كتاب القدر
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب القدر زاد أبو ذر عن المستملي باب في القدر وكذا للأكثر دون قوله كتاب القدر والقدر بفتح القاف والمهملة قال الله تعالى انا كل شيء خلقناه بقدر قال الراغب القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم ويتضمن الإرادة عقلا والقول نقلا وحاصله وجود شيء في وقت وعلى حال بوفق العلم والإرادة والقول وقدر الله الشيء بالتشديد قضاه ويجوز بالتخفيف وقال بن القطاع قدر الله الشيء جعله بقدر والرزق صنعه وعلى الشيء ملكه ومضى في باب التعوذ من جهد البلاء في كتاب الدعوات ما قال بن بطال في التفرقة بين القضاء والقدر وقال الكرماني المراد بالقدر حكم الله وقالوا أي العلماء القضاء هو الحكم الكلي الاجمالي في الازل والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله وقال أبو المظفر بن السمعاني سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة لم يبلغ شفاء العين ولا ما يطمئن به القلب لان القدر سر من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب وقيل ان سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف لهم قبل دخولها انتهى وقد اخرج الطبراني بسند حسن من حديث بن مسعود رفعه إذا ذكر القدر فامسكوا واخرج مسلم من طريق طاوس أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس قلت والكيس بفتح الكاف ضد العجز ومعناه الحذق في الأمور ويتناول أمور الدنيا والآخرة ومعناه ان كل شيء لا يقع في الوجود الا وقد سبق به علم الله ومشيئته وانما جعلهما في الحديث غاية لذلك للإشارة الى ان افعالنا وان كانت معلومة لنا ومرادة منا فلا تقع مع ذلك منا الا بمشيئة الله وهذا الذي ذكره طاوس مرفوعا وموقوفا مطابق لقوله تعالى انا كل شيء خلقناه بقدر فإن هذه الآية نص في ان الله خالق كل شيء ومقدره وهو انص من قوله تعالى خالق كل شيء وقوله تعالى والله خلقكم وما تعملون واشتهر على ألسنة السلف والخلف ان هذه الآية نزلت في القدرية واخرج مسلم من حديث أبي هريرة جاء مشركو قريش يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت وقد تقدم في الكلام على سؤال جبريل في كتاب الإيمان شيء من هذا وان الإيمان بالقدر من أركان الإيمان وذكر هناك بيان مقالة القدرية بما اغنى عن اعادته ومذهب السلف قاطبة ان الأمور كلها بتقدير الله تعالى كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم وقد ذكر في هذا الباب حديثين الأول

[ 6221 ] قوله أبو الوليد هو الطيالسي قوله أنباني سليمان الأعمش سيأتي في التوحيد من رواية ادم عن شعبة بلفظ حدثنا الأعمش ويؤخذ منه ان التحديث والانباء عند شعبة بمعنى واحد ويظهر به غلط من نقل عن شعبة انه يستعمل الانباء في الإجازة لكونه صرح بالتحديث ولثبوت النقل عنه انه لا يعتبر الإجازة ولا يروى بها قوله عن عبد الله هو بن مسعود ووقع في رواية آدم سمعت عبد الله بن مسعود قوله حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال الطيبي يحتمل أن تكون الجملة حالية ويحتمل ان تكون اعتراضية وهو أولى لتعم الأحوال كلها وان ذلك من دأبه وعادته والصادق معناه المخبر بالقول الحق ويطلق على الفعل يقال صدق القتال وهو صادق فيه والمصدوق معناه الذي يصدق له في القول يقال صدقته الحديث إذا أخبرته به اخبارا جازما أو معناه الذي صدقه الله تعالى وعده وقال الكرماني لما كان مضمون الخبر أمرا مخالفا لما عليه الأطباء أشار بذلك الى بطلان ما ادعوه ويحتمل انه قال ذلك تلذذا به وتبركا وافتخارا ويؤيده وقوع هذا اللفظ بعينه في حديث أنس ليس فيه إشارة الى بطلان شيء يخالف ما ذكر وهو ما أخرجه أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة سمعت الصادق المصدوق يقول لا تنزع الرحمة الا من شقي ومضى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يدي اغيلمة من قريش وهذا الحديث اشتهر عن الأعمش بالسند المذكور هنا قال علي بن المديني في كتاب العلل كنا نظن ان الأعمش تفرد به حتى وجدناه من رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قلت وروايته عند أحمد والنسائي ورواه حبيب بن حسان عن زيد بن وهب أيضا وقع لنا في الحلية ولم ينفرد به زيد عن بن مسعود بل رواه عنه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عند أحمد وعلقمة عند أبي يعلى وأبو وائل في فوائد تمام ومخارق بن سليم وأبو عبد الرحمن السلمي كلاهما عند الفريابي في كتاب القدر وأخرجه أيضا من رواية طارق ومن رواية أبي الأحوص الجشمي كلاهما عن عبد الله مختصرا وكذا لأبي الطفيل عند مسلم وناجية بن كعب في فوائد العيسوي وخيثمة بن عبد الرحمن عند الخطابي وابن أبي حاتم ولم يرفعه بعض هؤلاء عن بن مسعود ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع بن مسعود جماعة من الصحابة مطولا ومختصرا منهم أنس وقد ذكر عقب هذا وحذيفة بن اسيد عند مسلم وعبد الله بن عمر في القدر لابن وهب وفي افراد الدارقطني وفي مسند البزار من وجه اخر ضعيف والفريابي بسند قوي وسهل بن سعد وسيأتي في هذا الكتاب وأبو هريرة عند مسلم وعائشة عند أحمد بسند صحيح وأبو ذر عند الفريابي ومالك بن الحويرث عند أبي نعيم في الطب والطبراني ورباح اللخمي عند بن مردويه في التفسير وابن عباس في فوائد المخلص من وجه ضعيف وعلي في الأوسط للطبراني من وجه ضعيف وعبد الله بن عمرو في الكبير بسند حسن والعرس بن عميرة عند البزار بسند جيد وأكثم بن أبي الجون عند الطبراني وابن منده بسند حسن وجابر عند الفريابي وقد أشار الترمذي في الترجمة الى أبي هريرة وأنس فقط وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن بضع وعشرين نفسا من أصحاب الأعمش منهم من أقرانه سليمان التيمي وجرير بن حازم وخالد الحداء ومن طبقة شعبة الثوري وزائدة وعمار بن زريق وأبو خيثمة ومما لم يقع لأبي عوانة رواية شريك عن الأعمش وقد أخرجها النسائي في التفسير ورواية ورقاء بن عمر ويزيد بن عطاء وداود بن عيسى أخرجها تمام وكنت خرجته في جزء من طرق نحو الأربعين نفسا عن الأعمش فغاب عني الان ولو امعنت التتبع لزادوا على ذلك قوله ان أحدكم قال أبو البقاء في اعراب المسند لا يجوز في أن الا الفتح لأنه مفعول حدثنا فلو كسر لكان منقطعا عن قوله حدثنا وجزم النووي في شرح مسلم بأنه بالكسر على الحكاية وجوز الفتح وحجة أبي البقاء ان الكسر على خلاف الظاهر ولا يجوز العدول عنه الا لمانع ولو جاز من غير ان يثبت به النقل لجاز في مثل قوله تعالى أيعدكم انكم إذا متم وقد اتفق القراء على انها بالفتح وتعقبه الخوبي بأن الرواية جاءت بالفتح وبالكسر فلا معنى للرد قلت وقد جزم بن الجوزي بأنه في الرواية بالكسر فقط قال الخوبي ولو لم تجيء به الرواية لما امتنع جوازا على طريق الرواية بالمعنى وأجاب عن الآية بأن الوعد مضمون الجملة وليس بخصوص لفظها فلذلك اتفقوا على الفتح فإما هنا فالتحديث يجوز أن يكون بلفظه وبمعناه قوله يجمع في بطن أمه كذا لأبي ذر عن شيخيه وله عن الكشميهني ان خلق أحدكم يجمع في بطن أمه وهي رواية آدم في التوحيد وكذا للأكثر عن الأعمش وفي رواية أبي الأحوص عنه ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه وكذا لأبي معاوية ووكيع وابن نمير وفي رواية بن فضيل محمد بن عبيد عند بن ماجة انه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه وفي رواية شريك مثل آدم لكن قال بن آدم بدل أحدكم والمراد بالجمع ضم بعضه الى بعض بعد الانتشار وفي قوله خلق تعبير بالمصدر عن الجثة وحمل على انه بمعنى المفعول كقولهم هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه أو على حذف مضاف أي ما يقوم به خلق أحدكم أو اطلق مبالغة كقوله وانما هي إقبال وادبار جعلها نفس الإقبال والادبار لكثرة وقوع ذلك منها قال القرطبي في المفهم المراد ان المنى يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم قوله أربعين يوما زاد في رواية آدم أو أربعين ليلة وكذا لأكثر الرواة عن شعبة بالشك وفي رواية يحيى القطان ووكيع وجرير وعيسى بن يونس أربعين يوما بغير شك وفي رواية سلمة بن كهيل أربعين ليلة بغير شك ويجمع بأن المراد يوم بليلته أو ليلة بيومها ووقع عند أبي عوانة من رواية وهب بن جرير عن شعبة مثل رواية آدم لكن زاد نطفة بين قوله أحدكم وبين قوله أربعين فبين ان الذي يجمع هو النطفة والمراد بالنطفة المني وأصله الماء الصافي القليل والأصل في ذلك ان ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد الله ان يخلق من ذلك جنينا هيأ أسباب ذلك لأن في رحم المرأة قوتين قوة انبساط عند ورود مني الرجل حتى ينتشر في جسد المرأة وقوة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسا ومع كون المنى ثقيلا بطبعه وفي مني الرجل قوة الفعل وفي مني المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاح يصير مني الرجل كالانفحة للبن وقيل في كل منهما قوة فعل وانفعال لكن الأول في الرجل أكثر وبالعكس في المرأة وزعم كثير من أهل التشريح ان مني الرجل لا اثر له في الولد الا في عقده وانه انما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك وما ذكر اولا أقرب الى موافقة الحديث والله اعلم قال بن الأثير في النهاية يجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم أي تمكس النطفة أربعين يوما تخمر فيه حتى تتهيأ للتصوير ثم تخلق بعد ذلك وقيل ان بن مسعود فسره بأن النطفة إذا وقعت في الرحيم فأراد الله ان يخلق منها بشرا طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين يوما ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها قلت هذا التفسير ذكره الخطابي وأخرجه بن أبي حاتم في التفسير من رواية الأعمش أيضا عن خيثمة بن عبد الرحمن عن بن مسعود وقوله فذلك جمعها كلام الخطابي أو تفسير بعض رواة حديث الباب وأظنه الأعمش فظن بن الأثير انه تتمة كلام بن مسعود فأدرجه فيه ولم يتقدم عن بن مسعود في رواية خيثمة ذكر الجمع حتى يفسره وقد رجح الطيبي هذا التفسير فقال الصحابي اعلم بتفسير ما سمع واحق بتأويله واولى بقبول ما يتحدث به وأكثر احتياطا في ذلك من غيره فليس لمن بعده ان يتعقب كلامه قلت وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما ظاهره يخالف التفسير المذكور ولفظه إذا أراد الله خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم احضره كل عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبه وفي لفظ ثم تلا في أي صورة ما شاء ركبك وله شاهد من حديث رباح اللخمي لكن ليس فيه ذكر يوم السابع وحاصله أن في هذا زيادة تدل على ان الشبه يحصل في اليوم السابع وأن فيه ابتداء جمع المني وظاهر الروايات الأخرى ان اتبداء جمعه من ابتداء الأربعين وقد وقع في رواية عبد الله بن ربيعة عن بن مسعود ان النطفة التي تقضى منها النفس إذا وقعت في الرحم كانت في الجسد أربعين يوما ثم تحادرت دما فكانت علقة وفي حديث جابر ان النطفة إذا استقرت في الرحم أربعين يوما أو ليلة اذن الله في خلقها ونحوه في حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث حذيفة بن اسيد من رواية عكرمة بن خالد عن أبي الطفيل عنه أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك وكذا في رواية يوسف المكي عن أبي الطفيل عند الفريابي وعنده وعند مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون وفي نسخة ثنتان وأربعون ليلة وفي رواية بن جريج عن أبي الزبير عند أبي عوانة ثنتان وأربعون وهي عند مسلم لكن لم يسق لفظها قال مثل عمرو بن الحارث وفي رواية ربيعة بن كلثوم عن أبي الطفيل عند مسلم أيضا إذا أراد الله ان يخلق شيئا يأذن له لبضع وأربعين ليلة وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي الطفيل يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين وهكذا رواه بن عيينة عن عمرو عند مسلم ورواه الفريابي من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو فقال خمسة وأربعين ليلة فجزم بذلك فحاصل الاختلاف ان حديث بن مسعود لم يختلف في ذكر الأربعين وكذا في كثير من الأحاديث وغالبها كحديث أنس ثاني حديثي الباب لا تحديد فيه وحديث حذيفة بن اسيد اختلفت ألفاظ نقلته فبعضهم جزم بالاربعين كما في حديث بن مسعود وبعضهم زاد ثنتين أو ثلاثا أو خمسا أو بضعا ثم منهم من جزم ومنهم من تردد وقد جمع بينها القاضي عياض بأنه ليس في رواية بن مسعود بأن ذلك يقع عند انتهاء الأربعين الأولى وابتداء الأربعين الثانية بل اطلق الأربعين فاحتمل ان يريد ان ذلك يقع في أوائل الأربعين الثانية ويحتمل ان يجمع الاختلاف في العدد الزائد على انه بحسب اختلاف الاجنة وهو جيد لو كانت مخارج الحديث مختلفة لكنها متحدة وراجعة الى أبي الطفيل عن حذيفة بن اسيد فدل على أنه لم يضبط القدر الزائد على الأربعين والخطب فيه سهل وكل ذلك لا يدفع الزيادة التي في حديث مالك بن الحويرث في إحضار الشبه في اليوم السابع وان فيه يبتدىء الجمع بعد الانتشار وقد قال بن منده انه حديث متصل على شرط الترمذي والنسائي واختلاف الألفاظ بكونه في البطن وبكونه في الرحم لا تأثير له لأنه في الرحم حقيقة والرحم في البطن وقد فسروا قوله تعالى في ظلمات ثلاث بأن المراد ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة البطن فالمشمية في الرحم والرحم في البطن قوله ثم علقة مثل ذلك في رواية آدم ثم تكون علقة مثل ذلك وفي رواية مسلم ثم تكون في ذلك علقة مثل ذلك و تكون هنا بمعنى تصير ومعناه انها تكون بتلك الصفة مدة الأربعين ثم تنقلب الى الصفة التي تليها ويحتمل ان يكون المراد تصيرها شيئا فشيئا فيخالط الدم النطفة في الأربعين الأولى بعد انعقادها وامتدادها وتجري في اجزائها شيئا فشيئا حتى تتكامل علقة في اثناء الأربعين ثم يخالطها اللحم شيئا فشيئا الى ان تشتد فتصير مضغة ولا تسمى علقة قبل ذلك ما دامت نطفة وكذا ما بعد ذلك من زمان العلقة والمضغة وأما ما أخرجه أحمد من طريق أبي عبيدة قال قال عبد الله رفعه ان النطفة تكون في الرحم أربعين يوما على حالها لا تتغير ففي سنده ضعف وانقطاع فان كان ثابتا حمل نفي التغير على تمامه أي لا تنتقل الى وصف العلقة الا بعد تمام الأربعين ولا ينفي ان المني يستحيل في الأربعين الأولى دما الى ان يصير علقة انتهى وقد نقل الفاضل علي بن المهذب الحموي الطبيب اتفاق الأطباء على ان خلق الجنين في الرحم يكون في نحو الأربعين وفيها تتميز أعضاء الذكر دون الأنثى لحرارة مزاجه وقواه واعبد الى قوام المنى الذي تتكون اعضاؤه منه ونضجه فيكون اقبل للشكل والتصوير ثم يكون علقة مثل ذلك والعلقة قطعة دم جامد قالوا وتكون حركة الجنين في ضعف المدة التي يخلق فيها ثم يكون مضغة مثل ذلك أي لحمة صغيرة وهي الاربعون الثالثة فتحرك قال واتفق العلماء على ان نفخ الروح لا يكون الا بعد أربعة اشهر وذكر الشيخ شمس الدين بن القيم ان داخل الرحم خشن كالسفنج وجعل فيه قبولا للمنى كطلب الأرض العطشى للماء فجعله طالبا مشتاقا اليه بالطبع فلذلك يمسكه ويشتمل عليه ولا يزلقه بل ينضم عليه لئلا يفسده الهواء فيأذن الله لملك الرحم في عقده وطبخه أربعين يوما وفي تلك الأربعين يجمع خلقه قالوا ان المنى إذا اشتمل عليه الرحم ولم يقذفه استدار على نفسه اشتد الى تمام ستة أيام فينقط فيه ثلاث نقط في مواضع القلب والدماغ والكبد ثم يظهر فيما بين تلك النقط خطوط خمسة الى تمام ثلاثة أيام ثم تنفذ الدموية فيه الى تمام خمسة عشر فتتميز الأعضاء الثلاثة ثم تمتد رطوبة النخاع الى تمام اثني عشر يوما ثم ينفصل الرأس عن المنكبين والاطراف عن الضلوع والبطن عن الجنين في تسعة أيام ثم يتم هذا التمييز بحيث يظهر للحس في أربعة أيام فيكمل أربعين يوما فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم يجمع خلقه في أربعين يوما وفيه تفصيل ما أجمل فيه ولا ينافي ذلك قوله ثم تكون علقة مثل ذلك فان العلقة وان كانت قطعة دم لكنها في هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المني ويظهر التخطيط فيها ظهروا خفيا على التدريج ثم يتصلب في الأربعين يوما بتزايد ذلك التخليق شيئا فشيئا حتى يصير مضغة مخلقة ويظهر للحس ظهورا لا خفاء به وعند تمام الأربعين الثالثة والطعن في الأربعين الرابعة ينفخ فيه الروح كما وقع في هذا الحديث الصحيح وهو ما لا سبيل الى معرفته الا بالوحي حتى قال كثير من فضلاء الأطباء وحذاق الفلاسفة انما يعرف ذلك بالتوهم والظن البعيد واختلفوا في النقطة الأولى أيها اسبق والأكثر نقط القلب وقال قوم أول ما يخلق منه السرة لان حاجته من الغذاء أشد من حاجته الى آلات قواه فإن من السرة ينبعث الغذاء والحجب التي على الجنين في السرة كأنها مربوط بعضها ببعض والسرة في وسطها ومنها يتنفس الجنين ويتربى وينجذب غذاؤه منها قوله ثم يكون مضغة مثل ذلك في رواية آدم مثله وفي رواية مسلم كما قال في العلقة والمراد مثل مدة الزمان المذكور في الاستحالة والعلقة الدم الجامد الغليظ سمي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلقه بما مر به والمضغة قطعة اللحم سميت بذلك لأنها قدر ما يمضغ الماضغ قوله ثم يبعث الله ملكا في رواية الكشميهني ثم يبعث اليه ملك وفي رواية آدم كالكشميهني لكن قال الملك ومثله لمسلم بلفظ ثم يرسل الله واللام فيه للعهد والمراد به عهد مخصوص وهو جنس الملائكة الموكلين بالارحام كما ثبت في رواية حذيفة بن اسيد من رواية ربيعة بن كلثوم ان ملكا موكلا بالرحم ومن رواية عكرمة بن خالد ثم يتسور عليها الملك الذي يخلقها وهو بتشديد اللام وفي رواية أبي الزبير عند الفريابي اتى ملك الأرحام وأصله عند مسلم لكن بلفظ بعث الله ملكا وفي حديث بن عمر إذا أراد الله ان يخلق النطفة قال ملك الأرحام وفي ثاني حديثي الباب عن أنس وكل الله بالرحم ملكا وقال الكرماني إذا ثبت ان المراد بالملك من جعل اليه أمر تلك الرحم فكيف يبعث أو يرسل وأجاب بأن المراد ان الذي يبعث بالكلمات غير الملك الموكل بالرحم الذي يقول يا رب نطفة الخ ثم قال ويحتمل ان يكون المراد بالبعث انه يؤمر بذلك قلت وهو الذي ينبغي ان يعول عليه وبه جزم القاضي عياض وغيره وقد وقع في رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الأعمش إذا استقرت النطفة في الرحم اخذها الملك بكفه فقال أي رب اذكر أو أنثى الحديث وفيه فيقال انطلق الى أم الكتاب فإنك تجد قصة هذه النطفة فينطلق فيجد ذلك فينبغي ان يفسر الإرسال المذكور بذلك واختلف في أول ما يتشكل من أعضاء الجنين فقيل قلبه لأنه الاساس وهو معدن الحركة الغريزية وقيل الدماغ لأنه مجمع الحواس ومنه ينبعث وقيل الكبد لأن فيه النمو والاغتذاء الذي هو قوام البدن ورجحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لأن النمو هو المطلوب اولا ولا حاجة له حينئذ الى حس ولا حركة ارادية لأنه حينئذ بمنزلة النبات وانما يكون له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس به فيقدم الكبد ثم القلب ثم الدماغ قوله فيؤمر بأربعة في رواية الكشميهني بأربع والمعدود إذا ابهم جاز تذكيره وتأنيثه والمعنى انه يؤمر بكتب أربعة أشياء من أحوال الجنين وفي رواية آدم فيؤمر بأربع كلمات وكذا للأكثر والمراد بالكلمات القضايا المقدرة وكل قضية تسمى كلمة قوله برزقه وأجله وشقي أو سعيد كذا وقع في هذه الرواية ونقص منها ذكر العمل وبه تتم الأربع وثبت قوله وعمله في رواية آدم وفي رواية أبي الأحوص عن الأعمش فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب فذكر الأربع وكذا لمسلم والأكثر وفي رواية لمسلم أيضا فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه الخ وضبط بكتب بوجهين أحدهما بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة ومثناة ساكنة ثم موحدة على البدل والاخر بتحتانية مفتوحة بصيغة الفعل المضارع وهو أوجه لأنه وقع في رواية آدم فيؤذن بأربع كلمات فيكتب وكذا في رواية أبي داود وغيره وقوله شقي أو سعيد بالرفع خبر مبتدأ محذوف وتكلف الخوبي في قوله أنه يؤمر بأربع كلمات فيكتب منها ثلاثا والحق ان ذلك من تصرف الرواة والمراد انه يكتب لكل أحد اما السعادة واما الشقاء ولا يكتبهما لواحد معا وان أمكن وجودهما منه لأن الحكم إذا اجتمعا للأغلب وإذا ترتبا فللخاتمة فلذلك اقتصر على أربع والا لقال خمس والمراد من كتابة الرزق تقديره قليلا أو كثيرا وصفته حراما أو حلالا وبالاجل هل هو طويل أو قصير وبالعمل هو صالح أو فاسد ووقع لأبي داود من رواية شعبة والثوري جميعا عن الأعمش ثم يكتب شقيا أو سعيدا ومعنى قوله شقي أو سعيد ان الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب مثلا اجل هذا الجنين كذا ورزقه كذا وعمله كذا وهو شقي باعتبار ما يختم له وسعيد باعتبار ما يختم له كما دل عليه بقية الخبر وكان ظاهر السياق ان يقول ويكتب شقاوته وسعادته لكن عدل عن ذلك لان الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما أشار الى ذلك الطيبي ووقع في حديث أنس ثاني حديثي الباب ان الله وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب اذكر أو اثنى وفي حديث عبد الله بن عمرو إذا مكثت النطفة في الرحم أربعين ليلة جاءها ملك فقال اخلق يا أحسن الخالقين فيقضي الله ما شاء ثم يدفع الى الملك فيقول يا رب اسقط أم تام فيبين له ثم يقول أواحد أم توأم فيبين له فيقول اذكر أم أنثى فيبين له ثم يقول اناقص الاجل أم تام الاجل فيبين له ثم يقول اشقي أم سعيد فيبين له ثم يقطع له رزقه مع خلقه فيهبط بهما ووقع في غير هذه الرواية أيضا زيادة على الأربع ففي رواية عبد الله بن ربيعة عن بن مسعود فيقول اكتب رزقه واثره وخلقه وشقي أو سعيد وفي رواية خصيف عن أبي الزبير عن جابر من الزيادة أي رب مصيبته فيقول كذا وكذا وفي حديث أبي الدرداء عند أحمد والفريابي فرغ الله الى كل عبد من خمس من عمله واجله ورزقه واثره ومضجعه واما صفة الكتابة فظاهر الحديث انها الكتابة المعهودة في صحيفته ووقع ذلك صريحا في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن اسيد ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص وفي رواية الفريابي ثم نطوى تلك الصحيفة الى يوم القيامة ووقع في حديث أبي ذر فيقضي الله ما هو قاض فيكتب ما هو لاق بين عينيه وتلا أبو ذر خمس آيات من فاتحة سورة التغابن ونحوه في حديث بن عمر في صحيح بن حبان دون تلاوة الآية وزاد حتى النكبة ينكبها وأخرجه أبو داود في كتاب القدر المفرد قال بن أبي جمرة في الحديث في رواية أبي الأحوص يحتمل ان يكون المأمور بكتابته الأربع المأمور بها ويحتمل غيرها والأول أظهر لما بينته بقية الروايات وحديث بن مسعود بجميع طرقه يدل على ان الجنين يتقلب في مائة وعشرين يوما في ثلاثة اطوار كل طور منها في أربعين ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح وقد ذكر الله تعالى هذه الاطوار الثلاثة من غير تقييد بمدة في عدة سور منها في الحج وقد تقدمت الإشارة الى ذلك في كتاب الحيض في باب مخلقة وغير مخلقة ودلت الآية المذكورة على ان التخليق يكون للمضغة وبين الحديث أن ذلك يكون فيها إذا تكاملت الأربعين وهي المدة التي إذا انتهت سميت مضغة وذكر الله النطفة ثم العلقة ثم المضغة في سور أخرى وزاد في سورة قد افلح بعد المضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما الآية ويؤخذ منها ومن حديث الباب ان تصير المضغة عظاما بعد نفخ الروح ووقع في آخر رواية أبي عبيدة المتقدم ذكرها قريبا بعد ذكر المضغة ثم تكون عظاما أربعين ليلة ثم يكسو الله العظام لحما وقد رتب الاطوار في الآية بالفاء لأن المراد انه لا يتخلل بين الطورين طور اخر ورتبها في الحديث بثم إشارة الى المدة التي تتخلل بين الطورين ليتكامل فيها الطور وانما اتى بثم بين النطفة والعلقة لان النطفة قد لا تتكون انسانا واتى بثم في أخو الآية عند قوله ثم انشأناه خلقا اخر ليدل على ما يتجدد له بعد الخروج من بطن أمه وأما الإتيان بثم في أول القصة بين السلالة والنطفة فللإشارة الى ما تخلل بين خلق آدم وخلق ولده ووقع في حديث حذيفة بن اسيد عند مسلم ما ظاهره يخالف حديث بن مسعود ولفظه إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون وفي نسخة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال أي رب اذكر أم أنثى فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله الحديث هذه رواية عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اسيد في مسلم ونسبها عياض في ثلاثة مواضع من شرح هذا الحديث الى رواية بن مسعود وهو وهم وانما لابن مسعود في أول الرواية ذكر في قوله الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره فقط وبقية الحديث انما هو لحذيفة بن اسيد وقد أخرجه جعفر الفريابي من طريق يوسف المكي عن أبي الطفيل عنه بلفظ إذا وقعت النطفة في الرحم ثم استقرت أربعين ليلية قال فيجيء ملك الرحم فيدخل فيصور له عظمه ولحمه وشعره وبشره وسمعه وبصره ثم يقول أي رب اذكر أو أنثى الحديث قال القاضي عياض وحمل هذا على ظاهره لا يصح لان التصوير بأثر النطفة وأول العلقة في أول الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود وانما يقع التصوير في آخر الأربعين الثالثة كما قال تعالى ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما الآية قال فيكون معنى قوله فصورها الخ أي كتب ذلك ثم يفعله بعد ذلك بدليل قوله بعد اذكر أو أنثى قال وخلقه جميع الأعضاء والذكورية والانثوية يقع في وقت متفق وهو مشاهد فيما يوجد من اجنة الحيوان وهو الذي تقتضيه الخلقة واستواء الصورة ثم يكون للملك فيه تصور آخر وهو وقت نفخ الروح فيه حين يكمل له أربعة اشهر كما اتفق عليه العلماء ان نفخ الروح لا يكون الا بعد أربعة اشهر انتهى ملخصا وقد بسطه بن الصلاح في فتاويه فقال ما ملخصه اعرض البخاري عن حديث حذيفة بن اسيد اما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه واما لكونه لم يره ملتئما مع حديث بن مسعود وحديث بن مسعود لا شك في صحته وأما مسلم فأخرجهما معا فاحتجنا الى وجه الجمع بينهما بان يحمل إرسال الملك على التعدد فمرة في ابتداء الأربعين الثانية وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح واما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الأربعين الثانية فصورها فان ظاهر حديث بن مسعود ان التصوير انما يقع بعد ان تصير مضغة فيحمل الأول على ان المراد انه يصورها لفظا وكتبا لا فعلا أي يذكر كيفية تصويرها ويكتبها بدليل ان جعلها ذكرا أو أنثى انما يكون عند المضغة قلت وقد نوزع في ان التصوير حقيقة انما يقع في الأربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من الاجنة التصوير في الأربعين الثانية وتمييز الذكر على الأنثى فعلى هذا فيحتمل ان يقال أول ما يبتدي به الملك تصوير ذلك لفظا وكتبا ثم يشرع فيه فعلا عند استكمال العلقة ففي بعض الاجنة يتقدم ذلك وفي بعضها يتأخر ولكن بقي في حديث حذيفة بن اسيد انه ذكر العظم واللحم وذلك لا يكون الا بعد أربعين العلقة فيقوى ما قال عياض ومن تبعه قلت وقال بعضهم يحتمل ان يكون الملك عند انتهاء الأربعين الأولى يقسم النطفة إذا صارت علقة الى أجزاء بحسب الأعضاء أو يقسم بعضها الى جلد وبعضها الى لحم وبعضها الى عظم فيقدر ذلك كله قبل وجوده ثم يتهيأ ذلك في آخر الأربعين الثانية ويتكامل في الأربعين الثالثة وقال بعضهم معنى حديث بن مسعود ان النطفة يغلب عليها وصف المنى في الأربعين الأولى ووصف العلقة في الأربعين الثانية ووصف المضغة في الأربعين الثالثة ولا ينافي ذلك ان يتقدم تصويره والراجح ان التصوير انما يقع في الأربعين الثالثة وقد اخرج الطبري من طريق السدى في قوله تعالى هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء قال عن مرة الهمداني عن بن مسعود وذكر أسانيد أخرى قالوا إذا وقعت النطفة في الرحم طارت في الجسد أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما فإذا أراد الله ان يخلقها بعث ملكا فصورها كما يؤمر ويؤيده حديث أنس ثاني حديثي الباب حيث قال بعد ذكر النطفة ثم العلقة ثم المضغة فإذا أراد الله ان يقضي خلقها قال أي رب اذكر أم أنثى الحديث ومال بعض الشراح المتأخرون الى الاخذ بما دل عليه حديث حذيفة بن اسيد من ان التصوير والتخليق يقع في اواخر الأربعين الثانية حقيقة قال وليس في حديث بن مسعود ما يدفعه واستند الى قول بعض الأطباء ان المنى إذا حصل في الرحم حصل له زبدية ورغوة في ستة أيام أو سبعة من غير استمداد من الرحم ثم يستمد من الرحم ويبتدئ فيه الخطوط بعد ثلاثة أيام أو نحوها ثم في الخامس عشر ينفذ الدم الى الجميع فيصير علقة ثم تتميز الأعضاء وتمتد رطوبة النخاع وينفصل الرأس عن المنكبين والاطراف عن الأصابع تمييزا يظهر في بعض ويخفى في بعض وينتهي ذلك الى ثلاثين يوما في الاقل وخمسة وأربعين في الأكثر لكن لا يوجد سقط ذكر قبل ثلاثين ولا أنثى قبل خمسة وأربعين قال فيكون قوله فيكتب معطوفا على قوله يجمع وأما قوله ثم يكون علقة مثل ذلك فهو من تمام الكلام الأول وليس المراد ان الكتابة لا تقع الا عند انتهاء الاطوار الثلاثة فيحمل على انه من ترتيب الاخبار لا من ترتيب المخبر بة ويحتمل ان يكون ذلك من تصرف الرواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه كذا قال والحمل على ظاهر الاخبار أولى وغالب ما نقل عن هؤلاء دعاوى لا دلالة لعليها قال بن العربي الحكمة في كون الملك يكتب ذلك كونه قابلا للنسخ والمحو والاثبات بخلاف ما كتبه الله تعالى فإنه لا يتغير قوله ثم ينفخ فيه الروح كذا ثبت في رواية آدم عن شعبة في التوحيد وسقط في هذه الرواية ووقع في رواية مسلم من طريق أبي معاوية وغيره ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات وظاهره قبل الكتابة ويجمع بأن رواية آدم صريحة في تأخير النفخ للتعبير بقوله ثم والرواية الأخرى محتملة فترد الى الصريحة لان الواو لا ترتب فيجوز ان تكون معطوفة على الجملة التي تليها وأن تكون معطوفة على جملة الكلام المتقدم أي يجمع خلقه في هذه الاطوار ويؤمر الملك بالكتب وتوسط قوله ينفخ فيه الروح بين الجمل فيكون من ترتيب الخبر على الخبر لا من ترتيب الأفعال المخبر عنها ونقل بن الزملكاني عن بن الحاجب في الجواب عن ذلك ان العرب إذا عبرت عن أمر بعده أمور متعددة ولبعضها تعلق بالأول حسن تقديمه لفظا على البقية وان كان بعضها متقدما عليه وجودا وحسن هنا لأن القصد ترتيب الخلق الذي سيق الكلام لأجله وقال عياض اختلفت ألفاظ هذا الحديث في مواضع ولم يختلف ان نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يوما وذلك تمام أربعة اشهر ودخوله في الخامس وهذا موجود بالمشاهدة وعليه يعول فيما يحتاج اليه من الاحكام في الاستلحاق عند التنازع وغير ذلك بحركة الجنين في الجوف وقد قيل انه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة اشهر وعشر وهو الدخول في الخامس وزيادة حذيفة بن اسيد مشعرة بأن الملك لا يأتي لرأس الأربعين بل بعدها فيكون مجموع ذلك أربعة اشهر وعشرا وهو مصرح به في حديث بن عباس إذا وقعت النطفة في الرحم مكثت أربعة اشهر وعشرا ثم ينفخ فيها الروح وما أشار اليه من عدة الوفاة جاء صريحا عن سعيد بن المسيب فأخرج الطبري عنه انه سئل عن عدة الوفاة فقيل له ما بال العشرة بعد الأربعة اشهر فقال ينفخ فيها الروح وقد تمسك به من قال كالأوزاعي وإسحاق ان عدة أم الولد مثل عدة الحرة وهو قوي لان الغرض استبراء الرحم فلا فرق فيه بين الحرة والأمة فيكون معنى قوله ثم يرسل اليه الملك أي لتصويره وتخليقه وكتابة ما يتعلق به فينفخ فيه الروح اثر ذلك كما دلت عليه رواية البخاري وغيره ووقع في حديث علي بن عبد الله عند بن أبي حاتم إذا تمت للنطفة أربعة اشهر بعث الله إليها ملكا فينفخ فيها الروح فذلك قوله ثم انشأناه خلقا اخر وسنده منقطع وهذا لاينافي التقييد بالعشر الزائدة ومعنى إسناد النفخ للملك انه يفعله بأمر الله والنفخ في الأصل إخراج ريح من جوف النافح ليدخل في المنفوخ فيه والمراد بإسناده الى الله تعالى أن يقول له كن فيكون وجمع بعضهم بان الكتابة تقع مرتين فالكتابة الأولى في السماء والثانية في بطن المرأة ويحتمل ان تكون إحداهما في صحيفة والأخرى على جبين المولود وقيل يختلف باختلاف الاجنة فبعضها كذا وبعضها كذا والأول أولى قوله فوالله ان أحدكم في رواية آدم فان أحدكم ومثله لأبي داود عن شعبة وسفيان جميعا وفي رواية أبي الأحوص فان الرجل منكم ليعمل ومثله في رواية حفص دون قوله منكم وفي رواية بن ماجة فوالذي نفسي بيده وفي رواية مسلم والترمذي وغيرهما فوالله الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل لكن وقع عند أبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما من طريق يحيى القطان عن الأعمش قال فوالذي لا اله غيره وهذه محتملة لأن يكون القائل النبي صلى الله عليه وسلم فيكون الخبر كله مرفوعا ويحتمل ان يكون بعض رواته ووقع في رواية وهب بن جرير عن شعبة بلفظ حتى ان أحدكم ليعمل ووقع في رواية زيد بن وهب ما يقتضي انه مدرج في الخبر من كلام بن مسعود لكن الادراج لا يثبت بالاحتمال وأكثر الروايات يقتضي الرفع الا رواية وهب بن جرير فبعيدة من الادراج فأخرج أحمد والنسائي من طريق سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن بن مسعود نحو حديث الباب وقال بعد قوله اكتبه شقيا أو سعيدا ثم قال والذي نفس عبد الله بيده ان الرجل ليعمل كذا وقع مفصلا في رواية جماعة عن الأعمش منهم المسعودي وزائدة وزهير بن معاوية وعبد الله بن إدريس وآخرون فيما ذكره الخطيب وقد روى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أصل الحديث بدون هذه الزيادة وكذا أبو وائل وعلقمة وغيرهما عن بن مسعود وكذا اقتصر حبيب بن حسان عن زيد بن وهب وكذا وقع في معظم الأحاديث الواردة عن الصحابة كأنس في ثاني حديثي الباب وحذيفة بن اسيد وابن عمر وكذا اقتصر عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن الأعمش على هذا القدر نعم وقعت هذه الزيادة مرفوعة في حديث سهل بن سعد الاتي بعد أبواب وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وفي حديث عائشة عند أحمد وفي حديث بن عمر والعرس بن عميرة في البزار وفي حديث عمرو بن العاص واكثم بن أبي الجون في الطبراني لكن وقعت في حديث أنس من وجه اخر قوي مفردة من رواية حميد عن الحسن البصري عنه ومن الرواة من حذف الحسن بين حميد وأنس فكأنه كان تاما عند أنس فحدث به مفرقا فحفظ بعض اصحابه ما لم يحفظ الاخر عنه فيقوى على هذا ان الجميع مرفوع وبذلك جزم المحب الطبري وحينئذ تحمل رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب على ان عبد الله بن مسعود لتحقق الخبر في نفسه اقسم عليه ويكون الادراج في القسم لا في المقسم عليه وهذا غاية التحقيق في هذا الموضع ويؤيد الرفع أيضا انه مما لا مجال الرأي فيه فيكون له حكم الرفع وقد اشتملت هذه الجملة على أنواع من التأكيد بالقسم ووصف المقسم به وبأن وباللام والأصل في التأكيد انه يكون لمخاطبة المنكر أو المستبعد أو من يتوهم فيه شيء من ذلك وهنا لما كان الحكم مستبعدا وهو دخول من عمل الطاعة طول عمره النار وبالعكس حسن المبالغة في تأكيد الخبر بذلك والله اعلم قوله أحدكم او الرجل ليعمل وقع في رواية آدم فان أحدكم بغير شك وقدم ذكر الجنة على النار وكذا وقع للأكثر وهو كذا عند مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة وفي رواية حفص فان الرجل واخر ذكر النار وعكس أبو الأحوص ولفظه فان الرجل منكم قوله بعمل أهل النار الباء زائدة والأصل يعمل عمل أهل النار لان قوله عمل اما مفعول مطلق واما مفعول به وكلاهما مستغن عن الحرف فكان زيادة الباء للتأكيد أو ضمن يعمل معنى يتلبس في عمله بعمل أهل النار وظاهره انه يعمل بذلك حقيقة ويختم له بعكسه وسيأتي في حديث سهل بلفظ ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو محمول على المنافق والمرائي بخلاف حديث الباب فإنه يتعلق بسوء الخاتمة قوله غير ذراع أو باع في رواية الكشميهني غير باع أو ذراع وفي رواية أبي الأحوص الا ذراع ولم يشك وقد علقها المصنف لآدم في آخر هذا الحديث ووصل الحديث كله في التوحيد عنه ومثله في رواية أبي الأحوص والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت فيحال من بينه وبين المكان المقصود بمقدار ذراع أو باع من المسافة وضابط ذلك الحسى الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة وقد ذكر في هذا الحديث أهل الخير صرفا وأهل الشر صرفا الى الموت ولا ذكر للذي خلطوا وماتوا على الإسلام لأنه لم يقصد في الحديث تعميم أحوال المكلفين وانما سيق لبيان ان الاعتبار بالخاتمة قوله بعمل أهل الجنة يعني من الطاعات الاعتقادية والقولية والفعلية ثم يحتمل أن الحفظة تكتب ذلك ويقبل بعضها ويرد بعضها ويحتمل ان تقع الكتابة ثم تمحى واما القبول فيتوقف على الخاتمة قوله حتى ما يكون قال الطيبي حتى هنا الناصبة و ما نافية ولم تكف يكون عن العمل فهي منصوبة بحتى وأجاز غيره ان تكون حتى ابتدائية فتكون على هذا بالرفع وهو مستقيم أيضا قوله فيسبق عليه الكتاب في رواية الي الأحوص كتابه والفاء في قوله فيسبق إشارة الى تعقيب ذلك بلا مهلة وضمن يسبق معنى يغلب قاله الطيبي وقوله عليه في موضع نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعا عليه وفي رواية سلمة بن كهيل ثم يدركه الشقاء وقال ثم تدركه السعادة والمراد يسبق الكتاب سبق ما تضمنه على حذف مضاف أو المراد المكتوب والمعنى انه يتعارض عمله في اقتضاء السعادة والمكتوب في اقتضاء الشقاوة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبر عن ذلك بالسبق لان السابق يحصل مراده دون المسبوق ولأنه لو تمثل العمل والكتاب شخصين ساعيين لظفر شخص الكتاب وغلب شخص العمل ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم وان الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة زاد أحمد من وجه اخر عن أبي هريرة سبعين سنة وفي حديث أنس عند أحمد وصححه بن حبان لا عليكم ان لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له فان
[ 6222 ] قوله حماد هو بن زيد وعبيد الله بن أبي بكر أي بن أنس بن مالك قوله وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة الخ أي يقول كل كلمة من ذلك في الوقت الذي تصير فيه كذلك كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله وقد مضى شرحه مستوفي فيه وتقدم شيء منه في كتاب الحيض ويجوز في قوله نطفة النصب على إضمار فعل والرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وفائدة ذلك انه يستهفم هل يتكون منها اولا وقوله ان يقضي خلقها أي يأذن فيه

قوله باب بالتنوين جف القلم أي فرغت الكتابة إشارة إن أن الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يتغير حكمه فهو كناية عن الفراغ من الكتابة لأن الصحيفة حال كتابتها تكون رطبة أو بعضها وكذلك القلم فإذا انتهت الكتابة جفت الكتابة والقلم وقال الطيبي هو من إطلاق اللازم على الملزوم لأن الفراغ من الكتابة يستلزم جفاف القلم عند مداده قلت وفيه إشارة الى ان كتابة ذلك انقضت من امد بعيد وقال عياض معنى جف القلم أي لم يكتب بعد ذلك شيئا وكتاب الله ولوحه وقلمه من غيبه ومن علمه الذي يلزمنا الإيمان به ولا يلزمنا معرفة صفته وانما خوطبنا بما عهدنا فيما فرغنا من كتابته ان القلم يصير جاف للاستغناء عنه قوله على علم الله أي على حكمه لان معلومه لا بد ان يقع فعلمه بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه وهذا لفظ حديث أخرجه أحمد وصححه بن حبان من طريق عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن اصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن اخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله وأخرجه أحمد وابن حبان من طريق أخرى عن أبي الديلمي نحوه وفي اخره ان القائل فلذلك أقول هو عبد الله بن عمرو ولفظه قلت لعبد الله بن عمرو بلغني انك تقول ان القلم قد جف فذكر الحديث وقال في اخره فلذلك أقول جف القلم بما هو كائن ويقال ان عبد الله بن طاهر أمير خراسان للمأمون سأل الحسين بن الفضل عن قوله تعالى كل يوم هو في شان مع هذا الحديث فأجاب هي شؤون يبديها لا شؤون يبتديها فقام اليه وقبل رأسه قوله وقال أبو هريرة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم جف القلم بما أنت لاق هو طرف من حديث ذكر أصله المصنف من طريق بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله اني رجل شاب واني أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني الحديث وفيه يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر أخرجه في أوائل النكاح فقال قال اصبغ يعني بن الفرج أخبرني بن وهب عن يونس عن بن شهاب ووصله الإسماعيلي والجوزقي والفريابي في كتاب القدر كلهم من طريق اصبغ به وقالوا كلهم بعد قوله العنت فأذن لي ان اختصى ووقع لفظ جف القلم أيضا في حديث جابر عند مسلم قال سراقة يا رسول الله فيم العمل افيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير الحديث وفي اخر حديث بن عباس الذي فيه احفظ الله يحفظك ففي بعض طرقه جفت الأقلام وطويت الصحف وفي حديث عبد الله بن جعفر عند الطبراني في حديث واعلم ان القلم قد جف بما هو كائن وفي حديث الحسن بن علي عند الفريابي رفع الكتاب وجف القلم قوله وقال بن عباس لها سابقون سبقت لهم السعادة وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون قال سبقت لهم السعادة والمعنى انهم سارعوا الى الخيرات بما سبق لهم من السعادة بتقدير الله ونقل عن الحسن ان اللام في لها بمعنى الباء فقال معناه سابقون بها فقال الطبراني وتأولها بعضهم أي اللام بأنها بمعنى الى وبعضهم ان المعنى وهم من اجلها ونقل عبد الرحمن بن زيد ان الضمير للخيرات وأجاز غيره ان للسعادة والذي يجمع بين تفسير بن عباس وظاهر الآية ان السعادة سابقة وان أهلها سبقوا إليها لا انهم سبقوها

[ 6223 ] قوله حدثنا يزيد الرشك بكسر الراء وسكون المعجمة بعدها كاف كنيته أبو الأزهر وحكى الكلاباذي ان اسم والده سنان بكسر المهملة ونونين وهو بصري تابعي ثقة قيل كان كبير اللحية فلقب الرشك وهو بالفارسية كما زعم أبو علي الغساني وجزم به بن الجوزي الكبير اللحية وقال أبو حاتم الرازي كان غيورا فقيل له ارشك بالفراسية فمضى عليه الرشك وقال الكرماني بل الرشك بالفراسية القمل الصغير الملتصق بأصول شعر اللحية وذكر الكلاباذي ان الرشك القسام قلت بل كان يزيد يتعاني مساحة الأرض فقيل له القسام وكان يلقب الرشك لا ان مدلول الرشك القسام بل هما لقب ونسبة الى صنعة والمعتمد في أمره ما قال أبو حاتم وما ليزيد في البخاري الا هذا الحديث أورده هنا وفي كتاب الاعتصام قوله قال رجل هو عمران بن حصين راوي الخبر بينه عبد الوارث بن سعيد عن يزيد الرشك عن عمران بن حصين قال قلت يا رسول الله فذكره وسيأتي موصولا في اواخر كتاب التوحيد وسأل عن ذلك اخرون وسيأتي مزيد بسط فيه في شر حديث علي قريبا قوله أيعرف أهل الجنة من أهل النار في رواية حماد بن زيد عن يزيد عند مسلم بلفظ اعلم بضم العين والمراد بالسؤال معرفة الملائكة أو من اطلعه الله على ذلك واما معرفة العامل أو من شاهده فإنما يعرف بالعمل قوله فلم يعمل العاملون في رواية حماد ففيم وهو استفهام والمعنى إذا سبق القلم بذلك فلا يحتاج العامل الى العمل لأنه سيصير الى ما قدر له قوله قال كل يعمل لما خلق له أو لما ييسر له وفي رواي الكشميهني يسر بضم أوله وكسر المهملة الثقيلة وفي رواية حماد المشار إليها قال كل ميسر لما خلق له وقد جاء هذا الكلام الأخير عن جماعة من الصحابة بهذا اللفظ يزيدون على العشرة سأشير إليها في اخر الباب الذي بلى الذي يليه منها حديث أبي الدرداء عند أحمد بسند حسن بلفظ كل امرئ مهيأ لما خلق له وفي الحديث إشارة الى أن المآل محجوب عن المكلف فعليه ان يجتهد في عمل ما أمر به فإن علمه امارة الى ما يؤل اليه امره غالبا وان كان بعضهم قد يختم له بغير ذلك كما ثبت في حديث بن مسعود وغيره لكن لا اطلاع له على ذلك فعليه ان يبذل جهده ويجاهد نفسه في عمل الطاعة لا يترك وكولا الى ما يؤل اليه امره فيلام على ترك المأمور ويستحق العقوبة وقد ترجم بن حبان بحديث الباب ما يجب على المرء من التشمير في الطاعات وان جرى قبلها ما يكره الله من المحظورات ولمسلم من طريق أبي الأسود عن عمران انه قال له أرأيت ما يعمل الناس اليوم اشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال لا بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها وفيه قصة لأبي الأسود الدؤلي مع عمران وفيه قوله له ايكون ذلك ظلما فقال لا كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل قال عياض اورد عمران على أبي الأسود شبهة القدرية من تحكمهم على الله ودخولهم بأرائهم في حكمه فلما اجابه بما دل على ثباته في الدين قواه بذكر الآية وهي حد لأهل السنة وقوله كل شيء خلق الله وملكه يشير الى ان المالك الأعلى الخالق الآمر لا يعترض عليه إذا تصرف في ملكه بما يشاء وانما يعترض على المخلوق المأمور

قوله باب الله اعلم بما كانوا عاملين الضمير لاولاد المشركين كما صرح به في السؤال وذكره من حديث بن عباس مختصرا ومن حديث أبي هريرة كذلك وتقدم في اواخر الجنائز باب ما قيل في أولاد المسلمين وبعده باب ما قيل في أولاد المشركين وذكر في الثاني الحديثين المذكورين هنا من مخرجيهما وذكر الثالث أيضا من وجه اخر عن أبي هريرة وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في الباب المذكور

[ 6225 ] قوله في الرواية الثانية عن بن شهاب قال وأخبرني عطاء بن يزيد الواو عاطفة على شيء محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشيء ثم حدث بحديث عطاء ووقع في رواية مسلم من طريق بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد وعند أبي عوانة في صحيحه من طريق شعيب عن الزهري حدثني عطاء بن يزيد الليثي

[ 6226 ] قوله في أول الحديث الثالث أخبرنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه كما بينته في المقدمة

قوله باب وكان أمر الله قدرا مقدورا أي حكما مقطوعا بوقوعه والمراد بالأمر واحد الأمور المقدرة ويحتمل ان يكون واحد الاوامر لأن الكل موجود بكن ذكر فيه خمسة أحاديث الأول حديث أبي هريرة لا تسأل المرأة طلاق أختها الى قوله في اخره فإن لها ما قدر لها وقد مضى شرحه في باب الشروط التي لا تحل في النكاح من كتاب النكاح قال بن العربي في هذا الحديث من أصول الدين السلوك في مجاري القدر وذلك لا يناقض العمل في الطاعات ولا يمنع التحرف في ا لاكتساب والنظر لقوت غد وان كان لا يتحقق انه يبلغه وقال بن عبد البر هذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم لما دل عليه من ان الزوج لو اجابها وطلق من تظن انها تزاحمها في رزقها فإنه لا يحصل لها من ذلك الا ما كتب الله لها سواء اجابها أو لم يجبها وهو كقول الله تعالى في الآية الأخرى قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا الحديث الثاني

[ 6228 ] حديث أسامة وهو بن زيد قوله عاصم هو الأحول وأبو عثمان هو النهدي قوله وعنده سعد هو بن عبادة ومعاذ هو بن جبل وقد تقدم شرحه مستوفي في كتاب الجنائز وما قيل في تسمية الابن المذكور وبيان الجمع بين هذه الرواية والرواية التي فيها ان ابنتها الحديث الثالث حديث أبي سعيد

[ 6229 ] قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله جاء رجل من الأنصار تقدم في غزوة المريسيع وفي عشرة النساء من كتاب النكاح عن أبي سعيد قال سألنا وأخرجه النسائي من طريق بن محيريز ان أبا سعيد وأبا صرمة اخبراه انهم اصابوا سبايا قال فتراجعنا في العزل فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعل أبا سعيد باشر السؤال وان كان الذين تراجعوا في ذلك جماعة وقد وقع عند البخاري في تاريخه وابن السكن وغيره في الصحابة من حديث مجدي الضمري قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة المريسيع فأصبنا سبيا فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل الحديث وأبو صرمة مختلف في صحبته وقد وقع في صحيح مسلم من طريق بن محيريز دخلت انا وأبو صرمة على أبي سعيد قال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل الحديث والثابت ان أبا صرمة وهو بكسر المهملة وسكون الراء انما سأل أبا سعيد وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في النكاح والغرض منه هنا قوله في آخره وليست نسمة كتب الله ان تخرج الا هي كائنة الحديث الرابع

[ 6230 ] قوله حدثنا موسى بن مسعود هو أبو حذيفة النهدي وسفيان هو الثوري قوله لقد خطبنا في رواية جرير عن الأعمش عند مسلم قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما قوله الا ذكره في رواية جرير الا حدث به قوله علمه من علمه وجهله من جهله في رواية جرير حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وزاد قد علمه أصحابي هؤلاء أي علموا وقوع ذلك المقام وما وقع منه من الكلام وقد سميت في أول بدء الخلق من روى نحو حديث حذيفة هذا من الصحابة كعمر وأبي زيد بن اخطب وأبي سعيد قال وغيرهم فلعل حذيفة أشار إليهم أو الى بعضهم وقد اخرج مسلم من طريق أبي إدريس الخولاني عن حذيفة والله اني لأعلم كل فتنة كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم اسر الي شيئا لم يكن يحدث به غيري وقال في اخره فذهب أولئك الرهط غيري وهذا لا يناقض الأول بل يجمع بأن يحمل على مجلسين أو المراد بالأول أعم من المراد بالثاني قوله ان كنت لأرى الشيء قد نسيت كذا للأكثر بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني بإثباته ولفظه نسيته قوله فأعرفه كما في يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه في رواية محمد بن يوسف عن سفيان عند الإسماعيلي كما يعرف الرجل بحذف المفعول وفي رواية الكشميهني الرجل وجه الرجل غاب عنه ثم رآه فعرفه قال عياض في هذا الكلام تلفيق وكذا في رواية جرير وانه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه قال والصواب كما ينسى الرجل وجه الرجل أو كما لا يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه قلت والذي يظهر لي ان الرواية في الاصلين مستقيمة وتقدير ما في حديث سفيان انه يرى الشيء الذي كان نسيه فإذا رآه عرفه وقوله كما يعرف الرجل الرجل غاب عنه أي الذي كان غاب عنه فنسي صورته ثم إذا رآه عرفه وأخرجه الإسماعيلي من رواية بن المبارك عن سفيان بلفظ اني لأرى الشيء نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الخ تنبيه اخرج هذا الحديث القاضي عياض في الشفاء من طريق أبي داود بسنده الى قوله ثم إذا رآه عرفه ثم قال حذيفة ما أدري انسي أصحابي أم تناسوه والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة الى ان تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة الا قد سماه لنا قلت ولم ار هذه الزيادة في كتاب أبي داود وانما أخرجه أبو داود بسند اخر مستقل من وجه اخر عن حذيفة الحديث الخامس حديث علي

[ 6231 ] قوله عن أبي حمزة بمهملة وزاي هو محمد بن ميمون السكري قوله عن سعد بن عبيدة بضم العين هو السلمي الكوفي يكنى أبا حمزة وكان صهر أبي عبد الرحمن شيخه في هذا الحديث ووقع في تفسير والليل إذا يغشى من طريق شعبة عن الأعمش سمعت سعد بن عبيدة وأبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله بن حبيب وهو من كبار التابعين ووقع مسمى في رواية معتمر بن سليمان عن منصور عن سعد بن عبيدة عند الفريابي قوله عن علي في رواية مسلم البطين عن أبي عبد الرحمن السلمي اخذ بيدي علي فانطلقنا نمشي حتى جلسنا على شاطئ الفرات فقال علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مختصرا قوله كنا جلوسا في رواية عبد الواحد عن الأعمش كنا قعودا وزاد في رواية سفيان الثوري عن الأعمش كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد فتح الغين المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة في جنازة فظاهره انهم كانوا جميعا شهدوا الجنازة لكن أخرجه في الجنائز من طريق منصور عن سعد بن عبيدة فبين انهم سبقوا بالجنازة واتاهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولفظه كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله قوله ومعه عود ينكت به في الأرض في رواية شعبة وبيده عود فجعل ينكت به في الأرض وفي رواية منصور ومعه مخصرة بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالبا للإتكاء عليها وفي اللغة اختصر الرجل إذا امسك المخصرة قوله فنكس بتشديد الكاف أي اطرق قوله فقال ما منكم من أحد زاد في رواية منصور ما من نفس منفوسة أي مصنوعة مخلوقة واقتصر في رواية أبي حمزة والثوري على الأول قوله الا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة أو للتنويع ووقع في رواية سفيان ما قد يشعر بأنها بمعنى الواو ولفظه الا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار وكأنه يشير الى ما تقدم من حديث بن عمر الدال على ان لكل أحد مقعدين وفي رواية منصور الا كتب مكانها من الجنة والنار وزاد فيها والا وقد كتبت شقية أو سعيدة واعادة الا يحتمل ان يكون ما من نفس بدل ما منكم والا الثانية بدلا من الأولى وان يكون من باب اللف والنشر فيكون فيه تعميم بعد تخصيص والثاني في كل منهما أعم من الأول أشار اليه الكرماني قوله فقال رجل من القوم في رواية سفيان وشعبة فقالوا يا رسول الله وهذا الرجل وقع في حديث جابر عند مسلم انه سراقة بن مالك بن جعشم ولفظه جاء سراقة فقال يا رسول الله انعمل اليوم فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فيما يستقبل قال بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير فقال ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وأخرجه الطبراني وابن مردويه نحوه وزاد وقرأ فأما من أعطى الى قوله العسرى وأخرجه بن ماجة من حديث سراقة نفسه لكن دون تلاوة الآية ووقع هذا السؤال وجوابه سوى تلاوة الآية لشريح بن عامر الكلابي أخرجه أحمد والطبراني ولفظه قال ففيم العمل إذا قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له واخرج الترمذي من حديث بن عمر قال قال عمر يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع أو أمر قد فرغ منه قال فيما قد فرغ منه فذكر نحوه واخرج البزار والفريابي من حديث أبي هريرة ان عمر قال يا رسول الله فذكره وأخرجه أحمد والبزار والطبراني من حديث أبي بكر الصديق قلت يا رسول الله نعمل على ما فرغ منه الحديث نحوه ووقع في حديث سعد بن أبي وقاص فقال رجل من الأنصار والجمع بينها تعدد السائلين عن ذلك فقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو ان السائل عن ذلك جماعة ولفظه فقال اصحابه ففيم العمل ان كان قد فرغ منه فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أي عمل الحديث أخرجه الفريابي قوله الا نتكل يا رسول الله في رواية سفيان أفلا والفاء معقبة لشيء محذوف تقديره فإذا كان كذلك أفلا نتكل وزاد في رواية منصور وكذا في رواية شعبة أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل أي نعتمد على ما قدر علينا وزاد في رواية منصور فمن كان منا من أهل السعادة فيصير الى عمل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاوة مثله قوله اعملوا فكل ميسر زاد شعبة لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل السعادة الحديث وفي رواية منصور قال اما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة الحديث وحاصل السؤال الا نترك مشقة العمل فإنا سنصير الى ما قدر علينا وحاصل الجواب لا مشقة لأن كل أحد ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله قال الطيبي الجواب من الاسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط قوله ثم قرأ فأما من أعطى واتقى الآية وساق في رواية سفيان ووكيع الآيات الى قوله العسرى ووقع في حديث بن عباس عند الطبراني نحو حديث عمر وفي اخره قال اعمل فكل ميسر وفي اخره عند البزار فقال القوم بعضهم لبعض فالجد إذا وأخرجه الطبراني في اخر حديث سراقة ولفظه فقال يا رسول الله ففيم العمل قال كل ميسر لعمله قال الان الجد الان الجد وفي اخر حديث عمر عند الفريابي فقال عمر ففيم العمل إذا قال كل لا ينال الا بالعمل قال عمر إذا نجتهد واخرج الفريابي بسند صحيح الى بشير بن كعب أحد كبار التابعين قال سأل غلامان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيم العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم شيء نستأنفه قال بل فيما جفت به الأقلام قالا ففيم العمل قال اعملوا فكل ميسر لما هو عامل قالا فالجد الان وفي الحديث جواز القعود عند القبور والتحدث عندها بالعلم والموعظة وقال المهلب نكته الأرض بالمخصرة أصل في تحريك الأصبع في التشهد نقله بن بطال وهو بعيد وانما هي عادة لمن يتفكر في شيء يستحضر معانيه فيحتمل ان يكون ذلك تفكرا منه صلى الله عليه وسلم في أمر الآخرة بقرينة حضور الجنازة ويحتمل ان يكون فيما ابداه بعد ذلك لأصحابه من الحكم المذكورة ومناسبته للقصة ان فيه إشارة الى التسلية عن الميت بأنه مات بفراغ أجله وهذا الحديث أصل لأهل السنة في ان السعادة والشقاء بتقدير الله القديم وفيه رد على الجبرية لأن التيسير ضد الجبر لان الجبر لا يكون الا عن كره ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير الا وهو غير كاره له واستدل به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه لأن العمل امارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر ورد بما تقدم في حديث بن مسعود وان هذا العمل الظاهر قد ينقلب لعكسه على وفق ما قدر والحق ان العمل علامة وامارة فيحكم بظاهر الأمر وأمر الباطن الى الله تعالى قال الخطابي لما أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبق الكائنات رام من تمسك بالقدر ان يتخذه حجة في ترك العمل فأعلمهم ان هنا امرين لا يبطل أحدهما بالآخر باطن وهو العلة الموجبة في حكم الربوبية وظاهر وهو العلامة اللازمة في حق العبودية وانما هي أمارة مخيلة في مطالعة علم العواقب غير مفيدة حقيقة فبين لهم ان كلا ميسر لما خلق له وان عمله في العاجل دليل على مصيره في الاجل ولذلك مثل بالآيات ونظير ذلك الرزق مع الأمر بالكسب والاجل مع الإذن في المعالجة وقال في موضع اخر هذا الحديث إذا تأملته وجدت فيه الشفاء مما يتخالج في الضمير من أمر القدر وذلك ان القائل أفلا نتكل وندع العمل لم يدع شيئا مما يدخل في أبواب المطالبات والاسئلة الا وقد طالب به وسأل عنه فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القياس في هذا الباب متروك والمطالبة ساقطة وانه لا يشبه الأمور التي عقلت معانيها وجرت معاملة البشر فيما بينهم عليها بل طوى الله علم الغيب عن خلقه وحجبهم عن دركه كما اخفى عنهم أمر الساعة فلا يعلم أحد متى حين قيامها انتهى وقد تقدم كلام بن السمعاني في نحو ذلك في أول كتاب القدر وقال غيره وجه الانفصال عن شبهة القدرية ان الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال وغيب عنا المقادير لقيام الحجة ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته فمن عدل عنه ضل وتاه لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه الا هو فإذا ادخل أهل الجن الجنة كشف لهم عنه حينئذ وفي أحاديث هذا الباب ان افعال العباد وان صدرت عنهم لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره ففيها بطلان قول القدرية صريحا والله اعلم

قوله باب العمل بالخواتيم لما كان ظاهر حديث على يقتضي اعتبار العمل الظاهر اردفه بهذه الترجمة الدالة على ان الاعتبار بالخاتمة وذكر فيه قصة الذي نحر نفسه في القتال من حديث أبي هريرة ومن حديث سهل بن سعد وقد تقدم شرحهما في غزوة خيبر من كتاب المغازي وذكرت هناك الاختلاف في اسم المذكور وهل القصتان متغايرتان في موطنين لرجلين أو هما قصة واحدة وقوله

[ 6233 ] في اخر حديث أبي هريرة وانما الأعمال بالخواتيم وقع في حديث أنس عند الترمذي وصححه إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل كيف يستعمله قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه وأخرجه أحمد من هذا الوجه مطولا وأوله لا تعجبوا لعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له فذكر نحو حديث بن مسعود وأخرجه الطبراني من حديث أبي امامة مختصرا واخرج البزار من حديث بن عمر حديثا فيه ذكر الكتابين وفي اخره العمل بخواتيمه العمل بخواتيمه

قوله باب القاء العبد النذر الى القدر في رواية الكشميهني القاء النذر العبد وفي الأولى النذر بالرفع وهو الفاعل والالقاء مضاف الى المفعول وهو العبد وفي الثانية العبد بالنصب وهو المفعول والإلقاء مضاف الى الفاعل وهو النذر وسيأتي في باب الوفاء بالنذر من وجه اخر عن أبي هريرة على وفق رواية الكشميهني وذكر فيه حديث بن عمر وأبي هريرة في ذلك وسيأتيان في باب الوفاء بالنذر من كتاب الأيمان والنذور مع شرحهما فأما حديث أبي هريرة فهو صريح في الترجمة لكن لفظه ولكن يلقيه القدر كذا للأكثر وللكشميهني يلقيه النذر بنون ثم ذال معجمة وقد اعترض بعض شيوخنا على البخاري فقال ليس في واحد من اللفظين المرويين عنه في الترجمة مطابقة للحديث والمطابق ان يقول القاء القدر العبد الى النذر بتقديم القدر بالقاف على النذر بالنون لان لفظ الخبر يلقيه القدر بالقاف كذا قال وكأنه لم يشعر برواية الكشميهني في متن الحديث ثم ادعى ان الترجمة مع عدم مطابقتها للخبر ليس المعنى فيها صحيحا انتهى وما نفاه مردود بل المعنى بين لمن له أدنى تأمل وكأنه استبعد نسبة الالقاء الى النذر وجوابه ان النسبة مجازية وسوغ ذلك كونه سببا الى الالقاء فنسب الالقاء اليه وأيضا فهما متلازمان قال الكرماني الظاهر ان الترجمة مقلوبة إذ القدر هو الذي يلقى الى النذر لقوله في الخبر يلقيه القدر والجواب انهما صادقان إذ الذي يلقى في الحقيقة هو القدر وهو الموصل وبالظاهر هو النذر قال وكان الأولى ان يقول يلقيه القدر الى النذر ليطابق الحديث الا ان يقال انهما متلازمان وكأنه أيضا ما نظر الى رواية الكشميهني وأيضا فقد جرت عادة البخاري انه يترجم بما ورد في بعض طرق الحديث وان لم يسق ذلك اللفظ بعينه ليبعث ذلك الناظر في كتابه على تتبع الطرق وليقدح الفكر في التطبيق ولغير ذلك من المقاصد التي فاق بها غيره من المصنفين كما تقرر غير مرة واما حديث بن عمر فهو بلفظ انه أي النذر لا يرد شيئا وهو يعطي معنى الرواية الأخرى وقوله

[ 6234 ] هنا منصور هو بن المعتمر عن عبد الله بن مرة يأتي في الباب المذكور بلفظ أخبرنا عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم الخارقي بمعجمة وراء مكسورة ثم فاء تابعي كبير ولهم كوفي شيخ اخر في طبقته يقال له عبد الله بن مرة الزوفي بزاي واو ساكنة ثم فاء مصري ويقال له عبد الله بن أبي مرة وهو بها اشهر

قوله باب بالتنوين لا حول ولا قوة الا بالله ترجم في اواخر الدعوات باب قول لا حول بالإضافة واقتصر هنا على لفظ الخبر واستغنى به لظهوره في أبواب القدر لان معنى لا حول لا تحويل للعبد عن معصية الله الا بعصمة الله ولا قوة له على طاعة الله الا بتوفيق الله وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي هي كلمة استلام وتفويض وان العبد لا يملك من امره شيئا وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير الا بإرادة الله تعالى وذكر فيه حديث أبي موسى وقد تقدم في الدعوات بهذا الإسناد بعينه لكن فيه سليمان التيمي بدل خالد الحذاء المذكور هنا وهو محمول على ان لعبد الله وهو بن المبارك فيه شيخين وقد أخرجه النسائي من رواية سويد بن نصر عن بن المبارك عن خالد الحذاء

[ 6236 ] قوله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تقدم في غزوة خيبر من كتاب المغازي بيان انها غزوة خيبر قوله الارفعنا اصواتنا بالتكبير في رواية سليمان التيمي المذكورة فلما علا عليها رجل نادى فرفع صوته لا إله إلا الله والله أكبر لم اقف على اسم هذا الرجل ويجمع بأن الكل كبروا وزاد هذا عليهم بالتهليل وتقدم في رواية عبد الواحد ما يدل على ان المراد بالتكبير قول لا إله إلا الله والله أكبر قوله أربعون بفتح الموحدة أي ارفقوا وقد تقدم بيانه في أوائل الدعاء قال يعقوب بن السكيت ربع الرجل يربع إذا رفق وكف وكذا بقية ألفاظه قال بن بطال كان عليه السلام معلما لأمته فلا يراهم على حالة من الخير الا احب لهم الزيادة فأحب الذين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير ان يضيفوا إليها التبري من الحول والقوة فيجمعوا بين التوحيد والايمان بالقدر وقد جاء في الحديث إذا قال العبد لا حول ولا قوة الا بالله قال الله اسلم عبدي واستسلم قلت أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة بسند قوي وفي رواية له قال لي يا أبا هريرة الا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال تقول لا حول ولا قوة الا بالله فيقول الله اسلم عبدي واستسلم وزاد في رواية له ولا منجا ولا ملجأ من الله الا اليه قوله من كنوز الجنة تقدم القول فيه وحاصله ان المراد انها من دخائر الجنة أو من محصلات نفائس الجنة قال النووي المعنى ان قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة واخرج أحمد والترمذي وصححه بن حبان عن أبي أيوب ان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال يا محمد مر أمتك ان يكثروا من غراس الجنة قال وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة الا بالله قوله لا تدعون كذا اطلق على التكبير ونحوه دعاء من جهة انه بمعنى النداء لكون الذاكر يريد اسماع من ذكره والشهادة له

قوله باب بالتنوين المعصوم من عصم الله أي من عصمه الله بأن حماه من الوقوع في الهلاك أو ما يجر اليه يقال عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه واعتصمت بالله لجأت اليه وعصمة الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام حفظهم من النقائص وتخصيصهم بالكمالات النفيسة والنصرة والثبات في الأمور وانزال السكينة والفرق بينهم وبين غيرهم ان العصمة في حقهم بطريق الوجوب وفي حق غيرهم بطريق الجواز قوله عاصم مانع يريد تفسير قوله تعالى في قصة نوح وابنه قال سآوى الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم وبذلك فسره عكرمة فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم بن أبان عنه وقال الراغب المعنى بقوله لا عاصم اليوم أي لا شيء يعصم منه وفسره بعضهم بمعصوم ولم يرد ان العاصم بمعنى المعصوم وانما نبه على انهما متلازمان فأيهما حصل حصل الاخر قوله قال مجاهد سدا عن الحق يترددون في الضلالة كذا للأكثر سدا بتشديد الدال بعدها الف وصله بن أبي حاتم من طريق ورقاء عن بن نجيح عنه في قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا قال عن الحق ووصله عبد بن حميد من طريق شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله سدا قال عن الحق وقد يترددون ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال مقصوره وعليها شرح الكرماني فزعم انه وقع هنا ايحسب الإنسان ان يترك سدى أي مهملا مترددا في الضلالة ولم ار في شيء من نسخ البخاري الا اللفظ الذي اوردته قال مجاهد سدا الخ ولم ار في شيء من التفاسير التي تساق بالأسانيد لمجاهد في قوله ايحسب الإنسان ان يترك سدى كلاما ولم ار قوله في الضلالة في شيء من المنقول بالسند عن مجاهد ووقع في رواية النسفي لضلالة بدل قوله في الضلالة قوله دساها اغواها قال الفريابي حدثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وقد خاب من دساها قال من اغواها وأخرج الطبري بسند صحيح عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله دساها قال قال أحدهما اغواها وقال الاخر اضلها وقال أبو عبيدة دساها أصله دسست لكن العرب تقلب الحرف المضاعف الى الياء مثل تظننت من الظن فتقول تظنيت بالتحتانية بعد النون ومناسبة هذا التفسير للترجمة تؤخذ من المراد بفاعل دساها فقال قوم هو الله أي قد افلح صاحب النفس التي زكاها الله وخاب صاحب النفس التي اغواها الله وقال اخرون هو صاحب النفس إذا فعل الطاعات فقد زكاها وإذا فعل المعاصي فقد اغواها والأول هو المناسب للترجمة وقال الكرماني مناسبة التفسيرين للترجمة ان من لم يعصمه الله كان سدى وكان مغوى ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد الخدري ما استخلف من خليفة الا وله بطانتان الحديث وفيه والمعصوم من عصم الله وسيأتي شرحه في كتاب الاحكام ان شاء الله تعالى والبطانة بكسر الموحدة اسم جنس يشمل الواحد والجماعة والمراد من يطلع على باطن حال الكبير من اتباعه

قوله باب وحرام على قرية اهلكناها كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وحرام بفتح أوله وزيادة الالف وزادوا بقية الآية والقراءتان مشهورتان قرأ أهل الكوفة بكسر أوله وسكون ثانيه وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام بفتحتين وألف وهما بمعنى كالحلال والحل وجاء في الشواذ عن بن عباس قراءات أخرى بفتح أوله وتثليث الراء وبالضم اشهر وبضم أوله وتشديد الراء المكسورة قال الراغب في قوله تعالى وحرمنا عليه المراضع هو تحريم تخسير وحمل بعضهم عليه قوله وحرام على قرية قوله لن يؤمن من قومك الا من قد آمن ولا يلدوا الا فاجرا كفارا كذا جمع بين بعض كل من الايتين وهما من سورتين إشارة الى ما ورد في تفسير ذلك وقد اخرج الطبري من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروية عن قتادة قال ما قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا الى قوله كفارا الا بعد ان نزل عليه وأوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن قلت ودخول ذلك في أبواب القدر ظاهر فإنه يقتضي سبق علم الله بما يقع من عبيده قوله وقال منصور بن النعمان هو اليشكري بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف بصرى سكن مرو ثم بخارى وماله في البخاري سوى هذا الموضع وقد زعم بعض المتأخرين ان الصواب منصور بن المعتمر والعلم عند الله قوله عن عكرمة عن بن عباس وحرم بالحبشية وجب لم اقف على هذا التعليق موصولا وقرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا بن الملقن وغيره فقالوا أخرجه أبو جعفر عن بن قهزاد عن أبي عوانة عنه قلت ولم اقف على ذلك في تفسير أبي جعفر الطبري وانما فيه وفي تفسير عبد بن حميد وابن أبي حاتم جميعا من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى وحرام على قرية أهلكناها قال وجب ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال حرم عزم ومن طريق عطاء عن عكرمة وحرم وجب بالحبشية وبالسند الأول قال وقوله انهم لا يرجعون أي لا يتوب منهم تائب قال الطبري معناه انهم اهلكوا بالطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون عن الكفر وقيل معناه يمتنع على الكفرة الهالكين انهم لا يرجعون الى عذاب الله وقيل فيه أقوال اخر ليس هذا موضع استيعابها والأول أقوى وهو مراد المصنف بالترجمة والمطابق لما ذكر معه من الآثار والحديث

[ 6238 ] قوله معمر عن بن طاوس هو عبد الله قوله عن بن عباس ما رأيت شيئا اشبه باللمم مما قال أبو هريرة فذكر الحديث ثم قال وقال شبابة حدثنا ورقاء هو بن عمر عن بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكأن طاوسا سمع القصة من بن عباس عن أبي هريرة وكان سمع الحديث المرفوع من أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة بعد ان سمعه من بن عباس وقد أشرت الى ذلك في أوائل كتاب الاستئذان وبينت الاختلاف في رفع الحديث ووقفه ولم اقف على رواية شبابة هذه موصولة وكنت قرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا بن الملقن ان الطبراني وصلها في المعجم الأوسط عن عمرو بن عثمان عن بن المنادى عنه وقلدتهما في ذلك في تعليق التعليق ثم راجعت المعجم الأوسط فلم اجدها قوله باللمم بفتح الكلام والميم هو ما يلم به الشخص من شهوات النفس وقيل هو مقارفة الذنوب الصغار وقال الراغب اللمم مقارفة المعصية ويعبر به عن الصغيرة ومحصل كلام بن عباس تخصيصه ببعضها ويحتمل ان يكون أراد ان ذلك من جملة اللمم أو في حكم اللمم قوله ان الله كتب على بن ادم أي قدر ذلك عليه أو أمر الملك بكتابته كما تقدم بيانه في شرح حديث بن مسعود الماضي قريبا قوله أدرك ذلك لا محالة بفتح الميم أي لا بد له من عمل ما قدر عليه انه يعمله وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة قال بن بطال كل ما كتبه الله على الادمي فهو قد سبق في علم الله والا فلا بد ان يدركه المكتوب عليه وان الإنسان لا يستطيع ان يدفع ذلك عن نفسه الا انه يلام إذا واقع ما نهى عنه بحجب ذلك عنه وتمكينه من التمسك بالطاعة فبذلك يندفع قول القدرية والمجبرة ويؤيده قوله والنفس تمنى وتشتهي لأن المشتهى بخلاف الملجأ قوله حظه من الزنا إطلاق الزنا على اللمس والنظر وغيرهما بطريق المجاز لأن كل ذلك من مقدماته قوله فزنا العين النظر أي الى ما لا يحل للناظر وزنا اللسان المنطق في رواية الكشميهني النطق بضم النون بغير ميم في أوله قوله والنفس تمنى بفتح أوله على حذف إحدى التاءين والأصل تتمنى قوله والفرج يصدق ذلك أو يكذبه يشير الى ان التصديق هو الحكم بمطابقة الخبر للواقع والتكذيب عكسه فكان الفرج هو الموقع أو الواقع فيكون تشبيها ويحتمل ان يريد ان الايقاع يستلزم الحكم بها عادة فيكون كناية قال الخطابي المراد باللمم ما ذكره الله في قوله تعالى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الا اللمم وهو المعفو عنه وقال في الآية الأخرى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم فيؤخذ من الايتين ان اللمم من الصغائر وانه يكفر باجتناب الكبائر وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث من هم بحسنة ومن هم بسيئة في وسط كتاب الرقاق وقال بن بطال تفضل الله على عباده بغفران اللمم إذا لم يكن للفرد تصديق بها فإذا صدقها الفرج كان ذلك كبيرة ونقل الفراء ان بعضهم زعم ان الا في قوله الا اللمم بمعنى الواو وأنكره وقال الا صغائر الذنوب فإنها تكفر باجتناب كبارها وانما اطلق عليها زنا لأنها من دواعيه فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب مجازا وفي قوله والنفس تشتهي والفرج يصدق أو يكذب ما يستدل به على ان العبد لا يخلق فعل نفسه لأنه قد يريد الزنا مثلا ويشتهيه فلا يطاوعه العضو الذي يريد ان يزني به ويعجزه الحيلة فيه ولا يدري لذلك سببا ولو كان خالقا لفعله لما عجز عن فعل ما يريده مع وجود الطواعية واستحكام الشهوة فدل على ان ذلك فعل مقدر يقدرها إذا شاء ويعطلها إذا شاء

قوله باب وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس ذكر فيه حديث بن عباس وقد تقدم في تفسير سورة سبحان مستوفي ووجه دخوله في أبواب القدر من ذكر الفتنة وان الله سبحانه وتعالى هو الذي جعلها وقد قال موسى عليه السلام ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء وأصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما أخرجه الاختبار الى المكروه ثم اتسعملت في المكروه فتارة في الكفر كقوله والفتنة أشد من القتل وتارة في الإثم كقوله الا في الفتنة سقطوا وتارة في الاحراق كقوله ان الذين فتنوا المؤمنين وتارة في الازالة عن الشيء كقوله وان كادوا ليفتنونك وتارة في غير ذلك والمراد بها في هذا الموضع الختبار على بابها الاصلي والله اعلم قال بن التين وجه دخول هذا الحديث في كتاب القدر الإشارة الى ان الله قدر على المشركين التكذيب لرؤيا نبيه الصادق فكان ذلك زيادة في طغيانهم حيث قالوا كيف يسير الى بيت المقدس في ليلة واحدة ثم يرجع فيها وكذلك جعل الشجرة الملعونة زيادة في طغيانهم حيث قالوا في النار شجرة والنار تحرق الشجر وفيه خلق الله الكفر ودواعي الكفر من الفتنة وسيأتي زيادة في تقرير ذلك في الكلام على خلق افعال العباد في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى والجواب عن شبهتهم ان الله خلق الشجرة المذكورة من جوهر لا تأكله النار ومنها سلاسل أهل النار واغلالهم وخزنة النار من الملائكة وحياتها وعقاربها وليس ذلك من جنس ما في الدنيا وأكثر ما وقع الغلط لمن قاس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا والله تعالى الموفق

قوله باب تحاج آدم وموسى عند الله أما تحاج فهو بفتح أوله وتشديد اخره وأصله تحاجج بجيمين ولفظ قوله عند الله فزعم بعض شيوخنا انه أراد ان ذلك يقع منهما يوم القيامة ثم رده بما وقع في بعض طرقه وذلك فيما أخرجه أبو داود من حديث عمر قال قال موسى يا رب أرنا ادم الذي اخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله ادم فقال أنت أبونا الحديث قال وهذا ظاهره انه وقع في الدنيا انتهى وفيه نظر فليس قول البخاري عند الله صريحا في أن ذلك يقع يوم القيامة فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين وقد وردت العندية في القيامة بقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر وفي الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني وقد بينت في كتاب الصيام انه بهذا اللفظ في مسند أحمد بسند في صحيح مسلم لكن لم يسق لفظ المتن والذي ظهر لي ان البخاري لمح في الترجمة بما وقع في بعض طرق الحديث وهو ما خرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ احتج آدم وموسى عند ربهما الحديث

[ 6240 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله حفظناه من عمرو يعني بن دينار ووقع في مسند الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار وأخرجه أبو نعيم في المتسخرج من طريق الحميدي قوله عن طاوس في رواية أحمد عن سفيان عن عمرو سمع طاوسا وعند الإسماعيلي من طريق محمد بن منصور الخراز عن سفيان عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا قوله في آخره وقال سفيان حدثنا أبو الزناد هو موصول عطفا على قوله حفظناه من عمرو ووقع في رواية الحميدي قال وحدثنا أبو الزناد بإثبات الواو وهي أظهر في المراد وأخطأ من زعم ان هذه الطريق مغلقة وقد أخرجها الإسماعيلي منفردة بعد ان ساق طريق طاوس عن جماعة عن سفيان فقال أخبرنيه القاسم يعني بن زكريا حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف حدثنا سفيان عن عمرو مثله سواء وزاد قال وحدثني سفيان عن أبي الزناد به قال بن عبد البر هذا الحديث ثابت بالاتفاق رواه عن أبي هريرة جماعة من التابعين وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخرى من رواية الأئمة الثقات الاثبات قلت وقع لنا من طريق عشرة عن أبي هريرة منهم طاوس في الصحيحين والأعرج كما ذكرته وهو عند مسلم من رواية الحارث بن أبي الذباب وعند النسائي عن عمرو بن أبي عمرو كلاهما عن الأعرج وأبو صالح السمان عند الترمذي والنسائي وابن خزيمة كلهم من طريق الأعمش عنه والنسائي أيضا من طريق القعقاع بن حكيم عنه ومنهم أبو سلمة بن عبد الرحمن عند أحمد وأبي عوانة من رواية الزهري عنه وقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب وقيل عنه عن حميد بن عبد الرحمن ومن رواية أيوب بن النجار عن أبي سلمة في الصحيحين أيضا وقد تقدم في تفسير سورة طه ومن رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عند بن خزيمة وأبي عوانة وجعفر الفريابي في القدر ومن رواية يحيى بن أبي كثير عنه عند أبي عوانة ومنهم حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة كما تقدم في قصة موسى من أحاديث الأنبياء ويأتي في التوحيد وأخرجه مسلم ومنهم محمد بن سيرين كما مضى في تفسير طه وأخرجه مسلم ومنهم الشعبي أخرجه أبو عوانة والنسائي ومنهم همام بن منبه أخرجه مسلم ومنهم عمار بن أبي عمار أخرجه أحمد ومن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر عند أبي داود وأبي عوانة وجندب بن عبد الله عند النسائي وأبو سعيد عند البزار وأخرجه بن أبي شيبة وعبد الرزاق والحارث من وجه اخر عنه وقد أشار الى هذه الثلاثة الترمذي قوله احتج ادم وموسى في رواية همام ومالك تحاج كما في الترجمة وهي أوضح وفي رواية أيوب بن النجار ويحيى بن كثير حج آدم وموسى وعليها شرح الطيبي فقال معنى قوله حج آدم وموسى غلبه بالحجة وقوله بعد ذلك قال موسى أنت آدم الخ توضيح لذلك وتفسير لما أجمل وقوله في آخره فحج آدم موسى تقرير لما سبق وتأكيد له وفي رواية يزيد بن هرمز كما تقدمت الإشارة اليه عند ربهما وفي رواية محمد بن سيرين التقى آدم وموسى وفي رواية عمار والشعبي لقى آدم موسى وفي حديث عمر لقي موسى آدم كذا عند أبي عوانة واما أبو داود فلفظه كما تقدم قال موسى يا رب ارني آدم وقد اختلف العلماء في وقت هذا اللفظ فقيل يحتمل انه في زمان موسى فأحيا الله له آدم معجزة له فكلمة أو كشف له عن قبره فتحدثا أو أراه الله روحه كما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج أرواح الأنبياء أو أراه الله له في المنام ورؤيا الأنبياء وحي ولو كان يقع في بعضها ما يقبل التعبير كما في قصة الذبيح أو كان ذلك بعد وفاة موسى فالتقيا في البرزخ أول ما مات موسى فالتقت ارواحها في السماء وبذلك جزم بن عبد البر والقابسي وقد وقع في حديث عمر لما قال موسى أنت آدم قال له من أنت قال انا موسى وان ذلك لم يقع بعد وانما يقع في الآخرة والتعبير عنه في الحديث بلفظ الماضي لتحقق وقوعه وذكر بن الجوزي احتمال التقائهما في البرزخ واحتمال ان يكون ذلك ضرب مثل والمعنى لو اجتمعا لقالا ذلك وخص موسى بالذكر لكونه أول نبي بعث بالتكاليف الشديدة قال وهذا وان احتمل لكن الأول أولى قال وهذا مما يجب الإيمان به لثبوته عن خبر الصادق وان لم يطلع على كيفية الحال وليس هو بأول ما يجب علينا الإيمان به وان لم نقف على حقيقة معناه كعذاب القبر ونعيمه ومتى ضاقت الحيل في كشف المشكلات لم يبق الا التسليم وقال بن عبد البر مثل هذا عندي يجب فيه التسليم ولا يوقف فيه على التحقيق لأنا لم نؤت من جنس هذا العلم الا قليلا قوله أنت أبونا في رواية يحيى بن أبي كثير أنت الناس وكذا في حديث عمر وفي رواية الشعبي أنت ادم أبو البشر قوله خيبتنا واخرجتنا من الجنة في رواية حميد بن عبد الرحمن أنت آدم الذي اخرجتك خطيئتك من الجنة هكذا في أحاديث الأنبياء عنه وفي التوحيد أخرجت ذريتك وفي رواية مالك أنت الذي اغويت الناس واخرجتهم من الجنة ومثله في رواية همام وكذا في رواية أبي صالح وفي رواية محمد بن سيرين اشقيت بدل اغويت ومعنى اغويت كنت سببا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة ولو لم يقع الإخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الاغواء والغي ضد الرشد وهو الانهماك في غير الطاعة ويطلق أيضا على مجرد الخطأ يقال غوى أي أخطأ صواب ما أمر به وفي تفسير طه من رواية أبي سلمة أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وعند أحمد من طريقه أنت الذي أدخلت ذريتك النار والقول فيه كالقول في اغويت وزاد همام الى الأرض وكذا في رواية يزيد بن هرمز فأهبطت الناس بخطيئتك الى الأرض وأوله عنده أنت الذي خلقك الله بيده واسجد لك ملائكته ومثله في رواية أبي صالح لكن قال ونفخ فيك من روحه ولم يقل واسجد لك ملائكته ومثله في رواية محمد بن عمرو وزاد واسكنك جنته ومثله في رواية محمد بن سيرين وزاد ثم صنعت ما صنعت وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج يا آدم خلقك الله بيده ثم نفخ فيك من روحه ثم قال لك كن فكنت ثم أمر الملائكة فسجدوا لك ثم قال لك اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فنهاك عن شجرة واحدة فعصيت وزاد الفريابي وأكلت منها وفي رواية عكرمة بن عمار عن أبي سلمة أنت ادم الذي خلقك الله بيده فأعاد الضمير في قوله خلقك الى قوله أنت والأكثر عودة الى الموصول فكأنه يقول خلقه الله ونحو ذلك ما وقع في رواية الأكثر أنت الذي اخرجتك خطيئتك وفي حديث عمر بعد قوله أنت ادم قال نعم قال أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الأسماء كلها وأمر الملائكة فسجدوا لك قال نعم قال فلم اخرجتنا ونفسك من الجنة وفي لفظ لأبي عوانة فوالله لولا ما فعلت ما دخل أحد من ذريتك النار ووقع في حديث أبي سعيد عند بن أبي شيبة فأهلكتنا وأغويتنا وذكر ما شاء الله ان يذكر من هذا وهذا يشعر بأن جميع ما ذكر في هذه الروايات محفوظ وان بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الاخر وقوله أنت آدم استفهام تقرير واضافة الله خلق آدم الى يده في الآية إضافة تشريف وكذا إضافة روحه الى الله ومن في قوله من روحه زائدة على رأي والنفخ بمعنى الخلق أي خلق فيك الروح ومعنى قوله اخرجتنا كنت سبببا لاخراجنا كما تقدم تقريره وقوله اغويتنا وأهلكتنا من إطلاق الكل على البعض بخلاف اخرجتنا فهو على عمومه ومعنى قوله أخطأت وعصيت ونحوهما فعلت خلاف ما أمرت به واما قوله خيبتنا بالخاء المعجمة ثم الموحدة من الخيبة فالمراد به الحرمان وقيل هي كأغويتنا من إطلاق الكل على البعض والمراد من يجوز منه وقوع المعصية ولا مانع من حمله على عمومه والمعنى انه لو استمر على ترك الأكل من الشجرة لم يخرج منها ولو استمر فيها لولد له فيها وكان ولده سكان الجنة على الدوام فلما وقع الإخراج فات أهل الطاعة من ولد استمرار الدوام في الجنة وان كانوا إليها ينتقلون وفات أهل المعصية تأخر الكون في الجنة مدة الدنيا وما شاء الله من مدة العذاب في الآخرة اما مؤقتا في حق الموحدين واما مستمرا في حق الكفار فهو حرمان نسبي قوله فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده في رواية الأعرج أنت موسى الذي اعطاك الله علم كل شيء واصطفاك على الناس برسالته وفي رواية همام نحوه لكن بلفظ اصطفاه وأعطاه وزاد في رواية يزيد بن هرمز وقربك نجيا واعطاك الالواح فيها بيان كل شيء وفي رواية بن سيرين اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وانزل عليك التوراة وفي رواية أبي سلمة اصطفاك الله برسالته وكلامه ووقع في رواية الشعبي فقال نعم وفي حديث عمر قال انا موسى قال نبي بني إسرائيل قال نعم قال أنت الذي كلمك الله من وراء حجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه قال نعم قوله اتلومني على أمر قدر الله على كذا للسرخسي والمتسملي بحذف المفعول وللباقين قدره الله علي قوله قبل ان يخلقني بأربعين سنة في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فكيف تلومني على أمر كتبه الله أو قدره الله علي ولم يذكر المدة وثبت ذكرها في رواية طاوس وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة ولفظه فكم تجد في التوراة انه كتب على العمل الذي عملته قبل ان اخلق قال بأربعين سنة قال فكيف تلومني عليه وفي رواية يزيد بن هرمز نحوه وزاد فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم وكلام بن عبد البر قد يوهم تفرد بن عيينة عن أبي الزناد بزيادتها لكنه بالنسبة لأبي الزناد والا فقد ذكر التقييد بالأربعين غير بن عيينة كما ترى وفي رواية الزهري عن أبي سلمة عند أحمد فهل وجدت فيها يعني الالواح أو التوراة اني اهبط وفي رواية الشعبي أفليس تجد فيما انزل الله عليك انه سيخرجني منها قبل ان يدخلينها قال بلى وفي رواية عمار بن أبي عمار انا اقدم أم الذكر قال بل الذكر وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج ألم تعلم ان الله قدر هذا علي قبل ان يخلقني وفي رواية بن سيرين فوجدته كتب على قبل ان يخلقني قال نعم وفي رواية أبي صلاح فتلومني في شيء كتبه الله علي قبل خلقي وفي حديث عمر قال فلم تلومني على شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء ووقع في حديث أبي سعيد الخدري أتلومني على أمر قدره الله علي قبل ان يخلق السماوات والأرض والجمع بينه وبين الرواية المقيدة بأربعين سنة حملها على ما يتعلق بالكتابة وحمل الأخرى على ما يتعلق بالعلم وقال بن التين يحتمل ان يكون المراد بالأربعين سنة ما بين قوله تعالى اني جاعل في الأرض خليفة الى نفخ الروح في آدم وأجاب غيره ان ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح وآخرها ابتداء خلق ادم وقال بن الجوزي المعلومات كلها قد احاط بها علم الله القديم قبل وجود المخلوقات كلها ولكن كتابتها وقعت في أوقات متفاوتة وقد ثبت في الصحيح يعني صحيح مسلم ان الله قدر المقادير قبل ان يخلق السماوات والأرض بخمسين الف سنة فيجوز ان تكون قصة آدم بخصوصها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة ويجوز ان يكون ذلك القدر مدة لبثه طينا الى ان نفخت فيه الروح فقد ثبت في صحيح مسلم ان بين تصويره طينا ونفخ الروح فيه كان مدة أربعين سنة ولا يخالف ذلك كتابة المقادير عموما قبل خلق السماوات والأرض بخمسين الف سنة وقال المازري الأظهر ان المراد انه كتبه قبل خلق آدم بأربعين عاما ويحتمل ان يكون المراد اظهره للملائكة أو فعل فعلا ما أضاف اليه هذا التاريخ والا فمشيئة الله وتقديره قديم والأشبه انه أراد بقوله قدره الله علي قبل ان اخلق أي كتبه في التوراة لقوله في الرواية المشار إليها قبل فكم وجدته كتب في التوراة قبل ان اخلق وقال النووي المراد بتقديرها كتبه في اللوح المحفوظ أو في التوراة أو في الالواح ولا يجوز ان يراد أصل القدر لأنه ازلي ولم يزل الله سبحانه وتعالى مريدا لما يقع من خلقه وكان بعض شيوخنا يزعم ان المراد إظهار ذلك عند تصوير ادم طينا فإن ادم أقام في طينته أربعين سنة والمراد على هذا بخلقه نفخ الروح فيه قلت وقد يعكر على هذا رواية الأعمش عن أبي صالح كتبه الله علي قبل ان يخلق السماوات والأرض لكنه يحمل قوله فيه كتبه الله علي قدره أو على تعدد الكتابة لتعدد المكتوب والعلم عند الله تعالى قوله فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا كذا في هذه الطرق ولم يكرر في أكثر الطرق عن أبي هريرة ففي رواية أيوب بن النجار كالذي هنا لكن بدون قوله ثلاثا وكذا لمسلم من رواية بن سيرين كذا في حديث جندب عند أبي عوانة وثبت في حديث عمر بلفظ فاحتجا الى الله فحج ادم موسى قالها ثلاث مرات وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج لقد حج ادم موسى لقد حج ادم موسى لقد حج آدم موسى وفي حديث أبي سعيد عند الحارث فحج آدم موسى ثلاثا وفي رواية الشعبي عند النسائي فخصم ادم موسى فخصم ادم موسى واتفق الرواة والنقلة والشراح على ان ادم بالرفع وهو الفاعل وشذ بعض الناس فقرأه بالنصب على انه المفعول وموسى في محل الرفع على انه الفاعل نقله الحافظ أبو بكر بن الخاصية عن مسعود بن ناصر السجزي الحافظ قال سمعته يقرأ فحج آدم بالنصب قال وكان قدريا قلت هو محجوج بالإنفاق قبله على أن ادم بالرفع على انه الفاعل وقد أخرجه أحمد من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ فحجة آدم وهذا يرفع الاشكال فإن رواته أئمة حفاظ والزهري من كبار الفقهاء الحفاظ فروايته هي المعتمدة في ذلك ومعنى حجة غلبه بالحجة يقال حاججت فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته قال بن عبد البر هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في اثبات القدر وان الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله قال وليس فيه حجة للجبرية وان كان في بادئ الرأي يساعدهم وقال الخطابي في معالم السنن يحسب كثير من الناس ان معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر وفهر العبد ويتوهم ان غلبة ادم كانت من هذا الوجه وليس كذلك وانما معناه الاخبار عن اثبات علم الله بما يكون من افعال العباد وصدورها عن تقدير سابق منه فإن القدر اسم لما صدر عن فعل القادر وإذا كان كذلك فقد نفى عنهم من وراء علم الله افعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور عن قصد وتعمد واختيار فالحجة انما نلزمهم بها واللأئمة انما تتوجه عليها وجماع القول في ذلك انهما امران لا يبدل أحدهما عن الاخر أحدهما بمنزلة الاساس والاخر بمنزلة البناء ونقضه وانما جهة حجة ادم ان الله علم منه انه يتناول من الشجرة فكيف يمكنه ان يرد علم الله فيه وانما خلق للأرض وانه لا يترك في الجنة بل ينقل منها الى الأرض فكان تناوله من الشجرة سببا لإهباطه واستخلافه في الأرض كما قال تعالى قبل خلقه اني جاعل في الأرض خليفة قال فلما لامه موسى عن نفسه قال له اتلومني على أمر قدره الله علي فاللوم عليه من قبلك ساقط عني إذ ليس لأحد ان يعير أحدا بذنب كان منه لأن الخلق كلهم تحت العبودية سواء وانما يتجه اللوم من قبل الله سبحانه وتعالى إذ كان نهاه فباشر ما نهاه عنه قال وقول موسى وان كان في النفس منه شبهة وفي ظاهره تعلق لاحتجاجه بالسبب لكن تعلق آدم بالقدر أرجح فلهذا غلبه والغلبة تقع مع المعارضة كما تقع مع البرهان انتهى ملخصا وقال في أعلام الحديث نحوه ملخصا وزاد ومعنى قوله فحج آدم موسى دفع حجته التي الزمه اللوم بها قال ولم يقع من آدم إنكار لما صدر منه بل عارضه بأمر دفع به عنه اللوم قلت ولم يتلخص من كلامه مع تطويله في الموضعين دفع للشبهة الا في دعواه انه ليس للآدمي ان يلوم اخر مثله على ما فعل ما قدره الله عليه وانما يكون ذلك لله تعالى لأنه هو الذي امره ونهاه وللمعترض ان يقول وما المانع إذا كان ذلك لله ان يباشره من تلقي عن الله من رسوله ومن تلقى عن رسله ممن أمر بالتبليغ عنهم وقال القرطبي انما غلبه بالحجة لأنه علم من التوراة ان الله تاب عليه فكان لومه له على ذلك نوع جفاء كما يقال ذكر الجفاء بعد حصول الصفاء جفاء ولأن اثر المخالفة بعد الصفح ينمحي حتى كأنه لم يكن فلا يصادف اللوم من اللائم حينئذ محلا انتهى وهو محصل ما أجاب به المازري وغيره من المحققين وهو المعتمد وقد انكر القدرية هذا الحديث لأنه صريح في اثبات القدر السابق وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لأدم على الاحتجاج به وشهادته بأنه غلب موسى فقالوا لا يصح لأن موسى لا يلوم على أمر قد تاب منه صاحبه وقد قتل هو نفسا لم يؤمر بقتلها ثم قال رب اغفر لي فغفر له فكيف يلوم آدم على أمر قد غفر له ثانيها لو ساغ اللوم على الذنب بالقدر الذي فرغ من كتابته على العبد لا يصح هذا لكان من عوتب على معصية قد ارتكبها فيحتج بالقدر السابق ولو ساغ ذلك لانسد باب القصاص والحدود ولاحتج به كل أحد على ما يرتكبه من الفواحش وهذا يفضي الى لوازم قطعية فدل ذلك على ان هذا الحديث لا أصل له والجواب من أوجه أحدها ان آدم انما احتج بالقدر على المعصية لا المخالفة فإن محصل لوم موسى انما هو على الإخراج فكأنه قال انا لم اخرجكم وانما اخرجكم الذي رتب الإخراج على الأكل من الشجرة والذي رتب ذلك قدره قبل ان اخلق فكيف تلومني على أمر ليس لي فيه نسبة الا الأكل من الشجرة والاخراج المرتب عليها ليس من فعلي قلت وهذا الجواب لا يدفع شبهة الجبرية ثانيها انما حكم النبي صلى الله عليه وسلم لآدم بالحجة في معنى خاص وذلك لأنه لو كانت في المعنى العام لما تقدم من الله تعالى لومه بقوله ألم انهكما عن تلكما الشجرة ولا واخذه بذلك حتى أخرجه من الجنة واهبطه الى الأرض ولكن لما اخذ موسى في لومه وقدم قوله له أنت الذي خلقك الله بيده وأنت وأنت لم فعلت كذا عارضه آدم بقوله أنت الذي اصطفاك الله وأنت وأنت وحاصل جوابه إذا كنت بهذه المنزلة كيف يخفي عليك انه لا محيد من القدر وانما وقعت الغلبة لآدم من وجهين أحدهما انه ليس لملخوق ان يلوم مخلوقا في وقوع ما قدر عليه الا بإذن من الله تعالى فيكون الشارع هو اللائم فلما اخذ موسى في لومه من غير ان يؤذن له في ذلك عارضه بالقدر فأسكته والثاني ان الذي فعله ادم اجتمع فيه القدر والكسب والتوبة تمحو اثر الكسب وقد كان الله تاب عليه فلم يبق الا القدر والقدر لا يتوجه عليه لوم لأنه فعل الله ولا يسأل عما يفعل ثالثها قال بن عبد البر هذا عندي مخصوص بآدم لان المناظرة بينهما وقعت بعد ان تاب الله على ادم قطعا كما قال تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه فحسن منه ان ينكر على موسى لومه على الأكل من الشجرة لأنه كان قد تيب عليه من ذلك والا فلا يجوز لأحد ان يقول لمن لامه على ارتكاب معصية كما لو قتل أو زنى أو سرق هذا سبق في علم الله وقدره علي قبل ان يخلقني فليس لك ان تلومني عليهن فإن الأمة اجمعت على جواز لوم من وقع منه ذلك بل على استحباب ذلك كما اجمعوا على استحباب محمدة من واظب على الطاعة قال وقد حكى بن وهب في كتاب القدر عن مالك عن يحيى بن سعيد ان ذلك كان من آدم بعد ان تيب عليه رابعها انما توجهت الحجة لادم لأن موسى لامه بعد ان مات واللوم انما يتوجه على المكلف ما دام في دار التكليف فإن الأحكام حينئذ جارية عليهم فيلام العاصي ويقام عليه الحد والقصاص وغير ذلك وأما بعد ان يموت فقد ثبت النهي عن سب الأموات ولا تذكروا موتاكم الا بخير لأن مرجع أمرهم الى الله وقد ثبت ان لا يثنى العقوبة على من اقيم عليه الحد بل ورد النهي عن التثريب على الأمة إذا زنت واقيم عليها الحد وإذا كان كذلك فلوم موسى لآدم انما وقع بعد انتقاله عن دار التكليف وثبت ان الله تاب عليه فسقط عنه اللوم فلذلك عدل الى الاحتجاج بالقدر السابق وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه غلب موسى بالحجة قال المازري لما تاب الله على آدم صار ذكر ما صدر منه انما هو كالبحث عن السبب الذي دعاه الى ذلك فأخبر هو ان الأصل في ذلك القضاء السابق فلذلك غلب بالحجة قال الداودي فيما نقله بن التين انما قامت حجة آدم لأن الله خلقه ليجعله في الأرض خليفة فلم يحتج آدم في أكله من الشجرة بسابق العلم لأنه كان عن اختيار منه وانما احتج بالقدر لخروجه لأنه لم يكن بد من ذلك وقيل ان آدم اب موسى بن وليس للابن ان يلوم أباه حكاه القرطبي وغيره ومنهم من عبر عنه بأن ادم أكبر منه وتعقبه بأنه بعيد من معنى الحديث ثم هو ليس على عمومه بل يجوز للابن ان يلوم أباه في عدة مواطن وقيل انما غلبه لانهما شريعيتن متغايرتين وتعقب بأنها دعوى لا دليل عليها ومن أين يعلم انه كان في شريعة آدم ان المخالف يحتج بسابق القدر وفي شريعة موسى انه لا يحتج أو انه يتوجه له اللوم على المخالف وفي الجملة فأصح الأجوبة الثاني والثالث ولا تنافي بينهما فيمكن ان يمتزج منهما جواب واحد وهو ان التائب لا يلام على ما تيب عليه منه ولا سيما إذا انتقل عن دار التكليف وقد سلك النووي هذا المسلك فقال معنى كلام ادم انك يا موسى تعلم ان هذا كتب علي قبل ان اخلق فلا بد من وقوعه ولو حرصت انا والخلق اجمعون على رد مثقال ذرة منه لم نقدر فلا تلمني فإن اللوم على المخالفة شرعي لا عقلي وإذا تاب الله علي وغفر لي زال اللوم فمن لامني كان محجوجا بالشرع فإن قيل فالعاصي اليوم لو قال هذه المعصية قدرت على فينبغي ان يسقط عني اللوم قلنا الفرق ان هذا العاصي باق في دار التكليف جارية عليه الاحكام من العقوبة واللوم وفي ذلك له ولغيره زجر وعظة فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف مستغن عن الزجر فلم يكن للومه فائدة بل فيه ايذاء وتخجيل فلذلك كان الغلبة له وقال التوربشتي ليس معنى قوله كتبه الله علي ألزمني به وانما معناه أثبته في أم الكتاب قبل ان يخلق آدم وحكم ان ذلك كائن ثم ان هذه المحاججة انما وقعت في العالم العلوي عند ملتقى الاوراح ولم تقع في عالم الأسباب والفرق بينهما ان عالم الأسباب لا يجوز قطع النظر فيه عن الوسائط والاكتساب بخلاف العالم العلوي بعد انقطاع موجب الكسب وارتفاع الاحكام التكليفية فلذلك احتج ادم بالقدر السابق قلت وهو محصل بعض الأجوبة المتقدم ذكرها وفيه استعمال التعريض بصيغة المدح يؤخذ ذلك من قول آدم لموسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته الى اخر ما خاطبه به وذلك انه أشار بذلك الى انه اطلع على عذره وعرفه بالوحي فلو استحضر ذلك ما لامه مع وضوح عذره وأيضا ففيه إشارة الى شيء اخر أعم من ذلك وان كان لموسى فيه اختصاص فكأنه قال لو لم يقع اخراجي الذي رتب على اكلي من الشجرة ما حصلت لك هذه المناقب لأني لو بقيت في الجنة واستمر نسلي فيها ما وجد من تجاهر بالكفر الشنيع بما جاهر به فرعون حتى أرسلت أنت اليه واعطيت ما أعطيت فإذا كنت انا السبب في حصول هذه الفضائل لك فكيف يسوغ لك ان تلومني قال الطيبي مذهب الجبرية اثبات القدرة لله ونفيها عن العبد أصلا ومذهب المعتزلة بخلافه وكلاهما من الافراط والتفريط على شفا جرف هار والطريق المستقيم القصد فلما كان سياق كلام موسى يؤول الى الثاني بأن صدر الجملة بحرف الإنكار والتعجب وصرح باسم آدم ووصفه بالصفات التي كل واحدة منها مستقلة في علية عدم ارتكابه المخالفة ثم اسند الإهباط اليه ونفس الاهباط منزلة دون فكأنه قال ما ابعد هذا الانحطاط من تلك المناصب العالية فأجاب آدم بما يقابلها بل ابلغ فصدر الجملة بهمزة الإنكار أيضا وصرح باسم موسى ووصفه بصفات كل واحدة مستقلة في علية عدم الإنكار عليه ثم رتب العلم الازلي على ذلك ثم اتى بهمزة الإنكار بدل كلمة الاستبعاد فكأنه قال تجد في التوراة هذا ثم تلومني قال وفي هذا التقرير تنبيه على تحري قصد الأمور قال وختم النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله فحج آدم موسى تنبيها على أن بعض أمته كالمعزلة ينكرون القدر فاهتم لذلك وبالغ في الإرشاد قلت ويقرب من هذا ما تقدم في كتاب الإيمان في الرد على المرجئة بحديث بن مسعود رفعه سباب المسلم فسوق وقتاله كفر فلما كان المقام مقام الرد على المرجئة اكتفى به معرضا عما يقتضيه ظاهره من تقوية مذهب الخوارج المكفرين بالذنب اعتمادا على ما تقرر من دفعه في مكانه فكذلك هنا لما كان المراد به الرد على القدرية الذين ينكرون سبق القدر اكتفى به معرضا عما يوهمه ظاهره من تقوية مذهب الجبيرية لما تقرر من دفعه في مكانه والله اعلم وفي هذا الحديث عدة من الفوائد غير ما تقدم قال القاضي عياض ففيه حجة لأهل السنة في ان الجنة التي اخرج منها آدم هي جنة الخلد التي وعد المتقون ويدخلونها في الآخرة خلافا لمن قال من المعتزلة وغيرهم انها جنة أخرى ومنهم من زاد على ذلك فزعم انها كانت في الأرض وقد سبق الكلام على ذلك في أواخر كتاب الرقاق وفيه إطلاق العموم وإرادة الخصوص في قوله اعطاك علم كل شيء والمراد به كتابه المنزل عليه وكل شيء يتعلق به وليس المراد عمومه لأنه قد أقر الخضر على قوله واني على علم من علم الله لا تعمله أنت وقد مضى واضحا في تفسير سورة الكهف وفيه مشروعية الحجج في المناظرة لإظهار طلب الحق وإباحة التوبيخ والتعريض في اثناء الحجاج ليتوصل الى ظهرو الحجة وان اللوم على من ايقن وعلم أشد من اللوم على من لم يحصل له ذلك وفيه مناظرة العالم من هو أكبر منه والابن أباه ومحل مشروعية ذلك إذا كان لإظهار الحق أو الازدياد من العلم والوقوف على حقائق الأمور وفيه حجة لأهل السنة في اثبات القدر وخلق افعال العباد وفيه انه يغتفر للشخص في بعض الأحوال مالا يغتفر في بعض كحالة الغضب والاسف وخصوصا ممن طبع على حدة الخلق وشدة الغضب فإن موسى عليه السلام لما غلبت عليه حالة الإنكار في المناظرة خاطب آدم مع كونه والده باسمه مجردا وخاطبه بأشياء لم يكن ليخاطب بها في غير تلك الحالة ومع ذلك فأقره على ذلك وعدل الى معارضته فيما ابداه من الحجة في دفع شبهته

قوله باب لا مانع لما أعطى الله هذا اللفظ منتزع من معنى الحديث الذي أورده واما لفظه فهو طرف من حديث معاوية أخرجه مالك ولمح المصنف بذلك الى انه بعض حديث الباب كما قدمته عند شرحه في آخر صفة الصلاة وان معاوية استثبت المغيرة في ذلك وقد تقدم شرح الحديث مستوفي هناك وقوله

[ 6241 ] ولا معطي لما منعت زاد فيه مسعر عن عبد الملك بن عمير عن وراد ولا راد لما قضيت أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه وذكرت لهذه الزيادة طريقا أخرى هناك وكذا رويناها في فوائد أبي سعد الكنجرودي قوله وقال بن جريج وصله أحمد ومسلم من طريق بن جريج والغرض التصريح بأن ورادا أخبر به عبدة لأنه وقع في الرواية الأولى بالعنعنة

قوله باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء تقدم شرح ذلك في أوائل الدعوات قوله وقوله تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق يشير بذكر الآية الى الرد على من زعم ان العبد يخلق فعل نفسه لأنه لو كان السوء المأمور بالاستعاذة بالله منه مخترعا لفاعله لما كان للاستعاذة بالله منه معنى لأنه لا يصح التعوذ الا بمن قدر على إزالة ما استيعذ به منه والحديث يتضمن ان الله تعالى فاعل جميع ما ذكر والمراد بسوء القضاء سوء المقضي كما تقدم تقريره مع شرح الحديث مستوفي في أوائل الدعوات

قوله باب يحول بين المرء وقلبه كأنه أشار الى تفسير الحيلولة التي في الآية بالتقلب الذي في الخبر أشار الى ذلك الراغب وقال المراد انه يلقى في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك وورد في تفسير الآية ما أخرجه بن مردويه بسند ضعيف عن بن عباس مرفوعا يحول بين المؤمن وبين الكفر ويحول بين الكافر وبين الهدى والحديث الأول في الباب سيأتي شرحه في كتاب الأيمان والنذور قريبا وقوله

[ 6243 ] في السند عن سالم هو المحفوظ وكذا قال سفيان الثوري عن موسى بن عقبة وشذ النفيلي فقال عن بن المبارك عن موسى عن نافع بدل سالم أخرجه أبو داود من رواية بن داسة والحديث الثاني مضى في اواخر الجنائز ويأتي مستوعبا في الفتن وقوله عبد الله في حديثي الباب هو بن المبارك وقد ذكرت ترجمة علي بن حفص في أوائل كتاب الجهاد وقوله وان يكنه بهاء ضمير للأكثر وكذا في ان لم يكنه ووقع فيهما للكشميهني بلفظ ان لم يكن هو بالفصل وهو المختار عند أهل العربية وبالغ بعضهم فمنع الأول قال بن بطال ما حاصله مناسبة حديث بن عمر للترجمة ان الآية نص في ان الله خلق الكفر والايمان وانه يحول بين قلب الكافر وبين الإيمان الذي امره به فلا يكسبه ان لم يقدره عليه بل اقدره على ضده وهو الكفر وكذا في المؤمن بعكسه فتضمنت الآية انه خالق جميع افعال العباد خيرها وشرها وهو معنى قوله مقلب القلوب لأن معناه تقليب قلب عبده عن إيثار الإيمان الى إيثار الكفر وعكسه قال وكل فعل الله عدل فيمن أصله وخذله لأنه لم يمنعهم حقا وجب لهم عليه قال ومناسبة الثاني للترجمة

[ 6244 ] قوله ان يكن هو فلا تطيقه يريد انه ان كان سبق في علم الله انه يخرج ويفعل فإنه لا يقدرك على قتل من سبق في علمه انه سيجئ الى ان يفعل ما يفعل إذ لو اقدرك على ذلك لكان فيه انقلاب علمه والله سبحانه منزه عن ذلك

قوله باب قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا قضى فسر كتب بقضى وهو أحد معانيها وبه جزم الطبري في تفسيرها وقال الراغب ويعبر بالكتابة عن القضاء الممضي كقوله لولا كتاب من الله سبق أي فيما قدره ومنه كتب ربكم على نفسه الرحمة وقوله قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا يعني ما قدره وقضاه قال وعبر بقوله لنا ولم يعبر بقوله علينا تنبيها على ان الذي يصيبنا نعده نعمة لا نقمة قلت ويؤيد هذا الآية التي تليها حيث قال قل هل تربصون بنا الا إحدى الحسنيين وقد تقدم في تفسيره ان المراد الفتح أو الشهادة وكل منهما نعمة قال بن بطال وقد قيل ان هذه الآية وردت فيما أصاب العباد من افعال الله التي اختص بها دون خلقه ولم يقدرهم على كسبها دون ما اصابوه مكتسبين له مختارين قلت والصواب التعميم وان ما يصيبهم باكتسابهم واختيارهم هو مقدور لله تعالى وعن ارادته وقع والله اعلم قوله قال مجاهد بفاتنين بمضلين الا من كتب الله انه يصلى الجحيم وصله عبد بن حميد بمعناه من طريق إسرائيل عن منصور في قوله تعالى ما أنتم عليه بفاتنين الا من هو صال الجحيم قال لا يفتنون الا من كتب علية الضلالة ووصله أيضا من طريق شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه وأخرجه الطبري من تفسير بن عباس من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظ لا تضلون أنتم ولا اضل منكم الا من قضيت عيه انه صال الجحيم ومن طريق حميد سألت الحسن فقالك ما أنتم عليه بمضلين الا من كان في علم الله انه سيصلى الجحيم ومن طريق عمر بن عبد العزيز قال في تفسير هذه الآية انكم والالهة التي تعبدونها لستم بالذي تفتنون عليها الا من قضيت انه سيصلى الجحيم قوله قدر فهدى قدر الشقاء والسعادة وهدى الانعام لمراتعها وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى والذي قدر فهدى قدر للإنسان الشقوة والسعادة وهدى الانعام لمراتعها وتفسير مجاهد هذا للمعنى لا للفظ وهو كقوله تعالى ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال الراغب هداية الله للخلق على أربعة اضرب الأول العامة لكل أحد بحسب احتماله وإليها أشار بقوله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى والثاني الدعاء على ألسنة الأنبياء واليها أشار بقوله وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا والثالث التوفيق الذي يختص به من اهتدى واليها أشار بقوله ومن يؤمن بالله يهد قلبه وقوله والذين اهتدوا زادهم هدى والرابع الهدايات في الآخرة الى الجنة واليها أشار بقوله وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله قال وهذه الهدايات الأربع مرتبة فإنه من لا يحصل له الأولى لا تحصل له الثانية ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ولا تحصل الرابعة الا لمن حصلت له الثالثة ولا تحصل الثالثة الا لمن حصلت له اللتان قبلها وقد تحصل الأولى دون الثانية والثانية دون الثالثة والانسان لا يهدى أحدا الا بالدعاء وتعريف الطرق دون بقية الأنواع المذكورة والى ذلك أشار بقوله تعالى وانك لتهدي الى صراط مستقيم والى بقية الهدايات أشار بقوله انك لا تهدي من أحببت ثم ذكر حديث عائشة في الطاعون وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطب والغرض منه قوله فيه يعلم انه لا يصيبه الا ما كتب الله له تنبيه سند حديث عائشة هذا من ابتدائه الى يحيى بن يعمر مراوزة وقد سكن يحيى المذكور مرو مدة فلم يبق من رجال السند من ليس مروزيا الا طرفاه البخاري وعائشة

قوله باب وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لو ان الله هداني لكنت من المتقين كذا ذكر بعض كل من الآيتين والهداية المذكورة اولا هي الرابعة على ما ذكر الراغب والمذكورة ثانيا هي الثالثة ثم ذكر حديث البراء في

[ 6246 ] قوله والله لولا الله ما اهتدينا الأبيات وقد تقدم شرحها في غزوة الخندق وقوله هنا ولا صمنا ولا صلينا كذا وقع مزحوفا وتقدم هناك من طريق شعبة عن أبي إسحاق بلفظ ولا تصدقنا بدل ولا صمنا وبه يحصل الوزن وهو المحفوظ والله اعلم خاتمة اشتمل كتاب القدر من الأحاديث المرفوعة على تسعة وعشرين حديثا المعلق منها ثلاثة والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وعشرون والخالص سبعة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي سعيد ما استخلف من خليفة وحديث بن عمر لا ومقلب القلوب وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار والله اعلم