسى وهكذا أخرجه أبو عوانة من طريق محمد بن كناسة عن الأعمش ووجدت للأعمش فيه إسنادا آخر أخرجه الحسن بن رشيق في شيوخ مكة له عن جعفر بن محمد السوسي عن سهل بن عثمان عن حفص بن غياث عن الأعمش عن الشعبي عن عروة بن مضرس به وقال غريب تفرد به سهل قلت ورجاله ثقات إلا أني لا أعرف جعفر بن محمد ولعله دخل عليه متن حديث في إسناد حديث قوله جاء رجل في حديث أبي موسى قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية أبي معاوية ومحمد بن عبيد أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وأولى ما فسر به هذا المبهم أنه أبو موسى راوي الحديث فعند أبي عوانة من رواية محمد بن كناسة عن الأعمش في هذا الحديث عن شقيق عن أبي موسى قلت يا رسول الله فذكر الحديث ولكن يعكر عليه ما وقع في رواية وهب بن جرير التي تقدم ذكرها من عند أبي نعيم فإن لفظه عن عبد الله قال جاء أعرابي فقال يا رسول الله اني أحب قوما ولا ألحق بهم الحديث وأبو موسى إن جاز أن يبهم نفسه فيقول أتى رجل فغير جائز أن يصف نفسه بأنه أعرابي وقد وقع في حديث صفوان بن عسال الذي أخرجه الترمذي والنسائي وصححه بن خزيمة من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال قلت لصفوان بن عسال هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهوا شيئا قال نعم كنا مع رسول الله في مسير فناداه أعرابي بصوت له جهوري فقال أيا محمد فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ذلك فقال هاؤم قال أرأيت المرء يحب القوم الحديث وأخرج أبو نعيم في كتاب المحبين من طريق مسروق عن عبد الله وهو بن مسعود قال أتى أعرابي فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق اني لأحبك فذكر الحديث فهذا الأعرابي يحتمل أن يكون هو صفوان بن قدامة فقد أخرج الطبراني وصححه أبو عوانة من حديثه قال قلت يا رسول الله إني أحبك قال المرء مع من أحب وقد وقع هذا السؤال لغير من ذكر فعند أبي عوانة أيضا وأحمد وأبي داود وابن حبان من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله الرجل يحب القوم الحديث ورجاله ثقات فإن كان مضبوطا أمكن أن يفسر به المبهم في حديث أبي موسى لكن المحفوظ بهذا الإسناد عن أبي ذر لرجل يعمل العمل من الخير ويحمد الناس عليه كذا أخرجه مسلم وغيره فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث قوله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم في رواية سفيان الآتية ولما يلحق بهم وهي أبلغ بأن النفي بلما أبلغ من النفي بلم فيؤخذ منه أن الحكم ثابت ولو بعد اللحاق ووقع في حديث أنس عند مسلم ولم يلحق بعملهم وفي حديث أبي ذر المشار إليه قبل ولا يستطيع أن يعمل بعملهم وفي بعض طرق حديث صفوان بن عسال عند أبي نعيم ولم يعمل بمثل عملهم وهو يفسر المراد قوله المرء مع من أحب قد جمع أبو نعيم طرق هذا الحديث في جزء سماه كتاب المحبين مع المحبوبين وبلغ الصحابة فيه نحو العشرين وفي رواية أكثرهم بهذا اللفظ وفي بعضها بلفظ أنس الآتي عقب هذا

[ 5819 ] قوله حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد ويقال إن أباه تفرد برواية هذا الحديث عن شعبة وضاق مخرجه على الإسماعيلي وأبي نعيم فاخرجاه من طريق البخاري عنه وأخرجه مسلم عن واحد عن عبدان ووقع لي من رواية أخرى عن شعبة أخرجه أبو نعيم في المحبين من طريق السميدع بن واهب عنه وقد رواه منصور عن سالم بن أبي الجعد كما سيأتي في كتاب الأحكام وأخرجه أبو عوانة من رواية الأعمش عن سالم واستغربه قوله ان رجلا تقدم القول في تسميته في الباب الذي قبله قوله متى الساعة هكذا في أكثر الروايات عن أنس ووقع في رواية جرير عن منصور في أوله بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد فلقينا رجل عند سدة المسجد فقال يا رسول الله متى الساعة وفي رواية أبي المليح الرقي عن الزهري عن أنس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعرض له أعرابي أخرجه أبو نعيم وله من طريق شريك عن أبي نمر عن أنس دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ومن رواية أبي ضمرة عن حميد عن أنس جاء رجل فقال متى الساعة فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ثم صلى ثم قال أين السائل عن الساعة ويجمع بينها بأن سأله والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فلم يحبه حينئذ فلما انصرف من الصلاة وخرج من المسجد رآه فتذكر سؤاله أو عاوده الأعرابي في السؤال فأجابه حينئذ قوله ما أعددت لها قال الكرماني سلك مع السائل أسلوب الحكيم وهو تلقى السائل بغير ما يطلب مما يهمه أو هو أهم قوله أنت مع من أحببت زاد سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس إنك مع من أحببت ولك ما احتسبت أخرجه أبو نعيم وله مثله من طريق قرة بن خالد عن الحسن عن أنس وأخرج أيضا من طريق أشعث عن الحسن عن أنس المرء مع من أحب وله ما اكتسب ومن طريق مسروق عن عبد الله أنت مع من أحببت وعليك ما اكتسبت وعلى الله ما احتسبت

قوله باب قول الرجل للرجل اخسأ سيأتي بيانه في آخر الباب قال بن بطال اخسأ زجر للكلب وابعاد له هذا أصل هذه الكلمة واستعملتها العرب في كل من قال أو فعل ما لا ينبغي له مما يسخط الله ذكر فيه حديث بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد قد خبأت لك خبئا قال فما هو قال الدخ قال أخسأ وأخرجه من رواية عبد الله بن عمر قال انطلق عمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أصحابه قبل بن صياد فذكر الحديث مطولا وفيه اخسأ فلن تعدو قدرك وقد سبق مطولا في أواخر كتاب الجنائز وقوله في هذه الرواية فرضه النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطابي وقع هنا بالضاد المعجمة وهو غلط والصواب بالصاد المهملة أي قبض عليه بثوبه يضم بعضه إلى بعض وقال بن بطال من رواه بالمعجمة فمعناه دفعه حتى وقع فتكسر يقال رض الشيء فهو رضيض ومرضوض إذا انكسر

[ 5821 ] قوله قال أبو عبد الله خسأت الكلب بعدته خاسئين مبعدين ثبت هذا في رواية المستملي وحده وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى كونوا قردة خاسئين أي قاصين مبعدين يقال خسأته عني وخسأ هو يعني يتعدى ولا يتعدى وقال في قوله تعالى ينقلب إليك البصر خاسئا أي مبعدا وقال الراغب خسأ البصر انقبض عن مهانة وخسأت الكلب فخسأ أي زجرته مستهينا به فانزجر وقال بن التين في قوله في حديث الباب اخسأ معناه اسكت صاغرا مطرودا وثبتت الهمزة في آخر اخسأ في رواية وحذفت في أخرى بلفظ اخس وهو تخفيف

قوله باب قول الرجل مرحبا كذا للأكثر وفي رواية المستملي باب قول النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا قال الأصمعي معنى قوله مرحبا لقيت رحبا وسعة وقال الفراء نصب على المصدر وفيه معنى الدعاء بالرحب والسعة وقيل هو مفعول به أي لقيت سعة لا ضيقا قوله وقالت عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة مرحبا يا بنتي هذا طرف من حديث تقدم موصولا في علامات النبوة من رواية مسروق عن عائشة قالت أقبلت فاطمة تمشي الحديث وفيه القدر المعلق وقد تقدم شرحه هناك قوله وقالت أم هانئ جئت النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بأم هانئ هذا طرف من حديث تقدم موصولا في مواضع منها في أوائل الصلاة من رواية أبي مرة مولى عقيل عن أم هانئ وفيه اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ثم ذكر حديث بن عباس في وفد عبد قيس وفيه قوله صلى الله عليه وسلم مرحبا بالوفد وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان وفي كتاب الأشربة مستوفى وأخرجه هنا من طريق أبي التياح بالمثناة الفوقانية المفتوحة وتشديد التحتانية وآخره مهملة واسمه يزيد بن حميد عن أبي جمرة بالجيم والراء ووقع في سياق متنه ألفاظ ليست في رواية غيره منها

[ 5822 ] قوله مرحبا بالوفد الذين جاءوا ومنها قوله أربع وأربع وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأعطوا خمس ما غنتم ولا تشربوا الحديث والمعنى آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع كما في رواية غيره ومنها جعله إعطاء الخمس من جملة الأربعة وفي سائر الروايات هي زائدة على الأربع وقد أخرج بن أبي عاصم في هذا الباب حديث بريدة أن عليا لما خطب فاطمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا وأهلا وهو عند النسائي وصححه الحاكم وأخرج فيه أيضا من حديث علي استأذن عمار بن ياسر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بالطيب المطيب وهو عند الترمذي وابن ماجة والمصنف في الأدب المفرد وصححه بن حبان والحاكم وأخرج بن أبي عاصم وابن السني فيه أحاديث أخرى غير هذه

قوله باب ما يدعي الناس بآبائهم كذا للأكثر وذكره بن بطال بلفظ هل يدعي الناس زاد في أوله هل وقد ورد في ذلك حديث لأم الدرداء سأنبه عليه في باب تحويل الاسم واستغنى المصنف عنه لما لم يكن على شرطه بحديث الباب وهو حديث بن عمر في الغادر يرفع له لواء لقوله فيه غدرة فلان بن فلان فتضمن الحديث أنه ينسب إلى أبيه في الموقف الأعظم ووقع في رواية الكشميهني في الرواية الأولى ينصب بدل يرفع قال الكرماني الرفع والنصب هنا بمعنى واحد يعني لأن الغرض إظهار ذلك وقال بن بطال في هذا الحديث رد لقول من زعم أنهم لا يدعون يوم القيامة إلا بأمهاتهم سترا على آبائهم قلت هو حديث أخرجه الطبراني من حديث بن عباس وسنده ضعيف جدا وأخرج بن عدي من حديث أنس مثله وقال منكر أورده في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الطبري قال بن بطال والدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز وفي الحديث جواز الحكم بظواهر الأمور قلت وهذا يقتضي حمل الآباء على من كان ينسب إليه في الدنيا لا على ما هو في نفس الأمر وهو المعتمد وينظر كلامه من شرحه وقال بن أبي جمرة والغدر على عمومه في الجليل والحقير وفيه أن لصاحب كل ذنب من الذنوب التي يريد الله اظهارها علامة يعرف بها صاحبها ويؤيده قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم قال وظاهر الحديث أن لكل غدرة لواء فعلى هذا يكون للشخص الواحد عدة ألوية بعدد غدراته قال والحكمة في نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبا بضد الذنب فلما كان الغدر من الأمور الخفية ناسب أن تكون عقوبته بالشهرة ونصب اللواء أشهر الأشياء عند العرب

قوله باب لا يقل خبثت نفسي بفتح الخاء المعجمة وضم الموحدة بعدها مثلثة ثم مثناة ويقال بفتح الموحدة والضم أصوب قال الراغب الخبث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال قلت وعلى الحرام والصفات المذمومة القولية والفعلية أورد حديث عائشة بلفظ لا يقولون أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي وحديث سهل بن حنيف مثله سواء قال الخطابي تبعا لأبي عبيد لقست وخبثت بمعنى واحد وإنما كره صلى الله عليه وسلم من ذلك اسم الخبث فاختار اللفظة السالمة من ذلك وكان من سنته تبديل الاسم القبيح بالحسن وقال غيره معنى لقست غثت بغين معجمة ثم مثلثة وهو يرجع أيضا إلى معنى خبثت وقيل معناه ساء خلقها وقيل مالت به إلى الدعة وقال بن بطال هو على معنى الأدب وليس على سبيل الإيجاب وقد تقدم في الصلاة في الذي يعقد الشيطان على قافية رأسه فيصبح خبيث النفس ونطق القرآن بهذه اللفظة فقال تعالى ومثل كلمة خبيثة قلت لكن لم يرد ذلك إلا في معرض الذم فلا ينافي ذلك ما دل عليه حديث الباب من كراهة وصف الإنسان نفسه بذلك وقد سبق لهذا عياض فقال الفرق أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن صفة شخص مذموم الحال فلم يمتنع إطلاق ذلك اللفظ عليه وقال بن أبي جمرة النهي عن ذلك للندب والأمر بقوله لقست للندب أيضا فإن عبر بما يؤدي معناه كفى ولكن ترك الأولى قال ويؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة والأسماء والعدول إلى ما لا قبح فيه والخبث واللقس وأن كان المعنى المراد يتأدى بكل منهما لكن لفظ الخبث قبيح ويجمع أمورا زائدة على المراد بخلاف اللقس فإنه يختص بامتلاء المعدة قال وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما ويدفع الشر عن نفسه مهما أمكن ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى في الألفاظ المشتركة قال ويلتحق بهذا أن الضعيف إذا سئل عن حاله له يقول لست بطبيب بل يقول ضعيف ولا يخرج نفسه من الطيبين فيلحقها بالخبيثين تنبيه أخرج أبو نعيم في المستخرج حديث سهل من طريق شبيب بن سعيد عن يونس بن يزيد عن الزهري ثم قال أخرجه البخاري عن عبدان عن بن المبارك عن موسى وقال هو موسى بن عقبة والصحيح يونس قلت لم أقف عليه في الأصول المعتمدة من رواية أبي ذر إلا عن يونس وكذا في رواية النسفي

[ 5826 ] قوله تابعه عقيل يعني عن الزهري بسنده المذكور والمتن وهذه المتابعة وصلها الطبراني من طريق نافع بن يزيد عن عقيل وسقطت من رواية أبي ذر وثبتت للنسفي والباقين

قوله باب لا تسبوا الدهر هذا اللفظ أخرجه مسلم من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فذكره وبعده فإن الله هو الدهر

[ 5827 ] قوله الليث عن يونس عن بن شهاب قال أبو علي الجياني هكذا للجميع إلا لأبي علي بن السكن فقال فيه الليث عن عقيل عن بن شهاب وهكذا وقع في الزهريات للذهلي من روايته عن أبي صالح عن الليث ولكن لفظه لا يسب بن آدم الدهر قال أبو علي الجياني الحديث محفوظ ليونس عن بن شهاب أخرجه مسلم من طريق بن وهب عنه قلت الحديث عند الليث عن شيخين وقد أخرجه يعقوب بن سفيان وأبو نعيم من طريقه قال حدثنا أبو صالح وابن بكير قالا حدثنا الليث حدثني يونس به قوله قال الله يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار هذه رواية يونس بن يزيد عن الزهري ورواية معمر بعدها بلفظ ولا تقولوا يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر وأوله لا تسموا العنب الكرم ويأتي شرحه في الباب الذي بعده وقد اختلف على معمر في شيخ الزهري فقال عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن معمر عنه عن أبي سلمة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه قال الله يؤذيني بن آدم يقول يا خيبة الدهر الحديث أخرجه مسلم وهكذا قال سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد أخرجه أحمد عنه ولفظه يؤذيني بن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وقد مضى في التفسير من هذا الوجه وسيأتي في التوحيد وهكذا أخرجه مسلم وغيره من رواية سفيان بن عيينة قال بن عبد البر الحديثان للزهري عن أبي سلمة وعن سعيد بن المسيب جميعا صحيحان قلت قد قال النسائي كلاهما محفوظ لكن حديث أبي سلمة أشهرهما قلت ولعبد الرزاق فيه عن معمر إسناد آخر أخرجه مسلم أيضا من طريقه فقال عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر ولا يقولون أحدكم العنب الكرم الحديث وأخرجه أحمد من رواية همام عن أبي هريرة بلفظ لا يقل بن آدم يا خيبة الدهر إني أنا الدهر أرسل الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما وأخرجه مالك في الموطأ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ لا يقولون أحدكم والباقي مثل رواية عبد الأعلى عن معمر لكن وقع في رواية يحيى بن يحيى الليثي عن مالك في آخره فإن الدهر هو الله قال بن عبد البر خالف جميع الرواة عن مالك وجميع رواة الحديث مطلقا فإن الجميع قالوا فإن الله هو الدهر وأخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ لا تسبوا الدهر فإن الله قال أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك وسنده صحيح

[ 5828 ] قوله ولا تقولوا خيبة الدهر كذا للأكثر وللنسفي يا خيبة الدهر وفي غير البخاري واخيبة الدهر الخيبة بفتح الخاء المعجمة وإسكان التحتانية بعدها موحدة الحرمان وهي بالنصب على الندبة كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه مما يكرهه فندبه متفجعا عليه أو متوجعا منه وقال الداودي هو دعاء على الدهر بالخيبة وهو كقولهم قحط الله نوءها يدعون على الأرض بالقحط وهي كلمة هذا أصلها ثم صارت تقال لكل مذموم ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ وأدهره وأدهره ومعنى النهي عن سب الدهر أن من اعتقد أنه الفاعل للمكروه فسبه أخطأ فإن الله هو الفاعل فإذا سببتم من أنزل ذلك بكم رجع السب إلى الله وقد تقدم شرح الحديث في تفسير سورة الجاثية ومحصل ما قيل في تأويله ثلاثة أوجه أحدها أن المراد بقوله أن الله هو الدهر أي المدبر للأمور ثانيها أنه على حذف مضاف أي صاحب الدهر ثالثها التقدير مقلب الدهر ولذلك عقبه بقوله بيدي الليل والنهار ووقع في رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ بيدي الليل والنهار أجدده وأبليه وأذهب بالملوك أخرجه أحمد وقال المحققون من نسب شيئا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكنه يكره له ذلك لشبهه بأهل الكفر في الإطلاق وهو نحو التفصيل الماضي في قولهم مطرنا بكذا وقال عياض زعم بعض من لا تحقيق له أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطاة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فكيف يقلب الشيء نفسه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب نفس الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث وذلك هو أغلب ما يقع من الناس وهو الذي يعطيه سياق الحديث حيث نفى عنهما التأثير فكأنه قال لا ذنب لهما في ذلك وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعا ولغة إلى الذي جرى على يديه ويضاف إلى الله تعالى لكونه بتقديره فأفعال العباد من أكسابهم ولهذا ترتبت عليها الأحكام وهي في الابتداء خلق الله ومنها ما يجري بغير وساطة فهو منسوب إلى قدرة القادر وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير لا لغة ولا عقلا ولا شرعا وهو المعنى في هذا الحديث ويلتحق بذلك ما يجري من الحيوان غير العاقل ثم أشار بأن النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى وأن فيه إشارة إلى ترك سب كل شيء مطلقا الا ما أذن الشرع فيه لأن العلة واحدة والله أعلم انتهى ملخصا واستنبط منه أيضا منع الحيلة في البيوع كالعينة لأنه نهى عن سب الدهر لما يئول إليه من حيث المعنى وجعله سبا لخالقه

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الكرم قلب المؤمن وقد قال إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة كقوله إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب كقوله لا ملك ألا الله فوصفه بانتهاء الملك ثم ذكر الملوك أيضا فقال ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها غرض البخاري أن الحصر ليس على ظاهره وإنما المعنى أن الاحق باسم الكرم قلب المؤمن ولم يرد أن غيره لا يسمى كرما كما أن المراد بقوله إنما المفلس من ذكر ولم يرد أن من يفلس في الدنيا لا يسمى مفلسا وبقوله إنما الصرعة كذلك وكذا قوله لا ملك إلا الله لم يرد أنه لا يجوز أن يسمى غيره ملكا وإنما أراد الملك الحقيقي وان سمي غيره ملكا واستشهد لذلك بقوله تعالى ان الملوك وفي القرآن من ذلك عدة أمثلة كقوله تعالى وقال الملك في صاحب يوسف وغيره وأشار بن بطال إلى أنه يؤخذ من ذلك ترك المبالغة والإغراق في الوصف إذا كان الموصوف لا يستحق ذلك وحديث إنما المفلس يأتي الكلام عليه في الرقاق وحديث إنما الصرعة تقدم قريبا وحديث لا ملك إلا الله يأتي الكلام عليه في باب أبغض الأسماء إلى الله ووقع لبعض الرواة هنا بلفظ لا ملك إلا الله بضم الميم وسكون اللام وحذف الألف بعد قوله إلا والأول هو اللائق للسياق

[ 5829 ] قوله ويقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن هكذا وقع في هذه الرواية من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سعيد ووقع في الباب الذي قبله من رواية معمر عن الزهري عن أبي سلمة بلفظ لا تسموا العنب كرما وهي رواية بن سيرين عن أبي هريرة عند مسلم وعنده من طريق همام عن أبي هريرة لا يقل أحدكم للعنب الكرم إنما الكرم الرجل المسلم وله من حديث وائل بن حجر لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة قالوا وفي قوله في الباب ويقولون عاطفة على شيء حذف هنا وكأنه الحديث الذي قبله وقد أخرجه بن أبي عمر في مسنده عن سفيان ومن طريقه الإسماعيلي فقال في أوله يقولون بغير واو أخرجه الحميدي في مسنده ومن طريق أبو نعيم وذكره بالواو كما ذكره البخاري عن علي بن عبد الله وكذا أخرجه أحمد في مسنده عن سفيان ولكن قال فيه عن أبي هريرة رفعه وقال مرة يبلغ به وقال مرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه مسلم عن بن أبي عمر وعمرو الناقد قالا حدثنا سفيان بهذا السند قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا كرم فإن الكرم قلب المؤمن وقوله ويقولون الكرم هو مبتدأ وخبره محذوف أي يقولون الكرم شجر العنب وقد أخرج الطبراني والبزار من حديث سمرة رفعه أن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم من أجل ما أكرمه الله على الخليقة وإنكم تدعون الحائط من العنب الكرم الحديث قال الخطابي ما ملخصه ان المراد بالنهي تأكيد تحريم الخمر بمحو اسمها ولان في تبقية هذا الاسم لها تقريرا لما كانوا يتوهمونه من تكرم شاربها فنهى عن تسميتها كرما وقال إنما الكرم قلب المؤمن لما فيه من نورا الإيمان وهدى الإسلام وحكى بن بطال عن بن الأنباري أنهم سموا العنب كرما لأن الخمر المتخذة منه تحث على السخاء وتأمر بمكارم الأخلاق حتى قال شاعرهم والخمر مشتقة المعنى من الكرم وقال آخر شققت من الصبي واشتق مني كما اشتقت من الكرم الكروم فلذلك نهى عن تسمية العنب بالكرم حتى لا يسموا أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم وجعل المؤمن الذي يتقي شربها ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الاسم انتهى وأما قول الأزهري سمي العنب كرما لأنه ذلل لقاطفه وليس فيه سلاء يعقر جانيه ويحمل الأصل منه مثل ما تحمل النخلة فأكثر وكل شيء كثر فقد كرم فهو صحيح أيضا من حيث الاشتقاق لكن المعنى الأول أنسب للنهي وقال النووي النهي في هذا الحديث عن تسمية العنب كرما وعن تسمية شجرها أيضا للكراهية وحكى القرطبي عن المازري أن السبب في النهي أنه لما حرمت عليهم الخمر وكانت طباعهم تحثهم على الكرم كره صلى الله عليه وسلم أن يسمى هذا المحرم باسم تهيج طباعهم إليه عند ذكره فيكون ذلك كالمحرك لهم وتعقبه بأن محل النهي إنما هو تسمية العنب كرما وليست العنبة محرمة والخمر لا تسمى عنبة بل العنب قد يسمى خمرا باسم ما يئول إليه قلت والذي قاله المازري موجه لأنه يحمل على إرادة حسم المادة بترك تسمية أصل الخمر بهذا الاسم الحسن ولذلك ورد النهي تارة عن العنب وتارة عن شجرة العنب فيكون التنفير بطريق الفحوى لأنه إذا نهى عن تسمية ما هو حلال في الحال بالاسم الحسن لما يحصل منه بالقوة مما ينهي عنه فلأن ينهى عن تسمية ما ينهى عنه بالاسم الحسن أحرى وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما ملخصه لما كان اشتقاق الكرم من الكرم والأرض الكريمة هي أحسن الأرض فلا يليق أن يعبر بهذه الصفة إلا عن قلب المؤمن الذي هو خير الأشياء لأن المؤمن خير الحيوان وخير ما فيه قلبه لأنه إذا صلح صلح الجسد كله وهو أرض لنبات شجرة الإيمان قال ويؤخذ منه أن كل خير باللفظ أو المعنى أو بهما أو مشتقا منه أو مسمى به إنما يضاف بالحقيقة الشرعية لأن الإيمان وأهله وإن أضيف إلى ما عدا ذلك فهو بطريق المجاز وفي تشبيه الكرم بقلب المؤمن معنى لطيف لأن أوصاف الشياطن تجري مع الكرمة كما يجري الشيطان في بني آدم مجرى الدم فإذا غفل المؤمن عن شيطانه أوقعه في المخالفة كما أن من غفل عن عصير كرمه تخمر فتنجس ويقوي التشبه أيضا أن الخمر يعود خلا من ساعته بنفسه أو بالتخليل فيعود طاهرا وكذا المؤمن يعود من ساعته بالتوبة النصوح طاهرا من خبث الذنوب المتقدمة التي كان متنجسا باتصافه بها إما بباعث من غيره من موعظة ونحوها وهو كالتخليل أو بباعث من نفسه وهو كالتخلل فينبغي للعاقل أن يتعرض لمعالجة قلبه لئلا يهلك وهو على الصفة المذمومة تنبيه الحبلة المذكورة في حديث وائل عند مسلم بفتح المهملة وحكى ضمها وسكون الموحدة وبفتحها أيضا وهو أشهر هي شجرة العنب وقيل أصل الشجرة وقيل القضيب منها وقال في المحكم الحبل بفتحتين شجر العنب الواحدة حبلة وبالضم ثم السكون الكرم وقيل الأصل من أصوله وهو أيضا اسم ثمر السمر والعضاه

قوله باب قول الرجل فداك أبي وأمي تقدم ضبط فداك ومعناه في باب ما يجوز من الرجز والشعر قريبا قوله فيه الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى ما وصله في مناقب الزبير بن العوام من طريق عبد الله بن الزبير قال جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الأحزاب في النساء الحديث وفيه قول الزبير فلما رجعت جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي

[ 5830 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان وسفيان هو الثوري قوله يفدى بفتح أوله وسكون الفاء للكشميهني ولغيره بضم أوله والفاء المفتوحة والتشديد وقد تقدم في مناقب سعد بن أبي وقاص بيان الجمع بين حديث الزبير المذكور في الباب في إثبات التفدية له وبين حديث على هذا في نفي ذلك عن غير سعد وكأن البخاري رمز بذلك إلى هذا الجمع وغفل من خص حديث الزبير بتخريج مسلم مع إخراج البخاري له ورمزه إليه في هذاالباب وقوله في آخر هذا الحديث أظنه يوم أحد تقدم الجزم بذلك في رواية إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه في غزوة أحد من كتاب المغازي ولفظه فإني سمعته يقول إرم سعد فداك أبي وأمي وتقدم هناك سبب هذا القول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

قوله باب قول الرجل جعلني الله فداك أي هل يباح أو يكره وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز أبو بكر بن أبي عاصم في أول كتابه آداب الحكماء وجزم بجواز ذلك فقال للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه ولو كان ذلك محظورا لنهى النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره قوله وقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فديناك بآبائنا وأمهاتنا هو طرف من حديث لأبي سعيد رفعه أن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فقال أبو بكر فديناك بآبائنا وأمهاتنا الحديث وقد تقدم موصولا في مناقب أبي بكر مع شرحه ثم ذكر حديث أنس في إرداف صفية وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب اللباس والمراد منه قول أبي طلحة يا نبي الله جعلني الله فداك هل أصابك شيء وقد ترجم أبو داود نحو هذه الترجمة وساق حديث أبي ذر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم لبيك وسعديك جعلني الله فداك الحديث وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد في الترجمة قال الطبراني في هذه الأحاديث دليل على جواز قول ذلك وأما ما رواه مبارك بن فضالة عن الحسن قال دخل الزبير على النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاك فقال كيف تجدك جعلني الله فداك قال ما تركت أعرابيتك بعد ثم ساقه من هذا الوجه ومن وجه آخر ثم قال لا حجة في ذلك على المنع لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصحة وعلى تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع بل فيه إشارة إلى أنه ترك الأولى في القول للمريض إما بالتأنيس والملاطفة وإما بالدعاء والتوجع فإن قيل إنما ساغ ذلك لأن الذي دعا بذلك كان أبواه مشركين فالجواب أن قول أبي طلحة كان بعد أن أسلم وكذا أبو ذر وقول أبي بكر كان بعد أن أسلم أبواه انتهى ملخصا ويمكن أن يعترض بأنه لا يلزم من تسويغ قول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أن يسوغ لغيره لأن نفسه أعز من أنفس القائلين وآبائهم ولو كانوا أسلموا فالجواب ما تقدم من كلام بن أبي عاصم فإن فيه إشارة إلى أن الأصل عدم الخصوصية وأخرج بن أبي عاصم من حديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة فداك أبوك ومن حديث بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه فداكم أبي وأمي ومن حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال مثل ذلك للأنصار

قوله باب أحب الأسماء إلى الله عز وجل ورد بهذا اللفظ حديث أخرجه مسلم من طريق نافع عن بن عمر رفعه ان أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وله شاهد من حديث أبي وهب الجشمي وسيأتي التنبيه عليه بعد باب وآخر عن مجاهد عند بن أبي شيبة مثله قال القرطبي يلتحق بهذين الأسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة وقال غيره الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله تعالى غيرهما قال الله تعالى وأنه لما قام عبد الله يدعوه وقال في آية أخرى وعباد الرحمن ويؤيده قوله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن وقد أخرج الطبراني من حديث أبي زهير الثقفي رفعه إذا سميتم فعبدوا ومن حديث بن مسعود رفعه أحب الأسماء إلى الله ما تعبد به وفي إسناد كل منهما ضعف

[ 5832 ] قوله عن جابر ولد لرجل منا غلام اسم الرجل المذكور لم أقف عليه قوله فسماه القاسم مقتضى رواية مسلم عن رفاعة بن الهيثم عن خالد الواسطي بالسند المذكور هنا فسماه محمدا إلا أنه أورده عقب رواية عبثر وهو بوزن جعفر بعين مهملة ثم موحدة ساكنة ثم مثلثة عن حصين بالسند المذكور فسماه محمدا فذكر الحديث وفي آخره سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم ثم ساق رواية خالد وقال بهذا الإسناد ولم يذكر فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم وكأن الاختلاف فيه على خالد فإن الإسماعيلي أخرجه من رواية وهيب بن بقية عن خالد فقال فسماه القاسم وأخرجه أحمد عن هشيم عن حصين فقال سماه القاسم وأخرجه أيضا من رواية معمر عن منصور كذلك وأخرجه أبو نعيم من رواية يوسف القاضي عن مسدد عن خالد فقال سماه باسم النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا قاله أبو عوانة عن حصين أخرجه أبو نعيم في المستخرج على مسلم وهذا يقتضي ترجيح رواية رفاعة بن الهيثم وأخرجه أحمد عن زياد البكائي عن منصور كما قال رفاعة وقد وقع الاختلاف فيه على شعبة أيضا في باب قوله تعالى فإن لله خمسه وللرسول يعني قسم ذلك من كتاب فرض الخمس فأخرجه البخاري هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن سليمان وهو الأعمش ومنصور وقتادة قالوا سمعنا سالما أي بن أبي الجعد عن جابر قال ولد لرجل منا غلام فأراد أن يسميه محمدا قال وقال عمرو يعني بن مرزوق عن شعبة عن قتادة بسنده أراد أن يسميه القاسم وأورده من رواية سفيان الثوري عن الأعمش فقال أراد أن يسميه القاسم وأخرجه مسلم من رواية جرير عن منصور فقال فيه ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقال له قومه لا ندعك تسمية باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق إليه بابنه حامله على ظهره فقال يا رسول الله ولد لي غلام فسميته محمدا فذكر الحديث وقد بين شعبة أن في رواية منصور عن سالم عن جابر أن الأنصاري قال حملته على عنقي أورده البخاري في فرض الخمس وقد تقدم أنه يقتضي أن يكون من مسند الأنصاري من رواية جابر عنه وسائر الروايات عن سالم بن أبي الجعد يقتضي أنه من مسند جابر وفيه أورده أصحاب المسانيد والاطراف وقدمت في فرض الخمس أن رواية من قال أراد أن يسميه القاسم أرجح وذكرت وجه رجحانه ويؤيده أنه لم يتخلف على محمد بن المنكدر عن جابر في ذلك كما أخرجه المؤلف في آخر الباب الذي يليه قوله لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة في الرواية التي في الباب بعده من هذا الوجه ولا ننعمك عينا هو من الأنعام أي لا ننعم عليك بذلك فتقر به عينك ويؤخذ منه مشروعية تكنية المرء بمن يولد له ولا يختص بأول أولاده قوله فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر بضم الهمزة على البناء للمجهول ولبعضهم بالبناء للفاعل ويؤيده ما في الباب الذي بعده بلفظ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال سم ابنك عبد الرحمن في مطابقة الترجمة لحديث جابر عسر وأقرب ما قيل أنهم لما أنكروا عليه التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم اقتضى مشروعية الكنية وأنه لما أمره أن يسميه عبد الرحمن أختار له اسما يطيب خاطره به إذ غير الاسم فاقتضى الحال أنه لا يشير عليه إلا باسم حسن وتوجيه كونه أحسن تقدم في أول الباب قال بعض شراح المشارق لله الأسماء الحسنى وفيها أصول وفروع أي من حيث الاشتقاق قال وللأصول أصول أي من حيث المعنى فأصول الأصول اسمان الله والرحمن لأن كلا منهما مشتمل على الأسماء كلها قال الله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ولذلك لم يتسم بهما أحد وما ورد من رحمن اليمامة غير وارد لأنه مضاف وقول شاعرهم وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا تغالي في الكفر وليس بوارد لأن الكلام في أنه لم يتسم به أحد ولا يرد إطلاق من أطلقه وصفا لأنه لا يستلزم التسمية بذلك وقد لقب غير واحد الملك الرحيم ولم يقع مثل ذلك في الرحمن وإذا تقرر ذلك كانت إضاقة العبودية إلى كل منهما حقيقية محضة فظهر وجه الأحبية والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سموا باسمي ولا تكنوا بفتح الكاف وتشديد النون وهو على حذف إحدى التائين أو بسكون الكاف وضم النون وفي رواية الكشميهني ولا تكتنوا بسكون الكاف وفتح المثناة بعدها نون قوله بكنيتي في رواية الأصيلي بكنوتي بالواو بدل التحتانية وهي معناها كنوته وكنيته بمعنى قال عياض رووه كلهم في عدة مواضع بالياء وقد تقدم معنى الكنية والتعريف بها في أوائل المناقب في باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيه أنس يشير إلى ما تقدم موصولا في البيوع ثم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق حميد عن أنس بهذا وفيه قصة سيأتي التنبيه عليها ولفظه سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ثم ذكر فيه حديث جابر في ذلك ثم حديث أبي هريرة ثم حديث جابر من وجه آخر فأما حديث أبي هريرة فاقتصر فيه على المتن ولفظه كحديث أنس المذكور وأما حديث جابر ففي الرواية الأولى من طريق سالم وهو بن أبي الجعد عنه ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقالوا لا نكنيك حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم وفي الرواية الثانية من طريق محمد بن المنكدر عنه فقلنا لا نكنيك بأبي القاسم ولا ننعمك عينا فيجمع بين هذا الاختلاف إما بأن بعضهم قال هذا وبعضهم قال هذا وإما أنهم منعوا أولا مطلقا ثم استدركوا فقالوا حتى نسأل وفي الرواية الأولى أيضا فقال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي وفي الرواية الثانية فقال سم ابنك عبد الرحمن ويجمع بينهما بأن أحد الراويين ذكر ما لم يذكر الآخر وقوله

[ 5835 ] لا نكينك بفتح أوله مع التخفيف وبضمه مع التشديد و ننعمك بضم أوله قال النووي اختلف في التكني بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب الأول المنع مطلقا سواء كان اسمه محمدا أم لا ثبت ذلك عن الشافعي والثاني الجواز مطلقا ويختص النهي بحياته صلى الله عليه وسلم والثالث لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره قال الرافعي يشبه أن يكون هذا هو الأصح لأن الناس لم يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكار قال النووي هذا مخالف لظاهر الحديث وأما إطباق الناس عليه ففيه تقوية للمذهب الثاني وكأن مستندهم ما وقع في حديث أنس المشار إليه قبل أنه صلى الله عليه وسلم كان في السوق فسمع رجلا يقول يا أبا القاسم فالتفت إليه فقال لم أعنك فقال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي قال ففهموا من النهي الاختصاص بحياته للسبب المذكور وقد زال بعده صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصا وهذا السبب ثابت في الصحيح فما خرج صاحب القول المذكور عن الظاهر إلا بدليل ومما ننبه عليه أن النووي أورد المذهب الثالث مقلوبا فقال يجوز لمن اسمه محمد دون غيره وهذا لا يعرف به قائل وإنما هو سبق قلم وقد حكى المذاهب الثلاثة في الأذكار على الصواب وكذا هي في الرافعي ومما تعقبه السبكي عليه أنه رجح منع التكنية بأبي القاسم مطلقا ولما ذكر الرافعي في خطبة المنهاج كناه فقال المحرر للأمام أبي القاسم الرافعي وكان يمكنه أن يقول للامام الرافعي فقط أو يسميه باسمه ولا يكنيه بالكنية التي يعتقد المصنف منعها وأجيب باحتمال أن يكون أشار بذلك إلى اختيار الرافعي الجواز أو إلى أنه مشتهر بذلك ومن شهر بشيء لم يمتنع تعريفه به ولو كان بغير هذا القصد فإنه لا يسوغ والله أعلم وبالمذهب الأول قال الظاهرية وبالغ بعضهم فقال لا يجوز لأحد أن يسمى ابنه القاسم لئلا يكنى أبا القاسم وحكى الطبري مذهبا رابعا وهو المنع من التسمية بمحمد مطلقا وكذا التكني بأبي القاسم مطلقا ثم ساق من طريق سالم بن أبي الجعد كتب عمر لا تسموا أحدا باسم نبي واحتج لصاحب هذا القول بما أخرجه من طريق الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس رفعه يسمونهم محمدا ثم يلعنونهم وهو حديث أخرجه البزار وأبو يعلى أيضا وسنده لين قال عياض والأشبه أن عمر إنما فعل ذلك إعظاما لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك وقد كان سمع رجلا يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب يا محمد فعل الله بك وفعل فدعاه وقال لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك فغير اسمه قلت أخرجه أحمد والطبراني من طريق عبد الرحمن بن بن أبي ليلى نظر عمر إلى بن عبد الحميد وكان اسمه محمدا ورجل يقول له فعل الله بك يا محمد فأرسل إلى بن زيد بن الخطاب فقال لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك فسماه عبد الرحمن وأرسل إلى بني طلحة وهم سبعة ليغير أسماءهم فقال له محمد وهو كبيرهم والله لقد سماني النبي صلى الله عليه وسلم محمدا فقال قوموا فلا سبيل إليكم فهذا يدل على رجوعه عن ذلك وحكى غيره مذهبا خامسا وهو المنع مطلقا في حياته والتفصيل بعده بين من اسمه محمد وأحمد فيمتنع وإلا فيجوز وقد ورد ما يؤيد المذهب الثالث الذي ارتضاه الرافعي ووهاه النووي وذلك فيما أخرجه أحمد وأبو داود وحسنه الترمذي وصححه بن حبان من طريق أبي الزبير عن جابر رفعه من تسمى باسمي فلا يكتنى بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي لفظ أبي داود وأحمد من طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير ولفظ الترمذي وابن حبان من طريق حسين بن واقد عن أبي الزبير إذا سميتم بي فلا تكنوا بي وإذا كنيتم بي فلا تسموا بي قال أبو داود ورواه الثوري عن بن جريج مثل رواية هشام ورواه معقل عن أبي الزبير مثل رواية بن سيرين عن أبي هريرة قال ورواه محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مثل رواية أبي الزبير قلت ووصله البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى ولفظه لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي والترمذي من طريق الليث عنه ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع بين اسمه وكنيته وقال أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا أقسم قال أبو داود واختلف على عبد الرحمن بن أبي عمرة وعلي أبي زرعة بن عمرو وموسى بن يسار عن أبي هريرة على الوجهين قلت وحديث بن أبي عمرة أخرجه أحمد وابن أبي شيبة من طريقه عن عمه رفعه لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي وأخرج الطبراني من حديث محمد بن فضالة قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا بن أسبوعين فأتى بي إليه فمسح على رأسي وقال سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي ورواية أبي زرعة عند أبي يعلى بلفظ من تسمى باسمي فلا يكتنى بكنيتي واحتج للمذهب الثاني بما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث علي قال قلت يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد اسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم وفي بعض طرقه فسماني محمدا وكناني أبا القاسم وكان رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب روينا هذه الرخصة في أمالي الجوهري وأخرجها بن عساكر في الترجمة النبوية من طريقه وسندها قوي قال الطبري في إباحة ذلك لعلي ثم تكنيه على ولده أبا القاسم إشارة إلى أن النهي عن ذلك كان على الكراهة لا على التحريم قال ويؤيد ذلك أنه لو كان على التحريم لأنكره الصحابة ولما مكنوه أن يكنى ولده أبا القاسم أصلا فدل على أنهم إنما فهموا من النهي التنزيه وتعقب بأنه لم ينحصر الأمر فيما قال فلعلهم علموا الرخصة له دون غيره كما في بعض طرقه أو فهموا تخصيص النهي بزمانه صلى الله عليه وسلم وهذا أقوى لأن بعض الصحابة سمي ابنه محمدا وكناه أبا القاسم وهو طلحة بن عبيد الله وقد جزم الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه وأخرج ذلك من طريق عيسى بن طلحة عن ظئر محمد بن طلحة وكذا يقال لكنية كل من المحمدين بن أبي بكر وابن سعد وابن جعفر بن أبي طالب وابن عبد الرحمن بن عوف وانب حاطب بن أبي بلتعة وابن الأشعث بن قيس أبو القاسم وأن آباءهم كنوهم بذلك قال عياض وبه قال جمهور السلف والخلف وفقهاء الأمصار وأما ما أخرجه أبو داود من حديث عائشة أن امرأة قالت يا رسول الله إني سميت ابني محمدا وكنيته أبا القاسم فذكر لي انك تكره ذلك قال ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي فقد ذكر الطبراني في الأوسط أن محمد بن عمران الحجي تفرد به عن صفية بنت شيبة عنها ومحمد المذكور مجهول وعلى تقدير أن يكون محفوظا فلا دلالة فيه على الجواز مطلقا لاحتمال أن يكون قبل النهي وفي الجملة أعدل المذاهب المذهب المفصل المحكي أخيرا مع غرابته وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة بعد أن أشار إلى ترجيح المذهب الثالث من حيث الجواز لكن الأولى الأخذ بالمذهب الأول فإنه أبرأ للذمة وأعظم للحرمة والله أعلم

قوله باب اسم الحزن بفتح المهملة وسكون الزاي ما غلظ من الأرض وهو ضد السهل واستعمل في الخلق يقال في فلان حزونة أي في خلقه غلظة وقساوة

[ 5836 ] قوله عن بن المسيب هو سعيد وسماه أحمد في ورايته عن عبد الرزاق وكذا محمود بن غيلان وأحمد بن صالح وغيرهما قوله عن أبيه أن أباه جاء كذا رواه إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق وتابعه أحمد عن عبد الرزاق قال في روايته عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجده وكذا أخرجه بن حبان من طريق محمد بن أبي السري عن عبد الرزاق وأورده المصنف عن عقبة عن محمود بن غيلان وعلي بن عبد الله كلاهما عن عبد الرزاق فقالا في روايتهما عن أبيه عن جده وكذا أورده أبو داود عن أحمد بن صالح والإسماعيلي من طريق إسحاق بن الضيف كلاهما عن عبد الرزاق وفيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له وهذا الاختلاف على عبد الرزاق وبحسبه يكون الحديث إما من مسند المسيب بن حزن على الرواية الأولى وإما من مسند حزن بن أبي وهب والده على الرواية الثانية وقد أعرض الحميدي تبعا لأبي مسعود عن الرواية الثانية وأورد الحديث في مسند المسيب وأما الكلاباذي فجزم بأن الحديث من مسند حزن وهذا الذي ينبغي أن يعتمد لأن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما وفيهم بن المديني قوله قال أنت سهل في رواية الإسماعيلي من طريق محمود بن غيلان ومن طريق إسحاق بن الضيف جميعا قال بل اسمك سهل قوله لا أغير اسما في رواية أحمد بن صالح فقال لا السهل يوطأ ويمتهن ويجمع بأنه قال كلا من الكلامين فنقل بعض الرواة ما لم ينقله الآخر قوله فما زالت الحزونة فينا بعد في رواية أحمد بن صالح فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة

[ 5837 ] قوله حدثنا علي بن عبد الله ومحمود هو بن غيلان كذا ثبت للأكثر وسقط محمود من رواية الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني وقد أخرجه الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف عن محمود بن غيلان كما قال البخاري ولفظه كما قدمته وأخرجه أبو نعيم عن أبي أحمد وهو الغطريفي عن الهيثم فقال في السند عن أبيه أن أباه جاءه والمعتمد ما قال الإسماعيلي قال بن بطال فيه أن الأمر بتحسين الأسماء وبتغيير الاسم إلى أحسن منه ليس على الوجوب وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه وقال بن التين معنى قول بن المسيب فما زالت فينا الحزونة يريد اتساع التسهيل فيما يريدونه وقال الداودي يريد الصعوبة في أخلاقهم إلا أن سعيدا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله وقال غيره يشير إلى الشدة التي بقيت في أخلاقهم فقد ذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم تنبيه قال الكرماني هنا قالوا لم يرو عن المسيب بن حزن وهو وأبوه صحابيان إلا ابنه سعيد بن المسيب وهذا خلاف المشهور من شرط البخاري أنه لم يرو عن واحد ليس له إلا راو واحد قلت وهذا المشهور راجع إلى غرابته وذلك أنه لم يذعه إلا الحاكم ومن تلقى كلامه وأما المحققون فلم يلتزموا ذلك وحجتهم أن ذلك لم ينقل عن البخاري صريحا وقد وجد عمله على خلافه في عدة مواضع منها هذا فلان يعتد به وقد قررت ذلك في النكت على علوم الحديث وعلى تقدير تسليم الشرط المذكور فالجواب عن هذا الموضع أن الشرط المذكور إنما هو في غير الصحابة وأما الصحابة فكلهم عدول فلا يقال في واحد منهم بعد أن ثبتت صحبته مجهول وان وقع ذلك في كلام بعضهم فهو مرجوح ويحتاج من ادعى الشرط في بقية المواضع إلى الأجوبة

قوله باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه هذه الترجمة منتزعة مما أخرج بن أبي شيبة من مرسل عروة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع الاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه وقد وصله الترمذي من وجه آخر عن هشام بذكر عائشة فيه وفيه ثلاثة أحاديث الأول حديث سهل بن سعد

[ 5838 ] قوله أتى بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين ولد أبو أسيد بالتصغير صحابي مشهور وله أحاديث في الصحيح وتقدم ذكر ولده هذا في صلاة الجماعة في المغازي وتقدمت روايته عن أبيه في كتاب الطلاق وكان الصحابة إذا ولد لأحدهم الولد أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه ويبارك عليه وقد تكرر ذلك في الأحاديث قوله فوضعه على فخذه يعني إكراما له قوله فلهى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه أي اشتغل وكل ما شغلك عن شيء فقد ألهاك عن غيره قال بن التين روى لهى بوزن علم وهي اللغة المشهورة وبالفتح لغة طيء قوله فاستفاق النبي صلى الله عليه وسلم أي انقضى ما كان مشتغلا به فأفاق من ذلك فلم ير الصبي فسال عنه يقال أفاق من نومه ومن مرضه واستفاق بمعنى قوله قلبناه بفتح القاف وتشديد اللام بعدها موحدة ساكنة أي صرفناه إلى منزله وذكر بن التين أنه وقع في روايته أقلبناه بزيادة همزة أوله قال والصواب حذفها وأثبتها غيره لغة قوله ما اسمه قال فلان لم أقف على تعيينه فكأنه كان سماه اسما ليس مستحسنا فسكت عن تعيينه أو سماه فنسيه بعض الرواة قوله ولكن اسمه المنذر أي ليس هذا الاسم الذي سميته به اسمه الذي يليق به بل هو المنذر قال الداودي سماه المنذر تفاؤلا أن يكون له علم ينذر به قلت وتقدم في المغازي أنه سمي المنذر بالمنذر بن عمرو الساعدي الخزرجي وهو صحابي مشهور من رهط أبي أسيد الحديث الثاني

[ 5839 ] قوله عطاء بن أبي ميمونة هو بن هلال مولى أنس وأبو رافع هو نفيع الصانع قوله أن زينب كان اسمها برة بفتح الموحدة وتشديد الراء كذا في رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة ووافقه جماعة وقال عمرو بن مرزوق عن شعبة بهذا السند عن أبي هريرة كان اسم ميمونة برة أخرجه المصنف في الأدب المفرد عنه والأول أكبر وزينب هي بنت جحش أو بنت أبي سلمة والأولى زوج النبي صلى الله عليه وسلم والثانية ربيبته وكل منهما كان اسمها أولا برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال بن عبد البر وقصة زينب بنت جحش أخرجها مسلم وأبو داود في أثناء حديث عن زينب بنت أم سلمة قالت سميت برة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تزكوا أنفسكم فإن الله أعلم بأهل البر منكم قالوا ما نسميها قال سموها زينب وفي بعض روايات مسلم وكان اسم زينب بنت جحش برة وقد أخرج الدارقطني في المؤتلف بسند فيه ضعف أن زينب بنت جحش قالت يا رسول الله اسمي برة فلو غيرته فإن البرة صغيرة فقال لو كان مسلما لسميته باسم من أسمائها ولكن هو جحش فالجحش أكبر من البرة وقد وقع مثل ذلك لجويرية بنت الحارث أم المؤمنين فأخرج مسلم وأبو داود والمصنف في الأدب المفرد عن بن عباس قال كان اسم جويرية بنت الحارث برة فحول النبي صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها جويرية كره أن يقول خرج من عند برة قوله فقيل تزكى نفسها أي لأن لفظة برة مشتقة من البر وكذلك وقع في قصة جويرية كره أن يقال خرج من عند برة وقال في قصة زينب الله أعلم بأهل البر منكم الحديث الثالث

[ 5840 ] قوله هشام هو بن يوسف وعبد الحميد بن جبير بن شيبة أي بن عثمان الحجبي قوله فحدثني أن جده حزنا هكذا أرسل سعيد الحديث لما حدث به عبد الحميد ولما حدث به الزهري وصله عن أبيه كما تقدم بيانه في الباب الذي قبله وهذا على قاعدة الشافعي أن المرسل إذا جاء موصولا من وجه آخر تبين صحة مخرج المرسل وقاعدة البخاري أن الاختلاف في الوصل والارسال لا يقدح المرسل في الموصول إذا كان الواصل أحفظ من المرسل كالذي هنا فإن الزهري أحفظ من عبد الحميد قال الطبري لا تنبغي التسمية باسم قبيح المعنى ولا باسم يقتضي التزكية له ولا باسم معناه السب قلت الثالث أخص من الأول قال ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص لا يقصد بها حقيقة الصفة لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم فيظن أنه صفة للمسمى فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحول الاسم إلى ما إذا دعى به صاحبه كان صدقا قال وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أسماء وليس ما غير من ذلك على وجه المنع من التسمي بها بل على وجه الاختيار قال ومن ثم أجاز المسلمون أن يسمى الرجل القبيح بحسن والفاسد بصالح ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم حزنا لما امتنع من تحويل اسمه إلى سهل بذلك ولو كان ذلك لازما لما أقره على قوله لا أغير اسما سمانيه أبي انتهى ملخصا وقد ورد الأمر بتحسين الأسماء وذلك فيما أخرجه أبو داود وصححه بن حبان من حديث أبي الدرداء رفعه انكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم ورجاله ثقات إلا أن في سنده انقطاعا بين عبد الله بن أبي زكريا رواية عن أبي الدرداء وأبي الدرداء فإنه لم يدركه قال أبو داود وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم العاص وعتلة بفتح المهملة والمثناة بعدها لام وشيطان وغراب وحباب بضم المهملة وتخفيف الموحدة وشهاب وحرب وغير ذلك قلت والعاصي الذي ذكره هو مطيع بن الأسود العدوي والد عبد الله بن مطيع ووقع مثله لعبد الله بن الحارث بن جزء وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر أخرجه البزار والطبراني من حديث عبد الله بن الحارث بسند حسن والأخبار في مثل ذلك كثيرة وعتلة هو عتبة بن عبد السلمي وشيطان هو عبد الله وغراب هو مسلم أبو رايطة وحباب هو عبد الله بن عبد الله بن أبي وشهاب هو هشام بن عامر الأنصاري وحرب هو الحسن بن على سماه على أولا وأسانيدها مبينة في كتابي في الصحابة

قوله باب من سمى بأسماء الأنبياء في هذه الترجمة حديثان صريحان أحدهما أخرجه مسلم من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم ثانيهما أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف في الأدب المفرد من حديث أبي وهب الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة رفعه تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة قال بعضهم أما الأولان فلما تقدم في باب أحب الأسماء إلى الله وأما الآخران فلأن العبد في حرث الدنيا أو حرث الآخرة ولأنه لا يزال يهم بالشيء بعد الشيء وأما الاخيران فلما في الحرب من المكاره ولما في مرة من المرارة وكأن المؤلف رحمه الله لما لم يكونا على شرطه اكتفى بما استنبطه من أحاديث الباب وأشار بذلك إلى الرد على من كره ذلك كما تقدم عن عمر أنه أراد أن يغير أسماء أولاد طلحة وكان سماهم بأسماء الأنبياء وأخرج البخاري أيضا في الأدب المفرد في مثل ترجمة هذا الباب حديث يوسف بن عبد الله بن سلام قال سماني النبي صلى الله عليه وسلم يوسف الحديث وسنده صحيح وأخرجه الترمذي في الشمائل وأخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال أحب الأسماء إليه أسماء الأنبياء ثم ذكر فيه أحد عشر حديثا موصولة ومعلقة الأول حديث أنس قوله وقال أنس قبل النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم يعني ابنه ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده وهو في رواية النسفي أيضا وهو طرف من حديث طويل تقدم موصولا في الجنائز الحديث الثاني

[ 5841 ] قوله حدثنا بن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير نسب لجده ومحمد بن بشر هو العبدي وإسماعيل هو بن خالد والإسناد كله كوفيون قوله قلت لابن أبي أوفى هو عبد الله الصحابي بن الصحابي قوله رأيت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال مات صغيرا تضمن كلامه جواب السؤال بالإشارة إليه وصرح بالزيادة عليه كأنه قال نعم رأيته لكن مات صغيرا ثم ذكر السبب في ذلك وقد رواه إبراهيم بن حميد عن إسماعيل عن أبي خالد بلفظ قال نعم كان أشبه الناس به مات وهو صغير أخرجه بن منده والإسماعيلي من طريق جرير عن إسماعيل سألت بن أبي أوفى عن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أي شيء كان حين مات قال كان صبيا قوله ولو قضى أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه إبراهيم ولكن لا نبي بعده هكذا جزم به عبد الله بن أبي أوفى ومثل هذا لا يقال بالرأي وقد توارد عليه جماعة فأخرج بن ماجة من حديث بن عباس قال لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وقال أن له مرضعا في الجنة لو عاش لكان صديقا نبيا ولأعتقت أخواله القبظ وروى أحمد وابن منده من طريق السدي سألت أنساكم بلغ إبراهيم قال كان قد ملأ المهد ولو بقي لكان نبيا ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء ولفظ أحمد لو عاش إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم لكان صديقا نبيا ولم يذكر القصة فهذه عدة أحاديث صحيحة عن هؤلاء الصحابة أنهم أطلقوا ذلك فلا أدري ما الذي حمل النووي في ترجمة إبراهيم المذكور من كتاب تهذيب الأسماء واللغات على استنكار ذلك ومبالغته حيث قال هو باطل وجسارة في الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلل ويحتمل أن يكون استحضر ذلك عن الصحابة المذكورين فرواه عن غيرهم ممن تأخر عنهم فقال ذلك وقد استنكر قبله بن عبد البر في الاستيعاب الحديث المذكور فقال هذا لا أدري ما هو وقد ولد نوح من ليس بنبي وكما يلد غير النبي نبيا فكذا يجوز عكسه حتى نسب قائله إلى المجازفة والخوض في الأمور المغيبة بغير علم إلى غير ذلك مع أن الذي نقل عن الصحابة المذكورين إنما أتوا فيه بقضية شرطية الحديث الثالث حديث البراء لما مات إبراهيم قال النبي صلى الله عليه وسلم إن له مرضعا في الجنة قال الخطابي هو بضم الميم على أنه اسم فاعل من أرضع أي من يتم إرضاعه وبفتحها أي أن له رضاعا في الجنة وقال بن التين قال في الصحاح امرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فهي مرضعة بضم أوله فإن وصفتها بإرضاعه قلت مرضعة يعني بفتح الميم قال والمعنى هنا يصح ولكن لم يروه أحد بفتح الميم قلت وقع في رواية الإسماعيلي أن له مرضعا ترضعه في الجنة والمعنى تكمل إرضاعه لأنه لما مات كان بن ستة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على اختلاف الروايتين وقيل إنما عاش سبعين يوما الحديث الرابع حديث جابر سموا باسمي ذكره مختصرا عن آدم عن شعبة عن حصين وقد تقدم شرحه قريبا وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة عن حصين بتمامه الحديث الخامس

[ 5843 ] قوله ورواه أنس تقدم التنبيه عليه قريبا في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سموا باسمي الحديث السادس والسابع والثامن حديث أبي هريرة سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ووقع في رواية المستملي والسرخسي هنا بكنوتي وقد تقدم توجيهه قريبا

[ 5844 ] قوله ومن رآني في المنام الحديث هو حديث آخر جمعهما الراوي بهذا الإسناد وسيأتي شرحه في كتاب التعبير قوله ومن كذب علي معتمدا الحديث هو حديث آخر تقدم شرحه في كتاب العلم الحديث التاسع عن أبي موسى هو الأشعري قال ولد لي غلام

[ 5845 ] قوله وكان أكبر ولد أبي موسى هذا يشعر بأن أبا موسى كنى قبل أن يولد له وإلا فلو كان الأمر على غير ذلك لكني بابنه إبراهيم المذكور ولم ينقل أنه كان يكنى أبا إبراهيم الحديث العاشر حديث المغيرة انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم كذا أورده مختصرا وقد تقدم في الكسوف بهذا الإسناد مطولا من وجه آخر عن زياد بن علاقة مطولا أيضا وتقدم شرحه هناك الحديث الحادي عشر

[ 5846 ] قوله رواة أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى ما أخرجه موصولا في الكسوف ومعلقا لكن لم أر في شيء من طرق حديث أبي بكرة التصريح بأن ذلك كان يوم مات إبراهيم إلا في رواية أسندها في باب كسوف القمر مع أن مجموع الأحاديث تدل على ذلك كما قاله البيهقي قال بن بطال في هذه الأحاديث جواز التسمية بأسماء الأنبياء وقد ثبت عن سعيد بن المسيب أنه قال أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء وإنما كره عمر ذلك لئلا يسب أحد المسمى بذلك فأراد تعظيم الاسم لئلا يبتذل في ذلك وهو قصد حسن وذكر الطبري أن الحجة في ذلك حديث أنس يسمونهم محمدا ويلعنونهم قال وهو ضعيف لأنه من رواية الحكم بن عطية عن ثابت عنه وعلى تقدير ثبوته فلا حجة فيه للمنع بل فيه النهي عن لعن من يسمى محمدا وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في باب سموا باسمي قال ويقال أن طلحة قال للزبير أسماء بني أسماء الأنبياء وأسماء بنيك أسماء الشهداء فقال أنا أرجو أن يكون بني شهداء وأنت لا ترجو أن يكون بنوك أنبياء فأشار إلى أن الذي فعله أولى من الذي فعله طلحة

قوله باب تسمية الوليد ورد في كراهة هذا الاسم حديث أخرجه الطبراني من حديث بن مسعود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى الرجل عبده أو ولده حربا أو مرة أو وليدا الحديث وسنده ضعيف جدا وورد فيه أيضا حديث آخر مرسل أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه والبيهقي في الدلائل من طريقه قال حدثنا محمد بن خالد بن العباس السكسكي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو الأوزاعي وأخرجه البيهقي في الدلائل أيضا من رواية بشر بن بكر عن الأوزاعي وأخرجه عبد الرزاق في الجزء الثاني من أماليه عن معمر كلاهما عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال ولد لأخي أم سلمة ولد فسماه الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سميتموه بأسماء فراعنتكم ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه قال الوليد بن مسلم في روايته قال الأوزاعي فكانوا يرونه الوليد بن عبد الملك ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت الفتن على الأمة بسبب ذلك وكثر فيهم القتل وفي رواية بشر بن بكر من الزيادة غيروا اسمه فسموه عبد الله وبين في روايته أنه أخو أم سلمة لأمها وهكذا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن إسماعيل بن أبي إسماعيل عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب أخرجه أبو نعيم في الدلائل من رواية الحارث وأخرجه أحمد عن أبي المغيرة عن إسماعيل بن عياش فزاد فيه قال حدثني الأوزاعي وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر به فزاد فيه عمر فادعى بن حبان أنه لا أصل له فقال في كتاب الضعفاء في ترجمة إسماعيل بن عياش هذا خبر باطل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رواه عمر ولا حدث به سعيد ولا الزهري ولا هو من حديث الأوزاعي ثم أعله بإسماعيل بن عياش واعتمد بن الجوزي على كلام بن حبان فأورد الحديث في الموضوعات فلم يصب فإن إسماعيل لم ينفرد به وعلى تقدير انفراده فإنما انفرد بزيادة عمر في الإسناد وإلا فأصله كما ذكرت عند الوليد وغيره من أصحاب الأوزاعي عنه وعند معمر وغيره من أصحاب الزهري فإن كان سعيد بن المسيب تلقاه عن أم سلمة فهو على شرط الصحيح ويؤيد ذلك أن له شاهدا عن أم سلمة أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحديث من رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو عن عطاء عن زينب بنت أم سلمة عن أمها قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد فقال من هذا قلت الوليد قال قد اتخذتم الوليد حنانا غيروا اسمه فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد وقد أخرجه الحاكم من وجه آخر عن الوليد موصولا بذكر أبي هريرة فيه أخرجه من طريق نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم وقال في آخره قال الزهري ان استخلف الوليد بن يزيد وإلا فهو الوليد بن عبد الملك قلت وعندي أن ذكر أبي هريرة فيه من أوهام نعيم بن حماد والله أعلم ولما لم يكن هذا الحديث المذكور على شرط البخاري أومأ إليه كعادته وأورد فيه الحديث الدال على الجواز فإنه لو كان مكروها لغيره النبي صلى الله عليه وسلم كعادته فإن في بعض طرق الحديث المذكور الدلالة على أن الوليد بن الوليد المذكور قد قدم بعد ذلك المدينة مهاجرا كما مضى في المغازي ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم غير اسمه وأما ما تقدم أنه أمر بتغيير اسم الوليد فلذلك اسم ولد المذكور فغيره فسماه عبد الله وأخرج الطبراني في ترجمة الوليد بن الوليد بن المغيرة من طريق إسماعيل بن أيوب المخزومي في قصة موت الوليد بن الوليد بعد أن جاء إلى المدينة مهاجرا وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة بعد موته وهي تقول أبك الوليد بن الوليد أبا الوليد بن المغيرة فقال إن كنتم لتتخذون الوليد حنانا فسماه عبد الله ووصله بن منده من وجه واه إلى أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ومن شواهد الحديث ما أخرجه الطبراني أيضا من حديث معاذ بن جبل قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه قال الوليد اسم فرعون هادم شرائع الإسلام يبوء بدمه رجل من أهل بيته ولكن سنده ضعيف جدا

قوله باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا كذا اقتصر على حرف وهو مطابق لحديث عائشة في عائش ولحديث أنس في أنجش وأما حديث أبي هريرة فنازع بن بطال في مطابقته فقال ليس من الترخيم وإنما هو نقل اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير وذلك أنه كان كناه أبا هريرة وهريرة تصغير هرة فخاطبه باسمها مذكرا فهو نقصان في اللفظ وزيادة في المعنى قلت فهو نقص في الجملة لكن كون النقص منه حرفا فيه نظر وكأنه لحظ الاسم قبل التصغير وهي هرة فإذا حذف الياء الأخيرة صدق أنه نقص من الاسم حرفا وقد ترجم في الأدب المفرد مثله لكن قال شيئا بدل حرفا وأورد فيه حديث عائشة رأيت عثمان والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب كتفه يقول أكنتم عثم وجبريل يوحى إليه قوله وقال أبو حازم عن أبي هريرة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هر بتشديد الراء ويجوز تخفيفها وهذا طرف من حديث وصله المصنف رحمه الله في الأطعمة أوله أصابني جهد شديد وفيه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي فقال يا أبا هر ويأتي في الرقاق حديث أوله والذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض بكبدي من الجوع وفيه مثله

[ 5849 ] قوله يا أنجش رويدك تقدم شرحه في باب ما يجوز من الشعر وأكثر ما وقع في الروايات بغير ترخيم ويجوز في الشين الضم والفتح كما في الذي قبله

قوله باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل في رواية الكشميهني يلد الرجل ذكر فيه قصة أبي عمير وهو مطابق لأحد ركني الترجمة والركن الثاني مأخوذ من الإلحاق بل بطريق الأولى وأشار بذلك إلى الرد على من منع تكنية من لم يولد له مستندا إلى أنه خلاف الواقع فقد أخرج بن ماجة وأحمد والطحاوي وصححه الحاكم من حديث صهيب أن عمر قال له مالك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كناني وأخرج سعيد بن منصور من طريق فضيل بن عمرو قلت لإبراهيم إني أكنى أبا النضر وليس لي ولد وأسمع الناس يقولون من اكتنى وليس له ولد فهو أبو جعر فقال إبراهيم كان علقمة يكنى أبا شبل وكان عقيما لا يولد له وقوله جعر بفتح الجيم وسكون المهملة وشبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة وأخرج المصنف في الأدب المفرد عن علقمة قال كناني عبد الله بن مسعود قبل أن يولد لي وقد كان ذلك مستعملا عند العرب قال الشاعر لها كنية عمرو وليس لها عمرو وأخرج بن أبي شيبة عن الزهري قال كان رجال من الصحابة يكتنون قبل أن يولد لهم وأخرج المصنف في باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الجنائز عن هلال الوزان قال كناني عروة قبل أن يولد لي قلت وكنية هلال المذكور أبو عمرو ويقال أبو أمية ويقال غير ذلك وأخرج الطبراني عن علقمة عن بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له وسنده صحيح قال العلماء كانوا يكنون الصبي تفاؤلا بأنه سيعيش حتى يولد له وللأمن من التلقيب لأن الغالب أن من يذكر شخصا فيعظمه أن لا يذكره باسمه الخاص به فإذا كانت له كنية أمن من تلقيبه ولهذا قال قائلهم بادروا أبناءكم بالكنى قبل أن تغلب عليها الألقاب وقالوا الكنية للعرب كاللقب للعجم ومن ثم كره للشخص أن يكنى نفسه إلا أن قصد التعريف

[ 5850 ] قوله عبد الوارث هو بن سعيد وأبو التياح بمثناة فوقانية ثم تحتانية ثقيلة مفتوحين ثم مهملة هو يزيد بن حميد والإسناد كله بصريون وقد تقدم من رواية شعبة عن أبي التياح في باب الانبساط إلى الناس وقد أخرجه النسائي من طريق شعبة هكذا ومن وجه آخر عن شعبة عن قتادة عن أنس ومن وجه ثالث عن شعبة عن محمد بن قيس عن حميد عن أنس والمشهور الأول ويحتمل أن يكون لشعبة فيه طرق قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا هذا قاله أنس توطئة لما يريد يذكره من قصة الصبي وأول حديث شعبة المذكور عن أنس قال أن النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا ولأحمد من طريق المثنى بن سعيد عن أبي التياح عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أم سليم وفي رواية محمد بن قيس المذكور كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اختلط بنا أهل البيت يعني لبيت أبي طلحة وأم سليم ولأبي يعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشانا ويخالطنا وللنسائي من طريق إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أبا طلحة كثيرا ولأبي يعلى من طريق خالد بن عبد الله عن حميد كان يأتي أم سليم وينام على فراشها وكان إذا مشا يتوكأ ولابن سعد وسعيد بن منصور عن ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أنس كان يزور أم سليم فتتحفه بالشيء تصنعه له قوله وكان لي أخ يقال له أبو عمير هو بالتصغير وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند أحمد كان لي أخ صغير وهو أخو أنس بن مالك من أمه ففي رواية المثنى بن سعيد المذكورة وكان لها أي أم سليم بن صغير وفي رواية حميد عند أحمد وكان لها من أبي طلحة بن يكنى أبا عمير وفي رواية مروان بن معاوية عن حميد عند بن أبي عمر كان بني لأبي طلحة وفي رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عند أبي سعد أن أبا طلحة كان له بن قال أحسبه فطيما في بعض النسخ فطيم بغير ألف وهو محمول على طريقة من يكتب المنصوب المنون بلا ألف والأصل فطيم لأنه صفة أخ وهو مرفوع لكن تخلل بين الصفة والموصوف أحسبه وقد وقع عند أحمد من طريق المثنى بن سعيد مثل ما في الأصل فطيم بمعنى مفطوم أي انتهى ارضاعه قوله وكان أي النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء زاد مروان بن معاوية في روايته إذا جاء لأم سليم يمازحه ولأحمد في روايته عن حميد مثله وفي أخرى يضاحكه وفي رواية محمد بن قيس يهازله وفي رواية المثنى بن سعيد عن أبي عوانة يفاكهه قوله يا أبا عمير في رواية ربعي بن عبد الله فزارنا ذات يوم فقال يا أم سليم ما شأني أرى أبا عمير ابنك خائر النفس بمعجمة ومثلثة أي ثقيل النفس غير نشيط وفي رواية مروان بن معاوية وإسماعيل بن جعفر كلاهما عن حميد فجاء يوما وقد مات نغيره زاد مروان الذي كان يلعب به زاد إسماعيل فوجده حزينا فسأل عنه فأخبرته فقال يا أبا عمير وساقه أحمد عن يزيد بن هارون عن حميد بتمامه وفي رواية حماد بن سلمة المشار إليها فقال ما شأن أبي عمير حزينا وفي رواية ربعي بن عبد الله فجعل يمسح رأسه ويقول في رواية عمارة بن زاذان فكان يستقبله ويقول قوله ما فعل النغير بنون ومعجمة وراء مصغر وكرر ذلك في رواية حماد بن سلمة قوله نغير كان يلعب به وهو طير صغير واحدة نغرة وجمعه نغران قال الخطابي طوير له صوت وفيه نظر فإنه ورد في بعض طرقه أنه الصعو بمهملتين بوزن العفو كما في رواية ربعي فقالت أم سليم ماتت صعوته التي كان يلعب بها فقال أي أبا عمير مات النغير فدل على أنهما شيء واحد والصعو لا يوصف بحسن الصوت قال الشاعر كالصعو يرتع في الرياض وإنما حبس الهزار لأنه يترنم قال عياض النغير طائر معروف يشبه العصفور وقيل هي فراخ العصافير وقيل هي نوع من الحمر بضم المهملة وتشديد الميم ثم راء قال والراجح أن النغير طائر أحمر المنقار قلت هذا الذي جزم به الجوهري وقال صاحب العين والمحكم الصعو صغير المنقار أحمر الرأس قوله فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا الخ تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصلاة وتقدمت الإشارة إليه قريبا أيضا وفي هذا الحديث عدة فوائد جمعها أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص الفقيه الشافعي صاحب التصانيف في جزء مفرد بعد أن أخرجه من وجهين عن شعبة عن أبي التياح ومن وجهين عن حميد عن أنس ومن طريق محمد بن سيرين وقد جمعت في هذا الموضع طرقه وتتبعت ما في رواية كل منهم من فائدة زائدة وذكر بن القاص في أول كتابه أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها ومثل ذلك بحديث أبي عمير هذا قال وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجها ثم ساقها مبسوطة فلخصتها مستوفيا مقاصدة ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه فقال فيه استحباب التأني في المشي وزيارة الإخوان وجواز زيارة الرجل للمرأة الأجنبية إذا لم تكن شابة وأمنت الفتنة وتخصيص الإمام بعض الرعية بالزيارة ومخالطة بعض الرعية دون بعض ومشى الحاكم وحده وأن كثرة الزيارة لا تنقص المودة وأن قوله زر غبا تزدد حبا مخصوص بمن يزور لطمع وأن النهي عن كثرة مخالطة الناس مخصوص بمن يخشى الفتنة أو الضرر وفيه مشروعية المصافحة لقول أنس فيه ما مسست كفا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخصيص ذلك بالرجل دون المرأة وأن الذي مضى في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان شئن الكفين خاص بعبالة الجسم لا بخشونة اللمس وفيه استحباب صلاة الزائر في بيت المزور ولا سيما إن كان الزائر ممن يتبرك به وجواز الصلاة على الحصير وترك التقزز لأنه علم أن في البيت صغيرا وصلى مع ذلك في البيت وجلس فيه وفيه أن الأشياء على يقين الطهارة لأن نضحهم البساط إنما كان للتنظيف وفيه أن الاختيار للمصلى أن يقوم على أروح الأحوال وأمكنها خلافا لمن استحب من المشددين في العبادة أن يقوم على أجهدها وفيه جواز حمل العالم علمه إلى من يستفيده منه وفضيلة لآل أبي طلحة ولبيته إذ صار في بيتهم قبلة يقطع بصحتها وفيه جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها إباحة سنة لا رخصة وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة وتكرير زيارة الممدوح معه وفيه ترك التكبر والترفع والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح وأن الذي ورد في صفة المنافق أن سره يخالف علانيته ليس على عمومه وفيه الحكم على ما يظهر من الأمارات في الوجه من حزنه أو غيره وفيه جواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها إذا استدل صلى الله عليه وسلم بالحزن الظاهر على الحزن الكامن حتى حكم بأنه حزين فسأل أمه عن حزنه وفيه التلطف بالصديق صغيرا كان أو كبيرا والسؤال عن حاله وأن الخبر الوارد في الزجر عن بكاء الصبي محمول على ما إذا بكى عن سبب عامدا ومن أذى بغير حق وفيه قبول خبر الواحد لأن الذي أجاب عن سبب حزن أبي عمير كان كذلك وفيه جواز تكنية من لم يولد له وجواز لعب الصغير بالطير وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به وجواز إنفاق المال فيهما يتلهى به الصغير من المباحات وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه وقص جناح الطير إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم وفيه جواز إدخال الصيد من الحل إلى الحرم وإمساكه بعد إدخاله خلافا لمن منع من إمساكه وقاسه على من صاد ثم أحرم فإنه يجب عليه الإرسال وفيه جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان وجواز مواجهة الصغير بالخطاب خلافا لمن قال الحكيم لا يواجه بالخطاب إلا من يعقل ويفهم قال والصواب الجواز حيث لا يكون هناك طلب جواب ومن ثم لم يخاطبه في السؤال عن حاله بل سأل غيره وفيه معاشرة الناس على قدر عقولهم وفيه جواز قيلولة الشخص في بيت غير بيت زوجته ولو لم تكن فيه زوجته ومشروعية القيلولة وجواز قيلولة الحاكم في بيت بعض رعيته ولو كانت امرأة وجواز دخول الرجل بيت المرأة وزوجها غائب ولو لم يكن محرما إذا انتفت الفتنة وفيه إكرام الزائر وأن التنعم الخفيف لا ينافي السنة وأن تشييع المزور الزائر ليس على الوجوب وفيه أن الكبير إذا زار قوما واسى بينهم فإنه صافح أنسا ومازح أبا عمير ونام على فراش أم سليم وصلى بهم في بيتهم حتى نالوا كلهم من بركته انتهى ما لخصته من كلامه فيما استنبط من فوائد حديث أنس في قصة أبي عمير ثم ذكر فصلا في فائدة تتبع طرق الحديث فمن ذلك الخروج من خلاف من شرط في قبول الخبر أن تتعدد طرقه فقيل لاثنين وقيل لثلاثة وقيل لأربعة وقيل حتى يستحق اسم الشهرة فكان في جميع الطرق ما يحصل المقصود لكل أحد غالبا وفي جميع الطرق أيضا ومعرفة من رواها وكميتها العلم بمراتب الرواة في الكثرة والقلة وفيها الاطلاع على علة الخبر بانكشاف غلط الغالط وبيان تدليس المدلس وتوصيل المعنعن ثم قال وفيما يسره الله تعالى من جمع طرق هذا الحديث واستنباط فوائده ما يحصل به التمييز بين أهل الفهم في النقل وغيرهم ممن لا يهتدي لتحصيل ذلك مع أن العين المستنبط منها واحدة ولكن من عجائب اللطيف الخبير أنها تسقى بماء واحد وتفضل بعضها على بعض في الأكل هذا آخر كلامه ملخصا وقد سبق إلى التنبيه على فوائد قصة أبي عمير بخصوصها من القدماء أبو حاتم الرازي أحد أئمة الحديث وشيوخ أصحاب السنن ثم تلاه الترمذي في الشمائل ثم تلاه الخطابي وجميع ما ذكروه يقرب من عشرة فوائد فقط وقد ساق شيخنا في شرح الترمذي ما ذكره بن القاص بتمامه ثم قال ومن هذه الأوجه ما هو واضح ومنها الخفي ومنها المتعسف قال والفوائد التي ذكرها آخرا وأكمل بها الستين هي من فائدة جمع طرق الحديث لا من خصوص هذا الحديث وقد بقي من فوائد هذا الحديث أن بعض المالكية والخطابي من الشافعية استدلوا به على أن صيد المدينة لا يحرم وتعقب باحتمال ما قاله بن القاص أنه صيد في الحل ثم أدخل الحرم فلذلك أبيح إمساكه وبهذا أجاب مالك في المدونة ونقله بن المنذر عن أحمد والكوفيين ولا يلزم منه أن حرم المدينة لا يحرم صيده وأجاب بن التين بأن ذلك كان قبل تحريم صيد حرم المدينة وعكسه بعض الحنفية فقال قصة أبي عمير تدل على نسخ الخبر الدال على تحريم صيد المدينة وكلا القولين متعقب وما أجاب به بن القاص من مخاطبة من لا يميز التحقيق فيه جواز مواجهته بالخطاب إذا فهم الخطاب وكان في ذلك فائدة ولو بالتأنيس له وكذا في تعليمه الحكم الشرعي عند قصد تمرينه عليه من الصغر كما في قصة الحسن بن علي لما وضع التمرة في فيه قال له كخ كخ أما علمت أنا لا نأكل الصدقة كما تقدم بسطه في موضعه ويجوز أيضا مطلقا إذا كان القصد بذلك خطاب من حضر أو استفهامه ممن يعقل وكثيرا ما يقال للصغير الذي لا يفهم أصلا إذا كان ظاهر الوعك كيف أنت والمراد سؤال كالفه أو حامله وذكر بن بطال من فوائد هذا الحديث أيضا استحباب النضح فيما لم يتيقن طهارته وفيه أن أسماء اللأعلام لا يقصد معانيها وأن إطلاقها على المسمى لا يستلزم الكذب لان الصبي لم يكن أبا وقد دعي أبا عمير وفيه جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفا وأن ذلك لا يمتنع من النبي كما امتنع منه إنشاء الشعر وفيه إتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه من مأكول أو غيره وفيه جواز الرواية بالمعنى لأن القصة واحدة وقد جاءت بألفاظ مختلفة وفيه حواز الاقتصار على بعض الحديث وجواز الإتيان به تارة مطولا وتارة ملخصا وجميع ذلك يحتمل أن يكون من أنس ويحتمل أن يكون ممن بعده والذي يظهر أن بعض ذلك منه والكثير منه ممن بعده وذلك يظهر من اتحاد المخارج واختلافها وفيه مسح رأس الصغير للملاطفة وفيه دعاء الشخص بتصغير اسمه عند عدم الايذاء وفيه جواز السؤال عما السائل به عالم لقولوه ما فعل النغير بعد علمه بأنه مات وفيه إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم لأن جميع ما ذكر من صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع أم سليم وذويها كان غالبه بواسطة خدمة أنس له وقد توزع بن القاص في الاستدلال به على إطلاق جواز لعب الصغير بالطير فقال أبو عبد الملك يجوز أن يكون ذلك منسوخا بالنهي عن تعذيب الحيوان وقال القرطبي الحق أن لا نسخ بل الذي رخص فيه للصبي إمساك الطير ليلتهي به وأما تمكينه من تعذيبه ولا سيما حتى يموت فلم يبح قط ومن الفوائد التي لم يذكرها بن القاص ولا غيره في قصة أبي عمير أن عند أحمد في آخر رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس فمرض الصبي فهلك فذكر الحديث في قصة موته وما وقع لام سليم من كتمان ذلك عن أبي طلحة حتى نام معها ثم أخبرته لما أصبح فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فدعا لهما فحملت ثم وضعت غلاما فأحضره أنس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه عبد الله وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في كتاب الجنائز وتأتي الإشارة إلى بعضه في باب المعاريض قريبا وقد جزم الدمياطي في أنساب الخزرج أن أبي عمير مات صغيرا وقال بن الأثير في ترجمته في لصحابة لعله الغلام الذي جرى لأم سليم وأبي طلحة في أمره ما جرى وكأنه لم يستحضر رواية عمارة بن زاذان المصرحة بذلك فذكره احتمالا ولم أر عند من ذكر أبا عمير في الصحابة له غير قصة النغير ولا ذكروا له اسما بل جزم بعض الشراح بأن اسمه كنيته فعلى هذا يكون ذلك من فوائد هذا الحديث وهو جعل الاسم المصدر بأب أو أم اسما علما من غير أن يكون له اسم غيره لكن قد يؤخذ من قول أنس في رواية ربعي بن عبد الله يكنى أبا عمير أن له اسما غير كنيته وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية هشيم عن أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له حديثا وأبو عمير هذا ذكروا أنه كان أكبر ولد أنس وذكروا أن اسمه عبد الله كما جزم به الحاكم أبو أحمد وغيره فلعل أنسا سماه باسم أخيه لأمه وكناه بكنيته ويكون أبو طلحة سمى ابنه الذي رزقه خلفا من أبي عمير باسم أبي عمير لكنه لم يكنه بكنيته والله أعلم ثم وجدت في كتاب النساء لأبي الفرج بن الجوزي قد أخرج في أواخره في ترجمة أم سليم من طريق محمد بن عمرو وهو أبو سهل البصري وفيه مقال عن حفص بن عبيد الله عن أنس أن أبا طلحة زوج أم سليم كان له منها بن يقال له حفص غلام قد ترعرع فأصبح أبو طلحة وهو صائم في بعض شغله فذكر قصة نحو القصة التي في الصحيح بطولها في موت الغلام ونومها مع أبي طلحة وقولها له أرأيت لو أن رجلا أعارك عارية الخ وإعلامهما النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ودعائه لهما وولادتها وإرسالها الولد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه وفي القصة مخالفة لما في الصحيح منها أن الغلام كان صحيحا فمات بغتة ومنها أنه ترعرع والباقي بمعناه فعرف بهذا أن اسم أبي عمير حفص وهو وارد على من صنف في الصحابة وفي المبهمات والله أعلم ومن النوادر التي تتعلق بقصة أبي عمير ما أخرجه الحاكم في علوم الحديث عن أبي حاتم الرازي أنه قال حفظ الله أخانا صالح بن محمد يعني الحافظ الملقب جزرة فإنه لا يزال يبسطنا غائبا وحاضرا كتب إلي أنه لما مات الذهلي يعني بنيسابور أجلسوا شيخا لهم يقال له محمش فأملى عليهم حديث أنس هذا فقال يا أبا عمير ما فعل البعير قاله بفتح عين عمير بوزن عظيم وقال بموحدة مفتوحة بدل النون وأهمل العين بوزن الأول فصحف الاسمين معا قلت ومحمش هذا لقب وهو بفتح الميم الأولى وكسر الثانية بينهما حاء مهملة ساكنة وآخره معجمة واسمه محمد بن يزيد بن عبد الله النيسابوري السلمي ذكره بن حبان في الثقات وقال روى عن يزيد بن هارون وغيره وكانت فيه دعابة

قوله باب التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى وذكر فيه قصة علي بن أبي طالب في ذلك وقد تقدمت بأتم من هذا السياق في مناقبه وفيه بيان الاختلاف في سبب ذلك وأن الجمع بينهما ممتنع ثم ظهر لي إمكان الجمع وقد ذكرته في بابه من كتاب الاستئذان وقد ثبت في حديث عبد المطلب بن ربيعة عند مسلم في قصة طويلة أن عليا رضي الله عنه قال أنا أبو حسن وقوله

[ 5851 ] في السند سليمان هو بن بلال وقوله عن سهل بن سعد في رواية الإسماعيلي وأبي نعيم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد شيخ البخاري فيه بهذا السند سمعت سهل بن سعد وقوله وما سماه أبو تراب إلا النبي صلى الله عليه وسلم قال بن التين صوابه أبا تراب قلت وليس الذي وقع في الأصل خطأ به هو موجه على الحكاية أو على جعل الكنية اسما وقد وقع في بعض النسخ أبا تراب ونبه على اختلاف الروايات في ذلك الإسماعيلي ووقع في رواية أبي بكر المشار إليها آنفا بالنصب أيضا وقوله إن كانت لاحب أسمائه إليه فيه إطلاق الاسم على الكنية وأنت كانت باعتبار الكنية قال الكرماني أن مخففة من الثقيلة وكانت زائدة وأحب منصوب على أنه اسم أن وهي وأن خففت لكن لا يوجب تخفيفها الغاءها قلت ولم يتعين ما قال بل كانت على حالها وأشار سهل بذلك إلى انقضاء محبته بموته وسهل إنما حدث بذلك بعد موت علي بدهر وقال بن التين وأنت كانت على تأنيث الأسماء مثل وجاءت كل نفس ومثل كما شرقت صدر القناة كذا قال وما تقدم أولى وقوله وان كان ليفرح أن ندعوها بنون مفتوحة ودال ساكنة والواو محركة بمعنى نذكرها كذا للنسفي ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي ووقع في روايتنا من طريق أبي الوقت أن يدعاها وهو بتحتانية أوله مضمومة ولسائر الرواة يدعي بها بضم أوله أي ينادي بها وهي رواية المصنف في الأدب المفرد عن شيخه المذكور هنا بهذا الإسناد وكذا لأبي نعيم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة المذكورة وفي رواية عثمان بن أبي شيبة من خالد بن مخلد أن يدعوه بها وقوله فاضطجع إلى الجدار في المسجد في رواية الكشميهني إلى جدار المسجد وعنه في بدل إلى وفي رواية النسفي إلى الجدار إلى المسجد وقد تقدم في أبواب المساجد بلفظ فإذا هو راقد في المسجد وهو يقوي رواية الأكثر هنا وقوله يتبعه بتشديد المثناة والعين مهملة وللكشميهني يبتغيه بتقديم الموحدة ثم مثناة والغين معجمة بعدها تحتانية ويستفاد من الحديث جواز تكنية الشخص بأكثر من كنية والتلقيب بلفظ الكنية وبما يشتق حال الشخص وأن اللقب إذا صدر من الكبير في حق الصغير تلقاه بالقبول ولو لم يكن لفظه مدح وأن من حمل ذلك على التنقيص لا يلتفت إليه وهو كما كان أهل الشام يتنقصون بن الزبير يزعمهم حيث يقولون له بن ذات النطاقين فيقول تلك شكاة ظاهر عنك عارها قال بن بطال وفيه أن أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طبع عليه البشر من الغضب وقد يدعوه ذلك إلى الخروج من بيته ولا يعاب عليه قلت ويحتمل أن يكون سبب خروج علي خشية أن يبدو منه في حالة الغضب ما لا يليق بجناب فاطمة رضي الله عنهما فحسم مادة الكلام بذلك إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما وفيه كرم خلق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه توجه نحو علي ليترضاه ومسح التراب عن ظهره ليبسطه وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده فيؤخذ منه استحباب الرفق بالاصهار وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم لأن العتاب إنما يخشى ممن يخشى منه الحقد لا ممن هو منزه عن ذلك تنبيه أخرج بن إسحاق والحاكم من طريقه من حديث عمار أنه كان هو وعلي في غزوة العشيرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فوجد عليا نائما وقد علاه تراب فأيقظه وقال له مالك أبا تراب ثم قال ألا أحدثك بأشقى الناس الحديث وغزوة العشيرة كانت في أثناء السنة الثانية قبل وقعة بدر وذلك قبل أن يتزوج على فاطمة فإن كان محفوظا أمكن الجمع بأن يكون ذلك تكرر منه صلى الله عليه وسلم في حق علي والله أعلم وقد ذكر بن إسحاق عقب القصة المذكورة قال حدثني بعض أهل العلم أن عليا كان إذا غضب على فاطمة في شيء لم يكلمها بل كان يأخذ ترابا فيضعه على رأسه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ذلك عرف فيقول مالك يا أبا تراب فهذا سبب آخر يقوي التعدد والمعتمد في ذلك كله حديث سهل في الباب والله أعلم

قوله باب أبغض الأسماء إلى الله عز وجل كذا ترجم بلفظ أبغض وهو بالمعنى وقد ورد بلفظ أخبث بمعجمة وموحدة ثم مثلثة وبلفظ أغيظ وهما عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة ولابن أبي شيبة عن مجاهد بلفظ أكره الأسماء ونقل بن التين عن الداودي قال ورد في بعض الأحاديث أبغض الأسماء إلى الله خالد ومالك قال وما أراه محفوظا لأن في الصحابة من تسمى بهما قال وفي القرآن تسمية خازن النار مالكا قال والعباد وأن كانوا يموتون فإن الأرواح لا تفنى انتهى كلامه فأما الحديث الذي أشار إليه فما وقفت عليه بعد البحث ثم رأيت في ترجمة إبراهيم بن الفضل المدني أحد الضعفاء من مناكيره عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رفعه أحب الأسماء إلى الله ما سمي به وأصدقها الحارث وهمام وأكذب الأسماء خالد ومالك وأبغضها إلى الله ما سمي لغيره فلم يضبط الداودي لفظ المتن أو هو متن آخر اطلع عليه وأما استدلاله على ضعفه بما ذكر من تسمية بعض الصحابة وبعض الملائكة فليس بواضح لاحتمال اختصاص المنع بمن لا يملك شيئا وأما احتجاجه لجواز التسمية بخالد بما ذكر من أن الأرواح لا تفنى فعلى تقدير التسليم فليس بواضح أيضا لأن الله سبحانه وتعالى قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد والخلد البقاء الدائم بغير موت فلا يلزم من كون الأرواح لا تفنى أن يقال صاحب تلك الروح خالد

[ 5853 ] قوله عن أبي الزناد في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا أبو الزناد وهي عند أبي عوانة في صحيحه أيضا من طريقه قوله رواية كذا في رواية علي هنا وفي رواية أحمد عن سفيان يبلغ به أخرجها مسلم وأبو داود وعند الترمذي عن محمد بن ميمون عن سفيان مثله وكلاهما كناية عن الرفع بمعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع التصريح بذلك في رواية الحميدي قوله أخني كذا في رواية شعيب بن أبي حمرة للأكثر من الخنا بفتح المعجمة وتخفيف النون مقصور وهو الفحش في القول ويحتمل أن يكون من قولهم أخنى عليه الدهر أي أهلكه ووقع عند المستملي اخنع بعين مهملة وهو المشهور في رواية سفيان بن عيينة وهو من الخنوع وهو الذل وقد فسره بذلك الحميدي شيخ البخاري عقب روايته له عن سفيان قال أخنع أذل وأخرج مسلم عن أحمد بن حنبل قال سألت أبا عمرو الشيباني يعني إسحاق اللغوي عن أخنع فقال أوضع قال عياض معناه أنه أشد الأسماء صغارا وبنحو ذلك فسره أبو عبيد والخانع الذليل وخنع الرجل ذل قال بن بطال وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلا وقد فسر الخليل أخنع بأفجر فقال الخنع الفجور يقال أخنع الرجل إلى المرأة إذا دعاها للفجور قلت وهو قريب من معنى الخنا وهو الفحش ووقع عند الترمذي في آخر الحديث اخنع أقبح وذكر أبو عبيد أنه ورد بلفظ أنخع بتقديم النون على المعجمة وهو بمعنى أهلك لأن النخع الذبح والقتل الشديد وتقدم أن في رواية همام أغيظ بغين وظاء معجمتين ويؤيده أشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك أخرجه الطبراني ووقع في شرح شيخنا بن الملقن أن في بعض الروايات أفحش الأسماء ولم أرها وإنما ذكر ذلك بعض الشراح في تفسير أخنى وقوله اخنع اسم عند الله وقال سفيان غير مرة أخنع الأسماء أي قال ذلك أكثر من مرة وهذا اللفظ يستعمل كثيرا في إرادة الكثرة وسأذكر توجيه الروايتين قوله عند الله زاد أبو داود والترمذي في روايتهما يوم القيامة وهذه الزيادة ثابتة هنا في رواية شعيب التي قبل هذه قوله تسمى أي سمي نفسه أو سمي بذلك فرضي به واستمر عليه قوله بملك الاملاك بكسر اللام من ملك والأملاك جمع ملك بالكسر وبالفتح وجمع مليك قوله قال سفيان يقول غيره أي غير أبي الزناد قوله تفسيره شاهان شاه هكذا ثبت لفظ تفسيره في رواية الكشميهني ووقع عنه أحمد عن سفيان قال سفيان مثل شاهان شاه فلعل سفيان قاله مرة نقلا ومرة من قبل نفسه وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن الصباح عن سفيان مثله وزاد مثل ذلك الصين وشاهان شاه بسكون النون وبهاء في آخره وقد تنون وليس هاء تأنيث فلا يقال بالمثناة أصلا وقد تعجب بعض الشراح من تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظة العجمية وأنكر ذلك آخرون وهو غفلة منهم عن مراده وذلك أن لفظ شاهان شاه كان قد كثر التسمية به في ذلك العصر فنبه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك بل كل ما أدى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم ويؤيد ذلك أنه وقع عند الترمذي مثل شاهان شاه وقوله شاهان شاه هو المشهور في روايات هذا الحديث وحكى عياض عن بعض الروايات شاه شاه بالتنوين بغير إشباع في الأولى والأصل هو الأولى وهذه الرواية تخفيف منها وزعم بعضهم أن الصواب شاة شاهان وليس كذلك لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف فإذا أرادوا قاضي القضاة بلسانهم قالوا موبذان موبذ فموبذ هو القاضي وموبذان جمعه فكذا شاه هو الملك وشاهان هو الملوك قال عياض استدل به بعضهم على أن الاسم غير المسمى ولا حجة فيه بل المراد من الاسم صاحب الاسم ويدل عليه رواية همام أغيظ رجل فكأنه من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويؤيده قوله تسمى فالتقدير أن أخنع اسم اسم رجل تسمى بدليل الرواية الأخرى وأن أخنع الأسماء واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء وقيل يلتحق به أيضا من تسمى بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار وهل يلتحق به من تسمى قاضي القضاة أو حاكم الحكام اختلف العلماء في ذلك فقال الزمخشري في قوله تعالى أحكم الحاكمين أي أعدل الحكام وأعلمهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل قال ورب غريق في الجهل والجور من مقلدي زماننا قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر وتعقبه بن المنير بحديث أقضاكم على قال فيستفاد منه أن لا حرج على من أطلق على قاضي يكون أعدل القضاة أو أعلمهم في زمانه أقضى القضاة أو يريد إقليمه أو بلده ثم تكلم في الفرق بين قاضي القضاة وأقضى القضاة وفي اصطلاحهم على أن الأول فوق الثاني وليس من غرضنا هنا وقد تعقب كلام بن المنير علم الدين العراقي فصوب ما ذكره الزمخشري من المنع ورد ما احتج به من قضية علي بأن التفضيل في ذلك وقع في حق من خوطب به ومن يلتحق بهم فليس مساويا لإطلاق التفضيل بالألف واللام قال ولا يخفى ما في إطلاق ذلك من الجراءة وسوء الأدب ولا عبرة بقول من ولي القضاء فنعت بذلك فلذ في سمعه فاحتال في الجواز فان الحق أحق أن يتبع انتهى كلامه ومن النوادر أن القاضي عز الدين بن جماعة قال أنه رأى أباه في المنام فسأله عن حاله فقال ما كان علي أضر من هذا الاسم فأمر الموقعين أن لا يكتبوا له في السجلات قاضي القضاة بل قاضي المسلمين وفهم من قول أبيه أنه أشار إلى هذه التسمية مع احتمال أنه أشار إلى الوظيفة بل هو الذي يترجح عندي فإن التسمية بقاضي القضاة وجدت في العصر القديم من عهد أبي يوسف صاحب أبي حنيفة وقد منع الماوردي من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك مع أن الماوردي كان يقال له أقضى القضاة وكأن وجه التفرقة بينهما الوقوف مع الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة يلتحق بملك الأملاك قاضي القضاة وان كان اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان إطلاق ذلك على كبير القضاة وقد أسلم أهل المغرب من ذلك فاسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة قال وفي الحديث مشروعية الأدب في كل شيء لأن الزجر عن ملك الأملاك والوعيد عليه يقتضي المنع منه مطلقا سواء أراد من تسمى بذلك أنه ملك على ملوك الأرض أم على بعضها سواء كان محقا في ذلك أم مبطلا مع أنه لا يخفى الفرق بين من قصد ذلك وكان فيه صادقا ومن قصده وكان فيه كاذبا

قوله باب كنية المشرك أي هل يجوز ابتداء وهل إذا كانت له كنية تجوز مخاطبته أو ذكره بها وأحاديث الباب مطابقة لهذا الأخير ويلتحق به الثاني في الحكم قوله وقال مسور هو بن مخرمة الزهري كذا للجميع الال النسفي فسقط هذا التعليق من روايته ووقع في مستخرج أبي نعيم وقال المسور وهو الأشهر قوله إلا أن يريد بن أبي طالب هذا طرف من حديث تقدم موصولا في باب فرض الخمس

[ 5854 ] قوله وحدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وهو معطوف على السند الذي قبله وساق المتن على لفظه وسليمان هو بن بلال وقوله عن عروة في رواية شعيب أخبرنا عروة بن الزبير وتقدم سياق لفظ شعيب في تفسير آل عمران مع شرح الحديث والغرض منه قوله ألم تسمع ما قال أبو حباب بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخره موحدة وهي كنية عبد الله بن أبي وكان حينئذ لم يظهر الإسلام كما هو بين من سياق الحديث وظاهر في آخره ثم ذكر حديث العباس بن عبد المطلب قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء وقد تقدم شرحه في الترجمة النبوية قبيل الإسراء وكأنه أراد بإيراده الأول لأنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سمعه وأقره قال النووي في الأذكار بعد أن قرر أنه لا تجوز تكنية الكافر الا بشرطين ذكرهما وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب واسمه عبد مناف وقال الله تعالى تبت يدا أبي لهب ثم ذكر الحديث الثاني وقوله فيه أبو حباب قال ومحل ذلك إذا وجد فيه الشرط وهو أن لا يعرف إلا بكنيته أو خيف من ذكر اسمه فتنة ثم قال وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فسماه باسمه ولم يكنه ولا لقبه بلقبه وهو قيصر وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم فلا نكنيهم ولا نلين لهم قولا ولا نظهر لهم ودا وقد تعقب كلامه بأنه لا حصر فيما ذكر بل قصة عبد الله بن أبي في ذكره بكنيته دون اسمه وهو باسمه أشهر ليس لخوف الفتنة فإن الذي ذكر بذلك عنده كان قويا في الإسلام فلا يخشى معه أن لو ذكر عبد الله باسمه أن يجر بذلك فتنة وإنما هو محمول على التألف كما جزم به بن بطال فقال فيه جواز تكنية المشركين على وجه التألف إما رجاء إسلامهم أو لتحصيل منفعة منهم وأما تكنية أبي طالب فالظاهر أنه من القبيل الأول وهو اشتهاره بكنيته دون اسمه وأما تكنية أبي لهب فقد أشار النووي في شرحه إلى احتمال رابع وهو اجتناب نسبته إلى عبودية الصنم لأنه كان اسمه عبد العزي وهذا سبق إليه ثعلب ونقله عنه بن بطال وقال غيره إنما ذكر بكنيته دون اسمه للإشارة إلى أنه سيصلى نارا ذات لهب قيل وإن تكنيته بذلك من جهة التحنيس لأن ذلك من جملة البلاغة أو للمجازاة أشير إلى أن الذي نفخر به في الدنيا من الجمال والولد كان سببا في خزيه وعقابه وحكى بن بطال عن أبي عبد الله بن أبي زمنين أنه قال كان اسم أبي لهب عبد العزي وكنيته أبو عتبة وأما أبو لهب فلقب لقب به لأن وجهه كان يتلألأ ويلتهب قال فهو لقب وليس بكنية وتعقب بأن ذلك يقوي الاشكال الأول لأن اللقب إذا لم يكن على وجه الذم للكافر لم يصلح من المسلم وأما قول الزمخشري هذه التكنية ليست للاكرام بل للإهانة إذ هي كناية عن الجهنمي إذ معناه تبت يدا الجهنمي فهو متعقب لأن الكنية لا نظر فيها إلى مدلول اللفظ بل الاسم إذا صدر بأم أو أبي فهو كنية سلمنا لكن اللهب لا يختص بجهنم وإنما المعتمد ما قاله غيره أن النكتة في ذكره بكنيته أنه لما علم الله تعالى أن مآله إلى النار ذات اللهب ووافقت كنيته حاله حسن أن يذكر بها وأما ما استشهد به النووي من الكتاب إلى هرقل فقد وقع في نفس الكتاب ذكره بعظيم الروم وهو مشعر بالتعظيم واللقب لغير العرب كالكنى للعرب وقد قال النووي في موضع آخر فرع إذا كتب إلى مشرك كتابا وكتب فيه سلاما أو نحوه فينبغي أن يكتب كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فذكر الكتاب وفيه عظيم الروم وهذا ظاهره التناقض وقد جمع أبي رحمه الله في نكت له على الأذكار بأن قوله عظيم الروم صفة لازمة لهرقل فإنه عظيمهم فاكتفى به صلى الله عليه وسلم عن قوله ملك الروم فإنه لو كتبها لأمكن هرقل أن يتمسك بها في أنه قره على المملكة قال ولا يرد مثل ذلك في قوله تعالى حكاية عن صاحب مصر وقال الملك لأنه حكاية عن أمر مضى وانقضى بخلاف هرقل انتهى وينبغي أن يضم إليه أن ذكر عظيم الروم والعدول عن ملك الروم حيث كان لا بد له من صفة تميزه عند الاقتصار على اسمه لأن من يتسمى بهرقل كثير فقيل عظيم الروم ليميز عمن يتسمى بهرقل فعلى هذا فلا يحتج به على جواز الكتابة لكل ملك مشرك بلفظ عظيم قومه إلا إن احتيج إلى مثل ذلك للتمييز وعلى عموم ما تقدم من التألف أو من خشية الفتنة يجوز ذلك بلا تقييد والله أعلم وإذا ذكر قيصر وأنه لقب لكل من ملك الروم فقد شاركه في ذلك جماعة من الملوك ككسرى لملك الفرس وخاقان لملك الترك والنجاشي لملك الحبشة وتبع لملك اليمن وبطيلوس لملك اليونان والقطنون لملك اليهود وهذا في القديم ثم صار يقال له رأس الجالوت ونمرود لملك الصابئة ودهمي لملك الهند وقور لملك السند ويعبور لملك الصين وذو يزن وغيره من الأذواء لملك حمير وهياج لملك الزنج وزنبيل لملك الخزر وشاه أرمن لملك أخلاط وكابل لملك النوبة والأفشين لملك فرغانة وأسروسنة وفرعون لملك مصر والعزيز لمن ضم إليها الإسكندرية وجالوت لملك العمالقة ثم البربر والنعمان لملك الغرب من قبل الفرس نقل أكثر هذا الفصل من السيرة لمغلطاي وفي بعضه نظر

قوله باب بالتنوين المعاريض وقع عند بن التين المعارض بغير ياء وصوابه بإثبات الياء قال وثبت كذلك في رواية أبي ذر وهو من التعريض خلاف التصريح قوله مندوحة بوزن مفعولة بنون ومهملة أي فسحة ومتسع ندحت الشيء وسعته وانتدح فلان بكذا اتسع وانتدحت الغنم في مرابضها إذا اتسعت من البطنة والمعنى أن في المعاريض من الاتساع ما يغني عن الكذب وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه المصنف في الأدب المفرد من طريق قتادة عن مطرف بن عبد الله قال صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فما أتى عليه يوم إلا أنشدنا فيه شعرا وقال ان في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب وأخرجه الطبري في التهذيب والطبراني في الكبير ورجاله ثقات وأخرجه بن عدي من وجه آخر عن قتادة مرفوعا ووهاه وأخرجه أبو بكر بن كامل في فوائده والبيهقي في الشعب من طريقه كذلك وأخرجه بن عدي أيضا من حديث علي مرفوعا بسند واه أيضا وللمصنف في الأدب المفرد من طريق أبي عثمان النهدي عن عمر قال أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب والمعاريض والمعارض بإثبات الياء أو بحذفها كما تقدم جمع معراض من التعريض بالقول قال الجوهري هو خلاف التصريح وهو التورية بالشيء عن الشيء وقال الراغب التعريض كلام له وجهان في صدق وكذب أو باطن وظاهر قلت والأولى أن يقال كلام له وجهان يطلق أحدهما والمراد لازمه ومما يكثر السؤال عنه الفرق بين التعريض والكناية وللشيخ تقي الدين السبكي جزء جمعه في ذلك قوله وقال إسحاق هو بن أبي طلحة التابعي المشهور وهذا التعليق سقط من رواية النسفي وهو طرف من حديث طويل أخرجه المصنف في الجنائز وشاهد الترجمة من قول أم سليم هدأ نفسه وأرجو أن قد استراح فإن أبا طلحة فهم من ذلك أن الصبي المريض تعافى لأن قولها هدأ مهموز بوزن سكن ومعناه والنفس بفتح الفاء مشعر بالنوم والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته وارادت هي أنه انقطع بالكلية بالموت وذلك قولها وأرجو أنه استراح فهم منه أنه استراح من المرض بالعافية ومرادها أنه استراح من نكد الدنيا وألم المرض فهي صادقة باعتبار مرادها وخبرها بذلك غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة فمن ثم قال الراوي وظن أنها صادقة أي باعتبار ما فهم هو ثم ذكر حديث أنس في قصة أنجشة وقد تقدم شرحه في باب ما يجوز من الشعر والمراد منه

[ 5856 ] قوله رفقا بالقوارير فإنه كني بذلك عن النساء كما تقدم تقريره هناك وحديث أنس في فرس أبي طلحة والمراد منه أنا وجدناه لبحرا أي لسرعة جريه وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد وكأنه استشهد بحديثي أنس لجواز التعريض والجامع بين التعريض وبين ما دل عليه اللفظ في غير ما وضع له لمعنى جامع بينهما قال بن المنير حديث القوارير والفرس ليسا من المعاريض بل من المجاز فكأنه لما رأى ذلك جائزا قال فالمعاريض التي هي حقيقة أولى بالجواز قال بن بطال شبه جرى الفرس بالبحر إشارة إلى أنه لا ينقطع يعني ثم أطلق صفة الجري على نفس الفرس مجازا قال وهذا أصل في جواز استعمال المعاريض ومحل الجواز فيما يخلص من الظلم أو يحصل الحق وأما استعمالها في عكس ذلك من إبطال الحق أو تحصيل الباطل فلا يجوز وأخرج الطبري من طريق محمد بن سيرين قال كان رجل من باهلة عيونا أي كثير الإصابة بالعين فرأى بغلة لشريح فأعجب بها فخشي شريح عليها فقال إنها إذا ربضت لا تقوم حتى تقام فقال أف أف فسلمت منه وإنما أراد شريح بقوله حتى تقام أي حتى يقيمها الله تعالى

قوله باب قول الرجل للشيء ليس بشيء وهو ينوي أنه ليس بحق ذكر فيه حديثين الأول قوله وقال بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم للقبرين يعذبان بلا كبير وأنه لكبير وهذا طرف من حديث تقدم في كتاب الطهارة وتقدم شرحه أيضا وتقدم أيضا في باب النميمة من الكبائر من كتاب الأدب بلفظ وما يعذبان في كبير وأنه لكبير الثاني حديث عائشة في الكهان ليسوا بشيء وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الطب قال الخطابي معنى قوله ليسوا بشيء فيما يتعاطونه من علم الغيب أي ليس قولهم بشيء صحيح يعتمد كما يعتمد قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخبر عن الوحي وهو كما يقال لمن عمل عملا غير متقن أو قال قولا غير سديد ما علمت أو ما قلت شيئا وقال بن بطال نحوه وزاد إنهم يريدون بذلك المبالغة في النفي وليس ذلك كذبا وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا والمراد بالذكر هنا القدر والشرف أي كان موجودا ولكن لم يكن له قدر يذكر به إما وهو مصور من طين على قول من قال المراد به آدم أو في بطن أمه على قول من قال أن المراد به الجنس

قوله باب رفع البصر إلى السماء وقوله تعالى أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت كذا لابن ذر وزاد وزاد الأصيل وغيره وإلى السماء كيف رفعت وهذا القدر هو المراد من الترجمة وكأن المصنف أشار إلى ما جاء في النهي عن ذلك وقال بن التين غرض البخاري الرد على من كره أن يرفع بصره إلى السماء كما أخرجه الطبري عن إبراهيم التيمي وعن عطاء السلمي أنه مكث أربعين سنة لا ينظر إلى السماء تخشعا نعم صح النهي عن رفع البصر إلى السماء في حالة الصلاة كما تقدم في الصلاة عن أنس رفعه ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ولمسلم عن جابر بن سمرة نحوه ولابن ماجة عن بن عمر نحوه وقال أن تلتمع وصححه بن حبان وحاصل طريق الجمع بين الحديثين أن النهي خاص بحالة الصلاة وقد تكلم أهل التفسير في تخصيص الإبل بالذكر دون غيرها من الدواب بأشياء امتازت به وذكر بعضهم أنه اسم السحاب فإن ثبت فمناسبتها للسماء والأرض ظاهرة فكأنه ذكر شيئين من الأفق العلوي وشيئين من الأفق السفلي في كل منهما ما يعتبر به من وفقه الله تعالى إلى الحق قوله وقال أيوب هو السختياني عن بن أبي مليكة عن عائشة رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء وقع هذا التعليق لأبي ذر عن المستملي والكشميهني فقط وسقط للباقين وهو طرف من حديث أوله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومي وبين سحري ونحري الحديث وفيه فرفع بصره الى السماء وقال الرفيق الأعلى أخرجه هكذا أحمد عن إسماعيل بن علية عن أيوب وأخرجه بن حبان من وجه آخر عن إسماعيل وقد تقدم للمصنف في الوفاة النبوية من طريق حماد بن زيد عن أيوب بتمامه لكن فيه فرفع رأسه إلى السماء وقد نقدم شرحه مستوفى هناك ثم ذكر حديث جابر في فترة الوحي والغرض منه

[ 5860 ] قوله فرفعت بصري إلى السماء وقد تقدم شرحه في أول الكتاب وحديث بن عباس بت في بيت ميمونة والغرض منه

[ 5861 ] قوله فنظر إلى السماء وقد تقدم بتمامه مشروحا في باب التهجد في أواخر كتاب الصلاة وفي الباب حديث أبي موسى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يرفع بصره إلى السماء الحديث أخرجه مسلم وحديث عبد الله بن سلام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع بصره إلى السماء أخرجه أبو داود فحاصل طريق الجمع أن النهي خاص بحالة الصلاة والله أعلم

قوله باب من نكت العود في الماء والطين النكت بالنون والمثناة الضرب المؤثر ذكر فيه حديث أبي موسى في قصة القف وقد تقدم شرحه في المناقب وهو ظاهر فيما ترجم له وأورده هنا بلفظ عود يضرب به بين الماء والطين وفي رواية الكشميهني في الماء والطين وأورده بلفظ ينكت في مناقب أبي بكر الصديق وعثمان بن غياث المذكور في السند بكسر الغين المعجمة ثم تحتانية خفيفة وآخره مثلثة وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ يحيى بن عثمان وهو غلط قال بن بطال من عادة العرب إمساك العصا والاعتماد عليها عند الكلام وغيره وقد عاب ذلك عليهم بعض من يتعصب للعجم وفي استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له الحجة البالغة وكأن المراد بالعود هنا المخصرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوكأ عليها وليس مصرحا به في هذا الحديث قلت وفقه الترجمة أن ذلك لا يعد من العبث المذموم لأن ذلك إنما يقع من العاقل عند التفكر في الشيء ثم لا يستعمله فيما لا يضر تأثيره فيه بخلاف من يتفكر وفي يده سكين فيستعملها في خشبة تكون في البناء الذي فيها فسادا فذاك هو العبث المذموم

قوله باب الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض ذكر فيه حديث علي بن أبي طالب اعملوا فكل ميسر لما خلق له وسيأتي شرحه في كتاب القدر ومضى الحديث بأتم من هذا السياق في تفسير سورة والليل والغرض منه قوله ينكت في الأرض بعود وقوله

[ 5863 ] في السند شعبة عن سليمان هو الأعمش ومنصور هو بن المعتمر وقد أخرجه الإسماعيلي عن عمران بن موسى عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقال عن الأعمش وذهل الكرماني حيث زعم أن سليمان هو التيمي

قوله باب التكبير والتسبيح عند التعجب قال بن بطال التسبيح والتكبير معناه تعظيم الله وتنزيهه من السوء واستعمال ذلك عند التعجب واستعظام الأمر حسن وفيه تمرين اللسان على ذكر الله تعالى وهذا توجيه جيد كأن البخاري رمز إلى الرد على من منع من ذلك وذكر المصنف فيه حديث صفية بنت حي في قصة الرجلين اللذين قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلكما إنها صفية فقالا سبحان الله أورده من طريق شعيب بن أبي حمزة ومن طريق بن أبي عتيق وساقه على لفظ بن أبي عتيق وقد تقدم شرحه في الاعتكاف وقوله العشر الغواير بالغين ثم الموحدة المراد بها هنا البواقي وقد تطلق أيضا على المواضي وهو من الأضداد وهو مطابق لما ترجم له لأن الظاهر أن مرادهما بقولهما سبحان الله التعجب من القول المذكور بقرينة قوله وكبر عليهما أي عظم وشق وقوله يقذف في قلوبكما كذا هنا بحذف المفعول وقد سبق في الاعتكاف بلفظ في قلوبكما شرا وحديث أم سلمة استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال ماذا أنزل من الفتن وقد تقدم بعض شرحه في العلم وتأتي بقيته في الفتن وقوله

[ 5864 ] من الخزائن قيل عبر بها عن الرحمة كقوله خزائن رحمة ربي كما عبر بالفتن عن العذاب لأنها أسباب مؤدية إليه أو المراد بالخزائن إعلامه بما سيفتح على أمته من الأموال بالغنائم من البلاد التي يفتحونها وأن الفتن تنشأ عن ذلك فهو من جملة ما أخبر به مما وقع قبل وقوعه وقد تعرض له البيهقي في دلائل النبوة قوله وقال بن أبي ثور هو عبيد الله بن عبد الله فذكر حديث عمر حيث قال أطلقت نساءك قال لا قلت الله أكبر وهو طرف من حديث طويل تقدم موصولا في كتاب العلم وتقدم شرحه في كتاب النكاح وقد وردت عدة أحاديث صحيحة في قول سبحان الله عند التعجب كحديث أبي هريرة لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب وفيه فقال سبحان الله إن المؤمن لا ينجس متفق عليه وحديث عائشة أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض وفيه قال تطهري بها قالت كيف قال سبحان الله الحديث متفق عليه وعند مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة المرأة التي نذرت أن تنحر ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله بئسما جزيتها وكلاهما من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين أيضا من قول جماعة من الصحابة كحديث عبد الله بن سلام لما قيل له إنك من أهل الجنة قال سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم تنبيه وقع في حديث صفية في رواية غير أبي ذر مؤخرا آخر هذا الباب والخطب فيه سهل ووقع في شرح بن بطال إيراد حديث صفية المذكور عقب حديث علي في الباب الذي قبله متصلا به ثم استشكل مطابقته للترجمة وقال سألت المهلب عنه فقال إنما أورده لحديث علي حديث قال فيه ليس منكم أحد إلا وقد فرغ من مقعده من الجنة والنار فقواه بحديث أم سلمة أشار إلى أن أقوى أسباب النار الفتن والعصبية فيها والتقاتل على المال وما يفتح من الخزائن اه ولم أقف في شيء من نسخ البخاري على وفق ما نقل بن بطال وإنما وقع حديث أم سلمة في باب التسبيح والتكبير للتعجب وهو ظاهر فيما ترجم له مستغن عن التكلف والجواب المذكور لا يفيد مطابقة الحديث للترجمة وإنما هو مطابق لحديث الترجمة فيما لا يتعلق بالترجمة

قوله باب النهي عن الحذف بفتح المعجمة وسكون الدال المهملة بعدها فاء تقدم بيانه وشرح الحديث في كتاب الصيد والذبائح

قوله باب الحمد للعاطس أي مشروعيته وظاهر الحديث يقتضي وجوبه لثبوت الأمر الصريح به ولكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه وأما لفظه فنقل بن بطال وغيره عن طائفة أنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث أبي هريرة الآتي بعد بابين وعن طائفة يقول الحمد لله على كل حال قال وقد جاء النهي عن بن عمر وقال فيه هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البزار والطبراني وأصله عند الترمذي وعند الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري رفعه إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ومثله عند أبي داود من حديث أبي هريرة كما سيأتي التنبيه عليه وللنسائي من حديث علي رفعه يقول العاطس الحمد لله على كل حال ولابن السني من حديث أبي أيوب مثله ولأحمد والنسائي من حديث سالم بن عبيد رفعه إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال أو الحمد لله رب العالمين وعن طائفة يقول الحمد لله رب العالمين قلت ورد ذلك في حديث لابن مسعود أخرجه المصنف في الأدب المفرد والطبراني وورد الجمع بين اللفظين فعنده في الأدب المفرد عن علي قال من قال عند عطسة سمعها الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع الضرس ولا الإذن أبدا وهذا موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع وقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي مرفوعا بلفظ من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشتك ضرسه أبدا وسنده ضعيف وللمصنف أيضا في الأدب المفرد والطبراني بسند لا بأس به عن بن عباس قال إذا عطس الرجل فقال الحمد لله قال الملك رب العالمين فإن قال رب العالمين قال الملك يرحمك الله وعن طائفة ما زاد من الثناء فيما يتعلق بالحمد كان حسنا فقد أخرج أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به عن أم سلمة قالت عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحمد لله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك الله وعطس آخر فقال الحمد لله رب العالمين حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه فقال ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة ويؤيده ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث رفاعة بن رافع قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما انصرف قال من المتكلم ثلاثا فقلت أنا فقال والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها وأخرجه الطبراني وبين أن الصلاة المذكورة المغرب وسنده لا بأس به وأصله في صحيح البخاري لكن ليس فيه ذكر العطاس وإنما فيه كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل وراءه ربنا لك الحمد الخ بنحوه وقد تقدم في صفة الصلاة بشرحه ولمسلم وغيره من حديث أنس جاء رجل فدخل في الصف وقد حفزه النفس فقال الله أكبر الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه الحديث وفيه لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها وأخرج الطبراني وابن السني من حديث عامر بن ربيعة نحوه بسند لا بأس به وأخرجه بن السني بسند ضعيف عن أبي رافع قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس فخلى يدي ثم قام فقال شيئا لم أفهمه فسألته فقال أتاني جبريل فقال إذا أنت عطست فقل الحمد لله لكرمه الحمد لله لعز جلاله فإن الله عز وجل يقول صدق عبدي ثلاثا مغفورا له وأما الثناء الخارج عن الحمد فورد فيه ما أخرجه البيهقي في الشعب من طريق الضحاك بن قيس اليشكري قال عطس رجل عند بن عمر فقال الحمد لله رب العالمين فقال بن عمر لو تممتها والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه من وجه آخر عن بن عمر نحوه ويعارضه ما أخرجه الترمذي قال عطس رجل فقال الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بن عمر الحمد لله والصلاة على رسول الله ولكن ليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من رواية زياد بن الربيع قلت وهو صدوق قال البخاري وفيه نظر وقال بن عدي لا أرى به بأسا ورجح البيهقي ما تقدم على رواية زياد والله أعلم ولا أصل لما اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد قوله الحمد لله رب العالمين وكذا العدول من الحمد إلى من الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد فمكروه وقد أخرج المصنف في الأدب المفرد بسند صحيح عن مجاهد أن بن عمر سمع ابنه عطس فقال أب فقال وما أب ان الشيطان جعلها بين العطسة والحمد وأخرجه بن أبي شيبة بلفظ اش بدل أب ونقل بن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير بين أن يقول الحمد لله أو يزيد رب العالمين أو على كل حال والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزىء لكن ما كان أكثر ثناء أفضل بشرط أن يكون مأثورا وقال النووي في الأذكار اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه الحمد لله ولو قال الحمد لله رب العالمين لكان أحسن فلو قال الحمد لله على كل حال كان أفضل كذا قال والأخبار التي ذكرتها تقتضي التخيير ثم الأولوية كما تقدم والله أعلم

[ 5867 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري وسليمان هو التيمي قوله عن أنس في رواية شعبة عن سليمان التيمي سمعت أنسا قوله عطس بفتح الطاء في الماضي وبكسرها وضمها في المضارع قوله رجلان في حديث أبي هريرة عند المصنف في الأدب المفرد وصححه بن حبان أحدهما أشرف من الآخر وأن الشريف لم يحمد وللطبراني من حديث سهل بن سعد أنهما عامر بن الطفيل وابن أخيه قوله فشمت بالمعجمة وللسرخسي بالمهملة ووقع في رواية أحمد عن يحيى القطان عن سليمان التيمي فشمت أو سمعت بالشك في المعجمة أو المهملة وهو من التشميت قال الخليل وأبو عبيد وغيرهما يقال بالمعجمة وبالمهملة وقال بن الأنباري كل داع بالخير مشمت بالمعجمة وبالمهملة والعرب تجعل الشين والسين في اللفظ الواحد بمعنى اه وهذا ليس مطردا بل هو في مواضع معدودة وقد جمعها شيخنا شمس الدين الشيرازي صاحب القاموس في جزء لطيف قال أبو عبيد التشميت بالمعجمة أعلى وأكثر وقال عياض هو كذلك للأكثر من أهل العربية وفي الرواية وقال ثعلب الاختيار أنه بالمهملة لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والطريق القويم وأشار بن دقيق العيد في شرح الإلمام إلى ترجيحه وقال القزاز التشميت التبريك والعرب تقول شمته إذا دعا له بالبركة وشمت عليه إذا برك عليه وفي الحديث في قصة تزويج علي بفاطمة شمت عليهما إذا دعا لهما بالبركة ونقل بن التين عن أبي عبد الملك قال التسميت بالمهملة أفصح وهو من سمت الإبل في المرعى إذا جمعت فمعناه على هذا جمع الله شملك وتعقبه بأن سمت الإبل إنما هو بالمعجمة وكذا نقله غير واحد أنه بالمعجمة فيكون معنى سمته دعا له بأن يجمع شمله وقيل هو بالمعجمة من الشماتة وهو فرح الشخص بما يسوء عدوه فكأنه دعا له أن لا يكون في حال من يشمت به أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوؤة فشمت هو بالشيطان وقيل هو من الشوامت جمع شامتة وهي القائمة يقال لا ترك الله له شامتة أي قائمة وقال بن العربي في شرح الترمذي تكلم أهل اللغة على اشتقاق اللفظين ولم يبينوا المعنى فيه وهو بديع وذلك أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه فكأنه إذا قيل له رحمك الله كان معناه أعطاه الله رحمة يرجع بها بذلك العضو إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير تغيير فإن كان التسميت بالمهملة فمعناه رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله شوامته أي قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال قال وشوامت كل شيء قوائمه التي بها قوامه فقوام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سلمت وقوام الآدمي بسلامة قوائمه التي بها قوامه وهي رأسه وما يتصل به من عنق وصدر اه ملخصا قوله فقيل له السائل عن ذلك هو العاطس الذي لم يحمد وقع كذلك في حديث أبي هريرة المشار إليه بلفظ فسأله الشريف وكذا في رواية شعبة الآتية بعد بابين بلفظ فقال الرجل يا رسول الله شمت هذا ولم تشمتني وهذا قد يعكر على ما في حديث سهل بن سعد أن الشريف المذكور هو عامر بن الطفيل فإنه كان كافرا ومات على كفره فيبعد أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يا رسول الله ويحتمل أن يكون قالها غير معتقد بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون ويحتمل أن تكون القصة لعامر بن الطفيل المذكور ففي الصحابة عامر بن الطفيل الأسلمي له ذكر في الصحابة وحديث رواه عنه عبد الله بن بريدة الأسلمي حدثني عمي عامر بن الطفيل وفي الصحابة أيضا عامر بن الطفيل الأزدي ذكره وثيمة في كتاب الردة وورد له مرثية في النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في سياق حديث سهل بن سعد ما يدل على أنه عامر المشهور احتمل أن يكون أحد هذين ثم راجعت معجم الطبراني فوجدت في سياق حديث سهل بن سعد الدلالة الظاهرة على أنه عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب الفارس المشهور وكان قدم المدينة وجرى بينه وبين ثابت بن قيس بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كلام ثم عطس بن أخيه فحمد فشمته النبي صلى الله عليه وسلم ثم عطس عامر فلم يحمد فلم يشمته فسأله الحديث وفيه قصة غزوة بئر معونة وكان هو السبب فيها ومات عامر بن الطفيل بعد ذلك كافرا في قصة له مشهورة في موته ذكرها بن إسحاق وغيره قوله هذا حمد الله وهذا لم يحمد في حديث أبي هريرة إن هذا ذكر الله فذكرته وأنت نسيت الله فنسيتك وقد تقدم أن النسيان يطلق ويراد به الترك قال الحليمي الحكمة في مشروعية الحمد للعاطس أن العطاس يدفع الأذى من الدماغ الذي فيه قوة الفكر ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس وبسلامته تسلم الأعضاء فيظهر بهذا أنها نعمة جليلة فناسب أن تقابل بالحمد لله لما فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة واضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع اه وهذا بعض ما ادعى بن العربي أنه انفرد به فيحتمل أنه لم يطلع عليه وفي الحديث أن التشميت إنما يشرع لمن حمد الله قال بن العربي وهو مجمع عليه وسيأتي تقريره في الباب الذي بعده وفيه جواز السؤال عن علة الحكم وبيانها للسائل ولا سيما إذا كان له في ذلك منفعة وفيه أن العاطس إذا لم يحمد الله لا يلقن الحمد ليحمد فيشمت كذا استدل به بعضهم وفيه نظر وسيأتي البحث فيه بعد ثالث باب ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطس صوته ويرفعه بالحمد وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه ولا يلوي عنقه يمينا ولا شمالا لئلا يتضرر بذلك قال بن العربي الحكمة في خفض الصوت بالعطاس إن في رفعه إزعاجا للأعضاء وفي تغطية الوجه أنه لو بذر منه شيء آذى جليسه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء وقد شاهدنا من وقع له ذلك وقد أخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده على فيه وخفض صوته وله شاهد من حديث بن عمر بنحوه عند الطبراني قال بن دقيق العيد ومن فوائد التشميت تحصيل المودة والتأليف بين المسلمين وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكبر والحمل على التواضع لما في ذكر الرحمة من الأشعار بالذنب الذي لا يعرى عنه أكثر المكلفين

قوله باب تشميت العاطس إذا حمد الله أي مشروعية التشميت بالشرط المذكور ولم يعين الحكم وقد ثبت الأمر بذلك كما في حديث الباب قال بن دقيق العيد ظاهر الأمر الوجوب ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي يليه فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وفي حديث أبي هريرة عند مسلم حق المسلم على المسلم ست فذكر فيها وإذا عطس فحمد الله فشمته وللبخاري من وجه آخر عن أبي هريرة خمس تجب للمسلم على المسلم فذكر منها التشميت وهو عند مسلم أيضا وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل من عنده يرحمك الله ونحوه عند الطبراني من حديث أبي مالك وقد أخذ بظاهرها بن مزين من المالكية وقال به جمهور أهل الظاهر وقال بن أبي جمرة قال جماعة من علمائنا إنه فرض عين وقواه بن القيم في حواشي السنن فقال جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه وبلفظ على الظاهرة فيه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه وبقول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ورجحه أبو الوليد بن رشد وأبو بكر بن العربي وقال به الحنفية وجمهور الحنابلة وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب ومجزىء الواحد عن الجماعة وهو قول الشافعية والراجح من حيث الدليل القول الثاني والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح ويسقط بفعل البعض وأما من قال إنه فرض على مبهم فإنه ينافي كونه فرض عين قوله فيه أبو هريرة يحتمل أن يريد به حديث أبي هريرة المذكور في الباب الذي بعده ويحتمل أن يريد به حديث أبي هريرة الذي أوله حق المسلم على المسلم ست وقد أشرت إليه قبل وأن مسلما أخرجه ثم ذكر المصنف حديث البراء أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس الحديث وقد تقدم شرح معظمه في كتاب اللباس قال بن بطال ليس في حديث البراء التفصيل الذي في الترجمة وإنما ظاهره أن كل عاطس يشمت على التعميم قال وإنما التفصيل في حديث أبي هريرة الآني قال وكان ينبغي له أن يذكره بلفظه في هذا الباب ويذكر بعده حديث البراء ليدل على أن حديث البراء وان كان ظاهره العموم لكن المراد به الخصوص ببعض العاطسين وهم الحامدون قال وهذا من الأبواب التي أعجلته المنية عن تهذيبها كذا قال والواقع أن هذا الصنيع لا يختص بهذه الترجمة بل قد أكمل منه البخاري في الصحيح فطالما ترجم بالتقييد والتخصيص كما في حديث الباب من إطلاق أو تعميم ويكتفي من دليل التقييد والتخصيص بالإشارة إما لما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده أو في حديث آخر كما صنع في هذا الباب فإنه أشار بقوله فيه أبو هريرة إلى ما ورد في حديثه من تقييد الأمر بتشميت العاطس بما إذا حمد وهذا أدق التصرفين ودل إكثاره من ذلك على أنه عن عمد منه لا أنه مات قبل تهذيبه بل عد العلماء ذلك من دقيق فهمه وحسن تصرفه في إيثار الأخفى على الأجلى شحذا للذهن وبعثا للطالب على تتبع طرق الحديث إلى غير ذلك من الفوائد وقد خص من عموم الأمر بتشميت العاطس جماعة الأول من لم يحمد كما تقدم وسيأتي في باب مفرد الثاني الكافر فقد أخرج أبو داود وصححه الحاكم من حديث أبي موسى الأشعري قال كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم قال بن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة أن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا قال ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناء على الغالب لأنه تقييد لوضع اللفظ في اللغة قلت وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة وأما من حيث الشرع فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن ولا مانع من ذلك بخلاف تشميت المسلمين فإنهم أهل الدعاء بالرحمة بخلاف الكفار الثالث المزكوم إذا تكرر منه العطاس فزاد على الثلاث فإن ظاهر الأمر بالتشميت يشمل من عطس واحدة أو أكثر لكن أخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال يشمته واحدة وثنتين وثلاثا وما كان بعد ذلك فهو زكام هكذا أخرجه موقوفا من رواية سفيان بن عيينة عنه وأخرجه أبو داود من طريق يحيى القطان عن بن عجلان كذلك لفظه شمت أخاك وأخرجه من رواية الليث عن بن عجلان وقال فيه لا أعلمه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو داود ورفعه موسى بن قيس عن بن عجلان أيضا وفي الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه رفعه ان عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم ان عطس فقل إنك مضنوك قال بن أبي بكر لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة وهذا مرسل جيد وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال فشمته ثلاثا فما كان بعد ذلك فهو زكام وأخرج بن أبي شيبة من طريق عمرو بن العاص شمتوه ثلاثا فإن زاد فهو داء يخرج من رأسه موقوف أيضا ومن طريق عبد الله بن الزبير أن رجلا عطس عنده فشمته ثم عطس فقال له في الرابعة أنت مضنوك موقوف أيضا ومن طريق عبد الله بن عمر مثله لكن قال في الثالثة ومن طريق علي بن أبي طالب شمته ما بينك وبينه ثلاث فإن زاد فهو ريح وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يشمت العاطس إذا تنابع عليه العطاس ثلاثا قال النووي في الأذكار إذا تكرر العطاس متتابعا فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات روينا في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس عنده رجل فقال له يرحمك الله ثم عطس أخرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل مزكوم هذا لفظ رواية مسلم وأما أبو داود والترمذي فقالا قال سلمة عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمك الله ثم عطس الثانية أو الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمك الله هذا رجل مزكوم اه كلامه ونقلته من نسخة عليها خطه بالسماع عليه والذي نسبه إلى أبي داود والترمذي من إعادة قوله صلى الله عليه وسلم للعاطس يرحمك الله ليس في شيء من نسخهما كما سأبينه فقد أخرجه أيضا أبو عوانة وأبو نعيم في مستخرجيهما والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد وابن أبي شيبة وابن السني وأبو نعيم أيضا في عمل اليوم والليلة وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب كلهم من رواية عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه وهو الوجه الذي أخرجه منه مسلم وألفاظهم متفاوتة وليس عند أحد منهم إعادة يرحمك الله في الحديث وكذلك ما نسبه إلى أبي داود والترمذي أن عندهما ثم عطس الثانية أو الثالثة فيه نظر فإن لفظ أبي داود أن رجلا عطس والباقي مثل سياق مسلم سواء إلا أنه لم يقل أخرى ولفظ الترمذي مثل ما ذكره النووي إلى قوله ثم عطس فإنه ذكره بعده مثل أبي داود سواء وهذه رواية بن المبارك عنده وأخرجه من رواية يحيى القطان فأحال به على رواية بن المبارك فقال نحوه إلا أنه قال له في الثانية أنت مزكوم وفي رواية شعبة قال يحيى القطان وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي قال له في الثالثة أنت مزكوم وهؤلاء الأربعة رووه عن عكرمة بن عمار وأكثر الروايات المذكورة ليس فيها تعرض للثالثة ورجح الترمذي رواية من قال في الثالثة على رواية من قال في الثانية وقد وجدت الحديث من رواية يحيى القطان يوافق ما ذكره النووي وهو ما أخرجه قاسم بن أصبغ في مصنفه وابن عبد البر من طريقه قال حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى القطان حدثنا عكرمة فذكره بلفظ عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته ثم عطس فشمته ثم عطس فقال له في الثالثة أنت مكزوم هكذا رأيت فيه ثم عطس فشمته وقد أخرجه الإمام أحمد عن يحيى القطان ولفظه ثم عطس الثانية والثالثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الرجل مكزوم وهذا اختلاف شديد في لفظ هذا الحديث لكن الأكثر على ترك ذكر التشميت بعد الأولى وأخرجه بن ماجة من طريق وكيع عن عكرمة بلفظ آخر قال يشمت العاطس ثلاثا فما زاد فهو مزكوم وجعل الحديث كله من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وأفاد تكرير التشميت وهي رواية شاذة لمخالفة جميع أصحاب عكرمة بن عمار في سياقه ولعل ذلك من عكرمة المذكور لما حدث به وكيعا فإن في حفظه مقالا فإن كانت محفوظة فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة ويستفاد منه مشروعية تشميت العاطس ما لم يزد على ثلاث إذا حمد الله سواء تتابع عطاسه أم لا فلو تتابع ولم يحمد لغلبة العطاس عليه ثم كرر الحمد بعدد العطاس فهل يشمت بعدد الحمد فيه نظر وظاهر الخبر نعم وقد أخرج أبو يعلى وابن السني من وجه آخر عن أبي هريرة النهي عن التشميت بعد ثلاث ولفظه إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمته بعد ثلاث قال النووي فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح قلت الرجل المذكور هو سليمان بن أبي داود الحراني والحديث عندهما من رواية محمد بن سليمان عن أبيه ومحمد موثق وأبوه يقال له الحراني ضعيف قال فيه النسائي ليس بثقة ولا مأمون قال النووي وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي عن عبيد بن رفاعة الصحابي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمت العاطس ثلاثا فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا فهو حديث ضعيف قال فيه الترمذي هذا حديث غريب وإسناده مجهول قلت إطلاقه عليه الضعف ليس بجيد إذ لا يلزم من الغرابة الضعف وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولا فلم يرد جميع رجال الإسناد فإن معظمهم موثقون وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته وإبهام اثنين منهم وذلك أن أبا داود والترمذي أخرجاه معا من طريق عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن ثم اختلفا فأما رواية أبي داود ففيها عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة عن أبيها وهذا إسناد حسن والحديث مع ذلك مرسل كما سأبينه وعبد السلام بن حرب من رجال الصحيح ويزيد هو أبو خالد الدالاني وهو صدوق في حفظه شيء ويحيى بن إسحاق وثقه يحيى بن معين وأمه حميدة روى عنها أيضا زوجها إسحاق بن أبي طلحة وذكرها بن حبان في ثقات التابعين وأبوها عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رؤية قاله بن السكن قال ولم يصح سماعه وقال البغوي روايته مرسلة وحديثه عن أبيه عند الترمذي والنسائي وغيرهما وأما رواية الترمذي ففيها عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها كذا سماه عمر ولم يسم أمه ولا أباها وكأنه لم يمعن النظر فمن ثم قال إنه إسناد مجهول وقد تبين أنه ليس بمجهول وأن الصواب يحيى بن إسحاق لا عمر فقد أخرجه الحسن بن سفيان وابن السني وأبو نعيم وغيرهم من طريق عبد السلام بن حرب فقالوا يحيى بن إسحاق وقالوا حميدة بغير شك وهو المعتمد وقال بن العربي هذا الحديث وإن كان فيه مجهول لكن يستحب العمل به لأنه دعاء بخير وصلة وتودد للجليس فالأولى العمل به والله أعلم وقال بن عبد البر دل حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمت ثلاثا ويقال أنت مزكوم بعد ذلك وهي زيادة يجب قبولها فالعمل بها أولى ثم حكى النووي عن بن العربي أن العلماء اختلفوا هل يقول لمن تتابع عطسه أنت مزكوم في الثانية أو الثالثة أو الرابعة على أقوال والصحيح في الثالثة قال ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي بك مرض وليس من العطاس المحمود الناشيء عن خفة البدن كما سيأتي تقريره في الباب الذي يليه قال فإن قيل فإذا كان مرضا فينبغي أني شمت بطريق الأولى لأنه أحوج إلى الدعاء من غيره قلنا نعم لكن يدعى له بدعاء يلائمه لا بالدعاء المشروع للعاطس بل من جنس دعاء المسلم للمسلم بالعافية وذكر بن دقيق العيد عن بعض الشافعية أنه قال يكرر التشميت إذا تكرر العطاس إلا أن يعرف أنه مزكوم فيدعو له بالشفاء قال وتقريره أن العموم يقتضي التكرار أو إلا في موضع العلة وهو الزكام قال وعند هذا يسقط الأمر بالتشميت عند العلم بالزكام لأن التعليل به يقتضى أن لا يشمت من علم أن به زكاما أصلا وتعقبه بأن المذكور هو العلة دون التعليل وليس المعلل هو مطلق الترك ليعم الحكم عليه بعموم علته بل المعلل هو الترك بعد التكرير فكأنه قيل لا يلزم تكرر التشميت لأنه مزكوم قال ويتأيد بمناسبة المشقة الناشئة عن التكرار الرابع ممن يخص من عموم العاطسين من يكره التشميت قال بن دقيق العيد ذهب بعض أهل العلم إلى أن من عرف من حاله أنه يكره التشميت أنه لا يشمت إجلالا للتشميت أن يؤهل له من يكرهه فإن قيل كيف يترك السنة لذلك قلنا هي سنة لمن أحبها فأما من كرهها ورغب عنها فلا قال ويطرد ذلك في السلام والعيادة قال بن دقيق العيد والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا من خاف منه ضررا فأما غيره فيشمت امتثالا للأمر ومناقضة للمتكبر في مراده وكسرا لسورته في ذلك وهو أولى من إجلال التشميت قلت ويؤيده أن لفظ التشميت دعاء بالرحمة فهو يناسب المسلم كائنا من كان والله أعلم الخامس قال بن دقيق العيد يستثنى أيضا من عطس والإمام يخطب فإنه يتعارض الأمر بتشميت من سمع العاطس والأمر بالإنصات لمن سمع الخطيب والراجح الانصات لا مكان تدارك التشميت بعد فراغ الخطيب ولا سيما إن قيل بتحريم الكلام والإمام يخطب وعلى هذا فهل يتعين تأخير التشميت حتى يفرغ الخطيب أو يشرع له التشميت بالإشارة فلو كان العاطس الخطيب فحمد واستمر في خطبته فالحكم كذلك وأن حمد فوقف قليلا ليشمت فلا يمتنع أن يشرع تشميته السادس ممن يمكن أن يستثنى من كان عند عطاسه في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله كما إذا كان على الخلاء أو في الجماعة فيؤخر ثم يحمد الله فيشمت فلو خالف فحمد في تلك الحالة هل يستحق التشميت فيه نظر

قوله باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب قال الخطابي معنى المحبة والكراهة فيهما منصرف إلى سببهما وذلك أن العطاس يكون من خفة البدن وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع وهو بخلاف التثاؤب فإنه يكون من علة امتلاء البدن وثقله مما يكون ناشئا عن كثرة الأكل والتخليط فيه والأول يستدعى النشاط للعبادة والثاني على عكسه

[ 5869 ] قوله سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة هكذا قال آدم بن أبي إياس عن بن أبي ذئب وتابعه عاصم بن علي كما سيأتي بعد باب والحجاج بن محمد عند النسائي وأبو داود الطيالسي ويزيد بن هارون عند الترمذي وابن أبي فديك عند الإسماعيلي وأبو عامر العقدي عند الحاكم كلهم عن بن أبي ذئب وخالفهم القاسم بن يزيد عند النسائي فلم يقل فيه عن أبيه وكذا ذكره أبو نعيم من طريق الطيالسي وكذلك أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يقل عن أبيه ورجح الترمذي رواية من قال عن أبيه وهو المعتمد قوله ان الله يحب العطاس يعني الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم في نوعي العطاس والتفصيل في التشميت خاصة وقد ورد ما يخص بعض أحوال العاطسين فأخرج الترمذي من طريق أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده رفعه قال العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة من الشيطان وسنده ضعيف وله شاهد عن بن مسعود في الطبراني لكن لم يذكر النعاس وهو موقوف وسنده ضعيف أيضا قال شيخنا في شرح الترمذي لا يعارض هذا حديث أبي هريرة يعني حديث الباب في محبة العطاس وكراهة التثاؤب لكونه مقيدا بحال الصلاة فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليشغله عن صلاته وقد يقال أن العطاس إنما لم يوصف بكونه مكروها في الصلاة لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب ولذلك جاء في التثاؤب كما سيأتي بعد فليرده ما استطاع ولم يأت ذلك في العطاس وأخرج بن أبي شيبة عن أبي هريرة أن الله يكره التثاؤب ويحب العطاس في الصلاة وهذا يعارض حديث جد عدي وفي سنده ضعف أيضا وهو موقوف والله أعلم ومما يستحب للعاطس أن لا يبالغ في إخراج العطسة فقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال سبع من الشيطان فذكر منها شدة العطاس قوله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته استدل به على استحباب مبادرة العاطس بالتحميد ونقل بن دقيق العمد عن بعض العلماء أنه ينبغي أن يتأنى في حقه حتى يسكن ولا يعاجله بالتشميت قال وهذا فيه غفلة عن شرط التشميت وهو توقفه على حمد العاطس وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن مكحول الأزدي كنت إلى حنب بن عمر فعطس رجل من ناحية المسجد فقال بن عمر يرحمك الله إن كنت حمدت الله واستدل به على أن التشميت إنما يشرع لمن سمع العاطس وسمع حمده فلو سمع من يشمت غيره ولم يسمع هو عطاسه ولا حمده هل يشرع له تشميته سيأتي قريبا قوله وأما التثاؤب سيأتي شرحه بعد بابين

قوله باب إذا عطس كيف يشمت بضم أوله وتشديد الميم المفتوحة

[ 5870 ] قوله عن أبي صالح هو السمان والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري وهو من رواية تابعي عن تابعي قوله إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله كذا في جميع نسخ البخاري وكذا أخرجه النسائي من طريق يحيى بن حسان والإسماعيلي من طريق بشر بن المفضل وأبي النضر وأبو نعيم في المستخرج من طريق عاصم بن علي وفي عمل يوم وليلة من طريق عبد الله بن صالح كلهم عن عبد العزيز بن أبي سلمة وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز المذكور به بلفظ فليقل الحمد لله على كل حال قلت ولم أر هذه الزيادة من هذا الوجه في غير هذه الرواية وقد تقدم ما يتعلق بحكمها واستدل بأمر العاطس بحمد الله أنه يشرع حتى للمصلي وقد تقدمت الإشارة إلى حديث رفاعة بن رافع في باب الحمد للعاطس وبذلك قال الجمهور من الصحابة والأئمة بعدهم وبه قال مالك والشافعي وأحمد ونقل الترمذي عن بعض التابعين أن ذلك يشرع في النافلة لا في الفريضة ويحمد مع ذلك في نفسه وجوز شيخنا في شرح الترمذي أن يكون مراده أنه يسر به ولا يجهر به وهو متعقب مع ذلك بحديث رفاعة بن رافع فإنه جهر بذلك ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه نعم يفرق بين أن يكون في قراءة الفاتحة أو غيرها من أجل اشتراط الموالاة في قراءتها وجزم بن العربي من المالكية بان العاطس في الصلاة يحمد في نفسه ونقل عن سحنون أنه لا يحمد حتى يفرغ وتعقبه بأنه غلو قوله وليقل له أخوه أو صاحبه هو شك من الراوي وكذا وقع للأكثر من رواية عاصم بن علي فليقل له أخوه ولم يشك والمراد بالأخوة إخوة الإسلام قوله يرحمك الله قال بن دقيق العيد يحتمل أن يكون دعاء بالرحمة ويحتمل أن يكون إخبارا على طريق البشارة كما قال في الحديث الآخر طهور إن شاء الله أي هي طهر لك فكأن المشمت بشر العاطس بحصول الرحمة له في المستقبل بسبب حصولها له في الحال لكونها دفعت ما يضره قال وهذا ينبني على قاعدة وهي أن اللفظ إذا أريد به معناه لم ينصرف لغيره وان أريد به معنى يحتمله انصرف إليه وإن أطلق انصرف إلى الغالب وان لم يستحضر القائل المعنى الغالب وقال بن بطال ذهب إلى هذا قوم فقالوا يقول له يرحمك الله يخصه بالدعاء وحده وقد أخرج البيهقي في الشعب وصححه بن حبان من طريق حفص بن عاصم عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله آدم عطس فألهمه ربه أن قال الحمد لله فقال له ربه يرحمك الله وأخرج الطبري عن بن مسعود قال يقول يرحمنا الله وإياكم وأخرجه بن أبي شيبة عن بن عمر نحوه وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي جمرة بالجيم سمعت بن عباس إذا شمت يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله وفي الموطأ عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يرحمنا الله وإياكم ويغفر الله لنا ولكم قال بن دقيق العيد ظاهر الحديث أن السنة لا تتأدى الا بالمخاطبة وأما ما اعتاده كثير من الناس من قولهم للرئيس يرحم الله سيدنا فخلاف السنة وبلغني عن بعض الفضلاء أنه شمت رئيسا فقال له يرحمك الله يا سيدنا فجمع الأمرين وهو حسن قوله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم مقتضاه أنه لا يشرع ذلك إلا لمن شمت وهو واضح وأن هذا اللفظ هو جواب التشميت وهذا مختلف فيه قال بن بطال ذهب الجمهور إلى هذا وذهب الكوفيون إلى أنه يقول يغفر الله لنا ولكم وأخرجه الطبري عن بن مسعود وابن عمر وغيرهما قلت وأخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني من حديث بن مسعود وهو في حديث سالم بن عبيد المشار إليه قبل ففيه وليقل يغفر الله لنا ولكم قلت وقد وافق حديث أبي هريرة في ذلك حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى وحديث أبي مالك الأشعري عند الطبراني وحديث علي عند الطبراني أيضا وحديث بن عمر عند البزار وحديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عند البيهقي في الشعب وقال بن بطال ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين وقال أبو الوليد بن رشد الثاني أولى لأن المكلف يحتاج إلى طلب المغفرة والجمع بينهما أحسن الا للذي وذكر الطبري أن الذين منعوا من جواب التشميت بقول يهديكم الله ويصلح بالكم احتجوا بأنه تشميت اليهود كما تقدمت الإشارة إليه من تخريج أبي داود من حديث أبي موسى قال ولا حجة فيه إذ لا تضاد بين خبر أبي موسى وخبر أبي هريرة يعني حديث الباب لأن حديث أبي هريرة في جواب التشميت وحديث أبي موسى في التشميت نفسه وأما ما أخرجه البيهقي في الشعب عن بن عمر قال اجتمع اليهود والمسلمون فعطس النبي صلى الله عليه وسلم فشمته الفريقان جميعا فقال للمسلمين يغفر الله لكم ويرحمنا وإياكم وقال لليهود يهديكم الله ويصلح بالكم فقال تفرد به عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع وعبد الله ضعيف واحتج بعضهم بأن الجواب المذكور مذهب الخوارج لأنهم لا يرون الاستغفار للمسلمين وهذا منقول عن إبراهيم النخعي وكل هذا لا حجة فيه بعد ثبوت الخبر بالأمر به قال البخاري بعد تخريجه في الأدب المفرد وهذا أثبت ما يروى في هذا الباب وقال الطبري هو من أثبت الأخبار وقال البيهقي هو أصح شيء ورد في هذا الباب وقد أخذ به الطحاوي من الحنفية واحتج له بقول الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها قال والذي يجيب بقوله غفر الله لنا ولكم لا يزيد المشمت على معنى قوله يرحمك الله لأن المغفرة ستر الذنب والرحمة ترك المعاقبة عليه بخلاف دعائه له بالهداية والإصلاح فإن معناه أن يكون سالما من مواقعة الذنب صالح الحال فهو فوق الأول فيكون أولى واختار بن أبي جمرة أن يجمع المجيب بين اللفظين فيكون أجمع للخير ويخرج من الخلاف ورجحه بن دقيق العيد وقد أخرج مالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يرحمنا الله وإياكم يغفر الله لنا ولكم قال بن أبي جمرة وفي الحديث دليل على عظيم نعمة الله على العاطس يؤخذ ذلك مما رتب عليه من الخير وفيه إشارة إلى عظيم فضل الله على عبده فإنه أذهب عنه الضرر بنعمة العطاس ثم شرع له الحمد الذي يثاب عليه ثم الدعاء بالخير بعد الدعاء بالخير وشرع هذه النعم المتواليات في زمن يسير فضلا منه وإحسانا وفي هذا لمن رآه بقلب له بصيرة زيادة قوة في إيمانه حتى يحصل له من ذلك ما لا يحصل بعبادة أيام عديدة ويداخله من حب الله الذي أنعم عليه بذلك ما لم يكن في باله ومن حب الرسول الذي جاءت معرفة هذا الخير على يده والعلم الذي جاءت به سنته ما لا يقدر قدره قال وفي زيادة ذرة من هذا ما يفوق الكثير مما عداه من الأعمال ولله الحمد كثيرا وقال الحليمي أنواع البلاء والآفات كلها مؤاخذات وإنما المؤاخذة عن ذنب فإذا حصل الذنب مغفورا وأدركت العبد الرحمة لم تقع المؤاخذة فإذا قيل للعاطس يرحمك الله فمعناه جعل الله لك ذلك لتدوم لك السلامة وفيه إشارة إلى تنبيه العاطس على طلب الرحمة والتوبة من الذنب ومن ثم شرع له الجواب بقوله غفر الله لنا ولكم قوله بالكم شأنكم قال أبو عبيدة في معنى قوله تعالى سيهديهم ويصلح بالهم أي شأنهم

قوله باب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله أورد فيه حديث أنس الماضي في باب الحمد للعاطس وكأنه أشار إلى أن الحكم عام وليس مخصوصا بالرجل الذي وقع له ذلك وان كانت واقعة حال لا عموم فيها لكن ورد الأمر بذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى بلفظ إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وان لم يحمد الله فلا تشمتوه قال النووي مقتضى هذا الحديث أن من لم يحمد الله لم يشمت قلت هو منطوقه لكن هل النهي فيه للتحريم أو للتنزيه الجمهور على الثاني قال وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه ويؤخذ منه أنه إذا أتى بلفظ آخر غير الحمد لا يشمت وقد أخرج أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث سالم بن عبيد الأشجعي قال عطس رجل فقال السلام عليكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك وعلى أمك وقال إذا عطس أحدكم فليحمد الله واستدل به على أنه يشرع التشميت لمن حمد إذا عرف السامع أنه حمد الله وان لم يسمعه كما لو سمع العطسة ولم يسمع الحمد بل سمع من شمت ذلك العاطس فإنه يشرع له التشميت لعموم الأمر به لمن عطس فحمد وقال النووي المختار أنه يشمته من سمعه دون غيره وحكى بن العربي اختلافا فيه ورجح أنه يشمته قلت وكذا نقله بن بطال وغيره عن مالك واستثنى بن دقيق العيد من علم أن الذين عند العاطس جهلة لا يفرقون بين تشميت من حمد وبين من لم يحمد والتشميت متوقف على من علم أنه حمد فيمتنع تشميت هذا ولو شمته من عنده لأنه لا يعلم هل حمد أو لا فإن عطس وحمد ولم يشمته أحد فسمعه من بعد عنه استحب له أن يشمته حين يسمعه وقد أخرج بن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد فاكترى قاربا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع فسئل عن ذلك فقال لعله يكون مجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا قائلا يقول يا أهل السفينة أن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم قال النووي ويستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره بالحمد ليحمد فيشمته وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النخعي وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف وزعم بن العربي أنه جهل من فاعله قال وأخطأ فيما زعم بل الصواب استحبابه قلت احتج بن العربي لقوله بأنه إذا نبهه ألزم نفسه ما لم يلزمها قال فلو جمع بينهما فقال الحمد لله يرحمك الله جمع جهالتين ما ذكرناه أولا وإيقاعه التشميت قبل وجود الحمد من العاطس وحكى بن بطال عن بعض أهل العلم وحكى غيره أنه الأوزاعي أن رجلا عطس عنده فلم يحمد فقال له كيف يقول من عطس قال الحمد لله قال يرحمك الله قلت وكأن بن العربي أخذ بظاهر حديث الباب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الذي عطس فلم يحمد لكن تقدم في باب الحمد للعاطس احتمال أنه لم يكن مسلما فلعل ترك ذلك لذلك لكن يحتمل أن يكون كما أشار إليه بن بطال أراد تأديبه على ترك الحمد بترك تشميته ثم عرفه الحكم وأن الذي يترك الحمد لا يستحق التشميت وهذا الذي فهمه أبو موسى الأشعري ففعل بعد النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم شمت من حمد ولم يشمت من لم يحمد كما ساق حديثه مسلم

قوله باب إذا تثاوب كذا للأكثر وللمستملي تثاءب بهمزة بدل الواو قال شيخنا في شرح الترمذي وقع في رواية المحبوبي عند الترمذي بالواو وفي رواية السنجي بالهمز ووقع عند البخاري وأبي داود بالهمز وكذا في حديث أبي سعيد عند أبي داود وأما عند مسلم فبالواو قال وكذا هو في أكثر نسخ مسلم وفي بعضها بالهمز وقد أنكر الجوهري كونه بالواو وقال تقول تثاءبت على وزن تفاعلت ولا تقل تثاوبت قال والتثاؤب أيضا مهموز وقد يقلبون الهمزة المضمومة واوا والاسم الثؤباء بضم ثم همز على وزن الخيلاء وجزم بن دريد وثابت بن قاسم في الدلائل بان الذي بغير واو بوزن تيممت فقال ثابت لا يقال تثاءب بالمد مخففا بل يقال تثأب بالتشديد وقال بن دريد أصله من ثئب فهو مثئوب إذا استرخى وكسل وقال غير واحد إنهما لغتان وبالهمز والمد أشهر قوله فليضع يده على فيه أورد فيه حديث أبي هريرة بلفظ فليرده ما استطاع قال الكرماني عموم الأمر بالرد يتناول وضع اليد على الفم فيطابق الترجمة من هذه الحيثية قلت وقد ورد في بعض طرقه صريحا أخرجه مسلم وأبو داود من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه بلفظ إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه ولفظ الترمذي مثل لفظ الترجمة

[ 5872 ] قوله ان الله يحب العطاس تقدم شرحه قريبا قوله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان قال بن بطال إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة أي أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب وقال بن العربي قد بينا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته قال والتثاؤب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل وذلك بواسطة الشيطان والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ عنه النشاط وذلك بواسطة الملك وقال النووي أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل قوله فإذا تثاءب أحدم فليرده ما استطاع أي يأخذ في أسباب رده وليس المراد به أنه يملك دفعه لأن الذي وقع لا يرد حقيقة وقيل معنى إذا تثاءب إذا أراد أن يتثاءب وجوز الكرماني أن يكون الماضي فيه بمعنى المضارع قوله فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان في رواية بن عجلان فإذا قال آه ضحك منه الشيطان وفي حديث أبي سعيد فإن الشيطان يدخل وفي لفظ له إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل هكذا قيده بحالة الصلاة وكذا أخرجه الترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع وللترمذي والنسائي من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه ورواه بن ماجة من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه بلفظ إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يعوى فإن الشيطان يضحك منه قال شيخنا في شرح الترمذي أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة وقد قال بعضهم أن المطلق إنما يحمل على المقيد في الأمر لا في النهي ويؤيد كراهته مطلقا كونه من الشيطان وبذلك صرح النووي قال بن العربي ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة وإعوجاج الخلقة وأما قوله في رواية أبي سعيد في بن ماجة ولا يعوى فإنه بالعين المهملة شبه التثاؤب الذي يسترسل معه بعواء الكلب تنفيرا عنه واستقباحا له فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي والمتثائب إذا أفرط في التثاؤب شابهه ومن هنا تظهر النكتة في كونه يضحك منه لأنه صيره ملعبة له بتشويه خلقه في تلك الحالة وأما قوله في رواية مسلم فإن الشيطان يدخل فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة وهو وان كان يجري من الإنسان مجري الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرا الله تعالى والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه وأما الأمر بوضع اليد على الفم فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطي بالكف ونحوه وما إذا كان منطبقا حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه لئلا يتغير نظم قراءته وأسند بن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد وعكرمة والتابعين المشهورين ومن الخصائص النبوية ما أخرجه بن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن الأصم قال ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال ما تثاءب نبي قط ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان ووقع في الشفاء لابن سبع أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتمطى لأنه من الشيطان والله أعلم خاتمة اشتمل كتاب الأدب من الأحاديث المرفوعة على مائتين وستة وخمسين حديثا المعلق منها خمسة وسبعون والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائتا حديث وحديث وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عبد الله بن عمرو في عقوق الوالدين وحديث أبي هريرة من سره أن يبسط له في رزقه وحديث الرحم شجنة وحديث بن عمرو ليس الواصل بالمكافىء وحديث أبي هريرة قام أعرابي فقال اللهم ارحمنا وحديث أبي شريح من لا يأمن جاره وحديث جابر كل معروف صدقة وحديث أنس لم يكن فاحشا وحديث عائشة ما أظن فلانا وفلانا يعرفان ديننا وحديث أنس إن كانت الأمة وحديث حذيفة ان أشبه الناس دلا وسمتا وحديث بن مسعود أن أحسن الحديث كتاب الله وحديث أبي هريرة إذا قال الرجل يا كافر وحديث بن عمر فيه وحديث أبي هريرة لا تغضب وحديث بن عمر لأن يمتلىء وحديث بن عباس في بن صياد وحديث سعيد بن المسيب عن أبيه في اسم الحزن وحديث بن أبي أوفى في إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم أحد عشر أثرا بعضها موصول وبعضها معلق والله أعلم بالصواب