كتاب الرقاق
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الرقاق الصحة والفراغ ولا عيش الا عيش الآخرة كذا لأبي ذر عن السرخسي وسقط عنده عن المستملي والكشميهني الصحة والفراغ ومثله للنسفي وكذا للإسماعيلي لكن قال وان لا عيش وكذا لأبي الوقت لكن قال باب لا عيش وفي رواية كريمة عن الكشميهني ما جاء في الرقاق وان لا عيش الا عيش الآخرة قال مغلطاي عبر جماعة من العلماء في كتبهم بالرقائق قلت منهم بن المبارك والنسائي في الكبرى وروايته كذلك في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري والمعنى واحد والرقاق والرقائق جمع رقيقة وسميت هذه الأحاديث بذلك لان في كل منها ما يحدث في القلب رقة قال أهل اللغة الرقة الرحمة وضد الغلظ ويقال الكثير الحياء رق وجهه استحياء وقال الراغب متى كانت الرقة في جسم فضدها الصفاقة كثوب رقيق وثوب صفيق ومتى كانت في نفس فضدها القسوة كرقيق القلب وقاسي القلب وقال الجوهري وترقيق الكلام تحسينه

[ 6049 ] قوله أخبرنا المكي كذا للأكثر بالألف واللام في أوله وهو اسم بلفظ النسب وهو من الطبقة العليا من شيوخ البخاري وقد اخرج أحمد عنه هذا الحديث بعينه قوله هو بن أبي هند الضمير لسعيد لا لعبد الله وهو من تفسير المصنف ووقع في رواية أحمد عن مكي ووكيع جميعا حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند وعبد الله المذكور من صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهو أبو امامة بن سهل قوله عن أبيه في رواية يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد حدثني أبي خرجه الإسماعيلي قوله عن بن عباس في الرواية التي بعدها سمعت بن عباس قوله نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ كذا لسائر الرواة لكن عند أحمد الفراغ والصحة وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل بن جعفر وابن المبارك ووكيع كلهم عن عبد الله بن سعيد بسنده الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ولم يبين لمن اللفظ وأخرجه الدارمي عن مكي بن إبراهيم شيخ البخاري فيه كذلك بزيادة ولفظه ان الصحة والفراغ نعمتان من نعم الله والباقي سواء وهذه الزيادة وهي قوله من نعم الله وقعت في رواية بن عدي المشار إليها وقوله نعمتان تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وقيل هي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان للغير والغبن بالسكون وبالتحريك وقال الجوهري هو في البيع بالسكون وفي الرأي بالتحريك وعلى هذا فيصح كل منهما في هذا الخبر فان من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس ولم يحمد رأيه في ذلك قال بن بطال معنى الحديث ان المرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على ان لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما انعم به عليه ومن شكره امتثال اوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون وأشار بقوله كثير من الناس الى ان الذي يوفق لذلك قليل وقال بن الجوزي قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك ان الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لان الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن الا الهرم كما قيل يسر الفتى طول السلامة والبقا فكيف ترى طول السلامة يفعل يرد الفتى بعد اعتدال وصحة ينوء إذا رام القيام ويحمل وقال الطيبي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقة في ذلك ان يتحرى فيمن يعالمه ويلزم الصدق والحذق لئلا يغبن فالصحة والفراغ رأس المال وينبغي له ان يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة وقريب منه قول الله تعالى هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم الآيات وعليه ان يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح وقوله في الحديث مغبون فيهما كثير من الناس كقوله تعالى وقليل من عبادي الشكور فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية وقال القاضي أبو بكر بن العربي اختلف في أول نعمة الله على العبد فقيل الإيمان وقيل الحياة وقيل الصحة والأول أولى فإنه نعمة مطلقة واما الحياة والصحة فإنهما نعمة دنيوية ولا تكون نعمة حقيقية الا إذا صاحبت الإيمان وحينئذ يغبن فيها كثير من الناس أي يذهب ربحهم أو ينقص فمن استرسل مع نفسه الامارة بالسوء الخالدة الى الراحة فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة فقد غبن وكذلك إذا كان فارغا فان المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ فإنه يرتفع عنه المعذرة وتقوم عليه الحجة قوله وقال عباس العنبري هو بالمهملة والموحدة بن عبد العظيم أحد الحفاظ بصرى من اوساط شيوخ البخاري وقد أخرجه بن ماجة عن العباس المذكور فقال في كتاب الزهد من السنن في باب الحكمة منه حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري فذكره سواء قال الحاكم هذا الحديث صدر به بن المبارك كتابه فأخرجه عن عبد الله بن سعيد بهذا الإسناد قلت وأخرجه الترمذي والنسائي من طريقه قال الترمذي رواه غير واحد عن عبد الله بن سعيد فرفعوه ووقفه بعضهم على بن عباس وفي الباب عن أنس انتهى وأخرجه الإسماعيلي من طرق عن بن المبارك ثم من وجهين عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن سعيد ثم من طريق بندار عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الله به ثم قال قال بندار ربما حدث به يحيى بن سعيد ولم يرفعه وأخرجه بن عدي من وجه اخر عن بن عباس مرفوعا

[ 6050 ] قوله عن معاوية بن قرة أي بن إياس المزني ولقرة صحبة ووقع في رواية ادم في فضائل الأنصار عن شعبة حدثنا أبو إياس معاوية بن قرة وإياس هو القاضي المشهور بالذكاء قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم لا عيش الا عيش الآخرة في رواية المستملي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قوله فأصلح الأنصار والمهاجرة تقدم في فضل الأنصار بيان الاختلاف على شعبة في لفظه وانه عطف عليه رواية شعبة عن قتادة عن أنس وزيادة من زاد فيه ان ذلك كان يوم الخندق فطابق حديث سهل بن سعد المذكور في الذي بعده وزيادة من زاد فيه انهم كانوا يقولون نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا ابدا فأجابهم بذلك وتقدم في غزوة الخندق من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس أتم من ذلك كله وفيه من طريق حميد عن أنس ان ذلك كان في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال ذلك

[ 6051 ] قوله الفضيل بن سليمان هو بالتصغير وهو النميري صدوق في حفظه شيء قوله وهو يحفر ونحن ننقل التراب تقدم في فضل الأنصار من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يحفرون الخندق الحديث ويجمع بأن منهم من كان يحفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من كان ينقل التراب قوله وبصر بنا بفتح أوله وضم الصاد المهملة وفي رواية الكشمهيني ويمر بنا من المرور قوله فاغفر تقدم في غزوة الخندق بلفظ فاغفر للمهاجرين والأنصار وان الألفاظ المنقولة في ذلك بعضها موزون وأكثرها غير موزون ويمكن رده الى الوزن بضرب من الزحاف وهو غير مقصود اليه بالوزن فلا يدخل هو في الشعر وفي هذين الحديثين إشارة الى تحقير عيش الدنيا لما يعرض له من التكدير وسرعة الفناء قال بن المنير مناسبة إيراد حديث أنس وسهل مع حديث بن عباس الذي تضمنته الترجمة ان الناس قد غبن كثير منهم في الصحة والفراغ لايثارهم لعيش الدنيا على عيش الآخرة فأراد الإشارة الى ان العيش الذي اشتغلوا به ليس بشيء بل العيش الذي شغلوا عنه هو المطلوب ومن فاته فهو المغبون

قوله باب مثل الدنيا في الآخرة هذه الترجمة بعض لفظ حديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق قيس بن أبي حازم عن المستورد بن شداد رفعه والله ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فينظر بم يرجع وسنده الى التابعي على شرط البخاري لأنه لم يخرج للمستورد واقتصر على ذكر حديث سهل بن سعد موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها فان قدر السوط من الجنة إذا كان خيرا من الدنيا فيكون الذي يساويها مما في الجنة دون قدر السوط فيوافق ما دل عليه حديث المستورد وقد تقدم شرح قوله غدوة في سبيل الله في كتاب الجهاد قال القرطبي هذا نحو قوله تعالى قل متاع الدنيا قليل وهذا بالنسبة الى ذاتها واما بالنسبة الى الآخرة فلا قدر لها ولا خطر وانما اورد ذلك على سبيل التمثيل والتقريب والا فلا نسبة بين المتناهي وبين ما لا يتناهى والى ذلك الإشارة بقوله فلينظر بم يرجع ووجهه ان القدر الذي يتعلق بالأصبع من ماء البحر لا قدر له ولا خطر وكذلك الدنيا بالنسبة الى الآخرة والحاصل ان الدنيا كالماء الذي يعلق في الأصبع من البحر والآخرة كسائر البحر تنبيه اختلف في ياء يرجع فذكر الرامهرمزي ان أهل الكوفة رووه بالمثناة قال فجعلوا الفعل للاصبع وهي مؤنثة ورواه أهل البصرة بالتحتانية قال فجعلوا الفعل لليم قلت أو للواضع قوله وقوله تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو الى قوله متاع الغرور كذا في رواية أبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها وعلى هذا فتفتح الهمزة في انما محافظة على لفظ التلاوة فان أول الآية اعلموا انما الحياة الدنيا الخ ولولا ما وقع من سياق بقية الآية لجوزت ان يكون المصنف أراد الآية التي في القتال وهي قوله تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم الآية قال بن عطية المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية ما يختص بدار الدنيا من تصرف وأما ما كان فيها من الطاعة وما لا بد منه مما يقيم الاود ويعين على الطاعة فليس مرادا هنا والزينة ما يتزين به مما هو خارج عن ذات الشيء مما يحسن به الشيء والتفاخر يقع بالنسب غالبا كعادة العرب والتكاثر ذكر متعلقة في الآية وصورة هذا المثال ان المرء يولد فينشأ فيقوى فيكسب المال والولد ويرأس ثم يأخذ بعد ذلك في الانحطاط فيشيب ويضعف ويسقم وتصيبه النوائب من مرض ونقص مال وعز ثم يموت فيضمحل امره ويصير ماله لغيره وتغير رسومه فحاله كحال ارض اصابها مطر فنبت عليها العشب نباتا معجبا انيقا ثم هاج أي يبس واصفر ثم تحطم وتفرق الى ان اضمحل قال واختلف في المراد بالكفار فقيل جمع كافر بالله لأنهم أشد تعظيما للدنيا واعجابا بمحاسنها وقيل المراد بهم الزراع مأخوذ من كفر الحب في الأرض أي ستره بها وخصهم بالذكر لأنهم أهل البصر بالثبات فلا يعجبهم الا المعجب حقيقة انتهى ملخصا وقوله في اخر الآية وفي الآخرة عذاب شديد قال الفراء لا يوقف على شديد لان تقدير الكلام انها اما عذاب شديد واما مغفرة من الله ورضوان واستحسن غيره الوقف على شديد لما فيه من المبالغة في التنفير من الدنيا والتقدير للكافرين ويبتديء ومغفرة من الله ورضوان أي للمؤمنين وقيل ان قوله وفي الآخرة قسيم لقوله انما الحياة الدنيا لعب ولهو والأول صفة الدنيا وهي اللعب وسائر ما ذكر والثاني صفة الآخرة وهي عذاب شديد لمن عصى ومغفرة ورضوان لمن اطاع وأما قوله وما الحياة الدنيا الخ فهو تأكيد لما سبق أي تغر من ركن إليها واما التقى فهي له بلاغ الى الآخرة ولما اورد الغزالي حديث المستورد في الاحياء عقبة بأن قال ما ملخصه اعلم ان مثل أهل الدنيا في غفلتهم كمثل قوم ركبوا سفينة فانتهوا الى جزيرة معشبة فخرجوا لقضاء الحاجة فحذرهم الملاح من التأخر فيها وأمرهم ان يقيموا بقدر حاجتهم وحذرهم ان يقلع بالسفينة ويتركهم فبادر بعضهم فرجع سريعا فصادف أحسن الامكنة وأوسعها فاستقر فيه وانقسم الباقون فرقا الأولى استغرقت في النظر الى ازهارها المونقة وأنهارها المطردة وثمارها الطيبة وجواهرها ومعادنها ثم استيقظ فبادر الى السفينة فلقي مكانا دون الأول فنجا في الجملة الثانية كالاولى لكنها اكبت على تلك الجواهر والثمار والازهار ولم تسمح نفسه لتركها فحمل منها ما قدر عليه فتشاغل بجمعه وحمله فوصل الى السفينة فوجد مكانا اضيق من الأول ولم تسمح نفسه برمي ما استصحبه فصار مثقلا به ثم لم يلبث ان ذبلت الازهار ويبست الثمار وهاجت الرياح فلم يجد بدا من القاء ما استصحبه حتى نجي بحشاشة نفسه الثالثة تولجت في الغياض وغفلت عن وصية الملاح ثم سمعوا فساءه بالرحيل فمرت فوجدت السفينة سارت فبقيت بما استصحبت في البر حتى هلكت والرابعة اشتدت بها الغفلة عن سماع النداء وسارت السفينة فتقسموا فرقا منهم من افترسته السباع ومنهم من تاه على وجهه حتى هلك ومنهم من مات جوعا ومنهم من نهشته الحيات قال فهذا مثل أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة وغفلتهم عن عاقبة أمرهم ثم ختم بأن قال وما أقبح من يزعم انه بصير عاقل ان يغتر بالأحجار من الذهب والفضة والهشيم من الازهار والثمار وهو لا يصحبه شيء من ذلك بعد الموت والله المستعان

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب هكذا ترجم ببعض الخبر إشارة الى ثبوت رفع ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم وأن من رواه موقوفا قصر فيه

[ 6053 ] قوله عن الأعمش حدثني مجاهد انكر العقيلي هذه اللفظة وهي حدثني مجاهد وقال انما رواه الأعمش بصيغة عن مجاهد كذلك رواه أصحاب الأعمش عنه وكذا أصحاب الطفاوي عنه وتفرد بن المديني بالتصريح قال ولم يسمعه الأعمش من مجاهد وانما سمعه من ليث بن أبي سليم عنه فدلسه وأخرجه بن حبان في صحيحه من طريق الحسن بن قزعة حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن الاعمس عن مجاهد بالعنعنة وقال قال الحسن بن قزعة ما سألني يحيى بن معين الا عن هذا الحديث وأخرجه بن حبان في روضة العقلاء من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي عن الطفاوي بالعنعنة أيضا وقال مكثت مدة اظن ان الأعمش دلسه عن مجاهد وانما سمعه من ليث حتى رأيت على بن المديني رواه عن الطفاوي فصرح بالتحديث يشير الى رواية البخاري التي في الباب قلت وقد أخرجه أحمد والترمذي من رواية سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد وأخرجه بن عدي في الكامل من طريق حماد بن شعيب عن أبي يحيى القتات عن مجاهد وليث وأبو يحيى ضعيفان والعمدة على طريق الأعمش وللحديث طريق أخرى أخرجه النسائي من رواية عبدة بن أبي لبابة عن بن عمر مرفوعا وهذا مما يقوى الحديث المذكور لان رواته من رجال الصحيح وان كان اختلف في سماع عبدة من بن عمر قوله اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فيه تعيين ما أبهم في رواية ليث عند الترمذي اخذ ببعض جسدي والمنكب بكسر الكاف مجمع العضد والكتف وضبط في بعض الأصول بالتثنية قوله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل قال الطيبي ليست أو للشك بل للتخيير والاباحة والاحسن ان تكون بمعنى بل فشبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ولا مسكن يسكنه ثم ترقى واضرب عنه الى عابر السبيل لان الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع وبينهما اودية مردية ومفاوز مهلكة وقطاع طريق فان من شأنه ان لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة ومن ثم عقبه بقوله إذا امسيت فلا تنتظر الصباح الخ وبقوله وعد نفسك في أهل القبور والمعنى استمر سائرا ولا تغتر فإنك ان قصرت انقطعت وهلكت في تلك الاودية وهذا معنى المشبه به واما المشبه فهو قوله وخذ من صحتك لمرضك أي ان العمر لا يخلو عن صحة مرض فإذا كنت صحيحا فسر سير القصد وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائما مقام ما لعله يفوت حالة المرض والضعف زاد عبده في روايته عن بن عمر اعبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا الحديث وزاد ليث في روايته وعد نفسك في أهل القبور وفي رواية سعيد بن منصور وكأنك عابر سبيل وقال بن بطال لما كان الغريب قليل الانبساط الى الناس بل هو مستوحش منهم إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه مستأنس به فهو ذليل في نفسه خائف وكذلك عابر السبيل لا ينفذ في سفره الا بقوته عليه وتخفيفه من الاثقال غير متثبت بما يمنعه من قطع سفره معه زاده وراحلته يبلغانه الى بغيته من قصده شبهه بهما وفي ذلك إشارة الى إيثار الزهد في الدنيا وأخذ البلغة منها والكفاف فكما لا يحتاج المسافر الى أكثر مما يبلغه الى غاية سفره فكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا الى أكثر مما يبلغه المحل وقال غيره هذا الحديث أصل في الحث على الفراغ عن الدنيا والزهد فيها والاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة وقال النووي معنى الحديث لاتركن الى الدنيا و لا تتخذها وطنا ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه وقال غيره عابر السبيل هو المار على الطريق طالبا وطنه فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده في حاجة الى غير بلد فشأنه ان يبادر بفعل ما أرسل فيه ثم يعود الى وطنه ولا يتعلق بشيء غير ما هو فيه وقال غيره المراد ان ينزل المؤمن نفسه في الدنيا منزلة الغريب فلا يعلق قلبه بشيء من بلد الغربة بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع اليه ويجعل اقامته في الدنيا ليقضي حاجته وجهازه للرجوع الى وطنه وهذا شأن الغريب أو يكون كالمسافر لا يستقر في مكان بعينه بل هو دائم السير الى بلد الإقامة واستشكل عطف عابر السبيل على الغريب وقد تقدم جواب الطيبي وأجاب الكرماني بأنه من عطف العام على الخاص وفيه نوع من الترقي لان تعلقاته أقل من تعلقات الغريب المقيم قوله وكان بن عمر يقول في رواية ليث وقال لي بن عمر إذا أصبحت الحديث قوله وخذ من صحتك أي زمن صحتك لمرضك في رواية ليث لسقمك والمعنى اشتغل في الصحة بالطاعة بحيث لو حصل تقصير في المرض لا يجبر بذلك قوله ومن حياتك لموتك في رواية ليث قبل موتك وزاد فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا أي هل يقال له شقي أو سعيد ولم يرد اسمه الخاص به فإنه لا يتغير وقيل المراد هل هو حي أو ميت وهذا القدر الموقوف من هذا تقدم محصل معناه في حديث بن عباس أول كتاب الرقاق وجاء معناه من حديث بن عباس أيضا مرفوعا أخرجه الحاكم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك وأخرجه بن المبارك في الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون قال بعض العلماء كلام بن عمر منتزع من الحديث المرفوع وهو متضمن لنهاية قصر الأمل وان العاقل ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح وإذا أصبح لا ينتظر المساء بل يظن ان أجله مدركه قبل ذلك قال وقوله خذ من صحتك الخ أي اعمل ما تلقى نفعه بعد موتك وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح فان المرض قد يطرأ فيمتنع من العمل فيخشى على من فرط في ذلك ان يصل الى المعاد بغير زاد ولا يعارض ذلك الحديث الماضي في الصحيح إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما لأنه ورد في حق من يعمل والتحذير الذي في حديث بن عمر في حق من لم يعمل شيئا فإنه إذا مرض ندم على تركه العمل وعجز لمرضه عن العمل فلا يفيده الندم وفي الحديث مس المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم والموعوظ عند الموعظة وذلك للتأنيس والتنبيه ولا يفعل ذلك غالبا الا بمن يميل اليه وفيه مخاطبة الواحد وإرادة الجمع وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيصال الخير لامته والحض على ترك الدنيا والاقتصار على ما لا بد منه

قوله باب في الأمل وطوله الأمل بفتحتين رجاء ما تحبه النفس من طول عمر وزيادة غنى وهو قريب المعنى من التمني وقيل الفرق بينهما ان الأمل ما تقدم له سبب والتمنى بخلافه وقيل لا ينفك الإنسان من امل فان فإنه ما امله عول على التمني ويقال الأمل إرادة الشخص تحصيل شيء يمكن حصوله فإذا فاته تمناه قوله وقوله تعالى فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز الآية كذا للنسفي وساق في رواية كريمة وغيرها الى الغرور وقع في رواية أبي ذر الى قوله فقد فاز والمطلوب هنا ما سقط من روايته وهو الإشارة الى ان متعلق الأمل ليس بشيء لأنه متاع الغرور شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغره حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته والشيطان هو المدلس وهو الغرور بالفتح الناشيء عنه الغرور بالضم وقد قرئ في الشاذ هنا بفتح الغين أي متاع الشيطان ويجوز ان يكون بمعنى المفعول وهو المخدوع فتتفق القراءتان قوله بمزحزحه بمباعدة وقع هذا في رواية النسفي وكذا لأبي ذر عن المستملى والكشميهني والمراد أن معنى قوله زحزح وفي هذه الآية فمن زحزح بوعد وأصل الزحزحة الإزالة ومن أزيل عن الشيء فقد بوعد منه وقال الكرماني مناسبة هذه الآية للترجمة أن في أول الآية كل نفس ذائقة الموت وفي آخرها وما الحياة الدنيا أو أن قوله فمن زحزح مناسب لقوله وما بمزحزحه وفي تلك الآية يود أحدهم لو يعمر الف سنة قوله وقوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا الآية كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة وغيرها الى يعلمون وسقط قوله و قوله للنسفي قال الجمهور هي عامة وقال جماعة هي في الكفار خاصة والأمر فيه للتهديد وفيه زجر عن الانهماك في ملاذ الدنيا قوله وقال علي بن أبي طالب ارتحلت الدنيا مدبرة الخ هذه قطعة من اثر لعلي جاء عنه موقوفا ومرفوعا وفي أوله شيء مطابق للترجمة صريحا فعند بن أبي شيبة في المصنف وابن المبارك في الزهد من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد وزبيد الايامي عن رجل من بني عامر وسمي في رواية لابن أبي شيبة مهاجر العامري وكذا في الحلية من طريق أبي مريم عن زبيد عن مهاجر بن عمير قال قال علي ان اخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق واما طول الأمل فينسى الآخرة الا وان الدنيا ارتحلت مدبرة الحديث كالذي في الأصل سواء ومهاجر المذكور هو العامري المبهم قبله وما عرفت حاله وقد جاء مرفوعا أخرجه بن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل من رواية اليمان بن حذيفة عن علي بن أبي حفصة مولى علي عن علي بن أبي طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أشد ما اتخوف عليكم خصلتين فذكر معناه واليمان وشيخه لا يعرفان وجاء من حديث جابر أخرجه أبو عبد الله بن منده من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر مرفوعا والمنكدر ضعيف وتابعه علي بن أبي علي اللهبي عن بن المنكدر بتمامه وهو ضعيف أيضا وفي بعض طرق هذا الحديث فاتباع الهوى يصرف بقلوبكم عن الحق وطول الأمل يصرف هممكم الى الدنيا ومن كلام على اخذ بعض الحكماء قوله الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة فعجب لمن يقبل على المدبرة ويدبر على المقبلة وورد في ذم الاسترسال مع الأمل حديث أنس رفعه أربعة من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا أخرجه البزار وعن عبد الله بن عمرو رفعه صلاح أول هذه الأمة بالزهادة واليقين وهلاك اخرها بالبخل والامل أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا وقيل ان قصر الأمل حقيقة الزهد وليس كذلك بل هو سبب لان من قصر امله زهد ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا والنسيان للاخرة وللقسوة في القلب لان رقته وصفاءه انما يقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال القيامة كما قال تعالى فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وقيل من قصر امله قل همه وتنور قلبه لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة وقل همه ورضى بالقليل وقال بن الجوزي الأمل مذموم للناس الا للعملاء فلولا املهم لما صنفوا ولا ألفوا وقال غيره الأمل مطبوع في جميع بني ادم كما سيأتي في الحديث الذي في الباب بعده لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين حب الدنيا وطول الأمل وفي الأمل سر لطيف لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش ولا طابت نفسه ان يشرع في عمل من أعمال الدنيا وانما المذموم منه الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لامر الآخرة فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته وقوله في اثر علي فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل جعل اليوم نفس العمل والمحاسبة مبالغة وهو كقولهم نهاره صائم والتقدير في الموضعين ولا حساب فيه ولا عمل فيه وقوله ولا حساب بالفتح بغير تنوين ويجوز الرفع منونا وكذا قوله ولا عمل

[ 6054 ] قوله يحيى بن سعيد هو القطان وسفيان هو الثوري وأبوه سعيد بن مسروق ومنذر هو بن يعلى الثوري ووقع في رواية الإسماعيلي أبو يعلى فقط والربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر وعبد الله هو بن مسعود ومن الثوري فصاعدا كوفيون قوله خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا الخط الرسم والشكل والمربع المستوي الزوايا قوله وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا الى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط قيل هذه صفة الخط والأول المعتمد وسياق الحديث يتنزل عليه فالاشارة بقوله هذا الإنسان الى النقطة الداخلة وبقوله وهذا أجله محيط به الى المربع وبقوله وهذا الذي هو خارج امله الى الخط المستطيل المنفرد وبقوله وهذه الى الخطوط وهي مذكورة على سبيل المثال لا ان المراد انحصارها في عدد معين ويؤيده قوله في حديث أنس بعده إذ جاءه الخط الأقرب فإنه أشار به الى الخط المحيط به ولا شك ان الذي يحيط به أقرب اليه من الخارج عنه وقوله خططا بضم المعجمة والطاء الأولى للأكثر ويجوز فتح الطاء وقوله هذا انسان مبتدأ وخبر أي هذا الخط هو الإنسان على التمثيل قوله وهذه الخطط بالضم فيهما أيضا وفي رواية المستملي والسرخسي وهذه الخطوط قوله الاعراض جمع عرض بفتحتين وهو ما ينتفع به في الدنيا في الخير وفي الشر والعرض بالسكون ضد الطويل ويطلق على ما يقابل النقدين والمراد هنا الأول قوله نهشه بالنون والشين المعجمة أي اصابه واستشكلت هذه الإشارات الأربع مع ان الخطوط ثلاثة فقط وأجاب الكرماني بأن للخط الداخل اعتبارين فالمقدار الداخل منه هو الإنسان والخارج امله والمراد بالاعراض الافات العارضة له فان سلم من هذا لم يسلم من هذا وان سلم من الجميع ولم تصبه آفة من مرض أو فقد مال أو غير ذلك بعته الاجل والحاصل ان من لم يمت بالسبب مات بالأجل وفي الحديث إشارة الى الحض على قصر الأمل والاستعداد لبغتة الاجل وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة في الإصابة والاهلاك

[ 6055 ] قوله حدثنا مسلم هو بن إبراهيم وثبت كذلك في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن عبد العزيز بن سلام عنه قوله همام هو بن يحيى وثبت كذلك في رواية الإسماعيلي قوله عن إسحاق في رواية الإسماعيلي حدثنا إسحاق وهو بن أخي أنس لامه قوله خطوطا قد فسرت في حديث بن مسعود قوله فبينما هو كذلك في رواية الإسماعيلي يأمل وعند البيهقي في الزهد من وجه عن إسحاق سياق المتن أتم منه ولفظه خط خطوطا وخط خطا ناحية ثم قال هل تدرون ما هذا هذا مثل بن ادم ومثل التمني وذلك الخط الأمل بينما يأمل إذ جاءه الموت وانما جمع الخطوط ثم اقتصر في التفصيل على اثنين اختصارا والثالث الإنسان والرابع الآفات وقد اخرج الترمذي حديث أنس من رواية حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بلفظ هذا بن ادم وهذا أجله ووضع يده عند قفاه ثم بسطها فقال وثم امله وثم أجله أي ان أجله أقرب اليه من امله قال الترمذي وفي الباب عن أبي سعيد قلت أخرجه أحمد من رواية علي بن علي عن أبي المتوكل عنه ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم غرز عودا بين يديه ثم غرز الى جنبه اخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال هذا الإنسان وهذا أجله وهذا امله والأحاديث متوافقة على ان الاجل أقرب من الأمل

قوله باب من بلغ ستين سنة فقد اعذر الله اليه في العمر لقوله تعالى أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير كذا للأكثر وسقط قوله لقوله تعالى وفي رواية النسفي يعني الشيب وثبت قوله يعني الشيب في رواية أبي ذر وحده وقد اختلف أهل التفسير فيه فالأكثر على ان المراد به الشيب لأنه يأتي في سن الكهولة فما بعدها وهو علامة لمفارقة سن الصبي الذي هو مظنة اللهو وقال علي المراد به النبي صلى الله عليه وسلم واختلفوا أيضا في المراد بالتعمير في الآية على أقوال أحدها انه أربعون سنة نقله الطبري عن مسروق وغيره وكأنه اخذه من قوله بلغ اشده وبلغ أربعين سنة والثاني ست وأربعون سنة أخرجه بن مردويه من طريق مجاهد عن بن عباس وتلا الآية ورواته رجال الصحيح الا بن خثيم فهو صدوق وفيه ضعف والثالث سبعون سنة أخرجه بن مردويه من طريق عطاء عن بن عباس قال أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فقال نزلت تعييرا لابناء السبعين وفي إسناده يحيى بن ميمون وهو ضعيف الرابع ستون وتمسك قائله بحديث الباب وورد في بعض طرقه التصريح بالمراد فأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سعيد بن سليمان عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بلفظ العمر الذي اعذر الله فيه لابن ادم ستون سنة أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وأخرجه بن مردويه من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد مثله الخامس التردد بن الستين والسبعين أخرجه بن مردويه من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة بلفظ من عمر ستين أو سبعين سنة فقد اعذر الله اليه في العمر وأخرجه أيضا من طريق معتمر بن سليمان عن معمر عن رجل من غفار يقال له محمد عن سعيد عن أبي هريرة بلفظ من بلغ الستين والسبعين ومحمد الغفاري هو بن معن الذي أخرجه البخاري من طريقه اختلف عليه في لفظه كما اختلف على سعيد المقبري في لفظه وأصح الأقوال في ذلك ما ثبت في حديث الباب ويدخل في هذا حديث معترك المنايا ما بين ستين وسبعين أخرجه أبو يعلى من طريق إبراهيم بن الفضل عن سعيد عن أبي هريرة وإبراهيم ضعيف

[ 6056 ] قوله حدثنا عبد السلام بن مطهر بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الهاء المفتوحة وشيخه عمر بن علي هو المقدمي وقد تقدم بهذا الإسناد الى أبي هريرة حديث اخر وذكرت ان عمر مدلس وانه أورده بالعنعنة وبينت عذر البخاري في ذلك انه وجد من وجه اخر مصرح فيه بالسماع واما هذا الحديث فقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل من بني غفار عن سعيد المقبري بنحوه وهذا الرجل المبهم هو معن بن محمد الغفاري فهي متابعة قوية لعمر بن علي أخرجه الإسماعيلي من وجه اخر عن معمر ووقع لشيخه فيه وهم ليس هذا موضع بيانه قوله اعذر الله الاعذار إزالة العذر والمعنى انه لم يبق له اعتذار كأن يقول لو مد لي في الاجل لفعلت ما أمرت به يقال اعذر اليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ الا الاستغفار والطاعة والاقبال على الآخرة بالكلية ونسبة الاعذار الى الله مجازيه والمعنى ان الله لم يترك للعبد سببا في الاعتذار يتمسك به والحاصل انه لا يعاقب الا بعد حجة قوله اخر أجله يعني اطاله حتى بلغه ستين سنة وفي رواية معمر لقد اعذر الله الى عبد احياه حتى يبلغ ستين سنة أو سبعين سنة لقد اعذر الله اليه لقد اعذر الله اليه قوله تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري اما متابعة أبي حازم وهو سلمة بن دينار فأخرجها الإسماعيلي من طريق عبد العزيز بن أبي حازم حدثني أبي عن سعيدالمقبري عن أبي هريرة كذا أخرجه الحفاظ عن عبد العزيز بن أبي حازم وخالفهم هارون بن معروف فرواه عن بن أبي حازم عن أبيه عن سعيدالمقبري عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه الإسماعيلي وادخاله بين سعيد وأبي هريرة فيه رجلا من المزيد في متصل الأسانيد وقد أخرجه أحمد والنسائي من رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بغير واسطة واما طريق محمد بن عجلان فأخرجه أحمد من رواية سعيد بن أبي أيوب عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيدالمقبري عن أبي هريرة بلفظ من اتت عليه ستون سنة فقد اعذر الله اليه في العمر قال بن بطال انما كانت الستون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك وهي سن الانابة والخشوع وترقب المنية فهذا اعذار بعد اعذار لطفا من الله بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل الى حالة العلم ثم اعذر إليهم فلم يعاقبهم الا بعد الحجج الواضحة وان كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم امروا بمجاهدة النفس في ذلك ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية وفي الحديث إشارة الى ان استكمال الستين مظنة لانقضاء الاجل وأصرح من ذلك ما أخرجه الترمذي بسند حسن الى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه اعمار أمتي ما بين الستين الى السبعين واقلهم من يجوز ذلك قال بعض الحكماء الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي اخر الأسنان وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الإقبال على الآخرة بالكلية لاستحالة ان يرجع الى الحالة الأولى من النشاط والقوة وقد استنبط منه بعض الشافعية ان من استكمل ستين فلم يحج مع القدرة فإنه يكون مقصرا ويأثم ان مات قبل ان يحج بخلاف ما دون ذلك الحديث الثاني

[ 6057 ] قوله يونس هو بن يزيد الأيلي قوله لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل المراد بالامل هنا محبة طول العمر فسره حديث أنس الذي بعده في آخر الباب وسماه شابا إشارة الى قوة استحكام حبه المال أو هو من باب المشاكلة والمطابقة قوله قال ليث عن يونس وابن وهب عن يونس عن بن شهاب أخبرني سعيد هو بن المسيب وأبو سلمة يعني كلاهما عن أبي هريرة اما رواية ليث وهو بن سعد فوصلها الإسماعيلي من طريق أبي صالح كاتب الليث حدثنا الليث حدثني يونس هو بن يزيد عن بن شهاب أخبرني سعيد وأبو سلمة عن أبي هريرة بلفظه الا انه قال المال يدل الدنيا واما رواية بن وهب فوصلها مسلم عن حرملة عنه بلفظ قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال وأخرجه الإسماعيلي من طريق أيوب بن سويد عن يونس مثل رواية بن وهب سواء وأخرجه البيهقي من وجه اخر عن أبي هريرة بزيادة في أوله قال ان بن ادم يضعف جسمه وينحل لحمه من الكبر وقلبه شاب الحديث الثالث

[ 6058 ] قوله حدثنا مسلم كذا لأبي ذر غير منسوب ولغيره حدثنا مسلم بن إبراهيم وهشام هو الدستوائي قوله يكبر بفتح الموحدة أي يطعن في السن قوله ويكبر معه بضم الموحدة أي يعظم ويجوز الفتح ويجوز الضم في الأول تعبيرا عن الكثرة وهي كثرة عدد السنين بالعظم قوله اثنتان حب المال وطول العمر في رواية أبي عوانة عن قتادة عند مسلم يهرم بن ادم ويشب معه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر ثم أخرجه من طريق معاذ بن هشام عن أبيه قاله بمثله قوله رواه شعبة عن قتادة وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه سمعت قتادة يحدث عن أنس بنحوه وأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر بلفظ يهرم بن ادم ويشب منه اثنتان وفائدة هذا التعليق دفع توهم الانقطاع فيه لكون قتادة مدلسا وقد عنعنه لكن شعبة لا يحدث عن المدلسين الا بما علم انه داخل في سماعهم فيستوى في ذلك التصريح والعنعنة بخلاف غيره قال النووي هذا مجاز واستعارة ومعناه ان قلب الشيخ كامل الحب للمال متحكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه هذا صوابه وقيل في تفسيره غير هذا مما لا يرتضى وكأنه أشار الى قول عياض هذا الحديث فيه من المطابقة وبديع الكلام الغاية وذلك ان الشيخ من شأنه ان تكون آماله وحرصه على الدنيا قد بليت على بلاء جسمه إذا انقضى عمره ولم يبق له الا انتظار الموت فلما كان الأمر بضده ذم قال والتعبير بالشاب إشارة الى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في الشباب أكثر وبهم أليق لكثرة الرجاء عادة عندهم في طول اعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا قال القرطبي في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وان ذلك ليس بمحمود وقال غيره الحكمة في التخصيص بهذين الامرين ان احب الأشياء الى بن ادم نفسه فهو راغب في بقائها فأحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبا طول العمر فكلما احس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه واستدل به على ان الإرادة في القلب خلافا لمن قال انها في الرأس قاله المازري تنبيه قال الكرماني كان ينبغي له ان يذكر هذا الحديث في الباب السابق يعني باب في الأمل وطوله قلت ومناسبته للباب الذي ذكره فيه ليست ببعيدة ولا خفية

قوله باب العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى ثبتت هذه الترجمة للجميع وسقطت من شرح بن بطال فأضاف حديثها عن عتبان الذي قبله ثم أخذ في بيان المناسبة لترجمة من بلغ ستين سنة فقال خشي المصنف أن يظن أن من بلغ الستين وهو مواظب على المعصية أن ينفذ عليه الوعيد فأورد هذا الحديث المشتمل على أن كلمة الإخلاص تنفع قائلها إشارة الى أنها لا تخص أهل عمر دون عمر ولا أهل عمل دون عمل قال ويستفاد منه أن التوبة مقبولة ما لم يصل الى الحد الذي ثبت النقل فيه انها لا تقبل معه وهو الوصول الى الغرغرة وتبعه بن المنير فقال يستفاد منه أن الاعذار لا تقطع التوبة بعد ذلك وانما تقطع الحجة التي جعلها الله للعبد بفضله ومع ذلك فالرجاء باق بدليل حديث عتبان وما ذكر معه قلت وعلى ما وقع في الأصول فهذه مناسبة تعقيب الباب الماضي بهذا الباب قوله فيه سعد كذا للجميع وسقط النسفي وللإسماعيلي وغيرهما وسعد فيما يظهر لي هو بن أبي وقاص وحديثه المشار اليه ما تقدم في المغازي وغيرها من رواية عامر بن سعد عن أبيه في قصة الوصية وفيه الثلث والثلث كثير وفيه قوله فقلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله الا ازددت به درجة ورفعة الحديث وقد تقدم هذا اللفظ في كتاب الهجرة الى المدينة ثم ذكر المصنف طرفا من حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك

[ 6059 ] قوله حدثنا معاذ بن أسد هو المروزي وشيخه عبد الله هو بن المبارك قوله غدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لن يوافى هكذا أورده مختصرا وليس هذا القول معقبا بالغدو بل بينهما أمور كثيرة من دخول النبي صلى الله عليه وسلم منزله وصلاته فيه وسؤالهم أن يتأخر عندهم حتى يطعموه وسؤاله عن مالك بن الدخشم وكلام من وقع في حقه والمراجعة في ذلك وفي آخره ذلك القول المذكور هنا وقد أورده في باب المساجد في البيوت في أوائل الصلاة وأورده أيضا مطولا من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري في أبواب صلاة التطوع وأخرج منه أيضا في أوائل الصلاة في باب إذا زار قوما فصلى عندهم عن معاذ بن أسد بالسند المذكور في حديث الباب من المتن طرفا غير المذكور هنا وقوله في هذه الرواية حرم الله عليه النار وقع في الرواية الماضية حرمه الله على النار قال الكرماني ما ملخصه والمعنى واحد لوجود التلازم بين الامرين واللفظ الأول هو الحقيقة لأن النار تأكل ما يلقى فيها والتحريم يناسب الفاعل فيكون اللفظ الثاني مجازا

[ 6060 ] قوله يعقوب بن عبد الرحمن هو الإسكندراني قوله عن عمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء أي ثواب ولم أر لفظ جزاء في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولأبي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة قوله إذا قبضت صفيه بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية وهو الحبيب المصافي كالولد والاخ وكل من يحبه الإنسان والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت قوله ثم احتسبه الا الجنة قال الجوهري احتسب ولده إذا مات كبيرا فان مات صغيرا قيل أفرطه وليس هذا التفصيل مرادا هنا بل المراد باحتسبه صبر على فقده راجيا الأجر من الله على ذلك وأصل الحسبة بالكسر الأجرة والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصا واستدل به بن بطال على أن من مات له ولد واحد يلتحق بمن مات له ثلاثة وكذا اثنان وأن قول الصحابي كما مضى في باب فضل من مات له ولد من كتاب الجنائز ولم نسأله عن الواحد لا يمنع من حصول الفضل لمن مات له واحد فلعله صلى الله عليه سئل بعد ذلك عن الواحد فأخبر بذلك أو أنه أعلم بأن حكم الواحد حكم ما زاد عليه فأخبر به قلت وقد تقدم في الجنائز تسمية من سأل عن ذلك والرواية التي فيها ثم لم نسأله عن الواحد ولم يقع لي إذ ذاك وقوع السائل عن الواحد وقد وجدت من حديث جابر ما أخرجه أحمد من طريق محمود بن أسد عن جابر وفيه قلنا يا رسول الله واثنان قال واثنان قال محمود فقلت لجابر أراكم لو قلتم واحدا لقال واحد قال وانا والله اظن ذاك ورجاله موثقون وعند أحمد والطبراني من حديث معاذ رفعه أوجب ذو الثلاثة فقال له معاذ وذو الإثنين قال وذو الإثنين زاد في رواية الطبراني قال أو واحد وفي سنده ضعف وله في الكبير والاوسط من حديث جابر بن سمرة رفعه من دفن له ثلاثة فصبر الحديث وفيه فقالت أم ايمن وواحد فسكت ثم قال يا أم ايمن من دفن واحدا فصبر عليه واحتسبه وجبت له الجنة وفي سندهما ناصح بن عبد الله وهو ضعيف جدا ووجه الدلالة من حديث الباب أن الصفى أعم من أن يكون ولدا أم غيره وقد أفرد ورتب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه ويدخل في هذا ما أخرجه أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بن له فقال اتحبه قال نعم ففقده فقال ما فعل فلان قالوا يا رسول الله مات ابنه فقال الا تحب ان لا تأتي بابا من أبواب الجنة الا وجدته ينتظرك فقال رجل يا رسول الله اله خاصة أم لكلنا قال بل لكلكم وسنده على شرط الصحيح وقد صححه بن حبان والحاكم

قوله باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها المراد بزهرة الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها والتنافس يأتي بيانه في الباب ذكر فيه سبعة أحاديث الحديث الأول

[ 6061 ] قوله إسماعيل بن عبد الله هو بن أبي أويس قوله عن موسى بن عقبة هو عم إسماعيل الراوي عنه قوله قال قال بن شهاب هو الزهري قوله ان عمرو بن عوف تقدم بيان نسبه في الجزية وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق وهم موسى وابن شهاب وعروة وصحابيان وهما المسور وعمرو وكلهم مدنيون وكذا بقية رجال الإسناد من إسماعيل فصاعدا قوله الى البحرين سقط الى من رواية الأكثر وثبتت للكشميهني قوله فواقفت في رواية المستملي والكشميهني فوافقت قوله فوالله ما الفقر أخشى عليكم بنصب الفقر أي ما أخشى عليكم الفقر ويجوز الرفع بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم والأول هو الراجح وخص بعضهم جواز ذلك بالشعر وهذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم ويحصل لهم الغنى بالمال وقد ذكر ذلك في أعلام النبوة مما أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعه قبل أن يقع فوقع وقال الطيبي فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر فان الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال فأعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه وان كان لهم في الشفقة عليهم كالأب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده والمراد بالفقر العهدي وهو ما كان عليه الصحابة من قلة الشيء ويحتمل الجنس والأول أولى ويحتمل أن يكون أشار بذلك الى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى لان مضرة الفقر دنيوية غالبا ومضرة الغنى دينيه غالبا قوله فتنافسوها فتح المثناة فيها والأصل فتنافسوا فحذفت إحدى التائين والتنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه وأصلها من الشيء النفيس في نوعه يقال نافست في الشيء منافسة ونفاسة ونفاسا ونفس الشيء بالضم نفاسه صار مرغوبا فيه ونفست به بالكسر بخلت ونفست عليه لم أره أهلا لذلك قوله فتهلككم أي لان المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه فتمنع منه فتقع العداوة المتقضية للمقاتلة المفضية الى الهلاك قال بن بطال فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها فلا يطمئن الى زخرفها ولا ينافس غيره فيها ويستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى لأن فتنة الدنيا مقرونة بالغنى والغنى مظنة الوقوع في الفتنة التي قد تجر الى هلاك النفس غالبا والفقير آمن من ذلك الحديث الثاني حديث عقبة بن عامر في صلاته صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد بعد ثمان سنين وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب الجنائز وعلامات النبوة وقوله

[ 6062 ] أنا فرطكم بفتح الفاء والراء أي السابق اليه الحديث الثالث حديث أبي سعيد قوله إسماعيل هو بن أبي أويس وقد وافقه في رواية هذا الحديث عن مالك بتمامه بن وهب وإسحاق بن محمد وأبو قرة ورواه معن بن عيسى والوليد بن مسلم عن مالك مختصرا كل منهما طرفا وليس هو في الموطأ قاله الدارقطني في الغرائب قوله عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أكثر ما أخاف عليكم في رواية هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار الماضية في كتاب الزكاة في أوله انه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال ان مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم وفي رواية السرخسي اني مما أخاف وما في

[ 6063 ] قوله ما يفتح في موضع نصب لأنها اسم ان و مما في قوله ان مما في موضع رفع لأنها الخبر قوله زهرة الدنيا زاد هلال وزينتها وهو عطف تفسير وزهرة الدنيا بفتح الزاي وسكون الهاء وقد قرئ في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء فقيل هما بمعنى مثل جهرة وجهرة وقيل بالتحريك جمع زاهر كفاجر وفجرة والمراد بالزهرة الزينة والبهجة كما في الحديث والزهرة مأخوذة من زهرة الشجر وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء قوله فقال رجل لم اقف على اسمه قوله هل يأتي في رواية هلال أو يأتي وهي بفتح الواو والهمزة للاستفهام والواو عاطفة على شيء مقدر أي اتصير النعمة عقوبة لان زهرة الدنيا نعمة من الله فهل تعود هذه النعمة نقمة وهو استفهام استرشاد لا إنكار والباء في قوله بالشر صلة ليأتي أي هل يستجلب الخير الشر قوله ظننت في رواية الكشميهني ظننا وفي رواية هلال فرئينا بضم الراء وكسر الهمزة وفي رواية الكشميهني فأرينا بضم الهمزة قوله ينزل عليه أي الوحي وكأنهم فهموا ذلك بالقرينة من الكيفية التي جرت عادته بها عندما يوحى اليه قوله ثم جعل يمسح عن جبينه في رواية الدارقطني العرق وفي رواية هلال فيمسح عنه الرحضاء بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد هو العرق وقيل الكثير وقيل عرق الحمي وأصل الرحض بفتح ثم سكون الغسل ولهذا فسره الخطابي أنه عرق يرحض الجلد لكثرته قوله قال أبو سعيد لقد حمدناه حين طلع لذلك في رواية المستملي حين طلع ذلك وفي رواية هلال وكأنه حمده والحاصل أنهم لاموه أولا حيث رأوا سكوت النبي صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه اغضبه ثم حمدوه آخرا لما رأوا مسألته سببا لاستفادة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله وكأنه حمده فأخذوه من قرينة الحال قوله لا يأتي الخير الا بالخير زاد في رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات وفي رواية هلال انه لا يأتي الخير بالشر ويؤخذ منه أن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير وانما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والاسراف في انفاقه فيما لم يشرع وأن كل شيء قضى الله أن يكون خيرا فلا يكون شرا وبالعكس ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر ووقع في مرسل سعيد المقبري عند سعيد بن منصور أو خير هو ثلاث مرات وهو استفهام إنكار أي ان المال ليس خيرا حقيقا وان سمي خيرا لان الخير الحقيقي هو ما يعرض له من الإنفاق في الحق كما أن الشر الحقيقي فيه ما يعرض له من الإمساك عن الحق والاخراج في الباطل وما ذكر في الحديث بعد ذلك من قوله ان هذا المال خضرة حلوة كضرب المثل بهذه الجملة قوله أن هذا المال في رواية الدارقطني ولكن هذا المال الخ ومعناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة والعرب تسمي كل شيء مشرق ناضر اخضر وقال بن الأنباري قوله المال خضرة حلوة ليس هو صفة المال وانما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضراء الحلوة أو التاء في قوله خضرة وحلوة باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا أو على معنى فائدة المال أي ان الحياة به أو العيشة أو أن المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها قال الله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا وقد وقع في حديث أبي سعيد أيضا المخرج في السنن الدنيا خضرة حلوة فيتوافق الحديثان ويحتمل أن تكون التاء فيهما للمبالغة قوله وان كل ما أنبت الربيع أي الجدول وإسناد الاثبات اليه مجازى والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى وفي رواية هلال وان مما ينبت ومما في قوله مما ينبت للتكثير وليست من للتبعيض لنوافق رواية كل ما أنبت وهذا الكلام كله وقع كالمثل للدنيا وقد وقع التصريح بذلك في مرسل سعيد المقبري قوله يقتل حبطا أو يلم أما حبطا فبفتح المهملة والموحدة والطاء مهملة أيضا والحبط انتفاخ البطن من كثرة الأكل يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت وروى بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب والأول المعتمد وقوله يلم بضم أوله أي يقرب من الهلاك قوله الا بالتشديد على الاستثناء وروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح قوله آكلة بالمد وكسر الكاف و الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين للأكثر وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية وواحده خضرة وفي رواية الكشميهني بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة الهاء في آخره وفي رواية السرخسي الخضراء بفتح أوله وسكون ثانيه وبالمد ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه جمع خضرة قوله امتلأت خاصرتاها تثنية خاصرة بخاء معجمة وصاد مهملة وهما جانبا البطن من الحيوان وفي رواية الكشميهني خاصرتها بالافراد قوله أتت بمثناة أي جاءت وفي رواية هلال استقبلت قوله اجترت بالجيم أي استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف فأعادت مضغه قوله وثلطت بمثلثة ولام مفتوحتين ثم طاء مهملة وضبطها بن التين بكسر اللام أي القت ما في بطنها رقيقا زاد الدارقطني ثم عادت فأكلت والمعنى أنها إذا شبعت فثقل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأن تجتر فيزداد نعومة ثم تستقبل الشمس فتحمي بها فيسهل خروجه فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعا قال الأزهري هذا الحديث إذا فرق لم يكد يظهر معناه وفيه مثلان أحدهما للمفرط في جمع الدنيا المانع من اخراجها في وجهها وهو ما تقدم أي الذي يقتل حبطا والثاني المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها وهو آكلة الخضر فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ولكنها الحبة والحبة ما فوق البقل ودون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا منعها من مستحقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها وقال الزين بن المنير آكلة الخضر هي بهيمة الانعام التي ألف المخاطبون أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره والخضر النبات الأخضر وقيل حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله فتستكثر منه وقيل هو ما ينبت بعد إدراك العشب وهياجه فإن الماشية تقتطف منه مثلا شيئا فشيئا ولا يصيبها منه ألم وهذا الأخير فيه نظر فإن سياق الحديث يقتضي وجود الحبط للجميع الا لمن وقعت منه المداومة حتى اندفع عنه ما يضره وليس المراد أن آكلة الخضر لا يحصل لها من أكله ضرر البتة والمستثنى آكلة الخضر بالوصف المذكور لاكل من اتصف بأنه آكلة الخضر ولعل قائله وقعت له رواية فيها يقتل أو يلم الا آكلة الخضر ولم يذكر ما بعده فشرحه على ظاهر هذا الاختصار قوله فنعم المعونة هو في رواية هلال فنعم صاحب المسلم هو قوله وأن اخذه بغير حقه في رواية هلال وانه من يأخذه بغير حقه قوله كالذي يأكل ولا يشبع زاد هلال ويكون شهيدا عليه يوم القيامة يحتمل أن يشهد عليه حقيقة بأن ينطقه الله تعالى ويجوز أن يكون مجازا والمراد شهادة الملك الموكل به ويؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف لان الماشية إذا رعت الخضر للتغذية اما أن تقتصر منه على الكفاية واما أن تستكثر الأول الزهاد والثاني اما أن يحتال على إخراج ما لو بقى لضر فإذا أخرجه زال الضر واستمر النفع واما ان يهمل ذلك الأول العاملون في جميع الدنيا بما يجب من امساك وبذل والثاني العاملون في ذلك بخلاف ذلك وقال الطيبي يؤخذ منه أربعة أصناف فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع اليه الهلاك ومن أكل كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه ومن أكل كذلك لكنه بادر الى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم ومن أكل غير مفرط ولا منهمل وانما اقتصر على ما يسد جوعته ويمسك رمقه فالأول مثال الكافر والثاني مثال العاصي الغافل عن الاقلاع والتوبة الا عند فوتها والثالث مثال للمخلط المبادر للتوبة حيث تكون مقبولة والرابع مثال الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة وبعضها لم يصرح به في الحديث وأخذه منه محتمل وقوله فنعم المعونة كالتذييل للكلام المتقدم وفيه حذف تقديره ان عمل فيه بالحق وفيه إشارة الى عكسه وهو بئس الرفيق هو لمن عمل فيه بغير الحق وقوله كالذي يأكل ولا يشبع ذكر في مقابلة فنعم المعونة هو وقوله ويكون شهيدا عليه أي حجة يشهد عليه بحرصه واسرافه وانفاقه فيما لا يرضى الله وقال الزين بن المنير في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة أولها تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره ثانيها تشبيه المنهمك في الاكتساب والاسباب بالبهائم المنهمكة في الاعشاب وثالثها تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه ورابعها تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى الى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة الى استقذاره شرعا وخامسها تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة الى ادراكها لمصالحها وسادسها تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها وسابعها تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه وثامنها تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع وقال الغزالي مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وان أصابها الغبي فقد لقى البلاء المهلك وفي الحديث جلوس الامام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا وفيه استفهام العالم عما يشكل وطلب الدليل لدفع المعارضة وفيه تسمية المال خيرا ويؤيده قوله تعالى وانه لحب الخير لشديد وفي قوله تعالى ان ترك خيرا وفيه ضرب المثل بالحكمة وان وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن كالبول فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي عند إرادة الجواب عما يسئل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد بن دريد هذا الحديث وهو قوله ان مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم الى معناه وكل من وقع شيء منه في كلامه فإنما أخذه منه ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج الى التأمل وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه ويؤيد أنه من الوحي قوله يمسح العرق فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي وان جبينه ليتفصد عرقا وفيه تفضيل الغني على الفقير ولا حجة فيه لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر والعجب أن النووي قال فيه حجة لم رجح الغني على الفقير وكان قبل ذلك شرح قوله لا يأتي الخير الا بالخير على أن لمراد أن الخير الحقيقي لا يأتي الا بالخير لكن هذه الزهرة ليست خيرا حقيقيا لما فيها من الفتنة والمنافسة والاشتغال عن كمال الإقبال على الآخرة قلت فعلى هذا يكون حجة لمن يفضل الفقر على الغني والتحقيق أن لا حجة فيه لأحد القولين وفيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم فيه وأن اكتساب المال من غير حله وكذا امساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك كما قال تعالى

[ 6064 ] يمحق الله الربا ويربي الصدقات الحديث الرابع حديث عمران بن حصين قوله سمعت أبا جمرة هو بالجيم والراء وهو الضبعي نصر بن عمران وقد روى شعبة عن أبي حمزة بالمهملة والزاي حديثا لكنه عند مسلم دون البخاري وليس لشعبة في البخاري عن أبي جمرة بهذه الصورة الا عن نصر بن عمران وزهدم بالزاي وزن جعفر ومضرب بالضاد المعجمة ثم الموحدة والتشديد باسم الفاعل وقد تقدم شرح هذا الحديث في الشهادات وفي أول فضائل الصحابة وكذا الحديث الذي بعده الحديث الخامس حديث بن مسعود

[ 6065 ] قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو الحديث السادس حديث خباب أورده من طريقين في الأولى زيادة على ما في الثانية وهو حديث واحد ذكر فيه بعض الرواة ما لم يذكر بعض وأبهم شيئا قاله شعبة وقد تقدمت روايته له عن إسماعيل بن أبي خالد في أواخر كتاب المرضى قبل كتاب الطب وشرح هناك وزاد أحمد عن وكيع بهذا السند في هذا المتن فقال في أوله دخلنا على خباب نعوده وهو يبني حائطا له فقال ان المسلم يؤجر في كل شيء الا ما يجعله في هذا التراب وقد تقدم شرح هذه الزيادة هناك وإسماعيل في الطريقين هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم ورجال الإسناد من وكيع فصاعدا كوفيون ويحيى في السند الثاني هو بن سعيد القطان وهو بصري الحديث السابع حديث خباب أيضا ورجاله من شيخ البخاري فصاعدا كوفيون وسفيان هو الثوري

[ 6068 ] قوله عن شقيق أبي وائل عن خباب تقدم في الهجرة من طريق يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش سمعت أبا وائل حدثنا خباب قوله هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قصه كذا لأبي ذر وهو بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ضمير والمراد أن الراوي قص الحديث وأشار به الى ما أخرجه بتمامه في أول الهجرة الى المدينة عن محمد بن كثير بالسند المذكور هنا وقرنه برواية يحيى القطان عن الأعمش وساقه بتمامه وقال بعد المذكور هنا فوقع أجرنا على الله تعالى فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير الحديث وقد تقدم ذكره في الجنائز وأحلت شرحه على ما هنا وذكر في الهجرة في موضعين وفي غزوة أحد في موضعين وأحلت به في الهجرة على المغازي ولم يتيسر في المغازي التعرض لشرحه ذهولا والله المستعان وسيأتي بعد ثمانية أبواب في باب فضل الفقر ان شاء الله تعالى

قوله باب قول الله تعالى يا أيها الناس ان وعد الله حق الآية الى قوله السعير كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الايتين قوله جمعه سعر بضمتين يعني السعير وهو فعيل بمعنى مفعول من السعر بفتح أوله وسكون ثانيه وهو الشهاب من النار قوله وقال مجاهد الغرور الشيطان ثبت هذا الأثر هنا في رواية الكشميهني وحده ووصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد وهو تفسير قوله تعالى ولا يغرنكم بالله الغرور وهو فعول بمعنى فاعل تقول غررت فلانا أصبت غرته ونلت ما أردت منه والغرة بالكسر غفلة في اليقظة والغرور كل ما يغر الإنسان وانما فسر بالشيطان لأنه رأس في ذلك

[ 6069 ] قوله شيبان هو بن عبد الرحمن ويحيى هو بن كثير ومحمد بن إبراهيم هو التيمي واسم جده الحارث بن خالد وكانت له صحبة قوله أخبرني معاذ بن عبد الرحمن أي بن عثمان بن عبيد الله التيمي وعثمان جده هو أخو طلحة بن عبيد الله ووالده عبد الرحمن صحابي أخرج له مسلم وكان يلقب شارب الذهب وقتل مع بن الزبير ووقع في رواية الأوزاعي عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن شقيق بن سلمة هذه رواية الوليد بن مسلم عند النسائي وابن ماجة وفي رواية عبد الحميد بن حبيب عن الأوزاعي بسنده عن عيسى بن طلحة بدل شقيق بن سلمة قال المزي في الأطراف رواية الوليد أصوب قلت ورواية شيبان أرجح من رواية الأوزاعي لان نافع بن جبير وعبد الله بن أبي سلمة وافقا محمد بن إبراهيم التيمي في روايته له عن معاذ بن عبد الرحمن ويحتمل أن يكون الطريقان محفوظين لان محمد بن إبراهيم صاحب حديث فلعله سمعه من معاذ ومن عيسى بن طلحة وكل منهما من رهطه ومن بلده المدينة النبوية وأما شقيق بن سلمة فليس من رهطه ولا من بلده والله أعلم قوله ان بن أبان أخبره قال عياض وقع لأبي ذر والنسفى والكافة ان بن أبان أخبره ووقع لابن السكن أن حمران بن أبان ووقع للجرجاني وحده أن أبان أخبره وهو خطأ قلت ووقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر أن بن أبان وقد أخرجه أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان بسند البخاري فيه ووقع عنده أن حمران بن أبان أخبره قوله فأحسن الوضوء في رواية نافع بن جبير عن حمران فأسبغ الوضوء وتقدم في الطهارة من وجه آخر عن حمران بيان صفة الاسباغ المذكور والتثليث فيه وقول عروة ان هذا أسبغ الوضوء قوله ثم قال من توضأ مثل هذا الوضوء تقدم هناك توجيهه وتعقب من نفي ورود الرواية بلفظ مثل وان الحكمة في ورودها بلفظ نحو التعذر على كل أحد أن يأتي بمثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قوله ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس هكذا أطلق صلاة ركعتين وهو نحو رواية بن شهاب الماضية في كتاب الطهارة وقيده مسلم في روايته من طريق نافع بن جبير عن حمران بلفظ ثم مشى الى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في المسجد وكذا وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن حمران عنده فيصلى صلاة وفي أخرى له عنه فيصلي الصلاة المكتوبة وزاد الا غفر الله له ما بينها وبين الصلاة التي تليها أي التي سبقتها وفيه تقييد لما أطلق في قوله في الرواية الأخرى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وان التقدم خاص بالزمان الذي بين الصلاتين وأصرح منه في رواية أبي صخرة عن حمران عند مسلم أيضا ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب عليه فيصلى هذه الصلوات الخمس الا كانت كفارة لما بينهن وتقدم من طريق عروة عن حمران الا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها وله من طريق عمرو بن سعيد بن العاص عن عثمان بنحوه وفيه تقييده بمن لم يغش الكبيرة وقد بينت توجيه ذلك في كتاب الطهارة واضحا والحاصل أن لحمران عن عثمان حديثين في هذا أحدهما مقيد بترك حديث النفس وذلك في صلاة ركعتين مطلقا غير مقيد بالمكتوبة والآخر في الصلاة المكتوبة في الجماعة أو في المسجد من غير تقييد بترك حديث النفس قوله قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تغتروا قدمت شرحه في الطهارة وحاصله لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب اتكالا على غفرانها بالصلاة فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لاحد عليه وظهر لي جواب آخر وهو أن المكفر بالصلاة هي الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبيرة بناء على تكفير الذنوب بالصلاة فإنه خاص بالصغائر أو لا تستكثروا من الصغائر فإنها بالاصرار تعطي حكم الكبيرة فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة فلا يناله من هو مرتبك في المعصية والله اعلم

قوله باب ذهاب الصالحين أي موتهم قوله ويقال الذهاب المطر ثبت هذا في رواية السرخسي وحده ومراده أن لفظ الذهاب مشترك على المضي وعلى المطر وقال بعض أهل اللغة الذهاب الامطار اللينة وهو جمع ذهبة بكسر أوله وسكون ثانية قوله حدثني يحيى بن حماد هو من قدماء مشايخه وقد أخرج عنه بواسطة في كتاب الحيض

[ 6070 ] قوله عن بيان بموحدة ثم تحتانية خفيفة وهو بن بشر وقيس هو بن أبي حازم ومرداس الأسلمي هو بن مالك زاد الإسماعيلي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي عنده في رواية محمد بن فضيل عن بيان وتقدم من وجه آخر في غزوة الحديبية من كتاب المغازي أنه كان من أصحاب الشجرة أي الذين بايعوا بيعة الرضوان وذكر مسلم في الوحدان وتبعه جماعة ممن صنف فيها أنه لم يرو عنه الا قيس بن أبي حازم ووقع في التهذيب للمزي في ترجمة مرداس هذا أنه روى عنه زياد بن علاقة أيضا وتعقب بأنه مرداس آخر أفرده أبو علي بن السكن في الصحابة عن مرداس بن مالك وقال انه مرداس بن عروة وممن فرق بينهما البخاري والرازي والبستي ورجحه بن السكن قوله يذهب الصالحون الأول فالأول في رواية عبد الواحد بن غياث عن أبي عوانة عند الإسماعيلي يقبض بدل يذهب والمراد قبض أرواحهم وعنده من رواية خالد الطحان عن بيان يذهب الصالحون أسلافا ويقبض الصالحون الأول فالأول والثانية تفسير للاولى قوله ويبقى حثالة أو حفالة هو شك هل هي بالثاء المثلثة أو بالفاء والحاء المهملة في الحالين ووقع في رواية عبد الواحد حثالة بالمثلثة جزما قوله كحثالة الشعير أو التمر يحتمل الشك ويحتمل التنويع وقع في رواية عبد الواحد كحثالة الشعير فقط وفي رواية حتى لا يبقى الا مثل حثالة التمر والشعير زاد غير أبي ذر من رواة البخاري قال أبو عبد الله وهو البخاري حثالة وحفالة يعني أنهما بمعنى واحد وقال الخطابي الحثالة بالفاء وبالمثلثة الرديء من كل شيء وقيل آخر ما يبقى من الشعير والتمر وأردأه وقال بن التين الحثالة سقط الناس وأصلها ما يتساقط من قشور التمر والشعير وغيرهما وقال الداودي ما يسقط من الشعير عند الغربلة ويبقى من التمر بعد الأكل ووجدت لهذا الحديث شاهدا من رواية الفزارية امرأة عمر بلفظ تذهبون الخير فالخير حتى لا يبقى منكم الا حثالة كحثالة التمر ينزو بعضهم على بعض نزو المعز أخرجه أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر وليس فيه تصريح برفعه لكن له حكم المرفوع قوله لا يباليهم الله بالة قال الخطابي أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا يقال بالبيت بفلان وما بالبيت به مبلاة وبالية وبالية وقال غيره أصل بالة بالية فحذفت الياء تخفيفا وتعقب قول الخطابي بأن بالة ليس مصدرا لباليت وانما هو اسم مصدره وقال أبو الحسن القابسي سمعته في الوقف بالة ولا أدري كيف هو في الدرج والأصل باليته بالاة فكأن الالف حذفت في الوقف كذا قال وتعقبه بن التين بأنه لم يسمع في مصدره بالاة قال ولو علم القابسي ما نقله الخطابي أن بالة مصدر مصار لما احتاج الى هذ التكلف قلت تقدم في المغازي من رواية عيسى بن يونس عن بيان بلفظ لا يعبأ الله بهم شيئا وفي رواية عبد الواحد لا يبالي الله عنهم وكذا في رواية خالد الطحان و عن هنا بمعنى الباء يقال ما باليت به وما باليت عنه وقوله يعبأ بالمهملة الساكنة والموحدة مهموز أي لا يبالي وأصله من العبء بالكسر ثم الموحدة مهموز وهو الثقل فكأن معنى لا يعبأ به انه لا وزن له عنده ووقع في آخر حديث الفزارية المذكور آنفا على أولئك تقوم الساعة قال بن بطال في الحديث أن موت الصالحين من أشراط الساعة وفيه الندب الى الاقتداء بأهل الخير والتحذير من مخالفتهم خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله به وفيه أنه يجوز انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبقى الا أهل الشر واستدل به على جواز خلو الأرض من عالم حتى لا يبقى الا أهل الجهل صرفا ويؤيده الحديث الآتي في الفتن حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا وسيأتي بسط القول في هذه المسألة هناك ان شاء الله تعالى تنبيه وقع في نسخة الصغاني هنا قال أبو عبد الله حفالة وحثالة أي انها رويت بالفاء وبالمثلثة وهما بمعنى واحد

قوله باب ما يتقى بضم أوله وبالمثناة والقاف قوله من فتنة المال أي الالتهاء به قوله وقول الله تعالى انما أموالكم وأولادكم فتنة أي تشغل البال عن القيام بالطاعة وكأنه أشار بذلك الى ما أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه من حديث كعب بن عياض سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان لكل امة فتنة وفتنة أمتي المال وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور عن جبير بن نفير مثله وزاد ولو سيل لابن آدم واديان من مال لتمنى اليه ثالثا الحديث وبها تظهر المناسبة جدا وقوله سيل بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام على البناء للمجهول يقال سأل الوادي إذا جرى ماؤه وأما الفتنة بالولد فورد فيه ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وابن حبان من حديث بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران فنزل عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله انما أموالكم وأولادكم فتنة الحديث وظاهر الحديث ان قطع الخطبة والنزول لهما فتنة دعا إليها محبة الولد فيكون مرجوحا والجواب ان ذلك انما هو في حق غيره وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فهو لبيان الجواز فيكون في حقه راجحا ولا يلزم من فعل الشيء لبيان الجواز أن لا يكون الأولى ترك فعله ففيه تنبيه على أن الفتنة بالولد مراتب وان هذا من أدناها وقد يجر الى ما فوقه فيحذر وذكر المصنف في الباب أحاديث الأول قوله حدثني يحيى بن يوسف هو الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم ويقال له بن أبي كريمة فقيل هي كنية أبيه وقيل هو جده واسمه كنيته أخرج عنه البخاري بغير وساطة في الصحيح وأخرج عنه خارج الصحيح بواسطة

[ 6071 ] قوله أخبرني أبو بكر بن عياش بمهملة وتحتانية ثقيلة ثم معجمة ووقع في رواية غير أبي ذر حدثنا قوله عن أبي حصين بمهملتين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وفي رواية غير أبي ذر أيضا حدثنا قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الإسماعيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسماعيلي وافق أبا بكر على رفعه شريك القاضي وقيس بن الربيع عن أبي حصين وخالفهم إسرائيل فرواه عن أبي حصين موقوفا قلت إسرائيل أثبت منهم ولكن اجتماع الجماعة يقاوم ذلك وحينئذ تتم المعارضة بين الرفع والوقف فيكون الحكم المرفع والله أعلم وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في باب الحراسة في الغزو من كتاب الجهاد وهو من نوادر ما وقع في هذا الجامع الصحيح قوله تعس بكسر العين المهملة ويجوز الفتح أي سقط والمراد هنا هلك وقال بن الأنباري التعس الشر قال تعالى فتعسا لهم أراد ألزمهم الشر وقيل التعس البعد أي بعدا لهم وقال غيره قولهم تعسا لفلان نقيض أولهم لعاله فتعسا دعاء عليه بالعثرة ولعا دعاء له بالانتقاش قوله عبد الدينار أي طالبه الحريص على جمعه القائم على حفظه فكأنه لذلك خادمه وعبده قال الطيبي قيل خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالاسير الذي لايجد خلاصا ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار لان المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة وقوله ان أعطي الخ يؤذن بشدة الحرص على ذلك وقال غيره جعله عبدا لهما لشغفه وحرصه فمن كان عبدا لهواه لم يصدق في حقه إياك نعبد فلا يكون من اتصف بذلك صديقا قوله والقطيفة هي الثوب الذي له خمل والخميصة الكساء المربع وقد تقدم الحديث في كتاب الجهاد من رواية عبد الله بن دينار عن أبي صالح بلفظ تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش وقوله وانتكس أي عاوده المرض فعلى ما تقدم من تفسير التعس بالسقوط يكون المراد أنه إذا قام من سقطته عاوده السقوط ويحتمل أن يكون المعنى بانتكس بعد تعس انقلب على رأسه بعد أن سقط ثم وجدته في شرح الطيبي قال في قوله تعس وانتكس فيه الترقي في الدعاء عليه لأنه إذا تعس انكب على وجهه فإذا انتكس انقلب على رأسه وقيل التعس الخر على الوجه والنكس الخر على الرأس وقوله في الرواية المذكورة وإذا شيك بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم كاف أي إذا دخلت فيه شوكة لم يجد من يخرجها بالمنقاش وهو معنى قوله فلا انتقش ويحتمل أن يريد لم يقدر الطبيب أن يخرجها وفيه إشارة الى الدعاء عليه بما يثبطه عن السعي والحركة وسوغ الدعاء عليه كونه قصر عمله على جمع الدنيا واشتغل بها عن الذي أمر به من التشاغل بالواجبات والمندوبات قال الطيبي وانما خص انتقاش الشوكة بالذكر لأنه أسهل ما يتصور من المعاونة فإذا انتفى ذلك الاسهل انتفى ما فوقه بطريق الأولى قوله ان أعطى بضم أوله قوله وان لم يعط لم يرض وقع من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش عند بن ماجة والإسماعيلي بلفظ الوفاء عوض الرضا وأحدهما ملزوم للآخر غالبا الحديث الثاني قوله عن عطاء هو بن أبي رباح وصرح في الرواية الثانية بسماع بن جريج له من عطاء وهذا هو الحكمة في إيراد الإسناد النازل عقب العالي إذ بينه وبين بن جريج في الأول راو واحد وفي الثاني اثنان وفي السند الثاني أيضا فائدة أخرى وهي الزيادة في آخره ومحمد في الثاني هو بن سلام وقد نسب في رواية أبي زيد المروزي كذلك ومخلد بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم هذا من الأحاديث التي صرح فيها بن عباس بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قليلة بالنسبة لمرويه عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة

[ 6072 ] قوله لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا في الرواية الثانية لو أن لابن آدم واديا مالا لأحب ان له اليه مثله ونحوه في حديث أنس في الباب وجمع بين الامرين في الباب أيضا ومثله في مرسل جبير بن نفير الذي قدمته وفي حديث أبي الذي سأذكره وقوله من مال فسره في حديث ان بن الزبير بقوله من ذهب ومثله في حديث أنس في الباب وفي حديث زيد بن أرقم عند أحمد وزاد وفضة وأوله مثل لفظ رواية بن عباس الأولى ولفظه عند أبي عبيدة في فضائل القرآن كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى الثالث وله من حديث جابر بلفظ لو كان لابن آدم وادي نخل وقوله لابتغى بالغين المعجمة وهو افتعل بمعنى الطلب ومثله في حديث زيد بن أرقم وفي الرواية الثانية أحب وكذا في حديث أنس وقال في حديث أنس لتمنى مثله ثم تمنى مثله حتى يتمنى أودية قوله ولا يملأ جوف بن آدم في رواية حجاج بن محمد عن بن جريج عند الإسماعيلي نفس بدل جوف وفي حديث جابر كالأول وفي مرسل جبير بن نفير ولا يشبع بضم أوله جوف وفي حديث بن الزبير ولا يسد جوف وفي الرواية الثانية في الباب ولا يملأ عين وفي حديث أنس فيه ولا يملأ فاه ومثله في حديث أبي واقد عند أحمد وله في حديث زيد بن أرقم ولا يملأ بطن قال الكرماني ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ غيره يملؤه أيضا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال لا يشبع من الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وهي من التفنن في العبارة قلت وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة والبطن بمعناه وأما النفس فعبر بها عن الذات وأطلق الذات وأراد البطن من إطلاق الكل وإرادة البعض وأما النسبة الى الفم فلكونه الطريق الى الوصول للجوف ويحتمل أن يكون المراد بالنفس العين وأما العين فلأنها الأصل في الطب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه وخص البطن في أكثر الروايات لان أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها يكون للاكل والشرب وقال الطيبي وقع قوله ولا يملأ الخ وقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل ولا يشبع من خلق من التراب الا بالتراب ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر التراب دون غيره أن المرء لا ينقضى طمعه حتى يموت فإذا مات كان من شأنه أن يدفن فإذا دفن صب عليه التراب فملأ جوفه وفاه وعينيه ولم يبق منه موضع يحتاج الى تراب غيره وأما النسبة الى الفم فلكونه الطريق الى الوصول للجوف قوله في الطريق الثانية لابن عباس ويتوب الله على من تاب أي ان الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره قيل وفيه إشارة الى ذم الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك والحرص عليه للإشارة الى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني وقال الطيبي يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال وأنه لا يشبع من جمعه الا من حفظه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع ويتوب موضعه أشعارا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن ازالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده والى ذلك الإشارة بقوله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ففي إضافة الشح الى النفس دلالة على انه غريزة فيها وفي قوله ومن يوق إشارة الى إمكان إزالة ذلك ثم رتب الفلاح على ذلك قال وتؤخذ المناسبة أيضا من ذكر التراب فإن فيه إشارة الى أن الآدمي خلق من التراب ومن طبعه القبض واليبس وأن إزالته ممكنة بأن يمطر الله عليه ما يصلحه حتى يثمر الخلال الزكية والخصال المرضية قال تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا فوقع قوله ويتوب الله الخ موقع الاستدراك أي أن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيرا على من يسره الله تعالى عليه

[ 6073 ] قوله قال بن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا يعني الحديث المذكور وسيأتي بيان ذلك في الكلام على حديث أبي قوله قال وسمعت بن الزبير القائل هو عطاء وهو متصل بالسند المذكور وقوله على المنبر بين في الرواية التي بعدها أنه منبر مكة وقوله ذلك إشارة الى الحديث وظاهره أنه باللفظ المذكور بدون زيادة بن عباس الحديث الثالث

[ 6074 ] قوله عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل أي غسيل الملائكة وهو حنظلة بن أبي عامر الأوسي وهو جد سليمان المذكور لأنه بن عبد الله بن حنظله ولعبد الله صحبة وهو من صغار الصحابة وقتل يوم الحرة وكان الأمير على طائفة الأنصار يومئذ وأبوه استشهد بأحد وهو من كبار الصحابة وأبوه أبو عامر يعرف بالراهب وهو الذي بنى مسجد الضرار بسببه ونزل فيه القرآن وعبد الرحمن معدود في صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهذا الإسناد من أعلى ما في صحيح البخاري لأنه في حكم الثلاثيات وان كان رباعيا وعباس بن سهل بن سعد وهو ولد الصحابي المشهور الحديث الرابع قوله عبد العزيز هو الأويسي وصالح هو بن كيسان وابن شهاب هو الزهري

[ 6075 ] قوله أحب أن يكون كذا وقع بغير لام وهو جائز وقد تقدم من رواية بن عباس بلفظ لأحب الحديث الخامس قوله وقال لنا أبو الوليد هو الطيالسي هشام بن عبد الملك وشيخه حماد بن سلمة لم يعدوه فيمن خرج له البخاري موصولا بل علم المزي على هذا السند في الأطراف علامة التعليق وكذا رقم لحماد بن سلمة في التهذيب علامة التعليق ولم ينبه على هذا الموضع وهو مصير منه الى استواء قال فلان وقال لنا فلان وليس بجيد لأن قوله قال لنا ظاهر في الوصل وان كان بعضهم قال انها للاجازة أو للمناولة أو للمذاكرة فكل ذلك في حكم الموصول وان كان التصريح بالتحديث أشد اتصالا والذي ظهر لي بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يأتي بهذه الصيغة الا إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج فمن أمثلة الأولى قوله في كتاب النكاح في باب ما يحل من النساء وما يحرم قال لنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد هو القطان فذكر عن بن عباس قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع الحديث فهذا من كلام بن عباس فهو موقوف وان كان يمكن أن يتلمح له ما يلحقه بالمرفوع ومن أمثلة الثاني قوله في المزارعة قال لنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان العطار فذكر حديث أنس لا يغرس مسلم غرسا الحديث فأبان ليس على شرطه كحماد بن سلمة وعبر في التخريج لكل منهما بهذه الصيغة لذلك وقد علق عنهما أشياء بخلاف الواسطة التي بينة وبينه وذلك تعليق ظاهر وهو أظهر في كونه لم يسقه مساق الاحتجاج من هذه الصيغة المذكورة هنا لكن السر فيه ما ذكرت وأمثلة ذلك في الكتاب كثيرة تظهر لمن تتبعها قوله عن ثابت هو الثاني ويقال ان حماد بن سلمة كان أثبت الناس في ثابت وقد أكثر مسلم من تخريج ذلك محتجا به ولم يكثر من الاحتجاج بحماد بن سلمة كإكثاره في احتجاجه بهذه النسخة قوله عن أبي هو بن كعب وهذا من رواية صحابي عن صحابي وان كان أبي أكبر من أنس قوله كنا نرى بضم النون أوله أي نظن ويجوز فتحها من الرأي أي نعتقد قوله هذا لم يبين ما أشار اليه بقوله هذا وقد بينه الإسماعيلي من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة ولفظه كنا نرى هذا الحديث من القرآن لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا الحديث دون قوله ويتوب الله الخ قوله حتى نزلت ألهاكم التكاثر زاد في رواية موسى بن إسماعيل الى آخر السورة وللإسماعيلي أيضا من طريق عفان ومن طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي قالا حدثنا حماد بن سلمة فذكر مثله وأوله كنا نرى أن هذا من القرآن الخ تنبيه هكذا وقع حديث أبي بن كعب من رواية ثابت عن أنس عنه مقدما على رواية أبن شهاب عن أنس في هذا الباب عند أبي ذر وعكس ذلك غيره وهو الانسب قال بن بطال وغيره قوله ألهاكم التكاثر خرج على لفظ الخطاب لأن الله فطر الناس على حب المال والولد فلهم رغبة في الاستكثار من ذلك ومن لازم ذلك الغفلة عن القيام بما أمروا به حتى يفجأهم الموت وفي أحاديث الباب ذم الحرص والشره ومن ثم آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة باليسير والرضا بالكفاف ووجه ظنهم أن الحديث المذكور من القرآن ما تضمنه من ذم الحرص على الاستكثار من جمع المال والتقريع بالموت الذي يقطع ذلك ولا بد لكل أحد منه فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن الأول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد شرحه بعضهم على أنه كان قرآنا ونسخت تلاوته لما نزلت ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر فاستمرت تلاوتها فكانت ناسخة لتلاوة ذلك وأما الحكم فيه والمعنى فلم ينسخ إذ نسخ التلاوة لا يستلزم المعارضة بين الناسخ والمنسوخ كنسخ الحكم والأول أولى وليس ذلك من النسخ في شيء قلت يؤيد ما رده ما أخرجه الترمذي من طريق زر بن حبيش عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ان الله أمرني أن اقرأ عليك القرآن فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال وقرأ فيها ان الدين عند الله الحنيفية السمحة الحديث وفيه وقرأ عليه لو أن لابن آدم واديا من مال الحديث وفيه ويتوب الله على من تاب وسنده جيد والجمع بينه وبين حديث أنس عن أبي المذكور آنفا أنه يحتمل أن يكون أبي لما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن وكان هذا الكلام في آخر ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم احتمل عنده ان يكون بقية السورة واحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتهيأ له أن يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى نزلت الهاكم التكاثر فلم ينتف الاحتمال ومنه ما وقع عند أحمد وأبي عبيد في فضائل القرآن من حديث أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم ان الله قال انما انزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان الحديث بتمامه وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية والله أعلم وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما وان كان حكمه مستمرا ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من حديث أبي موسى قال قرأت سورة نحو براءة فغبت وحفظت منها ولو أن لابن آدم واديين من مال تمنى واديا ثالثا الحديث ومن حديث جابر كنا نقرأ لو ان لابن آدم ملء واد مالا لأحب اليه مثله الحديث

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا المال خضرة حلوة تقدم شرحه قريبا في باب ما يحذر من زهرة الدنيا في شرح حديث أبي سعيد الخدري قوله وقوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين الآية كذا لأبي ذر ولأبي زيد المروزي حب الشهوات الآية وللإسماعيلي مثل أبي ذر وزاد الى قوله ذلك متاع الحياة الدنيا وساق ذلك في رواية كريمة وقوله زين قيل الحكمة في ترك الإفصاح بالذي زين أن يتناول اللفظ جميع من تصح نسبة التزيين اليه وان كان العلم أحاط بأنه سبحانه وتعالى هو الفاعل بالحقيقة فهو الذي أوجد الدنيا وما فيها وهيأها للانتفاع وجعل القلوب مائلة إليها والى ذلك الإشارة بالتزيين ليدخل فيه حديث النفس ووسوسة الشيطان ونسبة ذلك الى الله تعالى باعتبار الخلق والتقدير والتهيئة ونسبة ذلك للشيطان باعتبار ما أقدره الله عليه من التسلط على الآدمي بالوسوسة الناشيء عنها حديث النفس وقال بن التين بدأ في الآية بالنساء لانهن أشد الأشياء فتنة للرجال ومنه حديث ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء قال ومعنى تزيينها اعجاب الرجل بها وطواعيته لها والقناطير جمع قنطار واختلف في تقديره فقبل سبعون ألف دينار وقيل سبعة آلاف دينار وقيل مائة وعشرون رطلا وقيل مائة رطل وقيل ألف مثقال وقيل ألف ومائتا أوقية وقيل معناه الشيء الكثير مأخوذ من عقد الشيء واحكامه وقال بن عطية القول الأخير قيل هذا أصح الأقوال لكن يختلف القنطار في البلاد باختلافها في قدر الوقية قوله وقال عمر اللهم انا لا نستطيع الا ان نفرح بما زينته لنا اللهم اني أسألك أن أنفقه في حقه سقط هذا التعليق في رواية أبي زيد المروزي وفي هذا الأثر إشارة الى ان فاعل التزيين المذكور في الآية هو الله وان تزيين ذلك بمعنى تحسينه في قلوب بني آدم وأنهم جبلوا على ذلك لكن منهم من استمر على ما طبع عليه من ذلك وانهمك فيه وهو المذموم ومنهم من راعى فيه الأمر والنهى ووقف عند ما حد له من ذلك وذلك بمجاهدة نفسه بتوفيق الله تعالى له فهذا لم يتناوله الذم ومنهم من ارتقى عن ذلك فزهد فيه بعد أن قدر عليه وأعرض عنه مع اقباله عليه وتمكنه منه فهذا هو المقام المحمود والى ذلك الإشارة بقول عمر اللهم اني أسألك أن أنفقه في حقه وأثره هذا وصله الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري ان عمر بن الخطاب اتى بمال من المشرق يقال له نفل كسرى فأمر به فصب وغطى ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكشف عنه فإذا حلى كثير وجوهر ومتاع فبكى عمر وحمد الله عز وجل فقالوا له ما يبكيك يا أمير المؤمنين هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها فقال ما فتح من هذا على قوم الا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم قال فحدثني زيد بن أسلم أنه بقى من ذلك المال مناطق وخواتم فرفع فقال له عبد الله بن أرقم حتى متى تحبسه لا تقسمه قال بلى إذا رأيتني فارغا فآذني به فلما رآه فارغا بسط شيئا في حش نخلة ثم جاء به في مكتل فصبه فكأنه استكثره ثم قال اللهم أنت قلت زين للناس حب الشهوات فتلا الآية حتى فرغ منها ثم قال لا نستطيع الا أن نحب ما زينت لنا فقني شره وارزقني أن انفقه في حقك فما قام حتى ما بقي منه شيء وأخرجه أيضا من طريق عبد العزيز بن يحيى المدني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه نحوه وهذا موصول لكن في سنده الى عبد العزيز ضعف وقال بعد قوله واستحلوا حرمتهم وقطعوا أرحامهم فما رام حتى قسمه وبقيت منه قطع وقال بعد قوله لا نستطيع الا أن يتزين لنا ما زينت لنا والباقي نحوه وزاد في آخره قصة أخرى

[ 6076 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله ثم قال ان هذا المال ربما قال سفيان قال لي يا حكيم ان هذا المال فاعل قال اولا هو النبي صلى الله عليه وسلم والقائل ربما هو على بن المدايني راويه عن سفيان والقائل قال لي هو حكيم بن حزام صحابي الحديث المذكور وحكيم بالرفع بغير تنوين منادى مفرد حذف منه حرف النداء وظاهر السياق أن حكيما قال لسفيان وليس كذلك لأنه لم يدركه لان بين وفاة حكيم ومولد سفيان نحو الخمسين سنة ولهذا لا يقرأ حكيم بالتنوين وانما المراد أن سفيان رواه مرة بلفظ ثم قال أي النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا المال ومرة بلفظ ثم قال لي يا حكيم ان هذا المال الخ وقد وقع بإثبات حرف النداء في معظم الروايات وانما سقط من رواية أبي زيد المروزي وتقدم شرح قوله فمن أخذه بطيب نفس الخ في باب الاستعفاف عن المسألة من كتاب الزكاة وتقدم شرح قوله في آخره واليد العليا خير من اليد السفلى في باب لا صدقة الا عن ظهر غنى من كتاب الزكاة أيضا وقوله بورك له فيه زاد الإسماعيلي من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان بسنده ومتنه وإبراهيم كان أحد الحفاظ وفيه مقال

قوله باب ما قدم من ماله فهو له الضمير للإنسان المكلف وحذف للعلم به وان لم يجر له ذكر

[ 6077 ] قوله عمر بن حفص أي بن غياث وعبد الله هو بن مسعود ورجال السند كلهم كوفيون قوله أيكم مال وارثه احب اليه من ماله أي ان الذي يخلفه الإنسان من المال وان كان هو في الحال منسوبا اليه فإنه باعتبار انتقاله الى وارثه يكون منسوبا للوارث فنسبته للمالك في حياته حقيقية ونسبته للوارث في حياة المورث مجازية ومن بعد موته حقيقية قوله فان ماله ما قدم أي هو الذي يضاف اليه في الحياة وبعد الموت بخلاف المال الذي يخلفه وقد أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش به سندا ومتنا وزاد في آخره ما تعدون الصرعة فيكم الحديث وزاد فيه أيضا ما تعدون الرقوب فيكم الحديث قال بن بطال وغيره فيه التحريض على تقديم ما يمكن تقديمه من المال في وجوه القربة والبر لينتفع به في الآخرة فإن كل شيء يخلفه المورث يصير ملكا للوارث فان عمل فيه بطاعة الله اختص بثواب ذلك وكان ذلك الذي تعب في جمعه ومنعه وان عمل فيه بمعصية الله فذاك أبعد لمالكه الأول من الانتفاع به ان سلم من تبعته ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم لسعد انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة لان حديث سعد محمول على من تصدق بماله كله أو معظمه في مرضه وحديث بن مسعود في حق من يتصدق في صحته وشحه

قوله باب المكثرون هم المقلون كذا للأكثر وللكشميهني الاقلون وقد ورد الحديث باللفظين ووقع في رواية المعرور عن أبي ذر الاخسرون بدل المقلون وهو بمعناه بناء على ان المراد بالقلة في الحديث قلة الثواب وكل من قل ثوابه فهو خاسر بالنسبة لمن كثر ثوابه قوله وقوله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الايتين كذا لأبي ذر وفي رواية أبي زيد بعد قوله وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها الآية ومثله للإسماعيلي لكن قال الى قوله وباطل ما كانوا يعملون ولم يقل الآية وساق الايتين في رواية الأصيلي وكريمة واختلف في الآية فقيل هي على عمومها في الكفار وفيمن يرائي بعمله من المسلمين وقد استشهد بها معاوية لصحة الحديث الذي حدث به أبو هريرة مرفوعا في المجاهد والقاريء والمتصدق لقوله تعالى لكل منهم انما عملت ليقال فقد قيل فبكى معاوية لما سمع هذا الحديث ثم تلا هذه الآية أخرجه الترمذي مطولا وأصله عند مسلم وقيل بل هي في حق الكفار خاصة بدليل الحصر في قوله في الآية التي تليها أولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار والمؤمن في الجملة مآله الى الجنة بالشفاعة أو مطلق العفو والوعيد في الآية بالنار واحباط العمل وبطلانه انما هو للكافر وأجيب عن ذلك بأن الوعيد بالنسبة الى ذلك العمل الذي وقع الرياء فيه فقط فيجازي فاعله بذلك الا ان يعفو الله عنه وليس المراد احباط جميع اعماله الصالحة التي لم يقع فيها رياء والحاصل أن من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له وجوزي في الآخرة بالعذاب لتجريده قصد الى الدنيا واعراضه عن الآخرة وقيل نزلت في المجاهدين خاصة وهو ضعيف وعلى تقدير ثبوته فعمومها شامل لكل مراء وعموم قوله نوف إليهم أعمالهم فيها أي في الدنيا مخصوص بمن لم يقدر الله له ذلك لقوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن ثريد فعلى هذا التقييد يحمل ذلك المطلق وكذا يقيد مطلق قوله من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب وبهذا يندفع اشكال من قال قد يوجد بعض الكفار مقترا عليه في الدنيا غير موسع عليه من المال أو من الصحة أو من طول العمر بل قد يوجد من هو منحوس الحظ من جميع ذلك كمن قيل في حقه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ومناسبة ذكر الآية في الباب لحديثه أن في الحديث إشارة الى أن الوعيد الذي فيها محمول على التأقيت في حق من وقع له ذلك من المسلمين لا على التأييد لدلالة الحديث على أن مرتكب جنس الكبيرة من المسلمين يدخل الجنة وليس فيه ما ينفى أنه قد يعذب قبل ذلك كما أنه ليس في الآية ما ينفي أنه قد يدخل الجنة بعد التعذيب على معصية الرياء

[ 6078 ] قوله حدثنا جرير هو بن عبد الحميد وقد روى جرير بن حازم هذا الحديث لكن عن الأعمش عن زيد بن وهب كما سيأتي بيانه لكن قتيبة لم يدركه بن حازم وعبد العزيز بن رفيع بفاء ومهملة مصغر مكي سكن الكوفة وهو من صغار التابعين لقى بعض الصحابة كأنس قوله عن أبي ذر في رواية الأعمش الماضية في الاستئذان عن زيد بن وهب حدثنا والله أبو ذر بالربذة بفتح الراء والموحدة بعدها معجمة مكان معروف من عمل المدينة النبوية وبينهما ثلاث مراحل من طريق العراق سكنه أبو ذر بأمر عثمان ومات به في خلافته وقد تقدم بيان سبب ذلك في كتاب الزكاة قوله خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمشي وحده ليس معه إنسان هو تأكيد لقوله وحده ويحتمل أن يكون لرفع توهم أن يكون معه أحد من غير جنس الإنسان من ملك أو جنى وفي رواية الأعمش عن زيد بن وهب عنه كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء فأفادت تعيين الزمان والمكان والحرة مكان معروف بالمدينة من الجانب الشمالي منها وكانت به الوقعة المشهورة في زمن يزيد بن معاوية وقيل الحرة الأرض التي حجارتها سود وهو يشمل جميع جهات المدينة التي لا عمارة فيها وهذا يدل على أن قوله في رواية المعرور بن سويد عن أبي ذر انتهيت الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة وهو يقول هم الاخسرون ورب الكعبة فذكر قصة المكثرون وهي قصة أخرى مختلفة الزمان والمكان والسياق قوله فظننت أنه يكره ان يمشي معه أحد فجعلت أمشي في ظل القمر أي في المكان الذي ليس للقمر فيه ضوء ليخفي شخصه وانما استعمر يمشى لاحتمال ان يطرأ للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة فيكون قريبا منه قوله فالتفت فرآني فقال من هذا كأنه رأى شخصه ولم يتميز له قوله فقلت أبو ذر أي أنا أبو ذر قوله جعلني الله فداءك في رواية أبي الأحوص في الباب بعده عن الأعمش وكذا لأبي معاوية عن الأعمش عند أحمد فقلت لبيك يا رسول الله وفي رواية حفص عن الأعمش كما مضى في الاستئذان فقلت لبيك وسعديك قوله فقال أبا ذر تعال في رواية الكشميهني تعاله بهاء السكت قال الداودي فائدة الوقوف على هاء السكت ان لا يقف على ساكنين نقله بن التين وتعقب بأن ذلك غير مطرد وقد اختصر أبو زيد المروزي في روايته سياق الحديث في هذا الباب فقال بعد قوله ليس معه أحد فذكر الحديث وقال فيه ان المكثرين هم المقلون يوم القيامة هكذا عنده وساق الباقون الحديث بتمامه ويأتي شرحه مستوفي في الباب الذي بعده قوله وقال النضر بن شميل أنبأنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت والأعمش وعبد العزيز بن رفيع قالوا حدثنا زيد بن وهب بهذا الغرض بهذا التعليق تصريح الشيوخ الثلاثة المذكورين بأن زيد بن وهب حدثهم والاولان نسبا الى التدليس مع أنه لو ورد من رواية شعبة بغير تصريح لأمن فيه التدليس لأنه كان لا يحدث عن شيوخه الا بما لا تدليس فيه وقد ظهرت فائدة ذلك في رواية جرير بن حازم عن الأعمش فإنه زاد فيه بين الأعمش وزيد بن وهب رجلا مبهما ذكر ذلك الدارقطني في العلل فأفادت هذه الرواية المصرحة أنه من المزيد في متصل الأسانيد وقد اعترض الإسماعيلي على قول البخاري في هذا السند بهذا فأشار الى رواية عبد العزيز بن رفيع واقتضى ذلك أن رواية شعبة هذه نظير روايته فقال ليس في حديث شعبة قصة المقلين والمكثرين انما فيه قصة من مات لا يشرك بالله شيئا قال والعجب من البخاري كيف أطلق ذلك ثم ساقه موصولا من طريق حميد بن زنجويه حدثنا النضر بن شميل عن شعبة ولفظه ان جبريل بشرني أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قيل لسليمان يعني الأعمش انما روى هذا الحديث عن أبي الدرداء فقال انما سمعته عن أبي ذر ثم أخرجه من طريق معاذ حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت وبلال والأعمش وعبد العزيز بن رفيع سمعوا زيد بن وهب عن أبي ذر زاد فيه راويا وهو بلال وهو بن مرداس الفزاري شيخ كوفي اخرج له أبو داود وهو صدوق لا بأس به وقد أخرجه أبو داود الطيالسي عن شعبة كرواية النضر ليس فيه بلال وقد تبع الإسماعيلي على اعتراضه المذكور جماعة منهم مغلطاي ومن بعده والجواب عن البخاري واضح على طريقة أهل الحديث لان مراده أصل الحديث فإن الحديث المذكور في الأصل قد اشتمل على ثلاثة أشياء فيجوز إطلاق الحديث على كل واحد من الثلاثة إذا أريد بقول البخاري بهذا أي بأصل الحديث لا خصوص اللفظ المساق فالأول من الثلاثة ما يسرني أن لي أحدا ذهبا وقد رواه عن أبي ذر أيضا بنحوه الأحنف بن قيس وتقدم في الزكاة والنعمان الغفاري وسالم بن أبي الجعد وسويد بن الحارث كلهم عن أبي ذر ورواياتهم عند أحمد ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أبو هريرة وهو في آخر الباب من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه وسيأتي في كتاب التمني من طريق همام وأخرجه مسلم من طريق محمد بن زياد هو عند أحمد من طريق سليمان بن يسار كلهم عن أبي هريرة كما سأبينه الثاني حديث المكثرين والمقلين وقد رواه عن أبي ذر أيضا المعرور بن سويد كما تقدمت الإشارة اليه والنعمان الغفاري وهو عند أحمد أيضا الثالث حديث من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وفي بعض طرقه وان زنى وان سرق وقد رواه عن أبي ذر أيضا أبو الأسود الدؤلي وقد تقدم في اللباس ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أبو هريرة كما سيأتي بيانه لكن ليس فيه بيان وان زنى وان سرق وأبو الدرداء كما تقدمت الإشارة اليه من رواية الإسماعيلي وفيه أيضا فائدة أخرى وهو أن بعض الرواة قال عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء فلذلك قال الأعمش لزيد ما تقدم في رواية حفص بن غياث عنه قلت لزيد بلغني أنه أبو الدرداء فأفادت رواية شعبة أن حبيبا وعبد العزيز وافقا الأعمش على أنه عن زيد بن وهب عن أبي ذر لا عن أبي الدرداء وممن رواه عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء محمد بن إسحاق فقال عن عيسى بن مالك عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء أخرجه النسائي والحسن بن عبيد الله النخعي أخرجه الطبراني من طريقه عن زيد بن وهب عن أبي الدرداء بلفظ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فقال أبو الدرداء وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق فكررها ثلاثا وفي الثالثة وان رغم انف أبي الدرداء وسأذكر بقية طرفة عن أبي الدرداء في اخر الباب الذي يليه وذكره الدارقطني في العلل فقال يشبه أن يكون القولان صحيحين قلت وفي حديث كل منهما في بعض الطرق ما ليس في الاخر

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا لم أر لفظ هذا في رواية الأكثر لكنه ثابت في لفظ الخبر الأول وذكر فيه حديثين الأول

[ 6079 ] قوله حدثنا الحسن بن الربيع هو أبو علي البوراني بالموحدة والراء وبعد الالف نون وأبو الأحوص هو سلام بالتشديد بن سليم قوله فاستقبلنا أحد في رواية عبد العزيز بن رفيع فالتفت فرآني كما تقدم وتقدم قصة المكثرين والمقلين وقوله فاستقبلنا أحد هو بفتح الأم وأحد بالرفع على الفاعلية وفي رواية حفص بن غياث فاستقبلنا أحدا بسكون اللام وأحدا بالنصب على المفعولية قوله فقال يا أبا ذر فقلت لبيك يا رسول الله زاد في رواية سالم بن أبي الجعد ومنصور عن زيد بن وهب عند أحمد فقال يا أبا ذر أي جبل هذا قلت أحد وفي رواية الأحنف الماضية في الزكاة يا أبا ذر أتبصر أحدا قال فنظرت الى الشمس ما بقي من النهار وانا أرى ان يرسلني في حاجة له فقلت نعم الحديث قوله ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار في رواية حفص بن غياث ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي على يوم وليلة أو ثلاث عندي منه دينار وفي رواية أبي معاوية عن الأعمش عند أحمد ما أحب ان لي أحدا ذاك ذهبا وفي رواية أبي شهاب عن الأعمش في الاستئذان فلما أبصر أحدا قال ما أحب أنه تحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث قال بن مالك تضمن هذا الحديث استعمال حول بمعنى صير واعمالها عملها وهو استعمال صحيح خفي على أكثر النحاة وقد جاءت هذه الرواية مبنية لما لم يسم فاعله فرفعت أول المفعولين وهو ضمير عائد على أحد ونصب ثانيهما وهو قوله ذهبا فصارت ببنابها لما لم يسم فاعله جارية مجرى صار في رفع المبتدأ ونصب الخبر انتهى كلامه وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث وهو متحد المخرج فهو من تصرف الرواة فلا يكون حجة في اللغة ويمكن الجمع بين قوله مثل أحد وبين قوله تحول لي أحد بحمل المثلية على شيء يكون وزنه من الذهب وزن أحد والتحويل على أنه إذا انقلب ذهبا كان قدر وزنه أيضا وقد اختلفت ألفاظ رواته عن أبي ذر أيضا ففي رواية سالم ومنصور عن زيد بن وهب بعد قوله قلت أحد قال والذي نفسي بيده ما يسرني أنه ذهب قطعا أنفقه في سبيل الله أدع منه قيراطا وفي رواية سويد بن الحارث عن أبي ذر ما يسرني ان لي أحدا ذهبا أموت يوم أموت وعندي منه دينار أو نصف دينار واختلفت ألفاظ الرواة أيضا في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب كما سأذكره قوله تمضي على ثالثة أي ليلة ثالثة قيل وانما قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبا ويعكر عليه رواية يوم وليلة فالأولى أن يقال الثلاثة أقصى ما يحتاج اليه في تفرقة مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن قوله الا شيئا أرصده لدين أي اعده أو أحفظه وهذا الارصاد أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لاجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفى ووقع في رواية حفص وأبي شهاب جميعا عن الأعمش الا دينار بالرفع والنصب والرفع جائزان لان المستثنى منه مطلق عام والمستثنى مقيد خاص فاتجه النصب وتوجيه الرفع أن المستثنى منه في سياق النفي وجواب لو هنا في تقدير النفي ويجوز أن يحمل النفي الصريح في أن لا يمر على حمل الا على الصفة وقد فسر الشيء في هذه الرواية بالدينار ووقع في رواية سويد بن الحارث عن أبي ذر وعندي منه دينار أو نصف دينار وفي رواية سالم ومنصور ادع منه قيراطا قال قلت قنطارا قال قيراطا وفيه ثم قال يا أبا ذر انما أقول الذي هو أقل ووقع في رواية الأحنف ما أحب ان لي مثل أحد ذهبا انفقه كله الا ثلاثة دنانير فظاهره نفي محبة حصول المال ولو مع الإنفاق وليس مرادا وانما المعنى نفي انفاق البعض مقتصرا عليه فهو يحب انفاق الكل الا ما استثنى وسائر الطرق تدل على ذلك ويؤيده أن في رواية سليمان بن يسار عن أبي هريرة عند أحمد ما يسرني أن أحدكم هذا ذهبا أنفق منه كل يوم في سبيل الله فيمر بي ثلاثة أيام وعندي منه شيء الا شيء أرصده لدين ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد بالكراهة الإنفاق في خاصة نفسه لافي سبيل الله فهو محبوب قوله الا أن أقول به في عباد الله هو استثناء بعد استثناء فيفيد الاثبات فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيدة بعدم الإنفاق فيلزم محبة وجوده مع الإنفاق فما دام الإنفاق مستمرا لا يكره وجود المال وإذا انتفى الإنفاق ثبتت كراهية وجود المال ولا يلزم من ذلك كراهية حصول شيء آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر مع استمرار الإنفاق قوله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه هكذا اقتصر على ثلاث وحمل على المبالغة لان العطية لمن بين يديه هي الأصل والذي يظهر لي أن ذلك من تصرفات الرواة وأن أصل الحديث مشتمل على الجهات الأربع ثم وجدته في الجزء الثالث من البشرانيات من رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه بلفظ الا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده كذا فيه بإثبات الأربع وقد أخرجه المصنف في الاستئذان عن عمر بن حفص مثله لكن اقتصر من الأربع على ثلاث وأخرجه أبو نعيم من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص فاقتصر على ثنتين قوله ثم مشى ثم قال الا ان الأكثرين هم المقلون يوم القيامة في رواية أبي شهاب في الاستقراض ورواية حفص في الاستئذان هم الاقلون بالهمز في الموضعين وفي رواية عبد العزيز بن رفيع الماضية في الباب قبله ان المكثرين هم المقلون بالميم في الموضعين ولأحمد من رواية النعمان الغفاري عن أبي ذر ان المكثرين الاقلون والمراد الإكثار من بالمال والاقلال من ثواب الآخرة وهذا في حق من كان مكثرا ولم يتصف بما دل عليه الاستثناء بعده من الإنفاق قوله الا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه في رواية أبي شهاب الا من قال بالمال هكذا وهكذا وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله وفي رواية أبي معاوية عن الأعمش عند أحمد الا من قال هكذا وهكذا وهكذا فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره فاشتملت هذه الروايات على الجهات الأربع وان كان كل منها اقتصر على ثلاث وقد جمعها عبد العزيز بن رفيع في روايته ولفظه الا من أعطاه الله خيرا أي مالا فنفح بنون وفاء ومهملة أي أعطى كثيرا بغير تكلف يمينا وشمالا وبين يديه ووراءه وبقي من الجهات فوق وأسفل والاعطاء من قبل كل منهما ممكن لكن حذف لندوره وقد فسر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية وليس قيدا فيه بل قد يقصد الصحيح الإخفاء فيدفع لمن وراءه مالا يعطي به من هو أمامه وقوله هكذا صفة لمصدر محذوف أي أشار إشارة مثل هذه الإشارة وقوله من خلفه بيان للإشارة وخص عن اليمين والشمال لان الغالب في الإعطاء صدوره باليدين وزاد في رواية عبد العزيز بن رفيع وعمل فيه خيرا أي حسنة وفي سياقه جناس تام في قوله أعطاه الله خيرا وفي قوله وعمل فيه خيرا فمعنى الخير الأول المال والثاني الحسنة قوله وقليل ما هم ما زائدة مؤكدة للقلة ويحتمل أن تكون موصوفة ولفظ قليل هو الخبر وهم هو المبتدأ والتقدير وهم قليل وقدم الخبر للمبالغة في الاختصاص قوله ثم قال لي مكانك بالنصب أي الزم مكانك وقوله لا تبرح تأكيد لذلك ورفع لتوهم أن الأمر بلزوم المكان ليس عاما في الأزمنة وقوله حتى آتيك غاية للزوم المكان المذكور وفي رواية حفص لا تبرح يا أبا ذر حتى أرجع ووقع في رواية عبد العزيز بن رفيع فمشيت معه ساعة فقال لي اجلس ههنا فأجلسني في قاع أي ارض سهلة مطمئنة قوله ثم انطلق في سواد الليل فيه اشعار بأن القمر كان قد غاب قوله حتى توارى أي غاب شخصه زاد أبو معاوية عني وفي رواية حفص حتى غاب عني وفي رواية عبد العزيز فانطلق في الحرة أي دخل فيها حتى لا أراه وفي رواية أبي شهاب فتقدم غير بعيد زاد في رواية عبد العزيز فأطال اللبث قوله فسمعت صوتا قد ارتفع في رواية أبي معاية فسمعت لغطا وصوتا قوله فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم أي تعرض له بسوء ووقع في رواية عبد العزيز فتخوفت أن يكون عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بضم أول عرض على البناء للمجهول قوله فأردت أن آتيه أي أتوجه اليه ووقع في رواية عبد العزيز فأردت أن أذهب أي اليه ولم يرد أن يتوجه الى حال سبيله بدليل رواية الأعمش في الباب قوله فذكرت قوله لا تبرح فلم أبرح حتى أتاني في رواية أبي معاوية عن الأعمش فانتظرته حتى جاء قوله قلت يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له في رواية أبي معاوية فذكرت له الذي سمعت وفي رواية أبي شهاب فقلت يا رسول الله الذي سمعت أو قال الصوت الذي سمعت كذا فيه بالشك وفي رواية عبد العزيز ثم اني سمعته وهو يقول وان سرق وان زنى فقلت يا رسول الله من تكلم في جانب الحرة ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا قوله فقال وهل سمعته قلت نعم قال ذاك جبريل أي الذي كنت أخاطبه أو ذلك صوت جبريل قوله أتاني زاد في رواية حفص فأخبرني ووقع في رواية عبد العزيز عرض لي أي ظهر فقال بشر أمتك ولم أر لفظ التبشير في رواية الأعمش قوله من مات لا يشرك بالله شيئا زاد الأعمش من أمتك قوله دخل الجنة هو جواب الشرط رتب دخول الجنة على الموت بغير اشراك بالله وقد ثبت الوعيد بدخول النار لمن عمل بعض الكبائر وبعدم دخول الجنة لمن عملها فلذلك وقع الاستفهام قوله قلت وان زنى وان سرق قال بن مالك حرف الاستفهام في أول هذا الكلام مقدر ولا بد من تقديره وقال غيره التقدير أو ان زنى أو ان سرق دخل الجنة وقال الطيبي أدخل الجنة وان زنى وان سرق والشرط حال ولا يذكر الجواب مبالغة وتتميما لمعنى الإنكار قال وان زنى وان سرق ووقع في رواية عبد العزيز بن رفيع قلت يا جبريل وان سرق وان زنى قال نعم وكررها مرتين للأكثر وثلاثا للمستملي وزاد في آخر الثالثة وان شرب الخمر وكذا وقع التكرار ثلاثا في رواية أبي الأسود عن أبي ذر في اللباس لكن بتقديم الزنا على السرقة كما في رواية الأعمش ولم يقل وان شرب الخمر ولا وقعت في رواية الأعمش وزاد أبو الأسود على رغم انف أبي ذر قال وكان أبو ذر إذا حدث بهذا الحديث يقول وان رغم انف أبي ذر وزاد حفص بن غياث في روايته عن الأعمش قال الأعمش قلت لزيد بن وهب انه بلغني انه أبو الدرداء قال أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة قال الأعمش وحدثني أبو صالح عن أبي الدرداء نحوه وأخرجه أحمد عن أبي نمير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي الدرداء بلفظ انه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة نحوه وفيه وان رغم انف أبي الدرداء قال البخاري في بعض النسخ عقب رواية حفص حديث أبي الدرداء مرسل لا يصح انما أردنا للمعرفة أي انما اردنا ان نذكره للمعرفة بحاله قال والصحيح حديث أبي ذر قيل له فحديث عطاء بن يسار عن أبي الدرداء فقال مرسل أيضا لا يصح ثم قال اضربوا على حديث أبي الدرداء قلت فلهذا هو ساقط من معظم النسخ وثبت في نسخة الصغاني وأوله قال أبو عبد الله حديث أبي صالح عن أبي الدرداء مرسل فساقه الخ ورواية عطاء بن يسار التي أشار إليها أخرجها النسائي من رواية محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم هو يقص على المنبر يقول ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان زنى وان سرق فأعدت فأعاد فقال في الثالثة قال نعم وان رغم انف أبي الدرداء وقد وقع التصريح بسماع عطاء بن يسار له من أبي الدرداء في رواية بن أبي حاتم في التفسير والطبراني في المعجم والبيهقي في الشعب قال البيهقي حديث أبي الدرداء هذا غير حديث أبي ذر وان كان فيه بعض معناه قلت وهما قصتان متغايرتان وان اشتركتا في المعنى الأخير وهو سؤال الصحابي بقوله وان زنى وان سرق واشتركا أيضا في قوله وان رغم ومن المغايرة بينهما أيضا وقوع المراجعة المذكورة بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل في رواية أبي ذر دون أبي الدرداء وله عن أبي الدرداء طرق أخرى منها للنسائي من رواية محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبي الدرداء نحو رواية عطاء بن يسار ومنها للطبراني من طريق أم الدرداء عن أبي الدرداء رفعه بلفظ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال أبو الدرداء وان زنى وان سرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم وان زنى وان سرق على رغم انف أبي الدرداء ومن طريق أبي مريم عن أبي الدرداء نحوه ومن طريق كعب بن ذهل سمعت أبا الدرداء رفعه أتاني آت من ربي فقال من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما فقلت يا رسول الله وان زنى وان سرق قال نعم ثم ثلثت فقال على رغم أنف عويمر فرددها قال فأنا رأيت أبا الدرداء يضرب أنفه بإصبعه ومنها لأحمد من طريق واهب بن عبد الله المغافري عن أبي الدرداء رفعه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم أنف أبي الدرداء قال فخرجت لأنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال ارجع فان الناس ان يعلموا بهذا اتكلوا عليها فرجعت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق عمر قلت وقد وقعت هذه الزيادة الأخيرة لأبي هريرة ويأتي بسط ذلك في باب من جاهد في طاعة الله تعالى قريبا الحديث الثاني

[ 6080 ] قوله حدثنا أحمد بن شبيب بفتح المعجمة وموحدتين مثل حبيب وهو الحبطي بفتح المهملة والموحدة ثم الطاء المهملة نسبة الى الحبطات من بني تميم وهو بصري صدوق ضعفه بن عبد البر تبعا لأبي الفتح الأزدي والازدي غير مرضى فلا يتبع في ذلك وأبوه يكنى أبا سعيد روى عنه بن وهب وهو من أقرانه ووثقه بن المديني قوله وقال الليث حدثني يونس هذا التعليق وصله الذهلي في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث وأراد البخاري بإيراده تقوية رواية أحمد بن شبيب ويونس هو بن يزيد قوله لو كان لي زاد في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند أحمد في أوله والذي نفسي بيده وعنده في رواية همام عن أبي هريرة والذي نفس محمد بيده قوله مثل أحد ذهبا في رواية الأعرج لو أن أحدكم عندي ذهبا قوله ما يسرني أن لا تمر على ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيئا أرصده لدين في رواية الأعرج الا أن يكون شيء ارصده في دين علي وفي رواية همام وعندي منه دينار أجد من يقبله ليس شيئا أرصده في دين علي قال بن مالك في هذا الحديث وقوع التمني بعد مثل وجواب لو مضارعا منفيا بما وحق جوابها أن يكون ماضيا مثبتا نحو لو قام لقمت أو بلم نحو لو قام لم أقم والجواب من وجهين أحدهما أن يكون وضع المضارع موضع الماضي الواقع جوابا كما وقع موضعه وهو شرط في قوله تعالى لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ثانيهما أن يكون الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب وفيه ضمير وهو الاسم ويسرني خبر وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير نظما ونثرا ومنه المرء مجزى بعمله ان خيرا فخير وان شرا فشر قال وأشبه شيء بحذف كان قبل يسرني حذف جعل قبل يجادلنا في قوله تعالى فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا أي جعل يجادلنا والوجه الأول أولى وفيه أيضا وقوع لا بين أن وتمر وهي زائدة والمعنى ما يسرني أن تمر وقال الطيبي قوله ما يسرني هو جواب لو الامتناعية فيفيد أنه لم يسره المذكور بعده لأنه لم يكن عنده مثل أحد ذهبا وفيه نوع مبالغة لأنه إذا لم يسره كثرة ما ينفقه فكيف ما لا ينفقه قال وفي التقييد بالثلاثة تتميم ومبالغة في سرعة الإنفاق فلا تكون لا زائدة كما قال بن مالك بل النفي فيها على حاله قلت ويؤيد قول بن مالك الرواية الماضية قبل في حديث أبي ذر بلفظ ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا تمضي على ثالثة وفي حديث الباب من الفوائد أدب أبي ذر مع النبي صلى الله عليه وسلم وترقبه أحواله وشفقته عليه حتى لا يدخل عليه أدنى شيء مما يتأذى به وفيه حسن الأدب مع الأكابر وان الصغير إذا رأى الكبير منفردا لا يتسور عليه ولا يجلس معه ولا يلازمه الا بإذن منه وهذا بخلاف ما إذا كان في مجمع كالمسجد والسوق فيكون جلوسه معه بحسب ما يليق به وفيه جواز تكنية المرء نفسه لغرض صحيح كأن يكون أشهر من اسمه ولا سيما ان كان اسمه مشتركا بغيره وكنيته فردة وفيه جواز تفدية الصغير الكبير بنفسه وبغيرها والجواب بمثل لبيك وسعديك زيادة في الأدب وفيه الانفراد عند قضاء الحاجة وفيه أن امتثال أمر الكبير والوقوف عنده أولى من ارتكاب ما يخالفه بالرأي ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهم دفع مفسدة حتى يتحقق ذلك فيكون دفع المفسدة أولى وفيه استفهام التابع من متبوعه على ما يحصل له فائدة دينية أو علمية أو غير ذلك وفيه الأخذ بالقرائن لان أبا ذر لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم أتبصر أحدا فهم منه أنه يريد أن يرسله في حاجة فنظر الى ما على أحد من الشمس ليعلم هل يبقى من النهار قدر يسعها وفيه أن محل الاخذ بالقرينة ان كان في اللفظ ما يخصص ذلك فان الأمر وقع على خلاف ما فهمه أبو ذر من القرينة فيؤخذ منه أن بعض القرائن لا يكون دالا على المراد وذلك لضعفه وفيه المراجعة في العلم بما تقرر عند الطالب في مقابلة ما يسمعه مما يخالف ذلك لأنه تقرر عند أبي ذر من الآيات والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب فلما سمع أن من مات لا يشرك دخل الجنة استفهم عن ذلك بقوله وان زنى وان سرق واقتصر على هاتين الكبيرتين لانهما كالمثالين فيما يتعلق بحق الله وحق العباد وأما قوله في الرواية الأخرى وان شرب الخمر فللإشارة الى فحش تلك الكبيرة لأنها تؤدي الى خلل العقل الذي شرف به الإنسان على البهائم وبوقوع الخلل فيه قد يزول التوقي الذي يحجز عن ارتكاب بقية الكبائر وفيه أن الطالب إذا ألح في المراجعة يزجر بما من يليق به أخذا من قوله وان رغم أنف أبي ذر وقد حمله البخاري كما مضى في اللباس على من تاب عند الموت وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعم من أن يكون ابتداء أو بعد المجازاة على المعصية والأول هو وفق ما فهمه أبو ذر والثاني أولى للجمع بين الأدلة ففي الحديث حجة لأهل السنة ورد على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة يخلد في النار لكن في الاستدلال به لذلك نظر لما مر من سياق كعب بن ذهل عن أي الدرداء أن ذلك في حق من عمل سوءا أو ظلم نفسه ثم استغفر وسنده جيد عند الطبراني وحمله بعضهم على ظاهره وخص به هذه الأمة لقوله فيه بشر أمتك وان من مات من أمتي وتعقب بالأخبار الصحيحة الواردة في أن بعض عصاة هذه الأمة يعذبون ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة المفلس من أمتي الحديث وفيه تعقب على من تأول في الأحاديث الواردة في أن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة وفي بعضها حرم على النار ان ذلك كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي وهو مروي عن سعيد بن المسيب والزهري ووجه التعقب ذكر الزنا والسرقة فيه فذكر على خلاف هذا التأويل وحمله الحسن البصري على من قال الكلمة وأدى حقها بأداء ما وجب واجتناب ما نهى ورجحه الطيبي الا أن هذا الحديث يخدش فيه وأشكل الأحاديث واصعبها قوله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما الا دخل الجنة وفي آخره وان زنى وان سرق وقيل أشكلها حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله الا حرمه الله على النار لأنه أتى فيه بأداة الحصر ومن الاستغراقية وصرح بتحريم النار بخلاف قوله دخل الجنة فإنه لا ينفي دخول النار أولا قال الطيبي لكن الأول يترجح بقوله وان زنى وان سرق لأنه شرط لمجرد التأكيد ولا سيما وقد كرره ثلاثا مبالغة وختم بقوله وان رغم أنف أبي ذر تتميما للمبالغة والحديث الآخر مطلق يقبل التقييد فلا يقاوم قوله وان زنى وان سرق وقال النووي بعد أن ذكر المتون في ذلك والاختلاف في هذا الحكم مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة وان من مات موقنا بالشهادتين يدخل الجنة فإن كان دينا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة الله وحرم على النار وان كان من المخلطين بتضييع الأوامر أو بعضها وارتكاب النواهي أو بعضها ومات عن غير توبة فهو في خطر المشيئة وهو بصدد أن يمضي عليه الوعيد الا ان يشاء الله أن يعفو عنه فإن شاء أن يعذبه فمصيره الى الجنة بالشفاعة انتهى وعلى هذا فتقييد اللفظ الأول تقديره وان زنى وان سرق دخل الجنة لكنه قبل ذلك ان مات مصرا على المعصية في مشيئة الله وتقدير الثاني حرمه الله على النار الا أن يشاء الله أو حرمه على نار الخلود والله أعلم قال الطيبي قال بعض المحققين قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث المبطلة ذريعة الى طرح التكاليف وابطال العمل ظنا أن ترك الشرك كاف وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وابطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له بل يقتضي الانخلاع عن الدين والانحلال عن قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس سدى مهملين وذلك يفضي الى خراب الدنيا بعد أن يفضي الى خراب الأخرى مع أن قوله في بعض طرق الحديث ان يعبدوه يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية وقوله ولا يشركوا به شيئا يشمل مسمى الشرك الجلي والخفي فلا راحة للتمسك به في ترك العمل لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها الى بعض فإنها في حكم الحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها وبالله التوفيق وفيه جواز الحلف بغير تحليف ويستحب إذا كان لمصلحة كتأكيد أمر مهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه وفي قوله في بعض طرقه والذي نفس محمد بيده تعبير الإنسان عن نفسه باسمه دون ضميره وقد ثبت بالضمير في الطريق الأخرى والذي نفسي بيده وفي الأول نوع تجريد وفي الحلف بذلك زيادة في التأكيد لأن الإنسان إذا استحضر أن نفسه وهي أعز الأشياء عليه بيد الله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء استشعر الخوف منه فارتدع عن الحلف على ما لا يتحققه ومن ثم شرع تغليظ الإيمان بذكر الصفات الإلهية ولا سيما صفات الجلال وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الخير وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أعلى درجات الزهد في الدنيا بحيث انه لا يحب أن يبقى بيده شيء من الدنيا الا لانفاقه فيمن يستحقه واما لارصاده لمن له حق واما لتعذر من يقبل ذلك منه لتقييده في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في كتاب التمني بقوله أجد من يقبله ومنه يؤخذ جواز تأخير الزكاة الواجبة عن الإعطاء إذا لم يوجد من يستحق أخذها وينبغي لمن وقع له ذلك أن يعزل القدر الواجب من ماله ويجتهد في حصول من يأخذه فإن لم يجد فلا حرج عليه ولا ينسب الى تقصير في حبسه وفيه تقديم وفاء الدين على صدقة التطوع وفيه جواز الاستقراض وقيده بن بطال باليسير اخذا من قوله الا دينارا قال ولو كان عليه أكثر من ذلك لم يرصد لأدائه دينارا واحدا لأنه كان أحسن الناس قضاء قال ويؤخذ من هذا أنه لا ينبغي الاستغراق في الدين بحيث لا يجد له وفاء فيعجز عن ادائه وتعقب بان الذي فهمه من لفظ الدينار من الوحدة ليس كما فهم بل إنما المراد به الجنس وأما قوله في الرواية الأخرى ثلاثة دنانير فليست الثلاثة فيه للتقليل بل للمثال أو لضرورة الواقع وقد قيل ان المراد بالثلاثة أنها كانت كفايته فيما يحتاج الى إخراجه في ذلك اليوم وقيل بل هي دينار الدين كما في الرواية الأخرى ودينار للانفاق على الأهل ودينار للانفاق على الضيف ثم المراد بدينار الدين الجنس ويؤيده تعبيره في أكثر الطرق بالشيء على الإبهام فيتناول القليل والكثير وفي الحديث أيضا الحث على وفاء الديون وأداء الامانات وجواز استعمال لو عند تمني الخير وتخصيص الحديث الوارد عن استعمال لو على ما يكون في أمر غير محمود شرعا وادعى المهلب أن قوله في رواية الأحنف عن أبي ذر أتبصر أحدا قال فنظرت ما عليه من الشمس الحديث أنه ذكر للتمثيل في تعجيل إخراج الزكاة وان المراد ما أحب أن أحبس ما أوجب الله على إخراجه بقدر ما بقي من النهار وتعقبه عياض فقال هو بعيد في التأويل وانما السياق بين في أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبهه على عظم أحد ليضرب به المثل في أنه لو كان قدره ذهبا ما أحب أن يؤخر عنده الا لما ذكر من الإنفاق والارصاد فظن أبو ذر أنه يريد أن يبعثه في حاجة ولم يكن ذاك مرادا إذ ذاك كما تقدم وقال القرطبي انما استفهمه عن رؤيته ليستحضر قدره حتى يشبه له ما أراد بقوله ان لي مثله ذهبا وقال عياض قد يحتج به من يفضل الفقر على الغنى وقد يحتج به من يفضل الغني على الفقر ومأخذ كل منهما واضح من سياق الخبر وفيه الحض على انفاق المال في الحياة وفي الصحة وترجيحه على انفاقه عند الموت وقد مضى فيه حديث أن تصدق وأنت صحيح شحيح وذلك أن كثيرا من الاغنياء يشح بإخراج ما عنده ما دام في عافية فيأمل البقاء ويخشى الفقر فمن خالف شيطانه وقهر نفسه ايثارا لثواب الآخرة فاز ومن بخل بذلك لم يأمن الجور في الوصية وان سلم لم يأمن تأخير تنجيز ما أوصى به أو تركه أو غير ذلك من الآفات ولا سيما ان خلف وارثا غير موفق فيبذره في أسرع وقت ويبقى وباله على الذي جمعه والله المستعان

قوله باب بالتنوين الغني غنى النفس أي سواء كان المتصف بذلك قليل المال أو كثيره والغنى بكسر أوله مقصور وقد مد في ضرورة الشعر وبفتح أوله مع المد هو الكفاية قوله وقال الله تعالى أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين الى قوله هم لها عاملون في رواية أبي ذر الى عاملون وهذه رأس الآية التاسعة من ابتداء الآية المبدأ بها هنا والآيات التي بين الأولى والثانية وبين الأخيرة والتي قبلها اعترضت في وصف المؤمنين والضمير في قوله بل قلوبهم في غمرة من هذا للمذكورين في قوله نمدهم والمراد به من ذكر قبل ذلك في قوله فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا والمعنى أيظنون أن المال الذي ترزقهم إياه لكرامتهم علينا ان ظنوا ذلك اخطئوا بل هو استدراج كما قال تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما والإشارة في قوله بل قلوبهم في غمرة من هذا أي من الاستدراج المذكور وأما قوله ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون فالمراد به ما يستقبلون من الأعمال من كفر أو ايمان والى ذلك أشار بن عيينة في تفسيره بقوله لم يعملوها لا بد أن يعملوها وقد سبقه الى مثل ذلك أيضا السدي وجماعة فقالوا المعنى كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لتحق عليهم كلمة العذاب ثم مناسبة الآية الحديث أن خيرية المال ليست لذاته بل بحسب ما يتعلق به وان كان يسمى خيرا في الجملة وكذلك صاحب المال الكثير ليس غنيا لذاته بل بحسب تصرفه فيه فإن كان في نفسه غنيا لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات وان كان في نفسه فقيرا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به خشية من نفاده فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى وان كان المال تحت يده لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الأخرى بل ربما كان وبالا عليه

[ 6081 ] قوله حدثنا أبو بكر هو بن عياش بمهملة وتحتانية ثم معجمة وهو القاريء المشهور وأبو حصين بفتح أوله اسمه عثمان والإسناد كله كوفيون الى أبي هريرة قوله عن كثرة العرض بفتح المهملة والراء ثم ضاد معجمة أما عن فهي سببية وأما العرض فهو ما ينتفع به من متاع الدنيا ويطلق بالاشتراك على ما يقابل الجوهر وعلى كل ما يعرض للشخص من مرض ونحوه وقال أبو عبد الملك البوني فيما نقله بن التين عنه قال اتصل بي عن شيخ من شيوخ القيروان أنه قال العرض بتحريك الراء الواحد من العروض التي يتجر فيها قال وهو خطأ فقد قال الله تعالى يأخذون عرض هذا الادنى ولا خلاف بين أهل اللغة في أنه ما يعرض فيه وليس هو أحد العروض التي يتجر فيها بل واحدها عرض بالإسكان وهو ما سوى النقدين وقال أبو عبيد العروض الامتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار ومالا يدخله كيل ولا وزن وهكذا حكاه عياض وغيره وقال بن فارس العرض بالسكون كل ما كان من المال غير نقد وجمعه عروض وأما بالفتح فما يصيبه الإنسان من حظه في الدنيا قال تعالى تريدون عرض الدنيا وقال وان يأتهم عرض مثله يأخذوه قوله انما الغنى غنى النفس في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما انما الغنى في النفس وأصله في مسلم ولابن حبان من حديث أبي ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى قلت نعم قال وترى قلة المال هو الفقر قلت نعم يا رسول الله قال انما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب قال بن بطال معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتى فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه وانما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني وقال القرطبي معنى الحديث ان الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غني النفس وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله ويكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعا بما رزقه الله لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال بل يرضى بما قسم الله له فكأنه واجد أبدا والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أعطى بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطى فكأنه ليس بغني ثم غنى النفس انما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره علما بأن الذي عند الله خير وأبقى فهو معرض عن الحرض والطلب وما أحسن قول القائل غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا وقال الطيبي يمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية والى ذلك أشار القائل ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر أي ينبغي أن ينفق أوقاته في الغنى الحقيقي وهو تحصيل الكمالات لا في جمع المال فإنه لا يزداد بذلك الا فقرا انتهى وهذا وان كان يمكن أن يراد لكن الذي تقدم أظهر في المراد وانما يحصل غنى النفس بغنى القلب بأن يفتقر الى ربه في جميع أموره فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه ويفزع اليه في كشف ضرائه فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى والغنى الوارد في قوله ووجدك عائلا فأغنى يتنزل على غنى النفس فان الآية مكية ولا يخفى ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال والله اعلم

قوله باب فضل الفقر قيل أشار بهذه الترجمة عقب التي قبلها الى تحقيق محل الخلاف في تفضيل الفقر على الغنى أو عكسه لان المستفاد من قوله الغنى غني النفس الحصر في ذلك فيحمل كل ما ورد في فضل الغنى على ذلك فمن لم يكن غنى النفس لم يكن ممدوحا بل يكون مذموما فكيف يفضل وكذا ما ورد من فضل الفقر لأن من لم يكن غني النفس فهو فقر النفس وهو الذي تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم منه والفقر الذي وقع فيه النزاع عدم المال والتقلل منه وأما الفقر في قوله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد فالمراد به احتياج المخلوق الى الخالق فالفقر للمخلوقين أمر ذاتي لا ينفكون عنه والله هو الغني ليس بمحتاج لأحد ويطلق الفقر أيضا على شيء اصطلح عليه الصوفية وتفاوتت فيه عباراتهم وحاصله كما قال أبو إسماعيل الأنصاري نفض اليد من الدنيا ضبطا وطلبا مدحا وذما وقالوا ان المراد بذلك أن لا يكون ذلك في قلبه سواء حصل في يده أم لا وهذا يرجع الى ما تضمنه الحديث الماضي في الباب قبله أن الغنى غنى النفس على ما تقدم تحقيقه والمراد بالفقر هنا الفقر من المال وقد تكلم بن بطال هنا على مسألة التفضيل بين الغنى والفقر فقال طال نزاع الناس في ذلك فمنهم من فضل الفقر واحتج بأحاديث الباب وغيرها من الصحيح والواهي واحتج من فضل الغني بما تقدم قبل هذا بباب في قوله ان المكثرين هم الاقلون الا من قال بالمال هكذا وحديث سعد الماضي في الوصايا انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة وحديث كعب بن مالك حيث استشار في الخروج من ماله كله فقال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك وحديث ذهب أهل الدثور بالاجور وفي آخره ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وحديث عمرو بن العاص نعم المال الصالح للرجل الصالح أخرجه مسلم وغير ذلك قال وأحسن ما رأيت في هذا قول أحمد بن نصر الداودي الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عبادة في الشكر والصبر كما قال تعالى انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وقال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى ثم ذكر كلاما طويلا حاصله أن الفقير والغني متقابلان لما يعرض لكل منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم والفضل كله في الكفاف لقوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وسيأتي قريبا وعليه يحمل قوله أسألك غناي وغنى هؤلاء وأما الحديث الذي أخرجه الترمذي اللهم احيني مسكينا وامتني مسكينا الحديث فهو ضعيف وعلى تقدير ثبوته فالمراد به أن لا يجاوز به الكفاف انتهى ملخصا وممن جنح الى تفضيل الكفاف القرطبي في المفهم فقال جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه الحالات الثلاث الفقر والغنى والكفاف فكان الأول أول حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حد الاغنياء فقام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمواساة به والايثار مع اقتصاره منه على ما يسد ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها قال وهي حالة سليمة من الغنى المطغى والفقر المؤلم وأيضا فصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف فلم يفته من حال الفقر الا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة انتهى ويؤيده ما تقدم من الترغيب في غنى النفس وما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رفعه وارض بما قسم لك تكن أغنى الناس وأصح ما ورد في ذلك ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو رفعه قد أفلح من هدي الى الإسلام ورزق الكفاف وقنع وله شاهد عن فضالة بن عبيد نحوه عند الترمذي وابن حبان وصححاه قال النووي فيه فضيلة هذه الأوصاف والكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان وقال القرطبي هو ما يكف عن الحاجات ويدفع للضرورات ولا يلحق بأهل الترفهات ومعنى الحديث أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم الى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا وفيه حجة لمن فضل الكفاف لأنه انما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال وقد قال خير الأمور أوساطها انهى ويؤيده ما أخرجه بن المبارك في الزهد بسند صحيح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن بن عباس أنه سئل عن رجل قليل العمل قليل الذنوب أفضل أو رجل كثير العمل كثير الذنوب فقال لا أعدل بالسلامة شيئا فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به أمن من آفات الغنى وآفات الفقر وقد ورد حديث لو صح لكان نصا في المسألة وهو ما أخرجه بن ماجة من طريق نفيع وهو ضعيف عن أنس رفعه ما من غني ولا فقير الا ود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا قلت وهذا كله صحيح لكن لا يدفع أصل السؤال عن أيهما أفضل الغنى أو الفقر لأن النزاع انما ورد في حق من اتصف بأحد الوصفين أيهما في حقه أفضل ولهذا قال الداودي في آخر كلامه المذكور أولا ان السؤال أيهما أفضل لا يستقيم لاحتمال أن يكون لأحدهما من العمل الصالح ما ليس للآخر فيكون أفضل وانما يقع السؤال عنهما إذا استويا بحيث يكون لكل منهما من العمل ما يقاوم به عمل الاخر قال فعلم أيهما أفضل عند الله انتهى وكذا قال بن تيمية لكن قال إذا استويا في التقوى فهما في الفضل سواء وقد تقدم كلام بن دقيق العيد في الكلام على حديث أهل الدثور قبيل كتاب الجمعة ومحصل كلامه أن الحديث يدل على تفضيل الغنى على الفقر لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية الا ان فسر الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة الى صفات النفس فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر ولهذا المعنى ذهب جمهور الصوفية الى ترجيح الفقير الصابر لان مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها وذلك مع الفقر أكثر منه في الغنى انتهى وقال بن الجوزي صورة الاختلاف في فقير ليس بحريص وغني ليس بممسك إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغنى البخيل وأن الغنى المنفق أفضل من الفقير الحريص قال وكل ما يراد لغيره ولا يراد لعينه ينبغي أن يضاف الى مقصوده فبه يظهر فضله فالمال ليس محذورا لعينه بل لكونه قد يعوق عن الله وكذا العكس فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله الى أن قال وان أخذت بالأكثر فالفقير عن الخطر أبعد لان فتنة الغنى أشد من فتنة الفقر ومن العصمة أن لا تجد انتهى وصرح كثير من الشافعية بأن الغني الشاكر أفضل وأما قول أبي علي الدقاق شيخ أبي القاسم القشيري الغني أفضل من الفقير لأن الغنى صفة الخالق والفقر صفة المخلوق وصفة الحق أفضل من صفة الخلق فقد استحسنه جماعة من الكبار وفيه نظر لما قدمته أول الباب ويظهر منه أن هذا لا يدخل في أصل النزاع إذ ليس هو في ذات الصفتين وانما هو في عوارضهما وبين بعض من فضل الغني على الفقير كالطبري جهته بطريق أخرى فقال لا شك أن محنة الصابر أشد من محنة الشاكر غير أني أقول كما قال مطرف بن عبد الله لأن اعافى فأشكر احب الي من أن ابتلى فأصبر قلت وكأن السبب فيه ما جبل عليه طبع الآدمي من قلة الصبر ولهذا يوجد من يقوم بحسب الاستطاعة بحق الصبر أقل ممن يقوم بحق الشكر بحسب الاستطاعة وقال بعض المتأخرين فيما وجد بخط أبي عبد الله بن مرزوق كلام الناس في أصل المسألة مختلف فمنهم من فضل الفقر ومنهم من فضل الغنى ومنهم من فضل الكفاف وكل ذلك خارج عن محل الخلاف وهو أي الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسب ذلك ويتخلق به هل التقلل من المال أفضل ليتفرغ قلبه من الشواغر وينال لذه المناجاة ولا ينهمك في الإكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة والصدقة لما في ذلك من النفع المتعدي قال وإذا كان الأمر كذلك فالأفضل ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم وجمهور أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد عن زهراتها ويبقى النظر فيمن حصل له شيء من الدنيا بغير تكسب منه كالميراث وسهم الغنيمة هل الأفضل أن يبادر الى إخراجه في وجوه البر حتى لا يبقى منه شيء أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدي قال وهو على القسمين الأولين قلت ومقتضى ذلك أن يبذل الى أن يبقى في حالة الكفاف ولا يضره ما يتجدد من ذلك إذا سلك هذه الطريقة ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة بالمشهور من أحوالهم فإنهم كانوا على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح فمنهم من أبقى ما بيده مع التقرب الى ربه بالبر والصلة والمواساة مع الاتصاف بغنى النفس ومنهم من استمر على ما كان عليه قبل ذلك فكان لا يبقي شيئا مما فتح عليه به وهم قليل بالنسبة للطائفة الأخرى ومن تبحر في سير السلف علم صحة ذلك فأخبارهم في ذلك لا تحصى كثرة وحديث خباب في الباب شاهد لذلك والادلة الواردة في فضل كل من الطائفتين كثيرة فمن الشق الأول بعض أحاديث الباب وغيرها ومن الشق الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه ان الله يحب الغني النقي الخفي أخرجه مسلم وهو دال لما قلته سواء حملنا الغني فيه على المال أو على غنى النفس فإنه على الأول ظاهر وعلى الثاني يتناول القسمين فيحصل المطلوب والمراد بالتقى وهو بالمثناة من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهى عنه والخفي ذكر للتيمم إشارة الى ترك الرياء والله أعلم ومن المواضع التي وقع فيها التردد من لا شيء له فالأولى في حقه أن يتكسب للصون عن ذل السؤال أو يترك وينتظر ما يفتح عليه بغير مسألة فصح عن أحمد مع ما اشتهر من زهده وورعه أنه قال لمن سأله عن ذلك الزم السوق وقال الاخر استغن عن الناس فلم أر مثل الغنى عنهم وقال ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله وان يعودوا أنفسهم التكسب ومن قال بترك التكسب فهو احمق يريد تعطيل الدنيا نقله عنه أبو بكر المروزي وقال أجرة التعليم والتعلم أحب الي من الجلوس لانتظار ما في أيدي الناس وقال أيضا من جلس ولم يحترف دعته نفسه الى ما في أيدي الناس وأسند عن عمر كسب فيه بعض الشيء خير من الحاجة الى الناس وأسند عن سعيد بن المسيب أنه قال عند موته وترك مالا اللهم انك تعلم اني لم اجمعه الا لأصون به ديني وعن سفيان الثوري وأبي سليمان الداراني ونحوهما من السلف نحوه بل نقله البربهاري عن الصحابة والتابعين وانه لا يحفظ عن أحد منهم أنه ترك تعاطي الرزق مقتصرا على ما يفتح عليه واحتج من فضل الغنى بآية الأمر في قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الآية قال وذلك لا يتم الا بالمال وأجاب من فضل الفقر بأنه لا مانع ان يكون الغنى في جانب أفضل من الفقر في حالة مخصوصة ولا يستلزم أن يكون أفضل مطلقا وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الحديث الأول

[ 6082 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس كما صرح به أبو نعيم وأبو حازم هو سلمة بن دينار قوله مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده ما رأيك في هذا تقدم في باب الاكفاء في الدين من أوائل النكاح عن إبراهيم بن حمزة عن أبي حازم فقال ما تقولون في هذا وهو خطاب لجماعة ووقع في رواية جبير بن نفير عن أبي ذر عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان بلفظ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم انظر الى أرفع رجل في المسجد في عينيك قال فنظرت الى رجل في حلة الحديث فعرف منه أن المسئول هو أبو ذر ويجمع بينه وبين حديث سهل أن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر ووجه اليه فأجاب ولذلك نسبه لنفسه وأما المار فلم اقف على اسمه ووقع في رواية أخرى لابن حبان سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من قريش فقال هل تعرف فلانا قلت نعم الحديث ووقع في المغازي لابن إسحاق ما قد يؤخذ منه أنه عيينة بن حصن الفزاري أو الأقرع بن حابس التميمي كما سأذكره قوله فقال أي المسئول قوله رجل من أشراف الناس أي هذا رجل من أشراف الناس ووقع كذلك عند بن ماجة عن محمد بن الصباح عن أبي حازم قوله هذا والله حرى بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين وتشديد آخره أي جدير وحقيق وزنا ومعنى ووقع في رواية إبراهيم بن حمزة قالوا حرى قوله ان خطب أن ينكح بضم أوله وفتح ثالثه أي تجاب خطبته وان شفع أن يشفع بتشديد الفاء أي تقبل شفاعته وزاد إبراهيم بن حمزة في روايته وان قال أن يستمع وفي رواية بن حبان إذا سأل أعطى وإذا حضر أدخل قوله ثم مر رجل زاد إبراهيم من فقراء المسلمين وفي رواية بن حبان مسكين من أهل الصفة قوله هذا خير من ملء بكسر الميم وسكون اللام مهموز قوله مثل بكسر اللام ويجوز فتحها قال الطيبي وقع التفضيل بينهما باعتبار مميزه وهو قوله بعد هذا لأن البيان والمبين شيء واحد زاد أحمد وابن حبان عند الله يوم القيامة وفي رواية بن حبان الأخرى خير من طلاع الأرض من الاخر وطلاع بكسر المهملة وتخفيف اللام وآخره مهملة أي ما طلعت عليه الشمس من الأرض كذا قال عياض وقال غيره المراد ما فوق الأرض وزاد في آخر هذه الرواية فقلت يا رسول الله أفلا يعطى هذا كما يعطى الاخر قال إذا أعطى خيرا فهو أهله وإذا صرف عنه فقد أعطى حسنة وفي رواية أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر فيما أخرجه محمد بن هارون الروياني في مسنده وابن عبد الحكم في فتوح مصر ومحمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر ما يؤخذ منه تسمية المار الثاني ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له كيف ترى جعيلا قلت مسكينا كشكله من الناس قال فكيف ترى فلانا قلت سيدا من السادات قال فجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا قال فقلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع قال انه رأس قومه فأتألفهم وذكر بن إسحاق في المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي مرسلا أو معضلا قال قيل يا رسول الله أعطيت عيينة والاقرع مائة مائة وتركت جعيلا قال والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقه خير من طلاع الأرض مثل عيينة والاقر ولكني أتألفهما وأكل جعيلا الى ايمانه ولجعيل المذكور ذكر في حديث أخيه عوف بن سراقة في غزوة بني قريظة وفي حديث العرباض بن سارية في غزوة تبوك وقيل فيه جعال بكسر أوله وتخفيف ثانيه ولعله صغر وقيل بل هما أخوان وفي الحديث بيان فضل جعيل المذكور وان السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها وانما الاعتبار في ذلك بالآخرة كما تقدم أن العيش عيش الآخرة وان الذي يفوته الحظ من الدنيا يعاض عنه بحسنة الآخرة ففيه فضيلة للفقر كما ترجم به لكن لا حجة فيه لتفضيل الفقير على الغني كما قال بن بطال لأنه ان كان فضل عليه لفقره فكان ينبغي أن يقول خير من ملء الأرض مثله لا فقير فيهم وان كان لفضله فلا حجة فيه قلت يمكنهم أن يلتزموا الأول والحيثية مرعية لكن تبين من سياق طرق القصة أن جهة تفضيله انما هي لفضله بالتقوى وليست المسألة مفروضة في فقير متق وغني غير متق بل لا بد من استوائهما أولا في التقوى وأيضا فما في الترجمة تصريح بتفضيل الفقر على الغني إذ لا يلزم من ثبوت فضيلة الفقر افضليته وكذلك لا يلزم من ثبوت أفضلية فقير على غنى أفضلية كل فقير على كل غني الحديث الثاني حديث خباب بن الأرت وقد تقدم بعض شرحه في الجنائز فيما يتعلق بالكفر ونحو ذلك وذكر في موضعين من الهجرة وأحلت بشرحه على المغازي فلم يتفق ذلك ذهولا

[ 6083 ] قوله حدثنا الحميدي حدثنا سفيان هو بن عيينة عن الأعمش وقع في أوائل الهجرة بهذا السند سواء حدثنا الأعمش قوله عدنا بضم المهملة من العيادة قوله هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة أي بأمره واذنه أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسا الا الصديق وعامر بن فهيرة قوله نبتغى وجه الله أي جهة ما عنده من الثواب لاجهة الدنيا قوله فوقع في رواية الثوري كما مضى في الهجرة عن الأعمش فوجب وإطلاق الوجوب على الله بمعنى ايجابه على نفسه بوعده الصادق والا فلا يجب على الله شيء قوله أجرنا على الله أي اثابتنا وجزاؤنا قوله لم يأكل من أجره شيئا أي من عرض الدنيا وهذا مشكل على ما تقدم من تفسير ابتغاء وجه الله ويجمع بأن إطلاق الأجر على المال في الدنيا بطريق المجاز بالنسبة لثواب الآخرة وذلك أن القصد الأول هو ما تقدم لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير ومنهم من عاش الى أن فتح عليهم ثم انقسموا فمنهم من اعرض عنه وواسى به المحاويج أولا فأولا بحيث بقي على تلك الحالة الأولى وهم قليل منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الأول ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري أو الخدم والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر وهم كثير ومنهم بن عمر ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضا منهم عبد الرحمن بن عوف والى هذين القسمين أشار خباب فالقسم الأول وما التحق به توفر له أجره في الآخرة والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الآخرة ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه ما من غازية تغزو فتغنم وتسلم الا تعجلوا ثلثي أجرهم الحديث ومن ثم آثر كثير من السلف قلة المال وقنعوا به اما ليتوفر لهم ثوابهم في الآخرة واما ليكون أقل لحسابهم عليه قوله منهم مصعب بن عمير بصيغة التصغير هو بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وكان يكنى أبا عبد الله من السابقين الى الإسلام والى هجرة المدينة قال البراء أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان القرآن أخرجه المصنف في أوائل الهجرة وذكر بن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم أرسله مع أهل العقبة الأولى يقرئهم ويعلمهم وكان مصعب وهو بمكة في ثروة ونعمة فلما هاجر صار في قلة فأخرج الترمذي من طريق محمد بن كعب حدثني من سمع عليا يقول بينما نحن في المسجد إذ دخل علينا مصعب بن عمير وما عليه الا بردة له مرقوعة بفروة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآه الذي كان فيه من النعم والذي هو فيه اليوم قوله قتل يوم أحد أي شهيدا وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثبت ذلك في مرسل عبيد بن عمير بسند صحيح عند بن المبارك في كتاب الجهاد قوله وترك نمرة بفتح النون وكسر الميم ثم راء هي ازار من صوف مخطط أو بردة قوله اينعت بفتح الهمزة وسكون التحتانية وفتح النون والمهملة أي انتهت واستحقت القطف وفي بعض الروايات ينعت بغير الف وهي لغة قال القزاز وأينعت أكثر قوله فهو يهدبها بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر المهملة ويجوز ضمها بعدها موحدة أي يقطفها قال بن بطال في الحديث ما كان عليه السلف من الصدق في وصف أحوالهم وفيه أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار وفيه أن الكفن يكون ساترا لجميع البدن وان الميت يصير كله عورة ويحتمل أن يكون ذلك بطريق الكمال وقد تقدم سائر ما يتعلق بذلك في كتاب الجنائز ثم قال بن بطال ليس في حديث خباب تفضيل الفقير على الغني وانما فيه أن هجرتهم لم تكن لدنيا يصيبونها ولا نعمة يتعجلونها وانما كانت لله خالصة ليثيبهم عليها في الآخرة فمن مات منهم قبل فتح البلاد توفر له ثوابه ومن بقي حتى نال من طيبات الدنيا خشي ان يكون عجل لهم أجر طاعتهم وكانوا على نعيم الآخرة احرص الحديث الثالث قوله سلم بفتح المهملة وسكون اللام بن زرير بزاي ثم راء وزن عظيم وأبو رجاء هو العطاردي وقد تقدم بهذا السند والمتن في صفة الجنة من بدء الخلق ويأتي شرحه في صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق هذا قوله تابعه أيوب وعوف وقال حماد بن نجيح وصخر عن أبي رجاء عن بن عباس اما متابعة أيوب فوصلها النسائي وتقدم بيان ذلك واضحا في كتاب النكاح وأما متابعة عوف فوصلها المؤلف في كتاب النكاح وأما متابعة حماد بن نجيح وهو الإسكاف البصري فوصلها النسائي من طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه وليس له في الكتابين سوى هذا الحديث الواحد وقد وثقه وكيع وابن معين وغيرهما وأما متابعة صخر وهو بن جويرية فوصلها النسائي أيضا من طريق المعافى بن عمران عنه وابن منده في كتاب التوحيد من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا صخر بن جويرية وحماد بن نجيح قالا حدثنا أبو رجاء وقد وقعت لنا بعلو في الجعديات من رواية علي بن الجعد عن صخر قال سمعت أبا رجاء حدثنا بن عباس به قال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق عوف وقال أيوب عن أبي رجاء عن بن عباس وكلا الإسنادين ليس فيه مقال ويحتمل أن يكون عن أبي رجاء عند كل منهما وقال الخطيب في المدرج روى هذا الحديث أبو داود الطيالسي عن أبي الأشهب وجرير بن حازم وسلم بن زرير وحماد بن نجيح وصخر بن جويرية عن أبي رجاء عن عمران وابن عباس به ولا نعلم أحدا جمع بين هؤلاء فان الجماعة رووه عن أبي رجاء عن بن عباس وسلم انما رواه عن أبي رجاء عن عمران ولعل جريرا كذلك وقد جاءت الرواية عن أيوب عن أبي رجاء بالوجهين ورواه سعيد بن أبي عروبة عن فطر عن أبي رجاء عن عمران فالحديث عن أبي رجاء عنهما والله اعلم قال بن بطال ليس

[ 6084 ] قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء يوجب فضل الفقير على الغني وانما معناه أن الفقراء في الدنيا أكثر من الاغنياء فأخبر عن ذلك كما تقول أكثر أهل الدنيا الفقراء اخبارا عن الحال وليس الفقر أدخلهم الجنة وانما دخلوا بصلاحهم مع الفقر فإن الفقير إذا لم يكن صالحا لا يفضل قلت ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين لئلا يدخلن النار كما تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان في حديث تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار قيل بم قال بكفرهن قيل يكفرن بالله قال يكفرن بالإحسان الحديث الرابع

[ 6085 ] قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن الحجاج قوله عن أنس في رواية همام عن قتادة كنا نأتي أنس بن مالك وسيأتي في الباب الذي بعده قوله على خوان بكسر المعجمة وتخفيف الواو وتقدم شرحه في كتاب الأطعمة قوله وما أكل خبزا مرققا حتى مات قال بن بطال تركه عليه الصلاة والسلام الأكل على الخوان وأكل المرقق انما هو لدفع طيبات الدنيا اختيارا لطيبات الحياة الدائمة والمال انما يرغب فيه ليستعان به على الآخرة فلم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم الى المال من هذا الوجه وحاصله أن الخبر لا يدل على تفضيل الفقر على الغنى بل يدل على فضل القناعة والكفاف وعدم التبسط في ملاذ الدنيا ويؤيده حديث بن عمر لا يصيب عبد من الدنيا شيئا الا نقص من درجاته وان كان عند الله كريما أخرجه بن أبي الدنيا قال المنذر وسنده جيد والله اعلم الحديث الخامس

[ 6086 ] قوله حدثنا عبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر وأبو شيبة جده لأبيه وهو بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أصله من واسط وسكن الكوفة وهو أحد الحفاظ الكبار وقد أكثر عنه المصنف وكذا مسلم لكن مسلم يكنيه دائما والبخاري يسميه وقل ان كناه قوله وما في بيتي شيء الخ لا يخالف ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث المصطلقي ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ولا درها ولا شيئا لان مراده بالشيء المنفي ما تخلف عنه مما كان يختص به وأما الذي أشارت اليه عائشة فكان بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان قوله يأكله ذو كبد شمل جميع الحيوان وانتفى جميع المأكولات قوله الا شطر شعير المراد بالشطر هنا البعض والشطر يطلق على النصف وعلى ما قاربه وعلى الجهة وليست مرادة هنا ويقال أرادت نصف وسق قوله في رف لي قال الجوهري الرف شبه الطاق في الحائط وقال عياض الرف خشب يرتفع عن الأرض في البيت يوضع فيه ما يراد حفظه قلت والأول أقرب للمراد قوله فأكلت منه حتى طال على فكلته بكسر الكاف ففنى أي فرغ قال بن بطال حديث عائشة هذا في معنى حديث أنس في الاخذ من العيش بالاقتصاد وما يسد الجوعة قلت انما يكون كذلك لو وقع بالقصد إليه والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤثر بما عنده فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طاريء أو نزل به ضيف يشير على أهله باثارهم فربما أدى ذلك الى نفاد ما عندهم أو معظمه وقد روى البيهقي من وجه آخر عن عائشة قالت ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا لشبعنا ولكنه كان يؤثر على نفسه وأما قولها فكلته ففنى قال بن بطال فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله وان الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره قلت في تعميم كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر الذي أذكره آخر الباب ووقع مثل ذلك في مزود أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي في الدلائل من طريق أبي العالية عن أبي هريرة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال فقبض ثم دعا ثم قال خذهن فاجعلن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثر بهن نثرا فحملت من ذلك كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوى لا يفارقه فلما قتل عثمان انقطع وأخرجه البيهقي أيضا من طريق سهل بن زياد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة مطولا وفيه فأدخل يدك فخذ ولا تكفيء فيكفأ عليك ومن طريق يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة نحوه ونحوه ما وقع في عكة المرأة وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الادم فتعمد الى العكة فتجد فيها سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو تركتها ما زال قائما وقد استشكل هذا النهي مع الأمر بكيل الطعام وترتيب البركة على ذلك كما تقدم في البيوع من حديث المقدام بن معد يكرب بلفظ كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه وأجيب بأن الكيل عند المبايعة مطلوب من اجل تعلق حق المتبايعين فلهذا القصد يندب وأما الكيل عند الإنفاق فقد يبعث عليه الشح فلذلك كره ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو لم تكله لاكلتم منه ولقام لكم قال القرطبي سبب رفع النماء من ذلك عند العصر والكيل والله اعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة ادرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل الى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة ويستفاد منه أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله تعالى ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا والله اعلم

قوله باب بالتنوين كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أي في حياته وتخليهم عن الدنيا أي عن ملاذها والتبسط فيها ذكر فيه ثمانية أحاديث الحديث الأول

[ 6087 ] قوله حدثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث قال الكرماني يستلزم أن يكون الحديث بغير إسناد يعني غير موصول لان النصف المذكور مبهم لا يدري أهو الأول أو الثاني قلت يحتمل أيضا أن يكون قدر النصف الذي حدثه به أبو نعيم ملفقا من الحديث المذكور والذي يتبادر من الإطلاق أنه النصف الأول وقد جزم مغلطاي وبعض شيوخنا أن القدر المسموع له منه هو الذي ذكره في باب إذا دعى الرجل فجاء هل يستأذن من كتاب الاستئذان حيث قال حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذرح وأخبرنا محمد بن مقاتل أنبانا عبد الله هو بن المبارك أنبأنا عمر بن ذر أنبأنا مجاهد عن أبي هريرة قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال أباهر الحق أهل الصفة فادعهم الي قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا قال مغلطاي فهذا هو القدر الذي سمعه البخاري من أبي نعيم واعترضه الكرماني فقال ليس هذا ثلث الحديث ولاربعه فضلا عن نصفه قلت وفيه نظر من وجهين آخرين أحدهما احتمال أن يكون هذا السياق لابن المبارك فإنه لا يتعين كونه لفظ أبي نعيم ثانيهما أنه منتزع من اثناء الحديث فإنه ليس فيه القصة الأولى المتعلقة بأبي هريرة ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن الخ نعم المحرر قول شيخنا في النكت على بن الصلاح ما نصه القدر المذكور في الاستئذان بعض الحديث المذكور في الرقاق قلت فهو مما حدثه به أبو نعيم سواء كان بلفظه أم بمعناه وأما باقيه الذي لم يسمعه منه فقال الكرماني انه يصير بغير إسناد فيعود المحذور كذا قال وكأن مراده انه لا يكون متصلا لعدم تصريحه بأن أبا نعيم حدثه به لكن لا يلزم من ذلك محذور بل يحتمل كما قال شيخنا أن يكون البخاري حدث به عن أبي نعيم بطريق الوجادة أو الإجازة أو حمله عن شيخ آخر غير أبي نعيم قلت أو سمع بقية الحديث من شيخ سمعه من أبي نعيم ولهذين الاحتمالين الاخيرين أوردته في تعليق التعليق فأخرجته من طريق علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم تاما ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج والبيهقي في الدلائل وأخرجه النسائي في السنن الكبرى عن أحمد بن يحيى الصوفي عن أبي نعيم بتمامه واجتمع لي ممن سمعه من عمر بن ذر شيخ أبي نعيم أيضا جماعة منهم روح بن عبادة أخرجه أحمد عنه وعلى بن مسهر ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي وابن حبان في صحيحه ويونس بن بكير ومن طريقه أخرجه الترمذي والإسماعيلي والحاكم في المستدرك والبيهقي وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة ثم قال الكرماني مجيبا عن المحذور الذي ادعاه ما نصه اعتمد البخاري على ما ذكره في الأطعمة عن يوسف بن عيسى فإنه قريب من نصف هذا الحديث فلعله أراد بالنصف هنا ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندا بعضه عن يوسف وبعضه عن أبي نعيم قلت سند طريق يوسف مغاير لطريق أبي نعيم الى أبي هريرة فيعود المحذور بالنسبة الى خصوص طريق أبي نعيم فإنه قال في أول كتاب الأطعمة حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال أصابني جهد فذكر سؤاله عمر عن الآية وذكر مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم به وفيه فانطلق بي الى رحلة فأمر لي بعس من لبن فشربت منه ثم قال عد فذكره ولم يذكر قصة أصحاب الصفة ولا ما يتعلق بالبركة التي وقعت في اللبن وزاد في آخره ما دار بين أبي هريرة وعمر وندم عمر على كونه ما استتبعه فظهر بذلك المغايرة بين الحديثين في السندين وأما المتن ففي أحد الطريقين ما ليس في الاخر لكن ليس في طريق أبي حازم من الزيادة كبير أمر والله اعلم قوله عمر بن ذر فتح المعجمة وتشديد الراء قوله ان أبا هريرة كان يقول في رواية روح ويونس بن بكير وغيرهما حدثنا مجاهد عن أبي هريرة قوله الله الذي لا إله إلا هو كذا للأكثر بحذف حرف الجر من القسم وهو في روايتنا بالخفض وحكى بعضهم جواز النصب وقال بن التين رويناه بالنصب وقال بن جني إذا حذف حرف القسم نصب الاسم بعده بتقدير الفعل ومن العرب من يجر اسم الله وحده مع حذف حرف الجر فيقول الله لأقومن وذلك لكثرة ما يستعملونه قلت وثبت في رواية روح ويونس بن بكير وغيرهما بالواو في أوله فتعين الجر فيه قوله ان كنت بسكون النون مخففة من الثقيلة وقوله لاعتمد بكبدي على الأرض من الجوع أي ألصق بطني بالأرض وكأنه كان يستفيد بذلك ما يستفيده من شد الحجر على بطنه أو هو كناية عن سقوطه الى الأرض مغشيا عليه كما وقع في رواية أبي حازم في أول الأطعمة فلقيت عمر بن الخطاب فاستقرأته آية فذكره قال فمشيت غير بعيد فخررت على وجهي من الجهد والجوع فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي الحديث وفي حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة الآتي في كتاب الاعتصام لقد رأيتني واني لأخر ما بين المنبر والحجرة من الجوع مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي يرى أن بي الجنون وما بي الا الجوع وعند بن سعد من طريق الوليد بن رباح عن أبي هريرة كنت من أهل الصفة وان كان فيغشى علي فيما بين بيت عائشة وأم سلمة من الجوع ومضى أيضا في مناقب جعفر من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة واني كنت الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني وفيه وكنت الصق بطني بالحصى من الجوع وان كنت لاستقريء الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني وزاد فيه الترمذي وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي الى منزله قوله وان كنت لاشد الحجر على بطني من الجوع عند أحمد في طريق عبد الله بن شقيق أقمت مع أبي هريرة سنة فقال لو رأيتنا وانه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى ان كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على اخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه قال العلماء فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والانتصاب أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكون الحجر بقدر البطن فيكون الضعف أقل أو لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو لان فيه الإشارة الى كسر النفس وقال الخطابي اشكل الأمر في شد الحجر على البطن من الجوح على قوم فتوهموا أنه تصحيف وزعموا أنه الحجز بضم أوله وفتح الجيم بعدها زاي جمع الحجزة التي يشد به الوسط قال ومن أقام بالحجاز وعرف عادتهم عرف أن الحجر واحد الحجارة وذلك أن المجاعة تعتريهم كثيرا فإذا خوى بطنه لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ الى صفائح رقاق في طول الكف أو أكبر فيربطها على بطنه وتشد بعصابة فوقها فتعتدل قامته بعض الاعتدال والاعتماد بالكبد على الأرض مما يقارب ذلك قلت سبقه الى الإنكار المذكور أبو حاتم بن حبان في صحيحه فلعله أشار الى الرد عليه وقد ذكرت كلامه وتعقبه في باب التنكيل لمن أراد الوصال من كتاب الصيام قوله ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وبعض اصحابه ممن كان طريق منازلهم الى المسجد متحدة قوله فمر أبو بكر فسألته عن آية ما سألته الا ليشبعني بالمعجمة والموحدة من الشبع ووقع في رواية الكشميهني ليستتبعني بمهملة ومثناتين وموحدة أي يطلب مني أن اتبعه ليطعمني وثبت كذلك في رواية روح وأكثر الرواة قوله فمر ولم يفعل أي الاشباع أو الاستتباع قوله حتى مر بي عمر يشير الى أنه استمر في مكانه بعد ذهاب أبي بكر الى أن مر عمر ووقع في قصة عمر من الاختلاف في قوله ليشبعني نظير ما وقع في التي قبلها وزاد في رواية أبي حازم فدخل داره واقتحها على أي قرأ الذي استفهمته عنه ولعل العذر لكل من أبي بكر وعمر حمل سؤال أبي هريرة على ظاهره أو فهما ما أراده ولكن لم يكن عندهما إذ ذاك ما يطعمانه لكن وقع في رواية أبي حازم من الزيادة أن عمر تأسف على عدم أدخاله أبا هريرة داره ولفظه فلقيت عمر فذكرت له وقلت له ولى الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر وفيه قال عمر والله لأن اكون أدخلتك احب الي من ان يكون لي حمر النعم فإن فيه أشعارا بأنه كان عنده ما يطعمه إذ ذاك فيرجح الاحتمال الأول ولم يعرج على ما رمزه أبو هريرة من كنايته بذلك عن طلب ما يأكل وقد استنكر بعض مشايخنا ثبوت هذا عن أبي هريرة لاستبعاد مواجهة أبي هريرة لعمر بذلك وهو استبعاد مستبعد قوله ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي استدل أبو هريرة بتبسمه صلى الله عليه وسلم على أنه عرف ما به لأن التبسم تارة يكون لما يعجب وتارة يكون لإيناس من تبسم اليه ولم تكن تلك الحال معجبة فقوي الحمل على الثاني قوله وما في وجهي كأنه عرف من حال وجهه ما في نفسه من احتياجه الى ما يسد رمقه ووقع في رواية علي بن مسهر وروح وعرف ما في وجهي أو نفسي بالشك قوله ثم قال لي يا أبا هر في رواية علي بن مسهر فقال أبو هر وفي رواية روح فقال أبا هر فأما النصب فواضح وأما الرفع فهو على لغة من لا يعرف لفظ الكنية أو هو للاستفهام أي أنت أبو هر وأما قوله هر فهو بتشديد الراء وهو من رد الاسم المؤنث الى المذكر والمصغر الى المكبر فان كنيته في الأصل أبو هريرة تصغير هرة مؤنثا وأبو هر مذكر مكبر وذكر بعضهم أنه يجوز فيه تخفيف الراء مطلقا فعلى هذا يسكن ووقع في رواية يونس بن بكير فقال أبو هريرة أي أنت أبو هريرة وقد ذكرت توجيهه قبل قوله قلت لبيك رسول الله كذا فيه بحذف حرف النداء ووقع في رواية علي بن مسهر فقلت لبيك يا رسول الله وسعديك قوله الحق بهمزة وصل وفتح المهملة أي اتبع قوله ومضى فاتبعته زاد في رواية علي بن مسهر فلحقته قوله فدخل زاد علي بن مسهر الى أهله قوله فأستأذن بهمزة بعد الفاء والنون مضمومة فعل متكلم وعبر عنه بذلك مبالغة في التحقق ووقع في رواية على بن مسهر ويونس وغيرهما فاستأذنت قوله فأذن لي فدخل كذا فيه وهو اما تكرار لهذه اللفظة لوجود الفصل أو التفات ووقع في رواية علي بن مسهر فدخلت وهي واضحة قوله فوجد لبنا في قدح في رواية علي بن مسهر فإذا هو بلبن في قدح وفي رواية يونس فوجد قدحا من اللبن قوله فقال من أين هذا اللبن زاد روح لكم وفي رواية بن مسهر فقال لاهله من أين لكم هذا قوله قالوا أهداه لك فلان أو فلانة كذا بالشك ولم اقف على اسم من أهداه وفي رواية روح أهداه لنا فلان أو آل فلان وفي رواية يونس أهداه لنا فلان قوله الحق الى أهل الصفة كذا عدي الحق بالي وكأنه ضمنها معنى انطلق ووقع في رواية روح بلفظ انطلق قوله وقال وأهل الصفة أضياف الإسلام سقط لفظ قال من رواية روح ولا بد منها فإنه كلام أبي هريرة قاله شارحا لحال أهل الصفة والسبب في استدعائهم فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخصهم بما يأتيه من الصدقة ويشركهم فيما يأتيه من الهدية وقد وقع في رواية يونس بن بكير هذا القدر في أول الحديث ولفظه عن أبي هريرة قال كان أهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال والله الذي لا إله إلا هو الخ وفيه اشعار بأن أبا هريرة كان منهم قوله لا يأوون على أهل ولا مال في رواية روح والأكثر الى بدل علي قوله ولا على أحد تعميم بعد تخصيص فشمل الاقارب والاصدقاء وغيرهم وقد وقع في حديث طلحة بن عمرو عند أحمد وابن حبان والحاكم كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بالمدينة عريف نزل عليه فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة وفي مرسل يزيد بن عبد الله بن قسيط عند بن سعد كان أهل الصفة ناسا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره وله من طريق نعيم المجمر عن أبي هريرة كنت من أهل الصفة وكنا إذا امسينا حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل أو أكثر فيبقى من بقي عشرة أو أقل أو أكثر فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه فإذا فرغنا قال ناموا في المسجد وتقدم في باب علامات النبوة وغيره حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ان أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث الحديث ولأبي نعيم في الحلية من مرسل محمد بن سيرين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قسم ناسا من أصحاب الصفة بين ناس من أصحابه فيذهب الرجل بالرجل والرجل بالرجلين حتى ذكر عشرة الحديث وله من حديث معاوية بن الحكم بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة فجعل يوجه الرجل مع الرجل من الأنصار والرجلين والثلاثة حتى بقيت في أربعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم خامسنا فقال انطلقوا بنا فقال يا عائشة عشينا الحديث قوله إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا أي لنفسه وفي رواية روح ولم يصب منها شيئا وزاد ولم يشركهم فيها قوله وإذا اتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها في رواية علي بن مسهر وشركهم بالتشديد وقال فيها أو منها بالشك ووقع عند يونس الصدقة والهدية بالتعريف فيهما وقد تقدم في الزكاة وغيرها بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وتقدم في الهبة من حديث أبي هريرة مختصرا من رواية محمد بن زياد عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اتى بطعام سأل عنه فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلو ولم يأكل وان قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه إذا اتى بطعام من غير أهله ويجمع بين هذا وبين ما وقع في حديث الباب بأن ذلك كان قبل ان تبنى الصفة فكان يقسم الصدقة فيمن يستحقها ويأكل من الهدية مع من حضر من أصحابه وقدأخرج أبو نعيم في الحلية من مرسل الحسن قال بنيت صفة في المسجد لضعفاء المسلمين ويحتمل أن يكون ذلك باختلاف حالين فيحمل حديث الباب على ما إذا لم يحضره أحد فإنه يرسل ببعض الهدية الى أهل الصفة أو يدعوهم اليه كما في قصة الباب وان حضره أحد يشركه في الهدية فإن كان هناك فضل أرسله الى أهل الصفة أو دعاهم ووقع في حديث طلحة بن عمرو الذي ذكرته آنفا وكنت فيمن نزل الصفة فوافقت رجلا فكان يجري علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم مد من تمر بين كل رجلين وفي رواية أحمد فنزلت في الصفة مع رجل فكان بيني وبينه كل يوم مد من تمر وهو محمول أيضا على اختلاف الأحوال فكان أولا يرسل الى أهل الصفة بما حضره أو يدعوهم أو يفرقهم على من حضر ان لم يحضره ما يكفيهم فلما فتحت فدك وغيرها صار يجري عليهم من التمر في كل يوم ما ذكر وقد اعتنى بجمع أسماء أهل الصفة أبو سعيد بن الأعرابي وتبعه أبو عبد الرحمن السلمي فزاد أسماء وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل الحلية فسرد جميع ذلك ووقع في حديث أبي هريرة الماضي في علامات النبوة انهم كانوا سبعين وليس المراد حصرهم في هذا العدد وانما هي عدة من كان موجودا حين القصة المذكورة والا فمجموعهم اضعاف ذلك كما بينا من اختلاف أحوالهم قوله فسائني ذلك زاد في رواية علي بن مسهر والله والإشارة الى ما تقدم من قوله ادعهم لي وقد بين ذلك بقوله فقلت أي في نفسي وما هذا اللبن أي ما قدره في أهل الصفة والواو عاطفة على شيء محذوف ووقع في رواية يونس بحذف الواو زاد في روايته وأنا رسوله إليهم وفي رواية علي بن مسهر وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة وأنا ورسول الله وهو بالجر عطفا على أهل الصفة ويجوز الرفع والتقدير وأنا ورسول الله معهم قوله وكنت ارجو ان اصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها زاد في رواية روح يومي وليلتي قوله فإذا جاء كذا فيه الافراد أي من أمرني بطلبه وللأكثر فإذا جاءوا بصيغة الجمع قوله أمرني أي النبي صلى الله عليه وسلم فكنت انا اعطيهم وكأنه عرف بالعادة ذلك لأنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه وقد تقدم في مناقب جعفر من حديث طلحة بن عبيد الله كان أبو هريرة مسكينا لا أهل له ولا مال وكان يدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما دار أخرجه البخاري في تاريخه وتقدم في البيوع وغيره من وجه آخر عن أبي هريرة وكنت امرأ مسكينا الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني ووقع في رواية يونس بن بكير فسيأمرني أن أديره عليهم فما عسى أن يصيني منه وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني أي عن جوع ذلك اليوم قوله وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن أي يصل الي بعد أن يكتفوا منه وقال الكرماني لفظ عسى زائد قوله ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد يشير الى قوله تعالى من يطع الرسول فقد اطاع الله قوله فأتيتهم فدعوتهم قال الكرماني ظاهره ان الإتيان والدعوة وقع بعد الإعطاء وليس كذلك ثم أجاب بأن معنى قوله فكنت أنا اعطيهم عطف على جواب فإذا جاءوا فهو بمعنى الاستقبال قلت وهو ظاهر من السياق قوله فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم من البيت أي فقعد كل منهم في المجلس الذي يليق به ولم اقف على عددهم إذ ذاك وقد تقدم في أبواب المساجد في أوائل كتاب الصلاة من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رأيت سبعين من أصحاب الصفة الحديث وفيه اشعار بأنهم كانوا أكثر من ذلك وذكرت هناك أن أبا عبد الرحمن السلمي وأبا سعيد بن الأعرابي والحاكم اعتنوا بجمع اسمائهم فذكر كل منهم من لم يذكر الاخر وجمع الجميع أبو نعيم في الحلية وعدتهم تقرب من المائة لكن الكثير من ذلك لا يثبت وقد بين كثيرا من ذلك أبو نعيم وقد قال أبو نعيم كان عدد أهل الصفة يختلف بحسب اختلاف الحال فربما اجتمعوا فكثروا وربما تفرقوا اما لغزو أو سفر أو استفتاء فقلوا ووقع في عوارف السهروردي أنهم كانوا أربعمائة قوله فقال يا أبا هر في رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة وقد تقدم توجيه ذلك قوله خذ فأعطهم أي القدح الذي فيه اللبن وصرح به في رواية يونس قوله اعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل أي الذي الى جنبه قال الكرماني هذا فيه أن المعرفة إذا اعيدت معرفة لا تكون عين الأول والتحقيق ان ذلك لا يطرد بل الأصل أن تكون عينه الا ان تكون هناك قرينة تدل على أنه غيره مثل ما وقع هنا من قوله حتى انتهيت الى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يدل على انه اعطاهم واحدا بعد واحد الى ان كان آخرهم النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقع في رواية يونس ثم يرده فأناوله الاخر وفي رواية علي بن مسهر قال خذ فناولهم قال فجعلت أناول الإناء رجلا رجلا فيشرب فإذا روى اخذته فناولته الاخر حتى روى القوم جميعا وعلى هذا فاللفظ المذكور من تصرف الرواة فلا حجة فيه لخرم القاعدة قوله حتى انتهيت الى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى القوم كلهم أي فأعطيته القدح قوله فأخذ القدح زاد روح وقد بقيت فيه فضلة قوله فوضعه على يده فنظر الي فتبسم في رواية علي بن مسهر فرفع رأسه فتبسم كأنه صلى الله عليه وسلم كان تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أن لا يفضل له من اللبن شيء كما تقدم تقريره فلذلك تبسم اليه إشارة الى أنه لم يفته شيء قوله فقال أبا هر كذا فيه بحذف حرف النداء وفي رواية علي بن مسهر فقال أبو هريرة وقد تقدم توجيهه قوله بقيت أنا وأنت كأن ذلك بالنسبة الى من حضر من أهل الصفة فأما من كان في البيت من أهل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتعرض لذكرهم ويحتمل أن البيت إذ ذاك ما كان فيه أحد منهم أو كانوا أخذوا كفايتهم وكان اللبن الذي في ذلك القدح نصيب النبي صلى الله عليه وسلم قوله اقعد فاشرب في رواية علي بن مسهر قال خذ فاشرب قوله فما زال يقول اشرب في رواية روح فما زال يقول لي قوله ما أجد له مسلكا في رواية روح في مسلكا قوله فأرني في رواية روح فقال ناولني القدح قوله فحمد الله وسمى أي حمد الله على ما من به من البركة التي وقعت في اللبن المذكور مع قلته حتى روى القوم كلهم وأفضلوا وسمى في ابتداء الشرب قوله وشرب الفضلة أي البقية وهي رواية علي بن مسهر وفي رواية روح فشرب من الفضلة وفيه اشعار بأنه بقي بعد شربه شيء فإن كانت محفوظة فلعله أعدها لمن بقي في البيت ان كان وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم استحباب الشرب من قعود وان خادم القوم إذا دار عليهم بما يشربون يتناول الإناء من كل واحد فيدفعه هو الى الذي يليه ولا يدع الرجل يناول رفيقه لما في ذلك من نوع امتهان الضيف وفيه معجزة عظيمة وقد تقدم لها نظائر في علامات النبوة من تكثير الطعام والشراب ببركته صلى الله عليه وسلم وفيه جواز الشبع ولو بلغ أقصى غايته اخذا من قول أبي هريرة لا أجد له مسلكا وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك خلافا لمن قال بتحريمه وإذا كان ذلك في اللبن مع رقته ونفوذه فكيف بما فوقه من الأغذية الكثيفة لكن يحتمل أن يكون ذلك خاصا بما وقع في تلك الحال فلا يقاس عليه وقد أورد الترمذي عقب حديث أبي هريرة هذا حديث بن عمر رفعه أكثرهم في الدنيا شبعا اطولهم جوعا يوم القيامة وقال حسن وفي الباب عن أبي جحيفة قلت وحديث أبي جحيفة أخرجه الحاكم وضعفه أحمد وفي الباب أيضا حديث المقدام بن معد يكرب رفعه ما ملء بن آدم وعاء شرا من بطنه الحديث أخرجه الترمذي أيضا وقال حسن صحيح ويمكن الجمع بأن يحمل الزجر على من يتخذ الشبع عادة لما يترتب على ذلك من الكسل عن العبادة وغيرها ويحمل الجواز على من وقع له ذلك نادرا ولا سيما بعد شدة جوع واستبعاد حصول شيء بعده عن قرب وفيه ان كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من اظهارها والتصريح بها وفيه كرم النبي صلى الله عليه وسلم وايثاره على نفسه وأهله وخادمه وفيه ما كان بعض الصحابة عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من ضيق الحال وفضل أبي هريرة وتعففه عن التصريح بالسؤال واكتفاؤه بالإشارة الى ذلك وتقديمه طاعة النبي صلى الله عليه وسلم على حظ نفسه مع شدة احتياجه وفضل أهل الصفة وفيه أن المدعو إذا وصل الى دار الداعي لا يدخل بغير استئذان وقد تقدم البحث فيه في كتاب الاستئذان مع الكلام على حديث رسول الرجل اذنه وفيه جلوس كل أحد في المكان اللائق به وفيه اشعار بملازمة أبي بكر وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم ودعاء الكبير خادمه بالكنية وفيه ترخيم الاسم على ما تقدم والعمل بالفراسة وجواب المنادي بلبيك واستئذان الخادم على مخدومه إذا دخل منزله وسؤال الرجل عما يجده في منزله مما لا عهد له به ليرتب على ذلك مقتضاه وقبول النبي صلى الله عليه وسلم الهدية وتناوله منها وايثاره ببعضها الفقراء وامتناعه من تناول الصدقة ووضعه لها فيمن يستحقها وشرب الساقي آخرا وشرب صاحب المنزل بعده والحمد على النعم والتسمية عند الشرب تنبيه وقع لأبي هريرة قصة أخرى في تكثير الطعام مع أهل الصفة فأخرج بن حبان من طريق سليم بن حبان عن أبيه عنه قال أتت علي ثلاثة أيام لم اطعم فجئت أريد الصفة فجعلت اسقط فجعل الصبيان يقولون جن أبو هريرة حتى انتهيت الى الصفة فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بقصعة من ثريد فدعا عليها أهل الصفة وهم يأكلون منها فجعلت اتطاول كي يدعوني حتى قاموا وليس في القصعة الا شيء في نواحيها فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه فقال لي كل باسم الله فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شعبت الحديث الثاني

[ 6088 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وسعد هو بن أبي وقاص قوله اني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله زاد الترمذي من طريق بيان عن قيس سمعت سعدا يقول اني لأول رجل إهراق دما في سبيل الله وفي رواية بن سعد في الطبقات من وجه آخر عن سعد أن ذلك كان في السرية التي خرج فيها مع عبيدة بن الحارث في ستين راكبا وهي أول السرايا بعد الهجرة قوله ورأيتنا بضم المثناة قوله ورق الحبلة بضم المهملة والموحدة وبسكون الموحدة أيضا ووقع في مناقب سعد بالتردد بين الرفع والنصب قوله وهذا السمر بفتح المهملة وضم الميم قال أبو عبيد وغيره هما نوعان من شجر البادية وقيل الحبلة ثمر العضاه بكسر المهملة وتخفيف المعجمة شجر الشوك كالطلح والعوسج قال النووي وهذا جيد على رواية البخاري لعطفه الورق على الحبلة قلت هي رواية أخرى عند البخاري بلفظ الا الحبلة وورق السمر وكذا وقع عند أحمد وابن سعد وغيرهما وفي رواية بيان عند الترمذي ولقد رأيتني اغزو في العصابة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نأكل الا ورق الشجر والحبلة وقال القرطبي وضع في رواية الأكثر عند مسلم الا ورق الحبلة هذا السمر وقال بن الأعرابي الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبية وفي رواية التيمي والطبري في مسلم وهذا السمر بزيادة واو قال القرطبي ورواية البخاري أحسنها للتفرقة بين الورق والسمر ووقع في حديث عتبة بن غزوان عند مسلم لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام الا ورق الشجر حتى قرحت اشداقنا قوله ليضع بالضاد المعجمة كناية عن الذي يخرج منه في حال التغوط قوله كما تضع الشاة زاد بيان في روايته والبعير قوله ما له خلط بكسر المعجمة وسكون اللام أي يصير بعرا لا يختلط من شدة اليبس الناشيء عن قشف العيش وتقدم بيانه في شرح الحديث المذكور في مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قوله ثم أصبحت بنو أسد أي بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وبنو أسد هم اخوة كنانة بن خزيمة جد قريش وبنو أسد كانوا فيمن ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي لما ادعى النبوة ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر وكسرهم ورجع بقيتهم الى الإسلام وتاب طليحة وحسن إسلامه وسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص وهو أمير الكوفة الى عمر حتى عزله وقالوا في جملة ما شكوه انه لا يحسن الصلاة وقد تقدم بيان ذلك واضحا في باب وجوب القراءة على الامام والمأموم من أبواب صفة الصلاة وبينت أسماء من كان منهم من بني أسد المذكورين وأغرب النووي فنقل عن بعض العلماء ان مراد سعد بقوله فأصبحت بنو أسد بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وفيه نظر لان القصة ان كانت هي التي وقعت في عهد عمر فلم يكن للزبير إذ ذاك بنون يصفهم سعد بذلك ولا يشكو منهم فإن اباهم الزبير كان إذ ذاك موجودا وهو صديق سعد وان كانت بعد ذلك فيحتاج الى بيان قوله تعزرني أي توقفني والتعزير التوقيف على الاحكام والفرائض قاله أبو عبيد الهروي وقال الطبري معناه تقومني وتعلمني ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب والمعنى أن سعدا انكر اهلية بني أسد لتعليمه الاحكام مع سابقيته وقدم صحبته وقال الحربي معنى تعزرني تلمني وتعتبني وقيل توبخني على التقصير وقال القرطبي بعد أن حكى ذلك في هذه الأقوال بعد عن معنى الحديث قال والذي يظهر لي أن الاليق بمعناه أن المراد بالتعزير هنا الاعظام والتوقير كأنه وصف ما كانت عليه حالتهم في أول الأمر من شدة الحال وخشونة العيش والجهد ثم انهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات وولوا الولايات فعظمهم الناس لشهرتهم وفضلهم فكأنه كره تعظيم الناس له وخص بني أسد بالذكر لأنهم افرطوا في تعظيمه قال ويؤيده أن في حديث عتبة بن غزوان الذي بعده في مسلم نحو حديث سعد في الإشارة الى ما كانوا فيه من ضيق العيش ثم قال في آخره فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك أي بن أبي وقاص فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح منا أحد الا وهو أمير على مصر من الأمصار انتهى وكان عتبة يومئذ أمير البصرة وسعد أمير الكوفة قلت وهذا كله مردود لما ذكرته من ان بني أسد شكوه وقالوا فيه ما قالوا ولذلك خصهم بالذكر وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد في آخر هذا الحديث في مناقب سعد بعد قوله وضل عملي وكانوا وشوا به الى عمر قالوا لا يحسن يصلى ووقع كذلك هنا في رواية معتمر بن سليمان عن إسماعيل عند الإسماعيلي ووقع في بعض طرق هذا الحديث الذي فيه أنهم شكوه عند مسلم فقال سعد أتعلمني الاعراب الصلاة فهذا هو المعتمد وتفسير التعزير على ما شرحه من تقدم مستقيم واما قصة عتبة بن غزوان فإنما قال في آخر حديثه ما قال لأنه خطب بذلك وهو يومئذ أمير فأراد اعلام القوم بأول امره وآخره واظهارا منه للتواضع والتحدث بنعمة الله والتحذير من الاغترار بالدنيا واما سعد فقال ذلك بعد ان عزل وجاء الى عمر فاعتذر وأنكر على من سعى فيه بما سعى قوله على الإسلام في رواية بيان على الدين قوله خبت إذا وضل سعيي في رواية خالد عملي كما ترى وكذا هو في معظم الروايات وفي رواية بيان لقد خبت إذا وضل عملي ووقع عند بن سعد عن يعلى ومحمد ابني عبيد عن إسماعيل بسنده في آخره وضل عمليه بزيادة هاء في آخره وهي هاء السكت قال بن الجوزي ان قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر الى ذكر فضله والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره كما لو قال القائل اني لحافظ لكتاب الله عالم بتفسيره وبالفقه في الدين قاصدا إظهار الشكر أو تعريف ما عنده ليستفاد ولو لم يقل ذلك لم يعلم حاله ولهذا قال يوسف عليه السلام اني حفيظ عليم وقال علي سلوني عن كتاب الله وقال بن مسعود لو أعلم أحدا اعلم بكتاب الله مني لاتيته وساق في ذلك اخبارا وآثارا عن الصحابة والتابعين تؤيد ذلك الحديث الثالث

[ 6089 ] قوله حدثني عثمان هو بن أبي شيبة وجرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي والأسود هو بن يزيد وهؤلاء كلهم كوفيون قوله ما شبع آل محمد أي النبي صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة يخرج ما كانوا فيه قبل الهجرة من طعام بر يخرج ما عدا ذلك من أنواع المأكولات ثلاث ليال أي بأيامها تباعا يخرج التفاريق حتى قبض إشارة الى استمراره على تلك الحال مدة اقامته بالمدينة وهي عشر سنين بما فيها من أيام أسفاره في الغزو والحج والعمر وزاد بن سعد من وجه آخر عن إبراهيم وما رفع عن مائدته كسرة خبز فضلا حتى قبض ووقع في رواية الأعمش عن منصور فيه بلفظ ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم أخرجه مسلم وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود عن عائشة ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض أخرجاه وعند مسلم من رواية يزيد بن قسيط عن عروة عن عائشة ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز وزيت في يوم واحد مرتين وله من طريق مسروق عنها والله ما شبع من خبز ولحم في يوم مرتين وعند بن سعد أيضا من طريق الشعبي عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز البر وفي حديث أبي هريرة نحو حديث الباب ذكره المصنف في الأطعمة من طريق سعد المقبري عنه ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا وأخرجه مسلم أيضا عن أبي هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير في اليوم والواحد غداة وعشاء وتقدم أيضا فس حديث سهل بن سعد ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعتين في يوم حتى فارق الدنيا أخرجه بن سعد والطبراني وفي حديث عمران بن حصين ما شبع من غداء أو عشاء حتى لقي الله أخرجه الطبراني قال الطبري استكشل بعض الناس كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا مع ما ثبت أنه كان يرفع لأهله قوت سنة وأنه قسم بين أربعة أنفس الف بعير مما افاء الله عليه وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين وأنه أمر لاعرابي بقطيع من الغنم وغير ذلك مع من كان معه من أصحاب الأموال كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه وقد أمر بالصدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه وحث على تجهيز جيش العسرة فجهزهم عثمان بألف بعير الى غير ذلك والجواب أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة لا لعوز وضيق بل تارة للايثار وتارة لكراهة الشبع ولكثرة الأكل انتهى وما نفاه مطلقا فيه نظر لما تقدم من الأحاديث آنفا وقد أخرج بن حبان في صحيحه عن عائشة من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك وتقدم في غزوة خيبر من رواية عكرمة عن عائشة لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر وتقدم في كتاب الأطعمة حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من التمر وفي حديث بن عمر لما فتحت خيبر شبعنا من التمر والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة حيث كانوا بمكة ثم لما هاجروا الى المدينة كان أكثرهم كذلك فواساهم الأنصار بالمنازل والمفائح فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم كما تقدم ذلك واضحا في كتاب الهبة وقريب من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة مالي ولبلال طعام يأكله أحد الا شيء يواريه ابط بلال أخرجه الترمذي وصححه وكذا أخرجه بن حبان بمعناه نعم كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له كما اخرج الترمذي من حديث أبي امامة عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن اشبع يوما واجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك وسأذكر حديث عائشة في ذلك الحديث الرابع قوله إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن هو البغوي وهلال المذكور في السند هو الوزان وهو بن حميد

[ 6090 ] قوله ما أكل آل محمد في رواية أحمد بن منيع عن إسحاق الأزرق بسنده المذكور هنا ما شبع محمد بحذف لفظ آل وقد تقدم أن آل محمد قد يطلق ويراد به محمد نفسه قوله أكلتين في يوم الا إحداهما تمر فيه إشارة الى أن التمر كان أيسر عندهم من غيره والسبب ما تقدم في الأحاديث التي قبله وفيه إشارة الى أنهم بما لم يجدوا في اليوم الا أكله واحدة فإن وجدوا اكلتين فإحداهما تمر وقع عند مسلم من طريق وكيع عن مسعر بلفظ ما شبع آل محمد يومين من خبز البر الا وأحدهما تمر وقد أخرج بن سعد من طريق عمران بن يزيد المدني حدثني والدي قال دخلنا على عائشة فقالت خرج تعني النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر وليس في هذا ما يدل على ترك الجمع بين لونين فقد ترجم المصنف في الأطعمة للجواز وأورد حديث كان يأكل القثاء بالرطب وتقدم شرحه هناك وبيان ما يتعلق بذلك الحديث الخامس

[ 6091 ] قوله النضر هو بن شميل بالمعجمة مصغر قوله كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من ادم بفتح الهمزة والموحدة حشوه ليف في رواية بن نمير عن هشام عند بن ماجة بلفظ كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ادما حشوه ليف والضجاع بكسر الضاد المعجمة بعدها جيم ما يرقد عليه وتقدم في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط من كتاب اللباس حديث عمر الطويل في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فإذا النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد اثر في جنبه وتحت رأسه مرفقه من أدم حشوها ليف وأخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس بنحوه وفيه وسادة بدل مرفقه ومن طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة دخلت على امرأة فرأت فراش النبي صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فبعثت الي بفراش حشوه صوف فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فرآه فقال رديه يا عائشة والله لو شئت أجرى الله معي جبال الذهب والفضة وعند أحمد وأبي داود الطيالسي من حديث بن مسعود اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه فقيل له الا نأتيك بشيء يقيك منه فقال مالي وللدنيا انما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها الحديث السادس حديث أنس وقوله

[ 6092 ] وخبازه قائم لم اقف على اسمه وقد تقدم شرحه مستوفي في باب الخبز المرقق من كتاب الأطعمة الحديث اسابيع ذكره من طريقين وقد سقطت الثانية للنسفي وأبي ذر وثبتت للباقين وهي عند الجميع في كتاب الهبة قوله في الطريق الأولى يحيى هو القطان وهشام هو بن عروة قوله كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا انما هو التمر والماء الا أن نؤتى باللحيم كذا فيه بالتصغير إشارة الى قلته وقوله

[ 6094 ] في الطريق الثانية بن أبي حازم هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق من أهل المدينة أبو حازم ويزيد وعروة قوله بن أختي بحذف حرف النداء أي يا بن أختي لان أمه أسماء بنت أبي بكر قوله ان كنا لننظر الى الهلال ثلاث أهله في شهرين المراد بالهلال الثالث هلال الشهر الثالث وهو يرى عند انقضاء الشهرين وبرؤيته يدخل أول الشهر الثالث ووقع في رواية سعيد عن أبي هريرة عند بن سعد كان يمر برسول الله صلى الله عليه وسلم هلال ثم هلال ثم هلال لا يوقد في شيء من بيوته نار لا لخبز ولا لطبخ قوله فقلت ما كان يعيشكم بضم أوله يقال أعاشه الله أي أعطاه العيش وفي رواية أبي سلمة عن عائشة نحوه وفيه قلت فما كان طعامكم قالت الاسودان التمر والماء وفي حديث أبي هريرة قالوا بأي شيء كانوا يعيشون نحوه وفي هذا إشارة الى ثاني الحال بعد ان فتحت قريظة وغيرها ومن هذا ما أخرجه الترمذي من حديث الزبير قال لما نزلت ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قلت وأي نعيم نسأل عنه وانما هو الاسودان التمر والماء قال انه سيكون قال الصغاني الاسودان يطلق على التمر والماء والسواد للتمر دون الماء فنعتا بنعت واحد تغليبا وإذا اقترن الشيئان سميا باسم اشهرهما وعن أبي زيد الماء يسمى الأسود واستشهد لذلك بشعر قلت وفيه نظر وقد تقع الخفة أو الشرف موضع الشهرة كالعمرين لأبي بكر وعمر والقمرين للشمس والقمر قوله الا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار زاد أبو هريرة في حديثه جزاهم الله خيرا قوله كان لهم منائح جمع منيحة بنون وحاء مهملة وعند الترمذي وصححه من حديث بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة وأهله طاوين لا يجدون عشاء وعند بن ماجة من حديث أبي هريرة اتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام سخن فأكل فلما فرغ قال الحمد لله ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا وسنده حسن ومن شواهد الحديث ما أخرجه بن ماجة بسند صحيح عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مرارا والذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع حب ولا صاع تمر وان له يومئذ لتسع نسوة وله شاهد عند بن ماجة عن بن مسعود الحديث الثامن

[ 6095 ] قوله عن أبيه هو فضيل بن غزوان وعمارة هو بن القعقاع وأبو زرعة هو بن عمرو بن جرير قوله اللهم ارزق آل محمد قوتا هكذا وقع هنا وفي رواية الأعمش عن عمارة عند مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وهو المعتمد فإن اللفظ الأول صالح لأن يكون دعاء بطلب القوت في ذلك اليوم وان يكون طلب لهم القوت بخلاف اللفظ الثاني فإنه يعين الاحتمال الثاني وهو الدال على الكفاف وقد تقدم تقرير ذلك في الباب الذي قبله وعلى ذلك شرحه بن بطال فقال فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة وايثارا لما يبقى على ما يفنى فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك وقال القرطبي معنى الحديث أنه طلب الكفاف فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا والله اعلم

قوله باب القصد بفتح القاف وسكون المهملة هو سلوك الطريق المعتدلة أي استحباب ذلك وسيأتي انهم فسروا السداد بالقصد وبه تظهر المناسبة قوله والمداومة على العمل أي الصالح ذكر فيه ثمانية أحاديث أكثرها مكرر وفي بعضها زيادة على بعض ومحصل ما اشتملت عليه الحث على مداومة العمل الصالح وان قل وان الجنة لا يدخلها أحد بعمله بل برحمة الله وقصة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاته والأول هو المقصود بالترجمة والثاني ذكر استطرادا وله تعلق بالترجمة أيضا والثالث يتعلق بها أيضا بطريق خفي الحديث الأول

[ 6096 ] قوله حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد وأشعث هو بن سليم بن الأسود وأبوه يكنى أبا الشعثاء بمعجمة ثم مهملة ثم مثلثة وهو بها أشهر وقد تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في باب من نام عند السحر من كتاب التهجد وتقدم شرحه هناك والمراد بالصارخ الديك وقوله هنا قلت في أي حين كان يقوم وقع في رواية الكشميهني فأي حين وقد تقدم هناك بلفظ قلت متى كان يقوم وأعقبه برواية أبي الأحوص عن أشعث بلفظ إذا سمع الصارخ قام فصلى اختصره وأخرجه مسلم من هذا الوجه بتمامه وقال فيه قلت أي حين كان يصلي فذكره الحديث الثاني حديث عائشة أيضا من طريق عروة عنها انها قالت كان أحب العمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه وهذا يفسر الذي قبله وقد ثبت هذا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي يلي الذي بعده الحديث الثالث حديث أبي هريرة من رواية سعيد المقبري عنه

[ 6098 ] قوله لن ينجي أحدا منكم عمله في رواية أبي داود الطيالسي عن بن أبي ذئب ما منكم من أحد ينجيه عمله وأخرجه أبو نعيم من طريقه وتقدم في كفارة المرض من طريق أبي عبيد عن أبي هريرة بلفظ لم يدخل أحدا عمله الجنة وأخرجه مسلم أيضا وهو كلفظ عائشة في الحديث الرابع هنا ولمسلم من طريق بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ليس أحد منكم ينجيه عمله ومن طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه لن ينجو أحد منكم بعمله وله من حديث جابر لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ومعنى قوله ينجي أي يخلص والنجاة من الشيء التخلص منه قال بن بطال في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ما محصله أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وان يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون فصرح بأن دخول الجنة أيضا وبالاعمال وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون وليس المراد بذلك أصل الدخول ثم قال ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للاية والتقدير ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله وقد تفضل عليهم ابتداء بايجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم وقال عياض طريق الجمع أن الحديث فسر ما أجمل في الآية فذكر نحوا من كلام بن بطال الأخير وان من رحمة الله توفيقه للعمل وهدايته للطاعة وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله وانما هو بفضل الله وبرحمته وقال بن الجوزي يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة الأول أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة الثاني أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله الثالث جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات بالأعمال الرابع أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال وقال الكرماني الباء في قوله بما كنتم تعملون ليست للسببية بل للالصاق أو المصاحبة أي أورثتموها ملابسة أو مصاحبة أو للمقابلة نحو أعطيت الشاة بالدرهم وبهذا الأخير جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في المغني فسبق اليه فقال ترد الباء للمقابلة وهي الداخلة على الاعواض كاشتريته بألف ومنه ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وانما لم تقدر هنا للسببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في لن يدخل أحدكم الجنة بعمله لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا بخلاف المسبب فلا يوجد بدون السبب قال وعلى ذلك ينتفي التعارض بين الآية والحديث قلت سبقه الى ذلك بن القيم فقال في كتاب مفتاح دار السعادة الباء المقتضية للدخول غير الباء الماضية فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها والثانية بالمعاوضة نحو اشتريت منه بكذا فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة لأن العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة ولا أن يكون عوضا لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم يوفها حق شكرها فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم وإذا رحمه في هذه الحالة كانت رحمته خيرا من عمله كما في حديث أبي بن كعب الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة في ذكر القدر ففيه لو أن الله عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم الحديث قال وهذا فصل الخطاب مع الجبرية الذين أنكروا ان تكون الأعمال سببا في دخول الجنة من كل وجه والقدرية الذين زعموا أن الجنة عوض العمل وأنها ثمنه وان دخولها بمحض الأعمال والحديث يبطل دعوى الطائفتين والله اعلم قلت وجوز الكرماني أيضا ان يكون المراد ان الدخول ليس بالعمل والادخال المستفاد من الإرث بالعمل وهذا ان مشى في الجواب عن قوله تعالى اورثتموها بما كنتم تعملون لم يمش في قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا وإذا كان كذلك فأمر القبول الى الله تعالى وانما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه وعلى هذا فمعنى قوله ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون أي تعملونه من العمل المقبول ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للالصاق أو المقابلة ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للاعمال والهداية للاخلاص فيها وقبولها انما هو برحمة الله وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بسبب العمل وهو من رحمة الله تعالى ورد الكرماني الأخير بأنه خلاف صريح الحديث وقال المازري ذهب أهل السنة الى أن اثابة الله تعالى من اطاعه بفضل منه وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه ولا يثبت واحد منهما الا بالسمع وله سبحانه وتعالى ان يعذب الطائع وينعم العاصي ولكنه أخبر أنه لا يفعل ذلك وخبره صدق لا خلف فيه وهذا الحديث يقوى مقالتهم ويرد على المعتزلة حيث اثبتوا بعقولهم اعواض الأعمال ولهم في ذلك خبط كثير وتفصيل طويل قوله قالوا ولا أنت يا رسول الله وقع في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم فقال رجل ولم اقف على تعيين القائل قال الكرماني إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة الا برحمة الله فوجه تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر أنه إذا كان مقطوعا له بأنه يدخل الجنة ثم لا يدخلها الا برحمة الله فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى قلت وسبق الى تقرير هذا المعنى الرافعي في أماليه فقال لما كان أجر النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعة أعظم وعمله في العبادة أقوم قيل له ولا أنت أي لا ينجيك عملك مع عظم قدره فقال لا الا برحمة الله وقد ورد جواب هذا السؤال بعينه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم من حديث جابر بلفظ لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا انا الا برحمة من الله تعالى قوله الا ان يتغمدني الله في رواية سهيل الا ان يتداركني قوله برحمة في رواية أبي عبيد بفضل ورحمة وفي رواية الكشميهني من طريقه بفضل رحمته وفي رواية الأعمش برحمة وفضل وفي رواية بشر بن سعيد منه برحمة وفي رواية بن عون بمغفرة ورحمة وقال بن عون بيده هكذا وأشار على رأسه وكأنه أراد تفسير معنى يتغمدني قال أبو عبيد المراد بالتغمد الستر وما أظنه الا مأخوذا من غمد السيف لانك إذا اغمدت السيف فقد ألبسته الغمد وسترته به قال الرافعي في الحديث أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه انما عمل بتوفيق الله وانما ترك المعصية بعصمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته قوله سددوا في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعناه اقصدوا السداد أي الصواب ومعنى هذا الاستدراك أنه قد يفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فائدة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل الجنة فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة قوله وقاربوا أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك الى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا وقد أخرج البزار من طريق محمد بن سوقة عن بن المنكدر عن جابر ولكن صوب إرساله وله شاهد في الزهد لابن المبارك من حديث عبد الله بن عمرو موقوف ان هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا بتغضوا الى أنفسكم عبادة الله فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى والمنبت بنون ثم موحدة ثم مثناة ثقيلة أي الذي عطب مركوبه من شدة السير مأخوذ من البت وهو القطع أي صار منقطعا لم يصل الى مقصوده وفقد مركوبه الذي كان يوصله لو رفق به وقوله أوغلوا بكسر المعجمة من الوغول وهو الدخول في الشيء قوله واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة في رواية الطيالسي عن بن أبي ذئب وخطا من الدلجة والمراد بالغدو السير من أول النهار وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار والدلجة بضم المهملة وسكون اللام ويجوز فتحها وبعد اللام جيم سير الليل يقال سار دلجة من الليل أي ساعة فلذلك قال شيئا من الدلجة لعسر سير جميع الليل فكأن فيه إشارة الى صيام جميع النهار وقيام بعض الليل والى أعم من ذلك من سائر أوجه العبادة وفيه إشارة الى الحث على الرفق في العبادة وهو الموافق للترجمة وعبر بما يدل على السير لان العابد كالسائر الى محل اقامته وهو الجنة وشيئا منصوب بفعل محذوف أي افعلوا وقد تقدم بأبسط من هذا في كتاب الإيمان في باب الدين يسر قوله والقصد القصد بالنصب على الإغراء أي الزموا الطريق الوسط المعتدل ومنه قوله في حديث جابر بن سمرة عند مسلم كانت خطبته قصدا أي لا طويلة ولا قصيرة واللفظ الثاني للتأكيد ووقفت على سبب لهذا الحديث فأخرج بن ماجة من حديث جابر قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يصلي على صخرة فأتى ناحية فمكث ثم انصرف فوجده على حاله فقام فجمع يديه ثم قال أيها الناس عليكم القصد عليكم القصد الحديث الرابع

[ 6099 ] قوله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله هو الأويسي وسليمان هو بن بلال قوله عن موسى بن عقبة قال الإسماعيلي بعد أن أخرجه من طريق محمد بن الحسين المخزومي عن سليمان بن بلال عن عبد العزيز بن المطلب عن موسى بن عقبة لم أر في كتاب البخاري عن عبد العزيز بن المطلب بين سليمان وموسى قلت وهو المحفوظ والذي زاده غير معتمد لأنه متفق على ضعفه وهو المعروف بابن زبالة بفتح الزاي وتخفيف الموحدة المدني وهذا من الامثلة لما تعقبته على بن الصلاح في جزمه بأن الزيادات التي تقع في المستخرجات يحكم بصحتها لأنها خارجة مخرج الصحيح ووجه التعقب أن الذين استخرجوا لم يصرحوا بالتزام ذلك سلمنا أنهم التزموا ذلك لكن لم يفوا به وهذا من أمثلة ذلك فإن بن زبالة ليس من شرط الصحيح قوله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن سيأتي ما يتعلق باتصاله بعد حديثين وقد تقدم شرح المتن في الذي قبله قوله وأن احب الأعمال الخ خرج هذا جواب سؤال سيأتي بيانه في الذي بعده الحديث الخامس

[ 6100 ] قوله عن سعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة شيخه هو عمه قوله عن عائشة وقع عند النسائي من طريق بن إسحاق وهو السبيعي عن أبي سلمة عن أم سلمة فذكر معنى حديث عائشة ورواية سعد بن إبراهيم أقوى لكون أبي سلمة بلديه وقريبه بخلاف بن إسحاق في الامرين ويحتمل أن يكون عند أبي سلمة عن أمي المؤمنين لاختلاف السياقين فإن لفظه عن أم سلمة بعد زيادة في أوله وكان أحب الأعمال إليه الذي يدوم عليه العبد وان كان يسيرا وقد تقدم من طريق القاسم بن محمد عن عائشة نحو سياق أبي سلمة عن عائشة قوله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال احب الى الله لم اقف على تعيين السائل عن ذلك لكن قوله قال أدومها وان قل فيه سؤال وهو أن المسئول عنه احب الأعمال وظاهره السؤال عن ذات العمل فلم يتطابقا ويمكن أن يقال ان هذا السؤال وقع بعد قوله في الحديث الماضي في الصلاة وفي الحج وفي بر الوالدين حيث أجاب بالصلاة ثم بالبر الخ ثم ختم ذلك بأن المداومة على عمل من أعمال البر ولو كان مفضولا احب الى الله من عمل يكون أعظم اجرا لكن ليس فيه مداومة قوله وقال أي النبي صلى الله عليه وسلم هو موصول بالسند المذكور قوله اكلفوا بفتح اللام وبضمها أيضا قال بن التين هو في اللغة بالفتح ورويناه بالضم والمراد به الابلاغ بالشيء الى غايته يقال كلفت بالشيء إذا أولعت به ونقل بعض الشراح أنه روى بفتح الهمزة وكسر اللام من الرباعي ورد بأنه لم يسمع أكلف بالشيء قال المحب الطبري الكلف بالشيء التولع به فاستعير للعمل للالتزام والملابسة وألفه الف وصل والحكمة في ذلك أن المديم للعمل يلازم الخدمة فيكثر التردد الى باب الطاعة كل وقت ليجازي بالبر لكثرة تردده فليس هو كمن لازم الخدمة مثلا ثم انقطع وأيضا فالعامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء ومن ثم ورد الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه والمراد بالعمل هنا الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات قوله ما تطيقون أي قدر طاقتكم والحاصل أنه أمر بالجد في العبادة والابلاغ بها الى حد النهاية لكن بقيد مالا تقع معه المشقة المفضية الى السآمة والملال الحديث السادس

[ 6101 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو بن قيس وهو خال إبراهيم والسند كله الى عائشة كوفيون قوله هل كان يخص شيئا من الأيام أي بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره قالت لا وقد استشكل ذلك بما ثبت عنها أن أكثر صيامه كان في شعبان كما تقدم تقريره في كتاب الصيام وبأنه كان يصوم أيام البيض كما ثبت في السنن وتقدم بيانه أيضا وأجيب بأن مرادها تخصيص عبادة معينة في وقت خاص واكثاره الصيام في شعبان انما كان لأنه كان يعتريه الوعك كثيرا وكان يكثر السفر في الغزو فيفطر بعض الأيام التي كان يريد أن يصومها فيتفق أن لا يتمكن من قضاء ذلك الا في شعبان فيصير صيامه في شعبان بحسب الصورة أكثر من صيامه في غيره واما أيام البيض فلم يكن يواظب على صيامها في أيام بعينها بل كان ربما صام من أول الشهر وربما صام من وسطه وربما صام من آخره ولهذا قال أنس ما كنت تشاء أن تراه صائما من النهار الا رأيته ولا قائما من الليل الا رأيته وقد تقدم هذا كله بأبسط من هذا في كتاب الصيام أيضا قوله كان عمله ديمة بكسر الدال المهملة وسكون التحتانية أي دائما والديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق ثم استعمل في غيره وأصلها الواو فانقلبت بالكسرة قبلها ياء قوله وأيكم يستطيع الخ أي في العبادة كمية كانت أو كيفية من خشوع وخضوع واخبات وإخلاص والله اعلم الحديث السابع

[ 6102 ] قوله محمد بن الزبرقان بكسر الزاي والراء بينهما باء موحدة وبالقاف هو أبو همام الأهوازي وثقه على بن المديني والدارقطني وغيرهما وقال أبو حاتم الرازي صدوق وذكره بن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد تبع فيه قوله قال أظنه عن أبي النضر هو سالم بن أبي أمية المدني التيمي وفاعل أظنه هو على بن المديني شيخ البخاري فيه وكأنه جوز أن يكون موسى بن عقبة لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة بن عبد الرحمن وأن بينهما فيه واسطة وهو أبو النضر لكن قد ظهر من وجه آخر ان لا واسطة لتصريح وهيب وهو بن خالد عن موسى بن عقبة بقوله سمعت أبا سلمة وهذا هو النكتة في إيراد الرواية المعلقة بعدها عن عفان عن وهيب وطريق عفان هذه وصلها أحمد في مسنده قال حدثنا عفان بسنده وأخرجها البيهقي في الشعب من طريق إبراهيم الحربي عن عفان وأخرج مسلم الحديث المذكور من طريق بهز بن أسد عن وهيب قوله سددوا وأبشروا هكذا اقتصر على طرف المتن لان غرضه منه بيان اتصال السند فاكتفى وقد ساقه أحمد بتمامه عن عفان مثل رواية أبي همام سواء لكن قدم وأخر في بعض ألفاظه وكذا لمسلم في رواية بهز وزاد في آخره واعملوا أن احب العمل الى الله أدومه وان قل ومضى لنحو هذا الحديث في كتاب اللباس سبب وهو من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه في النهار فيجلس عليه فجعل الناس يصلون عليه بصلاته حتى كثروا فأقبل عليهم فقال يا أيها الناس عليكم من الأعمال بما تطيقون ووقفت له على سبب آخر وهو عند بن حبان من حديث أبي هريرة قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فأتاه جبريل فقال ان ربك يقول لك لا تقنط عبادي فرجع إليهم فقال سددوا وقاربوا قال بن حزم في كلامه على مواضع من البخاري معنى الأمر بالسداد والمقاربة أنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك الى أنه بعث ميسرا مسهلا فأمر أمته بأن يقتصدوا في الأمور لأن ذلك يقتضي الإستدامة عادة قوله وقال مجاهد سديدا سدادا صدقا كذا ثبت للأكثر والذي ثبت عن مجاهد عند الفريابي والطبري وغيرهما من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى قولا سديدا قال سدادا والسداد بفتح أوله العدل المعتدل الكاف وبالكسر ما يسد الخلل والذي وقع في الرواية بالفتح وزعم مغلطاي وتبعه شيخنا بن الملقن أن الطبري وصل تفسير مجاهد عن موسى بن هارون بن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدى عن بن أبي نجيح عن مجاهد وهذا وهم فاحش فما للسدي عن بن أبي نجيح رواية ولا أخرجه الطبري من هذا الوجه وانما اخرج من وجه اخر عن السدى عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله قولا سديدا قال القول السديد أن يقول لمن حضره الموت قدم لنفسك واترك لولدك واخرج اثر مجاهد من رواية ورقاء عن بن أبي نجيح وأخرج أيضا من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال في قوله تعالى قولا سديدا قال عدلا يعني في منطقه وفي عمله قال والسداد الصدق وكذا أخرجه بن أبي حاتم عن قتادة ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن البصري في قوله قولا سديدا قال صدقا واخرج الطبري من طريق الكلبي مثله والذي أظنه أنه سقط من الأصل لفظه والتقدير قال مجاهد سدادا وقال غيره صدقا أو الساقط منه لفظة أي كأن المصنف أراد تفسير ما فسر به مجاهد السديد الحديث الثامن

[ 6103 ] قوله فليح هو بن سليمان والإسناد لكنه مدنيون قوله صلى لنا يوما الصلاة وقع في رواية الزهري عن أنس انها الظهر قوله ثم رقى بفتح أوله وكسر القاف عن الارتقاء أي صعد وزنا ومعنى قوله من قبل أي من جهة وزنا ومعنى قوله أريت بضم الهمزة وكسر الراء وفي بعضها رأيت بفتحتين قوله ممثلتين أي مصورتين وزنا ومعنى يقال مثله إذا صوره كأنه ينظر اليه قوله في قبل بضم القاف والموحدة والمراد بالجدار جدار المسجد قوله فلم أر كاليوم في الخير والشر وقع هنا مكررا تأكيدا وقد تقدم شرح هذا اللفظ في باب وقت الظهر من أبواب المواقيت ويأتي شرح الحديث مستوفي في كتاب الاعتصام ان شاء الله تعالى وفي الحديث إشارة الى الحث على مداومة العمل لأن من مثل الجنة والنار بين عينيه كان ذلك باعثا له على المواظبة على الطاعة والانكفاف عن المعصية وبهذا التقريب تظهر مناسبة الحديث للترجمة

قوله باب الرجاء مع الخوف أي استحباب ذلك فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف ولا في الخوف عن الرجاء لئلا يفضي في الأول الى المكر وفي الثاني الى القنوط وكل منهما مذموم المقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو ان يمحو عنه ذنبه وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا اقلاع فهذا في غرور وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو وقد أخرج بن ماجة من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الذي يسرق ويزني قال لا ولكنه الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف ان لا يقبله منه وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة وقيل الأول ان يكون الخوف في الصحة أكثر وفي المرض عكسه وأما عند الأشراف على الموت فاستحب قوم الإقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار الى الله تعالى ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته ويؤيده حديث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله وسيأتي الكلام عليه في كتاب التوحيد وقال آخرون لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن ويؤيده ما اخرج الترمذي عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له كيف تجدك فقال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف ولعل البخاري أشار اليه في الترجمة ولما لم يوافق شرطه أورد ما يؤخذ منه وان لم يكن مساويا له في التصريح بالمقصود قوله وقال سفيان هو بن عيينة ما في القرآن آية أشد علي من قوله تعالى قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل اليكم من ربكم وقد تقدم الكلام على هذا الأثر وبيانه والبحث فيه في تفسير المائدة ومناسبته للترجمة من جهة أن الآية تدل أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم تحصل له النجاة لكن يحتمل أن يكون ذلك من الإصر الذي كان كتب على من قبل هذه الأمة فيحصل الرجاء بهذه الطريق مع الخوف

[ 6104 ] قوله حدثنا قتيبة هو بن سعيد وثبت كذلك لغير أبي ذر وعمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وهما مدنيان قوله ان الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة قال بن الجوزي رحمة الله صفة من صفات ذاته وليس هي بمعنى الرقة التي في صفات الادميين بل ضرب ذلك مثلا لما يعقل من ذكر الاجزاء ورحمة المخلوقين والمراد أنه أرحم الراحمين قلت المراد بالرحمة هنا ما يقع من صفات الفعل كما سأقرره فلا حاجة للتأويل وقد تقدم في أوائل الأدب جواب آخر مع مباحث حسنة وهو في باب جعل الله الرحمة مائة جزء قوله وأرسل في خلقه كلهم كذا لهم وكذا للإسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولأبي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة وذكر الكرماني أن في بعض الروايات في خلقه كله قوله فلو يعلم الكافر كذا ثبت في هذه الطريق بالفاء إشارة الى ترتيب ما بعدها على ما قبلها ومن ثم قدم ذكر الكافر لان كثرتها وسعتها تقتضي أن يطمع فيها كل أحد ثم ذكر المؤمن استطرادا وروى هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقطعه حديثين اخرجهما مسلم من طريقه فذكر حديث الرحمة بلفظ خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه وخبأ عنده مائة الا واحدة وذكر الحديث الآخر بلفظ لو يعلم المؤمن الخ والحكمة في التعبير بالمضارع دون الماضي الإشارة الى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذ امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى قوله بكل الذي استشكل هذا التركيب لكون كل إذا اضيفت الى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الاجزاء لا لعموم الافراد والغرض من سياق الحديث تعميم الافراد وأجيب بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذ لعموم الاجزاء في الأصل أو نزلت الأجزاء منزلة الأفراد مبالغة قوله لم ييأس من الجنة قيل المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء أو المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته الى مقابلها يطمعه في الرحمة ومطابقة الحديث للترجمة أنه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف فمن علم أن من صفات الله تعالى الرحمة لمن أراد أن يرحمه والانتقام ممن أراد أن ينتقم منه لا يأمن انتقامه من يرجو رحمته ولا ييأس من رحمته من يخاف انتقامه وذلك باعث على مجانبة السيئة ولو كانت صغيرة وملازمة الطاعة ولو كانت قليلة قيل في الجملة الأولى نوع اشكال فان الجنة لم تخلق للكافر ولا طمع له فيها فغير مستبعد أن يطمع في الجنة من لا يعتقد كفر نفسه فيشكل ترتب الجواب على ما قبله وأجيب بأن هذه الكلمة سيقت لترغيب المؤمن في سعة رحمة الله التي لو علمها الكافر الذي كتب عليه انه يختم عليه أنه لا حظ له في الرحمة لتطاول إليها ولم ييأس منها اما بايمانه المشروط واما لقطع نظره عن الشرط مع تيقنه بأنه على الباطل واستمراره عليه عنادا وإذا كان ذلك حال الكافر فكيف لا يطمع فيها المؤمن الذي هداه الله للايمان وقد ورد أن إبليس يتطاول للشفاعة لما يرى يوم القيامة من سعة الرحمة أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث جابر ومن حديث حذيفة وسند كل منهما ضعيف وقد تكلم الكرماني هنا على لو بما حاصله انها هنا لانتفاء الثاني وهو الرجاء لانتفاء الأول وهو العلم فأشبهت لو جئتني أكرمتك وليست لانتفاء الأول لانتفاء الثاني كما بحثه بن الحاجب في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا والعلم عند الله قال والمقصود من الحديث أن المكلف ينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء حتى لا يكون مفرطا في الرجاء بحيث يصير من المرجئة القائلين لا يضر مع الإيمان شيء ولا في الخوف بحيث لا يكون من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة في النار بل يكون وسطا بينهما كما قال الله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه ومن تتبع دين الإسلام وجد قواعده أصولا وفروعا كلها في جانب الوسط والله اعلم

قوله باب الصبر عن محارم الله يدخل في هذا المواظبة على فعل الواجبات والكف عن المحرمات وذلك ينشأ عن علم العبد بقبحها وأن الله حرمها صيانة لعبده عن الرذائل فيحمل ذلك العاقل على تركها ولو لم يرد على فعلها وعيد ومنها الحياء منه والخوف منه أن يوقع وعيده فيتركها لسوء عاقبتها وأن العبد منه بمرأى ومسمع فيبعثه ذلك على الكف عما نهى عنه ومنها مراعاة النعم فإن المعصية غالبا تكون سببا لزوال النعمة ومنها محبة الله فإن المحب يصير نفسه على مراد من يحب وأحسن ما وصف به الصبر أنه حبس النفس عن المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج وقد أثنى الله على الصابرين في عدة آيات وتقدم في أوائل كتاب الإيمان حديث الصبر نصف الإيمان معلقا قال الراغب الصبر الإمساك في ضيق صبرت الشيء حبسته فالصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع وتختلف معانيه بتعلقاته فإن كان عن مصيبة سمي صبرا فقط وان كان في لقاء عدو سمي شجاعة وان كان عن كلام سمي كتمانا وان كان عن تعاطي ما نهى عنه سمي عفة قلت وهو المقصود هنا قوله انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب كذا للأكثر ولأبي ذر وقوله تعالى وفي نسخة عز وجل ومناسبة هذه الآية للترجمة انها صدرت بقوله تعالى قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم ومن اتقى ربه كف عن المحرمات وفعل الواجبات والمراد بقوله بغير حساب المبالغة في التكثير قوله وقال عمر وجدنا خير عيشنا بالصبر كذا للأكثر وللكشميهني بحذف الموحدة وهو بالنصب على نزع الخافض والأصل في الصبر والباء بمعنى في وقد وصله أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد قال قال عمر وجدنا خير عيشنا الصبر وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق أحمد كذلك وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد من وجه آخر عن مجاهد به وأخرجه الحاكم من رواية مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر والصبر ان عدي بعن كان في المعاصي وان عدي بعلي كان في الطاعات وهو في الآية والحديث وفي أثر عمر شامل للأمرين والترجمة لبعض ما دل عليه الحديث وذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي سعيد الخدري

[ 6105 ] قوله أن اناسا من الأنصار لم اقف على اسمائهم وتقدم في الزكاة من طريق مالك عن بن شهاب الإشارة الى أن منهم أبا سعيد ووقع عند أحمد من طريق أبي بشر عن أبي نضرة عن أبي سعيد ان رجلا كان ذا حاجة فقال له أهله ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فأتاه فذكر نحو المتن المذكور هنا ومن طريق عمارة بن غزبة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سرحتني أمي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فأتيته فقال الحديث فعرف المراد بقوله أهله ومن طريق هلال بن حصين قال نزلت على أبي سعيد فحدث أنه أصبح وقد عصب على بطنه حجرا من الجوع فقالت له امرأته أو أمه ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه الحديث ووقع عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه وقع له نحو ما وقع لأبي سعيد وأن ذلك حين افتتحت قريظة قوله ان ناسا في بعض النسخ ان أناسا والمعنى واحد قوله فلم يسأله أحد منهم كذا للكشميهني ولغيره بحذف الضمير وتقدم في الزكاة بلفظ سألوا فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد فجعل لا يسأله أحد منهم الا أعطاه قوله حتى نفد بفتح النون وكسر الفاء أي فرغ قوله فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيديه يحتمل أن تكون هذه الجملة حالية أو اعتراضية أو استئنافية والباء تتعلق بقوله شيء ويحتمل أن تتعلق بقوله أنفق ووقع في رواية معمر فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده وسقطت هذه الزيادة من رواية مالك قوله ما يكون عندي من خير أي مال وما موصوله متضمنة معنى الشرط وفي رواية صوبها الدمياطي ما يكن وما حينئذ شرطية وليست الأولى خطأ قوله لا أدخره عنكم بالادغام وبغيره وفي رواية مالك فلم وعنه فلن أدخره عنكم أي اجعله دخيرة لغيركم معرضا عنكم وداله مهملة وقيل معجمة قوله وانه من يستعف كذا للأكثر بتشديد الفاء وللكشميهني يستعفف بفاءين وقوله يعفه الله بتشديد الفاء المفتوحة قوله ومن يستغن يغنه الله قدم في رواية مالك الاستغناء على التصبر ووقع في رواية عبد الرحمن بن أبي سعيد بدل التصبر ومن استكفى كفاه الله وزاد ومن سأل وله قيمة أوقية فقد الحف وزاد في رواية هلال ومن سألنا اما ان نبذل له واما ان نواسيه ومن يستعف أو يستغن أحب إلينا ممن يسألنا قوله ولن تعطوا عطاء في رواية مالك وما أعطى أحد عطاء وأعطى بضم أوله على البناء للمجهول قوله خيرا وأوسع من الصبر كذا بالنصب في هذه الرواية وهو متجه ووقع في رواية مالك هو خير بالرفع ولمسلم عن عطاء خير قال النووي كذا في نسخ مسلم خير بالرفع وهو صحيح والتقدير هو خير كما في رواية البخاري يعني من طريق مالك وفي الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله وان الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكون الجزاء عليه غير مقدر ولا محدود وقال القرطبي معنى قوله من يستعف أي يمتنع عن السؤال وقوله يعفه الله أي انه يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته وقوله ومن يستغن أي بالله عمن سواه وقوله يغنه أي فإنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس كما تقدم تقريره وقوله ومن يتصبر أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر الى أن يحصل له الرزق وقوله يصبره الله أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه وقال بن الجوزي لما كان التعفف يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى عنهم فيكون صاحبه معاملا لله في الباطن فيقع له الربح على قدر الصدق في ذلك وانما جعل الصبر خير العطاء لأنه حبس النفس عن فعل ما تحبه والزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في الآجل وقال الطيبي معنى قوله من يستعفف يعفه الله أي ان عف عن السؤال ولو لم يظهر الاستغناء عن الناس لكنه ان أعطى شيئا لم يتركه يملأ الله قلبه غني بحيث لا يحتاج الى سؤال ومن زاد على ذلك فاظهر الاستغناء فتصبر ولو أعطى لم يقبل فذاك ارفع درجة فالصبر جامع لمكارم الأخلاق وقال بن التين معنى قوله يعفه الله اما ان يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال واما ان يرزقه القناعة والله اعلم الحديث الثاني حديث المغيرة

[ 6106 ] قوله حتى ترم بكسر الراء وقوله أو تنتفخ شك من الراوي وهو بمعناه وقوله فيقال له القائل له ذلك عائشة قوله أفلا أكون عبدا شكورا تقدم شرحه مع شرح بقية الحديث مستوفى في أوائل أبواب التهجد ووجه مناسبته للترجمة أن الشكر واجب وترك الواجب حرام وفي شغل النفس بفعل الواجب صبر على فعل الحرام والحاصل أن الشكر يتضمن الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية قال بعض الأئمة الصبر يستلزم الشكر لا يتم الا به وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الاخر فمن كان في نعمة ففرضه الشكر والصبر أما الشكر فواضح وأما الصبر فعن المعصية ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر أما الصبر فواضح وأما الشكر فالقيام بحق الله عليه في تلك البلية فإن لله على العبد عبودية في البلاء كما له عليه عبودية في النعماء ثم الصبر على ثلاثة أقسام صبر عن المعصية فلا يرتكبها وصبر على الطاعة حتى يؤديها وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها والمرء لا بد له من واحدة من هذه الثلاث فالصبر لازم له أبدا لا خروج له عنه والصبر سبب في حصول كل كمال والى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الأول ان الصبر إن خير ما اعطيه العبد وقال بعضهم الصبر تارة يكون لله وتارة يكون بالله فالأول الصابر لامر الله طلبا لمرضاته فيصبر على الطاعة ويصبر عن المعصية والثاني المفوض لله بأن يبرأ من الحول والقوة ويضيف ذلك الى ربه وزاد بعضهم الصبر على الله وهو الرضا بالمقدور فالصبر لله يتعلق بالهيته ومحبته والصبر به يتعلق بمشيئته وارادته والثالث يرجع الى القسمين الأولين عند التحقيق فإنه لا يخرج عن الصبر على أحكامه الدينية وهي أوامره ونواهيه والصبر على ابتلائه وهو أحكامه الكونية والله اعلم

قوله باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه استعمل لفظ الآية ترجمة لتضمنها الترغيب في التوكل وكأنه أشار الى تقييد ما أطلق في حديث الباب قبله وأن كلا من الاستغناء والتصبر والتعفف إذا كان مقرونا بالتوكل على الله فهو الذي ينفع وينجع وأصل التوكل الوكول يقال وكلت أمري الى فلان أي الجأته اليه واعتمدت فيه عليه ووكل فلان فلانا استكفاه امره ثقة بكفايته والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها وليس المراد به ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين لأن ذلك قد يجر الى ضد ما يراه من التوكل وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله جعل رزقي تحت ظل رمحي وقال لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر انها تغدو وتروح في طلب الرزق قال وكان الصحابة يتجرون ويعملون في تخيلهم والقدوة بهم انتهى والحديث الأول سبق الكلام عليه في الجهاد والثاني أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه قوله وقال الربيع بن خثيم بمعجمة ومثلثة مصغر قوله من كل ما ضاق على الناس وصله الطبراني وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن الربيع بن خثيم قال في قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية قال من كل شيء ضاق على الناس والربيع المذكور من كبار التابعين صحب بن مسعود وكان يقول له لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك أورد ذلك أحمد في الزهد بسند جيد وحديثه مخرج في الصحيحين وغيرهما والربيع بن منذر لم يخرجوا عنه لكن ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وذكره بن حبان في الثقات وأبوه متفق على توثيقه والتخريج عنه

[ 6107 ] قوله حدثني إسحاق هو بن منصور كما أوضحته في المقدمة وغلط من قال انه بن إبراهيم وسيأتي شرح الحديث مستوفي في باب يدخل الجنة سبعون ألفا بعد ثمانية وعشرين بابا ان شاء الله تعالى

قوله باب ما يكره من قيل وقال ذكر فيه حديث المغيرة بن شعبة في ذلك قال أبو عبيد جعل القال مصدرا كأنه قال نهى عن قيل وقول تقول قلت قولا وقيلا وقالا والمراد أنه نهى عن الإكثار بما لا فائدة فيه من الكلام وهذا على أن الرواية فيه بالتنوين وقال غيره اسمان يقال كثير القيل والقال وفي حرف بن مسعود ذلك عيسى بن مريم قال الحق بضم اللام وقال بن دقيق العيد الأشهر منه فتح اللام فيهما على سبيل الحكاية وهو الذي يقتضيه المعنى لان القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول فلا يكون في عطف أحدهما على الاخر كبير فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين وقال المحب الطبري إذا كانا اسمين يكون الثاني تأكيدا والحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطأ قلت وفي الترجمة إشارة الى أن جميع ذلك لا يكره لأن من عمومه ما يكون في الخبر المحض فلا يكره والله اعلم وذهب بعضهم الى أن المراد حكاية أقاويل الناس والبحث عنها كما يقال قال فلان كذا وقيل عنه كذا مما يكره حكايته عنه وقيل هو أن يذكر للحادثة عن العلماء اقوالا كثيرة ثم يعمل بأحدها بغير مرجح أو يطلقها من غير تثبت ولا احتياط لبيان الراجح والنهي عن كثرة السؤال يتناول الالحاف في الطلب والسؤال عما لا يعني السائل وقيل المراد بالنهي المسائل التي نزل فيها لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم وقيل يتناول الإكثار من تفريع المسائل ونقل عن مالك أنه قال والله انى لاخشى أن يكون هذا الذي أنتم فيه من تفريع المسائل ومن ثم كره جماعة من السلف السؤال عما لم يقع لما يتضمن من التكلف في الدين والتنطع والرجم بالظن من غير ضرورة وقد تقدم كثير من هذه المباحث عند شرح الحديث في كتاب الصلاة وان المراد بالنهي عن كثرة السؤال في المال ورجحه بعضهم لمناسبته لقوله واضاعة المال وتقدم شيء من هذا في كتاب الزكاة وأما من فسره بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم وما في أيديهم أو عن أحداث الزمان ومالا يعني السائل فإنه بعيد لأنه داخل في قوله نهى عن قيل وقال والله اعلم

[ 6108 ] قوله حدثنا علي بن مسلم كذا للأكثر ووقع للكشميهني وحده وقال علي بن مسلم وجزم أبو نعيم في المستخرج بما عليه الجمهور قوله أنبأنا غير واحد منهم مغيرة هو بن مقسم الضبي وفلان ورجل ثالث المراد بفلان مجالد بن سعيد فقد أخرجه بن خزيمة في صحيحه عن زياد بن أيوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا حدثنا هشيم أنبأنا غير واحد منهم مغيرة ومجالد وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي خيثمة عن هشيم وكذا أخرجه أحمد عن هشيم وأخرجه النسائي عن يعقوب الدورقي لكن قال في روايته عن غير واحد منهم مغيرة ولم يسم مجالدا وأخرجه أيضا عن الحسن بن إسماعيل عن هشيم أنبأنا مغيرة وذكر آخر ولم يسمه وكأنه مجالد وأخرجه أبو يعلى عن زكريا بن يحيى عن هشيم عن مغيرة عن الشعبي ولم يذكر مع مغيرة أحدا وأما الرجل الثالث فيحتمل أنه داود بن أبي هند فقد أخرجه بن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن أبي بكير الكرماني عن هشيم قال أنبأنا داود بن أبي هند وغيره عن الشعبي به ويحتمل أن يكون زكريا بن أبي زائدة أو إسماعيل بن أبي خالد فقد أخرجه الطبراني من طريق الحسن بن علي بن راشد الواسطي عن هشيم عن مغيرة وزكريا بن أبي زائدة ومجالد وإسماعيل بن أبي خالد كلهم عن الشعبي والحسن المذكور ثقة من شيوخ أبي داود تكلم فيه عبدان بما لا يقدح فيه وقال بن عدي لم أر له حديثا منكرا قوله فكتب اليه المغيرة ظاهره أن المغيرة باشر الكتابة وليس كذلك فقد أخرجه بن حبان من طريق عاصم الأحول عن الشعبي ان معاوية كتب الى المغيرة اكتب الي بحديث سمعته فدعا غلامه ورادا فقال اكتب فذكره وقوله لا إله إلا الله الى قوله وهو على كل شيء قدير زاد في نسخة الصغاني هنا ثلاث مرات وأخرجه الطبراني من طريق عبد الملك بن عمير عن وراد كتب معاوية الى المغيرة اكتب الي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتبت اليه بخطي ولم أقف على تسمية من كتب لمعاوية صريحا الا ان المغيرة كان معاوية أمره على الكوفة في سنة إحدى وأربعين الى أن مات سنة خمسين أو في التي بعدها وكان كاتب معاوية إذ ذاك عبيد بن أوس الغساني وفي الحديث حجة على من لم يعمل في الرواية بالمكاتبة واعتل بعضهم بأن العمدة حينئذ على الذي بلغ الكتاب كأن يكون الذي أرسله أمره ان يوصل الكتاب وأن يبلغ ما فيه مشافهة وتعقب بأن هذا يحتاج الى نقل وعلى تقدير وجوده فتكون الرواية عن مجهول ولو فرض أنه ثقة عند من أرسله ومن أرسل اليه فتجيء فيه مسألة التعديل على الإبهام والمرجح عدم الاعتداد به قوله وعن هشيم أنبأنا عبد الملك بن عمير هو موصول بالطريق التي قبله وقد وصله الإسماعيلي من رواية يعقوب الدورقي وزياد بن أيوب قالا حدثنا هشيم عن عبد الملك به قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا أطلق وظاهره أن الرواية كالتي قبلها وهو كذلك عند الإسماعيلي وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي الربيع الزهراني عن هشيم فقال في سياقه كتب معاوية الى المغيرة أن اكتب الي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره

قوله باب حفظ اللسان أي عن النطق بما لا يسوغ شرعا مما لا حاجة للمتكلم به وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي في الشعب من حديث أبي جحيفة رفعه أحب الأعمال الى الله حفظ اللسان قوله ومن كان يؤمن بالله الخ وقع عند أبي ذر وقول النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان يؤمن بالله الخ وقد أورده موصولا في الباب بلفظه قوله وقول الله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد كذا لأبي ذر وللأكثر وقوله ما يلفظ الخ ولابن بطال وقد أنزل الله تعالى ما يلفظ الآية وقد تقدم ما يتعلق بتفسيرها في تفسير سورة ق وقال بن بطال جاء عن الحسن انهما يكتبان كل شيء وعن عكرمة يكتبان الخير والشر فقط ويقوي الأول تفسير أبي صالح في قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت قال تكتب الملائكة كل ما يتلفظ به الإنسان ثم يبت الله من ذلك ماله وما عليه ويمحو ما عدا ذلك قلت هذا لو ثبت كان نصا في ذلك ولكنه من رواية الكلبي وهو ضعيف جدا والرقيب هو الحافظ والعتيد هو الحاضر وورد في فضل الصمت عدة أحاديث منها حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي قال هذا وأخذ بلسانه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وتقدم في الإيمان حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ولأحمد وصححه بن حبان من حديث البراء وكف لسانك الا من خير وعن عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك الحديث أخرجه الترمذي وحسنة وفي حديث معاذ مرفوعا ألا أخبرك بملاك الأمر كله كف هذا وأشار الى لسانه قلت يا رسول الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به قال وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد ألسنتهم أخرجه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة كلهم من طريق أبي وائل عن معاذ مطولا وأخرجه أحمد أيضا من وجه أخر عن معاذ وزاد الطبراني في رواية مختصرة ثم انك لن تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب عليك أو لك وفي حديث أبي ذر مرفوعا عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان أخرجه أحمد والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وعن بن عمر رفعه من صمت نجا أخرجه الترمذي ورواته ثقات وعن أبي هريرة رفعه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أخرجه الترمذي وحسنه وذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث الأول

[ 6109 ] قوله حدثني كذا لأبي ذر وللباقين حدثنا وكذا للجميع في هذا السند بعينه في المحاربين وعمر بن علي المقدمي بفتح القاف وتشديد الدال هو عم محمد بن أبي بكر الراوي عنه وقد تقدم أن عمر مدلس لكنه صرح هنا بالسماع قوله عن سهل بن سعد هو الساعدي قوله من يضمن بفتح أوله وسكون الضاد المعجمة والجزم من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان وأراد لازمه وهو أداء الحق الذي عليه فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام وسيأتي في المحاربين عن خليفة بن خياط عن عمر بن علي بلفظ من توكل وأخرجه الترمذي عن محمد بن عبد الأعلى عن عمر بن علي بلفظ من تكفل وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وعمر بن علي هو الفلاس وغيرهما قالوا حدثنا عمر بن علي بلفظ من حفظ عند أحمد وأبي يعلى من حديث أبي موسى بسند حسن وعند الطبراني من حديث أبي رافع بسند جيد لكن قال فقميه بدل لحييه وهو بمعناه والفقم بفتح الفاء وسكون القاف قوله لحييه بفتح اللام وسكون المهملة والتثنية هما العظمان في جانبي الفم والمراد بما بينهما اللسان وما يتأتى به النطق وبما بين الرجلين الفرج وقال الداودي المراد بما بين اللحيين الفم قال فيتناول الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأتى بالفم من الفعل قال ومن تحفظ من ذلك أمن من الشر كله لأنه لم يبق الا السمع والبصر كذا قال وخفي عليه أنه بقي البطش باليدين وانما محمل الحديث على أن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب فإذا لم ينطق به الا في خير سلم وقال بن بطال دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه فمن وقي شرهما وقى أعظم الشر قوله أضمن له بالجزم جواب الشرط وفي رواية خليفة توكلت له بالجنة ووقع في رواية الحسن تكفلت له قال الترمذي حديث سهل بن سعد حسن صحيح وأشار الى أن أبا حازم تفرد به عن سهل فأخرجه من طريق محمد بن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة بلفظ من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة وحسنه ونبه على أن أبا حازم الراوي عن سهل غير أبي حازم الراوي عن أبي هريرة قلت وهما مدنيان تابعيان لكن الراوي عن أبي هريرة اسمه سلمان وهو أكبر من الراوي عن سهل واسمه سلمة ولهذا اللفظ شاهد من مرسل عطاء بن يسار في الموطأ الحديث الثاني حديث أبي هريرة تقدم شرحه في أوائل كتاب الأدب وفيه الحث على اكرام الضيف ومنع أذى الجار وفيه من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت الحديث الثالث حديث أبي شريح وقد تقدم شرحه أيضا هناك وفيه فليقل خيرا أو ليسكت وفيه إكرام الضيف أيضا وتوقيت الضيافة بثلاثة أيام وقوله

[ 6111 ] الضيافة ثلاثة أيام جائزته قيل وما جائزته قال يوم وليلة وقد تقدم في الأدب بلفظ فليكرم ضيفه جائزته قال وما جائزته قال يوم وليلة وليلة وعلى ما هنا فالمعنى اعطوه جائزته فان الرواية بالنصب وان جاءت بالرفع فالمعنى تتوجه عليكم جائزته وقد تقدم بيان الاختلاف في توجيهه ووقع قوله يوم وليلة خبرا عن الجائزة وفيه حذف تقديره زمان جائزته أو تضييف يوم وليلة الحديث الرابع أورده من طريقين

[ 6012 ] قوله حدثنا كذا لأبي ذر ولغيره حدثني بالافراد في الموضعين قوله بن أبي حازم هو عبد العزيز بن دينار ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه ان عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثاه عن يزيد فيحتمل أن يكون إبراهيم لما حدث به البخاري اقتصر على بن أبي حازم ويحتمل ان يكون حدث عنهما فحذف البخاري ذكر عبد العزيز الدراوردي وعلى الأول لا اشكال وعلى الثاني يتوقف الجواز على أن اللفظ للاثنين سواء وان المذكور ليس هو لفظ المحذوف أو أن المعنى عليهما متحد تفريعا على جواز الرواية بالمعنى ويؤيد الاحتمال الأول أن البخاري اخرج بهذا الإسناد بعينه الى محمد بن إبراهيم حديثا جمع فيه بين بن أبي حازم والدراوردي وهو في باب فضل الصلاة في أوائل كتاب الصلاة قوله عن يزيد هو بن عبد الله المعروف بابن الهاد ووقع منسوبا في رواية إسماعيل المذكورة ومحمد بن إبراهيم هو التيمي ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وعيسى بن طلحة هو بن عبيد الله التيمي وثبت كذلك في رواية أبي ذر وطلحة هو أحد العشرة قوله ان العبد ليتكلم كذا للأكثر ولأبي ذر يتكلم بحذف اللام قوله بالكلمة أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة وكما يقال للقصيدة كلمة فلان قوله ما يتبين فيها أي لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره ولا يتأملها حتى يتثبت فيها فلا يقولها الا ان ظهرت المصلحة في القول وقال بعض الشراح المعنى أنه لا يبينها بعبارة واضحة وهذا يلزم منه أن يكون بين وتبين بمعنى واحد ووقع في رواية الدراوردي عن يزيد بن الهاد عند مسلم ما يتبين ما فيها وهذه أوضح و ما الأولى نافية و ما الثانية موصولة أو موصوفة ووقع في رواية الكشميهني ما يتقي بها ومعناها يؤل لما تقدم قوله يزل بها بفتح أوله وكسر الزاي بعدها لام أي يسقط قوله أبعد ما بين المشرق كذا في جميع النسخ التي وقعت لنا في البخاري وكذا في رواية إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم وأخرجه مسلم والإسماعيلي من رواية بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد بلفظ أبعد ما بين المشرق والمغرب وكذا وقع عند بن بطال وشرحه الكرماني على ما وقع عند البخاري فقال قوله ما بين المشرق لفظ بين يقتضي دخوله على المتعدد والمشرق متعدد معنى إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء وبينهما بعد كبير ويحتمل أن يكون اكتفى بأحد المتقابلين عن الآخر مثل سرابيل تقيكم الحر قال وقد ثبت في بعضها بلفظ بين المشرق والمغرب قال بن عبد البر الكلمة التي يهوى صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند السلطان الجائر وزاد بن بطال بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سببا لهلاكه وان لم يرد القائل ذلك لكنها ربما أدت الى ذلك فيكتب على القائل اثمها والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة أو يفرج بها عنه كربة أو ينصر بها مظلوما وقال غيره في الأولى هي الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها فيما يسخط الله قال بن التين هذا هو الغالب وربما كانت عند غير ذي السلطان ممن يتأتى منه ذلك ونقل عن بن وهب أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش ما لم يرد بذلك الجحد لأمر الله في الدين وقال القاضي عياض يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى والرفث وان تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وان لم يعتقد ذلك وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها قال فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه قلت وهذا الذي يجرى على قاعدة مقدمة الواجب وقال النووي في هذا الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فان ظهرت فيه مصلحة تكلم والا امسك قلت وهو صريح الحديث الثاني والثالث تنبيه وقع في رواية أبي ذر تأخير طريق عيسى بن طلحة عن الطريق الأخرى ولغيره بالعكس وسقط طريق عيسى بن طلحة عند النسفي أصلا والله أعلم

[ 6113 ] قوله في الطريق الثانية سمع أبا النضر هو هاشم بن القاسم والتقدير أنه سمع ويحذف لفظ أنه في الكتابة غالبا قوله عن أبي صالح هو ذكوان وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق قوله لا يلقي لها بالا بالقاف في جميع الروايات أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن انها تؤثر شيئا وهو من نحو قوله تعالى وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ ان أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه الى يوم القيامة وقال في السخط مثل ذلك قوله يرفع الله بها درجات كذا في رواية المستملي والسرخسي وللنسفي والأكثر يرفع الله له بها درجات وفي رواية الكشميهني يرفعه الله بها درجات قوله يهوي بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الواو قال عياض المعنى ينزل فيها ساقطا وقد جاء بلفظ ينزل بها في النار لأن دركات النار الى أسفل فهو نزول سقوط وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي بلفظ لا يرى بها بأسا يهوى بها في النار سبعين خريفا

قوله باب البكاء من خشية الله عز وجل ذكر فيه طرفا من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ولفظه رجل ذكر الله ففاضت عيناه كذا اقتصر عليه وتقدم بتمامه في أبواب المساجد مع شرحه وفيه ذكر الله خاليا وورد هنا بدونها وثبتت في رواية بن خزيمة عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه أخرجه الإسماعيلي عنه مختصرا كما هنا ويحيى هو بن سعيد القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري وخبيب بمعجمة وموحدتين مصغر ووقع هنا في ظله وبينت هناك من رواه بلفظ في ظل عرشه وظل كل شيء بحسبه ويطلق أيضا بمعنى النعيم ومنه أكلها دائم وظلها وبمعنى الجانب ومنه يسير الراكب في ظلها مائة عام وبمعنى الستر والكنف والخاصة ومنه أنا في ظلك وبمعنى العز ومنه أسبغ الله ظلك وقد ورد في البكاء من خشية الله على وفق لفظ الترجمة حديث أبي ريحانة رفعه حرمت النار على عين بكت من خشية الله الحديث أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم وللترمذي نحوه عن بن عباس ولفظه لا تمسها النار وقال حسن غريب وعن أنس نحوه عن أبي يعلى وعن أبي هريرة بلفظ لا يلج النار رجل بكى من خشية الله الحديث وصححه الترمذي والحاكم

قوله باب الخوف من الله عز وجل هو من المقامات العلية وهو من لوازم الإيمان قال الله تعالى وخافون ان كنتم مؤمنين وقال تعالى فلا تخشوا الناس واخشون وقال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء وتقدم حديث أنا اعلمكم بالله وأشدكم له خشية وكلما كان العبد أقرب الى ربه كان أشد له خشية ممن دونه وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله يخافون ربهم من فوقهم والأنبياء بقوله الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا الا الله وانما كان خوف المقربين أشد لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة ولان الواجب لله منه الشكر على المنزلة فيضاعف بالنسبة لعلو تلك المنزلة فالعبد ان كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة لقوله تعالى يحول بين المرء وقلبه أو نقصان الدرجة بالنسبة وان كان مائلا فخوفه من سوء فعله وينفعه ذلك مع الندم والاقلاع فإن الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتصديق بالوعيد عليها وان يحرم التوبة أو لا يكون ممن شاء الله أن يغفر له فهو مشفق من ذنبه طالب من ربه أن يدخله فيمن يغفر له ويدخل في هذا الباب الحديث الذي قبله وفيه أيضا ورجل دعته امرأة ذات جمال ومال فقال اني أخاف الله وحديث الثلاثة أصحاب الغار فإن أحدهم الذي عف عن المرأة خوفا من الله وترك لها المال الذي أعطاها وقد تقدم بيانه في ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء وأخرج الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة قصة الكفل وكان من بني إسرائيل وفيه أيضا انه عف عن المرأة وترك المال الذي أعطاها خوفا من الله ثم ذكر قصة الذي أوصى بأن يحرق بعد موته من حديث حذيفة وأبي سعيد وقد تقدم شرحه في ذكر بني إسرائيل أيضا

[ 6115 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وربعي هو بن حراش بالحاء المهملة وآخره شين معجمة والسند كله كوفيون قوله عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في ذكر بني إسرائيل تصريح حذيفة بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في صحيح أبي عوانة من طريق والان العبدي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر هذه القصة بعد ذكر حديث الشفاعة بطوله وذكر فيه أن الرجل المذكور آخر أهل النار خروجا منها وسيأتي التنبيه عليه في الشفاعة ان شاء الله تعالى ويتبين شذوذ هذه الرواية من حيث المتن كما ظهر شذوذها من حيث السند قوله كان رجل ممن كان قبلكم تقدم أنه من بني إسرائيل ومن ثم أورده المصنف هناك قوله يسيء الظن بعمله تقدم هناك أنه كان نباشا قوله فذروني قدمت هناك فيه ثلاث روايات بالتخفيف بمعنى الترك والتشديد بمعنى التفريق وهو ثلاثي مضاعف تقول ذررت الملح أذره ومنه الذريرة نوع من الطيب قال بن التين ويحتمل أن يكون بفتح أوله وكذا قرأناه ورويناه بضمها وعلى الأول هو من الذر وعلى الثاني من التذرية وبهمزة قطع وسكون المعجمة من أذرت العين دمعها وأذريت الرجل عن الفرس وبالوصل من ذروت الشيء ومنه تذروه الرياح قوله في البحر سيأتي نظيره في حديث سلمان وفي حديث أبي سعيد في الريح ووقع في حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد وأذروا نصفه في البر ونصفه في البحر قوله في يوم صائف تقدم في رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي بلفظ فذورني في اليم في يوم حاز بحاء مهملة وزاي ثقيلة كذا للمروزي والأصيلي ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي وكريمة عن الكشميهني بالراء المهملة وهو المناسب لرواية الباب ووجهت الأولى بأن المعنى أنه يجز البدن لشدة حره ووقع في حديث أبي سعيد الذي بعده حتى إذا كان ريح عاصف وذكر بعضهم رواية المروزي بنون بدل الزاي أي حان ريحه قال بن فارس الحون ريح تحن كحنين الإبل

[ 6116 ] قوله في الحديث عن أبي سعيد تقدم القول في تابعيه وموسى هو بن إسماعيل التبوذكي ومعتمر هو بن سليمان التيمي والسند كله بصريون قوله فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم شك من الرواي عن قتادة وتقدم في رواية أبي عوانة عن قتادة بلفظ ان رجلا كان قبلكم قوله آتاه الله مالا وولدا يعني أعطاه كذا للأكثر وهو تفسير للفظ آتاه وهي بالمد بمعنى العطاء وبالقصر بمعنى المجيء ووقع في رواية الكشميهني هنا مالا ولا معنى لاعادتها بمفردها قوله فإنه لم يبتئر عند الله خيرا فسرها قتادة لم يدخر كذا وقع هنا يبتئر بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح المثناة بعدها تحتانية مهموزة ثم رواية مهملة وتفسير قتادة صحيح وأصله من البئيرة بمعنى الذخيرة والخبيئة قال أهل اللغة بأرت الشيء وابتأرته أبأره وأبتئره إذا خبأته ووقع في رواي بن السكن لم يأبتر بتقديم الهمزة على الموحدة حكاه عياض وهما صحيحان بمعنى والأول أشهر ومعناه لم يقدم خيرا كما جاء مفسرا في الحديث يقال بأرت الشيء وابتأرته وائبترته إذا ادخرته ومنه قيل للحفرة البئر ووقع في التوحيد وفي رواية أبي زيد المروزي فيما اقتصر عليه عياض وقد ثبت عندنا كذلك في رواية أبي ذر لم يبتئر أو لم يبتئز بالشك في الزاي أو الراء وفي رواية الجرجاني بنون بدل الموحدة والزاي قال وكلاهما غير صحيح وفي بعض الروايات في غير البخاري ينتهز بالهاء بدل الهمزة وبالزاي ويمتئر بالميم بدل الموحدة وبالراء أيضا قال وكلاهما صحيح أيضا كالاولين قوله وان يقدم على الله يعذبه كذا هنا بفتح الدال وسكون القاف من القدوم وهو بالجزم على الشرطية وكذا يعذبه بالجزم على الجزاء والمعنى ان بعث يوم القيامة على هيئته يعرفه كل أحد فإذا صار رمادا مبثوثا في الماء والريح لعله يخفى ووقع في حديث حذيفة عند الإسماعيلي من رواية أبي خيثمة عن جرير بسند حديث الباب فإنه أن يقدر علي ربي لا يغفر لي وكذا في حديث أبي هريرة لئن قدر الله علي وتقدم توجيهه مستوفى في ذكر بني إسرائيل ومن اللطائف أن من جملة الأجوبة عن ذلك ما ذكره شيخنا بن الملقن في شرحه أن الرجل قال ذلك لما غلبه من الخوف وغطى على فهمه من الجزع فيعذر في ذلك وهو نظير الخبر المروي في قصة الذي يدخل الجنة آخر من يدخلها فيقال ان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها فيقول للفرح الذي دخله أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح قلت وتمام هذا أن أبا عوانة اخرج في حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق أن الرجل المذكور في حديث الباب هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فعلى هذا يكون وقع له من الخطأ بعد دخول الجنة نظير ما وقع له من الخطأ عند حضور الموت لكن أحدهما من غلبة الخوف والآخر من غلبة الفرح قلت والمحفوظ ان الذي قال أنت عبدي هو الذي وجد راحلته بعد أن ضلت وقد نبهت عليه فيما مضى قوله فأحرقوني في حديث حذيفة هناك فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت الى عظمي قوله فاسحقوني أو قال فاسهكوني هو شك من الراوي ووقع في رواية أبي عوانة اسحقوني بغير شك والسهك بمعنى السحق ويقال هو دونه ووقع في حديث حذيفة عند الإسماعيلي احرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني قوله ثم إذا كان في رواية الكشميهني حتى إذا كان قوله فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي هو من القسم المحذوف جوابه ويحتمل أن يكون حكاية الميثاق الذي أخذه أي قال لمن أوصاه قل وربي لأفعلن ذلك ويؤيده ان عند مسلم فأخذ منهم يمينا لكن يؤيد الأول أنه وقع في رواية مسلم أيضا ففعلوا به ذلك وربى فتعين أنه قسم من المخبر وزعم بعضهم أن الذي في البخاري هو الصواب ولا يخفى أن الذي عند مسلم لعله أصوب ووقع في بعض النسخ من مسلم وذري بضم المعجمة وتشديد الراء المكسورة بدل وربي أي فعلوا ما أمرهم به من التذرية قال عياض ان كانت محفوظه فهي الوجه ولعل الذال سقطت لبعض النساخ ثم صحفت اللفظة كذا قال ولا يخفى أن الأول أوجه لأنه يلزم من تصويب هذه الرواية تخطئه الحفاظ بغير دليل ولان غايتها أن تكون تفسيرا أو تأكيدا لقوله ففعلوا به ذلك بخلاف قوله وربي فإنها تزيد معنى آخر غير قوله وذري وأبعد الكرماتي فجوز أن يكون قوله في رواية البخاري وربي بصيغة الماضي من التربية أي ربي أخذ المواثيق بالتأكيدات والمبالغات قال لكنه موقوف على الرواية قوله فقال الله كن في رواية أبي عوانة وكذا في حديث حذيفة الذي قبله فجمعه الله وفي حديث أبي هريرة فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت قوله فإذا رجل قائم قال بن مالك جاز وقوع المبتدأ نكرة محضة بعد إذا المفاجأة لأنها من القرائن التي تحصل بها الفائدة كقولك خرجت فإذا سبع قوله مخافتك أو فرق منك بفتح الفاء والراء وهو شك من الراوي وفي رواية أبي عوانة مخافتك بغير شك وتقدم بلفظ خشيتك في حديث حذيفة وبيان الاختلاف فيه فيما مضى وهو بالرفع ووقع في حديث حذيفة من خشيتك ولبعضهم خشيتك بغير من وهي بفتح التاء وجوزوا الكسر على تقدير حذفها وابقاء عملها قوله فما تلافاه أن رحمه أي تداركه و ما موصولة أي الذي تلافاه هو الرحمة أو نافية وصيغة الاستثناء محذوفة أو الضمير في تلافاه لعمل الرجل وقد تقدم بيان الاختلاف في هذه اللفظة هناك وفي حديث حذيفة فغفر له وكذا في حديث أبي هريرة قالت المعتزلة غفر له لأنه تاب عند موته وندم على فعله وقالت المرجئة غفر له بأصل توحيده الذي لا تضر معه معصية وتعقب الأول بأنه لم يرد أنه رد المظلمة فالمغفرة حينئذ بفضل الله لا بالتوبة لأنها لا تتم الا بأخذ المظلوم حقه من الظالم وقد ثبت أنه كان نباشا وتعقب الثاني بأنه وقع في حديث أبي بكر الصديق المشار اليه أولا أنه عذب فعلى هذا فتحمل الرحمة والمغفرة على إرادة ترك الخلود في النار وبهذا يرد على الطائفتين معا على المرجئة في أصل دخول النار وعلى المعتزلة في دعوى الخلود فيها وفيه أيضا رد على من زعم من المعتزلة أنه بذلك الكلام تاب فوجب على الله قبول توبته قال بن أبي جمرة كان الرجل مؤمنا لأنه قد أيقن بالحساب وأن السيآت يعاقب عليها وأما ما أوصى به فلعله كان جائزا في شرعهم ذلك لتصحيح التوبة فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قتلهم أنفسهم لصحة التوبة قال وفي الحديث جواز تسمية الشيء بما قرب منه لأنه قال حضره الموت وانما الذي حضره في تلك الحالة علاماته وفيه فضل الأمة المحمدية لما خفف عنهم من وضع مثل هذه الآصار ومن عليهم بالحنيفية السمحة وفيه عظم قدره الله تعالى ان جمع جسد المذكور بعد ان تفرق ذلك التفريق الشديد قلت وقد تقدم أن ذلك أخبار عما يكون يوم القيامة وتقرير ذلك مستوفي قوله قال فحدثت أبا عثمان القائل هو سليمان التيمي والد معتمر وأبو عثمان هو النهدي عبد الرحمن بن مل وقوله سمعت سلمان غير أنه زاد حذف المسموع الي استثنى منه ما ذكر والتقدير سمعت سلمان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الحديث غير أنه زاد قوله أو كما حدث شك من الراوي يشير الى أنه بمعنى حديث أبي سعيد لا بلفظه كله وقد أخرج الإسماعيلي حديث سلمان من طريق صالح بن حاتم بن وردان وحميد بن مسعدة قالا حدثنا معتمر سمعت أبي سمعت أبا عثمان سمعت هذا من سلمان فذكره قوله وقال معاذ الخ وصله مسلم وقد مضى التنبيه عليه أيضا هناك

قوله باب الانتهاء عن المعاصي أي تركها أصلا ورأسا والاعراض عنها بعد الوقوع فيها ذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول

[ 6117 ] قوله بريد بموحدة وراء مهملة مصغر قوله مثلي بفتح الميم والمثلثة والمثل الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل التشبيه لإرادة التقريب والتفهيم قوله ما بعثني الله العائد محذوف والتقدير بعثني الله به اليكم قوله أتى قوما التنكير فيه للشيوع قوله رأيت الجيش بالجيم والشين المعجمة واللام فيه للعهد قوله بعيني بالافراد وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد قيل ذكر العينين ارشادا الى أنه تحقق عنده جميع ما أخبر عنه تحقق من رأى شيئا بعينه لا يعتريه وهم ولا يخالطه شك قوله وانى أنا النذير العريان قال بن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف الى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقيق الخبر قلت وسبق الى ذلك يعقوب بن السكيت وغيره وسمى الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري وان المرأة كانت من بني كنانة وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث لأنه ليس فيها أنه كان عريانا وزعم بن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود وكان جار المنذر خشيت على قومها فركبت جملا ولحقت بهم وقالت أنا النذير العريان ويقال أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة ورجع الى اليمن وقد سقط لحمه وذكر أبو بشر الآمدي أن زنبرا بزاي ونون ساكنة ثم موحدة بن عمرو الخثعمي كان ناكحا في آل زبيد فأرادوا أن يغزوا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة نفر فصادف منهم غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوا فأنذر قومه وقال غيره الأصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه فانفلت الى قومه فقال اني رأيت الجيش فسلبوني فرأوه عريانا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصحية ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقة لهذه القرائن فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك لما ابداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبا لافهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه قلت ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في الأمثال وهو عند أحمد أيضا سند جيد من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يترايا لهم فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات وأحسن ما فسر به الحديث من الحديث وهذا كله يدل على أن العريان من التعري وهو المعروف في الرواية وحكى الخطابي أن محمد بن خالد رواه بالموحدة قال فإن كان محفوظا فمعناه الفصيح بالإنذار لا يكنى ولا يورى يقال رجل عريان أي فصيح اللسان قوله فالنجاء النجاء بالمد فيهما وبمد الأولى وقصر الثانية وبالقصر فيهما تخفيفا وهو منصوب على الإغراء أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب إشارة الى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش قال الطيبي في كلامه أنواع من التأكيدات أحدهما بعيني ثانيها قوله واني أنا ثالثها قوله العريان لأنه الغاية في قرب العدو ولأنه الذي يختص في انذاره بالصدق قوله فأطاعه طائفة كذا فيه بالتذكير لان المراد بعض القوم قوله فأدلجوا بهمزة قطع ثم سكون أي ساروا أول الليل أو ساروا الليل كله على الاختلاف في مدلول هذه اللفظة واما بالوصل والتشديد على أن المراد به سير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام قوله على مهلهم بفتحتين والمراد به الهينة والسكون وبفتح أوله وسكون ثانية الامهال وليس مرادا هنا وفي رواية مسلم على مهلتهم بزيادة تاء تأنيث وضبطه النووي بضم الميم وسكون الهاء وفتح اللام قوله وكذبته طائفة قال الطيبي عبر في الفرقة الأولى بالطاعة وفي الثانية بالتكذيب ليؤذن بأن الطاعة مسبوقة بالتصديق ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان قوله فصبحهم الجيش أي أتاهم صباحا هذا أصله ثم كثر استعماله حتى استعمل فيمن طرق بغتة في أي وقت كان قوله فاجتاحهم بجيم ثم حاء مهملة أي استأصلهم من جحت الشيء أجرحه إذا استأصلته والاسم الجائحة وهي الهلاك وأطلقت على الآفة لأنها مهلكة قال الطيبي شبه صلى الله عليه وسلم نفسه بالرجل وانذاره بالعذاب القريب بانذار الرجل قومه الجيش المصبح وشبه من اطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في انذراه ومن صدقه الحديث الثاني حديث أبي هريرة جزم المزي في الأطراف بأن البخاري ذكره في أحاديث الأنبياء ولم يذكر أنه أورده في الرقاق فوجدته في أحاديث الأنبياء في ترجمة سليمان عليه السلام لكنه لم يذكر الا طرفا منه ولم استحضره إذ ذاك في الرقاق فشرحته هناك ثم ظفرت به هنا فأذكر الآن من شرحه ما لم يتقدم

[ 6118 ] قوله استوقد بمعنى أوقد وهو أبلغ والاضاءة فرط الانارة قوله فلما اضاءت ما حوله اختصرها المؤلف هناك ونسبتها انا لتخريج أحمد ومسلم من طريق همام وهي في رواية شعيب كما ترى وكأنه تبرك بلفظ الآية ووقع في رواية مسلم ما حولها والضمير للنار والأول الذي أوقد النار وحول الشيء جانبه الذي يمكن أن ينتقل اليه وسمى بذلك إشارة الى الدوران ومنه قيل للعام حول قوله الفراش جزم المازري بأنها الجنادب وتعقبه عياض فقال الجندب هو الصرار قلت والحق ان الفراش اسم لنوع من الطير مستقل له أجنحة أكبر من جثته وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر وكذا أجنحته وعطف الدواب على الفراش يشعر بأنها غير الجنادب والجراد وأغرب بن قتيبة فقال الفراش ما تهافت في النار من البعوض ومقتضاه أن بعض البعوض هو الذي يقع في النار ويسمى حينئذ الفراش وقال الخليل الفراش كالبعوض وإنما شبهه به لكونه يلقى نفسه في النار لا أنه يشارك البعوض في القرص قوله وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها القول فيه كالقول في الذي قبله اختصره هناك فنسبته لتخريج أبي نعيم وهو في رواية شعيب كما ترى ويدخل فيما يقع في النار البعوض والبرغش ووقع في كلام بعض الشراح البق والمراد به البعوض قوله فجعل في رواية الكشميهني وجعل ومن هذه الكلمة الى آخر الحديث لم يذكره المصنف هناك قوله فجعل الرجل يزعهن بفتح التحتانية والزاي وضم العين المهملة أي يدفعهن وفي رواية ينزعهن بزيادة نون وعند مسلم من طريق همام عن أبي هريرة وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها قوله فيقتحمن فيها أي يدخلن وأصله القحم وهو الاقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت ويطلق على رمى الشيء بغته واقتحم الدار هجم عليها قوله فأنا آخذ قال النووي روى باسم الفاعل ويروي بصيغة المضارعة من المتكلم قلت هذا في رواية مسلم والأول هو الذي وقع في البخاري وقال الطيبي الفاء فيه فصيحة كأنه لما قال مثلي ومثل الناس الخ اتى بما هو أهم وهو قوله فأنا آخذ بحجزكم ومن هذه الدقيقة التفت من الغيبة في قوله مثل الناس الى الخطاب في قوله بحجزكم كما أن من أخذ في حديث من له بشأنه عناية وهو مشتغل في شيء يورطه في الهلاك يجد لشدة حرصه على نجاته أنه حاضر عنده وفيه إشارة الى ان الإنسان الى النذير أحوج منه الى البشير لان جبلته مائلة الى الحظ العاجل دون الحظ الأجل وفي الحديث ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة والحرص على نجاة الأمة كما قال تعالى حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم قوله بحجزكم بضم المهملة وفتح الجيم بعدها زاي جمع حجزه وهي معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة ويجوز ضم الجيم في الجمع قوله عن النار وضع المسبب موضع السبب لان المراد أنه يمنعهم من الوقوع في المعاصي التي تكون سببا لولوج النار قوله وأنتم في رواية الكشميهني وهم وعليها شرح الكرماني فقال كان القياس ان يقول وأنتم ولكنه قال وهم وفيه التفات وفيه إشارة الى أن من أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجزته لا اقتحام له فيها قال وفيه أيضا احتراز عن مواجهتهم بذلك قلت والرواية بلفظ وأنتم ثابتة تدفع هذا ووقع في رواية مسلم وأنتم تفلتون بفتح أوله والفاء واللام الثقيلة وأصله تتفلتون وبضم أوله وسكون الفاء وفتح اللام ضبطوه بالوجهين وكلاهما صحيح تقول تفلت مني وأفلت مني لمن كان بيدك فعالج الهرب منك حتى هرب وقد تقدم بيان هذا التمثيل وحاصله أنه شبه تهافت أصحاب الشهوات في المعاصي التي تكون سببا في الوقوع في النار بتهافت الفراش بالوقوع في النار اتباعا لشهواتها وشبه ذبه العصاة عن المعاصي بما حذرهم به وانذرهم بذب صاحب النار الفراش عنها وقال عياض شبه تساقط أهل المعاصي في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا قوله تقحمون فيها في رواية همام عند مسلم فيغلبوني النون مثقلة لأن أصله فيغلبونني والفاء سببية والتقدير أنا آخذ بحجزكم لأخلصكم من النار فجعلتم الغلبة مسببة عن الأخذ قوله تقحمون بفتح المثناة والقاف والمهملة المشددة والأصل تقتحمون فحذفت إحدى التاءين قال الطيبي تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وذلك أن حدود الله محارمه ونواهيه كما في الحديث الصحيح ألا ان حمى الله محارمه ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها واستيفاء لذتها وشهواتها فشبة صلى الله عليه وسلم إظهار تلك الحدود ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة باستنقاذ الرجال من النار وشبه فشو ذلك في مشارق الأرض ومغاربها باضاءة تلك النار ما حول المستوقد وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف وتعديهم حدود الله وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات ومنعه إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم بالفراش التي تقتحمن في النار وتغلبن المستوقد على دفعهن عن الاقتحام كما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك والفراش لجهلها جعلته سببا لهلالكها فكذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة واجتنابها ما هو سبب هلاكهم وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها مقتضية لترديهم وفي قوله آخذ بحجزكم استعارة مثل حالة منعه الأمة عن الهلاك بحالة رجل أخذ بحجزة صاحبه الذي يكاد يهوي في مهواة مهلكة الحديث الثالث

[ 6119 ] قوله زكريا هو بن أبي زائدة وعامر هو الشعبي قوله المسلم تقدم شرحه في أوائل كتاب الإيمان قوله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه قيل خص المهاجر بالذكر تطييبا لقلب من لم يهاجر من المسلمين لفوات ذلك بفتح مكة فأعلمهم أن من هجر ما نهى الله عنه كان هو المهاجر الكامل ويحتمل أن يكون ذلك تنبيها للمهاجرين أن لا يتكلموا على الهجرة فيقصروا في العمل وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم والله اعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو تعملون ما أعلم الخ ذكر فيه حديث أبي هريرة بلفظ الترجمة وقوله

[ 6120 ] عن سعيد بن المسيب في رواية حجاج بن محمد عن الليث بسنده أخبرني سعيد وحديث أنس كذلك وهو طرف من حديث تقدم في تفسير المائدة ويأتي شرحه في كتاب الاعتصام ان شاء الله تعالى والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه والاهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة والمراد به التخويف وقد جاء لهذا الحديث سبب أخرجه سنيد في تفسيره بسند واه والطبراني عن بن عمر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المسجد فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون فقال والذي نفسي بيده فذكر هذا الحديث وعن الحسن البصري من علم أن الموت مورده والقيامة موعده والوقوف بين يدي الله تعالى مشهده فحقه أن يطول في الدنيا حزنه قال الكرماني في هذا الحديث من صناعة البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما

قوله باب حجبت النار بالشهوات كذا للجميع ووقع عند أبي نعيم حفت بدل حجبت أي غطيت بها فكانت الشهوات سببا للوقوع في النار

[ 6122 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله حدثني مالك هذا الحديث ليس في الموطأ وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه عن الهيثم بن خلف عن البخاري وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن إسماعيل وأخرجه الدارقطني في الغرائب من رواية إسماعيل ومن طريق سعيد بن داود وإسحاق بن محمد الفروي أيضا عن مالك وأخرجه أيضا من رواية عبد الله بن وهب عن مالك به لكن وقفه قوله عن أبي الزناد في رواية سعيد بن داود أخبرنا أبو الزناد قوله عن الأعرج عن أبي هريرة في رواية سعيد بن داود ان عبد الرحمن بن هرمز أخبره انه سمع أبا هريرة يقول قوله حجبت كذا للجميع في الموضعين الا الفروي فقال حفت في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وان مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة فأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل الى الجنة فقال انظر إليها قال فرجع اليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خفت ان لا يدخلها أحد قال اذهب الى النار فانظر إليها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد فهذا يفسر رواية الأعرج فان المراد بالمكاره هنا ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالاتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولا وفعلا وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه ومن جملتها الصبر على المصيبة والتسليم لامر الله فيها والمراد بالشهوات ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطية اما بالأصالة واما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات ويلتحق بذلك الشبهات والاكثار مما ابيح خشية ان يوقع في المحرم فكأنه قال لا يوصل الى الجنة الا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا الى النار الا بتعاطي الشهوات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم ويحتمل أن يكن هذا الخبر وان كان بلفظ الخبر فالمراد به النهي قوله حفت بالمهملة الفاء من الحافظ وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل اليه الا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها الا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينجي منها الا بترك الشهوات وقال بن العربي معنى الحديث ان الشهوات جعلت على حفافي النار وهي جوانبها وتوهم بعضهم أنها ضرب بها المثل فجعلها في جوانبها من خارج ولو كان ذلك ما كان مثلا صحيحا وانما هي من داخل وهذه صورتها المكاره الشهوات فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراءه وكل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث ثم قال فإن قيل فقد جاء في البخاري حجبت النار بالشهوات فالجواب ان المعنى واحد لان الأعمى عن التقوى الذي قد أخذت الشهوات سمعه وبصره يراها ولا يرى النار التي هي فيها وذلك لاستيلاء الجهالى والغفلة على قلبه فهو كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها قلت بالغ كعادته في تضليل من حمل الحديث على ظاهره وليس ما قاله غيره ببعيد وان الشهوات على جانب النار من خارج فمن واقعها وخرق الحجاب دخل النار كما أن الذي قاله القاضي محتمل والله اعلم تنبيه أدخل بن بطال في هذا الباب حديثي الباب الذي بعده وحذف الترجمة التي تليه وهي ثابتة في جميع الأصول وفيها الحديثان وليس في الذي قبلها الا حديث أبي هريرة

قوله باب الجنة أقرب الى أحدكم من شراك نعله هذه الترجمة حذفها بن بطال وذكر الحديثين اللذين فيها في الباب الذي قبلها والمناسبة ظاهرة لكن الذي ثبت في الأصول التفرقة الحديث الأول

[ 6123 ] قوله حدثنا موسى بن مسعود هو أبو حذيفة النهدي وهو بكنيته أشهر وسفيان شيخه هو الثوري وعبد الله هو بن مسعود والسند كله كوفيون قوله شراك تقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب اللباس وانه السير الذي يدخل فيه أصبع الرجل ويطلق أيضا على كل سير وقي به القدم قال بن بطال فيه أن الطاعة موصلة الى الجنة وان المعصية مقربة الى النار وان الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء وتقدم في هذا المعنى قريبا حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها وقال بن الجوزي معنى الحديث ان تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية الحديث الثاني حديث أبي هريرة وقد تقدم في أوائل السيرة النبوية وفي الأدب

[ 6124 ] قوله أصدق بيت أطلق البيت على بعضه مجازا فإن الذي ذكره نصفه وهو المصراع الأول المسمى عروض البيت واما نصفه الثاني وهو المسمى بالضرب فهو وكل نعيم لا محالة زائل ويحتمل أن يكون على سبيل الاكتفاء فأشار بأول البيت الى بقيته والمراد كله وعكسه ما مضى في باب ما يجوز من الشعر في كتاب الأدب بلفظ اصدق كلمة فإن المراد بها القصيدة وقد أطلقها وأراد البيت وتقدم شرح هذا الحديث في أيام الجاهلية وأورده فيها أيضا بلفظ أصدق كلمة وهو المشهور وذكرت هناك أن في رواية شريك عند مسلم بلفظ اشعر كلمة تكلمت بها العرب وبحث السهيلي في ذلك وذكرت أيضا ما أورده بن إسحاق في السيرة فيما جرى لعثمان بن مظعون مع لبيد بن ربيعة ناظم هذا البيت حيث قال له لما أنشد المصراع الأول صدقت ولما انشد المصراع الثاني كذبت ثم قال له نعيم الجنة لا يزول وذكرت توجيه كل من الامرين وان كل من صدق بأن ما خلا الله باطل فقد صدق ببطلان ما سواه فيدخل نعيم الجنة بما حاصله ان المراد بالباطل هنا الهالك وكل شيء سوى الله جائز عليه الفناء وان خلق فيه البقاء بعد ذلك كنعيم الجنة والله أعلم وقال بن بطال هنا قوله ما خلا الله باطل لفظ عام أريد به الخصوص والمراد أن كل ما قرب من الله فليس بباطل وأما أمور الدنيا التي لا تئول الى طاعة الله فهي الباطل انتهى ولعل الأول أولى تنبيه مناسبة هذا الحديث الثاني للترجمة خفية وكأن الترجمة لما تضمنت ما في الحديث الأول من التحريض على الطاعة ولو قلت والزجر عن المعصية ولو قلت ففيهم أن من خالف ذلك انما يخالفه لرغبة في أمر من أمور الدنيا وكل ما في الدنيا باطل كما صرح به الحديث الثاني فلا ينبغي للعاقل أن يؤثر الفاني على الباقي

قوله باب لينظر الى من هو أسفل منه ولا ينظر الى من هو فوقه هذا لفظ حديث أخرجه مسلم بنحوه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ انظروا الى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم

[ 6125 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله عن أبي الزناد في رواية بن وهب عن مالك حدثني أبو الزناد أخرجه الدارقطني في الغرائب قوله عن الأعرج في رواية سعيد بن داود عن مالك حدثني أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره انه سمع أبا هريرة أخرجه الدارقطني أيضا وضاق مخرجه على أبي نعيم فأخرجه من طريق القاسم بن زكريا عن البخاري وأخرجه الإسماعيلي من طريق حميد بن قتيبة عن إسماعيل والدارقطني من وجهين عن إسماعيل قوله إذا نظر أحدكم الى من فضل بالفاء والمعجمة على البناء للمجهول قوله في المال والخلق بفتح الخاء أي الصورة ويحتمل أن يدخل في ذلك الأولاد والأتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا ورأيته في نسخة معتمدة من الغرائب للدارقطني والخلق بضم الخاء واللام قوله فلينظر الى من هو أسفل منه في رواية عبد العزيز بن يحيى عن مالك فلينظر الى من تحته أخرجه الدارقطني أيضا ويجوز في أسفل الرفع والنصب والمراد بذلك ما يتعلق بالدنيا قوله ممن فضل عليه كذا ثبت في آخر هذا الحديث عند مسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وكذا ثبت لمالك الذي أخرجه البخاري من طريقه عند الدارقطني من رواية سعيد بن داود عنه بسند صحيح وزاد مسلم من طريق أبي صالح المذكورة فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة الله عليكم أي هو حقيق بعدم الازدراء وهو افتعال من زريت عليه وأزريت به إذا تنقصته وفي معناه ما أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن الشخير رفعه أقلوا الدخول على الاغنياء فإنه احرى ان لا تزدروا نعمة الله قال بن بطال هذا الحديث جامع لمعاني الخير لان المرء لا يكون بحال تتعلق بالدين من عبادة ربه مجتهدا فيها الا وجد من هو فوقه فمتى طلبت نفسه اللحاق به اقتصر حاله فيكون أبدا في زيادة تقربه من ربه ولا يكون على حال خسيسة من الدنيا الا وجد من أهلها من هو اخس حالا منه فإذا تفكر في ذلك علم أن نعمة الله وصلت اليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير أمر اوجبه فيلزم نفسه الشكر فيعظم اغتباطه بذلك في معاده وقال غيره في هذا الحديث دواء الداء لان الشخص إذا نظر الى من هو فوقه لم يأمن ان يؤثر ذلك فيه حسدا ودواؤه ان ينظر الى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيا الى الشكر وقد وقع في نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه قال خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا من نظر في دنياه الى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه ومن نظر في دينه الى من هو فوقه فاقتدى به وأما من نظر في دنياه الى من هو فوقه فأسف على ما فاته فإنه لا يكتب شاكرا ولا صابرا

قوله باب من هم بحسنة أو بسيئة الهم ترجيح قصد الفعل تقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشيء بالقلب

[ 6126 ] قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف وعبد الوارث هو بن سعيد والسند كله بصريون وجعد بن دينار تابعي صغير وهو الجعد أبو عثمان الراوي عن أنس في أواخر النفقات وفي غيرها قوله عن بن عباس في رواية الحسن بن ذكوان عن أبي رجاء حدثني بن عباس أخرجه أحمد قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسدد عند الإسماعيلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر في شيء من الطرق التصريح بسماع بن عباس له من النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيما يروى عن ربه هذا من الأحاديث الإلهية ثم هو محتمل أن يكون مما تلقاه صلى الله عليه وسلم عن ربه بلا واسطة ويحتمل أن يكون مما تلقاه بواسطة الملك وهو الراجح وقال الكرماني يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية ويحتمل أن يكون للبيان لما فيه من الإسناد الصريح الى الله حيث قال ان الله كتب ويحتمل أن يكون لبيان الواقع وليس فيه ان غيره ليس كذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى بل فيه ان غيره كذلك إذ قال فيما يرويه اى في جملة ما يروى انتهى ملخصا والثاني لا ينافي الأول وهو المعتمد فقد أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن الجعد ولم يسق لفظه وأخرجه أبو عوانه من طريق عفان وأبو نعيم من طريق قتيبة كلاهما عن جعفر بلفظ فيما يروى عن ربه قال ان ربكم رحيم من هم بحسنة وسيأتي في التوحيد من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل إذا أراد عبدي ان يعمل وأخرجه مسلم بنحوه من هذا الوجه ومن طرق أخرى منها عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل إذا هم عبدي قوله ان الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات يحتمل أن يكون هذا من قول الله تعالى فيكون التقدير قال الله ان الله كتب ويحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يحكيه عن فعل الله تعالى وفاعل ثم بين ذلك هو الله تعالى وقوله فمن هم شرح ذلك قوله ثم بين ذلك أي فصله بقوله فمن هم والمجمل قوله كتب الحسنات والسيئات وقوله كتب قال الطوفي أي أمر الحفظة ان تكتب أو المراد قدر ذلك في علمه على وفق الواقع منها وقال غيره المراد قدر ذلك وعرف الكتبة من الملائكة ذلك التقدير فلا يحتاج الى الاستفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة لكونه أمرا مفروغا منه انتهى وقد يعكر على ذلك ما أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة رفعه قال قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد ان يعمل سيئة وهو أبصر به فقال أرقبوه فإن عملها فاكتبوها فهذا ظاهره وقوع المراجعة لكن ذلك مخصوص بإرادة عمل السيئة ويحتمل أن يكون ذلك وقع في ابتداء الأمر فلما حصل الجواب استقر ذلك فلا يحتاج الى المراجعة بعده وقد وجدت عن الشافعي ما يوافق ظاهر الخبر وان المؤاخذة انما تقع لمن هم على الشيء فشرع فيه لا من هم به ولم يتصل به العمل فقال في صلاة الخوف لما ذكر العمل الذي يبطلها ما حاصله ان من أحرم بالصلاة وقصد القتال فشرع فيه بطلت صلاته ومن تحرم وقصد الى العدو لو دهمه دفعه بالقتال لم تبطل قوله فمن هم كذا في رواية بن سيرين عن أبي هريرة عند مسلم وفي رواية الأعرج في التوحيد إذا أراد وأخرجه مسلم من هذا الوجه بلفظ إذا هم وكذا عنده من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فهما بمعنى واحد ووقع لمسلم أيضا من رواية همام عن أبي هريرة بلفظ إذا تحدث وهو محمول على حديث النفس لتوافق الروايات الأخرى ويحتمل أن يكون على ظاهره ولكن ليس قيدا في كتابة الحسنة بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة نعم ورد ما يدل على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي فعند أحمد وصححه بن حبان والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها وقد تمسك به بن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه المراد بالهم هنا العزم ثم قال ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وان لم يعزم عليها زيادة في الفضل قوله فلم يعملها يتناول نفي عمل الجوارح واما عمل القلب فيحتمل نفيه أيضا ان كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الأحاديث لا ان قيدت بالتصميم كما في حديث خريم ويؤيد الأول حديث أبي ذر عند مسلم أن الكف عن الشر صدقة قوله كتبها الله له أي للذي هم بالحسنة عنده أي عند الله حسنة كاملة كذا ثبت في حديث بن عباس دون حديث أبي هريرة وغيره وصف الحسنة بكونها كاملة وكذا قوله عنده وفيهما نوعان من التأكيد فأما العندية فإشارة الى الشرف وأما الكمال فإشارة الى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد فكأنه قيل بل هي كاملة لا نقص فيها قال النووي أشار بقوله عنده الى مزيد الاعتناء به وبقوله كاملة الى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها وعكس ذلك في السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله واحدة إشارة الى تخفيفها مبالغة في الفضل والإحسان ومعنى قوله كتبها الله أمر الحفظة بكتابتها بدليل حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد بلفظ إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها وفيه دليل على ان الملك يطلع على ما في قلب الآدمي اما باطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك ويؤيد الأول ما أخرجه بن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني قال ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول يا رب انه لم يعمله فيقول انه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة ورأيت في شرح مغلطاي أنه ورد مرفوعا قال الطوفي انما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة لأن إرادة الخير سبب الى العمل وإرادة الخير خير لآن إرادة الخير من عمل القلب واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تضاعف لعموم قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأجيب بحمل الآية على عمل الجوارح والحديث على الهم المجرد واستشكل أيضا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف لم يعتبر في حصول السيئة وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها لأنه قد نسخ قصده السيئة وخالف هواه ثم ان ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك سواء كان ذلك لمانع أم لا ويتجه ان يقال يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيا مع بقاء قصد الذي هم بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر ولا سيما ان قارنها ندم على تفويتها واستمرت النية على فعلها عند القدرة وان كان الترك من الذي هم من قبل نفسه فهي دون ذلك الا ان قارنها قصد الاعراض عنها جملة والرغبة عن فعلها ولا سيما ان وقع العمل في عكسها كأن يريد أن يتصدق بدرهم مثلا فصرفه بعينه في معصية فالذي يظهر في الأخير أن لا تكتب له حسنة أصلا وأما ما قبله فعلى الاحتمال واستدل بقوله حسنة كاملة على أنها تكتب حسنة مضاعفة لأن ذلك هو الكمال لكنه مشكل يلزم منه مساواة من نوى الخير بمن فعله في أن كلا منهما يكتب له حسنة وأجيب بأن التضعيف في الآية يقتضي اختصاصه بالعامل لقوله تعالى من جاء بالحسنة والمجيء بها هو العمل وأما الناوي فإنما ورد أنه يكتب له حسنة ومعناه يكتب له مثل ثواب الحسنة والتضعيف قدر زائد على أصل الحسنة والعلم عند الله تعالى قوله فإن هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات يؤخذ منه رفع توهم ان حسنة الإرادة تضاف الى عشرة التضعيف فتكون الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم ولفظه فإن عملها كتبت له عشر أمثالها وكذا في حديث أبي هريرة وفي بعض طرقه احتمال ورواية عبد الوارث في الباب ظاهرة فيما قلته وهو المعتمد قال بن عبد السلام في أماليه معنى الحديث إذا هم بحسنة فإن كتبت له حسنة عملها كملت له عشرة لأنا نأخذ بقيد كونها قد هم بها وكذا السيئة إذا عملها لا تكتب واحدة للهم وأخرى للعمل بل تكتب واحدة فقط قلت الثاني صريح في حديث هذا الباب وهو مقتضى كونها في جميع الطرق لا تكتب بمجرد الهم وأما حسنة الهم بالحسنة فالاحتمال قائم وقوله بقيد كونها قد هم بها يعكر عليه من عمل حسنة بغتة من غير أن يسبق له أنه هم بها فإن قضية كلامه أنه يكتب له تسعة وهو خلاف ظاهر الآية من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فإنه يتناول من هم بها ومن لم يهم والتحقيق أن حسنة من هم بها تندرج في العمل في عشرة العمل لكن تكون حسنة من هم بها أعظم قدرا ممن لم يهم بها والعلم عند الله تعالى قوله الى سبعمائه ضعف الضعف في اللغة المثل والتحقيق أنه اسم يقع على العدد بشرط ان يكون معه عدد آخر فإذا قيل ضعف العشرة فهم أن المراد عشرون ومن ذلك لو أقر بأن له عندي ضعف درهم لزمه درهمان أو ضعفي درهم لزمه ثلاثة قوله الى أضعاف كثيرة لم يقع في شيء من طرق حديث أبي هريرة الى أضعاف كثيرة الا في حديثه الماضي في الصيام فان في بعض طرقه عند مسلم الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله وله من حديث أبي ذر رفعه يقول الله من عمل حسنة فله عشر أمثالها وازيد وهو بفتح الهمزة وكسر الزاي وهذا يدل على أن تضعيف حسنة العمل الى عشرة مجزوم به وما زاد عليها جائز وقوعه بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدى النفع كالصدقة الجارية والعلم النافع والسنة الحسنة وشرف العمل ونحو ذلك وقد قيل ان العمل الذي يضاعف الى سبعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك المشار اليه قريبا رفعه من هم بحسنة فلم يعملها فذكر الحديث وفيه ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف وتعقب بأنه صريح في أن النفقة في سبيل الله تضاعف الى سبعمائة وليس فيه نفى ذلك عن غيرها صريحا ويدل على التعميم حديث أبي هريرة الماضي في الصيام كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف الحديث واختلف في قوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء هل المراد المضاعفة الى سبعمائة فقط أو زيادة على ذلك فالأول هو المحقق من سياق الآية والثاني محتمل ويؤيد الجواز سعة الفضل قوله ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة المراد بالكمال عظم القدر كما تقدم لا التضعيف الى العشرة ولم يقع التقييد بكامله في طرق حديث أبي هريرة وظاهر الإطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك لكنه قيده في حديث الأعرج عن أبي هريرة كما سيأتي في كتاب التوحيد ولفظه إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وان تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن لم يقع عنده من أجلي ووقع عنده من طريق همام عن أبي هريرة وان تركها فاكتبوها له حسنة انما تركها من جراي بفتح الجيم وتشديد الراء بعد الالف ياء المتكلم وهي بمعنى من اجلي ونقل عياض عن بعض العلماء انه حمل حديث بن عباس على عمومه ثم صوب حمل مطلقه على ما قيد في حديث أبي هريرة قلت ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استحضار ما قيد به دون حسنة الآخر لما تقدم أن ترك المعصية كف عن الشر والكف عن الشر خير ويحتمل أيضا أن يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة فان تركها من مخافة ربه سبحانه كتبت حسنة مضاعفة وقال الخطابي محل كتابة الحسنة على الترك ان يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه لان الإنسان لا يسمى تاركا الا مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كأن يمشي الى امرأة ليزني بها مثلا فيجد الباب مغلقا ويتعسر فتحه ومثله من تمكن من الزنا مثلا فلم ينتشر أو طرقه ما يخاف من اذاه عاجلا ووقع في حديث أبي كبشة الأنماري ما قد يعارض ظاهر حديث الباب وهو ما أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه بلفظ انما الدنيا لأربعة فذكر الحديث وفيه وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يعمل في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يرى لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ورجل لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهما في الوزر سواء فقيل الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين فتحمل الحالة الأولى على من هم بالمعصية هما مجردا من غير تصميم والحالة الثانية على من صمم على ذلك وأصر عليه وهو موافق لما ذهب اليه الباقلاني وغيره قال المازري ذهب بن الباقلاني يعني ومن تبعه الى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر قال المازري وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ونقل ذلك عن نص الشافعي ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ فأنا اغفرها له ما لم يعملها فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال بن الباقلاني لا تفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب لكنهم قالوا ان العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية ومما يدل على ذلك حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال انه كان حريصا على قتل صاحبه وسيأتي سياقه وشرحه في كتاب الفتن والذي يظهر أنه من هذا الجنس وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر القتل حسا وهنا قسم آخر وهو من فعل المعصية ولم يتب منها ثم هم أن يعود إليها فإنه يعاقب على الاصرار كما جزم به بن المبارك وغيره في تفسير قوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا ويؤيده أن الاصرار معصية اتفاقا فمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية قال النووي وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله تعالى ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة الآية وقوله اجتنبوا كثيرا من الظن وغير ذلك وقال بن الجوزي إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب قال والدليل على التفريق بين الهم والعزم ان من كان في الصلاة فوقع في خاطره ان يقطعها لم تنقطع فإن صمم على قطعها بطلت وأجيب عن القول الأول بأن المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود للفرق بين ما هو بالقصد وما هو بالوسيلة وقسم بعضهم ما يقع في النفس اقساما يظهر منها الجواب عن الثاني اضعفها ان يخطر له ثم يذهب في الحال وهذا من الوسوسة وهو معفو عنه وهو دون التردد وفوقه ان يتردد فيه فيهم به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهم به ثم يترك كذلك ولا يستمر على قصده وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضا وفوقه ان يميل اليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله وهذا هو الهم فيعفى عنه أيضا وفوقه أن يميل اليه ولا ينفر منه بل يصمم على فعله فهذا هو العزم وهو منتهى الهم وهو على قسمين القسم الأول أن يكون من أعمال القلوب صرفا كالشك في الوحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزمان ودونه المعصية التي لا تصل الى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك فهذا يأثم ويلتحق به الكبر والعجب والبغي والمكر والحسد وفي بعض هذا خلاف فعن الحسن البصري أن سوء الظن بالمسلم وحسده معفو عنه وحموله على ما يقع في النفس مما لا يقدر على دفعه لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدته النفس على تركه والقسم الثاني أن يكون من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة فهو الذي وقع فيه النزاع فذهبت طائفة الى عدم المؤاخذة بذلك أصلا ونقل عن نص الشافعي ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال علم الله أنه اشعرها قلبه وحرص عليها وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء بل قال فيه ومن هم بسيئة لم تكتب عليه والمقام مقام الفضل فلا يليق التحجير فيه وذهب كثير من العلماء الى المؤاخذة بالعزم المصمم وسأل بن المبارك سفيان الثوري أيؤاخذ العبد بما يهم به قال إذا جزم بذلك واستدل كثير منهم بقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم على الخطرات كما تقدم ثم افترق هؤلاء فقال طائفة يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم وقالت طائفة بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب وهذا قول بن جريج والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك الى بن عباس أيضا واستدلوا بحديث النجوى الماضي شرحه في باب ستر المؤمن على نفسه من كتاب الأدب واستثنى جماعة ممن ذهب الى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي ولو لم يصمم لقوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ذكره السدى في تفسيره عن مرة عن بن مسعود وأخرجه أحمد من طريقه مرفوعا ومنهم من رجحه موقوفا ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن هم بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم ومع ذلك فمن هم بمعصيته لا يؤاخذه فكيف يؤاخذ بما دونه ويمكن أن يجاب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لأن تعظيم لحرم من تعظيم الله فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وان اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى نعم من هم بالمعصية قاصدا الاستخفاف بالحرم وعصى ومن هم بمعصية الله قاصد الاستخفاف بالله كفر وانما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلا عن قصد الاستخفاف وهذا تفصيل جيد ينبغي ان يستحضر عند شرح حديث لا يزني الزاني وهو مؤمن وقال السبكي الكبير الهاجس لا يؤاخذ به إجماعا والخاطر وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ بهما للحديث المشار اليه والهم وهو قصد فعل المعصية مع التردد لا يؤاخذ به لحديث الباب والعزم وهو قوة ذلك القصد أو الجزم به ورفع التردد قال المحققون يؤاخذ به وقال بعضهم لا واحتج بقول أهل اللغة هم بالشيء عزم عليه وهذا لا يكفي قال ومن أدلة الأول حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما الحديث وفيه أنه كان حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص واحتج بعضهم بأعمال القلوب ولا حجة معه لأنها على قسمين أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه وهو شهر السلاح واشارته به الى الاخر فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا انتهى ولا يلزم من قوله فالقاتل والمقتول في النار أن يكونا في جردة واحدة من العذاب بالاتفاق قوله فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة في رواية الأعرج فاكتبوها له بمثلها وزاد مسلم في حديث أبي ذر فجزاؤه بمثلها أو اغفر وله في آخر حديث أبن عباس أو يمحوها والمعنى أن الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفر السيئة والأول اشبه لظاهر حديث أبي ذر وفيه رد لقول من ادعى أن الكبائر لا تغفر الا بالتوبة ويستفاد من التأكيد بقوله واحدة ان السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة وهو على وفق قوله تعالى فلا يجزى الا مثلها قال بن عبد السلام في أماليه فائدة التأكيد دفع توهم من يظن أنه إذا عمل السيئة كتبت عليه سيئة العمل وأضيفت إليها سيئة الهم وليس كذلك انما يكتب عليه سيئة واحدة وقد استثنى بعض العلماء وقوع المعصية في الحرم المكي قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد هل ورد في شيء من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة قال لا ما سمعت الا بمكة لتعظيم البلد والجمهور على التعميم في الأزمنة والامكنة لكن قد يتفاوت بالعظم ولا يرد على ذلك قوله تعالى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين لأن ذلك ورد تعظيما لحق النبي صلى الله عليه وسلم لان وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرا زائدا على الفاحشة وهو أذى النبي صلى الله عليه وسلم وزاد مسلم بعد قوله أو يمحوها ولا يهلك على الله الا هالك أي من أصر على التحري على السيئة عزما وقولا وفعلا وأعرض عن الحسنات هما وقولا وفعلا قال بن بطال في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة لأنه لولا ذلك كاد لا يدخل أحد الجنة لأن عمل العباد للسيآت أكثر من عملهم للحسنات ويؤيد ما دل عليه حديث الباب من الاثابة على الهم بالحسنة وعدم المؤاخذة على الهم بالسيئة قوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت إذ ذكر في السوء الافتعال الذي يدل على المعالجة والتكلف فيه بخلاف الحسنة وفيه ما يترتب للعبد على هجران لذته وترك شهوته من أجل ربة رغبة في ثوابه ورهبة من عقابه واستدل به على أن الحفظة لا تكتب المباح للتقييد بالحسنات والسيآت وأجاب بعض الشراح بأن بعض الأئمة عد المباح من الحسن وتعقب بأن الكلام فيما يترتب على فعله حسنة وليس المباح ولو سمى حسنا كذلك نعم قد يكتب حسنة بالنية وليس البحث فيه وقد تقدم في باب حفظ اللسان قريبا شيء من ذلك وفيه أن الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه جعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة فضاعف الحسنة ولم يضاعف السيئة بل أضاف فيها الى العدل الفضل فأدارها بين العقوبة والعفو بقوله كتبت له واحدة أو يمحوها وبقوله فجزاؤه بمثلها أو اغفر وفي هذا الحديث رد على الكعبي في زعمه أن ليس في الشرع مباح بل الفاعل اما عاص واما مثاب فمن اشتغل عن المعصية بشيء فهو مثاب وتعقبوه بما تقدم أن الذي يثاب على ترك المعصية هو الذي يقصد بتركها رضا الله كما تقدمت الإشارة اليه وحكى بن التين انه يلزمه أن الزاني مثلا مثاب لاشتغاله بالزنا عن معصية أخرى ولا يخفى ما فيه

قوله باب ما يتقى من محقرات الذنوب التعبير بالمحقرات وقع في حديث سهل بن سعد رفعه إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم وان محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه أخرجه أحمد سند حسن ونحوه عند أحمد والطبراني من حديث بن مسعود وعند النسائي وابن ماجة عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وصححه بن حبان

[ 6127 ] قوله مهدي هو بن ميمون وغيلان بمعجمة ثم تحتانية وزن عجلان هو بن جامع والسند كله بصريون قوله هي ادق أفعل تفضيل من الدقة بكسر الدال إشارة الى تحقيرها وتهوينها وتستعمل في تدقيق النظر في العمل والإمعان فيه أي تعملون اعمالا تحسبونها هينة وهي عظيمة أو تؤول الى العطم قوله ان كنا لنعدها كذا للأكثر بلام التأكيد وفي رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي بحذفها وبحذف الضمير أيضا ولفظهما ان كنا نعد وله عن الكشميهني ان كنا نعدها وان مخففة من الثقيلة وهي للتأكيد قوله من الموبقات بموحدة وقاف وسقط لفظ من للسرخسي والمستملي أيضا قوله قال أبو عبد الله هو المصنف يعني بذلك المهلكات أي الموبقة هي المهلكة ووقع للإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج عن مهدي كنا نعدها ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر وكأنه ذكره بالمعنى وقال بن بطال المحقرات إذا كثرت صارت كبارا مع الاصرار وقد اخرج أسد بن موسى في الزهد عن أبي أيوب الأنصاري قال ان الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها وينسى المحقرات فيلقى الله وقد احاطت به وان الرجل ليعمل السيئة فلا يزال منها مشفقا حتى يلقى الله آمنا

قوله باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة الذي قتل نفسه وفي آخره وانما الأعمال بالخواتيم وتقدم شرح القصة في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي شرح آخره في كتاب القدر ان شاء الله تعالى وقوله

[ 6128 ] غناء بفتح المعجمة بعدها نون ممدود أي كفاية وأغنى فلان عن فلان ناب عنه وجرى مجراه وذبابة السيف حده وطرفه قال بن بطال في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجيا اعجب وكسل وان كان هالكا ازداد عتوا فحجب عنه ذلك ليكون بين الخوف والرجاء وقد روى الطبري عن حفص بن حميد قال قلت لابن المبارك رأيت رجلا قتل رجلا ظلما فقلت في نفسي انا أفضل من هذا فقال امنك على نفسك أشد من ذنبه قال الطبري لأنه لا يدري ما يئول اليه الأمر لعل القاتل يتوب فتقبل توبته ولعل الذي انكر عليه يختم له بخاتمة السوء

قوله باب العزلة راحة للمؤمن من خلاط السوء لفظ هذه الترجمة أثر أخرجه بن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن عمر أنه قاله لكن في سنده انقطاع وخلاط بضم المعجمة وتشديد اللام للأكثر وهو جمع مستغرب وذكره الكرماني بلفظ خلط بغير الف وهو بضمتين مخففا كذا ذكره الصغاني في العباب قال الخطابي جمع خليط والخليط يطلق على الواحد كقول الشاعر باب الخليط ولو طوعت ما بانا وعلى الجمع كقوله ان الخليط اجدوا البين يوم نأوا ويجمع أيضا على خلط بضمتين مخففا قال الشاعر ضربا يفرق بين الجيرة الخلط قال والخلاط بالكسر والتخفيف المخالطة قلت فعله الذي وقع في هذه الترجمة ووقع عند الإسماعيلي خلطاء بدل خلاط وأخرجه الخطابي في كتاب العزلة بلفظ خليط وقال بن المبارك في كتاب الرقائق عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال قال عمر خذوا حظكم من العزلة وما أحسن قول الجنيد نفع الله بركته مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة وقال الخطابي لو لم يكن في العزلة الا السلامة من الغيبة ومن رؤية المنكر الذي لا يقدر على إزالته لكان ذلك خيرا كثيرا وفي معنى الترجمة ما أخرجه الحاكم من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ الوحدة خير من جليس السوء وسنده حسن لكن المحفوظ أنه موقوف عن أبي ذر أو عن أبي الدرداء وأخرجه بن أبي عاصم ثم ذكر في الباب حديثين الأول

[ 6129 ] قوله وقال محمد بن يوسف هو الفريابي وقرنه هنا برواية أبي اليمان وأفردها في الجهاد فساقه على لفظه هناك وقد وصله مسلم عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن محمد بن يوسف قوله جاء أعرابي تقدم في أوائل الجهاد أني لم اقف على اسمه وأن أبا ذر سأل عن ذلك لكن لا يحسن ان يقال في حقه أعرابي قوله أي الناس خير تقدم في الجهاد بلفظ أفضل وسأذكر له ألفاظا أخرى قوله قال رجل جاهد هذا لاينافي جوابه الاخر الماضي في الإيمان من سلم الناس من لسانه ويده ولا غير ذلك من الأجوبة المختلفة لأن الاختلاف في ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والاحوال والأوقات كما تقدم تقريره وقد تقدم شرح هذا الحديث في الجهاد قوله ورجل في شعب من الشعاب الخ هو محمول على من لا يقدر على الجهاد فيستحب في حقه العزلة ليسلم ويسلم غيره منه والذي يظهر انه محمول على ما بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم وقوله يعبد ربه زاد مسلم من وجه اخر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة حتى يأتيه اليقين ليس من الناس الا في خير وللنسائي من حديث بن عباس رفعه الا أخبركم بخير الناس رجل ممسك بعنان فرسه الحديث وفيه الا أخبركم بالذي يتلوه رجل معتزل في غنيمة يؤدي حق الله فيها وأخرجه الترمذي واللفظ له وقال حسن وقوله هنا تابعه النعمان هو بن راشد الجزري ومتابعته وصلها أحمد عن وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت النعمان بن راشد به قوله والزبيدي هو محمد بن الوليد الشامي وطريقه وصلها مسلم أيضا من رواية يحيى بن حمزة عنه قوله وسليمان بن كثير هو العبدي وطريقه وصلها أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عنه بلفظ سئل أي المؤمنين أكمل ايمانا قوله وقال معمر عن الزهري عن عطاء أو عبيد الله هو بن عبد الله بن عتبة كذا بالشك وكذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق وقال في سياقه معمر يشك وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر فقال عن عطاء بغير شك وكذا وقع لنا بعلو في مسند عبد بن حميد ولم يشك قوله وقال يونس هو بن يزيد الأيلي وطريقه وصلها الذهلي في الزهريات وأخرجه بن وهب في جامعه عن يونس قوله وابن مسافر هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر وطريقه وصلها الذهلي في الزهريات من طريق الليث بن سعد عنه قوله ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وطريقه وصلها الذهلي أيضا من طريق سليمان بن بلال عنه قوله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا لا يخالف الرواية الأولى لان الذي حفظ اسم الصحابي مقدم على من ابهمه وقد بينت لفظ معمر ولفظ الزبيدي في كتاب الجهاد الحديث الثاني

[ 6130 ] قوله حدثنا الماجشون بكسر الجيم وبالشين المعجمة هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وقد تقدم في علامات النبوة عن أبي نعيم أيضا ولكن قال فيه حدثنا عبد العزي بن أبي سلمة بن الماجشون فنسبه الى جده ولا مغايرة بين قوله الماجشون وابن الماجشون فإن كلا من عبد الله وأولاده يقال له الماجشون قوله عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة وقد روى مالك عنه هذا الحديث وجود نسبه وبينت ذلك في كتاب الإيمان في باب من الدين الفرار من الفتن قوله عن أبيه في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه أخرجه أحمد والإسماعيلي قوله يأتي على الناس زمان خير مال المسلم الغنم كذا أورده هنا وفي الكلام حذف تقديره يكون فيه وتقدم في علامات النبوة عن أبي نعيم بهذا الإسناد بلفظ يأتي على الناس زمان يكون الغنم فيه خير مال المسلم ووقع في رواية مالك يوشك أن يكون خير مال المسلم الخ وتقدم إيضاحه ولفظه هنا صريح في أن المراد بخيرية العزلة أن تقع في آخر الزمان وأما زمنه صلى الله عليه وسلم فكان الجهاد فيه مطلوبا حتى كان يجب على الأعيان إذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم غازيا ان يخرج معه الا من كان معذورا وأما من بعده فيختلف ذلك باختلاف الأحوال وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب الفتن ان شاء الله تعالى والشعب بكسر أوله الطريق في الجبل أو الموضع فيه وشعف بفتح المعجمة ثم المهملة ثم فاء رأس الجبل وذكر الخطابي في كتاب العزلة ان العزلة والاختلاط يختلف باختلاف متعلقاتهما فتحمل الأدلة الواردة في الحض على الاجتماع على ما يتعلق بطاعة الأئمة وأمور الدين وعكسها في عكسه وأما الاجتماع والافتراق بالأبدان فمن عرف الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه فالأولى له الانكفاف عن مخالطة الناس بشرط ان يحافظ على الجماعة والسلام والرد وحقوق المسلمين من العيادة وشهود الجنازة ونحو ذلك والمطلوب انما هو ترك فضول الصحبة لما في ذلك من شغل البال وتضييع الوقت عن المهمات ويجعل الاجتماع بمنزلة الاحتياج الى الغداء والعشاء فيقتصر منه على ما لا بد له منه فهو أروح للبدن والقلب والله اعلم وقال القشيري في الرسالة طريق من آثر العزلة أن يعتقد سلامة الناس من شره لا العكس فان الأول ينتجه استصغاره نفسه وهي صفة المتواضع والثاني شهوده مزية له على غيره وهذه صفة المتكبر

قوله باب رفع الأمانة هي ضد الخيانة والمراد برفعها اذهابها بحيث يكون الأمين معدوما أو شبه المعدوم وذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول

[ 6131 ] قوله حدثنا محمد بن سنان بكسر المهملة ونونين وقد تقدم في أول كتاب العلم بهذا الإسناد مقرونا برواية محمد بن فليح عن أبيه وساقه هناك على لفظه وفيه قصة الأعرابي الذي سأل عن قيام الساعة قوله إذا ضيعت الأمانة هذا جواب الأعرابي الذي سأل عن قيام الساعة وهو القائل كيف اضاعتها قوله إذا اسند قال الكرماني أجاب عن كيفية الاضاعة بما يدل على الزمان لأنه يتضمن الجواب لأنه يلزم منه بيان ان كيفيتها هي الإسناد المذكور وقد تقدم هناك بلفظ وسد مع شرحه والمراد من الأمر جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والامارة والقضاء والافتاء وغير ذلك وقوله الى غير أهله قال الكرماني اتى بكلمة الى بدل اللام ليدل على تضمين معنى الإسناد قوله فانتظر الساعة الفاء للتفريع أو جواب شرط محذوف أي إذا كان الأمر كذلك فانتظر قال بن بطال معنى اسند الأمر الى غير أهله ان الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم فينبغي لهم تولية أهل الدين فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها الحديث الثاني حديث حذيفة في ذكر الأمانة وفي ذكر رفعها وسيأتي بسنده ومتنه في كتاب الفتن ويشرح هناك ان شاء الله تعالى والجذر بفتح الجيم وكسرها الأصل في كل شيء والوكت بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مثناة أثر النار ونحوه والمجل بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام هو أثر العمل في الكف والمنتبر بنون ثم مثناة مفتوحة ثم موحدة مكسورة وهو المتنفط

[ 6132 ] قوله ولا يكاد أحدهم في رواية الكشميهني أحد بغير ضمير قوله من ايمان قد يفهم منه أن المراد بالأمانة في الحديث الإيمان وليس كذلك بل ذكر ذلك لكونها لازمة الإيمان قوله بايعت قال الخطابي تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة وهذا خطأ وكيف يكون وهو يقول ان كان نصرانيا رده على ساعيه فهل يبايع النصراني على الخلافة وانما أراد مبايعة البيع والشراء قوله رده على الإسلام في رواية المستملي بالإسلام بزيادة موحدة قوله نصرانيا رده على ساعيه أي واليه الذي أقيم عليه لينصف منه وأكثر ما يستعمل الساعي في ولاة الصدقة ويحتمل أن يراد به هنا الذي يتولى قبض الجزية قوله الا فلانا وفلانا يحتمل ان يكون ذكره بهذا اللفظ ويحتمل أن يكون سمى اثنين من المشهورين بالأمانة إذ ذاك فأبهمهما الراوي والمعنى لست اثق بأحد آتمنه على بيع ولا شراء الا فلانا وفلانا قوله قال الفربري ثبت ذلك في رواية المستلمي وحده وأبو جعفر الذي روى عنه هنا هو محمد بن أبي حاتم البخاري وراق البخاري أي ناسخ كتبه وقوله حدثت أبا عبد الله يريد البخاري وحذف ما حدثه به لعدم احتياجه له حينئذ وقوله فقال سمعت القائل هو البخاري وشيخه أحمد بن عاصم هو البلخي وليس له في البخاري الا هذا الموضع واخرج عنه البخاري في الأدب المفرد قوله سمعت أبا عبيد هو القاسم بن سلام المشهور صاحب كتاب غريب الحديث وغيره من التصانيف وليس له في البخاري الا هذا الموضع وكذا الأصمعي وأبو عمرو وقوله قال الأصمعي هو عبد الملك بن قريب وأبو عمرو هو بن العلاء قوله وغيرهما ذكره الإسماعيلي عن سفيان الثوري بعد أن اخرج الحديث من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان الثوري ثم قال في اخره قال سفيان الجذر الأصل قوله الجذر الأصل من كل شيء اتفقوا على التفسير ولكن عند أبي عمرو ان الجذر بكسر الجيم وعند الأصمعي بفتحها قوله والوكت اثر الشيء اليسير منه هذا من كلام أبي عبيد أيضا وهو أخص مما تقدم لتقييده باليسير الحديث الثالث حديث بن عمر وسنده معدود في أصح الأسانيد قوله انما الناس كالابل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة في رواية مسلم من طريق معمر عن الزهري تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة فعلى أن الرواية بغير الف ولام وبغير تكاد فالمعنى لا تجد في مائة ابل راحلة تصلح للركوب لان الذي يصلح للركوب ينبغي ان يكون وطيئا سهل الانقياد وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه ويلين جانبه والرواية بإثبات لا تكاد أولى لما فيها من زيادة المعنى ومطابقة الواقع وان كان معنى الأول يرجع الى ذلك ويحمل النفي المطلق على المبالغة وعلى ان النادر لا حكم له وقال الخطابي العرب تقول للمائة من الإبل ابل يقولون لفلان ابل أي مائة بعير ولفلان ابلان أي مائتان قلت فعلى هذا فالرواية التي بغير الف ولام يكون قوله مائة تفسيرا لقوله ابل لأن قوله كإبل أي كمائة بعير ولما كان مجرد لفظ ابل ليس مشهور الاستعمال في المائة ذكر المائة توضحيا ورفعا للالباس وأما على رواية البخاري فاللام للجنس وقال الراغب الإبل اسم مائة بعير فقوله كالابل المائة المراد به عشرة آلاف لأن التقدير كالمائة المائة انتهى والذي يظهر على تسليم قوله لا يلزم ما قل ان المراد عشرة آلاف بل المائة الثانية للتأكيد قال الخطابي تأولوا هذا الحديث على وجهين أحدهما ان الناس في أحكام الدين سواء لافضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع كالابل المائة التي لا يكون فيها راحلة وهي التي ترحل لتركب والراحلة فاعلة بمعنى مفعولة أي كلها حملة تصلح للحمل ولا تصلح للرحل والركوب عليها والثاني أن أكثر الناس أهل نقص وأما أهل الفضل فعددهم قليل جدا فهم بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة ومنه قوله تعالى ولكن أكثر الناس لا يعملون قلت وأورد البيهقي هذا الحديث في كتاب القضاء في تسوية القاضي بين الخصمين اخذا بالتأويل الأول ونقل عن أبي قتيبة ان الراحلة هي النجيبة المختارة من الإبل للركوب فإذا كانت في ابل عرفت ومعنى الحديث ان الناس في النسب كالابل المائة التي لا راحلة فيها فهي مستوية وقال الأزهري الراحلة عند العرب الذكر النجيب والأنثى النجيبة والهاء في الراحلة للمبالغة قال وقول بن قتيبة غلط والمعنى ان الزاهد في الدنيا الكامل فيه الراغب في الآخرة قليل كقلة الراحلة في الإبل وقال النووي هذا أجود وأجود منهما قول آخرين ان المرضى الأحوال من الناس الكامل الأوصاف قليل قلت هو الثاني الا انه خصصه بالزاهد والأولى تعميمه كما قال الشيخ وقال القرطبي الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل اثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة وقال بن بطال معنى الحديث أن الناس كثير والمرضى متهم قليل والى هذا المعنى أومأ البخاري بإدخال في باب رفع الأمانة لان من كانت هذه صفته فالاختيار عد معاشرته وأشار بن بطال الى ان المراد بالناس في الحديث من يأتي بعد القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابعيهم حيث يصيرون يخونون ولا يؤتمنون ونقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنا منه أنه كلامه لكونه لم يعزه فقال لا حاجة الى هذا التخصيص لاحتمال أن يراد أن المؤمنين قليل بالنسبة للكفار والله اعلم

قوله باب الرياء والسمعة الرياء بكسر الراء تخفيف التحتانية والمد وهو مشتق من الرؤية والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها والسمعة بضم المهملة وسكون الميم مشتقة من سمع والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسة البصر وقال الغزالي المعنى طلب المنزلة في قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة والمرائي هو العامل وقال بن عبد السلام الرياء ان يعمل لغير الله والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس

[ 6134 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان وسفيان في الطريقين هو الثوري والسند الثاني أعلى من الأول ولم يكتف به مع علوه لان في الرواية الأولى مزايا وهي جلالة القطان وما وقع في سياقه من تصريح سفيان بالتحديث ونسبة سلمة شيخ الثوري وهو سلمة بن كهيل بالتصغير بن حصين الحضرمي والسند الثاني كله كوفيون قوله ولم اسمع أحدا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم غيره وثبت كذلك عند مسلم في رواية وقائل ذلك هو سلمة بن كهيل ومراده أنه لم يسمع من أحد من الصحابة حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جندب وهو بن عبد الله البجلي الصحابي المشهور وهو من صغار الصحابة وقال الكرماني مراده لم يبق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ غيره في ذلك المكان قلت احترز بقوله في ذلك المكان عمن كان من الصحابة موجودا إذ ذاك بغير المكان الذي كان فيه جندب وليس كذلك فإن جندبا كان بالكوفة الى أن مات وكان بها في حياة جندب أبو جحيفة السوائي وكانت وفاته بعد جندب بست سنين وعبد الله بن أبي أوفى وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة وقد روى سلمة عن كل منهما فتعين ان يكون مراده انه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودا من الصحابة بغير الكوفة بعد ان سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قوله من سمع بفتح المهملة والميم الثقيلة والثانية مثلها وقوله ومن يرائي بضم التحتية والمد وكسر الهمزة والثانية مثلها وقد ثبتت الياء في آخر كل منهما اما الأولى فللإشباع وأما الثانية فكذلك أو التقدير فإنه يرائي به الله ووقع في رواية وكيع عن سفيان عند مسلم من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يرائي الله به ولابن المبارك في الزهد من حديث بن مسعود من سمع سمع الله به ومن راأى رأى الله به ومن تطاول تعاظما خفضه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وفي حديث بن عباس عند بياض في الأصل من سمع سمع الله به ومن رأى رأى الله به ووقع عند الطبراني من طريق محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن جابر في آخر هذا الحديث ومن كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة قال الخطابي معناه من عمل عملا على غير اخلاص وانما يريد ان يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عندالناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة ومعنى يرائي لطلعهم على أنه فعل ذلك لهم للوجهه ومنه قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها الى قوله ما كانوا يعملون وقيل المراد من قصد بعمله ان يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاءه على عمله ولا يثاب عليه في الآخرة وقيل المعنى من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمعه المكروه وقيل المعنى من نسب الى نفسه عملا صالحا لم يفعله وادعى خيرا لم يصنعه فإن الله يفضحه ويظهر كذبه وقيل المعنى من يرائي الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه إياه وقيل معنى سمع الله به شهره أو ملأ اسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة قلت ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد فعند أحمد والدارمي من حديث أبي هند الداري رفعه من قام مقام رياء وسمعه رأى الله به يوم القيامة وسمع به وللطبراني من حديث عوف بن مالك نحوه وله من حديث معاذ مرفوعا ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء الا سمع الله به على رءوس الخلائق يوم القيامة وفي الحديث استحباب اخفاء العمل الصالح لكن قد يستحب اظهاره ممن يقتدى به على ارادته الاقتداء به ويقدر ذلك بقدر الحاجة قال بن عبد السلام يستثنى من استحباب اخفاء العمل من يظهره ليقتدي به أو لينتفع به ككتابة العلم ومنه حديث سهل الماضي في الجمعة لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي قال الطبري كان بن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن اعمالهم ليقتدى بهم قال فمن كان إماما يستن بعمله عالما بما لله عليه قاهرا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده من كان بخلاف ذلك فالاخفاء في حقه أفضل وعلى ذلك جرى عمل السلف فمن الأول حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ ويرفع صوته بالذكر فقال انه اواب قال فإذا هو المقداد بن الأسود أخرجه الطبري ومن الثاني حديث الزهري عن أبي سلمة عن أب هريرة قال قام رجل يصلي فجهر بالقراءة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تسمعني واسمع ربك أخرجه أحمد وابن أبي خيثمة وسنده حسن

قوله باب من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل يعني بيان فضل من جاهد والمراد بالمجاهدة كف النفس عن ارادتها من الشغل بغير العبادة وبهذا تظهر مناسبة الترجمة لحديث الباب وقال بن بطال جهاد المرء نفسه هو الجهاد الاكمل قال الله تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى الآية ويقع بمنع النفس عن المعاصي وبمنعها من الشبهات وبمنعها من الإكثار من الشهوات المباحة لتتوفر لها في الآخرة قلت ولئلا يعتاد الإكثار فيألفه فيجره الى الشبهات فلا يأمن ان يقع في الحرام ونقل القشيري عن شيخه أبي على الدقاق من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريق شمة وعن أبي عمرو بن بجيد من كرم عليه دينه هانت عليه نفسه قال القشيري أصل مجاهدة النفس فطمها عن المألوفات وحملها على غير هواها وللنفس صفتان انهماك في الشهوات وامتناع عن الطاعات فالمجاهدة تقع بحسب ذلك قال بعض الأئمة جهاد النفس داخل في جهاد العدو فان الأعداء ثلاثة رأسهم الشيطان ثم النفس لأنها تدعو الى اللذات المفضية بصاحبها الى الوقوع في الحرام الذي يسخط الرب والشيطان هو المعين لها على ذلك ويزينه لها فمن خالف هوى نفسه قمع شيطانه فمجاهدته نفسه حملها على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه وإذا قوى العبد على ذلك سهل عليه جهاد أعداء الدين فالأول الجهاد الباطن والثاني الجهاد الظاهر وجهاد النفس أربع مراتب حملها على تعلم أمور الدين ثم حملها على العمل بذلك ثم حملها على تعليم من لا يعلم ثم الدعاء الى توحيد الله وقتال من خالف دينه وجحد نعمه وأقوى المعين على جهاد النفس جهاد الشيطان بدفع ما يلقى اليه من الشبهة والشك ثم تحسين ما نهى عنه من المحرمات ثم ما يفضي الإكثار منه الى الوقوع في الشبهات وتمام ذلك من المجاهدة أن يكون متيقظا لنفسه في جميع أحواله فإنه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه الى الوقوع في المنهيات وبالله التوفيق

[ 6135 ] قوله همام هو بن يحيى قوله أنس عن معاذ بن جبل هكذا رواه همام عن قتادة ومقتضاه التصريح بأنه من مسند معاذ وخالفه هشام الدستوائي عن قتادة فقال عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ومعاذ رديفه على الرحل يا معاذ وقد تقدم في اواخر كتاب العلم ومقتضاه انه من مسند أنس والمعتمد الأول ويؤيده ان المصنف اتبع رواية هشام رواية سليمان التيمي عن أنس قال ذكر لي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ فدل على أن أنسا لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم واحتمل قوله ذكر على البناء للمجهول أن يكون أنس حمله عن معاذ بواسطة أو بغير واسطة وقد أشرت في شرحه في العلم الى احتمال ان يكون أنس حمله عن عمرو بن ميمون الاودي عن معاذ أو من عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ وهذا كله بناء على أنه حديث واحد وقد رجح لي انهما حديثان وان اتحد مخرجهما عن قتادة عن أنس ومتنهما في كون معاذ ردف النبي صلى الله عليه وسلم للاختلاف فيما وردا فيه وهو أن حديث الباب في حق الله على العباد وحق العباد على الله والماضي فيمن لقى الله لا يشرك به شيئا وكذا رواية أبي عثمان النهدي وأبي رزين وأبي العوام كلهم عن معاذ عند أحمد ورواية عمرو بن ميمون موافقة لرواية حديث الباب ونحوها رواية عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ عند النسائي والرواية الأخرى موافقة لرواية هشام التي في العلم وقد أشرت الى شيء من ذلك في باب اسم الفرس والحمار من كتاب الجهاد وقد جاء عن أنس عن معاذ نحو حديث الباب أخرجه أحمد من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال أتينا معاذا فقلنا حدثنا من غرائب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث همام عن قتادة قوله بينا أنا رديف تقدم بيانه في أواخر كتاب اللباس قبل الأدب ببابين قوله ليس بيني وبينه الا آخرة الرحل بفتح الراء وسكون الحاء المهملة هو للبعير كالسرج للفرس وآخره بالمد وكسر المعجمة بعدها راء هي العود الذي يجعل خلف الراكب يستند اليه وفائدة ذكره المبالغة في شدة قربه ليكون اوقع في نفس سامعه أنه ضبط ما رواه ووقع في رواية مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة شيخ البخاري فيه بسنده هذا مؤخرة بدل آخرة وهي بضم الميم وسكون الهمزة وفتح الخاء ووقع في رواية عمرو بن ميمون عن معاذ كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير وقد تقدم ضبطه في الجهاد ووقع عند أحمد من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ان النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار يقال له يعفور سنه من ليف ويمكن الجمع بأن المراد بآخرة الرحل موضع اخرة الرحل للتصريح هنا بكونه كان على حمار و إلى ذلك أشار النووي ومشى بن الصلاح على انهما قضيتان وكأن مستنده أنه وقع في رواية أبي العوام عند أحمد على جمل أحمر ولكن سنده ضعيف قوله فقال يا معاذ قلت لبيك تقدم بيان ذلك في كتاب الحج قوله رسول الله بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف ووقع في العلم بإثباته قوله ثم سار ساعة فيه بيان ان الذي وقع في العلم قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ لم يقع النداء الثاني على الفور بل بعد ساعة قوله فقال في رواية الكشميهني ثم قال قوله يا معاذ بن جبل تقدم ضبطه في العلم قوله قال هل تدري وقع في رواية مسلم المشار اليه بعد قوله وسعديك الثانية ثم سار ساعة ثم قال هل تدري وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام الماضية في الاستئذان بعد المرة الأولى ثم قال مثله ثلاثا أي النداء والاجابة وقد تقدم نحوه في العلم وهو لتأكيد الإهتمام بما يخبره به ويبالغ في تفهمه وضبطه قوله هل تدري ما حق الله على عباده الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة ويقال للكلام الصدق حق لان وقوعه متحقق لاتردد فيه وكذا الحق المستحق على الغير إذا كان لا تردد فيه والمراد هنا ما يستحقه الله على عباده مما جعله محتما عليهم قاله بن التيمي في التحرير وقال القرطبي حق الله على العباد هو ما وعدهم به من الثواب والزمهم إياه بخطابه قوله ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي وعطف عليها عدم الشرك لأنه تمام التوحيد والحكمة في عطفه على العبادة أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى فاشترط نفي ذلك وتقدم ان الجملة حالية والتقدير يعبدونه في حال عدم الإشراك به قال بن حبان عبادة الله اقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح ولهذا قال في الجواب فما حق العباد إذا فعلوا ذلك فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول قوله هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه الضمير لما تقدم من قوله يعبدوه ولا يشركوا به شيئا في رواية مسلم إذا فعلوا ذلك قوله حق العباد على الله ان لا يعذبهم في رواية بن حبان من طريق عمرو بن ميمون ان يغفر لهم ولا يعذبهم وفي رواية أبي عثمان يدخلهم الجنة وفي رواية أبي العوام مثله وزاد ويغفر لهم وفي رواية عبد الرحمن بن غنم ان يدخلهم الجنة قال القرطبي حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد فالله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر إذ لا آمر فوقه ولا حكم للعقل لأنه كاشف لا موجب انتهى وتمسك بعض المعتزلة بظاهره ولا متمسك لهم فيه مع قيام الاحتمال وقد تقدم في العلم عدة أجوبة غير هذه ومنها ان المراد بالحق هنا المتحقق الثابت أو الجدير لأن إحسان الرب لمن لم يتخذ ربا سواه جدير في الحكمة ان لا يعذبه أو المراد أنه كالواجب في تحققه وتأكده أو ذكر على سبيل المقابلة قال وفي الحديث جواز ركوب اثنين على حمار وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وفضل معاذ وحسن أدبه في القول وفي العلم برده لما لم يحط بحقيقته الى علم الله ورسوله وقرب منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تكرار الكلام لتأكيده وتفهيمه واستفسار الشيخ تلميذه عن الحكم ليختبر ما عنده ويبين له ما يشكل عليه منه وقال بن رجب في شرحه لاوائل البخاري قال العلماء يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا يتكلوا ان أحاديث الرخص لاتشاع في عموم الناس لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها وقد سمعها معاذ فلم يزدد الا اجتهادا في العمل وخشية لله عز وجل فأما من لم يبلغ منزلته فلا يؤمن ان يقصر اتكالا على ظاهر هذا الخبر وقد عارضه ما تواتر من نصوص الكتاب والسنة ان بعض عصاة الموحدين يدخلون النار فعلى هذا فيجب الجمع بين الامرين وقد سلكوا في ذلك مسالك أحدها قول الزهري ان هذه الرخصة كانت قبل نزول الفرائض والحدود وسيأتي ذلك عنه في حديث عثمان في الوضوء واستبعده غيره من ان النسخ لا يدخل الخبر وبأن سماع معاذ لهذه كان متأخرا عن أكثر نزول الفرائض وقيل لا نسخ بل هو على عمومه ولكنه مقيد بشرائط كما ترتب الاحكام على اسبابها المقتضية المتوقفة على انتفاء الموانع فإذا تكامل ذلك عمل المقتضي عمله والى ذلك أشار وهب بن منبه بقوله المتقدم في كتاب الجنائز في شرح ان لا إله إلا الله مفتاح الجنة ليس من مفتاح الا وله اسنان وقيل المراد ترك دخول نار الشرك وقيل ترك تعذيب جميع بدن الموحدين لان النار لا تحرق مواضع السجود وقيل ليس ذلك لكل من وحد وعبد بل يختص بمن اخلص والإخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها ولا يتصور حصول التحقيق مع الاصرار على المعصية لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته فتنبعث الجوارح الى الطاعة وتنكف عن المعصية انتهى ملخصا وفي آخر حديث أنس عن معاذ في نحو هذا الحديث فقلت الا أخبر الناس قال لئلا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب العلم تنبيه هذا من الأحاديث التي أخرجها البخاري في ثلاثة مواضع عن شيخ واحد بسند واحد وهي قليلة في كتابه جدا ولكنه أضاف اليه في الاستئذان موسى بن إسماعيل وقد تتبع بعض من لقيناه ما أخرجه في موضعين بسند فبلغ عدتها زيادة على العشرين وفي بعضها يتصرف في المتن بالاختصار منه

قوله باب التواضع بضم الضاد المعجمة مشتق من الضعة بكسر أوله وهي الهوان والمراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه فضله وذكر في حديثين أحدهما حديث أنس في ذكر الناقة لما سبقت وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد في باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعضهم أنه لا مدخل له في هذه الترجمة وغفل عما وقع في بعض طرقه عند النسائي بلفظ حق على الله ان لا يرفع شيء نفسه في الدنيا الا وضعه فإن فيه إشارة الى الحث على عدم الترفع الحث على التواضع والاعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة قال بن بطال فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة وأن كل شيء هان على الله فهو في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه ويقل منافسته في طلبه وقال الطبري في التواضع مصلحة الدين والدنيا فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة قلت وفيه أيضا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضى ان اعرابيا يسابقه وفيه جواز المسابقة وزهير في السند الأول هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي ومحمد في السند الثاني هو بن سلام وجزم به الكلاباذي ووقع كذلك في نسخة من رواية أبي ذر والفزاري هو مروان بن معاوية ووهم من زعم أنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث نعم رواية أبي إسحاق الفزاري له قد تقدمت في الجهاد وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان الحديث الثاني

[ 6137 ] قوله محمد بن عثمان بن كرامة بفتح الكاف والراء الخفيفة هو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من شيوخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث فقد أخرج عنه البخاري كثيرا بغير واسطة منها في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب الدعوات وهو أقربها الى هذا قوله عن عطاء هو بن يسار ووقع كذلك في بعض النسج وقيل هو بن أبي رباح والأول أصح نبه على ذلك الخطيب وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن ذكر قول أحمد فيه له مناكير وقول أبي حاتم لا يحتج به وأخرج بن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه وقال هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد فإن هذا المتن لم يرو الا بهذا الإسناد ولا خرجه من عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد قلت ليس هو في مسند أحمد جزما وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن الا بهذا الإسناد مردود ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضا وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها كما يأتي القول فيه مستوعبا في مكانه ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا منها عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها وذكر بن حبان وابن عدي أنه تفرد به وقد قال البخاري انه منكر الحديث لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال لم يروه عن عروة الا يعقوب وعبد الواحد ومنها عن أبي امامة أخرجه الطبراني والبيهقي في الزهد بسند ضعيف ومنها عن علي عند الإسماعيلي في مسند علي وعن بن عباس أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده ضعف أيضا وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرا وسنده حسن غريب وعن معاذ بن جبل أخرجه بن ماجة أبو نعيم في الحلية مختصرا وسنده ضعيف أيضا وعن وهب بن منبه مقطوعا أخرجه أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية وفيه تعقب على بن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة لا يعرف لهذا الحديث الا طريقان يعني غير حديث الباب وهما هشام الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلاهما لا يصح وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة قوله ان الله تعالى قال الكرماني هذا من الأحاديث القدسية وقد تقدم القول فيها قبل ستة أبواب قلت وقد وقع في بعض طرقه ان النبي صلى الله عليه وسلم حدث به عن جبريل عن الله عز وجل وذلك في حديث أنس قوله من عادى لي وليا المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته وقد استشكل وجود أحد يعاديه لأن المعاداة انما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه وأجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر والمبتدع في بغضه للسني فتقع المعاداة من الجانبين أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله وأما من جانب الآخر فلما تقدم وكذا الفاسق المتجاهر ببغضه الولي في الله وببغضه الاخر لانكاره عليه وملازمته لنهيهه عن شهواته وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الاخر بالقوة قال الكرماني قوله لي هو في الأصل صفة لقوله وليا لكنه لما تقدم صار حالا وقال بن هبيرة في الإفصاح قوله عادى لي وليا أي اتخذه عدوا ولا أرى المعنى الا انه عاداه من أجل ولايته وهو وان تضمن التحذير من ايذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع الى استخراج حق أو كشف غامض فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة وبين العباس وعلي الى غير ذلك من الوقائع انتهى ملخصا موضحا وتعقبه الفاكهاني بأن معاداة الولي لكونه وليا لا يفهم الا ان كان على طريق الحسد الذي هو تمنى زوال ولايته وهو بعيد جدا في حق الولي فتأمله قلت والذي قدمته أولى أن يعتمد قال أبن هبيرة ويستفاد من هذا الحديث تقديم الاعذار على الإنذار وهو واضح قوله فقد آذنته بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي اعلمته والايذان الاعلام ومنه أخذ الأذان قوله بالحرب في رواية الكشميهني بحرب ووقع في حديث عائشة من عادى لي وليا وفي رواية لأحمد من آذى لي وليا وفي أخرى له من آذى وفي حديث ميمونة مثله فقد استحل محاربتي وفي رواية وهب بن منبه موقوفا قال الله من أهان ولي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة وفي حديث معاذ فقد بارز الله بالمحاربة وفي حديث أبي امامة وأنس فقد بارزني وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق والجواب أنه من المخاطبة بما يفهم فإن الحرب تنشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة وغاية الحرب الهلاك والله لا يغلبه غالب فكأن المعنى فقد تعرض لاهلاكي إياه فأطلق الحرب وأراد لازمه أي اعمل به ما يعمله العدو المحارب قال الفاكهاني في هذا تهديد شديد لان من حاربه الله أهلكه وهو من المجاز البليغ لان من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله وقال الطوفي لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة وقد أجرى الله العادة بأن عدو العدو صديق وصديق العدو عدو فعدو ولي الله عدو الله فمن عاداه كان كمن حاربه ومن حاربه فكأنما حارب الله قوله وما تقرب الي عبدي بشيء أحب الي مما افترضت عليه يجوز في أحب الرفع والنصب ويدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية وظاهره الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته وفي دخول ما أوجبه المكلف على نفسه نظر للتقييد بقوله افترضت عليه الا ان أخذ من جهة المعنى الأعم ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال الى الله قال الطوفي الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الامرين وان اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت احب الى الله تعالى وأشد تقريبا وأيضا فالفرض كالاصل والأس والنفل كالفرع والبناء وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد اليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل والذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدى النفل لا يفعله الا إيثار للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته قوله وما زال في رواية الكشميهني وما يزال بصيغة المضارعة قوله يتقرب الي التقرب طلب القرب قال أبو القاسم القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بايمانه ثم بإحسانه وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق الا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء ووقع في حديث أبي امامة يتحبب الي بدل يتقرب وكذا في حديث ميمونة قوله بالنوافل حتى أحببته في رواية الكشميهني أحبه ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل وقد استشكل بما تقدم أولا ان الفرائض احب العبادات المتقرب بها الى الله فكيف لا تنتج المحبة والجواب ان المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها ويؤيده أن في رواية أبي أمامة بن آدم انك لن تدرك ما عندي الا بأداء ما افترضت عليك وقال الفاكهاني معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على اتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرها أفضى به ذلك الى محبة الله تعالى وقال بن هبيرة يؤخذ من قوله ما تقرب الخ أن النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة انما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهى وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة بخلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين وأيضا فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته الحديث بمعناه فتبين أن المراد من التقرب النوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها كما قال بعض الأكابر من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور قوله فكنت سمعه الذي يسمع زاد الكشميهني به قوله وبصره الذي يبصر به في حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية يعقوب بن مجاهد عينيه التي يبصر بهما بالتثنية وكذا قال في الإذن واليد والرجل وزاد عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به ونحوه في حديث أبي امامة وفي حديث ميمونة وقلبه الذي يعقل به وفي حديث أنس ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره الخ والجواب من أوجه أحدهما أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى كنت سمعه وبصره في ايثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح ثانيها أن المعنى كليته مشغوله بي فلا يصغي بسمعه الا الى ما يرضيني ولا يرى ببصره الا ما أمرته به ثالثها المعنى أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره الخ رابعها كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه خامسها قال الفاكهاني وسبقه الى معناه بن هبيرة هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع الا ما يحل استماعه وحافظ بصره كذلك الخ سادسها قال الفاكهاني يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله وهو أن يكون معنى سمعه مسموعة لان المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان املي بمعنى مأمولي والمعنى انه لا يسمع الا ذكري ولا يلتذ الا بتلاوة كتابي ولا يأنس الا بمناجاتي ولا ينظر الا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده الا فيما فيه رضاي ورجله كذلك وبمعناه قال بن هبيرة أيضا وقال الطوفي اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده واعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الالات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي قال والاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجيء جبريل في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله اقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى توفيق الله لبعده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الاصغاء الى اللهو بسمعه ومن النظر الى ما نهى الله عنه ببصره ومن البطش فيما لا يحل له بيده ومن السعي الى الباطل برجله والى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي وعبر بقوله أحفظه فلا يتصرف الا في محابي لأنه إذا أحبه كره له ان يتصرف فيما يكرهه منه سابعها قال الخطابي أيضا وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب وذلك أن مساعي الإنسان كلها انما تكون بهذه الجوارح المذكورة وقال بعضهم وهو منتزع مما تقدم لا يتحرك له جارحة الا في الله ولله فهي كلها تعمل بالحق للحق وأسند البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي أحد أئمة الطريق قال معناه كنت أسرع الى قضاء حوائجه من سمعه في الاسماع وعينه في النظر ويده في اللمس ورجله في المشي وحمله بعض متأخري الصوفية على ما يذكرونه من مقام الفناء والمحو وأنه الغاية التي لا شيء وراءها وهو أن يكون قائما بإقامة الله له محبا بمحبته له ناظرا بنظره له من غير ان تبقى معه بقية تناط باسم أو تقف على رسم أو تتعلق بأمر أو توصف بوصف ومعنى هذا الكلام أنه يشهد إقامة الله له حتى قام ومحبته له حتى أحبه ونظره الى عبده حتى أقبل ناظرا اليه بقلبه وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفى من الكدورات أنه يصير في معنى الحق تعالى الله عن ذلك وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن هذه الأسباب والرسوم تصير عدما صرفا في شهوده وان لم تعدم في الخارج وعلى الأوجه كلها فلا متمسك فيه للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث ولئن سألني ولئن استعاذني فإنه كالصريح في الرد عليه قوله وان سألني زاد في رواية عبد الواحد عبدي قوله اعطيته أي ما سأل قوله ولئن استعاذني ضبطناه بوجهين الأشهر بالنون بعد الذال المعجمة والثاني بالموحدة والمعنى اعذته مما يخاف وفي حديث أبي امامة وإذا استنصر بي نصرته وفي حديث أنس نصحني فنصحت له ويستفاد منه أن المراد بالنوافل جميع ما يندب من الأقوال والافعال وقد وقع في حديث أبي امامة المذكور وأحب عبادة عبدي الى النصحية وقد استكشل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا والجواب ان الإجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو اصلح منها وفي الحديث عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها وذلك لأنها محل المناجاة والقربة ولا واسطة فيها بين العبد وربه ولا شيء أقر لعين العبد منها ولهذا جاء في حديث أنس المرفوع وجعلت قرة عيني في الصلاة أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أن لا يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته وانما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب فإن السالك غرض الافات والفتور وفي حديث حذيفة من الزيادة ويكون من أوليائي واصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة وقد تمسك بهذا الحديث بعض الجهلة من أهل التجلي والرياضة فقالوا القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت خواطره معصومة من الخطأ وتعقب ذلك أهل التحقيق من أهل الطريق فقالوا لا يلتفت الى شيء من ذلك الا إذا وافق الكتاب والسنة والعصمة انما هي للأنبياء ومن عاداهم فقد يخطأ فقد كان عمر رضي الله عنه رأس الملهمين ومع ذلك فكان ربما رأى الرأي فيخبره بعض الصحابة بخلافه فيرجع اليه ويترك رأيه فمن ظن أنه يكتفى بما يقع في خاطره عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ارتكب أعظم الخطأ وأما من بالغ منهم فقال حدثني قلبي عن ربي فإنه أشد خطأ فإنه لا يأمن أن يكون قلبه انما حدثه عن الشيطان والله المستعان قال الطوفي هذا الحديث أصل في السلوك الى الله والوصول الى معرفته ومحبته وطريقه إذ المفترضات الباطنة هي الإيمان والظاهرة وهي الإسلام والمركب منهما وهو الإحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها وفي الحديث أيضا أن من اتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه لوجود هذ الوعد الصادق المؤكد بالقسم وقد تقدم الجواب عما يتخلف من ذلك وفيه أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبا لله لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية وقد تقدم تقرير هذا واضحا في أوائل كتاب الدعوات قوله وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن وفي حديث عائشة ترددي عن موته ووقع في الحلية في ترجمة وهب بن منبه اني لأجد في كتب الأنبياء ان الله تعالى يقول ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن الخ قال الخطابي التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ ولكن له تأويلان أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقه تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء انا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما روى في قصة موسى وما كان من لطمة عين ملك الموت وتردده اليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه وقال الكلاباذي ما حاصله انه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات أي عن الترديد بالتردد وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب الى أن تنتقل محبته في الحياة الى محبته للموت فيقبض على ذلك قال وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق اليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه الى الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه ويكره الله مساءته فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال فيأتيه الموت وهو له مؤثر واليه مشتاق قال وقد ورد تفعل بمعنى فعل مثل تفكر وفكر وتدبر ودبر وتهدد وهدد والله اعلم وعن بعضهم يحتمل أن يكون تركيب الولي يحتمل أن يعيش خمسين سنة وعمره الذي كتب له سبعون فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية فيحييه عشرين أخرى مثلا فعبر عن قدر التركيب وعما انتهى اليه بحسب الاجل المكتوب بالتردد وعبر بن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح وأضاف الحق ذلك لنفسه لأن ترددهم عن أمره قال وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة فإن قيل إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد فالجواب أنه يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت كأن يقال لا تقبض روحه الا إذا رضي ثم ذكر جوابا ثالثا وهو احتمال أن يكون معنى التردد اللطف به كأن الملك يؤخر القبض فإنه إذا نظر الى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه فلم يبسط يده اليه فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بدا من امتثاله وجوابا رابعا وهو أن يكون هذا خطابا لنا بما نعقل والرب منزه عن حقيقته بل هو من جنس قوله ومن أتاني يمشي أتيته هرولة فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديبا فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما ولو كان غير الوالد كالمعلم لم يتردد بل كان يبادر الى ضربة لتأديبه فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج بخلاف سائر الأمور فإنها تحصل بمجرد قول كن سريعا دفعه قوله يكره الموت وأنا أكره مساءته في حديث عائشة أنه يكره الموت وأنا أكره مسائته زاد بن مخلد عن بن كرامة في آخره ولا بد له منه ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب وأسند البيهقي في الزهد عن الجنيد سيد الطائفة قال الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه وليس المعنى أني أكره له الموت لأن الموت يورده الى رحمة الله ومغفرته انتهى وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي وهو مفارقة الروح للجسد ولا تحصل غالبا الا بألم عظيم جدا كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو يموت فقال كأني اتنفس من خرم ابرة وكأن غصن شوك يجر به من قامتي الى هامتي وعن كعب أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا فلما كان الموت بهذا الوصف والله يكره أذى المؤمن اطلق على ذلك الكراهة ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة الى طول الحياة لأنها تؤدي الى ارذل العمر وتنكس الخلق والرد الى أسفل سافلين وجوز الكرماني ان يكون المراد أكره مكرهه الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمتردد قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء في هذا الحديث عظم قدر الولي لكونه خرج عن تدبيره الى تدبير ربه وعن انتصاره لنفسه الى انتصار الله له وعن حوله وقوته بصدق توكله قال ويؤخذ منه أن لا يحكم لإنسان آذى وليا ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله فقد تكون مصيبته في غير ذلك ما هو أشد عليه كالمصيبة في الدين مثلا قال ويدخل في قوله افترضت عليه الفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه وغير ذلك وهي تنقسم أيضا إلى أفعال وتروك قال وفيه دلالة على جواز اطلاع الولي على المغيبات باطلاع الله تعالى له ولا يمنع من ذلك ظاهر قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فإنه لا يمنع دخول بعض اتباعه معه بالتبعية لصدق قولنا ما دخل على الملك اليوم الا الوزير ومن المعلوم أنه دخل معه بعض خدمه قلت الوصف المستثنى للرسول هنا ان كان فيما يتعلق بخصوص كونه رسولا فلا مشاركة لأحد من اتباعه فيه الا منه والا فيحتمل ما قال والعلم عند الله تعالى تنبيه أشكل وجه دخول هذا الحديث في باب التواضع حتى قال الداودي ليس هذا الحديث من التواضع في شيء وقال بعضهم المناسب ادخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله تعالى وبذلك ترجم البيهقي في الزهد فقال فصل في الاجتهاد في الطاعة وملازمة العبودية والجواب عن البخاري من أوجه أحدها أن التقرب الى الله بالنوافل لا يكون الا بغاية التواضع لله والتوكل عليه ذكره الكرماني ثانيها ذكره أيضا فقال قيل الترجمة مستفادة مما قال كنت سمعه ومن التردد قلت ويخرج منه جواب ثالث ويظهر لي رابع وهو انها تستفاد من لازم قوله من عادى لي وليا لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى الا بغاية التواضع إذ منهم الأشعث الاغبر الذي لا يؤبه له وقد ورد في الحث على التواضع عدة أحاديث صحيحة لكن ليس شيء منها على شرطه فاستغنى عنها بحديثي الباب منها حديث عياض بن حمار رفعه ان الله تعالى أوحى الى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما ومنها حديث أبي هريرة رفعه وما تواضع أحد لله تعالى الا رفعه أخرجه مسلم أيضا والترمذي ومنها حديث أبي سعيد رفعه من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين الحديث أخرجه بن ماجة وصححه بن حبان

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين قال أبو البقاء العكبري في اعراب المسند الساعة بالنصب والواو فيه بمعنى مع قال ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى لأنه لا يقال بعثت الساعة ولا هو في موضع المرفوع لأنها لم توجد بعد وأجاز غيره الوجهين بل جزم عياض بأن الرفع أحسن وهو عطف على ضمير المجهول في بعثت قال ويجوز النصب وذكر نحو توجيه أبي البقاء وزاد أبو علي ضمير يدل عليه الحال نحو فانتظروا كما قدر في نحو جاء البرد والطيالسة فاستعدوا قلت والجواب عن الذي اعتل به أبو البقاء أولا ان يضمن بعثت معنى يجمع إرسال الرسول ومجيء الساعة نحو جئت وعن الثاني بأنها نزلت منزلة الموجود مبالغة في تحقق مجيئها ويرجح النصب ما وقع في تفسير سورة والنازعات من هذا الصحيح من طريق فضيل بن سليمان عن أبي حازم بلفظ بعثت والساعة فإنه ظاهر في أن الواو للمعية قوله وما أمر الساعة الا كلمح البصر الآية كذا لأبي ذر وفي رواية الأكثر أو هو أقرب ان الله على كل شيء قدير كذا للجميع معطوفا على الحديث بغير فصل وهو يوهم أن تكون بقيته وليس كذلك بل التقدير وقول الله عز وجل وقد ثبت ذلك في بعض النسخ ولما أراد البخاري إدخال أشراط الساعة وصفة القيامة في كتاب الرقاق استطرد من حديث الباب الذي قبله المشتمل على ذكر الموت الدال على فناء كل شيء الى ذكر ما يدل على قرب القيامة وهو من لطيف ترتيبه ثم ذكر فيه ثلاث أحاديث عن سهل وأنس وأبي هريرة بلفظ واحد وفي حديث سهل وأبي هريرة زيادة الإشارة

[ 6138 ] قوله عن سهل في رواية سفيان عن أبي حازم سمعت من سهل بن سعد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في كتاب اللعان قوله بعثت أنا والساعة المراد بالساعة هنا يوم القيامة والأصل فيها قطعة من الزمان وفي عرف أهل الميقات جزء من أربعة وعشرين جزءا من اليوم والليلة وثبت مثله في حديث جابر رفعه يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة وقد بينت حاله في كتاب الجمعة وأطلقت في الحديث على انخرام قرن الصحابة ففي صحيح مسلم عن عائشة كان الاعراب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فنظر الى أحدث انسان منهم فقال إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم وعنده من حديث أنس نحوه وأطلقت أيضا على موت الإنسان الواحد قوله كهاتين كذا وقع عند الكشميهني في حديث سهل ولغيره كهاتين هكذا وكذا وقع في رواية سفيان لكن بلفظ كهذه من هذه أو كهاتين وفي رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عند مسلم بعثت أنا والساعة هكذا وفي رواية فضيل بن سليمان قال بأصبعيه هكذا قوله ويشير بأصبعيه فيمدهما في رواية سفيان وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى وفي رواية فضيل بن سليمان ويعقوب بالوسطى والتي تلي الإبهام وللإسماعيلي من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وجمع بين أصبعيه وفرق بينهما شيئا وفي رواية أبي ضمرة عن أبي حازم عند بن جرير وضم بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام وقال ما مثلي ومثل الساعة الا كفرسي رهان ونحوه في حديث بريدة بلفظ بعثت أنا والساعة ان كادت لتسبقني أخرجه أحمد والطبري وسنده حسن وفي حديث المستورد بن شداد بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه لهذه لاصبعيه السبابة والوسطى أخرجه الترمذي والطبري وقوله في نفس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند تنفسها ومثله في حديث أبي جبيرة فتح الجيم وكسر الموحدة الأنصاري عن أشياخ من الأنصار أخرجه الطبري وأخرجه أيضا عن أبي جبيرة مرفوعا بغير واسطة بلفظ آخر سأنبه عليه

[ 6139 ] قوله في حديث أنس وأبي التياح بفتح المثناة وتشديد التحتانية وآخره مهملة اسمه يزيد بن حميد ووقع عند مسلم في رواية خالد بن الحارث عن شعبة سمعت قتادة وأبا التياح يحدثان أنهما سمعا أنسا فذكره وزاد في آخره هكذا وقرن شعبة المسبحة والوسطى وأخرجه من طريق بن عدي عن شعبة عن حمزة الضبي وأبي التياح مثله وليس هذا اختلافا على شعبة بل كان سمعه من ثلاثة فكان يحدث به تارة عن الجميع وتارة عن البعض وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة فجمع الثلاثة ووقع لمسلم من طريق غندر عن شعبة عن قتادة حدثنا أنس كرواية البخاري وزاد قال شعبة وسمعت قتادة يقول في قصصه كفضل إحداهما على الأخرى فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة أي من قبل نفسه وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله هو وزاد في رواية عاصم بن علي هكذا وأشار بأصبعيه الوسطى والسبابة قال وكان يقول يعني قتادة كفضل إحداهما على الأخرى قلت ولم أرها في شيء من الطرق عن أنس وقد أخرجه مسلم من طريق معبد وهو بن هلال والطبري من طريق إسماعيل بن عبيد الله كلاهما عن أنس وليس ذلك فيه نعم وجدت هذه الزيادة مرفوعة في حديث أبي جبيرة بن الضحاك عند الطبري قوله في حديث أبي هريرة

[ 6140 ] حدثني يحيى بن يوسف في رواية أبي ذر حدثنا قوله حدثنا أبو بكر في رواية غير أبي ذر أخبرنا أبو بكر وهو بن عياش قوله عن أبي حصين في رواية بن ماجة حدثنا أبو حصين بفتح المهملة أوله وأبو صالح هو ذكوان والإسناد كله كوفيون قوله كهاتين يعني أصبعين كذا في الأصل ووقع عند بن ماجة عن هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش وجمع بين أصبعيه وأخرجه الطبري عن هناد بلفظ وأشار بالسبابة والوسطى بدل قوله يعني أصبعين وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن هناد بلفظ كهذه من هذه يعني أصبعيه وله من رواية أبي طالب عن الدوري وأشار أبو بكر بأصبعيه السبابة والتي تليها وهذا يدل على أن في رواية الطبري ادراجا وهذه الزيادة ثابتة في المرفوع لكن من حديث أبي هريرة كما تقدم وقد أخرجه الطبري من حديث جابر بن سمرة كأن انظر الى اصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول بعثت أنا والساعة كهذه من هذه وفي رواية له عنه وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى والمراد بالسبابة وهي بفتح المهملة وتشديد الموحدة الأصبع التي بين الإبهام والوسطى وهي المراد بالمسبحة سميت مسبحة لأنها يشار بها عند التسبيح وتحرك في التشهد عند التهليل إشارة الى التوحيد وسميت سبابة لأنهم كانوا إذا تسابوا أشاروا بها قوله تابعه إسرائيل يعني بن يونس بن أبي إسحاق عن أبي حصين يعني بالسند والمتن وقد وصله الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بسنده قال مثل رواية هناد عن أبي بكر بن عياش قال الإسماعيلي وقد تابعهما قيس بن الربيع عن أبي حصين قال عياض وغيره أشار بهذا الحديث على اختلاف ألفاظه الى قلة المدة بينه وبين الساعة والتفاوت اما في المجاورة واما في قدر ما بينهما ويعضده قوله كفضل أحدهما على الأخرى وقال بعضهم هذا الذي يتجه أن يقال ولو كان المراد الأول لقامت الساعة لاتصال إحدى الاصبعين بالأخرى قال بن التين اختلف في معنى قوله كهاتين فقيل كما بين السبابة والوسطى في الطول وقيل المعنى ليس بينه وبينها نبي وقال القرطبي في المفهم حاصل الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها قال وعلى رواية النصب يكون التشبيه وقع بالانضمام وعلى الرفع وقع بالتفاوت وقال البيضاوي معناه أن نسبة تقدم البعثة النبوية على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الاصبعين على الأخرى وقيل المراد استمرار دعوته لا تفترق إحداهما عن الأخرى كما أن الاصبعين لا تفترق إحداهما عن الأخرى ورجح الطيبي قول البيضاوي بزيادة المستورد فيه وقال القرطبي في التذكرة معنى هذا الحديث تقريب أمر الساعة ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر ما المسئول عنها بأعلم من السائل فإن المراد بحديث الباب انه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع أخرى ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وأن اشراطها متتابعة كما قال تعالى فقد جاء اشراطها قال الضحاك أول اشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم والحكمة في تقدم الاشراط ايقاظ الغافلين وحثهم على التوبة والاستعداد وقال الكرماني قيل معناه الإشارة الى قرب المجاورة وقيل الى تفاوت ما بينهما طولا وعلى هذا فالنظر في القول الأول الى العرض وقيل المراد ليس بينهما واسطة ولا معارضة بين هذا وبين قوله تعالى ان الله عنده علم الساعة ونحو ذلك لأن علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها معينا وقيل معنى الحديث أنه ليس بيني وبين القيامة شيء هي التي تليني كما تلي السبابة الوسطى وعلى هذا فلا تنافي بين ما دل عليه الحديث وبين قوله تعالى عن الساعة لا يعلمها الا هو وقال عياض حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الاصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة الى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة واستند الى أخبار لا تصح وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخير هذه الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب مما بين السبابة والوسطى في الطول قال وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ولو كان ذلك ثابتا لم يقع خلافه قلت وقد انضاف الى ذلك منذ عهد عياض الى هذا الحين ثلاثمائة سنة وقال بن العربي قيل الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها وكذلك الباقي من الدنيا من البعثة الى قيام الساعة قال وهذا بعيد ولا يعلم مقدار الدنيا فكيف يتحصل لنا نصف سبع أمد مجهول فالصواب الاعراض عن ذلك قلت السابق الى ذلك أبو جعفر بن جرير الطبري فإنه أورد في مقدمة تاريخه عن بن عباس قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة وقد مضى ستة آلاف ومائة سنة وأورده من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عنه ويحيى هو أبو طالب القاص الأنصاري قال البخاري منكر الحديث وشيخه هو فقيه الكوفة وفيه مقال ثم أورد الطبري عن كعب الأحبار قال الدنيا ستة آلاف سنة وعن وهب بن منبه مثله وزاد ان الذي مضى منها خمسة آلاف وستمائة سنة ثم زيفهما ورجح ما جاء عن بن عباس ثم أورد حديث بن عمر الذي في الصحيحين مرفوعا ما أجلكم في اجل من كان قبلكم الا من صلاة العصر الى مغرب الشمس ومن طريق مغيرة بن حكيم عن بن عمر بلفظ ما بقي لامتي من الدنيا الا كمقدار إذا صليت العصر ومن طريق مجاهد عن بن عمر كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قيقعان مرتفعة بعد العصر فقال ما اعماركم في اعمار من مضى الا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه وهو عند أحمد أيضا بسند حسن ثم اورد حديث أنس خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وقد كادت الشمس تغيب فذكر نحو الحديث الأول عن بن عمر ومن حديث أبي سعيد بمعناه قال عند غروب الشمس ان مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم هذا فيما مضى منه وحديث أبي سعيد أخرجه أيضا وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وحديث أنس أخرجه أيضا وفيه موسى بن خلف ثم جمع بينهما بما حاصله أنه حمل قوله بعد صلاة العصر على ما إذا صليت في وسط من وقتها قلت وهو بعيد من لفظ أنس وأبو سعيد وحديث بن عمر صحيح متفق عليه فالصواب الاعتماد عليه وله محملان أحدهما ان المراد بالتشبيه التقريب ولا يراد حقيقة المقدار فبه يجتمع مع حديث أنس وأبي سعيد على تقدير ثبوتهما والثاني ان يحمل على ظاهره فيقدم حديث بن عمر لصحته ويكون فيه دلالة على أن مدة هذه الأمة قدر خمس النهار تقريبا ثم أيد الطبري كلامه بحديث الباب وبحديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم ولفظه والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم ورواته ثقات ولكن رجح البخاري وقفه وعند أبي داود أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ اني لأرجو ان لا تعجز أمتي عند ربها ان يؤخرهم نصف يوم قيل لسعد كم نصف يوم قال خمسمائة سنة ورواته موثقون الا ان فيها انقطاعا قال الطبري ونصف اليوم خمسمائة سنة أخذا من قوله تعالى وان يوما عند ربك كألف سنة فإذا انضم الى قول بن عباس ان الدنيا سبعة آلاف سنة توافقت الاخبار فيكون الماضي الى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة تقريبا وقد أورد السهيلي كلام الطبري وأيده بما وقع عنده في حديث المستورد وأكده بحديث زمل رفعه الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها قلت وهذا الحديث انما هو عن بن زمل وسنده ضعيف جدا أخرجه بن السكن في الصحابة وقال إسناده مجهول وليس بمعروف في الصحابة وابن قتيبة في غريب الحديث وذكره في الصحابة أيضا بن منده وغيره وسماه بعضهم عبد الله وبعضهم الضحاك وقد أورده بن الجوزي في الموضوعات وقال بن الأثير ألفاظه مصنوعة ثم بين السهيلي أنه ليس في حديث نصف يوم ما ينفي الزيادة على الخمسمائة قال وقد جاء بيان ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد بلفظ ان أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك الف سنة وان أساءت فنصف يوم قال وليس في قوله بعثت انا والساعة كهاتين ما يقطع به على صحة التأويل الماضي بل قد قيل في تأويله انه ليس بينه وبين الساعة نبي مع التقريب لمجيئها ثم جوز أن يكون في عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر ما يوافق حديث بن زمل وذكر ان عدتها تسعمائة وثلاثة قلت وهو مبني على طريقة المغاربة في عد الحروف وأما المشارقة فينقص العدد عندهم مائتين وعشرة فإن السين عند المغاربة بثلاثمائة والصاد بستين وأما المشارقة فالسين عندهم ستون والصاد تسعون فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين وقد مضت وزيادة عليها مائة وخمس وأربعون سنة فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل وقد ثبت عن بن عباس الزجر عن عد أبي جاد والإشارة الى أن ذلك من جملة السحر وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل له في الشريعة وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي وهو من مشايخ السهيلي في فوائد رحلته ما نصه ومن الباطل الحروف المقطعة في أوائل السور وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ولا اعرف أحدا يحكم عليها بعلم ولا يصل فيها الى فهم الا اني أقول فذكر ما ملخصه أنه لولا ان العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولا متداولا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بل تلا عليهم ص وحم فصلت وغيرهما فلم ينكروا ذلك بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع تشوفهم الى عثرة وحرصهم على زلة فدل على أنه كان أمرا معروفا بينهم لا إنكار فيه قلت وأما عد الحروف بخصوصه فإنما جاء عن بعض اليهود كما حكاه بن إسحاق في السيرة النبوية عن أبي ياسر بن اخطب وغيره انهم حملوا الحروف التي في أوائل السور على هذا الحساب واستقصروا المدة أول ما نزل الم والر فلما نزل بعد ذلك المص وطسم وغير ذلك قالوا ألبست علينا الأمر وعلى تقدير أن يكون ذلك مرادا فليحمل على جميع الحروف الواردة ولا يحذف المكرر فإنه ما من حرف منها الا وله سر يخصه أو يقتصر على حذف المكرر من أسماء السور ولو تكررت الحروف فيها فإن السور التي ابتدئت بذلك تسع وعشرون سورة وعدد حروف الجميع ثمانية وسبعون حرفا وهي الم ستة حم ستة آلر خمسة طسم ثنتان المص المر كهيعص حمعسق طه طس يس ص ق ن فإذا حذف ما كرر من السور وهي خمس من الم وخمس من حم وأربع من الر وواحدة من طسم بقي أربع عشرة سورة عدد حروفها ثمانية وثلاثون حرفا فإذا حسب عددها بالجمل المغربي بلغت الفين وستمائة وأربعة وعشرين واما بالجمل المشرقي فتبلغ الفا وسبعمائة وأربعة وخمسين ولم اذكر ذلك ليعتمد عليه الا لابين ان الذي جنح اليه السهيلي لا ينبغي الاعتماد عليه لشدة التخالف فيه وفي الجملة فأقوى ما يعتمد في ذلك عليه حديث بن عمر الذي أشرت اليه قبل وقد اخرج معمر في الجامع عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال معمر وبلغني عن عكرمة في قوله تعالى في يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال الدنيا من أولها الى آخرها يوم مقداره خمسون الف سنة لا يدري كم مضى ولا كم بقي الا الله تعالى وقد حمل بعض شراح المصابيح حديث لن تعجز هذه الأمة ان يؤخرها نصف يوم على حال يوم القيامة وزيفه الطيبي فأصاب وأما زيادة جعفر فهي موضوعة لأنها لا تعرف الا من جهته وهو مشهور بوضع الحديث وقد كذبه الأئمة مع أنه لم يسق سنده بذلك فالعجب من السهيلي كيف سكت عنه مع معرفته بحاله والله المستعان

قوله باب كذا للأكثر بغير ترجمة وللكشميهني باب طلوع الشمس من مغربها وكذا هو في نسخة الصغاني وهو مناسب ولكن الأول انسب لأنه يصير كالفصل من الباب الذي قبله ووجه تعلقه به أن طلوع الشمس من مغربها انما يقع عند اشراف قيام الساعة كما سأقرره

[ 6141 ] قوله أبو الزناد عن عبد الرحمن هو الأعرج وصرح به الطبراني في مسند الشاميين عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه قوله لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها الخ هذا بعض حديث ساقه المؤلف في أواخر كتاب الفتن بهذا الإسناد بتمامه وفي أوله لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان الحديث وذكر فيه نحو عشرة أشياء من هذا الجنس ثم ذكر ما في هذا الباب وسأذكر شرحه مستوفى هناك واقتصر هنا على ما يتعلق بطلوع الشمس لأنه المناسب لما قبله وما بعده من قرب القيامة خاصة وعامة قال الطيبي الآيات امارات للساعة اما على قربها واما على حصولها فمن الأول الدجال ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج والخسف ومن الثاني الدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والنار التي تحشر الناس وحديث الباب يؤذن بذلك لأنه جعل في طلوعها من المغرب غاية لعدم قيام الساعة فيقتضى انها إذا طلعت كذلك انتفى عدم القيام فثبت القيام قوله فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا اجمعون وقع في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة في التفسير فإذا رآها الناس آمن من عليها أي على الأرض من الناس قوله فذاك في رواية الكشميهني فذلك وكذا هو في رواية أبي زرعة ووقع في رواية همام عن أبي هريرة في التفسير أيضا وذلك بالواو قوله حين لا ينفع نفسا ايمانها الآية كذا هنا وفي رواية أبي زرعة ايمانها لم تكن آمنت من قبل وفي رواية همام ايمانها ثم قرأ الآية قال الطبري معنى الآية لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع ايمان بعد الطلوع ولا ينفع مؤمنا لم يكن عمل صالحا قبل الطلوع عمل صالح بعد الطلوع لان حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة وذلك لا يفيد شيئا كما قال تعالى فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا وكما ثبت في الحديث الصحيح تقبل توبة العبد ما لم يبلغ الغرغرة وقال بن عطية في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك طلوع الشمس من المغرب والى ذلك ذهب الجمهور وأسند الطبري عن بن مسعود ان المراد بالبعض إحدى ثلاث هذه أو خروج الدابة أو الدجال قال وفيه نظر لان نزول عيسى بن مريم يعقب خروج الدجال وعيسى لا يقبل الا الإيمان فانتفى ان يكون بخروج الدجال لا يقبل الإيمان ولا التوبة قلت ثبت في صحيح مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رفعه ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض قيل فلعل حصول ذلك يكون متتابعا بحيث تبقى النسبة الى الأول منها مجازية وهذا بعيد لان مدة لبث الدجال الى أن يقتله عيسى ثم لبس عيسى وخروج يأجوج ومأجوج كل ذلك سابق على طلوع الشمس من المغرب فالذي يترجح من مجموع الاخبار ان خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم وان طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي وينتهي ذلك بقيام الساعة ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب وقد اخرج مسلم أيضا من طريق أبي زرعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه أول الآيات طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى فأيهما خرجت قبل الأخرى فالاخرى منها قريب وفي الحديث قصة لمروان بن الحكم وأنه كان يقول أول الآيات خروج الدجال فأنكر عليه عبد الله بن عمرو قلت ولكلام مروان محمل يعرف مما ذكرته قال الحاكم أبو عبد الله الذي يظهر ان طلوع الشمس يسبق خروج الدابة ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه قلت والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلا للمقصود من اغلاق باب التوبة وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس كما تقدم في حديث أنس في بدء الخلق في مسائل عبد الله بن سلام ففيه وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق الى المغرب وسيأتي فيه زيادة في باب كيف الحشر قال بن عطية وغيره ما حاصله معنى الآية ان الكافر لا ينفعه ايمانه بعد طلوع الشمس من المغرب وكذلك العاصي لا تنفعه توبته ومن لم يعمل صالحا من قبل ولو كان مؤمنا لا ينفعه العمل بعد طلوعها من المغرب وقال القاضي عياض المعنى لا تنفع توبة بعد ذلك بل يختم على عمل كل أحد بالحالة التي هو عليها والحكمة في ذلك ان هذا أول ابتداء قيام الساعة بتغير العالم العلوي فإذا شوهد ذلك حصل الإيمان الضروري بالمعاينة وارتفع الإيمان بالغيب فهو كالايمان عند الغرغرة وهو لا ينفع فالمشاهدة لطلوع الشمس من المغرب مثله وقال القرطبي في التذكرة بعد أن ذكر هذا فعلى هذا فتوبة من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة فلو امتدت أيام الدنيا بعد ذلك الى أن ينسى هذا الأمر أو ينقطع تواتره ويصير الخبر عنه آحادا فمن اسلم حينئذ أو تاب قبل منه وأيد ذلك بأنه روى ان الشمس والقمر يكسيان الضوء بعد ذلك ويطلعان ويغربان من المشرق كما كانا قبل ذلك قال وذكر أبو الليث السمرقندي في تفسيره عن عمران بن حصين قال انما لا يقبل الإيمان والتوبة وقت الطلوع لأنه يكون حينئذ صيحة فيهلك بها كثير من الناس فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت لم تقبل توبته ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته قال وذكر الميانشي عن عبد الله بن عمرو رفعه قال تبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة قلت رفع هذا لا يثبت وقد أخرجه عبد بن حميد في تفسيره بسند جيد عن عبد الله بن عمرو موقوفا وقد ورد عنه ما يعارضه فأخرج أحمد ونعيم بن حماد من وجه اخر عن عبد الله بن عمرو رفعه الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع السلك تبع بعضها بعضا واخرج الطبراني من وجه اخر عن عبد الله بن عمرو رفعه إذا طلع الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي الهي مرني ان اسجد لمن شئت الحديث وأخرج نعيم نحوه عن أبي هريرة والحسن وقتادة بأسانيد مختلفة وعند بن عساكر من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رفعه بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط إذا سقط منها واحدة توالت وعن أبي العالية بين أول الآيات وآخرها ستة اشهر يتتابعن كتتابع الخرزات في النظام ويمكن الجواب عن حديث عبد الله بن عمرو بأن المدة ولو كانت كما قال عشرين ومائة سنة لكنها تمر مرورا سريعا كمقدار مرو عشرين ومائة شهر من قبل ذلك أو دون ذلك كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر الحديث وفيه واليوم كاحتراق السعفة وأما حديث عمران فلا أصل له وقد سبقه الى هذا الاحتمال البيهقي في البعث والنشور فقال في باب خروج يأجوج ومأجوج فصل ذكر الحليمي ان أول الآيات الدجال ثم نزول عيسى لان طلوع الشمس من المغرب لو كان قبل نزول عيسى لم ينفع الكفار ايمانهم في زمانه ولكنه ينفعهم إذ لو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا بإسلام من أسلم منهم قال البيهقي وهو كلام صحيح لو لم يعارض الحديث الصحيح المذكور ان أول الآيات طلوع الشمس من المغرب وفي حديث عبد الله بن عمرو طلوع الشمس أو خروج الدابة وفي حديث أبي حازم عن أبي هريرة الجزم بهما وبالدجال في عدم نفع الإيمان قال البيهقي ان كان في علم الله ان طلوع الشمس سابق احتمل ان يكون المراد نفى النفع عن أنفس القرن الذين شاهدوا ذلك فإذا انقرضوا وتطاول الزمان وعاد بعضهم الى الكفر عاد تكليفه الإيمان بالغيب وكذا في قصة الدجال لا ينفع ايمان من آمن بعيسى عند مشاهدة الدجال وينفعه بعد انقراضه وان كان في علم الله طلوع الشمس بعد نزول عيسى احتمل أن يكون المراد بالآيات في حديث عبد الله بن عمرو آيات أخرى غير الدجال ونزول عيسى إذ ليس في الخبر نص على أنه يتقدم عيسى قلت وهذا الثاني هو المعتمد والاخبار الصحيحة تخالفه ففي صحيح مسلم من رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة رفعه من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه فمفهومه ان من تاب بعد ذلك لم تقبل ولأبي داود والنسائي من حديث معاوية رفعه لا تزال تقبل التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وسنده جيد وللطبراني عن عبد الله بن سلام نحوه وأخرج أحمد والطبري والطبراني من طريق مالك بن يخامر بضم التحتانية بعدها خاء معجمة وبكسر الميم وعن معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو رفعوه لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل وأخرج أحمد والدارمي وعبد بن حميد في تفسيره كلهم من طريق أبي هند عن معاوية رفعه لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها واخرج الطبري بسند جيد من طريق أبي الشعثاء عن بن مسعود موقوفا التوبة مفروضة ما لم تطلع الشمس من مغربها وفي حديث صفوان بن عسال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وأخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان وفي حديث بن عباس نحوه عند بن مردويه وفيه فإذا طلعت الشمس من مغربها رد المصراعان فيلتئم ما بينهما فإذا اغلق ذلك الباب لم تقبل بعد ذلك توبة ولا تنفع حسنة الا من كان يعمل الخير قبل ذلك فإنه يجري لهم ما كان قبل ذلك وفيه فقال أبي بن كعب فكيف بالشمس والناس بعد ذلك قال تكسي الشمس الضوء وتطلع كما كانت تطلع وتقبل الناس على الدنيا فلو نتج رجل مهرا لم يركبه حتى تقوم الساعة وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند نعيم بن حماد في كتاب الفتن وعبدا لرزاق في تفسيره عن وهب بن جابر الخيواني بالخاء المعجمة قال كنا عند عبد الله بن عمرو فذكر قصة قال ثم أنشأ يحدثنا قال ان الشمس إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت في الطلوع فيؤذن لها حتى إذا كان ذات ليلة فلا يؤذن لها وتحبس ما شاء الله تعالى ثم يقال لها اطلعي من حيث غربت قال فمن يومئذ الى يوم القيامة لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق كذلك ومن طريق أخرى وزاد فيها قصة المتهجدين وأنهم هم الذين يستنكرون بطء طلوع الشمس واخرج أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال تأتي ليلة قدر ثلاث ليال لا يعرفها الا المتهجدون يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ ثم ينام ثم يقوم فعندها يموج الناس بعضهم في بعض حتى إذا صلوا الفجر وجلسوا فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها فيضج الناس ضجة واحدة حتى إذا توسطت السماء رجعت وعند البيهقي في البعث والنشور من حديث بن مسعود نحوه فينادي الرجل جاره يا فلان ما شأن الليلة لقد نمت حتى شبعت وصليت حتى أعييت وعند نعيم بن حماد من وجه اخر عن عبد الله بن عمرو قال لا يلبثون بعد يأجوج ومأجوج الا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها فيناديهم مناد يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم ويا أيها الذين كفروا قد اغلق عنكم باب التوبة وجفت الأقلام وطويت الصحف ومن طريق يزيد بن شريح وكثير بن مرة إذا طلعت الشمس من المغرب يطبع على القلوب بما فيها وترتفع الحفظة وتؤمر الملائكة ان لا يكتبوا عملا واخرج عبد بن حميد والطبري بسند صحيح من طريق عامر الشعبي عن عائشة إذا خرجت أول الآيات طرحت الأقلام وطويت الصحف وخلصت الحفظة وشهدت الأجساد على الأعمال وهو وان كان موقوفا فحكمه الرفع ومن طريق العوفي عن بن عباس نحوه ومن طريق بن مسعود قالا الآية التي يختم بها الأعمال طلوع الشمس من مغربها فهذه اثار يشد بعضها بعضا متفقة على أن الشمس إذا طلعت من المغرب اغلق باب التوبة ولم يفتح بعد ذلك وان ذلك لا يختص بيوم الطلوع بل يمتد الى يوم القيامة ويؤخذ منها ان طلوع الشمس من مغربها أول الإنذار بقيام الساعة وفي ذلك رد على أصحاب الهيئة ومن وافقهم ان الشمس وغيرها من الفلكيات بسيطة لا يختلف مقتضياتها ولا يتطرق إليها تغيير ما هي عليه قال الكرماني وقواعدهم منقوضة ومقدماتهم ممنوعة وعلى تقدير تسليمها فلا امتناع من انطباق منطقة البروج التي هي معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربا وبالعكس واستدل صاحب الكشاف بهذه الآية للمعتزلة فقال قوله لم تكن آمنت من قبل صفة لقوله نفسا وقوله أو كسبت في ايمانها خيرا عطف على آمنت والمعنى ان أشراط الساعة اذا جاءت وهي آيات ملجئة للايمان ذهب أوان التكليف عندها فلم ينفع الإيمان حينئذ من غير مقدمة ايمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة ايمانها من غير تقديم عمل صالح فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكتسب خيرا ليعلم ان قوله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جمع بين قرينتين لا ينبغي ان تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد والا فالشقوة والهلاك قال الشهاب السمين قد أجاب الناس بأن المعنى في الآية أنه إذا اتى بعض الآيات لا ينفع نفسا كافرة ايمانها الذي اوقعته إذ ذاك ولا ينفع نفسا سبق ايمانها ولم تكسب فيه خيرا فقد علق نفي نفع الإيمان بأحد وصفين اما نفي سبق الإيمان فقط واما سبقه مع نفي كسب الخير ومفهومه انه ينفع الإيمان السابق وحده وكذا السابق ومعه الخير ومفهوم الصفة قوي فيستدل بالآية لمذهب أهل السنة ويكون فيه قلب دليل المعتزلة دليلا عليهم وأجاب بن المنير في الانتصاف فقال هذا الكلام من البلاغة يلقب اللف وأصله يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة قبل ايمانها بعد ولا نفسا لم تكسب خيرا قبل ما تكتسبه من الخير بعد فلف الكلامين فجعلهما كلاما واحدا ايجازا وبهذا التقرير يظهر انها لا تخالف مذهب أهل الحق فلا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير ولو نفع الإيمان المتقدم من الخلود فهي بالرد على مذهبه أولى من أن تدل له وقال بن الحاجب في أماليه الإيمان قبل مجيء الآية نافع ولو لم يكن عمل صالح غيره ومعنى الآية لا ينفع نفسا ايمانها ولاكسبها العمل الصالح لم يكن الإيمان قبل الآية أو لم يكن العمل مع الإيمان قبلها فاختصر للعلم ونقل الطيبي كلام الأئمة في ذلك ثم قال المعتمد ما قال بن المنير وابن الحاجب وبسطه ان الله تعالى لما خاطب المعاندين بقوله تعالى وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه الآية علل الإنزال بقوله ان تقولوا انما انزل الكتاب الخ إزالة العذر والزاما للحجة وعقبة بقوله فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة تبكيتا لهم وتقريرا لما سبق من طلب الاتباع ثم قال فمن أظلم ممن كذب الآية أي انه انزل هذا الكتاب المنير كاشفا لكل ريب وهاديا الى الطريق المستقيم ورحمة من الله للخلق ليجعلوه زادا لمعادهم فيما يقدمونه من الإيمان والعمل الصالح فجعلوا شكر النعمة ان كذبوا بها ومنعوا من الانتفاع بها ثم قال هل ينظرون الآية أي ما ينتظر هؤلاء المكذبون الا أن يأتيهم عذاب الدنيا بنزول الملائكة بالعقاب الذي يستأصل شأفتهم كما جرى لمن مضى من الأمم قبلهم أو يأتيهم عذاب الآخرة بوجود بعض قوارعها فحينئذ تفوت تلك الفرصة السابقة فلا ينفعهم شيء مما كان ينفعهم من قبل من الإيمان وكذا العمل الصالح مع الإيمان فكأنه قيل يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها ولا كسبها العمل الصالح في ايمانها حينئذ إذا لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا من قبل ففي الآية لف لكن حذفت إحدى القرينتين بإعانة النشر ونظيره قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا قال فهذا الذي عناه بن المنير بقوله ان هذا الكلام في البلاغة يقال له اللف والمعنى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا لم تكن مؤمنة من قبل ذلك ايمانها من بعد ذلك ولا ينفع نفسا كانت مؤمنة لكن لم تعمل في ايمانها عملا صالحا قبل ذلك ما تعمله من العمل الصالح بعد ذلك قال وبهذا التقرير يظهر مذهب أهل السنة فلا ينفع بعد ظهور الآية اكتساب الخير أي لاغلاق باب التوبة ورفع الصحف والحفظة وان كان ما سبق قبل ظهور الآية من الإيمان ينفع صاحبه في الجملة ثم قال الطيبي وقد ظفرت بفضل الله بعد هذا التقرير على آية أخرى تشبه هذه الآية وتناسب هذا التقرير معنى ولفظا من غير افراط ولا تفريط وهي قوله تعالى ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم الآية فإنه يظهر منه ان الإيمان المجرد قبل كشف قوارع الساعة نافع وان الإيمان المقارن بالعمل الصالح انفع وأما بعد حصولها فلا ينفع شيء أصلا والله اعلم انتهى ملخصا قوله ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته بكسر اللام وسكون القاف بعدها مهملة هي ذات الدر من النوق قوله يليط حوضه بضم أوله ويقال الاط حوضه إذا مدره أي جمع حجارة فصيرها كالحوض ثم سد ما بينها من الفرج بالمدر ونحوه لينحبس الماء هذا أصله وقد يكون للحوض خروق فيسدها بالمدر قبل أن يملأه وفي كل ذلك إشارة الى أن القيامة تقوم بغتة كما قال الله تعالى لا تأتيكم الا بغتة

قوله باب من احب لقاء الله احب الله لقاءه هكذا ترجم بالشق الأول من الحديث الأول إشارة الى بقيته على طريق الاكتفاء قال العلماء محبة الله لعبده ارادته الخير له وهدايته اليه وانعامه عليه وكراهته له على الضد من ذلك

[ 6142 ] قوله حدثنا حجاج هو بن المنهال البصري وهو من كبار شيوخ البخاري وقد روى عن همام أيضا حجاج بن محمد المصيصي لكن لم يدركه البخاري قوله عن قتادة لهمام فيه إسناد آخر أخرجه أحمد عن عفان عن همام عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثني فلان بن فلان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرالحديث بطوله بمعناه وسنده قوي وإبهام الصحابي لا يضر وليس ذلك اختلافا على همام فقد أخرجه أحمد عن عفان عن همام عن قتادة قوله عن أنس في رواية شعبة عن قتادة سمعت أنسا وسيأتي بيانه في الرواية المعلقة قوله عن عبادة بن الصامت قد رواه حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أخرجه أحمد والنسائي والبزار من طريقه وذكر البزار انه تفرد به فان أراد مطلقا وردت عليه رواية قتادة وان أراد بقيد كونه جعله من مسند أنس سلم قوله من احب لقاء الله احب الله لقاءه قال الكرماني ليس الشرط سببا للجزاء بل الأمر بالعكس ولكنه على تأويل الخبر أي من احب لقاء الله أخبره بأن الله احب لقاءه وكذا الكراهة وقال غيره فيما نقله بن عبد البر وغيره من هنا خبرية وليست شرطية فليس معناه ان سبب حب الله لقاء العبد حب العبد لقاءه ولا الكراهة ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم عند ربهم والتقدير من احب لقاء الله فهو الذي احب الله لقاءه وكذا الكراهة قلت ولا حاجة الى دعوى نفي الشرطية فسيأتي في التوحيد من حديث أبي هريرة رفعه قال الله عز وجل إذا احب عبدي لقائي أحببت لقاءه الحديث فيتعين أن من في حديث الباب شرطية وتأويلها ما سبق وفي قوله احب الله لقاءه العدول عن الضمير الى الظاهر تفخيما وتعظيما ودفعا لتوهم عود الضمير على الموصول لئلا يتحد في الصورة المبتدأ والخبر ففيه إصلاح اللفظ لتصحيح المعنى وأيضا فعود الضمير على المضاف إليه قليل وقرأت بخط بن الصائغ في شرح المشارق يحتمل أن يكون لقاء الله مضافا للمفعول فإقامه مقام الفاعل ولقاءه إما مضاف للمفعول أو للفاعل الضمير أو للموصول لأن الجواب إذا كان شرطا فالأولى ان يكون فيه ضمير نعم هو موجود هنا ولكن تقديرا قوله ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال المازري من قضى الله بموته لا بد ان يموت وان كان كارها للقاء الله ولو كره الله موته لما مات فيحمل الحديث على كراهته سبحانه وتعالى الغفران له وإرادته لإبعاده من رحمته قلت ولا اختصاص لهذا البحث بهذا الشق فإنه يأتي مثله في الشق الأول كأن قال مثلا من قضى الله بامتداد حياته لا يموت ولو كان محبا للموت الخ قوله قالت عائشة أو بعض أزواجه كذا في هذه الرواية بالشك وجزم سعد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي التي قالت ذلك ولم يتردد وهذه الزيادة في هذا الحديث لا تظهر صريحا هل هي من كلام عبادة والمعنى أنه سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مراجعة عائشة أو من كلام أنس بأن يكون حضر ذلك فقد وقع في رواية حميد التي أشرت إليها بلفظ فقلنا يا رسول الله فيكون اسند القول الى جماعة وان كان المباشر له واحدا وهي عائشة وكذا وقع في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى التي أشرت إليها وفيها فأكب القوم يبكون وقالوا انا نكره الموت قال ليس ذلك ولابن أبي شيبة من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة نحو حديث الباب وفيه قيل يا رسول الله ما منا من أحد الا وهو يكره الموت فقال إذا كان ذلك كشف له ويحتمل أيضا ان يكون من كلام قتادة أرسله في رواية همام ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة عنه عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة فيكون في رواية همام ادراج وهذا أرجح في نظري فقد أخرجه مسلم عن هداب بن خالد عن همام مقتصرا على أصل الحديث دون قوله فقالت عائشة الخ ثم أخرجه من رواية سعيد بن أبي عروبة موصولا تاما وكذا أخرجه هو وأحمد من رواية شعبة والنسائي من رواية سليمان التيمي كلاهما عن قتادة وكذا جاء عن أبي هريرة وغير واحد من الصحابة بدون المراجعة وقد أخرجه الحسن بن سفيان وأبو يعلى جميعا عن هدبة بن خالد عن همام تاما كما أخرجه البخاري عن حجاج عن همام وهدبة هو هداب شيخ مسلم فكأن مسلما حذف الزيادة عمدا لكونها مرسلة من هذا الوجه واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن أبي عروبة وقد رمز البخاري الى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله اختصره الخ وكذا أشار الى رواية سعيد تعليقا وهذا من العلل الخفية جدا قوله انا لنكره الموت في رواية سعد بن هشام فقالت يا نبي الله اكراهة الموت فكلنا نكره الموت قوله بشر برضوان الله وكرامته في رواية سعد بن هشام بشر برحمة الله ورضوانه وجنته وفي حديث حميد عن أنس ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله وليس شيء احب اليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ولكنه إذا حضر فإما ان كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك احب لقاء الله والله للقائه احب قوله فليس شيء احب اليه مما أمامه بفتح الهمزة أي ما يستقبله بعد الموت وقد وقعت هذه المراجعة من عائشة لبعض التابعين فأخرج مسلم والنسائي من طريق شريح بن هانيء قال سمعت أبا هريرة فذكر أصل الحديث قال فأتيت عائشة فقلت سمعت حديثا ان كان كذلك فقد هلكنا فذكره قال وليس منا أحد الا وهو يكره الموت فقالت ليس بالذي تذهب اليه ولكن إذا شخص البصر بفتح الشين والخاء المعجمتين وآخره مهملة أي فتح المحتضر عينيه الى فوق فلم يطرف وحشرج الصدر بحاء مهملة مفتوحة بعدها معجمة وآخره جيم أي ترددت الروح في الصدر واقشعر الجلد وتشجنت بالشين المعجمة والنون الثقيلة والجيم أي تقبضت وهذه الأمور هي حالة المحتضر وكأن عائشة اخذته من معنى الخبر الذي رواه عنها سعد بن هشام مرفوعا وأخرجه مسلم والنسائي أيضا عن شريح بن هانيء عن عائشة مثل روايته عن أبي هريرة وزاد في اخره والموت دون لقاء الله وهذه الزيادة من كلام عائشة فيما يظهر لي ذكرتها استنباطا مما تقدم وعند عبد بن حميد من وجه آخر عن عائشة مرفوعا إذا راد الله بعبد خيرا قيض له قبل موته بعام ملكا يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان فإذا حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد شرا قيض له قبل موته بعام شيطانا فأضله وفتنه حتى يقال مات بشر ما كان عليه فإذا حضر ورأى ما أعد له من العذاب جزعت نفسه فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه قال الخطابي تضمن حديث الباب من التفسير ما فيه غنية عن غيره واللقاء يقع على أوجه منها المعاينة ومنها البعث كقوله تعالى الذين كذبوا بلقاء الله ومنها الموت كقوله من كان يرجو لقاء الله فإن اجل الله لآت وقوله قل ان الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم وقال بن الأثير في النهاية المراد بلقاء الله هنا المصير الى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لان كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها احب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه انما يصل اليه بالموت وقول عائشة والموت دون لقاء الله يبين ان الموت غير اللقاء ولكنه معترض دون الغرض المطلوب فيجب ان يصبر عليه ويحتمل مشاقه حتى يصل الى الفوز باللقاء قال الطيبي يريد أن قول عائشة انا لنكره الموت يوهم أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت وليس كذلك لان لقاء الله غير الموت بدليل قوله في الرواية الأخرى والموت دون لقاء الله لكن لما كان الموت وسيلة الى لقاء الله عبر عنه بلقاء الله وقد سبق بن الأثير الى تأويل لقاء الله بغير الموت الامام أبو عبيد القاسم بن سلام فقال ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية ان يصير الى الله والدار الآخرة قال ومما يبين ذلك ان الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وقال الخطابي معنى محبة العبد للقاء الله ايثاره الآخرة على الدنيا فلا يحب استمرار الإقامة فيها بل يستعد للارتحال عنها والكراهة بضد ذلك وقال النووي معنى الحديث أن المحبة والكراهة التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة حيث ينكشف الحال للمحتضر ويظهر له ما هو صائر اليه قوله بشر بعذاب الله وعقوبته في رواية سعد بن هشام بشر بعذاب الله وسخطه وفي رواية حميد عن أنس وان الكافر أو الفاجر إذا جاءه ما هو صائر اليه من السوء أو ما يلقى من الشر الخ وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى نحو ما مضى قوله اختصره أبو داود وعمرو عن شعبة يعني عن قتادة عن أنس عن عبادة ومعنى اختصاره انه اقتصر على أصل الحديث دون قوله فقالت عائشة الخ فأما رواية أبي داود وهو الطيالسي فوصلها الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود وكذا وقع لنا بعلو في مسند أبي داود الطيالسي وأما رواية عمرو وهو بن مرزوق فوصلها الطبراني في المعجم الكبير عن أبي مسلم الكجي ويوسف بن يعقوب القاضي كلاهما عن عمرو بن مرزوق وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة وهو عند مسلم من رواية محمد بن جعفر وهو غندر قوله وقال سعيد عن قتادة الخ وصله مسلم من طريق خالد بن الحارث ومحمد بن بكر كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة كما تقدم بيانه وكذا أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة من رواية سعيد بن أبي عروبة ووقع لنا بعلو في كتاب البعث لابن أبي داود وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم البداءة بأهل الخير في الذكر لشرفهم وان كان أهل الشر أكثر وفيه أن المجازاة من جنس العمل فإنه قابل المحبة بالمحبة والكراهة بالكراهة وفيه ان المؤمنين يرون ربهم في الآخرة وفيه نظر فإن اللقاء أعم من الرؤية ويحتمل على بعد ان يكون في قوله لقاء الله حذف تقديره لقاء ثواب الله ونحو ذلك ووجه البعد فيه الإتيان بمقابله لان أحدا من العقلاء لا يكره لقاء ثواب الله بل كل من يكره الموت انما يكرهه خشية ان لا يلقى ثواب الله اما لابطائه عن دخول الجنة بالشغل بالتبعات واما لعدم دخولها أصلا كالكافر وفيه ان المحتضر إذا ظهرت عليه علامات السرور كان ذلك دليلا على أنه بشر بالخير وكذا بالعكس وفيه ان محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لأنها ممكنة مع عدم تمني الموت كأن تكون المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره وان النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة المستمرة وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة وفيه ان في كراهة الموت في حال الصحة تفصيلا فمن كرهه ايثارا للحياة على ما بعد الموت من نعيم الآخرة كان مذموما ومن كرهه خشية ان يفضي الى المؤاخذة كأن يكون مقصرا في العمل لم يستعد له بالأهبة بأن يتخلص من التبعات ويقوم بأمر الله كما يجب فهو معذور لكن ينبغي لمن وجد ذلك أن يبادر الى أخذ الاهبة حتى إذا حضره الموت لا يكرهه بل يحبه لما يرجو بعده من لقاء الله تعالى وفيه أن الله تعالى لا يراه في الدنيا أحد من الاحياء وانما يقع ذلك للمؤمنين بعد الموت اخذا من قوله والموت دون لقاء الله وقد تقدم ان اللقاء أعم من الرؤية فإذا انتفى اللقاء انتفت الرؤية وقد ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي امامه مرفوعا في حديث طويل وفيه واعلموا انكم ان تروا ربكم حتى تموتوا الحديث الثاني حديث أبي موسى مثل حديث عبادة دون قوله فقالت عائشة الخ وكأنه أورده استظهارا لصحة الحديث وقد أخرجه مسلم أيضا وبريد بموحدة ثم مهملة هو بن عبد الله بن أبي بردة الحديث الثالث

[ 6144 ] قوله أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم كذا في رواية عقيل ومضى في الوفاة النبوية من طريق شعيب عن الزهري أخبرني عروة ولم يذكر معه أحدا ومن طريق يونس عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم ولم يذكر عروة وقد ذكرت في كتاب الدعوات تسمية بعض من ابهم في هذه الرواية من شيوخ الزهري وتقدم شرح الحديث مستوفي في الوفاة النبوية ومناسبته للترجمة من جهة اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للقاء الله بعد أن خير بين الموت والحياة فاختار الموت فينبغي الاستنان به في ذلك وقد ذكر بعض الشراح ان إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت لما أتاه ليقبض روحه هل رأيت خليلا يميت خليله فأوحى الله تعالى اليه قل له هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله فقال يا ملك الموت الان فاقبض ووجدت في المبتدأ لأبي حذيفة إسحاق بن بشر البخاري أحد الضعفاء بسند له عن بن عمر قال قال ملك الموت يا رب ان عبدك إبراهيم جزع من الموت فقال قل له الخليل إذا طال به العهد من خليله اشتاق اليه فبلغه فقال نعم يا رب قد اشتقت الى لقائك فأعطاه ريحانة فشمها فقبض فيها

قوله باب سكرات الموت بفتح المهملة والكاف جمع سكرة قال الراغب وغيره السكر حالة تعرض بين المرء وعقله وأكثر ما تستعمل في الشراب المسكر ويطلق في الغضب والعشق والالم والنعاس والغشي الناشيء عن الألم وهو المراد هنا وذكر فيه ستة أحاديث الأول

[ 6145 ] قوله عن عمر بن سعيد أي بن أبي حسين المكي قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة أو علبة بضم المهملة وسكون الام بعدها موحدة قوله شك عمر هو بن سعيد بن أبي حسين راويه وتقدم في الوفاة النبوية بلفظ يشك عمر وفي رواية الإسماعيلي شك بن أبي حسين قوله فجعل يدخل يده عند الكشميهني يديه بالتثنية وكذا تقدم لهم في الوفاة النبوية بهذا الإسناد في اثناء حديث أوله قصة السواك فاختصره المؤلف هنا قوله فيمسح بها في رواية الكشميهني بهما بالتثنية وكذا لهم في الوفاة قوله ان للموت سكرات وقع في رواية القاسم عن عائشة عند أصحاب السنن سوى أبي داود بسند حسن بلفظ ثم يقول اللهم اعني على سكرات الموت وقد تقدم شرح الحديث مستوفي هناك وتقدم هناك أيضا من رواية القاسم بن محمد عن عائشة مات النبي صلى الله عليه وسلم وانه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه الترمذي عنها بلفظ ما اغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله قال أبو عبد الله هو البخاري قوله العلبة من الخشب والركوة من الأدم ثبت هذا في رواية المستملي وحده وهو المشهور في تفسيرهما ووقع في المحكم الركوة شبه تور من أدم قال المطرزي دلو صغير وقال غيره كالقصعة تتخذ من جلد ولها طوق خشب وأما العلبة فقال العسكري هي قدح الاعراب تتخذ من جلد وقال بن فارس قدح ضخم من خشب وقد يتخذ من جلد وقيل اسفله جلد وأعلاه خشب مدور وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة بل هي للمؤمن اما زيادة في حسناته واما تكفير لسيأته وبهذا التقرير تظهر مناسبة أحاديث الباب للترجمة الحديث الثاني

[ 6146 ] قوله صدقة هو بن الفضل المروزي وعبدة هو بن سليمان وهشام هو بن عروة قوله كان رجال من الاعراب لم اقف على اسمائهم قوله جفاة في رواية الأكثر بالجيم وفي رواية بعضهم بالمهملة وانما وصفهم بذلك اما على رواية الجيم فلأن سكان البوادي يغلب عليهم الشظف وخشونة العيش فتجفو اخلاقهم غالبا واما على رواية الحاء فلقلة اعتنائهم بالملابس قوله متى الساعة في رواية مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام كان الاعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة وكان ذلك لما طرق اسماعهم من تكرار اقترابها في القرآن فأرادوا أن يعرفوا تعيين وقتها قوله فينظر الى اصغرهم في رواية مسلم فنظر الى أحدث انسان منهم فقال ورواية عبدة ظاهرها تكرير ذلك ويؤيد سياق مسلم حديث أنس عنده ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة ولم اقف على اسم هذا بعينه لكنه يحتمل ان يفسر بذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وسأل متى تقوم الساعة وقال اللهم ارحمني ومحمدا ولكن جوابه عن السؤال عن الساعة مغاير لجواب هذا قوله ان يعش هذا لا يدركه الهرم في حديث أنس عند مسلم وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد وله في رواية أخرى وعنده غلام من ازد شنوءة بفتح المعجمة وضم النون ومد وبعد الواو همزة ثم هاء تأنيث وفي أخرى له غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني ولا مغايرة بينهما وطريق الجمع انه كان من ازد شنوءة وكان حليفا للانصار وكان يخدم المغيرة وقول أنس وكان من اقراني وفي رواية له من اترابي يريد في السن وكان سن أنس حينئذ نحو سبع عشرة سنة قوله حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام هو بن عروة راويه يعني موتهم وهو موصول بالسند المذكور وفي حديث أنس حتى تقوم الساعة قال عياض حديث عائشة هذا يفسر حديث أنس وان المراد ساعة المخاطبين وهو نظير قوله أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها الان أحد وقد تقدم بيانه في كتاب العلم وان المراد انقراض ذلك القرن وان من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت مائة سنة من وقت تلك المقالة لا يبقى منهم أحد ووقع الأمر كذلك فان آخر من بقي ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبو الطفيل عامر بن واثلة كما جزم به مسلم وغيره وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة وذلك عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة وقيل كانت وفاته قبل ذلك فإن كان كذلك فيحتمل ان يكون تأخر بعده بعض من أدرك ذلك الزمان وان لم يثبت انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وبه احتج جماعة من المحققين على كذب من ادعى الصحبة أو الرؤية ممن تأخر عن ذلك الوقت وقال الراغب الساعة جزء من الزمان ويعبر بها عن القيامة تشبيها بذلك لسرعة الحساب قال الله تعالى وهو أسرع الحاسبين أو لما نبه عليه بقوله كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار واطلقت الساعة على ثلاثة أشياء الساعة الكبرى وهي بعث الناس للمحاسبة والوسطى وهي موت أهل القرن الواحد نحو ما روى انه رأى عبد الله بن أنيس فقال ان يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة فقيل انه آخر من مات من الصحابة والصغرى موت الإنسان فساعة كل انسان موته ومنه قوله صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح تخوفت الساعة يعني موته انتهى وما ذكره عن عبد الله بن أنيس لم اقف عليه ولا هو اخر من مات من الصحابة جزما قال الداودي هذا الجواب من معاريض الكلام فإنه لو قال لهم لا أدري ابتداء مع ما هم فيه من الجفاء وقبل تمكن الإيمان في قلوبهم لارتابوا فعدل الى اعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه ولو كان تمكن الإيمان في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد وقال بن الجوزي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بأشياء على سبيل القياس وهو دليل معمول به فكأنه لما نزلت عليه الآيات في تقريب الساعة كقوله تعالى اتى أمر الله فلا تستعجلوه وقوله تعالى وما أمر الساعة الا كلمح البصر حمل ذلك على انها لا تزيد على مضي قرن واحد ومن ثم قال في الدجال ان يخرج وانا فيكم فأنا حجيجه فجوز خروج الدجال في حياته قال وفيه وجه آخر فذكر نحو ما تقدم قلت والاحتمال الذي أبداه بعيد جدا والذي قبله هو المعتمد والفرق بين الخبر عن الساعة وعن الدجال تعيين المدة في الساعة دونه والله اعلم وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى حدث بها خواص اصحابه تدل على أن بين يدي الساعة أمورا عظاما كما سيأتي بعضها صريحا واشارة ومضى بعضها في علامات النبوة وقال الكرماني هذا الجواب من الاسلوب الحكيم أي دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعملها الا الله واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لان معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الاخر الحديث الثالث

[ 6147 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وحلحلة بمهملتين مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة والثانية مفتوحة وقد صرح بسماعه من بن كعب في الرواية الثانية والسند كله مدنيون ولم تختلف الرواة في الموطأ عن مالك فيه قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضم الميم على البناء للمجهول ولم اقف على اسم المار ولا المرور بجنازته قوله عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في الموطآت للدارقطني من طريق إسحاق بن عيسى عن مالك بلفظ مر برسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة والباء على هذا بمعنى على وذكر الجنازة باعتبار الميت قوله قال مستريح كذا هنا ووقع في رواية فقال بزيادة الفاء في أوله وكذا في رواية المحاربي المذكورة وكذا للنسائي من رواية وهب بن كيسان عن معبد بن مالك وقال في روايته كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلعت جنازة مستريح ومستراح منه الواو فيه بمعنى أو وهي للتقسيم على ما صرح بمقتضاه في جواب سؤالهم قوله قالوا أي الصحابة ولم اقف على اسم السائل منهم بعينه الا ان في رواية إبراهيم الحربي عند أبي نعيم قلنا فيدخل فيهم أبو قتادة فيحتمل أن يكون هو السائل قوله ما المستريح والمستراح منه في رواية الدارقطني وما المستراح منه بإعادة ما قوله من نصب الدنيا وأذاها زاد النسائي في رواية وهب بن كيسان من اوصاب الدنيا والاوصاب جمع وصب بفتح الواو والمهملة ثم موحدة وهو دوام الوجع ويطلق أيضا على فتور البدن والنصب بوزنه لكن أوله نون هو التعب وزنه ومعناه والاذى من عطف العام على الخاص قال بن التين يحتمل أن يريد بالمؤمن التقى خاصة ويحتمل كل مؤمن والفاجر يحتمل أن يريد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه العاصي وقال الداودي اما استراحة العباد فلما يأتي به من المنكر فإن أنكروا عليه آذاهم وان تركوه اثموا واستراحة البلاد مما يأتي به من المعاصي فإن ذلك ما يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل وتعقب الباجي أول كلامه بأن من ناله اذاه لا يأثم بتركهن لأنه بعد أن ينكر بقلبه أو ينكر بوجهه لا يناله به أذى ويحتمل أن يكون المراد براحة العباد منه لما يقع لهم من ظلمه وراحة الأرض منه لما يقع عليها من غصبها ومنعها من حقها وصرفه في غير وجهه وراحة الدواب مما لا يجوز من اتعابها والله اعلم قوله في الطريق الثانية

[ 6148 ] يحيى هوالقطان وعبد ربه بن سعيد كذا وقع هنا لأبي ذر عن شيوخه الثلاثة وكذا في رواية أبي زيد المروزي ووقع عند مسلم عن محمد بن المثنى عن يحيى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند وكذا أخرجه أبو يعلى من طريق يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد لكن لم يذكر جده وكذا عنده وعند مسلم من طريق عبد الرزاق وعند الإسماعيلي أيضا من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال كل منهما حدثنا عبد الله بن سعيد وكذا أخرجه بن السكن من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربي عن مسدد شيخ البخاري فيه مثله سواء قال أبو علي الجياني هذا هو الصواب وكذا رواه بن السكن عن الفربري فقال في روايته عن عبد الله بن سعيد هو بن أبي هند والحديث محفوظ له لا لعبد ربه قلت وجزم المزي في الأطراف ان البخاري أخرجه لعبد الله بن سعيد بن أبي هند بهذا السند وعطف عليه رواية مسلم ولكن التصريح بابن أبي هند لم يقع في شيء من نسخ البخاري قوله مستريح ومستراح منه المؤمن يستريح كذا أورده بدون السؤال والجواب مقتصرا على بعضه وأورده الإسماعيلي من طريق بندار وأبي موسى عن يحيى القطان ومن طريق عبد الرزاق قال حدثنا عبد الله بن سعيد تاما ولفظه مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فذكر مثل سياق مالك لكن قال فقيل يا رسول الله ما مستريح الخ تنبيه مناسبة دخول هذا الحديث في الترجمة ان الميت لا يعدو أحد القسمين اما مستريح واما مستراح منه وكل منهما يجوز ان يشدد عليه عند الموت وان يخفف والأول هو الذي يحصل له سكرات الموت ولا يتعلق ذلك بتقواه ولا بفجوره بل ان كان من أهل التقوى ازداد ثوابا وإلا فيكفر عنه بقدر ذلك ثم يستريح من أذى الدنيا الذي هذا خاتمته ويؤيد ذلك ما تقدم من كلام عائشة في الحديث الأول وقد قال عمر بن عبد العزيز ما احب ان يهون على سكرات الموت انه لآخر ما يكفر به عن المؤمن ومع ذلك فالذي يحصل للمؤمن من البشرى ومسرة الملائكة بلقائه ورفقهم به وفرحه بلقاء ربه يهون عليه كل ما يحصل له من الم الموت حتى يصير كأنه لا يحس بشيء من ذلك الحديث الرابع

[ 6149 ] قوله سفيان هو بن عيينة وليس لشيخه عبد الله بن أبي بكر في الصحيح عن أنس الا هذا الحديث قوله يتبع الميت كذا للسرخسي والأكثر وفي رواية المستملي المرء وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني المؤمن والأول المعتمد فهو المحفوظ من حديث بن عيينة وهو كذلك عند مسلم قوله يتبعه أهله وماله وعمله هذا يقع في الاغلب ورب ميت لا يتبعه الا عمله فقط والمراد من يتبع جنازته من أهله ورفقته ودوابه على ما جرت به عادة العرب وإذا انقضى أمر الحزن عليه رجعوا سواء اقاموا بعد الدفن أم لا ومعنى بقاء علمه انه يدخل معه القبر وقد وقع في حديث البراء بن عازب الطويل في صفة المسألة في القبر عند أحمد وغير ففيه ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح فيقول أبشر بالذي يسرك فيقول من أنت فيقول انا عملك الصالح وقال في حق الكافر ويأتيه رجل قبيح الوجه الحديث وفيه بالذي يسوءك وفيه عملك الخبيث قال الكرماني التبعية في حديث أنس بعضها حقيقة وبعضها مجاز فيستفاد منه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه قلت هو في الأصل حقيقة في الحس ويطرقه المجاز في البعض وكذا المال وأما العمل فعلى الحقيقة في الجميع وهو مجاز بالنسبة الى التبعية في الحس الحديث الخامس

[ 6150 ] قوله أبو النعمان هو محمد بن الفضل والسند الى نافع بصريون قوله إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده كذا للأكثر وفي رواية المستملي والسرخسي على مقعده وهذا العرض يقع على الروح حقيقة وعلى ما يتصل به من البدن الاتصال الذي يمكن به إدراك التنعيم أو التعذيب على ما تقدم تقريره وأبدى القرطبي في ذلك احتمالين هل هو على الروح فقط أو عليها وعلى جزء من البدن وحكى بن بطال عن بعض أهل بلدهم أن المراد بالعرض هنا الاخبار بأن هذا موضع جزائكم على أعمالكم عند الله وأريد بالتكرير تذكارهم بذلك واحتج بأن الأجساد تفنى والعرض لا يقع على شيء فإن قال فبان أن العرض الذي يدوم الى يوم القيامة انما هو على الأرواح خاصة وتعقب بأن حمل العرض على الاخبار عدول عن الظاهر بغير مقتض لذلك ولا يجوز العدول الا بصارف يصرفه عن الظاهر قلت ويؤيد الحمل على الظاهر أن الخبر ورد على العموم في المؤمن والكافر فلو اختص بالروح لم يكن للشهيد في ذلك كبير فائدة لان روحه منعمة جزما كما في الأحاديث الصحيحة وكذا روح الكافر معذبة في النار جزما فإذا حمل على الروح التي لها اتصال بالبدن ظهرت فائدة ذلك في حق الشهيد وفي حق الكافر أيضا قوله غدوة وعشية أي أول النهار وآخره بالنسبة الى أهل الدنيا قوله اما النار واما الجنة تقدم في الجنائز من رواية مالك بلفظ ان كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وتقدم توجيهه في أواخر كتاب الجنائز وتقدم هناك بحث القرطبي في المفهم ثم ان هذا العرض للمؤمن المتقي والكافر ظاهر وأما المؤمن المخلط فيحتمل أيضا أن يعرض عليه مقعده من الجنة التي سيصير إليها قلت والانفصال عن هذا الاشكال يظهر من الحديث الذي أخرجه بن أبي الدنيا والطبراني وصححه بن حبان من حديث أبي هريرة في قصة السؤال في القبر وفيه ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا الحديث وفيه في حق الكافر ثم يفتح له باب من أبواب النار وفيه فيزداد حسرة وثبورا في الموضعين وفيه لو اطعته واخرج الطبراني عن بن مسعود ما من نفس الا وتنظر في بيت في الجنة وبيت في النار فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة فيقال لو عملتم ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال لولا ان من الله عليكم ولأحمد عن عائشة ما يؤخذ منه أن رؤية ذلك للنجاة أو العذاب في الآخرة فعلى هذا يحتمل في المذنب الذي قدر عليه ان يعذب قبل أن يدخل الجنة أن يقال له مثلا بعد عرض مقعده من الجنة هذا مقعدك من أول وهلة لو لم تذنب وهذا مقعدك من أول وهلة لعصيانك نسأل الله العفو والعافية من كل بلية في الحياة وبعد الموت انه ذو الفضل العظيم قوله فيقال هذا مقعدك حتى تبعث اليه في رواية الكشميهني عليه وفي طريق مالك حتى يبعثك الله اليه يوم القيامة وقد بينت الإشارة اليه بعد خمسة أبواب الحديث السادس حديث عائشة في النهى عن سب الأموات تقدم شرحه مستوفى في أواخر كتاب الجنائز

قوله باب نفخ الصور تكرر ذكره في القرآن في الانعام والمؤمنين والنمل والزمر وق وغيرها وهو بضم المهملة وسكون الواو وثبت كذلك في القراءات المشهورة والأحاديث وذكر عن الحسن البصري أنه قرأها بفتح الواو جمع صورة وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد لتعاد إليها الأرواح وقال أبو عبيدة في المجاز يقال الصور يعني بسكون الواو جمع صورة كما يقال سور المدينة جمع سورة قال الشاعر لما اتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة فيستوى معنى القراءتين وحكى مثله الطبري عن قوم وزاد كالصوف جمع صوفة قالوا والمراد النفخ في الصور وهي الأجساد لتعاد فيها الاواح كما قال تعالى ونفخت فيه من روحي وتعقب قوله جمع بأن هذه أسماء اجناس لا جموع وبالغ النحاس وغيره في الرد على التأويل وقال الأزهري انه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة قلت وقد اخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة من طريق وهب بن منبه من قوله قال خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة فذكرالحديث وفيه ثم تجمع الأرواح كلها في الصور ثم يأمر الله إسرائيل فينفخ فيه فتدخل كل روح في جسدها فعلى هذا فالنفخ يقع في الصور أولا ليصل النفخ بالروح الى الصور وهي الأجساد فاضافة النفخ الى الصور الذي هو القرن حقيقة والى الصور التي هي الأجساد مجاز قوله قال مجاهد الصور كهيئة البوق وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله تعالى ونفخ في الصور قال كهيئة البوق وقال صاحب الصحاح البوق الذي يزمر به وهو معروف ويقال للباطل يعني يطلق ذلك عليه مجازا لكونه من جنس الباطل تنبيه لا يلزم من كون الشيء مذموما أن لا يشبه به الممدوح فقد وقع تشبيه صوت الوحي بصلصلة الجرس مع النهي عن استصحاب الجرس كما تقدم تقريره في بدء الوحي والصور انما هو قرن كما جاء في الأحاديث المرفوعة وقد وقع في قصة بدء الأذان بلفظ البوق والقرن في الالة التي يستعملها اليهود للاذان ويقال ان الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن وشاهده قول الشاعر نحن نفخناهم غداة النقعين نطحا شديدا لا كنطح الصورين واخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء أعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما الصور قال قرن ينفخ فيه والترمذي أيضا وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا كيف انعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ وأخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم وابن مردويه من حديث أبي هريرة ولأحمد والبيهقي من حديث بن عباس وفيه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وهو صاحب الصور يعني اسرافيل وفي أسانيد كل منهما مقال وللحاكم بسند حسن عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه ان طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد اليه طرفه كأن عيينة كوكبان دريان قوله زجرة صيحة هو من تفسير مجاهد أيضا وصله الفريابي من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون قال صيحة وفي قوله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة قال صيحة قلت وهي عبارة عن نفخ الصور النفخة الثانية كما عبر بها عن النفخة الأولى في قوله تعالى ما ينظرون الا صيحة واحدة تأخذهم الآية قوله قال بن عباس الناقور الصور وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى فإذا نقر في الناقور قال الصور ومعنى نقر نفخ قاله في الاساس واخرج البيهقي من طريق أخرى عن بن عباس في قوله تعالى فإذا نقر في الناقور قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف انعم وقد التقم صاحب القرن القرن الحديث تنبيه اشتهر أن صاحب الصور اسرافيل عليه السلام ونقل فيه الحليمي الإجماع ووقع التصريح به في حديث وهب بن منبه المذكور وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي وفي حديث أبي هريرة عند بن مردوية وكذا في حديث الصور الطويل الذي أخرجه عبد بن حميد والطبري وأبو يعلى في الكبير والطبراني في الطوالات وعلي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية والبيهقي في البعث من حديث أبي هريرة ومداره على إسماعيل بن رافع واضطرب في سنده مع ضعفه فرواه عن محمد بن كعب القرظي تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل مبهم ومحمد عن أبي هريرة تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل من الأنصار مبهم أيضا وأخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء أيضا في تفسيره عن محمد بن عجلان عن محمد بن كعب القرظي واعترض مغلطاي على عبد الحق في تضعيفه الحديث بإسماعيل بن رافع وخفي عليه أن الشامي أضعف منه ولعله سرقه منه فألصقه بابن عجلان وقد قال الدارقطني انه متروك يضع الحديث وقال الخليلي شيخ ضعيف شحن تفسيره بما لا يتابع عليه وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في حديث الصور جمعه إسماعيل بن رافع من عدة آثار وأصله عنده عن أبي هريرة فساقه كله مساقا واحدا وقد صحح الحديث من طريق إسماعيل بن رافع القاضي أبو بكر بن العربي في سراجه وتبعه القرطبي في التذكرة وقول عبد الحق في تضعيفه أولى وضعفه قبله البيهقي فوقع في هذا الحديث عند علي بن معبد ان الله خلق الصور فأعطاه اسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره الى العرش الحديث وقد ذكرت ما جاء عن وهب بن منبه في ذلك فلعله أصله وجاء أن الذي ينفخ في الصور غيره ففي الطبراني الأوسط عن عبد الله بن الحارث كنا عند عائشة فقالت يا كعب أخبرني عن اسرافيل فذكر الحديث وفيه وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى يلتقم الصور محنيا ظهره شاخصا ببصره الى اسرافيل وقد أمر إذا رأى اسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور فقالت عائشة سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات الا على بن زيد بن جدعان ففيه ضعف فان ثبت حمل على انهما جميعا ينفخان ويؤيده ما أخرجه هناد بن السري في كتاب الزهد بسند صحيح لكنه موقوف على عبد الرحمن بن أبي عمرة قال ما من صباح الا وملكان موكلان بالصور ومن طريق عبد الله بن ضمرة مثله وزاد ينتظران متى ينفخان ونحوه عند أحمد من طريق سليمان التيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب أو قال بالعكس ينتظران متى يؤمران ان ينفخا في الصور فينفخا ورجاله ثقات وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بغير شك ولابن ماجة والبزار من حديث أبي سعيد رفعه ان صاحبي الصور بأيديهما قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران وعلى هذا فقوله في حديث عائشة انه إذا رأى اسرافيل ضم جناحيه نفخ انه ينفخ النفخة الأولى وهي نفخة الصعق ثم ينفخ اسرافيل النفخة الثانية وهي نفخة البعث قوله الراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية هو من تفسير بن عباس أيضا وصله الطبري أيضا وابن أبي حاتم بالسند المذكور وقد تقدم بيانه في تفسير سورة والنازعات وبه جزم الفراء وغيره في معاني القرآن وعن مجاهد قال الراجفة الزلزلة والرادفة الدكدكة أخرجه الفريابي والطبري وغيرهما عنه ونحوه في حديث الصور الطويل قال في رواية علي بن معبد ثم ترتج الأرض وهي الراجفة فتكون الأرض كالسفينة في البحر تضربها الامواج ويمكن الجمع بان الزلزلة تنشأ عن نفخة الصعق ثم ذكر المصنف حديث أبي هريرة ان الناس يصعقون وقد تقدم شرحه في قصة موسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء وذكرت فيه ما نقل عن بن حزم ان النفخ في الصور يقع أربع مرات وتعقب كلامه في ذلك ثم رأيت في كلام بن العربي انها ثلاث نفخة الفزع كما في النمل ونفخة الصعق كما في الزمر ونفخة البعث وهي المذكورة في الزمر أيضا قال القرطبي والصحيح انهما نفختان فقط لثبوت الاستثناء بقوله تعالى الا من شاء الله في كل من الايتين ولا يلزم من مغايرة الصعق للفزع ان لا يحصلا معا من النفخة الأولى ثم وجدت مستند بن العربي في حديث الصور الطويل فقال فيه ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين أخرجه الطبري هكذا مختصرا وقد ذكرت ان سنده ضعيف ومضطرب وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو انهما نفختان ولفظه في اثناء حديث مرفوع ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد الا اصغى ليتا ورفع ليتا ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل فتنبت منه اجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون واخرج البيهقي بسند قوي عن بن مسعود موقوفا ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه والصور قرن فلا يبقى لله خلق في السماوات ولا في الأرض الا مات الا من شاء ربك ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون وفي حديث أوس بن أوس الثقفي رفعه ان أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم وقد تقدم في تفسير سورة الزمر من حديث أبي هريرة بين النفختين أربعون وفي كل ذلك دلالة على أنهما نفختان فقط وقد تقدم شرحه هناك وفيه شرح قول أبي هريرة لما قيل له أربعون سنة أبيت بالموحدة ومعناه امتنعت من تبيينه لأني لا أعلمه فلا اخوض فيه بالرأي وقال القرطبي في التذكرة يحتمل قوله امتنعت ان يكون عنده علم منه ولكنه لم يفسره لأنه لم تدع الحاجة الى بيانه ويحتمل أن يريد امتنعت أن أسأل عن تفسيره فعلى الثاني لا يكون عنده علم منه قال وقد جاء أن بين النفختين أربعين عاما قلت وقع كذلك في طريق ضعيف عن أبي هريرة في تفسير بن مردويه وأخرج بن المبارك في الرقائق من مرسل الحسن بين النفختين أربعون سنة الأولى يميت الله بها كل حي والأخرى يحيى الله بها كل ميت ونحوه عند بن مردويه من حديث بن عباس وهو ضعيف أيضا وعنده أيضا ما يدل على أن أبا هريرة لم يكن عنده علم بالتعيين فاخرج عنه بسند جيد أنه لما قالوا أربعون ماذا قال هكذا سمعت واخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة فذكر حديث أبي هريرة منقطعا ثم قال قال اصحابه ما سألناه عن ذلك ولا زادنا عليه غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة وفي هذا تعقب على قول الحليمي اتفقت الروايات على ان بين النفختين أربعين سنة قلت وجاء فيما يصنع بالموتى بين النفختين ما وقع في حديث الصور الطويل أن جميع الاحياء إذا ماتوا بعد النفخة الأولى ولم يبق الا الله قال سبحانه أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول لله الواحد القهار وأخرج النحاس من طريق أبي وائل عن عبد الله ان ذلك يقع بعد الحشر ورجحه ورجح القرطبي الأول ويمكن الجمع بأن ذلك يقع مرتين وهو أولى واخرج البيهقي من طريق أبي الزعراء كنا عند عبد الله بن مسعود فذكر الدجال الى أن قال ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون فليس في بني آدم خلق الا في الأرض منه شيء قال فيرسل الله ماء من تحت العرش فتنبت جسمانهم ولحماتهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الري ورواته ثقات الا انه موقوف تنبيه إذا تقرر أن النفخة للخروج من القبور فكيف تسمعها الموتى والجواب يجوز أن تكون نفخة البعث تطول الى أن يتكامل احياؤهم شيئا بعد شيء وتقدم الإلمام في قصة موسى بشيء مما ورد في تعيين من استثنى الله تعالى في قوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله وحاصل ما جاء في ذلك عشرة أقوال الأول انهم الموتى كلهم لكونهم لا احساس لهم فلا يصعقون وإلى هذا جنح القرطبي في المفهم وفيه ما فيه ومستنده أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح وتعقبه صاحب القرطبي في التذكرة فقال قد صح فيه حديث أبي هريرة وفي الزهد لهناد بن السرى عن سعيد بن جبير موقوفا هم الشهداء وسنده الى سعيد صحيح وسأذكر حديث أبي هريرة في الذي بعده وهذا هو قول الثاني الثالث الأنبياء والى ذلك جنح البيهقي في تأويل الحديث في تجويزه أن يكون موسى من استثنى الله قال ووجهه عندي انهم احياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه الا في ذهاب الاستشعار وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم ان يكون موسى ممن استثنى الله فان كان منهم فإنه لا يذهب استشعاره في تلك الحالة بسبب ما وقع له في صعقة الطور ثم ذكر اثر سعيد بن جبير في الشهداء وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سأل جبريل عن هذه الآية من الذين لم يشأ الله ان يصعقوا قال هم شهداء الله عز وجل صححه الحاكم ورواته ثقات ورجحه الطبري الرابع قال يحيى بن سلام في تفسيره بلغني أن اخر من يبقى جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت ثم يموت الثلاثة ثم يقول الله لملك الموت مت فيموت قلت وجاء نحو هذا مسندا في حديث أنس أخرجه البيهقي وابن مردويه بلفظ فكان ممن استثنى الله ثلاثة جبريل وميكائيل وملك الموت الحديث وسنده ضعيف وله طريق أخرى عن أنس ضعيفه أيضا عند الطبري وابن مردويه وسياقه أتم واخرج الطبري بسند صحيح عن إسماعيل السدى ووصله إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره عن بن عباس مثل يحيى بن سلام ونحوه عن سعيد بن المسيب أخرجه الطبري وزاد ليس فيهم حملة العرش لأنهم فوق السماوات الخامس يمكن أن يؤخذ مما في الرابع السادس الأربعة المذكورون وحملة العرش وقع ذلك في حديث أبي هريرة الطويل المعروف بحديث الصور وقد تقدمت الإشارة اليه وأن سنده ضعيف مضطرب وعن كعب الأحبار نحوه وقال هم اثنا عشر أخرجه بن أبي حاتم وأخرجه البيهقي من طريق زيد بن أسلم مقطوعا ورجاله ثقات وجمع في حديث الصور بين هذا القول وبين القول أنهم الشهداء ففيه فقال أبو هريرة يا رسول الله فمن استثنى حين الفزع قال الشهداء ثم ذكر نفخة الصعق على ما تقدم السابع موسى وحده أخرجه الطبري بسند ضعيف عن أنس وعن قتادة وذكره الثعلبي عن جابر الثامن الولدان الذين في الجنة والحور العين التاسع هم وخزان الجنة والنار وما فيها من الحيات والعقارب حكاهما الثعلبي عن الضحاك بن مزاحم العاشر الملائكة كلهم جزم به أبو محمد بن حزم في الملل والنحل فقال الملائكة أرواح لا أرواح فيها فلا يموتون أصلا وأما ما وقع عند الطبري بسند صحيح عن قتادة قال قال الحسن يستثني الله وما يدع أحدا الا أذاقه الموت فيمكن أن يعد قولا آخر قال البيهقي استضعف بعض أهل النظر أكثر هذه الأقوال لأن الاستثناء وقع من سكان السماوات والأرض وهؤلاء ليسوا من سكانها لان العرش فوق السماوات فحملته ليسوا من سكانها وجبريل وميكائيل من الصافين حول العرش ولأن الجنة فوق السماوات والجنة والنار عالمان بانفرادهما خلقتا للبقاء ويدل على أن المستثنى غير الملائكة ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وصححه الحاكم من حديث لقيط بن عامر مطولا وفيه يلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة فلعمر الهك ما تدع على ظهرها من أحد الا مات حتى الملائكة الذين مع ربك

[ 6153 ] قوله في رواية أبي الزناد عن الأعرج فما أدري أكان فيمن صعق كذا أورده مختصرا وبقيته أم لا أورده الإسماعيلي من طريق محمد بن يحيى عن شيخ البخاري فيه قوله رواه أبو سعيد يعني الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أصل الحديث وقد تقدم موصولا في كتاب الأشخاص وفي قصة موسى من أحاديث الأنبياء وذكرت شرحه في قصة موسى أيضا

قوله باب يقبض الله الأرض يوم القيامة لما ذكر ترجمة نفخ الصور أشار الى ما وقع في سورة الزمر قبل آية النفخ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الآية وفي قوله تعالى فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ما قد يتمسك به أن قبض السماوات والأرض يقع بعد النفخ في الصور أو معه وسيأتي قوله رواه نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم سقط هذا التعليق هنا في رواية بعض شيوخ أبي ذر وقد وصله في كتاب التوحيد ويأتي شرحه هناك ان شاء الله تعالى ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الحديث الأول

[ 6154 ] قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله عن أبي سلمة كذا قال يونس وخالفه عبد الرحمن بن خالد فقال عن الزهري عن سعيد بن المسيب كما تقدم في تفسير سورة الزمر وهذا الاختلاف لم يتعرض له الدارقطني في العلل وقد أخرج بن خزيمة في كتاب التوحيد الطريقين وقال هما محفوظان عن الزهري وسأشبع القول فيه ان شاء الله تعالى في كتاب التوحيد مع شرح الحديث ان شاء الله تعالى واقتصر هنا على ما يتعلق بتبديل الأرض لمناسبة الحال قوله يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه زاد في رواية بن وهب عن يونس يوم القيامة قال عياض هذا الحديث جاء في الصحيح على ثلاثة ألفاظ القبض والطي والأخذ وكلها بمعنى الجمع فان السماوات مبسوطة والأرض مدحوة ممدودة ثم رجع ذلك الى معنى الرفع والازالة والتبديل فعاد ذلك الى ضم بعضها الى بعض وابادتها فهو تمثيل لصفة قبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وتفرقها دلالة على المقبوض والمبسوط لا على البسط والقبض وقد يحتمل أن يكون إشارة الى الاستيعاب انتهى وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى وقد اختلف في قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات هل المراد ذات الأرض وصفتها أو تبديل صفتها فقط وسيأتي بيانه في شرح ثالث أحاديث هذا الباب ان شاء الله تعالى الحديث الثاني

[ 6155 ] قوله عن خالد هو بن يزيد وفي رواية شعيب بن الليث عن أبيه حدثني خالد بن يزيد والسند كله بصريون الى سعيد ومنه الى منتهاه مدنيون قوله تكون الأرض يوم القيامة يعني ارض الدنيا خبزة بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وفتح الزاي قال الخطابي الخبزة الطلمة بضم المهملة وسكون اللام وهو عجين يوضع في الحفرة بعد ايقاد النار فيها قال والناس يسمونها الملة بفتح الميم وتشديد اللام وانما الملة الحفرة نفسها قوله يتكفؤها الجبار فتح المثناة والكاف وتشديد الفاء المفتوحة بعدها همزة أي يميلها من كفأت الإناء إذا قلبته وفي رواية مسلم يكفؤها بسكون الكاف قوله كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر قال الخطابي يعني خبز الملة الذي يصنعه المسافر فانها لا تدحى كما تدحى الرقاقة وانما تقلب على الأيدي حتى تستوي وهذا على أن السفر بفتح المهملة والفاء ورواه بعضهم بضم أوله جمع سفرة وهو الطعام الذي يتخذ للمسافر ومنه سميت السفرة قوله نزلا لأهل الجنة النزل بضم النون وبالزاي وقد تسكن ما يقدم للضيف وللعسكر يطلق على الرزق وعلى الفضل ويقال اصلح للقوم نزلهم أي ما يصلح أن ينزلوا عليه من الغذاء وعلى ما يعجل للضيف قبل الطعام وهو اللائق هنا قال الداودي المراد أنه يأكل منها من سيصير الى الجنة من أهل المحشر لا أنهم لا يأكلونها حتى يدخلوا الجنة قلت وظاهر الخبر يخالفه وكأنه بني على ما أخرجه الطبري عن سعيد بن جبير قال تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه ومن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب أو محمد بن قيس نحوه وللبيهقي بسند ضعيف عن عكرمة تبدل الأرض مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب وعن أبي جعفر الباقر نحوه وسأذكر بقية ما يتعلق بذلك في الحديث الذي بعده ونقل الطيبي عن البيضاوي أن هذا الحديث مشكل جدا لا من جهة إنكار صنع الله وقدرته على ما يشاء بل لعدم التوقيف على قلب جرم الأرض من الطبع الذي عليه الى طبع المطعوم والمأكول مع ما ثبت في الآثار أن هذه الأرض تصير يوم القيامة نارا وتنضم الى جهنم فلعل الوجه فيه أن معنى قوله خبزة واحدة أي كخبزة واحدة من نعتها كذا وكذا وهو نظير ما في حديث سهل يعني المذكور بعده كقرصة النقي فضرب المثل بها لاستدراتها وبياضها فضرب المثل في هذا الحديث بخبزة تشبه الأرض في معنيين أحدهما بيان الهيئة التي تكون الأرض عليها يومئذ والاخر بيان الخبزة التي يهيئها الله تعالى نزلا لأهل الجنة وبيان عظم مقدارها ابتداعا واختراعا قال الطيبي وانما دخل عليه الاشكال لأنه رأى الحديثين في باب الحشر فظن انهما لشيء واحد وليس كذلك وانما هذا الحديث من باب وحديث سهل من باب وأيضا فالتشبيه لا يستلزم المشاركة بين المشبه والمشبه به في جميع الأوصاف بل يكفي حصوله في البعض وتقريره أنه شبه ارض الحشر بالخبزة في الاستواء والبياض وشبه أرض الجنة في كونها نزلا لأهلها ومهيأة لهم تكرمة بعجالة الراكب زاده يقنع به في سفره قلت آخر كلامه يقرر ما قال القاضي أن كون ارض الدنيا تصير نارا محمول على حقيقته وان كونها تصير خبزة يأكل منها أهل الموقف محمول على المجاز والاثار التي أوردتها عن سعيد بن جبير وغيره ترد عليه والأولى الحمل على الحقيقة مهما أمكن وقدرة الله تعالى صالحة لذلك بل اعتقاد كونه حقيقة ابلغ وكون أهل الدنيا ويستفاد منه أن المؤمنين لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله لهم بقدرته طبع الأرض حتى يأكلوا منها من تحت اقدامهم ما شاء الله بغير علاج ولا كلفة ويكون معنى قوله نزلا لأهل الجنة أي الذين يصيرون الى الجنة أعم من كون ذلك يقع بعد الدخول إليها أو قبله والله اعلم قوله فاتى رجل في رواية الكشميهني فأتاه قوله من اليهود لم اقف على اسمه قوله فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك يريد أنه اعجبه أخبار اليهودي عن كتابهم بنظير ما أخبر به من جهة الوحي وكان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فكيف بموافقتهم فيما انزل عليه قوله حتى بدت نواجذه بالنون والجيم والذال المعجمة جمع ناجذ وهو آخر الاضراس ولكل انسان أربع نواجذ وتطلق النواجذ أيضا على الانياب والاضراس قوله ثم قال في رواية الكشميهني فقال قوله الا أخبرك في رواية مسلم الا أخبركم قوله بإدامهم أي ما يؤكل به الخبز قوله بالأم بفتح الموحدة بغير همز وقوله ونون أي بلفظ أول السورة قوله قالوا أي الصحابة وفي رواية مسلم فقالوا قوله ما هذا في رواية الكشميهني وما هذا بزيادة واو قوله قال ثور ونون قال الخطابي هكذا رووه لنا وتأملت النسخ المسموعة من البخاري من طريق حماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل والفربري فإذا كلها على نحو واحد قلت وكذا عند مسلم وكذا أخرجه الإسماعيلي وغيره قال الخطابي فأما نون فهو الحوت على ما فسر في الحديث وأما بالأم فدل التفسير من اليهودي على أنه اسم للثور وهو لفظ مبهم لم ينتظم ولا يصح أن يكون على التفرقة اسما لشيء فيشبه أن يكون اليهودي أراد ان يعمى الاسم فقطع الهجاء وقدم أحد الحرفين وانما هو في حق الهجاء لام ياء هجاء لأي بوزن لعلي وهو الثور الوحشي وجمعه آلاء بثلاث همزات وزن احبال فصحفوه فقالوا بالأم بالموحدة وانما هو بالياء آخر الحروف وكتبوه بالهجاء فأشكل الأمر هذا أقرب ما يقع لي فيه الا أن يكون انما عبر عنه بلسانه ويكون ذلك بلسانهم وأكثر العبرانية فيما يقوله أهل المعرفة مقلوب على لسان العرب بتقديم في الحروف وتأخير والله اعلم بصحته وقال عياض اورد الحميدي في اختصاره يعني الجمع بين الصحيحين هذا الحديث بلفظ باللأى بكسر الموحدة وألف وصل ولام ثقيلة بعدها همزة مفتوحة خفيفة بوزن الرحى واللأى الثور الوحشي قال ولم أر أحدا رواه كذلك فلعله من اصلاحه وإذا كان هكذا بقيت الميم زائدة الا أن يدعى انها حرفت عن الياء المقصورة قال وكل هذا غير مسلم لما فيه من التكلف والتعسف قال وأولى ما يقال في هذا أن تبقى الكلمة على ما وقع في الرواية ويحمل على انها عبرانية ولذلك سأل الصحابة اليهودي عن تفسيرها ولو كان للأى لعرفوها لأنها من لسانهم وجزم النووي بهذا فقال هي لفظة عبرانية معناها ثور قوله يأكل من زائدة كبدهما سبعون الفا قال عياض زيادة الكبد وزائدتها هي القطعة المنفردة المتعلقة بها وهي اطيبه ولهذا خص بأكلها السبعون الفا ولعلهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب فضلوا بأطيب النزل ويحتمل أن يكون عبر بالسبعين عن العدد الكثير ولم يرد الحصر فيها وقد تقدم في أبواب الهجرة قبيل المغازي في مسائل عبد الله بن سلام أن أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت وان عند مسلم في حديث ثوبان تحفة أهل الجنة زيادة كبد النون وفيه غذاؤهم على أثرها ان ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها وفيه وشرابهم عليه من عين تسمى سلسبيلا وأخرج بن المبارك في الزهد بسند حسن عن كعب الأحبار ان الله تعالى يقول لأهل الجنة إذا دخولها ان لكل ضيف جزورا واني اجزركم اليوم حوتا وثورا فيجزر لأهل الجنة الحديث الثالث

[ 6156 ] قوله محمد بن جعفر أي بن أبي كثير وأبو حازم هو سلمة بن دينار قوله يحشر الناس بضم أوله قوله ارض عفراء قال الخطابي العفر بياض ليس بالناصع وقال عياض العفر بياض يضرب الى حمرة قليلا ومنه سمى عفر الأرض وهو وجهها وقال بن فارس معنى عفراء خالصة البياض وقال الداودي شديدة البياض كذا قال والأول هو المعتمد قوله كقرصة النقى بفتح النون وكسر القاف أي الدقيق النقي من الغش والنخال قاله الخطابي قوله قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لأحد هو موصول بالسند المذكور وسهل هو راوي الخبر وأو للشك والغير المبهم لم اقف على تسميته ووقع هذا الكلام الأخير لمسلم من طريق خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر مدرجا بالحديث ولفظه ليس فيها علم لاحد ومثله لسعيد بن منصور عن بن أبي حازم عن أبيه والعلم والمعلم بمعنى واحد قال الخطابي يريد أنها مستوية والمعلم بفتح الميم واللام بينهما مهملة ساكنة هو الشيء الذي يستدل به على الطريق وقال عياض المراد أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا اثر ولا شيء من العلامات التي يهتدي بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة وفه تعريض بأرض الدنيا وأنها ذهبت وانقطعت العلاقة منها وقال الداودي المراد أنه لا يحوز أحد منها شيئا الا ما أدرك منها وقال أبو محمد بن أبي جمرة فيه دليل على عظيم القدرة والاعلام بجزئيات يوم القيامة ليكون السامع على بصيرة فيخلص نفسه من ذلك الهول لان في معرفة جزئيات الشيء قبل وقوعه رياضة النفس وحملها على ما فيه خلاصها بخلاف مجيء الأمر بغتة وفيه إشارة الى أن ارض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة جدا والحكمة في الصفة المذكورة أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرا عن عمل المعصية والظلم وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على ارض تليق بعظمته ولأن الحكم فيه انما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصا له وحده انتهى ملخصا وفيه إشارة الى أن ارض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن ارض الموقف تجددت وقد وقع للسلف في ذلك خلاف في المراد بقوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات هل معنى تبديلها تغيير ذاتها وصفاتها أو تغيير صفاتها فقط وحديث الباب يؤيد الأول وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض الآية قال تبدل الأرض ارضا كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعا وقال الموقوف أصح وأخرجه الطبري والحاكم من طريق عاصم عن زر بن حبيش عن بن مسعود بلفظ أرض بيضاء كأنها سبيكة فضة ورجاله موثقون أيضا ولأحمد من حديث أبي أيوب ارض كالفضة البيضاء قيل فأين الخلق يومئذ قال هم أضياف الله لن يعجزهم ما لديه وللطبري من طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعا يبدلها الله بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا وعن علي موقوفا نحوه ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد ارض كأنها فضة والسماوات كذلك وعن علي والسماوات من ذهب وعند عبد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال بلغنا أن هذه الأرض يعني ارض الدنيا تطوى والى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها وفي حديث الصور الطويل تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة فإذا هم في هذه الأرض المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان على ظهرها كان عليها انتهى وهذا يؤخذ منه أن ذلك يقع عقب نفخة الصعق بعد الحشر الأول ويؤيده قوله تعالى وإذا الأرض مدت والقت ما فيها وتخلت وأما من ذهب الى أن التغيير انما يقع في صفات الأرض دون ذاتها فمستنده ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الاديم وحشر الخلائق ومن حديث جابر رفعه تمد الأرض مد الاديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ورجاله ثقات الا أنه اختلف على الزهري في صحابيه ووقع في تفسير الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس في قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض قال يزاد فيها وينقص منها ويذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الاديم العكاظي وعزاه الثعلبي في تفسيره لرواية أبي هريرة وحكاه البيهقي عن أبي منصور الأزهري وهذا وان كان ظاهره يخالف القول الأول فيمكن الجمع بأن ذلك كله يقع لارض الدنيا لكن ارض الموقف غيرها ويؤيده ما وقع في الحديث الذي قبله أن ارض الدنيا تصير خبزة والحكمة في ذلك ما تقدم انها تعد لأكل المؤمنين منها في زمان الموقف ثم تصير نزلا لأهل الجنة وأما ما أخرجه الطبري من طريق المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال الأرض كلها تأتي يوم القيامة فالذي قبله عن بن مسعود أصح سندا ولعل المراد بالأرض في هذه الرواية ارض البحر فقد اخرج الطبري أيضا من طريق كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا وفي تفسير الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب تصير السماوات جفانا ويصير مكان البحر نارا وأخرج البيهقي في البعث من هذا الوجه في قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحة قال يصيران غبرة في وجوه الكفار قلت ويمكن الجمع بأن بعضها يصير نارا وبعضها غبارا وبعضها يصير خبزة وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية يوم تبدل الأرض غير الأرض أين يكون الناس حينئذ قال على الصراط وفي رواية الترمذي على جسر جهنم ولأحمد من طريق بن عباس عن عائشة على متن جهنم واخرج مسلم أيضا من حديث ثوبان مرفوعا يكونون في الظلمة دون الجسر فقد جمع بينها البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط كما سيأتي بيانه في ترجمة مستقلة وأن في قوله على الصراط مجازا لكونهم يجاوزونه لأن في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها وكان ذلك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا الى أرض الموقف ويشير الى ذلك قوله تعالى كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم واختلف في السماوات أيضا فتقدم قول من قال انها تصير جفافا وقيل انها إذا طويت تكور شمسها وقمرها وسائر نجومها وتصير تارة كالمهل وتارة كالدهان وأخرج البيهقي في البعث من طريق السدى عن مرة عن بن مسعود قال السماء تكون الوانا كالمهل وكالدهان وواهية وتشقق فتكون حالا بعد حال وجمع بعضهم بأنها تنشق أولا فتصير كالوردة وكالدهان وواهية وكالمهل وتكور الشمس والقمر وسائر النجوم ثم تطوى السماوات وتضاف الى الجنان ونقل القرطبي في التذكرة عن أبي الحسن بن حيدرة صاحب الإفصاح أنه جمع بين هذه الاخبار بان تبديل السماوات والأرض يقع مرتين إحداهما تبدل صفاتهما فقط وذلك عند النفخة الأولى فتنثر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الرءوس وتسير الجبال وتموج الأرض وتنشق الى أن تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض وتبدل السماء والأرض الى آخر كلامه في ذلك والعلم عند الله تعالى

قوله باب الحشر قال القرطبي الحشر الجمع وهو أربعة حشران في الدنيا وحشران في الآخرة فالذي في الدنيا أحدهما المذكور في سورة الحشر في قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر والثاني الحشر المذكور في أشراط الساعة الذي أخرجه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد رفعه ان الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكره وفي حديث بن عمر عند أحمد وأبي يعلى مرفوعا تخرج نار قبل يوم القيامة من حضرموت فتسوق الناس الحديث وفيه فما تأمرنا قال عليكم بالشام وفي لفظ آخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس الى المحشر قلت وفي حديث أنس في مسائل عبد الله بن سلام لما أسلم أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق الى المغرب وقد قدمت الإشارة اليه في باب طلوع الشمس من مغربها وأنه مذكور في بدء الخلق وفي حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم رفعه تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم الى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ويكون لها ما سقط منهم وتخلف تسوقهم سوق الجمل الكسير وقد أشكل الجمع بين هذه الاخبار وظهر لي في وجه الجمع أن كونها تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق الى المغرب وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها والمراد بقوله تحشر الناس من المشرق الى المغرب إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب أو انها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما من المشرق كما سيأتي تقريره في كتاب الفتن وأما جعل الغاية الى المغرب فلأن الشام بالنسبة الى المشرق مغرب ويحتمل أن تكون النار في حديث أنس كناية عن الفتن المنتشرة التي أثارت الشر العظيم والتهبت كما تلتهب النار وكان ابتداؤها من قبل المشرق حتى خرب معظمه وانحشر الناس من جهة المشرق الى الشام ومصر وهما من جهة المغرب كما شوهد ذلك مرارا من المغل من عهد جنكزخان ومن بعده والنار التي في الحديث الاخر على حقيقتها والله اعلم والحشر الثالث حشر الأموات من قبورهم وغيرها بعد البعث جميعا الى الموقف قال الله عز وجل وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا والرابع حشرهم الى الجنة أو النار انتهى ملخصا بزيادات قلت الأول ليس حشرا مستقلا فان المراد حشر كل موجود يومئذ والأول انما وقع لفرقة مخصوصة وقد وقع نظيره مرارا تخرج طائفة من بلدها بغير اختيارها الى جهة الشام كما وقع لبنى أمية أول ما تولى بن الزبير الخلافة فأخرجهم من المدينة الى جهة الشام ولم يعد ذلك أحد حشرا وذكر المصنف فيه ستة أحاديث الحديث الأول

[ 6157 ] قوله وهيب بالتصغير هو بن خالد وابن طاوس هو عبد الله وصرح به في رواية مسلم قوله على ثلاث طرائق في رواية مسلم ثلاثة والطرائق جمع طريق وهي تذكر وتؤنث قوله راغبين وراهبين في رواية مسلم راهبين بغير واو وعلى الروايتين فهي الطريقة الأولى قوله واثنان على بعير ثلاثة على بعير أربعة على بعير عشرة على بعير كذا فيه بالواو في الأول فقط وفي رواية مسلم والإسماعيلي بالواو في الجميع وعلى الروايتين فهي الطريقة الثانية قوله وتحشر بقيتهم النار هذه هي النار المذكورة في حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة وعند مسلم في حديث فيه ذكر الآيات الكائنة قبل قيام الساعة كطلوع الشمس من مغربها ففيه وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس وفي رواية له تطرد الناس الى حشرهم قوله تقيل معهم حيث قالوا الخ فيه إشارة الى ملازمة النار لهم الى أن يصلوا الى مكان الحشر وهذه الطريقة الثالثة قال الخطابي هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة تحشر الناس احياء الى الشام وأما الحشر من القبور الى الموقف فهو على خلاف هذه الصورة من الركوب على الإبل والتعاقب عليها وإنما هو على ما ورد في حديث بن عباس في الباب حفاة عراة مشاة قال وقوله واثنان على بعير وثلاثة على بعير الخ يريد أنهم يعتقبون البعير الواحد يركب بعض ويمشي بعض قلت وإنما لم يذكر الخمسة والستة الى العشرة ايجازا واكتفاء بما ذكر من الاعداد مع أن الاعتقاب ليس مجزوما به ولا مانع ان يجعل الله في البعير ما يقوى به على حمل العشرة ومال الحليمي الى أن هذا الحشر يكون عند الخروج من القبور وجزم به الغزالي وقال الإسماعيلي ظاهر حديث أبي هريرة يخالف حديث بن عباس المذكور بعد أنهم يحشرون حفاة عراة مشاة قال ويجمع بينهما بأن الحشر يعبر به عن النشر لاتصاله به وهو إخراج الخلق من القبور حفاة عراة فيساقون ويجمعون الى الموقف للحساب فحينئذ يحشر المتقون ركبانا على الإبل وجمع غيره بأنهم يخرجون من القبور بالوصف الذي في حديث بن عباس ثم يفترق حالهم من ثم الى الموقف على ما في حديث أبي هريرة ويؤيده ما أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي من حديث أبي ذر حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة افواج فوج طاعمين كاسين راكبين وفوج يمشون وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم الحديث وصوب عياض ما ذهب إليه الخطابي وقواه بحديث حذيفة بن أسيد وبقوله في آخر حديث الباب تقيل معهم وتبيت وتصبح وتمسي فان هذه الأوصاف مختصة بالدنيا وقال بعض شراح المصابيح حمله على الحشر من القبور أقوى من أوجه أحدها أن الحشر إذا اطلق في عرف الشرع انما يراد به الحشر من القبور ما لم يخصه دليل ثانيها أن هذا التقسيم المذكور في الخبر لا يستقيم في الحشر الى أرض الشام لأن المهاجر لا بد أن يكون رغبا أو راهبا أو جامعا بين الصفتين فإما أن يكون راغبا راهبا فقط وتكون هذه طريقة واحدة لا ثاني لها من جنسها فلا ثالثها حشر البقية على ما ذكر وإلجاء النار لهم الى تلك الجهة وملازمتها حتى لا تفارقهم قول لم يرد به التوقيف وليس لنا أن نحكم بتسليط النار في الدنيا على أهل الشنوة من غير توقيف رابعها أن الحديث يفسر بعضه بعضا وقد وقع في الحسان من حديث أبي هريرة وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن علي بن زيد عن أوس بن بي أوس عن أبي هريرة بلفظ ثلاثا على الدواب وثلاثا ينسلون على أقدامهم وثلاثا على وجوههم قال ونرى أن هذا التقسيم الذي وقع في هذا الحديث نظير التقسيم الذي وقع في تفسير الواقعة في قوله تعالى وكنتم ازواجا ثلاثة الآيات فقوله في الحديث راغبين راهبين يريد به عوام المؤمنين وهم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا فيترددون بين الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيئاتهم ويرجون رحمة الله بأيمانهم وهؤلاء أصحاب الميمنة وقوله واثنان على بعير الخ السابقين وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانا وقوله وتحشر بقيتهم النار يريد به أصحاب المشأمة وركوب السابقين في الحديث يحتمل الحمل دفعة واحدة تنبيها على أن البعير المذكور يكون من بدائع فطرة الله تعالى حتى يقوى على ما لا يقوى عليه غيره من البعران ويحتمل أن يراد به التعاقب قال الخطابي وإنما سكت عن الواحد إشارة الى أنه يكون لمن فوقهم في المرتبة كالأنبياء ليقع الامتياز بين النبي ومن دونه من السابقين في المراكب كما وقع في المراتب انتهى ملخصا وتعقبه الطيبي ورجح ما ذهب اليه الخطابي وأجاب عن الأول بأن الدليل ثابت فقد ورد في عدة أحاديث وقوع الحشر في الدنيا الى جهة الشام وذكر حديث حذيفة بن أسيد الذي نبهت عليه قبل وحديث معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم رفعه انكم محشورون ونحا بيده نحو الشام رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم أخرجه الترمذي والنسائي وسنده قوي وحديث ستكون هجرة بعد هجرة وتنحاز الناس الى مهاجر إبراهيم ولا يبقى في الأرض الاشرار ما تلفظهم ارضهوهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا أخرجه أحمد وسنده لا بأس به واخرج عبد الرزاق عن النعمان بن المنذر عن وهب بن منبه قال قال الله تعالى لصخرة بيت المقدس لأضعن عليك عرشي ولأحشرن عليك خلقي وفي تفسير بن عيينة عن بن عباس من شك ان المحشر ههنا يعني الشام فليقرأ أول سورة الحشر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ اخرجوا قالوا الى أين قال الى ارض المحشر وحديث ستخرج نار من حضرموت تحشر الناس قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال عليكم بالشام ثم حكى خلافا هل المراد بالنار نار على الحقيقة أو هو كناية عن الفتنة الشديدة كما يقال نار الحرب لشدة ما يقع في الحرب قال تعالى كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله وعلى كل حال فليس المراد بالنار في هذه الأحاديث نار الآخرة ولو أريد المعنى الذي زعمه المعترض لقيل تحشر بقيتهم الى لنار وقد أضاف الحشر الى النار لكونها هي لاتي تحشرهم وتختطف من تخلف منهم كما ورد في حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد عند أحمد وغيره وعلى تقدير أن تكون النار كناية عن الفتنة فنسبة الحشر إليها سببية كأنها تفشو في كل جهة وتكون في جهة الشام اخف منها في غيرها فكل من عرف ازديادها في الجهة التي هو فيها احب التحول منها الى المكان الذي ليست فيه شديدة فتتوفر الدواعي على الرحيل الى الشام ولا يمتنع اجتماع الامرين وإطلاق النار على الحقيقة التي تخرج من قعر عدن وعلى المجازية وهي الفتنة إذ لا تنافي بينهما ويؤيد الحمل على الحقيقة ظاهر الحديث الأخير والجواب عن الاعتراض الثاني أن التقسيم المذكور في آيات سورة الواقعة لا يستلزم أن يكون هو التقسيم المذكور في الحديث فإن الذي في الحديث ورد على القصد من الخلاص من الفتنة فمن اغتنم الفرصة سار على فسحة من الظهر ويسرة في الزاد راغبا فيما يستقبله راهبا فيما يستدبره وهؤلاء هم الصنف الأول في الحديث ومن توانى حتى قل الظهر وضاق عن أن يسعهم لركوبهم اشتركوا وركبوا عقبة فيحصل اشتراك الإثنين في البعير الواحد وكذا الثلاثة ويمكنهم كل من الامرين وأما الأربعة في الواحد فالظاهر من حالهم التعاقب وقد يمكنهم إذا كانوا خفاقا أو اطفالا وأما الشعرة فبالتعاقب وسكت عما فوقها إشارة الى أنها المنتهى في ذلك وعما بينها وبين الأربعة ايجازا واختصارا وهؤلاء هم الصنف الثاني في الحديث وأما الصنف الثالث فعبر عنه بقوله تحشر بقيتهم النار إشارة الى أنهم عجزوا عن تحصيل ما يركبونه ولم يقع في الحديث بيان حالهم بل يحتمل أنهم يمشون أو يسحبون فرارا من النار التي تحشرهم ويؤيد ذلك ما وقع في آخر حديث أبي ذر الذي تقدمت الإشارة اليه في كلام المعترض وفيه أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين فقال يلقى الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر حتى ان الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب أي يشتري الناقة المسن لأجل كونها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار الذي عزم على الرحيل عنه وعزة الظهر الذي يوصله الى مقصوده وهذا لائق بأحوال الدنيا ومؤكد لما ذهب اليه الخطابي ويتنزل على وفق حديث الباب يعني من المصابيح وهو أن قوله فوج طاعمين كاسين راكبين موافق لقوله راغبين راهبين وقوله وفوج يمشون موافق للصنف الذين يتعاقبون على البعير فإن صفة المشي لازمة لهم وأما الصنف الذين تحشرهم النار فهم الذين تسحبهم الملائكة والجواب عن الاعتراض الثالث أنه تبين من شواهد الحديث أنه ليس المراد بالنار نار الآخرة وانما هي نار تخرج في الدنيا أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجها وذكر كيفية ما تفعل في الأحاديث المذكورة والجواب عن الاعتراض الرابع ان حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد مع ضعفه لا يخالف حديث الباب لأنه موافق لحديث أبي ذر في لفظه وقد تبين من حديث أبي ذر ما دل على أنه في الدنيا لا بعد البعث في الحشر الى الموقف إذ لا حديقة هناك ولا آفة تلقى على الظهر حتى يعز ويقل ووقع في حديث علي بن زيد المذكور عند أحمد أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك وقد سبق أن أرض الموقف ارض مستوية لا عوج فيها ولا أكمة ولا حدب ولا شوك وأشار الطيبي الى أن الأولى أن يحمل الحديث الذي من رواية علي بن زيد على من يحشر من الموقف الى مكان الاستقرار من الجنة أو النار ويكون المراد بالركبان السابقين المتقين وهم المراد بقوله تعالى يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا أي ركبانا كما تقدم في تفسير سورة مريم واخرج الطبري عن علي في تفسير هذه الآية فقال اما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ولا يساقون سوقا ولكن يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها عليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة والمراد سوق ركائبهم اسراعا بهم الى دار الكرامة كما يفعل في العادة بمن يشرف ويكرم من الوافدين على الملوك قال ويستبعد أن يقال يجيء وفد الله عشر على بعير جميعا أو متعاقبين وعلى هذا فقد روى أبو هريرة حال المحشورين عند انقراض الدنيا الى جهة ارض المحشر وهم ثلاثة أصناف وحال المحشورين في الأخرى الى محل الاستقرار انتهى كلام الطيبي عن جواب المعترض ملخصا موضحا بزيادات فيه لكن تقدم مما قررته أن حديث أبي هريرة من رواية علي بن زيد ليس في المحشورين من الموقف الى محل الاستقرار ثم ختم كلامه بأن قال هذا ما سنح لي على سبيل الاجتهاد ثم رأيت في صحيح البخاري في باب المحشر يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق فعلمت من ذلك ان الذي ذهب اليه الإمام التوربشتي هو الحق الذي لا محيد عنه قلت ولم اقف في شيء من طرق الحديث الذي أخرجه البخاري على لفظ يوم القيامة لافي صحيحه ولا في غيره وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما ليس فيه يوم القيامة نعم ثبت لفظ يوم القيامة في حديث أبي ذر المنبه عليه قبل وهو مؤول بأن المراد بذلك ان يوم القيامة يعقب ذلك فيكون من مجاز المجاورة ويتعين ذلك لما وقع فيه أن الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة وأن الرجل يشتري الشارف الواحد بالحديقة المعجبة فإن ذلك ظاهر جدا في أنه من أحوال الدنيا لا بعد المبعث وقد أبدى البيهقي في حديث الباب احتمالين فقال قوله راغبين يحتمل أن يكون إشارة الى الأبرار وقوله راهبين إشارة الى المخلطين الذين هم بين الخوف والرجاء والذين تحشرهم النار هم الكفار وتعقب بأنه حذف ذكر قوله واثنان على بعير الخ وأجي بأن الرغبة والرهبة صفتان للصنفين الأبرار والمخلطين وكلاهما يحشر اثنان على بعير الخ قال ويحتمل ان يكون ذلك في وقت حشرهم الى الجنة بعد الفراغ ثم قال بعد إيراد حديث أبي ذر يحتمل أن يكون المراد بالفوج الأول الأبرار وبالفوج الثاني الذين خلطوا فيكونون مشاة والابرار ركبانا وقد يكون بعض الكفار اعيا من بعض فأولئك يسحبون على وجوههم ومن دونهم يمشون ويسعون مع من شاء الله من الفساق وقت حشرهم الى الموقف وأما الظهر فلعل المراد به ما يحييه الله بعد الموت من الدواب فيركبها الأبرار ومن شاء الله ويلقى الله الآفة على بقيتها حتى يبقى جماعة من المخلطين بلا ظهر قلت ولا يخفى ضعف هذا التأويل مع قوله في بقية الحديث حتى أن الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ومن أين يكون للذين يبعثون بعد الموت عراة حفاة حدائق حتى يدفعوها في الشوارف فالراجح ما تقدم وكذا يبعد غاية البعد أن يحتاج من يساق من الموقف الى الجنة الى التعاقب على الأبعرة فرجح أن ذلك انما يكون قبل المبعث والله اعلم الحديث الثاني

[ 6158 ] قوله حدثني عبد الله بن محمد هو الجعفي ويونس هو المؤدب وشيبان هو بن عبد الرحمن قوله ان رجلا لم اقف على اسمه قوله قال يا نبي الله يحشر الكافر على وجه كأنه استفهام حذف أداته ووقع في عدة نسخ كيف يحشر وكذا هو عند مسلم وغيره والكافر اسم جنس يشمل الجميع ويؤيده قوله تعالى الذين يحشرون على وجوهمم الى جهنم الآية وقوله تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا الآية وقد تقدم في التفسير ان الحاكم أخرجه من وجه آخر عن أنس بلفظ كيف يحشر أهل النار على وجوههم قوله أليس الذي أمشاه الخ ظاهر في أن المراد بالمشي حقيقته فلذلك استغربوه حتى سألوا عن كيفيته وزعم بعض المفسرين أنه مثل وأنه كقوله أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا قال مجاهد هذا مثل المؤمن والكافر قلت ولا يلزم من تفسير مجاهد لهذه الآية بهذا ان يفسر به الآية الأخرى فالجواب الصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في تقرير المشي على حقيقته قوله قال قتادة بلى وعزة ربنا هو موصول بالسند المذكور والحكمة في حشر الكافر على وجهه أنه عوقب على عدم السجود لله في الدنيا بأن يسحب على وجهه في القيامة إظهارا لهوانه بحيث صار وجهه مكان يده ورجله في التوقي عن المؤذيات الحديث ذكره من طريقين عن سعيد بن جبير

[ 6159 ] قوله على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة قوله قال عمرو القائل هو سفيان وحاكى ذلك عنه هو علي وكان سفيان كثيرا ما يحذف الصيغة فيقتصر على اسم الراوي ووقع في رواية صدقة التي بعدها عن عمرو وكذا لمسلم عن قتيبة وغيره عن سفيان وعمرو هو بن دينار قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد قتيبة في روايته يخطب على المنبر ولعل هذا هو السر في إيراده لرواية قتيبة بعد رواية علي بن المديني قوله انكم ملاقو الله أي في الموقف بعد البعث قوله حفاة بضم المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا خف ولا نعل وقوله مشاة لم أر في رواية قتيبة هنا مشاة وثبت في رواية مسلم عنه وعن غيره وليس عنده عنهم قوله على المنبر قوله في آخر رواية على بن المديني

[ 6160 ] قال سفيان الخ هو موصول كالذي قبله ولم يصب من قال انه معلق عن سفيان قوله هذا مما نعد أن بن عباس سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن بن عباس من صغار الصحابة وهو من المكثرين لكنه كان كثرا ما يرسل ما يسمعه من أكابر الصحابة ولا يذكر الواسطة وتارة يذكره باسمه وتارة مبهما كقوله في أوقات الكراهة حدثني رجال مرضيون أرضاهم عندي عمر فأما ما صرح بسماعه له فقليل ولهذا كانوا يعتنون بعده فجاء عن محمد بن جعفر غندر أن هذه الأحاديث التي صرح بن عباس بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم عشرة وعن يحيى بن معين وأبي داود صاحب السنن تسعة وأغرب الغزالي في المستصفى وقلده جماعة ممن تأخروا عنه فقال لم يسمع بن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم الا أربعة أحاديث وقال بعض شيوخ شيوخنا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم دون العشرين من وجوه صحاح قلت وقد اعتنيت بجمعها فزاد على الأربعين ما بين صحيح وحسن خارجا عن الضعيف وزائدا أيضا على ما هو في حكم السماع كحكايته حضور شيء فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فكأن الغزالي التبس عليه ما قالوا أن أبا العالية سمعه من بن عباس وقيل خمسة وقيل أربعة

[ 6161 ] قوله في الطريق الثانية قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقع لمسلم بدل قوله يخطب بموعظة أخرجه عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه ومحمد بن المثنى قال واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر بسنده المذكور هنا وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر قوله فقال انكم زاد بن المثنى يا أيها الناس انكم قوله تحشرون في رواية الكشميهني محشورون وهي رواية بن المثنى قوله حفاة لم يقع فيه أيضا مشاة قوله عراة قال البيهقي وقع في حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه أبو داود وصححه بن حبان انه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ويجمع بينهما بأن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا أو يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الأنبياء فأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكنى إبراهيم وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء لأنهم الذين أمر ان يزملوا في ثيابهم ويدفنوا فيها فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم وممن حمله على عمومه معاذ بن جبل فأخرج بن أبي الدنيا بسند حسن عن عمرو بن الأسود قال دفنا أم معاذ بن جبل فأمر بها فكفنت في ثياب جدد وقال أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون فيها قال وحمله بعض أهل العلم على العمل وإطلاق الثياب على العمل وقع في مثل قوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير وقوله تعالى وثيابك فطهر على أحد الأقوال وهو قول قتادة قال معناه وعملك فاخلصه ويؤكد ذلك حديث جابر رفعه يبعث كل عبد على ما مات عليه أخرجه مسلم وحديث فضالة بن عبيد من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة الحديث أخرجه أحمد ورجح القرطبي الحمل على ظاهر الخبر ويتأيد بقوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقوله تعالى كما بدأكم تعودون والى ذلك الإشارة في حديث الباب بذكر قوله تعالى كما بدأنا أول خلق نعيده عقب قوله حفاة عراة قال فيحمل ما دل عليه حديث أبي سعيد على الشهداء لأنهم يدفنون بثيابهم فيبعثون فيها تمييزا لهم عن غيرهم وقد نقله بن عبد البر عن أكثر العلماء ومن حيث النظر ان الملابس في الدنيا أموال ولا مال في الآخرة مما كان في الدنيا ولأن الذي بقي النفس مما تكره في الآخرة ثواب بحسن عملها أو رحمة مبتدأة من الله وأما ملابس الدنيا فلا تغني عنها شيئا قاله الحليمي وذهب الغزالي الى ظاهر حديث أبي سعيد وأورده بزيادة لم أجد لها أصلا وهي فإن أمتي تحشر في أكفانها وسائر الأمم عراة قال القرطبي ان ثبت حمل على الشهداء من أمته حتى لا تتناقض الاخبار قوله غرلا بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الاقلف وزنه ومعناه وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر قال أبو هلال العسكري لا تلتقي اللام الراء في كلمة الا في أربع أرل اسم جبل وورل اسم حيوان معروف وحرل ضرب من الحجارة والغرلة واستدرك عليه كلمتان هرل ولد الزوجة وبرل الديك الذي يستدير بعنقه والستة حوشية الا الغرلة قال بن عبد البر يحشر الآدمي عاريا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يرد حتى الاقلف وقال أبو الوفاء بن عقيل حشفة الاقلف موقاة بالقلفة فتكون ارق فلما ازالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله قوله كما بدأنا أول خلق نعيده الآية ساق بن المثنى الآية كلها الى قوله فاعلين ومثله كما بدأكم تعودون ومنه ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ووقع في حديث أم سلمة عند بن أبي الدنيا يحشر الناس حفاة عراة كما بدؤا قوله وان أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل تقدم بعض الكلام عليه في أحاديث الأنبياء قال القرطبي في شرح مسلم يجوز ان يراد بالخلائق من عدا نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه وتعقبه تلميذه القرطبي أيضا في التذكرة فقال هذا حسن لولا ما جاء من حديث علي يعني الذي أخرجه بن المبارك في الزهد من طريق عبد الله بن الحارث عن علي قال أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام قبطيتين ثم يكسى محمد صلى الله عليه وسلم حلة حبرة عن يمين العرش قلت كذا أورده مختصرا موقوفا وأخرجه أبو يعلى مطولا مرفوعا واخرج البيهقي من طريق بن عباس نحو حديث الباب وزاد وأول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتي بي فأكسي حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ثم يؤتى بكرسي فيطرح على ساق العرش وهو عن يمين العرش وفي مرسل عبيد بن عمير عند جعفر الفريابي يحشر الناس حفاة عراة فيقول الله تعالى الا أرى خليلي عريانا فيكسى إبراهيم ثوبا أبيض فهو أول من يكسى قيل الحكمة في كون إبراهيم أول من يكسى انه جرد حين ألقي في النار وقيل لأنه أول من استن التستر السراويل وقيل انه لم يكن في الأرض اخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانا له ليطمئن قلبه وهذا اختيار الحليمي والأول اختيار القرطبي قلت وقد اخرج بن منده من حديث حيدة بفتح المهملة وسكون التحتانية رفعه قال أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ليعلم الناس اليوم فضله عليهم قلت وقد تقدم شيء من هذا في ترجمة إبراهيم من بدء الخلق وأنه لا يلزم من تخصيص إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى ان يكون أفضل من نبينا عليه الصلاة والسلام مطلقا وقد ظهر لي الان انه يحتمل أن يكون نبينا عليه الصلاة والسلام خرج من قبره في ثيابه التي مات فيها والحلة التي يكساها حينئذ من حلل الجنة خلعة الكرامة بقرينة إجلاسه على الكرسي عند ساق العرش فتكون أولية إبراهيم في الكسوة بالنسبة لبقية الخلق وأجاب الحليمي بأنه يكسى اولا ثم يكسى نبينا صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر لكن حلة نبينا صلى الله عليه وسلم أعلى وأكمل فتجبر نفاستها ما فات من الأولية والله اعلم قوله وانه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال أي الى جهة النار ووقع ذلك صريحا في حديث أبي هريرة في آخر باب صفة النار من طريق عطاء بن يسار عنه ولفظه فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت الى أين قال الى النار الحديث وبين في حديث أنس الموضع ولفظه ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني الحديث وفي حديث سهل ليردن علي أقوام اعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم وفي حديث أبي هريرة عند مسلم ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم الا هلم قوله فأقول يا رب أصحابي في رواية أحمد فلأقولن وفي رواية أحاديث الأنبياء اصيحابي بالتصغير وكذا هو في حديث أنس وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء قوله فيقول الله انك لا تدري ما أحدثوا بعدك في حديث أبي هريرة المذكور انهم ارتدوا على أدبارهم القهقري وزاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أيضا فيقول انك لا علم لك بما احدثوا بعدك فيقال انهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا أي بعدا بعدا والتأكيد للمبالغة وفي حديث أبي سعيد في باب صفة النار أيضا فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي وزاد في رواية عطاء بن يسار فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم ولأحمد والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه ليردن علي الحوض رجال ممن صحبني ورآني وسنده حسن وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وزاد فقلت يا رسول الله ادع الله ان لا يجعلني منهم قال لست منهم وسنده حسن قوله فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا الى قوله الحكيم كذا لأبي ذر وفي رواية غيره زيادة ما دمت فيهم والباقي سواء قوله قال فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم وقع في رواية الكشميهني لن يزالوا ووقع في ترجمة مريم من أحاديث الأنبياء قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر وقد وصله الإسماعيلي من وجه اخر عن قبيصة وقال الخطابي لم يرتد من الصحابة أحد وانما ارتد قوم من جفاة الاعراب ممن لانصرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين ويدل قوله اصيحابي بالتصغير على قلة عددهم وقال غيره قيل هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمتي امة الدعوة لا امة الإجابة ورجح بقوله في حديث أبي هريرة فأقول بعدا لهم وسحقا ويؤيده كونهم خفي عليه حالهم ولو كانوا من امة الإجابة لعرف حالهم يكون اعمالهم تعرض عليه وهذا يرده قوله في حديث أنس حتى إذا عرفتهم وكذا في حديث أبي هريرة وقال بن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أو من مرتكبي الكبائر وقيل هم قوم من جفاة الاعراب دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة وقال الداودي لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك وقال النووي قيل هم المنافقون والمرتدون فيجوز ان يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من اجل السيما التي عليهم فيقال انهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فرقتهم عليه قال عياض وغيره وعلى هذا فيذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم وقيل لا يلزم أن تكون عليهم السيما بل يناديهم لما كان يعرف من اسلامهم وقيل هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الإسلام وعلى هذا فلا يقطع بدخول هؤلاء النار لجواز أن يذادوا عن الحوض اولا عقوبة لهم ثم يرحموا ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل فعرفهم بالسيما سواء كانوا في زمنه أو بعده ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر أنهم من ارتد بعده صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم والمرتد قد حبط عمله فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين وسيأتي في حديث الشفاعة وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين فيعرف أعيانهم ولو لم يكن لهم تلك السيما فمن عرف صورته ناداه مستصحبا لحاله التي فارقه عليها في الدنيا وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستبعد لتعبيره في الخبر بقوله أصحابي وأصحاب البدع انما حدثوا بعده وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم واستبعد أيضا انه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعا سحقا وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قضى عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة فيكون قوله سحقا تسليما لامر الله مع بقاء الرجاء وكذا القول في أصحاب الكبائر وقال البيضاوي ليس قوله مرتدين نصا في كونهم ارتدوا عن الإسلام بل يحتمل ذلك ويحتمل ان يراد انهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة انتهى وقد اخرج أبو يعلى بسند حسن عن أبي سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فقال يا أيها الناس اني فرطكم على الحوض فإذا جئتم قال رجل يا رسول الله انا فلان بن فلان وقال آخر أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولعلكم احدثتم بعدي وارتددتم ولأحمد والبزار نحوه من حديث جابر وسأذكر في آخر باب صفة النار ما يحتاج الى شرحه من ألفاظ الأحاديث التي أشرت إليها ان شاء الله تعالى الحديث الرابع

[ 6162 ] قوله حدثنا حاتم بن أبي صغيرة هو القشيري يكنى أبا يونس وأبوه بصاد مهملة مفتوحة وغين معجمة مكسورة وزن كبيرة وضدها واسمه مسلم قوله تحشرون حفاة عراة كذا فيه أيضا ليس فيه مشاة ووقع في حديث عبد الله بن أنيس عند أحمد والحاكم بلفظ يحشر الله العباد وأومأ بيده نحو الشام عراة حفاة غرلا بهما بضم الموحدة وسكون الهاء قلنا وما بهما قال ليس معهم شيء ووقع عند بن ماجة زيادة في أول حديث عائشة من روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر واسمه سليمان بن حبان عن حاتم بسنده المذكور عن عائشة قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة قال حفاة عراة وقد اخرج مسلم سنده عن أبي بكر بن أبي شيبة ولم يسق المتن قوله فقلت يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم الى بعض فيه أن النساء يدخلن في الضمير المذكر الاتي بالواو وكأنه بالتغليب كما في قولها بعضهم ووقع في رواية أبي بكر بن أبي شيبة المذكورة بعد قوله حفاة عراة قلت والنساء قال والنساء قوله قال الأمر أشد من أن يهمهم ذلك بضم أوله وكسر الهاء من الرباعي يقال أهمه الأمر وجوز بن التين فتح أوله وضم ثانيه من همه الشيء إذا آذاه والأول أولى ووقع في رواية يحيى بن سعيد عن حاتم عند مسلم قال يا عائش الأمر أشد من أن ينظر بعضهم الى بعض وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة قلت يا رسول الله فما نستحي قال يا عائشة الأمر أهم من ان ينظر بعضهم الى بعض وللنسائي والحاكم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قلت يا رسول الله فكيف بالعورات قال لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وللترمذي والحاكم من طريق عثمان بن عبد الرحمن القرظي قرأت عائشة ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة فقالت واسوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم الى سوأة بعض فقال لكل امرئ الآية وزاد لا ينظر الرجال الى النساء ولا النساء الى الرجال شغل بعضهم عن بعض ولابن أبي الدنيا من حديث أنس قال سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يحشر الناس قال حفاة عراة قالت واسوأتاه قال قد نزلت على آية لا يضرك كان عليك ثياب اولا لكل امرئ الآية وفي حديث سودة عند البيهقي والطبراني نحوه أخرجاه من طريق أبي أويس عن محمد بن أبي عياش عن عطاء بن يسار عنها وأخرجه بن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط من رواية عبد الجبار بن سليمان عن محمد بهذا الإسناد فقال عن أم سلمة بدل سودة الحديث الخامس

[ 6163 ] قوله حدثنا غندر هو محمد بن جعفر وقع كذلك في رواية مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار شيخ البخاري فيه كلاهما عنه قوله عن أبي إسحاق هو السبيعي عن عمرو بن ميمون صرح يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق بسماعه من عمرو بن ميمون وسيأتي في الأيمان والنذور قوله عن عبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية يوسف المذكورة حدثني عبد الله بن مسعود قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم عن محمد بن المثنى نحوا من أربعين رجلا وفي رواية يوسف المذكورة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيف ظهره الى قبة من أدم يماني ولمسلم من رواية مالك بن مغول عن أبي إسحاق خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ظهره الى قبة من أدم وللإسماعيلي من رواية إسرائيل عن أبي إسحاق اسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بمنى الى قبة من أدم قوله أترضون في رواية يوسف إذ قال لأصحابه الا ترضون وفي رواية إسرائيل أليس ترضون وفي رواية مالك بن مغول اتحبون قال بن التين ذكره بلفظ الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم قوله قلنا نعم في رواية يوسف قالوا بلى ولمسلم من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق فكبرنا في الموضعين ومثله في حديث أبي سعيد الاتي في الباب الذي يليه وزاد فحمدنا وفي حديث بن عباس ففرحوا وفي ذلك كله دلالة على أنهم استبشروا بما بشرهم به فحمدوا الله على نعمته العظمى وكبروه استعظاما لنعمته بعد استعظامهم لنقمته قوله اني لارجو ان تكونوا شطر أهل الجنة في رواية أبي الأحوص وإسرائيل فقال والذي نفس محمد بيده وقال نصف بدل شطر وفي حديث أبي سعيد اني لأطمع بدل لأرجو ووقع لهذا الحديث سبب يأتي التنبيه عليه عند شرح حديث أبي سعيد وزاد الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس في نحو حديث أبي سعيد واني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ولا تصح هذه الزيادة لأن الكلبي واه ولكن اخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على الصحابة فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني وأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة واخرج الخطيب في المبهمات من مرسل مجاهد نحو حديث الكلبي وفيه مع إرساله أبو حذيفة إسحاق بن بشر أحد المتروكين واخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة رفعه أهل الجنة عشرون ومائة صف أمتي منها ثمانون صفا وله شاهد من حديث بن مسعود بنحوه وأتم منه أخرجه الطبراني وهذا يوافق رواية الكلبي فكأنه صلى الله عليه وسلم لما رجا رحمة ربه أن تكون أمته نصف أهل الجنة أعطاه ما ارتجاه وزاده وهو نحو قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى قوله وذلك أن الجنة في رواية أبي الأحوص وسأخبركم عن ذلك وفي رواية إسرائيل وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة وفي رواية مالك بن مغول ما أنتم فيما سواكم من الأمم قوله كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر كذا للأكثر وكذا لمسلم وكذا في رواية إسرائيل لكن قدم السوداء على البيضاء ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري الأبيض بدل الأحمر وفي حديث أبي سعيد ان مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار قال بن التين اطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الوحدة لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه والرقمة قطعة بيضاء تكون في باطن عضو الحمار والفرس وتكون في قوائم الشاة وقال الداودي الرقمة شيء مستدير لاشعر فيه سمعت به لأنه كالرقم الحديث السادس

[ 6164 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد وسليمان هو بن بلال وثبت كذلك في رواية إسماعيل بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي أويس عند البيهقي في البعث وثور هو بن زيد الديلي وأبو الغيث هو سالم والكل مدنيون ورواية إسماعيل عن أخيه من رواية الأقران وكذا سليمان عن ثور ولكن إسماعيل أصغر من أخيه وسليمان أصغر من ثور وسيأتي قوله أول من يدعى يوم القيامة آدم الخ يأتي شرحه في الباب الذي بعده ان شاء الله تعالى

قوله باب ان زلزلة الساعة شيء عظيم أشار بهذه الترجمة الى ما وقع في بعض طرق الحديث الأول انه صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية عند ذكر الحديث والزلزلة الاضطراب وأصله من الزلل وفي تكرير الزاي فيه تنبيه على ذلك والساعة في الأصل جزء من الزمان واستعيرت ليوم القيامة كما تقدم في باب سكرات الموت وقال الزجاج معنى الساعة الوقت الذي تقوم فيه القيامة إشارة الى أنها ساعة خفيفة يقع فيها أمر عظيم وقيل سميت ساعة لوقوعها بغتة أو لطولها أو لسرعة الحساب فيها أو لأنها عند الله خفيفة مع طولها على الناس قوله أزفت الآزفة اقتربت الساعة هو من الازف بفتح الزاي وهو القرب يقال ازف كذا اى قرب وسميت الساعة آزفة لقربها أو لضيق وقتها واتفق المفسرون على أن معنى ازفت اقتربت أو دنت

[ 6165 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد قوله عن الأعمش عن أبي صالح في رواية أبي أسامة في بدء الخلق وحفص بن غياث في تفسير سورة الحج كلاهما عن الأعمش حدثنا أبو صالح وهو ذكوان وأبو سعيد هو الخدري قوله يقول الله كذا وقع للأكثر غير مرفوع وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وفي رواية كريمة بإثبات قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا وقع لمسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بسند البخاري فيه ونحوه في رواية أبي أسامة وحفص وقد ظهر من حديث أبي هريرة الذي قبله أن خطاب آدم بذلك أول شيء يقع يوم القيامة ولفظه أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه السلام فتراأى ذريته بمثناة واحدة ومد ثم همزة مفتوحة ممالة وأصله فتتراأي فحذفت إحدى التاءين وتراأى الشخصان تقابلا بحيث صار كل منهما يتمكن من رؤية الاخر ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق الدراوردي عن ثور فتتراأي له ذريته على الأصل وفي حديث أبي هريرة فيقال هذا ابوكم وفي رواية الدراوردي فيقولون هذا أبوكم قوله فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك في الاقتصار على الخير نوع تعطيف ورعاية للأدب والا فالشر أيضا بتقدير الله كالخير قوله اخرج بعث النار في حديث أبي هريرة بعث جهنم من ذريتك وفي رواية أحمد نصيب بدل بعث والبعث بمعنى المبعوث وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير الى جهة من الجهات للحرب وغيرها ومعناها هنا ميز أهل النار من غيرهم وانما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث كما تقدم في حديث الإسراء وقد أخرج بن أبي الدنيا من مرسل الحسن قال يقول الله لآدم يا آدم أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك قم فانظر ما يرفع إليك من اعمالهم قوله قال وما بعث النار الواو عاطفة على شيء محذوف تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار وفي حديث أبي هريرة فيقول يا رب كم اخرج قوله من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين في حديث أبي هريرة من كل مائة تسعة وتسعين قال الإسماعيلي في حديث أبي سعيد من كل الف واحد وكذا في حديث غيره ويشبة أن يكون حديث ثور يعني راويه عن أبي الغيث عن أبي هريرة وهما قلت ولعله يريد بقوله غيره ما أخرجه الترمذي من وجهين عن الحسن البصري عن عمران بن حصين نحوه وفي أوله زيادة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فرفع صوته بهاتين الآيتين يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم الى شديد فحث اصحابه المطي فقال هل تدرون أي يوم ذاك قالوا الله ورسوله اعلم قال ذاك يوم ينادي الله آدم فذكر نحو حديث أبي سعيد وصححه وكذا الحاكم وهذا سياق قتادة عن الحسن من رواية هشام الدستوائي عنه ورواه معمر عن قتادة فقال عن أنس أخرجه الحاكم أيضا ونقل عن الذهلي أن الرواية الأولى هي المحفوظة وأخرجه البزار والحاكم أيضا من طريق هلال بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة عن عكرمة عن بن عباس قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال هل تدرون فذكر نحوه وكذا وقع في حديث عبد الله بن عمر وعند مسلم رفعه يخرج الدجال الى أن قال ثم ينفخ في الصور أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال اخرجوا بعث النار وفيه فيقال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون فذاك يوم يجعل الولدان شيبا وكذا رأيت هذا الحديث في مسند أبي الدرداء بمثل العدد المذكور رويناه في فوائد طلحة بن الصقر وأخرجه بن مردويه من حديث أبي موسى نحوه فاتفق هؤلاء على هذا العدد ولم يستحضر الإسماعيلي لحديث أبي هريرة متابعا وقد ظفرت به في مسند أحمد فإنه اخرج من طريق أبي إسحاق الهجري وفيه مقال عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود نحوه وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد والمقصود من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين قلت ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد فإنه يشتمل لعلي زيادة فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل الف واحد وحديث أبي هريرة يدل على عشرة فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر الى العدد أصلا بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة اخر وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل الف واحد وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل الف عشرة ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين والثاني بخصوص هذه الأمة ويقربه قوله في حديث أبي هريرة إذا اخذ منا لكن في حديث بن عباس وانما أمتي جزء من الف جزء ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل الف واحد ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل الف عشرة ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل الف ستعمائة وتسعة وتسعون كافرا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيا والعلم عند الله تعالى قوله فذاك حين يشيب الصغير وتضع وساق الى قوله قوله شديد ظاهره ان ذلك يقع في الموقف وقد استشكل بأن ذلك الوقت لا حمل فيه ولا وضع ولا شيب ومن ثم قال بعض المفسرين ان ذلك قبل يوم القيامة لكن الحديث يرد عليه وأجاب الكرماني بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل وسبق الى ذلك النووي فقال فيه وجهان للعلماء فذكرهما وقال التقدير ان الحال ينتهي الى أنه لو كانت النساء حينئذ حوامل لوضعت كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب منه الوليد وأقول يحتمل أن يحمل على حقيقته فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملا والمرضع مرضعة والطفل طفلا فإذا وقعت زلزلة الساعة وقيل ذلك لآدم ورأى الناس آدم وسمعوا ما قيل له وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل ويشيب له الطفل وتذهل به المرضعة ويحتمل أن يكون ذلك بعد النفخة الأولى وقبل النفخة الثانية ويكون خاصا بالموجودين حينئذ وتكون الإشارة بقوله فذاك الى يوم القيامة وهو صريح في الآية ولا يمنع من هذا الحمل ما يتخيل من طول المسافة بين قيام الساعة واستقرار الناس في الموقف ونداء آدم لتمييز أهل الموقف لأنه قد ثبت ان ذلك يقع متقاربا كما قال الله تعالى فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة يعني ارض الموقف وقال تعالى يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به والحاصل ان يوم القيامة يطلق على ما بعد نفخة البعث من اهوال وزلزلة وغير ذلك الى اخر الاستقرار في الجنة أو النار وقريب منه ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في أشراط الساعة الى أن ذكر النفخ في الصور الى أن قال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال اخرجوا بعث النار فذكره قال فذاك يوم يجعل الولدان شيبا ووقع في حديث الصور الطويل عند علي بن معبد وغيره ما يؤيد الإحتمال الثاني وقد تقدم بيانه في باب النفخ في الصور وفيه بعد قوله وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض فيأخذهم لذلك الكرب والهول ثم تلا الايتين من أول الحج الحديث قال القرطبي في التذكرة هذا الحديث صححه بن العربي فقال يوم الزلزلة يكون عند النفخة الأولى وفيه ما يكون فيه من الأهوال العظيمة ومن جملتها ما يقال لآدم ولا يلزم من ذلك أن يكون ذلك متصلا بالنفخة الأولى بل له محملان أحدهما أن يكون آخر الكلام منوطا بأوله والتقدير يقال لآدم ذلك في اثناء اليوم الذي يشيب فيه الولدان وغير ذلك وثانيهما أن يكون شيب الولدان عند النفخة الأولى حقيقة والقول لآدم يكون وصفه بذلك اخبارا عن شدته وان لم يوجد عين ذلك الشيء وقال القرطبي يحتمل أن يكون المعنى ان ذلك حين يقع لا يهم كل أحد الا نفسه حتى أن الحامل تسقط من مثله والمرضعة الخ ونقل عن الحسن البصري في هذه الآية المعنى أن لو كان هناك مرضعة لذهلت وذكر الحليمي واستحسنه القرطبي انه يحتمل أن يحيي الله حينئذ كل حمل كان قد تم خلقه ونفخت فيه الروح فتذهل الأم حينئذ عنه لأنها لا تقدر على ارضاعه إذ لا غذاء هناك ولا لبن وأما الحمل الذي لم ينفخ فيه الروح فإنه إذا سقط لم يحى لان ذلك يوم الإعادة فمن لم يمت في الدنيا لم يحى في الآخرة قوله فاشتد ذلك عليهم في حديث بن عباس فشق ذلك على القوم ووقعت عليهم الكآبة والحزن وفي حديث عمران عند الترمذي من رواية بن جدعان عن الحسن فأنشأ المؤمنون يبكون ومن رواية قتادة عن الحسن فنبس القوم حتى ما أبدوا بضاحكه ونبس بضم النون وكسر الموحدة بعدها مهملة معناه تكلم فأسرع وأكثر ما يستعمل في النفي وفي رواية شيبان عن قتادة عند بن مردويه أبلسوا وكذا له نحوه من رواية ثابت عن الحسن قوله وأينا ذلك الرجل قال الطيبي يحتمل أن يكون الاستفهام على حقيقته فكان حق الجواب أن ذلك الواحد فلان أو من يتصف بالصفة الفلانية ويحتمل أن يكون استعظاما لذلك الأمر واستشعارا للخوف منه فلذلك وقع الجواب بقوله أبشروا ووقع في حديث أبي هريرة فقالوا يا رسول الله إذا اخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى وفي حديث أبي الدرداء فبكى اصحابه قوله فقال أبشروا في حديث بن عباس اعملوا وأبشروا وفي حديث عمران مثله وللترمذي من طريق بن جدعان قاربوا وسددوا ونحوه في حديث أنس قوله فإن من يأجوج ومأجوج الفا ومنكم رجل ظاهره زيادة واحد عما ذكر من تفصيل الالف فيحتمل ان يكون من جبر الكسر والمراد أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين أو الفا الا واحدا وأما قوله ومنكم رجل تقديره والمخرج منكم أو ومنكم رجل مخرج ووقع في بعض الشروح أن لبعض الرواة فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الفا بالنصب فيهما على المفعول بإخراج المذكور في أول الحديث أي فإنه يخرج كذا وروى بالرفع على خبر إن واسمها مضمر قبل المجرور أي فان المخرج منكم رجل قلت والنصب أيضا على اسم إن صريحا في الأول وبتقدير في الثاني وهو أولى من الذي قاله فان فيه تكلفا ووقع في رواية الأصيلي بالرفع في ألف وحده وبالنصب في رجلا ولأبي ذر بالعكس وفي رواية مسلم بالرفع فيهما قال النووي هكذا في جميع الروايات والتقدير فإنه فحذف الهاء وهي ضمير الشأن وذلك مستعمل كثيرا ووقع في حديث بن عباس وانما أمتي جزء من الف جزء قال الطيبي فيه إشارة الى أن يأجوج ومأجوج داخلون في العدد المذكور والوعيد كما يدل قوله ربع أهل الجنة على أن في غير هذه الأمة أيضا من أهل الجنة وقال القرطبي قوله من يأجوج ومأجوج الف أي منهم وممن كان على الشرك مثلهم وقوله ومنكم رجل يعني من اصحابه ومن كان مؤمنا مثلهم قلت وحاصله أن الإشارة بقوله منكم الى المسلمين من جميع الأمم وقد أشار الى ذلك في حديث بن مسعود بقوله ان الجنة لا يدخلها الا نفس مسلمة قوله ثم قال والذي نفسي بيده اني لاطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة تقدم في الباب قبله من حديث بن مسعود اترضون ان تكونوا ربع أهل الجنة وكذا في حديث بن عباس وهو محمول على تعدد القصة فقد تقدم أن القصة التي في حديث بن مسعود وقعت وهو صلى الله عليه وسلم في قبته بمنى والقصة التي في حديث أبي سعيد وقعت وهو صلى الله عليه وسلم سائرا على راحلته ووقع في رواية بن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في غزوة بني المصطفى ومثله في مرسل مجاهد عند الخطيب في المبهمات كما سيأتي التنبيه عليه في باب من دخل الجنة بغير حساب ثم ظهر لي أن القصة واحدة وأن بعض الروات حفظ فيه ما لم يحفظ الآخرة إلا أن قول من قال كان ذلك في غزة بني المصطفى واه والصحيح ما في حديث بن مسعود وأن ذلك كان بمنى وأما ما وقع في حديثه انه قال ذلك وهو في قبته فيجمع بينه وبين حديث عمران بأن تلاوته الآية وجوابه عنها اتفق انه كان وهو سائر ثم قوله اني لاطمع الخ وقع بعد أن نزل وقعد بالقبة وأما زيادة الربع قبل الثلث فحفظها أبو سعيد وبعضهم لم يحفظ الربع وقد تقدمت سائر مباحثه في الحديث الخامس من الباب الذي قبله

قوله باب قول الله تعالى الا يظن أولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين كأنه أشار بهذه الآية الى ما أخرجه هناد بن السري في الزهد من طريق عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عمرو قال قال له رجل ان أهل المدينة ليوفون الكيل فقال وما يمنعهم وقد قال الله تعالى ويل للمطففين الى قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين قال ان العرق ليبلغ انصاف اذانهم من هول يوم القيامة وهذا لما لم يكن على شرطه أشار اليه وأورد حديث بن عمر المرفوع في معناه وأصل البعث اثارة الشيء عن جفاء وتحريكه عن سكون والمراد به هنا احياء الأموات وخروجهم من قبورهم ونحوها الى حكم يوم القيامة قوله قال بن عباس وتقطعت بهم الأسباب قال الوصلات في الدنيا بضم الواو والصاد المهملة وقال بن التين ضبطناه بفتح الصاد وبضمها وبسكونها وقال أبو عبيدة الأسباب هي الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا واحدتها وصلة وهذا الأثر لم اظفر به عن بن عباس بهذا اللفظ وقد وصله عبد بن حميد والطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن بن عباس قال المودة وهو بالمعنى وكذا أخرجه عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد وللطبري من طريق العوفي عن بن عباس قال تقطعت بهم المنازل ومن طريق الربيع بن أنس مثله وأخرجه بن أبي حاتم من وجه آخر عن الربيع عن أبي العالية قال يعني أسباب الندامة وللطبري من طريق بن جريج عن بن عباس قال الأسباب الأرحام وهذا منقطع ولابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال تقطعت بهم الأرحام وتفرقت بهم المنازل في النار وورد بلفظ التواصل والمواصلة أخرجه الثلاثة المذكورون أيضا من طريق عبيد المكتب عن مجاهد قال تواصلهم في الدنيا وللطبري من طريق جريج عن مجاهد قال تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا وله من طريق سعيد ولعبد من طريق شيبان كلاهما عن قتادة قال الأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون فصارت عداوة يوم القيامة وللطبري من طريق معمر عن قتادة قال هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا ولعبد من طريق السدي عن أبي صالح قال الأعمال وهو عند الطبري عن السدى من قوله قال الطبري الأسباب جمع سبب وهو كل ما يتسبب به الى طلبه وحاجة فقال للحبل سبب لأنه يتوصل به الى الحاجة التي يتعلق به إليها وللطريق سبب للتسبب بركوبه الى مالا يدرك الا بقطعه وللمصاهرة سبب للحرمة وللوسيلة سبب للوصول بها الى الحاجة وقال الراغب السبب الحبل وسمي كل ما يتوصل به الى شيء سببا ومنه لعلي ابلغ الأسباب أسباب السماوات أي أصل الى الأسباب الحادثة في السماء فأتوصل بها الى معرفة ما يدعيه موسى ويسمى العمامة والخمار والثوب الطويل سببا تشبيها بالحبل وكذا منهج الطريق لشبهه بالحبل وبالثوب الممدود أيضا وذكر فيه حديثين أحدهما عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم يقوم الناس لرب العالمين قال يقوم أحدهم في رشحه الى انصاف اذنيه في رواية صالح بن كيسان عن نافع عند مسلم حتى يغيب أحدهم وكذا تقدم في تفسير ويل للمطففين من طريق مالك عن نافع والرشح بفتح الراء وسكون الشين المعجمة بعدهما مهملة هو العرق شبه برشح الإناء لكونه يخرج من البدن شيئا فشيئا وهذا ظاهر في أن العرق يحصل لكل شخص من نفسه وفيه تعقب على من جوز أن يكون من عرقه فقط أو من عرقه وعرق غيره وقال عياض يحتمل أن يريد عرق الإنسان نفسه بقدر خوفه مما يشاهده من الأهوال ويحتمل أن يريد عرقه وعرق غيره فيشدد على بعض ويخفف على بعض وهذا كله بتزاحم الناس وانضمام بعضهم الى بعض حتى صار العرق يجري سائحا في وجه الأرض كالماء في الوادي بعد أن شربت منه الأرض وغاص فيها سبعين ذراعا قلت واستشكل بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة كانت تغطية الماء لهم على السواء لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر تفاوتوا فكيف يكون الكل الى الإذن والجواب أن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة والأولى ان تكون الإشارة بمن يصل الماء الى اذنيه الى غاية ما يصل الماء ولا ينفى ان يصل الماء لبعضهم الى دون ذلك فقد اخرج الحاكم من حديث عقبة بن عامر رفعه تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمنهم من يبلغ عرقه عقبه ومنهم من يبلغ نصف ساقه ومنهم من يبلغ ركبته ومنهم من يبلغ فخذه ومنهم من يبلغ خاصرته ومنهم من يبلغ منكبه ومنهم من يبلغ فاه وأشار بيده فألجمها فاه ومنهم من يغطيه عرقه وضرب بيده على رأسه وله شاهد عند مسلم من حديث المقداد بن الأسود وليس بتمامه وفيه تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فتكون الناس على مقدار اعمالهم في العرق الحديث فإنه ظاهر في أنهم يستوون في وصول العرق إليهم ويتفاوتون في حصوله فيهم وأخرج أبو يعلى وصححه بن حبان عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم يقوم الناس لرب العالمين قال مقدار نصف يوم من خمسين الف سنة فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس الى أن تغرب وأخرجه أحمد وابن حبان نحوه من حديث أبي سعيد والبيهقي في البعث من طريق عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة يحشر الناس قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم الى السماء فيلجمهم العرق من شدة الكرب الحديث الثاني

[ 6167 ] قوله حدثني سليمان هو بن بلال والسند كله مدنيون قوله يعرق الناس بفتح الراء وهي مكسورة في الماضي قوله يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم في رواية الإسماعيلي من طريق بن وهب عن سليمان بن بلان سبعين باعا وفي رواية مسلم من طريق الدراوردي عن ثور وانه ليبلغ الى أفواه الناس أو الى آذانهم شك ثور وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان الذي يجلمه العرق الكافر أخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عنه قال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون قال على الكراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام وبسند قوي عن أبي موسى قال الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم وأخرج بن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة في المصنف واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم ترتفع حتى يغرغر الرجل زاد بن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومئذ مؤمنا ولا مؤمنة قال القرطبي المراد من يكون كامل الإيمان لما يدل عليه حديث المقداد وغيره انهم يتفاوتون في ذلك بحسب اعمالهم وفي حديث بن مسعود عند الطبراني والبيهقي ان الرجل ليفيض عرقا حتى يسيح في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يبلغ انفه وفي رواية عنه عند أبي يعلى وصححها بن حبان ان الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب ارحني ولو الى النار وللحاكم والبزار من حديث جابر نحوه وهو كالصريح في أن ذلك كله في الموقف وقد ورد ان التفصيل الذي في حديث عقبة والمقداد يقع مثله لمن يدخل النار فأخرج مسلم أيضا من حديث سمرة رفعه ان منهم من تأخذه النار الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى حجزته وفي رواية الى حقويه ومنهم من تأخذه الى عنقه وهذا يحتمل أن يكون النار فيه مجازا عن شدة الكرب الناشيء عن العرق فيتحد الموردان ويمكن ان يكون ورد في حق من يدخل النار من الموحدين فإن أحوالهم في التعذيب تختلف بحسب اعمالهم وأما الكفار فإنهم في الغمرات قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الأكثر ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة الى الكفار كما تقدم تقريره في حديث بعث النار قال والظاهر ان المراد بالذراع في الحديث المتعارف وقيل هو الذراع الملكي ومن تأمل الحالة المذكورة عرف عظم الهول فيها وذلك ان النار تحف بأرض الموقف وتدني الشمس من الرءوس قدر ميل فكيف تكون حرارة تلك الأرض وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعا مع ان كل واحد لا يجد الا قدر موضع قدمه فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه ان هذا لما يبهر العقول ويدل على عظيم القدرة ويقتضى الإيمان بأمور الآخرة أن ليس للعقل فيها مجال ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولاعادة وانما يؤخذ بالقبول ويدخل تحت الإيمان بالغيب ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه وفائدة الاخبار بذلك ان يتنبه السامع فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال ويبادر الى التوبة من التبعات ويلجأ الى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة ويتضرع اليه في سلامته من دار الهوان وادخاله دار الكرامة بمنه وكرمه

قوله باب القصاص يوم القيامة القصاص بكسر القاف بمهملتين مأخوذ من القص وهو القطع أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه لان المقتص يتتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها يقال اقتص من غريمة واقتص الحاكم لفلان من فلان قوله وهي الحاقة الضمير للقيامة قوله لأن فيها الثواب وحواق الأمور الحقة والحاقة واحد هذا اخذه من كلام الفراء قال في معاني القرآن الحاقة القيامة سميت بذلك لان فيها الثواب وحواق الأمور ثم قال والحقة والحاقة كلاهما بمعنى واحد قال الطبري سميت الحاقة لان الأمور تحق فيها وهو كقولهم ليل قائم وقال غيره سميت الحاقة لأنها احقت لقوم الجنة ولقوم النار وقيل لأنها تحاقق الكفار الذين خالفوا الأنبياء يقال حاققته فحققته أي خاصمته فخصمته وقيل لأنها حق لا شك فيه قوله والقارعة هو معطوف على الحاقة والمراد أنها من أسماء يوم القيامة وسميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها قوله والغاشية سميت بذلك لأنها تغشى الناس بافزاعها أي تعمهم بذلك قوله والصاخة قال الطبري أظنه من صخ فلان فلانا إذا اصمه وسميت بذلك لأن صيحة القيامة مسمعة لأمور الآخرة ومصمة عن أمور الدنيا وتطلق الصاخة أيضا على الداهية قوله التغابن غبن أهل الجنة أهل النار غبن بفتح المعجمة والموحدة بعدها نون والسبب في ذلك ان أهل الجنة ينزلون منازل الاشقياء التي كانت اعدت لهم لو كانوا سعداء فعلى هذا فالتغابن من طرف واحد ولكنه ذكر بهذه الصيغة للمبالغة وقد اقتصر المصنف من أسماء يوم القيامة على هذا القدر وجمعها الغزالي ثم القرطبي فبلغت نحو الثمانين اسما فمنها يوم الجمع ويوم الفزع الأكبر ويوم التناد ويوم الوعيد ويوم الحسرة ويوم التلاق ويوم المآب ويوم الفصل ويوم العرض على الله ويوم الخروج ويوم الخلود ومنها يوم عظيم ويوم عسير ويوم مشهود ويوم عبوس قمطرير ومنها يوم تبلى السرائر ومنها يوم لاتملك نفس لنفس شيئا ويوم يدعون الى نار جهنم ويوم تشخص فيه الابصار ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ويوم لا ينطقون ويوم لا ينفع مال ولا بنون ويوم لا يكتمون الله حديثا ويوم لا مرد له من الله ويوم لا بيع فيه ولا خلال ويوم لا ريب فيه فإذا ضمت هذه الى ما ذكر في الأصل كانت أكثر من ثلاثين اسما معظمها ورد في القرآن بلفظه وسائر الأسماء المشار إليها أخذت بطريق الاشتقاق بما ورد منصوصا كيوم الصدر من قوله يومئذ يصدر الناس اشتاتا ويوم الجدال من قوله يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ولو تتبع مثل هذا من القرآن زاد على ما ذكر والله اعلم وذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن مسعود والسند اليه كوفيون وشقيق هو بن سلمة أبو وائل مشهور بكنيته أكثر من اسمه

[ 6168 ] قوله أول ما يقضي بين الناس بالدماء في رواية الكشميهني الدماء وسيأتي كالأول في الديات من وجه اخر عن الأعمش ولمسلم والإسماعيلي من طريق أخرى عن الأعمش بين الناس يوم القيامة في الدماء أي التي وقعت بين الناس في الدنيا والمعنى أول القضايا القضاء في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير أول ما يقضي فيه الأمر الكائن في الدماء ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة رفعه ان أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته الحديث أخرجه أصحاب السنن لأن الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق وقد جمع النسائي في روايته في حديث بن مسعود بين الخبرين ولفظه أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضي بين الناس في الدماء وتقدم في تفسير سورة الحج ذكر هذه الاولية بأخص مما في حديث الباب وهو عن علي قال أنا أول من يجثو للخصومة يوم القيامة يعني هو ورفيقاه حمزة وعبيدة وخصومهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة الذين بارزوا يوم بدر قال أبو ذر فيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية وتقدم شرحه هناك وفي حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رفعه أول ما يقضي بين الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول يا رب سل هذا فيم قتلني الحديث وفي حديث نافع بن جبير عن بن عباس رفعه يأتي المقتول معلقا رأسه بإحدى يديه ملببا قاتله بيده الأخرى تشخب اوداجه دما حتى يقفا بين يدي الله الحديث ونحوه عند بن المبارك عن عبد الله بن مسعود موقوفا وأما كيفية القصاص فيما عدا ذلك فيعلم من الحديث الثاني وأخرج بن ماجة عن بن عباس رفعه نحن اخر الأمم وأول من يحاسب يوم القيامة وفي الحديث عظم أمر الدم فإن البداءة انما تكون بالأهم والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة واعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آيات كثيرة وآثار شهيرة يأتي بعضها في أول الديات الحديث الثاني

[ 6169 ] قوله مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري في رواية بن وهب عن مالك حدثني سعيد بن أبي سعيد قوله من كانت عنده مظلمة لأخيه في رواية الكشميهني من أخيه قوله ليس ثم دينار ولا درهم في حديث بن عمر رفعه من مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته أخرجه بن ماجة وقد مضى شرحه في كتاب المظالم والمراد بالحسنات الثواب عليها وبالسيآت العقاب عليها وقد استشكل إعطاء الثواب وهو لا يتناهى في مقابلة العقاب وهو متناه وأجيب بأنه محمول على أن الذي يعطاه صاحب الحق من أصل الثواب ما يوازي العقوبة عن السيئة وأما ما زاد على ذلك بفضل الله فإنه يبقى لصاحبه قال البيهقي سيئات المؤمن على أصول أهل السنة متناهية الجزاء وحسناته غير متناهية الجزاء لان من ثوابها الخلود في الجنة فوجه الحديث عندي والله اعلم انه يعطى خصماء المؤمن المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه ثم يعذب ان لم يعف عنه فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا ادخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ولا يعطي خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل عقوبة سيئاته يعني من المضاعفة لأن ذلك من فضل الله يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا والله اعلم قال الحميدي في كتاب الموازنة الناس ثلاثة من رجحت حسناته على سيئاته أو بالعكس أو من تساوت حسناته وسيآته فالأول فائز بنص القرآن والثاني يقتضي منه بما فضل من معاصيه على حسناته من النفخة الى آخر من يخرج من النار بمقدار قلة شره وكثرته والقسم الثالث أصحاب الأعراف وتعقبه أبو طالب عقيل بن عطية في كتابه الذي رد عليه فيه بأن حق العبارة فيه أن يقيد بمن شاء الله أن يعذبه منهم والا فالمكلف في المشيئة وصوب الثالث على أحد الأقوال في أهل الأعراف قال وهو أرجح الأقوال فيهم قلت قد قال الحميدي أيضا والحق أن من رجحت سيئاته على حسناته على قسمين من يعذب ثم يخرج من النار بالشفاعة ومن يعفى عنه فلا يعذب أصلا وعند أبي نعيم من حديث بن مسعود يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادى مناد هذا فلان بن فلان فمن كان له حق فليأت فيأتون فيقول الرب آت هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب فنيت الدنيا فمن أين اوتيهم فيقول للملائكة خذوا من اعماله الصالحة فأعطوا كل انسان بقدر طلبته فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة وعند بن أبي الدنيا عن حذيفة قال صاحب الميزان يوم القيامة جبريل يرد بعضهم على بعض ولا ذهب يومئذ ولا فضة فيؤخذ من حسنات الظالم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم اخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه لا ينبغي لاحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى اقصه منه حتى اللطمة قلنا يا رسول الله كيف وانما نحشر حفاة عراة قال بالسيآت والحسنات وعلق البخاري طرفا منه في التوحيد كما سيأتي وفي حديث أبي امامة في نحو حديث أبي سعيد ان الله يقول لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم وفيه دلالة على موازنة الأعمال يوم القيامة وقد صنف فيه الحميدي صاحب الجمع كتابا لطيفا وتعقب أبو طالب عقيل بن عطية أكثره في كتاب سماه تحرير المقال في موازنة الأعمال وفي حديث الباب وما بعده دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه رفعه يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى فقد ضعفه البيهقي وقال تفرد به شداد أبو طلحة والكافر لا يعاقب بذنب غيره لقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وقد اخرج أصل الحديث مسلم من وجه آخر عن أبي بردة بلفظ إذا كان يوم القيامة دفع الله الى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك من النار قال البيهقي ومع ذلك فضعفه البخاري وقال الحديث في الشفاعة أصح قال البيهقي ويحتمل أن يكون الفداء في قوم كانت ذنوبهم كفرت عنهم في حياتهم وحديث الشفاعة في قوم لم تكفر ذنوبهم ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في الفداء بعد خروجهم من النار بالشفاعة وقال غيره يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة الآتي في أواخر باب صفة الجنة والنار قريبا بلفظ لا يدخل الجنة أحد الا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا الحديث وفيه في مقابله ليكون عليه حسرة فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له وانزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره وأما رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين ويكون قوله ويضعها أي يضع مثلها لأنه لما اسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل اثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الإثم الباقي وهو اثمهم ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية لكون الكافر لا يغفر له فيكون الوضع كناية عن ابقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيء ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة وهذا الثاني أقوى والله اعلم الحديث الثالث

[ 6170 ] قوله حدثنا الصلت بن محمد بفتح الصاد المهملة وسكون الام بعدها تاء مثناة من فوق وهو الخاركي بخاء معجمة وكاف قوله حدثنا يزيد بن زريع ونزعنا ما في صدورهم من غل قال حدثنا سعيد أي قرأ يزيد هذه الآية وفسرها بالحديث المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع بهذا السند الى أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ونزعنا ما في صدروهم من غل اخوانا على سرر متقابلين قال يخلص المؤمنون الحديث وظاهره ان تلاوة الآية مرفوع فإن كان محفوظا احتمل ان يكون كل من رواته تلا الآية عند إيراد الحديث فاختصر ذلك في رواية الصلت ممن فوق يزيد بن زريع وقد أخرجه الطبري من رواية عفان عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الآية فذكرها قال حدثنا قتادة فذكره وكذا أخرجه بن أبي حاتم من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد ورواه عبد الوهاب بن عطاء وروح بن عبادة عن سعيد فلم يذكر الآية أخرجه بن مردويه وأبو المتوكل الناجي بالنون اسمه علي بن داود ورجال السند كلهم بصريون وصرح قتادة بالتحديث في هذا الحديث في رواية مضت في المظالم وكذا الرواية المعلقة ليونس بن محمد عن شيبان عن قتادة ووصلها بن منده وكذا أخرجها عبد بن حميد في تفسيره عن يونس بن محمد وكذا في رواية شعيب بن إسحاق عن سعيد ورواية بشر بن خالد وعفان عن يزيد بن زريع قوله إذا خلص المؤمنون من النار أي نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط ووقع في رواية هشام عن قتادة عند المصنف في المظالم إذا خلص المؤمنون من جسر جهنم وسيأتي في حديث الشفاعة كيفية مرورهم على الصراط قال القرطبي هؤلاء المؤمنون هم الذين علم الله ان القصاص لا يستنفد حسناتهم قلت ولعل أصحاب الأعراف منهم على القول المرجح آنفا وخرج من هذا صنفان من المؤمنين من دخل الجنة بغير حساب ومن أوبقه عمله قوله فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار سيأتي ان الصراط جسر موضوع على متن جهنم وأن الجنة وراء ذلك فيمر عليه الناس بحسب اعمالهم فمنهم الناجي وهو من زادت حسناته على سيئاته أو استويا أو تجاوز الله عنه ومنهم الساقط وهو من رجحت سيئاته على حسناته الا من تجاوز الله عنه فالساقط من الموحدين يعذب ما شاء الله ثم يخرج بالشفاعة وغيرها والناجي قد يكون عليه تبعات وله حسنات توازيها أو تزيد عليها فيؤخذ من حسناته ما يعدل تبعاته فيخلص منها واختلف في القنطرة المذكورة فقيل هي من تتمة الصراط وهي طرفه الذي يلي الجنة وقيل انهما صراطان وبهذا الثاني جزم القرطبي وسيأتي صفة الصراط في الكلام على الحديث الذي في باب الصراط جسر جهنم في اواخر كتاب الرقاق قوله فيقتص لبعضهم من بعض بضم أوله على البناء للمجهول للأكثر وفي رواية الكشميهني بفتح أوله فتكون اللام على هذه الرواية زائدة أو الفاعل محذوف وهو الله أو من اقامه في ذلك وفي رواية شيبان فيقتص بعضهم من بعض قوله حتى إذا هذبوا ونقوا بضم الهاء وبضم النون وهما بمعنى التمييز والتخليص من التبعات قوله اذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده هذا ظاهره انه مرفوع كله وكذا في سائر الروايات الا في رواية عفان عند الطبري فإنه جعل هذا من كلام قتادة فقال بعد قوله في دخول الجنة قال وقال قتادة والذي نفسي بيده لأحدهم أهدى الخ وفي رواية شعيب بن إسحاق بعد قوله في دخول الجنة قال فوالذي نفسي بيده الخ فأبهم القائل فعلى رواية عفان يكون هو قتادة وعلى رواية غيره يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم وزاد محمد بن المنهال عند الإسماعيلي قال قتادة كان يقال ما يشبه بهم الا أهل الجمعة إذا انصرفوا من جمعتهم وهكذا عند عبد الوهاب وروح وفي رواية بشر بن خالد وعفان جميعا عند الطبري قال وقال بعضهم فذكره وكذا في رواية شعيب بن إسحاق ويونس بن محمد والقائل وقال بعضهم هو قتادة ولم اقف على تسمية القائل قوله لأحدهم أهدى بمنزلة في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا قال الطيبي أهدى لا يتعدى بالباء بل باللام أو الى فكأنه ضمن معنى اللصوق بمنزله هاديا اليه ونحوه قوله تعالى يهديهم ربهم بإيمانهم الآية فان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم الى طريق الجنة فأقام تجري من تحتهم الى آخرها بيانا وتفسيرا لان التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها قلت ولأصل الحديث شاهد من مرسل الحسن أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح عنه قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل قال القرطبي وقع في حديث عبد الله بن سلام ان الملائكة تدلهم على طريق الجنة يمينا وشمالا وهو محمول على من لم يحبس بالقنطرة أو على الجميع والمراد أن الملائكة تقول ذلك لهم قبل دخول الجنة فمن دخل كانت معرفته بمنزلة فيها كمعرفته بمنزله في الدنيا قلت ويحتمل أن يكون القول بعد الدخول مبالغة في التبشير والتكريم وحديث عبد الله بن سلام المذكور أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد وصححه الحاكم

قوله باب من نوقش الحساب عذب هو من النقش وهو استخراج الشوكة وتقدم بيانه في الجهاد والمراد بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة يقال انتقشت منه حقي أي استقصيته وذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول

[ 6171 ] قوله عن بن أبي مليكة عن عائشة قال الدارقطني رواه حاتم بن أبي صغيرة عن عبد الله بن أبي مليكة فقال حدثني القاسم بن محمد حدثتني عائشة وقوله أصح لأنه زاد وهو حافظ متقن وتعقبه النووي وغيره بأنه محمول على أنه سمع من عائشة وسمعه من القاسم عن عائشة فحدث به على الوجهين قلت وهذا مجرد احتمال وقد وقع التصريح بسماع بن أبي مليكة له عن عائشة في بعض طرقه كما في السند الثاني من هذا الباب فانتفى التعليل بأقساط رجل من السند وتعين الحمل على أنه سمع من القاسم عن عائشة ثم سمعه من عائشة بغير واسطة أو بالعكس والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما ليس في روايته بغير واسطة وان كان مؤداهما واحدا وهذا هو المعتمد بحمد الله قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عبد بن حميد عن عبد الله بن موسى شيخ البخاري فيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قوله قالت قلت أليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب في رواية عبد قلت يا رسول الله ان الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه الى قوله حسابا يسيرا ولأحمد من وجه آخر عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه ان من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك قوله في السند الثاني مثله تقدم في تفسير سورة انشقت بهذا السند ولم يسق لفظه أيضا وأورده الإسماعيلي من رواية أبي بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد فقال مثل حديث عبيد الله بن موسى سواء قوله تابعه بن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم عن بن أبي مليكة عن عائشة قلت متابعة بن جريج ومحمد بن سليم وصلهما أبو عوانة في صحيحه من طريق أبي عاصم عن بن جريج وعثمان بن الأسود ومحمد بن سليم كلهم عن بن أبي مليكة عن عائشة به تنبيهان أحدهما اختلف على بن جريج في سند هذا الحديث فأخرجه بن مردويه من طريق أخرى عن بن جريج عن عطاء عن عائشة مختصرا ولفظه من حوسب يوم القيامة عذب ثانيهما محمد بن سليم هذا جزم أبو علي الجياني بأنه أبو عثمان المكي وقال استشهد به البخاري في الرقاق وفرق بينه وبين محمد بن سليم البصري وهو أبو هلال الراسبي استشهد به البخاري في التعبير وأما المزي فلم يذكر أبا عثمان في التهذيب بل اقتصر على ذكر أبي هلال وعلم علامة التعليق على اسمه في ترجمة بن أبي مليكة وهو الذي هنا وعلى محمد بن سيرين وهو الذي في التعبير والذي يظهر تصويب أبي علي ومحمد بن سليم أبو عثمان المذكور ذكره البخاري في التاريخ فقال يروي عن بن أبي مليكة وروى عنه وكيع وقال بن أبي حاتم روى عنه أبو عاصم ونقل عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال هو ثقة وقال أبو حاتم صالح وذكره بن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات وأما متابعة أيوب فوصلها المؤلف في التفسير من رواية حماد بن زيد عن أيوب ولم يسق لفظه وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن إسماعيل القاضي عن سليمان شيخ البخاري فيه ولفظه من حوسب عذب قالت عائشة فقلت يا رسول الله فأين قول الله تعالى

[ 6172 ] فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذاك العرض ولكنه من نوقش الحساب عذب وأخرجه من طريق همام عن أيوب بلفظ من نوقش عذب فقالت كأنها تخاصمه فذكر نحوه وزاد في آخره قالها ثلاث مرات وأخرجه بن مردويه من وجه آخر عن حماد بلفظ ذاكم العرض بزيادة ميم الجماعة وأما متابعة صالح بن رستم بضم الراء وسكون المهملة وضم المثناة وهو أبو عامر الخزاز بمعجمات مشهور بكنيته أكثر من اسمه فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر بن شميل عن أبي عامر الخزاز ووقعت لنا بعلو في المحامليات وفي لفظه زيادة قال عن عائشة قالت قلت إني لأعلم أي آية في القرآن أشد فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم وما هي قلت من يعمل سوءا يجز به فقال ان المؤمن يجازى بأسوإ عمله في الدنيا يصيبه المرض حتى النكبة ولكن من نوقش الحساب يعذبه قالت قلت أليس قال الله تعالى فذكر مثل حديث إسماعيل بن إسحاق وأخرجه الطبري وأبو عوانة وابن مردويه من عدة طرق عن أبي عامر الخزاز نحوه قوله حاتم بن أبي صغيرة بفتح المهملة وكسر الغين المعجمة وكنية حاتم أبو يونس واسم أبي صغيرة مسلم وقد قيل أنه زوج أم أبي يونس وقيل جده لأمه قوله ليس أحد يحاسب يوم القيامة الا هلك ثم قال أخيرا وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة الا عذب وكلاهما يرجعان الى معنى واحد لأن المراد بالمحاسبة تحرير الحساب فيستلزم المناقشة ومن عذب فقد هلك وقال القرطبي في المفهم قوله حوسب أي حساب استقصاء وقوله عذب أي في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه وقوله هلك أي بالعذاب في النار قال وتمسكت عائشة بظاهر لفظ الحساب لأنه يتناول القليل والكثير قوله يناقش الحساب بالنصب على نزع الخافض والتقدير يناقش في الحساب قوله أليس قد قال الله تعالى تقدم في تفسير سورة انشقت من رواية يحيى القطان عن أبي يونس بلفظ فقلت يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس يقول الله تعالى قوله انما ذلك العرض في رواية القطان قال ذاك العرض تعرضون ومن نوقش الحساب هلك وأخرج الترمذي لهذا الحديث شاهدا من رواية همام عن قتادة عن أنس رفعه من حوسب عذب وقال غريب قلت والراوي له عن همام علي بن أبي بكر صدوق وربما أخطأ قال القرطبي معنى قوله انما ذلك العرض ان الحساب المذكور في الآية انما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة كما في حديث بن عمر في النجوى قال عياض قوله عذب له معنيان أحدهما أن نفس مناقشة الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب والثاني أنه يفضي الى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد الا من عند الله لاقداره عليها وتفضله عليه بها وهدايته لها ولان الخالص لوجهه قليل ويؤيد هذا الثاني قوله في الرواية الأخرى هلك وقال النووي التأويل الثاني هو الصحيح لان التقصير غالب على الناس فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك وقال غيره وجه المعارضة أن لفظ الحديث عام في تعذيب كل من حوسب ولفظ الآية دال على أن بعضهم لا يعذب وطريق الجمع أن المراد بالحساب في الآية العرض وهو ابراز الأعمال واظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه ويؤيده ما وقع عند البزار والطبري من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير سمعت عائشة تقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحساب اليسير قال الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها وفي حديث أبي ذر عند مسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه الحديث وفي حديث جابر عند بن أبي حاتم والحاكم من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة ومن زادت سيئاته على حسانه فذاك الذي اوبق نفسه وانما الشفاعة في مثله ويدخل في هذا حديث بن عمر في النجوى وقد أخرجه المصنف في كتاب المظالم وفي تفسير سورة هود وفي التوحيد وفيه يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول أعملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره ثم يقول اني سترت عليك في الدنيا وأنا اغفرها لك اليوم وجاء في كيفية العرض ما أخرجه الترمذي من رواية علي بن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي هريرة رفعه تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله قال الترمذي لا يصح لان الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن علي بن علي الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى انتهى وهو عند بن ماجة وأحمد من هذا الوجه مرفوعا وأخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود وقوفا قال الترمذي الحكيم الجدال للكفار يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا والمعاذير اعتذار الله لآدم وأنبيائه بإقامته الحجة على اعدائه والثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر تنبيه وقع في رواية لابن مردوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا لا يحاسب رجل يوم القيامة الا دخل الجنة وظاهره يعارض حديثها المذكور في الباب وطريق الجمع بينهما أن الحديثين معا في حق المؤمن ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة لأن الموحد وان قضى عليه بالتعذيب فإنه لا بد أن يخرج من النار بالشفاعة أو بعموم الرحمة الحديث الثاني حديث أنس يجاء بالكافر ذكره من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد وهو بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة وساقه بلفظ سعيد وأما لفظ هشام فأخرجه مسلم والإسماعيلي من طرق عن معاذ بن هشام عن أبيه بلفظ يقال للكافر والباقي مثله وهو بضم أول يجاء ويقال وسيأتي بعد باب في باب صفة الجنة والنار من رواية أبي عمران الجوني عن أنس التصريح بأن الله سبحانه هو الذي يقول له ذلك ولفظه يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به فيقول نعم ورواه مسلم والنسائي من طريق ثابت عن أنس وظاهر سياقه أن ذلك يقع للكافر بعد أن يدخل النار ولفظه يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال يا بن آدم كيف وجدت مضجعك فيقول شر مضجع فيقال له هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا فيقول نعم يا رب فيقال له كذبت ويحتمل أن يراد بالمضجع هنا مضجعه في القبر فيلتئم مع الروايات الأخرى

[ 6173 ] قوله فيقال له زاد مسلم في رواية سعيد كذبت قوله قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك في رواية أبي عمران فيقول أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت الا أن تشرك بي وفي رواية ثابت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به الى النار قال عياض يشير بذلك الى قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الآية فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن ومن لم يوف به فهو الكافر فمراد الحديث أردت منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذ اخرجتك الى الدنيا الا الشرك ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا الطلب والمعنى أمرتك فلم تفعل لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه الا ما يريد واعترض بعض المعتزلة بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد والجواب أن ذلك ليس بممتنع ولا مستحيل وقال المازري مذهب أهل السنة أن الله تعالى أراد ايمان المؤمن وكفر الكافر ولو أراد من الكافر الإيمان لآمن يعني لو قدره عليه لوقع وقال أهل الاعتزال بل أراد من الجميع الإيمان فأجاب المؤمن وامتنع الكافر فحملوا الغائب على الشاهد لأنهم رأوا أن مريد الشر شرير والكفر شر فلا يصح أن يريده البارئ وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن الشر شر في حق المخلوقين وأما في حق الخالق فإنه يفعل ما يشاء وانما كانت إرادة الشر شرا لنهى الله عنه والبارئ سبحانه ليس فوقه أحد يأمره فلا يصح أن تقاس ارادته على إرادة المخلوقين وأيضا فالمريد لفعل ما إذا لم يحصل ما أراده آذن ذلك بعجزه وضعفه والبارئ تعالى لا يوصف بالعجز والضعف فلو أراد الإيمان من الكافر ولم يؤمن لآذن ذلك بعجز وضعف تعالى الله عن ذلك وقد تمسك بعضهم بهذا الحديث المتفق على صحته والجواب عنه ما تقدم واحتجوا أيضا بقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وأجيبوا بأنه من العام المخصوص بمن قضى الله له الإيمان فعباده على هذا الملائكة ومؤمنو الانس والجن وقال آخرون الإرادة غير الرضا ومعنى قوله ولا يرضى أي لا يشكره لهم ولا يثيبهم عليه فعلى هذا فهي صفة فعل وقيل معنى الرضا أنه لا يرضاه دينا مشروعا لهم وقيل الرضا صفة وراء الإرادة وقيل الإرادة تطلق بإزاء شيئين إرادة تقدير وإرادة رضا والثانية أخص من الأولى والله اعلم وقيل الرضا من الله إرادة الخير كما ان السخط إرادة الشر وقال النووي قوله فيقال له كذبت معناه لو رددناك الى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك فأبيت ويكون من معنى قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به قال وفي الحديث من الفوائد جواز قول الإنسان يقول الله خلافا لمن كره ذلك وقال انما يجوز قال الله تعالى وهو قول شاذ مخالف لأقوال العلماء من السلف والخلف وقد تظاهرت به الأحاديث وقال الله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل الحديث الثالث

[ 6174 ] قوله حدثني خيثمة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها مثلثة هو بن عبد الرحمن الجعفي قوله عن عدي بن حاتم هو الطائي قوله ما منكم من أحد ظاهر الخطاب للصحابة ويلتحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم أشار الى ذلك بن أبي جمرة قوله الا سيكلمه الله في رواية وكيع عن الأعمش عند بن ماجة سيكلمه ربه قوله ليس بينه وبينه ترجمان لم يذكر في هذه الرواية ما يقول وبينه في رواية محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في الزكاة بلفظ ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم اوتك مالا فيقول بلى الحديث والترجمان تقدم ضبطه في بدء الوحي في شرح قصة هرقل قوله ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه بضم القاف وتشديد الدال أي امامه ووقع في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش في التوحيد وعند مسلم بلفظ فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم وينظر اشأم منه فلا يرى الا ما قدم وأخرجه الترمذي من رواية أبي معاوية بلفظ فلا يرى شيئا الا شيئا قدمه وفي رواية محل بن خليفة فينظر عن يمينه فلا يرى الا النار وينظر عن شماله فلا يرى الا النار وهذه الرواية مختصرة ورواية خيثمة مفسرة فهي المعتمدة في ذلك وقوله أيمن وأشأم بالنصب فيهما على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال قال بن هبيرة نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر ان يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث قلت ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقا يذهب فيها ليحصل له النجاة من النار فلا يرى الا ما يفضى به الى النار كما وقع في رواية محل بن خليفة قوله ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار في رواية عيسى وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه وفي رواية أبي معاوية ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار قال بن هبيرة والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن يحيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط قوله فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة زاد وكيع في روايته فليفعل وفي رواية أبي معاوية أن يقي وجهه النار ولو بشق تمرة فليفعل وفي رواية عيسى فاتقوا النار ولو بشق تمرة أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير قوله قال الأعمش هو موصول بالسند المذكور وقد أخرجه مسلم من رواية معاوية عن الأعمش كذلك وبين عيسى بن يونس في روايته أن القدر الذي زاده عمرو بن مرة للأعمش في حديثه عن خيثمة قوله في آخره فمن لم يجد فبكلمة طيبة وقد مضى الحديث بأتم سياقا من هذا في رواية محل بن خليفة في الزكاة قوله حدثني عمرو هو بن مرة وصرح به في رواية عيسى بن يونس قوله اتقوا النار ثم اعرض وأشاح بشين معجمة وحاء مهملة أي أظهر الحذر منها وقال الجليلي أشاح بوجهه عن الشيء نحاه عنه وقال الفراء المشيح الحذر والجاد في الأمر والمقبل في خطابه فيصح أحد هذه المعاني أو كلها أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو جد على الوصية باتقائها أو اقبل على اصحابه في خطابه بعد أن اعرض عن النار لما ذكرها وحكى بن التين أن معنى اشاح صد وانكمش وقيل صرف وجهه كالخائف ان تناله قلت والأول أوجه لأنه قد حصل من قوله اعرض ووقع في رواية أبي معاوية في أوله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار فأعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار قوله ثلاث في رواية أبي معاوية ثم قال اتقوا النار واعرض وأشاح حتى ظننا أنه كان ينظر إليها وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جرير عن الأعمش قال بن هبيرة وابن أبي جمرة في حديث ان الله يكلم عباده المؤمنين في الدار الآخرة بغير واسطة وفيه الحث على الصدقة قال بن أبي جمرة وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت وقد قيدت في الحديث الكسب الطيب وفيه إشارة الى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها وفيه حجة لأهل الزهد حيث قالوا الملتفت هالك يؤخذ من ان نظر المذكور عن يمينه وعن شماله فيه صورة الالتفات فلذا لما نظر أمامه استقبلته النار وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف وقد اخرج البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه بسند رجاله ثقات رفعه كأني أراكم بالكوم جثى من دون جهنم وقوله جثى بضم الجيم بعدها مثلثة مقصور جمع جاث والكوم بفتح الكاف والواو الساكنة المكان العالي الذي تكون عليه امة محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث كعب بن مالك عند مسلم أنهم يكونون يوم القيامة على تل عال وفيه ان احتجاب الله عن عباده ليس بحائل حسي بل بأمر معنوي يتعلق بقدرته يؤخذ من قوله ثم ينظر فلا يرى قدامه شيئا وقال بن هبيرة المراد بالكلمة الطيبة هنا يدل على هدى أو يرد عن ردي أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع ثائرا أو يسكن غضبا والله سبحانه وتعالى اعلم

قوله باب يدخل الجنة سبعون الفا بغير حساب فيه إشارة الى أن وراء التقسيم الذي تضمنته الآية المشار إليها في الباب الذي قبله أمرا آخر وان من المكلفين من لا يحاسب أصلا ومنهم من يحاسب حسابا يسيرا ومنهم من يناقش الحساب وذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول

[ 6175 ] قوله حدثنا أبو الفضيل هو محمد وحصين هو بن عبد الرحمن الواسطي قوله قال أبو عبد الله هو البخاري قوله وحدثني اسيد فتح الهمزة وكسر المهملة هو بن زيد الجمال بالجيم كوفي حدث ببغداد قال أبو حاتم كانوا يتكلمون فيه وضعفه جماعة وأفحش بن معين فيه القول وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع وقد قرنه فيه بغيره ولعله كان عنده ثقة قاله أبو مسعود ويحتمل أن لا يكون خبر أمره كما ينبغي وانما سمع منه هذا الحديث الواحد وقد وافقه عليه جماعة منهم شريح بن النعمان عند أحمد وسعيد بن منصور عند مسلم وغيرهما وانما احتاج اليه فرارا من تكرير الإسناد بعينه فإنه أخرج السند الأول في الطب في باب من اكتوى ثم اعاده هنا فأضاف اليه طريق هشيم وتقدم له في الطب أيضا في باب من لم يرق من طريق حصين بن بهز عن حصين بن عبد الرحمن وتقدم باختصار قريبا من طريق شعبة عن حصين بن عبد الرحمن قوله كنت عند سعيد بن جبير فقال حدثني بن عباس زاد بن فضيل في رواية عن حصين عن عامر وهو الشعبي عن عمران بن حصين لا رقية الا من عين الحديث وقد بينت الاختلاف في رفع حديث عمران هذا والاختلاف في سنده أيضا في كتاب الطب وان في رواية هشيم زيادة قصة وقعت لحصين بن عبد الرحمن مع سعيد بن جبير فيما يتعلق بالرقية وذكرت حكم الرقية هناك قوله عرضت بضم أوله على البناء للمجهول قوله علي بالتشديد الأمم بالرفع وقد بين عبثر بن القاسم بموحدة ثم مثلثة وزن جعفر في روايته عن حصين بن عبد الرحمن عند الترمذي والنسائي أن ذلك كان ليلة الإسراء ولفظه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي ومعه الواحد الحديث فإن كان ذلك محفوظا كانت فيه قوة لمن ذهب الى تعدد الإسراء وأنه وقع بالمدينة أيضا غير الذي وقع بمكة فقد وقع عند أحمد والبزار بسند صحيح قال أكربنا الحديث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عدنا اليه فقال عرضت على الأنبياء الليلة بأممها فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي يمر ومعه العصابة فذكر الحديث وفي حديث جابر عند البزار أبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العشاء حتى نام بعض من كان في المسجد الحديث والذي يتحرر من هذه المسألة ان الإسراء الذي وقع بالمدينة ليس فيه ما وقع بمكة من استفتاح أبواب السماوات بابا بابا ولا من التقاء الأنبياء كل واحد في سماء ولا المراجعة معهم ولا المراجعة مع موسى فيما يتعلق بفرض الصلوات ولا في طلب تخفيفها وسائر ما يتعلق بذلك وانما تكررت قضايا كثيرة سوى ذلك رآها النبي صلى الله عليه وسلم فمنها بمكة البعض ومنها بالمدينة بعدالهجرة البعض ومعظمها في المنام والله اعلم قوله فأجد بكسر الجيم بلفظ المتكلم بالفعل المضارع وفيه مبالغة لتحقق صورة الحال وفي رواية الكشميهني فأخذ بفتح الخاء والذال المعجمتين بلفظ الفعل الماضي قوله النبي بالنصب وفي رواية الكشميهني بالرفع على أنه الفاعل قوله يمر معه الأمة أي العدد الكثير قوله والنبي يمر معه النفر والنبي يمر معه العشر بفتح المهملة وسكون المعجمة وفي رواية المستملي بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم راء ووقع في رواية بن فضيل فجعل النبي والنبيان يمرون ومعهم الرهط زاد عبثر في روايته والشيء وفي رواية حصين بن نمير نحوه لكن بتقديم وتأخير وفي رواية سعيد بن منصور التي أشرت إليها آنفا فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد والنبي معه الخمسة والرهط تقدم بيانه في شرح حديث أبي سفيان في قصة هرقل أول الكتاب وفي حديث بن مسعود فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي يمر ومعه العصابة والنبي يمر وليس معه أحد والحاصل من هذه الروايات أن الأنبياء يتفاوتون في عدد أتباعهم قوله فنظرت فإذا سواد كثير في رواية حصين بن نمير فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق والسواد ضد البياض هو الشخص الذي يرى من بعيد ووصفه بالكثير إشارة الى أن المراد بلفظ الجنس لا الواحد ووقع في رواية بن فضيل ملأ الأفق الأفق الناحية والمراد به هنا ناحية السماء قوله قلت يا جبريل هؤلاء أمتي قال لا في رواية حصين بن نمير فرجوت ان تكون أمتي فقيل هذا موسى في قومه وفي حديث بن مسعود عند أحمد حتى مر على موسى في كبكبة من بني إسرائيل فأعجبني فقلت من هؤلاء فقيل هذا أخوك موسى معه بنو إسرائيل والكبكبة بفتح الكاف ويجوز ضمها بعدها موحدة هي الجماعة من الناس إذا انضم بعضهم الى بعض قوله ولكن انظر الى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير في رواية سعيد بن منصور عظيم وزاد فقيل لي انظر الى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر الى الأفق الاخر مثله وفي رواية بن فضيل فإذا سواد قد ملأ الأفق فقيل لي انظر ههنا وههنا في آفاق السماء وفي حديث بن مسعود فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال وفي لفظ لأحمد فرأيت أمتي قد ملؤا السهل والجبل فأعجبني كثرتهم وهيئتهم فقيل أرضيت يا محمد قلت نعم أي رب وقد استشكل الإسماعيلي كونه صلى الله عليه وسلم لم يعرف أمته حتى ظن انهم امة موسى وقد ثبت من حديث أبي هريرة كما تقدم في الطهارة كيف تعرف من لم تر من أمتك فقال انهم غر محجلون من أثر الوضوء وفي لفظ سيما ليست لاحد غيرهم وأجاب بأن الأشخاص التي رآها في الأفق لا يدرك منها الا الكثرة من غير تمييز لاعيانهم وأما ما في حديث أبي هريرة فمحمول على ما إذا قربوا منه وهذا كما يرى الشخص شخصا على بعد فيكلمه ولا يعرف أنه أخوه فإذا صار بحيث يتميز عن غيره عرفه ويؤيده أن ذلك يقع عند ورودهم عليه الحوض قوله هؤلاء أمتك وهؤلاء سبعون الفا قدامهم لاحساب عليهم ولا عذاب في رواية سعيد بن منصور معهم بدل قدامهم وفي رواية حصين بن نمير ومع هؤلاء وكذا في حديث بن مسعود والمراد بالمعية المعنوية فإن السبعين الفا المذكورين من جملة أمته لكن لم يكونوا في الذين عرضوا إذ ذاك فأريد الزيادة في تكثير أمته بإضافة السبعين الفا إليهم وقد وقع في رواية بن فضيل ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون الفا بغير حساب وفي رواية عبثر بن القاسم هؤلاء أمتك ومن هؤلاء من أمتك سبعون الفا والإشارة بهؤلاء الى الأمة لا الى خصوص من عرض ويحتمل أن تكون مع بمعنى من فتأتلف الروايات قوله قلت ولم بكسر اللام وفتح الميم ويجوز اسكانها يستفهم بها عن السبب وقع في رواية سعيد بن منصور وشريح عن هشيم ثم نهض أي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل منزله فحاص الناس في أولئك فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال هم الذين وفي رواية عبثر فدخل ولم يسألوه ولم يفسر لهم والباقي نحوه وفي رواية بن فضيل فأفاض القوم فقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا الرسول فنحن هم أو اولادنا الذين ولدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال وفي رواية حصين بن نمير فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله وبرسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا وفي حديث جابر وقال بعضنا هم الشهداء وفي رواية له من رق قلبه للإسلام قوله كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون اتفق على ذكر هذه الأربع معظم الروايات في حديث بن عباس وان كان عند البعض تقديم وتأخير وكذا في حديث عمران بن حصين عند مسلم وفي لفظ له سقط ولا يتطيرون هكذا في حديث بن مسعود وفي حديث جابر اللذين أشرت إليهما بنحو الأربع ووقع في رواية سعيد بن منصور عند مسلم ولا يرقون بدل ولا يكتوون وقد انكر الشيخ تقي الدين بن تيمية هذه الرواية وزعم انها غلط من راويها واعتل بأن الراقي يحسن الى الذي يرقيه فكيف يكون ذلك مطلوب الترك وأيضا فقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ورقى النبي اصحابه واذن لهم في الرقى وقال من استطاع ان ينفع اخاه فليفعل والنفع مطلوب قال واما المسترقي فإنه يسأل غيره ويرجو نفعه وتمام التوكل ينافي ذلك قال وانما المراد وصف السبعين بتمام التوكل فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون من شيء وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم واعتمد مسلم على روايته هذه وبأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يصار اليه والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي لأنه اعتل بان الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل فكذا يقال له والذي يفعل غيره به ذلك ينبغي ان لا يمكنه منه لاجل تمام التوكل وليس في وقوع ذلك من جبريل دلالة على المدعى ولا في فعل النبي صلى الله عليه وسلم له أيضا دلالة لأنه في مقام التشريع وتبيين الاحكام ويمكن أن يقال انما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة لأن فاعل ذلك لا يأمن أن يكل نفسه اليه وإلا فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة وانما منع منها ما كان شركا أو احتمله ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم اعرضوا علي رقاكم ولا بأس بالرقى ما لم يكن شرك ففيه إشارة الى علة النهى كما تقدم تقرير ذلك واضحا في كتاب الطب وقد نقل القرطبي عن غيره ان استعمال الرقى والكي قادح في التوكل بخلاف سائر أنواع الطب وفرق بين القسمين بأن البرء فيهما أمر موهوم وما عداهما محقق عادة كالاكل والشرب فلا يقدح قال القرطبي وهذا فاسد من وجهين أحدهما أن أكثر أبواب الطب موهوم والثاني أن الرقى بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه والالتجاء اليه والرغبة فيما عنده والتبرك بأسمائه فلو كان ذلك قادحا في التوكل لقدح الدعاء إذ لا فرق بين الذكر والدعاء وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقى وفعله السلف والخلف فلو كان مانعا من اللحاق بالسبعين أو قادحا في التوكل لم يقع من هؤلاء وفيهم من هو اعلم وافضل ممن عداهم وتعقب بأنه بنى كلامه على أن السبعين المذكورين أرفع رتبة من غيرهم مطلقا وليس كذلك لما سأبينه وجوز أبو طالب بن عطية في موازنة الأعمال أن السبعين المذكورين هم المراد بقوله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم فان أراد انهم من جملة السابقين فمسلم والا فلا وقد اخرج أحمد وصححه بن خزيمة وابن حبان من حديث رفاعة الجهني قال اقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا وفيه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا بغير حساب واني لأرجو أن لا يدخولها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة فهذا يدل على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم انهم أفضل من غيرهم بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم وفيمن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته وعرف مقامه من الجنة يشفع في غيره من هو أفضل منهم وسأذكر بعد قليل من حديث أم قيس بنت محصن أن السبعين الفا ممن يحشر من مقبرة البقيع بالمدينة وهي خصوصية أخرى قوله ولا يتطيرون تقدم بيان الطيرة في كتاب الطب والمراد أنهم لا يتشاءمون كما كانوا يفعلون في الجاهلية قوله وعلى ربهم يتوكلون يحتمل أن تكون هذه الجملة مفسرة لما تقدم من ترك الاسترقاء والاكتواء والطيرة ويحتمل أن تكون من العام بعد الخاص لأن صفة كل واحدة منها صفة خاصة من التوكل وهو أعم من ذلك وقد مضى القول في التوكل في باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه قريبا وقال القرطبي وغيره قالت طائفة من الصوفية لا يستحق اسم التوكل الا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى حتى لو هجم عليه الأسد لا ينزعج وحتى لا يسعى في طلب الرزق لكون الله ضمنه له وأبى هذا الجمهور وقالوا يحصل التوكل بأن يثق بوعد الله ويوقن بأن قضاءه واقع ولا يترك اتباع السنة في ابتغاء الرزق مما لا بد له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدو باعداد السلاح واغلاق الباب ونحو ذلك ومع ذلك فلا يطمئن الى الأسباب بقلبه بل يعتقد انها لا تجلب بذاتها نفعا ولا تدفع ضرا بل السبب والمسبب فعل الله تعالى والكل بمشيئته فإذا وقع من المرء ركون الى السبب قدح في توكله وهم مع ذلك فيه على قسمين واصل وسالك فالأول صفة الواصل وهو الذي لا يلتفت الى الأسباب ولو تعاطاها وأما السالك فيقع له الالتفات الى السبب أحيانا الا انه يدفع ذلك عن نفسه بالطرق العلمية والاذواق الحالية الى ان يرتقى الى مقام الواصل وقال أبو القاسم القشيري التوكل محله الطب وأما الحركة الظاهرة فلا تنافيه إذا تحقق العبد أن الكل من قبل الله فان تيسر شيء فبتيسيره وان تعسر فبتقديره ومن الأدلة على مشروعية الاكتساب ما تقدم في البيوع من حديث أبي هريرة رفعه أفضل ما أكل الرجل من كسبه وكان داود يأكل من كسبه فقد قال تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم وقال تعالى وخذوا حذركم وأما قول القائل كيف تطلب مالا تعرف مكانه فجوابه أنه يفعل السببب المأمور به ويتوكل على الله فيما يخرج عن قدرته فيشق الأرض مثلا ويلقى الحب ويتوكل على الله في انباته وانزال الغيث له ويحصل السلعة مثلا وينقلها ويتوكل على الله في القاء الرغبة في قلب من يطلبها منه بل ربما كان التكسب واجبا كقادر على الكسب يحتاج عياله للنفقة فمتى ترك ذلك كان عاصيا وسلك الكرماني في الصفات المذكورة مسلك التأويل فقال قوله لا يكتوون معناه الا عند الضرورة مع اعتقاد أن الشفاء من الله لا من مجرد الكي وقوله ويسترقون معناه بالرقى التي ليست في القرآن والحديث الصحيح كرقى الجاهلية وما لا يؤمن ان يكون فيه شرك وقوله ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون بشيء فكأن المراد أنهم الذين يتركون أعمال الجاهلية في عقائدهم قال فان قيل ان المتصف بهذا أكثر من العدد المذكور فما وجه الحصر فية وأجاب باحتمال ان يكون المراد به التكثير لا خصوص العدد قلت الظاهر أن العدد المذكور على ظاهره فقد وقع في حديث أبي هريرة ثاني أحاديث الباب وصفهم بأنهم تضيء وجوهم اضاءة القمر ليلة البدر ومضى في بدء الخلق من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة رفعه أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء اضاءة وأخرجه مسلم من طرق عن أبي هريرة منها رواية أبي يونس وهمام عن أبي هريرة على صورة القمر وله من حديث جابر فتنجو أول زمرة وجوهم كالقمر ليلة البدر سبعون الفا لا يحاسبون وقد وقع في أحاديث أخرى أن مع السبعين الفا زيادة عليهم ففي حديث أبي هريرة عند أحمد والبيهقي في البعث من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سألت ربي فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي فذكر الحديث نحو سياق حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثاني أحاديث الباب وزاد فاستزدت ربي فزادني مع كل الف سبعين الفا وسنده جيد وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني وعن حذيفة عند أحمد وعن أنس عند البزار وعن ثوبان عند بن أبي عاصم فهذه طرق يقوى بعضها بعضا وجاء في أحاديث أخرى أكثر من ذلك فأخرج الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث أبي امامة رفعه وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا مع كل الف سبعين الفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي وفي صحيح بن حبان أيضا والطبراني بسند جيد من حديث عتبة بن عبد نحوه بلفظ ثم يشفع كل الف في سبعين الفا ثم يحثى ربي ثلاث حثيات بكفيه وفيه فكبر عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان السبعين الفا يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم واني لأرجو ان يكون أدنى أمتي الحثيات وأخرجه الحافظ الضياء وقال لا اعلم له علة قلت علته الاختلاف في سنده فان الطبراني أخرجه من رواية أبي سلام حدثني عامر بن زيد انه سمع عتبة ثم أخرجه من طريق أبي سلام أيضا فقال حدثني عبد الله بن عامر ان قيس بن الحارث حدثه ان أبا سعيد الأنماري حدثه فذكره وزاد قال قيس فقلت لأبي سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يستوعب مهاجري أمتي ويوفى الله بقيتهم من اعرابنا وفي رواية لابن أبي عاصم قال أبو سعيد فحسبنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ أربعة آلاف الف وتسعمائة الف يعني من عدا الحثيات وقد وقع عند أحمد والطبراني من حديث أبي أيوب نحو حديث عتبة بن عبد وزاد والخبيئة بمعجمة ثم موحدة وهمزة وزن عظيمة عند ربي وورد من وجه آخر ما يزيد على العدد الذي حسبه أبو سعيد الأنماري فعند أحمد وأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه بلفظ أعطاني مع كل واحد من السبعين الفا سبعين الفا وفي سنده راويان أحدهما ضعيف الحفظ والاخر لم يسم واخرج البيهقي في البعث من حديث عمرو بن حزم مثله وفيه راو ضعيف أيضا واختلف في سنده وفي سياق متنه وعند البزار من حديث أنس بسند ضعيف نحوه وعند الكلاباذي في معاني الاخبار بسند واه من حديث عائشة فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاتبعته فإذا هو في مشربة يصلي فرأيت على رأسه ثلاثة أنوار فلما قضى صلاته قال رأيت الأنوار قلت نعم قال ان آتيا أتاني من ربي فبشرني ان الله يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني فبشرني ان الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين الفا سبعين الفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني فبشرني ان الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين الفا المضاعفة سبعين الفا بغير حساب ولا عذاب فقلت يا رب لا يبلغ هذا أمتي قال اكملهم لك من الاعراب ممن لا يصوم ولا يصلي قال الكلاباذي المراد بالأمة أولا امة الإجابة وبقوله آخرا أمتي امة الاتباع فان أمته صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام أحدها أخص من الاخر أمة الاتباع ثم أمة الإجابة ثم أمة الدعوة فالأولى أهل العمل الصالح والثانية مطلق المسلمين والثالثة من عداهم ممن بعث إليهم ويمكن الجمع بأن القدر الزائد على الذي قبله هو مقدار الحثيات فقد وقع عند أحمد من رواية قتادة عن النضر بن أنس أو غيره عن أنس رفعه ان الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة الف فقال أبو بكر زدنا يا رسول الله فقال هكذا وجمع كفيه فقال زدنا فقال وهكذا فقال عمر حسبك ان الله ان شاء ادخل خلقه الجنة بكف واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر وسنده جيد لكن اختلف على قتادة في سنده اختلافا كثيرا قوله فقام اليه عكاشة بضم المهملة وتشديد الكاف ويجوز تخفيفها يقال عكش الشعر ويعكش إذا التوى حكاه القرطبي وحكى السهيلي أنه من عكش القوم إذا حمل عليهم وقيل العكاشة بالتخفيف العنكبوت ويقال أيضا لبيت النمل ومحصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون آخره هو بن حرثان بضم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة من بني أسد بن خزيمة ومن حلفاء بني أمية كان عكاشة من السابقين الى الإسلام وكان من أجمل الرجال وكنيته أبو محصن وهاجر وشهد بدرا وقاتل فيها قال بن إسحاق بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير فارس في العرب عكاشة وقال أيضا قاتل يوم بدر قتالا شديدا حتى انقطع سيفه في يده فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزلا من حطب فقال قاتل بهذا فقاتل به فصار في يده سيفا طويلا شديد المتن أبيض فقاتل به حتى فتح الله فكان ذلك السيف عنده حتى استشهد في قتال الردة مع خالد بن الوليد سنة اثنتي عشرة قوله فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعله منهم في حديث أبي هريرة ثاني أحاديث الباب مثله وعند البيهقي من طريق محمد بن زياد عنه وساق مسلم سنده قال فدعا ووقع في رواية حصين بن نمير ومحمد بن فضيل قال امنهم انا يا رسول الله قال له نعم ويجمع بأنه سأل الدعاء اولا فدعا له ثم استفهم قيل اجبت قوله ثم قام اليه رجل آخر وقع فيه من الاختلاف هل قال ادع لي أو قال امنهم أنا كما وقع في الذي قبله ووقع في حديث أبي هريرة الذي بعده رجل من الأنصار وجاء من طريق واهية أنه سعد بن عبادة أخرجه الخطيب في المبهمات من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر البخاري أحد الضعفاء من طريقين له عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من غزاة بني المصطلق فساق قصة طويلة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون صفا منها أمتي وأربعون صفا سائر الأمم ولى مع هؤلاء سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب قيل من هم فذكر الحديث وفيه فقال اللهم اجعل عكاشة منهم قال فاستشهد بعد ذلك ثم قام سعد بن عبادة الأنصاري فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم الحديث وهذا مع ضعفه وارساله يستبعد من جهة جلالة سعد بن عبادة فإن كان محفوظا فلعله آخر باسم سيد الخزرج واسم أبيه ونسبته فان في الصحابة كذلك آخر له في مسند بقي بن مخلد حديث وفي الصحابة سعد بن عمارة الأنصاري فلعل اسم أبيه تحرف قوله سبقك بها عكاشة اتفق جمهور الرواة على ذلك الا ما وقع عند بن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى من حديث أبي سعيد فزاد فقام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم وقال في آخره سبقك بها عكاشة وصاحبه أما لو قلتم لقلت ولو قلت لوجبت وفي سنده عطية وهو ضعيف وقد اختلفت أجوبة العلماء في الحكمة في قوله سبقك بها عكاشة فأخرج بن الجوزي في كشف المشكل من طريق أبي عمرالزاهد أنه سأل أبا العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب عن ذلك فقال كان منافقا وكذا نقله الدارقطني عن القاضي أبي العباس البرتي بكسر الموحدة وسكون الراء بعدها مثناة فقال كان الثاني منافقا وكان صلى الله عليه وسلم لا يسأل في شيء الا أعطاه فأجابه بذلك ونقل بن عبد البر عن بعض أهل العلم نحو قول ثعلب وقال بن ناصر قول ثعلب أولى من رواية مجاهد لأن سندها واه واستبعد السهيلي قول ثعلب بما وقع في مسند البزار من وجه اخر عن أبي هريرة فقام رجل من خيار المهاجرين وسنده ضعيف جدا مع كونه مخالفا لرواية الصحيح أنه من الأنصار وقال بن بطال معنى قوله سبقك أي الى احراز هذه الصفات وهي التوكل وعدم التطير وما ذكر معه عدل عن قوله لست منهم أو لست على اخلاقهم تلطفا بأصحابه صلى الله عليه وسلم وحسن أدبه معهم وقال بن الجوزي يظهر لي أن الأول سأل عن صدق قلب فأجيب وأما الثاني فيحتمل أن يكون أريد به حسم المادة فلو قال للثاني نعم لأوشك أن يقوم ثالث ورابع إلى ما لا نهاية له وليس كل الناس يصلح لذلك وقال القرطبي لم يكن عند الثاني من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجب إذ لو اجابه لجاز أن يطلب ذلك كل من كان حاضرا فيتسلسل فسد الباب بقوله ذلك وهذا أولى من قول من قال كان منافقا لوجهين أحدهما ان الأصل في الصحابة عدم النفاق فلا يثبت ما يخالف ذلك الا بنقل صحيح والثاني أنه قل أن يصدر مثل هذا السؤال الا عن قصد صحيح ويقين بتصديق الرسول وكيف يصدر ذلك من منافق والى هذا جنح بن تيمية وصحح النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أنه يجاب في عكاشة ولم يقع ذلك في حق الاخر وقال السهيلي الذي عندي في هذا أنها كانت ساعة إجابة علمها صلى الله عليه وسلم واتفق ان الرجل قال بعد ما انقضت ويبينه ما وقع في حديث أبي سعيد ثم جلسوا ساعة يتحدثون وفي رواية بن إسحاق بعد قوله سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة أي انقضى وقتها قلت فتحصل لنا من كلام هؤلاء الأئمة على خمسة أجوبة والعلم عند الله تعالى ثم وجدت لقول ثعلب ومن وافقه مستندا وهو ما أخرجه الطبراني ومحمد بن سنجر في مسنده وعمر بن شيبة في أخبار المدينة من طريق نافع مولى حمنة عن أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة انها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم الى البقيع فقال يحشر من هذه المقبرة سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر فقام رجل فقال يا رسول الله وأنا قال وأنت فقام آخر فقال أنا قال سبقك بها عكاشة قال قلت لها لم لم يقل للآخر فقالت أراه كان منافقا فان كان هذا أصل ما جزم به من قال كان منافقا فلا يدفع تأويل غيره إذ ليس فيه الا الظن الحديث الثاني

[ 6176 ] قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد الأيلي وقد أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن وهب عن يونس لكن معاذ بن أسد شيخ البخاري فيه معروف بالرواية عن بن المبارك لا عن بن وهب وقد أخرجه مسلم من وجهين آخرين عن أبي هريرة قوله يدخل الجنة من أمتي زمرة بضم الزاي وسكون الميم هي الجماعة إذا كان بعضهم اثر بعض قوله سبعون الفا تقدم شرحه مستوفي في الذي قبله وعرف من مجموع الطرق التي ذكرتها أن أول من يدخل الجنة من هذه الأمة هؤلاء السبعون الذين بالصفة المذكورة ومعنى المعية في قوله في الروايات الماضية مع كل الف سبعون الفا أو مع كل واحد منهم سبعون الفا يحتمل أن يدخلوا بدخولهم تبعا لهم وان لم يكن لهم مثل اعمالهم كما مضى حديث المرء مع من احب ويحتمل أن يراد بالمعية مجرد دخولهم الجنة بغير حساب وان دخولها في الزمرة الثانية أو ما بعدها وهذه أولى وقد اخرج الحاكم والبيهقي في البعث من طريق جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جابر رفعه من زادت حسناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب وفي التقييد بقوله أمتي إخراج غير الأمة المحمدية من العدد المذكور وليس فيه نفي دخول أحد من غير هذه الأمة على الصفة المذكورة من شبه القمر ومن الاولية وغير ذلك كالأنبياء ومن شاء الله من الشهداء والصديقين والصالحين وان ثبت حديث أم قيس ففيه تخصيص اخر بمن يدفن في البقيع من هذه الأمة وهي مزية عظيمة لأهل المدينة والله اعلم قوله تضيء وجوهم اضاءة القمر ليلة البدر في رواية لمسلم على صورة القمر قال القرطبي المراد بالصورة الصفة يعني انهم في اشراق وجوهم على صفة القمر ليلة تمامه وهي ليلة أربعة عشر ويؤخذ منه أن أنوار أهل الجنة تتفاوت بحسب درجاتهم قلت وكذا صفاتهم في الجمال ونحوه قوله يرفع نمرة عليه بفتح النون وكسرالميم هي كساء من صوف كالشملة مخططة بسواد وبياض يلبسها الاعراب الحديث الثالث

[ 6177 ] قوله أبو غسان بغين معجمة ثم مهملة ثقيلة أبو حازم هو سلمة بن دينار قوله ليدخلن الجنة من أمتي سبعون الفا أو سبعمائة الف شك في أحدهما في رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد عن أبي حازم لا يدري أبو حازم أيهما قال قوله متماسكين بالنصب على الحال وفي رواية مسلم متماسكون بالرفع على الصفة قال النووي كذا في معظم النسخ وفي بعضها بالنصب وكلاهما صحيح قوله آخذ بعضهم ببعض في رواية مسلم بعضهم بعضا قوله حتى يدخل أولهم وآخرهم هو غاية للتماسك المذكور والأخذ بالأيدي وفي رواية فضيل بن سليمان الماضية في بدء الخلق لا يدخل اولهم حتى يدخل اخرهم وهذا ظاهره يستلزم الدور وليس كذلك بل المراد أنهم يدخلون صفا واحدا فيدخل الجميع دفعة واحدة ووصفهم بالأولية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها على الصراط وفي ذلك إشارة الى سعة الباب الذي يدخلون منه الجنة قال عياض يحتمل أن يكون معنى كونهم متماسكين انهم على صفة الوقار فلا يسابق بعضهم بعضا بل يكون دخولهم جميعا وقال النووي معناه أنهم يدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم بجنب بعض تنبيه هذه الأحاديث تخص عموم الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي برزة الأسلمي رفعه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم انفقه وله شاهد عن بن مسعود عند الترمذي وعن معاذ بن جبل عند الطبراني قال القرطبي عموم الحديث واضح لأنه نكرة في سياق النفي لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب وبمن يدخل النار من أول وهلة على ما دل عليه قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم الآية قلت وفي سياق حديث أبي برزة إشارة الى الخصوص وذلك أنه ليس كل أحد عنده علم يسأل عنه وكذا المال فهو مخصوص بمن له علم وبمن له مال دون من لا مال له ومن لا علم له واما السؤال عن الجسد والعمر فعام ويخص من المسئولين من ذكر والله اعلم الحديث الرابع

[ 6178 ] قوله يعقوب بن إبراهيم أي بن سعد وصالح هو بن كيسان قوله يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار في رواية محمد بن زيد عن بن عمر في الباب الذي بعده إذا صار أهل الجنة الى الجنة وأهل النار الى النار اتى بالموت ووقع مثله في طريق أخرى عن أبي هريرة ولفظه عند الترمذي من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بعد ذكر الجواز على الصراط فإذا ادخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار اتى بالموت ملببا وهو بموحدتين قوله ثم يقوم مؤذن بينهم في رواية محمد بن زيد قبل هذا قصة ذبح الموت ولفظه ثم جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى مناد لم اقف على اسم هذا المنادي قوله يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت خلود أما قوله لا موت فهو بفتح المثناة فيهما وأما قوله في آخره خلود فهكذا وقع في رواية علي بن عبد الله عن يعقوب وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب وغير واحد عن يعقوب بتقديم نداء أهل الجنة ولم يقل لا موت فيهما بل قال كل خالد فيما هو فيه وكذا هو عند الإسماعيلي من طريق إسحاق بن منصور عن يعقوب وضبط خلود في البخاري بالرفع والتنوين أي هذا الحال مستمر ويحتمل أن يكون جمع خالد أي أنتم خالدون في الجنة الحديث الخامس حديث أبي هريرة

[ 6179 ] قوله يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة سقط لغير الكشميهني قوله يا أهل الجنة وثبت للجميع في مقابله يا أهل النار قوله لا موت زاد الإسماعيلي في روايته لا موت فيه وسيأتي في ثالث أحاديث الباب الذي يليه ان ذلك يقال للفريقين عند ذبح الموت وثبت ذلك عند الترمذي من وجه آخر عن أبي هريرة تنبيه مناسبة هذا الحديث والذي قبله لترجمة دخول الجنة بغير حساب الإشارة الى أن كل من يدخل الجنة يخلد فيها فيكون للسابق الى الدخول مزية على غيره والله اعلم

قوله باب صفة الجنة والنار تقدم هذا في بدء الخلق في ترجمتين ووقع في كل منهما وانها مخلوقة وأورد فيهما أحاديث في تثبيت كونهما موجودتين وأحاديث في صفتهما أعاد بعضها في هذا الباب كما سأنبه عليه قوله وقال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت في رواية أبي ذر كبد الحوت وقد تقدم هذا الحديث مطولا في باب يقبض الله الأرض يوم القيامة وهو مذكور هنا بالمعنى وتقدم بلفظه في بدء الخلق لكن من حديث أنس في سؤال عبد الله بن سلام قوله عدن خلد عدنت بأرض اقمت تقدم هذا في تفسير براءة وانه من كلام أبي عبيدة وقال الراغب معنى قوله جنات عدن أي الاستقرار وعدن بمكان كذا إذا استقر به ومنه المعدن لكونه مستقر الجواهر قوله في مقعد صدق في منبت صدق كذا لأبي ذر ولغيره في معدن بدل مقعد وهو الصواب وكأن سبب الوهم أنه لما رأى ان الكلام في صفة الجنة وان من أو صافها مقعد صدق كما في آخر صورة القمر ظنه هنا كذلك وقد ذكره أبو عبيدة بلفظ معدن صدق وأنشد للاعشى قوله فان يستضيفوا الى حلمه يضافوا الى راجح قد عدن أي أقام واستقر نعم قوله مقعد صدق معناه مكان القعود وهو يرجع الى معنى المعدن ولمح المصنف هنا بأسماء الجنة وهي عشرة أو تزيد الفردوس وهو اعلاها ودار السلام ودار الخلد ودار المقامة وجنة المأوى والنعيم والمقام الأمين وعدن ومقعد صدق والحسنى وكلها في القرآن وقال تعالى وان الدار الآخرة لهي الحيوان فعد بعضهم في أسماء الجنة دار الحيوان وفيه نظر وذكر في الباب مع ذلك ثلاثة وعشرين حديثا الحديث الأول

[ 6180 ] قوله عن أبي رجاء هو العطاردي وعمران هو بن حصين والسند كله بصريون وقد تقدم الحديث بهذا السند في آخر باب كفران العشير في أواخر كتاب النكاح وتقدم في باب فضل الفقر بيان الاختلاف على أيوب عن أبي رجاء في صحابيه وتقدم بحث بن بطال فيما يتعلق به من فضل الفقر وقوله اطلعت بتشديد الطاء أي اشرفت وفي حديث أسامة بن زيد الذي بعده قمت على باب الجنة وظاهره أنه رأى ذلك ليلة الإسراء أو مناما وهو غير رؤيته النار وهو في صلاة الكسوف ووهم من وحدهما وقال الداودي رأى ذلك ليلة الإسراء أو حين خسفت الشمس كذا قال قوله فرأيت أكثر أهلها الفقراء في حديث أسامة فإذا عامة من دخلها المساكين وكل منهما يطلق على الاخر وقوله فإذا أكثر في حديث أسامة فإذا عامة من دخلها قوله بكفرهن أي بسبب كفرهن تقدم شرحه مستوفي في باب كفران العشير قال القرطبي انما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل الى عاجل زينة الدنيا والاعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن الحديث الثاني

[ 6181 ] قوله إسماعيل هو المعروف بابن علية وأبو عثمان هو النهدي وأسامة هو بن زيد بن حارثة الصحابي بن الصحابي قوله أصحاب الجد بفتح الجيم أي الغنى قوله محبوسون أي ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء من اجل المحاسبة على المال وكأن ذلك عند القنطرة التي يتقاصون فيها بعد الجواز على الصراط تنبيه سقط هذا الحديث والذي قبله من كثير من النسخ ومن مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم ولا ذكر المزي في الأطراف طريق عثمان بن الهيثم ولا الطريق مسدد في كتاب الرقاق وهما ثابتان في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة الحديث الثالث

[ 6182 ] قوله عبد الله هو بن المبارك وعمر بن محمد بن زيد أي بن عبد الله بن عمر قوله إذا صار أهل الجنة الى الجنة وأهل النار الى النار في رواية بن وهب عن عمران بن محمد عند مسلم وصار أهل النار الى النار قوله جيء بالموت تقدم في تفسير سورة مريم من حديث أبي سعيد يؤتى بالموت كهيئة كبش املح وذكر مقاتل والكلبي في تفسيرهما في قوله تعالى الذي خلق الموت والحياة قال خلق الموت في صورة كبش لا يمر على أحد الا مات وخلق الحياة على صورة فرس لا يمر على شيء الا حيي قال القرطبي الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة الى انهم حصل لهم الفداء له كما فدى ولد إبراهيم بالكبش وفي الاملح إشارة الى صفتي أهل الجنة والنار لان الاملح ما فيه بياض وسواد وقوله حتى يجعل بين الجنة والنار وقع للترمذي من حديث أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار قوله ثم يذبح لم يسم من ذبحه ونقل القرطبي عن بعض الصوفية ان الذي يذبحه يحيى بن زكريا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم إشارة الى دوام الحياة وعن بعض التصانيف انه جبريل قلت هو في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث الصور الطويل فقال فيه فيحيى الله تعالى ملك الموت وجبريل وميكائيل واسرافيل ويجعل الموت في صورة كبش املح فيذبح جبريل الكبش وهو الموت قوله ثم ينادي مناد لم اقف على تسميته وتقدم في الباب الذي قبله من وجه آخر عن بن عمر بلفظ ثم يقوم مؤذن بينهم وفي حديث أبي سعيد بعد قوله أملح فينادي مناد وظاهره ان الذبح يقع بعد النداء والذي هنا يقتضي أن النداء بعد الذبح ولا منافاة بينهما فان النداء الذي قبل الذبح للتنبيه على رؤية الكبش والذي بعد الذبح لتنبيه على اعدامه وأنه لا يعود قوله يا أهل الجنة لا موت زاد في الباب الماضي خلود ووقع في حديث أبي سعيد فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون ويظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم وكلهم قد رآه وعرفه وذكر في أهل النار مثله قال فيذبح ثم يقول أي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت الحديث وفي آخره ثم قرأ وأنذرهم يوم الحسرة الى اخر الآية وعند الترمذي في اخر حديث أبي سعيد فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو ان أحدا مات حزنا لمات أهل النار وقوله فيشرئبون بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح الراء بعدها تحتانية مهموزة ثم موحدة ثقيلة أي يمدون اعناقهم ويرفعون رءوسهم للنظر ووقع عند بن ماجة وفي صحيح بن حبان من وجه اخر عن أبي هريرة فيوقف على الصراط فيقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ان يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين ان يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه وفي آخره ثم يقال للفريقين كلاهما خلود فيما تجدون لا موت فيه ابدا وفي رواية الترمذي فيقال لأهل الجنة وأهل النار هل تعرفون هذا فيقولون قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور قال القاضي أبو بكر بن العربي استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لأن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح فانكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة وقالت طائفة بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم قلت وارتضى هذا بعض المتأخرين وحمل قوله هو الموت الذي وكل بنا على أن المراد به ملك الموت لأنه هو الذي وكل بهم في الدنيا كما قال تعالى في سورة الم السجدة واستشهد له من حيث المعنى بأن ملك الموت لو استمر حيا لنغص عيش أهل الجنة وأيده بقوله في حديث الباب فيزداد أهل الجنة فرحا الى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا الى حزنهم وتعقب بأن الجنة لا حزن فيها البتة وما وقع في رواية بن حبان انهم يطلعون خائفين انما هو توهم لا يستقر ولا يلزم من زيادة الفرح ثبوت الحزن بل التعبير بالزيادة إشارة الى أن الفرح لم يزل كما أن أهل النار يزداد حزنهم ولم يكن عندهم فرح الا مجرد التوهم الذي لم يستقر وقد تقدم في باب نفخ الصور عند نقل الخلاف في المراد بالمستثنى في قوله تعالى فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله قول من زعم ان ملك الموت منهم ووقع عند علي بن معبد من حديث أنس ثم يأتي ملك الموت فيقول رب بقيت أنت الحي القيوم الذي لا يموت وبقيت انا فيقول أنت خلق من خلقي فمت ثم لا تحيا فيموت واخرج بن أبي الدنيا من طريق محمد بن كعب القرظي قال بلغني ان آخر من يموت من الخلائق ملك الموت فيقال له يا ملك الموت مت موتا لا تحيا بعده ابدا فهذا لو كان ثابتا لكان حجة في الرد على من زعم انه الذي يذبح لكونه مات قبل ذلك موتا لا حياة بعده لكنه لم يثبت وقال المازري الموت عندنا عرض من الاعراض وعند المعتزلة ليس بمعنى وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشا ولا جسما وأن المراد بهذا التمثيل والتشبيه ثم قال وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا لأن الموت لا يطرأ على أهل الجنة وقال القرطبي في التذكرة الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهرا وانما يخلق الله اشخاصا من ثواب الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين وقال غيره لا مانع ان ينشىء الله من الاعراض اجسادا يجعلها مادة لها كما ثبت في صحيح مسلم في حديث ان البقرة آل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث قال القرطبي وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا الى غاية امد واقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة كما قال تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وقال تعالى كلما أرادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها قال فمن زعم انهم يخرجون منها وانها تبقى خالية أو انها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول واجمع عليه أهل السنة قلت جمع بعض المتأخرين في هذه المسألة سبعة أقوال أحدها هذا الذي نقل فيه الإجماع والثاني يعذبون فيها الى ان تنقلب طبيعتهم فتصير نارية حتى يتلذذوا بها لموافقة طبعهم وهذا قول بعض من ينسب الى التصوف من الزنادقة والثالث يدخلها قوم ويخلفهم آخرون كما ثبت في الصحيح عن اليهود وقد اكذبهم الله تعالى بقوله وما هم بخارجين من النار والرابع يخرجون منها وتستمر هي على حالها الخامس تفنى لأنها حادثة وكل حادث يفني وهو قول الجهمية والسادس تفنى حركاتهم البتة وهو قول أبي الهذيل العلاف من المعتزلة والسابع يزول عذابها ويخرج أهلها منها جاء ذلك عن بعض الصحابة أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من رواية الحسن عن عمر قوله وهو منقطع ولفظه لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه وعن بن مسعود ليأتين عليها زمان ليس فيها أحد قال عبيد الله بن معاذ راويه كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين قلت وهذا الأثر عن عمر لو ثبت حمل علي الموحدين وقد مال بعض المتأخرين الى هذا القول السابع ونصره بعدة أوجه من جهة النظر وهو مذهب رديء مردود على قائله وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد الحديث الرابع

[ 6183 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله عن زيد بن أسلم كذا في جميع الروايات عن مالك بالعنعنة قوله ان الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة في رواية الحبيبي عند مالك عن الإسماعيلي يطلع الله على أهل الجنة فيقول قوله فيقولون في رواية أبي ذر عن السمتملي يقولون بحذف الفاء قوله وسعديك زاد سعيد بن داود وعبد العزيز بن يحيى كلاهما عن مالك عند الدارقطني في الغرائب والخير في يديك قوله فيقول هل رضيتم في حديث جابر عند البزار وصححه بن حبان هل تشتهون شيئا قوله ومالنا لا نرضى وقد اعطيتنا في حديث جابر وهل شيء أفضل مما اعطيتنا قوله أنا اعطيكم أفضل من ذلك في رواية بن وهب عن مالك كما سيأتي في التوحيد الا اعطيكم قوله أحل بضم أوله وكسر المهملة أي انزل قوله رضواني بكسر أوله وضمه وفي حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى ورضوان من الله أكبر لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة وكل من علم ان سيده راض عنه كان أقر لعينه واطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث ان النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه تنبيهان الأول حديث أبي سعيد هذا كأنه مختصر من الحديث الطويل الماضي في تفسير سورة النساء من طريق حفص بن ميسرة والاتي في التوحيد من طريق سعيد بن أبي هلال كلاهما عن زيد بن اسلم بهذا السند في صفة الجواز على الصراط وفيه قصة الذين يخرجون من النار وفي آخره أنه يقال لهم نحو هذا الكلام لكن إذا ثبت ان ذلك يقال لهؤلاء لكونهم من أهل الجنة فهو للسابقين بطريق الأولى الثاني هذا الخطاب غير الخطاب الذي لأهل الجنة كلهم وهو فيما أخرجه مسلم وأحمد من حديث صهيب رفعه إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة ان لكم موعدا عند الله يريد أن ينجزكموه الحديث وفيه فيكشف الحجاب فينظرون اليه وفيه فوالله ما اعطاهم الله شيئا احب إليهم من النظر اليه وله شاهد عند بن المبارك في الزهد من حديث أبي موسى من قوله وأخرجه بن أبي حاتم من حديثه مرفوعا باختصار الحديث الخامس

[ 6184 ] قوله عبد الله بن محمد هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي يعرف بابن الكرماني وهو من شيوخ البخاري وقد اخرج عنه بغير واسطة كما في كتاب الجمعة وبواسطة كالذي هنا وقد تقدم بسنده ومننه في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي قوله اصيب حارثة بمهملة ومثلثة هو بن سراقة بن الحارث الأنصاري له ولأبويه صحبة وأمه هي الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس وقد ذكرت الاختلاف في اسمها في باب من أتاه سهم غرب من كتاب الجهاد وذكرت شرح الحديث في غزوة بدر وقولها هنا وان تكن الأخرى تر ما اصنع كذا للكشميهني بالجزم جواب الشرط ولغيره ترى بالاشباع أو بحذف شيء تقديره سوف كما في الرواية الآتية في آخر هذا الباب والا سوف ترى والمعنى وان لم يكن في الجنة صنعت شيئا من صنيع أهل الحزن مشهورا يراه كل أحد قوله وانه لفي جنة الفردوس كذا للأكثر وحذف الكشميهني في روايته اللام وقع في الرواية الآتية الفردوس الأعلى قال أبو إسحاق الزجاج الفردوس من الأودية ما ينبت ضروبا من النبات وقال بن الأنباري وغيره بستان فيه كروم وثمرة وغيرها ويذكر ويؤنث وقال الفراء هو عربي مشتق من الفردسة وهي السعة وقيل رومي نقلته العرب وقال غيره سرياني والمراد به هنا مكان من الجنة من أفضلها الحديث السادس

[ 6185 ] قوله الفضل بن موسى هو السيناني بكسر المهملة وسكون التحتانية ونونين المروزي قوله أخبرنا الفضيل بالتصغير كذا للأكثر غير منسوب ونسبه بن السكن في روايته فقال الفضيل بن غزوان وهو المعتمد ونسبه أبو الحسن القابس في روايته عن أبي زيد المروزي فقال الفضيل بن عياض ورده أبو علي الجياني فقال لا رواية للفضيل بن عياض في البخاري الا في موضعين من كتاب التوحيد ولا رواية له عن أبي حازم راوي هذا الحديث ولا أدركه وهو كما قال وقد اخرج مسلم هذا الحديث من رواية محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه بسنده ولكن لم يرفعه وهو عند الإسماعيلي من هذا الوجه وقال رفعه وهو يؤيد مقالة أبي علي الجياني قوله منكبي الكافر بكسر الكاف تثنية منكب وهو مجتمع العضد والكتف قوله مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع في رواية يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى بسند البخاري فيه خمسة أيام أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عنه وفي حديث بن عمر عند أحمد من رواية مجاهد عنه مرفوعا يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة اذن أحدهم الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وللبيهقي في البعث من وجه اخر عن مجاهد عن بن عباس مسيرة سبعين خريفا ولابن المبارك في الزهد عن أبي هريرة قال ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعظمون لتمتلىء منهم وليذوقوا العذاب وسنده صحيح ولم يصرح برفعه لكن له حكم الرفع لأنه لا مجال للرأي فيه وقد اخرج أوله مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا وزاد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام وأخرجه البزار من وجه ثالث عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ غلظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار وأخرجه البيهقي وقال أراد بذلك التهويل يعني بلفظ الجيار قال ويحتمل ان يريد جبارا من الجبابرة إشارة الى عزم الذراع وجزم بن حبان لما أخرجه في صحيحه بأن الجبار ملك كان باليمن وفي مرسل عبيد بن عمير عند بن المبارك في الزهد بسند صحيح وكثافة جلده سبعون ذراعا وهذا يؤيد الاحتمال الأول لأن السبعين تطلق للمبالغة وللبيهقي من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة وفخذه مثل ورقان ومقعده مثل ما بين المدينة والربذة وأخرجه الترمذي ولفظه بين مكة والمدينة وورقان بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف جبل معروف بالحجاز والربذة تقدم ضبطها قريبا في حديث أبي ذر وكأن اختلاف هذه المقادير محمول على اختلاف تعذيب الكفار في النار وقال القرطبي في المفهم انما عظم خلق الكافر في النار ليعظم عذابه ويضاعف ألمه ثم قال وهذا انما هو في حق البعض بدليل الحديث الاخر ان المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يساقون الى سجن في جهنم يقال له بولس قال ولا شك في أن الكفار متفاوتون في العذاب كما علم من الكتاب والسنة ولأنه نعلم على القطع ان عذاب من قتل الأنبياء وفتك في المسلمين وأفسد في الأرض ليس مساويا لعذاب من كفر فقط واحسن معاملة المسلمين مثلا قلت اما الحديث المذكور فأخرجه الترمذي والنسائي بسند جيد عن عمرو بن شعيب على أبيه عن جده ولا حجة فيه لمدعاه لأن ذلك انما هو في أول الأمر عند الحشر وأما الأحاديث الأخرى فمحمولة على ما بعد الاستقرار في النار وأما ما أخرجه الترمذي من حديث بن عمر رفعه ان الكافر ليسحب لسانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس فسنده ضعيف وأما تفاوت الكفار في العذاب فلا شك فيه ويدل عليه قوله تعالى ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار وتقدم قريبا الحديث في أهون أهل النار عذابا الحديث السابع

[ 6186 ] قوله وقال إسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه كذا في جميع النسخ وأطلق المزي تبعا لأبي مسعود أن البخاري ومسلما أخرجاه جميعا عن إسحاق بن راهويه مع ان لفظ مسلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وهو بن راهويه وليس من رأى المزي التسوية بين حدثنا و قال بل ولا قال لي وقال لنا بل يعلم على مثل ذلك كله علامة التعليق بخلاف حدثنا قوله أنبأنا المغيرة بن سلمة في رواية مسلم أنبأنا المخزومي قلت وهو المغيرة المذكور وكنيته أبو هشام وهو مشهور بكنيته وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وقال حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي قوله عن أبي حازم هو سلمة بن دينار بخلاف المذكور في الحديث الذي قبله فهو سلمان الأشجعي وهما مدنيان تابعيان ثقتان لكن سلمة أصغر من سلمان قوله لا يقطعها أي لا تنتهي الى اخر ما يميل من اغصانها قوله قال أبو حازم هو موصول بالسند المذكور والنعمان بن أبي عياش بتحتانية ثم معجمة هو الزرقي ووقع منسوبا في رواية مسلم وهو أيضا مدني تابعي ثقة يكنى أبا سلمة وهو أكبر من الراوي عنه قوله أخبرني أبو سعيد في رواية مسلم حدثني قوله الجواد بفتح الجيم وتخفيف الواو هو الفرس يقال جاد الفرس إذا صار فائقا والجمع جياد وأجواد وسيجيء في صفة المرور على الصراط اجاويد الخيل وهو جمع الجمع قوله أو المضمر بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم تقدم تفسيره في كتاب الجهاد وقوله السريع أي في جريه وقع في رواية بن وهب من وجه آخر عند الإسماعيلي الجواد السريع ولم يشك وفي رواية مسلم الجواد المضمر السريع بحذف أو والجواد في روايتنا بالرفع وكذا ما بعده على ان الثلاثة صفة للراكب وضبط في صحيح مسلم بنصب الثلاثة على المفعولية وقد تقدم هذا المتن في بدء الخلق من حديث أبي هريرة ومن حديث أنس بلفظ يسير الراكب وزاد في آخر حديث أبي هريرة واقرؤوا ان شئتم وظل ممدود والمراد بالظل الراحة والنعيم والجهة كما يقال عز ظليل وأنا في ظلك أي كنفك وقال الراغب الظل أعم من الفيء فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ولكل موضع لا تصل اليه الشمس ولا يقال الفيء الا لما زالت عنه الشمس قال ويعبر بالظل عن العز والمنعة والرفاهية والحراسة ويقال عن غضارة العيش ظل ظليل قلت وقع التعبير في هذا الحديث بلفظ الفيء في حديث أسماء بنت يزيد عند الترمذي ولفظها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكر سدرة المنتهى يسير الراكب في ظل الفيء منها مائة سنة أو يستظل بظلها الراكب مائة سنة ويستفاد منه تعيين الشجرة المذكورة في حديث الباب وأخرج أحمد وصححه بن حبان من حديث أبي سعيد رفعه شجرة طوبى مائة سنة وفي حديث عقبة بن عبد السلمي في عظم أصل شجرة طوبى لو ارتحلت جذعة ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما أخرجه بن حبان في صحيحه والترقوة بفتح المثناة وسكون الراء بعدها قاف مضومة واو مفتوحة هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق والجمع تراق ولكل شخص ترقوتان وقد تقدم بعض هذا في صفة الجنة من بدء الخلق الحديث الثمن الحديث التاسع

[ 6188 ] قوله عبد الله بن مسلمة هو القعنبي وعبد العزيز هو بن أبي حازم المذكور قبل وسهل هو بن سعد قوله عبد العزيز هو بن أبي حازم قوله عن أبي حازم هو أبوه واسمه سلمة بن دينار المذكور قبل ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج من طريق محمد بن أبي يعقوب حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه وتقدم شرح المتن مستوفي في الباب الذي قبله قوله الغرف بضم المعجمة وفتح الراء جمع غرفة بضم أوله وبفتحه جاء في صفتها من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا ان في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها أخرجه الترمذي وابن حبان وللطبراني وصححه الحاكم من حديث بن عمر نحوه وتقدم في صفة الجنة من بدء الخلق الإشارة الى مثله من حديث علي وعند البيهقي نحوه من حديث جابر وزاد من أصناف الجوهر كله قوله الكوكب زاد في رواية الإسماعيلي الدري قوله قال أبي القائل هو عبد العزيز قوله أشهد لسمعت اللام جواب قسم محذوف وأبو سعيد هو الخدري قوله يحدث في رواية الكشميهني يحدثه أي يحدث الحديث يقال حدثت كذا وحدثت بكذا قوله الغارب في رواية الكشميهني الغابر بتقديم الموحدة على الراء وضبطه بعضهم بتحتانية مهموزة قبل الراء قال الطيبي شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء النائي في جانب المشرق والمغرب في الاستضاءة مع البعد ومن رواه الغائر من الغور لم يصح لان الإشراق يفوت الا ان قدر المشرف على الغور والمعنى إذا كان طالعا في الأفق من المشرق وغائرا في المغرب وفائدة ذكر المشرق والمغرب بيان الرفعة وشدة البعد وقد تقدم حديث الباب بأتم من هذا السياق في بدء الخلق من حديث أبي سعيد وتقدم شرحه هناك ووقع في رواية أيوب بن سويد عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد فيه شيء مدرج بينته هناك وحكم الدارقطني عليه بالوهم وأما بن حبان فاغتر بثقة أيوب عنده فأخرجه في صحيحه وهو معلول بما نبه عليه الدارقطني واستدل به على تفوات درجات أهل الجنة وقد قسموا في سورة الواقعة الى السابقين وأصحاب اليمين فالقسم الأول هم من ذكر في قوله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية ومن عداهم أصحاب اليمين وكل من الصنفين متفاوتون في الدرجات وفيه تعقب على من خص المقربين بالأنبياء والشهداء لقوله في آخر الحديث رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الحديث العاشر حديث أنس يقال لأهل النار الحديث الماضي في باب من نوقش الحساب وقد تقدم مشروحا الحديث الحادي عشر

[ 6190 ] قوله أبو النعمان هو محمد بن الفضل وحماد هو بن زيد وعمرو هو بن دينار وجابر هو بن عبد الله الأنصاري قوله يخرج من النار بالشفاعة كذا للأكثر من رواة البخاري بحذف الفاعل وثبت في رواية أبي ذر عن السرخسي عن الفريري يخرج قوم وكذا للبيهقي في البعث من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه وكذا لمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد ولفظه ان الله يخرج قوما من النار بالشفاعة وله من رواية سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابر مثله لكن قال ناس من النار فيدخلهم الجنة وعند سعيد بن منصور وابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو فيه سند آخر أخرجاه من رواية عمرو عن عبيد بن عمير فذكره مرسلا وزاد فقال له رجل يعني لعبيد بن عمير وكان الرجل يتهم برأي الخوارج ويقال له هارون أبو موسى يا أبا عاصم ما هذا الذي تحدثه به فقال إليك عني لو لم أسمعه من ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم أحدث به قلت وقد جاء بيان هذه القصة من وجه آخر أخرجه مسلم من طريق يزيد الفقير بفاء ثم قاف وزن عظيم ولقب بذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره لا انه ضد الغنى قال خرجنا في عصابة تريد أن تحج ثم نخرج على الناس فمررنا بالمدينة فإذا رجل يحدث وإذا هو قد ذكر الجهنميين فقلت له ما هذا الذي تحدثون به والله يقول انك من تدخل النار فقد اخزيته و كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها قال أتقرأ القرآن قلت نعم قال أسمعت بمقام محمد الذي يبعثه الله قلت نعم قال فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار بعد أن يكونوا فيها ثم نعت وضع الصراط ومد الناس عليه قال فرجعنا وقلنا أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما خرج منا غير رجل واحد وحاصله أن الخوارج الطائفة المشهورة المبتدعة كانوا ينكرون الشفاعة وكان الصحابة ينكرون انكارهم ويحدثون بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأخرج البيهقي في البعث من طريق شبيب بن أبي فضالة ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل انكم لتحدثوننا بأحاديث لا نجد لها في القرآن أصلا فغضب وذكر له ما معناه ان الحديث يفسر القرآن وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس قال من كذب بالشفاعة فلا نصيب له فيها وأخرج البيهقي في البعث من طريق يوسف بن مهران عن بن عباس خطب عمر فقال انه سيكون في هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بقوم يخرجون من النار ومن طريق أبي هلال عن قتادة قال قال أنس يخرج قوم من النار ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء يعني الخوارج قال بن بطال أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وغير ذلك من الآيات وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار وجاءت الأحاديث في اثبات الشفاعة المحمدية متواترة ودل عليها قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا والجمهور على ان قال المراد به الشفاعة وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع ولكنه أشار الى ما جاء على مجاهد وزيفه وقال الطبري قال أكثر أهل التأويل المقام المحمود هو الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم ليريحهم من كرب الموقف ثم اخرج عدة أحاديث في بعضها التصريح بذلك وفي بعضها مطلق الشفاعة فمنها حديث سلمان قال فيشفعه الله في أمته فهو المقام المحمود ومن طريق رشدين بن كريب عن أبيه عن بن عباس المقام المحمود الشفاعة ومن طريق داود بن يزيد الاودي عن أبيه عن أبي هريرة في قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال هي الشفاعة ومن حديث كعب بن مالك رفعه اكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ومن طريق يزيد بن زريع عن قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أول شافع وكان أهل العلم يقولون انه المقام المحمود ومن حديث أبي مسعود رفعه اني لاقوم يوم القيامة المقام المحمود إذا جيء بكم حفاة عراة وفيه ثم يكسوني ربي حلة فالبسها فأقوم عن يمين العرش مقاما لا يقومه أحد يغبطني به الاولون والاخرون ومن طريق بن أبي نجيح عن مجاهد المقام المحمود الشفاعة ومن طريق الحسن البصري مثله قال الطبري وقال ليث عن مجاهد في قوله تعالى مقاما محمودا يجلسه معه على عرشه ثم أسنده وقال الأول أولى على أن الثاني ليس بمدفوع لا من جهة النقل ولا من جهة النظر وقال بن عطية هو كذلك إذا حمل على ما يليق به وبالغ الواحدي في رد هذا القول وأما النقاش فنقل عن أبي داود صاحب السنن أنه قال من أنكر هذا فهو متهم وقد جاء عن بن مسعود عند الثعلبي وعن بن عباس عند أبي الشيخ وعن عبد الله بن سلام قال ان محمدا يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب أخرجه الطبري قلت فيحتمل أن تكون الإضافة إضافة تشريف وعلى ذلك يحمل ما جاء عن مجاهد وغيره والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة لكن الشافعة التي وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان الأول العامة في فصل القضاء والثاني الشفاعة في إخراج المذنبين من النار وحديث سلمان الذي ذكره الطبري أخرجه بن أبي شيبة أيضا وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وحديث كعب أخرجه بن حبان والحاكم وأصله في مسلم وحديث بن مسعود أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وجاء فيه أيضا عن أنس كما سيأتي في التوحيد وعن بن عمر كما مضى في الزكاة عن جابر عند الحاكم من رواية الزهري عن علي بن الحسين عنه واختلف فيه على الزهري فالمشهور عنه أنه من مرسل على علي بن الحسين كذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن علي عن رجال من أهل العلم أخرجه بن أبي حاتم وحديث جابر في ذلك عند مسلم من وجه اخر عنه وفيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بن مردويه وعنده أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص ولفظه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال هو الشفاعة وعن أبي سعيد عند الترمذي وابن ماجة وقال الماوردي في تفسيره اختلف في المقام المحمود على ثلاثة أقوال فذكر القولين الشفاعة والاجلاس والثالث اعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة قال القرطبي هذا لا يغاير القول الأول واثبت غيره رابعا وهو ما أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن أبي هلال أحد صغار التابعين انه بلغه ان المقام المحمود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع قلت وخامسا هو ما اقتضاه حديث حذيفة وهو ثناؤه على ربه وسيأتي سياقه في شرح الحديث السابع عشر ولكنه لا يغاير الأول أيضا وحكى القرطبي سادسا وهو ما اقتضاه حديث بن مسعود الذي أخرجه أحمد والنسائي والحاكم قال يشفع نبيكم رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه الحديث وهذا الحديث لم يصرح برفعه وقد ضعفه البخاري وقال المشهور قوله صلى الله عليه وسلم انا أول شافع قلت وعلى تقدير ثبوته فليس في شيء من طرقه التصريح بأنه المقام المحمود مع أنه لا يغاير حديث الشفاعة في المذنبين وجوز المحب الطبري سابعا وهو ما اقتضاه حديث كعب بن مالك الماضي ذكره فقال بعد أن أورده هذا يشعر بأن المقام المحمود غير الشفاعة ثم قال ويجوز أن تكون الإشارة بقوله فأقول الى المراجعة في الشفاعة قلت وهذا هو الذي يتجه ويمكن رد الأقوال كلها الى الشفاعة العامة فان اعطاءه لواء الحمد وثناءه على ربه وكلامه بين يديه وجلوسه على كرسيه وقيامه أقرب من جبريل كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك واختلف في فاعل الحمد من قوله مقاما محمودا فالأكثر على أن المراد به أهل الموقف وقيل النبي صلى الله عليه وسلم أي انه هو يحمد عاقبة ذلك المقام بتهجده في الليل والأول أرجح لما ثبت من حديث بن عمر الماضي في الزكاة بلفظ مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم ويجوز أن يحمل على أعم من ذلك أي مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات واستحسن هذا أبو حيان وايده بأنه نكرة فدل على أنه ليس المراد مقاما مخصوصا قال بن بطال سلم بعض المعتزلة وقوع الشفاعة لكن خصها بصاحب الكبيرة الذي تاب منها وبصاحب الصغيرة الذي مات مصرا عليها وتعقب بأن من قاعدتهم أن التائب من الذنب لا يعذب وان اجتناب الكبائر يكفر الصغائر فيلزم قائله ان يخالف أصله وأجيب بأنه لا مغايرة بين القولين إذ لا مانع من أن حصول ذلك للفريقين انما حصل بالشفاعة لكن يحتاج من قصرها على ذلك الى دليل التخصيص وقد تقدم في أول الدعوات الإشارة الى حديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ولم يخص بذلك من تاب وقال عياض اثبتت المعتزلة الشفاعة العامة في الاراحة من كرب الموقف وهي الخاصة بنبينا والشفاعة في رفع الدرجات وأنكرت ما عداهما قلت وفي تسليم المعتزلة الثانية نظر وقال النووي تبعا لعياض الشفاعة خمس في الاراحة من هول الموقف وفي إدخال قوم الجنة بغير حساب وفي إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب ان لا يعذبوا وفي إخراج من ادخل النار من العصاة وفي رفع الدرجات ودليل الأولى سيأتي التنبيه عليه في شرح الحديث السابع عشر ودليل الثانية قوله تعالى في جواب قوله صلى الله عليه وسلم أمتي أمتي ادخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم كذا قيل ويظهر لي أن دليله سؤاله صلى الله عليه وسلم الزيادة عي السبعين الفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في الباب الذي قبله ودليل الثالثة قوله في حديث حذيفة عند مسلم ونبيكم على الصراط يقول رب سلم وله شواهد سأذكرها في شرح الحديث السابع عشر ودليل الرابعة ذكرته فيه أيضا مبسوطا ودليل الخامسة قوله في حديث أنس عند مسلم أنا أول شفيع في الجنة كذا قاله بعض من لقيناه وقال وجه الدلالة منه انه جعل الجنة ظرفا لشفاعته قلت وفيه نظر لأني سأبين انها ظرف في شفاعته الأولى المختصة به والذي يطلب هنا أن يشفع لمن لم يبلغ عمله درجة عالية أن يبلغها بشفاعته وأشار النووي في الروضة الى أن هذه الشفاعة من خصائصه مع أنه لم يذكر مستندها وأشار عياض الى استدراك شفاعة سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب في العذاب كما سيأتي بيانه في شرح الحديث الرابع عشر وزاد بعضهم شفاعة سابعة وهي الشفاعة لأهل المدينة لحديث سعد رفعه لا يثبت على لأوائلها أحد الا كنت له شهيدا أو شفيعا أخرجه مسلم ولحديث أبي هريرة رفعه من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فاني اشفع لمن مات بها أخرجه الترمذي قلت وهذه غير واردة لان متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول ولو عد مثل ذلك لعد حديث عبد الملك بن عباد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أول من أشفع له أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف أخرجه البزار والطبراني واخرج الطبراني من حديث بن عمر رفعه أول من اشفع له أهل بيتي ثم الأقرب فالاقرب ثم سائر العرب ثم الأعاجم وذكر القزويني في العروة الوثقى شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تقصيرهم ولم يذكر مستندها ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة وزاد القرطبي انه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس وهذه أفردها النقاش بالذكر وهي واردة ودليلها يأتي في حديث الشفاعة الطويل وزاد النقاش أيضا شفاعته في أهل الكبائر من أمته وليست واردة لأنها تدخل في الثالثة أو الرابعة وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيآته ان يدخل الجنة ومستندها ما أخرجه الطبراني عن بن عباس قال السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يرحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلونها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم قريبا أن أرجح الأقوال في أصحاب الأعراف انهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وشفاعة أخرى وهي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ومستندها رواية الحسن عن أنس كما سيأتي بيانه في شرح الباب الذي يليه ولا يمنع من عدها قول الله تعالى له ليس ذلك إليك لان النفي يتعلق بمباشرة الإخراج والا فنفس الشفاعة منه قد صدرت وقبولها قد وقع وترتب عليها اثرها فالوارد على الخمسة أربعة وما عداها لا يرد كما ترد الشفاعة في التخفيف عن صاحبي القبرين وغير ذلك لكونه من جملة أحوال الدنيا قوله كأنهم الثعارير يمثلثة مفتوحة ثم مهملة واحدها ثعرور كعصفور قوله قلت وما الثعارير سقطت الواو لغير الكشميهني قوله قال الضغابيس بمعجمتين ثم موحدة بعدها مهملة اما الثعارير فقال بن الأعرابي هي قثاء صغار وقال أبو عبيدة مثله وزاد ويقال بالشين المعجمة بدل المثلثة وكأن هذا هو السبب في قول الراوي وكان عمرو ذهب فمه أي سقطت اسنانه فنطق بها ثاء مثلثة وهي شين معجمة وقيل هو نبت في أصول الثمام كالقطن ينبت في الرمل ينبسط عليه ولا يطول ووقع تشبيههم بالطراثيث في حديث حذيفة وهي بالمهملة ثم المثلثة هي الثمام بضم المثلثة وتخفيف الميم وقيل الثعرور الاقط الرطب وأغرب القابسي فقال هو الصدف الذي يخرج من البحر فيه الجوهر وكأنه اخذه من قوله في الرواية الأخرى كأنهم اللؤلؤ ولاحجة فيه لأن ألفاظ التشبيه تختلف والمقصود الوصف بالبياض والدقة وأما الضغابيس فقال الأصمعي شيء ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل وقيل ينبت في أصول الشجر وفي الاذحر يخرج قدر شبر في دقة الأصابع لا ورق له وفيه حموضة وفي غريب الحديث للحربي الضغبوس من شجرة على طول الأصبع وشبه به الرجل الضعيف وأغرب الداودي فقال هي طيور صغار فوق الذباب ولا مستند له فيما قال تنبيه هذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا وأما في أول خروجهم من النار فانهم يكونون كالفحم كما سيأتي في الحديث الذي بعده ووقع في حديث يزيد الفقير عن جابر عند مسلم فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا فيغتسلن فيخرجون كأنهم القراطيس البيض والمراد بعيدان السماسم ما ينبت فيه السمسم فإنه إذا جمع ورميت العيدان تصير سواد دقاقا وزعم بعضهم ان اللفظة محرفة وان الصواب الساسم بميم واحدة وهو خشب اسود والثابت في جميع طرق الحديث بإثبات الميمين وتوجيهه واضح قوله فقلت لعمرو القائل حماد قوله أبا محمد بحذف أداة النداء وثبت بلفظ يا أبا محمد في رواية الكشميهني وعمرو هو بن دينار وأراد الاستثبات في سماعه له من جابر وسماع جابر له ولعل سبب ذلك رواية عمرو له عن عبيد بن عمير مرسلا وقد حدث سفيان بن عيينة بالطريقين كما نبهت عليه الحديث الثاني عشر

[ 6191 ] قوله عن أنس سيأتي في التوحيد نحو هذا في الحديث الطويل في الشفاعة بلفظ حدثنا أنس وقوله سفع فتح المهملة وسكون الفاء ثم عين مهملة أي سواد فيه زرقة أو صفرة يقال سفعته النار إذا لفحته فغيرت لون بشرته وقد وقع في حديث أبي سعيد في الباب الذي يليه بلفظ قد امتحشوا ويأتي ضبطه وفي حديثه عند مسلم انهم يصيرون فحما وفي حديث جابر حمما ومعانيها متقاربة قوله فيسميهم أهل الجنة الجهنميين سيأتي في الثامن عشر من هذا الباب من حديث عمران بن حصين بلفظ يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين وثبتت هذه الزيادة في رواية حميد عن أنس عند المصنف في التوحيد وزاد جابر في حديثه فيكتب في رقابهم عتقاء الله فيسمون فيها الجهنميين أخرجه بن حبان والبيهقي وأصله في مسلم وللنسائي من رواية عمرو بن أبي عرمو عن أنس فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الله هؤلاء عتقاء الله وأخرجه مسلم من وجه اخر عن أبي سعيد وزاد فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم وفي حديث حذيفة عند البيهقي في البعث من وراية حماد بن أبي سليمان عن ربعى عنه يقال لهم الجهنميون فذكر لي أنهم استعفوا الله من ذلك الاسم فاعفاهم وزعم بعض الشراح ان هذه التسمية ليست تنقيصا لهم بل للاستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكرا كذا قال وسؤالهم اذهاب ذلك الاسم عنهم يخدش في ذلك الحديث الثالث عشر

[ 6192 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل ووهيب هو بن خالد وعمرو هو بن يحيى المازني وأبوه يحيى هو بن عمارة بن أبي حسن المازني قوله إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله تعالى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان فاخرجوه هكذا روى يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري اخر الحديث ولم يذكر أوله ورواه عطاء بن يسار عن أبي سعيد مطولا وأوله الرؤية وكشف الساق والعرض ونصب الصراط والمرور عليه وسقوط من يسقط وشفاعة المؤمنين في اخوانهم وقول الله اخرجوا من عرفتم صورته وفيه من في قلبه مثقال دينار وغير ذلك وفيه قول الله تعالى شفعت الملائكة والنبيون والمؤمنون ولم يبق الا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد صاروا حمما وقد ساق المصنف أكثره في تفسير سورة النساء وساقه بتمامه في كتاب التوحيد وسأذكر فوائده في شرح حديث الباب الذي يلي هذا مع الإشارة الى ما تضمنته هذه الطريق ان شاء الله تعالى وتقدمت لهذه الرواية طريق أخرى في كتاب الإيمان في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال وتقدم ما يتعلق بذلك هناك واستدل الغزالي بقوله من كان في قلبه على نجاة من أيقن بذلك وحال بينه وبين النطق به الموت وقال في حق من قدر على ذلك فأخر فمات يحتمل أن يكون امتناعه عن النطق بمنزلة امتناعه عن الصلاة فيكون غير مخلد في النار ويحتمل غير ذلك ورجح غيره الثاني فيحتاج الى تأويل قوله في قلبه فيقدر فيه محذوف تقديره منضما الى النطق به مع القدرة عليه الحديث الرابع عشر حديث النعمان بن بشير أورده من وجهين أحدهما أعلى من الاخر لكن في العالي عنعنة أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وفي النازل تصريحه بالسماع فانجبر ما فاته من العلو الحسي بالعلو المعنوي وإسرائيل في الطريقين هو بن يونس بن أبي إسحاق المذكور والنعمان هو بن بشير بن سعد الأنصاري ووقع مصرحا به في رواية مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار جميعا عن غندر ووقع في رواية يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق سمعت النعمان بن بشير الأنصاري يقول فذكر الحديث

[ 6193 ] قوله أهون أهل النار عذابا قال بن التين يحتمل أن يراد به أبو طالب قلت وقد بينت في قصة أبي طالب من المبعث النبوي انه وقع في حديث بن عباس عند مسلم التصريح بذلك ولفظه اهون أهل النار عذابا أبو طالب قوله اخمص بخاء معجمة وصاد مهملة وزن احمر مالا يصل الى الأرض من باطن القدم عند المشي قوله جمرة في رواية مسلم جمرتان وكذا في رواية إسرائيل على اخمص قدمه جمرتان قال بن التين يحتمل ان يكون الاقتصار على الجمرة للدلالة على لاخرى لعلم السامع بأن لكل أحد قدمين ووقع في رواية الأعمش عن أبي إسحاق عند مسلم بلفظ من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه وفي حديث أبي سعيد عنده نحوه وقال يغلى دماغه من حرارة نعله قوله منها دماغه في رواية إسرائيل منهما بالتثنية وكذا في حديث بن عباس

[ 6194 ] قوله كما يغلى المرجل بالقمقم زاد في رواية الأعمش لا يرى ان أحدا أشد عذابا منه وانه لاهونهم عذابا والمرجل بكسر الميم وبسكون الراء وفتح الجيم بعدها لام قدر من نحاس ويقال أيضا لكل اناء يغلى فيه الماء من أي صنف كان والقمقم معروف من آنية العطار ويقال هو اناء ضيق الرأس يسخن فيه الماء يكون من نحاس وغيره فارسي ويقال رومي وهو معرب وقد يؤنث فيقال قمقمة قال بن التين في هذا التركيب نظر وقال عياض الصواب كما يغلى المرجل والقمقم بواو العطف لا بالباء وجوز غيره ان تكون الباء بمعنى مع ووقع في رواية الإسماعيلي كما يغلى المرجل أو القمقم بالشك وتقدم شيء من هذا في قصة أبي طالب الحديث الخامس عشر حديث عدي بن حاتم تقدم شرحه قريبا في آخر باب من نوقش الحساب الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد في ذكر أبي طالب تقدم في قصة أبي طالب من طريق الليث حدثني بن الهاد وعطف عليه السند المذكور هنا واختصر المتن ويزيد المذكور هنا هو بن الهاد المذكور هناك واسم كل من بن أبي حازم والدراوردي عبد العزيز وهما مدنيان مشهوران وكذا سائر رواة هذا السند قوله لعله تنفعه شفاعتي ظهر من حديث العباس وقوع هذا الترجي واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم تنقعه شفاعتي بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وأجيب بأنه خص ولذلك عدوه في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وقيل معنى المنفعة في الآية بخالف معنى المنفعة في الحديث والمراد بها في الآية الإخراج من النار وفي الحديث المنفعة بالتخفيف وبهذا الجواب جزم القرطبي وقال البيهقي في البعث صحة الرواية في شأن أبي طالب فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية ووجهه عندي ان الشفاعة في الكفار انما امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد وهو عام في حق كل كافر فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه قال وحمله بعض أهل النظر على أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه فيجوز أن الله يضع عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبا لقلب الشافع لا ثوابا للكافر لان حسناته صارت بموته على الكفر هباء واخرج مسلم عن أنس وأما الكافر فيعطي حسناته في الدنيا حتى إذا افضى الى الآخرة لم تكن له حسنة وقال القرطبي في المفهم اختلف في هذه الشفاعة هل هي بلسان قولي أو بلسان حالي والأول يشكل بالآية وجوابه جواز التخصيص والثاني يكون معناه ان أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه جوزى على ذلك بالتخفيف فأطلق على ذلك شفاعة لكونها بسببه قال ويجاب عنه أيضا ان المخفف عنه لما لم يجد اثر التخفف فكأنه لم ينتفع بذلك ويؤيد ذلك ما تقدم انه يعتقد ان ليس في النار أشد عذابا منه وذلك ان القليل من عذاب جهنم لا تطيقه الجبال فالمعذب لاشتغاله بما هو فيه يصدق عليه انه لم يحصل له انتفاع بالتخفيف قلت وقد يساعد ما سبق ما تقدم في النكاح من حديث أم حبيبة في قصة بنت أم سلمة ارضعتني واياها ثويبة قال عروة ان أبا لهب رؤى في المنام فقال لم ار بعدكم خيرا غير اني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة وقد تقدم الكلام عليه هناك وجوز القرطبي في التذكرة ان الكافر إذا عرض على الميزان ورجحت كفة سيئاته بالكفر اضمحلت حسناته فدخل النار لكنهم يتفاوتون في ذلك فمن كانت له منهم حسنات من عتق ومواساة مسلم ليس كمن ليس له شيء من ذلك فيحتمل ان يجازى بتخفيف العذاب عنه بمقدار ما عمل لقوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا قلت لكن هذا البحث النظري معارض بقوله تعالى ولا يخفف عنهم من عذابها وحديث أنس الذي أشرت اليه وأما ما أخرجه بن مردويه والبيهقي من حديث بن مسعود رفعه ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر الا اثابه الله قلنا يا رسول الله ما اثابة الكافر قال المال والولد والصحة وأشباه ذلك قلنا وما اثابتة في الآخرة قال عذابا دون العذاب ثم قرأ ادخلوا آل فرعون أشد العذاب فالجواب عنه أن سنده ضعيف وعلى تقدير ثبوته فيحتمل أن يكون التخفيف فيما يتعلق بعذاب معاصيه بخلاف عذاب الكفر الحديث السابع عشر حديث أنس الطويل في الشفاعة أورده هنا من طريق أبي عوانة ومضى في تفسير البقرة من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد بن أبي عروبة ويأتي في التوحيد من طريق همام اربعتهم عن قتادة وأخرجه أيضا أحمد من رواية شيبان عن قتادة ويأتي في التوحيد من طريق معبد بن هلال عن أنس وفيه زيادة للحسن عن أنس ومن طريق حميد عن أنس باختصار وأخرجه أحمد من طريق النضر بن أنس عن أنس وأخرجه أيضا من حديث بن عباس وأخرجه بن خزيمة من طريق معتمر عن حميد عن أنس وعند الحاكم من حديث بن مسعود والطبراني من حديث عبادة بن الصامت ولابن أبي شيبة من حديث سلمان الفارسي وجاء من حديث أبي هريرة كما مضى في التفسير من رواية أبي زرعة عنه وأخرجه الترمذي من رواية العلاء بن يعقوب عنه ومن حديث أبي سعيد كما سيأتي في التوحيد وله طرق عن أبي سعيد مختصرة وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة معا وأبو عوانة من رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق ومضى في الزكاة في تفسير سبحان من حديث بن عمر باختصار وعند كل منهم بما ليس عند الاخر وسأذكر ما عند كل منهم من فائدة مستوعبا ان شاء الله تعالى

[ 6197 ] قوله يجمع الله الناس يوم القيامة في رواية المستملي جمع بصيغة الفعل الماضي والأول المعتمد ووقع في رواية معبد بن هلال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض وأول حديث أبي هريرة انا سيد الناس يوم القيامة يجمع الله الناس الأولين والاخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون وزاد في رواية إسحاق بن راهويه عن جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة فيه وتدنو الشمس من رءوسهم فيشتد عليهم حرها ويشق عليهم دنوها فينطلقون من الضجر والجزع مما هم فيه وهذه الطريق عند مسلم عن أبي خيثمة عن جرير لكن لم يسق لفظها وأول حديث أبي بكر عرض على ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة يجمع الله الأولين والاخرين في صعيد واحد فيفظع الناس لذلك والعرق كاد يلجمهم وفي رواية معتمر يلبثون ما شاء الله من الحبس وقد تقدم في باب الا يظن أولئك انهم مبعوثون ما خرجه مسلم من حدث المقداد ان الشمس تدنو حتى تصير من الناس قدر ميل وسائر ما ورد في ذلك وبيان تقاوتهم في العرق بقدر اعمالهم وفي حديث سلمان تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنو من جماجم الناس فيعقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع الرجل حتى يقول عق عق وفي رواية النضر بن أنس لم ما هم فيه والخلق ملجمون بالعرق فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة وأما الكافر فيغشاه الموت وفي حديث عبادة بن الصامت رفعه اني لسيد الناس يوم القيامة بغير فخر وما من الناس الا من هو تحت لوائي ينتظر الفرج وان معي لواء الحمد ووقع في رواية هشام وسعيد وهمام يجتمع المؤمنون فيقولون وتبين من وراية النضر بن أنس ان التعبير بالناس أرجح لكن الذي يطلب الشفاعة هم المؤمنون قوله فيقولون لو استشفعنا في رواية مسلم فيلهمون ذلك وفي لفظ فيهتمون بذلك وفي رواية همام حتى يهتموا بذلك قوله على ربنا في رواية هشام وسعيد الى ربنا وتوجه بأنه ضمن معنى استشفعنا سعى لأن الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الادنى الى الأعلى ليستعين به على ما يرومه وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا يجمع الله الناس يوم القيامة فيقوم المؤمنون حتى تنزلف لهم الجنة فيأتون آدم وحتى غاية لقيامهم المذكور ويؤخذ منه أن طلبهم الشفاعة يقع حين تنزلف لهم الجنة ووقع في أول حديث أبي نضرة عن أبي سعيد في مسلم رفعه انا أول من تنشق عنه الأرض الحديث وفيه فيفزع لناس ثلاث فزعات فيأتون آدم الحديث قال القرطبي كأن ذلك يقع إذا جيء بجهنم فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على ركبهم قوله حتى يريحنا في رواية مسلم فيريحنا وفي حديث بن مسعود عند بن حبان ان الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب أرحني ولو الى النار وفي رواية ثابت عن أنس يطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض انطلقوا بنا الى آدم أبي البشر فليشفع لنا الى ربنا فليقض بيننا وفي حديث سلمان فإذا رأوا ما هم فيه قال بعضهم لبعض ائتوا أباكم آدم قوله حتى يريحنا من مكاننا هذا في رواية ثابت فليقض بيننا وفي رواية حذيفة وأبي هريرة فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة قوله فيأتون آدم في رواية شيبان فينطلقون حتى يأتوا آدم فيقولون أنت الذي في رواية مسلم يا آدم أنت أبو البشر وفي رواية همام وشيبان أنت أبو البشر وفي حديث أبي هريرة نحو رواية مسلم وفي حديث حذيفة فيقولون يا أبانا قوله خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه زاد في رواية همام وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء وفي حديث أبي هريرة وأمر الملائكة فسجدوا لك وفي حديث أبي بكر أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله قوله فاشفع لنا عند ربنا في رواية مسلم عند ربك وكذا لشيبان في حديث أبي بكر وأبى هريرة اشفع لنا الى ربك وزاد أبو هريرة الا ترى ما نحن فيه الا ترى ما بلغنا قوله لست هناكم قال عياض قوله لست هناكم كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة قاله تواضعا واكبارا لما يسألونه قال وقد يكون فيه إشارة الى أن هذا المقام ليس لي بل لغيري قلت وقد وقع في رواية معبد بن هلال فيقول لست لها وكذا في بقية المواضع وفي رواية حذيفة لست بصاحب ذاك وهو يؤيد الإشارة المذكورة قوله ويذكر خطيئته زاد مسلم التي أصاب والراجع الى الموصول محذوف تقديره اصابها زاد همام في روايته اكله من الشجرة وقد نهى عنها وهو بنصب اكله بدل من قوله خطيئته وفي رواية هشام فيذكر ذنبه فيستحي وفي رواية بن عباس اني قد أخرجت بخطيئتي من الجنة وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد واني اذنبت ذنبا فأهبطت به الى الأرض وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا هل اخرجكم من الجنة الا خطيئة أبيكم آدم وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور ان أخطأت وأنا في الفردوس فإن يغفر لي اليوم حسبي وفي حديث أبي هريرة ان ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وانه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي اذهبوا الى غيري قوله ائتوا نوحا فيأتونه في رواية مسلم ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض فيأتون نوحا وفي رواية هشام فإنه أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض وفي حديث أبي بكر انطلقوا الى أبيكم بعد أبيكم الى نوح ائتوا عبدا شاكرا وفي حديث أبي هريرة اذهبوا الى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل الى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا وفي حديث أبي بكر فينطلقون الى نوح فيقولون يا نوح اشفع لنا الى ربك فإن الله اصطفاك واستجاب لك في دعائك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا ويجمع بينهما بأن آدم سبق الى وصفه بأنه أول رسول فخاطبه أهل الموقف بذلك وقد استشكلت هذه الاولية بأن ادم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح وقد تقدم الجواب عن ذلك في شرح حديث جابر أعطيت خمسا في كتاب التيمم وفيه وكان النبي يبعث الى قومه خاصة الحديث ومحصل الأجوبة عن الاشكال المذكور ان الاولية مقيدة بقوله أهل الأرض لأن ادم ومن ذكر معه لم يرسلوا الى أهل الأرض ويشكل عليه حديث جابر ويجاب بأن بعثته الى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق انهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقومه ولغير قومه أو الاولية مقيدة بكونة أهلك قومه أو ان الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلا والى هذا جنح بن بطال في حق ادم وتعقبه عياض بما صححه بن حبان من حديث أبي ذر فإنه كالصريح في انه كان مرسلا وفيه التصريح بإنزال الصحف على شيث وهو من علامات الإرسال واما إدريس فذهبت طائفة الى انه كان في بني إسرائيل وهو الياس وقد ذكر ذلك في أحاديث الأنبياء ومن الأجوبة ان رسالة ادم كانت الى بنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته ونوح كانت رسالته الى قوم كفار يدعوهم الى التوحيد قوله فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها في رواية هشام ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم وفي رواية شيبان سؤال الله وفي رواية معبد بن هلال مثل جواب ادم لكن قال وانه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي وفي حديث بن عباس فيقول ليس ذاكم عندي وفي حديث أبي هريرة اني دعوت بدعوة اغرقت أهل الأرض ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين أحدهما نهى الله تعالى له ان يسأل ما ليس له به علم فخشي ان تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك ثانيهما ان له دعوة واحدة محققة الإجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي ان يطلب فلا يجاب وقال بعض الشراح كان الله وعد نوحا ان ينجيه وأهله فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده فقيل له المراد من أهلك من آمن وعمل صالحا فخرج ابنك منهم فلا تسأل ما ليس لك به علم تنبيهان الأول سقط من حديث أبي حذيفة المقرون بأبي هريرة ذكر نوح فقال في قصة آدم اذهبوا الى ابني إبراهيم وكذا سقط من حديث بن عمر والعمدة على من حفظ الثاني ذكر أبو حامد الغزالي في كشف علوم الآخرة أن بين اتيان أهل الموقف ادم واتيانهم نوحا الف سنة وكذا بين كل نبي ونبي الى نبينا صلى الله عليه وسلم ولم اقف لذلك على أصل ولقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصول لها فلا يغتر بشيء منها قوله ائتوا إبراهيم في رواية مسلم ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا وفي رواية معبد بن هلال ولكن عليكم بإبراهيم فهو خليل الله قوله فيأتونه في رواية مسلم فيأتون إبراهيم زاد أبو هريرة في حديثه فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض قم اشفع لنا الى ربك وذكر مثل ما لآدم قولا وجوابا الا انه قال قد كنت كذبت ثلاث كذبات وذكرهن قوله فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته زاد مسلم التي أصاب فيستحيي ربه منها وفي حديث أبي بكر ليس ذاكم عندي وفي رواية همام اني كنت كذبت ثلاث كذبات زاد شيبان في روايته قوله اني سقيم وقوله فعله كبيرهم هذا وقوله لامرأته اخبريه اني أخوك وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد فيقول اني كذبت ثلاث كذبات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منها كذبة الا ما حل بها عن دين الله وما حل بمهملة بمعنى جادل وزنه ومعناه ووقع في رواية حذيفة المقرونة لست بصاحب ذاك انما كنت خليلا من وراء وراء وضبط بفتح الهمزة وبضمها واختلف الترجيح فيهما قال النووي اشهرهما الفتح بلا تنوين ويجوز بناؤهما على الضم وصوبه أبو البقاء والكندي وصوب بن دحية الفتح على ان الكلمة مركبة مثل شذر مذر وان ورد منصوبا منونا جاز ومعناه لم أكن في التقريب والإدلال بمنزلة الحبيب قال صاحب التحرير كلمة تقال على سبيل التواضع أي لست في تلك الدرجة قال وقد وقع لي فيه معنى مليح وهو أن الفضل الذي اعطيته كان بسفارة جبريل ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله بلا واسطة وكرر وراء إشارة الى نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة فكأنه قال انا من وراء موسى الذي هو من وراء محمد قال البيضاوي الحق ان الكلمات الثلاث انما كانت من معاريض الكلام لكن لما كانت صورتها صورة الكذب اشفق منها استصغارا لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها لأن من كان اعرف بالله وأقرب اليه منزلة كان أعظم خوفا وقوله ائتوا موسى الذي كلمه الله في رواية مسلم ولكن ائتوا موسى وزاد وأعطاه التوراة وكذا في رواية هشام وغيره وفي رواية معبد بن هلال ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله وفي رواية الإسماعيلي عبدا أعطاه الله التوراة وكلمه تكليما زاد همام في روايته وقربه نجيا وفي رواية حذيفة المقرونة اعمدوا الى موسى قوله فيأتونه في رواية مسلم فيأتون موسى فيقول وفي حديث أبي هريرة فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وكلامه على الناس اشفع لنا فذكر مثل آدم قولا وجوابا لكنه قال اني قتلت نفسا لم اومر بقتلها قوله فيقول لست هناكم زاد مسلم فيذكر خطيئته التي أصاب قتل النفس وللإسماعيلي فيستحي ربه منها وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور اني قتلت نفسا بغير نفس وان يغفر لي اليوم حسبي وفي حديث أبي هريرة اني قتلت نفسا لم أومر بقتلها وذكر مثل ما في ادم قوله ائتوا عيسى زاد مسلم روح الله وكلمته وفي رواية هشام عبد الله ورسول وكلمته وروحه وفي حديث أبي بكر فإنه كان يبريء الاكمه والأبرص ويحيى الموتى قوله فيأتونه في رواية مسلم فيأتون عيسى فيقول لست هناكم وفي حديث أبي هريرة فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا الى ربك الا ترى الى ما نحن فيه مثل آدم قولا وجوابا لكن قال ولم يذكر ذنبا لكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد اني عبدت من دون الله وفي رواية أحمد والنسائي من حديث بن عباس اني اتخذت الها من دون الله وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وان يغفر لي اليوم حسبي قوله ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في رواية مسلم عبد غفر له الخ زاد ثابت من ذنبه وفي رواية هشام غفر الله له وفي رواية معتمر انطلقوا الى من جاء اليوم مغفورا له ليس عليه ذنب وفي رواية ثابت أيضا خاتم النبيين قد حضر اليوم أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه أكان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم وعند سعيد بن منصور من هذا الوجه فيرجعون الى آدم فيقول أرأيتم الخ وفي حديث أبي بكر ولكن انطلقوا الى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الأرض قال عياض اختلفوا في تأويل قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل المتقدم ما قبل النبوة والمتأخر العصمة وقيل ما وقع عن سهو أو تأويل وقيل المتقدم ذنب آدم والمتأخر ذنب أمته وقيل المعنى انه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع وقيل غير ذلك قلت واللائق بهذا المقام القول الرابع واما الثالث فلا يتأتى هنا ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى فيما تقدم اني قتلت نفسا بغير نفس وان يغفر لي اليوم حسبي مع ان الله قد غفر له بنص القرآن التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع شيء أصلا فإن موسى عليه السلام مع وقوع المغفرة له لم يرتفع اشفاقه من المؤاخذة بذلك ورأى في نفسه تقصيرا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ومن ثم احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمعنى ان الله أخبر انه لا يؤاخذه بذنب لو وقع منه وهذا من النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد قوله فيأتوني في رواية النضر بن أنس عن أبيه حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال اني لقائم انتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال يا محمد هذا الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله ان يفرق جمع الأمم الى حيث يشاء لغم ما هم فيه فأفادت هذه الرواية تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ وان هذا الذي وصف من كلام أهل الموقف كله يقع عند نصب الصراط بعد تساقط الكفار في النار كما سيأتي بيانه قريبا وان عيسى عليه السلام هو الذي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وان الأنبياء جميعا يسألونه في ذلك وقد اخرج الترمذي وغيره من حدث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف وفيه وأخرت الثالثة ليوم يرغب الي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام ووقع في رواية معبد بن هلال فيأتوني فأقول انا لها انا لها زاد عقبة بن عامر عند بن المبارك في الزهد فيأذن الله لي فأقوم فيثور من مجلس اطيب ريح شمها أحد وفي حديث سلمان عند أبي بكر بن أبي شيبة يأتون محمدا فيقولون يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم وغفر لك ما تقدم وما تأخر وجئت في هذا اليوم امنا وترى ما نحن فيه فقم فاشفع لنا الى ربنا فيقول انا صاحبكم فيجوش الناس حتى ينتهي الى باب الجنة وفي رواية معتمر فيقول انا صاحبها قوله فأستأذن في رواية هشام فأنطلق حتى استأذن قوله على ربي زاد همام في داره فيؤذن لي قال عياض أي في الشفاعة وتعقب بأن ظاهر ما تقدم ان استئذانه الأول والاذن له انما هو في دخول الدار وهي الجنة وأضيفت الى الله تعالى إضافة تشريف ومنه والله يدعو الى دار السلام على القول بأن المراد بالسلام هنا الاسم العظيم وهو من أسماء الله تعالى قيل الحكمة في انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه الى دار السلام ان ارض الموقف لما كانت مقام عرض وحساب كانت مكان مخافة واشفاق ومقام الشافع يناسب ان يكون في مكان اكرام ومن ثم يستحب ان يتحرى للدعاء المكان الشريف لأن الدعاء فيه أقرب للإجابة قلت وتقدم في بعض طرقه ان من جملة سؤال أهل الموقف استفتاح باب الجنة وقد ثبت في صحيح مسلم أنه أول من يستفتح باب الجنة وفي رواية علي بن زيد عن أنس عند الترمذي فآخذ حلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فأقول محمد فيفتحون لي ويرحبون فأخر ساجدا وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم فيقول الخازن من فأقول محمد فيقول بك أمرت ان لا افتح لأحد قبلك وله من رواية المختار بن فلفل عن أنس رفعه انا أول من يقرع باب الجنة وفي رواية قتادة عن أنس اتى باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فأقول محمد فيقال مرحبا بمحمد وفي حديث سلمان فيأخذ بحلقة الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمد فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له وفي حديث أبي بكر الصديق فيأتي جبريل ربه فيقول ائذن له قوله فإذا رأيته وقعت له ساجدا في رواية أبي بكر فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي وفي رواية لابن حبان من طريق ثوبان عن أنس فيتجلى له الرب ولا يتجلى لشيء قبله وفي حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى رفعه يعرفني الله نفسه فأسجد له سجدة يرضى بها عني ثم امتدحه بمدحه يرضى بها عني قوله فيدعني ما شاء الله زاد مسلم ان يدعني وكذا في رواية هشام وفي حديث عبادة بن الصامت فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا شاكرا له وفي رواية معبد بن هلال فأقوم بين يديه فيلهمني محامد لا اقدر عليها الان فأحمده بتلك المحامد ثم اخر له ساجدا وفي حديث أبي بكر الصديق فينطلق اليه جبريل فيخر ساجدا قدر جمعة قوله ثم يقال لي ارفع رأسك في رواية مسلم فيقال يا محمد وكذا في أكثر الروايات وفي رواية النضر بن أنس فأوحى الله الى جبريل ان اذهب الى محمد فقل له ارفع رأسك فعلى هذا فالمعنى يقول لي على لسان جبريل قوله وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع في رواية مسلم بغير واو وسقط من أكثر الروايات وقل يسمع ووقع في حديث أبي بكر فيرفع رأسه فإذا نظر الى ربه خر ساجدا قدر جمعة وفي حديث سلمان فينادي يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب قوله فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني وفي رواية هشام يعلمنيه وفي رواية ثابت بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي وفي حديث سلمان فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق وكأنه صلى الله عليه وسلم يلهم التحميد قبل سجوده وبعده وفيه ويكون في كل مكان ما يليق به وقد ورد ما لعله يفسر به بعض ذلك لا جميعه ففي النسائي ومصنف عبد الرزاق ومعجم الطبراني من حديث حذيفة رفعه قال يجمع الناس في صعيد واحد فيقال يا محمد فأقول لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك تباركت وتعاليت سبحانك لا ملجا ولا منجا منك الا إليك زاد عبد الرزاق سبحانك رب البيت فذلك قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال بن منده في كتاب الإيمان هذا حديث مجمع على صحة إسناده وثقة رواته قوله ثم اشفع في رواية معبد بن هلال فأقول رب أمتي أمتي أمتي وفي حديث أبي هريرة نحوه قوله فيحد لي حدا يبين لي في كل طور من اطوار الشفاعة حدا اقف عنده فلا اتعداه مثل أن يقول شفعتك فيمن اخل بالجماعة ثم فيمن اخل بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الاسلوب كذا حكاه الطيبي والذي يدل عليه سياق الاخبار ان المراد به تفضيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة كما وقع عند أحمد عن يحيى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذا الحديث بعينه وسأنبه عليه في آخره وكما تقدم في رواية هشام عن قتادة عن أنس في كتاب الإيمان بلفظ يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة وفي رواية ثابت عند أحمد فأقول أي رب أمتي أمتي فيقول اخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة ثم ذكر نحو ما تقدم وقال مثقال ذرة ثم قال مثقال حبة من خردل ولم يذكر بقية الحديث ووقع في طريق النضر بن أنس قال فشفعت في أمتي أن اخرج من كل تسعة وتسعين انسانا واحدا فما زلت اتردد على ربي لا اقوم منه مقاما الا شفعت وفي حديث سلمان فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال حبة من حنطة ثم شعيرة ثم حبة من خردل فذلك المقام المحمود وقد تقدمت الإشارة الى شيء من هذا في شرح الحديث الثالث عشر ويأتي مبسوطا في شرح حديث الباب الذي يليه قوله ثم اخرجهم من النار قال الداودي كأن راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الاراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار يعني وذلك انما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار ثم يقع بعذ ذلك الشفاعة في الإخراج وهو اشكال قوي وقد أجاب عنه عياض وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله فيأتون محمدا فيقوم ويؤذن له أي في الشفاعة وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط يمينا وشمالا فيمر اولكم كالبرق الحديث قال عياض فبهذا يتصل الكلام لن الشفاعة التي لجأ الناس اليه فيها هي الاراحة من كرب الموقف ثم تجيء الشفاعة في الإخراج وقد وقع في حديث أبي هريرة يعني الاتي في الباب الذي يليه بعد ذكر الجمع في الموقف الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد ثم تمييز المنافقين من المؤمنين ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه فكان الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والاراحة من كرب الموقف قال وبهذا تجتمع متون الأحاديث وتترتب معانيها قلت فكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ لاخر وسيأتي بقيته في شرح حديث الباب الذي يليه وفيه حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير الا زحفا وفي جانبي الصراط كلاليب مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوش في النار فظهر منه أنه صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع ليقضي بين الخلق وان الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط تقع بعد ذلك وقد وقع ذلك صريحا في حديث بن عمر اختصر في سياقه الحديث الذي ساقه أنس وأبو هريرة مطولا وقد تقدم في كتاب الزكاة من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ ان الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الإذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيؤمئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم ووقع في حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى ثم امتدحه بمدحة يرضى بها عني ثم يؤذن لي في الكلام ثم تمر أمتي على الصراط وهو منصوب بين ظهراني جهنم فيمرون وفي حديث بن عباس من رواية عبد الله بن الحارث عنه عند أحمد فيقول عز وجل يا محمد ما تريد ان اصنع في أمتك فأقول يا رب عجل حسابهم وفي رواية عن بن عباس عند أحمد وأبي يعلى فأقول انا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذا أراد الله ان يفرغ من خلقه نادى مناد أين محمد وأمته الحديث وسيأتي بيان ما يقع في الموقف قبل نصب الصراط في شرح حديث الباب الذي يليه وتعرض الطيبي للجواب عن الاشكال بطريق اخر فقال يجوز ان يراد بالنار الحبس والكرب والشدة التي كان أهل الموقف فيها من دنو الشمس الى رءوسهم وكربهم بحرها وسفعها حتى ألجمهم العرق وان يراد بالخروج منها خلاصهم من تلك الحالة التي كانوا فيها قلت وهو احتمال بعيد الا أن يقال انه يقع اخراجان وقع ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه والمراد به الخلاص من كرب الموقف والثاني في حديث الباب الذي يليه ويكون قوله فيه فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه بعد تمام الخلاص من الموقف ونصب الصراط والاذن في المرور عليه ويقع الإخراج الثاني لمن يسقط في النار حال المرور فيتحدا وقد أشرت الى الاحتمال المذكور في شرح حديث العرق في باب قوله تعالى الا يظن أولئك انهم مبعوثون والعلم عند الله تعالى وأجاب القرطبي عن أصل الاشكال بأن في قوله آخر حديث أبي زرعة عن أبي هريرة بعد قوله صلى الله عليه وسلم فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال ادخل من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة من لا حساب عليه ولا عذاب قال في هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيما طلب من تعجيل الحساب فإنه لما اذن له في إدخال من لاحساب عليه دل على تأخير من عليه حساب ليحاسب ووقع في حديث الصور الطويل عند أبي يعلى فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله وقد شفعتك فيهم وأذنت لهم في دخول الجنة قلت وفيه اشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن ثم ينادي لمنادي ليتبع كل امة من كانت تعبد فيسقط الكفار في النار ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضا ويمر المؤمنون عليه الى الجنة فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم ثم يدخلون الجنة وسيأتي تفصيل ذلك واضحا في شرح حديث الباب الذي يليه ان شاء الله تعالى ثم وقفت في تفسير يحيى بن سلام البصري نزيل مصر ثم افريقية وهو في طبقة يزيد بن هارون وقد ضعفه الدارقطني وقال أبو حاتم الرازي صدوق وقال أبو زرعة ربما وهم وقال بن عدي يكتب حديثه مع ضعفه فنقل فيه عن الكلبي قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقيت زمرة من آخر زمر الجنة إذا خرج المؤمنون من الصراط بأعمالهم فيقول آخر زمرة من زمر النار لهم وقد بلغت النار منهم كل مبلغ اما نحن فقد اخذنا بما في قلوبنا من الشك والتكذيب فما نفعكم أنتم توحيدكم قال فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم فيسمعهم أهل الجنة فيأتون آدم فذكر الحديث في اتيانهم الأنبياء المذكورين قبل واحدا واحدا الى محمد صلى الله عليه وسلم فينطلق فيأتي رب العزة فيسجد له حتى يأمره ان يرفع رأسه ثم يسأله ما تريد وهو أعلم به فيقول رب اناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك وأنت اعلم بهم فعيرهم أهل الشرك بعبادتهم إياك فيقول وعزتي لاخرجنهم فيخرجهم قد احترقوا فينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا ثم يدخلون الجنة فيسمون الجهنميين فيغبطه عند ذلك الأولون والآخرون فذلك قوله عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا قلت فهذا لو ثبت لرفع الاشكال لكن الكلبي ضعيف ومع ذلك لم يسنده ثم هو مخالف لصريح الأحاديث الصحيحة ان سؤال المؤمنين الأنبياء واحدا بعد واحد انما يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة والله اعلم وقد تمسك بعض المبتدعة من المرجئة بالاحتمال المذكور في دعواه ان أحدا من الموحدين لا يدخل النار أصلا وانما المراد بما جاء من ان النار تسفعهم أو تلفحهم وما جاء في الإخراج من النار جميعه محمول على ما يقع لهم من الكرب في الموقف وهو تمسك باطل وأقوى ما يرد به عليه ما تقدم في الزكاة من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة واللفظ لمسلم ما من صاحب ابل لا يؤدي حقها منها الا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر اوفر ما كانت تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار الحديث بطوله وفيه ذكر الذهب والفضة والبقر والغنم وهو دال على تعذيب من شاء الله من العصاة بالنار حقيقة زيادة على كرب الموقف وورد في سبب إخراج بقية الموحدين من النار ما تقدم أن الكفار يقولون لهم ما اغنى عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا فيغضب الله لهم فيخرجهم وهو مما يرد به على المبتدعة المذكورين وسأذكره في شرح حديث الباب الذي يليه ان شاء الله تعالى قوله ثم اعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة في رواية هشام فأحد لهم حدا فأدخلهم الجنة ثم ارجع ثانيا فأستأذن الى ان قال ثم أحد لهم حدا ثالثا فأدخلهم الجنة ثم ارجع هكذا في أكثر الروايات ووقع عند أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثم اعود الرابعة فأقول يا رب ما بقي الا من حبسه القرآن ولم يشك بل جزم بأن هذا القول يقع في الرابعة ووقع في رواية معبد بن هلال عن أنس ان الحسن حدث معبدا بعد ذلك بقوله فأقوم الرابعة وفيه قول الله له ليس ذلك لك وان الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وان لم يعمل خيرا قط فعلى هذا فقوله حبسه القرآن يتناول الكفار وبعض العصاة ممن ورد في القرآن في حقه التخليد ثم يخرج العصاة في القبضة وتبقى الكفار ويكون المراد بالتخليد في حق العصاة المذكورين البقاء في النار بعد إخراج من تقدمهم قوله حتى ما يبقى ما بقى وفي رواية هشام بعد الثالثة حتى ارجع فأقول قوله الا من حبسه القرآن وكان قتادة يقول عند هذا أي وجب عليه الخلود في رواية همام الا من حبسه القرى أي وجب عليه الخلود كذا ابهم قائل أي وجب وتبين من رواية أبي عوانة أنه قتادة أحد رواته ووقع في رواية هشام وسعيد فأقول ما بقي في النار الا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود وسقط من رواية سعيد عند مسلم ووجب عليه الخلود وعنده من رواية هشام مثل ما ذكرت من رواية همام فتعين ان قوله ووجب عليه الخلود وفي رواية هشام مدرج في المرفوع لما تبين من رواية أبي عوانة أنها من قول قتادة فسر به قوله من حبسه القرآن من حبسه القرآن أي من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار ووقع في رواية همام بعد قوله أي وجب عليه الخلود وهو المقام المحمود الذي وعده الله وفي رواية شيبان الا من حبسه القرآن يقول وجب عليه الخلود وقال عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا وفي رواية سعيد عند أحمد بعد قوله الا من حبسه القرآن قال فحدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة الحديث وهو الذي فصله هشام من الحديث وسبق سياقه في كتاب الإيمان مفردا ووقع في رواية معبد بن هلال بعد روايته عن أنس من روايته عن الحسن البصري عن أنس قال ثم اقوم الرابعة فأقول أي رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول لي ليس ذلك لك فذكر بقية الحديث في اخراجهم وقد تمسك به بعض المبتدعة في دعواهم ان من دخل النار من العصاة لا يخرج منها لقوله تعالى ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا وأجاب أهل السنة بأنها نزلت في الكفار وعلى تسليم انها في أعم من ذلك فقد ثبت تخصيص الموحدين بالإخراج ولعل التأييد في حق من يتأخر بعد شفاعة الشافعين حتى يخرجوا بقبضة ارحم الراحمين كما سيأتي بيانه في شرح حديث الباب الذي يليه فيكون التأييد مؤقتا وقال عياض استدل بهذا الحديث من جوز الخطايا على الأنبياء كقول كل من ذكر فيه ما ذكر وأجاب عن أصل المسألة بأنه لا خلاف في عصمتهم من الكفر بعد النبوة وكذا قبلها على الصحيح وكذا القول في الكبيرة على التفصيل المذكور ويلتحق بها ما يزري بفاعله من الصغائر وكذا القول في كل ما يقدح في الابلاغ من جهة القول واختلفوا في الفعل فمنعه بعضهم حتى في النسيان وأجاز الجمهور السهو لكن لا يحصل التمادي واختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر فذهب جماعة من أهل النظر الى عصمتهم منها مطلقا وأولوا الأحاديث والايات الواردة في ذلك بضروب من التأويل ومن جملة ذلك ان الصادر عنهم اما ان يكون بتأويل من بعضهم أو بسهو أو بإذن لكن خشوا ان لا يكون ذلك موافقا لمقامهم فأشفقوا من المؤاخذة أو المعاتبة قال وهذا أرجح المقالات وليس هو مذهب المعتزلة وان قالوا بعصمتهم مطلقا لأن منزعهم في ذلك التكفير بالذنوب مطلقا ولا يجوز على النبي الكفر ومنزعنا ان امة النبي مأمورة بالاقتداء به في أفعاله فلو جاز منه وقوع المعصية للزم الأمر بالشيء الواحد والنهي عنه في حالة واحدة وهو باطل ثم قال عياض وجميع ما ذكر في حديث الباب لا يخرج عما قلناه لان أكل آدم من الشجرة كان عن سهو وطلب نوح نجاة ولده كان عن تأويل ومقالات إبراهيم كانت معاريض وأراد بها الخير وقتيل موسى كان كافرا كما تقدم بسط ذلك والله اعلم وفيه جواز إطلاق الغضب على الله والمراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما يشاهده أهل الموقف من الأهوال التي لم يكن مثالها ولا يكون كذا قرره النووي وقال غيره المراد بالغضب لازمه وهو إرادة إيصال السوء للبعض وقول آدم ومن بعده نفسي نفسي نفسي أي نفسي هي التي تستحق ان يشفع لها لأن المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم ويحتمل ان يكون أحدهما محذوفا وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق لان الرسل والأنبياء والملائكة أفضل ممن سواهم وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم قال القرطبي ولو لم يكن في ذلك الا الفرق بين من يقول نفسي نفسي وبين من يقول أمتي أمتي لكان كافيا وفيه تفضيل الأنبياء المذكورين فيه على من لم يذكر فيه لتأهلهم لذلك المقام العظيم دون من سواهم وقد قيل انما اختص المذكورون بذلك لمزايا أخرى لا تتعلق بالتفضيل فآدم لكونه والد الجميع ونوح لكونه الأب الثاني وإبراهيم للأمر باتباع ملته وموسى لأنه أكثر الأنبياء تبعا وعيسى لأنه أولى الناس بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح ويحتمل ان يكونوا اختصوا بذلك لأنهم أصحاب شرائع عمل بها من بين من ذكر اولا ومن بعده وفي الحديث من الفوائد غير ما ذكر ان من طلب من كبير أمرا مهما ان يقدم بين يدي سؤاله وصف المسئول بأحسن صفاته وأشر مزاياه ليكون ذلك ادعى لاجابته لسؤاله وفيه أن المسؤل إذا لم يقدر على تحصيل ما سئل يعتذر بما يقبل منه ويدل على من يظن انه يكمل في القيام بذلك فالدال على الخير كفاعله وانه يثنى على المدلول عليه باوصافه المقتضية لاهليته ويكون ادعى لقبول عذره في الامتناع وفيه استعمال ظرف المكان في الزمان لقوله لست هناكم لأن هنا ظرف مكان فاستعملت في ظرف الزمان لان المعنى لست في ذلك المقام كذا قاله بعض الأئمة وفيه نظر وانما هو ظرف مكان على بابه لكنه المعنوي لا الحسي مع انه يمكن حمله على الحسي لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم يباشر السؤال بعد أن يستأذن في دخول الجنة وعلى قول من يفسر المقام المحمود بالقعود على العرش يتحقق ذلك أيضا وفيه العمل بالعام قبل البحث عن المخصص اخذا من قصة نوح في طلبه نجاة ابنه وقد يتمسك به من يرى بعكسه وفيه ان الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل الى الله تعالى في حوائجهم بانبيائهم والباعث على ذلك الالهام كما تقدم في صدر الحديث وفيه أنهم يستشير بعضهم بعضا ويجمعون على الشيء المطلوب وأنهم يغطى عنهم بعض ما علموه في الدنيا لأن في السائلين من سمع هذا الحديث ومع ذلك فلا يستحضر أحدا منهم أن ذلك المقام يختص به نبينا صلى الله عليه وسلم إذ لو استحضروا ذلك لسألوه من أول وهلة ولما احتاجوا الى التردد من نبي الى نبي ولعل الله تعالى أنساهم ذلك للحكمة التي تترتب عليه من إظهار فضل نبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره الحديث الثامن عشر حديث عمران بن حصين

[ 6198 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان والحسن بن ذكوان هو أبو سلمة البصري تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما لكنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه مع تعنته في الرجال ومع ذلك فهو متابعة وفي طبقته الحسين بن ذكوان وهو بضم الحاء وفتح السين وآخره نون بصرى أيضا بعرف بالمعلم وبالمكتب وهو أوثق من أبي سلمة وتقدم شرح حديث الباب في الحادي عشر الحديث التاسع عشر حديث أنس في قصة أم حارثة تقدم في الخامس من وجه اخر عن حميد عنه وفيه ولقاب قوس أحدكم وتقدم شرحه وفيه ولو ان امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت الى الأرض

[ 6199 ] قوله لاضاءت ما بينهما وقع في حديث سعيد بن عامر الجمحي عند البزار بلفظ تشرف على الأرض لذهب ضوء الشمس والقمر قوله ولملأت ما بينهما ريحا أي طيبة وفي حديث سعيد بن عامر المذكور لملأت الأرض ريح مسك وفي حديث أبي سعيد عند أحمد وصححه بن حبان وان أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب قوله لنصفيها بفتح النون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتانية ثم فاء فسر في الحديث بالخمار بكسر المعجمة وتخفيف الميم وهذا التفسير من قتيبة فقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر بدونه وقال الأزهري النصيف الخمار ويقال أيضا للخادم قلت والمراد هنا الأول جزما وقد قع في رواية الطبراني ولتاجها على رأسها وحكى أبو عبيد الهروي ان النصيف المعجر بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم وهو ما تلويه المرأة على رأسها وقال الأزهري هو كالعصابة تلفها المرأة على استدارة رأسها واعتجر الرجل بعمامته لفها على رأسه ورد طرفها على وجهه وشيئا منها تحت ذقنه وقيل المعجر ثوب تلبسه المرأة أصغر من الرداء ووقع في حديث بن عباس عند بن اب الدنيا ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة من الشمس لا ضوء لها ولو اطلعت وجهها لاضاء حصنها ما بين السماء والأرض ولو أخرجت كفها لافتتن الخلائق بحسنها الحديث العشرون حديث أبي هريرة من طريق الأعرج عنه قوله لا يدخل أحد الجنة الا أرى مقعده من النار وقع عند بن ماجة بسند صحيح من طريق اخر عن أبي هريرة ان ذلك يقع عند المسألة في القبر وفيه فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها فيقال له انظر الى ما وقاك الله وفي حديث أنس الماضي في أواخر الجنائز فيقال انظر الى مقعدك من النار زاد أبو داود في روايته هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك وفي حديث أبي سعيد كان هذا منزلك لو كفرت بربك قوله لو أساء ليزداد شكرا أي لو كان عمل عملا سيئا وهو الكفر فصار من أهل النار وقوله ليزداد شكرا أي فرحا ورضا فعبر عنه بلازمه لأن الراضي بالشيء يشكر من فعل له ذلك قوله ولا يدخل النار أحد قدم في رواية الكشميهني الفاعل على المفعول وقوله الا أرى بضم الهمزة وكسر الراء قوله لو أحسن أي لو عمل عملا حسنا وهو الإسلام قوله ليكون عليه حسرة أي للزيادة في تعذيبه ووقع عند بن ماجة أيضا وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة بلفظ ما منكم من أحد الا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله وذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون وقال جمهور المفسرين في قوله تعالى وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض الاية المراد ارض الجنة التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة وهو موافق لهذا الحديث وقيل المراد ارض الدنيا لأنها صارت خبزة فأكلوها كما تقدم وقال القرطبي يحتمل ان يسمى الحصول في الجنة وراثة من حيث اختصاصهم بذلك دون غيرهم فهو ارث بطريق الاستعارة والله اعلم الحديث الحادي والعشرون

[ 6201 ] قوله عن عمرو هو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب وقد وقع لنا هذا الحديث في نسخة إسماعيل بن جعفر حدثنا عمرو بن أبي عمرو وأخرجه أبو نعيم من طريق علي بن حجر عن إسماعيل وكذا تقدم في العلم من رواية سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو وقد تقدم ان اسم أبي عمرو والد عمرو ميسرة قوله من اسعد الناس بشفاعتك لعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند تحديثه صلى الله عليه وسلم بقوله وأريد ان اختبئ دعوتي شفاعة لامتي في الآخرة وقد تقدم سياقه وبيان ألفاظه في أول كتاب الدعوات ومن طرقه شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وتقدم شرح حديث الباب في باب الحرص على الحديث من كتاب العلم وقوله من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه بكسر القاف وفتح الموحدة أي قال ذلك باختياره ووقع في رواية أحمد وصححه بن حبان من طريق أخرى عن أبي هريرة نحو هذا الحديث وفيه لقد ظننت انك أول من يسألني عن ذلك من أمتي وشفاعتي لمن شهد ان لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه والمراد بهذه الشفاعة المسئول عنها هنا بعض أنواع الشفاعة وهي التي يقول صلى الله عليه وسلم أمتي أمتي فيقال له اخرج من النار من في قلبه وزن كذا من الإيمان فأسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون ايمانه أكمل ممن دونه وأما الشفاعة العظمى في الاراحة من كرب الموقف فأسعد الناس بها من يسبق الى الجنة وهم الذين يدخلونها بغير حساب تم الذين يلونهم وهو من يدخلها بغير عذاب بعد ان يحاسب ويستحق العذاب ثم من يصيبه لفح من النار ولا يسقط والحاصل ان في قوله اسعد إشارة الى اختلاف مراتبهم في السبق الى الدخول باختلاف مراتبهم في الإخلاص ولذلك اكده بقوله من قلبه مع ان الإخلاص محله القلب لكن إسناد الفعل الى الجارحة ابلغ في التأكيد وبهذا التقرير يظهر موقع قوله اسعد وأنها على بابها من التفضيل ولا حاجة الى قول بعض الشراح الاسعد هنا بمعنى السعيد لكون الكل يشتركون في شرطية الإخلاص لأنا نقول يشتركون فيه لكن مراتبهم فيه متفاوتة وقال البيضاوي يحتمل ان يكون المراد من ليس له عمل يستحق به الرحمة والخلاص لأن احتياجه الى الشفاعة أكثر وانتفاعه بها أوفى والله اعلم الحديث الثاني والعشرون

[ 6202 ] قوله جرير هو بن عبد الحميد ومنصور هو بن المعتمر وابرهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو وهذا السند كله كوفيون قوله اني لاعلم اخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا فيها قال عياض جاء نحو هذا في آخر من يجوز على الصراط يعني كما يأتي في آخر الباب الذي يليه قال فيحتمل أنهما اثنان اما شخصان واما نوعان أو جنسان وعبر فيه بالواحد عن الجماعة لاشتراكهم في الحكم الذي كان سبب ذلك ويحتمل ان يكون الخروج هنا بمعنى الورود وهو الجواز على الصراط فيتحد المعنى اما في شخص واحد أو أكثر قلت وقع عند مسلم من رواية أنس عن بن مسعود ما يقوى الاحتمال الثاني ولفظه اخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك وعند الحاكم من طريق مسروق عن بن مسعود ما يقتضي الجمع قوله حبوا بمهملة وموحدة أي زحفا وزنه ومعناه ووقع بلفظ زحفا في رواية الأعمش عن إبراهيم عند مسلم قوله فان لك مثل الدنيا وعشرة امثالها أو ان لك مثل عشرة أمثال الدنيا وفي رواية الأعمش فيقال له اتذكر الزمان الذي كنت فيه أي الدنيا فيقول نعم فيقال له تمن فيتمنى قوله اتسخر مني أو تضحك مني وفي رواية الأعمش اتسخر بي ولم يشك وكذا لمسلم من رواية منصور وله من رواية أنس عن بن مسعود اتستهزئ بي وأنت رب العالمين قال المازري هذا مشكل وتفسير الضحك بالرضا لا يتأتى هنا ولكن لما كانت عادة المستهزئ ان يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه وأما نسبة السخرية الى الله تعالى فهي على سبيل المقابلة وان لم يذكره في الجانب الاخر لفظا لكنه لما ذكر انه عاهد مرارا وغدر حل فعله محل المستهزئ وظن ان في قول الله له ادخل الجنة وتردده إليها وظنه انها ملأى نوعا من السخرية به جزاء على فعله فسمى الجزاء على السخرية سخرية ونقل عياض عن بعضهم ان الف اتسخر مني الف النفي كهي في قوله تعالى اتهلكنا بما فعل السفهاء منا على أحد الأقوال قال وهو كلام متدلل علم مكانه من ربه وبسطه له بالاعطاء وجوز عياض ان الرجل قال ذلك وهو غير ضابط لما قال إذ وله عقله من السرور بما لم يخطر بباله ويؤيده انه قال في بعض طرقه عند مسلم لما خلص من النار لقد أعطاني الله شيئا ما عطاه أحدا من الأولين والاخرين وقال القرطبي في المفهم أكثروا في تأويله وأشبه ما قيل فيه انه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك وقيل قال ذلك لكونه خاف ان يجازى على ما كان منه في الدنيا من التساهل في الطاعات وارتكاب المعاصي كفعل الساخرين فكأنه قال اتجازيني على ما كان مني فهو كقوله سخر الله منهم وقوله الله يستهزئ بهم أي ينزل بهم جزاء سخريتهم واستهزائهم وسيأتي بيان الاختلاف في اسم هذا الرجل في آخر شرح حديث الباب الذي يليه قوله ضحك حتى بدت نواجذه بنون وجيم وذال معجة جمع ناجذ تقدم ضبطه في كتاب الصيام وفي رواية بن مسعود فضحك بن مسعود فقالوا مم تضحك فقال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك رب العاملين حين قال الرجل اتستهزئ مني قال لا استهزىء منك ولكني على ما أشاء قادر قال البيضاوي نسبة الضحك الى الله تعالى مجاز بمعنى الرضا وضحك النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته وضحك بن مسعود على سبيل التأسي قوله وكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة قال الكرماني ليس هذا من تتمة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الراوي نقلا عن الصحابة او عن غيرهم من أهل العلم قلت قائل وكان يقال هو الراوي كما أشار اليه وأما قائل المقالة المذكورة فهو النبي صلى الله عليه وسلم ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار وساق القصة وفي رواية له من حديث المغيرة ان موسى عليه السلام سأل ربه عن ذلك ولمسلم أيضا من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أدنى مقعد أحدكم من الجنة ان يقال له تمن فيتمنى ويتمنى فيقال ان لك ما تمنيت ومثله معه الحديث الثالث والعشرون

[ 6203 ] قوله عبد الملك هو بن عمير ونوف جد عبد الله بن الحارث هو بن الحارث بن عبد المطلب والعباس هو بن عبد المطلب وهو عم جد عبد الله بن الحارث الراوي عنه وللحارث بن نوفل ولأبيه صحبة ويقال ان لعبد الله رؤية وهو الذي كان يلقب ببه بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة ثم هاء تأنيث قوله هل نفعت أبا طالب بشيء هكذا ثبت في جميع النسخ بحذف الجواب وهو اختصار من المصنف وقد رواه مسدد في مسنده بتمامه وقد تقدم في كتاب الأدب عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة بالسند المذكور هنا بلفظ فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في ضحضاح من نار ولولا انا لكان في الدرك الاسفل من النار ووقع في رواية المقدمي عن أبي عوانة عند الإسماعيلي الدركة بزيادة هاء وقد تقدم شرح ما يتعلق بذلك في شرح الحديث الرابع عشر ومضى أيضا في قصة أبي طالب في المبعث النبوي لمسدد فيه سند اخر الى عبد الملك بن عمير المذكور والله اعلم

قوله باب الصراط جسر جهنم أي الجسر المنصوب على جهنم لعبور المسلمين عليه الى الجنة وهو بفتح الجيم ويجوز كسرها وقد وقع في حديث الباب لفظ الجسر وفي رواية شعيب الماضية في باب فضل السجود بلفظ ثم يضرب الصراط فكأنه أشار في الترجمة الى ذلك

[ 6204 ] قوله عن الزهري قال سعيد وعطاء بن يزيد ان أبا هريرة اخبرهما في رواية شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي قوله وحدثني محمود هو بن غيلان وساقه هنا على لفظ معمر وليس في سنده ذكر سعيد وكذا يأتي في التوحيد من رواية إبراهيم بن سعيد عن الزهري ليس فيه ذكر سعيد ووقع في تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى يوم ندعو كل اناس بامامهم عن عطاء بن يزيد فذكر الحديث قوله قال اناس يا رسول الله في رواية شعيب ان الناس قالوا ويأتي في التوحيد بلفظ قلنا قوله هل نرى ربنا يوم القيامة في التقيد بيوم القيامة إشارة الى ان السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا وقد اخرج مسلم من حديث أبي امامة واعلموا انكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وسيأتي الكلام على الرؤية في كتاب التوحيد لأنه محل البحث فيه وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عند الترمذي أن هذا لسؤال وقع على سبب وذلك انه ذكر الحشر والقول لتتبع كل امة ما كانت تعبد وقول المسلمين هذا مكاننا حتى نرى ربنا قالوا وهل نراه فذكره ومضى في الصلاة وغيرها ويأتي في التوحيد من رواية جرير قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر الحديث مختصر ويحتمل أن يكون الكلام وقع عند سؤالهم المذكور قوله هل تضارون بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة من الضرر وأصله تضارون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحدا ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة وجاء بتخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر أي لا يخالف بعض بعضا فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك يقال ضاره يضيره وقيل المعنى لا تضايقون أي لا تزاحمون كما جاء فالرواية الأخرى لا تضامون بتشديد الميم مع فتح أوله وقيل المعنى لا يحجب بعضكم بعضا عن الرؤية فيضربه وحكى الجوهري خبرني فلان إذا دنا مني دنوا شديدا قال بن الأثير فالمراد المضارة بازدحام وقال النووي أوله مضموم مثقلا ومخففا قال وروى تضامون بالتشديد مع فتح أوله وهو بحذف إحدى التاءين وهو من الضم وبالتخفيف مع ضم أوله من الضيم والمراد المشقة والتعب قال وقال عياض قال بعضهم في الذي بالراء وبالميم بفتح أوله والتشديد وأشار بذلك الى أن الرواية بضم أوله مخففا ومثقلا وكله صحيح ظاهر المعنى ووقع في رواية البخاري لا تضامون أو تضاهون بالشك كما مضى في فضل صلاة الفجر ومعنى الذي بالهاء لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا ومعنى الضيم الغلبة على الحق والاستبداد به أي لا يظلم بعضكم بعضا وتقدم في باب فضل السجود من رواية شعيب هل تمارون بضم أوله وتخفيف الراء أي تجادلون في ذلك أو يدخلكم فيه شك من المرية وهو الشك وجاء بفتح أوله وفتح الراء على حذف إحدى التاءين وفي رواية للبيهقي تتماوون باثباتهما قوله ترونه كذلك المراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك ورفع المشقة والاختلاف وقال البيهقي سمعت الشيخ أبا الطيب الصعلوكي يقول تضامون بضم أوله وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم الى بعض فإنه لا يرى في جهة ومعناه بفتح أوله لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة وهو بغير تشديد من الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فانكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة قال والتشبيه برؤية القمر لتعيين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى وقال الزين بن المنير انما خص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية واعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغا شائعا في الاستعمال وقال بن الأثير قد يتخيل بعض الناس ان الكاف كاف التشبيه للمرئي وهو غلط وانما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه انه رؤية مزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل فكما أمر باتباعه في الملة اتبعه في الدليل فاستدل به الخليل على اثبات الوحدانية واستدل به الحبيب على اثبات الرؤية فاستدل كل منهما بمقتضى حاله لان الخلة تصح بمجرد الوجود والمحبة لا تقع غالبا الا بالرؤية وفي عطف الشمس على القمر مع ان تحصيل الرؤية بذكره كاف لأن القمر لا يدرك وصفه الأعمى حسا بل تقليدا والشمس يدركها الأعمى حسا بوجود حرها إذا قابلها وقت الظهيرة مثلا فحسن التأكيد بها قال والتمثيل واقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية لأن الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك قلت وليس في عطف الشمس على القمر ابطال لقول من قال في شرح حديث جرير الحكمة في التمثيل بالقمر انه تتيسر رؤيته للرائي بغير تكلف ولا تحديق يضر بالبصر بخلاف الشمس فانها حكمة الاقتصار عليه ولا يمنع ذلك ورود ذكر الشمس بعده في وقت اخر فان ثبت ان المجلس واحد خدش في ذلك ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن لا تمارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى قال النووي مذهب أهل السنة ان رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج وهو جهل منهم فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين وأجاب الأئمة عن اعتراضات المبتدعة بأجوبة مشهورة ولا يشترط في الرؤية تقابل الاشعة ولا مقابلة المرئي وان جرت العادة بذلك فيما بين المخلوقين والله اعلم واعترض بن العربي على رواية العلاء وأنكر هذه الزيادة وزعم ان المراجعة الواقعة في حديث الباب تكون بين الناس وبين الواسطة لأنه لا يكلم الكفار ولا يرونه البتة وأما المؤمنون فلا يرونه الا بعد دخول الجنة بالإجماع قوله يجمع الله الناس في رواية شعيب يحشر وهو بمعنى الجمع وقوله في رواية شعيب في مكان زاد في رواية العلاء في صعيد واحد ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ يجمع الله يوم القيامة الأولين والاخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وقد تقدمت الإشارة اليه في شرح الحديث الطويل في الباب قبله قال النووي الصعيد الأرض الواسعة المستوي وينفذهم بفتح أوله وسكون النون وضم الفاء بعدها ذال معجمة أي يخرقهم بمعجمة وقاف حتى يجوزهم وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم قال أبو عبيدة معناه ينقذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم وقال غيره المراد بصر الناظين وهو أولى وقال القرطبي المعنى انهم يجمعون في مكان واحد بحيث لا يخفى منهم أحد لو دعاهم داع لسمعوه ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم قال ويحتمل ان يكون المراد بالداعي هنا من يدعوهم الى العرض والحساب لقوله يوم يدع الداع وقد تقدم بيان حال الموقف في باب الحشر وزاد العلاء بن عبد الرحمن في روايته فيطلع عليهم رب العالمية قال بن العربي لم يزل الله مطلعا على خلقه وانما المراد اعلامه باطلاعه عليهم حينئذ ووقع في حديث بن مسعود عند البيهقي في البعث وأصله في النسائي إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم الى السماء لا يكلمهم والشمس على رءوسهم حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر ووقع في حديث أبي سعيد عند أحمد انه يخفف الوقوف عن المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة وسنده حسن ولأبي يعلى عن أبي هريرة كتدلي الشمس للغروب الى ان تغرب وللطبراني من حديث عبد الله بن عمر ويكون ذلك اليوم اقصر على المؤمن من ساعة من نهار قوله فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ومن كان يعبد القمر القمر قال بن أبي جمرة في التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد من دون الله التنويه بذكرهما لعظم خلقهما وقع في حديث بن مسعود ثم ينادي مناد من السماء أيها الناس أليس عدل من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم ثم توليتم غيره ان يولى كل عبد منكم ما كان تولى قال فيقولون بلى ثم يقول لتنطلق كل امة الى من كانت تعبد وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن الا ليتبع كل انسان ما كان يعبد ووقع في رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة في مسند الحميدي وصحيح بن خزيمة وأصله في مسلم بعد قوله الا كما تضارون في رؤيته فيلقى العبد فيقول ألم اكرمك وأزوجك وأسخر لك فقول بلى فيقول اظننت انك ملاقى فيقول لا فيقول اني انساك كما نسيتني الحديث وفيه ويلقى الثالث فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت فيقول الا نبعث عليك شاهدا فيختم على فيه وتنطق جوارحه وذلك المنافق ثم ينادي مناد الا لتتبع كل امة ما كانت تعبد قوله ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا وقد تقدمت الإشارة الى شيء من ذلك في تفسير سورة النساء وقال الطبري الصواب عندي انه كان طاغ طغى على الله يعبد من دونه اما بقهر منه لمن عبد واما بطاعة ممن عبد انسانا كان أو شيطانا أو حيوانا أو جمادا قال فاتباعهم لهم حيئذ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم ويحتمل ان يتبعوهم بأن يساقوا الى النار قهرا ووقع في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب كل الأوثان مع اوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم وفيه إشارة الى ان كل من كان يعبد الشيطان ونحوه ممن يرضى بذلك أو الجماد والحيوان داخلون في ذلك وأما من كان يعبد من لا يرضى بذلك كالملائكة والمسيح فلا لكن وقع في حديث بن مسعود فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون فينطلقون وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيتمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره فأفادت هذه الزيادة تعميم من كان يعبد غير الله الا من سيذكر من اليهود والنصارى فإنه يخص من عموم ذلك بدليله الاتي ذكره وأما التعبير بالتمثيل فقال بن العربي يحتمل أن يكون التمثيل تلبيسا عليهم ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب وأما من سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قوله وتبقى هذه الأمة قال بن أبي جمرة يحتمل أن يكون المراد بالأمة امة محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان يحمل على أعم من ذلك فيدخل فيه جميع أهل التوحيد حتى من الجن ويدل عليه ما في بقية الحديث انه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر قلت ويؤخذ أيضا من قوله في بقية الحديث فأكون أول من يجيز فإن فيه إشارة الى ان الأنبياء بعده يجيزون أممهم قوله فيها منافقوها كذا للأكثر وفي رواية إبراهيم بن سعد فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم والأول المعتمد وزاد في حديث أبي سعيد حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة وفي رواية مسلم وغبر وكلاهما جمع غابر أو الغبرات جمع وغبر جمع غابر ويجمع أيضا على اغبار وغبر الشيء بقيته وجاء بسكون الموحدة والمراد هنا من كان يوحد الله منهم وصحفه بعضهم في مسلم بالتحتانية بلفظ التي بالاستثناء وجزم عياض وغيره بأنه وهم قال بن أبي جمرة لم يذكر في الخبر مآل المذكورين لكن لما كان من المعلوم ان استقرار الطواغيت في النار علم بذلك انهم معهم في النار كما قال تعالى فأوردهم النار قلت وقد وقع في رواية سهيل التي أشرت إليها قريبا فتتبع الشياطين والصليب اولياؤهم الى جهنم ووقع في حديث أبي سعيد من الزيادة ثم يؤتى بجهنم كأنها سراب بمهملة ثم موحدة فيقال اليهود ما كنتم تعبدون الحديث وفيه ذكر النصارى وفيه فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وفي رواية هشام بن سعد عن زيد بن اسلم عند بن خزيمة وابن منده وأصله في مسلم فلا يبقى أحد كان يعبد صنما ولا وثنا ولا صورة الا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيطرح منهم فيها فوج ويقال هل امتلأت فتقول هل من مزيد الحديث وكان اليهود وكذا النصارى ممن كان لا يعبد الصلبان لما كانوا يدعون انهم يعبدون الله تعالى تأخروا مع المسلمين فلما حققوا على عبادة من ذكر من الأنبياء الحقوا بأصحاب الأوثان ويؤيده قوله تعالى ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها الآية فأما من كان متمسكا بدينه الاصلي فخرج بمفهوم قوله الذين كفروا وعلى ما ذكر من حديث أبي سعيد يبقى أيضا من كان يظهر الإيمان من مخلص ومنافق قوله فتدعى اليهود قدموا بسبب تقدم ملتهم على ملة النصارى قوله فيقال لهم لم اقف على تسمية قائل ذلك لهم والظاهر انه الملك الموكل بذلك قوله كنا نعبد عزيرا بن الله هذا فيه اشكال لان المتصف بذلك بعض اليهود وأكثرهم ينكرون ذلك ويمكن ان يجاب بأن خصوص هذا الخطاب لمن كان متصفا بذلك ومن عداهم يكون جوابهم ذكر من كفروا به كما وقع في النصارى فإن منهم من أجاب بالمسيح بن الله مع ان فيهم من كان بزعمه يعبد الله وحده وهم الاتحادية الذين قالوا ان الله هو المسيح بن مريم قوله فيقال لهم كذبتم قال الكرماني التصديق والتكذيب لا يرجعان الى الحكم الذي أشار اليه فإذا قيل جاء زيد بن عمرو بكذا فمن كذبه انكر مجيئه بذلك الشيء لا انه بن عمرو وهنا لم ينكر عليهم انهم عبدوا وانما انكر عليهم ان المسيح بن الله قال والجواب عن هذا ان فيه نفي اللازم وهو كونه بن الله ليلزم نفي المازوم وهو عبادة بن الله قال ويجوز ان يكون الأول بحسب الظاهر وتحصل قرينة بحسب المقام تقتضي الرجوع إليهما جميعا أو الى المشار اليه فقط قال بن بطال في هذا الحديث ان المنافقين يتأخرون مع المؤمنين رجاء ان ينفعهم ذلك بناء على ما كانوا يظهرونه في الدنيا فظنوا ان ذلك يستمر لهم فميز الله تعالى المؤمنين بالغرة والتحجيل إذ لا غرة للمنافق ولا تحجيل قلت قد ثبت ان الغرة والتحجيل خاص بالأمة المحمدية فالتحقيق انهم في هذا المقام يتميزون بعدم السجود وبإطفاء نورهم بعد ان حصل لهم ويحتمل ان يحصل لهم الغرة والتحجيل ثم يسلبان عند اطفاء النور وقال القرطبي ظن المنافقون ان تسترهم بالمؤمنين ينفعهم في الآخرة كما كان ينفعهم في الدنيا جهلا منهم ويحتمل أن يكونوا حشروا معهم لما كانوا يظهرونه من الإسلام فاستمر ذلك حتى ميزهم الله تعالى منهم قال ويحتمل انهم لما سمعوا لتتبع كل امة من كانت تعبد والمنافق لم يكن يعبد شيئا بقي حائرا حتى ميز قلت هذا ضعيف لأنه يقتضي تخصيص ذلك بمنافق كان لا يعبد شيئا وأكثر المنافقين كانوا يعبدون غير الله من وثن وغيره قوله فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون في حديث أبي سعيد الاتي في التوحيد في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة وفي رواية هشام بن سعد ثم يتبدى لنا الله في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة ويأتي في حديث أبي سعيد من الزيادة فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا اليه اليوم وانا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون واننا ننتظر ربنا ووقع في رواية مسلم هنا فارقنا الناس في الدنيا افقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ورجح عياض رواية البخاري وقال غيره الضمير لله والمعنى فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم ونحن اليوم أحوج لربنا أي انا محتاجون اليه وقال عياض بل أحوج على بابها لأنهم كانوا محتاجين اليه في الدنيا فهم في الآخرة أحوج اليه وقال النووي إنكاره لرواية مسلم معترض بل معناه التضرع الى الله في كشف الشدة عنهم بأنهم لزموا طاعته وفارقوا في الدنيا من زاغ عن طاعته من اقاربهم مع حاجتهم إليهم في معاشهم ومصالح دنياهم كما جرى لمؤمني الصحابة حين قاطعوا من أقاربهم من حاد الله ورسوله مع حاجتهم إليهم والارتفاق بهم وهذا ظاهر في معنى الحديث لا شك في حسنه وأما نسبة الإتيان الى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكن رؤيته الا بالمجيء اليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا وقيل الإتيان فعل من افعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله ورجحه عياض قال ولعل هذا الملك جاءهم في صورة انكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك لأنه مخلوق قال ويحتمل وجها رابعا وهو ان المعنى يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك فإذا قال لهم هذا الملك انا ربكم ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعملون به انه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك انتهى وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن المشار إليها فيطلع عليهم رب العاملين وهو يقوي الاحتمال الأول قال وأما قوله بعد ذلك فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها فالمراد بذلك الصفة والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها وانما عرفوه بالصفة وان لم تكن تقدمت لهم رؤيته لنهم يرون حينئذ شيئا لا يشبه المخلوقين وقد علوا انه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعملون انه ربهم فيقولون أنت ربنا وعبر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة قال وأما قوله نعوذ بالله منك فقال الخطابي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال القاضي عياض وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به وقال النووي الذي قاله القاضي صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه انتهى ورجحه القرطبي في التذكرة وقال انه من الامتحان الثاني يتحقق ذلك فقد جاء في حديث أبي سعيد حتى ان بعضهم ليكاد ينقلب وقال بن العربي انما استعاذوا منه أولا لنهم اعتقدوا ان ذلك الكلام استدراج لأن الله لا يأمر بالفحشاء ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صورة أي بصورة لا يعرفونها وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق وقال بن الجوزي معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا اتانا بما نعرفه من لطفه وهي الصورة التي عبر عنها بقوله يكشف عن ساق أي عن شدة وقال القرطبي هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب وذلك انه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين انهم منهم ظانين ان ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن اتاهم بصورة هائلة قالت للجميع انا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة فلهذا قالوا نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا حتى ان بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين قال وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة قال ثم يقال بعد ذلك للمؤمنين هل بينكم وبينه علامة قلت وهذه الزيادة أيضا من حديث أبي سعيد ولفظه آية تعرفونها فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيصير ظهره طبقا واحدا أي يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود وفي لفظ لمسلم فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه الا اذن له في السجود أي سهل له وهون عليه ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء الا جعل الله ظهره طبقا واحدا كلما أراد ان يسجد خر لقفاه وفي حديث بن مسعود نحوه لكن قال فيقولون ان اعترف لنا عرفناه قال فيكشف عن ساق فيقعون سجودا وتبقى اصلاب المنافقين كأنها صياصي البقر وفي رواية أبي الزعراء عنه عند الحاكم وتبقى ظهور المنافقين طبقا واحدا كأنما فيها السفافيد وهي بمهملة وفاءين جمع سفود بتشديد الفاء وهو الذي يدخل في الشاة إذا أريد ان تشوى ووقع في رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عند بن منده فيوضع الصراط ويتمثل لهم ربهم فذكر نحو ما تقدم وفيه إذا تعرف لنا عرفناه وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن ثم يطلع عز وجل عليهم فيعرفهم نفسه ثم يقول انا ربكم فاتبعوني فيتبعه المسلمون وقوله في هذه الرواية فيعرفهم نفسه أي يلقى في قلوبهم علما قطعيا يعرفون به انه ربهم سبحانه وتعالى وقال الكلاباذي في معاني الاخبار عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه ومعنى كشف الساق زوال الخوف والهول الذي غيرهم حتى غابوا عن رؤية عوراتهم ووقع في رواية هشام بن سعد ثم نرفع رؤوسنا وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول انا ربكم فنقول نعم أنت ربنا وهذا فيه اشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا والعلم عند الله وقال الخطابي هذه الرؤية غير التي تقع في الجنة اكراما لهم فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الاكرام كما فسرت به الحسنى وزيادة قال ولا اشكال في حصول الامتحان في الموقف لن اثار التكاليف لا تنقطع الا بعد الاستقرار في الجنة أو النار قال ويشبه ان يقال انما حجب عنهم تحقق رؤيته اولا لما كان معهم من المنافقين الذين لا يستحقون رؤيته فلما تميزوا رفع الحجاب فقال المؤمنون حينئذ أنت ربنا قلت وإذا لوحظ ما تقدم من قوله إذا تعرف لنا عرفناه وما ذكرت من تأويله ارتفع الأشكال وقال الطيبي لا يلزم بأن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحد منها ما يخص بالأخرى فإن القبر أول منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره والتحقيق ان التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر وفي الموقف هي اثار ذلك ووقع في حديث بن مسعود من الزيادة ثم يقال للمسلمين ارفعوا رءوسكم الى نوركم بقدر أعمالكم وفي لفظ فيعطون نورهم على قدر اعمالهم فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل ودون ذلك ومثل النخلة ودون ذلك حتى يكون اخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه ووقع في رواية مسلم عن جابر ويعطى كل انسان منهم نورا الى ان قال ثم يطفيء نور المنافق وفي حديث بن عباس عند بن مردويه فيعطى كل انسان منهم نورا ثم يوجهون الى الصراط فما كان من منافق طفيء نوره وفي لفظ فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين فقالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم الآية وفي حديث أبي امامة عند بن أبي حاتم وانكم يوم القيامة في مواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه ثم ينتقلون الى منزل اخر فتغشى الناس الظلمة فيقسم النور فيختص بذلك المؤمن ولا يعطى الكافر ولا المنافق منه شيئا فيقول المنافقون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم الآية فيرجعون الى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فيضرب بينهم بسور قوله فيتبعونه قال عياض أي فيتبعون أمره أو ملائكته الذين وكلوا بذلك قوله ويضرب جسر جهنم في رواية شعيب بعد قوله أنت ربنا فيدعوهم فيضرب جسر جهنم تنبيه حذف من هذا السياق ما تقدم من حديث أنس في ذكر الشفاعة لفصل القضاء كما حذف من حديث أنس ما ثبت هنا من الأمور التي تقع في الموقف فينتظم من الحديثين انهم إذا حشروا وقع ما في حديث الباب من تساقط الكفار في النار ويبقى من عداهم في كرب الموقف فيستشفعون فيقع الإذن بنصب الصراط فيقع الامتحان بالسجود ليتميز المنافق من المؤمن ثم يجوزون على الصراط ووقع في حديث أبي سعيد هنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز في رواية شعيب يجوز بأمته وفي رواية إبراهيم بن سعد يجيزها والضمير لجهنم قال الأصمعي جاز الوادي مشى فيه وأجازه قطعه وقال غيره جاز وأجاز بمعنى واحد وقال النووي المعنى اكون انا وامتي أول من يمضي على الصراط ويقطعه يقول جاز الوادي وأجازه إذا قطعه وخلفه وقال القرطبي يحتمل أن تكون الهمزة هنا للتعدية لأنه لما كان هو وأمته أول من يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوز فإذا جاز هو وأمته فكأنه أجاز بقية الناس انتهى ووقع في حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم ثم ينادي مناد أين محمد وأمته فيقوم فتتبعه أمته برها وفاجرها فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصار اعدائه فيتهافتون من يمين وشمال وينجو النبي والصالحون وفي حديث بن عباس يرفعه نحن آخر الأمم وأول من يحاسب وفيه فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمر غرا محجلين من آثار الطهور فتقول الأمم كادت هذه الأمة ان يكونوا أنبياء قوله ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم في رواية شعيب ولا يتكلم يومئذ أحد الا الرسل وفي رواية إبراهيم بن سعد ولا يكلمه الا الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ووقع في رواية العلاء وقولهم اللهم سلم سلم وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمنين على الصراط رب سلم سلم والضمير في الأول للرسل ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين ان ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة فسمى ذلك شعارا لهم فبهذا تجتمع الاخبار ويؤيده قوله في رواية سهيل فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم وفي حديث أبي سعيد من الزيادة فيمر المؤمن كطرف العين وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا فيمر اولهم كمر البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرحال تجري بهم اعمالهم وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وفي حديث بن مسعود ثم يقال لهم انجوا على قدر نوركم فمنهم من يمر كطرف العين ثم كالبرق ثم كالسحاب ثم كانقضاض الكوكب ثم كالريح ثم كشد الفرس ثم كشد الرحل حتى يمر الرجل الذي أعطى نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يجر بيد ويعلق يد ويجر برجل ويعلق رجل وتضرب جوانبه النار حتى يخلص وعند بن أبي حاتم في التفسير من طريق أبي الزعراء عن بن مسعود كمر البرق ثم الريح ثم الطير ثم أجود الخيل ثم أجود الإبل ثم كعدو الرجل حتى ان آخرهم رجل نوره على موضع ابهامي قدميه ثم يتكفأ به الصراط وعند هناد بن السرى عن بن مسعود بعد الريح ثم كأسرع البهائم حتى يمر الرجل سعيا ثم مشيا ثم آخرهم يتلبط على بطنه فقول يا رب لم أبطأت بي فيقول أبطأ بك عملك ولابن المبارك من مرسل عبد الله بن شقيق فيجوز الرجل كالطرف وكالسهم وكالطائر السريع وكالفرس الجواد المضمر ويجوز الرجل يعدو عدوا ويمشي مشيا حتى يكون اخر من ينجو يحبو قوله وبه كلاليب الضمير للصراط وفي رواية شعيب وفي جهنم كلاليب وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به وفي رواية سهيل وعليه كلاليب النار وكلاليب جمع كلوب بالتشديد وتقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب الجنائز قال القاضي أبو بكر بن العربي هذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في الحديث الماضي حفت النار بالشهوات قال فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لأنها خطاطيفها وفي حديث حذيفة وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا أي يقفان في ناحيتي الصراط وهي بفتح الجيم والنون بعدها موحدة ويجوز سكون النون والمعنى ان الأمانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما يوقفان هناك للأمين والخائن والمواصل والقاطع فيحاجان عن المحق ويشهدان على المبطل قال الطيبي ويمكن ان يكون المراد بالأمانة ما في قوله تعالى انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض الآية وصلة الرحم ما في قوله تعالى واتقوا الله الي تساءلون به والارحام فيدخل فيه معنى التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فكأنهما اكتنفتا جنبتي الإسلام الذي هو الصراط المستقيم وفطرتي الإيمان والدين القويم قوله مثل شوك السعدان بالسين والعين المهملتين بلفظ التثنية والسعدان جمع سعدانة وهو نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاة قالوا مرعى ولا كالسعدان قوله اما رأيتم شوك السعدان هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة قوله غير انها لا يعلم قدر عظمها الا الله أي الشوكة والهاء ضمير الشأن ووقع في رواية الكشميهني غير أنه وقع في رواية مسلم لا يعلم ما قدر عظمها الا الله قال القرطبي فيدناه أي لفظ قدر عن بعض مشايخنا بضم الراء على أنه يكون استفهاما وقدر مبتدأ وبنصبها على ان تكون ما زائدة وقدر مفعول يعلم قوله فتخطف الناس بأعمالهم بكسر الطاء وبفتحها قال ثعلب في الفصيح خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع وحكى القزاز عكسه والكسر في المضارع أفصح قال الزين بن المنير تشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها مع التحرز والتصون تمثيلا لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة ثم استثنى إشارة الى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما وفي رواية السهدي وبحافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس ووقع في حديث أبي سعيد قلنا وما الجسر قال مدحضة مزلة أي زلق تزلق فيه الاقدام ويأتي ضبط ذلك في كتاب التوحيد ووقع عند مسلم قال أبو سعيد بلغني ان الصراط أحد من السيف وأدق من الشعرة ووقع في رواية بن منده من هذا الوجه قال سعيد بن أبي هلال بلغني ووصله البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مجزوما به وفي سنده لين ولابن المبارك عن مرسل عبيد بن عمير ان الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب انه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر وأخرجه بن أبي الدنيا من هذا الوجه وفيه والملائكة على جنبتيه يقولون رب سلم سلم وجاء عن الفضيل بن عياض قال بلغنا ان الصراط مسيرة خمسة عشر الف سنة خمسة آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى ادق من الشعرة وأحد من السيف على متن جهنم لا يجوز عيه الا ضامر مهزول من خشية الله أخرجه بن عساكر في ترجمته وهذا معضل لا يثبت وعن سعيد بن أبي هلال قال بلغنا ان الصراط ادق من الشعر على بعض الناس ولبعض الناس مثل الوادي الواسع أخرجه بن المبارك وابن أبي الدنيا وهو مرسل أو معضل واخرج الطبري من طريق غنيم بن قيس أحد التابعين قال تمثل النار للناس ثم يناديها مناد امسكي أصحابك ودعي أصحابي فتخسف بكل ولى لها فيه اعلم بهم من الرجل بولده ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم ورجاله ثقات مع كونه مقطوعا قوله منهم الموبق بعمله في رواية شعيب من يوبق وهما بالموحدة بمعنى الهلاك ولبعض رواة مسلم الموثق بالمثلثة من الوثاق ووقع عند أبي ذر رواية إبراهيم بن سعدد الآتية في التوحيد الشك وفي رواية الأصيلي ومنهم المؤمن بكسر الميم بعدها نون بقي بعمله بالتحتانية وكسر القاف من الوقاية أي يستره عمله وفي لفظ بعض رواة مسلم يعني بعين مهملة ساكنة ثم نون مكسورة بدل بقي وهو تصحيف قوله ومنهم المخردل بالخاء المعجمة في رواية شعيب ومنهم من يخردل ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم وكذا لأبي أحمد الجرجاني في رواية شعيب ووهاه عياض والدال مهملة للجميع وحكى أبو عبيد فيه اعجام الذال ورجح بن قرقول الخاء المعجمة والدال المهملة وقال الهروي المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوى في النار قال كعب بن زهير في بانت سعاد قصيدته المشهورة يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما لحم من القوم معفور خراديل فقوله معفور بالعين المهملة والفاء أي واقع في التراب و خراديل أي هو قطع ويحتمل أن يكون من الخردل أي جعلت اعضاؤه كالخردل وقيل معناه انها تقطعهم عن لحوقهم بمن نجا وقيل المخردل المصروع ورجه بن التين فقال هو انسب لسياق الخبر ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر فمنهم المخردل أو المجازي أو نحوه ولمسلم عنه المجازي بغير شك وهو بضم الميم وتخفيف الجيم من الجزاء قوله ثم ينجو في رواية إبراهيم بن سعد ثم ينجلي بالجيم أي يتبين ويحتمل ان يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه فيرجع الى معنى ينجو وفي حديث أبي سعيد فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم حتى يمر أحدهم فيسحب سحبا قال بن أبي جمرة يؤخذ منه ان المارين على الصراط ثلاثة أصناف ناج بلا خدوش وهالك من أول وهلة ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو وكل قسم منها ينقسم اقساما تعرف بقوله بقدر اعمالهم واختلف في ضبط مكدوس فوقع في رواية مسلم بالمهملة ورواه بعضهم بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ومعنى الذي بالمهملة الراكب بعضه على بعض وقيل مكردس والمكردس فقار الظهر وكردس الرجل خيله جعلها كراديس أي فرقها والمراد انه ينكفأ في قعرها وعند بن ماجة من وجه آخر عن أبي سعيد رفعه يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها قوله حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده كذا لمعمر هنا ووقع لغيره بعد هذا وقال في رواية شعيب حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار قال الزين بن المنير الفراغ إذا اضيف الى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه والمراد إخراج الموحدين وادخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار وحاصله ان المعنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وان لم يذكر لفظها وقال بن أبي جمرة معناه وصل الوقت الذي سبق في علم الله انه يرحمهم وقد سبق في حديث عمران بن حصين الماضي في أواخر الباب الذي قبله ان الإخراج يقع بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وعند أبي عوانة والبيهقي وابن حبان في حديث حذيفة يقول إبراهيم يا رباه حرقت بني فيقول اخرجوا وفي حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم ان قائل ذلك آدم وفي حديث أبي سعيد فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد يتبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا انهم قد نجوا في اخوانهم المؤمنين يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا الحديث هكذا في رواية الليث الآتية في التوحيد وقع فيه عند مسلم من رواية حفص بن ميسرة اختلاف في سياقه سأبينه هناك ان شاء الله تعالى ويحمل على ان الجميع شفعوا وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم في ذلك ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني بسند حسن رفعه يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصى عددهم الا الله بما عصوا الله واجترؤوا على معصيته وخالفوا طاعته فيؤذن لي في الشفاعة فأثنى على الله ساجدا كما اثنى عليه قائما فيقال لي ارفع رأسك الحديث ويؤيده ان في حديث أبي سعيد تشفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون ووقع في رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس عند النسائي ذكر سبب اخر لاخراج الموحدين من النار ولفظه وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار فيقول أهل النار ما اغنى عنكم انكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا فيقول الجبار فبعزتي لاعتقنهم من النار فيرسل إليهم فيخرجون وفي حديث أبي موسى عند بن أبي عاصم والبزار رفعه وإذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار الم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما اغنى عنكم اسلامكم وقد صرتم معنا في النار فقالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا فقال الكفار يا ليتنا كنا مسلمين وفي الباب عن جابر وقد تقدم في الباب الذي قبله وعن أبي سعيد الخدري عند بن مردويه ووقع في حديث أبي بكر الصديق ثم يقال ادعوا الأنبياء فيشفعون ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون وفي حديث أبي بكرة عند بن أبي عاصم والبيهقي مرفوعا يحمل الناس على الصراط فينجي الله من شاء برحمته ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصديقين فيشفعون ويخرجون قوله ممن كان يشهد ان لا إله إلا الله قال القرطبي لم يذكر الرسالة اما لانهما لما تلازما في النطق غالبا وشرطا اكتفى بذكر الأولى أو
قوله باب في الحوض أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم وجمع الحوض حياض وأحواض وهو مجمع الماء وايراد البخاري لاحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه الى ان الورود على الحوض يكون بعد نصب الصراط والمرور عليه وقد اخرج أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يشفع لي فقال انا فاعل فقلت أين اطلبك قال اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك قال انا عند الميزان قلت فإن لم ألقك قال انا عند الحوض وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط بما سيأتي في بعض أحاديث هذه الباب ان جماعة يدفعون عن الحوض بعد ان يكادوا يردون ويذهب بهم الى النار ووجه الاشكال ان الذي يمر على الصراط الى ان يصل الحوض يكون قد نجا من النار فكيف يرد إليها ويمكن ان يحمل على انهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون الى النار قبل ان يخلصوا من بقية الصراط وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة ذهب صاحب القوت وغيره الى ان الحوض يكون بعد الصراط وذهب اخرون الى العكس والصحيح ان للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والاخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثرا قلت وفيه نظر لأن الكوثر نهر داخل الجنة كما تقدم ويأتي ماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثر لكونه يمد منه فغاية ما يؤخذ من كلام القرطبي ان الحوض يكون قبل الصراط فإن الناس يردون الموقف عطاشى فيرد المؤمنون الحوض وتتساقط الكفار في النار بعد ان يقولوا ربنا عطشنا فترفع لهم جهنم كأنها سراب فيقال ألا الا تردون فيظنونها ماء فيتساقطون فيها وقد اخرج مسلم من حديث أبي ذر ان الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة وله شاهد من حديث ثوبان وهو حجة على القرطبي لا له لأنه قد تقدم ان الصراط جسر جهنم وأنه بين الموقف والجنة وأن المؤمنين يمرون عليه لدخول الجنة فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر في الحوض وظاهر الحديث ان الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها وفي حديث بن مسعود عند أحمد ويفتح نهر الكوثر الى الحوض وقد قال القاضي عياض ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الحوض من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا يدل على أن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار لأن ظاهر حال من لا يظمأ ان لا يعذب بالنار ولكن يحتمل ان من قدر عليه التعذيب منهم ان لا يعذب فيها بالظمأ بل بغيره قلت ويدفع هذا الاحتمال انه وقع في حديث أبي بن كعب عند بن أبي عاصم في ذكر الحوض ومن لم يشرب منه لم يرو ابدا وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند في الحديث الطويل عن لقيط بن عامر انه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ونهيك بن عاصم قال فقدمنا المدينة عند انسلاخ رجب فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة الحديث بطوله في صفة الجنة والبعث وفيه تعرضون عليه بادية له صفاحكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ غرفة من ماء فينضح بها قبلكم فلعمر الهك ما يخطىء وجه أحدكم قطرة فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء وأما الكافر فتخطمه مثل الخطام الأسود ثم ينصرف نبيكم وينصرف على اثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار يطأ أحدكم الجمرة فيقول حس فيقول ربك أوانه الا فيطلعون على حوض الرسول على إظماء والله ناهلة رأيتها ابدا ما يبسط أحد منكم يده الا وقع على قدح الحديث وأخرجه بن أبي عاصم في السنة والطبراني والحاكم وهو صريح في ان الحوض قبل الصراط قوله وقول الله تعالى انا اعطيناك الكوثر أشار الى ان المراد بالكوثر النهر الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحا في سابع أحاديث الباب ومضى في تفسير سورة الكوثر من حديث عائشة نحوه مع زيادة بيان فيه وتقدم الكلام على حديث بن عباس ان الكوثر هو الخير الكثير وجاء إطلاق الكوثر على الحوض في حديث المختار بن فلفل عن أنس في ذكر الكوثر هو حوض ترد عليه أمتي وقد اشتهر اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بالحوض لكن اخرج الترمذي من حديث سمرة رفعه ان لكل نبي حوضا وأشار الى انه اختلف في وصله وارساله وان المرسل أصح قلت والمرسل أخرجه بن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته الا انهم يتباهون أيهم أكثر تبعا إني لأرجو ان اكون أكثرهم تبعا وأخرجه الطبراني من وجه اخر عن سمرة موصولا مرفوعا مثله وفي سنده لين واخرج بن أبي الدنيا أيضا من حديث أبي سعيد رفعه وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض فمنهم من يأتيه الفئام ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه الواحد ومنهم من يأتيه الاثنان ومنهم من لا يأتيه أحد واني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وفي إسناده لين وان ثبت فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائة في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره ووقع الامتنان عليه به في السورة المذكورة قال القرطبي في المفهم تبعا للقاضي عياض في غالبه مما يجب على كل مكلف ان يعله ويصدق به ان الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي إذ روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غرهما بقية ذلك مما صح نقله واشتهرت رواته ثم رواه عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم ومن بعدهم اضعاف اضعافهم وهلم جرا واجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف وانكرت ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهرة وحقيقته ولا حاجة تدعو الى تأويله فخرق من حرفه إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف قلت أنكره الخوارج وبعض المعتزلة وممن كان ينكره عبيد الله بن زياد أحد امراء العراق لمعاوية وولده فعند أبي داود من طريق عبد السلام بن أبي حازم قال شهدت أبا برزة الأسلمي دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان وكان في السماط فذكر قصة فيها ان بن زياد ذكر الحوض فقال هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا فقال أبو برزة نعم لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا فمن كذب به فلا سقاه الله منه وأخرج البيهقي في البعث من طريق أبي حمزة عن أبي برزة نحوه ومن طريق يزيد بن حبان التيمي شهدت زيد بن أرقم وبعث اليه بن زياد فقال ما احديث تبلغني انك تزعم ان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا في الجنة قال حدثنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أحمد من طريق عبد الله بن بريدة عن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهذلي قال قال عبيد الله بن زياد ما اصدق بالحوض وذلك بعد ان حدثه أبو برزة والبراء وعائذ بن عمرو فقال له أبو سبرة بعثني أبوك في مال الى معاوية فلقيني عبد الله بن عمرو فحدثني وكتبته بيدي من فيه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول موعدكم حوضي الحديث فقال بن زياد حينئذ اشهد أن الحوض حق وعند أبي يعلى من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس دخلت على بن زياد وهم يذكرون الحوض فقال هذا أنس فقلت لقد كانت عجائز بالمدينة كثيرا ما يسألن ربهن ان يسقيهن من حوض نبيهن وسنده صحيح وروينا في فوائد العيسوى وهو في البعث للبيهقي من طريقه بسند صحيح عن حميد عن أنس نحوه وفيه ما حسبت ان اعيش حتى أرى مثلكم ينكر الحوض وأخرج البيهقي أيضا من طريق يزيد الرقاشي عن أنس في صفة الحوض وسيأتيه قوم ذابلة شفاههم لا يطعمون منه قطرة من كذب به اليوم لم يصب الشرب منه يومئذ ويزيد ضعيف لكن يقويه ما مضى ويشبه ان يكون الكلام الأخير من قول أنس قال عياض اخرج مسلم أحاديث الحوض عن بن عمر وأبي سعيد وسهل بن سعد وجندب وعبد الله بن عمرو وعائشة وأم سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبي ذر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة قال ورواه غير مسلم عن أبي بكر الصديق وزيد بن أرقم وأبي امامة وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وعبد الله بن زيد وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابحي والبراء بن عازب وقال النووي بعد حكاية كلامه مستدركا عليه رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر وعائذ بن عمرو وآخرين وجمع ذلك كله البيهقي في البعث بأسانيده وطرقه المتكاثرة قلت أخرجه البخاري في هذا الباب عن الصحابة الذين نسب عياض لمسلم تخريجه عنهم الا أم سلمة وثوبان وجابر بن سمرة وأبا ذر وأخرجه أيضا عن عبد الله بن زيد وأسماء بنت أبي بكر وأخرجه مسلم عنهما أيضا واغفلهما عياض وأخرجاه أيضا عن اسيد بن حضير واغفل عياض أيضا نسبة الأحاديث وحديث أبي بكر عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما وحديث زيد بن أرقم عند البيهقي وغيره وحديث خولة بنت قيس عند الطبراني وحديث أبي امامة عند بن حبان وغيره واما حديث سويد بن جبلة فأخرجه أبو زرعة الدمشقي في مسند الشاميين وكذا ذكره بن منده في الصحابة وجزم بن أبي حاتم بأن حديثه مرسل وأما حديث عبد الله الصنابحي فغلط عياض في اسمه وانما هو الصنابح بن الاعسر وحديثه عند أحمد وابن ماجة بسند صحيح ولفظه اني فرطكم على الحوض واني مكاثر بكم الحديث فان كان كما ظننت وكان ضبط اسم الصحابي وأنه عبد الله فتزيد العدة واحدا لكن ما عرفت من خرجه من حديث عبد الله الصنابحي وهو صحابي آخر غير عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي التابعي المشهور وقول النووي ان البيهقي استوعب طرقه يوهم انه اخرج زيادة على الأسماء التي ذكرها حيث قال وآخرين وليس كذلك فإنه لم يخرج حديث أبي بكر الصديق ولا سويد ولا الصنابحي ولا خولة ولا البراء وانما ذكره عن عمر وعن عائذ بن عمرو وعن أبي برزة ولم ار عنده زيادة الا من مرسل يزيد بن رومان في نزول قوله تعالى انا اعطيناك الكوثر وقد جاء فيه عمن لم يذكروه جميعا من حديث بن عباس كما تقدم في تفسير سورة الكوثر ومن حديث كعب بن عجرة عند الترمذي والنسائي وصححه الحاكم ومن حديث جابر بن عبد الله عند أحمد والبزار بسند صحيح وعن بريدة عند أبي يعلى ومن حديث أخي زيد بن أرقم ويقال ان اسمه ثابت عند أحمد ومن حديث أبي الدرداء عند بن أبي عاصم في السنة وعند البيهقي في الدلائل ومن حديث أبي بن كعب وأسامة بن زيد وحذيفة بن اسيد وحمزة بن عبد المطلب ولقيط بن عامر وزيد بن ثابت والحسن بن علي وحديثه عند أبي يعلى أيضا وأبي بكرة وخولة بنت حكيم كلها عند بن أبي عاصم ومن حديث العرباض بن سارية عند بن حبان في صحيحه وعن أبي مسعود البدري وسلمان الفارسي وسمرة بن جندب وعقبة بن عبد وزيد بن أوفى وكلها في الطبراني ومن حديث خباب بن الأرت عند الحاكم ومن حديث النواس بن سمعان عند بن أبي الدنيا ومن حديث ميمونة أم المؤمنين في الأوسط للطبراني ولفظه يرد علي الحوض اطولكن يدا الحديث ومن حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد بن منيع في مسنده وذكره بن منده في مستخرجه عن عبد الرحمن بن عوف وذكره بن كثير في نهايته عن عثمان بن مظعون وذكره بن القيم في الحاوي عن معاذ بن جبل ولقيط بن صبرة وأظنه عن لقيط بن عامر الذي تقدم ذكره فجميع من ذكرهم عياض خمسة وعشرون نفسا وزاد عليه النووي ثلاثة وزدت عليهم أجمعين قدر ما ذكروه سواء فزادت العدة على الخمسين ولكثير من هؤلاء الصحابة في ذلك زيادة على الحديث الواحد كأبي هريرة وأنس وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأحاديثهم بعضها في مطلق ذكر الحوض وفي صفته بعضها وفيمن يرد عليه بعضها وفيمن يدفع عنه بعضها وكذلك في الأحاديث التي أوردها المصنف في هذا الباب وجملة طرقها تسعة عشر طريقا وبلغني ان بعض المتأخرين وصلها الى رواية ثمانين صحابيا الأول قوله وقال عبد الله بن يزيد هو بن عاصم المازني قوله اصبروا حتى تلقوني على الحوض هو طرف من حديث طويل وصله المؤلف في غزوة حنين وفيه كلام الأنصار لما قسمت غنائم حنين في غيرهم وفيه انكم سترون بعدي اثرة فاصبروا الحديث وقد تقدم شرحه مستوفي هناك الحديث الثاني والثالث عن بن مسعود موصولا وعن حذيفة معلقا

[ 6205 ] قوله عن سليمان هو الأعمش وشقيق هو أبو وائل المذكور في الطريق الثانية ووقع صريحا عند الإسماعيلي فيهما وعند مسلم في الأول وعبد الله هو بن مسعود والمغيرة في الطريق الثانية هو بن مقسم الضبي الكوفي قوله وليرفعن بضم أوله وفتح الفاء والعين أي يظهرهم الله لي حتى اراهم قوله ثم ليختلجن بفتح اللام وضم التحتانية وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة واللام وضم الجيم بعدها نون ثقيلة أي ينزعون أو يجذبون مني يقال اختلجه منه إذا نزعه منه أو جذبه بغير ارادته وسيأتي زيادة في إيضاحه في شرح الحديث التاسع وما بعده والتاسع عشر قوله تابعه عاصم هو بن أبي النجود قاريء الكوفة والضمير للأعمش أي ان عاصما رواه كما رواه الأعمش عن أبي وائل فقال عن عبد الله بن مسعود وقد وصلها الحارث بن أبي أسامة في مسنده من طريق سفيان الثوري عن عاصم قوله وقال حصين أي بن عبد الرحمن الواسطي قوله عن أبي وائل عن حذيفة أي انه خالف الأعمش وعاصما فقال عن أبي وائل عن حذيفة وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق حصين وصنيعه يقتضي انه عند أبي وائل عن بن مسعود وعن حذيفة معا وصنيع البخاري يقتضي ترجيح قول من قال ن أبي وائل عن عبد الله لكونه ساقها موصولة وعلق الأخرى الحديث الرابع

[ 6206 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري قوله امامكم بفتح الهمزة أي قداكم حوض في رواية السرخسي حوضي بزيادة ياء الإضافة الأول هو الذي عند كل من اخرج الحديث كمسلم قوله كما بين جرباء وأذرح اما جرباء فهي بفتح الجيم وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ تأنيث اجرب قال عياض جاءت في البخاري ممدودة وقال االنووي في شرح مسلم الصواب انها مقصورة وكذا ذكرها الحازمي والجمهور قال والمد خطأ وأثبت صاحب التحرير المد وجوز القصر ويؤيد المد قول أبي عبيد البكري هي تأنيث اجرب وأما اذرح فبفتح الهمزة وسكون المعجمة وضم الراء بعدها مهملة قال عياض كذا للجمهور ووقع في رواية العذري في مسلم بالجيم وهو وهم قلت وسأذكر الخلاف في تعيين مكاني هذين الموضعين في آخر الكلام على الحديث السادس ان شاء الله تعالى الحديث الخامس حديث بن عباس تقدم شرحه في تفسير سورة الكوثر وقوله

[ 6207 ] ثنا هشيم أخبرنا أبو بشر هو جعفر بن أبي وحشية بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة مكسورة ثم تحتانية ثقيلة ثم هاء تأنيث واسم أبي وحشية إياس قوله وعطاء بن السائب هو المحدث المشهور كوفي من صغار التابعين صدوق اختلط في آخر عمره وسماع هشيم منه بعد اختلاطه ولذلك اخرج له البخاري مقرونا بأبي بشر وماله عنده الا هذا الموضع وقد مضى في تفسير الكوثر من جهة هشيم عن أبي بشر وحده ولعطاء بن السائب في ذكر الكوثر سند آخر عن شيخ آخر أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه بسند صحيح من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن بن عمر فذكر الحديث المشار اليه في تفسير الكوثر وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة عن عطاء قال قال لي محارب بن دثار ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر قلت كال يحدث عن بن عباس قال هو الخير الكثير فقال محارب حدثنا بن عمر فذكر الحديث وأخرجه البيهقي في البعث من طريق حماد بن زيد عن عطاء بن السائب وزاد فقال محارب سبحان الله ما أقل ما يسقط لابن عباس فذكر حديث بن عباس ثم قال هذا والله هو الخير الكثير الحديث السادس

[ 6208 ] قوله نافع هو بن عمر الجمحي المكي قوله قال عبد الله بن عمرو في رواية مسلم من وجه اخر عن نافع بن عمر بسنده عن عبد الله بن عمرو وقد خالف نافع بن عمر في صحابيه عبد الله بن عثمان بن خثيم فقال عن بن أبي مليكة عن عائشة أخرجه أحمد والطبراني ونافع بن عمر احفظ من بن خثيم قوله حوضي مسيرة شهر زاد مسلم والإسماعيلي وابن حبان في روايتهم من هذا الوجه وزواياه سواء وهذه الزيادة تدفع تأويل من جمع بين مختلف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض على اختلاف العرض والطول وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا فوقع في حديث أنس الذي بعده كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وأيلة مدينة كانت عامرة وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون شماليهم ويمر بها الحاج من غزة وغيرها فتكون امامهم ويجلبون إليها الميرة من الكرك والشوبك وغيرهما يتلقون بها الحاج ذهابا وايابا واليها تنسب العقبة المشهورة عند المصريين وبينها وبين المدينة النبوية نحو الشهر بسير الاثقال ان اقتصروا كل يوم على مرحلة والا فدون ذلك وهي من مصر على أكثر من النصف من ذلك ولم يصب من قال من المتقدمين انها على النصف مما بين مصر ومكة بل هي دون الثلث فإنها أقرب الى مصر ونقل عياض عن بعض أهل العلم ان أيلة شعب من جبل رضوى الذي في ينبع وتعقب بأنه اسم وافق اسما والمراد بأيلة في الخبر هي المدينة الموصوفة انفا وقد ثبت ذكرها في صحيح مسلم في قصة غزوة تبوك وفيه ان صاحب أيلة جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحه وتقدم لها ذكر أيضا في كتاب الجمعة وأما صنعاء فإنما قيدت في هذه الرواية باليمن احترازا من صنعاء التي بالشام والأصل فيها صنعاء اليمن لما هاجر أهل اليمن في زمن عمر عند فتوح الشام نزل أهل صنعاء في مكان من دمشق فسمى باسم بلدهم فعلى هذا فمن في قوله في هذه الرواية من اليمن ان كانت ابتدائية فيكون هذا اللفظ مرفوعا وان كانت بيانية فيكون مدرجا من قول بعض الرواة والظاهر انه الزهري ووقع في حديث جابر بن سمرة أيضا كما بين صنعاء وأيلة وفي حديث حذيفة مثله لكن قال عدن بدل صنعاء وفي حديث أبي هريرة ابعد من أيلة الى عدن وعدن بفتحتين بلد مشهور على ساحل البحر في اواخر سواحل اليمن واوائل سواحل الهند وهي تسامت صنعاء وصنعاء في جهة الجبال وفي حديث أبي ذر ما بين عمان الى أيلة وعمان بضم المهملة وتخفيف النون بلد على ساحل البحر من جهة البحرين وفي حديث أبي بردة عند بن حبان ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة وصنعاء مسيرة شهر وهذه الروايات متقاربة لأنها كلها نحو شهر أو تزيد أو تنقص ووقع في روايات أخرى التحديد بما هو دون ذلك فوقع في حديث عقبة بن عامر عند أحمد كما بين أيلة الى الجحفة وفي حديث جابر كما بين صنعاء الى المدينة وفي حديث ثوبان ما بين عدن وعمان البلقاء ونحوه لابن حبان عن أبي امامة وعمان هذه بفتح المهملة وتشديد الميم للأكثر وحكى تخفيفها وتنسب الى البلقاء لقربها منها والبلقاء بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها قاف وبالمد بلدة معروفة من فلسطين وعند عبد الرزاق في حديث ثوبان ما بين بصرى الى صنعاء أو ما بين أيلة الى مكة وبصرى بضم الموحدة وسكون المهملة بلد معروف بطرف الشام من جهة الحجاز تقدم ضبطها في بدء الوحي وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد بعد ما بين مكة وأيلة وفي لفظ ما بين مكة وعمان وفي حديث حذيفة بن اسيد ما بين صنعاء الى بصرى ومثله لابن حبان في حديث عتبة بن عبد وفي رواية الحسن عن أنس عند أحمد كما بين مكة الى أيلة أو بين صنعاء ومكة وفي حديث أبي سعيد عند بن أبي شيبة وابن ماجة ما بين الكعبة الى بيت المقدس وفي حديث عتبة بن عبد عند الطبراني كما بين البيضاء الى بصرى والبيضاء بالقرب من الربذة البلد المعروف بين مكة والمدينة وهذه المسافات متقاربة وكلها ترجع الى نحو نصف شهر أو تزيد على ذلك قليلا أو تنقص وأقل ما ورد في ذلك ما وقع في رواية لمسلم في حديث بن عمر من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر بسنده كما تقدم وزاد قال قال عبيد الله فسألته قال قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام ونحوه له في رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر لكن قال ثلاث ليال وقد جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال عياض هذا من اختلاف التقدير لان ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا من الرواة وانما جاء في أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في كل منها مثلا لبعد اقطار الحوض وسعته بما يسنح له من العبارة ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المحققة قال فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة من جهة المعنى انتهى ملخصا وفيه نظر من جهة ان ضرب المثل والتقدير انما يكون فيما يتقارب واما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة على ثلاثين يوما وينقص الى ثلاثة أيام فلا قال القرطبي ظن بعض القاصرين ان الاختلاف في قدر الحوض اضطراب وليس كذلك ثم نقل كلام عياض وزاد وليس اختلافا بل كلها تفيد انه كبير متسع متباعد الجوانب ثم قال ولعل ذكره للجهات المختلفة بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهة فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها وأجاب النووي بأنه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة فالأكثر ثابت بالحديث الصحيح فلا معارضة وحاصله انه يشير الى انه أخبر اولا بالمسافة اليسيرة ثم اعلم بالمسافة الطويلة فأخبره بها كأن الله تفضل عليه باتساعه شيئا بعد شيء فيكون الاعتماد على ما يدل على اطولها مسافة وتقدم قول من جمع الاختلاف بتفاوت الطول والعرض ورده بما في حديث عبد الله بن عمرو زواياه سواء ووقع أيضا في حديث النواس بن سمعان وجابر وأبي برزة وأبي ذر طوله وعرضه سواء وجمع غيره بين الاختلافين الأولين باختلاف السير البطيء وهو سير الاثقال والسير السريع وهو سير الراكب المخف ويحمل رواية اقلها وهو الثلاث على سير البريد فقد عهد منهم من قطع مسافة الشهر في ثلاثة أيام ولو كان نادرا جدا وفي هذا الجواب عن المسافة الأخيرة نظر وهو فيما قبله مسلم وهو أولى ما يجمع به وأما مسافة الثلاث فإن الحافظ ضياء الدين المقدسي ذكر في الجزء الذي جمعه في الحوض أن في سياق لفظها غلطا وذلك الإختصار وقع في سياقه من بعض رواته ثم ساقه من حديث أبي هريرة وأخرجه من فوائد عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي بسند حسن الى أبي هريرة مرفوعا في ذكر الحوض فقال فيه عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح قال الضياء فظهر بهذا انه وقع في حديث بن عمر حذف تقديره كما بين مقامي وبين جرباء وأذرح فسقط مقامي وبين وقال الحافظ صلاح الدين العلائي بعد ان حكى قول بن الأثير في النهاية هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام ثم غلطه في ذلك وقال ليس كما قال بل بينهما غلوة سهم وهما معروفتان بين القدس والكرك قال وقد ثبت القدر المحذوف عند الدارقطني وغيره بلفظ ما بين المدينة وجرباء وأذرح قلت وهذا يوافق رواية أبي سعيد عند بن ماجة كما بين الكعبة وبيت المقدس وقد وقع ذكر جرباء وأذرح في حديث اخر عند مسلم وفيه وافى أهل جرباء وأذرح بحرسهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره في غزوة تبوك وهو يؤيد قول العلائي انهما متقاربتان وإذا تقرر ذلك رجع جميع المختلف الى انه لاختلاف السير البطيء والسير السريع وسأحكي كلام بن التين في تقدير المسافة بين جرباء وأذرح في شرح الحديث السادس عشر والله العم قوله ماؤه أبيض من اللبن قال المازري مقتضى كلام النحاة ان يقال أشد بياضا ولا يقال أبيض من كذا ومنهم من إجازة في الشعر ومنهم من إجازة بقلة ويشهد له هذا الحديث وغيره قلت ويحتمل ان يكون ذلك من تصرف الرواة فقد وقع في رواية أبي ذر عند مسلم بلفظ أشد بياضا من اللبن وكذا لابن مسعود عند أحمد وكذا لأبي امامة عند بن أبي عاصم قوله وريحه اطيب من المسك في حديث بن عمر عند الترمذي اطيب ريحا من المسك ومثله في حديث أبي امامة عند بن حبان رائحة وزاد بن أبي عاصم وابن أبي الدنيا في حديث بريدة وألين من الزبد وزاد مسلم من حديث أبي ذر وثوبان وأحلى من العسل ومثله لأحمد عن أبي بن كعب وله عن أبي امامة وأحلى مذاقا من العسل وزاد أحمد في حديث بن عمر ومن حديث بن مسعود وأبرد من الثلج وكذا في حديث أبي برزة وعند البزار من رواية عدي بن ثابت عن أنس ولأبي يعلى من وجه اخر عن أنس وعند الترمذي في حديث بن عمر وماؤه أشد بردا من الثلج قوله وكيزانه كنجوم السماء في حديث أنس الذي بعده وفيه من الأباريق كعدة نجوم أسماء ولأحمد من رواية الحسن عن أنس أكثر من عدد نجوم السماء وفي حديث المستورد في أواخر الباب فيه الآنية مثل الكواكب ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر فيه اباريق كنجوم السماء قوله من شرب منها أي من الكيزان وفي رواية الكشميهني من شرب منه أي من الحوض فلا يظمأ ابدا في حديث سهل بن سعد الاتي قريبا من مر على شرب ومن شرب لم يظمأ ابدا وفي رواية موسى بن عقبة من ورده فشرب لم يظمأ بعدها ابدا وهذا يفسر المراد بقوله من مر بة شرب أي من مر بة فمكن من شربه فشرب لا يظمأ أو من مكن من المرور به شرب وفي حديث أبي امامة ولم يسود وجه ابدا وزاد بن أبي عاصم في حديث أبي بن كعب من صرف عنه لم يرو ابدا ووقع في حديث النواس بن سمعان عند بن أبي الدنيا أول من يرد عليه من يسقى كل عطشان الحديث السابع

[ 6209 ] قوله يونس هو بن يزيد قوله حدثني أنس هذا يدفع تعليل من اعله بأن بن شهاب لم يسمعه من أنس لأن أبا أويس رواه عن بن شهاب عن أخيه عبد الله بن مسلم عن أنس أخرجه بن أبي عاصم وأخرجه الترمذي من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم بن أخي الزهري عن أبيه به والذي يظهر انه كان عند بن شهاب عن أخيه عن أنس ثم سمعه عن أنس فإن بين السياقين اختلافا وقد ذكر بن أبي عاصم أسماء من رواه عن بن شهاب عن أنس بلا واسطة فزادوا على عشرة الحديث الثامن حديث أنس من رواية قتادة عنه

[ 6210 ] قوله بينا انا اسير في الجنة تقدم تفسير سورة الكوثر ان ذلك كان ليلة أسري به وفي اواخر الكلام على حديث الإسراء في أوائل الترجمة النبوية وظن الداودي ان المراد ان ذلك يكون يوم القيامة فقال ان كان هذا محفوظا دل على أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام غير النهر الذي في الجنة أو يكون يراهم وهو داخل الجنة وهم من خارجها فيناديهم فيصرفون عنه وهو تكلف عجيب يغني عنه ان الحوض الذي هو خارج الجنة يمد من النهر الذي هو داخل الجنة فلا اشكال أصلا وقوله في آخره طيبة أو طينه شك هدبة هل هو بموحدة من الطيب أو بنون من الطين وأراد بذلك ان أبا الوليد لم يشك في روايته انه بالنون وهو المعتمد وتقدم في تفسير سورة الكوثر من طريق شيبان عن قتادة فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا اذفر واخرج البيهقي في البعث من طريق عبد الله بن مسلم عن أنس بلفظ ترابه مسك الحديث التاسع حديث أنس أيضا من رواية عبد العزيز وهو بن صهيب عنه

[ 6211 ] قوله اصيحابي بالتصغير وفي رواية الكشميهني أصحابي بغير تصغير قوله فقول في رواية الكشميهني فيقال وقد ذكر شرح ما تضمنه في شرح حديث بن عباس الحديث العاشر والحادي عشر حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري من رواية أبي حازم عن سهل وعن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد

[ 6212 ] قوله فأقول سحقا سحقا بسكون الحاء المهملة فيهما ويجوز ضمها ومعناه بعدا بعدا ونصب بتقدير ألزمهم الله ذلك قوله وقال بن عباس سحقا بعدا وصله بن أبي حاتم من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظه قوله يقال سحيق بعيد هو كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى أو تهوى به الريح في مكان سحيق السحيق البعيد والنخلة السحوق الطويلة قوله سحقه وأسحقه أبعده ثبت هذا في رواية الكشميهني وهو من كلام أبي عبيدة أيضا قال يقال سحقه الله وأسحقه أي ابعده ويقال بعد وسحق إذا دعوا عليه وسحقته الريح أي طردته وقال الإسماعيلي يقال سحقه إذا اعتمد عليه بشيء ففتنه وأسحقه ابعده وقد تقدم شرح حديث بن عباس في هذا في باب كيف الحشر الحديث الثاني عشر

[ 6213 ] قوله وقال أحمد بن شبيب الخ وصله أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا حدثنا أحمد بن شبيب به ويونس هو بن يزيد نسبه أبو عوانة في روايته هذه وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن أحمد بن شبيب قوله فيجلون بضم أوله وسكون الجيم وفتح اللام أي يصرفون وفي رواية الكشميهني بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة مضمومة قبل الواو وكذا للأكثر ومعناه يطردون وحكى بن التين ان بعضهم ذكره بغير همزة قال وهو في الأصل مهموز فكأنه سهل الهمزة قوله انهم ارتدوا هذا يوافق تفسير قبيصة الماضي في باب كيف الحشر قوله على اعقابهم في رواية الإسماعيلي على ادبارهم

[ 6214 ] قوله وقال شعيب هو بن أبي حمزة عن الزهري يعني بسنده وصله الذهلي في الزهريات وهو بسكون الجيم أيضا وقيل بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها لام ثقيلة واو ساكنة وهو تصحيف قوله وقال عقيل هو بن خالد يعني عن بن شهاب بسنده يحلؤن يعني بالحاء المهملة والهمزة قوله وقال الزبيدي هو محمد بن الوليد ومحمد بن علي شيخ الزهري فيه هو أبو جعفر الباقر وشيخه عبيد الله هو بن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الجياني انه وقع في رواية القابسي والأصيلي عن المروزي عبد الله بن أبي رافع بسكون الموحدة وهو خطأ وفي السند ثلاثة من التابعين مدنيون في نسق فالزهري والباقر قرينان وعبيد الله أكبر منهما وطريق الزبيدي المشار إليها وصلها الدارقطني في الافراد من رواية عبد الله بن سالم عنه كذلك ثم ساق المصنف الحديث من طريق بن وهب عن يونس مثل رواية شبيب عن يونس لكن لم يسم أبا هريرة بل قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحاصل الاختلاف ان بن وهب وشبيب بن سعيد اتفقا في روايتهما عن يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ثم اختلفا فقال بن سعيد عن أبي هريرة وقال بن وهب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يضر لأن في رواية بن وهب زيادة على ما يقتضيه رواية بن سعيد وأما رواية عقيل وشعيب فإنما تخالفتا في بعض اللفظ وخالف الجميع الزبيدي في السند فيحمل على انه كان عند الزهري بسندين فإنه حافظ وصاحب حديث ودلت رواية الزبيدي على ان شبيب بن سعيد حفظ فيه أبا هريرة وقد اعرض مسلم عن هذه الطرق كلها واخرج من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه اني لأذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الإبل وأخرجه من وجه آخر عن أبي هريرة في اثناء حديث وهذا المعنى لم يخرجه البخاري مع كثرة ما أخرج من الأحاديث في ذكر الحوض والحكمة في الذود المذكور انه صلى الله عليه وسلم يريد ان يرشد كل أحد الى حوض نبيه على ما تقدم ان لكل نبي حوضا وانهم يتباهون بكثرة من يتبعهم فيكون ذلك من جملة انصافه ورعاية إخوانه من النبيين لا انه يطردهم بخلا عليهم بالماء ويحتمل انه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض والعلم عند الله تعالى الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة أيضا أخرجه من رواية فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عنه ورجال سنده كلهم مدنيون وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وأبي نعيم وسائر من استخرج على الصحيح فأخرجوه من عدة طرق عن البخاري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه

[ 6215 ] قوله بينا انا نائم كذا بالنون للأكثر وللكشميهني قائم بالقاف وهو أوجه والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة وتوجه الأولى بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة قوله ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم المراد بالرجل الملك الموكل بذلك ولم اقف على اسمه قوله انهم ارتدوا القهقرى أي رجعوا الى خلف ومعنى قولهم رجع القهقرى رجع الرجوع المسمى بهذا الاسم وهو رجوع مخصوص وقيل معناه العدو الشديد قوله فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه والهمل بفتحتين الإبل بلا راع وقال لخطاب يالهمل ما لا يرعى ولا يستعمل ويطلق على الضوال والمعنى انه لا يرده منهم الا القليل لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة أيضا ما بين بيتي ومنبري وفيه ومنبري على حوضي تقدم شرحه في اواخر الحج والمراد بتسمية ذلك الموضع روضة ان تلك البقعة تنقل الى الجنة فتكون روضة من رياضها أو انه على المجاز لكون العبادة فيه تئول الى دخول العابد روضة الجنة وهذا فيه نظر إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة والخبر مسوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها وقيل فيه تشبيه محذوف الاداة أي هو كروضة لأن من يقعد فيها من الملائكة ومؤمني الانس والجن يكثرون الذكر وسائر أنواع العبادة وقال الخطابي المراد من هذا الحديث الترغيب في سكنى المدينة وان من لازم ذكر الله في مسجدها آل به الى روضة الجنة وسقى يوم القيامة من الحوض الحديث الخامس عشر حديث جندب وعبد الملك راوية عنه هو بن عمير الكوفي والفرط بفتح الفاء والراء السابق الحديث السادس عشر

[ 6218 ] قوله يزيد هو بن أبي حبيب وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني وعقبة بن عامر هو الجهني وقد مر شرحه في كتاب الجنائز فيما يتعلق بالصلاة على الشهداء وفي علامات النبوة فيما يتعلق بذلك وقد تقدم الكلام على المنافسة في شرح حديث أبي سعيد في أوائل كتاب الرقاق هذا قوله والله اني لأنظر الى حوضي الان يحتمل انه كشف له عنه لما خطب وهذا هو الظاهر ويحتمل ان يريد رؤية القلب وقال بن التين النكتة في ذكره عقب التحذير الذي قبله انه يشير الى تحذيرهم من فعل ما يقتضي ابعادهم عن الحوض وفي الحديث عدة اعلام من اعلام النبوة كما سبق الحديث السابع عشر

[ 6219 ] قوله معبد بن خالد هو الجدلي بفتح الجيم والمهملة من ثقات الكوفيين ولهم معبد بن خالد اثنان غيره أحدهما أكبر منه وهو صحابي جهني والاخر أصغر منه وهو أنصاري مجهول قوله حارثة بن وهب هو الخزاعي صحابي نزل الكوفة له أحاديث وكان أخا عبيد الله بالتصغير بن عمر بن الخطاب لأمه قوله كما بين المدينة وصنعاء قال بن التين يريد صنعاء الشام قلت ولا بعد في حمله على المتبادر هو صنعاء اليمن لما تقدم توجيهه وقد تقدم في الحديث الخامس التقييد بصنعاء اليمن فليحمل المطلق عليه ثم قال يحتمل ان يكون ما بين المدينة وصنعاء الشام قدر ما بينها وصنعاء اليمن وقدر ما بينها وبين أيلة وقدر ما بين جرباء وأذرح انتهى وهو احتمال مردود فإنها متفاوتة الا ما بين المدينة وصنعاء وبينها وصنعاء الأخرى والله اعلم الحديث الثامن عشر قوله وزاد بن أبي عدى هو محمد بن إبراهيم وأبو عدي جده لا يعرف اسمه ويقال بل هي كنية أبيه إبراهيم وهو بصري ثقة كثير الحديث وقد وصله مسلم والإسماعيلي من طريقه قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال حوضه كذا لهم وفيه الثقات ووقع في رواية مسلم حوضي قوله فقال له المستورد بضم الميم وسكون المهملة وفتح المثناة بعدها واو ساكنة ثم راء مكسورة ثم مهملة هو بن شداد بن عمرو بن حسل بكسر أوله وسكون ثانية واهمالهما ثم لام القرشي الفهري صحابي بن صحابي شهد فتح مصر وسكن الكوفة ويقال مات سنة خمس وأربعين وليس له في البخاري الا هذا الموضع وحديثه مرفوع وان لم يصرح به وقد تقدم البحث فيما زاده من ذكر الاواني في شرح الحديث السادس عشر الحديث التاسع عشر

[ 6220 ] قوله عن أسماء بنت أبي بكر جمع مسلم بين حديث بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو وحديثه عن أسماء فقدم ذكر حديث عبد الله بن عمرو في صفة الحوض ثم قال بعد قوله لم يظمأ بعدها أبدا قال وقالت أسماء بنت أبي بكر فذكره قوله وسيؤخذ ناس دوني هو مبين لقوله في حديث بن مسعود في أوائل الباب ثم ليختلجن دوني وأن المراد طائفة منهم قوله فأقول يارب مني ومن أمتي فيه دفع لقول من حملهم على غير هذه الأمة قوله هل شعرت ما عملوا بعدك فيه إشارة الى انه لم يعرف اشخاصهم بأعيانها وان كان قد عرف انهم من هذه الأمة بالعلامة قوله ما برحوا يرجعون على اعقابهم أي يرتدون كما في حديث الآخرين قوله قال بن أبي مليكة هو موصول بالسند المذكور فقد أخرجه مسلم بلفظ قال فكان بن أبي مليكة يقول قوله ان نرجع على اعقابنا أو نفتن عن ديننا أشار بذلك الى ان الرجوع على العقب كناية عن مخالفة الأمر الذي تكون الفتنة سببه فاستعاذ منهما جميعا قوله على اعقابكم تنكصون ترجعون على العقب هو تفسير أبي عبيدة للآية وزاد نكص رجع على عقبيه تنبيه اخرج مسلم والإسماعيلي هذا الحديث عقب حديث عبد الله بن عمرو وهو الخامس وكأن البخاري اخر حديث أسماء الى اخر الباب لما في اخره من الإشارة الآخرية الدالة على الفراغ كما جرى بالاستقراء من عادته انه يختم كل كتاب بالحديث الذي تكون فيه الإشارة الى ذلك بأي لفظ اتفق والله اعلم خاتمة اشتمل كتاب الرقاق من الأحاديث المرفوعة على مائة وثلاثة وتسعين حديثا المعلق منها ثلاثة وثلاثون طريقا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأربعة وثلاثون والخالص تسعة وخمسون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث بن عمر كن في الدنيا كأنك غريب وحديث بن مسعود في الخالط وكذا حديث أنس فيه وحديث أبي بن كعب في نزول الهاكم التكاثر وحديث بن مسعود أيكم مال وارثه احب اليه وحديث أبى هريرة اعذر الله الى امرئ وحديثه الجنة أقرب الى أحدكم وحديثه ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه وحديث عبد الله بن الزبير لو كان لابن ادم واد من ذهب وحديث سهل بن سعد من يضمن لي وحديث أنس انكم لتعملون اعمالا وحديث أبي هريرة من عادى لي وليا وحديثه بعثت انا والساعة كهاتين وحديثه في بعث النار وحديث عمران في الجهنميين وحديث أبي هريرة لا يدخل أحد الجنة الا اري مقعده وحديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة فيمن يدفع عن الحوض فإن فيه زيادات ليست عند مسلم وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر اثرا والله سبحانه وتعالى اعلم