كتاب الدعوات
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الدعوات بفتح المهملتين جمع دعوة بفتح أوله وهي المسألة الواحدة والدعاء الطلب والدعاء الى الشيء الحث على فقله ودعوت فلانا سألته ودعوته استغثته ويطلق أيضا على رفعة القدر كقوله تعالى ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة كذا قال الراغب ويمكن رده الى الذي قبله ويطلق الدعاء أيضا على العبادة والدعوى بالقصر الدعاء كقوله تعالى وآخر دعواهم والادعاء كقوله تعالى فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا وقال الرغب الدعاء على التسمية كقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال الراغب الدعاء والنداء واحد لكن قد يتجرد النداء عن الاسم والدعاء لا يكاد يتجرد وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في شرح الأسماء الحسنى ما ملخصه جاء الدعاء في القرآن على وجوه منها العبادة ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك ومنها الاستغاثة وادعوا شهداءكم ومنها السؤال ادعوني استجب لكم ومنها القول دعواهم فيها سبحانك اللهم والنداء يوم يدعوكم والثناء قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قوله وقول الله تعالى ادعوني استجب لكم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الآية الى قوله داخرين وهذه الآية ظاهرة في ترجيح الدعاء على التفويض وقالت طائفة الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء وأجابوا عن الآية بأن آخرها دل على ان المراد بالدعاء العبادة لقوله ان الذين يستكبرون عن عبادتي واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي الآية أخرجه الأربعة وصححه الترمذي والحاكم وشذت طائفة فقالوا المراد بالدعاء في الآية ترك الذنوب وأجاب الجمهور ان الدعاء من أعظم العبادة فهو كالحديث الآخر الحج عرفة أي معظم الحج وركنه الأكبر ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أنس رفعه الدعاء مخ العبادة وقد تواردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب في الدعاء والحث عليه كحديث أبي هريرة رفعه ليس شيء اكرم على الله من الدعاء أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم وحديثه رفعه من لم يسأل الله يغضب عليه أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة والبزار والحاكم كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي عنه وهذا الخوزي مختلف فيه ضعفه بن معين وقواه أبو زرعة وظن الحافظ بن كثير انه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بما قلته ووقع في رواية البزار والحاكم عن أبي صالح الخوزي سمعت أبا هريرة قال الطيبي معنى الحديث ان من لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه والله يحب ان يسأل انتهى ويؤيده حديث بن مسعود رفعه سلوا الله من فضله فإن الله يحب ان يسأل أخرجه الترمذي وله من حديث بن عمر رفعه ان الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء وفي سنده لين وقد صححه مع ذلك الحاكم واخرج الطبراني في الدعاء بسند رجاله ثقات الا ان فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعا ان الله يحب الملحين في الدعاء وقال الشيخ تقي الدين السبكي الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط ان الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا فالوعيد انما هو في حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر واما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه اليه الوعيد المذكور وان كنا نرى ان ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه قلت وقد دلت الآية الآتية قريبا في السورة المذكورة ان الإجابة مشترطة بالإخلاص وهو قوله تعالى فادعوه مخلصين له الدين وقال الطيبي معنى حديث النعمان ان تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار الى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات الا للخضوع للباري وإظهار الافتقار اليه ولهذا ختم الآية بقوله تعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان وحكى القشيري في الرسالة الخلاف في المسألة فقال اختلف أي الامرين أولى الدعاء أو السكوت والرضا فقيل الدعاء وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة لما فيه من إظهار الخضوع والافتقار وقيل السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل قلت وشبهتهم ان الداعي لا يعرف ما قدر له فدعاؤه ان كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل وان كان على خلافه فهو معاندة والجواب عن الأول ان الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار وعن الثاني انه إذا اعتقد انه لا يقع الا ما قدر الله تعالى كان اذعانا لا معاندة وفائدة الدعاء تحصيل الثواب بامتثال الأمر ولاحتمال ان يكون المدعو به موقوفا على الدعاء لان الله خالق الأسباب ومسبباتها قال وقالت طائفة ينبغي ان يكون داعيا بلسانه راضيا بقلبه قال والأولى ان يقال إذا وجد في قلبه إشارة الدعاء فالدعاء أفضل وبالعكس قلت القول الأول أعلى المقامات ان يدعو بلسانه ويرضى بقلبه والثاني لا يتأتى من كل أحد بل ينبغي ان يختص به الكمل قال القشيري ويصح ان يقال ما كان لله أو للمسلمين فيه نصيب فالدعاء أفضل وما كان للنفس فيه حظ فالسكوت أفضل وعبر بن بطال عن هذا القول لما حكاه بقوله يستحب ان يدعو لغيره ويترك لنفسه وعمدة من أول الدعاء في الآية بالعبادة أو غيرها قوله تعالى فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وان كثيرا من الناس يدعو فلا يستجاب له فلو كانت على ظاهرها لم يتخلف والجواب عن ذلك ان كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة الا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ولأحمد من حديث أبي هريرة اما ان يعجلها له واما ان يدخرها له وله في حديث أبي سعيد رفعه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها اثم ولا قطعية رحم الا أعطاه الله بها إحدى ثلاث اما ان يعجل له دعوته واما ان يدخرها له في الآخرة واما ان يصرف عنه من السوء مثلها وصححه الحاكم وهذا شرط ثان للاجابة ولها شروط أخرى منها ن يكون طيب المطعم والملبس لحديث فانى يستجاب لذلك وسيأتي بعد عشرين بابا من حديث أبي هريرة ومنها الا يكون يستعجل لحديث يستجاب لأحكم ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي أخرجه مالك

قوله باب لكل نبي دعوة مستجابة كذا لأبي ذر وسقط لفظ باب لغيره فصار من جملة الترجمة الأولى ومناسبتها للاية الإشارة الى ان بعض الدعاء لا يستجاب عينا

[ 5945 ] قوله إسماعيل هو بن أبي أويس قوله مستجابة كذا لأبي ذر ولم ارها عند الباقين ولا في شيء من نسخ الموطأ قوله يدعو بها زاد في رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فيعجل كل نبي دعوته وفي حديث أنس ثاني حديثي الباب فاستجيب له قوله وأريد ان اختبىء دعوتي شفاعة لامتي في الآخرة وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة الآتية في التوحيد فأريد ان شاء الله ان اختبىء وزيادة ان شاء الله في هذا للتبرك ولمسلم من رواية أبي صالح عن أبي هريرة واني اختبأت وفي حديث أنس فجعلت دعوتي وزاد يوم القيامة وزاد أبو صالح فهي نائلة ان شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا وقوله من مات في محل نصب على المفعولية و لا يشرك بالله في محل نصب على الحال والتقدير شفاعتي نائلة من مات غير مشرك وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد ان يؤخرها ثم عزم ففعل ورجا وقوع ذلك فأعلمه الله به فجزم به وسيأتي تتمة الكلام على الشفاعة وأنواعها في أول كتاب الرقاق ان شاء الله تعالى وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة ولا سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وظاهره ان لكل نبي دعوة مستجابة فقط والجواب ان المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة وقيل معنى قوله لكل نبي دعوة أي أفضل دعواته ولهم دعوات أخرى وقيل لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته اما باهلاكهم واما بنجاتهم واما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها مالا يستجاب وقيل لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول نوح لا تذر على الأرض وقول زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني وقول سليمان وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي حكاه بن التين وقال بعض شراح المصابيح ما لفظه اعلم ان جميع دعوات الأنبياء مستجابة والمراد بهذا الحديث ان كل نبي دعا على أمته بالاهلاك الا انا فلم ادع فاعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على اذاهم والمراد بالأمة امة الدعوة لا امة الإجابة وتعقبه الطيبي بأنه صلى الله عليه وسلم دعا على احياء من العرب ودعا على اناس من قريش بأسمائهم ودعا على رعل وذكوان ودعا على مضر قال والأولى ان يقال ان الله جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته فنالها كل منهم في الدنيا واما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فبقي تلك الدعوة المستجابة مدخرة للآخرة وغالب من دعا عليهم لم يرد اهلاكهم وانما أراد ردعهم ليتوبوا واما جزمه أولا بأن جميع ادعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة الحديث قال بن بطال في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم وقال بن الجوزي هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه لأنه اثر أمته على نفسه ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين وقال النووي فيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم واما قوله فهي نائلة ففيه دليل لأهل السنة ان من مات غير مشرك لا يخلد في النار ولو مات مصرا على الكبائر

[ 5946 ] قوله وقال معتمر هو بن سليمان التيمي كذا للأكثر وبه جزم الإسماعيلي والحميدي لكن عند الأصيلي وكريمة في أوله قال لي خليفة حدثنا معتمر فعلى هذا هو متصل وقد وصله أيضا مسلم عن محمد بن عبد الأعلى عن معتمر قوله لكل نبي سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة هكذا وقع بالشك ولم يسق مسلم لفظه بل أحال به على طريق قتادة عن أنس وقد أخرجه بن منده في كتاب الإيمان من طريق محمد بن عبد الأعلى به ومن طريق الحسن بن الربيع ومسدد وغيرهما عن معتمر بالشك ولفظه كل نبي قد سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة قد دعا بها الحديث ولفظ قتادة عند مسلم لكل نبي دعوة دعاها لامته فذكره ولم يشك

قوله باب أفضل الاستغفار سقط لفظ باب لأبي ذر ووقع في شرح بن بطال بلفظ فضل الاستغفار وكأنه لما رأى الآيتين في أول الترجمة وهما دالتان على الحث على الاستغفار ظن ان الترجمة لبيان فضيلة الاستغفار ولكن حديث الباب يؤيد ما وقع عند الأكثر وكأن المصنف أراد اثبات مشروعية الحث على الاستغفار بذكر الآيتين ثم بين بالحديث أولى ما يستعمل من ألفاظه وترجم بالأفضلية ووقع الحديث بلفظ السيادة وكأنه أشار الى ان المراد بالسيادة الأفضلية ومعناها الأكثر نفعا لمستعمله ومن أوضح ما وقع في فضل الاستغفار ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث يسار وغيره مرفوعا من قال استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه غفرت ذنوبه وان كان فر من الزحف قال أبو نعيم الأصبهاني هذا يدل على ان بعض الكبائر تغفر ببعض العمل الصالح وضابطه الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكما في نفس ولا مال ووجه الدلالة منه انه مثل بالفرار من الزحف وهو من الكبائر فدل على ان ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف فإنه لا يوجب على مرتكبه حكما في نفس ولا مال قوله وقوله تعالى واستغفروا ربكم انه كان غفارا الآية كذا رأيت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر وسقطت الواو من رواية غيره وهو الصواب فان التلاوة فقلت استغفروا ربكم وساق غير أبي ذر الآية الى قوله تعالى انهارا وكأن المصنف لمح بذكر هذه الآية الى اثر الحسن البصري ان رجلا شكى اليه الجدب فقال استغفر الله وشكى اليه آخر الفقر فقال استغفر الله وشكى اليه آخر جفاف بستانه فقال استغفر الله وشكى اليه آخر عدم الولد فقال استغفر الله ثم تلا عليهم هذه الآية وفي الآية حث على الاستغفار واشارة الى وقوع المغفرة لمن استغفر والى ذلك أشار الشاعر بقوله لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما علمتني الطلبا قوله والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية كذا لأبي ذر وساق غيره الى قوله وهم يعملون واختلف في معنى قوله ذكروا الله فقيل ان قوله فاستغفروا تفسير للمراد بالذكر وقيل هو على حذف تقديره ذكروا عقاب الله والمعنى تفكروا في أنفسهم ان الله سائلهم فاستغفروا لذنوبهم أي لاجل ذنوبهم وقد ورد في حديث حسن صفة الاستغفار المشار اليه في الآية أخرجه أحمد والأربعة وصححه بن حبان من حديث علي بن أبي طالب قال حدثني أبو بكر الصديق رضي الله عنهما وصدق أبو بكر سمعت النبي صلى الله عليه يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله عز وجل الا غفر له ثم تلا والذين إذا فعلوا فاحشة الآية وقوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا فيه إشارة الى ان من شرط قبول الاستغفار ان يقلع المستغفر عن الذنب والا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب وورد في فضل الاستغفار والحث عليه آيات كثيرة وأحاديث كثيرة منها حديث أبي سعيد رفعه قال إبليس يا رب لا ازال اغويهم ما دامت ارواحهم في اجسادهم فقال الله تعالى وعزتي لا أزال اغفر لهم ما استغفروني أخرجه أحمد وحديث أبي كبر الصديق رفعه ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة أخرجه أبو داود والترمذي وذكر السبعين للمبالغة والا ففي حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد مرفوعا ان عبدا اذنب ذنبا فقال رب اني اذنبت ذنبا فاغفر لي فغفر له الحديث وفي اخره علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به اعمل ما شئت فقد غفرت لك

[ 5947 ] قوله حدثنا الحسين هو بن ذكوان المعلم ووقع عند النسائي من رواية غندر حدثنا الحسين المعلم وكذا عند الإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن حسين المعلم قوله حدثنا عبد الله بن بريدة أي بن الحصيب الأسلمي قوله حدثنا بشير بالموحدة ثم المعجمة مصغر وقد تابع حسينا على ذلك ثابت البناني وأبو العوام عن بريدة ولكنهما لم يذكرا بشير بن كعب بل قالا عن بن بريدة عن شداد أخرجه النسائي وخالفهم الوليد بن ثعلبة فقال عن بن بريدة عن أبيه أخرجه الأربعة الا الترمذي وصححه بن حبان والحاكم لكن لم يقع في رواية الوليد أول الحديث قال النسائي حسين المعلم اثبت من الوليد بن ثعلبة واعلم بعبد الله بن بريدة وحديثه أولى بالصواب قلت كأن الوليد سلك الجادة لأن جل رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه وكأن من صححه جوز ان يكون عن عبد الله بن بريدة على الوجهين والله اعلم قوله حدثني شداد بن أوس أي بن ثابت بن المنذر بن حرام بمهملتين الأنصاري بن أخي حسان بن ثابت الشاعر وشداد صحابي جليل نزل الشام وكنيته أبو يعلى واختلف في صحبه أبيه وليس لشداد في البخاري الا هذا الحديث الواحد قوله سيد الاستغفار قال الطيبي لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع اليه في الأمور قوله ان يقول أي العبد وثبت في رواية أحمد والنسائي ان سيد الاستغفار ان يقول العبد وللترمذي من رواية عثمان بن ربيعة عن شداد الا أدلك على سيد الاستغفار وفي حديث جابر عند النسائي تعلموا سيد الاستغفار قوله لا اله الا أنت أنت خلقتني كذا في نسخة معتمدة بتكرير أنت وسقطت الثانية من معظم الروايات ووقع عند الطبراني من حديث أبي امامة من قال حين يصبح اللهم لك الحمد لا اله الا أنت والباقي نحو حديث شداد وزاد فيه آمنت لك مخلصا لك ديني قوله وانا عبدك قال الطيبي يجوز ان تكون مؤكدة ويجوز ان تكون مقدرة أي انا عابد لك ويؤيده عطف قوله وانا على عهدك قوله وانا على عهدك سقطت الواو في رواية النسائي قال الخطابي يريد انا على ما عهتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك ويحتمل ان يريد انا مقيم على ما عهدت الى من امرك ومتمسك به منتجز وعدك في المثوبة والاجر واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى وقال بن بطال قوله وانا على عهدك ووعدك يريد العهد الذي اخذه الله على عباده حيث أخرجه أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فأقروا له بالربوبية واذعنوا له بالوحدانية وبالوعد ما قال على لسان نبيه ان من مات لا يشرك بالله شيئا وأدى ما افترض عليه ان يدخله الجنة قلت وقوله وأدى ما افترض عليه زيادة ليست بشرط في هذا المقام لأنه جعل المراد بالعهد الميثاق المأخوذ في عالم الذر وهو التوحيد خاص فالوعد هو إدخال من مات على ذلك الجنة قال وفي قوله ما استطعت اعلام لامته ان أحدا لا يقدر على الإتيان بجميع ما يحب عليه لله ولا الوفاء بكمال الطاعات والشكر على النعم فرفق الله بعباده فلم يكلفهم من ذلك الا وسعهم وقال الطيبي يحتمل ان يراد بالعهد والوعد ما في الآية المذكورة كذا قال والتفريق بين العهد والوعد أوضح قوله أبوء لك بنعمتك علي سقط لفظ لك من رواية النسائي وأبوء بالموحدة والهمز ممدود معناه اعترف ووقع في رواية عثمان بن ربيعة عن شداد واعترف بذنوبي وأصله البواء ومعناه اللزوم ومنه بوأه الله منزلا إذا اسكنه فكأنه الزمه به قوله وأبوء لك بذنبي أي اعترف أيضا وقيل معناه احمله برغمي لا أستطيع صرفه عني وقال الطيبي اعترف اولا بأنه انعم عليه ولم يقيده لأنه يشمل أنواع الانعام ثم اعترف بالتقصير وانه لم يقم بأداء شكرها ثم بالغ فعده ذنبا مبالغة في التقصير وهضم النفس قلت ويحتمل ان يكون قوله ابوء لك بذنبي اعترف بوقوع الذنب مطلقا ليصح الاستغفار منه لا انه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنبا قوله فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب الا أنت يؤخذ منه ان من اعترف بذنبه غفر له وقد وقع صريحا في حديث الإفك الطويل وفيه العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه قوله من قالها موقنا بها أي مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها وقال الداودي يحتمل ان يكون هذا من قوله ان الحسنات يذهبن السيئات ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء وغيره لأنه بشر بالثواب ثم بشر بأفضل منه فثبت الأول وما زيد عليه وليس يبشر بالشيء ثم يبشر بأقل منه مع ارتفاع الأول ويحتمل ان يكون ذلك ناسخا وان يكون هذا فيمن قالها ومات قبل ان يفعل ما يفغر له به ذنوبه أو يكون ما فعله من الوضوء وغيره لم ينتقل منه بوجه ما والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء كذا حكاه بن التين عنه وبعضه يحتاج الى تأمل قوله ومن قالها من النهار في رواية النسائي فإن قالها حين يصبح وفي رواية عثمان بن ربيعة لا يقولها أحدكم حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل ان يصبح أو حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل ان يمسي قوله فهو من أهل الجنة في رواية النسائي دخل الجنة وفي رواية عثمان بن ربيعة الا وجبت له الجنة قال بن أبي جمرة جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له انه يسمى سيد الاستغفار ففيه الإقرار لله وحده بالالهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والاقرار بالعهد الذي اخذه عليه والرجاء بما وعده به والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه واضافة النعماء الى موجدها واضافة الذنب الى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك الا هو وفي كل ذلك الإشارة الى الجمع بين الشريعة والحقيقة فإن تكاليف الشريعة لا تحصل الا إذا كان في ذلك عون من الله تعالى وهذا القدر الذي يكنى عنه بالحقيقة فلو اتفق ان العبد خالف حتى يجرى عليه ما قدر عليه وقامت الحجة عليه ببيان المخالفة لم يبق إلا أحد أمرين إما العقوبة بمقتضى العدل أو العفو بمقتضى الفضل انتهى ملخصا وقال أيضا من شروط الاستغفار صحة النية والتوجه والأدب فلو ان أحدا حصل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ الوارد واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد لكن اخل بالشروط هل يستويان فالجواب ان الذي يظهر ان اللفظ المذكور انما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة والله اعلم

قوله باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم أي وقوع الاستغفار منه أو التقدير مقدار استغفاره في كل يوم ولا يحمل على الكيفية لتقدم بيان الأفضل وهو لا يترك الأفضل

[ 5948 ] قوله قال قال أبو هريرة في رواية يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني أبو سلمة انه سمع أبا هريرة أخرجه النسائي قوله والله اني لاستغفر الله فيه القسم على الشيء تأكيدا له وان لم يكن عند السامع فيه شك قوله لاستغفر الله وأتوب اليه ظاهره انه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة ويحتمل ان يكون المراد يقول هذا اللفظ بعينه ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن بن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه في المجلس قبل ان يقوم مائة مرة وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن بن عمر بلفظ انا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الغفور مائة مرة قوله أكثر من سبعين مرة وقع في حديث أنس اني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة فيحتمل ان يريد المبالغة ويحتمل ان يريد العدد بعينه وقوله أكثر مبهم فيحتمل ان يفسر بحديث بن عمر المذكور وانه يبلغ المائة وقد وقع في طريق أخرى عن أبي هريرة من رواية معمر عن الزهري بلفظ اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة لكن خالف أصحاب الزهري في ذلك نعم اخرج النسائي أيضا من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة بلفظ اني لأستغفر الله وأتوب اليه كل يوم مائة مرة واخرج النسائي أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس فقال يا أيها الناس توبوا الى الله فإني اتوب اليه في اليوم مائة مرة وله في حديث الاغر المزني رفعه مثله وهو عنده وعند مسلم بلفظ انه ليغان على قلبي واني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة قال عياض المراد بالغين فترات عن الذكر الذي شأنه ان يداوم عليه فإذا فتر عنه لامر ما عد ذلك ننبا فاستغفر عنه وقيل هو شيء يعترى القلب مما يقع من حديث النفس وقيل هو السكينة التي تغشى قلبه والاستغفار لإظهار العبودية لله والشكر لما اولاه وقيل هي حالة خشية واعظام والاستغفار شكرها ومن ثم قال المحاسبي خوف المتقربين خوف اجلال واعظام وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي لا يعتقد ان الغين في حالة نقص بل هو كمال أو تتمة كمال ثم مثل ذلك بجفن العين حين يسبل ليدفع القذى عن العين مثلا فإنه يمنع العين من الرؤية فهو من هذه الحيثية نقص وفي الحقيقة هو كمال هذا محصل كلامه بعبارة طويلة قال فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغيرة الثائرة من انفاس الأغيار فدعت الحاجة الى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها ووقاية عن ذلك انتهى وقد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعى وقوع معصية وأجيب بعدة أجوبة منها ما تقدم في تفسير الغين ومنها قول بن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد والأنبياء وان عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا ومنها قول بن بطال الأنبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما اعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى ومحصل جوابه ان الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى ويحتمل ان يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع اليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة الى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس ومنها ان استغفاره تشريع لامته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم وقال الغزالي في الاحياء كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارتقى الى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على ان العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الأحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك وقال الشيخ السهروردي لما كان روح النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل في الترقي الى مقامات القرب يستتبع القلب والقلب يستتبع النفس ولا ريب ان حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطا النفس تقصر عن مداهما في العروج فاقتضت الحكمة ابطاء حركة القلب لئلا تنقطع علاقة النفس عنه فيبقى العباد محرومين فكان صلى الله عليه وسلم يفزع الى الاستغفار لقصور النفس عن شأو ترقى القلب والله اعلم

قوله باب التوبة أشار المصنف بإيراد هذين البابين وهما الاستغفار ثم التوبة في أوائل كتاب الدعاء الى ان الإجابة تسرع الى من لم يكن متلبسا بالمعصية فإذا قدم التوبة والاستغفار قبل الدعاء كان أمكن لاجابته وما الطف قول بن الجوزي إذ سئل أأسبح أو استغفر فقال الثوب الوسخ أحوج الى الصابون من البخور والاستغفار استفعال من الغفران وأصله الغفر وهو الباس الشيء ما يصونه عما يدنسه وتدنيس كل شيء بحسبه والغفران من الله للعبد ان يصونه عن العذاب والتوبة ترك الذنب على أحد الأوجه وفي الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على فعله والعزم على عدم العود ورد المظلمة ان كانت أو طلب البراءة من صاحبها وهي ابلغ ضروب الاعتذار لان المعتذر اما ان يقول لا افعل فلا يقع الموقع عند من اعتذر له لقيام احتمال انه فعل لا سيما ان ثبت ذلك عنده عنه أو بقول فعلت لأجل كذا ويذكر شيئا يقيم عذره وهو فوق الأول أو يقول فعلت ولكن اسأت وقد اقلعت وهذا أعلاه انتهى من كلام الراغب ملخصا وقال القرطبي في المفهم اختلفت عبارات المشايخ فيها فقائل يقول انها الندم واخر يقول انها العزم على ان لا يعود وآخر يقول الاقلاع عن الذنب ومنهم من يجمع بين الأمور الثلاثة وهو اكملها غير انه مع ما فيه غير مانع ولا جامع اما اولا فلأنه قد يجمع الثلاثة ولا يكون تائبا شرعا إذ قد يفعل ذلك شحا على ماله أو لئلا يعيره الناس به ولا تصح التوبة الشرعية الا بالإخلاص ومن ترك الذنب لغير الله لا يكون تائبا اتفاقا واما ثانيا فلأنه يخرج منه من زنى مثلا ثم جب ذكره فإنه لا يتأتى منه غير الندم على ما مضى وأما العزم على عدم العود فلا يتصور منه قال وبهذا اغتر من قال ان الندم يكفي في حد التوبة وليس كما قال لأنه لو ندم ولم يقلع وعزم على العود لم يكن تائبا اتفاقا قال وقال بعض المحققين هي اختيار ترك ذنب سبق حقيقة أو تقديرا لأجل الله قال وهذا أسد العبارات وأجمعها لان التائب لا يكون تاركا للذنب الذي فرغ لأنه غير متمكن من عينه لا تركا ولا فعلا وانما هو متمكن من مثله حقيقة وكذا من لم يقع منه ذنب انما يصح منه اتقاء ما يمكن ان يقع لاترك مثل ما وقع فيكون متقيا لا تائبا قال والباعث على هذا تنبيه الهي لمن أراد سعادته لقبح الذنب وضرره لأنه سم مهلك يفوت على الإنسان سعادة الدنيا والآخرة ويحجبه عن معرفة الله تعالى في الدنيا وعن تقريبه في الآخرى قال ومن تفقد نفسه وجدها مشحونة بهذا السم فإذا وفق انبعث منه خوف هجوم الهلاك عليه فيبادر بطلب ما يدفع به عن نفسه ضرر ذلك فحينئذ ينبعث منه الندم على ما سبق والعزم على ترك العود عليه قال ثم اعلم ان التوبة اما من الكفر واما من الذنب فتوبة الكافر مقبولة قطعا وتوبة العاصي مقبولة بالوعد الصادق ومعنى القبول الخلاص من ضرر الذنوب حتى يرجع كمن لم يعمل ثم توبة العاصي اما من حق الله واما من حق غيره فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك على ما تقدم غير ان منه ما لم يكتف الشرع فيه بالترك فقط بل أضاف اليه القضاء أو الكفارة وحق غير الله يحتاج الى ايصالها لمستحقها والا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب لكن من لم يقدر على الايصال بعد بذله الوسع في ذلك فعفو الله مأمول فإنه يضمن التبعات ويبدل السيئات حسنات والله اعلم قلت حكى غيره عن عبد الله بن المبارك في شروط التوبة زيادة فقال الندم والعزم على عدم العود ورد المظلمة وأداء ما ضيع من الفرائض وان يعمد الى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وان يذيق نفسه الم الطاعة كما اذاقها لذة المعصية قلت وبعض هذه الأشياء مكملات وقد تمسك من فسر التوبة بالندم بما أخرجه أحمد وابن ماجة وغيرهما من حديث بن مسعود رفعه الندم توبة ولا حجة فيه لان المعنى الحض عليه وانه الركن الأعظم في التوبة لا انه التوبة نفسها وما يؤيد اشتراط كونها لله تعالى وجود الندم على الفعل ولا يستلزم الاقلاع عن أصل تلك المعصية من قتل ولده مثلا وندم لكونه ولده وكمن بذل مالا في معصية ثم ندم على نقص ذلك المال مما عنده واحتج من شرط في صحة التوبة من حقوق العباد ان يرد تلك المظلمة بأن من غصب امة فزنى بها لا تصح توبته الا بردها لمالكها وان من قتل نفسا عمدا لا تصح توبته الا بتمكين نفسه من ولى الدم ليقتص أو يعفو قلت وهذا من جهة التوبة من الغصب ومن حق المقتول واضح ولكن يمكن ان تصح التوبة من العود الى الزنا وان استمرت الأمة في يده ومن العود الى القتل وان لم يمكن من نفسه وزاد بعض من أدركناه في شروط التوبة أمورا أخرى منها ان يفارق موضع المعصية وان لا يصل في آخر عمره الى الغرغرة وان لا تطلع الشمس من مغربها وان لا يعود الى ذلك الذنب فان عاد اليه بان ان توبته باطلة قلت والأول مستحب والثاني والثالث داخلان في حد التكليف والرابع الأخير عزى للقاضي أبي بكر الباقلاني ويرده الحديث الآتي بعد عشرين بابا وقد أشرت اليه في باب فضل الاستغفار وقد قال الخليمي في تفسير التواب في الأسماء الحسنى انه العائد على عبده بفضل رحمته كلما رجع لطاعته وندم على معصيته فلا يحبط عنه ما قدمه من خير ولا يحرمه ما وعد به الطائع من الإحسان وقال الخطابي التواب الذي يعود الى القبول كلما عاد العبد الى الذنب وتاب قوله وقال قتادة توبة نصوحا الصادقة الناصحة وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة مثله وقيل سميت ناصحة لان العبد ينصح نفسه فيها فذكرت بلفظ المبالغة وقرأ عاصم نصوحا بضم النون أي ذات نصح وقال الراغب النصح تجري قول أو فعل فيه صلاح تقول نصحت لك الود أي اخلصته ونصحت الجلد أي خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط فيحتمل ان يكون قوله توبة نصوحا مأخوذا من الإخلاص أو من الاحكام وحكى القرطبي المفسر انه اجتمع له من أقوال العلماء في تفسير التوبة النصوح ثلاثة وعشرون قولا الأول قول عمر ان يذنب الذنب ثم لا يرجع وفي لفظ ثم لا يعود فيه أخرجه الطبري بسند صحيح عن بن مسعود مثله وأخرجه أحمد مرفوعا واخرج بن أبي حاتم من طريق زر بن حبيش عن أبي بن كعب انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان يندم إذا اذنب فيستغفر ثم لا يعود اليه وسنده ضعيف جدا الثاني ان يبغض الذنب ويتسغفر منه كلما ذكره أخرجه بن أبي حاتم عن الحسن البصري الثالث قول قتادة المذكور قبل الرابع ان يخلص فيها الخامس ان يصير من عدم قبولها على وجل السادس ان لا يحتاج معها الى توبة أخرى السابع ان يشتمل على خوف ورجاء ويدمن الطاعة الثامن مثله وزاد وان يهاجر من اعانه عليه التاسع ان يكون ذنبه بين عينيه العاشر ان يكون وجها بلاقفا كما كان في المعصية قفا بلا وجه ثم سرد بقية الأقوال من كلام الصوفية بعبارات مختلفة ومعان مجتمعة ترجع الى ما تقدم وجميع ذلك من المكملات لا من شرائط الصحة والله اعلم

[ 5949 ] قوله حدثنا أحمد بن يونس هو بن عبد الله بن يونس نسب الى جده واشتهر بذلك وأبو شهاب شيخه اسمه عبد ربه بن نافع الحناط بالمهملة والنون وهو أبو شهاب الحناط الصغير وما أبو شهاب الحناط الكبير فهو في طبقة شيوخ هذا واسمه موسى بن نافع وليسا اخوين وهما كوفيان وكذا بقية رجال هذا السند قوله عن عمارة بن عمير فذكر المصنف تصريح الأعمش بالتحديث وتصريح شيخه عمارة وفي رواية أبي أسامة المعلقة بعد هذا وعمارة تيمى من بني تيم اللات بن ثعلبة كوفي من طبقة الأعمش وشيخه الحارث بن سويد تيمي أيضا وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق اولهم الأعمش وهو من صغار التابعين وعمارة من اوساطهم والحارث من كبارهم قوله حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والاخر عن نفسه قال إن المؤمن فذكره الى قوله فوق انفه ثم قال لله افرح بتوبة عبده هكذا وقع في هذه الرواية غير مصرح برفع أحد الحديثين الى النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي قالوا المرفوع لله افرح الخ والأول قول بن مسعود وكذا جزم بن بطال بأن الأول هو الموقوف والثاني هو المرفوع وهو كذلك ولم يقف بن التين على تحقيق ذلك فقال أحد الحديثين عن بن مسعود والاخر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزد في الشرح على الأصل شيئا وأغرب الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في مختصره فأفرد أحد الحديثين من الاخر وعبر في كل منهما بقوله عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك في شيء من نسخ البخاري ولا التصريح برفع الحديث الأول الى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من نسخ كتب الحديث الا ما قرأت في شرح مغلطاي انه روى مرفوعا من طريق وهاها أبو أحمد الجرجاني يعني بن عدي وقد وقع بيان ذلك في الرواية المعلقة وكذا وقع البيان في رواية مسلم مع كونه لم يسق حديث بن مسعود الموقوف ولفظه من طريق جرير عن الأعمش عن عمارة عن الحارث قال دخلت على بن مسعود اعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه وحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لله أشد فرحا الحديث قوله ان المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف ان يقع عليه قال بن أبي جمرة السبب في ذلك ان قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه والحكمة في التمثيل بالجبل ان غيره من المهلكات قد يحصل التسبب الى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة وحاصله ان المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان فلا يأمن العقوبة بسببها وهذا شأن المسلم انه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السيء قوله وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب في رواية أبي الربيع الزهراني عن أبي شهاب عند الإسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب مر على انفه أي ذنبه سهل عنده لا يعتقد انه يحصل له بسببه كبير ضرر كما ان ضرر الذباب عنده سهل وكذا دفعه عنه والذباب بضم المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما الف جمع ذبابة وهي الطير المعروف قوله فقال به هكذا أي تجاه بيده أو دفعه هو من إطلاق القول على الفعل قالوا وهو ابلغ قوله قال أبو شهاب هو موصول بالسند المذكور قوله بيده على انفه هو تفسير منه لقوله فقال به قال المحب الطبري انما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته لأنه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية وقال بن أبي جمرة السبب في ذلك ان قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب خفيف عنده ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول هذا سهل قال ويستفاد من الحديث ان قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفته عليه يدل على فجوره قال والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب اخف الطير واحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء قال وفي ذكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده لان الذباب قلما ينزل على الأنف وانما يقصد غالبا العين قال وفي اشارته بيده تأكيد للخفة أيضا لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره قال وفي الحديث ضرب المثل بما يمكن وارشاد الى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الإيمان وفيه ان الفجور أمر قلبي كالإيمان وفيه دليل لأهل السنة لأنهم لا يكفرون بالذنوب ورد على الخوارج وغيرهم ممن يكفر بالذنوب وقال بن بطال يؤخذ منه انه ينبغي ان يكون المؤمن عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا لان الله تعالى قد يعذب على القليل فإنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى قوله ثم قال لله افرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا في رواية أبي الربيع المذكورة بتوبة عبده المؤمن وعند مسلم من رواية جرير ومن رواية أبي أسامة لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن وكذا عنده من حديث أبي هريرة وإطلاق الفرح في حق الله مجاز عن رضاه قال الخطابي معنى الحديث ان الله ارضى بالتوبة واقبل لها والفرح الذي يتعارفه الناس بينهم غير جائز على الله وهو كقوله تعالى كل حزب بما لديهم فرحون أي رضون وقال بن فورك الفرح في اللغة السرور ويطلق على البطر ومنه ان الله لا يحب الفرحين وعلى الرضا فان كل من يسر بشيء ويرضى به يقال في حقه فرح به قال بن العربي كل صفة تقتضي التغير لا يجوز ان يوصف الله بحقيقتها فان ورد شيء من ذلك حمل على معنى يليق به وقد يعبر عن الشيء بسببه أو ثمرته الحاصلة عنه فان من فرح بشيء جاد لفاعله بما سأل وبذل له ما طلب فعبر عن عطاء الباري وواسع كرمه بالفرح وقال بن أبي جمرة كنى عن إحسان الله التائب وتجاوزه عنه بالفرح لان عادة الملك إذا فرح بفعل أحد ان يبالغ في الإحسان اليه وقال القرطبي في المفهم هذا مثل قصد به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب وانه يقبل عليه بمغفرته ويعامله معاملة من يفرح بعمله ووجه هذا المثل ان العاصي حصل بسبب معصية في قبضة الشيطان وأسره وقد اشرف على الهلاك فإذا لطف الله به ووفقه للتوبة خرج من شؤم تلك المعصية وتخلص من اسر الشيطان ومن المهلكة التي اشرف عليها فأقبل الله عليه بمغفرته وبرحمته وإلا فالفرح الذي هو من صفات المخلوقين محال على الله تعالى لأنه اهتزاز وطرب يجده الشخص من نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه ويسد به خلته أو يدفع به عن نفسه ضررا أو نقصا وكل ذلك محال على الله تعالى فإنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص ولا قصور لكن هذا الفرح له عندنا ثمرة وفائدة وهو الإقبال على الشيء المفروح به واحلاله المحل الأعلى وهذا هو الذي يصح في حقه تعالى فعبر عن ثمرة الفرح بالفرح على طريقة العرب في تسمية الشيء باسم ما جاوره أو كان منه بسبب وهذا القانون جار في جميع ما اطلقه الله تعالى على صفة من الصفات التي لا تليق به وكذا ما ثبت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله هو مهلكة كذا في الروايات التي وقفت عليها من صحيح البخاري بواو مفتوحة ثم موحدة خفيفة مكسورة ثم هاء ضمير ووقع عند الإسماعيلي في رواية أبي الربيع عن أبي شهاب بسند البخاري فيه بدوية بموحدة مكسورة ودال مفتوحة ثم واو ثقيلة مكسروة ثم تحتانية مفتوحة ثم هاء تأنيث وكذا في جميع الروايات خارج البخاري عند مسلم وأصحاب السنن والمسانيد وغيرهم وفي رواية لمسلم في ارض دوية مهلكة وحكى الكرماني انه وقع في نسخة من البخاري وبيئة وزن فعيلة من الوباء ولم اقف انا على ذلك في كلام غيره ويلزم عليه ان يكون وصف المذكر وهو المنزل بصفة المؤنث في قوله وبيئة مهلكة وهو جائز على إرادة البقعة والدوية هي القفر والمفازة وهي الداوية باشباع الدال ووقع كذلك في رواية لمسلم وجمعها داوي قال الشاعر اروع خراج من الداوي قوله مهلكة فتح الميم واللام بينهما هاء ساكنة يهلك من حصل بها وفي بعض النسخ بضم الميم وكسر اللام من الرباعي أي تهلكي من يحصل بها قوله عليها طعامه وشرابه زاد أبو معاوية عن الأعمش وما يصلحه أخرجه الترمذي وغيره قوله وقد ذهبت راحلته في رواية أبي معاوية فأضلها فخرج في طلبها وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم فطلبها قوله حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله شك من أبي شهاب واقتصر جرير على ذكر العطش ووقع في رواية أبي معاوية حتى إذا أدركه الموت قوله قال ارجع بهمزة قطع بلفظ المتكلم قوله الى مكاني فرجع فنام في رواية جرير ارجع الى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى اموت فوضع رأسه على ساعده ليموت وفي رواية أبي معاوية ارجع الى مكاني الذي اضللنها فيه فأموت فيه فرجع الى مكانه فغلبته عينه قوله فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده في رواية جرير فاستيقظ وعنده راحلته عليها زاده طعامه وشرابه وزاد أبو معاوية في روايته وما يصلحه قوله تابعه أبو عوانه هو الوضاح وجرير هو بن عبد الحميد عن الأعمش فأما متابعة أبي عوانة فوصلها الإسماعيلي من طريق يحيى بن حماد عنه واما متابعة جرير فوصلها مسلم وقد ذكرت اختلاف لفظها قوله وقال أبو أسامة هو حماد بن أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عمارة حدثنا الحارث يعني عن بن مسعود بالحديثين ومراده ان هؤلاء الثلاثة وافقوا أبا شهاب في إسناد هذا الحديث الا ان الأولين عن عناه وصرخ فيه أبو أسامة ورواية أبي أسامة وصلها مسلم أيضا وقال مثل حديث جرير قوله وقال شعبة وأبو مسلم زاد المستملي في روايته عن الفريري اسمه عبيد الله أي بالتصغير كوفي قائد الأعمش قلت واسم أبيه سعيد بن مسلم كوفي ضعفه جماعة لكن لما وافقه شعبة ترخص البخاري في ذكره وقد ذكره في تاريخه وقال في حديثه نظر وقال العقيلي يكتب حديثه وبنظر فيه ومراده ان شعبة وأبا مسلم خالفا أبا شهاب ومن تبعه في تسمية شيخ الأعمش فقال الاولون عمارة وقال هذان إبراهيم التيمي وقد ذكر الإسماعيلي ان محمد بن فضيل وشجاع بن الوليد وقطبه بن عبد العزيز وافقوا أبا شهاب على قوله عمارة عن الحارث ثم ساق رواياتهم وطريق قطبة عند مسلم أيضا قوله وقال أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن الأسود عن عبد الله وعن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله يعني ان أبا معاوية خالف الجميع فجعل الحديث عند الأعمش عن عمارة بن عمير وإبراهيم التيمي جميعا لكنه عند عمارة عن الأسود وهو بن يزيد النخعي وعند إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد وأبو شهاب ومن تبعه جعلوه عند عمارة عن الحارث بن سويد ورواية أبي معاوية لم اقف عليها في شيء من السنن والمسانيد على هذين الوجهين فقد أخرجه الترمذي عن هناد بن السري والنسائي عن محمد بن عبيد والإسماعيلي من طريق أبي همام ومن طريق أبي كريب ومن طريق محمد بن طريف كلهم عن أبي معاوية كما قال أبو شهاب ومن تبعه وأخرجه النسائي عن أحمد بن حرب الموصلي عن أبي معاوية فجمع بين الأسود والحارث بن سويد وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي كريب ولم أره من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي وانما وجدته عند النسائي من رواية على بن مسهر عن الأعمش كذلك وفي الجملة فقد اختلف فيه على عمارة في شيخه هل هو الحارث بن سويد أو الأسود وتبين مما ذكرته انه عنده عنهما جميعا واختلف على الأعمش في شيخه هل هو عمارة أو إبراهيم التيمي وتبين أيضا انه عنده عنهما جميعا والراجح من الاختلاف كله ما قال أبو شهاب ومن تبعه ولذلك اقتصر عليه مسلم وصدر به البخاري كلامه فأخرجه موصولا وذكر الاختلاف معلقا كعادته في الإشارة الى ان مثل هذا الخلاف ليس بقادح والله اعلم تنبيه ذكر مسلم حديث البراء لهذا الحديث المرفوع سببا وأوله كيف تقولون في رجل انفلتت من راحلته بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب فطلبها حتى شق عليه فذكر معناه وأخرجه بن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة مختصرا ذكروا الفرح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل يجد ضالته فقال لله أشد فرحا الحديث

[ 5950 ] قوله حدثني إسحاق قال أبو على الجياني يحتمل ان يكون بن منصور فان مسلما اخرج عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال حديثا غير هذا قلت وتقدم في البيوع في باب البيعان بالخيار في رواية أبي على بن ثبويه حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال فذكر حديثا غير هذا وهذا مما يقوى ظن أبي علي والله اعلم وحبان بفتح المهملة ثم الموحدة الثقيلة وهمام هو بن يحيى وقد نزل البخاري في حديثه في السند الأول ثم علاه بدرجة في السند الثاني والسبب في ذلك انه وقع في السند النازل تصريح قتادة بتحديث أنس له ووقع في السند العالي بالعنعنة قوله سقط على بعيره أي صادفه وعثر عليه من غير قصد فظفر به ومنه قولهم على الخبير سقطت وحكى الكرماني ان في رواية سقط الى بعيره أي انتهى اليه والأول أولى قوله وقد اضله أي ذهب منه بغير قصده قال بن السكيت اضللت بعيري أي ذهب مني وضللت بعيري أي لم اعرف موضعه قوله بفلاة أي مفازة الى هنا انتهت رواية قتادة وزاد إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فيه عند مسلم فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فاتى شجره فاضطجع في ظلها فبينا هو كذلك إذا بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وانا ربك أخطأ من شدة الفرح قال عياض فيه ان ما ناله الإنسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به وكذا حكايته عنه على طريق علمي وفائدة شرعية لا على الهزل والمحاكاة والعبث ويدل على ذلك حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولو كان منكرا ما حكاه والله اعلم قال بن أبي جمرة وفي حديث بن مسعود من الفوائد جواز سفر المرء وحده لأنه لا يضرب الشارع المثل الا بما يجوز ويحمل حديث النهي على الكراهة جمعا ويظهر من هذا الحديث حكمة النهي قلت والحصر الأول مردود وهذه القصة تؤكد النهي قال وفيه تسمية المفازة التي ليس فيها ما يؤكل ولا يشرب مهلكة وفيه ان من ركن الى ما سوى الله يقطع به أحوج ما يكون اليه لان الرجل ما نام في الفلاة وحده الا ركونا الى ما معه من الزاد فلما اعتمد على ذلك خانه لولا ان الله لطف به وأعاد عليه ضالته قال بعضهم من سره ان لا يرى ما يسوؤه فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا قال وفيه ان فرح البشر وغمهم انما هو على ما جرى به اثر الحكمة من العوائد يؤخذ من ذلك ان حزن المذكور انما كان على ذهاب راحلته لخوف الموت من اجل فقد زاده وفرحه بها انما كان من اجل وجدانه ما فقد مما تنسب الحياة اليه في العادة وفيه بركة الاستسلام لامر الله لان المذكور لما ايس من وجدان راحلته استسلم للموت فمن الله عليه برد ضالته وفيه ضرب المثل بما يصل الى الإفهام من الأمور المحسوسة والارشاد الى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الإيمان

قوله باب الضجع على الشق الأيمن الضجع بفتح أوله وسكون الجيم مصدر يقال ضجع الرجل يضجع ضجعا وضجوعا فهو ضاجع والمعنى وضع جنبه بالأرض وفي رواية باب الضجعة وهو بكسر أوله لان المراد الهيئة ويجوز الفتح أي المرة وذكر فيه حديث عائشة في اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر وقد مضى شرحه في كتاب الصلاة وترجم له باب الضجع على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر قال بن التين أصل اضطجع اضتجع بمثناة فأبدلوها طاءن ومنهم ما ابقاها ولم يدغموا الضاد فيها وحكى المازني الضجع بلام ساكنة قبل الضاد كراهة للجمع بين الضاد والطاء في النطق لثقله فجعل بدلها اللام وذكر المصنف هذا الباب والذي بعده توطئة لما يذكر بعدهما من القول عند النوم

قوله باب إذا بات طاهرا زاد أبو ذر في روايته وفضله وقد ورد في هذا المعنى عدة أحاديث ليست على شرطه منها حديث معاذ رفعه ما من مسلم يبيت على ذكر وطهارة فيتعار من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة ألا أعطاه إياه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأخرجه الترمذي من حديث أبي امامة نحوه واخرج بن حبان في صحيحه عن بن عمر رفعه من بات طاهرا بات في شعاره ملك فلا يستيقظ الا قال الملك اللهم اغفر لعبدك فلان واخرج الطبراني في الأوسط حديث بن عباس نحوه بسند جيد

[ 5952 ] قوله معتمر هو بن سليمان التيمي ومنصور هو بن المعتمر قوله عن سعد بن عبيدة كذا قال الأكثر وخالفهم إبراهيم بن طهمان فقال عن منصور عن الحكم عن سعد بن عبيدة زاد في الإسناد الحكم أخرجه النسائي وقد سأل بن أبي حاتم عنه أباه فقال هذا خطأ ليس فيه الحكم قلت فهو من المزيد في متصل الأسانيد قوله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا لأبي ذر وأبي زيد المروزي وسقط لفظ لي من رواية الباقين وفي رواية أبي إسحاق كما في الباب الذي يليه أمر رجلا وفي أخرى له اوصى رجلا وفي رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق الآتية في كتاب التوحيد عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إذا أويت الى فراشك الحديث وأخرجه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن البراء ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له الا أعلمك كلمات تقول إذ اويت الى فراشك قوله إذا أتيت مضجعك أي إذا أردت ان تضطجع ووقع صريحا كذلك في رواية أبي إسحاق المذكورة ووقع في رواية فطر بن خليفة عن سعد بن عبيدة عند أبي داود والنسائي إذا اويت الى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك الحديث نحو حديث الباب وسنده جيد ولكن ثبت ذلك في اثناء حديث آخر سأشير إليه في شرح حديث حذيفة الاتي في الباب بعده وللنسائي من طريق الربيع بن البراء بن عازب قال قال البراء فذكر الحديث بلفظ من تكلم بهؤلاء الكلمات حين يأخذ جنبه من مضجعه بعد صلاة العشاء فذكر حديث الباب قوله فتوضأ وضوءك للصلاة الأمر فيه للندب وله فوائد منها ان يبيت على طهارة لئلا يبغته الموت فيكون على هيئة كاملة ويؤخذ منه الندب الى الاستعداد للموت بطهارة القلب لأنه أولى من طهارة البدن وقد اخرج عبد الرزاق من طريق مجاهد قال قال لي بن عباس لا تبيتن الا على وضوء فان الأرواح تبعث على ما قبضت عليه ورجاله ثقات الا أبا يحيى القتات هو صدوق فيه كلام ومن طريق أبي مراية العجلي قال من اوى الى فراشه طاهرا ونام ذاكرا كان فراشه مسجدا وكان في صلاة وذكر حتى يستيقظ ومن طريق طاوس نحوه ويتأكد ذلك في حق المحدث ولا سيما الجنب وهو انشط للعود وقد يكون منشطا للغسل فيبيت على طهارة كاملة ومنها ان يكون اصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به قال الترمذي ليس في الأحاديث ذكر الوضوء عند النوم الا في هذا الحديث قوله ثم اضطجع على شقك بكسر المعجمة وتشديد القاف أي الجانب وخص الأيمن لفوائد منها انه أسرع الى الانتباه ومنها ان القلب متعلق الى جهة اليمين فلا يثقل بالنوم ومنها قال بن الجوزي هذه الهيئة نص الأطباء على انها اصلح للبدن قالوا يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعة ثم ينقلب الى الأيسر لان الأول سبب لانحدار الطعام والنوم على اليسار يهضم لاشتمال الكبد على المعدة تنبيه هكذا وقع في رواية سعد بن عبيدة وأبي إسحاق عن البراء ووقع في رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن البراء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه كما سيأتي قريبا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اوى الى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال الحديث فيستفاد مشروعية هذا الذكر من قوله صلى الله عليه وسلم ومن فعله ووقع عند النسائي من رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن البراء وزاد في أوله ثم قال بسم الله اللهم أسلمت نفسي إليك ووقع عند الخرائطي في مكارم الأخلاق من وجه اخر عن البراء بلفظ كان إذا اوى الى فراشه قال اللهم أنت ربي ومليكي والهي لا اله الا أنت إليك وجهت وجهي الحديث قوله وقل اللهم أسلمت وجهي إليك كذا لأبي ذر وأبي زيد ولغيرهما أسلمت نفسي قيل الوجه والنفس هنا بمعنى الذات والشخص أي أسلمت ذاتي وشخصي لك وفيه نظر للجمع بينهما في رواية أبي إسحاق عن البراء الآتية بعد باب ولفظه أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وجمع بينهما أيضا في رواية العلاء بن المسيب وزاد خصلة رابعة ولفظه أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري وألجأت ظهري إليك فعلى هذا فالمراد بالنفس هنا الذات وبالوجه القصد وأيد القرطبي هذا احتمالا بعد جزمه بالأول قوله أسلمت أي استسلمت وانقدت والمعنى جعلت نفسي منقادة لك تابعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها وقوله وفوضت أمري إليك أي توكلت عليكم في أمري كله وقوله وألجأت أي اعتمدت في أموري عليك لتكينني على ما ينفعني لأن من استند الى شيء تقوى به واستعان به وخصه بالظهر لان العادة جرت ان الإنسان يعتمد بظهره الى ما يستند اليه وقوله رغبة ورهبة إليك أي رغبة في رفدك وثوابك ورهبة أي خوفا من غضبك ومن عقابك قال بن الجوزي اسقط من مع ذكر الرهبة واعمل الى مع ذكر الرغبة وهو على طريق الاكتفاء كقول الشاعر وزججن الحواجب والعيونا والعيون لا تزجج لكن لما جمعهما في نظم حمل أحدهما على الآخر في اللفظ وكذا قال الطيبي ومثل بقوله متقلدا سيفا ورمحا قلت ولكن ورد في بعض طرقه بإثبات من ولفظه رهبة منك ورغبة إليك أخرجه النسائي وأحمد من طريق حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة قوله لا ملجأ ولا منجأ منك الا إليك أصل ملجأ بالهمز ومنجا بغير همز ولكن لما جمعا جاز ان يهمزا للازدواج وان يترك الهمز فيهما وان يهمز المهموز ويترك الاخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة قال الكرماني هذان اللفظان ان كانا مصدرين يتنازعان في منك وان كانا ظرفين فلا إذ اسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك الى أحد الا إليك ولا منجا منك الا إليك وقال الطيبي في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها الا المتقن من أهل البيان فأشار بقوله أسلمت نفسي الى ان جوارحه منقادة لله تعالى في اوامره ونواهيه وبقوله وجهت وجهي الى ان ذاته مخلصة له بريئة من النفاق وبقوله فوضت أمري الى ان أموره الخارجة والداخلة مفوضة اليه لا مدبر لها غيره وبقوله الجأت ظهري الى انه بعد التفويض يلتجيء اليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب كلها قال وقوله رغبة ورهبة منصوبان على المفعول له على طريف اللف والنشر أي فوضت اموري إليك رغبة وألجأت ظهري إليك رهبة قوله آمنت بكتابك الذي أنزلت يحتمل ان يريد به القرآن ويحتمل ان يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب انزل قوله ونبيك الذي أرسلت وقع في رواية أبي زيد المروزي ارسلته وأنزلته في الأول بزيادة الضمير فيهما قوله فإن مت مت على الفطرة في رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق الآتية في التوحيد من ليلتك وفي رواية المسيب بن رافع من قالهن ثم مات تحت ليلته قال الطيبي فيه إشارة الى وقوع ذلك قبل ان ينسلخ النهار من الليل وهو تحته أو المعنى بالتحت أي مت تحت نازل ينزل عليك في ليلتك وكذا معنى من في الرواية الأخرى أي من اجل ما يحدث في ليلتك وقوله على الفطرة أي على الدين القويم ملة إبراهيم فإنه عليه السلام اسلم واستسلم قال الله تعالى عنه جاء ربه بقلب سليم وقال عنه أسلمت لرب العالمين وقال فلما اسلما وقال بن بطال وجماعة المراد بالفطرة هنا دين الإسلام وهو بمعنى الحديث الاخر من كان اخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة قال القرطبي في المفهم كذا قال الشيوخ وفيه نظر لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرت من التوحيد والتسليم والرضا الى ان يموت كمن يقول لا إله إلا الله ممن لم يخطر له شيء من هذه الأمور فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة ويمكن ان يكون الجواب ان كلا منهما وان مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الأول فطرة المقربين وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين قلت وقع في رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة في آخره عند أحمد بدل قوله مات على الفطرة بنى له بيت في الجنة وهو يؤيد ما ذكره القرطبي ووقع في اخر الحديث في التوحيد من طريق أبي إسحاق عن البراء وان أصبحت أصبت خيرا وكذا لمسلم والترمذي من طريق بن عيينة عن أبي إسحاق فإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا وهو عند مسلم من طريق حصين عن سعد بن عبيدة ولفظه وان أصبح أصاب خيرا أي صلاحا في المال وزيادة في الأعمال قوله فقلت كذا لأبي ذر وأبي زيد المروزي ولغيرهما فجعلت استذكرهن أي أتحفظهن ووقع في رواية الثوري عن مقصود الماضية في اخر كتاب الوضوء فرددتها أي رددت تلك الكلمات لأحفظهن ولمسلم من رواية جرير رواية جرير عن منصور فرددتهن لأستذكرهن قوله وبرسولك الذي أرسلت قالا وبنبيك الذي أرسلت في رواية جرير عن منصور تبعا لغيره هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى وهو الصحيح من مذهب مالك فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع فإن النبوة من النبأ وهو الخبر فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا وان أمر بتبليغه الى غيره فهو رسول والا فهو نبي غير رسول وعلى هذا فكل رسول نبي بلا عكس فإن النبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ وافترقا في الرسالة فإذا قلت فلان رسول تضمن انه نبي رسول وإذا قلت فلان نبي لم يستلزم انه رسول فأراد صلى الله عليه وسلم ان يجمع بينهما في اللفظ لاجتماعهما فيه حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وضع له وليخرج عما يكون شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة فإنه إذا قال ورسولك فقد فهم منه انه أرسله فإذا قال الذي أرسلت صار كالحشو الذي لا فائدة فيه بخلاف قوله ونبيك الذي أرسلت فلا تكرار فيه لا متحققا ولا متوهما انتهى كلامه وقوله صار كالحشو متعقب لثبوته في أفصح الكلام كقوله تعالى وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه إذا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم هو الذي أرسل رسوله بالهدى ومن غير هذا اللفظ يوم ينادي المنادي الى غير ذلك فالأولى حذف هذا الكلام الأخير والاقتصار على قوله ونبيك الذي أرسلت في هذا المقام افيد من قوله ورسولك الذي أرسلت لما ذكر والذي ذكره في الفرق بين الرسول والنبي مقيد بالرسول البشرى والا فإطلاق الرسول كما في اللفظ هنا يتناول الملك كجبريل مثلا فيظهر لذلك فائدة أخرى وهي تعين البشرى دون الملك فيخلص الكلام من اللبس واما الاستدلال به على منع الرواية بالمعنى ففيه نظر لان شرط الرواية بالمعنى ان يتفق اللفظان في المعنى المذكور وقد تقرر ان النبي والرسول متغايران لفظا ومعنى فلا يتم الاحتجاج بذلك قيل وفي الاستدلال بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى مطلقا نظر وخصوصا ابدال الرسول بالنبي وعكسه إذا وقع في الرواية لان الذات المحدث عنها واحدة فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف إذا ثبتت الصفة له وهذا بناء على ان السبب في منع الرواية بالمعنى ان الذي يستجيز ذلك قد يظن يوفى بمعنى اللفظ الاخر ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما عهد في كثير من الأحاديث فالاحتياط الإتيان باللفظ فعلى هذا إذا تحقق بالقطع ان المعنى فيهما متحد لم يضر بخلاف ما إذا اقتصر على الظن ولو كان غالبا وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي ان ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وهذا الاختيار المازري قال فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله اوحى اليه بهذه الكلمات فيتعين اداؤها بحروفها وقال النووي في الحديث ثلاث سنن احداها الوضوء عند النوم وان كان متوضئا كفاه لان المقصود النوم على طهارة ثانيها النوم على اليمين ثالثها الختم بذكر الله وقال الكرماني هذا الحديث يشتمل على الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إجمالا من الكتب والرسل من الالهيات والنبويات وعلى إسناد الكل الى الله من الذوات والصفات والأفعال لذكر الوجه والنفس والأمر وإسناد الظهر مع ما فيه من التوكل على الله والرضا بقضائه وهذا كله بحسب المعاش وعلى الاعتراف بالثواب والعقاب خيرا وشرا وهذا بحسب المعاد تنبيه وقع عند النسائي في رواية عمرو بن مرة عن سعد بن عبيدة في أصل الحديث امنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت وكأنه لم يسمع من سعد بن عبيدة الزيادة التي في اخره فروى بالمعنى وقد وقع في رواية أبي إسحاق عن البراء نظير ما في رواية منصور عن سعد بن عبيدة أخرجه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق وفي آخره قال البراء فقلت وبرسولك الذي أرسلت فطعن بيده في صدري ثم قال ونبيك الذي أرسلت وكذا اخرج النسائي من طريق فطر بن خليفة عن أبي إسحاق ولفظه فوضع يده في صدري نعم اخرج الترمذي من حديث رافع بن خديج ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اضطجع أحدكم على يمينه ثم قال فذكر نحو الحديث وفي آخره اؤمن بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت هكذا فيه بصيغة الجمع وقال حسن غريب فإن كان محفوظا فالسر فيه حصول التعميم الذي دلت عليه صيغة الجمع صريحا فدخل فيه جميع الرسل من الملائكة والبشر فأمن اللبس ومنه قوله تعالى كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والله اعلم

قوله باب ما يقول إذا نام سقطت هذه الترجمة لبعضهم وثبتت للأكثر

[ 5953 ] قوله سفيان هو الثوري وعبد الملك هو بن عمير وثبت في رواية أبي ذر وأبي زيد المروزي عن عبد الملك بن عمير قوله إذا اوى الى فراشه أي دخل فيه وفي الطريق الآتية قريبا إذا اخذ مضجعه وأوى بالقصر واما قوله الحمد لله الذي آوانا فهو بالمد ويجوز فيه القصر والضابط في هذه اللفظة انها مع اللزوم تمد في الافصح ويجوز القصر وفي التعدي بالعكس قوله باسمك اموت وأحيا أي يذكر اسمك احيا ما حييت وعليه اموت وقال القرطبي قوله باسمك اموت يدل على ان الاسم هو المسمى وهو كقوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى أي سبح ربك هكذا قال جل الشارحين قال واستفدت من بعض المشايخ معنى اخر وهو ان الله تعالى سمى نفسه بالأسماء الحسنى ومعانيها ثابتة له فكل ما صدر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات فكأنه قال باسمك المحيي احيا وباسمك المميت اموت انتهى ملخصا والمعنى الذي صدرت به أليق وعليه فلا يدل ذلك على ان الاسم غير المسمى ولا عينه ويحتمل ان يكون لفظ الاسم هنا زائدا كما في قول الشاعر الى الحول ثم اسم السلام عليكما قوله وإذا قام قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا قال أبو إسحاق الزجاج النفس التي تفارق الإنسان عند النوم هي التي للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي يزول معها التنفس وسمى النوم موتا لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها قاله في النهاية ويحتمل ان يكون المراد بالموت هنا السكون كما قالوا ماتت الريح أي سكنت فيحتمل ان يكون اطلق الموت على النائم بمعنى إرادة سكون حركته لقوله تعالى وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه قاله الطيبي قال وقد يستعار الموت للاحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية والجهل وقال القرطبي في المفهم النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهرا وهو النوم ولذا قيل النوم أخو الموت وباطنا وهو الموت فإطلاق الموت على النوم يكون مجازا لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن وقال الطيبي الحكمة في إطلاق الموت على النوم ان انتفاع الإسنان بالحياة انما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه فمن نام زال عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع قال وهذا التأويل موافق للحديث الاخر الذي فيه وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين وينتظم معه قوله واليه النشور أي واليه المرجع في نيل الثواب بما يكتسب في الحياة قلت والحديث الذي أشار اليه سيأتي مع شرحه قريبا قوله واليه النشور أي البعث يوم القيامة والإحياء بعد إلا ماتة يقال نشر الله الموتى فنشروا أي احياهم فحيوا قوله تنشرها تخرجها كذا ثبت هذا في رواية السرخسي وحده وقد أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بذلك وذكرها بالزاي من انشزه إذا رفعه بتدريج وهي قراءة الكوفيين وابن عامر واخرج من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال ننشرها أي نحييها وذكرها بالراء من انشرها أي احياها ومنه ثم إذا شاء انشره وهي قراءة أهل الحجاز وأبي عمرو قال والقراءتان متقاربتان في المعنى وقريء في الشاذ بفتح أوله بالراء وبالزاي أيضا وبضم التحتانية معهما أيضا قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي سمعت البراء ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا ح وحدثنا ادم حدثنا شعبة حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن البراء بن عازب كذا للأكثر وفي رواية السرخسي عن أبي إسحاق سمعت البراء والأول اصوب والا لكان موافقا للرواية الأولى من كل جهة ولأحمد عن عفان عن شعبة أمر رجلا من الأنصار وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في الباب قبله تنبيهان الأول لشعبة في هذا الحديث شيخ اخر أخرجه النسائي من طريق غندر عنه عن مهاجر أبي الحسن عن البراء وغندر من اثبت الناس في شعبة ولكن لا يقدح ذلك في رواية الجماعة عن شعبة فكأن لشعبة فيه شيخين الثاني وقع في رواية شعبة عن أبي إسحاق في هذا الحديث عن البراء لا ملجأ ولا منجا منك الا إليك وهذا القدر من الحديث مدرج لم يسمعه أبو إسحاق من البراء وان كان ثابتا في غير رواية أبي إسحاق عن البراء وقد بين ذلك إسرائيل عن جده أبي إسحاق وهو من اثبت الناس فيه أخرجه النسائي من طريقه فساق الحديث بتمامه ثم قال كان أبو إسحاق يقول لا ملجأ ولا منجا منك الا إليك لم اسمع هذا من البراء سمعتهم يذكرونه عنه وقد أخرجه النسائي أيضا من وجه اخر عن أبي إسحاق عن هلال بن يساف عن البراء

قوله باب وضع اليد تحت الخد اليمنى كذا فيه بتأنيث الخد وهو لغة ذكر فيه حديث حذيفة المذكور في الباب الذي قبله وفيه وضع يده تحت خده قال الإسماعيلي ليس فيه ذكر اليمنى وانما ذلك وقع في رواية شريك ومحمد بن جابر عن عبد الملك بن عمير قلت جرى البخاري على عادته في الإشارة الى ما ورد في بعض طرق الحديث وطريق شريك هذه أخرجها أحمد من طريقه وفي الباب عن البراء أخرجه النسائي من طريق أبي خيثمة والثوري عن أبي إسحاق عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اوى الى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وسنده صحيح وأخرجه أيضا بسند صحيح عن حفصة وزاد يقول ذلك ثلاثا

قوله باب النوم على الشق الأيمن تقدمت فوائد هذه الترجمة قريبا وبين النوم والضجع عموم وخصوص وجهي قوله العلاء بن المسيب عن أبيه هو بن رافع الكاهلي ويقال الثعلبي بمثلثة ثم مهملة يكنى أبا العلاء وكان من ثقات الكوفيين وما لولده العلاء في البخاري الا هذا الحديث واخر تقدم في غزوة الحديبية وهو ثقة قال الحاكم له أوهام تنبيه وقع في مستخرج أبي نعيم في هذا الموضع ما نصه لسترهبوهم من الرهبة ملكوت ملك مثل رهبوت ورحموت تقول ترهب خير من ان ترحم انتهى ولم أره لغيره هنا وقد تقدم

[ 5956 ] قوله استرهبوهم من الرهبة في تفسير سورة الأعراف وباقيه تقدم في تفسير الانعام وتكلمت عليه هناك وبينت ما وقع في سياق أبي ذر فيه من تغيير وان الصواب كالذي وقع هنا والله اعلم

قوله باب الدعاء إذا انتبه من الليل في رواية الكشميهني بالليل ووقع عندهم في أول التهجد في أواخر كتاب الصلاة بالعكس ذكر فيه حديثين عن بن عباس الأول

[ 5957 ] قوله عن سفيان هو الثوري وسلمة هو بن كهيل قوله بت عند ميمونة تقدم شرحه مضموما الى ما في ثاني حديثي الباب في أول أبواب الوتر دون ما في اخره من الدعاء فأحلت به على ما هنا وقوله فيه فغسل وجهه كذا لأبي ذر ولغيره غسل بغير فاء وقوله شناقها بكسر المعجمة وتخفيف النون ثم قاف هو رباط القزي يشد عنقها فشبه بما يشنق به وقيل هو ما تعلق به ورجح أبو عبيد الأول قوله وضوءا بين وضوءين قد فسره بقوله لم يكثر وقد ابلغ وهو يحتمل ان يكون قلل من الماء مع التثليث أو اقتصر على دون الثلاث ووقع في رواية شعبة عن سلمة عند مسلم وضوءا حسنا ووقع عند الطبراني من طريق منصور بن معتمر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في هذه القصة والى جانبه مخضب من برام مطبق عليه سواك فاستن به ثم توضأ قوله اتقيه بمثناه ثقيلة وقاف مكسورة كذا للنسفي وطائفة قال الخطابي أي ارتقبه وفي رواية بتخفيف النون وتشديد القاف ثم موحدة من التنقيب وهو التفتيش وفي رواية القابسي ابغيه بسكون الموحدة بعدها معجمة مكسروة ثم تحتانية أي اطلبه وللاكثر ارقبه وهي أوجه قوله فتتامت بمثناتين أي تكاملت وهي رواية شعبة عن سلمة عند مسلم وله فنام حتى نفخ وكان إذا قام نفخ في رواية مسلم ثم نام حتى نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه قوله وكان يقول في دعائه فيه إشارة الى ان دعاءه حينئذ كان كثيرا وكان هذا من جملته وقد ذكر في ثاني حديثي الباب قوله اللهم أنت نور السماوات والأرض الخ ووقع في رواية شعبة عن سلمة فكان يقول في صلاته وسجوده وسأذكر ان في رواية الترمذي زيادة في هذا الدعاء طويلة ووقع عند مسلم أيضا في رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه انه قال الذكر الاتي في الحديث الثاني أول ما قام قبل ان يدخل في الصلاة وقال هذا الدعاء المذكور في الحديث الأول وهو ذاهب الى صلاة الصبح فأفاد ان الحديثين في قصة واحدة وأن تفريقهما صنيع الرواة وفي رواية الترمذي التي سيأتي التنبيه عليها انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك حين فرغ من صلاته ووقع عند البخاري في الأدب المفرد من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي فقضى صلاته يثنى على الله بما هو أهله ثم يكون اخر كلامه اللهم اجعل في قلبي نورا الحديث ويجمع بأنه كان يقول ذلك عند القرب من فراغه قوله اللهم اجعل في قلبي نور الخ قال الكرماني التنوين فيها للتعظيم أي نورا عظيما كذا قال وقد اقتصر في هذه الرواية على ذكر القلب والسمع والبصر والجهات الست وقال في آخره واجعل لي نورا ولمسلم عن عبد الله بن هاشم عن عبد الرحمن بن مهدي بسند حديث الباب وعظم لي نورا بتشديد الظاء المعجمة ولأبي يعلى عن أبي خيثمة عن عبد الرحمن واعظم لي نورا أخرجه الإسماعيلي وأخرجه أيضا من رواية بندار عن عبد الرحمن وكذا لأبي عوانة من رواية أبي حذيفة عن سفيان ولمسلم في رواية شعبة عن سلمة اجعل لي نورا أو قال واجعلني نورا هذه رواية غندر عن شعبة وفي رواية النضر عن شعبة واجعلني ولم يشك وللطبراني في الدعاء من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في اخره واجعل لي يوم القيامة نورا قوله قال كريب وسبع في التابوت قلت حاصل ما في هذه الرواية عشرة وقد أخرجه مسلم من طريق عقيل عن سلمة بن كهيل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع عشرة كلمة حدثنيها كريب فحفظت منها ثنتي عشرة ونسيت ما بقي فذكر ما في رواية الثوري هذه وزاد وفي لساني نورا بعد قوله في قلبي وقال في اخره واجعل لي في نفسي نورا واعظم لي نورا وهاتان ثنتان من السبع التي ذكر كريب انها في التابوت مما حدثه بعض ولد العباس وقد اختلف في مراده بقوله التابوت فجزم الدمياطي في حاشيته بأن المراد به الصدر الذي هو وعاء القلب وسبق بن بطال والداودي الى ان المراد بالتابوت الصدر وزاد بن بطال كما يقال لمن يحفظ العلم علمه في التابوت مستودع وقال النووي تبعا لغيره المراد بالتابوت الإضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها قال وقيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة وقال بن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق أي سبع مكتوبة في صندوق عنده لم يحفظها في ذلك الوقت قلت ويؤيده ما وقع عند أبي عوانة من طريق أبي حذيفة عن الثوري بسند حديث الباب قال كريب وستة عندي مكتوبات في التابوت وجزم القرطبي في المفهم وغير واحد بان المراد بالتابوت الجسد أي ان السبع المذكورة تتعلق بجسد الإنسان بخلاف أكثر ما تقدم فإنه يتعلق بالمعاني كالجهات الست وان كان السمع والبصر من الجسد وحكى بن التين عن الداودي ان معنى قوله في التابوت أي في صحيفة في تابوت عند بعض ولد العباس قال والخصلتان العظم والمخ وقال الكرماني لعلهما الشحم والعظم كذا قالا وفيه نظر سأوضحه قوله فلقيت رجلا من ولد العباس قال بن بطال ليس كريب هو القائل فلقيت رجلا من ولد العباس وانما قاله سلمة بن كهيل الراوي عن كريب قلت هو محتمل وظاهر رواية أبي حذيفة ان القائل هو كريب قال بن بطال وقد وجدت الحديث من رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال فذكر الحديث مطولا وظهرت منه معرفة الخصلتين اللتين نسيهما فان فيه اللهم اجعل في عظامي نورا وفي قبري نورا قلت بل الأظهر ان المراد بهما اللسان والنفس وهما اللذان زادهما عقيل في روايته عند مسلم وهما من جملة الجسد وينطبق عليه التأويل الأخير للتابوت وبذلك جزم القرطبي في المفهم ولا ينافيه ما عداه والحديث الذي أشار اليه أخرجه الترمذي من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلة حين فرغ من صلاته يقول اللهم اني أسألك رحمة من عندك فساق الدعاء بطوله وفيه اللهم اجعل لي نورا في قبري ثم ذكر القلب ثم الجهات الست والسمع والبصر ثم الشعر والبشر ثم اللحم والدم والعظام ثم قال في اخره اللهم عظم لي نورا واعطني نورا واجعلني نورا قال الترمذي غريب وقد روى شعبة وسفيان عن سلمة عن كريب بعض هذا الحديث ولم يذكروه بطوله انتهى واخرج الطبري من وجه اخر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في اخره وزدني نورا قالها ثلاثا وعند بن أبي عاصم في كتاب الدعاء من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن عن كريب في اخر الحديث وهب لي نورا على نور ويجتمع من اختلاف الروايات كما قال بن العربي خمس وعشرون خصلة قوله فذكر عصبي بفتح المهملتين وبعدهما موحدة قال بن التين هي اطناب المفاصل وقوله وبشرى بفتح الموحدة والمعجمة ظاهر الجسد قوله وذكر خصلتين أي تكملة السبعة قال القرطبي هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى ان يجعل له في كل عضو من اعضائه نورا يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم قال والأولى ان يقال هي مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى فهو على نور من ربه وقوله تعالى وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ثم قال والتحقيق في معناه ان النور مظهر ما نسب اليه وهو يختلف بحسبه فنور السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال الطيبي معنى طلب النور للاعضاء عضوا عضوا ان يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عداهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات قال وكل هذه الأمور راجعه الى الهداية والبيان وضياء الحق والى ذلك يرشد قوله تعالى الله نور السماوات والأرض الى قوله تعالى نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء انتهى ملخصا وكان في بعض ألفاظه مالا يليق بالمقام فحذفته وقال الطيبي أيضا خص السمع والبصر والقلب بلفظ لي لان القلب مقر الفكرة في آلاء الله والسمع والبصر مسارح آيات الله المصونة قال وخص اليمين والشمال بعن ايذانا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره الى من عن يمينه وشماله من اتباعه وعبر عن بقية الجهات بمن ليشمل استنارته وانارته من الله والخلق وقوله في اخره واجعل لي نورا هي فذلك لذلك وتأكيد له

[ 5958 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله كان إذا قام من الليل يتهجد تقدم شرحه مستوفى في أوائل التهجد وقوله في اخره لا اله الا أنت أو لا اله غيرك شك من الراوي ووقع في رواية للطبراني في اخره ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

قوله باب التكبير والتسبيح عند المنام أي والتحميد

[ 5959 ] قوله عن الحكم هو بن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر فقيه الكوفة وقوله عن بن أبي ليلى هو عبد الرحمن وقوله عن علي قد وقع في النفقات عن بدل بن المحبر عن شعبة أخبرني الحكم سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أنبأنا علي قوله ان فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى زاد بدل في روايته مما تطحن وفي رواية القاسم مولى معاوية عن علي عند الطبراني وأرته اثرا في يدها من الرحى وفي زوائد عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وصححه بن حبان من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي اشتكت فاطمة مجمل يدها وهو بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام معناه التقطيع وقال الطبري المراد به غلظ اليد وكل من عمل عملا بكفه فغلظ جلدها قيل مجلت كفه وعند أحمد من رواية هبيرة بن يريم عن علي قلت لفاطمة لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألتيه خادما فقد اجهدك الطحن والعمل وعنده وعند بن سعد من رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة فذكر الحديث وفيه فقال علي لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري فقالت وانا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي وقوله سنوت بفتح المهملة والنون أي استقيت من البئر فكنت مكان الساقية وهي الناقة وعند أبي داود من طريق أبي الورد بن ثمامة عن علي بن اعبد عن علي قال كانت عندي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فجرت بالرحى حتى اثرت بيدها واستقت بالقربة حتى اثرت في عنقها وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها وفي رواية له وخبزت حتى تغير وجهها قوله فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما أي جارية تخدمها ويطلق أيضا على الذكر وفي رواية السائب وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي اليه فاستخدميه أي اسأليه خادما وزاد في رواية يحيى القطان عن شعبة كما تقدم في النفقات وبلغها انه جاءه رقيق وفي رواية بدل وبلغها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بسبي قوله فلم تجده في رواية القطان فلم تصادفه وفي رواية بدل فلم توافقه وهي بمعنى تصادفه وفي رواية أبي الورد فأتته فوجدت عنده حداثا بضم المهملة وتشديد الدال وبعد الالف مثلثة أي جماعة يتحدثون فاستحيت فرجعت فيحمل على ان المراد انها لم تجده في المنزل بل في مكان آخر كالمسجد وعنده من يتحدث معه قوله فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته في رواية القطان أخبرته عائشة زاد غندر عن شعبة في المناقب بمجيء فاطمة وفي رواية بدل فذكرت ذلك عائشة له وفي رواية محاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر الفريابي في الذكر والدارقطني في العلل وأصله في مسلم حتى أتت منزل النبي صلى الله عليه وسلم فلم توافقه فذكرت ذلك له أم سلمة بعد ان رجعت فاطمة ويجمع بان فاطمة التمسته في بيتي أمي المؤمنين وقد وردت القصة من حديث أم سلمة نفسها أخرجها الطبري في تهذيبه من طريق شهر بن حوشب عنها قالت جاءت فاطمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو اليه الخدمة فذكرت الحديث مختصرا وفي رواية السائب فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما جاء بك يا بنية قلت جئت لأسلم عليك واستحيت ان تسأله ورجعت فقلت ما فعلت قالت استحييت قالت وهذا مخالف لما في الصحيح ويمكن الجمع بأن تكون لم تذكر حاجتها اولا على ما في هذه الراوية ثم ذكرتها ثانيا لعائشة لما لم تجده ثم جاءت هي وعلي على ما في رواية السائب فذكر بعض الرواة ما لم يذكر بعض وقد اختصره بعضهم ففي رواية مجاهد الماضية في النفقات ان فاطمة اتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال الا أخبرك ما هو خير لك منه وفي رواية هببيرة فقالت انطلق معي فانطلقت معها فسألناه فقال الا ادلكما الحديث ووقع عند مسلم من حديث أبي هريرة ان فاطمة اتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وشكت العمل فقال ما الفيته عندنا وهو بالفاء أي ما وجدته ويحمل على ان المراد ما وجدته عندنا فاضلا عن حاجتنا اليه لما ذكر من انفاق اثمان السبي على أهل الصفة قوله فجاءنا وقد اخذنا مضاجعا زاد في رواية السائب فأتيناه جميعا فقلت بأبي يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا فقال والله لا اعطيكما وادع أهل الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما انفق عليهم ولكني ابيعهم وأنفق عليهم اثمانهم وقد أشار المصنف الى هذه الزيادة في فرض الخمس وتكلمت على شرحها هناك ووقع في رواية عبيدة بن عمرو عن علي عند بن حبان من الزيادة فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جنوبنا وإذا لبسناها عرضا خرجت منها رؤوسنا وأقدامنا وفي رواية السائب فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفة لهما إذا غطيا رؤوسهما تكشفت اقدامهما وإذا غطيا اقدامهما تكشفت رؤوسهما قوله فذهب اقوم وافقه غندر وفي رواية القطان فذهبنا نقوم وفي رواية يدل لنقوم وفي رواية السائب فقاما قوله فقال مكانك وفي رواية غندر مكانكما وهو بالنصب أي الزما مكانكما وفي رواية القطان وبدل فقال على مكانكما أي استمرا على ما أنتما عليه قوله فجلس بيننا في رواية غندر فقعد بدل جلس وفي رواية القطان فقعد بيني وبينها وفي رواية عمرو بن مرة عن بن أبي ليلى عند النسائي اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضع قدمه بيني وبين فاطمة قوله حتى وجدت برد قدميه هكذا هنا بالتثنية وكذا في رواية غندر وعند مسلم أيضا وفي رواية القطان بالافراد وفي رواية بدل كذلك بالافراد للكشميهني وفي رواية للطبري فسخنتهما وفي رواية عطاء عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند جعفر في الذكر وأصله في مسلم من الزيادة فخرج حتى اتى منزل فاطمة وقد دخلت هي وعلي في اللحاف فلما استأذن هما ان يلبسا فقال كما أنتما اني أخبرت انك جئت تطلبين فما حاجتك قالت بلغني انه قدم عليك خدم فأحببت ان تعطيني خادما يكفيني الخبز والعجن فإنه قد شق علي قال فما جئت تطلبين احب إليك أو ما هو خير منه قال علي فغمزتها فقلت قولي ما هو خير منه احب الي قال فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما عليه فذكر التسبيح وفي رواية علي بن اعبد فجلس عند رأسها فأدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها ويحمل على انه فعل ذلك اولا فلما تآنست به دخل معهما في الفراش مبالغة منه في التأنيس وزاد في رواية علي بن اعبد فقال ما كان حاجتك امس فسكنت مرتين فقلت انا والله أحدثك يا رسول الله فذكرته له ويجمع بين الروايتين بأنها اولا استحيت فتكلم على عنها فأنشطت للكلام فأكملت القصة واتفق غالب الرواة على انه صلى الله عليه وسلم جاء إليهما ووقع في رواية شبث وهو بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة بن ربعي عن علي عند أبي داود وجعفر في الذكر والسياق له قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلق علي وفاطمة حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما اتى بكما قال علي شق علينا العمل فقال الا ادلكما وفي لفظ جعفر فقال علي لفاطمة ائت أباك فاسأليه ان يخدمك فأتت اباها حين امست فقال ما جاء بك يا بنية قالت جئت اسلم عليك واستحيت حتى إذا كانت القابلة قال ائت أباك فذكر مثله حتى إذا كانت الليلة الثالثة قال لها علي امشي فخرجا معا الحديث وفيه الا ادلكما على خير لكما من حمر النعم وفي مرسل علي بن الحسين عند جعفر أيضا ان فاطمة أنت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وبيدها اثر الطحن من قطب الرحى فقال إذا ويت الى فراشك الحديث فيحتمل ان تكون قصة أخرى فقد اخرج أبو داود من طريق أم الحكم أو ضباعة بنت الزبير أي بن عبد المطلب قالت أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت انا واختي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نشكو اليه ما نحن فيه وسألناه ان يأمر لنا بشيء من السبي فقال سبقكن يتامى بدر فذكر قصة التسبيح اثر كل صلاة ولم يذكر قصة التسبيح عند النوم فلعله علم فاطمة في كل مرة أحد الذكرين وقد وقع في تهذيب الطبري من طريق أبي امامة عن علي في قصة فاطمة من الزيادة فقال اصبري يا فاطمة ان خير النساء التي نفعت أهلها قوله فقال الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم في رواية بدل خير ما سألتماه وفي رواية غندر مما سألتماني وللقطان نحوه وفي رواية السائب الا اخبركما بخير مما سألتماني فقالا بلى فقال كلمات علمنيهن جبريل قوله إذا اويتما الى فراشكما أو اخذتما مضاجعكما هذا شك من سليمان بن حرب وكذا في رواية القطان وجزم بدل وغندر بقوله إذا اخذتما مضاجعكما ولمسلم من رواية معاذ عن شعبة إذا اخذتما مضاجعكما من الليل وجزم في رواية السائب بقوله إذا اويتما الى فراشكما وزاد في رواية تسبحان دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وهذه الزيادة ثابتة في رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أصحاب السنن الأربعة في حديث أوله خصلتنان لا يحصيهما عبد الا دخل الجنة وصححه الترمذي وابن حبان وفيه ذكر ما يقال عند النوم أيضا ويحتمل ان كان حديث السائب عن علي محفوظا ان يكون على ذكر القصتين اللتين أشرت إليهما قريبا معا ثم وجدت الحديث في تهذيب الآثار للطبري فساقه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء كما ذكرت ثم ساقه من طريق شعبة عن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا وفاطمة إذا اخذا مضاجعهما بالتسبيح والتحميد والتكبير فساق الحديث فظهر ان الحديث في قصة علي وفاطمة وان من لم يذكرهما من الرواة اختصر الحديث وان رواية السائب انما هي عن عبد الله بن عمرو وان قول من قال فيه عن علي لم يرد الوراية عن علي وانما معناه عن قصة علي وفاطمة كما في نظائره قوله فكبرا أربعا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين كذا هنا بصيغة الأمر والجزم بأربع في التكبير وفي رواية بدل مثله ولفطه فكبرا الله ومثله للقطان لكن قدم التسبيح واخر التكبير ولم يذكر الجلالة وفي رواية عمرو بن مرة عن بن أبي ليلى وفي رواية السائب كلاهما مثله وكذا في رواية هبيرة عن علي وزاد في آخره فتلك مائة باللسان وألف في الميزان وهذه الزيادة ثبتت أيضا في رواية هبيرة وعمارة بن عبد معا عن علي عند الطبراني وفي رواية السائب كما مضى وفي حديث أبي هريرة عند مسلم كالأول لكن قال تسبحين بصيغة المضارع وفي رواية عبيدة بن عمرو فأمرنا عند منامنا بثلاث وثلاثين وثلاث وثلاثين وأربع وثلاثين من تسبيح وتحميد وتكبير وفي رواية غندر للكشميهني مثل الأول وعن غير الكشميهني تكبران بصيغة المضارع وثبوت النون وحذفت في نسخة وهي اما على ان إذا تعمل عمل الشرط واما حذفت تخفيفا وفي رواياة مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في النفقات بلفظ تسبحين الله عند منامك وقال في الجميع ثلاثا وثلاثين ثم قال في اخره قال سفيان رواية إحداهن أربع وفي رواية النسائي عن قتيبة عن سفيان لا أدري أيها أربع وثلاثون وفي رواية الطبري من طريق أبي امامة الباهلي عن علي في الجميع ثلاثا وثلاثين واختماها بلا اله الا الله وله من طريق محمد بن الحنفية عن علي وكبراه وهلللاه أربعا وثلاثين وله من طريق أبي مريم عن علي احمدا أربعا وثلاثين وكذا له في حديث أم سلمة وله من طريق هبيرة ان التهليل أربع وثلاثون ولم يذكر التحميد وقد أخرجه أحمد من طريق هبيرة كالجماعة وما عدا ذلك شاذ وفي رواية عطاء عن مجاهد عند جعفر وأصله عند مسلم اشك أيها أربع وثلاثون غير اني أظنه التكبير وزاد في اخره قال علي فما تركتها بعد فقالوا له ولا ليلة صفين فقال ولا ليلة صفين وفي رواية القاسم مولى معاوية عن علي فقيل لي وفي رواية عمرو بن مرة فقال له رجل وكذا في رواية هبيرة ولمسلم في رواية من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قلت ولا ليلة صفين وفي رواية جعفر الفريابي في الذكر من هذا الوجه قال عبد الرحمن قلت ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وكذا أخرجه مطين في مسند على من هذا الوجه وأخرجه أيضا من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق حدثني هبيرة وهانيء بن هانيء وعمارة بن عبد انهم سمعوا عليا يقول فذكر الحديث وفي اخره فقال له رجل قال زهير أراه الأشعث بن قيس ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وفي رواية السائب فقال له بن الكواء ولا ليلة صفين فقال قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين وللبزار من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب فقال له عبد الله بن الكواء والكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد وكان من أصحاب علي لكنه كان كثير التعنت في السؤال وقد وقع في رواية زيد بن أبي انيسة عن الحكم بسند حديث الباب فقال بن الكواء ولا ليلة صفين فقال ويحك ما أكثر ما تعنتني لقد ادركتها من السحر وفي رواية علي بن اعبد ما تركتهن منذ سمعتهن الا ليله صفين فإني ذكرتها من اخر الليل فقلتها وفي رواية له وهي عند جعفر أيضا في الذكر الا ليلة صفين فاني انسيتها حتى ذكرتها من اخر الليل وفي رواية شبث بن ربعي مثله وزاد فقلتها والاختلاف فإنه نفى ان يكون قالها أول الليل واثبت انه قالها في اخره واما الاختلاف في تسمية السائل فلا يؤثر لأنه محمول على التعدد بدليل قوله في الرواية الأخرى فقالوا وفي هذا تعقب علي الكرماني حيث فهم من قول علي ولا ليلة صفين انه قالها من الليل فقال مراده انه لم يشتغل مع ما كان فيه من الشغل بالحرب عن قول الذكر المشار اليه فان في قول علي فأنسيتها التصريح بأنه نسيها أول الليل وقالها في اخره والمراد بليلة صفين الحرب التي كانت بين علي ومعاوية بصفين وهي بلد معروف بين العراق والشام واقام الفريقان بها عدة اشهر وكانت بينهم وقعات كثيرة لكن لم يقاتلوا في الليل إلا مرة واحدة وهي ليلة الهرير بوزن عظيم سميت بذلك لكثرة ما كان الفرسان يهرون فيها وقتل بين الفريقين تلك الليلة عدة آلاف وأصبحوا وقد اشرف علي وأصحابه على النصر فرفع معاوية وأصحابه المصاحف فكان ما كان من الاتفاق على التحكيم وانصراف كل منهم الى بلاده واستفدنا من هذه الزيادة ان تحديث علي بذلك كان بعد وقعة صفين بمدة وكانت صفين سنة سبع وثلاثين وخرج الخوارج على علي عقب التحكيم في أول سنة ثمان وثلاثين وقتلهم بالنهروان وكل ذلك مشهور مبسوط في تاريخ الطبري وغيره فائدة زاد أبو هريرة في هذه القصة مع الذكر المأثور دعاء اخر ولفظه عند الطبري في تهذيبه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه جاءت فاطمة الى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال الا أدلك على ما هو خير من خادم تسبحين فذكره وزاد وتقولين اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر كل دابة أنت اخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الاخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين واغنني من الفقر وقد أخرجه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكن فرقه حديثين وأخرجه الترمذي من طريق الأعمش لكن اقتصر على الذكر الثاني ولم يذكر التسبيح وما معه قوله وعن شعبة عن خالد هو الحذاء عن بن سيرين هو محمد قال التسبيح أربع وثلاثون هذا موقوف على بن سيرين وهو موصول بسند حديث الباب وظن بعضهم انه من رواية بن سيرين بسنده الى علي وانه ليس من كلامه وذلك ان الترمذي والنسائي وابن حبان اخرجوا الحديث المذكور من طريق بن عون عن بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عن علي لكن الذي ظهر لي انه من قول بن سيرين موقوف عليه إذ لم يتعرض المصنف لطريق بن سيرين عن عبيدة وأيضا فإنه ليس في روايته عن عبيدة تعيين عدد التسبيح وقد أخرجه القاضي يوسف في كتاب الذكر عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه بسنده هذا الى بن سيرين من قوله فثبت ما قلته ولله الحمد ووقع في مرسل عروة عند جعفر ان التحميد اربع واتفاق الرواة على ان الأربع للتكبير أرجح قال بن بطال هذا نوع من الذكر عند النوم ويمكن ان يكون صلى الله عليه وسلم كان يقول جميع ذلك عند النوم وأشار لأمته بالاكتفاء ببعضها اعلاما منه ان معناه الحض والندب لا الوجوب وقال عياض جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم اذكار عند النوم مختلفة بحسب الأحوال والاشخاص والاوقات وفي كل فضل قال بن بطال وفي هذا الحديث حجة لمن فضل الفقر على الغنى لقوله الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم فعلمهما الذكر فلو كان الغنى أفضل من الفقر لاعطاهما الخادم وعلمهما الذكر فلما منعهما الخادم وقصرهما على الذكر علم انه انما اختار لهما الأفضل عند الله قلت وهذا انما يتم ان لو كان عنده صلى الله عليه وسلم من الخدام فضلة وقد صرح في الخبر انه كان محتاجا الى بيع ذلك الرقيق لنفقته على أهل الصفة ومن ثم قال عياض لا وجه لمن استدل به على ان الفقير أفضل من الغني وقد اختلف في معنى الخيرية في الخبر فقال عياض ظاهره انه أراد ان يعلمهما ان عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا على كل حال وانما اقتصر على ذلك لما لم يمكنه إعطاء الخادم ثم علمهما إذ فإنهما ما طلباه ذكرا يحصل لهما اجرا أفضل مما سألاه وقال القرطبي انما احالهما على الذكر ليكون عوضا عن الدعاء عند الحاجة أو لكونه احب لابنته ما احب لنفسه من إيثار الفقر وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيما لاجرها وقال المهلب علم صلى الله عليه وسلم ابنته من الذكر ما هو أكثر نفعا لها في الآخرة وآثر أهل الصفة لأنهم كانوا وقفوا أنفسهم لسماع العلم وضبط السنة على شبع بطونهم لا يرغبون في كسب مال ولا في عيال ولكنهم اشتروا أنفسهم من الله بالقوت ويؤخذ منه تقديم طلبه العلم على غيرهم في الخمس وفيه ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش وقلة الشيء وشدة الحال وان الله حماهم الدنيا مع إمكان ذلك صيانة لهم من تبعاتها وتلك سنة أكثر الأنبياء والأولياء وقال إسماعيل القاضي في هذا الحديث ان للامام ان يقسم الخمس حيث رأى لان السبي لا يكون الا من الخمس واما الأربعة اخماس فهو حق الغانمين انتهى وهو قول مالك وجماعة وذهب الشافعي وجماعة الى ان لآل البيت سهما من الخمس وقد تقدم بسط ذلك في فرض الخمس في اواخر الجهاد ثم وجدت في تهذيب الطبري من وجه اخر ما لعله يعكر على ذلك فساق من طريق أبي امامه الباهلي عن علي قال أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق اهداهم له بعض ملوك الأعاجم فقلت لفاطمة ائت أباك فاستخدميه فلو صح هذا لازال الاشكال من أصله لأنه حينئذ لا يكون للغانمين فيه شيء وانما هو من مال المصالح يصرفه الامام حيث يراه وقال المهلب فيه حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا إذا كانت لهم قدرة على ذلك قال وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وزوجها بغير استئذان وجلوسه بينهما في فراشهما ومباشرة قدميه بعض جسدهما قلت وفي قوله بغير استئذان نظر لأنه ثبت في بعض طرقه انه استأذن كما قدمته من رواية عطاء عن مجاهد في الذكر لجعفر وأصله عند مسلم وهو في العلل للدارقطني أيضا بطوله واخرج الطبري في تهذيبه من طريق أبي مريم سمعت عليا يقول ان فاطمة كانت تدق الدرمك بين حجرين حتى مجلت يداها فذكر الحديث وفيه فأتانا وقد دخلنا فراشنا فلما استأذن علينا تخششنا لنلبس علينا ثيابنا فلما سمع ذلك قال كما أنتما في لحافكما ودفع بعضهم الاستدلال المذكور لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يلحق به غيره ممن ليس بمعصوم وفي الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة عليهما السلام وفيه بيان إظهار غاية التعطف والشفقة على البنت والصهر ونهاية الاتحاد برفع الحشمة والحجاب حيث لم يزعجهما عن مكانهما فتركهما على حالة اضطجاعهما وبالغ حتى ادخل رجله بينهما ومكث بينهما حتى علمها ما هو الأولى بحالها من الذكر عوضا عما طلباه من الخادم فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما يطلب ايذانا بأن الاهم من المطلوب هو التزود للمعاد والصبر على مشاق الدنيا والتجافي عن دار الغرور وقال الطيبي فيه دلالة على مكانة أم المؤمنين من النبي صلى الله عليه وسلم حيث خصتها فاطمة بالسفارة بينها وبين أبيها دون سائر الأزواج قلت ويحتمل انها لم ترد التخصيص بل الظاهر انها قصدت اباها في يوم عائشة في بيتها فلما لم تجده ذكرت حاجتها لعائشة ولو اتفق انه كان يوم غيرها من الأزواج لذكرت لها ذلك وقد تقدم ان في بعض طرقه ان أم سلمة ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضا فيحتمل ان فاطمة لما لم تجده في بيت عائشة مرت على بيت أم سلمة فذكرت لها ذلك ويحتمل ان يكون تخصيص هاتين من الأزواج لكون باقيهن كن حزبين كل حزب يتبع واحدة من هاتين كما تقدم صريحا في كتاب الهبة وفيه ان من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه اعياء لان فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها صلى الله عليه وسلم على ذلك كذا افاده بن تيمية وفيه نظر ولا يتعين رفع التعب بل يحتمل ان يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل ولا يشق عليه ولو حصل له التعب والله اعلم

قوله باب التعوذ والقراءة عند النوم ذكر فيه حديث عائشة في قراءة المعوذات وقد تقدم شرحه في كتاب الطب وبينت اختلاف الرواة في انه كان يقول ذلك دائما أو بقيد الشكوى وانه ثبت عن عائشة انه يفيد الامران معا لما في رواية عقيل عن الزهري بلفظ كان إذا اوى الى فراشه كل ليلة وبينت فيه ان المراد بالمعوذات الإخلاص والفلق والناس وان ذلك وقع صريحا في رواية عقيل المذكورة وانها تعين أحد الاحتمالات الماضي ذكرها ثمة وفيها كيفية مسح جسده بيديه وقد ورد في القراءة عند النوم عدة أحاديث صحيحه منها حديث أبي هريرة في قراءة اية الكرسي وقد تقدم في الوكالة وغيرها وحديث بن مسعود الايتان من اخر سورة البقرة وقد تقدم في فضائل القرآن وحديث فروة بن نوفل عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل اقرأ قل يا أيها الكافرون في كل ليلة ونم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وابن حبان والحاكم وحديث العرباض بن سارية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المسبحات قبل ان يرقد ويقول فيهن آية خير من الف آية أخرجه الثلاثة وحديث جابر رفعه كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك أخرجه البخاري في الأدب المفرد وحديث شداد بن أوس رفعه ما من امرئ مسلم يأخذ مضجعه فيقرأ سورة من كتاب الله الا بعث الله ملكا يحفظه من كل شيء يؤذيه حتى يهب أخرجه أحمد والترمذي وورد في التعوذ أيضا عدة أحاديث منها حديث أبي صالح عن رجل من اسلم رفعه لو قلت حين امسيت أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضرك شيء وفيه قصة ومنهم من قال عن أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وحديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا اخذ أحدنا مضجعه ان يقول اللهم رب السماوات ورب الأرض الحديث وفي لفظ اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه اشهد ان لا اله الا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان الرجيم وشركه أخرجه أبو داود والترمذي وحديث علي رفعه كان يقول عند مضجعه اللهم اني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر كل شيء أنت اخذ بناصيته أخرجه أبو داود والنسائي قال بن بطال في حديث عائشة رد على من منع استعمال العوذ والرقي الا بعد وقوع المرض انتهى وقد تقدم تقرير ذلك والبحث فيه في كتاب الطب

قوله باب كذا للأكثر بغير ترجمة وسقط لبعضهم وعليه شرح بن بطال ومن تبعه والراجح إثباته ومناسبته لما قبله عموم الذكر عند النوم وعلى اسقاطه فهو كالفصل من الباب الذي قبله لأن في الحديث معنى التعويذ وان لم يكن بلفظه

[ 5961 ] قوله زهير هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي وعبيد الله بن عمر هو العمري وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وأبوه تابعي كبير ففيه ثلاثة من التابعين في نسق مدنيون قوله إذا اوى بالقصر وقد تقدم بيانه قريبا قوله فلينفض فراشه بداخلة إزاره كذا للأكثر وفي رواية أبي زيد المروزي بداخل بلا هاء ووقع في رواية مالك الآتية في التوحيد بصنفه ثوبه وكذا للطبراني من وجه اخر وهي بفتح الصاد المهملة وكسر النون بعدها فاء هي الحاشية التي تلي الجلد والمراد بالداخلة طرف الإزار الذي يلي الجسد قال مالك داخلة الإزار ما يلي داخل الجسد منه ووقع في رواية عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عند مسلم فليحل داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وفي رواية يحيى القطان كما سيأتي فلينزع وقال عياض داخلة الإزار في هذا الحديث طرفه وداخلة الإزار في حديث الذي اصيب بالعين ما يليها من الجسد وقيل كنى بها عن الذكر وقيل عن الورك وحكى بعضهم انه على ظاهره وانه أمر بغسل طرف ثوبه والأول هو الصواب وقال القرطبي في المفهم حكمة هذا النفض قد ذكرت في الحديث وأما اختصاص النفض بداخلة الإزار فلم يظهر لنا ويقع لي ان في ذلك خاصية طبية تمنع من قرب بعض الحيوانات كما أمر بذلك العائن ويؤيده ما وقع في بعض طرقه فلينفض بها ثلاثا فحذا بها حذو الرقى في التكرير انتهى وقد ابدى غيره حكمة ذلك وأشار الداودي فيما نقله بن التين الى ان الحكمة في ذلك ان الإزار يستر بالثياب فيتوارى بما يناله من الوسخ فلو نال ذلك بكمه صار غير لدن الثوب والله يحب اذا عمل العبد عملا ان يحسنه وقال صاحب النهاية انما أمر بداخلته دون خارجته لان المؤتزر يأخذ طرفي إزاره بيمينه وشماله ويلصق ما بشماله وهو الطرف الداخلي على جسده ويضع ما بيمينه فوق الأخرى فمتى عاجله أمر أو خشي سقوط إزاره امسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه فإذا صار الى فراشه فحل إزاره فإنه يحل بيمينه خارج الإزار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض وقال البيضاوي انما أمر بالنفض بها لأن الذي يريد النوم يحل بيمينه خارج الإزار وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها وأشار الكرماني الى ان الحكمة فيه ان تكون يده حين النفض مستورة لئلا يكون هناك شيء فيحصل في يده ما يكره انتهى وهي حكمة النفض بطرف الثوب دون اليد لا خصوص الداخلة وقوله فإنه لا يدري ما خلفه عليه بتخفيف اللام أي حدث بعده فيه وهي رواية بن عجلان عند الترمذي وفي رواية عبده فإنه لا يدري من خلفه في فراشه وزاد في روايته ثم ليضطجع على شقه الأيمن وفي رواية يحيى القطان ثم ليتوسد بيمينه ووقع في رواية أبي ضمرة في الأدب المفرد وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه أي ما صار بعده خلفا وبدلا عنه إذا غاب قال الطيبي معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام قوله ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك ارفعه في رواية عبدة ثم ليقل بصيغة الأمر وفي رواية يحيى القطان اللهم باسمك وفي رواية أبي ضمرة ثم يقول سبحانك ربي وضعت جنبي قوله ان امسكت في رواية يحيى القطان اللهم ان امسكت وفي رواية بن عجلان اللهم فان امسكت وفي رواية عبده فان احتبست قوله فارحمها في رواية مالك فاغفر لها وكذا في رواية بن عجلان عند الترمذي قال الكرماني الإمساك كناية عن الموت فالرحمة أو المغفرة تناسبه والارسال كناية عن استمرار البقاء والحفظ يناسبه قال الطيبي هذا الحديث موافق لقوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية قلت ووقع التصريح بالموت والحياة في رواية عبد الله بن الحارث عن بن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا اخذ مضجعه ان يقول اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها ان احييتها فاحفظها وان امتها فاغفر لها أخرجه النسائي وصححه بن حبان قوله بما تحفظ به عبادك الصالحين قال الطيبي هذه الباء هي مثل الباء في قولك كتبت بالقلم وما مبهمة وبيانها ما دلت عليه صلتها وزاد بن عجلان عند الترمذي في اخره شيئا لم أره عند غيره وهو قوله وإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد الي روحي وهو يشير الى ما ذكره الكرماني وقد نقلت قول الزجاج في ذلك في اواخر الكلام على حديث البراء فيما مضى قريبا وكذلك كلام الطيبي قال بن بطال في هذا الحديث أدب عظيم وقد ذكر حكمته في الخبر وهو خشية ان يأوي الى فراشه بعض الهوام الضارة فتؤذيه وقال القرطبي يؤخذ من هذا الحديث انه ينبغي لمن أراد المنام ان يمسح فراشه لاحتمال ان يكون فيه شيء يخفى من رطوبة أو غيرها وقال بن العربي هذا من الحذر ومن النظر في أسباب دفع سوء القدر أو هو من الحديث الاخر اعقلها وتوكل قلت ومما ورد ما يقال عند النوم حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اوى الى فراشه قال الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي أخرجه مسلم والثلاثة ولأبي داود من حديث بن عمر نحوه وزاد والذي من علي فأفضل والذي أعطاني فأجزل ولأبي داود والنسائي من حديث علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه اللهم اني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك ويحمدك ولأبي داود من حديث أبي الأزهر الأنماري ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا اخذ مضجعه من الليل بسم الله وضعت جنبي اللهم اغفر لي ذنبي واخسىء شيطاني وفك رهاني واجعلني في النداء الأعلى وصححه الحاكم والترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد رفعه من قال حين يأوي الى فراشه استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب ثلاث مرات غفرت له ذنوبه وان كانت مثل زيد البحر وان كانت عدد رمل عالج وان كانت عدد أيام الدنيا ولأبي داود والنسائي من حديث حفصه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد ان يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاثا وأخرجه الترمذي من حديث البراء وحسنه ومن حديث حذيفة وصححه قوله تابعه أبو ضمرة وإسماعيل بن زكريا عن عبيد الله هو بن عمر المذكور في الإسناد وأبو ضمرة هو أنس بن عياض ومراده انهما تابعا زهير بن معاوية في إدخال الواسطة بين سعيد المقبري وأبي هريرة فأما متابعة أبي ضمرة فوصلها مسلم والبخاري في الأدب المفرد وأما متابعة إسماعيل بن زكريا فوصلها الحارث بن أبي سلمة عن يونس بن محمد عنه كذا رأيته في شرح مغلطاي وكنت وقفت عليها في الأوسط للطبراني وأوردتها منه في تعليق التعليق ثم خفي على مكانها الآن ووقع عند أبي نعيم في المستخرج هنا وعبدة وهو بن سليمان ولم ارها لغيره فان كانت ثابتة فانها عند مسلم موصولة وقد ذكر الإسماعيلي ان الأكثر لم يقولوا في السند عن أبيه وان عبد الله بن رجاء رواه عن إسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر عن سعيد عن أبيه أو عن أخيه عن أبي هريرة ثم ساقه بسنده اليه وهذا الشك لا تأثير له لاتفاق الجماعة على انه ليس لاخي سعيد فيه ذكر واسم أخي سعيد المذكور عباد وذكر الدارقطني ان أبا بدر شجاع بن الوليد والحسن بن صالح وهريم وهو بالراء المهملة مصغر بن سفيان وجعفر بن زياد وخالد بن حميد تابعوا زهير بن معاوية في قوله فيه عن أبيه قوله وقال يحيى بن سعيد هوالقطان وبشر بن المفضل عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم اما رواية يحيى القطان فوصلها النسائي واما رواية بشر بن المفضل فأخرجها مسدد في مسنده الكبير عنه وذكر الدارقطني ان هشام بن حسان ومعتمر بن سليمان وعبد الله بن كثير رووه عن عبيد الله بن عمر كذلك وكذا ذكر الإسماعيلي ان عبد الله بن نمير والطبراني ان معتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد الأموي وأبا أسامة رووه كلهم عن عبيد الله بن عمر كذلك وأشار البخاري بقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم الى ان بعضهم رواه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة موقوفا منهم هشام بن حسان والحمادان وابن المبارك وبشر بن المفضل ذكره الدارقطني قلت فلعله اختلف على بشر في وقفه ورفعه وكذا على هشام بن حسان ورواية بن المبارك وصلها النسائي موقوفة قوله ورواه مالك وابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم اما رواية مالك فوصلها المصنف في كتاب التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عنه وقصر مغلطاي فعزاها لتخريج الدارقطني في غرائب مالك مع وجودها في الصحيح الذي شرحه وتبعه شيخنا بن الملقن وقد ذكر المصنف في التوحيد أكثر هذه التعاليق المذكورة هنا أيضا عقب رواية مالك ولما ذكر الدارقطني حديث مالك المذكور قال هذا حديث غريب لا اعلم اسنده عن مالك الا الأويسي ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن سعيد مرسلا واما رواية محمد بن عجلان فوصلها أحمد عنه ووصلها أيضا الترمذي والنسائي والطبراني في الدعاء من طرق عنه وقد ذكرت الزيادة التي عند الترمذي فيه قبل تنبيه قال الكرماني عبر اولا بقوله تابعه ثم بقوله وقال لانهما للتحمل وعبر بقوله رواه لأنها تستعمل عند المذاكرة قلت وهذا ليس بمطرد لما بينت انه وصل رواية مالك في كتاب التوحيد بصيغة التحمل وهي حدثنا لا بصيغة المذاكرة كقال وروى ان سلمنا ان ذلك للمذاكرة والله اعلم

قوله باب الدعاء نصف الليل أي بيان فضل الدعاء في ذلك الوقت على غيره الى طلوع الفجر قال بن بطال هو وقت شريف خصه الله بالتنزيل فيه فيتفضل على عباده بإجابة دعائهم واعطاء سؤالهم وغفران ذنوبهم وهو وقت غفلة وخلوة واستغراق في النوم واستلذاذ له ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية وفي زمن البرد وكذا أهل التعب ولا سيما في قصر الليل فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع اليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك نبه الله عباده على الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا وعلقها ليستشعر العبد الجد والإخلاص لربه قوله يتنزل ربنا كذا للأكثر هنا بوزن يتفعل مشددا وللنسفي والكشميهني ينزل بفتح أوله وسكون ثانية وكسر الزاي قوله حين يبقى ثلث الليل قال بن بطال ترجم بنصف الليل وساق في الحديث ان التنزل يقع ثلث الليل لكن المصنف عول على ما في الآية وهي قوله تعالى قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه فأخذ الترجمة من دليل القرآن وذكر النصف فيه يدل على تأكيد المحافظة على وقت التنزل قبل دخوله ليأتي وقت الإجابة والعبد مرتقب له مستعد للقائه وقال الكرماني لفظ الخبر حين يبقى ثلث الليل وذلك يقع في النصف الثاني انتهى والذي يظهر لي ان البخاري جرى على عادته فأشار الى الرواية التي وردت بلفظ النصف فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ينزل الله الى السماء الدنيا نصف الليل الأخير أو ثلث الليل الاخر وأخرجه الدارقطني في كتاب الرؤيا من رواية عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه ومن طريق حبيب بن أبي ثابت عن الاغر عن أبي هريرة بلفظ شطر الليل من غير تردد وسأستوعب ألفاظه في التوحيد ان شاء الله تعالى وقال أيضا النزول محال على الله لان حقيقته الحركة من جهة العلو الى السفل وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه على ذلك فليتأول ذلك بأن المراد نزول ملك الرحمة ونحوه أو يفوض مع اعتقاد التنزيه وقد تقدم شرح الحديث في الصلاة في باب الدعاء في الصلاة من اخر الليل من أبواب التهجد ويأتي ما بقي منه في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى

قوله باب الدعاء عند الخلاء أي عند إرادة الدخول ذكر فيه حديث أنس وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة وفيه ذكر من رواه بلفظ إذا أراد ان يدخل

قوله باب ما يقول إذا أصبح ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث شداد بن أوس وقد تقدم شرحه قريبا في باب أفضل الاستغفار ثانيها حديث حذيفة وقد تقدم شرحه بعد ذلك في باب ما يقول إذا نام ثالثها حديث أبي ذر وهو بلفظ حذيفة سواء من مخرجه فإنه من طريق أبي حمزة وهو السكري عن منصور وهو بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن خرشة بفتح المعجمة والراء ثم شين معجمة ثم هاء تأنيث بن الحر بضم المهملة ضد العبد عن أبي ذر وحديث حذيفة هو من طريق عبد الملك بن عمير عن ربعي عنه فكأنه وضح للبخاري ان لربعي فيه طريقين وكأن مسلما اعرض عن حديث أبي ذر من اجل هذا الاختلاف وقد وافق أبا حمزة على هذا الإسناد شيبان النحوي أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين من طريقه وهذا الموضع مما كان الدارقطني ذكره في التتبع وقد ورد فيما يقال عند الصباح عدة أحاديث منها حديث أنس رفعه من قال حين يصبح اللهم اني أصبحت اشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك أنت الله لا اله الا أنت وان محمدا عبدك ورسولك اعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار الحديث رواه الثلاثة وحسنه الترمذي وحديث أبي سلام عمن خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه من قال إذا أصبح وإذا أمسى رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا الا كان حقا على الله ان يرضيه أخرجه أبو داود وسنده قوي وهو عند الترمذي بنحوه من حديث ثوبان بسند ضعيف وحديث عبد الله بن غنام البياضي رفعه من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان وحديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة ما منعك ان تسمعي ما اوصيك به ان تقولي إذا أصبحت وإذا امسيت يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين أخرجه النسائي والبزار

قوله باب الدعاء في الصلاة ذكر فيه ثلاثة أحاديث وهي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق انه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء ادعو به في صلاتي وقد تقدم الكلام عليه في باب الدعاء قبيل السلام في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة بما فيه كفاية

[ 5967 ] قوله وقال عمرو هو بن الحارث عن يزيد هو بن أبي حبيب وهو المذكور في السند الأول وأبو الخير هو مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء مهملة قوله قال أبو بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم وصله في التوحيد من رواية عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث ولفظه ان أبا بكر قال يا رسول الله وقد بينت ذلك في شرحه قال الطبري في حديث أبي بكر دلالة على رد قول من زعم انه لا يستحق اسم الإيمان الا من لا خطيئة له ولا ذنب لان الصديق من أكبر أهل الإيمان وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم يقول اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت وقال الكرماني هذا الدعاء من الجوامع لان فيه الاعتراف بغاية التقصير وطلب غاية الانعام فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات ففي الأول طلب الزحزحة عن النار وفي الثاني طلب إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم وقال بن أبي جمرة ما ملخصه في الحديث مشروعية الدعاء في الصلاة وفضل الدعاء المذكور على غيره وطلب التعليم من الأعلى وان كان الطالب يعرف ذلك النوع وخص الدعاء بالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وفيه ان المرء ينظر في عبادته الى الارفع فيتسبب في تحصيله وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر هذا الدعاء إشارة الى إيثار أمر الآخرة على أمر الدنيا ولعله فهم ذلك من حال أبي بكر وايثاره أمر الآخرة قال وفي قوله ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت أي ليس لي حيلة في دفعه فهي حالة افتقار فأشبه حال المضطر الموعود بالإجابة وفيه هضم النفس والاعتراف بالتقصير وتقدمت بقية فوائده هناك وحديث عائشة في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال أنزلت في الدعاء وقد تقدم شرحه في تفسير سبحان وعلي شيخه هو بن سلمة كما أشرت اليه في تفسير المائدة وحديث عبد الله وهو بن مسعود في التشهد وقد تقدم شرحه في اواخر صفة الصلاة وأخذ الترجمة من هذه الأحاديث الا ان الأول نص في المطلوب والثاني يستفاد منه صفة من صفات الداعي وهي عدم الجهر والخافته فيسمع نفسه ولا يسمع غيره وقيل للدعاء صلاة لأنها لا تكون الا بدعاء فهو من تسمية بعض الشيء باسم كله والثالث فيه الأمر بالدعاء في التشهد وهو من جملة الصلاة والمراد بالثناء الدعاء فقد تقدم في باب التشهد بلفظ فليتخير من الدعاء ما شاء وقد ورد الأمر بالدعاء في السجود في حديث أبي هريرة رفعه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا من الدعاء وورد الأمر أيضا بالدعاء في التشهد في حديث أبي هريرة وفي حديث فضالة بن عبيد عند أبي داود والترمذي وصححه وفيه انه أمر رجلا بعد التشهد ان يثني على الله بما هو أهله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء ومحصل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة ستة مواطن الأول عقب تكبيرة الإحرام ففيه حديث أبي هريرة في الصحيحين اللهم باعد بيني وبين خطاياي الحديث الثاني في الاعتدال ففيه حديث بن أبي أوفى عند مسلم انه كان يقول بعد قوله من شيء بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد الثالث في الركوع وفيه حديث عائشة كان يكثر ان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي أخرجاه الرابع في السجود وهو أكثر ما كان يدعو فيه وقد أمر به فيه الخامس بين السجدتين اللهم اغفر لي السادس في التشهد وسيأتي وكان أيضا يدعو في القنوت وفي حال القراءة إذا مر بآية رحمة سأل وإذا مر بآية عذاب استعاذ

قوله باب الدعاء بعد الصلاة أي المكتوبة وفي هذه الترجمة رد على من زعم ان الدعاء بعد الصلاة لا يشرع متمسكا بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يثبت الا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام والجواب ان المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالسا على هيئته قبل السلام الا بقدر ان يقول ما ذكر فقد ثبت انه كان إذا صلى اقبل على اصحابه فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على انه كان يقوله بعد ان يقبل بوجهه على اصحابه قال بن القيم في الهدي النبوي وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة سواء الامام والمنفرد والمأموم فلم يكن ذلك من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أصلا ولا روى عنه بإسناد صحيح ولا حسن وخص بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء بعد ولا ارشد اليه أمته وانما هو استحسان رآه من رآه عوضا من السنة بعدهما قال وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة انما فعلها فيها وامر بها فيها قال وهذا اللائق بحال المصلى فإنه مقبل على ربه مناجيه فإذا سلم منها انقطعت لمناجاة وانتهى موقفه وقربه فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه وهو مقبل عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه ثم قال لكن الأذكار الواردة بعد المكتوبة يستحب لمن اتى بها ان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان يفرغ منها ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية وهي الذكر لا لكونه دبر المكتوبة قلت وما ادعاه من النفي مطلقا مردود فقد ثبت عن معاذ بن جبل ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا معاذ اني والله لاحبك فلا تدع دبر كل صلاة ان تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم وحديث أبي بكرة في قول اللهم اني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهن دبر كل صلاة أخرجه أحمد والترمذي النسائي وصححه الحاكم وحديث سعد الاتي في باب التعوذ من البخل قريبا فإن في بعض طرقه المطلوب وحديث زيد بن أرقم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة اللهم ربنا ورب كل شيء الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وحديث صهيب رفعه كان يقول إذا انصرف من الصلاة اللهم اصلح لي ديني الحديث أخرجه النسائي وصححه بن حبان وغير ذلك فان قيل المراد بدبر كل صلاة قرب اخرها وهو التشهد قلنا قد ورد الأمر بالذكر دبر كل صلاة والمراد به بعد السلام إجماعا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه وقد اخرج الترمذي من حديث أبي امامة قيل يا رسول الله أي الدعاء اسمع قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات وقال حسن واخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة ان مراد بن القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقا وليس كذلك فان حاصل كلامه انه نفاه بقيد استمرار استقبال المصلي القبلة وايراده بعد السلام وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حنيئذ ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة في التسبيح بعد الصلاة وحديث المغيرة في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له وقد ترجم في أواخر الصلاة باب الذكر بعد التشهد وأود فيه هذين الحديثين وتقدم شرحهما هناك مستوفى ومناسبة هذه الترجمة لهما ان الذاكر يحصل له ما يحصل الداعي إذا شغله الذكر عن الطلب كما في حديث بن عمر رفعه يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطي السائلين أخرجه الطبراني بسند لين وحديث أبي سعيد بلفظ من شغله القرآن وذكري عن مسألتي الحديث أخرجه الترمذي وحسنه وقوله

[ 5970 ] في الحديث الأول حدثنا إسحاق هو بن راهويه أو بن منصور ويزيد هو بن هارون وورقاء هو بن عمر اليشكري وسمى هو مولى أبي صالح قوله تابعه عبيد الله بن عمر هو العمري عن سمي يعني في إسناده وفي أصل الحديث لا في العدد المذكور وقد بينت هناك عند شرحه ان ورقاء خالف غيره في قوله عشرا وان الكل قالوا ثلاثا وثلاثين وان منهم من قال المجموع هذا القدر قلت قد ورد بذكر العشر في حديث عبد الله بن عمرو وجماعة وحديث عبيد الله بن عمر تقدم موصولا هناك وأغرب الكرماني فقال لما جاء هناك بلفظ الدرجات فقيدها بالعلا وقيد أيضا زيادة في الأعمال من الصوم والحج والعمرة زاد في عدة الأذكار يعني ولما خلت هذه الرواية من ذلك نقص العدد ثم قال على ان مفهوم العدد لا اعتبار به انتهى وكلا الجوابين متعقب اما الأول فمخرج الحديثين واحد وهو من رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وانما اختلف الرواة عنه في العدد المذكور في الزيادة والنقص فان أمكن الجمع والا فيؤخذ بالراجح فان استووا فالذي حفظ الزيادة مقدم وأظن سبب الوهم انه وقع في رواية بن عجلان يسبحون يكبرون ويحمدون في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة فحمله بعضهم على ان العدد المذكور مقسوم على الأذكار الثلاثة فروى الحديث بلفظ إحدى عشرة والغى بعضهم الكسر فقال عشر والله اعلم واما الثاني فمرتب على الأول وهو لائق بما إذا اختلف مخارج الحديث اما إذا اتحد المخرج فهو من تصرف الرواة فإذا أمكن الجمع والا فالترجيح قوله ورواه بن عجلان عن سمى ورجاء بن حيوة وصله مسلم قال حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن عجلان فذكره مقرونا برواية عبيد الله بن عمر كلاهما عن سمي عن أبي صالح به وفي آخره قال بن عجلان فحدثت به رجاء بن حيوة فحدثني بمثله عن أبي صالح عن أبي هريرة ووصله الطبراني من طريق حيوة بن شريح عن محمد بن عجلان عن رجاء بن حيوة وسمي كلاهما عن أبي صالح به وفيه تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدونه ثلاثا وثلاثين وتكبرونه أربعا وثلاثين وقال في الأوسط لم يروه عن رجاء الا بن عجلان قوله ورواه جرير يعني بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء وصله أبو يعلى في مسنده والإسماعيلي عنه عن أبي خيثمة عن جرير ووصله النسائي من حديث جرير بهذا وفيه مثل ما في رواية بن عجلان من تربيع التكبير وفي سماع أبي صالح من أبي الدرداء نظر وقد بين النسائي الاختلاف فيه على عبد العزيز بن رفيع فأخرجه من رواية الثوري عنه عن أبي عمر الضبي عن أبي الدرداء وكذا رواه شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمر لكن زاد أم الدرداء بين أبي الدرداء وبين أبي عمر أخرجه النسائي أيضا ولم يوافق شريك على هذه الزيادة فقد أخرجه النسائي أيضا من رواية شعبة عن الحكم عن أبي عمر عن أبي الدرداء ومن رواية زيد بن أبي انيسة عن الحكم لكن قال عن عمر الضبي فان كان اسم أبي عمر عمر اتفقت الروايتان لكن جزم الدارقطني بأنه لا يعرف اسمه فكأنه تحرف على الراوي والله اعلم قوله ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وصله مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل فساق الحديث بطوله لكن قال فيه تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين قال سهيل إحدى عشرة وإحدى عشرة وإحدى عشرة فذلك كان ثلاث وثلاثون وأخرجه النسائي من رواية الليث عن بن عجلان عن سهيل بهذا السند بغير قصة ولفظ اخر قال فيه من قال خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة وثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعني تمام المائة غفرت له خطاياه أخرجه النسائي وأخرجه أيضا من وجه اخر عن الليث عن بن عجلان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن بعض الصحابة ومن طريق زيد بن أبي انيسة عن سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة وهذا اختلاف شديد على سهيل والمعتمد في ذلك رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة والله اعلم ورواية أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة أخرجها مالك في الموطأ لكن لم يرفعه وأوردها مسلم من طريق خالد بن عبد الله وإسماعيل بن زكريا كلاهما عن سهيل عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك قوله في حديث المغيرة

[ 5971 ] جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر قوله في دبر كل صلاة في رواية الحموي والمستملي في دبر صلاته قوله وقال شعبة عن منصور قال سمعت المسيب يعني بن رافع بالسند المذكور وصله أحمد عن محمد بن جعفر حدثنا شعبة به ولفظه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال لا اله الا الا الله وحده لا شريك له الحديث قال بن بطال في هذه الأحاديث الحض على الذكر في ادبار الصلوات وان ذلك يوازي انفاق المال في طاعة الله لقوله تدركون به من سبقكم وسئل الأوزاعي هل الذكر بعد الصلاة أفضل أم تلاوة القرآن فقال ليس شيء يعدل القرآن ولكن كان هدي السلف الذكر وفيها ان الذكر المذكور يلي الصلاة المكتوبة ولا يؤخر الى ان يصلي الراتبة لما تقدم والله اعلم

قوله باب قول الله تبارك وتعالى وصل عليهم كذا للجمهور ووقع في بعض النسخ زيادة ان صلواتك سكن لهم واتفقوا على أن المراد بالصلاة هنا الدعاء وثالث أحاديث الباب يفسر ذلك وتقدم في السورة قريبا من هذه الآية قوله تعالى ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول وفسرت الصلوات هنا أيضا بالدعوات لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لمن يتصدق قوله ومن خص اخاه بالدعاء دون نفسه في هذه الترجمة إشارة الى رد ما جاء عن بن عمر اخرج بن أبي شيبة والطبري من طريق سعيد بن يسار قال ذكرت رجلا عند بن عمر فترحمت عليه فلهز في صدري وقال لي ابدأ بنفسك وعن إبراهيم النخعي كان يقال إذا دعوت فابدأ بنفسك فإنك لا تدري في أي دعاء يستجاب لك وأحاديث الباب ترد على ذلك ويؤيدها ما أخرجه مسلم وأبو داود من طريق طلحة بن عبد الله بن كريز عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب الا قال الملك ولك مثل ذلك واخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس رفعه خمس دعوات مستجابات وذكر فيها ودعوة الأخ لأخيه وأخرجه أيضا هكذا استدل بهما بن بطال وفيه نظر لان الدعاء بظهر الغيب ودعاء الأخ للاخ أعم من ان يكون الداعي خصه أو ذكر نفسه معه واعم من ان يكون بدأ به أو بدأ بنفسه واما ما أخرجه الترمذي من حديث أبي بن كعب رفعه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه ويؤيد هذا القيد انه صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي فلم يبدأ بنفسه كقوله في قصة هاجر الماضية في المناقب يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا وقد تقدم حديث أبي هريرة اللهم ايده بروح القدس يريد حسان بن ثابت وحديث بن عباس اللهم فقهه في الدين وغير ذلك من الامثلة مع ان الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت انه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه كما مر في المناقب من حديث أبي هريرة يرحم الله لوطا لقد كان يأوي الى ركن شديد وقد أشار المصنف الى الأول بسادس أحاديث الباب والى الثاني بالذي بعده وذكر المصنف فيه سبعة أحاديث الحديث الأول قوله وقال أبو موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لعبيد أبي عامر اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه هذا طرف من حديث لأبي موسى تقدم بطوله موصولا في غزوة ارطاس من المغازي وفيه قصة قتل أبي عامر وهو عم أبي موسى الأشعري وفيه قول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم ان أبا عامر قال له قل للنبي صلى الله عليه وسلم استغفر لي قال فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر وفيه فقلت ولي فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما الحديث الثاني

[ 5972 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان قوله خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الى خيبر فقال رجل من القوم هو عمر بن الخطاب وعامر هو بن الأكوع عم سلمة راوي الحديث وقد تقدم بيان ذلك كله في غزوة خيبر من كتاب المغازي وسبب قول عمر لولا متعتنا به وان ذلك ورد مصرحا به في صحيح مسلم واما بن عبد البر فأورده مورد الاستقراء فقال كانوا عرفوا انه ما استرحم لإنسان قط في غزاة تخصه الا استشهد فلذا قال عمر لولا امتعتنا بعامر قوله وذكر شعرا غير هذا ولكني لم احفظه تقدم بيانه في المكان المذكور من طريق حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد ويعرف منه ان القائل وذكر شعرا هو يحيى بن سعيد راوية وان الذاكر هو يزيد بن أبي عبيد وقوله من هناتك بفتح الهاء والنون جمع هنة ويروي هنيهاتك وهنياتك والمراد الاراجيز القصار وتقدم شرح الحديث مستوفى هناك قوله فلما امسوا أو قدوا نارا كثيرة الحديث قي قصة الحمر الاهلية في رواية حاتم بن إسماعيل فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم فيه يعني خيبر وذكر الحديث بطوله وقد تقدم شرحه الحديث الثالث

[ 5973 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وعمرو شيخ شعبة فيه هو بن مرة وابن أبي أوفى هو عبد الله قوله صل على آل أبي أوفى أي عليه نفسه وقيل عليه وعلى اتباعه وسيأتي الكلام في الصلاة على غير الأنبياء بعد ثلاثة عشر بابا الحديث الرابع قوله في حديث جرير وهو بن عبد الله البجلي

[ 5974 ] وهو نصب بضم النون وبصاد مهملة ثم موحدة هو الصنم وقد تقدم بيان ذلك في تفسير سورة سأل وقوله يسمى الكعبة اليمانية في رواية الكشميهني كعبة اليمانية وهي لغة وقوله فخرجت في خمسين من قومي في رواية الكشميهني فارسا والقائل وربما قال سفيان هو علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه وسفيان هو بن عيينة وقد تقدم شرح هذا الحديث في اواخر المغازي الحديث الخامس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لانس ان يكثر ماله وولده وسيأتي شرحه قريبا بعد ثمانية وعشرين بابا وقد بين مسلم في رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس ان ذلك كان في اخر دعائه لانس ولفظه فقالت أمي يا رسول الله خويدمك ادع الله له فدعا لي بكل خير وكان في دعائه ان قال فذكره قال الداودي هذا يدل على بطلان الحديث الذي ورد اللهم من آمن بي وصدق ما جئت به فاقلل له من المال والولد الحديث قال وكيف يصح ذلك وهو صلى الله عليه وسلم يحض على النكاح والتماس الولد قلت لا منافاة بينهما لاحتمال ان يكون ورد في حصول الامرين معا لكن يعكر عليه حديث الباب فيقال كيف دعا لأنس وهو خادمه بما كرهه لغيره ويحتمل ان يكون مع دعائه له بذلك قرنه بأن لا يناله من قبل ذلك ضرر لان المعنى في كراهية اجتماع كثرة المال والولد انما هو لما يخشى من ذلك من الفتنة بهما والفتنة لا يؤمن معها الهلكة الحديث السادس

[ 5976 ] قوله عبدة هو بن سليمان قوله رجلا يقرأ في المسجد هو عباد بن بشر كما تقدم في الشهادات وتقدم شرح المتن في فضائل القرآن وقوله فيه لقد اذكرني كذا وكذا آية قال الجمهور يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم ان ينسى شيئا من القرآن بعد التبليغ لكنه لا يقر عليه وكذا يجوز ان ينسى مالا يتعلق بالابلاغ ويدل عليه قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله الحديث السابع

[ 5977 ] قوله سليمان هو بن مهران الأعمش قوله عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة وقد تقدم في الأدب من طريق حفص بن غياث عن الأعمش سمعت شقيقا قوله فقال رجل هو معتب بمهملة ثم مثناة ثقيلة ثم موحدة أو حرقوص كما تقدم بيانه في غزوة حنين هناك والمراد منه هنا قوله يرحم الله موسى فخصه بالدعاء فهو مطابق لاحد ركني الترجمة وقوله وجه الله أي الإخلاص له

قوله باب ما يكره من السجع في الدعاء السجع بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها عين مهملة هو موالاة الكلام على روى واحد ومنه سجعت الحمامة إذا رددت صوتها قاله بن دريد وقال الأزهري هو الكلام المقفى من غير مراعاة وزن

[ 5978 ] قوله هارون المقرئ هو بن موسى النحوي قوله حدثنا الزبير بن الخريت بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة قوله حدث الناس كل جمعة مرة فان أبيت فمرتين هذا إرشاد وقد بين حكمته قوله ولا تمل الناس هذا القرآن هو بضم أول تمل من الرباعي والملل والسآمة بمعنى وهذا القرآن منصوب على المفعولية وقد تقدم في كتاب العلم حديث بن مسعود كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا قوله فلا الفينك بضم الهمزة وبالفاء أي لا اجدنك والنون مثقلة للتأكيد وهذا النهي بحسب الظاهر للمتكلم وهو في الحقيقة للمخاطب وهو كقولهم لا أرينك ههنا وفيه كراهة التحديث عند من لا يقبل عليه والنهي عن قطع حديث غيره وانه لا ينبغي نشر العلم عند من لا يحرص عليه ويحدث من يشتهى بسماعه لأنه اجدر ان ينتفع به قوله فتملهم يجوز في محله الرفع والنصب قوله وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه أي لا تقصد اليه ولا نشغل فكرك به لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء وقال بن التين المراد بالنهي المستكره منه وقال الداودي الإستكثار منه قوله لا يفعلون الا ذلك أي ترك السجع ووقع عند الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يحيى بن محمد شيخ البخاري بسنده فيه لا يفعلون ذلك بإسقاط الا وهو واضح وكذا أخرجه البزار في مسنده عن يحيى والطبراني عن البنار ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة لان ذلك كان يصدر من غير قصد اليه ولاجل هذا يجيء في غاية الانسجام كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب وكقوله صلى الله عليه وسلم صدق وعده واعز جنده الحديث وكقوله أعوذ بك من عين لا تدمع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع وكلها صحيحة قال الغزالي المكروه من السجع هو المتكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة والا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة قال الأزهري وانما كرهه صلى الله عليه وسلم لمشاكلته كلام الكهنة كما في قصة المرأة من هذيل وقال أبو زيد وغيره أصل السجع القصد المستوي سواء كان في الكلام أم غيره

قوله باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له المراد بالمسألة الدعاء والضميران لله تعالى أو الأول ضمير الشأن والثاني لله تعالى جزما ومكره بضم أوله وكسر ثالثه

[ 5979 ] قوله حدثنا إسماعيل هو المعروف بابن علية وعبد العزيز هو بن صهيب ونسب في رواية أبي زيد المروزي وغيره قوله فليعزم المسألة في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور الدعاء ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه وان يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى وان كان مأمورا في جميع ما يريد فعله ان يعلقه بمشيئة الله تعالى وقيل معنى العزم ان يحسن الظن بالله في الإجابة قوله ولا يقولن اللهم ان شئت فاعطني في حديث أبي هريرة المذكور بعده اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت وزاد في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في التوحيد اللهم ارزقني ان شئت وهذه كلها أمثلة ورواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم تتناول جميع ما يدعى به ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة ليعزم في الدعاء وله من رواية العلاء ليعزم وليعظم الرغبة ومعنى قوله ليعظم الرغبة أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والالحاح فيه ويحتمل ان يراد به الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير ويؤيده ما في اخر هذه الرواية فإن الله لا يتعاظمه شيء قوله فإنه لا مستكره له في حديث أبي هريرة فإنه لا مكره له وهما بمعنى والمراد ان الذي يحتاج الى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى اكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء الا برضاه وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة وقيل المعنى ان فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه والأول أولى وقد وقع في رواية عطاء بن ميناء فان الله صانع ما شاء وفي رواية العلاء فان الله لا يتعاظمه شيء أعطاه قال بن عبد البر لا يجوز لاحد ان يقول اللهم اعطني ان شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه له لأنه لا يفعل الا ما شاءه وظاهره انه حمل النهي على التحريم وهو الظاهر وحمل النووي النهي في ذلك على كارهة التنزيه وهو أولى ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة وقال بن بطال في الحديث انه ينبغي للداعي ان يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما وقد قال بن عيينة لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه يعني من التقصير فان الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال رب انظرني الى يوم يبعثون وقال الداودي معنى قوله ليعزم المسألة أن يجتهد ويلح ولا يقل ان شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير قلت وكأنه أشار بقوله كالمستثنى الى انه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو جيد

قوله باب يستجاب للعبد أي إذا دعا ما لم يعجل والتعبير بالعبد وقع في رواية أبي إدريس كما سأنيه عليه

[ 5981 ] قوله عن أبي عبيد هو سعد بن عبيد قوله مولى بن ازهر اسمه عبد الرحمن قوله يستجاب لأحدكم ما لم يعجل أي يجاب دعاؤه وقد تقدم بيان ذلك في التفسير في قوله تعالى الذين استجابوا لله قوله يقول دعوت فلم يستجب لي في رواية غير أبي ذر فيقول بزيادة فاء واللام منصوبة قال بن بطال المعنى انه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه أو انه اتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء وقد وقع في رواية أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وما لم يستعجل قيل وما الإستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم ار يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ومعنى قوله يستحسر وهو بمهملات ينقطع وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء وهو انه يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار حتى قال بعض السلف لأنا أشد خشية ان احرم الدعاء من ان احرم الإجابة وكأنه أشار الى حديث بن عمر رفعه من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة الحديث أخرجه الترمذي بسند لين وصححه الحاكم فوهم قال الداودي يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي ان يحرم الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير انتهى وقد قدمت في أول كتاب الدعاء الأحاديث الدالة على ان دعوة المؤمن لا ترد وانها اما ان تعجل له الإجابة وإما ان تدفع عنه من السوء مثلها واما ان يدخر له في الآخرة خير مما سأل فأشار الداودي الى ذلك والى ذلك أشار بن الجوزي بقوله اعلم ان دعاء المؤمن لا يرد غير انه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا فينبغي للمؤمن ان لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض ومن جملة اداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة كالسجود وعند الأذان ومنها تقديم الوضوء والصلاة واستقبال القبلة ورفع اليدين وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب والإخلاص وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال بالأسماء الحسنى وأدلة ذلك ذكرت في هذا الكتاب وقال الكرماني ما ملخصه الذي يتصور في الإجابة وعدمها أربع صور الأولى عدم العجلة وعدم القول المذكور الثانية وجودهما الثالثة والرابعة عدم أحدهما ووجود الآخر فدل الخبر على ان الإجابة تختص بالصورة الأولى دون الثلاث قال ودل الحديث على ان مطلق قوله تعالى أجيب دعوة الداع إذا دعان مقيد بما دل عليه الحديث قلت وقد أول الحديث المشار اليه قبل على ان المراد بالإجابة ما هو أعم من تحصيل المطلوب بعينه أو ما يقوم مقامه ويزيد عليه والله اعلم

قوله باب رفع الأيدي في الدعاء أي على صفة خاصة وسقط لفظ باب لأبي ذر قوله وقال أبو موسى هو الأشعري دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه هذا طرف من حديثه الطويل في قصة قتل عمه أبي عامر الأشعري وقد تقدم موصولا في المغازي في غزوة حنين وأشرت اليه قبل بثلاثة أبواب في باب قول الله تعالى وصل عليهم قوله وقال بن عمر رفع النبي صلى اله عليه وسلم يديه وقال اللهم اني ابرأ إليك مما صنع خالد وهذا طرف من قصة غزوة بني جذيمة بجيم ومعجمة وزن عظيمة وقد تقدم موصلا مع شرحه في المغازي بعد غزوة الفتح وخالد المذكور هو بن الوليد قوله وقال الأويسي هو عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن جعفر أي بن كثير ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وهذا طرف أيضا من حديث أنس في الاستسقاء وقد تقدم هناك بهذا السند معلقا ووصله أبو نعيم من رواية أبي زرعة الرازي قال حدثنا الأويسي به وأورد البخاري قصة الاستسقاء مطولة من رواية شريك بن أبي نمر وحده عن أنس من طرق في بعضها ورفع يديه وليس في شيء منها حتى رأيت بياض إبطيه الا هذا وفي الحديث الأول رد من قال لا يرفع كذا الا في الاستسقاء بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء أصلا وتمسك بحديث أنس لم يكن النبي صلى الله يرفع يديه في شيء من دعائه الا في الاستسقاء وهو صحيح لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما في معناها بأن المنفى صفة خاصة لا أصل الرفع وقد أشرت الى ذلك في أبواب الاستسقاء وحاصله ان الرفع في الاستسقاء يخالف غيره اما بالمبالغة الى ان تصير اليدان في حذو الوجه مثلا وفي الدعاء الى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك انه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء ابلغ منها في غيره واما ان الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء قال المنذري وبتقدير تعذر الجمع فجانب الاثبات أرجح قلت ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة في ذلك فان فيه أحاديث كثيرة افردها المنذري في جزء سرد منها النووي في الأذكار وفي شرح المهذب جملة وعقد لها البخاري أيضا في الأدب المفرد بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان دوسا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم اهد دوسا وهو في الصحيحين دون قوله ورفع يديه وحديث جابر ان للطفيل بن عمرو هاجر فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر ورفع يديه وسنده صحيح وأخرجه مسلم وحديث عائشة انها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول اللهم انما انا بشر الحديث وهو صحيح الإسناد ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف في جزء رفع اليدين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف فانتهيت الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضا ثم رفع يديه يدعو وفي حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع فرفع يديه ثلاث مرات الحديث ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة فرفع يديه وجعل يدعو وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة بن اللتيية ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول اللهم هل بلغت ومن حديث عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال اللهم أمتي وفي حديث عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم وفي حديث أسامة كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى أخرجه النسائي بسند جيد وفي حديث قيس بن سعد عند أبي داود ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول اللهم صلواتك ورحمتك علي آل سعد بن عبادة الحديث وسنده جيد والأحاديث في ذلك كثيرة وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رويبة براء وموحدة مصغر انه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة فقد حكى الطبري عن بعض السلف انه اخذ بظاهره وقال السنة ان الداعي يشير بأصبع واحدة ورده بأنه انما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الاخبار بمشروعيتها وقد اخرج أبو داود والترمذي وحسنة وغيرهما من حديث سلمان رفعه ان ربكم حي كريم يستحى من عبده إذا رفع يديه اليه ان يردهما صفرا بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية وسنده جيد قال الطبري وكره رفع اليدين في الدعاء بن عمر وجبير بن مطعم ورأى شريح رجلا يرفع يديه داعيا فقال من تتناول بهما لا أم لك وساق الطبري ذلك بأسانيده عنهم وذكر بن التين عن عبد الله بن عمر بن غانم انه نقل عن مالك ان رفع اليدين في الدعاء ليس من أمر الفقهاء قال وقال في المدونة ويختص الرفع بالاستسقاء ويجعل بطونهما إلى الأرض واما ما نقله الطبري عن بن عمر فانما انكر رفعهما الى حذو المنكبين وقال ليجعلهما حذو صدره كذلك اسنده الطبري عنه أيضا وعن بن عباس ان هذه صفة الدعاء وأخرج أبو داود والحاكم عنه من وجه اخر قال المسألة ان تدفع يديك حذو منكبيك والاستغفار ان تشير بأصبع واحدة والابتهال ان تمد يديك جميعا واخرج الطبري من وجه اخر عنه قال يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه وقد صح عن بن عمر خلاف ما تقدم أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق القاسم بن محمد رأيت بن عمر يدعو عند القاص يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه باطنهما مما يليه وظاهرهما مما يلي وجهه

قوله باب الدعاء غير مستقبل القبلة ذكر فيه حديث قتادة عن أنس بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام رجل فقال يا رسول الله ادع الله ان يسقينا الحديث وفيه فقام ذلك الرجل أو غيره فقال ادع الله ان يصرف عنا فقد غرقنا فقال اللهم حوالينا ولا علينا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستسقاء وفي بعض طرقه في الأول فقال اللهم اسقنا ووجه اخذه من الترجمة من جهة ان الخطيب من شأنه ان يستدبر القبلة وأنه لم ينقل انه صلى الله عليه وسلم لما دعا في المرتين استدار وقد تقدم في الاستسقاء من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة في اخره ولم يذكر انه حول رداءه ولا استقبل القبلة

قوله باب الدعاء مستقبل القبلة ذكر فيه حديث عبد الله بن زيد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى المصلى يستسقى فدعا واستسقى ثم استقبل القبلة وقلب رداءه قال الإسماعيلي هذا الحديث مطابق للترجمة التي قبل هذا يريد انه قدم الدعاء قبل الاستسقاء ثم قال لكن لعل البخاري أراد انه لما تحول وقلب رداءه دعا حينئذ أيضا قلت وهو كذلك فأشار كعادته الى ما ورد في بعض طرق الحديث وقد مضى في الاستسقاء من هذا الوجه بلفظ وانه لما أراد ان يدعو استقبل القبلة وحول رداءه وترجم له استقبال القبلة في الدعاء والجمع بينه وبين حديث أنس ان القصة التي في حديث أنس كانت في خطبة الجمعة بالمسجد والقصة التي في حديث عبد الله بن زيد كانت بالمصلى وقد سقطت هذه الترجمة من رواية أبي زيد المروزي فصار حديثها من جملة الباب الذي قبله ويسقط بذلك اعتراض الإسماعيلي من أصله وقد ورد في استقبال القبلة في الدعاء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث منها حديث عمر عند الترمذي وقد قدمته في باب رفع اليدين في الدعاء ولمسلم والترمذي من حديث بن عباس عن عمر لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه الحديث وفي حديث بن مسعود استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش الحديث متفق عليه وفي حديث عبد الرحمن بن طارق عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جاز مكانا من دار يعلى استقبل القبلة فدعا أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وفي حديث بن مسعود رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبر عبد الله ذي النجادين الحديث وفيه فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه أخرجه أبو عوانة في صحيحه

قوله باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله ذكر فيه حديث أنس قالت أمي يا رسول الله خادمك ادع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده الحديث وقد مضى قريبا وذكره في عدة أبواب وليس في شيء منها ذكر العمر فقال بعض الشراح مطابقة الحديث للترجمة ان الدعاء بكثرة الولد يستلزم حصول طول العمر وتعقب بأنه لا ملازمة بينهما الا بنوع من المجاز بأن يراد ان كثرة الولد في العادة تستدعي بقاء ذكر الولد ما بقي أولاده فكأنه حي والأولى في الجواب انه أشار كعادته الى ما ورد في بعض طرقه فاخرج في الأدب المفرد من وجه اخر عن أنس قال قالت أم سليم وهي أم أنس خويدمك الا تدعو له فقال اللهم أكثر ماله وولده واطل حياته واغفر له فأما كثرة ولد أنس وماله فوقع عند مسلم في اخر هذا الحديث من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال أنس فوالله ان مالي لكثير وان ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم وتقدم في حديث الطاعون شهادة لكل مسلم في كتاب الطب قول أنس أخبرتني ابنتي امينة انه دفن من صلبي الى يوم مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرون وقال النووي في ترجمته كان أكثر الصحابة اولادا وقد قال بن قتيبة في المعارف كان بالبصرة ثلاثة ما ماتوا حتى رأى كل واحد منهم من ولده مائة ذكر لصلبه أبو بكرة وأنس وخليفة بن بدر وزاد غيره رابعا وهو المهلب بن أبي صفرة واخرج الترمذي عن أبي العالية في ذكر أنس وكان له بستان يأتي في كل سنة الفاكهة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك ورجاله ثقات واما طول عمر أنس فقد ثبت في الصحيح انه كان في الهجرة بن تسع سنين وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين فيما قيل وقيل سنة ثلاث وله مائة وثلاث سنين قاله خليفة وهو المعتمد وأكثر ما قيل في سنه انه بلغ مائة وسبع سنين واقل ما قيل فيه تسعا وتسعين سنة

قوله باب الدعاء عند الكرب بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه

[ 5985 ] قوله هشام وفي الطريق الثانية هشام بن أبي عبد الله وهو الدستوائي وأبو العالية هو الرياحي بتحتانية ثم مهملة واسمه رفيع وقد رواه قتادة عنه بالعنعنة وهو مدلس وقد ذكر أبو داود في السنن في كتاب الطهارة عقب حديث أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية قال شعبة انما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى وحديث بن عمر في الصلاة وحديث القضاة ثلاثة وحديث بن عباس شهد عندي رجال مرضيون وروى بن أبي حاتم في المراسيل بسنده عن يحيى القطان عن شعبة قال لم يسمع قتادة من أبي العالية الا ثلاثة أحاديث فذكرها بنحوه ولم يذكر حديث بن عمر وكأن البخاري لم يعتبر بهذا الحصر لان شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين الا بما يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه وقد حدث شعبة بهذا الحديث عن قتادة وهذا هو السر في إيراده له معلقا في اخر الترجمة من رواية شعبة واخرج مسلم الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ان أبا العالية حدثه وهذا صريح في سماعه له منه واخرج البخاري أيضا من رواية قتادة عن أبي العالية غير هذا وهو حديث رؤية موسى وغيره ليلة أسرى به واخرج مسلم أيضا وقوله في هذا المعلق وقال وهب كذا للأكثر وللمستملي وحده وهيب بالتصغير وقال أبو ذر الصواب الأول قلت ووقع في رواية أبي زيد المروزي وهب بن جرير أي بن حازم فأزال الاشكال ويؤيده ان البخاري اخرج الحديث المذكور في التوحيد من طريق وهيب بالتصغير وهو بن خالد فقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فظهر انه عند وهيب بالتصغير عن سعيد بالمهملة والدال وعند وهب بسكون الهاء عن شعبة بالمعجمة والموحدة قوله كان يدعو عند الكرب أي عند حلول الكرب وعند مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب وله من رواية يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبي الحارث عن أبي العالية كان إذا حزبه أمر وهو بفتح المهملة والزاي وبالموحدة أي هجم عليه أو غلبه وفي حديث على عند النسائي وصححه الحاكم لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات وأمرني ان نزل بي كرب أو شدة ان اقولها قوله لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم ووقع في الرواية التي بعدها بلفظ ورب الأرض ورب العرش الكريم وقال في أوله رب العرش الكريم بدل العظيم الحليم ووقع جميع ما تضمنته هاتان الروايتان في رواية وهيب بن خالد التي أشرت إليها لكن قال العليم الحليم باللام بدل الظاء المعجمة وكذا هو لمسلم من طريق معاذ بن هشام وقال العظيم بدل العليم قوله رب العرش العظيم نقل بن التين عن الداودي انه رواه برفع العظيم وكذا برفع الكريم في قوله رب العرش الكريم على انهما نعتان للرب والذي ثبت في رواية الجمهور بالجر على انه نعت للعرش وكذا قرأ الجمهور في قوله تعالى رب العرش العظيم ورب العرش الكريم بالرفع وقرأ بن محيصن بالجر فيهما وجاء ذلك أيضا عن بن كثير وعن أبي جعفر المدني واعرب بوجهين أحدهما ما تقدم والثاني ان يكون مع الرفع نعتا للعرش على انه خبر لمبتدأ محذوف قطع عما قبله للمدح ورجح لحصول توافق القراءتين ورجح انو بكر الأصم الأول لان وصف الرب بالعظيم أولى من وصف العرش وفيه نظر لأن وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم فقد نعت الهدهد عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ولم ينكر عليه سليمان قال العلماء الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة والعظيم الذي لا شيء يعظم عليه والكريم المعطي فضلا وسيأتي لذلك مزيد في شرح الأسماء الحسنى قريبا وقال الطيبي صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية وفيه التهليل المشتمل على التوحيد وهو أصل التنزيهات الجلالية والعظمة التي تدل على تمام القدرة والحلم الذي يدل على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم وهما أصل الأوصاف الاكرامية ووقع في حديث على الذي أشرت اليه لا إله إلا الله الكريم العظيم سبحان الله تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين وفي لفظ الحليم الكريم في الأول وفي لفظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم وفي لفظ لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحانه تبارك وتعالى رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أخرجها كلها النسائي قال الطبري معنى قول بن عباس يدعو وانما هو تهليل وتعظيم يحتمل امرين أحدهما ان المراد تقديم ذلك قبيل الدعاء كما ورد من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث المذكورة وفي اخره ثم يدعو قلت وكذا هو عند أبي عوانة في مستخرجه من هذا الوجه وعند عبد بن حميد من هذا الوجه كان إذا حزبه أمر قال فذكر الذكر المأثور وزاد ثم دعا وفي الأدب المفرد من طريق عبد الله بن الحارث سمعت بن عباس فذكره وزاد في اخره اللهم اصرف عني شره قال الطبري ويؤيد هذا ما روى الأعمش عن إبراهيم قال كان يقال إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء ثانيهما ما أجاب به بن عيينة فيما حدثنا حسين بن حسن المروزي قال سألت بن عيينة عن الحديث الذي فيه أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث فقال سفيان هو ذكر وليس فيه دعاء ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل من شغله ذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطى السائلين قال وقال أمية بن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك ان شيمتك الحياء إذا اثنى عليكم المرء يوما كفاه من تعرضك الثناء قال سفيان فهذا مخلوق حين نسب الى الكرام اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف بالخلاف قلت ويؤيد الاحتمال الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله تعالى له أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وفي لفظ للحاكم فقال رجل أكانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسمع الى قول الله تعالى وكذلك ننجي المؤمنين وقال بن بطال حدثني أبو بكر الرازي قال كنت بأصبهان عند أبي نعيم اكتب الحديث وهناك شيخ يقال له أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج الله عنه قال فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن الا قليلا حتى اخرج انتهى واخرج بن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة له من طريق عبد الملك بن عمير قال كتب الوليد بن عبد الملك الى عثمان بن حيان انظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلده واوقفه للناس قال فبعث اليه فجيء به فقام اليه على بن الحسين فقال يا بن عم تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك فذكر حديث علي باللفظ الثاني فقالها فرفع اليه عثمان رأسه فقال أرى وجه رجل كذب عليه خلوا سبيله فسأكتب الى أمير المؤمنين بعذره فأطلق واخرج النسائي والطبري من طريق الحسن بن الحسن بن علي قال لما زوج عبد الله بن جعفر ابنته قال لها ان نزل بك أمر فاستقبليه بأن تقولي لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين قال الحسن فأرسل الى الحجاج فقلتهن فقال والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد ان اقتلك فلأنت اليوم احب الي من كذا وكذا وزاد في لفظ فسل حاجتك ومما ورد من دعوات الكرب ما أخرجه أصحاب السنن الا الترمذي عن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب الله الله ربي لا اشرك به شيئا وأخرجه الطبري من طريق أبي الجوزاء عن بن عباس مثله ولأبي داود وصححه بن حبان عن أبي بكرة رفعه دعوات المكروب اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا أنت

قوله باب التعوذ من جهد البلاء الجهد بفتح الجيم وبضمها المشقة وتقدم ما فيه في حديث بدء الوحي أول الكتاب والبلاء بالفتح مع المد ويجوز الكسر مع القصر

[ 5987 ] قوله سمى بالمهملة مصغر هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي قوله كان يتعوذ كذا للأكثر ورواه مسدد عن سفيان بسنده هذا بلفظ الأمر تعوذوا وسيأتي في كتاب القدر وكذا وقع في رواية الحسن بن علي الواسطي عن سفيان عند الإسماعيلي وأبي نعيم قوله ودرك الشقاء بفتح الدال والراء المهملتين ويجوز سكون الراء وهو الإدراك واللحاق والشقاء بمعجمة ثم قاف هو الهلاك ويطلق على السبب المؤدي الى الهلاك قوله قال سفيان هو بن عيينة راوي الحديث المذكور وهو موصول بالسند المذكور قوله الحديث ثلاث زدت انا واحدة لا أدري ايتهن أي الحديث المرفوع المروي يشتمل على ثلاث جمل من الجمل الأربع والرابعة زادها سفيان من قبل نفسه ثم خفي عليه تعيينها ووقع عند الحميدي في مسنده عن سفيان الحديث ثلاث من هذه الأربع وأخرجه أبو عوانه والإسماعيلي وأبو نعيم من طريق الحميدي ولم يفصل ذلك بعض الرواة عن سفيان وفي ذلك تعقب على الكرماني حيث اعتذر عن سفيان في جواب من استشكل جواز زيادته الجملة المذكورة في الحديث مع انه لا يجوز الادراج في الحديث فقال يجاب عنه بأنه كان يميزها إذا حدث كذا قال وفيه نظر فسيأتي في القدر عن مسدد وأخرجه مسلم عن أبي خيثمة وعمر والناقد والنسائي عن قتيبة الإسماعيلي من رواية العباس بن الوليد وأبو عوانة من رواية عبد الجبار بن العلاء وأبو نعيم من طريق سفيان بن وكيع كلهم عن سفيان بالخصال الأربعة بغير تمييز الا ان مسلما قال عن عمرو الناقد قال سفيان اشك اني زدت واحدة منها وأخرجه الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم عن سفيان فاقتصر على ثلاثة ثم قال قال سفيان وشماتة الأعداء وأخرجه الإسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن سفيان وبين ان الخصلة المزيدة هي شماتة الأعداء وكذا أخرجه الاسماعيل من طريق شجاع بن مخلد عن سفيان مقتصرا على الثلاثة دونها وعرف من ذلك تعيين الخصلة المزيدة ويجاب عن النظر بان سفيان كان إذا حدث ميزها ثم طال الأمر فطرقه السهو عن تعيينها فحفظ بعض من سمع تعيينها منه قبل ان يطرقه السهو ثم كان بعد ان خفي عليه تعيينها يذكر كونها مزيدة مع ابهامها ثم بعد ذلك اما ان يحمل الحال حيث لم يقع تمييزها لا تعيينا ولا ابهاما ان يكون ذهل عن ذلك أو عين أو ميز فذهل عنه بعض من سمع ويترجح كون الخصلة المذكور هي المزيدة بأنها تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة ثم كل واحدة من الثلاثة مستقلة فان كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء لان شقاء الآخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء واما شماتة الأعداء فتقع لكل من وقع له كل من الخصال الثلاثة وقال بن بطال وغيره جهد البلاء كل ما أصاب المرء من شدة مشقة ومالا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه وقيل المراد بجهد البلاء قلة المال وكثرة العيال كذا جاء عن بن عمر والحق ان ذلك فرد من افراد جهد البلاء وقيل هو ما يختار الموت عليه قال ودرك الشقاء يكون في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة وكذلك سوء القضاء عام في النفس والمال والاهل والولد والخاتمة والمعاد قال والمراد بالقضاء هنا المقضى لان حكم الله كله حسن لا سوء فيه وقال غيره القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الازل والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل قال بن بطال وشماته الأعداء ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس أشد مبلغ وانما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تعليما لامته فان الله تعالى كان امنه من جميع ذلك وبذلك جزم عياض قلت ولا يتعين ذلك بل يحتمل ان يكون استعاذ بربه من وقوع ذلك بأمته ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الأمر كما قدمته وقال النووي شماتة الأعداء فرحهم ببلية تنزل بالمعادي قال وفي الحديث دلالة لاستحباب الاستعاذة من الأشياء المذكورة واجمع على ذلك العلماء في جميع الإعصار والامصار وشذت طائفة من الزهاد قلت وقد تقدمت الإشارة الى ذلك في أوائل كتاب الدعوات وفي الحديث ان الكلام المسجوع لا يكره إذا صدر عن غير قصد اليه ولا تكلف قاله بن الجوزي قال وفيه مشروعية الاستعاذة ولا يعارض ذلك كون ما سبق في القدر لا يرد لاحتمال ان يكون مما قضى فقد يقضى على المرء مثلا بالبلاء ويقضي انه ان دعا كشف فالقضاء محتمل الدافع والمدفوع وفائدة الاستعاذة والدعاء إظهار العبد فاقته لربه وتضرعه اليه وقد تقدم ذلك مبسوطا في أوائل كتاب الدعوات

قوله باب كذا للأكثر بغير ترجمة ذكر فيه حديث عائشة في الوفاة النبوية وفيه قوله عليه الصلاة والسلام الرفيق الأعلى وقد تقدم شرحه في اواخر المغازي وتعلقه بما قبله من جهة ان فيه إشارة الى حديث عائشة انه كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات وقضية سياقها هنا انه لم يتعوذ في مرض موته بذلك بل تقدم في الوفاة النبوية من طريق بن أبي مليكة عن عائشة فذهبت اعوذه فرفع رأسه الى السماء وقال في الرفيق الأعلى

[ 5988 ] قوله أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم ان عائشة رضي الله عنها قالت لم اقف على تعيين أحد منهم صريحا وقد روى أصل الحديث المذكور عن عائشة بن أبي مليكة وذكوان مولى عائشة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد فيمكن ان يكون الزهري عناهم أو بعضهم

قوله باب الدعاء بالموت والحياة في رواية أبي زيد المروزي وبالحياة وهو أوضح وفيه حديثان الأول حديث خباب ويحيى في سنده هو بن سعيد القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وانما اعاده عن محمد بن المثنى بعد ان أورده عن مسدد وكلاهما يرويه عن يحيى القطان لما في رواية محمد بن المثنى من الزيادة وهي

[ 5989 ] قوله في بطنه فسمعته يقول وباقي سياقهما سواء ووقعت الزيادة المذكورة عند الكشميهني وحده في رواية مسدد وهي غلط وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب عيادة المرضى الثاني حديث أنس لا يتمنين أحدكم الموت في رواية الكشميهني أحد منكم وقد تقدم شرحه أيضا هناك

قوله باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم في رواية أبي زيد المروزي ومسح رأسه بالافراد وورد في فضل مسح رأس اليتيم حديث أخرجه أحمد والطبراني عن أبي امامة بلفظ من مسح رأس يتيم لا يمسحه الا لله كان له بكل شعرة تمر يده عليها حسنة وسنده ضعيف ولأحمد من حديث أبي هريرة ان رجلا شكى الى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال اطعم المسكين وامسح رأس اليتيم وسنده حسن وذكر في الباب أحاديث الحديث الأول قوله وقال أبو موسى ولد لي مولود هذا طرف من حديث تقدم موصلا في كتاب العقيقة واسم الولد المذكور إبراهيم الثاني

[ 5991 ] قوله حاتم هو بن إسماعيل والجعد يقال فيه الجعيد بالتصغير والسائب بن يزيد يعرف بابن أخت النمر وقد تقدم في باب خاتم النبوة في أوائل الترجمة النبوية قبل المبعث وتقدم شرح الحديث هناك وفي باب استعمال فضل وضوء الناس من كتاب الطهارة الثالث

[ 5992 ] قوله عن أبي عقيل بفتح أوله واسمه زهرة بن سعيد وعبد الله بن هشام هو التيمي من بني تيم بن مرة تقدم شرح حديثه في الشركة الرابع

[ 5993 ] قوله محمود بن ربيع وهو الذي مج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وهو غلام من بئرهم كذا أورده مختصرا وأورده من هذا الوجه في الطهارة كذلك ولم يذكر الخبر الذي أخبر به محمود وهو حديثه عن عتبان بن مالك في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وقد أورده في باب إذا دخل بيتا صلى حيث شاء من كتاب الصلاة من هذا الوجه مختصرا فقال حدثنا عبد الله بن مسلمة أنبأنا إبراهيم بن سعد فذكر بإسناده الذي أورده هنا الى محمود بن الربيع فزاد عن عتبان بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه الى منزله فقال أين تحب ان أصلي في بيتك الحديث وأورده عنه من طريق عقيل عن بن شهاب أخبرني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك فذكره مطولا ولم يذكر قول محمود في المجة وذكر في العلم من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمود مختصرا على قصة المجة أتم مما هنا قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة وقد شرحته هناك وأورده قبل باب الذكر في الصلاة من طريق معمر عن الزهري مطولا بقصة المجة وبحديث عتبان وأورده في الرقاق من هذا الوجه كذلك لكن باختصار وقد اورد مسلم حديث عتبان من طرق عن الزهري منها للاوزاعي عنه قصة محمود في المجة ولم يتنبه لذلك الحميدي في جمعه فترجم لمحمود بن الربيع في الصحابة الذين انفرد البخاري بتخريج حديثهم وساق له حديث المجة المذكورة وكأنه لما رأى البخاري أفرده ولم يفرده مسلم ظن انه حديث مستقل الخامس حديث عائشة في قصة الغلام الذي بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الصلاة السادس حديث عبد الله بن ثعلبة بن صغير بمهملتين مصغر وهو صحابي صغير وأبوه ثعلبة صحابي أيضا ويقال فيه بن أبي صغير أيضا

[ 5995 ] قوله وكان رسول الله صلى الله عليه سلم مسح عينه كذا هنا باختصار وتقدم معلقا في غزوة الفتح من طريق يونس عن الزهري بلفظ مسح وجهه عام الفتح وتقدم شرحه هناك ووقع في الزهريات للذهلي عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ مسح وجهه زمن الفتح كذا أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان قوله انه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة سبقت الإشارة الى هذا في كتاب الوتر ووقع في رواية الطبراني بعد قوله ركعة واحدة بعد صلاة العشاء لا يزيد عليها حتى يقوم من جوف الليل وسبق بيان الاختلاف في الوتر بركعة فردة مستوفى

قوله باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإطلاق يحتمل حكمها وفضلها وصفتها ومحلها والاقتصار على ما أورده في الباب يدل على إرادة الثالث وقد يؤخذ منه الثاني اما حكمها فحاصل ما وقفت عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب أولها قول بن جرير الطبري انها من المستحبات وادعى الإجماع على ذلك ثانيها مقابلة وهو نقل بن القصار وغيره الإجماع على انها تجب في الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به الاجزاء مرة ثالثها تجب في العمر في صلاة أو في غيرها وهي مثل كلمة التوحيد قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم وغيرهما وقال القرطبي المفسر لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وانها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة وسبقه بن عطية رابعها تجب في القعود اخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحلل قاله الشافعي ومن تبعه خامسها تجب في التشهد وهو قول الشعبي وإسحاق بن راهويه سادسها تجب في الصلاة من غير تعيين المحل نقل ذلك عن أبي جعفر الباقر سابعها يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد قاله أبو بكر بن بكير من المالكية ثامنها كلما ذكر قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية وقال بن العربي من الماليكة انه الاحوط وكذا قال الزمخشري تاسعها في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا حكاه الزمخشري عاشرها في كل دعاء حكاه أيضا واما محلها فيؤخذ مما أوردته من بيان الاراء في حكمها وسأذكر ما ورد فيه عند الكلام على فضلها واما صفتها فهي أصل ما يعول عليه في حديثي الباب

[ 5996 ] قوله حدثنا الحكم لم اقف عليه في جميع الطرق عن شعبة الا هكذا غير منسوب وهو فقيه الكوفة في عصره وهو بن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر ووقع عند الترمذي والطبراني وغيرهما من رواية مالك بن مغول وغيره منسوبا قالوا عن الحكم بن عتيبة وعبد الرحمن بن أبي ليلى تابعي كبير وهو والد بن أبي ليلى فقيه الكوفة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ينسب الى جده قوله لقيني كعب بن عجرة في رواية فطر بن خليفة عن بن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة الأنصاري أخرجه الطبراني ونقل بن سعد عن الواقدي انه أنصاري من أنفسهم وتعقبه فقال لم أجده في نسب الأنصار والمشهور انه بلوى والجمع بين القولين انه بلوى حالف الأنصار وعين المحاربي عن مالك بن مغول عن الحكم المكان الذي التقيا به فأخرجه الطبري من طريقه بلفظ ان كعبا قال له وهو يطوف بالبيت قوله الا أهدى لك هدية زاد عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده كما تقدم في أحاديث الأنبياء سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا يجوز في ان الفتح والكسر وقال الفاكهاني في شرح العمدة في هذا السياق إضمار تقديره فقال عبد الرحمن نعم فقال كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقع ذلك صريحا في رواية شبابة وعفان عن شعبة بلفظ قلت بلى قال أخرجه الخلعي في فوائده وفي رواية عبد الله بن عيسى المذكورة ولفظه فقلت بلى فاهدها لي فقال قوله فقلنا يا رسول الله كذا في معظم الروايات عن كعب بن عجرة قلنا بصيغة الجمع وكذا وقع في حديث أبي سعيد في الباب ومثله في حديث أبي بريدة عند أحمد وفي حديث طلحة عند النسائي وفي حديث أبي هريرة عند الطبري ووقع عند أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة بسند حديث الباب قلنا أو قالوا يا رسول الله بالشك والمراد الصحابة أو من حضر منهم ووقع عند السراج والطبراني من رواية قيس بن سعد عن الحكم به ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا وقال الفاكهاني الظاهر ان السؤال صدر من بعضهم لا من جميعهم ففيه التعبير عن البعض بالكل ثم قال ويبعد جدا ان يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفردا فاتى بالنون التي للتعظيم بل لا يجوز ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله قولوا فلو كان السائل واحدا لقال له قل ولم يقل قولوا انتهى ولم يظهر لي وجه نفى الجواز وما المانع ان يسأل الصحابي الواحد عن الحكم فيجيب صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع إشارة الى اشتراك الكل في الحكم ويؤكده ان في نفس السؤال قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي كلها بصيغة الجمع فدل على انه سأل لنفسه ولغيره فحسن الجواب بصيغة الجمع لكن الإتيان بنون العظمة في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يظن بالصحابي فان ثبت ان السائل كان متعددا فواضح وان ثبت انه كان واحدا فالحكمة في الإتيان بصيغة الجمع الإشارة الى ان السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن يوافقه على ذلك فحمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد على ان الذي نفاه الفاكهاني قد ورد في بعض الطرق فعند الطبري من طريق الأجلح عن الحكم بلفظ قمت اليه فقلت السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال قل اللهم صل على محمد الحديث وقد وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة وهم كعب بن عجرة وبشير بن سعد والد النعمان وزيد بن خارجة الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وأبو هريرة وعبد الرحمن بن بشير اما كعب فوقع عند الطبراني من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بهذا السند بلفظ قلت يا رسول الله قد علمنا واما بشير ففي حديث أبي مسعود عند مالك ومسلم وغيرهما انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله ان نصلي عليك الحديث وأما زيد بن خارجة فأخرج النسائي من حديثه قال انا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوا على واجتهدوا في الدعاء وقولوا اللهم صل على محمد الحديث واخرج الطبري من حديث طلحة قال قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك ومخرج حديثهما واحد واما حديث أبي هريرة فاخرج الشافعي من حديثه انه قال يا رسول الله كيف نصلي عليك واما حديث عبد الرحمن بن بشير فأخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت أو قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هكذا عنده على الشك وأبهم أبو عوانة في صحيحه من رواية الأجلح وحمزة الزيات عن الحكم السائل ولفظه جاء رجل فقال يا رسول الله قد علمنا ووقع لهذا السؤال سبب أخرجه البيهقي والخلعي من طريق الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش ومسعر ومالك بن مغول عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت ان الله وملائكته يصلون على النبي الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا الحديث وقد اخرج مسلم هذا الحديث عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا ولم يسق لفظه بل أحال به على ما قبله فهو على شرطه وأخرجه السراج من طريق مالك بن مغول وحده كذلك واخرج أحمد والبيهقي وإسماعيل القاضي من طريق يزيد بن أبي زياد والطبراني من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والطبري من طريق الأجلح والسراج من طريق سفيان وزائدة فرقهما وأبو عوانة في صحيحه من طريق الأجلح وحمزة الزيات كلهم عن الحكم مثله واخرج أبو عوانة أيضا من طريق مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله وفي حديث طلحة عند الطبري اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال سمعت الله يقول ان الله وملائكته الآية فكيف الصلاة عليك قوله قد علمنا المشهور في الرواية بفتح أوله وكسر اللام مخففا وجوز بعضهم ضم أوله والتشديد على البناء للمجهول ووقع في رواية بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد وبالشك ولفظه قلنا قد علمنا أو علمنا رويناه في الخلعيات وكذا اخرج السراج من طريق مالك بن مغول عن الحكم بلفظ علمناه أو علمناه ووقع في رواية حفص بن عمر المذكورة امرتنا ان نصلي عليك وان نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه وفي ضبط عرفناه ما تقدم في علمناه وأراد بقوله امرتنا أي بلغتنا عن الله تعالى انه أمر بذلك ووقع في حديث أبي مسعود أمرنا الله وفي رواية عبد الله بن عيسى المذكورة كيف الصلاة عليكم أهل البيت فان الله قد علمنا كيف نسلم أي علمنا الله كيفية السلام عليك على لسانك وبواسطة بيانك واما اتيانه بصيغة الجمع في قوله عليكم فقد بين مراده بقوله أهل البيت لأنه لو اقتصر عليها لاحتمل ان يريد بها التعظيم وبها تحصل مطابقة الجواب للسؤال حيث قال على محمد وعلى آل محمد وبهذا يستغنى عن قول من قال في الجواب زيادة على السؤال لان السؤال وقع عن كيفية الصلاة عليه فوقع الجواب عن ذلك بزيادة كيفية الصلاة على آله قوله كيف نسلم عليك قال البيهقي فيه إشارة الى السلام الذي في التشهد وهو قول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فيكون المراد بقولهم فكيف نصلي عليك أي بعد التشهد انتهى وتفسير السلام بذلك هو الظاهر وحكى بن عبد البر فيه احتمالا وهو ان المراد به السلام الذي يتحلل به من الصلاة وقال ان الأول أظهر وكذا ذكر عياض وغيره ورد بعضهم الاحتمال المذكور بأن سلام التحلل لا يتقيد به اتفاقا كذا قيل وفي نقل الاتفاق نظر فقد جزم جماعة من المالكية بأنه يستحب للمصلي ان يقول عند سلام التحلل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم ذكره عياض وقبله بن أبي زيد وغيره قوله فكيف نصلي عليك زاد أبو مسعود في حديثه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا انه لم يسأله وانما تمنوا ذلك خشية ان يكون لم يعجبه السؤال المذكور لما تقرر عندهم من النهي عن ذلك فقد تقدم في تفسير قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء من سورة المائدة بيان ذلك ووقع عند الطبري من وجه اخر في هذا الحديث فسكت حتى جاءه الوحي فقال تقولون واختلف في المراد بقولهم كيف فقيل المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها بأي لفظ يؤدى وقيل عن صفتها قال عياض لما كان لفظ الصلاة المأمور بها في قوله تعالى صلوا عليه يحتمل الرحمة والدعاء والتعظيم سألوا بأي لفظ تؤدى هكذا قال بعض المشايخ ورجح الباجي ان السؤال انما وقع عن صفتها لا عن جنسها وهو أظهر لان لفظ كيف ظاهر في الصفة واما الجنس فيسئل عنه بلفظ ما وبه جزم القرطبي فقال هذا سؤال من اشكلت عليه كيفية ما فهم أصله وذلك انهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها انتهى والحامل لهم على ذلك ان السلام لما تقدم بلفظ مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهموا منه ان الصلاة أيضا تقع بلفظ مخصوص وعدلوا عن القياس لا مكان الوقوف على النص ولا سيما في ألفاظ الأذكار فانها تجيء خارجة عن القياس غالبا فوقع الأمر كما فهموا فإنه لم يقل لهم قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا قولوا الصلاة والسلام عليك الخ بل علمهم صيغة أخرى قوله قال قولوا اللهم هذه كلمة كثر استعمالها في الدعاء وهو بمعنى يا الله والميم عوض عن حرف النداء فلا يقال اللهم غفور رحيم مثلا وانما قال اللهم اغفر لي وارحمني ولا يدخلها حرف النداء الا في نادر كقول الراجز اني إذا ما حادث الما أقول يا اللهم يا اللهما واختص هذا الاسم بقطع الهمزة عند النداء ووجوب تفخيم لامه وبدخول حرف النداء عليه مع التعريف وذهب الفراء ومن تبعه من الكوفيين الى ان أصله يا الله وحذف حرف النداء تخفيفا والميم مأخوذة من جملة محذوفة مثل امنا بخير وقيل بل زائدة كما في زرقم للشديد الزرقة وزيدت في الاسم العظيم تفخيما وقيل بل هو كالواو الدالة على الجمع كأن الداعي قال يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى ولذلك شددت الميم لتكون عوضا عن علامة الجمع وقد جاء عن الحسن البصري اللهم مجتمع الدعاء وعن النضر بن شميل من قال اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه قوله صل تقدم في اواخر تفسير الأحزاب عن أبي العالية ان معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له وعند بن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار وعن بن عباس ان معنى صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار وقال الضحاك بن مزاحم صلاة الله رحمته وفي رواية عنه مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء اخرجهما إسماعيل القاضي عنه وكأنه يريد الدعاء بالمغفرة ونحوها وقال المبرد الصلاة من الله الرحمة من الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة وتعقب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله تعالى صلوا عليه وسلموا حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع تقدم ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام وجوز الحليمي ان تكون الصلاة بمعنى السلام عليه وفيه نظر وحديث الباب يرد على ذلك واولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية ان معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقيل صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة فصلاته على انبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء ونقل عياض عن بكر القشيري قال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى ان الله وملائتكه يصلون على النبي وقال قبل ذلك في السورة المذكورة هو الذي يصلي عليكم وملائكته ومن المعلوم ان القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ارفع مما يليق بغيره والإجماع منعقد على ان في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها وقال الحليمي في الشعب معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا اللهم صل على محمد عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وابقاء شريعته وفي الآخرة باجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وابداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى صلوا عليه ادعوا ربكم بالصلاة عليه انتهى ولا يعكر عليه عطف آله وأزواجه وذريته عليه فإنه لا يمتنع ان يدعى لهم بالتعظيم إذ تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به وما تقدم عن أبي العالية أظهر فإنه يحصل به استعمال لفظ الصلاة بالنسبة الى الله والى ملائكته والى المؤمنين المأمورين بذلك بمعنى واحد ويؤيده انه لا خلاف في جواز الترحم على غير الأنبياء واختلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء ولو كان معنى قولنا اللهم صل على محمد اللهم ارحم محمدا أو ترحم على محمد لجاز لغير أنبياء وكذا لو كانت بمعنى البركة وكذا الرحمة اسقط الوجوب في التشهد عند من يوجبه بقول المصلى في الشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ويمكن الانفصال بان ذلك وقع بطريق التعبد فلا بد من الإتيان به ولو سبق الإتيان بما يدل عليه وقوله على محمد وعلى ال محمد كذا وقع في الموضعين في قوله صل وفي قوله وبارك ولكن وقع في الثاني وبارك على آل إبراهيم ووقع عند البيهقي من وجه اخر عن ادم شيخ البخاري فيه على إبراهيم ولم يقل على ال إبراهيم وأخذ البيضاوي من هذا ان ذكر الآل في رواية الأصل مقحم كقوله على آل أبي أوفى قلت والحق ان ذكر محمد وإبراهيم وذكر ال إبراهيم ثابت في أصل الحيز وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الاخر وسأبين من ساقه تاما بعد قليل وشرح الطيبي على ما وقع في رواية البخاري هنا فقال هذا اللفظ يساعد قول من قال ان معنى قول الصحابي علمنا كيف السلام عليك أي في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فكيف نصلي عليك أي على أهل بيتك لأن الصلاة عليه قد عرفت مع السلام من الآية قال فكان السؤال عن الصلاة على الآل تشريفا لهم وقد ذكر محمد في الجواب لقوله تعالى لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وفائدته الدلالة على الاختصاص قال وانما ترك ذكر إبراهيم لينبه على هذه النكتة ولو ذكر لم يفهم ان ذكر محمد على سبيل التمهيد انتهى ولا يخفى ضعف ما قال ووقع في حديث أبي مسعود عند أبي داود والنسائي على محمد النبي الامي وفي حديث أبي سعيد في الباب على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ولم يذكر آل محمد ولا آل إبراهيم وهذا ان لم يحمل على ما قلته ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر والاظهر فساد ما بحثه الطيبي وفي حديث أبي حميد في الباب بعده على محمد وأزواجه وذريته ولم يذكر الآل في الصحيح ووقعت في رواية بن ماجة وعند أبي داود من حديث أبي هريرة اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته وأخرجه النسائي من الوجه الذي أخرجه منه أبو داود ولكن وقع في السند اختلاف بين موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود فيه وبين عمرو بن عاصم شيخ شيخ النسائي فيه فروياه معا عن حبان بن يسار وهو بكسر المهملة وتشديد الموحدة وأبوه بمثناة ومهملة خفيفة فوقع في رواية موسى عنه عن عبيد الله بن طلحة عن محمد بن علي عن نعيم المجمر عن أبي هريرة وفي رواية عمرو بن عاصم عنه عن عبد الرحمن بن طلحة عن محمد بن علي عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب ورواية موسى أرجح ويحتمل ان يكون لحبان فيه سندان ووقع في حديث أبي مسعود وحده في اخره في العالمين انك حميد مجيد ومثله في رواية داود بن قيس عن نعيم المجمر عن أبي هريرة عند السراج قال النووي في شرح المهذب ينبغي ان يجمع ما في الأحاديث الصحيحة فيقول اللهم صل على محمد النبي الامي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم آل إبراهيم وبارك مثله وزاد في آخره في العالمين وقال في الأذكار مثله وزاد عبدك ورسولك بعد قوله محمد في صل ولم يزدها في بارك وقال في التحقيق و الفتاوى مثله الا انه اسقط النبي الامي في وبارك وفاته أشياء لعلها توازي قدر ما زاده أو تزيد عليه منها قوله أمهات المؤمنين بعد قوله أزواجه ومنها وأهل بيته بعد قوله وذريته وقد وردت في حديث بن مسعود عند الدارقطني ومنها ورسولك في وبارك ومنها في العالمين في الأولى ومنها انك حميد مجيد قبل وبارك ومنها اللهم قبل وبارك فإنهما ثبتا معا في رواية للنسائي ومنها وترحم على محمد الخ وسيأتي البحث فيها بعد ومنها في اخر التشهد وعلينا معهم وهي عند الترمذي من طريق أبي أسامة عن زائدة عن الأعمش عن الحكم نحو حديث الباب قال في اخره قال عبد الرحمن ونحن نقول وعلينا معهم وكذا أخرجها السراج من طريق زائدة وتعقب بن العربي هذه الزيادة قال هذا شيء انفرد به زائدة فلا يعول عليه فان الناس اختلفوا في معنى الآل اختلافا كثيرا ومن جملته انهم أمته فلا يبقى للتكرار فائدة واختلفوا أيضا في جواز الصلاة على غير الأنبياء فلا نرى ان نشرك في هذه الخصوصية مع محمد وآله أحدا وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بان زائدة من الاثبات فانفراده لو انفرد لا يضر مع كونه لم ينفرد فقد أخرجها إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة من طريقين عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ويزيد استشهد به مسلم وعند البيهقي في الشعب من حديث جابر نحو حديث الباب وفي اخره وعلينا معهم وأما الإيراد الأول فإنه يختص بمن يرى ان معنى الآل كل الأمة ومع ذلك فلا يمتنع ان يعطف الخاص على العام ولا سيما في الدعاء واما الإيراد الثاني فلا نعلم من منع ذلك تبعا وانما الخلاف في الصلاة على غير الأنبياء استقلالا وقد شرع الدعاء للآحاد بما دعاه به النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه في حديث اللهم اني أسألك من خير ما سألك منه محمد وهو حديث صحيح أخرجه مسلم انتهى ملخصا وحديث جابر ضعيف ورواية يزيد أخرجها أحمد أيضا عن محمد بن فضيل عنه وزاد في اخره قال يزيد فلا ادرى اشيء زاده عبد الرحمن من قبل نفسه أو رواه عن كعب وكذا أخرجه الطبري من رواية محمد بن فضيل ووردت هذه الزيادة من وجهين اخرين مرفوعين أحدهما عند الطبراني من طريق فطر بن خليفة عن الحكم بلفظ يقولون اللهم صل على محمد الى قوله وآل إبراهيم وصل علينا معهم وبارك على محمد مثله وفي آخره وبارك علينا معهم ورواته موثقون لكنه فيما احسب مدرج لما بينه زائدة عن الأعمش ثانيهما عند الدارقطني من وجه اخر عن بن مسعود مثله لكن قال اللهم بدل الواو في وصل وفي وبارك وفيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف وقد تعقب الأسنوي ما قال النووي فقال لم يستوعب ما ثبت في الأحاديث مع اختلاف كلامه وقال الاذرعي لم يسبق الى ما قال والذي يظهر ان الأفضل لمن تشهد ان يأتي بأكمل الروايات ويقول كل ما ثبت هذا مرة وهذا مرة واما التلفيق فإنه يستلزم احداث صفة في التشهد لم ترد مجموعة في حديث واحد انتهى وكأنه اخذه من كلام بن القيم فإنه قال ان هذه الكيفية لم ترد مجموعة في طريق من الطرق والأولى ان يستعمل كل لفظ ثبت على حدة فبذلك يحصل الإتيان بجميع ما ورد بخلاف ما إذا قال الجميع دفعة واحدة فان الغالب على الظن انه صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك وقال الأسنوي أيضا كان يلزم الشيخ ان يجمع الألفاظ الواردة في التشهد وأجيب بأنه لا يلزم من كونه لم يصرح بذلك ان لا يلتزمه وقال بن القيم أيضا قد نص الشافعي على ان الاختلاف في ألفاظ التشهد ونحوه كالاختلاف في القراءات ولم يقل أحد من الأئمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ المختلفه في الحرف الواحد من القرآن وان كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم النمرين انتهى والذي يظهر ان اللفظ ان كان بمعنى اللفظ الاخر سواء كما في أزواجه وأمهات المؤمنين فالأولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما وان كان اللفظ يستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الاخر البتة فالأولى الإتيان به ويحمل على ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر كما تقدم وان كان يزيد على الاخر في المعنى شيئا ما فلا بأس بالإتيان به احتياطا وقالت طائفة منهم الطبري ان ذلك الاختلاف المباح فأي لفظ ذكره المرء اجزأ والافضل ان يستعمل اكمله وأبلغه واستدل على ذلك باختلاف النقل عن الصحابة فذكر ما نقل عن علي وهو حديث موقوف طويل أخرجه سعيد بن منصور والطبري والطبراني وابن فارس وأوله اللهم داحي المدحوات الى ان قال اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحيتك على محمد عبدك ورسولك الحديث وعن بن مسعود بلفظ اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين امام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك الحديث أخرجه بن ماجة والطبري وادعى بن القيم ان أكثر الأحاديث بل كلها مصرحة بذكر محمد وآل محمد وبذكر آل إبراهيم فقط أو بذكر إبراهيم فقط قال ولم يجيء في حديث صحيح بلفظ إبراهيم وآل إبراهيم معا وانما أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن بن مسعود ويحيى مجهول وشيخه مبهم فهو سند ضعيف وأخرجه بن ماجة من وجه اخر قوى لكنه موقوف على بن مسعود وأخرجه النسائي والدارقطني من حديث طلحة قلت وغفل عما وقع في صحيح البخاري كما تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام من طريق عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بلفظ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وكذا في قوله كما باركت وكذا وقع في حديث أبي مسعود البدري من رواية محمد عن بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد عنه أخرجه الطبري بل أخرجه الطبري أيضا في رواية الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه من طريق عمرو بن قيس عن الحكم بن عتيبة فذكره بلفظ على محمد وآل محمد انك حميد مجيد وبلفظ على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وأخرجه أيضا من طريق الأجلح عن الحكم مثله سواء واخرج أيضا من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة ما سأذكره وأخرجه أبو العباس السراج من طريق داود بن قيس عن نعيم المجمر عن أبي هريرة انهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد ومن حديث بريدة رفعه اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وأصله عند أحمد ووقع في حديث بن مسعود المشار اليه زيادة أخرى وهي وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم الحديث وأخرجه الحاكم في صحيحه من حديث بن مسعود فاغتر بتصحيحه قوم فوهموا فإنه من رواية يحيى بن السباق وهو مجهول عن رجل مبهم نعم اخرج بن ماجة ذلك عن بن مسعود من قوله قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد عبدك ورسولك الحديث وبالغ بن العربي في إنكار ذلك فقال حذار مما ذكره بن أبي زيد من زيادة وترحم فإنه قريب من البدعة لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم كيفية الصلاة عليه بالوحي ففي الزيادة على ذلك استدراك عليه انتهى وابن أبي زيد ذكر ذلك في صفة التشهد في الرسالة لما ذكر ما يستحب في التشهد ومنه اللهم صل على محمد وآل محمد فزاد وترحم على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد الخ فان كان إنكاره لكونه لم يصح فمسلم والا فدعوى من ادعى انه لا يقال ارحم محمدا مردودة لثبوت ذلك في عدة أحاديث اصحها في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ثم وجدت لابن أبي زيد مستندا فأخرج الطبري في تهذيبه من طريق حنظلة بن علي عن أبي هريرة رفعه من قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم شهدت له يوم القيامة وشفعت له ورجال سنده رجال الصحيح الا سعيد بن سليمان مولى سعيد بن العاص الراوي له عن حنظلة بن علي فإنه مجهول تنبيه هذا كله فيما يقال مضموما الى السلام او الصلاة وقد وافق بن العربي الصيدلاني من الشافعية على المنع وقال أبو القاسم الأنصاري شارحا الإرشاد يجوز ذلك مضافا الى الصلاة ولا يجوز مفردا ونقل عياض عن الجمهور الجواز مطلقا وقال القرطبي في المفهم انه الصحيح لورود الأحاديث به وخالفه غيره ففي الذخيرة من كتب الحنفية عن محمد يكره ذلك لايهامه النقص لان الرحمة غالبا انما تكون عن فعل ما يلام عليه وجزم بن عبد البر بمنعه فقال لا يجوز لاحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان يقول رحمه الله لأنه قال من صلى على ولم يقل من ترحم على ولا من دعا لي وان كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه خص هذا اللفظ تعظيما له فلا يعدل عنه الى غيره ويؤيده قوله تعالى لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا انتهى وهو بحث حسن لكن في التعليل الأول نظر والمعتمد الثاني والله اعلم قوله وعلى آل محمد قيل أصل آل أهل قلبت الهاء همزة ثم سهلت ولهذا إذا صغر رد الى الأصل فقالوا اهيل وقيل بل أصله أول من آل إذا رجع سمى بذلك من يئول الى الشخص ويضاف اليه ويقويه انه لا يضاف الا الى معظم فيقال آل القاضي ولا يقال آل الحجام بخلاف أهل ولا يضاف آل أيضا غالبا الى غير العاقل ولا الى المضمر عند الأكثر وجوزه بعضهم بقلة وقد ثبت في شعر عبد المطلب في قوله في قصة أصحاب الفيل من أبيات وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وقد يطلق آل فلان على نفسه وعليه وعلى من يضاف اليه جميعا وضابطه انه إذا قيل فعل آل فلان كذا دخل هو فيهم الا بقرينه ومن شواهده قوله صلى الله عليه وسم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وان ذكرا معا فلا وهو كالفقير والمسكين وكذا الإيمان والإسلام والفسوق والعصيان ولما اختلفت ألفاظ الحديث في الإتيان بهما معا وفي افراد أحدهما كان أولى المحامل ان يحمل على انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك كله ويكون بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر واما التعدد فبعيد لان غالب الطرق تصرح بأنه وقع جوابا عن قولهم كيف نصلي عليك ويحتمل ان يكون بعض من اقتصر على آل إبراهيم بدون ذكر إبراهيم رواه بالمعنى بناء على دخول إبراهيم في قوله آل إبراهيم كما تقدم واختلف في المراد بآل محمد في هذا الحديث فالراجح انهم من حرمت عليهم الصدقة وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك واضحا في كتاب الزكاة وهذا نص عليه الشافعي واختاره الجمهور ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي انا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وقد تقدم في البيوع من حديث أبي هريرة ولمسلم من حديث عبد المطلب بن ربيعة في اثناء حديث مرفوع ان هذه الصدقة انما هي اوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وقال أحمد المراد بآل محمد في حديث التشهد أهل بيته وعلى هذا فهل يجوز أن قال أهل عوض آل روايتان عندهم وقيل المراد بآل محمد أزواجه وذريته لان أكثر طرق هذا الحديث جاء بلفظ وآل محمد وجاء في حديث أبي حميد موضعه وأزواجه وذريته فدل على ان المراد بالآل الأزواج والذرية وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة فيحمل على ان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره فالمراد بالآل في التشهد الأزواج ومن حرمت عليهم الصدقة ويدخل فيهم الذرية فبذلك يجمع بين الأحاديث وقد اطلق على أزواجه صلى الله عليه وسلم آل محمد في حديث عائشة ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثا وقد تقدم ويأتي في الرقاق وفيه أيضا من حديث أبي هريرة اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وكأن الأزواج افردوا بالذكر تنويها بهم وكذا الذرية وقيل المراد بالآل ذرية فاطمة خاصة حكاه النووي في شرح المهذب وقيل هم جميع قريش حكاه بن الرفعة في الكفاية وقيل المراد بالآل جميع الأمة امة الإجابة وقال بن العربي مال الى ذلك مالك واختاره الأزهري وحكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الشافعية ورجحه النووي في شرح مسلم وقيده القاضي حسين والراغب بالاتقياء منهم وعليه يحمل كلام من اطلق ويؤيده قوله تعالى ان اولياؤه الا المتقون وقوله صلى الله عليه وسلم ان اوليائي منكم المتقون وفي نوادر أبي العيناء انه غض من بعض الهاشميين فقال له اتغض مني وأنت تصلي على في كل صلاة في قولك اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقال اني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم ويمكن ان يحمل كلام من اطلق على ان المراد بالصلاة الرحمة المطلقة فلا تحتاج الى تقييد وقد استدل لهم بحديث أنس رفعه آل محمد كل تقي أخرجه الطبراني ولكن سنده واه جدا واخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف قوله كما صليت على آل إبراهيم اشتهر السؤال عن موقع التشبيه مع ان المقرر ان المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لان محمدا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من آل إبراهيم ومن إبراهيم ولا سيما قد اضيف اليه آل محمد وقضية كونه أفضل ان تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره وأجيب عن ذلك بأجوبة الأول انه قال ذلك قبل ان يعلم انه أفضل من إبراهيم وقد اخرج مسلم من حديث أنس ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية قال ذاك إبراهيم أشار اليه بن العربي وايده بأنه سأل لنفسه التسوية مع إبراهيم وأمر أمته ان يسألوا له ذلك فزاده الله تعالى بغير سؤال ان فضله على إبراهيم وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد ان علم انه أفضل الثاني انه قال ذلك تواضعا وشرع ذلك لأمته ليكتسبوا بذلك الفضيلة الثالث ان التشبيه انما هو لاصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر فهو كقوله تعالى انا اوحينا إليك كما أو حينا الى نوح وقوله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم وهو كقول القائل أحسن الى ولدك كما أحسنت الى فلان ويريد بذلك أصل الإحسان لا قدره ومنه قوله تعالى واحسن كما أحسن الله إليك ورجح هذا الجواب القرطبي في المفهم الرابع ان الكاف للتعليل كما في قوله كما ارسلنا فيكم رسولا منكم وفي قوله تعالى فاذكروه كما هداكم وقال بعضهم الكاف على بابها من التشبيه ثم عدل عنه للاعلام بخصوصية المطلوب الخامس ان المراد ان يجعله خليلا كما جعل إبراهيم وان يجعل له لسان صدق كما جعل لإبراهيم مضافا الى ما حصل له من المحبة ويرد عليه ما ورد على الأول وقربه بعضهم بأنه مثل رجلين يملك أحدهما الفا ويملك الاخر الفين فسأل صاحب الالفين ان يعطى الفا أخرى نظير الذي اعطيها الأول فيصير المجموع للثاني اضعاف ما للاول السادس ان قوله اللهم صل على محمد مقطوع عن التشبيه فيكون التشبيه متعلقا بقوله وعلى آل محمد وتعقب بأن غير الأنبياء لا يمكن ان يساووا الأنبياء فكيف تطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله ويمكن الجواب عن ذلك بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سببا للثواب وقد نقل العمراني في البيان عن الشيخ أبي حامد انه نقل هذا الجواب عن نص الشافعي واستبعد بن القيم صحة ذلك عن الشافعي لأنه مع فصاحته ومعرفته بلسان العرب لا يقول هذا الكلام الذي يستلزم هذا التركيب الركيك المعيب من كلام العرب كذا قال وليس التركيب المذكور بركيك بل التقدير اللهم صل على محمد وصل على آل محمد كما صليت الى آخره فلا يمتنع تعلق التشبيه بالجملة الثانية السابع ان التشبيه انما هو للمجموع بالمجموع فإن في الأنبياء من آل إبراهيم كثرة فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآل إبراهيم بالصفات الكثيرة التي لمحمد أمكن انتفاء التفاضل قلت ويعكر على هذا الجواب انه وقع في حديث أبي سعيد ثاني حديثي الباب مقابلة الاسم فقط بالاسم فقط ولفظه اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم الثامن ان التشبيه بالنظر الى ما يحصل لمحمد وآل محمد من صلاة كل فرد فرد فيحصل من مجموع صلاة المصلين من أول التعليم الى اخر الزمان اضعاف ما كان لآل إبراهيم وعبر بن العربي عن هذا بقوله المراد دوام ذلك واستمراره التاسع ان التشبيه راجع الى المصلي فيما يحصل له من الثواب لا بالنسبة الى ما يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا ضعيف لأنه يصير كأنه قال اللهم اعطني ثوابا على صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم كما صليت على آل إبراهيم ويمكن ان يجاب بأن المراد مثل ثواب المصلى على آل إبراهيم العاشر دفع المقدمة المذكورة اولا وهي ان المشبه به يكون ارفع من المشبه وان ذلك ليس مطردا بل قد يكون التشبيه بالمثل بل وبالدون كا في قوله تعالى مثل نوره كمشكاة وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى ولكن لما كان المراد من المشبه به ان يكون شيئا ظاهرا واضحا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورا واضحا عند جميع الطوائف حسن ان يطلب لمحمد وآل محمد بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآل إبراهيم ويؤيد ذلك ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين أي كما اظهرت الصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين ولهذا لم يقع قوله في العالمين الا في ذكر آل إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما وقع في الحديث الذي ورد فيه وهو حديث أبي مسعود فيما أخرجه مالك ومسلم وغيرهما وعبر الطيبي عن ذلك بقوله ليس التشبيه المذكور من باب الحاق الناقص بالكامل بل من باب الحاق ما لم يشتهر بما اشتهر وقال الحليمي سبب هذا التشبيه ان الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد وقد علم ان محمدا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال اجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما اجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ ولذلك ختم بما ختمت به الآية وهو قوله انك حميد مجيد وقال النووي بعد ان ذكر بعض هذه الأجوبة أحسنها ما نسب الى الشافعي والتشبيه لاصل الصلاة بأصل الصلاة أو للمجموع بالمجموع وقال بن القيم بعد ان زيف أكثر الأجوبة الا تشبيه المجموع بالمجموع واحسن منه ان يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن بن عباس في تفسير قوله تعالى ان الله اصطفى ادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا ان نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له وذلك القدر ازيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وان المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ ووجدت في مصنف لشيخنا محمد الدين الشيرازي اللغوي جوابا اخر نقله عن بعض أهل الكشف حاصله ان التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا لعينه وذلك ان المراد بقولنا اللهم صل على محمد اجعل من اتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في ابتاعه أنبياء يقررون الشريعة والمراد بقوله وعلى آل محمد اجعل من اتباعه ناسا محدثين بالفتح يخبرون بالمغيبات كما صليت على إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات والمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمد وهم اتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم وهذا محصل ما ذكره وهو جيد ان سلم ان المراد بالصلاة هنا ما ادعاه والله اعلم وفي نحو هذه الدعوى جواب آخر المراد اللهم استجب دعاء محمد في أمته كما استجبت دعاء إبراهيم في بنيه ويعكر على هذا عطف الآل في المضوعين قوله على آل إبراهيم هم ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جماعة من الشراح وان ثبت ان إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة ثم ان المراد المسلمون منهم بل المتقون فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون وال
[ 5997 ] بن أبي حازم والدراوردي اسم كل منهما عبد العزيز وابن أبي حازم ممن يحتج به البخاري والدراوردي انما يخرج له في المتابعات أو مقرونا بآخر ويزيد شيخهما هو بن عبد الله بن الهاد وعبد الله بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة قوله هذا السلام عليك أي عرفناه كما وقع تقريره في الحديث الأول وتقدمت بقية فوائده في الذي قبله واستدل بهذا الحديث على تعين هذا اللفظ الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في امتثال الأمر سواء قلنا بالوجوب مطلقا أو مقيدا بالصلاة وأما تعينه في الصلاة فعن أحمد في رواية والأصح عند اتباعه لا تجب واختلف في الأفضل فعن أحمد أكمل ما ورد وعنه يتخير واما الشافعية فقالوا يكفي ان يقول اللهم صل على محمد واختلفوا هل يكفي الإتيان بما يدل على ذلك كأن يقوله بلفظ الخبر فيقول صلى الله على محمد مثلا والأصح اجزاؤه وذلك ان الدعاء بلفظ الخبر آكد فيكون جائزا بطريق الأولى ومن منع وقف عند التعبد وهو الذي رجحه بن العربي بل كلامه يدل على ان الثواب الوارد لمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم انما يحصل لمن صلى عليه بالكيفية المذكورة واتفق أصحابنا على انه لا يجزيء ان يقتصر على الخبر كأن يقول الصلاة على محمد إذ ليس فيه إسناد الصلاة الى الله تعالى واختلفوا في تعين لفظ محمد لكن جوزوا الاكتفاء بالوصف دون الاسم كالنبي ورسول الله لان لفظ محمد وقع التعبد به فلا يجزيء عنه الا ما كان أعلى منه ولهذا قالوا لا يجزيء الإتيان بالضمير ولا بأحمد مثلا في الأصح فيهما مع تقدم ذكره في التشهد بقوله النبي وبقوله محمد وذهب الجمهور الى الاجتزاء بكل لفظ أدى المراد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى قال بعضهم لو قال في اثناء التشهد الصلاة والسلام عليك أيها النبي اجزأ وكذا لو قال اشهد ان محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله بخلاف ما إذا قدم عبده ورسوله وهذا ينبغي ان ينبني على ان ترتيب ألفاظ التشهد لا يشترط وهو الأصح ولكن دليل مقابله قوي لقولهم كما يعلمنا السورة وقول بن مسعود عدهن في يدي ورأيت لبعض المتأخرين فيه تصنيفا وعمدة الجمهور في الاكتفاء بما ذكر ان الوجوب ثبت بنص القرآن بقوله تعالى صلوا عليه وسلموا تسليما فلما سأل الصحابة عن الكيفية وعلمها لهم النبي صلى الله عليه وسلم واختلف النقل لتلك الألفاظ اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات وترك ما زاد على ذلك كما في التشهد إذ لو كان المتروك واجبا لما سكت عنه انتهى وقد استشكل ذلك بن الفركاح في الاقليد فقال جعلهم هذا هو الاقل يحتاج الى دليل على الاكتفاء بمسمى الصلاة فان الأحاديث الصحيحة ليس فيها الاقتصار والأحاديث التي فيها الأمر بمطلق الصلاة ليس فيها ما يشير الى ما يجب من ذلك في الصلاة واقل ما وقع في الروايات اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم ومن ثم حكى الفوراني عن صاحب الفروع في إيجاب ذكر إبراهيم وجهين واحتج لمن لم يوجبه بأنه ورد بدون ذكره في حديث زيد بن خارجة عند النسائي بسند قوي ولفظه صلوا علي وقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفيه نظر لأنه من اختصار بعض الرواة فإن النسائي أخرجه من هذا الوجه بتمامه وكذا الطحاوي واختلف في إيجاب الصلاة على الآل ففي تعينها أيضا عند الشافعية والحنابلة روايتان والمشهور عندهم لا وهو قول الجمهور وادعى كثير منهم فيه الإجماع وأكثر من اثبت الوجوب من الشافعية نسبوه الى الترنجي ونقل البيهقي في الشعب عن أبي إسحاق المروزي وهو من كبار الشافعية قال أنا اعتقد وجوبها قال البيهقي وفي الأحاديث الثابتة دلالة على صحة ما قال قلت وفي كلام الطحاوي في مشكلة ما يدل على ان حرملة نقله عن الشافعي واستدل به على مشروعية الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول والمصحح عند الشافعية استحباب الصلاة عليه فقط لأنه مبني على التخفيف وأما الأول فبناه الأصحاب على حكم ذلك في التشهد الأخير ان قلنا بالوجوب قلت واستدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكيفية بعد سؤالهم عنها بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه لأنه لا يختار لنفسه الا الأشرف الأفضل ويترتب على ذلك لو حلف ان يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر ان يأتي بذلك هكذا صوبه النووي في الروضة بعد ذكر حكاية الرافعي عن إبراهيم المروزي انه قال يبر إذا قال كلما ذكره الذاكرون وكلما سها عن ذكره الغافلون قال النووي وكأنه اخذ ذلك من كون الشافعي ذكر هذه الكيفية قلت وهي في خطبة الرسالة لكن بلفظ غفل بدل سها وقال الاذرعي إبراهيم المذكور كثير النقل من تعليقة القاضي حسين ومع ذلك فالقاضي قال في طريق البر يقول اللهم صلى على محمد كما هو أهله ومستحقه وكذا نقله البغوي في تعليقه قلت ولو جمع بينها فقال ما في الحديث وأضاف اليه اثر الشافعي وما قاله القاضي لكان اشمل ويحتمل ان يقال يعمد الى جميع ما اشتملت عليه الروايات الثابتة فيستعمل منها ذكرا يحصل به البر وذكر شيخنا مجد الدين الشيرازي في جزء له في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض العلماء انه قال أفضل الكيفيات ان يقول اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وازواجه وذريته وسلم عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك وعن اخر نحوه لكن قال عدد الشفع والوتر وعدد كلماتك التامة ولم يسم قائلها والذي يرشد اليه الدليل ان البر يحصل بما في حديث أبي هريرة لقوله صلى الله عليه وسلم من سره ان يكتال بالمكيال الاوفى إذا صلى علينا فليقل اللهم صلي على محمد النبي وازواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم الحديث والله اعلم تنبيه ان كان مستند المروزي ما قاله الشافعي فظاهر كلام الشافعي ان الضمير لله تعالى فإن لفظه وصلى الله على نبيه كلما ذكره الذاكرون فكان حق من غير عبارته ان يقول اللهم صل على محمد كلما ذكرك الذاكرون الخ واستدل به على جواز الصلاة على غير الأنبياء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده واستدل به على ان الواو لا تقتضي الترتيب لان صيغة الأمر وردت بالصلاة والتسليم بالواو في قوله تعالى صلوا عليه وسلموا وقدم تعليم السلام قبل الصلاة كما قالوا علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك واستدل به على رد قول النخعي يجزيء في امتثال الأمر بالصلاة قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته في التشهد لأنه لو كان كما قال لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه الى ذلك ولما عدل الى تعليمهم كيفية أخرى واستدل به على ان افراد الصلاة عن التسليم لا يكره وكذا العكس لان تعليم التسليم تقدم قبل تعليم الصلاة كما تقدم فأفرد التسليم مدة في التشهد قبل الصلاة عليه وقد صرح النووي بالكراهة واستدل بورود الأمر بهما معا في الآية وفيه نظر نعم يكره ان يفرد الصلاة ولا يسلم أصلا اما لو صلى في وقت وسلم في وقت اخر فإنه يكون ممتثلا واستدل به على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ورود الأمر بها واعتناء الصحابة بالسؤال عن كيفيتها وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديث قوية لم يخرج البخاري منها شيئا منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رفعه من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا وله شاهد عن أنس عند أحمد والنسائي وصححه بن حبان وعن أبي بردة بن نيار وأبي طلحة كلاهما عند النسائي ورواتهما ثقات ولفظ أبي بردة من صل علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ولفظ أبي طلحة عنده نحوه وصححه بن حبان ومنها حديث بن مسعود رفعه ان أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة وحسنه الترمذي وصححه بن حبان وله شاهد عند البيهقي عن أبي امامة بلفظ صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان اقربهم مني منزلة ولا بأس بسنده وورد الأمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة من حديث أوس بن أوس وهو عند أحمد وأبي داود وصححه بن حبان والحاكم ومنها حديث البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وإسماعيل القاضي واطنب في تخريج طرقه وبيان الاختلاف فيه من حديث علي ومن حديث ابنه الحسين ولا يقصر عن درجة الحسن ومنها حديث من نسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة أخرجه بن ماجة عن بن عباس والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة وابن أبي حاتم من حديث جابر والطبراني من حديث حسين بن علي وهذه الطرق يشد بعضها بعضا وحديث رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ من ذكرت عنده ولم يصل على فمات فدخل النار فأبعده الله وله شاهد عنده وصححه الحاكم وله شاهد من حديث أبي ذر في الطبراني واخر عن أنس عند بن أبي شيبة واخر مرسل عن الحسن عند سعيد بن منصور وأخرجه بن حبان من حديث أبي هريرة ومن حديث مالك بن الحويرث ومن حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني ومن حديث عبد الله بن جعفر عند الفريابي وعند الحاكم من حديث كعب بن عجرة بلفظ بعد من ذكرت عنده فلم يصل علي وعند الطبراني من حديث جابر رفعه شقى عبد ذكرت عنده فلم يصل علي وعند عبد الرزاق من مرسل قتادة من الجفاء ان أذكر عند رجل فلا يصلي علي ومنها حديث أبي بن كعب ان رجلا قال يا رسول الله اني أكثر الصلاة فما اجعل لك من صلاتي قال ما شئت قال الثلث قال ما شئت وان زدت فهو خير الى ان قال اجعل لك كل صلاتي قال إذا تكفي همك الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند حسن فهذا الجيد من الأحاديث الواردة في ذلك وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة وواهية واما ما وضعه القصاص في ذلك فلا يحصى كثرة وفي الأحاديث القوية غنية عن ذلك قال الحليمي المقصود بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التقرب الى الله بامتثال امره وقضاء حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا وتبعه بن عبد السلام فقال ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فرأشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا الى الصلاة عليه وقال بن العربي فائدة الصلاة عليه ترجع الى الذي يصلي عليه لدلالة ذلك على نصوص العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة صلى الله عليه وسلم وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكر لان الدعاء بالرغم والابعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد والوعيد على الترك من علامات الوجوب ومن حيث المعنى ان فائدة الأمر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه واحسانه مستمر فيتأكد إذا ذكر وتمسكوا أيضا بقوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فلو كان إذا ذكر لا يصلي عليه لكان كآحاد الناس ويتأكد ذلك إذا كان المعنى بقوله دعاء الرسول الدعاء المتعلق بالرسول وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبه منها انه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين فهو قول مخترع ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا اذن وكذا سامعه وللزم القاريء إذا مر ذكره في القرآن وللزم الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به وقد اطلق القدوري وغيره من الحنفية ان القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للاجماع المنعقد قبل قائله لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة انه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليك ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا وفي الجملة لا دلالة على وجوب تكرر ذلك بتكرر ذكره صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد واحتج الطبري لعدم الوجوب أصلا مع ورود صيغة الأمر بذلك بالاتفاق من جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على ان ذلك غير لازم فرضا حتى يكون تاركه عاصيا قال فدل ذلك على ان الأمر فيه للندب ويحصل الامتثال لمن قاله ولو كان خارج الصلاة وما ادعاه من الإجماع معارض بدعوى غيره الإجماع على مشروعية ذلك في الصلاة اما بطريق الوجوب واما بطريق الندب ولا يعرف عن السلف لذلك مخالف الا ما أخرجه بن أبي شيبة والطبري عن إبراهيم انه كان يرى ان قول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته يجزيء عن الصلاة ومع ذلك لم يخالف في أصل المشروعية وانما ادعى أجزاء السلام عن الصلاة والله اعلم ومن المواطن التي اختلف في وجوب الصلاة عليه فيها التشهد الأول وخطبة الجمعة وغيرها من الخطب وصلاة الجنازة ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جيدة عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وفي أوله آكد وفي اخر القنوت وفي اثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الاجتماع والتفرق وعند السفر والقدوم وعند القيام لصلاة الليل وعند ختم القرآن وعند الهم والكرب وعند التوبة من الذنب وعند قراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر وعند نسيان الشيء وورد ذلك أيضا في أحاديث ضعيفة وعند استلام الحجر وعند طنين الإذن وعند التلبية وعقب الوضوء وعند الذبح والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا وورد الأمر بالإكثار منها يوم الجمعة في حديث صحيح كما تقدم

قوله باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم أي استقلالا أو تبعا ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث أحدها حديث علي في الدعاء بحفظ القرآن ففيه وصل علي وعلى سائر النبيين أخرجه الترمذي والحاكم وحديث بريدة رفعه لا تتركن في التشهد الصلاة علي وعلى أنبياء الله الحديث أخرجه البيهقي بسند واه وحديث أبي هريرة رفعه صلوا على أنبياء الله الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف وحديث بن عباس رفعه إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني أخرجه الطبراني ورويناه في فوائد العيسوى وسنده ضعيف أيضا وقد ثبت عن بن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه بن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه قال ما اعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد الا على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سند صحيح وحكى القول به عن مالك وقال ما تعبدنا به وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز وعن مالك يكره وقال عياض عامة أهل العلم على الجواز وقال سفيان يكره ان يصلي الا على نبي ووجدت بخط بعض شيوخي مذهب مالك لا يجوز ان يصلي الا على محمد وهذا غير معروف عن مالك وانما قال أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا ان نتعدى ما أمرنا به وخالفه يحيى بن يحيى فقال لا بأس به واحتج بأن الصلاة دعاء بالرحمة فلا يمنع الا بنص أو إجماع قال عياض والذي اميل اليه قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء قالوا يذكر غير الأنبياء بالرضا والغفران والصلاة على غير الأنبياء يعني استقلالا لم تكن من الأمر المعروف وانما احدثت في دولة بني هاشم واما الملائكة فلا اعرف فيه حديثا نصا وانما يؤخذ ذلك من الذي قبله ان ثبت لأن الله تعالى سماهم رسلا واما المؤمنون فاختلف فيه فقيل لا تجوز إلا على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وحكى عن مالك كما تقدم وقالت طائفة لا تجوز مطلقا استقلالا وتجوز تبعا فيما ورد به النص أو ألحق به لقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ولأنه لما علمهم السلام قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولما علمهم الصلاة قصر ذلك عليه وعلى أهل بيته وهذا القول اختاره القرطبي في المفهم وأبو المعالي من الحنابلة وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأحزاب وهو اختيار بن تيمية من المتأخرين وقالت طائفة تجوز تبعا مطلقا ولا تجوز استقلالا وهذا قول أبي حنيفة وجماعة وقالت طائفة تكره استقلالا لا تبعا وهي رواية عن أحمد وقال النووي هو خلاف الأولى وقالت طائفة تجوز مطلقا وهو مقتضى صنيع البخاري فإنه صدر بالآية وهي قوله تعالى وصل عليهم ثم علق الحديث الدال على الجواز مطلقا وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعا فأما الأول وهو حديث عبد الله بن أبي أوفى فتقدم شرحه في كتاب الزكاة ووقع مثله عن قيس بن سعد بن عبادة ان النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وهو يقول اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة أخرجه أبو داود والنسائي وسنده جيد وفي حديث جابر ان امرأته قال للنبي صلى الله عليه وسلم صل علي وعلى زوجي ففعل أخرجه أحمد مطولا ومختصرا وصححه بن حبان وهذا القول جاء عن الحسن ومجاهد ونص عليه أحمد في رواية أبا داود وبه قال إسحاق وأبو ثور وداود والطبري واحتجوا بقوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ان الملائكة تقول لروح المؤمن صلى الله عليك وعلى جسدك وأجاب المانعون عن ذلك كله بأن ذلك صدر من الله ورسوله ولهما ان يخصا من شاء بما شاء وليس ذلك لاحد غيرهما وقال البيهقي يحمل قول بن عباس بالمنع إذا كان على وجه التعظيم لا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة وقال بن القيم المختار ان يصلي على الأنبياء والملائكة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجمال وتكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ولا سيما إذا ترك في حق مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الاحايين من غير ان يتخذ شعارا لم يكن به بأس ولهذا لم يرد في حق غير من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذلك لهم وهم من أدى زكاته الا نادرا كما في قصة زوجة جابر وآل سعد بن عبادة تنبيه اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل يشرع مطلقا وقيل بل تبعا ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني قوله في ثاني حديثي الباب

[ 5999 ] عبد الله بن أبي بكر عن أبيه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري مختلف في اسمه وقيل كنيته اسمه وروايته عن عمرو بن سليم من الأقران وولده من صغار التابعين ففي السند ثلاثة من التابعين في نسق والسند كله مدنيون قوله وذريته بضم المعجمة وحكى كسرها هي النسل وقد يختص بالنساء والاطفال وقد يطلق على الأصل وهي من ذرأ بالهمز أي خلق الا ان الهمزة سهلت لكثرة الاستعمال وقيل بل هي من الذر أي خلقوا أمثال الذر وعليه فليس مهموز الأصل والله اعلم واستدل به على ان المراد بآل محمد أزواجه وذريته كما تقدم البحث فيه في الكلام على آل محمد في الباب الذي قبله واستدل به على ان الصلاة على الآل لا تجب لسقوطها في هذا الحديث وهو ضعيف لأنه لا يخلو ان يكون المراد بالآل غير أزواجه وذريته أو أزواجه وذريته وعلى تقدير كل منهما لا ينهض الاستدلال على عدم الوجوب اما على الأول فلثبوت الأمر بذلك في غير هذا الحديث وليس في هذا الحديث المنع منه بل اخرج عبد الرزاق من طريق بن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من الصحابة الحديث المذكور بلفظ صل على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته واما على الثاني فواضح واستدل به البيهقي على ان الأزواج من أهل البيت وأيده بقوله تعالى انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة كذا ترجم بهذا اللفظ وأورده بلفظ اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة أورده من طريق يونس وهو بن يزيد عن بن شهاب وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه مثله وظاهر سياقه انه حذف منه شيء من أوله وقد بينه مسلم من طريق بن أخي بن شهاب عن عمه بهذا الإسناد بلفظ اللهم اني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة ومن طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ اللهم انما انا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعله له زكاة ورحمة ومن طريق الأعرج عن أبي هريرة مثل رواية بن أخي بن شهاب لكن قال فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ومن طريق سالم عن أبي هريرة بلفظ اللهم انما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وانى قد اتخذت عندك عهدا الحديث وفيه فأيما مؤمن آذيته والباقي بمعناه بلفظ أو واخرج من حديث عائشة بيان سبب هذا الحديث قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا اردي ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت له فقال اوما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم انما انا بشر فآي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا وأخرجه من حديث جابر نحوه وأخرجه من حديث أنس وفيه تقييد المدعو عليه بأن يكون ليس لذلك بأهل ولفظه انما أنا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل ان يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة وفيه قصة لام سليم

[ 6000 ] قوله اللهم فأيما مؤمن الفاء جواب الشرط المحذوف لدلالة السياق عليه قال المازري ان قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها بأهل قيل ا لمراد بقوله ليس لها بأهل عندك في باطن امره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعائي عليه فكأنه يقول من كان باطن امره عندك انه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما طهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهورا وزكاة قال وهذا معنى صحيح لا احالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله انتهى وهذا مبني على قول من قال انه كان يجتهد في الاحكام ويحكم بما أدى اليه اجتهاده واما من قال كان لا يحكم الا بالوحي فلا يتأتى منه هذا الجواب ثم قال المازري فان قيل فما معنى قوله واغضب كما يغضب البشر فإن هذا يشير الى ان تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب لا انها على مقتضى الشرع فيعود السؤال فالجواب انه يحتلم انه أراد ان دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه والزجر له بما سوى ذلك فيكون الغضب لله تعالى بعثه على لعنه أو جلده ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه قال ويحتمل ان يكون ذلك خرج مخرج الاشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدي حدود الله فكأنه أظهر الاشتفاق من ان يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت أو اشفاقا من ان يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت ويكون من الصغائر على قول من يجوزها أو يكون الزجر يحصل بدونها ويحتمل ان يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد اليه فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة الى الله وطلبا للاستجابة وأشار عياض الى ترجيح هذا الاحتمال الأخير فقال يحتمل ان يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي لكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم عقرى حلقي وتربت يمينك فأشفق من موافقة امثالها القدر فعاهد ربه ورغب اليه ان يجعل ذلك القول رحمة وقربة انتهى وهذا الاحتمال حسن الا انه يرد عليه قوله جلدته فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه إذ لا يقع الجلد عن غير قصد وقد ساق الجميع مساقا واحدا الا ان حمل على الجلدة الواحدة فيتجه ثم ابدى القاضي احتمالا آخر فقال كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه وسلم في حال غضبه الا الحق لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفة وترك الاغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط الا ان تنتهك حرمات الله وهو في الصحيح قلت فعلى هذا فمعنى قوله ليس لها بأهل أي من جهة تعين التعجيل وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم وهذا كله في حق معين في زمنه واضح واما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم فما أظنه يشمله والله اعلم

قوله باب التعوذ من الفتن ستأتي هذه الترجمة وحديثها في كتاب الفتن وتقدم شيء من شرحه يتعلق بسبب نزول الآية المذكورة في اخر الحديث في تفسير سورة المائدة وقوله

[ 6001 ] احفوه بحاء مهملة ساكنة وفاء مفتوحة أي الحوا عليه يقال احفيته إذا حملته على ان يبحث عن الخبر وقوله لا بالرفع ويجوز النصب على الحال وقوله إذا لاحى بمهملة خفيفة أي خاصم وفي الحديث ان غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع من حكمه فإنه لا يقول الا الحق في الغضب والرضا وفيه فهم عمر وفضل علمه

قوله باب التعوذ من غلبة الرجال ذكر فيه حديث أنس في قصة خيبر وذكر صفية بنت حي وتقدم شرح ذلك في المغازي وغيرها وسيأتي منه التعوذ مفردا بعد أبواب

[ 6002 ] قوله فكنت اسمعه يكثر ان يقول استدل به على ان هذه الصيغة لا تدل على الدوام ولا الإكثار والا لما كان لقوله يكثر فائدة وتعقب بأن المراد بالدوام أعم من الفعل والقوة ويظهر لي ان الحاصل انه لم يعرف لذلك مزيلا ويفيد قوله يكثر وقوع ذلك من فعله كثيرا قوله من الهم والحزن الى قوله والجبن يأتي شرحه قريبا قوله وضلع الدين أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج يقال ضلع بفتح اللام يضلع أي مال والمراد به هنا ثقل الدين وشدته وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاء ولا سيما مع المطالبة وقال بعض السلف ما دخل هم الدين قلبا الا اذهب من العقل مالا يعود اليه قوله وغلبة الرجال أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا قال الكرماني هذا الدعاء من جوامع الكلم لان أنواع الرذائل ثلاثة نفسانية وبدنية وخارجية فالأولى بحسب القوى التي للإنسان وهي ثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية فالهم والحزن يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوانية والعجز والكسل بالبدنية والثاني يكون عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات والقوى والأول عند نقصان عضو ونحوه والضلع والغلبة بالخارجية فالأول مالي والثاني جاهي والدعاء مشتمل على جميع ذلك

قوله باب التعوذ من عذاب القبر تقدم الكلام عليه في اواخر كتاب الجنائز قوله سفيان هو بن عيينة وأم خالد بنت خالد اسمها امة بتخفيف الميم بنت خالد بن سعيد بن العاص تقدم ذكرها في اللباس وانها ولدت بأرض الحبشة لما هاجر ابواها إليها ثم قدموا المدينة وكانت صغيرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظت عنه

قوله باب التعوذ من البخل كذا وقعت هذه الترجمة هنا للمستملي وحده وهي غلط من وجهين أحدهما ان الحديث الأول في الباب وان كان فيه ذكر البخل لكن قد ترجم لهذه الترجمة بعينها بعد أربعة أبواب وذكر فيه الحديث المذكور بعينه ثانيهما ان الحديث الثاني مختص بعذاب القبر لا ذكر للبخل فيه أصلا فهو بقية من الباب الذي قبله وهو اللائق به وقوله عن عبد الملك هو بن عمير كما سيأتي منسوبا في الباب المشار اليه

[ 6004 ] قوله عن مصعب هو بن سعد بن أبي وقاص وسيأتي قريبا من رواية غندر عن شعبة عن عبد الملك عن مصعب بن سعد ولعبد الملك بن عمير فيه شيخ اخر فقد تقدم في كتاب الجهاد من طريق أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن ميمون عن سعد وقال في اخره قال عبد الملك فحدثت به مصعبا فصدقه وأورده الإسماعيلي من طريق زائدة عن عبد الملك عن مصعب وقال في اخره فحدثت به عمرو بن ميمون فقال وأنا حدثني بهن سعد وقد أورده الترمذي من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الملك عن مصعب بن سعد وعمرو بن ميمون جميعا عن سعد وساقه على لفظ مصعب وكذا أخرجه النسائي من طريق زائدة عن عبد الملك عنهما وأخرجه البخاري من طريق زائدة عن عبد الملك عن مصعب وحده وفي سياق عمرو انه كان يقول ذلك دبر الصلاة وليس ذلك في رواية مصعب وفي رواية مصعب ذكر البخل وليس في رواية عمرو وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن بن مسعود هذه رواية زكريا عنه وقال إسرائيل عنه عن عمرو عن عمر بن الخطاب ونقل الترمذي عن الدارمي انه قال كان أبو إسحاق يضطرب فيه قلت لعل عمرو بن ميمون سمعه من جماعة فقد أخرجه النسائي من رواية زهير عن أبي إسحاق عن عمرو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمى منهم ثلاثة كما ترى وقوله انه كان سعد يأمر في رواية الكشميهني يأمرنا بصيغة الجمع وجرير المذكور في الحديث الثاني هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر من صغار التابعين وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وهو ومسروق شيخه من كبار التابعين ورجال الإسناد كلهم كوفيون الى عائشة ورواية أبي وائل عن مسروق من الأقران وقد ذكر أبو علي الجياني انه وقع في رواية أبي إسحاق المستملي عن الفربري في هذا الحديث منصور عن أبي وائل ومسروق عن عائشة بواو بدل عن قال والصواب الأول ولا يحفظ لأبي وائل عن عائشة رواية قلت اما كونه الصواب فصواب لاتفاق الرواة في البخاري على انه من رواية أبي وائل عن مسروق وكذا أخرجه مسلم وغيره من رواية منصور وأما النفي فمردود فقد اخرج الترمذي من رواية أبي وائل عن عائشة حديثين أحدهما ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة من رواية أبي وائل عن مسروق عن عائشة والثاني إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها الحديث أخرجه أيضا من رواية عمرو بن مرة سمعت أبا وائل عن عائشة وهذا أخرجه الشيخان أيضا من رواية منصور والأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة وهذا جميع ما في الكتب الستة لأبي وائل عن عائشة واخرج بن حبان في صحيحه من رواية شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عائشة حديث ما من مسلم يشاك شوكة فما دونها الا رفعه الله بها درجة الحديث وفي بعض هذا ما يرد إطلاق أبي علي

[ 6005 ] قوله دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة عجز بضم العين المهملة والجيم بعدها زاي جمع عجوز مثل عمود وعمد ويجمع أيضا على عجائز وهذه رواية الإسماعيلي عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي شيبة شيخ البخاري فيه قال بن السكيت ولا يقال عجوزة وقال غيره هي لغة رديئة وقوله ولم انعم هو رباعي من انعم والمراد انها لم تصدقهما اولا قوله فقلت يا رسول الله ان عجوزين وذكرت له فقال صدقتا قال الكرماني حذف خبر ان للعلم به والتقدير دخلتا قلت ظهر لي ان البخاري هو الذي اختصره فقد أخرجه الاسماعيل عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي شيبة شيخ البخاري فيه فساقه ولفظه فقلت له يا رسول الله ان عجوزين من عجائز يهود المدينة دخلتا علي فزعمتا ان أهل القبور يعذبون في قبورهم فقال صدقتا وكذا أخرجه مسلم من وجه اخر عن جرير شيخ عثمان فيه فعلى هذا فيضبط وذكرت له بضم التاء وسكون الراء أي ذكرت له ما قالتا وقوله تسمعه البهائم تقدم شرحه مستوفى وبينت طريق الجمع بين جزمه صلى الله عليه وسلم هنا بتصديق اليهوديتين في اثبات عذاب القبر وقوله في الرواية عائذا بالله من ذلك وكلا الحديثين عن عائشة وحاصله انه لم يكن اوحى اليه ان المؤمنين يفتنون في القبور فقال انما يفتن يهود فجرى على ما كان عنده من علم ذلك ثم لما علم بأن ذلك يقع لغير اليهود استعاذ منه وعلمه وأمر بإيقاعه في الصلاة ليكون انجح في الإجابة والله اعلم

قوله باب التعوذ من فتنة المحيا أي زمن الحياة

[ 6006 ] والممات أي زمن الموت من أول النزع وهلم جرا ذكر فيه حديث أنس وفيه ذكر العجز والكسل والجبن وقد تقدم الكلام عليه في الجهاد والبخل وسيأتي بعد بابين والهرم والمراد به الزيادة في كبر السن وعذاب القبر وقد مضى في الجنائز واما فتنة المحيا والممات فقال بن بطال هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة وينبغي للمرء ان يرغب الى ربه في رفع ما نزل ودفع ما لم ينزل ويستشعر الافتقار الى ربه في جميع ذلك وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع ما ذكر دفعا عن أمته وتشريعا لهم ليبين لهم صفة المهم من الأدعية قلت وقد تقدم شرح المراد بفتنة المحيا وفتنة الممات في باب الدعاء قبل السلام في اواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة وأصل الفتنة الامتحان والاختبار واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره ويقال فتنت الذهب إذا اختبرته بالنار لتنظر جودته وفي الغفلة عن المطلوب كقوله انما أموالكم وأولادكم فتنة وتستعمل في الإكراه على الرجوع عن الدين كقوله تعالى ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات قلت واستعملت أيضا في الضلال والاثم والكفر والعذاب والفضيحة ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن

قوله باب التعوذ من المأثم والمغرم بفتح الميم فيهما وكذا الراء والمثلثة وسكون الهمزة والغين المعجمة والمأثم ما يقتضي الإثم والمغرم ما يقتضي الغرم وقد تقدم بيانه في باب الدعاء قبل السلام من كتاب الصلاة

[ 6007 ] قوله من الكسل والهرم تقدما في الباب الذي قبله قوله والمأثم والمغرم والمراد الإثم والغرامة وهي ما يلزم الشخص اداؤه كالدين زاد في رواية الزهري عن عروة كما مضى في باب الدعاء قبل السلام فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المأثم والمغرم هكذا أخرجه من طريق شعيب عن الزهري وكذا أخرجه النسائي من طريق سليمان بن سليم الحمصي عن الزهري فذكر الحديث مختصرا وفيه فقال له يا رسول الله انك تكثر التعوذ الحديث وقد تقدم بيانه هناك وقلت اني لم اقف حينئذ على تسمية القائل ثم وجدت تفسير المبهم في الاستعاذة للنسائي أخرجه من طريق سلمة بن سعيد بن عطية عن معمر عن الزهري فذكر الحديث مختصرا ولفظه كان يتعوذ من المغرم والمأثم قلت يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم قال انه من غرم حدث فكذب ووعد فأخلف فعرف ان السائل له عن ذلك عائشة راوية الحديث قوله ومن فتنة القبر هي سؤال الملكين وعذاب القبر تقدم شرحه قوله ومن فتنة النار هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ واليه الإشارة بقوله تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها الم يأتكم نذير وسيأتي الكلام عليه في باب الاستعاذة من ارذل العمر بعد ثلاثة أبواب قوله ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر تقدم الكلام على ذلك أيضا في باب الدعاء قبل السلام قال الكرماني صرح في فتنة الغني بذكر الشر إشارة الى ان مضرته أكثر من مضرة غيره أو تغليظا على اصحابه حتى لا يغتروا فيغفلوا عن مفاسده أو إيماء الى ان صورته لا يكون فيها خير بخلاف صورة الفقر فانها قد تكون خيرا انتهى وكل هذا غفلة عن الواقع فان الذي ظهر لي ان لفظ شر في الأصل ثابتة في الموضعين وانما اختصرها بعض الرواة فسيأتي بعد قليل في باب الاستعاذة من أرذل العمر من طريق وكيع وأبي معاوية مفرقا عن هشام بسنده هذا بلفظ شر فتنة الغني وشر فتنة الفقر ويأتي بعد أبواب أيضا من رواية سلام بن أبي مطيع عن هشام بإسقاط شر في الموضعين والتقييد في الغنى والفقر بالشر لا بد منه لان كلا منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر قال الغزالي فتنة الغني الحرص على جمع المال وحبه حتى يكسبه من غير حله وبمنعه من واجبات انفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط وقيل المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس فيه ما يدل على تفضيل الفقر على الغنى ولا عكسه قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال في رواية وكيع ومن شر فتنة المسيح الدجال وقد تقدم شرحه أيضا في باب الدعاء قبل السلام قوله اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد الخ تقدم شرحه في الكلام على حديث أبي هريرة في أوائل صفة الصلاة وحكمة العدول عن الماء الحار الى الثلج والبرد مع ان الحار في العادة ابلغ في إزالة الوسخ الإشارة الى ان الثلج والبرد ماآن طاهران لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال فكان ذكرهما آكد في هذا المقام أشار الى هذا الخطابي وقال الكرماني وله توجيه اخر وهو انه جعل الخطايا بمنزلة النار لكونها تؤدي إليها فعبر عن اطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في اطفائها وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء الى ابرد منه وهو الثلج ثم الى ابرد منه وهو البرد بدليل انه قد يجمد ويصير جليدا بخلاف الثلج فإنه يذوب وهذا الحديث قد رواه الزهري عن عروة كما أشرت اليه وقيده بالصلاة ولفظه كان يدعو في الصلاة وذكرت هناك توجيه ادخاله في الدعاء قبل السلام ولم يقع في رواية شعيب عن الزهري عند المصنف ذكر المأثم والمغرم ووقع ذلك عند مسلم من وجه اخر عن الزهري ولم يقع عندهما معا فيه قوله اللهم اغسل عني خطاياي الخ وهو حديث واحد ذكر فيه كل من هشام بن عروة والزهري عن عروة ما لم يذكره الاخر والله اعلم

قوله باب الاستعاذة من الجبن والكسل تقدم شرحهما في كتاب الجهاد قوله كسالى وكسالى واحد بفتح الكاف وضمها قلت وهما قراءتان قرأ الجمهور بالضم وقرأ الأعرج بالفتح وهي لغة بني تميم وقرأ بن السميفع بالفتح أيضا لكن اسقط الالف وسكن السين وصفهم بما يوصف به المؤنث المفرد لملاحظة معنى الجماعة وهو كما قرئ وترى الناس سكرى والكسل الفتور والتواني وهو ضد النشاط

[ 6008 ] قوله حدثنا سليمان هو بن بلال ووقع التصريح به في رواية أبي زيد المروزي قوله عمرو بن أبي عمرو هو مولى المطلب الماضي ذكره في باب التعوذ من غلبة الرجال قوله فكنت اسمعه يكثر ان يقول اللهم اني أعوذ بك من الهم الى قوله والجبن تقدم شرح هذه الأمور الستة ومحصله ان الهم لما يتصوره العقل من المكروه في الحال والحزن لما وقع في الماضي والعجز ضد الاقتدار والكسل ضد النشاط والبخل ضد الكرم والجبن ضد الشجاعة وقوله وضلع الدين تقدم ضبطه وتفسيره قبل ثلاثة أبواب وقوله وغلبة الرجال هي إضافة للفاعل استعاذ من ان يغلبه الرجال لما في ذلك من الوهن في النفس والمعاش

قوله باب التعوذ من البخل تقدم الكلام عليه قبل قوله البخل والبخل واحد يعني بضم أوله وسكون ثانيه وبفتحهما قوله مثل الحزن والحزن يعني في وزنهما

[ 6009 ] قوله وأعوذ بك ان ارد الى ارذل العمر في رواية السرخسي وأعوذ بك من ان ارد بزيادة من وسيأتي شرحه في الباب الذي بعده قوله وأعوذ بك من فتنة الدنيا كذا للأكثر وأخرجه أحمد عن روح عن شعبة وزاد في رواية ادم الماضية قريبا عن شعبة يعني فتنة الدجال وحكى الكرماني ان هذا التفسير من كلام شعبة وليس كما قال فقد بين يحيى بن أبي كثير عن شعبة انه من كلام عبد الملك بن عمير راوي الخبر أخرجه الإسماعيلي من طريقه ولفظه قال شعبة فسألت عبد الملك بن عمير عن فتنة الدنيا فقال الدجال ووقع في رواية زائدة بن قدامة عن عبد الملك بن عمير بلفظ وأعوذ بك من فتنة الدجال أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة عن حسن بن علي الجعفي وقد أخرجه البخاري في الباب الذي بعده عن إسحاق عن حسين بن علي بلفظ من فتنة الدنيا فلعل بعض رواته ذكره بالمعنى الذي فسره به عبد الملك بن عمير وفي إطلاق الدنيا على الدجال إشارة الى ان فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا وقد ورد ذلك صريحا في حديث أبي امامة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه انه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال أخرجه أبو داود وابن ماجة

قوله باب التعوذ من ارذل العمر ارذلنا سقاطنا بضم المهملة وتشديد القاف جمع ساقط وهو اللئيم في حسبه ونسبه وهذا قد تقدم القول فيه في أوائل تفسير سورة هود وأورد فيه حديث أنس وليس فيه لفظ الترجمة لكنه أشار بذلك الى ان المراد بأرذل العمر في حديث سعد بن أبي وقاص الذي قبله الهرم الذي في حديث أنس لمجيئها موضع الأخرى من الحديث المذكور

قوله باب الدعاء برفع الوباء والوجع أي برفع المرض عمن نزل به سواء كان عاما أو خاصا وقد تقدم بيان الوباء وتفسيره في باب ما يذكر في الطاعون من كتاب الطب وانه أعم من الطاعون وان حقيقته مرض عام ينشأ عن فساد الهواء وقد يسمى طاعونا بطريق المجاز واوضحت هناك الرد على من زعم ان الطاعون والوباء مترادفان بما ثبت هناك ان الطاعون لا يدخل المدينة وان الوباء وقع بالمدينة كما في قصة العرنيين وكما في حديث أبي الأسود انه كان عند عمر فوقع بالمدينة بالناس موت ذريع وغير ذلك وذكر المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث عائشة اللهم حبب إلينا المدينة الحديث وفيه انقل حماها الى الجحفة وهو يتعلق بالركن الأول من الترجمة وهو الوباء لأنه المرض العام وأشار به الى ما ورد في بعض طرقه حيث قالت في أوله قدمنا المدينة وهي اوبأ ارض الله وقد تقدم بهذا اللفظ في اخر كتاب الحج ثانيهما حديث سعد بن أبي وقاص عادني النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من شكوى الحديث وهو متعلق بالركن الثاني من الترجمة وهو الوجع وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الوصايا وقوله

[ 6012 ] في اخره قال سعد رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ يرد قول من زعم ان في الحديث ادراجا وان قوله يرثى له الخ من قول الزهري متمسكا بما ورد في بعض طرقه وفيه قال الزهري الخ فان ذلك يرجع الى اختلاف الرواة عن الزهري هل وصل هذا القدر عن سعد اوقال من قبل نفسه والحكم للوصل لان مع رواته زيادة علم وهو حافظ وشاهد الترجمة من قوله صلى الله عليه وسلم اللهم امض لاصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم فان فيه إشارة الى الدعاء لسعد بالعافية ليرجع الى دار هجرته وهي المدينة ولا يستمر مقيما بسبب الوجع بالبلد التي هاجر منها وهي مكة الى ذلك الإشارة بقوله لكن البائس سعد بن خولة الخ وقد أوضحت في أوائل الوصايا ما يتعلق بسعد بن خولة ونقل بن المزين المالكي ان الرثاء لسعد بن خولة بسبب اقامته بمكة ولم يهاجر وتعقب بأنه شهد بدرا ولكن اختلفوا متى رجع الى مكة حتى مرض بها فمات فقيل انه سكن مكة بعد ان شهد بدرا وقيل مات في حجة الوداع وأغرب الداودي فيما حكاه بن التين فقال لم يكن للمهاجرين ان يقيموا بمكة الا ثلاثا بعد الصدر فدل ذلك ان سعد بن خولة توفي قبل تلك الحجة وقيل مات في الفتح بعد ان أطال المقام بمكة بغير عذر إذ لو كان له عذر لم يأثم وقد قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له ان صفية حاضت احابستنا هي فدل على ان للمهاجر إذا كان له عذر ان يقيم ازيد من الثلاث المشروعة للمهاجرين وقال يحتمل ان تكون هذه اللفظة قالها صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع ثم حج فقرنها الراوي بالحديث لكونها من تكملته انتهى وكلامه متعقب في مواضع منها اشتهاده بقصة صفية ولا حجة فيها لاحتمال ان لا تجاوز الثلاث المشروعة والاحتباس الامتناع وهو يصدق باليوم بل بدونه ومنها جزمه بأن سعد بن خولة أطال المقام بمكة ورمزه الى انه قام بغير عذر وانه اثم بذلك الى غير ذلك مما يظهر فساده بالتأمل

قوله باب الاستعاذة من ارذل العمر ومن فتنة الدنيا ومن فتنة النار في رواية الكشميهني ومن عذاب النار بدل فتنة النار

[ 6013 ] قوله أنبأنا الحسين هو بن علي الجعفي الزاهد المشهور وإسحاق الراوي عنه هو بن راهويه وشيخه زائدة هو بن قدامه وعبد الملك هو بن عمير وقد تقدم شرح الحديث مستوفي قبل قليل وكذا حديث عائشة ثاني حديثي الباب

قوله باب الاستعاذة من فتنة الغنى ذكر فيه حديث عائشة المذكور مختصرا من رواية وكيع عن هشام بن عروة وقد تقدم شرحه

قوله باب التعوذ من فتنة الفقر ذكر فيه حديث عائشة من طريق أبي معاوية عن هشام بتمامه وقد تقدم شرحه أيضا مستوفى

قوله باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة سقط هذا الباب والترجمة من رواية السرخسي والصواب إثباته

[ 6017 ] قوله شعبة قال سمعت قتادة عن أنس عن أم سليم انها قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له الحديث وفي اخره وعن هشام بن زيد سمعت أنس بن مالك مثله قلت هكذا قال غندر عن شعبة جعل الحديث من مسند أم سليم وكذا أخرجه الترمذي عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه عن محمد بن جعفر وهو غندر هذا فذكر مثله ولكنه لم يذكر رواية هشام بن زيد التي في آخره وقال حسن صحيح وأخرجه الإسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه عن أم سليم كما قال غندر وكذا أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد وعن محمد بن جعفر كلاهما عن شعبة وأخرجه في باب من خص اخاه بالدعاء من رواية سعيد بن الربيع عن شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا قال قالت أم سليم وظاهره انه من مسند أنس وهو في الباب الذي يلي هذا كذلك وكذا تقدم في باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر من طريق حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس قال قالت أمي وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود الطيالسي والإسماعيلي من رواية عمرو بن مرزوق عن شعبة وهذا الاختلاف لا يضر فإن أنسا حضر ذلك بدليل ما أخرجه مسلم من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال جاءت بي أمي أم سليم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هذا ابني أنس يخدمك فادع الله له فقال اللهم أكثر ماله وولده واما رواية هشام بن زيد المعطوفة هنا فإنها معطوفة على رواية قتادة وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة وهشام بن زيد جميعا عن أنس وكذا صنيع مسلم حيث أخرجه من رواية أبي داود عن شعبة تنبيه ذكر الكرماني انه وقع هنا وعن هشام بن عروة قال والأول هوالصحيح قوله انها قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له تقدم لهذا الحديث مبدأ من رواية حميد عن أنس في كتاب الصيام في باب من زار قوما فلم يفطر عندهم وقد بسطت شرحه هناك بما يغنى عن اعادته وذكرت طرفا منه قريبا في باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر

قوله باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة تقدم شرحه في الذي قبله وتقدم الحديث سندا ومتنا في باب قول الله تعالى وصل عليهم ومن خص اخاه بالدعاء

قوله باب الدعاء عند الاستخارة هي استفعال من الخير أو من الخيرة بكسر أوله وفتح ثانيه بوزن العنبة اسم من قولك خار الله له واستخار الله طلب منه الخيرة وخار الله له أعطاه ما هو خير له والمراد طلب خير الامرين لمن احتاج الى أحدهما

[ 6019 ] قوله حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال بفتح الميم وتخفيف الواو جمع مولى واسمه زيد ويقال زيد جد عبد الرحمن وأبوه لا يعرف اسمه وعبد الرحمن من ثقات المدنيين وكان ينسب الى ولاء آل علي بن أبي طالب وخرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن في زمن المنصور فلما قتل محمد حبس عبد الرحمن المذكور بعد ان ضرب وقد وثقه بن المعين وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وذكره بن عدي في الكامل في الضعفاء وأسند عن أحمد بن حنبل انه قال كان محبوسا في المطبق حين هزم هؤلاء يعني بني حسن قال وروى عن محمد بن المنكدر حديث الاستخارة وليس أحد يرويه غيره وهو منكر وأهل المدينة إذا كان حديث غلطا يقولون بن المنكدر عن جابر كما ان أهل البصرة يقولون ثابت عن أنس يحملون عليهما وقد استشكل شيخنا في شرح الترمذي هذا الكلام وقال ما عرفت المراد به فإن بن المنكدر وثابتا ثقتان متفق عليهما قلت يظهر لي ان مرادهم التهكم والنكتة في اختصاص الترجمة الشهرة والكثرة ثم ساق بن عدي لعبد الرحمن أحاديث وقال هو مستقيم الحديث والذي انكر عليه حديث الاستخارة وقد رواه غير واحد من الصحابة كما رواه بن أبي الموال قلت يريد ان للحديث شواهد وهو كما قال مع مشاححة في إطلاقه قال الترمذي بعد ان أخرجه حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من حديث بن أبي الموال وهو مدني ثقة روى عنه غير واحد وفي الباب عن بن مسعود وأبي أيوب قلت وجاء أيضا عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر فحديث بن مسعود أخرجه الطبراني وصححه الحاكم وحديث أبي أيوب أخرجه الطبراني وصححه بن حبان والحاكم وحديث أبي سعيد وأبي هريرة اخرجهما بن حبان في صحيحه وحديث بن عمر وابن عباس حديث واحد أخرجه الطبراني من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن عطاء عنهما وليس في شيء منها ذكر الصلاة سوى حديث جابر الا ان لفظ أبي أيوب اكتم الخطبة وتوضأ فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك الحديث فالتقييد بركعتين خاص بحديث جابر وجاء ذكر الاستخارة في حديث سعد رفعه من سعادة بن آدم استخارته الله أخرجه أحمد وسنده حسن وأصله عند الترمذي لكن بذكر الرضا والسخط لا بلفظ الاستخارة ومن حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أمرا قال اللهم خر لي واختر لي وأخرجه الترمذي وسنده ضعيف وفي حديث أنس رفعه ما خاب من استخار والحديث أخرجه الطبراني في الصغير بسند واه جدا قوله عن محمد بن المنكدر عن جابر وقع في التوحيد من طريق معن بن عيسى عن عبد الرحمن سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن أي بن الحسن بن علي بن أبي طالب يقول أخبرني جابر السلمي وهو بفتح السين المهملة واللام نسبة الى بني سلمة بكسر اللام بطن من الأنصار وعند الإسماعيلي من طريق بشر بن عمير حدثني عبد الرحمن سمعت بن المنكدر حدثني جابر قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في رواية معن يعلم اصحابه وكذا في طريق بشر بن عمير قوله في الأمور كلها قال بن أبي جمرة هو عام أريد به الخصوص فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه امران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه قلت وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم قوله كالسورة من القرآن في رواية قتيبة عن عبد الرحمن الماضية في صلاة الليل كما يعلمنا السورة من القرآن قيل وجه التشبيه عموم الحاجة في الأمور كلها الى الاستخارة كعموم الحاجة الى القراءة في الصلاة ويحتمل ان يكون المراد ما وقع في حديث بن مسعود في التشهد علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفى بين كفي أخرجه المصنف في الاستئذان وفي رواية الأسود بن يزيد عن بن مسعود أخذت التشهد من في رسول الله كلمة كلمة أخرجها الطحاوي وفي حديث سلمان نحوه وقال حرفا حرفا أخرجه الطبراني وقال بن أبي جمرة التشبيه في تحفظ حروفه وترتب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه ويحتمل ان يكون من جهة الاهتمام به والتحقق لبركته والاحترام له ويحتمل ان يكون من جهة كون كل منهما علم بالوحي قال الطيبي فيه إشارة الى الاعتناء التام البالغ بهذا الدعاء وهذه الصلاة لجعلهما تلوين الفريضة والقرآن قوله إذا هم فيه حذف تقديره يعلمنا قائلا إذا هم وقد ثبت ذلك في رواية قتيبة يقول إذا هم وزاد في رواية أبي داود عن قتيبة لنا قال بن أبي جمرة ترتيب الوارد على القلب على مراتب الهمة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة فالثلاثة الأولى لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاثة الأخرى فقوله إذا هم يشير الى أول ما يرد على القلب يستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت فيه عزيمته وارادته فإنه يصير اليه له ميل وحب فيخشى ان يخفى عنه وجه الارشدية لغلبة ميله اليه قال ويحتمل ان يكون المراد بالهم العزيمة لان الخاطر لا يثبت فلا يستمر الا على ما يقصد التصميم على فعله والا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به فتضيع عليه اوقاته ووقع في حديث بن مسعود إذا أراد أحدكم أمرا فليقل قوله فليركع ركعتين يقيد مطلق حديث أبي أيوب حيث قال صل ما كتب الله لك ويمكن الجمع بأن المراد انه لا يقتصر على ركعة واحدة للتنصيص على الركعتين ويكون ذكرهما على سبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى فلو صلى أكثر من ركعتين اجزأ والظاهر انه يشترط إذا أراد ان يسلم من كل ركعتين ليحصل مسمى ركعتين ولا يجزيء لو صلى أربعا مثلا بتسليمة وكلام النووي يشعر بالاجزاء قوله من غير الفريضة فيه احتراز عن صلاة الصبح مثلا ويحتمل ان يريد بالفريضة عينها وما يتعلق بها فيحترز عن الراتبة كركعتي الفجر مثلا وقال النووي في الأذكار لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبه صلاة الظهر مثلا أو غيرها من النوافل الراتبة والمطلقة سواء اقتصر على ركعتين أو أكثر اجزأ كذا اطلق وفيه نظر ويظهر ان يقال ان نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معا اجزأ بخلاف ما إذا لم ينو ويفارق صلاة تحية المسجد لان المراد بها شغل البقعة بالدعاء والمراد بصلاة الاستخارة ان يقع الدعاء عقبها أو فيها ويبعد الاجزاء لمن عرض له الطلب بعد فراغ الصلاة لان ظاهر الخبر ان تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الأمر وأفاد النووي انه يقرأ في الركعتين الكافرون والإخلاص قال شيخنا في شرح الترمذي لم اقف على دليل ذلك ولعله الحقهما بركعتي الفجر والركعتين بعد المغرب قال ولهما مناسبة بالحال لما فيهما من الإخلاص والتوحيد والمستخير محتاج لذلك قال شيخنا ومن المناسب ان يقرأ فيهما مثل قوله وربك يخلق ما يشاء ويختار وقوله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان تكون لهم الخيرة قلت والاكمل ان يقرأ في كل منهما السورة والاية الاوليين في الأولى والاخريين في الثانية ويؤخذ من قوله من غير الفريضة ان الأمر بصلاة ركعتي الاستخارة ليس على الوجوب قال شيخنا في شرح الترمذي ولم ار من قال بوجوب الاستخارة لورود الأمر بها ولتشبيهها بتعليم السورة من القرآن كما استدل بمثل ذلك في وجوب التشهد في الصلاة لورود الأمر به في قوله فليقل ولتشبيهه بتعليم السورة من القرآن فان قيل الأمر تعلق بالشرط وهو قوله إذا هم أحدكم بالأمر قلنا وكذلك في التشهد انما يؤمر به من صلى ويمكن الفرق وان اشتركا فيما ذكر ان التشهد جزء من الصلاة فيؤخذ الوجوب من قوله صلوا كما رأيتموني أصلي ودل على عدم وجوب الاستخارة ما دل على عدم وجوب صلاة زائدة على الخمس في حديث هل على غيرها قال لا الا ان تطوع انتهى وهذا وان صلح للاستدلال به على عدم وجوب ركعتي الاستخارة لكن لا يمنع من الاستدلال به على وجوب دعاء الاستخارة فكأنهم فهموا ان الأمر فيه للارشاد فعدلوا به عن سنن الوجوب ولما كان مشتملا على ذكر الله والتفويض اليه كان مندوبا والله اعلم ثم نقول هو ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة فلو دعا به في اثناء الصلاة احتمل الاجراء ويحتمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلاة قبل الدعاء فان موطن الدعاء في الصلاة السجود أو التشهد وقال بن أبي جمرة الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء ان المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج الى قرع باب الملك ولا شيء لذلك انجع ولا انجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار اليه مآلا وحالا قوله اللهم اني استخيرك بعملك الباء للتعليل أي لانك اعلم وكذا هي في قوله بقدرتك ويحتمل ان تكون للاستعانة كقوله بسم الله مجراها ويحتمل ان تكون للاستعطاف كقوله قال رب بما انعمت علي الآية وقوله واستقدرك أي اطلب منك ان تجعل لي على ذلك قدرة ويحتمل ان يكون المعنى اطلب منك ان تقدره لي والمراد بالتقدير التيسير قوله وأسألك من فضلك إشارة الى ان إعطاء الرب فضل منه وليس لاحد عليه حق في نعمه كما هو مذهب أهل السنة قوله فإنك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا اعلم إشارة الى ان العلم والقدرة لله وحده وليس للعبد من ذلك الا ما قدر الله له وكأنه قال أنت يا رب تقدر قبل ان تخلق في القدرة وعندما تخلقها في وبعد ما تخلقها قوله اللهم ان كنت تعلم ان هذا الأمر في رواية معن وغيره فإن كنت تعلم هذا الأمر زاد أبو داود في رواية عبد الرحمن بن مقاتل عن عبد الرحمن بن أبي الموال الذي يريد وزاد في رواية معن ثم يسميه بعينه وقد ذكر ذلك في آخر الحديث في الباب وظاهر سياقه ان ينطق به ويحتمل ان يكتفي باستحضاره بقلبه عند الدعاء وعلى الأول تكون التسمية بعد الدعاء وعلى الثاني تكون الجملة حالية والتقدير فليدع مسميا حاجته وقوله ان كنت استشكل الكرماني الإتيان بصيغه الشك هنا ولا يجوز الشك في كون الله عالما وأجاب بأن الشك في ان العلم متعلق بالخير او الشر لافي أصل العلم قوله ومعاشي زاد أبو داود ومعادي وهو يؤيد ان المراد بالمعاش الحياة ويحتمل ان يريد بالمعاش ما يعاش فيه ولذلك وقع في حديث بن مسعود في بعض طرقه عند الطبراني في الأوسط في ديني ودنياي وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني في دنياي وآخرتي زاد بن حبان في روايته وديني وفي حديث أبي سعيد في ديني ومعيشتي قوله وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله هو شك من الراوي ولم تختلف الطرق في ذلك واقتصر في حديث أبي سعيد على عاقبة أمري وكذا في حديث بن مسعود وهو يؤيد احد الاحتمالين في ان العاجل والآجل مذكوران بدل الألفاظ الثلاثة أو بدل الاخيرين فقط وعلى هذا فقول الكرماني لا يكون الداعي جازما بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان دعا ثلاث مرات يقول مرة في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ومرة في عاجل أمري وآجله ومرة في ديني وعاجل أمري وآجله قلت ولم يقع ذلك الشك في حديث أبي أيوب ولا أبي هريرة أصلا قوله فاقدره لي قال أبو الحسن القابسي أهل بلدنا يكسرون الدال وأهل الشرق يضمونها وقال الكرماني معنى قوله اجعله مقدورا لي أو قدره وقيل معناه يسره لي زاد معن ويسره لي وبارك لي فيه قوله فاصرفه عني واصرفني عنه أي حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه متعلقا به وفيه دليل لأهل السنة ان الشر من تقدير الله على العبد لأنه لو كان يقدر على اختراعه لقدر على صرفه ولم يحتج الى طلب صرفه عنه قوله واقدر لي الخير حيث كان في حديث أبي سعيد بعد قوله واقدر لي الخير اينما كان لا حول ولا قوة الا بالله قوله ثم رضني بالتشديد وفي رواية قتيبة ثم ارضني به أي اجعلني به راضيا وفي بعض طرق حديث بن مسعود عند الطبراني في الأوسط ورضني بقضائك وفي حديث أبي أيوب وضني بقدرك والسر فيه ان لا يبقى قلبه متعلقا به فلا يطمئن خاطره والرضا سكون النفس الى القضاء وفي الحديث شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وتعليمهم جميع ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ووقع في بعض طرقه عند الطبراني في حديث بن مسعود انه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء إذا أراد ان يصنع أمرا وفيه ان العبد لا يكون قادرا الا مع الفعل لا قبله والله هو خالق العلم بالشيء للعبد وهمه به واقتداره عليه فإنه يجب على العبد رد الأمور كلها الى الله والتبري من الحول والقوة اليه وان يسأل ربه في أموره كلها واستدل به على ان الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده لأنه لو كان كذلك لاكتفى بقوله ان كنت تعلم انه خير لي عن قوله وان كنت تعلم انه شر لي الخ لأنه إذا لم يكن خيرا فهو شر وفيه نظر لاحتمال وجود الواسطة واختلف فيما ذا يفعل المستخير بعد الاستخارة فقال بن عبد السلام يفعل ما اتفق ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث بن مسعود في اخره ثم يعزم وأول الحديث إذا أراد أحدكم أمرا فليقل وقال النووي في الأذكار يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره ويستدل له بحديث أنس عند بن السني إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعا ثم انظر الى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن سنده واه جدا والمعتمد انه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة والى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد ولا حول ولا قوة الا بالله

قوله باب الدعاء عند الوضوء ذكر فيه حديث أبي موسى قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ به ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر الحديث ذكره مختصرا وقد تقدم بطوله في المغازي في باب غزوة اوطاس

قوله باب الدعاء إذا علا عقبه كذا ترجم بالدعاء وأورد في الحديث التكبير وكأنه اخذه من قوله في الحديث انكم لا تدعون اصم ولا غائبا فسمى التكبير دعاء

[ 6021 ] قوله أيوب هو السختياني وأبو عثمان هو النهدي قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر لم اقف على تعيينه قوله اربعوا بهمزة وصل مكسورة ثم موحدة مفتوحة أي ارفقوا ولا تجهدوا أنفسكم قوله فانكم لا تدعون اصم يأتي بيانه في التوحيد قوله كنز سمى هذه الكلمة كنزا لأنها كالكنز في نفاسته وصيانته عن اعين الناس قوله أو قال الا أدلك على كلمة هي كنز الخ شك من الراوي هل قال قل لا حول ولا قوة الا بالله فانها كنز من كنوز الجنة أو قال الا أدلك الخ وسيأتي في كتباب القدر من رواية خالد الحذاء عن أبي عثمان بلفظ ثم قال يا عبد الله بن قيس الا أعلمك كلمة الخ وسيأتي في اواخر كتاب الدعوات أيضا من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان بلفظ ثم قال يا أبا موسى أو يا عبد لله بن قيس الا أدلك الخ ولم يتردد ووقع في هذين الطريقين بيان سبب قوله انكم لا تدعون اصم فإن في رواية سليمان فلما علا عليها رجل نادى فرفع صوته وفي رواية خالد فجعلنا لا نصعد شرفا الا رفعنا اصواتنا بالتكبير ووقع في بعض النسخ اصما وكأنه لمناسبة غائبا وقوله بصيرا ووقع في تلك الرواية قريبا ويأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب القدر ان شاء الله تعالى وقوله لا حول يجوز ان يكون في موضع جر على البدل من قوله على كنز وفي موضع نصب بتقدير اعني وفي موضع رفع بتقدير هو

قوله باب الدعاء إذا هبط واديا فيه حديث جابر كذا ثبت عند المستملي والكشميهني وسقط لغيرهما والمراد بحديث جابر ما تقدم في الجهاد وفي باب التسبيح إذا هبط واديا من حديثه بلفظ كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا وقال بعده باب التكبير إذا علا شرفا وأورد فيه حديث جابر أيضا لكن بلفظ وإذا تصوبنا بدل نزلنا والتصويب الانحدار وقد ورد بلفظ هبطنا في هذا الحديث عند النسائي وابن خزيمة وأشرت الى شرحه هناك ومناسبة التكبير عند الصعود الى المكان المرتفع ان الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء فشرع لمن تلبس به ان يذكر كبرياء الله تعالى وانه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده من فضله ومناسبة التسبيح عند الهبوط لكون المكان المنخفض محل ضيق فيشرع فيه التسبيح لأنه من أسباب الفرج كما وقع في قصة يونس عليه السلام حين سبح في الظلمات فنجى من الغم

قوله باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس كذا وقع في رواية الحموي عن الفربري ومثله في رواية أبي زيد المروزي عنه لكن بالواو العاطفة بدل لفظ باب والمراد بحديث يحيى بن أبي إسحاق فيما اظن الحديث الذي أوله ان النبي صلى الله عليه وسلم اقبل من خيبر وقد اردف صفية فلما كان ببعض الطريق عثرت الناقة فان في آخره فلما اشرفنا على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة وقد تقدم موصولا في أواخر الجهاد وفي الأدب وفي اواخر اللباس وشرحته هناك الا الكلام الأخير هنا فوعدت بشرحه هنا وإسماعيل في الحديث الموصول هو بن أبي أويس

[ 6022 ] قوله كان إذا قفل بقاف ثم فاء أي رجع وزنه ومعناه ووقع عند مسلم في رواية علي بن عبد الله الأزدي عن بن عمر في أوله من الزيادة كان إذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا فذكر الحديث الى ان قال وإذا رجع قالهن وزاد آيبون تائبون الحديث والى هذه الزيادة أشار المصنف في الترجمة بقوله إذا أراد سفرا قوله من غزو أو حج أو عمرة ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث وليس الحكم كذلك عند الجمهور بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة وقيل يتعدى أيضا الى المباح لان المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لان مرتكبها أحوج الى تحصيل الثواب من غيره وهذا التعليل متعقب لان الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا في معصية من الإكثار من ذكر الله وانما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم الى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة وانما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها ولهذا ترجم بالسفر على انه تعرض لما دل عليه الظاهر فترجم في اواخر أبواب العمرة ما يقول إذا رجع من الغزو أو الحج أو العمرة قوله يكبر على كل شرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء هو المكان العالي ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع بلفظ إذا أوفى أي ارتفع على ثنيه بمثلثة ثم نون ثم تحتانية ثقيلة هي العقبة أو فدفد بفتح الفاء بعدها دال مهملة ثم فاء ثم دال والاشهر تفسيره بالمكان المرتفع وقيل هو الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الاودية ذات الحصى قوله ثم يقول لا إله إلا الله الخ يحتمل انه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع ويحتمل ان التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده ان كان متسعا أكمل الذكر المذكور فيه والا فإذا هبط سبح كما دل عليه حديث جابر ويحتمل ان يكمل الذكر مطلقا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط قال القرطبي وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة الى انه المتفرد بايجاد جميع الموجودات وانه المعبود في جميع الأماكن قوله آيبون جمع آيب أي راجع وزنه ومعناه وهو خبر مبتدأ محذوف والتقدير نحن آيبون وليس المراد الاخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والأنصاف بالاوصاف المذكورة وقوله تائبون فيه إشارة الى التقصير في العبادة وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليما لامته أو المراد أمته كما تقدم تقريره وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد ان لا يقع منهم ذنب قوله صدق الله وعده أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله وعدكم الله مغانم كثيرة وقوله وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين قوله ونصر عبده يريد نفسه قوله وهزم الأحزاب وحده أي من غير فعل أحد من الآدميين واختلف في المراد بالاحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب وقد مضى خبرهم مفصلا في كتاب المغازي وقيل المراد أعم من ذلك وقال النووي المشهور الأول وقيل فيه نظر لأنه يتوقف على ان هذا الدعاء انما شرع من بعد الخندق والجواب ان غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى في سورة الأحزاب ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وفيها قبل ذلك إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها الآية والأصل في الأحزاب انه جمع حزب وهو القطعة المجتمعة من الناس فاللام اما جنسية والمراد كل من تحزب من الكفار وأما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب قال القرطبي ويحتملان يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر

قوله باب الدعاء للمتزوج فيه حديث أنس في تزويج عبد الرحمن بن عوف وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب النكاح والمراد هنا قوله بارك الله لك وقوله

[ 6023 ] فقال مهيم اومه شك من الراوي والمعتمد ما في الرواية المتقدمة وهو الجزم بالأول ومعناه ما حالك ومه في هذه الرواية استفهامية انقلبت الالف هاء وحديث جابر في تزويجه الثيب وفيه هلا جارية تلاعبها وقد تقدم شرحه أيضا في النكاح والمراد منه قوله فيه بارك الله عليك وقوله

[ 6024 ] فيه تزوجت يا جابر قلت نعم قال بكرا أم ثيبا انتصب على حذف فعل تقديره أتزوجت وقوله في الجواب قلت ثيت بالرفع على ان التقدير مثلا التي تزوجتها ثيب قيل وكان الاحسن النصب على نسق الأول أي تزوجت ثيبا قلت ولا يمتنع ان يكون منصوبا فكتب بغير الف على تلك اللغة وقوله فيه أو تضاحكها شك من الرواي وهو يعين أحد الاحتمالين في تلاعبها هل من اللعب أو من اللعاب وقد تقدم بيانه عند شرحه قوله لم يقل بن عيينة ومحمد بن مسلم عن عمرو بارك الله عليك اما رواية سفيان بن عيينة فتقدمت موصولة في المغازي وفي النفقات من طريقه واما رواية محمد بن مسلم وهو الطائفي فتقدم الكلام عليها في المغازي ومناسبة قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بارك الله لك ولجابر بارك الله عليك ان المراد بالأول اختصاصه بالبركة في زوجته وبالثاني شمول البركة له في جودة عقله حيث قدم مصلحة اخواته على حظ نفسه فعدل لاجلهن عن تزوج البكر مع كونها ارفع رتبة للمتزوج الشاب من الثيب غالبا

قوله باب ما يقول إذا اتى أهله ذكر فيه حديث بن عباس وفي لفظه ما يقتضي ان القول المذكور يشرع عند إرادة الجماع فيرفع احتمال ظاهر الحديث انه يشرع عند الشروع في الجماع وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب النكاح وقوله

[ 6025 ] لم يضره شيطان ابدا أي لم يضر الولد المذكور بحيث يتمكن من اضراره في بدنه أو بدته وليس المراد رفع الوسوسة من أصلها

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة كذا ذكره بلفظ الآية وأورد الحديث من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم آتنا الى اخر الآية وقد أورده في تفسير البقرة عن أبي معمر عن عبد الوارث بسنده هذا ولكن لفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وللباقي مثله وأخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن علية عن عبد العزيز قال سأل قتادة أنسا أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة الى اخره قال وكان أنس إذا أراد ان يدعو بدعوة دعا بها وهذا الحديث سمعه شعبة من إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس مختصرا رواه عنه يحيى بن أبي بكير قال يحيى فلقيت إسماعيل فحدثني به فذكره كما عند مسلم وأورده مسلم من طريق شعبة عن ثابت عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية وهذا مطابق للترجمة واخرج بن أبي حاتم من طريق أبي نعيم حدثنا عبد السلام أبو طالوت كنت عند أنس فقال له ثابت ان اخوانك يسألونك ان تدعو لهم فقال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فذكر القصة وفيها إذا أتاكم الله ذلك فقد اتاكم الخير كله قال عياض انما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة قال والحسنة عندهم ههنا النعمة فسأل نعيم الدنيا والآخرة والوقاية من العذاب نسأل الله تعالى ان يمن علينا بذلك ودوامه قلت قد اختلفت عبارات السلف في تفسير الحسنة فعن السحن قال هي العلم والعبادة في الدنيا أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح وعنه بسند ضعيف الرزق الطيب والعلم النافع وفي الآخرة الجنة وتفسير الحسنة في الآخرة بالجنة نقله بن أبي حاتم أيضا عن السدي ومجاهد وإسماعيل بن أبي خالد ومقاتل بن حيان وعن بن الزبير يعملون في دنياهم لدنياهم وآخرتهم وعن قتادة هي العافية في الدنيا والآخرة وعن محمد بن كعب القرظي الزوجة الصالحة من الحسنات ونحوه عن يزيد بن أبي مالك وأخرج بن المنذر من طريق سفيان الثوري قال الحسنة في الدنيا الرزق الطيب والعلم وفي الآخرة الجنة ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال الحسنة في الدنيا المنى ومن طريق السدي قال المال ونقل الثعلبي عن السدى ومقاتل حسنة الدنيا الرزق الحلال الواسع والعمل الصالح وحسنة الآخرة المغفرة والثواب وعن عطية حسنة الدنيا العلم والعمل به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة وبسنده عن عوف قال من آتاه الله الإسلام والقرآن والاهل والمال والولد فقد آتاه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ونقل الثعلبي عن سلف الصوفية اقوالا أخرى متغايرة اللفظ متوافقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا وفي الآخرة واقتصر الكشاف على ما نقله الثعلبي عن علي انها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء وقال الشيخ عماد الدين بن كثير الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة وولد بار ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنيء وثناء جميل الى غير ذلك مما شملته عباراتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا واما الحسنة في الآخرة فاعلاها دخول الجنة وتوابعه من الامن من الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة وأما الوقاية من عذاب النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات قلت أو العفو محضا ومراده بقوله وتوابعه ما يلتحق به في الذكر لا ما يتبعه حقيقة

قوله باب التعود من فتنة الدنيا تقدمت هذه الترجمة ضمن ترجمة وذلك قبل اثني عشر بابا وتقدم شرح الحديث أيضا

قوله باب تكرير الدعاء ذكر فيه حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم طب بضم الطاء أي سحر وقد تقدم شرحه في اواخر كتاب الطب واخرج أبو داود والنسائي وصححه بن حبان من حديث بن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه ان يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا وتقدم في الاستئذان حديث أنس كان إذا تكلم بكلمة اعادها ثلاثا

[ 6028 ] قوله زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا ودعا وساق الحديث كذا للأكثر وسقط كل ذلك لأبي زيد المروزي ورواية عيسى بن يونس تقدمت موصولة في الطب مع شرح الحديث وهو المطابق للترجمة بخلاف رواية أنس بن عياض التي أوردها في الباب فليس فيها تكرير الدعاء ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن نمير عن هشام في هذا الحديث فدعا ثم دعا ثم دعا وتقدم توجيه ذلك وتقدم الكلام على طريق الليث في صفة إبليس من بدء الخلق

قوله باب الدعاء على المشركين كذا اطلق هنا وقيده في الجهاد بالهزيمة والزلزلة وذكر فيه أحاديث الأول قوله وقال بن مسعود اللهم اعني عليهم بسبع كسبع يوسف وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في كتاب الاستسقاء وتقدم شرحه هناك الثاني قوله وقال اللهم عليك بأبي جهل أي باهلاكه وسقط هذاالتعليق من رواية أبي زيد وهو طرف من حديث لابن مسعود أيضا في قصة سلي الجزور التي القاها اشقى القوم على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم موصولا في الطهارة وهو رابع الأحاديث المذكورة في الترجمة التي أشرت إليها انفا في كتاب الجهاد الثالث قوله وقال بن عمر دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقال اللهم العن فلانا وفلانا حتى انزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء هذا أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في غزوة أحد وفي تفسير آل عمران وتقدم شرحه وتسمية من ابهم من المدعو عليهم الحديث الرابع

[ 6029 ] قوله حدثنا بن سلام هو محمد بن أبي خالد اسمه إسماعيل وابن أبي أوفى هو عبد الله قوله على الأحزاب تقدم المراد به قريبا وسريع الحساب أي سريع فيه او المعنى ان مجيء الحساب سريع وتقدم شرح الحديث مستوفى في باب لا تتمنوا لقاء العدوا من كتاب الجهاد الحديث الخامس حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمستضعفين من المسلمين وفيه اللهم اشدد وطأتك على مضر أي خذهم بشدة وأصلها من الوطىء بالقدم والمراد الاهلاك لان من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه والمراد بمضر القبيلة المشهورة التي منها جميع بطون قيس وقريش وغيرهم وهو على حذف مضاف أي كفار مضر وقد تقدم في الجهاد انه يشرح في المغازي فلم يتهيأ ذلك فشرح في تفسير سورة النساء وقوله فيه اللهم انج سلمة بن هشام نقل بن التين عن الداودي انه قال هو عم أبي جهل قال فعلى هذا فاسم أبي جهل هشام واسم جده هشام قلت وهو خطأ من عدة أوجه فان اسم أبي جهل عمرو واسم أبيه هشام وسلمة اخوه بلا خلاف بين أهل الاخبار في ذلك فلعله كان فيه فاسم أبي أبي جهل فيستقيم لكن قوله وسلمة عم أبي جهل خطأ فيرجع الخطأ الحديث السادس حديث أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم القراء الحديث وقد تقدم شرحه في غزوة بئر معونة من كتاب المغازي وقوله وجد من الوجد بفتح ثم سكون أي حزن الحديث السابع حديث عائشة كانت اليهود يسلمون وقد تقدم شرحه في كتاب الاستئذان الحديث الثامن حديث علي كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق الحديث وفيه ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا وقد تقدم شرحه في تفسير سورة البقرة وأشرت الى اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى وبلغته الى عشرين قولا وقد تعسف أبو الحسن بن القصار في تأويله فقال وإنما تسميه العصر وسطى يختص بذلك اليوم لأنهم شغلوا عن الظهر والعصر والمغرب فكانت العصر بالنسبة الى الثلاثة التي شغلوا عنها وسطى لا ان المراد بالوسطى تفسير ما وقع في سورة البقرة قلت وقوله في هذه الرواية وهي صلاة العصر جزم الكرماني بأنه مدرج في الخبر من قول بعض رواته وفيه نظر فقد تقدم في الجهاد من رواية عيسى بن يونس وفي المغازي من رواية روح بن عبادة وفي التفسير من راية يزيد بن هارون ومن رواية يحيى بن سعيد كلهم عن هشام ولم يقع عنده ذكر صلاة العصر عن أحد منهم الا انه وقع في المغازي الى ان غابت الشمس وهو مشعر بأنها العصر وأخرجه مسلم من رواية أبي أسامة ومن رواية المعتمر بن سليمان ومن رواية يحيى بن سعيد ثلاثتهم عن هشام كذلك ولكن بلفظ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وكذا أخرجه من طريق شتير بن شكل عن علي ومن طريق مرة عن عبد الله بن مسعود مثله سواء وأصرح من ذلك ما أخرجه من حديث حذيفة مرفوعا شغلونا عن صلاة العصر وهو ظاهر في انه من نفس الحديث وقوله

[ 6033 ] في السند حدثنا الأنصاري يريد محمد بن عبد الله بن المثنى القاضي وهو من شيوخ البخاري ولكن ربما اخرج عنه بواسطة كالذي هنا وقوله حدثنا هشام بن حسان يرجح قول من قال في الرواية التي مضت في الجهاد من طريق عيسى بن يونس حدثنا هشام انه بن حسان وقد كنت ظننت انه الدستوائي ورددت على الأصيلي حيث جزم بأنه بن حسان ثم نقل تضعيف هشام بن حسان يروم رد الحديث فتعقبته هناك ثم وقفت على هذه الرواية فرجعت عما ظننته لكن أجيب الآن عن تضعيفه لهشام بأن هشام بن حسان وان تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه لكن لم يضعفه بذلك احد مطلقا بل بقيد بعض شيوخه واتفقوا على انه ثبت في الشيخ الذي حدث عنه بحديث الباب وهو محمد بن سيرين قال سعيد بن أبي عروبة ما كان أحد احفظ عن بن سيرين من هشام وقال يحيى القطان هشام بن حسان ثقة في محمد بن سيرين وقال أيضا هو احب الى في بن سيرين من عاصم الأحول وخالد الحذاء وقال علي بن المديني كان يحيى القطان يضعف حديث هشام بن حسان عن عطاء وكان أصحابنا يثبونه قال وأما حديثه عن محمد بن سيرين فصحيح وقال يحيى بن معين كان ينفي حديثه عن عطاء وعن عكرمة وعن الحسن قلت قد قال أحمد ما يكاد ينكر عليه شيء الا ووجدت غيره قد حدث به اما أيوب واما عوف وقال بن عدي أحاديثه مستقيمة ولم ار فيها شيئا منكرا انتهى وليس له في الصحيحين عن عطاء شيء وله في البخاري شيء يسير عن عكرمة وتوبع عليه والله اعلم

قوله باب الدعاء للمشركين تقدمت هذه الترجمة وحديث أبي هريرة فيها في كتاب الجهاد لكن زاد بالهدى ليتألفهم وقد تقدم شرحه هناك وذكرت وجه الجمع بين الترجمتين والدعاء على المشركين والدعاء للمشركين وانه باعتبارين وحكى بن بطال ان الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين ودليله قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء قال والأكثر على ان لا نسخ وان الدعاء على المشركين جائز وانما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام ويحتمل في التوفيق بينهما ان الجواز حيث يكون في الدعاء ما يقتضي زجرهم عن تماديهم على الكفر والمنع حيث يقع الدعاء عليهم بالهلاك على كفرهم والتقييد بالهداية يرشد الى ان المراد بالمغفرة في قوله في الحديث الاخر اغفر لقومي فانهم لا يعملون العفو عما جنوه عليه في نفسه لا محو ذنوبهم كلها لان ذنب الكفر لا يمحى أو المراد بقوله اغفر لهم اهدهم الى الإسلام الذي تصح معه المغفرة أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت كذا ترجم ببعض الخبر وهذا القدر منه يدخل فيه جميع ما اشتمل عليه لأن جميع ما ذكر فيه لا يخلو عن أحد الامرين

[ 6035 ] قوله عبد الملك بن الصباح ماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد اورد طريق معاذ عن معاذ عن شعبة عقبه إشارة الى انه لم ينفرد به وعكس مسلم فصدر بطريق معاذ ثم اتبعه بطريق عبد الملك هذا قال أبو حاتم الرازي عبد الملك بن الصباح صالح قلت وهي من ألفاظ التوثيق لكنها من الرتبة الأخيرة عند بن أبي حاتم وقال ان من قيل فيه ذلك يكتب حديثه للاعتبار وعلى هذا فليس عبد الملك بن الصباح من شرط اصحيح لكن اتفاق الشيخين على التخريج له يدل على انه ارفع رتبة من ذلك ولا سيما وقد تابعه معاذ بن معاذ وهو من الاثبات ووقع في الإرشاد الخليلي عبد الملك بن الصباح الصنعاني عن مالك متهم بسرقة الحديث حكاه الذهبي في الميزان وقال هو المسمعي مصري صدوق خرج له صاحب الصحيح انتهى والذي يظهر لي انه غير المسمعي فإن الصنعاني اما من صنعاء اليمن أو صنعاء دمشق وهذا بصري قطعا فافترقا قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي قوله عن بن أبي موسى هكذا جاء مبهما في رواية عبد الملك وهكذا أورده الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان والقاسم بن زكريا كلاهما عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه وأخرجه بن حبان في النوع الثاني عشر من القسم الخامس من صحيحه عن عمر بن محمد بن بشار حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي فذكره وسماه معاذ عن شعبة فقال في روايته عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قوله وقال عبيد الله بن معاذ الخ أخرجه مسلم بصريح التحديث فقال حدثنا عبيد الله بن معاذ وكذا قال الإسماعيلي حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ به وأشار الإسماعيلي الى ان في السند علة أخرى فقال سمعت بعض الحفاظ يقول ان أبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من أبي بردة وانما سمعه من سعيد بن أبي بردة عن أبيه قلت وهذا تعليل غير قادح فإن شعبة كان لا يروى عن أحد من المدلسين الا ما يتحقق انه سمعه من شيخه قوله في الطريق الثالثة

[ 6036 ] إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى وأبي بردة أحسبه عن أبي موسى الأشعري لم أجد طريق إسرائيل هذه في مستخرج الإسماعيلي وضاقت على أبي نعيم فأوردها من طريق البخاري ولم يستخرجها من وجه اخر وأفاد الإسماعيلي ان شريكا وأشعث وقيس بن الربيع رووه عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه وقد وقعت لي طريق إسرائيل من وجه اخر أخرجها أبو محمد بن صاعد في فوائده عن محمد بن عمرو الهروي عن عبيد الله بن عبد المجيد الذي أخرجه البخاري من طريقه بسنده وقال في روايته عن أبي بكر وأبي بردة ابني أبي موسى عن أبيهما ولم يشك وقال غريب من حديث أبي بكر بن أبي موسى قلت وإسرائيل هو بن يونس بن أبي إسحاق وهو من اثبت الناس في حديث جده تنبيه حكى الكرماني ان في بعض نسخ البخاري وقال عبد الله بن معاذ بالتكبير قلت وهو خطأ محض وكذا حكى أن في بعض النسخ من طريق إسرائيل عبد الله بن عبد الحميد بتأخير الميم وهو خطأ أيضا وهذا هو أبو علي الحنفي مشهور من رجال الصحيحين قوله انه كان يدعو بهذا الدعاء لم ار في شيء من طرقه محل الدعاء بذلك وقد وقع معظم اخره في حديث بن عباس انه صلى الله عليه وسلم كان يقوله في صلاة الليل وقد تقدم بيانه قبل ووقع أيضا في حديث علي عند مسلم انه كان يقوله في اخر الصلاة واختلفت الرواية هل كان يقوله قبل السلام أو بعده ففي رواية لمسلم ثم يكون من اخر ما يقول بين التشهد والسلام اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اسرفت وما اعلنت وما أنت اعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا أنت وفي رواية له وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ما قدمت الخ ويجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام لان مخرج الطريقين واحد وأورده بن حبان في صحيحه بلفظ كان إذا فرغ من الصلاة وسلم وهذا ظاهر في انه بعد السلام ويحتمل انه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده وقد وقع في حديث بن عباس نحو ذلك كما بينته عند شرحه قوله رب اغفر لي خطيئتي الخطيئة الذنب يقال خطيء يخطىء ويجوز تسهيل الهمزة فيقال خطية بالتشديد قوله وجهلي الجهل ضد العلم قوله واسرافي في أمري كله الإسراف مجاوزة الحد في كل شيء قال الكرماني يحتمل ان يتعلق بالاسراف فقط ويحتمل ان يتعلق بجميع ما ذكره قوله اغفر لي خطاياي وعمدي وقع في رواية الكشميهني في طريق إسرائيل خطئي وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد بالسند الذي في الصحيح وهو المناسب لذكر العمد ولكن جمهور الرواة على الأول والخطايا جمع خطيئة وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام فان الخطيئة أعم من ان تكون عن خطأ وعن عمد أو هو من عطف أحد العامين على الاخر قوله وجهلي وجدي وقع في مسلم اغفر لي هزلي وجدي وهو انسب والجد بكسر الجيم ضد الهزل قوله وكل ذلك عندي أي موجود أو ممكن قوله اللهم اغفر لي ما قدمت الخ تقدم سر المراد به وبيان تأويله قوله أنت المقدم وأنت المؤخر في رواية مسلم اللهم أنت المقدم الخ قوله وأنت على كل شيء قدير في حديث على الذي أشرت اليه قبل لا اله الا أنت بدل قوله وأنت على كل شيء قدير قال الطبري بعد ان استشكل صدور هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ما حاصله انه صلى الله عليه وسلم امتثل ما أمره الله به من تسبيحه وسؤاله المغفرة إذا جاء نصر الله والفتح قال وزعم قوم ان استغفاره عما يقع بطريق السهو والغفلة أو بطريق الاجتهاد مما لا يصادف ما في نفس الأمر وتعقب بأنه لو كان كذلك للزم منه ان الأنبياء يؤاخذون بمثل ذلك فيكونون أشد حالا من اممهم وأجيب بالتزامه قال المحاسبي الملائكة والأنبياء أشد لله خوفا ممن دونهم وخوفهم خوف اجلال واعظام واستغفارهم من التقصير لا من الذنب المحقق وقال عياض يحتمل ان يكون قوله اغفر لي خطيئتي وقوله اغفر لي ما قدمت وما أخرت على سبيل التواضع والاستكانة والخضوع والشكر لربه لما علم انه قد غفر له وقيل هو محمول على ما صدر من غفلة أو سهو وقيل على ما مضى قبل النبوة وقال قوم وقوع الصغيرة جائز منهم فيكون الاستغفار من ذلك وقيل هو مثل ما قال بعضهم في آية الفتح ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي من ذنب أبيك آدم وما تأخر أي من ذنوب أمتك وقال القرطبي في المفهم وقوع الخطيئة من الأنبياء جائز لأنهم مكلفون فيخافون وقوع ذلك ويتعوذون منه وقيل قاله على سبيل التواضع والخضوع لحق الربوبية ليقتدى به في ذلك تكميل نقل الكرماني تبعا لمغلطاي عن القرافي ان قول القائل في دعائه اللهم اغفر لجميع المسلمين دعاء بالمحال لان صاحب الكبيرة قد يدخل النار ودخول النار ينافي الغفران وتعقب بالمنع وان المنافي للغفران الخلود في النار واما الإخراج بالشفاعة أو العفو فهو غفران في الجملة وتعقب أيضا بالمعارضة بقول نوح عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات وقول إبراهيم عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في قوله تعالى واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والتحقيق ان السؤال بلفظ التعميم لا يستلزم طلب ذلك لكل فرد فرد بطريق التعيين فلعل مراد الفراني منع ما يشعر بذلك لا منع أصل الدعاء بذلك ثم اني لا يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب والله اعلم

قوله باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة أي التي ترجى فيها إجابة الدعاء وقد ترجم في كتاب الجمعة باب الساعة التي في يوم الجمعة ولم يذكر في البابين شيئا يشعر بتعيينها وقد اختلف في ذلك كثيرا واقتصر الخطابي منها على وجهين أحدهما انها ساعة الصلاة والآخر انها ساعة من النهار عند دنو الشمس للغروب وتقدم سياق الحديث في كتاب الجمعة من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا الا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها وقد ذكرت شرحه هناك واستوعبت الخلاف الوارد في الساعة المذكور فزاد على الأربعين قولا واتفق لي نظير ذلك في ليلة القدر وقد ظفرت بحديث يظهر منه وجه المناسبة بينهما في العدد المذكور وهو ما أخرجه أحمد وصححه بن خزيمة من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة قال قلت يا أبا سعيد ان أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فقال سألت عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني كنت اعلمتها ثم انسيتها كما انسيت ليلة القدر وفي هذا الحديث إشارة الى ان كل رواية جاء فيها تعيين وقت الساعة المذكورة مرفوعا وهم والله اعلم

[ 6037 ] قوله يسأل الله خيرا يقيد قوله في رواية الأعرج شيئا وان الفضل المذكور لمن يسأل الخير فيخرج الشر مثل الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم ونحو ذلك وقوله وقال بيده فيه إطلاق القول على الفعل وقد وقع في رواية الأعرج وأشار بيده قوله قلنا يقللها يزهدها يحتمل ان يكون قوله يزهدها وقع تأكيدا لقوله يقللها والى ذلك أشار الخطابي ويحتمل ان يكون قال أحد اللفظين فجمعهما الراوي ثم وجدته عند الإسماعيلي من رواية أبي خيثمة زهير بن حرب يقللها ويزهدها فجمع بينهما وهو عطف تأكيد وقد أخرجه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل شيخ مسدد فيه فلم يقع عنده قلنا ولفظه وقال بيده يقللها يزهدها وأخرجه أبو عوانة عن الزعفراني عن إسماعيل بلفظ وقال بيده هكذا فقلنا يزهدها أو يقللها وهذه أوضح الروايات والله اعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب لنا في اليهود ولا يستجاب لهم فينا أي لأنا ندعو عليهم بالحق وهم يدعون علينا بالظلم ذكر فيه حديث عائشة في قول اليهود السام عليكم وفي قولها لهم السام عليكم واللعنة وفي اخره رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في ولمسلم من حديث جابر وانا تجاب عليهم ولا يجابون علينا ولأحمد من طريق محمد بن الأشعث عن عائشة في نحو حديث الباب فقال مه ان الله لا يحب الفحش ولا التفحش قالوا قولا فرددناه عليهم فلم يضرنا شيء ولزمهم الى يوم القيامة وقد تقدم شرحه في كتاب الاستئذان وفيه بيان الاختلاف في المراد بذلك ويستفاد منه ان الداعي إذا كان ظالما على من دعا عليه لا يستجاب دعاؤه ويؤيده قوله تعالى وما دعاء الكافرين الا في ضلال وقوله

[ 6038 ] هنا وإياك والعنف بضم العين ويجوز كسرها وفتحها وهو ضد الرفق

قوله باب التأمين يعني قول آمين عقب الدعاء ذكر فيه حديث أبي هريرة إذا امن القاريء فأمنوا وقد تقدم شرحه في كتاب الصلاة والمراد بالقاريء هنا الامام إذا قرأ في الصلاة ويحتمل ان يكون المراد بالقاريء أعم من ذلك وورد في التأمين مطلقا أحاديث منها حديث عائشة مرفوعا ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين رواه بن ماجة وصححه بن خزيمة وأخرجه بن ماجة أيضا من حديث بن عباس بلفظ ما حسدتكم على آمين فاكثروا من قول آمين واخرج الحاكم عن حبيب بن مسلمة الفهري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم الا اجابهم الله تعالى ولأبي داود من حديث أبي زهير النميري قال وقف النبي صلى الله عليه وسلم على رجل قد الح في الدعاء فقال أوجب ان ختم فقال بأي شيء قال بآمين فاتاه الرجل فقال يا فلان اختم بآمين وأبشر وكان أبو زهير يقول امين مثل الطابع على الصحيفة وقد ذكرت في باب جهر الامام بالتأمين في كتاب الصلاة ما في آمين من اللغات واختلاف في معناها فاغنى عن الإعادة

قوله باب فضل التهليل أي قول لا إله إلا الله وسيأتي بعد باب شيء مما يتعلق بذلك

[ 6040 ] قوله عن مالك عن سمي بمهملة مصغر وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن الحباب عن مالك حدثني سمى مولى أبي بكر أخرجه بن ماجة وفي رواية عبد الله بن سعيد عن أبي هند عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث قوله عن أبي صالح هو السمان قوله عن أبي هريرة في رواية عبد الله بن سعيد انه سمع أبا هريرة قوله من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هكذا في أكثر الروايات وورد في بعضها زيادة يحيى ويميت وفي أخرى زيادة بيده الخير وسأذكر من زاد ذلك قوله مائة مرة في رواية عبد الله بن يوسف عن مالك الماضية في بدء الخلق في يوم مائة مرة وفي رواية عبد الله بن سعيد إذا أصبح ومثله في حديث أبي امامة عند جعفر الفريابي في الذكر ووقع في حديث أبي ذر تقييده بأن ذلك في دبر صلاة الفجر قبل ان يتكلم لكن قال عشر مرات وفي سندهما شهر بن حوشب وقد اختلف عليه وفيه مقال قوله كانت له في رواية الكشميهني من طريق عبد الله بن يوسف الماضية كان بالتذكر أي القول المذكور قوله عدل فتح العين قال الفراء العدل بالفتح ما عدل الشيء من غير جنسه وبالكسر المثل قوله عشر رقاب في رواية عبد الله بن سعيد عدل رقبة ويوافقه رواية مالك حديث البراء بلفظ من قال لا إله إلا الله وفي اخره عشر مرات كن له عدل رقبة أخرجه النسائي وصححه بن حبان والحاكم ونظيره في حديث أبي أيوب الذي في الباب كما سيأتي التنبيه عليه واخرج جعفر الفريابي في الذكر من طريق الزهري أخبرني عكرمة بن محمد الدؤلي ان أبا هريرة قال من قالها فله عدل رقبة ولا تعجزوا ان تستكثروا من الرقاب ومثله رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكنه خالف في صحابيه فقال عن أبي عياش الزرقي أخرجه النسائي قوله وكتبت في رواية الكشميهني وكتب بالتذكير قوله وكانت له حرزا من الشيطان في رواية عبد الله بن سعيد وحفظ يومه حتى يمسي وزاد ومن قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك ومثل ذلك في طرق أخرى يأتي التنبيه عليها بعد قوله ولم يأت أحد بأفضل مما جاء كذا هنا وفي رواية عبد الله بن يوسف مما جاء به قوله الا رجل عمل أكثر منه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لم يجيء أحد بأفضل من عمله الا من قال أفضل من ذلك أخرجه النسائي بسند صحيح الى عمرو والاستثناء في قوله الا رجل منقطع والتقدير لكن رجل قال أكثر مما قاله فإنه يزيد عليه ويجوز ان يكون الاستثناء متصلا

[ 6041 ] قوله حدثنا عبد الله بن محمد هو المسندي وعبد الملك بن عمرو هو أبو عامر العقدي بفتح المهملة والقاف مشهور بكنيته أكثر من اسمه وعمر بن أبي زائدة اسم أبيه خالد وقيل ميسرة وهو أخو زكريا بن أبي زائدة وزكريا أكثر حديثا منه وأشهر قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي تابعي صغير وعمرو بن ميمون هو الاودي تابعي كبير مخضرم أدرك الجاهلية قوله من قال عشرا كان كمن اعتق رقبة من ولد إسماعيل هكذا ذكره البخاري مختصرا وساقه مسلم عن سليمان بن عبيد الله الغيلاني والإسماعيلي من طريق علي بن مسلم قالا حدثنا أبو عامر بالسند المذكور ولفظه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن اعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل وهكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة ومن طريق عمرو بن عاصم فرقهما قالا حدثنا عمر بن أبي زائدة فذكر مثله سواء قوله قال عمر كذا لأبي ذر غير منسوب ولغيره عمر بن أبي زائدة وهو الراوي المذكور في أول السند قوله وحدثنا عبد الله بن أبي السفر بفتح المهملة والفاء وسكن بعض المغاربة الفاء وهو خطأ وهو معطوف على قوله عن أبي إسحاق وقد أوضح ذلك مسلم والإسماعيلي في روايتهما المذكورة فأعاد مسلم السند من أوله الى عمر بن أبي زائدة قال حدثنا عبد الله بن أبي السفر فذكره وكذا وقع عند أحمد عن روح بن عبادة وعند أبي عوانة من روايته واقتصر على الموصول في رواية عمرو بن عاصم المذكور عن الشعبي عن الربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر قوله مثله أي مثل رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الموقوفة وحاصل ذلك ان عمر بن أبي زائدة اسنده عن شيخين أحدهما عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون موقوفا والثاني عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعا تنبيه وقع قوله قال عمرو حدثنا عبد الله بن أبي السفر الخ مؤخرا في رواية أبي ذر عن التعاليق عن موسى وعن إسماعيل وعن ادم وعن الأعمش وحصين وقدم هذه التعاليق كلها على الطريق الثانية لعمر بن أبي زائدة فصار ذلك مشكلا لا يظهر منه وجه الصواب ووقع قوله وقال عمر بن أبي زائدة مقدما معقبا بروايته عن أبي إسحاق عند غير أبي ذر في جميع الروايات عن الفريري وكذا في رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري وهو الصواب ويؤيد ذلك رواية الإسماعيلي ورواية أبي عوانة المذكورتان قوله وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه هو بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق هو جد إبراهيم بن يوسف قوله حدثني عمرو بن ميمون الخ أفادت هذه الرواية التصريح بتحديث عمرو لأبي إسحاق وافادت زيادة ذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي أيوب في السند قوله وقال موسى حدثنا وهيب الخ مرفوعا وصله أبو بكر بن أبي خيثمة في ترجمة الربيع بن خثيم من تاريخه فقال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي فذكره ولفظه كان له من الأجر مثل من اعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل وقد أخرجه جعفر في الذكر من رواية خالد الطحان عن داود بن أبي هند بسنده لكن لفظه كان له عدل رقبة أو عشر رقاب ثم أخرجه من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود قال مثله ومن طريق محمد بن أبي عدي ويزيد بن هارون كلاهما عن داود نحوه وأخرجه النسائي من رواية يزيد وهو عند أحمد عن يزيد بلفظ كن له كعدل عشر رقاب وأخرجه الإسماعيلي من طريق خلف بن راشد قال وكان ثقة صاحب سنة عن داود بن أبي هند مثله وزاد في اخره قال قلت من حدثك قال عبد الرحمن قلت لعبد الرحمن من حدثك قال أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه الربيع بن خثيم ورواية وهيب تؤيد رواية عمر بن أبي زائدة وان كان اختصر القصة فإنه وافقه في رفعه وفي كون الشعبي رواه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب قوله وقال إسماعيل عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قوله إسماعيل أهو بن أبي خالد واقتصار البخاري على هذا القدر يوهم انه خالف داود في وصله وليس كذلك وانما أراد انه جاء في هذه الطريق عن الربيع من قوله ثم لما سئل عنه وصله وليس كذلك وقد وقع لنا ذلك واضحا في زيادات الزهد لابن المبارك ورواية الحسين بن الحسين المروزي قال الحسين حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت إسماعيل بن أبي خالد يحدث عن عامر هو الشعبي سمعت الربيع بن خثيم يقول من قال لا إله إلا الله فذكره بلفظ فهو عدل أربع رقاب فقلت عمن ترويه فقال عن عمرو بن ميمون فلقيت عمرا فقلت عمن ترويه فقال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيت عبد الرحمن فقلت عمن ترويه فقال عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه جعفر في الذكر من رواية خالد الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال قال الربيع بن خثيم أخبرت انه من قال فذكره وزاد بعد قوله أربع رقاب يعتقها قلت عمن تروي هذا فذكر مثله لكن ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي سمعت الربيع بن خثيم يقول من قال فذكره دون قوله يعتقها فقلت له عمن تروي هذا فذكره وكذا أخرجه النسائي عن رواية يعلى بن عبيد عن إسماعيل مثله سواء وذكر الدارقطني ان بن عيينة ويزيد بن عطاء ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد الأموي رووه عن الربيع بن خثيم كما قال يعلى بن عبيد وان علي بن عاصم رفعه عن إسماعيل وأخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن إسحاق عن إسماعيل عن جابر سمعت الربيع بن خثيم يقول فذكره قال قلت فمن أخبرك قال عمرو بن ميمون قال فلقيت عمرا فقلت ان الربيع روى لي عنك كذا وكذا أفأنت أخبرته قال نعم قلت من أخبرك قال عبد الرحمن فذكر ذلك الخ قوله وقال ادم حدثنا شعبة الخ هكذا للأكثر ووقع عند الدارقطني ان البخاري قال فيه حدثنا آدم وكذا رويناه في نسخة ادم بن أبي إياس عن شعبة رواية القلانسي عنه وكذا أخرجه النسائي من رواية محمد بن جعفر والإسماعيلي من رواية معاذ بن معاذ كلاهما عن شعبة بسنده المذكور وساقا المتن ولفظهما عن عبد الله هو بن مسعود قال لان أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث وفيه احب الي من ان اعتق أربع رقاب وأخرجه النسائي من طريق منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع وحده عن عبد الله بن مسعود قال من قال فذكر مثله لكن زاد بيده الخير وقال في اخره كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل قوله وقال الأعمش وحصين عن هلال عن الربيع عن عبد الله قوله اما رواية الأعمش فوصلها النسائي من طريق وكيع عنه ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال من قال اشهد ان لا إله إلا الله وقال فيه كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل واما رواية حصين وهو بن عبد الرحمن فوصلها محمد بن فضيل في كتاب الدعاء له حدثنا حصين بن عبد الرحمن فذكره ولفظه قال عبد الله من قال أول النهار لا إله إلا الله فذكره بلفظ كن له كعدل أربع محررين من ولد إسماعيل قال فذكرته لإبراهيم يعني النخعي فزاد فيه بيده الخير وهكذا أخرجه النسائي من طريق محمد بن فضيل ورويناها بعلو في فوائد أبي جعفر بن البختري من طريق علي بن عاصم عن حصين ولفظه عن هلال قال ما قعد الربيع بن خثيم الا كان اخر قوله قال بن مسعود فذكره وهكذا رواه منصور بن المعتمر عن هلال وقال في اخره كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل وزاد فيه بيده الخير ولم يفصل كما فصل حصين أخرجه النسائي من رواية يحيى بن يعلى عن منصور وأخرجه النسائي أيضا من رواية زائدة عن منصور عن هلال عن الربيع عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله مثل الأول وزاد عشر مرات كن عدل نسمة وهذه الطريق لا تقدح في الإسناد الأول لان عبد الرحمن صرح بأنه سمعه من أبي أيوب كما في رواية الأصيلي وغيره فلعله كان سمعه من المرأة عنه ثم لقيه فحدثه به أو سمعه منه ثم ثبتته فيه المرأة قوله ورواه أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا لأبي ذر ووافقه النسفي ولغيرهما وقال أبو محمد الخ وأبو محمد لا يعرف اسمه كما قال الحاكم أبو أحمد وكان يخدم أبا أيوب وذكر المزي انه افلح مولى أبي أيوب وتعقب بأنه مشهور باسمه مختلف في كنيته وقال الدارقطني لا يعرف أبو محمد الا في هذا الحديث وليس لأبي محمد الحضرمي في الصحيح الا هذا الموضع وقد وصله الامام أحمد والطبراني من طريق سعيد بن إياس الحريري عن أبي الورد وهو بفتح الواو وسكون الراء واسمه ثمامة بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون القشيري عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب الأنصاري قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نزل علي فقال لي يا أبا أيوب الا أعلمك قلت بلى يا رسول الله قال ما من عبد يقول إذا أصبح لا إله إلا الله فذكره الا كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات والا كن له عند الله عدل عشر رقاب محررين والا كان في جنة من الشيطان حتى يمسي ولا قالها حين يمسي الا كان كذلك قال فقلت لأبي محمد أنت سمعتها من أبي أيوب قال والله لقد سمعتها من أبي أيوب وروى أحمد أيضا من طريق عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب رفعه من قال إذا صلى الصبح لا إله إلا الله فذكره بلفظ عشر مرات كن كعدل أربع رقاب وكتب له بهن عشر حسنات ومحى عنه بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له حرسا من الشيطان حتى يمسي وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك وسنده حسن وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي رهم السمعي بفتح المهملة والميم عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يصبح فذكر مثله لكن زاد يحيي ويميت وقال فيه كعدل عشر رقاب وكان له مسلحة من أول نهاره الى اخره ولم يعمل عملا يومئذ يقهرهن وان قالهن حين يمسي فمثل ذلك وأخرجه أيضا من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أيوب بلفظ من قال غدوة فذكر نحوه وقال في اخره واجاره الله يومه من النار ومن قالها عشية كان له مثل ذلك قوله قال أبو عبد الله هو البخاري والصحيح قول عمرو كذا وقع في رواية أبي ذر عن المستملي وحده ووقع عنده عمرو بفتح العين ونبه على ان الصواب عمر بضم العين وهو كما قال ووقع عند أبي زيد المروزي في روايته الصحيح قول عبد الملك بن عمرو وقال الدارقطني الحديث حديث بن أبي السفر عن الشعبي وهو الذي ضبط الإسناد ومراد البخاري ترجيح رواية عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحاق على رواية غيره عنه وقد ذكر هو ممن رواه عن أبي إسحاق حفيده إبراهيم بن يوسف كما بينته ورواه عن أبي إسحاق أيضا حفيده الاخر إسرائيل بن يونس أخرجه جعفر في الذكر من طريقه عن أبي إسحاق فزاد في روايته بين عمرو وعبد الرحمن الربيع بن خثيم ووقفه أيضا ولفظه عنده كان له من الأجر مثل من اعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ورواه عن أبي إسحاق أيضا زهير بن معاوية كذلك أخرجه النسائي من طريقه لكن قال كان أعظم اجرا وأفضل والباقي مثل إسرائيل وأخرجه أيضا من رواية زيد بن أبي انيسة عن أبي إسحاق لكن لم يذكر عبد الرحمن بين الربيع وأبي أيوب وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق فقال عن عمرو بن ميمون حدثنا من سمع أبا أيوب فذكر مثل لفظ زهير بن معاوية واختلاف هذه الروايات في عدد الرقاب مع اتحاد المخرج يقتضي الترجيح بينها فالأكثر على ذكر أربعة ويجمع بينه وبين حديث أبي هريرة يذكر عشرة لقولها مائة فيكون مقابل كل عشر مرات رقبة من قبل المضاعفة فيكون لكل مرة بالمضاعفة رقبة وهي مع ذلك لمطلق الرقاب ومع وصف كون الرقبة من بني إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أربعة منهم لأنهم اشرف من غيرهم من العرب فضلا عن العجم واما ذكر رقبة بالافراد في حديث أبي أيوب فشاذ والمحفوظ أربعة كما بينته وجمع للقرطبي في المفهم بين الاختلاف على اختلاف أحوال الذاكرين فقال انما يحصل الثواب الجسيم لمن قام بحق هذه الكلمات فاستحضر معانيها بقلبه وتأملها بفهمه ثم لما كان الذاكرون في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين كان ثوابهم بحسب ذلك وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الثواب في الأحاديث فان في بعضها ثوابا معينا وتجد ذلك الذكر بعينه في رواية أخرى أكثر أو أقل كما اتفق في حديث أبي هريرة وأبي أيوب قلت إذا تعددت مخارج الحديث فلا بأس بهذا الجمع وإذا اتحدث فلا وقد يتعين الجمع الذي قدمته ويحتمل فيما إذا تعددت أيضا أن يختلف المقدار بالزمان كالتقييد بما بعد صلاة الصبح مثلا وعدم التقيد إن لم يجعل المطلق في ذلك على المقيد ويستفاد منه جواز استرقاق العرب خلافا لمن منع ذلك قال عياض ذكر هذا العدد من المائة دليل على انها غاية للثواب المذكور واما قوله الا أحد عمل أكثر من ذلك فيحتمل ان تراد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل يحسابه لئلا يظن انها من الحدود التي نهى عن اعتدائها وانه لافضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن المحدودة واعداد الطهارة ويحتمل ان تراد الزيادة من غير هذا الجنس من الذكر أو غيره الا ان يزيد أحد عملا اخر من الأعمال الصالحة وقال النووي يحتمل ان يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو غيره وهو الأظهر يشير الى ان ذلك يختص بالذكر ويؤيده ما تقدم ان عند النسائي من رواية عمرو بن شعيب الا من قال أفضل من ذلك قال وظاهر إطلاق الحديث ان الأجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متواليا أو متفرقا في مجلس أو مجالس في أول النهار أو اخره لكن الأفضل ان يأتي به أول النهار متواليا ليكون له حرزا في جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون له حرزا في جميع ليله تنبيه أكمل ما ورد من ألفاظ هذا الذكر في حديث بن عمر عن عمر رفعه من قال حسين يدخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير الحديث أخرجه الترمذي وغيره وهذا لفظ جعفر في الذكر وفي سنده لين وقد ورد جميعه في حديث الباب على ما اوضحته مفرقا الا قوله وهو حي لا يموت

قوله باب فضل التسبيح يعني قول سبحان الله ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به صلاة النافلة واما صلاة التسبيح فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها وسبحان اسم منصوب على انه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا ولا يستعمل غالبا الا مضافا وهو مضاف الى المفعول أي سبحت الله ويجوز ان يكون مضافا الى الفاعل أي نزه الله نفسه والمشهور الأول وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله سبحانه ثم سبحانا انزهه

[ 6042 ] قوله من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر زاد في رواية سهيل بن أبي صالح عن سمي عن أبي صالح من قال حين يمسي وحين يصبح ويأتي في ذلك ما ذكره النووي من ان الأفضل ان يقول ذلك متواليا في أول النهار وفي أول الليل والمراد بقوله وان كانت مثل زبد البحر الكناية عن المبالغة في الكثرة قال عياض قوله حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر مع قوله في التهليل محيت عنه مائة سيئة قد يشعر بأفضلية التسبيح على التهليل يعني لان عدد زبد البحر اضعاف اضعاف المائة لكن تقدم في التهليل ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به فيحتمل ان يجمع بينهما بأن يكون التهليل أفضل وانه بما زيد من رفع الدرجات وكتب الحسنات تم ما جعل مع ذلك من فضل عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا لأنه قد جاء من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار فحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عموما بعد حصر ما عدد منها خصوصا مع زيادة مائة درجة وما زاده عتق الرقاب الزيادة على الواحدة ويؤيده الحديث الاخر أفضل الذكر التهليل وانه أفضل ما قاله والنبيون من قبله وهو كلمة التوحيد والإخلاص وقيل انه اسم الله الأعظم وقد مضى شرح التسبيح وانه التنزيه عما لا يليق بالله تعالى وجميع ذلك داخل في ضمن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير انتهى ملخصا قلت وحديث أفضل الذكر لا إله إلا الله أخرجه الترمذي والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث جابر ويعارضه في الظاهر حديث أبي ذر قلت يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام الى الله قال ان احب الكلام الى الله سبحان الله وبحمده أخرجه مسلم وفي رواية سئل أي الكلام أفضل قال ما اصطفاه الله لملائكته سبحان الله وبحمده وقال الطيبي في الكلام على حديث أبي ذر فيه تلميح بقوله تعالى حكاية عن الملائكة ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ويمكن ان يكون قوله سبحان الله وبحمده مختصرا من الكلمات الأربع وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر لان سبحان الله تنزيه له عما لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى لا إله إلا الله وقوله وبحمده صريح في معنى والحمد لله لان الإضافة فيه بمعنى اللام في الحمد ويستلزم ذلك معنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والافضال لله ومن الله وليس من غيره شيء من ذلك فلا يكون أحد أكبر منه ومع ذلك كله فلا يلزم ان يكون التسبح أفضل من التهليل لان التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولان نفي الالهة في قول لا اله نفي لمضمنها من فعل الخلق والرزق والاثابة والعقوبة وقول الا الله اثبات لذلك ويلزم منه نفي ما يضاده ويخالفه من النقائص فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تنزيه يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل لان التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه والله اعلم وقد جمع القرطبي بما حاصله ان هذه الأذكار إذا اطلق على بعضها انه أفضل الكلام أو احبه الى الله فالمراد إذا انضمت الى اخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم احب الكلام الى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ويحتمل ان يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفى لان حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه انتهى وقال النووي هذا الإطلاق في الأفضلية محمول على كلام الادمي والا فالقرآن أفضل الذكر وقال البيضاوي الظاهر ان المراد من الكلام كلام البشر فان للثلاث الأول وان وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه قلت ويحتمل ان يجمع بأن تكون من مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله وفي قوله احب الكلام بناء على ان لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله لأنها ذكرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة وذكرت مع اخواتها بالاحبية فحصل لها التفضيل تنصيصا وانضماما والله اعلم واخرج الطبري من رواية عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ان الرجل إذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لا يقبل الله عملا حتى يقولها وإذا قال الحمد لله فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد حتى يقولها ومن طريق الأعمش عن مجاهد عن بن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على اثرها الحمد لله رب العالمين تكميل اخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال موسى يا رب علمني شيئا اذكرك به قال قل لا إله إلا الله الحديث وفيه لو ان السماوات السبع وعامرهن والارضين السبع جعلن في كفة ولا اله الا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله فيؤخذ منه ان الذكر بلا اله الا الله أرجح من الذكر بالحمد لله ولا يعارضه حديث أبي مالك الأشعري رفعه والحمد لله تملأ الميزان فان الملء يدل على المساواة والرجحان صريح في الزيادة فيكون أولى ومعنى ملء الميزان ان ذاكرها يمتلئ ميزانه ثوابا وذكر بن بطال عن بعض العلماء ان الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه انما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام وليس من اصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالافاضل المطهرين في ذلك ويشهد له قوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيآت ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون

[ 6043 ] قوله حدثنا بن فضيل هو محمد وأبوه بالفاء والمعجمة مصغر وعمارة هو بن القعقاع بن شبرمة وأبو زرعة هو بن عمرو بن جرير ورجال الإسناد ما بين زهير بن حرب وأبي هريرة كوفيون قوله خفيفتان على اللسان الخ قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به واما الثقل فعلى حقيقته لان الأعمال تتجسم عند الميزان والخفة والسهولة من الأمور النسبية وفي الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته لان جميع التكاليف شاقة على النفس وهذا سهل ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الأفعال الشاقة فلا ينبغي التفريط فيه وقوله حبيبتان الى الرحمن تثنية حبيبة وهي المحبوة والمراد ان قائلها محبوب لله ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل ولما فيها من التنزيه والتحميد والتعظيم وفي الحديث جواز السجع في الدعاء إذا وقع بغير كلفة وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في اخر الصحيح حيث ختم به المصنف ان شاء الله تعالى

قوله باب فضل ذكر الله عز وجل ذكر فيه حديثي أبي موسى وأبي هريرة وهما ظاهران فيما ترجم له والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والاكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيرى الدنيا والآخرة ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما اوجبه أو ندب اليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ان لا يقصد به غير معناه وان انضاف الى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فان انضاف الى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا فان وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو ابلغ الكمال وقال الفخر الرازي المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على احكامها وفي أسرار مخلوقات الله والذكر بالجوارح هو ان تصير مستغرقة في الطاعات ومن ثم سمى الله الصلاة ذكرا فقال فاسعوا الى ذكر الله ونقل عن بعض العارفين قال الذكر على سبعة انحاء فذكر العينين بالبكاء وذكر الأذنين بالاصغاء وذكر اللسان بالثناء وذكر اليدين بالعطاء وذكر البدن بالوفاء وذكر القلب بالخوف والرجاء وذكر الروح بالتسليم والرضاء وورد في فضل الذكر أحاديث أخرى منها ما أخرجه المصنف في اواخر كتاب التوحيد عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى انا عند ظن عبدي بي وانا معه إذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي الحديث ومنها ما أخرجه في صلاة الليل من حديث أبي هريرة أيضا رفعه يعقد الشيطان الحديث وفيه فان قام فذكر الله انحلت عقدة ومنها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة الحديث ومن حديث أبي ذر رفعه احب الكلام الى الله ما اصطفى لملائكته سبحان ربي وبحمده الحديث ومن حديث معاوية رفعه انه قال لجماعة جلسوا يذكرون الله تعالى أتاني جبريل فأخبرني ان الله يباهي بكم الملائكة ومن حديث سمرة رفعه احب الكلام الى الله أربع لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهن بدأت ومن حديث أبي هريرة رفعه لان أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر احب الي مما طلعت عليه الشمس واخرج الترمذي والنسائي وصححه الحاكم عن الحارث بن الحارث الأشعري في حديث طويل وفيه فآمركم ان تذكروا الله وان مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في اثره شراعا حتى إذا اتى على حصن حصين احرز نفسه منهم فكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى وعن عبد الله بن بسر ان رجلا قال يا رسول الله ان شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء تشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان والحاكم واخرج بن حبان نحوه أيضا من حديث معاذ بن جبل وفيه انه السائل عن ذلك واخرج الترمذي من حديث أنس رفعه إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال حلق الذكر واخرج الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا الا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلا قال ذكر الله عز وجل وقد أشرت اليه مستشكلا في أوائل الجهاد مع ما ورد في فضل المجاهد انه كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر وغير ذلك مما يدل على افضليته على غيره من الأعمال الصالحة وطريق الجمع والله اعلم ان المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى وان الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا من غير استحضار لذلك وان أفضلية الجهاد انما هي بالنسبة الى ذكر اللسان المجرد فمن اتفق له انه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلا فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم عند الله تعالى وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح الا والذكر مشترط في تصحيحه فمن لم يذكر الله بقلبه عند صدقته أو صيامه مثلا فليس عمله كاملا فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية ويشير الى ذلك حديث نية المؤمن ابلغ من عمله الحديث الأول

[ 6044 ] قوله مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت سقط لفظ ربه الثانية من رواية غير أبي ذر هكذا وقع في جميع نسخ البخاري وقد أخرجه مسلم عن أبي كريب وهو محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بسنده المذكور بلفظ مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وكذا أخرجه الإسماعيلي وابن حبان في صحيحه جميعا عن أبي يصلى عن أبي كريب وكذا أخرجه أبو عوانه عن أحمد بن عبد الحميد والإسماعيلي أيضا عن الحسن بن سفيان عن عبد الله بن براد وعن القاسم بن زكريا عن يوسف بن موسى وإبراهيم بن سعيد الجوهري وموسى بن عبد الرحمن المسروقي والقاسم بن دينار كلهم عن أبي أسامة فتوارد هؤلاء على هذا اللفظ يدل على انه هو الذي حدث به يزيد بن عبد الله شيخ أبي أسامة وانفراد البخاري باللفظ المذكور دون بقية أصحاب أبي كريب وأصحاب أبي أسامة يشعر بأنه رواه من حفظه أو تجوز في روايته بالمعنى الذي وقع له وهو ان الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا السكن وان إطلاق الحي والميت في وصف البيت انما يراد به ساكن البيت فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت الحديث الثاني قوله حدثنا قتيبة هو بن سعيد وصرح بذلك في غير رواية أبي ذر قوله جرير هو بن عبد الحميد قوله عن أبي صالح لم أره من حديث الأعمش الا بالعنعنة لكن اعتمد البخاري على وصله لكون شعبة رواه عن الأعمش كما سأذكره فان شعبة كان لا يحدث عن شيوخه المنسوبين للتدليس الا بما تحقق انهم سمعوه قوله عن أبي هريرة كذا قال جرير وتابعه الفضيل بن عياض عند بن حبان وأبو بكر بن عياش عند الإسماعيلي كلاهما عن الأعمش وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هكذا بالشك للأكثر وفي نسخة وعن أبي سعيد بواو العطف والأول هو المعتمد فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك وقال شك الأعمش وكذا قال بن أبي الدنيا عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي معاوية وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد وقال شك سليمان يعني الأعمش قال الترمذي حسن صحيح وقد روى عن أبي هريرة من غير هذا الوجه يعني كما تقدم بغير تردد

[ 6045 ] قوله بعد سياق المتن رواه شعبة عن الأعمش يعني بسنده المذكور قوله ولم يرفعه هكذا وصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية بشر بن خالد عن محمد بن جعفر موقوفا قوله ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله مسلم وأحمد من طريقه وسأذكر ما في روايته من فائدة قوله إن لله ملائكة زاد الإسماعيلي عثمان بن أبي شيبة وابن حبان من طريق إسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير فضلا وكذا لابن حبان من طريق فضيل بن عياض وكذا لمسلم من رواية سهيل قال عياض في المشارق ما نصه في روايتنا عن أكثرهم بسكون الضاد المعجمة وهو الصواب ورواه العذري والهوزني فضل بالضم وبعضهم بضم الضاد ومعناه زيادة على كتاب الناس هكذا جاء مفسرا في البخاري قال وكان هذا الحرف في كتاب بن عيسى فضلاء بضم أوله وفتح الضاد المد وهو وهم هنا وان كانت هذه صفتهم عليهم السلام وقال في الإكمال الرواية فيه عند جمهور شيوخنا في مسلم والبخاري بفتح الفاء وسكون الضاد فذكر نحو ما تقدم وزاد هكذا جاء مفسرا في البخاري في رواية أبي معاوية الضرير وقال بن الأثير في النهاية فضلا أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق ويروى بسكون الضاد وبضمها قال بعضهم والسكون أكثر واصوب وقال النووي ضبطوا فضلا على أوجه ارجحها بضم الفاء والضاد والثاني بضم الفاء وسكون الضاد ورجحه بعضهم وادعى انها أكثر واصوب والثالث بفتح الفاء وسكون الضاد قال القاضي عياض هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم والرابع بضم الفاء والضاد كالأول لكن برفع اللام يعني على انه خبر ان والخامس فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء ومعناه على جميع الروايات انهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم الا حلق الذكر وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون الضاد جمع فاضل كمنزل ونازل انتهى ونسبة عياض هذه اللفظة للبخاري وهم فإنها ليست في صحيح البخاري هنا في جميع الروايات الا ان تكون خارج الصحيح ولم يخرج البخاري الحديث المذكور عن أبي معاوية أصلا وانما أخرجه من طريقه الترمذي وزاد بن أبي الدنيا والطبراني في رواية جرير فضلا عن كتاب الناس ومثله لابن حبان من رواية فضيل بن عياض وزاد سياحين في الأرض وكذا هو في رواية أبي معاوية عند الترمذي والإسماعيلي عن كتاب الابدي ولمسلم من رواية سهيل عن أبيه سيارة فضلا قوله يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر في رواية سهيل يتبعون مجاس الذكر وفي حديث جابر بن أبي يعلى ان لله سرايا من الملائكة تقف وتحل بمجالس الذكر في الأرض قوله فإذا وجدوا قوما في رواية فضيل بن عياض فإذا رأوا قوما وفي رواية سهيل فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قوله تنادوا في رواية الإسماعيلي يتنادون قوله هلموا الى حاجتكم في رواية أبي معاوية بغيتكم وقوله هلموا على لغة أهل نجد واما أهل الحجاز فيقولون الواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الافراد وقد تقدم تقرير ذلك في التفسير واختلف في أصل هذه الكلمة فقيل هل لك في الأكل أم أي اقصد وقيل أصله لم بضم اللام وتشديد الميم وها للتنبيه حذفت ألفها تخفيفا قوله فيحفونهم بأجنحتهم أي يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين والباء للتعدية وقيل للاستعانة قوله الى السماء الدنيا في رواية الكشميهني الى سماء الدنيا وفي رواية سهيل قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤا ما بينهم وبين سماء الدنيا قوله قال فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم في رواية الكشميهني بهم كذا للإسماعيلي وهي جملة معترضة وردت لرفع التوهم زاد في رواية سهيل من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض وفي رواية الترمذي فيقول الله أي شيء تركتم عبادي يصنعون قوله ما يقول عبادي قال تقول يسبحونك كذا لأبي ذر بالافراد فيهما ولغيره قالوا يقولون ولابن أبي الدنيا قال يقولون وزاد سهيل في روايته فإذا تفرقوا أي أهل المجلس عرجوا أي الملائكة وصعدوا الى السماء قوله يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك زاد إسحاق وعثمان عن جرير ويمجدونك وكذا لابن أبي الدنيا وفي رواية أبي معاوية فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك وفي رواية الإسماعيلي قالوا ربنا مررنا بهم وهم يذكرونك الخ وفي رواية سهيل جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك وفي حديث أنس عند البزار ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لاخرتهم ودنياهم ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وانها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب وان كانت قراءة الحديث ومدارسه العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى قوله قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك كذا ثبت لفظ الجلالة في جميع نسخ البخاري وكذا في بقية المواضع وسقط لغيره قوله كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا زاد أبو ذر في روايته وتحميدا وكذا لابن أبي الدنيا وزاد في رواية الإسماعيلي وأشد لك ذكرا وفي رواية بن أبي الدنيا وأكثر لك تسبيحا قوله قال يقول في رواية أبي ذر فيقول قوله فما يسألوني في رواية أبي معاوية فأي شيء يطلبون قوله يسألونك الجنة في رواية سهيل يسألونك جنتك قوله كانوا أشد عليها حرصا زاد أبو معاوية في روايته عليها وفي رواية بن أبي الدنيا كانوا أشد حرصا وأشد طلبة واعظم لها رغبة قوله قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار في رواية أبي معاوية فمن أي شيء يتعوذون فيقولون من النار وفي رواية سهيل قالوا ويستجيرونك وقال ومم يستجيرونني قالوا من نارك قوله كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة في رواية أبي معاوية كانوا أشد منها هربا وأشد منها تعوذا وخوفا وزاد سهيل في روايته قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم واعطيتهم ما سألوا وفي حديث أنس فيقول غشوهم رحمتي قوله يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم انما جاء لحاجة في رواية أبي معاوية فيقولون ان فيهم فلانا الخطاء لم يردهم انما جاء لحاجة وفي رواية سهيل قال يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء انما مر فجلس معهم وزاد في روايته قال وله قد غفرت قوله هم الجلساء في رواية أبي معاوية وكذا في رواية سهيل هم القوم وفي اللام اشعار بالكمال أي هم القوم كل القوم قوله لا يشقى جليسهم كذا لأبي ذر ولغيره لا يشقى بهم جليسهم وللترمذي لا يشقى لهم جليس وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال وقد اخرج جعفر في الذكر من طريق أبي الأشهب عن الحسن البصري قال بينا قوم يذكرون الله إذ اتاهم رجل فقعد إليهم قال فنزلت الرحمة ثم ارتفعت فقالوا ربنا فيهم عبدك فلان قال غشوهم رحمتي هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين فلو قيل لسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل لكن التصريح بنفي الشقاء ابلغ في حصول المقصود تنبيه اختصر أبو زيد المروزي في روايته عن الفربري متن هذا الحديث فساق منه الى قوله هلموا الى حاجتكم ثم قال فذكر الحديث وفي الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين وفضل الاجتماع علي ذلك وان جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم اكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر وفيه محبة الملائكة بني ادم واعتناؤهم بهم وفيه ان السؤال قد يصدر من السائل وهو اعلم بالمسئول عنه من المسئول لإظهار العناية بالمسؤول عنه والتنوية بقدره والاعلان بشرف منزلته وقيل ان في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة الى قولهم اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فكأنه قيل لهم انظروا الى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التسبيح والتقديس وقيل انه يؤخذ من هذا الحديث ان الذكر الحاصل من بني ادم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الادميين مع كثرة الشواغل ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب بخلاف الملائكة في ذلك كله وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقه انه يرى الله تعالى جهرا في دار الدنيا وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي امامة رفعه واعلموا انكم لم تروا ربكم حتى تموتوا وفيه جواز القسم في الأمر المحقق تأكيدا له وتنويها به وفيه ان الذي اشتملت عليه الجنة من أنواع الخيرات والنار من أنواع المكروهات فوق ما وصفتا به وان الرغبة والطلب من الله والمبالغة في ذلك من أسباب الحصول

قوله باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله ذكر فيه حديث أبي موسى وقد تقدم قريبا في باب الدعاء إذا علا عقبة ووعدت بشرحه في كتاب القدر وسيأتي إن شاء الله تعالى

قوله باب لله مائة اسم غير واحدة كذا لأبي ذر ولغيره مائة غير واحد بالتذكير وكذا اختلف الرواة في هذا في لفظ المتن

[ 6047 ] قوله حفظناه من أبي الزناد في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا أبو الزناد وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه قوله رواية في رواية الحميدي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمسلم عن عمرو بن محمد الناقد عن سفيان بهذا السند عن النبي صلى الله عليه وسلم وللمصنف في التوحيد من رواية شعيب عن أبي الزناد بسنده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ووقع عند الدارقطني في غرائب مالك من رواية عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه عن بن وهب عن مالك بالسند المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل لي تسعة وتسعون اسما قلت وهذا الحديث رواه عن الأعرج أيضا موسى بن عقبة عند بن ماجة من رواية زهير بن محمد عنه وسرد الأسماء ورواه عن أبي الزناد أيضا شعيب بن أبي حمزة كما مضى في الشروط ويأتي في التوحيد وأخرجه الترمذي من رواية الوليد بن مسلم عن شعيب وسرد الأسماء ومحمد بن عجلان عند أبي عوانة ومالك عند بن خزيمة والنسائي والدارقطني في غرائب مالك وقال صحيح عن مالك وليس في الموطأ قدر ما عند أبي نعيم في طرق الأسماء الحسنى وعبد الرحمن بن أبي الزناد عند الدارقطني وأبو عوانه ومحمد بن إسحاق عند أحمد وابن ماجة وموسى بن عقبة عند أبي نعيم من رواية حفص بن ميسرة عنه ورواه عن أبي هريرة أيضا همام بن منبه عند مسلم وأحمد ومحمد بن سيرين عند مسلم والترمذي والطبراني في الدعاء وجعفر الفريابي في الذكر وأبو رافع عند الترمذي وأبو سلمة بن عبد الرحمن عند أحمد وابن ماجة وعطاء بن يسار وسعيد المقبري وسعيد بن المسيب وعبد الله بن شقيق ومحمد بن جبير بن مطعم والحسن البصري أخرجها أبو نعيم بأسانيد عنهم كلها ضعيفة وعراك بن مالك عند البزار لكن شك فيه ورويناها في جزء المعالي وفي امالي الجرفي من طريقه بغير شك ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة سلمان الفارسي وابن عباس وابن عمر وعلي وكلها عند أبي نعيم أيضا بأسانيد ضعيفة وحديث علي في طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي وحديث بن عباس وابن عمر معا في الجزء الثالث عشر من امالي أبي القاسم بن بشران وفي فوائد أبي عمر بن حيويه انتقاء الدارقطني هذا جميع ما وقفت عليه من طرقه وقد اطلق بن عطية في تفسيره انه تواتر عن أبي هريرة فقال في سرد الأسماء نظر فان بعضها ليس في القرآن ولا في الحديث الصحيح ولم يتواتر الحديث من أصله وان خرج في الصحيح ولكنه تواتر عن أبي هريرة كذا قال ولم يتواتر عن أبي هريرة أيضا بل غاية امره ان يكون مشهورا ولم يقع في شيء من طرقه سرد الأسماء الا في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند بن ماجة وهذان الطريقان يرجعان الى رواية الأعرج وفيهما اختلاف شديد في سرد الأسماء والزيادة والنقص على ما سأشير اليه ووقع سرد الأسماء أيضا في طريق ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الفريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فمشى كثير منهم على الأول واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم لان كثيرا من هذه الأسماء كذلك وذهب اخرون الى ان التعيين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه ونقله عبد العزيز النخشبي عن كثير من العلماء قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بسياق الأسماء الحسنى والعلة فيه عندهما تفرد الوليد بن مسلم قال ولا أعلم خلافا عند أهل الحديث أن الوليد أوثق وأحفظ وأجل وأعلم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش وغيرهما من أصحاب شعيب يشير الى ان بشرا وعليا وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسماء فرواية أبي اليمان عند المصنف ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الادراج قال البيهقي يحتمل أن يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معا ولهذا وقع الاختلاف الشديد بينهما ولهذا الاحتمال ترك الشيخان تخريج التعيين وقال الترمذي بعد ان أخرجه من طريق الوليد هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه الا من حديث صفوان وهو ثقة وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولانعلم في شيء من الروايات ذكر الأسماء الا في هذه الطريق وقد روى بإسناد اخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء وليس له إسناد صحيح انتهى ولم ينفرد به صفوان فقد أخرجه البيهقي من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضا وقد اختلف في سنده على الوليد فأخرجه عثمان الدرامي في النقض على المريسي عن هشام بن عمار عن الوليد فقال عن خليد بن دعلج عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فذكره بدون التعيين قال الوليد وحدثنا سعيد بن عبد العزيز مثل ذلك وقال كلها في القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وسرد الأسماء وأخرجه أبو الشيخ بن حبان من رواية أبي عامر القرشي عن الوليد بن مسلم بسند اخر فقال حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة قال زهير فبلغنا ان غير واحد من أهل العلم قال ان أولها ان تفتتح بلا اله الا الله وسرد الأسماء وهذه الطريق أخرجها بن ماجة وابن أبي عاصم والحاكم من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد لكن سرد الأسماء اولا فقال بعد قوله من حفظها دخل الجنة الله الواحد الصمد الخ ثم قال بعد ان انتهى العد قال زهير فبلغنا عن غير واحد من أهل العلم ان أولها يفتتح بلا اله الا الله له الأسماء الحسنى قلت والوليد بن مسلم أوثق من عبد الملك بن محمد الصنعاني ورواية الوليد تشعر بأن التعيين مدرج وقد تكرر في رواية الوليد عن زهير ثلاثة أسماء وهي الأحد الصمد الهادي ووقع بدلها في رواية عبد الملك المقسط القادر الوالي وعند الوليد أيضا الوالي الرشيد وعند عبد الملك الوالي الراشد وعند الوليد العادل المنير وعند عبد الملك الفاطر القاهر واتفقا في البقية واما رواية الوليد عن شعيب وهي أقرب الطرق الى الصحة وعليها عول غالب من شرح الأسماء الحسنى فسياقها عند الترمذي هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبديء المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالى البر التواب المنتقم العفو الرءوف مالك الملك ذو الجلال والاكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور وقد أخرجه الطبراني عن أبي زرعة الدمشقي عن صفوان بن صالح فخالف في عدة أسماء فقال القائم الدائم بدل القابض الباسط و الشديد بدل الرشيد والاعلى المحيط مالك يوم الدين بدل الودود المجيد الحكيم ووقع عند بن حبان عن الحسن بن سفيان عن صفوان الرافع بدل المانع ووقع في صحيح بن خزيمة في رواية صفوان أيضا مخالفة في بعض الأسماء قال الحاكم يدل الحكيم و القريب بدل الرقيب و المولى بدل الوالي و الأحد بدل المغني ووقع في رواية البيهقي وابن منده من طريق موسى بن أيوب عن الوليد المغيث بالمعجمة والمثلثة بدل المقيت بالقاف والمثناة ووقع بين رواية زهير وصفوان المخالفة في ثلاثة وعشرين اسما فليس في رواية زهير الفتاح القهار الحكم العدل الحسيب الجليل المحصي المتقدر المقدم المؤخر البر المنتقم المغني النافع الصبور البديع الغفار الحفيظ الكبير الواسع الأحد مالك الملك ذو الجلال والاكرام وذكر بدلها الرب الفرد الكافي القاهر المبين بالموحدة الصادق الجميل البادي بالدال القديم البار بتشديد الراء الوفي البرهان الشديد الواقي بالقاف القدير الحافظ العادل المعطي العالم الأحد الابد الوتر ذو القوة ووقع في رواية عبد العزيز بن الحصين اختلاف اخر فسقط فيها ما في رواية صفوان من القهار الى تمام خمسة عشر اسما على الولاء وسقط منها أيضا القوي الحليم الماجد القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل المقسط الجامع الضار النافع الوالي الرب فوقع فيها مما في رواية موسى بن عقبة المذكورة انفا ثمانية عشر اسما على الولاء وفيها ايضا الحنان المنان الجليل الكفيل المحيط القادر الرفيع الشاكر الاكرم الفاطر الخلاق الفاتح المثيب بالمثلثة ثم الموحدة العلام المولى النصير ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الإله المدبر بتشديد الموحدة قال الحاكم انما أخرجت رواية عبد العزيز بن الحصين شاهدا لرواية الوليد عن شعبة لان الأسماء التي زادها على الوليد كلها في القرآن كذا قال وليس كذلك وانما تؤخذ من القرآن بضرب من التكلف لا ان جميعها ورد فيه بصورة الأسماء وقد قال الغزالي في شرح الأسماء له لا اعرف أحدا من العلماء عني بطلب أسماء وجمعها سوى رجل من حفاظ المغرب يقال له علي بن حزم فإنه قال صح عندي قريب من ثمانين اسما يشتمل عليها كتاب الله والصحاح من الاخبار فلتطلب البقية من الاخبار الصحيحة قال الغزالي وأظنه لم يبلغه الحديث يعني الذي أخرجه الترمذي أو بلغه فاستضعف إسناده قلت الثاني هو مراد فإنه ذكر نحو ذلك في المحلى ثم قال والأحاديث الواردة في سرد الأسماء ضعيفة لا يصح شيء منها أصلا وجميع ما تتبعته من القرآن ثمانية وستون اسما فإنه اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله تعالى ويبقى وجه ربك ولا ما ورد مضافا كالبديع من قوله تعالى بديع السماوات والأرض وسأبين الأسماء التي اقتصر عليها قريبا وقد استضعف الحديث أيضا جماعة فقال الداودي لم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم عين الأسماء المذكورة وقال بن العربي يحتمل ان تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع ويحتمل ان تكون من جمع بعض الرواة وهو الأظهر عندي وقال أبو الحسن القابسي أسماء الله وصفاته لا تعلم الا بالتوقيف من الكتاب أو السنة أو الإجماع ولا يدخل فيها القياس ولم يقع في الكتاب ذكر عدد معين وثبت في السنة انها تسعة وتسعون فأخرج بعض الناس من الكتاب تسعة وتسعين اسما والله اعلم بما أخرج من ذلك لان بعضها ليست أسماء يعني صريحه ونقل الفخر الرازي عن أبي زيد البلخي انه طعن في حديث الباب فقال اما الرواية التي لم يسرد فيها الأسماء وهي التي اتفقوا على انها أقوى من الرواية التي سردت فيها الأسماء فضعيفة من جهة ان الشارع ذكر هذاالعدد الخاص ويقول ان من احصاه دخل الجنة ثم لا يسأله السامعون عن تفصيلها وقد علمت شدة رغبة الخلق في تحصيل هذا المقصود فيمتنع ان لا يطالبوه بذلك ولو طالبوه لبينها لهم ولو بينها لما اغفلوه ولنقل ذلك عنهم واما الرواية التي سردت فيها الأسماء فيدل على ضعفها عدم تناسبها في السياق ولا في التوقيف ولا في الاشتقاق لأنه ان كان المراد الأسماء فقط فغالبها صفات وان كان المراد الصفات فالصفات غير متناهية وأجاب الفخر الرازي عن الأول بجواز ان يكون المراد من عدم تفسيرها ان يستمروا على المواظبة بالدعاء بجميع ما ورد من الأسماء رجاء ان يقعوا على تلك الأسماء المخصوصة كما ابهمت ساعة الجمعة وليلة القدر والصلاة الوسطى وعن الثاني بأن سردها انما وقع بحسب التتبع والاستقراء على الراجح فلم يحصل الاعتناء بالتناسب وبأن المراد من احصى هذه الأسماء دخل الجنة بحسب ما وقع الاختلاف في تفسير المراد بالإحصاء فلم يكن القصد حصر الأسماء انتهى وإذا تقرر رجحان ان سرد الأسماء ليس مرفوعا فقد اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد فروينا في كتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني بسنده الى محمد بن يحيى الذهلي انه استخرج الأسماء من القرآن وكذا اخرج أبو نعيم عن الطبراني عن أحمد بن عمرو الخلال عن بن أبي عمرو حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين سألت أبا جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء الحسنى فقال هي في القرآن وروينا في فوائد تمام من طريق أبي الطاهر بن السرح عن حبان بن نافع عن سفيان بن عيينة الحديث يعني حديث ان لله تسعة وتسعين اسما قال فوعدنا سفيان ان يخرجها لنا من القرآن فأبطأ فأتينا أبا زيد فأخرجها لنا فعرضناها على سفيان فنظر فيها أربع مرات وقال نعم هي هذه وهذا سياق ما ذكره جعفر وأبو زيد قالا ففي الفاتحة خمسة الله رب الرحمن الرحيم مالك وفي البقرة محيط قدير عليم حكيم علي عظيم تواب بصير ولي واسع كاف رءوف بديع شاكر واحد سميع قابض باسط حي قيوم غني حميد غفور حليم وزاد جعفر اله قريب مجيب عزيز نصير قوي شديد سريع خبير قالا وفي آل عمران وهاب قائم زاد جعفر الصادق باعث منعم متفضل وفي النساء رقيب حسيب شهيد مقيت وكيل زاد جعفر علي كبير وزاد سفيان عفو وفي الانعام فاطر قاهر زاد جعفر مميت غفور برهان وزاد سفيان لطيف خبير قادر وفي الأعراف محيي مميت وفي الانفال نعم المولى ونعم النصير وفي هود حفيظ مجيد ودود فعال لما يريد زاد سفيان قريب مجيب وفي الرعد كبير متعال وفي إبراهيم منان زاد جعفر صادق وارث وفي الحجر خلاق وفي مريم صادق وارث زاد جعفر فرد وفي طه عند جعفر وحده غفار وفي المؤمنين كريم وفي النور حق مبين زاد سفيان نور وفي الفرقان هاد وفي سبأ فتاح وفي الزمر عالم عند جعفر وحده وفي المؤمن غافر قابل ذو الطول زاد سفيان شديد وزاد جعفر رفيع وفي الذاريات رزاق ذو القوة المتين بالتاء وفي الطور بر وفي اقتربت مقتدر زاد جعفر مليك وفي الرحمن ذو الجلال والاكرام زاد جعفر رب المشرقين ورب المغربين باقي معين وفي الحديد أول اخر ظاهر باطن وفي الحشر قدوس سلام مؤمن مهيمن عزيز جبار متكبر خالق باريء مصور زاد جعفر ملك وفي البروج مبديء معيد وفي الفجر وتر عند جعفر وحده وفي الإخلاص أحد صمد هذا اخر ما رويناه عن جعفر وأبي زيد وتقرير سفيان من تتبع الأسماء من القرآن وفيها اختلاف شديد وتكرار وعدة أسماء لم ترد بلفظ الاسم وهي صادق منعم متفضل منان مبديء معيد باعث قابض باسط برهان معين مميت باقي ووقفت في كتاب المقصد الأسني لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الزاهد انه تتبع الأسماء من القرآن فتأمله فوجدته كرر أسماء وذكر مما لم أره فيه بصيغة الاسم الصادق والكاشف والعلام وذكر من المضاف الفالق من قوله فالق الحب والنوى وكان يلزمه ان يذكر القابل من قوله قابل التوب وقد تتبعت ما بقي من الأسماء مما ورد في القرآن بصيغة الاسم مما لم يذكر في رواية الترمذي وهي ا لرب الإله المحيط القدير الكافي الشاكر الشديد القائم الحاكم الفاطر الغافر القاهر المولى النصير الغالب الخالق الرفيع المليك الكفيل الخلاق الاكرم الأعلى المبين بالموحدة الحفي بالحاء المهملة والفاء القريب الأحد الحافظ فهذه سبعة وعشرون اسما إذا انضمت الأسماء التي وقعت في رواية الترمذي مما وقعت في القرآن بصيغة الاسم تكمل بها التسعة والتسعون وكلها في القرآن لكن بعضها بإضافة كالشديد من شديد العقاب والرفيع من رفيع الدرجات والقائم من قوله قائم على كل نفس بما كسبت والفاطر من فاطر السماوات القاهر من وهو القاهر فوق عباده والمولى والنصير من نعم المولى ونعم النصير والعالم من عالم الغيب والخالق من قوله خالق كل شيء والغافر من غافر الذنب والغالب من والله غالب على امره والرفيع من رفيع الدرجات والحافظ من قوله فالله خير حافظا ومن قوله وانا له لحافظون وقد وقع نحو ذلك من الأسماء التي في رواية الترمذي وهي المحي من قوله لمحيي الموتى والمالك من قوله مالك الملك والنور من قوله نور السماوات والأرض والبديع من قوله بديع السماوات والأرض والجامع من قوله جامع الناس والحكم من قوله افغير الله ابتغى حكما والوارث من قوله ونحن الوارثون والأسماء التي تقابل هذه مما وقع في رواية الترمذي مما لم تقع في القرآن بصيغة الاسم وهي سبعة وعشرون اسما القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبديء المعيد المميت الواجد الماجد المقدم المؤخر الوالي ذو الجلال والاكرام المقسط المغني المانع الضار النافع الباقي الرشيد الصبور فإذا اقتصر من رواية الترمذي على ما عدا هذه الأسماء وأبدلت بالسبعة والعشرين التي ذكرتها خرج من ذلك تسعة وتسعون اسما وكلها في القرآن واردة بصيغة الاسم ومواضعها كلها ظاهرة من القرآن الا قوله الحفي فإنه في سورة مريم في قول إبراهيم سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيا وقل من نبه على ذلك ولا يبقى بعد ذلك الا النظر في الأسماء المشتقة من صفة واحدة مثل القدير والمقتدر والقادر والغفور والغفار والغافر والعلي والاعلى والمتعال والملك والمليك والمالك والكريم والاكرم والقاهر والقهار والخالق والخلاق والشاكر والشكور والعالم والعليم فاما ان يقال لا يمنع ذلك من عدها فان فيها التغاير في الجملة فإن بعضها يزيد بخصوصية على الاخر ليست فيه وقد وقع الاتفاق على ان الرحمن الرحيم اسمان مع كونهما مشتقين من صفة واحدة ولو منع من عد ذلك للزم ان لا يعد ما يشترك الاسمان فيه مثلا من حيث المعنى مثل الخالق الباريء المصور لكنها عدت لأنها ولو اشتركت في معنى الايجاد والاختراع فهي مغايره من جهة أخرى وهي ان الخالق يفيد القدرة على الايجاد والباريء يفيد الموجد لجوهر المخلوق المصور يفيد خالق الصورة في تلك الذات المخلوقة وإذا كان ذلك لا يمنع المغايرة لم يمتنع عدها أسماء مع ورودها والعلم عند الله تعالى وهذا سردها لتحفظ ولو كان في ذلك اعادة لكنه يغتفر لهذا القصد الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الغفار القهار التواب الوهاب الخلاق الرزاق الفتاح العليم الحليم العظيم الواسع الحكيم الحي القيوم السميع البصير اللطيف الخبير العلي الكبير المحيط القدير المولى النصير الكريم الرقيب القريب المجيب الوكيل الحسيب الحفيظ المقيت الودود المجيد الوارث الشهيد الولي الحميد الحق المبين القوي المتين الغني المالك الشديد القادر المتقدر القاهر الكافي الشاكر المستعان الفاطر البديع الغافر الأول الاخر الظاهر الباطن الكفيل الغالب الحكم العالم الرفيع الحافظ المنتقم القائم المحيي الجامع المليك المتعالى النور الهادي الغفور الشكور العفو الرءوف الاكرم الأعلى البر الحفي الرب الإله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قوله لله تسعة وتسعون في رواية الحميدي ان لله تسعة وتسعين وكذا في رواية شعيب قوله اسما كذا في معظم الروايت بالنصب على التمييز وحكى السهيلي انه روى بالجر وخرجه على لغة من يجعل الاعراب في النون ويلزم الجمع الياء فيقول كم سنينك برفع النون وعددت سنينك بالنصب وكم مر من سنينك بكسر النون ومنه قول الشاعر وقد جاوزت حد الأربعين بكسر النون فعلامة النصب في الرواية فتح النون وحذف التنوين لاجل الإضافة وقوله مائة بالرفع والنصب على البدل في الروايتين قوله الا واحدة قال بن بطال كذا وقع هنا ولا يجوز في العربية قال ووقع في رواية شعيب في الاعتصام الا واحدا بالتذكير وهو الصواب كذا قال وليست الرواية المذكورة في الاعتصام بل في التوحيد وليست الرواية التي هنا خطأ بل وجهوها وقد وقع في رواية الحميدي هنا مائة غير واحد بالتذكير أيضا وخرج التأنيث على إرادة التسمية وقال السهيلي بل انث الاسم لأنه كلمة واحتج بقول سيبويه الكلمة اسم أو فعل أو حرف فسمي الاسم كلمة وقال بن مالك انث باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وقال جماعة من العلماء الحكمة في قوله مائة غير واحد بعد قوله تسعة وتسعون ان يتقرر ذلك في نفس السامع جمعا بين جهتي الإجمال والتفصيل أو دفعا للتصحيف الخطي والسمعي واستدل به على صحة استثناء القليل من الكثير وهو متفق عليه وأبعد من استدل به على جواز الاستثناء مطلقا حتى يدخل استثناء الكثير حتى لا يبقى الا القليل وأغرب الداودي فيما حكاه عنه بن التين فنقل الاتفاق على الجواز وان من أقر ثم استثنى عمل باستنثائه حتى لو قال له علي الف الا تسعمائة وتسعة وتسعين انه لا يلزمه الا واحد وتعقبه بن التين فقال ذهب الى هذا في الإقرار جماعة وأما نقل الاتفاق فمردود فالخلاف ثابت حتى في مذهب مالك وقد قال أبو الحسن اللخمي منهم لو قال أنت طالق ثلاثا الاثنتين وقع عليه ثلاث ونقل عبد الوهاب وغيره عن عبد الملك وغيره انه لا يصح استثناء الكثير من القليل ومن لطيف ادلتهم ان من قال صمت الشهر الا تسعا وعشرين يوما يستهجن لأنه لم يصم الا يوما واليوم لا يسمى شهرا وكذا من قال لقيت القوم جميعا الا بعضهم ويكون ما لقي الا واحدا قلت والمسألة مشهورة فلا يحتاج الى الاطالة فيها وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر الأسماء الحسنى في هذه العدة أو انها أكثر من ذلك ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة فذهب الجمهور الى الثاني ونقل النووي اتفاق العلماء عليه فقال ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى وليس معناه انه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين وانما مقصود الحديث ان هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة فالمراد الاخبار عن دخول الجنة باحصائها لا الاخبار بحصر الأسماء ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن مسعود الذي أخرجه أحمد وصححه بن حبان أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو انزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وعند مالك عن كعب الأحبار في دعاء وأسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم اعلم وأورد الطبري عن قتادة نحوه ومن حديث عائشة انها دعت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك وسيأتي في الكلام على الاسم الأعظم وقال الخطابي في هذا الحديث اثبات هذه الأسماء المخصوصة بهذا العدد وليس فيه منع ما عداها من الزيادة وانما التخصيص لكونها أكثر الأسماء وأبينها معاني وخبر المبتدأ في الحديث هو قوله من أحصاها لا قوله لله وهو كقولك لزيد الف درهم أعدها للصدقة أو لعمرو مائة ثوب من زاره البسه إياها وقال القرطبي في المفهم نحو ذلك ونقل بن بطال عن القاضي أبي بكر بن الطيب قال أليس في الحديث دليل على انه ليس لله من الأسماء الا هذه العدة وانما معنى الحديث ان من أحصاها دخل الجنة ويدل على عدم الحصر ان أكثرها صفات وصفات الله لا تتناهى وقيل ان المراد الدعاء بهذه الأسماء لان الحديث مبني على قوله ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فذكر النبي صلى الله عليه وسلم انها تسعة وتسعون فيدعى بها ولا يدعى بغيرها حكاه بن بطال عن المهلب وفيه نظر لأنه ثبت في أخبار صحيحة الدعاء بكثير من الأسماء التي لم ترد في القرآن كما في حديث بن عباس في قيام الليل أنت المقدم وأنت المؤخر وغير ذلك وقال الفخر الرازي لما كانت الأسماء من الصفات وهي اما ثبوتية حقيقية كالحي أو اضافية كالعظيم واما سلبية كالقدوس واما من حقيقية واضافية كالقدير أو من سلبيه اضافية كالأول والاخر واما من حقيقية واضافية سلبية كالملك والسلوب غير متناهية لأنه عالم بلا نهاية قادر على مالا نهاية له فلا يمتنع ان يكون له من ذلك اسم فيلزم ان لا نهاية لأسمائه وحكى القاضي أبو بكر بن العربي عن بعضهم ان لله الف اسم قال بن العربي وهذا قليل فيها ونقل الفخر الرازي عن بعضهم ان لله أربعة آلاف اسم استأثر بعلم الف منها واعلم الملائكة بالبقية والأنبياء بألفين منها وسائر الناس بألف وهذه دعوى تحتاج الى دليل واستدل بعضهم لهذا القول بأنه ثبت في نفس حديث الباب انه وتر يحب الوتر والرواية التي سردت فيها الأسماء لم يعد فيها الوتر فدل على ان له اسما اخر غير التسعة والتسعين وتعقبه من ذهب الى الحصر في التسعة والتسعين كابن حزم بأن الخبر الوارد لم يثبت رفعه وانما هو مدرج كما تقدمت الإشارة اليه واستدل أيضا على عدم الحصر بأنه مفهوم عدد وهو ضعيف وابن حزم ممن ذهب الى الحصر في العدد المذكور وهو لا يقول بالمفهوم أصلا ولكنه احتج بالتأكيد في قوله صلى الله عليه وسلم مائة الا واحدا قال لأنه لو جاز ان يكون له اسم زائد على العدد المذكور لزم ان يكون له مائة اسم فيبطل قوله مائة الا واحدا وهذا الذي قاله ليس بحجة على ما تقدم لان الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها فمن ادعى على ان الوعد وقع لمن احصى زائدا على ذلك أخطأ ولا يلزم من ذلك ان لا يكون هناك اسم زائد واحتج بقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه وقد قال أهل التفسير من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة وقد ذكر منها في اخر سورة الحشر عدة وختم ذلك بأن قال له الأسماء الحسنى قال وما يتخيل من الزيادة في العدة المذكور لعله مكرر معنى وان تغاير لفظا كالغافر والغفار والغفور مثلا فيكون المعدود من ذلك واحدا فقط فإذا اعتبر ذلك وجمعت الأسماء الواردة نصا في القرآن وفي الصحيح من الحديث لم تزد على العدد المذكور وقال غيره المراد بالأسماء الحسنى في قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ما جاء في الحديث ان لله تسعة وتسعين اسما فان ثبت الخبرالوارد في تعيينها وجب المصير اليه ولا فليتتبع من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة فان التعريف في الأسماء للعهد فلا بد من المعهود فإنه أمر بالدعاء بها ونهى عن الدعاء بغيرها فلا بد من وجود المأمور به قلت والحوالة على الكتاب العزيز أقرب وقد حصل بحمد الله تتبعها كما قدمته وبقي ان يعمد الى ما تكرر لفظا ومعنى من القرآن فيقتصر عليه ويتتبع من الأحاديث الصحيحة تكملة العدة المذكورة فهو نمط اخر من التتبع عسى الله ان يعين عليه بحوله وقوته آمين فصل واما الحكمة في القصر على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الأكثر انه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد الصلوات وغيرها ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال انما خص هذا العدد إشارة الى ان الأسماء لا تؤخذ قياسا وقيل الحكمة فيه ان معاني الأسماء ولو كانت كثيرة جدا موجودة في التسعة والتسعين المذكورة وقيل الحكمة فيه ان العدد زوج وفرد والفرد أفضل من الزوج ومنتهى الافراد من غير تكرار تسعة وتسعون لان مائة وواحدا يتكرر فيه الواحد وانما كان الفرد أفضل من الزوج لان الوتر أفضل من الشفع لان الوتر من صفة الخالق والشفع من صفة المخلوق والشفع يحتاج للوتر من غير عكس وقيل الكمال في العدد حاصل في المائة لان الاعداد ثلاثة اجناس احاد وعشرات ومئات والالف مبتدأ لاحاد اخر فأسماء الله مائة استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدا فكأنه قيل مائة لكن واحد منها عند الله وقال غيره ليس الاسم الذي يكمل المائة مخفيا بل هو الجلالة وممن جزم بذلك السهيلي فقال الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة الله ويؤيده قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فالتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه تكمل المائة واستدل بهذا الحديث على ان الاسم هو المسمى حكاه أبو القاسم القشيري في شرح أسماء الله الحسنى فقال في هذا الحديث دليل على ان الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره كانت الأسماء غيره لقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ثم قال والمخلص من ذلك ان المراد بالاسم هنا التسمية وقال الفخر الرازي المشهور من قول أصحابنا ان الاسم نفس المسمى وغير التسمية وعند المعتزلة الاسم نفس التسمية وغير المسمى واختار الغزالي ان الثلاثة أمور متباينة وهو الحق عندي لان الأصم ان كان عبارة عن اللفظ الدال على الشيء بالوضع وكان المسمى عبارة عن نفس ذلك الشيء المسمى فالعلم الضروري حاصل بان الاسم غير المسمى وهذا مما لا يمكن وقوع النزاع فيه وقال أبو العباس القرطبي في المفهم الاسم في العرف العام هو الكلمة الدالة على شيء مفرد وبهذا الاعتبار لا فرق بين الاسم والفعل والحرف إذ كل واحد منها يصدق عليه ذلك وانما التفرقة بينها باصطلاح النحاة وليس ذلك من غرض المبحث هنا وإذا تقرر هذا عرف غلط من قال ان الاسم هو المسمى حقيقة كما زعم بعض الجهلة فألزم ان من قال نار احترق فلم يقدر على التخلص من ذلك وأما النحاة فمرادهم بان الاسم هو المسمى أنه من حيث أنه لا يدل الا عليه ولا يقصد الا هو فإن كان ذلك الاسم من أسماء الدالة على ذات المسمى دل عليها من غير مزيد أمر اخر وان كان من الأسماء الدالة على معنى زائد دل على ان تلك الذات منسوبة الى ذلك الزائد خاصة دون غيره وبيان ذلك انك إذا قلت زيد مثلا فهو يدل على ذات متشخصه في الوجود من غير زيادة ولا نقصان فان قلت العالم دل على ان تلك الذات منسوبة للعلم ومن هذا صح عقلا ان تتكثر الأسماء المختلفة على ذات واحدة ولا توجب تعددا فيها ولا تكثيرا قال وقد خفي هذا على بعضهم ففر منه هربا من لزوم تعدد في ذات الله تعالى فقال ان المراد بالاسم التسمية ورأى ان هذا يخلصه من التكثر وهذا فرار من غير مفر الى مفر وذلك ان التسمية انما هي وضع الاسم وذكر الاسم فهي نسبة الاسم الى مسماه فإذا قلنا لفلان تسميتان اقتضى ان له اسمين ننسبهما اليه فبقي الالزام على حاله من ارتكاب التعسف ثم قال القرطبي وقد يقال الاسم هو المسمى على إرادة ان هذه الكلمة التي هي الاسم تطلق ويراد بها المسمى كما قيل ذلك في قوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى أي سبح ربك فأريد بالاسم المسمى وقال غيره التحقيق في ذلك انك إذا سميت شيئا باسم فالنظر في ثلاثة أشياء ذلك الاسم وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ومعناه بعدها وهو الذات التي اطلق عليها اللفظ والذات واللفظ متغايران قطعا والنحاة انما يطلقونه على اللفظ لأنهم انما يتكلمون في الألفاظ وهو غير مسمى قطعا والذات هي المسمى قطعا وليست هي الاسم قطعا والخلاف في الأمر الثالث وهو معنى اللفظ قبل التلقيب فالمتكلمون يطلقون الاسم عليه ثم يختلفون في انه الثالث أو لا فالخلاف حينئذ انما هو في الاسم المعنوي هل هو المسمى اولا لا في الاسم اللفظي والنحوي لا يطلق الاسم على غير اللفظ لأنه محط صناعته والمتكلم لا ينازعه في ذلك ولا يمنع إطلاق اسم المدلول على الدال وانما يزيد عليه شيئا اخر دعاه الى تحقيقه ذكر الأسماء والصفات واطلاقها على الله تعالى قال ومثال ذلك انك إذا قلت جعفر لقبه انف الناقة فالنحوي يريد باللقب لفظ انف الناقة والمتكلم يريد معناه وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم ولا يمنع ذلك قول النحوي اللقب لفظ يشعر بضعه أو رفعة لان اللفظ يشعر بذلك لدلالته على المعنى والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضمة والرفعة وذات جعفر هي الملقبة عند الفريقين وبهذا يظهر ان الخلاف في ان الاسم هو المسمى أو غير المسمى خاص بأسماء الاعلام المشتقة ثم قال القرطبي فأسماء الله وان تعددت فلا تعدد في ذاته ولا تركيب لا محسوسا كالجسميات ولا عقليا كالمحدودات وانما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات ثم هي من جهة دلالتها على أربعة اضرب الأول ما يدل على الذات مجردة كالجلالة فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة وبه يعرف جميع أسمائه فيقال الرحمن مثلا من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولهذا كان الأصح انه اسم علم غير مشتق وليس بصفة الثاني ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير الثالث ما يدل على إضافة أمر ما اليه كالخالق والرازق الرابع ما يدل على سلب شيء عنه كالعلي والقدوس وهذه الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والاثبات واختلف في الأسماء الحسنى هل هي توقيفية بمعنى انه لا يجوز لاحد ان يشتق من الأفعال الثابتة لله أسماء الا إذا ورد نص اما في الكتاب أو السنة فقال الفخر المشهور عن أصحابنا انها توقيفية وقالت المعتزلة والكرامية إذا دل العقل على ان معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز إطلاقه على الله وقال القاضي أبو بكر والغزالي الأسماء توقيفية دون الصفات قال وهذا هو المختار واحتج الغزالي بالاتفاق على انه لا يجوز لنا ان نسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه وكذا كل كبير من الخلق قال فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى واتفقوا على انه لا يجوز ان يطلق عليه اسم ولا صفة توهم نقصا ولو ورد ذلك نصا فلا يقال ماهد ولا زارع ولا فالق ولا نحو ذلك وان ثبت في قوله فنعم الماهدون أم نحن الزارعون فالق الحب والنوى ونحوها ولا يقال له ماكر ولا بناء وان ورد ومكر الله والسماء بنيناها وقال أبو القاسم القشيري الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه وقال أبو إسحاق الزجاج لا يجوز لاحد ان يدعو الله بما لم يصف به نفسه والضابط ان كل ما اذن الشرع ان يدعى به سواء كان مشتقا أو غير مشتق فهو من أسمائه وكل ما جاز ان ينسب اليه سواء كان مما يدخله التأويل اولا فهو من صفاته ويطلق عليه اسما أيضا قال الحليمي الأسماء الحسنى تنقسم الى العقائد الخمس الأولى اثبات الباري ردا على المعطلين وهي الحي والباقي والوارث وما في معناها والثانية توحيده ردا على المشركين وهي الكافي والعلي والقادر ونحوها والثالثة تنزيهه ردا على المشبهة وهي القدوس والمجيد والمحيط وغيرها والرابعة اعتقاد ان كل موجود من اختراعه ردا على القول بالعلة والمعلول وهي الخالق والباريء والمصور والقوي وما يلحق بها والخامسة انه مدبر لما اخترع ومصرفه على ما شاء وهو القيوم والعليم والحكيم وشبهها وقال أبو العباس بن معد من الأسماء ما يدل على الذات عينا وهو الله وعلى الذات مع سلب كالقدوس والسلام ومع إضافة كالعلي العظيم ومع سلب واضافة كالملك والعزيز ومنها ما يرجع الى صفة كالعليم والقدير ومع إضافة كالحليم والخبير أو الى القدرة مع إضافة كالقهار والى الإرادة مع فعل واضافة كالرحمن الرحيم وما يرجع الى صفة فعل كالخالق والباريء ومع دلالة على الفعل كالكريم واللطيف قال فالاسماء كلها لا تخرج عن هذه العشرة وليس فيها شيء مترادف إذ لكل اسم خصوصية ما وان اتفق بعضها مع بعض في أصل المعنى انتهى كلامه ثم وقفت عليه منتزعا من كلام الفخر الرازي في شرح الأسماء الحسنى وقال الفخر أيضا الألفاظ الدالة على الصفات ثلاثة ثابتة في حق الله قطعا وممتنعة قطعا وثابتة لكن مقرونة بكيفية فالقسم الأول منه ما يجوز ذكره مفردا ومضافا وهو كثير جدا كالقادر والقاهر ومنه ما يجوز مفردا ولا يجوز مضافا الا بشرط كالخالق فيجوز خالق ويجوز خالق كل شيء مثلا ولا يجوز خالق القردة ومنه عكسه يجوز مضافا ولا يجوز مفردا كالمنشيء يجوز منشىء الخلق ولا يجوز منشيء فقط والقسم الثاني ان ورد السمع بشيء منه
قوله باب الموعظة ساعة بعد ساعة مناسبة هذا الباب لكتاب الدعوات ان الموعظة يخالطها غالبا التذكير بالله وقد تقدم ان الذكر من جملة الدعاء وختم به أبواب الدعوات التي عقبها بكتاب الرقاق لاخذه من كل منهما شوبا

[ 6048 ] قوله حدثني شقيق هو أبو وائل ووقع كذلك في كتاب العلم من طريق الثوري عن الأعمش وقد ذكرت هناك ما يتعلق بسماع الأعمش له من أبي وائل قوله كنا ننتظر عبد الله يعني بن مسعود قوله إذ جاء يزيد بن معاوية في رواية مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق كنا جلوسا عند باب عبد الله ننتظره فمر بنا يزيد بن معاوية النخعي قلت وهو كوفي تابعي ثقة عابد ذكر العجلي انه من طبقة الربيع بن خثيم وذكر البخاري في تاريخه انه قتل غازيا بفارس كأنه في خلافة عثمان وليس له في الصحيحين ذكر الا في هذا الموضع ولا احفظ له رواية وهو نخعي كما وقع عند مسلم وفيه رد على بن التين في حكايته انه عبسى بالموحدة قوله قلت الا تجلس قال لا ولكن ادخل فاخرج اليكم صاحبكم في رواية أبي معاوية فقلنا أعلمه بمكاننا فدخل عليه قوله اما اني بتخفيف الميم أخبر بضم أوله وفتح الموحدة على البناء للمجهول وقد تقدم في العلم ان هذا الكلام قاله بن مسعود جواب قولهم وددنا انك لو ذكرتنا كل يوم وانه كان يذكرهم كل خميس وزاد فيه ان بن مسعود قال اني أكره ان أملكم قوله كان ينخولنا بالموعظة تقدم البحث فيه وبيان معناه وقول من حدث به بالنون بدل اللام من يتخولنا قال الخطابي المراد انه كان يراعي الأوقات في تعليمهم ووعظهم ولا يفعله كل يوم خشية الملل والتخول التعهد وقيل ان بعضهم رواه بالحاء المهملة وفسره بأن المراد يتفقد أحوالهم التي يحصل لهم فيها النشاط للموعظة فيعظهم فيها ولا يكثر عليهم لئلا يملوا حكى ذلك الطيبي ثم قال ولكن الرواية في الصحاح بالخاء المعجمة قوله في الأيام يعني فيذكرهم أياما ويتركهم أياما فقد ترجم له في كتاب العلم باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة قوله كراهية السآمة علينا أي ان تقع منا السآمة وقد تقدم توجيه علينا في كتاب العلم وان للسآمة ضمنت معنى المشقة فعديت بعلي وفيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحسن التوصل الى تعليمهم وتفهيمهم ليأخذوا عنه بنشاط لا عن ضجر ولا ملل ويقتدي به في ذلك فان التعليم بالتدريج اخف مؤنة وادعى الى الثبات من اخذه بالكد والمغالبة وفيه منقبة لابن مسعود لمتابعته للنبي صلى الله عليه وسلم في القول والعمل ومحافظته على ذلك خاتمة اشتمل كتاب الدعوات من الأحاديث المرفوعة على مائة وخمسة وأربعين حديثا منها أحد وأربعون معلقة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وعشرون حديثا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث شداد في سيد الاستغفار وحديث أبي هريرة في عدد الاستغفار كل يوم وحديث حذيفة في القول عند النوم وحديث أبي ذر في ذلك وحديث أبي الدرداء في من شهد ان لا إله إلا الله وحديث بن عباس في اجتناب السجع في الدعاء وحديث جابر في الاستخارة وحديث أبي أيوب في التهليل وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين تسعة اثار والله اعلم