كتاب الأيمان والنذور
 قوله كتاب الأيمان والنذور الإيمان بفتح الهمزة جمع يمين وأصل اليمين في اللغة اليد واطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا اخذ كل بيمين صاحبه وقيل لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء فسمى الحلف بذلك لحفظ المحلوف عليه وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها ويجمع اليمين أيضا على ايمن كرغيف وارغف وعرفت شرعا بأنها توكيد الشيء بذكر اسم أو صفة لله وهذا اخصر التعاريف واقربها والنذور جمع نذر وأصله الإنذار بمعنى التخويف وعرفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر

قوله قول الله تعالى كذا للجميع بغير لفظ باب وهو مقدر وثبت لبعضهم كالإسماعيلي قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم الآية وفي نسخة بدل الآية الى قوله تشكرون وساق في رواية كريمة الآية كلها والأول أولى فإن المذكور من الآية هنا الى قوله بما عقدتم الإيمان واما بقية الآية فقد ترجم به في أول كفارات الإيمان فقال لقوله فكفارته اطعام عشرة مساكين نعم يحتمل ان يكون ساق الآية كلها اولا ثم ساق بعضها حيث احتاج إليه قوله باللغو قال الراغب هو في الأصل ما لا يعتد به من الكلام والمراد به في الإيمان ما يرود عن غير روية فيجري مجرى اللغاء وهو صوت العصافير وقد سبق الكلام عليه في باب مفرد في تفسير المائدة قوله عقدتم قرئ بتشديد القاف وتخفيفها وأصله العقد وهو الجمع بين أطراف الشيء ويستعمل في الأجسام ويستعار للمعاني نحو عقد البيع والمعاهدة قال عطاء معنى قوله عقدتم الإيمان اكدتم ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث الأول

[ 6247 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله ان أبا بكر الصديق في رواية عبد الله بن نمير عن هشام بسنده عن أبي بكر الصديق انه كان أخرجه أبو نعيم وهذا يقتضي انه من رواية عائشة عن أبيها وقد تقدم في تفسير المائدة ذكر من رواه مرفوعا وقد ذكره الترمذي في العلل المفرد وقال سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال هذا خطأ والصحيح كان أبو بكر وكذلك رواه سفيان ووكيع عن هشام بن عروة قوله لم يكن يحنث في يمين قط حتى انزل الله كفارة اليمين الخ قيل ان قول أبي بكر ذلك وقع منه عند حلفه ان لا يصل مسطحا بشيء فنزلت ولا يأتل اولو الفضل منكم والسعة الآية فعاد الى مسطح ما كان ينفعه به وقد تقدم بيان ذلك في شرح حديث الإفك في تفسير النور ولم اقف على النقل المذكور مسندا ثم وجدته في تفسير الثعلبي نقلا عن بن جريج قال حدثت انها نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف ان لا ينفق على مسطح لخوضه في الإفك قوله الا أتيت الذي هو خير وكفرت وافقه وكيع وقال بن نمير في روايته الا كفرت عن يميني وأتيت ووافقه سفيان وسيأتي البحث في ذلك في باب الكفارة قبل الحنث من كتاب كفارات الأيمان الحديث الثاني

[ 6248 ] قوله الحسن هو بن أبي الحسن البصري وعبد الرحمن بن سمرة يعني بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف وقيل بين حبيب وعبد شمس ربيعة وكنية عبد الرحمن أبو سعيد وهو من مسلمة الفتح وقيل كان اسمه قبل الإسلام عبد كلال بضم أوله والتخفيف وقد شهد فتوح العراق وكان فتح سجستان على يديه أرسله عبد الله بن عامر أمير البصرة لعثمان على السرية ففتحها وفتح غيرها وقال بن سعد مات سنة خمسين وقيل بعدها بسنة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قوله يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة بكسر الهمزة أي الولاية وسيأتي شرح ذلك مستوفي في كتاب الاحكام قوله وإذا حلفت على يمين يأتي شرحه أيضا في باب الكفارة قبل الحنث الحديث الثالث

[ 6249 ] قوله غيلان بغين معجمة ثم تحتانية ساكنة هو بن جرير الأزدي الكوفي من صغار التابعين وأبو بردة هو بن أبي موسى الأشعري وسيأتي شرحه أيضا في باب الكفارة قبل الحنث الحديث الرابع

[ 6250 ] قوله حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقد روى البخاري عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر عن عبد الرزاق عدة أحاديث قوله هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأن يلج هكذا في رواية الكشميهني ولغيره فقال بالفاء والأول أوجه وقوله نحن الآخرون السابقون يوم القيامة طرف من حديث تقدم بتمامه في أول كتاب الجمعة لكن من وجه آخر عن أبي هريرة وقد كرر البخاري منه هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من رواية معمر عنه والسبب فيه ان حديث نحن الاخرون هو أول حديث في النسخة وكان همام يعطف عليه بقية الأحاديث بقوله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك في ذلك البخاري ومسلم مسلكين أحدهما هذا والثاني مسلك مسلم فإنه بعد قول همام هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكر عدة أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استمر على ذلك في جميع ما أخرجه من هذه النسخة وهو مسلك واضح واما البخاري فلم يطرد له في ذلك عمل فإنه اخرج من هذه النسخة في الطهارة وفي البيوع وفي النفقات وفي الشهادات وفي الصلح وقصة موسى والتفسير وخلق آدم والاستئذان وفي الجهاد في مواضع وفي الطب واللباس وغيرها فلم يصدر شيئا من الأحاديث المذكورة بقوله نحن الاخرون السابقون وانما ذكر ذلك في بعض دون بعض وكأنه أراد ان يبين جواز كل من الامرين ويحتمل ان يكون ذلك من صنيع شيخ البخاري وقال بن بطال يحتمل ان يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في نسق واحد فحدث بهما جميعا كما سمعهما ويحتمل ان يكون الرواي فعل ذلك لأنه سمع من أبي هريرة أحاديث في اوائلهما ذكرها على الترتيب الذي سمعه قلت ويعكر عليه ما تقدم في اواخر الوضوء وفي أوائل الجمعة وغيرها قوله والله لأن يلج بفتح اللام وهي اللام المؤكدة للقسم ويلج بكسر اللام ويجوز فتحها بعدها جيم من اللجاج وهو ان يتمادى في الأمر ولو تبين له خطؤه وأصل اللجاج في اللغة هو الاصرار على الشيء مطلقا ويقال لججت ألج بكسر الجيم في الماضي وفتحها في المضارع ويجوز العكس قوله أحدكم بيمينه في أهله سقط قوله في أهله من رواية محمد بن حميد المعمري عن معمر عند بن ماجة قوله آثم بالمد أي أشد اثما قوله من ان يعطى كفارته التي افترض الله عليه في رواية أحمد عن عبد الرزاق من ان يعطي كفارته التي فرض الله قال النووي معنى الحديث ان من حلف يمينا تتعلق بأهله بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه فينبغي ان يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه فإن قال لا احنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره على عدم الحنث وإقامة الضرر لأهله أكثر اثما من الحنث ولا بد من تنزيله على ما إذا كان الحنث لا معصية فيه وأما قوله آثم بصيغة افعل التفضيل فهو لقصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف أو توهمه فإنه يتوهم ان عليه اثما في الحنث مع انه لا اثم عليه فيقال له الإثم في اللجاج أكثر من الإثم في الحنث وقال البيضاوي المراد ان الرجل إذا حلف على شيء يتعلق بأهله وأصر عليه كان ادخل في الوزر وافضى الى الإثم من الحنث لأنه جعل الله عرضة ليمينه وقد نهى عن ذلك قال وآثم اسم تفضيل وأصله ان يطلق لللاج في الإثم فأطلق لمن يلج في موجب الإثم اتساعا قال وقيل معناه انه كان يتحرج من الحنث خشية الإثم ويرى ذلك فاللجاج أيضا اثم على زعمه وحسبانه وقال الطيبي لا يبعد ان تخرج افعل عن بابها كقولهم الصيف احر من الشتاء ويصير المعنى ان الإثم في اللجاج في بابه ابلغ من ثواب إعطاء الكفارة في بابه قال وفائدة ذكر أهل في هذا المقام للمبالغة وهي مزيد الشفاعة لاستهجان اللجاج فيما يتعلق بالأهل لأنه إذا كان في غيرهم مستهجنا ففي حقهم أشد وقال القاضي عياض في الحديث ان الكفارة على الحانث فرض قال ومعنى يلج ان يقيم على ترك الكفارة كذا قال والصواب على ترك الحنث لأنه بذلك يقع التمادي على حكم اليمين وبه يقع الضرر على المحلوف عليه

[ 6251 ] قوله في الطريق الأخرى حدثنا إسحاق جزم أبو علي الغساني بأنه بن منصور وصنيع أبي نعيم في المستخرج يقتضي انه إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله ويحيى بن صالح هو الوحاظي بتخفيف الحاء المهملة بعد الالف ظاء مشالة معجمة وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وبواسطة في الحج وشيخه معاوية هو بن سلام بتشديد اللام ويحيى هو بن أبي كثير وعكرمة هو مولى بن عباس قوله عن أبي هريرة كذا اسنده معاوية بن سلام وخالفه معمر فرواه عن يحيى بن أبي كثير فأرسله ولم يذكر فيه أبا هريرة أخرجه الإسماعيلي من طريق بن المبارك عن معمر لكنه ساقه بلفظ رواية همام عن أبي هريرة وهو خطأ من معمر وإذا كان لم يضبط المتن فلا يتعجب من كونه لم يضبط الإسناد قوله من استلج استفعل من اللجاج وذكر بن الأثير انه وقع في رواية استلجج بإظهار الإدغام وهي لغة قريش قوله فهو أعظم اثما ليبر يعني الكفارة وكذا وقع في رواية بن السكن وكذا لأبي ذر عن الكشميهني بلام مكسورة بعدها تحتانية مفتوحة ثم راء مشددة واللام لام الأمر بلفظ أمر الغائب من البر أو الأبرار ويعني بفتح التحتانية وسكون المهملة وكسر النون تفسير البر والتقدير ليترك اللجاج ويبر ثم فسر البر بالكفارة والمراد انه يترك اللجاج فيما حلف ويفعل المحلوف عليه ويحصل له البر بأداء الكفارة عن اليمين الذي حلفه إذا حنث ومعنى قوله في أهله ما تقدم في الطريق التي قبلها من تصويره بأن يحلف ان يضر أهله مثلا فيلج في ذلك اليمين ويقصد إيقاع الاضرار بهم لتنحل يمينه فكأنه قيل له دع اللجاج في ذلك واحنث في هذا اليمين واترك اضرارهم ويحصل لك البر فإنك ان اصررت على الاضرار بهم كان ذلك أعظم اثما من حنثك في اليمين ووقع في رواية النسفي والأصيلي ليس تغني الكفارة فتح اللام وسكون التحتانية بعدها سين مهملة وتغني بضم المثناة الفوقانية وسكون الغين المعجمة وكسر النون والكفارة بالرفع والمعنى ان الكفارة لا تغني عن ذلك وهو خلاف المراد والرواية الأولى أوضح ومنهم من وجه الثانية بأن المفضل عليه محذوف والمعنى ان الاستيلاج أعظم اثما من الحنث والجملة استئناف والمراد ان ذلك الإثم لا تغني عنه كفارة وقال بن الأثير في النهاية وفيه إذا استيلج أحدكم بيمينه فإنه آثم له عند الله من الكفارة وهو استفعل من اللجاج ومعناه ان من حلف على شيء ويرى ان غيره خير منه فيقيم على يمينه ولا يحنث فيكفر فذلك آثم له وقيل هو ان يرى انه صادق فيها مصيب فيلج ولا يكفرها انتهى وانتزع ذلك كله من كلام الخطابي وقد قيد في رواية الصحيح بالأهل ولذلك قال النووي ما تقدم في الطريق الأولى وهو منتزع أيضا من كلام عياض وذكر القرطبي في مختصر البخاري انه ضبط في بعض الامهات تغني بالتاء المضمومة والغين المعجمة وليس بشيء وفي الأصل المعتمد عليه بالتاء الفوقانية المفتوحة والعين المهملة وعليه علامة الأصيلي وفيه بعد ووجدناه بالياء المثناة من تحت وهو أقرب وعند بن السكن يعني ليس الكفارة وهو عندي اشبهها إذا كانت ليس استثناء بمعنى الا أي إذا لج في يمينه كان أعظم اثما الا ان يكفر قلت وهذا أحسن لو ساعدته الرواية انما الذي في النسخ كلها بتقديم ليس على يعني وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يحيى بن صالح بحذف الجملة الأخيرة وآخر الحديث عنده فهو أعظم اثما وقال بن حزم لا جائز ان يحمل على اليمين الغموس لان الحالف بها لا يسمى مستلجا في أهله بل صورته ان يحلف ان يحسن الى أهله ولا يضرهم ثم يريد ان يحنث ويلج في ذلك فيضرهم ولا يحسن إليهم ويكفر عن يمينه فهذا مستلج بيمينه في أهله آثم ومعنى قوله لا تغني الكفارة ان الكفارة لا تحط عنه اثم اساءته الى أهله ولو كانت واجبة عليه وانما هي متعلقة باليمين التي حلفها وقال بن الجوزي قوله ليس تغني الكفارة كأنه أشار الى ان اثمه في قصده ان لا يبر ولا يفعل الخير فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك القصد وبعضهم ضبطه بفتح نون يغني وهو بمعنى يترك أي ان الكفارة لا ينبغي ان تترك وقال بن التين قوله ليس تغني الكفارة بالمعجمة يعني مع تعمد الكذب في الإيمان قال وهذا على رواية أبي ذر كذا قال وفي رواية أبي الحسن يعني القابسي ليس يعني الكفارة بالعين المهملة قال وهذا موافق لتاويل الخطابي انه يستديم على لجاجة ويمتنع من الكفارة إذا كانت خيرا من التمادي وفي الحديث ان الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه فإن حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والتمادي واجب والحنث معصية وعكسه بالعكس وان حلف على فعل نفل فيمينه أيضا طاعة والتمادي مستحب والحنث مكروه وان حلف على ترك مندوب فبعكس الذي قبله وان حلف على فعل مباح فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما ففيه عند الشافعية خلاف وقال بن الضباغ وصوبه المتأخرون ان ذلك يختلف باختلاف الأحوال وان كان مستوى الطرفين فالاحح ان التمادي أولى والله اعلم ويستنبط من معنى الحديث ان ذكر أهل خرج مخرج الغالب والا فالحكم يتناول غير الاهل إذا وجدت العلة والله اعلم وإذا تقرر هذا وعرف معنى الحديث فمطابقته بعد تمهيد تقسيم أحوال الحالف انه ان لم يقصد به اليمين كأن لا يقصدها أو يقصدها لكن ينسى أو غير ذلك كما تقدم بيانه في لغو اليمين فلا كفارة عليه ولا اثم وان قصدها وانعقدت ثم رأى ان الحلوف عليه أولى من الاستمرار على اليمين فليحنث وتجب عليه الكفارة فإن تخيل ان الكفارة لا ترفع عنه اثم الحنث فهو تخيل مردود سلمنا لكن الحنث أكثر اثما من اللجاج في ترك فعل ذلك الخير كما تقدم فللآية المذكورة التفات الى التي قبلها فإنها تضمنت المراد من هذا الحديث حيث جاء فيها ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ان تبروا والمراد لا تجعل اليمين الذي حلفت ان لا تفعل خيرا سواء كان ذلك من عمل أو ترك سببا يعتذر به عن الرجوع عما حلفت عليه خشية من الإثم المرتب على الحنث لأنه لو كان اثما حقيقة لكان عمل ذلك الخير رافعا له بالكفارة المشروعة ثم يبقى ثواب البر زائدا على ذلك وحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي قبله يؤكد ذلك لورود الأمر فيه بفعل الخير وكذا الكفارة

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم وايم الله بكسر الهمزة وبفتحها والميم مضمومة وحكى الأخفش كسرها مع كسر الهمزة وهو اسم عند الجمهور وحرف عند الزجاج وهمزته همزة وصل عند الأكثر وهمزة قطع عند الكوفيين ومن وافقهم لأنه عندهم جمع يمين وعند سيبويه ومن وافقه انه اسم مفرد واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه قال بن مالك فلو كان جمعا لم تحذف همزته واحتج بقول عروة بن الزبير لما اصيب بولده ورجله ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت قال فلو كان جمعا لم يتصرف منه بحذف بعضه قال وفيه اثنتا عشرة لغة جمعتها في بيتين وهما همز ايم وايمن فافتح واكسر أو أم قل أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا وايمن اختم به والله كلا اضف اليه في قسم تستوف ما نقلا قال بن أبي الفتح تلميذ بن مالك فإنه أم بفتح الهمزة وهيم بالهاء بدل الهمزة وقد حكاها القاسم بن أحمد المعلم الأندلسي في شرح المفصل وقد قدمت في أوائل هذا الشرح في آخر التيمم لغات في هذا فبلغت عشرين وإذا حصر ما ذكر هنا زادت على ذلك وقال غيره أصله يمين الله ويجمع ايمنا فيقال وايمن الله حكاه أبو عبيدة وانشده لزهير بن أبي سلمى فتجمع ايمن منا ومنكم بمقسمة تمور بها الدماء وقالوا عند القسم وايمن الله ثم كثر فحذفوا النون كما حذفوها من لم يكن فقالوا لم يك ثم حذفوا الياء فقالوا أم الله ثم حذفوا الالف فاقتصروا على الميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة وقالوا أيضا من الله بكسرالميم وضمها واجازوا في ايمن فتح الميم وضمها وكذا في ايم ومنهم من وصل الالف وجعل الهمزة زائدة أو مهملة وعلى هذا تبلغ لغاتها عشرين وقال الجوهري قالوا ايم الله وربما حذفوا الياء فقالوا أم الله وربما ابقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا م الله وربما كسروها لأنها صارت حرفا واحدا فشبهوها بالباء قالوا وألفها الف وصل عند أكثر النحويين ولم يجئ الف وصل مفتوحة غيرها وقد تدخل اللام للتأكيد فيقال ليمن الله قال الشاعر فقال فريق القوم لما نشدتهم نعم وفريق ليمن الله ما ندري وذهب بن كيسان وابن درستويه الى ان الفها الف قطع وانما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة الاستعمال وحكى بن التين عن الداودي قال ايم الله معناه اسم الله ابدل السين ياء وهو غلط فاحش لأن السين لا تبدل ياء وذهب المبرد الى انها عوض من واو القسم وان معنى

[ 6252 ] قوله وايم الله والله لأفعلن ونقل عن بن عباس ان يمين الله من أسماء الله ومنه قول امرئ القيس فقلت يمين الله ابرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ومن ثم قال المالكية والحنفية انه يمين وعند الشافعية ان نوى اليمين انعقدت وان نوى غير اليمين لم ينعقد يمينا وان اطلق فوجهان أصحهما لا ينعقد الا ان نوى وعن أحمد روايتان أصحهما الانعقاد وحكى الغزالي في معناه وجهين أحدهما انه كقوله تالله والثاني كقوله احلف بالله وهو الراجح ومنهم من سوى بينه وبين لعمر الله وفرق الماوردي بأن لعمر الله شاع في استعمالهم عرفا بخلاف ايم الله واحتج بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقا بأن معناه يمين الله ويمين الله من صفاته وصفاته قديمة وجزم النووي في التهذيب ان قول وايم الله كقوله وحق الله وقال انه تنعقد به اليمين عند الإطلاق وقد استغربوه ووقع في الباب الذي بعده ما يقويه وهو قوله في حديث أبي هريرة في قصة سليمان بن داود عليهما السلام وايم الذي نفس محمد بيده لو قال ان شاء الله لجاهدوا والله اعلم واستدل من قال بالانعقاد مطلقا بهذا الحديث ولا حجة فيه الا على التقدير المتقدم وان معناه وحق الله ثم ذكر حديث بن عمر في بعث أسامة وقد تقدم شرحه مستوفي في آخر المغازي وفي المناقب وضبط قوله فيه وأيم الله بالهمز وتركه والله اعلم

قوله باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم أي التي كان يواظب على القسم بها أو يكثر وجملة ما ذكر في الباب أربعة ألفاظ أحدها والذي نفسي بيده وكذا نفس محمد بيده فبعضها مصدر بلفظ لا وبعضها بلفظ اما وبعضها بلفظ ايم ثانيها لا ومقلب القلوب ثالثها والله رابعها ورب الكعبة اما قوله لاها الله إذا فيؤخذ منه مشروعيته من تقريره لا من لفظه والأول أكثرها ورودا وفي سياق الثاني اشعار بكثرته أيضا وقد وقع في حديث رفاعة بن عرابة عند بن ماجة والطبراني كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال والذي نفسي بيده ولابن أبي شيبة من طريق عاصم بن شميخ عن أبي سعيد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال لا والذي نفس أبي القاسم بيده ولابن ماجة من وجه اخر في هذا الحديث كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها اشهد عند الله والذي نفسي بيده ودل ما سوى الثالث من الأربعة على ان النهي عن الحلف بغير الله لا يراد به اختصاص لفظ الجلالة بذلك بل يتناول كل اسم وصفته تختص به سبحانه وتعالى وقد جزم بن حزم وهو ظاهر كلام المالكية والحنفية بأن جميع الأسماء الواردة في القرآن والسنة الصحيحة وكذا الصفات صريح في اليمين تنعقد به وتجب لمخالفته الكفارة وهو وجه غريب عند الشافعية وعندهم وجه أغرب منه انه ليس في شيء من ذلك صريح الا لفظ الجلالة وأحاديث الباب ترده والمشهور عندهم وعند الحنابلة انها ثلاثة أقسام أحدها ما يختص به كالرحمن ورب العالمين وخالق الخلق فهو صريح تنعقد به اليمين سواء قصد الله أو اطلق ثانيها ما يطلق عليه وقد يقال بغيره لكن بقيد كالرب والحق فتنعقد به اليمين الا ان قصد به غير الله ثالثها ما يطلق على السواء كالحي والموجود والمؤمن فإن نوى غير الله أو اطلق فليس بيمين وان نوى به الله انعقد على الصحيح وإذا تقرر هذا فمثل والذي نفسي بيده ينصرف عند إطلاق لله جزما فإن نوى به غيره كملك الموت مثلا لم يخرج عن الصراحة على الصحيح وفيه وجه عن بعض الشافعية وغيرهم ويلتحق به والذي فلق الحبة ومقلب القلوب واما مثل والذي اعبده أو اسجد له أو أصلي له فصريح جزما وجملة الأحاديث المذكورة في هذا الباب عشرون حديثا الحديث الأول قوله وقال سعد هو بن أبي وقاص وقد مضى الحديث المشار اليه في مناقب عمر في حديث أوله استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة الحديث وفيه أيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط الا سلك فجا غير فجك وفد مضى شرحه مستوفى هناك الحديث الثاني قوله وقال أبو قتادة قال أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم لاها الله إذا وهو طرف من حديث موصول في غزوة حنين وقد بسطت الكلام على هذه الكلمة هناك قوله يقال والله وبالله وتالله يعني ان هذه الثلاثة حروف القسم ففي القرآن القسم بالواو وبالموحدة في عدة أشياء وبالمثناة في قوله تالله لقد آثرك الله علينا وتالله لأكيدن اصنامكم وغير ذلك وهذا قول الجمهور وهو المشهور عن الشافعي ونقل قول عن الشافعي ان القسم بالمثناة ليس صريحا لأن أكثر الناس لا يعرفون معناها والايمان مختصة بالعرف وتأول ذلك اصحابه وأجابوا عنه بأجوبة نعم تفترق الثلاثة بأن الأولين يدخلان على اسم الله وغيره من أسمائه ولا تدخل المثناة الا على الله وحده وكأن المصنف أشار بإيراد هذا الكلام هنا عقب حديث أبي قتادة الى ان أصل لاها الله لا والله فالهاء عوض عن الواو وقد صرح بذلك جمع من أهل اللغة قيل الهاء نفسها أيضا حرف قسم بالأصالة ونقل الماوردي ان أصل أحرف القسم الواو ثم الموحدة ثم المثناة ونقل بن الصباغ عن أهل اللغة ان الموحدة هي الأصل وان الواو بدل منها وان المثناة بدل من الواو وقواه بن الرفعة واستدل بأن الباء تعمل في الضمير بخلاف الواو الحديث الثالث

[ 6253 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وقد اخرج البخاري عن محمد بن يوسف وهو البيكندي عن سفيان وهو بن عيينة وليس هوالمراد هنا وقد اخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق محمد بن يوسف الفريابي حدثنا سفيان وهو الثوري وأخرجه الإسماعيلي وابن ماجة من رواية وكيع والنسائي من رواية محمد بن بشر كلاهما عن سفيان الثوري أيضا قوله كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي من رواية وكيع التي يحلف عليها وفي أخرى له يحلف بها قوله لا ومقلب القلوب تقدم في اواخر كتاب القدر من رواية بن المبارك عن موسى بن عقبة بلفظ كثيرا ما كان ويأتي في التوحيد من طريقه بلفظ أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف فذكره وأخرجه بن ماجة من وجه اخر عن الزهري بلفظ كان أكثر أيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومصرف القلوب وقوله لا نفى للكلام السابق ومقلب القلوب هو المقسم به والمراد بتقليب القلوب تقليب اعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب وفي الحديث دلالة على ان أعمال القلب من الارادات والدواعي وسائر الاعراض بخلق الله تعالى وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به وفي هذا الحديث حجة لمن أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله فحنث ولا نزاع في أصل ذلك انما اخلاف في أي صفة تنعقد بها اليمين والتحقيق انها مختصة بالتي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب قال القاضي أبو بكر بن العربي في الحديث جواز الحلف بأفعال الله إذا وصف بها ولم يذكر اسمه قال وفرق الحنفية بين القدرة والعلم فقالوا ان حلف بقدرة الله انعقدت يمينه وان حلف بعلم الله لم تنعقد لأن العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا والجواب انه هنا مجاز ان سلم ان المراد به المعلوم والكلام انما هو في الحقيقة قال الراغب تقليب الله القلوب والابصار صرفها عن رأي الى رأي والتقلب التصرف قال تعالى أو يأخذهم في تقلبهم قال وسمى قلب الإنسان لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي يختص بها من الروح والعلم والشجاعة ومنه قوله وبلغت القلوب الحناجر أي الأرواح وقوله لمن كان له قلب أي علم وفهم وقوله ولتطمئن به قلوبكم أي نثبت به شجاعتكم وقال القاضي أبو بكر بن العربي القلب جزء من البدن خلقه الله وجعله للإنسان محل العلم والكلام وغير ذلك من الصفات الباطنة وجعل ظاهر البدن محل التصرفات الفعلية والقولية ووكل بها ملكا يأمر بالخير وشيطانا يأمر بالشر فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه والقضاء والقدر مسيطر على الكل والقلب ينقلب بين الخواطر الحسنة والسيئة واللمة من الملك تارة ومن الشيطان أخرى والمحفوظ من حفظه الله تعالى الحديث الرابع والخامس حديث جابر بن سمرة وأبي هريرة إذا هلك كسرى وقد تقدم شرحهما في اواخر علامات النبوة والغرض منهما

[ 6254 ] قوله والذي نفسي بيده الحديث السادس حديث عائشة وهو طرف من حديث طويل تقدم في صلاة الكسوف واقتصر هنا على آخره لقوله والله لو تعملون ومحمد في أول هذا السند هو بن سلام وعبدة هو بن سليمان وفي قوله صلى الله عليه وسلم

[ 6256 ] لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا دلالة على اختصاصه بمعارف بصرية وقلبية وقد يطلع الله عليها غيره من المخلصين من أمته لكن بطريق الإجمال وأما تفاصيلها فاختص بها النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره ويشير الى ذلك قوله في الحديث الماضي في كتاب الإيمان من حديث عائشة ان اتقاكم واعلمكم بالله لأنا الحديث السابع حديث عبد الله بن هشام أي بن زهرة بن عثمان التيمي من رهط الصديق

[ 6257 ] قوله كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب تقدم هذا القدر من هذا الحديث بهذا السند في آخر مناقب عمر فذكرت هناك نسب عبد الله بن هشام وبعض حاله وتقدم له ذكر في الشركة والدعوات قوله فقال له عمر يا رسول الله لأنت احب الي من كل شيء الا نفسي اللام لتأكيد القسم المقدر كأنه قال والله لأنت الخ قوله لا والذي نفسي بيده حتى اكون احب إليك من نفسك أي لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف اليه ما ذكر وعن بعض الزهاد تقدير الكلام لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك وان كان فيه الهلاك وقد قدمت تقرير هذا في أوائل كتاب الإيمان قوله فقال له عمر فإنه الان يا رسول الله لأنت احب الي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الان يا عمر قال الداودي وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه انما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه فيحلف بالله كاذبا فلما قال ما قال تقرر في نفسه انه احب اليه من نفسه فحلف كذا قال وقال الخطابي حب الإنسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وانما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار إذ لا سبيل الى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت فعلى هذا فجواب عمر اولا كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال ان النبي صلى الله عليه وسلم احب اليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى بأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله الان يا عمر أي الان عرفت فنطقت بما يجب واما تقرير بعض الشراح الان صار ايمانك معتدا به إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول ففيه سوء أدب في العبارة وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر في المعنى الأصلي فلا ينبغي التشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه بل يكتفي بالإشارة الى الرد والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو ما أنكره الحديث الثامن والتاسع

[ 6258 ] حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وسيأتي شرحه مستوفي في الحدود والغرض منه قوله صلى الله عليه وسلم اما والذي نفسي بيده لاقضين وسقطت اما وهي بتخفيف الميم للافتتاح من بعض الروايات الحديث العاشر

[ 6259 ] قوله عبد الله بن محمد هو الجعفي وفي شيوخ البخاري عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة لكنه لم يسم أباه في شيء من الأحاديث التي أخرجها اما يكنيه ويكنى أباه أو يسميه ويكني أباه بخلاف الجعفي فإنه ينسبه تارة وأخرى لا ينسبه كهذا الموضع ووهب هو بن جرير بن حازم ومحمد بن أبي يعقوب نسبه الى جده وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي وأبو بكرة هو الثقفي والإسناد من وهب فصاعدا بصريون قوله أرأيتم ان كان اسلم أي اخبروني والمراد بأسلم ومن ذكر معها قبائل مشهورة وقد تقدم شرح الحديث المذكور في أوائل المبعث النبوي والمراد منه قوله فيه فقال والذي نفسي بيده أنتم خير منهم والمراد خيرية المجموع على المجموع وان جاز ان يكون في المفضولين فرد أفضل من فرد من الافضلين الحديث الحادي عشر

[ 6260 ] قوله استعمل عاملا هو بن اللتبية بضم اللام وسكون المثناة وكسر الموحدة ثم ياء النسب واسمه عبد الله كما تقدمت الإشارة اليه في كتاب الزكاة وشىء من شرحه في الهبة ويأتي شرحه مستوفي في كتاب الاحكام ان شاء الله تعالى قوله في آخره قال أبو حميد وقد سمع معي زيد بن ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم فسلوه قد فتشت مسند زيد بن ثابت فلم أجد لهذه القصة فيه ذكرا

[ 6261 ] الحديث الثاني عشر حديث أبي هريرة لو تعملون ما اعلم الحديث مختصرا وقد تقدمت الإشارة اليه في الحديث السادس الحديث الثالث عشر حديث أبي ذر أورده مختصرا وقد تقدم شرحه مستوفى في الرقاق وساق بهذا السند في كتاب الزكاة المتن بتمامه الحديث الرابع عشر

[ 6263 ] قوله قال سليمان أي بن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم منسوبا في أوائل الجهاد وتقدم شرحه مستوفى في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء ويأتي ما يتعلق بقوله ان شاء الله تعالى في باب الاستثناء في الإيمان من كتباب كفارة الإيمان وأورده هنا لقوله فيه وايم الذي نفس محمد بيده لو قال ان شاء الله الحديث هكذا وقع في هذه الرواية وفي سائر الطرق كما تقدم في ترجمة سليمان بغير يمين واستدل بما وقع في هذا الموضع على جواز إضافة ايم الى غير لفظ الجلالة وأجيب بأنه نادر ومنه قول عروة بن الزبير في قصته المتقدمة ليمنك لئن ابتليت فقد عافيت فأضافها الى الضمير

[ 6264 ] الحديث الخامس عشر حديث البراء بن عازب في ذكر مناديل سعد تقدم شرحه في المناقب وفي اللباس قوله في آخره لم يقل شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق والذي نفسي بيده يعني انهما روياه عن أبي إسحاق عن البراء كما رواه أبو الأحوص وان أبا الأحوص انفرد عنهما بهذه الزيادة وقد تقدم حديث شعبة في المناقب وحديث إسرائيل في اللباس موصولا قال الإسماعيلي وكذا رواه الحسين بن واقد عن أبي إسحاق وكذا قال أبو عاصم أحمد بن جواس بفتح الجيم وتشديد الواو ثم المهملة عن أبي الأحوص أخرجه الإسماعيلي من طريقه وقال هو من المتخصصين بأبي الأحوص قلت وشيخ البخاري الذي زادها عن أبي الأحوص هو محمد بن سلام وقد وافقه هناد بن السرى عن أبي الأحوص أخرجه بن ماجة الحديث السادس عشر

[ 6265 ] قوله يونس هو بن يزيد قوله ما كان مما على ظهر الأرض أهل اخباء أو خباء كذا فيه بالشك هل هو بصيغة الجمع أو الافراد وبين ان الشك من يحيى وهو بن عبد الله بن بكير شيخ البخاري فيه وقد تقدم في النفقات من رواية بن المبارك عن يونس بن يزيد بلفظ أهل خباء بالافراد ولم يشك وكذا للإسماعيلي من طريق عنبسه عن يونس وتقدم شرح الحديث في اواخر المناقب وقوله ان أبا سفيان هو بن حرب والد معاوية وقوله رجل مسيك بكسر الميم وتشديد السين وفتح الميم وتخفيف السين وتقدم ذلك واضحا في كتاب النفقات وقوله لا بالمعروف الباء متعلقة بالإنفاق لا بالنفي وقد مضى في المناقب بلفظ فقال لا الا بالعروف وهي أوضح والله اعلم الحديث السابع عشر

[ 6266 ] قوله حدثنا أحمد بن عثمان هو الاودي وشريح بالشين المعجمة والحاء المهملة إبراهيم بن يوسف أي بن إسحاق بن أبي سحق السبيعي فأبو إسحاق جد يوسف والسند كله كوفيون ومضى شرح الحديث مستوفي في كتاب الرقاق

[ 6267 ] الحديث الثامن عشر حديث أبي سعيد في قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن تقدم مشروحا في فضائل القرآن الحديث التاسع عشر

[ 6268 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه وحبان بفتح أوله ثم الموحدة وتقدم شرح الحديث المذكور في صفة الصلاة الحديث العشرون

[ 6269 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه أيضا قوله ان امرأة من الأنصار لم اقف على اسمها ولا على أسماء أولادها قوله معها أولادها في رواية الكشميهني أولاد لها قوله انكم لاحب الناس الي تقدم الكلام عليه في مناقب الأنصار وفي هذه الأحاديث جواز الحلف بالله تعالى وقال قوم يكره لقوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ولأنه ربما عجز عن الوفاء بها ويحمل ما ورد من ذلك على ما إذا كان في طاعة أو دعت إليها حاجة كتأكيد أمر أو تعظيم من يستحق التعظيم أو كان في دعوى عند الحاكم وكان صادقا

قوله باب بالتنوين لا تحلفوا بآبائكم هذه الترجمة لفظ رواية بن دينار عن بن عمر في الباب لكنها مختصرة على ما سأبينه وقد اخرج النسائي وأبو داود في رواية بن داسة عنه من حديث أبي هريرة مثله بزيادة ولفظه لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالانداد ولا تحلفوا الا بالله الحديث

[ 6270 ] قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير هذا السياق يقتضي ان الخبر من مسند بن عمر وكذا وقع في رواية عبد الله بن دينار عن بن عمر ولم ار عن نافع في ذلك اختلافا الا ما حكى يعقوب بن شيبة ان عبد الله بن عمر العمري الضعيف المكبر رواه عن نافع فقال عن بن عمر عن عمر قال ورواه عبيد الله بن عمر العمري المصغر الثقة عن نافع فلم يقل فيه عن عمر وهكذا رواه الثقات عن نافع لكن وقع في رواية أيوب عن نافع ان عمر لم يقل فيه عن بن عمر قلت قد أخرجه مسلم من طريق أيوب فذكره وأخرجه أيضا عن جماعة من أصحاب نافع بموافقة مالك ووقع للمزي في الأطراف انه وقع في رواية عبد الكريم عن نافع عن بن عمر في مسند عمر وهو معترض فان مسلما ساق أسانيده فيه الى سبعة أنفس من أصحاب نافع منهم عبد الكريم ثم قال سبعتهم عن نافع عن بن عمر بمثل هذه القصة وقد اورد المزي طرق الستة الآخرين في مسند بن عمر على الصواب ووقع الاختلاف في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه كما أشار المصنف اليه كما سأذكره قوله في ركب في مسند يعقوب بن شيبة من طريق بن عباس عن عمر بينا انا راكب اسير في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله يحلف بأبيه في رواية سفيان بن عيينة عن بن شهاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه وهو يقول وأبي وأبي وفي رواية إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن بن عمر من الزيادة وكانت قريش تحلف بآبائها قوله فقال الا ان الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم في رواية الليث عن نافع فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في مصنف بن أبي شيبة من طريق عكرمة قال قال عمر حدثت قوما حديثا فقلت لا وأبي فقال رجل من خلفي لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو ان أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم وهذا مرسل يتقوى بشواهده وقد أخرج الترمذي من وجه آخر عن بن عمر انه سمع رجلا يقول لا والكعبة فقال لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف بغير الله فقد كفر أو اشرك قال الترمذي حسن وصححه الحاكم والتعبير بقوله فقد كفر أو اشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك قوله من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت قال العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله ان الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة انما هي لله وحده وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على ان اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات كما سبق وكأن المراد بقوله بالله الذات لا خصوص لفظ الله وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها وهل المنع للتحريم قولان عند المالكية كذا قال بن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف أيضا عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية وقال بن عبد البر لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه فإنه قال في موضع آخر اجمع العلماء على ان اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها والخلاف موجود عند الشافعية من اجل قول الشافعي اخشى ان يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد وجمهور اصحابه على انه للتنزيه وقال إمام الحرمين المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فان اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك الإعتقاد كافرا وعليه يتنزل الحديث المذكور وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه قال الماوردي لا يجوز لأحد ان يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحدا بشيء من ذلك وجب عزله لجهله

[ 6271 ] قوله عن يونس هو بن يزيد الأيلي في رواية مسلم عن حرملة عن بن وهب أخبرني يونس قوله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ينهاكم في رواية معمر عن بن شهاب بهذا السند عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا احلف بأبي فقال ان الله فذكرالحديث أخرجه أحمد عنه هكذا قوله فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم في روايته ينهى عنها قوله ذاكرا أي عامدا قوله ولا آثرا بالمد وكسر المثلثة أي حاكيا عن الغير أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري ويدل عليه ما وقع في رواية عقيل عن بن شهاب عند مسلم ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها وقد استشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفا وأجيب باحتمال ان يكون العامل فيه محذوفا أي ولا ذكرتها اثرا عن غيري أو يكون ضمن حلفت معنى تكلمت ويقويه رواية عقيل وجوز شيخنا في شرح الترمذي لقوله أثرا معنى اخر أي مختارا يقال أثر الشيء إذا اختاره فكأنه قال ولا حلفت بها مؤثرا لها على غيرها قال شيخنا ويحتمل ان يرجع قوله آثرا الى معنى التفاخر بالآباء في الاكرام لهم ومنه قولهم مأثرة ومآثر وهو ما يروى من المفاخر فكأنه قال ما حلفت بآبائي ذاكرا لمآثرهم وجوز في قوله ذاكرا ان يكون من الذكر بضم المعجمة كأنه احترز عن ان يكون ينطق بها ناسيا وهو يناسب تفسير اثرا بالاختيار كأنه قال لا عامدا ولا مختارا وجزم بن التين في شرحه بأنه من الذكر بالكسر لا بالضم قال وانما هو لم أقله من قبل نفسي ولا حدثت به عن غيري انه حلف به قال وقال الداودي يريد ما حلفت بها ولا ذكرت حلف غيري بها كقوله ان فلانا قال وحق أبي مثلا واستشكل أيضا ان كلام عمر المذكور يقضتي انه تورع عن النطق بذلك مطلقا فكيف نطق به في هذه القصة وأجيب بأنه اغتفر ذلك لضرورة التبليغ قوله قال مجاهد أو اثارة من علم يأثر علما كذا في جميع النسخ يأثر بضم المثلثة وهذا الأثر وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ائتوني بكتاب من قبل هذا أو اثارة من علم قال أحد يأثر علما فكأنه سقط أحد من أصل البخاري وقد تقدم في تفسير الاحقاف النقل عن أبي عبيدة وغيره في بيان هذه اللفظة الاختلاف في قرائتها ومعناها وذكر الصغاني وغيره انه قرئ أيضا اثارة بكسر أوله وأثرة بفتحتين وسكون ثانيه مع فتح أوله ومع كسره وحديث بن عباس المذكور هناك أخرجه أحمد وشك في رفعه وأخرجه الحاكم موقوفا وهو الراجح وفي رواية جودة الخط وقال الراغب في قوله سبحانه وتعالى أو اثارة من علم وقرئ أو اثرة يعني بفتحتين وهو ما يروي أي يكتب فيبقى له اثر تقول اثرت العلم رويته آثره أثرا وأثارة وأثرة والأصل في اثر الشيء حصول ما يدل على وجوده ومحصل ما ذكروه ثلاثة أقوال أحدها البقية وأصله اثرت الشيء اثيره اثارة كأنها بقية تستخرج فتثار الثاني من الأثر وهو الرواية الثالث من الأثر وهو العلامة قوله تابعه عقيل والزبيدي وإسحاق الكلبي عن الزهري اما متابعة عقيل فوصلها مسلم من طريق الليث بن سعد عنه وقد بينت ما فيها ولليث فيه سند آخر رواه عن نافع عن بن عمر فجعله من مسنده وقد مضى في الأدب وأما متابعة الزبيدي فوصلها النسائي مختصرة من طريق محمد بن حرب عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن سالم عن أبيه انه أخبره عن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم قال عمر فوالله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا وأما متابعة إسحاق الكلبي وهو بن يحيى الحمصي فوقعت لنا موصولة في نسخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان عن عبد القدوس بن موسى الحمصي عن سليم بن عبد الحميد عن يحيى بن صالح الوحاظي عن إسحاق ولفظه عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه انه أخبرني ان عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثل رواية يونس عند مسسلم لكن قال بعد قوله ينهى عنها ولا تكلمت بها ذاكرا ولا آثرا فجمع بين لفظ يونس ولفظ عقيل وقد صرح مسلم بأن عقيلا لم يقل في روايته ذاكرا ولا آثرا قوله وقال بن عيينة ومعمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر اما رواية بن عيينة فوصلها الحميدي في مسنده عنه بهذا السياق وكذا قال أبو بكر بن أبي شيبة وجمهور أصحاب بن عيينة عنه منهم الامام أحمد وقال محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي بهذا السند عن بن عمر عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين ذلك الإسماعيلي فقال اختلف فيه على سفيان بن عيينة وعلى معمر ثم ساقه من طريق بن أبي عمر عن سفيان فقال في روايته عن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يحلف بأبيه قال وقال عمرو الناقد وغير واحد عن سفيان بسنده الى بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر واما رواية معمر فوصلها الإمام أحمد عن عبد الرزاق عنه وأخرجها أبو داود عن أحمد قلت وصنيع مسلم يقتضي ان رواية معمر كذلك فإنه صدر برواية يونس ثم ساقه الى عقيل ثم قال بعدها وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر ثم قال كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد أي الإسناد الذي ساقه ليونس مثله أي مثل المتن الذي ساقه له قال غير ان في حديث عقيل ولا تكلمت بها لكن حكى الإسماعيلي ان إسحاق بن إبراهيم رواه عن عبد الرزاق كرواية أحمد عنه وأخرجه الإسماعيلي من طريق بن أبي عمر عن عبد الرزاق فقال في روايته عن عمر سمعني النبي صلى الله عليه وسلم احلف وهكذا قال محمد بن أبي السرى عن عبد الرزاق وذكر الإسماعيلي ان عبد الأعلى رواه عن معمر فلم يقل في السند عن عمر كرواية أحمد قلت وكذا أخرجه أحمد في مسنده من رواية عبد الأعلى قال يعقوب بن شيبة رواه إسحاق بن يحيى عن سالم عن أبيه ولم يقل عن عمر قلت فكان الاختلاف فيه على الزهري رواه إسحاق بن يحيى وهو متقن صاحب حديث ويشبه ان يكون بن عمر سمع المتن من النبي صلى الله عليه وسلم والقصة التي وقعت لعمر منه فحدث به على الوجهين وفي هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله وانما خص في حديث عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور أو خص لكونه كان غالبا عليه لقوله في الرواية الأخرى وكانت قريش تحلف بآبائها ويدل على التعميم قوله من كان حالفا فلا يحلف الا بالله واما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان أحدهما ان فيه حذفا والتقدير ورب الشمس ونحوه والثاني ان ذلك يختص بالله فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته اقسم به وليس لغيره ذلك واما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي افلح وأبيه ان صدق فقد تقدم في أوائل هذا الشرح في باب الزكاة من الإسلام في كتاب الايمان الجواب عن ذلك وان فيهم من طعن في صحة هذه اللفظة قال بن عبد البر هذه اللفظة غير محفوظة وقد جاءت عن راويها وهو إسماعيل بن جعفر بلفظ افلح والله ان صدق قال وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ افلح وأبيه لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح ولم تقع في رواية مالك أصلا وزعم بعضهم ان بعض الرواة عنه صحف قوله وأبيه من قوله والله وهو محتمل ولكن مثل ذلك لا يثبت بالاحتمال وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال في حقه وأبيك ما ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره قال السهيلي وقد ورد نحوه في حديث اخر مرفوع قال للذي سأل أي الصدقة أفضل فقال وأبيك لتنبأن أخرجه مسلم فإذا ثبت ذلك فيجاب بأجوبة الأول ان هذا اللفظ كان يجري على السنتهم من غير ان يقصدوا به القسم والنهي انما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف والى هذا جنح البيهقي وقال النووي انه الجواب المرضي الثاني انه كان يقع في كلامهم على وجهين أحدهما للتعظيم والاخر للتأكيد والنهي اما وقع عن الأول فمن أمثلة ما وقع في كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر لعمر أبي الواشين اني احبها وقول الاخر فان تك ليلى استودعتني امانة فلا وأبي اعدائها لا اذيعها فلا يظن ان قائل ذلك قصد تعظيم والد اعدائها كما لم يقصد الاخر تعظيم والد من وشى به فدل على ان القصد بذلك تأكيد الكلام لا التعظيم وقال البيضاوي هذا اللفظ من جملة ما يزاد في الكلام لمجرد التقرير والتأكيد ولا يراد به القسم كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد الى النداء وقد تعقب الجواب بان ظاهر سياق حديث عمر يدل على انه كان يحلفه لان في بعض طرقه انه كان يقول لا وأبي لا وأبي فقيل له لا تحلفوا فلولا انه اتى بصيغة الحلف ما صادف النهي محلا ومن ثم قال بعضهم وهو الجواب الثالث ان هذا كان جائزا ثم نسخ قاله الماوردي وحكاه البيهقي وقال السبكي أكثر الشراح عليه حتى قال بن العربي وروى انه صلى الله عليه وسلم كان يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك قال وترجمة أبي داود تدل على ذلك يعني قوله باب الحلف بالآباء ثم اورد الحديث المرفوع الذي فيه افلح وأبيه ان صدق قال السهيلي ولا يصح لأنه لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم انه كان يحلف بغير الله ولا يقسم بكافر تالله ان ذلك لبعيد من شيمته وقال المنذري دعوى النسخ ضعيفة لا مكان الجمع ولعدم تحقق التاريخ والجواب الرابع ان في الجواب حذفا تقديره افلح ورب أبيه قاله البيهقي وقد تقدم الخامس انه للتعجب قاله السهيلي قال ويدل عليه انه لم يرد بلفظ أبي وانما ورد بلفظ وأبيه أو وأبيك بالإضافة الى ضمير المخاطب حاضرا أو غائبا السادس ان ذلك خاص بالشارع دون غيره من أمته وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وفيه ان من حلف بغير الله مطلقا لم تنعقد يمينه سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم لمعنى غير العبادة كالأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والاباء والكعبة أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والاذلال كالشياطين والاصنام وسائر من عبد من دون الله واستثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال تنعقد به اليمين وتجب الكفارة بالحنث فاعتل بكونه أحد ركني الشهادة التي لا تتم الا به وأطلق بن العربي نسبته لمذهب أحمد وتعقبه بأن الإيمان عند أحمد لا يتم الا بفعل الصلاة فيلزمه ان من حلف بالصلاة ان تنعقد يمينه ويلزمه الكفارة إذا حنث ويمكن الجواب عن إيراده والانفصال عما الزمهم به وفيه الرد على من قال ان فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر انه ينعقد يمينا ومتى فعل تجب عليه الكفارة وقد نقل ذلك عن الحنفية والحنابلة ووجه الدلالة من الخير انه لم يحلف بالله ولا بما يقوم مقام ذلك وسيأتي مزيد لذلك بعد وفيه ان من قال اقسمت لافعلن كذا لا يكون يمينا وعند الحنفية يكون يمينا وكذا قال مالك وأحمد لكن بشرط ان ينوي بذلك الحلف بالله وهو متجه وقد قال بعض الشافعية ان قال علي امانة الله لافعلن كذا وأراد اليمين انه يمين والا فلا وقال بن المنذر اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله فقالت طائفة هو خاص بالإيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيما لغير الله تعالى كاللات والعزى والاباء فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها واما ما كان يؤول الى تعظيم الله كقوله وحق النبي والإسلام والحج والعمرة والهدي والصدقة والعتق ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة اليه فليس داخلا في النهي وممن قال بذلك أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه واحتجوا بما جاء عن الصحابة من ايجابهم على الحالف بالعتق والهدي والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور فدل على ان ذلك عندهم ليس على عمومه إذ لو كان عاما لنهوا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئا انتهى وتعقبه بن عبد البر بأن ذكر هذه الأشياء وان كانت بصورة الحلف فليست يمينا في الحقيقة وانما خرج على الاتساع ولا يمين في الحقيقة الا بالله وقال المهلب كانت العرب تحلف بآبائها وآلهتها فأراد الله نسخ ذلك من قلوبهم لينسيهم ذكر كل شيء سواه ويبقى ذكره لأنه الحق المعبود فلا يكون اليمين الا به والحلف بالمخلوقات في حكم الحلف بالآباء وقال الطبري في حديث عمر يعني حديث الباب ان اليمين لا تنعقد الا بالله وان من حلف بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه الاستغفار لاقدامه على مانهي عنه ولا كفارة في ذلك واما ما وقع في القرآن من القسم بشيء من المخلوقات فقال الشعبي الخالق يقسم بما شاء من خلقه والمخلوق لا يقسم الا بالخالق قال ولأن اقسم بالله فأحنث احب الي من ان اقسم بغيره فأبر وجاء مثله عن بن عباس وابن مسعود وابن عمر ثم اسند عن مطرف عن عبد الله انه قال انما اقسم الله بهذه الأشياء ليعجب بها المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم ولدلالتها على خالقها وقد اجمع العلماء على من وجبت له يمين على آخر في حق عليه انه لا يحلف له الا بالله فلو حلف له بغيره وقال نويت رب المحلوف به لم يكن ذلك يمينا وقال بن هبيرة في كتاب الإجماع اجمعوا على ان اليمين منعقدة بالله وبجميع أسمائه الحسنى وبجميع صفات ذاته كعزته وجلاله وعلمه وقوته وقدرته واستثنى أبو حنيفة علم الله فلم يره يمينا وكذا حق الله واتفقوا على انه لا يحلف بمعظم غير الله كالنبي وانفرد أحمد في رواية فقال تنعقد وقال عياض لا خلاف بين فقهاء الأمصار ان الحلف بأسماء الله وصفاته لازم الا ما جاء عن الشافعي من اشتراط نية اليمين في الحلف بالصفات وإلا فلا كفارة وتعقب إطلاقه ذلك عن الشافعي وانما يحتاج الى النية عنده ما يصح إطلاقه عليه سبحانه وتعالى وعلى غيره واما ما لا يطلق في معرض التعظيم شرعا الا عليه تنعقد اليمين به وتجب الكفارة إذا حنث كمقلب القلوب وخالق الخلق ورازق كل حي ورب العالمين وفالق الحب وبارئ النسمة وهذا في حكم الصريح كقوله والله وفي وجه لبعض الشافعية ان الصريح الله فقط ويظهر اثر الخلاف فيما لو قال قصدت غير الله هل ينفعه في عدم الحنث وسيأتي زيادة تفصيل فيما يتعلق بالصفات في باب الحلف بعزة الله وصفاته والمشهور عن المالكية التعميم وعن أشهب التفصيل في مثل وعزة الله أن أراد التي جعلها بين عباده فليست بيمين وقياسه ان يطرد في كل ما يصح إطلاقه عليه وعلى غيره وقال به بن سحنون منهم في عزة الله وفي العتبية ان من حلف بالمصحف لا تنعقد واستنكره بعضهم ثم أولها على ان المراد إذا أراد جسم المصحف والتعميم عند الحنابلة حتى لو أراد بالعلم والقدرة المعلوم والمقدور انعقدت والله اعلم تنبيه وقع في رواية محمد بن عجلان عن نافع عن بن عمر في آخر هذا الحديث زيادة أخرجها بن ماجة من طريقه بلفظ سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه فقال لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله وسنده حسن ثم ذكر حديث أبي موسى في قصة الذي حلف ان لا يأكل الدجاج وفيه قصة أبي موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم لما استحمل النبي صلى الله عليه وسلم للأشعريين وفيه لا احلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا كفرت الحديث وقد تقدم شرح ما يتعلق بالدجاج مهما وقع في صدر الحديث من قصة الرجل الجرمي وتسميته في كتاب الذبائح ويأتي شرح قصته في كفارات الإيمان وقوله في السند عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني والقاسم التيمي هو بن عاصم بصرى تابعي وهو من صغار شيوخ أيوب قال بن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة الا حديث أبي موسى لكن يمكن ان يقال ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ايمانه انها تقتضي الكفارة الذي يشرع تكفيره ما كان الحلف فيه بالله تعالى فدل على انه لم يكن يحلف الا بالله تعالى

قوله باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت اما الحلف باللات والعزى فذكر في حديث الباب وقد تقدم تفسيره في تفسير سورة النجم وأما الطواغيت فوقع في حديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة من طريق هشام بن حسان عن الحسن البصري عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا لا تحلفوا بالطواغيت ولا بآبائكم وفي رواية مسلم وابن ماجة بالطواغي وهو جمع طاغية والمراد الصنم ومنه الحديث الآخر طاغية دوس أي صنمهم سمي باسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته لكونه السبب في طغيانهم وكل من جاوز الحد في تعظيم أو غيره فقد طغى ومنه قوله تعالى إنا لما طغى الماء وأما الطواغيت فهو جمع طاغوت وقد تقدم بيانه في تفسير سورة النساء ويجوز ان يكون الطواغي مرخما من الطواغيت بدون حرف النداء على أحد الآراء ويدل عليه مجيء أحد اللفظين موضع الاخر في حديث واحد ولذلك اقتصر المصنف على لفظ الطواغيت لكونه الأصل وعطفه على اللات والعزى لاشتراك الكل في المعنى وانما أمر الحالف بذلك بقول لا إله إلا الله لكونه تعاطى صورة تعظيم الصنم حيث حلف به قال جمهور العلماء من حلف باللات والعزى أو غيرهما من الأصنام أو قال ان فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو برئ من الإسلام أو من النبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه وعليه ان يستغفر الله ولا كفارة عليه ويستحب ان يقول لا إله إلا الله وعن الحنفية تجب الكفارة الا في مثل قوله انا مبتدع أو برئ من النبي صلى الله عليه وسلم واحتج بايجاب الكفارة على المظاهر مع ان الظهار منكر من القول وزور كما قال الله تعالى والحلف بهذه الأشياء منكر وتعقب بهذا الخبر لأنه لم يذكر فيه الا الأمر بلا اله الا الله ولم يذكر فيه كفارة والأصل عدمها حتى يقام الدليل واما القياس على الظهار فلا يصح لأنهم لم يوجبوا فيه كفارة الظهار واستثنوا أشياء لم يوجبوا فيها كفارة أصلا مع انه منكر من القول وقال النووي في الأذكار الحلف بما ذكر حرام تجب التوبة منه وسبقه الى ذلك الماوردي وغيره ولم يتعرضوا لوجوب قول لا إله إلا الله وهو ظاهر الخبر وبه جزم بن درياس في شرح المهذب وقال البغوي في شرح السنة تبعا للخطابي في هذا الحديث دليل على ان لا كفارة على من حلف بغير الإسلام وان اثم به لكن تلزمه التوبة لأنه صلى الله عليه وسلم امره بكلمة التوحيد فأشار الى ان عقوبته تختص بذنبه ولم يوجب عليه في ماله شيئا وانما امره بالتوحيد لأن الحلف باللات والعزى يضاهي الكفارة فامره ان يتدارك بالتوحيد وقال الطيبي الحكمة في ذكر القمار بعد الحلف باللات ان من حلف باللات وافق الكفار في حلفهم فأمر بالتوحيد ومن دعا الى المقامرة وافقهم في لعبهم فأمر بكفاة ذلك بالتصدق قال وفي الحديث ان من دعا الى اللعب فكفارته ان يتصدق ويتأكد ذلك في حق من لعب بطريق الأولى وقال النووي فيه ان من عزم على المعصية حتى استقر ذلك في قلبه أو تكلم بلسانه انه تكتبه عليه الحفظة كذا قال وفي اخذ هذا الحكم من هذا الدليل وقفة

قوله باب من حلف على الشيء وان لم يحلف بضم أوله وتشديد اللام تقدم قريبا في باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة كثيرة لذلك وهي ظاهرة في ذلك وأورد هنا حديث بن عمر في لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب وفيه فرمى به ثم قال والله لا ألبسه ابدا وقد تقدم شرحه مستوفى في اواخر كتاب اللباس وقد اطلق بعض الشافعية ان اليمين بغير استحلاف تكره فيما لم يكن طاعة والأولى ان يعبر بما فيه مصلحة قال بن المنير مقصود الترجمة ان يخرج مثل هذا من قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم يعني على أحد التأويلات فيها لئلا يتخيل ان الحالف قبل ان يستحلف يرتكب النهي فأشار الى ان النهي يختص بما ليس فيه قصد صحيح كتأكيد الحكم كالذي ورد في حديث الباب من منع لبس خاتم الذهب

قوله باب من حلف بملة سوى الإسلام الملة بكسر الميم وتشديد اللام الدين والشريعة وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم ولم يجزم المصنف بالحكم هل يكفر الحالف بذلك أو لا لكن تصرفه يقتضي ان لا يكفر بذلك لأنه علق حديث من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم ينسبه الى الكفر وتمام الاحتجاج ان يقول لكونه اقتصر على الأمر بقول لا إله إلا الله ولو كان ذلك يقتضي الكفر لأمره بتمام الشهادتين والتحقيق في المسألة التفصيل الاتي وقد وصل الحديث المذكور في الباب الذي قبله وأورده في كتاب الأدب في باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا وقدمت الكلام عليه هناك قال بن المنذر اختلف فيمن قال اكفر بالله ونحو ذلك ان فعلت ثم فعل فقال بن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار لا كفارة عليه ولا يكون كافرا الا ان اضمر ذلك بقلبه وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق هو يمين وعليه الكفارة قال بن المنذر والأول أصح لقوله من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم يذكر كفارة زاد غيره ولذا قال من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه ونقل أبو الحسن بن القصار من المالكية عن الحنفية انهم احتجوا لايجاب الكفارة بأن في اليمين الامتناع من الفعل وتضمن كلامه بما ذكر تعظيما للإسلام وتعقب ذلك بأنهم قالوا فيمن قال وحق الإسلام إذا حنث لا تجب عليه كفارة فأسقطوا الكفارة إذا صرح بتعظيم الإسلام واثبتوها إذا لم يصرح

[ 6276 ] قوله حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب تقدم في باب من اكفر اخاه عن موسى بن إسماعيل عن وهيب كالذي هنا وقيل ذلك في باب ما ينهى من السباب واللعن من كتاب الأدب أيضا من طريق علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير بسنده بزيادة وليس على بن آدم نذر فيما لا يملك وسياقه أتم من سياق غيره فان مداره في الكتب الستة وغيرها على أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك ورواه عن أبي قلابة خالد الحذاء ويحيى بن أبي كثير وأيوب فأخرجه المصنف في الجنائز من رواية يزيد بن زريع عن خالد الحداء فاقتصر على خصلتين الأولى من قتل نفسه بحديدة وأخرجه مسلم من طريق الثوري عن خالد ومن طريق شعبة عن أيوب كذلك وأشرت الى رواية علي بن المبارك عن يحيى وانه ذكر فيه خمس خصال الأربع المذكورات في الباب والخامسة التي أشرت إليها وأخرجه مسلم من طريق هشام الدستوائي عن يحيى فذكر خصلة النذر ولعن المؤمن كقتله ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة ولم يذكر الخصلتين الباقيتين وزاد بدلهما ومن حلف على يمين صبر فاجرة ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله الا قلة فإذا ضم بعض هذه الخصال الى بعض اجتمع منها تسعة وتقدم الكلام على قوله ولعن المؤمن كقتله هناك والكلام على قوله ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله في باب من اكفر اخاه ووقع في رواية علي بن المبارك ومن قذف بدل رمى وهو بمعناه واما قوله ومن حلف بغير ملة الإسلام فوقع في رواية علي بن المبارك من حلف على ملة غير الإسلام وفي رواية مسلم من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال قال بن دقيق العيد الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله والرحمن وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقولهم من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق وأطلق عليه الحلف لمشابهته باليمين في اقتضاء الحث والمنع وإذا تقرر ذلك فيحتمل ان يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبا متعمدا والكذب يدخل القضية الاخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى وهذا بخلاف قولنا والله وما اشبهه فليس الاخبار بها عن أمر خارجي بل هي لانشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين أحدهما ان يتعلق بالمستقبل كقوله ان فعل كذا فهو يهودي والثاني يتعلق بالماضي كقوله ان كان فعل كذا فهو يهودي وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه قوله فهو كما قال قال بن دقيق العيد ولا يكفر في صورة الماضي الا ان قصد التعظيم وفيه خلاف عند الحنفية لكونه يتخير معنى فصار كما لو قال هو يهودي ومنهم من قال ان كان لا يعلم انه يمين لم يكفر وان كان يعلم انه يكفر بالحنث به كفر لكونه رضى بالكفر حين اقدم على الفعل وقال بعض الشافعية ظاهر الحديث انه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا والتحقيق التفصيل فان اعتقد تعظيم ما ذكر كفر وان قصد حقيقة التعليق فينظر فان كان أراد ان يكون متصفا بذلك كفر لأن إرادة الكفر كفر وان أراد البعد عن ذلك لم يكفر لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها الثاني هو المشهور وقوله كاذبا متعمدا قال عياض تفرد بزيادتها سفيان الثوري وهي زايدة حسنة يستفاد منها ان الحالف المتعمد ان كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر وان قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر وان قالها لمجرد التعظيم لها احتمل قلت وينقدح بأن يقال ان أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضا ودعواه ان سفيان تفرد بها ان أراد بالنسبة لرواية مسلم فعسى فإنه أخرجه من طريق شعبة عن أيوب وسفيان عن خالد الحذاء جميعا عن أبي قلابة وبين ان لفظ متعمدا لسفيان ولم ينفرد بها سفيان فقد تقدم في كتاب الجنائز من طريق يزيد بن زريع عن خالد وكذا أخرجها النسائي من طريق محمد بن أبي عدي عن خالد ولهذه الخصلة في حديث ثابت بن الضحاك شاهد من حديث بريدة أخرجه النسائي وصححه من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه من قال اني برئ من الإسلام فان كان كاذبا فهو كما قال وان كان صادقا لم يعد الى الإسلام سالما يعني إذا حلف بذلك وهو يؤيد التفصيل الماضي ويخصص بهذا عموم الحديث الماضي ويحتمل ان يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وكأنه قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر أي استوجب عقوبة من كفر وقال بن المنذر قوله فهو كما قال ليس على إطلاقه في نسبته الى الكفر بل المراد انه كاذب ككذب المعظم لتلك الجهة قوله ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم في رواية علي بن المبارك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة وقوله بشيء أعم مما وقع في رواية مسلم بحديدة ولمسلم من حديث أبي هريرة ومن تحسى سما قال بن دقيق العيد هذا من باب مجانسة العقوبات الاخروية للجنايات الدنيوية ويؤخذ منه ان جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها الا بما اذن له فيه قيل وفيه حجة لمن أوجب المماثلة في القصاص خلافا لمن خصصه بالمحدد ورده بن دقيق العيد بأن احكام الله لا تقاس بأفعاله فليس كل ما ذكر انه يفعله في الآخرة يشرع لعباده في الدنيا كالتحريق بالنار مثلا وسقي الحميم الذي يقطع به الامعاء وحاصله انه يستدل للمسائلة في القصاص بغير هذا الحديث وقد استدلوا بقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ويأتي بيان ذلك في كتاب القصاص والديات ان شاء الله تعالى

قوله باب لا يقول ما شاء الله وشئت وهل يقول انا بالله ثم بك هكذا بت الحكم في الصورة الأولى وتوقف في الصورة الثانية وسببه انها وان كانت وقعت في حديث الباب الذي أورده مختصرا وساقه مطولا فيما مضى لكن انما وقع ذلك من كلام الملك على سبيل الامتحان للمقول له فتطرق اليه الاحتمال

[ 6277 ] قوله وقال عمرو بن عاصم الخ وصله في ذكر بني إسرائيل فقال حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا عمرو بن عاصم وساقه بطوله وقد يتمسك به من يقول أنه قد يطلق قال لبعض شيوخه فيما لم يسمعه منه ويكون بينهما واسطة وكأنه أشار بالصورة الأولى الى ما أخرجه النسائي في كتاب الإيمان والنذور وصححه من طريق عبد الله بن يسار بتحتانية ومهملة عن قتيلة بقاف ومثناة فوقانية والتصغير امرأة من جهينة ان يهوديا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا ان يحلفوا ان يقولوا ورب الكعبة وان يقولوا ما شاء الله ثم شئت واخرج النسائي وابن ماجة أيضا وأحمد من رواية يزيد بن الأصم عن بن عباس رفعه إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت وفي أول حديث النسائي قصة وهي عند أحمد ولفظه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال له اجعلتني والله عدلا لا بل ما شاء الله وحده واخرج أحمد والنسائي وابن ماجة أيضا عن حذيفة ان رجلا من المسلمين رأى رجلا من أهل الكتاب في المنام فقال نعم القوم أنتم لولا انكم تشركون تقولون ما شاء الله وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد وفي رواية النسائي ان الراوي لذلك هو حذيفة الراوي هذه رواية بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي عن الطفيل بن سخيرة أخي عائشة بنحوه أخرجه بن ماجة أيضا وهكذا قال حماد بن سلمة عند أحمد وشعبة وعبد الله بن إدريس عن عبد الملك وهو الذي رجحه الحفاظ وقالوا ان بن عيينة وهم في قوله عن حذيفة والله اعلم وحكى بن التين عن أبي جعفر الداودي قال ليس في الحديث الذي ذكره نهى عن القول المذكور في الترجمة وقد قال الله تعالى وما نقموا الا ان اغناهم الله ورسوله من فضله وقال تعالى وإذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه وغير ذلك وتعقبه بأن الذي قاله أبو جعفر ليس بظاهر لان قوله ما شاء الله وشئت تشريك في مشيئة الله تعالى وأما الآية فانما أخبر الله تعالى انه اغناهم وان رسوله اغناهم وهو من الله حقيقة لأنه الذي قدر ذلك ومن الرسول حقيقة باعتبار تعاطي الفعل وكذا الانعام انعم الله على زيد بالإسلام وانعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة فانها منصرفة لله تعالى في الحقيقة وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز وقال المهلب انما أراد البخاري ان قوله ما شاء الله ثم شئت جائز مستدلا بقوله انا بالله ثم بك وقد جاء هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وانما جاز بدخول ثم لان مشيئة الله سابقة على مشيئة خلقه ولما لم يكن الحديث المذكور على شرطه استنبط من الحديث الصحيح الذي على شرطه ما يوافقه واخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي انه كان لا يرى بأسا ان يقول ما شاء الله ثم شئت وكان يكره أعوذ بالله وبك ويجيز أعوذ بالله ثم بك وهو مطابق لحديث بن عباس وغيره مما أشرت اليه تنبيه مناسبة إدخال هذه الترجمة في كتاب الإيمان من جهة ذكر الحلف في بعض اطرق حديث بن عباس كما ذكرت ومن جهة انه قد يتخيل جواز اليمين بالله ثم بغيره على وزان ما وقع في قوله انا بالله ثم بك فأشار الى ان النهي ثبت عن التشريك وورد بصورة الترتيب على لسان الملك وذلك فيما عدا الإيمان اما اليمين بغير ذلك فثبت النهي عنها صريحا فلا يلحق بها ما ورد في غيرها والله اعلم

قوله باب قول الله تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم قال الراغب وغيره القسم بفتحتين الحلف وأصله من القسامة وهي الأيمان التي على أولياء المقتول ثم استعمل في كل حلف قال الراغب ومعنى جهد ايمانهم انهم اجتهدوا في حلفهم فأتوا به على ابلغ ما في وسعهم انتهى وهذا يدفع ما فهمه المهلب فيما حكاه بن بطال عنه من هذه الآية انها تدل على ان الحلف بالله أكبر الإيمان لأن الجهد أكبر المشقة ففهم من قوله جهد ايمانهم ان اليمين بالله غاية الجهد والذي قاله الراغب أظهر وقد قال أهل اللغة ان القسامة مأخوذة من القسمة لأن الإيمان تقسم على أولياء القتيل وسيأتي مزيد لذلك في موضعه ان شاء الله تعالى قوله وقال بن عباس قال أبو بكر فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في الرؤيا قال لا تقسم هذا طرف مختصر من الحديث الطويل الاتي في كتاب التعبير من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف من السمن والعسل الحديث وفيه تعبير أبي بكر لها وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني يا رسول الله أصبت أم أخطأت قال أصبت بعضا أو أخطأت بعضا قال فوالله الخ فقوله هنا في الرؤيا من كلام المصنف إشارة الى ما اختصره من الحديث وتقديره في قصة الرؤيا التي رآها الرجل وقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فعبرها أبو بكر الخ وسيأتي شرحه هناك والغرض منه هنا قوله لا تقسم موضع قوله لا تحلف فأشار الى الرد على من قال ان من قال اقسمت انعقدت يمينا ولأنه لو قال بدل اقسمت حلفت لم تنعقد اتفاقا الا ان نوى اليمين أو قصد الاخبار بأنه سبق منه حلف وأيضا فقد أمر صلى الله عليه وسلم بابرار القسم فلو كان اقسمت يمينا لأبر أبا بكر حين قالها ومن ثم اورد حديث البراء عقبة ولهذا اورد حديث حارثة اخر الباب لو اقسم على الله لابره إشارة الى انها لو كانت يمينا لكان أبو بكر أحق بأن يبر قسمه لأنه رأس أهل الجنة من هذه الأمة واما حديث أسامة في قصة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر انها اقسمت حقيقة فقدتقدم في الجنائز بلفظ تقسم عليه ليأتينها والله اعلم قال بن المنذر اختلف فيمن قال اقسمت بالله أو اقسمت مجردة فقال قوم هي يمين وان لم يقصد وممن روى ذلك عنه بن عمر وابن عباس وبه قال النخعي والثوري والكوفيون وقال الاكثرن لا تكون يمينا الا ان ينوي وقال مالك اقسمت بالله يمين واقسمت مجردة لا تكون يمينا الا ان نوى وقال الامام الشافعي المجردة لا تكون يمينا أصلا ولو نوى واقسمت بالله ان نوى تكون يمينا وقال إسحاق لا تكون يمينا أصلا وعن أحمد كالأول وعنه كالثاني وعنه ان قال قسما بالله فيمين جزما لان التقدير اقسمت بالله قسما وكذا لو قال الية بالله قال بن المنير في الحاشية مقصود البخاري الرد على من لم يجعل القسم بصيغة اقسمت يمينا قال فذكر الآية وقد قرن فيها القسم بالله ثم بين ان هذا الاقتران ليس شرطا بالأحاديث فان فيها ان هذه الصيغة بمجردها تكون يمينا تتصف بالبر وبالندب الى ابرارها من غير الحالف ثم ذكر من فروع هذه المسألة لو قال اقسم بالله عليك لتفعلن فقال نعم هل يلزمه يمين بقوله نعم وتجب الكفارة ان لم يفعل انتهى وفيما قال نظر والذي يظهر ان مراد البخاري ان يقيد ما اطلق في الأحاديث بما قيد به في الآية والعلم عند الله تعالى ثم ذكر بعد هذا الحديث المعلق أربعة أحاديث أحدها حديث البراء

[ 6278 ] قوله بإبرار المقسم أي بفعل ما اراده الحالف ليصير بذلك بارا وهذا أيضا طرف من حديث أورده المصنف مطولا ومختصرا في مواضع بينتها وذكرت كيفية ما أخرجها في كتاب اللباس وفي أول كتاب الاستئذان واختلف في ضبط السين فالمشهور انها بالكسر وضم أوله على انه اسم فاعل وقيل بفتحها أي الأقسام والمصدر قد يأتي للمفعول مثل ادخلته مدخلا بمعنى الادخال وكذا اخرجته وأشعث المذكور في السند هو بن أبي الشعثاء وسفيان في الطريق الأولى هو الثوري ثانيها حديث أسامة وهو بن زيد بن حارثة الصحابي بن الصحابي مولى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو عثمان الراوي عنه هو عبد الرحمن بن مل النهدي

[ 6279 ] قوله ان ابنه في رواية الكشميهني ان بنتا وقد تقدم اسمها في كتاب الجنائز قوله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فيه تجريد لأن الظاهر ان يقول وانا معه وقد تقدم في الطب بلفظ أرسلت اليه وهو معه قوله وسعد هو معطوف على أسامة ومضى في الجنائز بلفظ ومعه سعد بن عبادة قوله وأبي أو أبي قال الكرماني أحدهما بلفظ المضاف الى المتكلم والاخر بضم أوله وفتح الموحدة وتشديد الياء يريد بن كعب قال ويحتمل ان يكون بلفظ المضاف مكررا كأنه قال ومعه سعد وأبي أو أبي فقط قلت والأول هو المعتمد والثاني وان احتل لكنه خلاف الواقع فقد تقدم في الجنائز بلفظ ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال والذي تحرر لي ان الشك في هذا من شعبة فإنه لم يقع في رواية غيره ممن رواه عن عاصم قوله تقعقع أي تضطرب وتتحرك وقيل معناه كلما صار الى حال لم يلبث ان يصير الى غيرها وتلك حالة المحتضر قوله ما هذا قيل هو استفهام عن الحكم لا للانكار وقد تقدمت سائر مباحث هذا الحديث في كتاب الجنائز الحديث الثالث حديث أبي هريرة الا تحلة القسم بفتح التاء وكسر المهملة وتشديد اللام أي تحليلها والمعنى ان النار لا تمس من مات له ثلاثة من الولد فصبر الا بقدر الورود قال بن التين وغيره والإشارة بذلك الى قوله تعالى وان منكم الا واردها وقد قيل ان القسم فيه مقدر وقيل بل هو مذكور عطفا على ما بعد قوله تعالى فوربك وقد تقدم شرح الحديث أيضا مستوفى في كتاب الجنائز الحديث الرابع حديث حارثة بن وهب وهو بالحاء المهملة وبالمثلثة

[ 6281 ] قوله ألا ادلكم على أهل الجنة الخ قال الداودي المراد ان كلا من الصنفين في محله المذكور لا ان كلا من الدارين لا يدخلها الا من كان من الصنفين فكأنه قيل كل ضعيف في الجنة وكل جواظ في النار ولا يلزم ان لا يدخلها غيرهما قوله كل ضعيف قال أبو البقاء كل بالرفع لا غير والتقدير هم كل ضعيف الخ والمراد بالضعيف الفقير والمستضعف بفتح العين المهملة وغلط من كسرها لأن المراد ان الناس يستضعفونه ويقهرونه ويحقرونه وذكر الحاكم في علوم الحديثان الحديث أن بن خزيمة سأل من المراد بالضعيف هنا فقال هو الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة الى خمسين مرة وقال الكرماني يجوز الكسر ويراد به المتواضع المتذلل وقد تقدم شرح هذا الحديث في تفسير سورة ن ونقل بن التين عن الداودي ان الجواظ هو الكثير اللحم الغليظ الرقبة وقوله لو اقسم على الله لأبره أي لو حلف يمينا على شيء ان يقع طمعا في كرم الله بابراره لأبره وأوقعه لأجله وقيل هو كناية عن إجابة دعائه

قوله باب إذا قال اشهد بالله أو شهدت بالله أي هل يكون حالفا وقد اختلف في ذلك فقال الحنفية والحنابلة نعم وهو قول النخعي والثوري والراجح عند الحنابلة ولو لم يقل بالله انه يمين وهو قول ربيعة والأوزاعي وعند الشافعية لا يكون يمينا الا ان أضاف اليه بالله ومع ذلك فالراجح انه كناية فيحتاج الى القصد وهو نص الشافعي في المختصر لأنها تحتمل اشهد بأمر الله أو بوحدانية الله وهذا قول الجمهور وعن مالك كالروايات الثلاث واحتج من اطلق بأنه ثبت في العرف والشرع في الأيمان قال الله تعالى إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله ثم قال اتخذوا ايمانهم جنة فدل على انهم استعملوا ذلك في اليمين وكذا ثبت في اللعان والجواب ان هذا خاص باللعان فلا يقاس عليه والأول ليس صريحا لاحتمال ان يكون حلفوا مع ذلك واحتج بعضهم بما أخرجه بن ماجة من حديث رفاعة بن عوانة كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها اشهد عند الله والذي نفسي بيده وأجيب بأن في سنده ضعيفا وهو عبد الملك بن محمد الصنعاني وعلى تقدير ثبوته فسياقه يقتضي ان مجموع ذلك يمين لا يمينان والله اعلم وقال أبو عبيد الشاهد يمين الحالف فمن قال اشهد فليس بيمين ومن قال اشهد بالله فهو يمين وقد قرأ الضحاك اتخذوا إيمانهم بكسر الهمزة وهي تدفع قول من حمل الشهادة على اليمين الى ذلك أشار البخاري حيث اورد حديث الباب تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته فإنه ظاهر في المغايرة بين الشهادة والحلف وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الشهادات وشيبان في السند هو بن عبد الرحمن ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو وعبد الله هو بن مسعود

[ 6282 ] قوله تسبق شهادة أحدهم يمينه قال الطحاوي أي يكثرون الإيمان في كل شيء حتى يصير لهم عادة فيحلف أحدهم حيث لا يراد منه اليمين ومن قبل ان يستحلف وقال غيره المراد يحلف على تصديق شهادته قبل ادائها أو بعده وهذا إذا صدر من الشاهد قبل الحكم سقطت شهادته وقيل المراد التسرع الى الشهادة واليمين والحرص على ذلك حتى لا يدري بأيهما يبدأ لقلة مبالاته قوله قال إبراهيم هو النخعي وهو موصول بالسند المتقدم قوله وكان أصحابنا يعني مشايخه ومن يصلح منه اتباع قوله وتقدم في الشهادات بلفظ يضربوننا بدل ينهونا قوله ان تحلف بالشهادة والعهد أي ان يقول أحدنا اشهد بالله أو علي عهد الله قاله بن عبد البر وتقدم البحث فيه في كتاب الشهادات

قوله باب عهد الله عز وجل أي قول القائل علي عهد الله لافعلن كذا قال الراغب العهد حظ الشيء ومراعاته ومن ثم قيل للوثيقة عهدة ويطلق عهد الله على ما فطر عليه عباده من الإيمان به عند اخذ الميثاق ويراد به أيضا ما أمر به في الكتاب والسنة مؤكدا وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر قلت وللعهد معان أخرى غير هذه كالامان والوفاء والوصية واليمين ورعاية الحرمة والمعرفة واللقاء عن قرب والزمان والذمة وبعضها قد يتداخل والله اعلم وقال بن المنذر من حلف بالعهد فحنث لزمه الكفارة سواء نوى أم لا عند مالك والأوزاعي والكوفيين وبه قال الحسن والشعبي وطاوس وغيرهم قلت وبه قال أحمد وقال عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد لا تكون يمينا الا ان نوى وقد تقدم في أوائل كتاب الإيمان النقل عن الشافعي فيمن قال امانة الله مثله وأغرب امام الحرمين فادعى اتفاق العلماء على ذلك ولعله أراد من الشافعية ومع ذلك فالخلاف ثابت عندهم كما حكاه الماوردي وغيره عن أبي إسحاق المروزي واحتج للمذهب بأن عهد الله يستعمل في وصيته لعباده باتباع اوامره وغير ذلك كما ذكر فلا يحمل على اليمين الا بالقصد وقال الشافعي إذا قال علي عهد الله احتمل ان يريد معهوده وهو وصيته فيصير كقوله علي فرض الله أي مفروضه فلا يكون يمينا لأن اليمين لا تنعقد بمحدث فان نوى بقوله عهد الله اليمين انعقدت وقال بن المنذر قد قال الله تعالى الم اعهد اليكم يا بني آدم ان لا تعبدوا الشيطان فمن قال علي عهد الله صدق لأن الله أخبر انه اخذ علينا العهد فلا يكون ذلك يعينا الا ان نواه واحتج الاولون بأن العرف قد صار جاريا به فحمل على اليمين وقال بن التين هذا لفظ يستعمل على خمسة أوجه الأول على عهد الله والثاني وعهد الله الثالث عهد الله الرابع اعاهد الله الخامس على العهد وقد طرد بعضهم ذلك في الجميع وفصل بعضهم فقال لا شيء في ذلك الا ان قال على عهد الله ونحوها والا فليست بيمين نوى أو لم ينو ثم ذكر حديث عبد الله وهو بن مسعود والاشعث بن قيس في نزول قوله تعالى

[ 6283 ] ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا وسليمان في السند هو الأعمش ومنصور هو بن المعتمر وسيأت شرحه مستوفي بعد خمسة أبواب والله اعلم

قوله باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلامه كذا لأبي ذر ولغيره وكلماته وفي هذه الترجمة عطف العام على الخاص والخاص على العام لأن الصفات أعم من العزة والكلام وقد تقدمت الإشارة اليه في آخر باب لا تحلفوا بآبائكم الى ان الإيمان تنقسم الى صريح وكناية ومتردد بينهما وهو الصفات وانه اختلف هل يلتحق بالصريح فلا يحتاج الى قصد اولا فيحتاج والراجح ان صفات الذات منها يلتحق بالصريح فلا تنفع معها التورية إذا تعلق به حق آدمي وصفات الفعل تلتحق بالكناية فعزة الله من صفات الذات وكذا جلاله وعظمته قال الشافعي فيما أخرجه البيهقي في المعرفة من قال وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدره الله يريد اليمين اولا يريده فهي يمين انتهى وقال غيره والقدرة تحتمل صفة الذات فتكون اليمين صريحة وتحتمل إرادة المقدور فتكون كناية كقول من يتعجب من الشيء انظر الى قدرة الله وكذا العلم كقوله اللهم اغفر لنا علمك فينا أي معلومك قوله وقال بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أعوذ بعزتك هذا طرف من حديث وصله المؤلف في التوحيد من طريق يحيى بن يعمر عن بن عباس وسيأتي شرحه هناك ووجه الاستدلال به على الحلف بعزة الله انه وان كان بلفظ الدعاء لكنه لا يستعاذ الا بالله أو بصفة من صفات ذاته وخفي هذا على بن التين فقال ليس فيه جواز الحلف بالصفة كما بوب عليه ثم وجدت في حاشية بن المنير ما نصه قوله أعوذ بعزتك دعاء وليس بقسم ولكنه لما كان المقرر انه لا يستعاذ الا بالقديم ثبت بهذا ان العزة من الصفات القديمة لا من صفة الفعل فتنعقد اليمين بها قوله وقال أبو هريرة الخ وفيه وقال أبو سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله وهو مختصر من الحديث الطويل في صفة الحشر وقد تقدم شرحه مستوفى في اواخر الرقاق والغرض منها قول الرجل لا وعزتك لا أسألك غيرها فان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك مقررا له فيكون حجة في ذلك قوله وقال أيوب عليه السلام وعزتك لا غنى لي عن بركتك كذا للأكثر ووقع لأبي ذر عن غير الكشميهني لا غناء بفتح أوله والمد الأول أولى فان معنى الغناء بالمد الكفاية يقال ما عند فلان غناء أي لا يغتنى به وهو أيضا طرف من حديث تقدم في كتاب الطهارة من رواية أبي هريرة وأوله ان أيوب كان يغتسل فخر عليه جراد من ذهب الحديث ووجه الدلالة منه ان أيوب عليه السلام لا يحلف الا بالله وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عنه وأقره

[ 6284 ] قوله شيبان هو بن عبد الرحمن قوله فتقول قط قط وعزتك تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة ق والقول فيه ما تقدم وحكى الداودي عن بعض المفسرين انه قال في قول جهنم هل من مزيد معناه ليس في مزيد قال بن التين وحديث الباب يرد عليه قوله رواه شعبة عن قتادة وصل روايته في تفسير ق وأشار بذلك الى ان الرواية الموصولة عن أنس بالعنعنة لكن شعبة ما كان يأخذ عن شيوخه الذين ذكر عنهم التدليس الا ما صرحوا فيه بالتحديث تنبيه لمح المصنف بهذه الترجمة الى رد ما جاء عن بن مسعود من الزجر عن الحلف بعزة الله ففي ترجمة عون بن عبد الله بن عتبة من الحلية لأبي نعيم من طريق عبد الله بن رجاء عن المسعودي عن عون قال قال عبد الله لا تحلفوا بحلف الشيطان ان يقول أحدكم وعزة الله ولكن قولوا كما قال الله تعالى رب العزة انتهى وفي المسعودي ضعف وعون عن عبد الله منقطع وسيأتي الكلام على العزة في باب مفرد من كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى

قوله باب قول الرجل لعمر الله أي هل يكون يمينا وهو مبني على تفسير لعمر ولذلك ذكر اثر بن عباس وقد تقدم في تفسير سورة الحجر وان بن أبي حاتم وصله واخرج أيضا عن أبي الجوزاء عن بن عباس في قوله تعالى لعمرك أي حياتك قال الراغب العمر بالضم وبالفتح واحد ولكن خص الحلف بالثاني قال الشاعر عمرك الله كيف يلتقيان أي سألت الله ان يطيل عمرك وقال أبو القاسم الزجاج العمر الحياة فمن قال عمر الله كأنه حلف ببقاء الله واللام للتوكيد والخبر محذوف أي ما اقسم به ومن ثم قال المالكية والحنفية تنعقد بها اليمين لأن بقاء الله من صفة ذاته وعن مالك لا يعجبني الحلف بذلك وقد اخرج إسحاق بن راهويه في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري وقال اشافعي وإسحاق لا تكون يمينا الا بالنية لأنه يطلق على العلم وعلى الحق وقد يراد بالعلم المعلوم وبالحق ما اوجبه الله وعن أحمد كالمذهبين والراجح عنه كالشافعي وأجابوا عن الآية بأن لله ان يقسم من خلقه بما شاء وليس ذلك لهم لثبوت النهي عن الحلف بغير الله وقد عد الأئمة ذلك في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فان اللام ليست من ادوات القسم لأنها محصورة في الواو والباء والتاء كما تقدم بيانه في باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر طرفا من حديث الإفك والغرض منه قول اسيد بن حضير لسعد بن عبادة لعمر الله لنقتلنه وقد مضى شرح الحديث مستوفى في تفسير النور وتقدم في اواخر الرقاق في الحديث الطويل من رواية لقيط بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر إلاهك وكررها وهو عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وعند غيره

قوله باب لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم الآية كذا لأبي ذر ولغيره بدل قوله الآية ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ويستفاد منه ان المراد في هذه الترجمة آية البقرة فان آية المائدة ذكرها في أول كتاب الإيمان كما تقدم ومضى هناك تفسير اللغو وتمسك الشافعي فيه بحديث عائشة المذكور في الباب لكونها شهدت التنزيل فهي اعلم من غيرها بالمراد وقد جزمت بأنها نزلت في

[ 6286 ] قوله لا والله بلى والله ويؤيده ما أخرجه الطبري من طريق الحسن البصري مرفوعا في قصة الرماة وكان أحدهم إذا رمى حلف انه أصاب فيظهر انه أخطأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ايمان الرماة لغو لا كفارة لها ولا عقوبة وهذا لا يثبت لأنهم كانوا لا يعتمدون مراسيل الحسن لأنه كان يأخذ عن كل أحد وعن أبي حنيفة وأصحابه وجماعة لغواليمين ان يحلف على الشيء يظنه ثم يظهر خلافه فيختص بالماضي وقيل يدخل أيضا في المستقبل بان يحلف على شيء ظنا منه ثم يظهر بخلاف ما حلف وبه قال ربيعة ومالك ومكحول والأوزاعي والليث وعن أحمد روايتان ونقل بن المنذر وغيره عن بن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة وعن القاسم وعطاء والشعبي وطاوس والحسن نحو ما دل عليه حديث عائشة وعن أبي قلابة لا والله وبلى والله لغة من لغات العرب لا يراد بها اليمين وهي من صلة الكلام ونقل إسماعيل القاضي عن طاوس لغو اليمين ان يحلف وهو غضبان وذكر اقوالا أخرى عن بعض التابعين وجملة ما يتحصل من ذلك ثمانية أقوال من جملتها قول إبراهيم النخعي انه يحلف على الشيء لا يفعله ثم ينسى فيفعله أخرجه الطبري وأخرجه عبد الرزاق عن الحسن مثله وعنه هو كقول الرجل والله انه لكذا وهو يظن انه صادق ولا يكون كذلك واخرج الطبري من طريق طاوس عن بن عباس ان يحلف وهو غضبان ومن طريق سعيد بن جبير عن بن عباس ان يحرم ما أحل الله له وهذا يعارضه الخبر الثابت عن بن عباس كما تقدم في موضعه انه تجب فيه كفارة يمين وقيل هو ان يدعو على نفسه ان فعل كذا ثم يفعله وهذا هو يمين المعصية وسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب قال بن العربي القول بأن لغو اليمين هو المعصية باطل لأن الحالف على ترك المعصية تنعقد يمينه عبادة والحالف على فعل المعصية تنعقد يمينه ويقال له لا تفعل وكفر عن يمينك فان خالف واقدم على الفعل اثم وبر في يمينه قلت الذي قال ذلك قال انها في الثانية لا تنعقد أصلا فلذلك قال انها لغو قال بن العربي ومن قال انها يمين الغضب يرده ما ثبت في الأحاديث يعني مما ذكر في الباب وغيرها ومن قال دعاء الإنسان على نفسه ان فعل كذا أو لم يفعل فاللغو انما هو في طريق الكفارة وهي تنعقد وقد يؤاخذ بها لثبوت النهي عن دعاء الإنسان على نفسه ومن قال انها اليمين التي تكفر فلا يتعلق به فان الله رفع المؤاخذة عن اللغو مطلقا فلا اثم فيه ولا كفارة فكيف يفسر اللغو بما فيه الكفارة وثبوت الكفارة يقتضي وجود المؤاخذة حتى ان من وجب عليه الكفارة فخالف عوقب قوله يحيى هو القطان قال بن عبد البر تفرد يحيى القطان عن هشام بذكر السبب في نزول الآية قلت قد صرح بعضهم برفعه عن عائشة أخرجه أبو داود من رواية إبراهيم الصائغ عن عطاء عنها ان رسول الله لي الله عليه وسلم قال لغو اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله وأشار أبو داود الى انه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه وقد أخرج بن أبي عاصم من طريق الزبيدي وابن وهب في جامعة عن يونس وعبد الرزاق في مصنفه عن معمر كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة لغو اليمين ما كان في المراء والهزل والمراجعة في الحديث الذي كان يعقد عليه القلب وهذا موقوف ورواية يونس تقارب الزبيدي ولفظ معمر انه القوم يتدارؤن يقول أحدهم لا والله وبلى والله وكلا والله ولا يقصد الحلف وليس مخالفا للأول وهو المعتمد واخرج بن وهب عن الثقة عن الزهري بهذا السند هو الذي يحلف على الشيء لا يريد به الا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه وهذا يوافق القول الثاني لكنه ضعيف من اجل هذا المبهم شاذ لمخالفة من هو أوثق منه وأكثر عددا

قوله باب إذا حنث ناسيا في الإيمان أي هل تجب عليه الكفارة أو لا قوله وقول الله تعالى وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به كذا لأبي ذر ولغيره وليس بثبوت الواو في أوله وقد تمسك بهذه الآية من قال بعدم حنث من لم يتعمد وفعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها ووجه بأنه لا ينسب فعله اليه شرعا لرفع حكمه عنه بهذه الآية فكأنه لم يفعله قوله لا تؤاخذني بما نسيت قال المهلب حاول البخاري في اثبات العذر بالجهل والنسيان ليسقط الكفارة والذي يلائم مقصدوه من أحاديث الباب الأول وحديث من أكل ناسيا وحديث نسيان التشهد الأول وقصة موسى فان الخضر عذره بالنسيان وهو عبد من عباد الله فالله أحق بالمسامحة قال وأما بقية الأحاديث ففي مساعدتها على مراده نظر قلت ويساعده أيضا حديث عبد الله بن عمرو وحديث بن عباس في تقديم بعض النسك على بعض فإنه لم يأمر فيه بالإعادة بل عذر فاعله بجهل الحكم وقال غيره بل اورد البخاري أحاديث الباب على اختلاف إشارة إلى أنها أصول أوله الفريقين ليستنبط كل أحد منها ما يوافق مذهبه كما صنع في حديث جابر في قصة جمله فإنه اورد الطرق على اختلافها وان كان قدبين في الآخر ان إسناد الاشتراط أصح وكذا قول الشعبي في قدر الثمن وبهذا جزم بن المنير في الحاشية فقال اورد الأحاديث المتجاذبة ليفيد الناظر مظان النظر ومن ثم لم يذكر الحكم في الترجمة بل افاد مراد الحكم والاصول التي تصلح ان يقاس عليها وهو أكثر افادة من قول المجتهد في المسألة قولان وان كان لذلك فائدة أيضا انتهى ملخصا والذي يظهر لي ان البخاري يقول بعدم الكفارة مطلقا وتوجيه الدلالة من الأحاديث التي ساقها ممكن وأما ما يخالف ظاهر ذلك فالجواب عنه ممكن فمنها الدية في قتل الخطأ ولولا ان حذيفة اسقطها لكانت له المطالبة بها والجواب انها من خطاب الوضع وليس الكلام فيه ومنها ابدال الاضحية التي ذبحت قبل الوقت والجواب انها من جنس الذي قبله ومنها حديث المسئ صلاته فإنه لو لم يعذره بالجهل لما اقره على إتمام الصلاة المختلة لكنه لما رجا انه يتفطن لما عابه عليه امره بالإعادة فلما علم انه فعل ذلك عن جهل بالحكم علمه وليس في ذلك متمسك لمن قال بوجوب الكفارة في صورة النسيان وأيضا فالصلاة انما تتقوم بالأركان فكل ركن اختل منها اختلت به ما لم يتدارك وانما الذي يناسب ما لو فعل ما يبطل الصلاة بعده أو تكلم به فانها لا تبطل عند الجمهور كما دل عليه حديث أبي هريرة في الباب من أكل أو شرب ناسيا قال بن التين أجرى البخاري قوله تعالى وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به في كل شيء وقال غيره هي في قصة مخصوصة وهي ما إذا قال الرجل يا بني وليس هو ابنه وقيل إذا اتى امرأته حائضا وهو لا يعلم قال والدليل على عدم التعميم ان الرجل إذا قتل خطأ تلزمه الدية وإذ اتلف مال غيره خطأ فإنه يلزمه انتهى وانفصل غيره بأن المتلفات من خطاب الوضع والذي يتعلق بالآية ما يدخل في خطاب التكليف ولو سلم ان الآية نزلت فيما ذكر لم يمنع ذلك من الاستدلال بعمومها وقد اجمعوا على العمل بعمومها في سقوط الإثم وقد اختلف السلف في ذلك على مذاهب ثالثها التفرقة بين الطلاق والعتاق فتجب فيه الكفارة مع الجهل والنسيان بخلاف غيرهما من الإيمان فلا تجب وهذا قول عن الامام الشافعي ورواية عن أحمد والراجح عند الشافعية التسوية بين الجميع في عدم الوجوب وعن الحنابلة عكسه وهو قول المالكية والحنفية وقال بن المنذر كان أحمد يوقع الحنث في النسيان في الطلاق حسب ويقف عما سوى ذلك والمذكور في الباب اثنا عشر حديثا الحديث الأول

[ 6287 ] قوله زرارة بن أبي أوفى هو قاضي البصرة مات وهو ساجد أورده الترمذي وكان ذلك سنة ثلاث وتسعين قوله عن أبي هريرة يرفعه سبق في العتق من رواية سفيان عن مسعر بلفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بدل قوله هنا يرفعه وكذا لمسلم من طريق وكيع وللنسائي والإسماعيلي من طريق عبد الله بن إدريس كلاهما عن مسعر بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الكرماني انما قال يرفعه ليكون أعم من ان يكون سمعه منه اومن صحابي اخر سمعه منه قلت ولا اختصاص لذلك بهذه الصيغة بل مثله في قوله قال وعن وانما يرتفع الاحتمال إذا قال سمعت ونحوها وذكر الإسماعيلي ان وكيعا رواه عن مسعر فلم يرفعه قال والذي رفعه ثقة فيجب المصير اليه قوله عن أبي هريرة لم اقف على التصريح بسماع زرارة لهذا الحديث من أبي هريرة لكنه لم يوصف بالتدليس فيحمل على السماع وذكر الإسماعيلي ان الفرات بن خالد ادخل بين زرارة وبين أبي هريرة في هذا الإسناد رجلا من بني عامر وهو خطأ فان زرارة من بني عامر فكأنه كان فيه عن زرارة رجل من بني عامر فظنه آخر أيهم وليس كذلك قوله لأمتي في رواية هشام عن قتادة تجاوز عن أمتي قوله عما وسوست أو حدثت به انفسها في رواية هشام ما حدثت به انفسها ولم يتردد وكذا في رواية سعيد وأبي عوانة عند مسلم وفي رواية بن عيينة ما رسوست بها صدورها ولم يتردد أيضا وضبط انفسها بالنصب للأكثر ولبعضهم بالرفع وقال الطحاوي بالثاني وبه جزم أهل اللغة يريدون بغير اختيارها كقوله تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه قوله ما لم تعمل به أو تكلم في رواية عبد الله بن إدريس أو تتكلم به قال الإسماعيلي ليس في هذا الحديث ذكر النسيان وانما فيه ذكر ما خطر على قلب الإنسان قلت مراد البخاري الحاق ما يترتب على النسيان بالتجاوز لأن النسيان من متعلقات عمل القلب وقال الكرماني قاس الخطأ والنسيان على الوسوسة فكما انها لا اعتبار لها عند عدم التوطن فكذا الناسي والمخطئ لا توطين لهما وقد وقع في رواية هشام بن عمار عن بن عيينة عن مسعر في هذا الحديث بعد قوله أو تكلم به وما استكرهوا عليه وهذه الزيادة منكرة من هذا الوجه وانما تعرف من رواية الأوزاعي عن عطاء عن بن عباس بلفظ ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وقد أخرجه بن ماجة عقب حديث أبي هريرة من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي والحديث عند هشام بن عمار عن الوليد فلعله دخل له بعض حديث في حديث وقد رواه عن بن عيينة الحميدي وهو اعرف أصحاب بن عيينة بحديثه وتقدم في العتق عنه بدون هذه الزيادة وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية زياد بن أيوب وابن المقرى وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي كلهم عن سفيان بدون هذه الزيادة قال الكرماني فيه ان الوجود الذهني لا اثر له وانما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات وقد احتج به من لا يرى المؤاخذة بما وقع في النفس ولو عزم عليه وانفصل من قال يؤاخذ بالعزم بأنه نوع من العمل يعني عمل القلب قلت وظاهر الحديث ان المراد بالعمل عمل الجوارح لأن المفهوم من لفظ ما لم يعمل يشعر بأن كل شيء في الصدر لا يؤاخذ به سواء توطن به أم لم يتوطن وقد تقدم البحث في ذلك في أواخر الرقاق في الكلام على حديث من هم بسيئة لا تكتب عليه وفي الحديث إشارة الى عظيم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها صلى الله عليه وسلم لقوله تجاوز لي وفيه اشعار باختصاصها بذلك بل صرح بعضهم بأنه كان حكم الناسي كالعامد في الإثم وان ذلك من الإصر الذي كان على من قبلنا ويؤيده ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال لما نزلت وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على الصحابة فذكر الحديث في شكواهم ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم لهم تريدون ان تقولوا مثل ما قال أهل الكتاب سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا واطعنا فقالوها فنزلت آمن الرسول الى آخر السورة وفيه في قوله لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا قال نعم وأخرجه من حديث بن عباس بنحوه وفيه قال قد فعلت الحديث الثاني

[ 6288 ] قوله حدثنا عثمان بن الهيثم أو محمد عنه وقع مثل هذا في باب الذريرة في اواخر كتاب اللباس وتقدم الكلام عليه هناك وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن يحيى عن عثمان بن الهيثم به قوله كنت احسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا في رواية الإسماعيلي اني كنت احسب ان كذا قبل كذا قوله لهؤلاء الثلاث قد كنت اظن ذلك خاصا بهذه الرواية وأن البخاري أشار بذلك الى ما في الحديث الذي يليه فإنه فيه الحلق والنحر والرمي لكن وجدته في رواية الإسماعيلي بالايهام كما أشرت اليه وكذا أخرجه مسلم من رواية عيسى بن يونس ومحمد بن بكر كلاهما عن بن جريج مثل رواية عثمان بن الهيثم سواء الا ان بن بكر لم يقل لهؤلاء الثلاث ومن رواية يحيى بن سعيد الأموي عن بن جريج بلفظ حلقت قبل ان انحر ونحرت قبل ان ارمي فالظاهر ان الإشارة المذكورة من بن جريج وقد أخرجه الشيخان من رواية مالك عن بن شهاب شيخ بن جريج فيه مفسرا كما تقدم في كتاب الخ مع شرحه الحديث الثالث حديث بن عباس في ذلك وقد تقدم بسنده ومتنه مشروحا في كتاب الحج الحديث الرابع حديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته وقد تقدم شرحه في كتاب الصلاة

[ 6290 ] قوله حدثني إسحاق بن منصور حدثنا أبو أسامة حدثنا عبيد الله بن عمر هو العمري وسعيد هو المقبري وقد تقدم في كتاب الاستئذان بهذا السند سواء لكن فيه عبد الله بن نمير بدل أبي أسامة وفي بعض سياقهما اختلاف بينته هناك فكأن لإسحاق بن منصور فيه شيخين وقد أخرجه الترمذي عن إسحاق بن منصور عن عبد الله بن نمير وحده وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وعبد الله بن نمير جميعا وله طرق عن هذين عند مسلم وغيره

[ 6291 ] الحديث الخامس حديث حذيفة في قصة قتل أبيه اليمان يوم أحد وقد تقدم شرحه مستوفى في اواخر المناقب وفي غزوة أحد وقوله في آخره بقية خير بالإضافة للأكثر أي استمر الخير فيه ووقع في رواية الكشميهني بقية بالتنوين وسقط عند لفظ خير وعليها شرح الكرماني فقال أي بقية حزن وتحسر من قتل أبيه بذلك الوجه وهو وهم سبقه غيره اليه والصواب ان المراد انه حصل له خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ عفا الله عنكم واستمر ذلك الخير فيه الى ان مات

[ 6292 ] الحديث السادس حديث أبي هريرة من أكل ناسيا وهو صائم فليتم صومه الحديث وقد تقدم شرحه في باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا من كتاب الصيام وعوف في السند هو الأعرابي وخلاس بكسر المعجمة وتخفيف اللام بعدها مهملة وهو بن عمرو ومحمد هو بن سيرين والبخاري لا يخرج لخلاس الا مقرونا ومما ينبه عليه هنا ان المزي في الأطراف ذكر هذا الحديث في ترجمة خلاس عن أبي هريرة فقال خلاس في الصيام عن يوسف بن موسى فوهم في ذلك وانما هو في الإيمان والنذور ولم يورده في الصيام من طريق خلاس أصلا وقال بن المنير في الحاشية أوجب مالك الحنث على الناسي ولم يخالف ذلك في ظاهر الأمر الا في مسألة واحدة وهي من حلف بالطلاق ليصومن غدا فأكل ناسيا بعد ان بيت الصيام من الليل فقال مالك لا شيء عليه فاختلف عنه فقيل لا قضاء عليه وقيل لا حنث ولا قضاء وهو الراجح اما عدم القضاء فلأنه لم يتعمد ابطال العبادة وأما عدم الحنث فهو على تقدير صحة الصوم لأنه المحلوف عليه وقد صحح الشارع صومه فإذا صح صومه لم يقع عليه حنث

[ 6293 ] الحديث السابع حديث عبد الله بن بحينة في سجود السهو قبل السلام لترك التشهد الأول وقد تقدم في أبواب سجود السهو من اواخر كتاب الصلاة مع شرحه الحديث الثامن حديث بن مسعود في سجود السهو بعد السلام لزيادة ركعة في الصلاة وقد تقدم شرحه أيضا هناك عقب حديث بن بحينة وقوله

[ 6294 ] هنا حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من مسنده وقوله سمع عبد العزيز أي انه سمع ولفظه انه يسقطونها في الخط أحيانا وعبد العزيز المذكور هو العمى بفتح المهملة والتثقيل ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة هو بن قيس وقوله فيه فزاد أو نقص قال منصور لا أدري إبراهيم وهم أم علقمة كذا اطلق وهم موضع شك وتوجيهه ان الشك ينشأ عن النسيان إذ لو كان ذكرا لأحد الامرين لما وقع له التردد يقال وهم في كذا إذا غلط فيه ووهم الى كذا إذا ذهب وهمه اليه وقد تقدم في أبواب القبلة من رواية جرير عن منصور قال قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص فجزم بأن إبراهيم هو الذي تردد وهذا يدل على ان منصورا حين حدث عبد العزيز كان مترددا هل علقمة قال ذلك أم إبراهيم وحين حدث جريرا كان جازما بإبراهيم وقال الكرماني لفظ اقصرت صريح في أنه نقص ولكنه وهم من الراوي والصواب ما تقدم في الصلاة بلفظ أحدث في الصلاة شيء وقد تقدمت مباحث هذا الحديث هناك أيضا ولله الحمد الحديث التاسع ذكر فيه طرفا يسيرا من حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر وقوله

[ 6295 ] قلت لابن عباس فقال حدثنا أبي بن كعب هكذا حذف مقول سعيد بن جبير وقد ذكره في تفسير الكهف بلفظ قلت لابن عباس ان نوفا البكالي فذكر قصة فقال بن عباس رادا عليه حدثنا أبي بن كعب الخ فحذفها البخاري هنا كما حذف أكثر الحديث الى ان قال لا تؤاخذني قوله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال لا تؤاخذني بما نسيت فيه حذف تقديره يقول في تفسير قوله تعالى قال لا تؤاخذني الخ قوله كانت الأولى من موسى نسيانا يعني انه كان عند إنكاره خرق السفينة كان ناسيا لما شرط عليه الخضر في قوله فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فإن قيل ترك مؤاخذته بالنسيان متجه وكيف واخذه قلنا عملا بعموم شرطه الذي التزمه فلما اعتذر له بالنسيان علم انه خارج بحكم الشرع من عموم الشرط وبهذا التقرير يتجه إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة فان قيل فالقصة الثانية لم تكن الا عمدا فما الحامل له على خلف الشرط قلنا لأنه في الأولى كان يتوقع هلاك أهل السفينة فبادر للانكار فكان ما كان واعتذر بالنسيان وقدر الله سلامتهم وفي الثانية كان قتل الغلام فيها محققا فلم يصبر على الإنكار فأنكر ذاكرا للشرط عامدا لإخلافه تقديما لحكم الشرع ولذلك لم يعتذر بالنسيان وانما أراد ان يجرب نفسه في الثالثة لأنها الحد المبين غالبا لما يخفي من الأمور فان قيل فهل كانت الثالثة عمدا أو نسيانا قلنا يظهر انها كانت نسيانا وانما واخذه صاحبه بشرطه الذي شرطه على نفسه من المفارقة في الثالثة وبذلك جزم بن التين وانما لم يقل انها كانت عمدا استبعادا لأن يقع من موسى عليه السلام إنكار أمر مشروع وهو الإحسان لمن أساء والله اعلم الحديث العاشر والحادي عشر حديث البراء وحديث أنس في تقديم صلاة العيد على الذبح وقد سبق شرحهما مستوفى في كتاب الأضاحي

[ 6296 ] قوله كتب الى محمد بن بشار لم تقع هذه الصيغة للبخاري في صحيحه عن أحد من مشايخه الا في هذا الموضع وقد اخرج بصيغة المكاتبة فيه أشياء كثيرة لكن من رواية التابعي عن الصحابي أو من رواية غير التابعي عن التابعي ونحو ذلك ومحمد بن بشار هذا هو المعروف ببندار وقد أكثر عنه البخاري وكأنه لم يسمع منه هذا الحديث فرواه عنه بالمكاتبة وقد اخرج أصل الحديث من عدة طرق أخرى موصولة كما تقدم في العيدين وغيره وقد أخرجه الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سنان قال قرأت على بندار فذكره وأخرجه أبو نعيم من رواية حسين بن محمد بن حماد قال حدثنا محمد بن بشار بندار قوله قال قال البراء بن عازب وكان عندهم ضيف في رواية الإسماعيلي كان عندهم ضيف بغير واو وظاهر السياق ان القصة وقعت للبراء لكن المشهور انها وقعت لخاله أبي بردة بن نيار كما تقدم في كتاب الأضاحي من طريق زبيد عن الشعبي عن البراء فذكر الحديث وفيه فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال ان عندي جذعة الحديث ومن طريق مطرف عن الشعبي عن البراء قال ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة قوله قبل ان يرجع في رواية السرخسي والمستملي قبل أن يرجعهم والمراد قبل ان يرجع إليهم قوله فأمره ان يعيد الذبح قال بن التين رويناه بكسر الذال وهو ما يذبح وبالفتح وهو مصدر ذبحت قوله فقال يا رسول الله في رواية الإسماعيلي قال البراء يا رسول الله وهذا صريح في ان القصة وقعت للبراء فلولا إتحاد المخرج لأمكن التعدد لكن القصة متحدة والسند متحد من رواية الشعبي عن البراء والاختلاف من الرواة عن الشعبي فكأنه وقع في هذه الرواية اختصار وحذف ويحتمل ان يكون البراء شارك خاله في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن القصة فنسبت كلها اليه تجوزا قال الكرماني كان البراء وخاله أبو بردة أهل بيت واحد فنسبت القصة تارة لخاله وتارة لنفسه انتهى والمتكلم في القصة الواحدة أحدهما فتكون نسبة القول للآخر مجازية والله اعلم قوله خير من شأتي لحم تقدم البحث فيه هناك أيضا قوله وكان بن عون هو عبد الله راوي الحديث عن الشعبي وهو موصول بالسند المذكور قوله يقف في هذا المكان عن حديث الشعبي أي يترك تكملته قوله ويحدث عن محمد بن سيرين أي عن أنس قوله بمثل هذا الحديث أي حديث الشعبي عن البراء قوله ويقف في هذا المكان أي في حديث بن سيرين أيضا قوله ويقول لا أدري الخ يأتي بيانه في الذي بعده قوله رواه أيوب عن بن سيرين عن أنس وصله المصنف في أوائل الأضاحي من رواية إسماعيل وهو المعروف بابن علية عن أيوب بهذا السند ولفظه من ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله ان هذا يوم يشتهى فيه اللحم وذكر جيرانه وعندي جذعة خير من شاتي لحم فرخص له في ذلك فلا أدري ابلغت الرخصة من سواه أم لا وهذا ظاهره في ان الكل من رواية بن سيرين عن أنس وقد أوضحت ذلك أيضا في كتاب الأضاحي

[ 6297 ] الحديث الثاني عشر حديث جندب وهو بن عبد الله البجلي قوله خطب ثم قال من ذبح فليبدل مكانها تقدم في الأضاحي عن آدم عن شعبة بهذا السند بلفظ من ذبح قبل ان يصلي فليعد الحديث وتقدم شرحه هناك أيضا قال الكرماني ومناسبة حديثي البراء وجندب للترجمة الإشارة الى التسوية بين الجاهل بالحكم والناسي

قوله باب اليمين الغموس بفتح المعجمة وضم الميم الخفيفة وآخره مهملة قيل سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار فهي فعول بمعنى فاعل وقيل الأصل في ذلك انهم كانوا إذا أرادوا ان يتعاهدوا احضروا جفنة فجعلوا فيها طيبا أو دما أو رمادا ثم يحلفون عند ما يدخلون أيديهم فيها ليتم لهم بذلك المراد من تأكيد ما أرادوا فسميت تلك اليمين إذا غدر صاحبها غموسا لكونه بالغ في نقض العهد وكأنها على هذا مأخوذة من اليد المغموسة فيكون فعول بمعنى مفعولة وقال بن التين اليمين الغموس التي ينغمس صاحبها في الإثم ولذلك قال مالك لا كفارة فيها واحتج أيضا بقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان وهذه يمين غير منعقدة لأن المنعقد ما يمكن حله ولا يتأتى في اليمين الغموس البر أصلا قوله ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها الآية كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الى عظيم قوله دخلا مكرا وخيانة هو من تفسير قتادة وسعيد بن جبير أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال خيانة وغدرا وأخرجه بن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال يعني مكرا وخديعة وقال الفراء يعني خيانة وقال أبو عبيدة الدخل كل أمر كان على فساد وقال الطبري معنى الآية لا تجعلوا ايمانكم التي تحلفون بها على انكم توفون بالعهد لمن عاهدتموه دخلا أي خديعة وغدرا ليطمئنوا اليكم وأنتم تضمرون لهم الغدر انتهى ومناسبة ذكر هذه الآية لليمين الغموس ورود الوعيد على من حلف كاذبا متعمدا

[ 6298 ] قوله النضر بفتح النون وسكون المعجمة هو بن شميل بالمعجمة مصغر ووقع منسوبا في رواية النسائي وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية جعفر بن اسماعيلي عن محمد بن مقاتل شيخ البخاري فيه فقال عن عبد الله بن المارك عن شعبة وكأن لابن مقاتل فيه شيخين ان كان حفظه وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء واخره سين مهملة قوله عن عبد الله بن عمرو أي بن العاص قوله الكبائر الإشراك بالله في رواية شيبان عن فراس في أوله جاء أعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر فذكره ولم اقف على اسم هذا الأعرابي قوله الكبائر الإشراك بالله الخ ذكر هنا ثلاثة أشياء بعد الشرك وهو العقوق وقتل النفس واليمين الغموس ورواه غندر عن شعبة بلفظ الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين أو قال اليمين الغموس شك شعبة أخرجه أحمد عنه هكذا وكذا أخرجه المصنف في أوائل الديات والترمذي جميعا عن بندار عن غندر وعلقه البخاري هناك ووصله الإسماعيلي من رواية معاذ بن معاذ عن شعبة بلفظ الكبائر الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين أو قال قتل النفس ووقع في رواية شيبان التي أشرت إليها الإشراك بالله قال ثم ماذا قال ثم عقوق الوالدين قال ثم ماذا قال اليمين الغموس ولم يذكر قتل النفس وزاد في رواية شيبان قلت وما اليمين الغموس قال التي تقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب والقائل قلت هو عبد الله بن عمرو راوي الخبر والمجيب النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون السائل من دون عبد الله بن عمرو والمجيب هو عبد الله أو من دونه ويؤيد كونه مرفوعا حديث بن مسعود والاشعث المذكور في الباب الذي بعده ثم وقفت على تعيين القائل قلت وما اليمين الغموس وعلى تعيين المسئول فوجدت الحديث في النوع الثالث من القسم الثاني من صحيح بن حبان وهو قسم النواهي وأخرجه عن النضر بن محمد عن محمد بن عثمان العجلي عن عبيد الله بن موسى بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال في آخره بعد قوله ثم اليمين الغموس قلت لعامر ما اليمين الغموس الخ فظهر ان السائل عن ذلك فراس والمسئول الشعبي وهو عامر فلله الحمد على ما انعم ثم لله الحمد ثم لله الحمد فاني لم ار من تحرر له ذلك من الشراح حتى ان الإسماعيلي وأبا نعيم لم يخرجاه في هذا الباب من رواية شيبان بل اقتصرا على رواية شعبة وسيأتي عد الكبائر وبيان الاختلاف في ذلك في كتاب الحدود في شرح حديث أبي هريرة اجتنبوا السبع الموبقات ان شاء الله تعالى وقد بينت ضابط الكبيرة والخلاف في ذلك وان في الذنوب صغيرا وكبيرا وأكبر في أوائل كتاب الأدب وذكرت ما يدل على ان المراد بالكبائر في حديث الباب أكبر الكبائر وانه ورد من وجه اخر عند أحمد عن عبد الله بن عمرو بلفظ من أكبر الكبائر وأن له شاهد عن الترمذي عن عبد الله بن أنيس وذكر فيه اليمين الغموس أيضا وأستدل به الجمهور على ان اليمين الغموس لا كفارة فيها للاتفاق على ان الشرك والعقوق والقتل لا كفارة فيه وانما كفارتها التوبة منها والتمكين من القصاص في القتل العمد فكذلك اليمين الغموس حكمها حكم ما ذكرت معه وأجيب بان الاستدلال بذلك ضعيف لأن الجمع بين مختلف الاحكام جائز كقوله تعالى كلوا من ثمره إذا اثمر وآتوا حقه يوم حصاده والايتاء واجب والاكل غير واجب وقد اخرج بن الجوزي في التحقيق من طريق بن شاهين بسنده الى خالد بن معدان عن أبي المتوكل عن أبي هريرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس فيها كفارة يمين صبر يقتطع بها مالا بغير حق وظاهر سنده الصحة لكنه معلول لان فيه عنعنة بقية فقد أخرجه أحمد من هذا الوجه فقال في هذا السند عن المتوكل أو أبي المتوكل فظهر انه ليس هو الناجي الثقة بل آخر مجهول وأيضا فالمتن مختصر ولفظه عند أحمد من لقى الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة الحديث وفيه وخمس ليس لها كفارة الشرك بالله وذكر في آخرها ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق ونقل محمد بن نصر في اختلاف العلماء ثم بن المنذر ثم بن عبد البر اتفاق الصحابة على ان لا كفارة في اليمين الغموس وروى آدم بن أبي إياس في مسند شعبة وإسماعيل القاضي في الاحكام عن بن مسعود كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس ان يحلف الرجل على مال أخيه كاذبا ليقتطعه قال ولا مخالف له من الصحابة واحتجوا بأنها أعظم من ان تكفر وأجاب من قال بالكفارة كالحكم وعطاء والأوزاعي ومعمر والشافعي بأنه أحوج للكفارة من غيره وبأن الكفارة لا تزيده الا خيرا والذي يجب عليه الرجوع الى الحق ورد المظلمة فان لم يفعل وكفر فالكفارة لا ترفع عنه حكم التعدي بل تنفعه في الجملة وقد طعن بن حزم في صحة الأثر عن بن مسعود واحتج بإيجاب الكفارة فيمن تعمد الجماع في صوم رمضان وفيمن افسد حجه قال ولعلهما أعظم اثما من بعض من حلف اليمين الغموس ثم قال وقد أوجب المالكية الكفارة على من حلف ان لا يزني ثم زنى ونحو ذلك ومن حجة الشافعي قوله في الحديث الماضي في أول كتاب الإيمان فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فأمر من تعمد الحنث ان يكفر فيؤخذ منه مشروعية الكفارة لمن حلف حانثا

قوله باب قول الله تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم الآية كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الى قوله عذاب اليم وقد سبق تفسير العهد قبل خمسة أبواب ويستفاد من الآية ان العهد غير اليمين لعطف اليمين عليه ففيه حجة على من احتج بها بأن العهد يمين واحتج بعض المالكية بأن العرف جرى على ان العهد والميثاق والكفالة والامانة ايمان لأنها من صفات الذات ولا يخفى ما فيه قال بن بطال وجه الدلالة ان الله خص العهد بالتقدمة على سائر الإيمان فدل على تأكد الحلف به لأن عهد الله ما أخذه على عباده وما أعطاه عباده كما قال تعالى ومنهم من عاهد الله الآية لأنه قدم على ترك الوفاء به قوله وقول الله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وقوله جل ذكره قال بن التين وغيره اختلف في معناه فعن زيد بن اسلم لا تكثروا الحلف بالله وان كنتم بررة وفائدة ذلك اثبات الهيبة في القلوب ويشير اليه قوله ولا تطع كل حلاف مهين وعن سعيد بن جبير هو ان يحلف ان لا يصل رحمه مثلا فيقال له صل فيقول قد حلفت وعلى هذا فمعنى قوله ان تبروا كراهة ان تبروا فينبغي ان يأتي الذي هو خير ويكفر انتهى وقد أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس ولفظه لا تجعل الله عرضة ليمينك ان لا تصنع الخير ولكن كفروا صنع الخير وقيل هو ان يحلف ان يفعل نوعا من الخير تأكيدا له بيمينه فنهى عن ذلك حكاه الماوردي وهو شبيه النهي عن النذر كما سيأتي نظيره وعلى هذا فلا يحتاج الى تقدير لا قال الراغب وغيره العرضة ما يجعل معرضا لشيء اخر كما قالوا بعير عرضة للسفر ومنه قول الشاعر ولا تجعلني عرضة للوائم ويقولون فلان عرضة للناس أي يقعون فيه وفلانة عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه وجعلت فلانا عرضة في كذا أي اقمته فيه وتطلق العرضة أيضا على الهمة كقول حسان هي الأنصار عرضتها اللقاء قوله ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا الى قوله ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا هكذا وقع في رواية أبي ذر وسقط ذلك لجميعهم ووقع فيه تقديم وتأخير والصواب وقوله ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا الى قوله ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا وقد وقع في رواية النسفي بعد قوله عرضة لايمانكم ما نصه وقوله ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا الآية وقوله وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم الآية وقد مشى شرح بن بطال على ما وقع عند أبي ذر فقال في هذا دليل على تأكيد الوفاء بالعهد لأن الله تعالى قال ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها ولم يتقدم غير ذكر العهد فعلم انه يمين ثم ظهر لي انه أراد ما وقع قبل قوله ولا تنقضوا وهو قوله وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم لكن لا يلزم من عطف الإيمان على العهد ان يكون العهد يمينا بل هو كالاية السابقة ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا فالايات كلها دالات على تأكيد الوفاء بالعهد وأما كونه يمينا فشئ اخر ولعل البخاري أشار الى ذلك وقد تقدم كلام الشافعي من حلف بعهد الله قبل خمسة أبواب وقوله وقد جعلتم الله عليكم كفيلا أي شهيدا في العهد أخرجه بن أبي حاتم عن سعيد بن جبير واخرج عن مجاهد قال يعني وكيلا واستدل بقوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم على ان اليمين الغموس لا كفارة فيها لأن بن عباس فسرها بأن الرجل يحلف ان لا يصل قرابته فجعل الله له مخرجا في التكفير وأمره ان يصل قرابته ويكفر عن يمينه ولم يجعل لحالف الغموس مخرجا كذا قال وتعقبه الخطابي بأنه لا يدل على ترك الكفارة في اليمين الغموس بل قد يدل لمشروعيتها

[ 6299 ] قوله حدثنا موسى بن إسماعيل هو التبوذكي قوله حدثنا أبو عوانة هو الوضاح وقد تقدم عن موسى هذا بعض هذا الحديث بدون قصة الأشعث في الشهادات لكن عن عبد الواحد وهو بن زياد بدل أبي عوانة فالحديث عند موسى المذكور عنهما جميعا قوله عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة وقد تقدم في الشرب من رواية أبي حمزة وهو السكري وفي الأشخاص من رواية أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن شقيق وقد تقدم قريبا من رواية شعبة عن سليمان وهو الأعمش ويستفاد منه أنه مما لم يدلس فيه الأعمش فلا يضر مجيئه عنه بالعنعنة قوله عن عبد الله في تفسير آل عمران عن حجاج بن منهال عن أبي عوانة بهذا السند عن عبد الله بن مسعود قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقع التصريح بالرفع في رواية الأعمش ولم يقع ذلك في رواية منصور الماضية في الشهادات وفي الرهن ووقع مرفوعا في رواية شعبة الماضية قريبا عن منصور والأعمش جميعا قوله من حلف على يمين صبر بفتح الصاد وسكون الموحدة ويمين الصبر هي التي تلزم ويجبر عليها حالفها يقال اصبره اليمين احلفه بها في مقاطع الحق زاد أبو حمزة عن الأعمش هو بها فاجر وكذا للأكثر وفي رواية أبي معاوية هو عليها فاجر ليقتطع وكأن فيها حذفا تقديره هو في الاقدام عليها والمراد بالفجور لازمه وهو الكذب وقد وقع في رواية شعبة على يمين كاذبة قوله يقتطع بها مال امرئ مسلم في رواية حجاج بن منهال ليقطع بها بزيادة لام التعليل ويقتطع ويفتعل من القطع كأنه قطعة عن صاحبه أو أخذ قطعة من ماله بالحلف المذكور قوله لقى الله وهو عليه غضبان في حديث وائل بن حجر عند مسلم وهو عنه معرض وفي رواية كردوس عن الأشعث عند أبي داود الا لقي الله وهو اجذم وفي حديث أبي امامة بن ثعلبة عند مسلم والنسائي نحوه في هذا الحديث فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة وفي حديث عمران عند أبي داود فليتبوأ مقعده من النار قوله فأنزل الله تصديق ذلك ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا كذا في رواية الأعمش ومنصور ووقع في رواية جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن اعين عند مسلم والترمذي وغيرهما جميعا عن أبي وائل عن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه الحديث ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله ان الذين يشترون بعهد الله فذكر هذه الآية ولولا التصريح في رواية الباب بأنها نزلت في ذلك لكان ظاهر هذه الرواية انها نزلت قبل ذلك وقد تقدم في تفسير ال عمران انها نزلت فيمن أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذاب وتقدم انه يجوز انها نزلت في الامرين معا وقال الكرماني لعل الآية لم تبلغ بن أبي أوفى الا عند اقامته السلعة فظن انها نزلت في ذلك أو ان القصتين وقعتا في وقت واحد فنزلت الآية واللفظ عام متناول لهما ولغيرهما قوله فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم أبو عبد الرحمن كذا وقع عند مسلم من رواية وكيع عن الأعمش وأبو عبد الرحمن هي كنية بن مسعود وفي رواية جرير في الرهن ثم ان الأشعث بن قيس خرج إلينا فقال ما يحدثكم أبو عبد الرحمن والجمع بينهما انه خرج عليهم من مكان كان فيه فدخل المكان الذي كانوا فيه وفي رواية الثوري عن الأعمش ومنصور جميعا كما سيأتي في الاحكام فجاء الأشعث وعبد الله يحدثهم ويجمع بأن خروجه من مكانه الذي كان فيه الى المكان الذي كان فيه عبد الله وقع وعبد الله يحدثهم فعل الأشعث تشاغل بشيء فلم يدرك تحديث عبد الله فسأل اصحابه عما حدثهم به قوله فقالوا كذا وكذا في رواية جرير فحدثناه وبين شعبة في روايته ان الذي حدثه بما حدثهم به بن مسعود هو أبو وائل الراوي ولفظه في الأشخاص قال فلقيني الأشعث فقال ما حدثكم عبد الله اليوم قلت كذا وكذا وليس بين قوله فلقيني وبين قوله في الرواية خرج إلينا فقال ما يحدثكم منافاة وانما انفرد في هذه الرواية لكونه المجيب قوله قال في أنزلت رواية جرير قال فقال صدق لفي والله أنزلت واللام لتأكيد القسم دخلت علي في ومراده أن الآية ليست بسبب خصومته التي يذكرها وفي رواية أبي معاوية في والله كان ذلك وزاد جرير عن منصور صدق قال بن مالك لفي والله نزلت شاهد على جواز توسط القسم بين جزئي الجواب وعلى ان اللام يجب وصلها بمعمولي الفعل الجوابي المتقدم لا بالفعل قوله كان لي في رواية الكشميهني كانت قوله بئر في رواية أبي معاوية ارض وادعى الإسماعيلي في الشرب ان أبا حمزة تفرد بقوله في بئر وليس كما قال فقد وافقه أبو عوانة كما ترى وكذا يأتي في الاحكام من رواية الثوري عن الأعمش ومنصور جميعا ومثله في رواية شعبة الماضية قريبا عنهم لكن بين ان ذلك في حديث الأعمش وحده ووقع في رواية جرير عن منصور في شيء ولبعضهم في بئر ووقع عند أحمد من طريق عاصم عن شقيق أيضا في بئر قوله في ارض بن عم لي كذا للأكثر ان الخصومة كانت في بئر يدعيها الأشعث في ارض لخصمه وفي رواية أبي معاوية كان بيني وبين رجل من اليهود ارض فجحدني ويجمع بأن المراد أرض البئر لا جميع الأرض التي هي ارض البئر والبئر من جملتها ولا منافاة بين قوله بن عم لي وبين قوله من اليهود لان جماعة من اليمن كانوا تهودوا لما غلب يوسف ذو نواس على اليمن فطرد عنه الحبشة فجاء الإسلام وهم على ذلك وقد ذكر ذلك بن إسحاق في أوائل السيرة النبوية مبسوطا وقد تقدم في الشرب ان اسم بن عمه المذكور الخفشيش بن معدان بن معد يكرب وبينت الخلاف في ضبط الخفشيش وأنه لقب واسمه جرير وقيل معدان حكاه بن طاهر والمعروف انه اسم وكنيته أبو الخير واخرج الطبراني من طريق الشعبي عن الأشعث قال خاصم رجل من الحضرميين رجلا منا يقال له الخفشيش الى النبي صلى الله عليه وسلم في ارض له فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي جئ بشهودك على حقك والاحلف لك الحديث قلت وهذا يخالف السياق الذي في الصحيح فان كان ثابتا حمل على تعدد القصة وقد اخرج أحمد والنسائي من حديث عدي بن عميرة الكندي قال خاصم رجل من كنده يقال له امرؤ القيس بن عابس الكندي رجلا من حضرموت في ارض فذكر نحو قصة الأشعث وفيه ان مكنته من اليمين ذهبت ارضى وقال من حلف فذكر الحديث وتلا الآية ومعد يكرب جد الخفشيش وهو جد الأشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية فهو بن عمه حقيقة ووقع في رواية لأبي داود من طريق كردوس عن الأشعث ان رجلا من كندة ورجلا من حضرموت اختصما الى النبي صلى الله عليه وسلم في ارض من اليمن فذكر قصة تشبه قصة الباب الا ان بينهما اختلافا في السياق واظنها قصة أخرى فان مسلما اخرج من طريق علقمة بن وائل عن أبيه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي ان هذا غلبني على ارض كانت لأبي وانما جوزت التعدد لان الحضرمي يغاير الكندي لان المدعى في حديث الباب هو الأشعث وهو الكندي جزما والمدعى في حديث وائل هو الحضرمي فافترقا ويجوز ان يكون الحضرمي نسب الى البلد لا الى القبيلة فان أصل نسبة القبيلة كانت الى البلد ثم اشتهرت النسبة الى القبيلة فلعل الكندي في هذه القصة كان يسكن حضرموت فنسب إليها والكندي لم يسكنها فاستمر على نسبته وقد ذكروا الخفشيش في الصحابة واستشكله بعض مشايخنا لقوله في الطريق المذكورة قريبا انه يهودي ثم قال يحتمل انه اسلم قلت وتمامه ان يقال انما وصفه الأشعث بذلك باعتبار ما كان عليه اولا ويؤيد إسلامه انه وقع في رواية كردوس عن الأشعث في آخر القصة انه لما سمع الوعيد المذكور قال هي ارضه فترك اليمين تورعا ففيه اشعار بإسلامه ويؤيده انه لو كان يهوديا ما بالى بذلك لأنهم يستحلون أموال المسلمين والى ذلك وقعت الإشارة بقوله تعالى حكاية عنهم ليس علينا في الاميين سبيل أي حرج ويؤيد كونه مسلما أيضا رواية الشعبي الآتية قريبا قوله فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية الثوري خاصمته وفي رواية جرير عن منصور فاختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي معاوية فجحدني فقدمته الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال بينتك أو يمينه في رواية أبي معاوية فقال الك بينة فقلت لا فقال لليهودي احلف وفي رواية أبي حمزة فقال لي شهودك قلت ما لي شهود قال فيمينه وفي رواية وكيع عند مسلم ألك عليه بينه وفي رواية جرير عن منصور شاهداك أو يمينه وتقدم في الشهادات توجيه الرفع وانه يجوز النصب ويأتي نظيره في لفظ رواية الباب ويجوز ان يكون توجيه الرفع لك إقامة شاهديك أو طلب يمينه فحذف فيهما المضاف واقيم المضاف اليه مقامه فرفع والأصل في هذا التقدير قول سيبويه المثبت لك ما تدعيه شاهداك وتأويله المثبت لك هو شهادة شاهديك الخ قوله قلت إذا يحلف عليها يا رسول الله لم يقع في رواية أبي حمزة ما بعد قوله يحلف وتقدم في الشرب ان يحلف بالنصب لوجود شرائطه من الاستقبال وغيره وانه يجوز الرفع وذكر فيه توجيه ذلك وزاد في رواية أبي معاوية إذا يحلف ويذهب بمالي ووقع في حديث وائل من الزيادة بعد قوله الك بينة قال لا قال فلك يمينه قال انه فاجر ليس يبالي ما حلف عليه وليس يتورع من شيء قال ليس لك منه الا ذلك ووقع في رواية الشعبي عن الأشعث قال ارضي أعظم شأنا من ان يحلف عليها فقال ان يمين المسلم يدرأ بها أعظم من ذلك قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف فذكر مثل حديث بن مسعود سواء وزاد وهو فيها فاجر وقد بينت ان هذه الزيادة وقعت في حديث بن مسعود عند أبي حمزة وغيره وزاد أبو حمزة فأنزل الله ذلك تصديقا له أي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقع في رواية منصور حديث من حلف من رواية الأشعث بل اقتصر على قوله فأنزل الله وساق الآية ووقع في رواية كردوس عن الأشعث فتهيأ الكندي لليمين وفي حديث وائل فانطلق ليحلف فلما ادبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ووقع في رواية الشعبي عن الأشعث فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان هو حلف كاذبا أدخله الله النار فذهب الأشعث فأخبره القصة فقال اصلح بيني وبينه قال فاصلح بينهما وفي حديث عدي بن عميرة فقال له امرؤ القيس ما لمن تركها يا رسول الله قال الجنة قال اشهد اني قد تركتها له كلها وهذا يؤيد ما أشرت اليه من تعدد القصة وفي الحديث سماع الحاكم الدعوى فيما لم يره إذا وصف وحدد وعرفه المتداعيان لكن لم يقع في الحديث تصريح بوصف ولا تحديد فاستدل به القرطبي على ان الوصف والتحديد ليس بلازم لذاته بل يكفي في صحة الدعوى تمييز المدعي به تمييزا ينضبط به قلت ولا يلزم من ترك ذكر التحديد والوصف في الحديث ان لا يكون ذلك وقع ولا يستدل بسكوت الراوي عنه بأنه لم يقع بل يطالب من جعل ذلك شرطا بدليله فإذا ثبت حمل على انه ذكر في الحديث ولم ينقله الراوي وفيه ان الحاكم يسأل المدعي هل له بينة وقد ترجم بذلك في الشهادات وان البينة على المدعي في الأموال كلها واستدل به لمالك في قوله ان من رضي بيمين غريمه ثم أراد إقامة البينة بعد حلفه انها لا تسمع الا ان اتى بعذر يتوجه له في ترك اقامتها قبل استحلافه قال بن دقيق العيد ووجه ان أو تقتضي أحد الشيئين فلو جاز إقامة البينة بعد الاستحلاف لكان له الامران معا والحديث يقتضي انه ليس له الا أحدهما قال وقد يجاب بأن المقصود من هذا الكلام نفي طريق أخرى لاثبات الحق فيعود المعنى الى حصر الحجة في البينة واليمين ثم أشار الى ان النظر الى اعتبار مقاصد الكلام وفهمه يضعف هذا الجواب قال وقد يستدل الحنفية به في ترك العمل بالشاهد واليمين في الأموال قلت والجواب عنه بعد ثبوت دليل العمل بالشاهد واليمين انها زيادة صحيحة يجب المصير إليها لثبوت ذلك بالمنطوق وانما يستفاد نفيه من حديث الباب بالمفهوم واستدل به على توجيه اليمين في الدعاوى كلها على من ليست له بينة وفيه بناء الاحكام على الظاهر وان كان المحكوم له في نفس الأمر مبطلا وفيه دليل للجمهور ان حكم الحاكم لا يبيح للإنسان ما لم يكن حلالا له خلافا لأبي حنيفة كذا اطلقه النووي وتعقب بأن بن عبد البر نقل الإجماع على ان الحكم لا يحل حراما في الباطن في الأموال قال واختلفوا في حل عصمة نكاح من عقد عليها بظاهر الحكم وهي في الباطن بخلافه فقال الجمهور الفروج كالاموال وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وبعض المالكية ان ذلك انما هو في الأموال دون الفروج وحجتهم في ذلك اللعان انتهى وقد طرد ذلك بعض الحنفية في بعض المسائل في الأموال والله اعلم وفيه التشديد على من حلف باطلا ليأخذ حق مسلم وهو عند الجميع محمول على من مات على غير توبة صحيحة وعند أهل السنة محمول على من شاء الله ان يعذبه كما تقدم تقريره مرارا وآخرها في الكلام على حديث أبي ذر في كتاب الرقاق وقوله ولا ينظر الله اليه قال في الكشاف هو كناية عن عدم الاحسان اليه عند من يجوز عليه النظر مجاز عند من لا يجوزه والمراد بترك التزكية ترك الثناء عليه وبالغضب إيصال الشر اليه وقال المازري ذكر بعض أصحابنا ان فيه دلالة على ان صاحب اليد أولى بالمدعى فيه وفيه التنبيه على صورة الحكم في هذه الأشياء لأنه بدأ بالطالب فقال ليس لك الا يمين الاخر ولم يحكم بها للمدعي عليه إذا حلف بل انما جعل اليمين تصرف دعوى المدعى لا غير ولذلك ينبغي للحاكم إذا حلف المدعي عليه ان لا يحكم له بملك المدعى فيه ولا بحيازته بل يقره على حكم يمينه واستدل به على انه لا يشترط في المتداعيين ان يكون بينهما اختلاط أو يكونا ممن يتهم بذلك ويليق به لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المدعى عليه هنا بالحلف بعد ان سمع الدعوى ولم يسأل عن حالهما وتعقب بأنه ليس فيه التصريح بخلاف ما ذهب اليه من قال به من المالكية لاحتمال ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم من حاله ما اغناه عن السؤال فيه وقد قال خصمه عنه انه فاجر لا يبالي ولا يتورع عن شيء ولم ينكر عليه ذلك ولو كان بريئا مما قال لبادر للانكار عليه بل في بعض طرق الحديث ما يدل على ان الغضب المدعى به وقع في الجاهلية ومثل ذلك تسمع الدعوى بيمينه فيه عندهم وفي الحديث أيضا ان يمين الفاجر تسقط عنه الدعوى وان فجوره في دينه لا يوجب الحجر عليه ولا ابطال اقراره ولولا ذلك لم يكن لليمين معنى وان المدعى عليه ان أقر ان أصل المدعي لغيره لا يكلف لبيان وجه مصيره اليه ما لم يعلم إنكاره لذلك يعني تسليم المطلوب له ما قال قال وفيه ان من جاء بالبينة قضى له بحقه من غير يمين لأنه محال ان يسأله عن البينة دون ما يجب له الحكم به ولو كانت اليمين من تمام الحكم له لقال له بينتك ويمينك على صدقها وتعقب بأنه لا يلزم من كونه لا يحلف مع بينته على صدقها فيما شهدت ان الحكم له لا يتوقف بعد البينة على حلفه بأنه ما خرج عن ملكه ولا وهبه مثلا وأنه يستحق قبضه فهذا وان كان لم يذكر في الحديث فليس في الحديث ما ينفيه بل فيه ما يشعر بالاستغناء عن ذكر ذلك لان في بعض طرقه ان الخصم اعترف وسلم المدعى به للمدعى فأغنى ذلك عن طلبه يمينه والغرض ان المدعى ذكر انه لا بينة له فلم تكن اليمين الا في جانب المدعى عليه فقط وقال القاضي عياض وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا البداءة بالسماع من الطالب ثم من المطلوب هل يقر أو ينكر ثم طلب البينة من الطالب ان انكر المطلوب ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب البينة وان الطالب إذا ادعى ان المدعى به في يد المطلوب فاعترف استغنى عن إقامة البينة بأن يد المطلوب عليه قال وذهب بعض العلماء الى ان كل ما يجري بين المتداعيين من تساب بخيانة وفجور هدر لهذا الحديث وفيه نظر لأنه انما نسبه الى الغصب في الجاهلية والى الفجور وعدم التوقي في الإيمان في حال اليهودية فلا يطرد ذلك في حق كل أحد وفيه موعظة الحاكم المطلوب إذا أراد ان يحلف خوفا من ان يحلف باطلا فيرجع الى الحق بالموعظة واستدل به القاضي أبو بكر بن الطيب في سؤال أحد المتناظرين صاحبه عن مذهبه فيقول له الك دليل على ذلك فان قال نعم سأله عنه ولا يقول له ابتداء ما دليلك على ذلك ووجه الدلالة انه صلى الله عليه وسلم قال للطالب الك بينة ولم يقل له قرب بينتك وفيه إشارة الى ان لليمين مكانا يختص به لقوله في بعض طرقه فانطلق ليحلف وقد عهد في عهده صلى الله عليه وسلم الحلف عند منبره وبذلك احتج الخطابي فقال كانت المحاكمة والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فانطلق المطلوب ليحلف فلم يكن انطلاقه الا الى المنبر لأنه كان في المسجد فلا بد ان يكون انطلاقه الى موضع أخص منه وفيه ان الحالف يحلف قائما لقوله فلما قام ليحلف وفيه نظر لان المراد بقوله قام ما تقدم من قوله انطلق ليحلف واستدل به للشافعي أن من اسلم وبيده مال لغيره انه يرجع الى مالكه إذا أثبته وعن الملاكية اختصاصه بما إذا كان المال لكفار واما إذا كان لمسلم وأسلم عليه الذي هو بيده فإنه يقر بيده والحديث حجة عليهم وقال بن المنير في الحاشية يستفاد منه ان الآية المذكورة في هذا الحديث نزلت في نقض العهد وان اليمين الغموس لا كفارة فيها لان نقض العهد لا كفارة فيه كذا قال وغايته انها دلالة اقتران وقال النووي يدخل في قوله من اقتطع حق امرئ مسلم من حلف على غير مال كجلد الميتة والسرجين وغيرهما مما ينتفع به وكذا سائر الحقوق كنصيب الزوجة بالقسم واما التقييد بالمسلم فلا يدل على عدم تحريم حق الذمي بل هو حرام أيضا لكن لا يلزم ان يكون فيه هذه العقوبة العظيمة وهو تأويل حسن لكن ليس في الحديث المذكور دلالة على تحريم حق الذمي بل ثبت بدليل اخر والحاصل ان المسلم والذمي لا يفترق الحكم في الأمر فيهما في اليمين الغموس والوعيد عليها وفي اخذ حقهما باطلا وانما يفترق قدر العقوبة بالنسبة إليهما قال وفيه غلظ تحريم حقوق المسلمين وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره في ذلك وكأن مراده عدم الفرق في غلظ التحريم لا في مراتب الغلظ وقد صرح بن عبد السلام في القواعد بالفرق بين القليل والكثير وكذا بين ما يترتب عليه كثير المفسدة وحقيرها وقد ورد الوعيد في الحالف الكاذب في حق الغير مطلقا في حديث أبي ذر ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم الحديث وفيه والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أخرجه مسلم وله شاهد عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ ورجل حلف على سلعته بعد العصر كاذبا

قوله باب اليمين فيما لا يملك وفي المعصية والغضب ذكر فيه ثلاثة أحاديث يؤخذ منها حكم ما في الترجمة على الترتيب وقد تؤخذ الاحكام الثلاثة من كل منها ولو بضرب من التأويل وقد ورد في الأمور الثلاثة على غير شرط حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا نذر ولا يمين فيما لا يملك بن آدم أخرجه أبو داود والنسائي ورواته لا بأس بهم لكن اختلف في سنده على عمرو وفي بعض طرقه عند أبي داود ولا في معصية وللطبراني في الأوسط عن بن عباس رفعه لا يمين في غضب الحديث وسنده ضعيف

[ 6300 ] الحديث الأول حديث أبي موسى في قصة طلبهم الحملان في غزوة تبوك اقتصر منه على بعضه وفيه فقال لا أحملكم وقد ساقه تاما في غزوة تبوك بالسند المذكور هنا وفيه فقال والله لا أحملكم وهو الموافق للترجمة وأشار بقوله فيما لا يملك الى ما وقع في بعض طرقه كما سيأتي في باب الكفارة قبل الحنث فقال والله لا احملكم وما عندي ما احملكم وقد احلت بشرح الحديث على الباب المذكور قال بن المنير فهم بن بطال عن البخاري انه نحا بهذه الترجمة لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل ملك الرقبة فنقل الاختلاف في ذلك وبسط القول فيه والحجج والذي يظهر ان البخاري قصد غير هذا وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم حلف ان لا يحملهم فلما حملهم راجعوه في يمينه فقال ما انا حملتكم ولكن الله حملكم فبين ان يمينه انما انعقدت فيما يملك فلو حملهم على ما يملك لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملكه ملكا خاصا وهو مال الله وبهذا لا يكون قد حنث في يمينه وأما قوله عقب ذلك لا احلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها فهو تأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرا منه لأحنثت نفسي وكفرت عن يميني قال وهم انما سألوه ان يحملهم ظنا انه يملك حملانا فحلف لا يحملهم على شيء يملكه لكونه كان حينئذ لا يملك شيئا من ذلك قال ولا خلاف ان من حلف على شيء وليس في ملكه انه لا يفعل فعلا معلقا بذلك الشيء مثل قوله والله لان ركبت مثلا هذا البعير لأفعلن كذا لبعير لا يملكه انه لو ملكه وركبه حنث وليس هذا من تعليق اليمين على املك قلت وما قاله محتمل وليس ما قاله بن بطال أيضا ببيعد بل هو أظهر وذلك ان الصحابة الذين سألوا الحملان فهموا انه حلف وانه فعل خلاف ما حلف أنه لا يفعله فلذلك لما أمرهم بالحملان بعد قالوا تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه وظنوا أنه نسي حلفه الماضي فأجابهم أنه لم ينس ولكن الذي فعله خير مما حلف عليه وانه إذا حلف فرأى خيرا من يمينه فعل الذي حلف أن لا يفعله وكفر عن يمينه وسيأتي واضحا في باب الكفارة قبل الحنث ويأتي مزيد لمسألة اليمين فيما لا يملك في باب النذر فيما لا يملك ان شاء الله تعالى

[ 6301 ] الحديث الثاني ذكر طرفا من حديث الإفك وعبد العزيز شيخه هو بن عبد الله الأويسي وإبراهيم هو بن سعد وصالح هو بن كيسان وحجاج شيخه في السند الثاني هو بن المنهال وقد أورده عن عبد العزيز بطوله في المغازي وأورد عن حجاج بهذا السند أيضا منه قطعة في الشهادات تتعلق بقول بريرة ما علمت الا خيرا وقطعة في الجهاد فيمن أراد سفرا فأقرع بين نسائه وقطعة في تفسير سورة يوسف مقرونا أيضا برواية عبد العزيز في قول يعقوب فصبر جميل وقطعة في غزوة بدر في قصة أم مسطح وقول عائشة لها تسبين رجلا شهد بدرا وقطعة في التوحيد في قول عائشة ما كنت اظن ان الله ينزل في شأني وحيا يتلى ومجموع ما أورده عنه لا يجئ قدر عشر الحديث والغرض منه قوله فيه قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح والله لا انفق على مسطح وهو موافق لترك اليمين في المعصية لأنه حلف ان لا ينفع مسطحا لكلامه في عائشة فكان حالفا على ترك طاعة فنهى عن الاستمرار على ما حلف عليه فيكون النهي عن الحلف عل فعل المعصية بطريق الأولى والظاهر من حاله عند الحلف ان يكون قد غضب على مسطح من اجل قوله الذي قاله وقال الكرماني لا مناسبة لهذا الحديث بالجزءين الأولين الا ان يكون قاسما على الغضب أو المراد بقوله وفي المعصية وفي شأن المعصية لأن الصديق حلف بسبب افك مسطح والافك من المعصية وكذا كل من لا يملك الشخص فالحلف عليه موجب للتصرف فيما لا يملكه قبل ذلك أي ليس له ان يفعله شرعا انتهى ولا يخفى تكلفه والأولى انه لا يلزم ان يكون كل خبر في الباب يطابق جميع ما في الترجمة ثم قال الكرماني الظاهر انه من تصرفات النقلة من أصل البخاري فإنه مات وفيه مواضع مبيضة من تراجم بلا حديث وأحاديث بلا ترجمة فأضافوا بعضا الى بعض قلت وهذا انما يصار اليه إذا لم تتجه المناسبة وقد بينا توجيهها والله اعلم الحديث الثالث

[ 6302 ] قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو وعبد الوارث هو بن سعيد وأيوب هو السختياني والقاسم هو بن عاصم وزهدم هو بن مضرب الجرمي والجميع بصريون وقوله فوافقته وهو غضبان مطابق لبعض الترجمة وفي القصة نحو ما في قصة أبي بكر من الحلف على ترك طاعة لكن بينهما فرق وهو ان حلف النبي صلى الله عليه وسلم وافق ان لا شيء عنده مما حلف عليه بخلاف حلف أبي بكر فإنه حلف وهو قادر على فعل ما حلف على تركه قال بن المنير لم يذكر البخاري في الباب ما يناسب ترجمة اليمين على المعصية الا ان يريد بيمين أبي بكر على قطيعه مسطح وليست بقطيعة بل هي عقوبة له على ما ارتكب من المعصية بالقذف ولكن يمكن ان يكون أبو بكر حلف على خلاف الأولى فإذا نهى عن ذلك حتى احنث نفسه فعل ما حلف على تركه فمن حلف على فعل المعصية يكون أولى قال وكذلك قوله فأرى خيرا منها يقتضى ان الحنث لفعل ما هو الأولى يقتضي الحنث لترك ما هو معصية بطريق الأولى قال ولهذا يقضى بحنث من حلف على معصية من قبل ان يفعلها انتهى والقضاء المذكور عند المالكية كما سيأتي بسطه في باب النذر في المعصية قال بن بطال في حديث أبي موسى الرد على من قال ان يمين الغضبان لغو

قوله باب إذا قال والله لا اتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح الى ان قال فهو على نيته أي ان أراد إدخال القراءة والذكر حنث إذا قرأ أو ذكر وان أراد ان لا يدخلهما لم يحنث ولم يتعرض لما إذا اطلق والجمهور على أنه لا يحنث وعن الحنفية يحنث وفرق بعض الشافعية بين القرآن فلا يحنث به ويحنث بالذكر وحجة الجمهور ان الكلام في العرف ينصرف الى كلام الادميين وانه لا يحنث بالقراءة والذكر داخل الصلاة فليكن كذلك خارجها ومن الحجة في ذلك الحديث الذي عند مسلم ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس انما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فحكم للذكر والقراءة بغير حكم كلام الناس وقال بن المنير معنى قول البخاري هو على نيته أي العرفية قال ويحتمل ان يكون مراده انه لا يحنث بذلك الا ان نوى ادخاله في نيته فيؤخذ منه حكم الإطلاق قال ومن فروع المسألة لو حلف لا كلمت زيدا ولا سلمت عليه فصلى خلفه فسلم الامام وسلم المأموم التسليمة التي يخرج بها من الصلاة فلا يحنث بها جزما بخلاف التسليمة التي يرد بها على الامام فلا يحنث أيضا لأنها ليست مما ينويه الناس عرفا وفيه الخلاف انتهى وهو على مذهبهم ويأتي نظيره عندنا في التسليمة الثانية إذا كان من حلف لا يكلمه عن يساره فلا يحنث الا ان قصد الرد عليه قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الكلام أربع سبحان الله الخ هذا من الأحاديث التي لم يصلها البخاري في موضع آخر وقد وصله النسائي من طريق ضرار بن مرة عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعا بلفظه وأخرجه مسلم من حديث سمرة بن جندب لكن بلفظ احب بدل أفضل وأخرجه بن حبان من هذا الطريق بلفظ أفضل ولحديث أبي هريرة طريق أخرى أخرجها النسائي وصححها بن حبان من طريق أبي حمزة السكري عن الأعمش عن أبي صالح عنه بلفظ خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت فذكره وأخرجه أحمد عن وكيع عن الأعمش فأبهم الصحابي وأخرجه النسائي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن السلولي عن كعب الأحبار من قوله وقد بينت معاني هذه الألفاظ الأربعة في باب فضل التسبيح من كتاب الدعوات قوله وقال أبو سفيان كتب النبي صلى الله عليه وسلم الى هرقل تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم هذا طرف ذكره بالمعنى من الحديث الطويل وقد شرحته بطوله في أول الصحيح وفي تفسير آل عمران والغرض منه ومن جميع ما ذكر في الباب ان ذكر الله من جملة الكلام وإطلاق كلمة على مثل سبحان الله وبحمده من إطلاق البعض على الكل قوله وقال مجاهد كلمة التقوى لا إله إلا الله وصله عبد بن حميد من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهد بهذا موقوفا على مجاهد وقد جاء مرفوعا من أحاديث جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب وأبو هريرة وابن عباس وسلمة بن الأكوع وابن عمر أخرجها كلها أبو بكر بن مردويه في تفسيره وحديث أبي عند الترمذي وذكر انه سأل أبا زرعة عنه فلم يعرفه مرفوعا الا من هذا الوجه وأخرجه أبو العباس البريقي في جزئه المشهور موقوفا على جماعة من الصحابة والتابعين ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث حديث سعيد بن المسيب عن أبيه لما حضرت أبا طالب الوفاة الحديث مختصر وقد تقدم بتمامه وشرحه في السيرة النبوية والغرض منه قوله صلى الله عليه وسلم قل لا إله إلا الله كلمة احاج بضم أوله وتشديد آخره وأصله احاجج والمراد أظهر لك بها الحجة وحديث أبي هريرة كلمتان خفيفتان على اللسان الحديث وقد تقدم في الدعوات ويأتي شرحه مستوفى في آخر الكتاب وحديث عبد الله وهو بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى الحديث وقد مضى الكلام عليه في أوائل كتاب الجنائز وذكرت ما وقع للنووي فيه ووقع في تفسير البقرة بيان الكلمة المرفوعة من الكلمة الموقوفة قال الكرماني المتجه ان يقول من مات لا يجعل لله ندا لا يدخل النار لكن لما كان دخول الجنة محققا للموحد جزم به ولو كان آخرا

قوله باب من حلف ان لا يدخل على أهله شهرا وكان الشهر تسعا وعشرين أي ثم دخل فإنه لا يحنث هذا يتصور إذا وقع الحلف أول جزء من الشهر اتفاقا فان وقع في اثناء الشهر ونقص هل يتعين ان يلفق ثلاثين أو يكتفي بتسع وعشرين فالأول قول الجمهور وقالت طائفة منهم بن عبد الحكم من المالكية بالثاني وقد تقدم بيان ذلك في آخر شرح حديث عمر الطويل في آخر النكاح ومضى الكلام على تفسير الايلاء وعلى حديث أنس المذكور في هذا الباب في باب الايلاء واحتج الطحاوي للجمهور بالحديث الصحيح الماضي في الصيام بلفظ الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإذا غم عليكم فأكملوا ثلاثين قال فأوجب عليهم إذا أغمى ثلاثين وجعله على الكمال حتى يروا الهلال قبل ذلك قلت وهذا انما يحتج به على من زعم انه إذا وقعت يمينه في اثناء الشهر ان يكتفى بتسع وعشرين سواء كان ذلك الشهر الذي حلف فيه تسعا وعشرين أو ثلاثين وقد نقل هو هذا المذهب عن قوم وأما قول بن عبد الحكم فانما يصلح تعقبه بحديث عائشة قالت لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشهر تسع وعشرون وانما والله اعلم بما قال في ذلك انه قال حين هجرنا لأهجرنكن شهرا ثم جاء لتسع وعشرين فسألته فقال ان شهرنا هذا كان تسعا وعشرين قال الطحاوي بعد تخريجه يعرف بذلك ان يمينه كانت مع رؤية الهلال كذا قال وليس ذلك صريحا في الحديث والله اعلم

قوله باب إذا حلف ان لا يشرب نبيذا فشرب طلاء في رواية الطلاء بزيادة لام قوله أو سكرا بفتح المهملة وتخفيف الكاف قوله أو عصيرا لم يحنث في قول بعض الناس وليست هذه بأنبذة عنده في رواية الكشميهني وليس وقد تقدم تفسير الطلاء والسكر والنبيذ في كتاب الأشربة قال المهلب الذي عليه الجمهور ان من حلف ان لا يشرب النبيذ بعينه لا يحنث بشرب غيره ومن حلف لا يشرب نبيذا لما يخشى من السكر به فإنه يحنث بكل ما يشربه مما يكون فيه المعنى المذكور فان سائر الأشربة من الطبيخ والعصير تسمى نبيذا لمشابهتها له في المعنى فهو كمن حلف لا يشرب شرابا وأطلق فإنه يحنث بكل ما يقع عليه اسم شراب قال بن بطال ومراد البخاري ببعض الناس أبو حنيفة ومن تبعه فانهم قالوا ان الطلاء والعصير ليسا بنبيذ لأن النبيذ في الحقيقة ما نبذ في الماء ونقع فيه ومنه سمى المنبوذ منبوذا لأنه نبذ أي طرح فأراد البخاري الرد عليهم وتوجيهه من حديثي الباب ان حديث سهل يقتضي تسمية ما قرب عهده بالانتباذ نبيذا وان حل شربه وقد تقدم في الأشربة من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له ليلا فيشربه غدوة وينبذ له غدوة فيشربه عشية وحديث سودة يؤيد ذلك فانها ذكرت انهم صاروا ينتبذون في جلد الشاة التي ماتت وما كانوا ينبذون الا ما يحل شربه ومع ذلك كان يطلق عليه اسم نبيذ فالنقيع في حكم النبيذ الذي لم يبلغ حد السكر والعصير من العنب الذي بلغ حد السكر في معنى النبيذ من التمر الذي بلغ حد السكر وزعم بن المنير في الحاشية ان الشارح بمعزل عن مقصود البخاري هنا قال وانما أراد تصويب قول الحنفية ومن ثم قال لم يحنث ولا يضره قوله بعده في قول بعض الناس فإنه لو أراد خلافه لترجم على انه يحنث وكيف يترجم على وفق مذهب ثم يخالفه انتهى والذي فهمه بن بطال أوجه وأقرب الى مراد البخاري والحاصل ان كل شيء يسمى في العرف نبيذا يحنث به الا ان نوى شيئا بعينه فيختص به والطلاء يطلق على المطبوخ من عصير العنب وهذا قد ينعقد فيكون دبسا وربا فلا يسمى نبيذا أصلا وقد يستمر مائعا ويسكر كثيره فيسمى في العرف نبيذا بل نقل ذلك بن التين عن أهل اللغة ان الطلاء جنس من الشراب وعن بن فارس انه من أسماء الخمر وكذلك السكر يطلق على العصير قبل ان يتخمر وقيل هو ما اسكر منه ومن غيره ونقل الجوهري ان نبيذ التمر والعصير ما يعصر من العنب فيسمى بذلك ولو تخمر وقد مضى شرح حديث سهل في الوليمة من كتاب النكاح وعلى شيخه هو بن المديني وأما حديث سودة فهي بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية من بني عامر بن لؤي القرشية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة وهو بمكة ودخل بها قبل الهجرة

[ 6308 ] قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله فدبغنا مسكها بفتح الميم وبالمهملة أي جلدها قوله حتى صار شنا بفتح المعجمة وتشديد النون أي باليا والشنة القربة العتيقة وقد اخرج النسائي من طريق مغيرة بن مقسم عن الشعبي عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في دباغ جلد الشاة الميتة غير هذا وأشار المزي في الأطراف الى ان ذلك علة لرواية إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي التي في الباب وليس كذلك بل هما حديثان متغايران في السياق وان كان كل منهما من رواية الشعبي عن بن عباس ورواية مغيرة هذه توافق لفظ رواية عطاء عن بن عباس عن ميمونة وهي عند مسلم وأخرجها البخاري من رواية عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس بغير ذكر ميمونة ولا ذكر الدباغ فيه ومضى الكلام على ذلك مستوفي في اواخر كتاب الأطعمة قال بن أبي جمرة في حديث سودة الرد على من زعم ان الزهد لا يتم الا بالخروج عن جميع ما يتملك لأن موت الشاة يتضمن سبق ملكها واقتنائها وفيه جواز تنمية المال لأنهم أخذوا جلد الميتة فدبغوه فانتفعوا به بعد ان كان مطروحا وفيه جواز تناول ما يهضم الطعام لما دل عليه الانتباذ وفيه إضافة الفعل الى المالك وان باشره غيره كالخادم اه ملخصا

قوله باب إذا حلف ان لا يأتدم فأكل تمرا بخبز أي هل يكون مؤتدما فيحنث أم لا قوله وما يكون منه الأدم هي جملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء أي وباب بيان ما يحصل به الائتدام ذكر فيه حديثين حديث عائشة ما شيع آل محمد من خبز بر مأدوم وهو طرف من حديث مضى في الأطعمة بتمامه وكذا التعليق المذكور بعده عن محمد بن كثير مضى ذكر من وصله عنه وعابس بمهملة وبعد الالف موحدة ثم مهملة وقوله في آخره قال لعائشة بهذا قال الكرماني أي روى عنها أو قال لها مستفهما ما شبع آل محمد فقالت نعم قلت والواقع خلاف هذا التقدير وهو بين فيما أخرجه الطبراني والبيهقي من وجهين آخرين وهو ان عابسا قال لعائشة انهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الأضاحي فذكر الحديث وفي آخره ما شبع الخ والنكتة في إيراده طريق محمد بن كثير الإشارة الى ان عابسا لقى عائشة وسألها لرفع ما يتوهم في العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع وقد تقدم شرح الحديث في كتاب الرقاق الثاني حديث أنس في قصة اقراص الشعير وأكل القوم وهم سبعون أو ثمانون رجلا حتى شبعوا وقد مضى شرحه في علامات النبوة والقصد منه

[ 6310 ] قوله فأمر بالخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته أي خلطت ما حصل من السمن بالخبز المفتوت قال بن المنير وغيره مقصود البخاري الرد على من زعم انه لا يقال ائتدم الا إذا أكل بما اصطبغ به قال ومناسبته لحديث عائشة ان المعلوم انها ارادت نفي الادام مطلقا بقرينة ما هو معروف من شظف عيشهم فدخل فيه التمر وغيره وقال الكرماني وجه المناسبة ان التمر لما كان موجودا عندهم وهو غالب اقواتهم وكانوا شباعى منه علم ان أكل الخبر به ليس ائتداما قال ويحتمل ان يكون ذكر هذا الحديث في هذا الباب لأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم لكونه لم يجد شيئا على شرطه قال ويحتمل ان يكون إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة من تصرف النقلة قلت والأول مباين لمراد البخاري والثاني هو المراد لكن بأن ينضم اليه ما ذكره بن المنير والثالث بعيد جدا قال بن المنير وأما قصة أم سليم فظاهره المناسبة لان السمن اليسير الذي فضل في قعر العكة لا يصطبغ به الاقراص التي فتتها وانما غايته ان يصير في الخبز من طعم السمن فأشبه ما إذا خالط التمر عند الأكل ويؤخذ منه ان كل شيء يسمى عند الإطلاق اداما فان الحالف ان لا يأتدم يحنث إذا اكله مع الخبز وهذا قول الجمهور سواء كان يصطبغ به أم لا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يحنث إذا ائتدم بالجبن والبيض وخالفهما محمد بن الحسن فقال كل شيء يؤكل مع الخبز مما الغالب عليه ذلك كاللحم المشوي والجبن ادم وعن المالكية يحنث بكل ما هو عند الحالف ادم وكل قوم عادة ومنهم من استثنى الملح جريشا كان أو مطيبا تنبيه من حجة الجمهور حديث عائشة في قصة بريدة فدعا بالغداء فاتى بخبز وادام من ادم البيت الحديث وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه وترجم له المصنف في الأطعمة باب الأدم قال بن بطال دل هذا الحديث على ان كل شيء في البيت مما جرت العادة بالإئتدام به يسمى ادما مائعا كان أو جامدا وكذا حديث تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة وأدامهم زائدة كبد الحوت وقد تقدم شرحه في كتاب الرقاق وفي خصوص اليمين المذكورة في الترجمة حديث يوسف بن عبد الله بن سلام رأيت النبي صلى الله عليه وسلم اخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال هذه ادام هذه أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن قال بن القصار لا خلاف بين أهل اللسان ان من أكل خبزا بلحم مشوي انه ائتدم به فلو قال اكلت خبزا بلا ادام كذب وان قال اكلت خبزا بإدام صدق واما قول الكوفيين الادام اسم للجمع بين الشيئين فدل على ان المراد ان يستهلك الخبز فيه بحيث يكون تابعا له بأن تتداخل اجزاؤه في اجزائه وهذ لا يحصل الا بما يصطبغ به فقد أجاب من خالفهم بأن الكلام الأول مسلم لكن دعوى التداخل لا دليل عليه قبل التناول وانما المراد الجمع ثم الاستهلاك بالأكل فيتداخلان حينئذ

قوله باب النية في الأيمان بفتح الهمزة للجميع وحكى الكرماني ان في بعض النسخ بكسر الهمزة ووجهه بأن مذهب البخاري ان الأعمال داخلة في الإيمان قلت وقرينة ترجمة كتاب الإيمان والنذور كافية في توهين الكسر وعبد الوهاب المذكور في السند هو بن عبد المجيد الثقفي ومحمد بن إبراهيم هو التيمي وقد تقدم شرح حديث الأعمال في أول بدء الوحي ومناسبته للترجمة ان اليمين من جملة الأعمال فيستدل به على تخصيص الألفاظ بالنية زمانا ومكانا وان لم يكن في اللفظ ما يقتضي ذلك كمن حلف ان لا يدخل دار زيد وأراد في شهر أو سنة مثلا أو حلف ان لا يكلم زيدا مثلا وأراد في منزله دون غيره فلا يحنث إذا دخل بعد شهر أو سنة في الأولى ولا إذا كلمه في دار أخرى في الثانية واستدل به الشافعي ومن تبعه فيمن قال ان فعلت كذا فأنت طالق ونوى عددا انه يعتبر العدد المذكور وان لم يلفظ به وكذا من قال ان فعلت كذا فأنت بائن ان نوى ثلاثا بانت وان نوى ما دونها وقع ما نوى رجعيا وخالف الحنفية في الصورتين واستدل به على ان اليمين على نية الحالف لكن فيما عدا حقوق الادميين فهي على نية المستحلف ولا ينتفع بالتورية في ذلك إذا اقتطع بها حقا لغيره وهذا إذا تحاكما واما في غير المحاكمة فقال الأكثر نية الحالف وقال مالك وطائفة نية المحلوف له وقال النووي من ادعى حقا على رجل فأحلفه الحاكم انعقدت يمينه على ما نواه الحاكم ولا تنفعه التورية اتفاقا فان حلف بغير استحلاف الحاكم نفعت التورية الا انه ان أبطل بها حقا اثم وان لم يحنث وهذا كله إذا حلف بالله فان حلف بالطلاق أو العتاق نفعته التورية ولو حلفه الحاكم لان الحاكم ليس له ان يحلفه بذلك كذا اطلق وينبغي فيما إذا كان الحاكم يرى جواز التحليف بذلك ان لا تنفعه التورية

قوله باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة كذا للجميع الا للكشميهني فعنده والقرية بدل التوبة وكذا رأيته في مستخرج الإسماعيلي قال الكرماني وقوله أهدى أي تصدق بماله ا جعله هدية للمسلمين وهذا الباب هو أول أبواب النذور والنذر في اللغة التزام خير أو شر وفي الشرع التزام المكلف شيئا لم يكن عليه منجزا أو معلقا وهو قسمان نذر تبرر ونذر لجاج ونذر التبرر قسمان أحدهما ما يتقرب به ابتداء كلله على ان اصوم كذا ويلتحق به ما إذا قال لله علي ان اصوم كذا شكرا على ما انعم به علي من شفاء مريضي مثلا وقد نقل بعضهم الاتفاق على صحته واستحبابه وفي وجه شاذ لبعض الشافعية انه لا ينعقد والثاني ما يتقرب به معلقا بشيء ينتفع به إذا حصل له كإن قدم غائبي أو كفاني شر عدوي فعلى صوم كذا مثلا والمعلق لازم اتفاقا وكذا لمنجز في الراجح ونذر اللجاج قسمان أحدهما ما يعلقه على فعل حرام أو ترك واجب فلا ينعقد في الراجح الا ان كان فرض كفاية أو كان في فعله مشقة فيلزمه ويلتحق به ما يعلقه على فعل مكروه والثاني ما يعلقه على فعل خلاف الأولى أو مباح أو ترك مستحب وفيه ثلاثة أقوال للعلماء الوفاء أو كفارة يمين أو التخيير بينهما واختلف الترجيح عند الشافعية وكذا عند الحنابلة وجزم الحنفية بكفارة اليمين في الجميع والمالكية بأنه لا ينعقد أصلا

[ 6312 ] قوله أخبرني يونس هو بن يزيد الأيلي قوله عن عبد الله بن كعب هو والد عبد الرحمن الراوي عنه وقد مضى في تفسير سورة براءة عن أحمد بن صالح حدثني بن وهب أخبرني يونس قال أحمد وحدثنا عنبسة حدثنا يونس عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن كعب أخبرني عبد الله بن كعب ثم أخرجه من طريق إسحاق بن راشد عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قوله سمعت كعب بن مالك يقول في حديثه وعلى الثلاثة الذين خلفوا أي الحديث الطويل في قصة تخلفه في غزوة تبوك ونهى النبي صلى اله عليه وسلم عن كلامه وكلام رفيقيه وقد تقدم بطوله مع شرحه في المغازي لكن بوجه آخر عن بن شهاب قوله فقال في آخر حديثه ان من توبتي ان انخلع بنون وخاء معجمة أي اعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه قوله أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك زاد أبو داود عن أحمد بن صالح بهذا السند فقلت اني امسك سهمي الذي بخيبر وهو عند المصنف من وجه آخر عن بن شهاب ووقع في رواية بن إسحاق عن الزهري بهذا السند عند أبي داود بلفظ ان من توبتي ان اخرج من مالي كله لله ورسوله صدقة قال لا قلت فنصفه قال لا قلت فثلثه قال نعم قلت فاني امسك سهمي الذي بخيبر واخرج من طريق بن عيينة عن الزهري عن بن كعب بن مالك عن أبيه انه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه واني انخلع من مالي كله صدقة قال يجزئ عنك الثلث وفي حديث أبي لبابة عند أحمد وأبي داود نحوه وقداختلف السلف فيمن نذر ان يتصدق بجميع ماله على عشرة مذاهب فقال مالك يلزمه الثلث لهذا الحديث ونوزع في ان كعب بن مالك لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه بل يحتمل انه نجز النذر ويحتمل ان يكون اراده فاستأذن والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه وانما الظاهر انه أراد ان يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ماله شكرا لله تعالى على ما انعم به عليه وقال الفاكهاني في شرح العمدة كان الأولى لكعب أن يستشير ولا يستبد برأيه لكن كأنه قامت عنده حال لفرح بتوبته ظهر له فيها ان التصدق بجميع ماله مستحق عليه في الشكر فأورد الاستشارة بصيغة الجزم انتهى وكأنه أراد انه استبد برأيه في كونه جزم بأن من توبته ان ينخلع من جميع ماله الا انه نجز ذلك وقال بن المنير لم يبت كعب الانخلاغ بل استشار هل يفعل اولا قلت ويحتمل ان يكون استفهم وحذفت أداة الاستفهام ومن ثم كان الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء لمن التزم ان يتصدق بجميع ماله الا إذا كان على سبيل القربة وقيل ان كان مليا لزمه وان كان فقيرا فعليه كفارة يمين وهذا قول الليث ووافقه بن وهب وزاد وان كان متوسطا يخرج قدر زكاة ماله والاخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة وعن الشعبي وابن أبي لبابة لا يلزم شيء أصلا وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس وقيل يلزم الكل الا في نذر اللجاج فكفارته يمين وعن سحنون يلزمه ان يخرج مالا يضر به وعن الثوري والأوزاعي وجماعة يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل وإذا تقرر ذلك فمناسبة حديث كعب للترجمة ان معنى الترجمة ان من أهدى أو تصدق بجميع ماله إذا تاب من ذنب او إذا نذر هل ينفذ ذلك إذا نجزه أو علقه وقصة كعب منطبقة على الأول وهو التنجيز لكن لم يصدر منه تنجيز كما تقرر وانما استشار فأشير عليه بامساك البعض فيكون الأولى لمن أراد ان ينجز التصدق بجميع ماله أو يعلقه ان يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك انه لو نجزه لم ينفذ وقد تقدمت الإشارة في كتاب الزكاة الى ان التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال فمن كان قويا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وايثار الأنصار على أنفسهم المهاجرين ولو كان بهم خصاصة ومن لم يكن كذلك فلا وعليه يتنزل لا صدقة الا عن ظهر غنى وفي لفظ أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى قال بن دقيق العيد في حديث كعب ان للصدقة اثرا في محو الذنوب ومن ثم شرعت الكفارة المالية ونازعه الفاكهاني فقال التوبة تجب ما قبلها وظاهر حال كعب انه أراد فعل ذلك على جهة الشكر قلت مراد الشيخ انه يؤخذ من قول كعب ان من توبتي الخ ان للصدقة اثرا في قبول التوبة التي يتحقق بحصولها محو الذنوب والحجة فيه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على القول المذكور

قوله باب إذا حرم طعاما في رواية غير أبي ذر طعامه وهذا من امثله نذر اللجاج وهو ان يقول مثلا طعام كذا أو شراب كذا على حرام أو نذرت أو لله على ان لا آكل كذا أو لا اشرب كذا والراجح من أقوال العلماء ان ذلك لا ينعقد الا ان قرنه بحلف فيلزمه كفارة يمين قوله وقوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك وزاد غير أبي ذر الى قوله تحلة ايمانكم وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك في كتاب الطلاق وهل نزلت الآية في تحريم مارية أو في تحريم شرب العسل والى الثاني أشار المصنف حيث ساقه في البا ويؤخذ حكم الطعام من حكم الشراب قال بن المنذر اختلف فيمن حرم على نفسه طعاما أو شرابا يحل فقالت طائفة لا يحرم عليه وتلزمه كفارة يمين وبهذا قال أهل العراق وقالت طائفة لا تلزمه الكفارة الا ان حلف والى ترجيح هذا القول أشار المصنف بإيراد الحديث لقوله وقد حلفت وهو قول مسروق والشافعي ومالك لكن استثنى مالك المرأة فقال تطلق قال إسماعيل القاضي الفرق بين المرأة والامة انه لو قال امرأتي على حرام فهو فراق التزمه فتطلق ولو قال لأمته من غير ان يحلف فإنه الزم نفسه ما لم يلزمه فلا تحرم عليه أمته قال الشافعي لا يقع عليه شيء إذا لم يحلف الا إذا نوى الطلاق فتطلق أو العتق فتعتق وعنه يلزمه كفارة يمين قوله وقوله تعالى لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم كأنه يشير الى ما أخرجه الثوري في جامعة وابن المنذر من طريقه بسند صحيح عن بن مسعود انه جئ عنده بطعام فتنحى رجل فقال اني حرمته ان لا آكله فقال اذن فكل وكفر عن يمينك ثم تلا هذه الآية الى قوله لا تعتدوا قال بن المنذر وقد تمسك بعض من أوجب الكفارة ولو لم يحلف بما وقع في حديث أبي موسى في قصة الرجل الجرمي والدجاج وتلك رواية مختصرة وقد ثبت في بعض طرقه الصحيحة ان الرجل قال حلفت ان لا آكله قلت وقد أخرجه الشيخان في الصحيحين كذلك

[ 6313 ] قوله حدثنا الحسن بن محمد هو الزعفراني والحجاج بن محمد هو المصيصي قوله زعم عطاء وقع في رواية الإسماعيلي من وجه اخر عن حجاج قال قال بن جريج عن عطاء وكذا في رواية هشام بن يوسف المذكورة في آخر الباب قوله في آخر الباب فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ان تتوبا الى الله لعائشة وحفصة وإذ اسر النبي الى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا قلت اشكل هذا السياق على بعض من لم يمارس طريقة البخاري في الاختصار وذلك ان الحديث في الأصل عنده بتمامه كما تقدم في التفسير والنكاح والطلاق فلما أراد اختصاره هنا اقتصر منه على الكلمات التي تتعلق باليمين من الآيات مضيفا لها تسمية من ابهم فيها من آدمي وغيره فلما ذكر ان تتوبا فسرهما بعائشة وحفصة ولما ذكر اسر حديثا فسره بقوله لا بل شربت عسلا قوله وقال إبراهيم بن موسى كذا لأبي ذر ولغيره قال لي إبراهيم بن موسى وقد تقدم في التفسير بلفظ حدثنا إبراهيم بن موسى قوله عن هشام هو بن يوسف وصرح به في التفسير وقد اختصر هنا بعض السند ومراده ان هشاما رواه عن بن جريج بالسند المذكور والمتن الى قوله ولن اعود فزاد له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحد

قوله باب الوفاء بالنذر أي حكمه أو فضله قوله وقول الله تعالى يوفون بالنذر يؤخذ منه أن الوفاء به قربة للثناء على فاعله لكن ذلك مخصوص بنذر الطاعة وقد أخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله تعالى يوفون بالنذر قال إذا نذروا في طاعة الله قال القرطبي النذر من العقود المأمور بالوفاء بها الثنى على فاعلها وأعلى أنواعه ما كان غير معلق على شيء كمن يعافى من مرض فقال لله علي أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا شكرا لله تعالى ويليه المعلق على فعل طاعة كإن شفي الله مريضي صمت كذا أو صليت وما عدا هذا من أنواعه كنذر الحجاج كمن يستثفل عبده فينذر أن يعتقه ليتخلص من صحبته فلا يقصد القربة بذلك أو يحمل على نفسه فينذر صلاة كثيرة أو صوما مما يشق عليه فعله ويتضرر بفعله فإن ذلك يكره وقد يبلغ بعضه التحريم

[ 6314 ] قوله حدثنا يحيى بن صالح هو الوحاظي بضم الواو وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف ظاء معجمة قوله سعيد بن الحارث هو الأنصاري قوله سمعت بن عمر يقول أو لم ينهوا عن النذر كذا فيه وكأنه اختصر السؤال فاقتصر على الجواب وقد بينه الحاكم في المستدرك من طريق المعافى بن سليمان والإسماعيلي من طريق أبي عامر العقدي ومن طريق أبي داود واللفظ له قالا حدثنا فليح عن سعيد بن الحارث قال كنت عند بن عمر فأتاه مسعود بن عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال يا أبا عبد الرحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر بأرض فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي لئن سلم الله ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى فقدم علينا وهو مريض ثم مات فما تقول فقال بن عمر أو لم تنهوا عن النذر إن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث المرفوع وزاد أوف بنذرك وقال أبو عامر فقلت يا أبا عبد الرحمن إنما نذرت أن يمشي ابني فقال أوف بنذرك قال سعيد بن الحارث فقلت له أتعرف سعيد بن المسيب قال نعم قلت له اذهب إليه ثم أخبرني ما قال لك قال فأخبرني أنه قال له امش عن ابنك قلت يا أبا محمد وترى ذلك مقبولا قال نعم أرأيت لو كان على ابنك دين لا قضاء له فقضيته أكان ذلك مقبولا قال نعم قال فهذا مثل هذا انتهى وأبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن عمر وأبو محمد كنية سعيد بن المسيب وأخرجه بن حبان في النوع السادس والستين من القسم الثالث من طريق زيد بن أبي أنيسة متابعا لفليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث فذكر نحوه بتمامه ولكن لم يسم الرجل وفيه بن عمر لما قال له أوف بنذرك قال له الرجل إنما نذرت أن يمشي ابني وإن ابني قد مات فقال له أوف بنذرك كرر ذلك عليه ثلاثا فغضب عبد الله فقال أو لم تنهوا عن النذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث المرفوع قال سعيد فلما رأيت ذلك قلت له انطلق إلى سعيد بن المسيب وسياق الحاكم نحوه وأخصر منه وقد وهم الحاكم في المستدرك فان البخاري أخرجه كما ترى لكن اختصر القصه لكونها موقوفه وهذا الفرع غريب وهو ان ينذر عن غيره فيلزم الغير الوفاء بذلك ثم إذا تعذر لزم الناذر وقد كنت استشكل ذلك ثم ظهر لي ان الابن أقر بذلك والتزم به ثم لما مات امره بن عمر وسعيد ان يفعل ذلك عن ابنه كما يفعل سائر القرب عنه كالصوم والحج والصدقة ويحتمل ان يكون مختصا عندهما بما يقع من الوالد في حق ولده فيعقد لوجوب بر الوالدين على الولد بخلاف الأجنبي وفي قول بن عمر في هذه الرواية أولم تنهوا عن النذر نظر لان المرفوع الذي ذكره ليس فيه تصريح بالنهي لكن جاء عن بن عمر التصريح ففي الرواية التي بعدها من طريق عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم عن بن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وفي لفظ لمسلم من هذا الوجه اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر وجاء بصيغة النهي الصريحة في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ لا تنذروا قوله لا يقدم شيئا ولا يؤخر في رواية عبد الله بن مرة لا يرد شيئا وهي أعم ونحوها في حديث أبي هريرة لا يأتي بن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له وفي رواية العلاء المشار إليها فان النذر لا يغني من القدر شيئا وفي لفظ عنه لا يرد القدر وفي حديث أبي هريرة عنده لا يقرب من بن آدم شيئا لم يكن الله قدره له ومعاني هذه الألفاظ المختلفة متقاربه وفيها اشاره الى تعليل النهي عن النذر وقد اختلف العلماء في هذا النهي فمنهم من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله قال بن الأثير في النهاية تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تاكيد لامره وتحذير عن التهاون به بعد ايجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك ابطال لحكمه واسقاط لزوم الفواء به إذ كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم وانما وجه الحديث انه قد أعلمهم ان ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يغير قضاء فقال لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم أو تصرفوا به عنكم ما قدره عليكم فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء فان الذي نذرتموه لازم لكم انتهى كلامه ونسبه بعض شراح المصابيح للخطابي وأصله من كلام أبي عبيد فيما نقله بن المنذر في كتابه الكبير فقال كان أبو عبيد يقول وجه النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو ان يكون مأثما ولو كان كذلك ما أمر الله ان يوفى به ولا حمد فاعله ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ امره لئلا يتهاون به فيفرط في الوفاء به ويترك القيام به ثم استدل بما ورد من الحث على الوفاء به في الكتاب والسنة والى ذلك أشار المازري بقوله ذهب بعض علمائنا الى ان الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر والحض على الوفاء به قال وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث ويحتمل عندي ان يكون وجه الحديث ان الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار ويحتمل ان يكون سببه ان الناذر لما لم ينذر القربة الا بشرط ان يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي نقدح في نية المتقرب قال ويشير الى هذا التأويل قوله انه لا يأتي بخير وقوله انه لا يقرب من بن آدم شيئا لم يكن الله قدره له وهذا كالنص على هذا التعليل اه والاحتمال الأول يعم أنواع النذر والثاني يخص نوع المجازات وزاد القاضي عياض ويقال ان الاخبار بذلك وقع على سبيل الاعلام من انه لا يغالب القدر ولا يأتي الخير بسببه والنهي عن اعتقاد خلاف ذلك خشية ان يقع ذلك في ظن بعض الجهلة قال ومحصل مذهب مالك انه مباح الا إذا كان مؤيدا لتكرره عليه في أوقات فقد يثقل عليه فعله فيفعله بالتكلف من غير طيب نفس وغير خالص النية فحينئذ يكره قال وهذا أحد محتملات قوله لا يأتي بخير أي ان عقباه لا تحمد وقد يتعذر الوفاء به وقد يكون معناه لا يكون سببا لخير لم يقدر كما في الحديث وبهذا الاحتمال الأخير صدر بن دقيق العيد كلامه فقال يحتمل ان تكون الباء للسببية كأنه قال لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر وطبعه في طلب القربة والطاعة من غير عوض يحصل له وان كان يترتب عليه خير وهو فعل الطاعة التي نذرها لكن سبب ذلك الخير حصول غرضه وقال النووي معنى قوله لا يأتي بخير انه لا يرد شيئا من القدر كما بينته الروايات الأخرى تنبيه قوله لا يأتي كذا للأكثر ووقع في بعض النسخ لا يأت بغير ياء وليس بلحن لأنه قد سمع نظيره من كلام العرب وقال الخطابي في الاعلام هذا باب من العلم غريب وهو ان ينهى عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجبا وقد ذكر أكثر الشافعية ونقله أبو علي السنجي عن نص الشافعي ان النذر مكروه لثبوت النهي عنه وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم بن دقيق العيد وأشار بن العربي الى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية بالكراهة قال واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم يقصد به خالص القربة وانما قصد ان ينفع نفسه أو يدفع عنها ضررا بما التزمه وجزم الحنابلة بالكراهة وعندهم رواية في انها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في صحتها وقال الترمذي بعد ان ترجم كراهة النذر وأورد حديث أبي هريرة ثم قال وفي الباب عن بن عمر العمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا النذر وقال بن المبارك معنى الكراهة في النذر في الطاعة وفي المعصية فان نذر الرجل في الطاعة فوفى به فله فيه أجر ويكره له النذر قال بن دقيق العيد وفيه اشكال على القواعد فانها تقتضي ان الوسيلة الى الطاعة طاعة كما ان الوسيلة الى المعصية معصية والنذر وسيلة الى التزام القربة فيلزم ان يكون قربة الا ان الحديث دل على الكراهة ثم أشار الى التفرقة بين نذر المجازاة فحمل النهي عليه وبين نذر الابتداء فهو قربة محضة وقال بن أبي الدم في شرح الوسيط القياس استحبابه والمختار انه خلاف الأولى وليس بمكروه كذا قال ونوزع بأن خلاف الأولى ما اندرج في عموم نهى والمكروه ما نهى عنه بخصوصه وقد ثبت النهي عن النذر بخصوصه فيكون مكروها واني لا تعجب ممن انطلق لسانه بأنه ليس بمكروه مع ثبوت الصريح عنه فأقل درجاته ان يكون مكروها كراهة تنزيه وممن بنى على استحبابه النووي في شرح المهذب فقال ان الأصح ان التلفظ بالنذر في الصلاة لا يبطلها لأنها مناجاة لله فأشبه الدعاء اه وإذا ثبت النهي عن الشيء مطلقا فترك فعله داخل الصلاة أولى فكيف يكون مستحبا واحسن ما يحمل عليه كلام هؤلاء نذر التبرر المحض بأن يقول لله على ان افعل كذا أو لأفعلنه على المجازاة وقد حمل بعضهم النهي على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه حكاه شيخنا في شرح الترمذي ولما نقل بن الرفعة عن أكثر الشافعية كراهة النذر وعن القاضي حسين المتولي بعده والغزالي انه مستحب لأن الله اثنى على من وفى به ولأنه وسيلة الى القربة فيكون قربة قال يمكن ان يتوسط فيقال الذي دل الخبر على كراهته نذر المجازاة واما نذر التبرر فهو قربة محضة لان للناذر فيه غرضا صحيحا وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب وهو فوق ثواب التطوع اه وجزم القرطبي في المفهم بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال هذا النهي محله ان يقول مثلا ان شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا ووجه الكراهة اه لما وقف قبل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور ظهر انه لم يتمحض له نية التقرب الى الله تعالى لما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعارضة ويوضحه انه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا الا بعوض عاجل يزيد على ما اخرج غالبا وهذا المعنى هو المشار اليه في الحديث لقوله وانما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه قال وقد ينضم الى هذا اعتقاد جاهل يظن ان النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو ان الله يفعل معه ذلك الغرض لاجل ذلك النذر واليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا فان النذر لا يرد من قدر الله شيئا والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح قلت بل تقرب من الكفر أيضا ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال الذي يظهر لي انه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون اقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك اه وهو تفصيل حسن ويؤيده قصة بن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فانها في نذر المجازاة وقد اخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى يوفون بالنذر قال كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله ابرارا وهذا صريح في ان الثناء وقع في غير نذر المجازاة وكأن البخاري رمز في الترجمة الى الجمع بين الآية والحديث بذلك وقد يشعر التعبير بالبخيل ان المهي عنه من النذر ما فيه مال فيكون أخص من المجازاة لكن قد يوصف بالبخل من تكاسل عن الطاعة كما في الحديث المشهور البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه النسائي وصححه بن حبان أشار الى ذلك شيخنا في شرح الترمذي ثم نقل القرطبي الاتفاق على وجوب الوفاء بنذر المجازاة لقوله صلى الله عليه وسلم من نذر ان يطيع الله تعالى فليطعه ولم يفرق بين المعلق وغيره انتهى والاتفاق الذي ذكره مسلم لكن في الاستدلال بالحديث المذكور لوجوب الوفاء بالنذر المعلق نظر وسيأتي شرحه بعد باب قوله وانما يستخرج بالنذر من البخيل يأتي في حديث أبي هريرة الذي بعد بيان المراد بالاستخراج المذكور قوله من البخيل كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية مسلم في حديث بن عمر من الشحيح وكذا للنسائي وفي رواية بن ماجة من اللئيم ومدار الجميع على منصور بن المعتمر عن عبد الله بن مرة فالاختلاف في اللفظ المذكور من الرواة عن منصور والمعاني متقاربة لان الشح أخص واللؤم أعم قال الراغب البخل امساك ما يقتضي عمن يستحق والشح بخل مع حرص واللؤم فعل ما يلام عليه

[ 6316 ] قوله في حديث أبي هريرة لا يأتي بن آدم النذر بشيء بن آدم بالنصب مفعول مقدم والنذر بالرفع هو الفاعل قوله لم أكن قدرته هذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته الى الله عز وجل وقد أخرجه أبو داود في رواية بن العبد عنه من رواية مالك والنسائي وابن ماجة من رواية سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزناد وخرجه مسلم من رواية عمرو بن أبي وعمر عن الأعرج وتقدم في أواخر كتاب القدر من طريق همام عن أبي هريرة ولفظه لم يكن قدرته وفي رواية النسائي لم اقدره عليه وفي رواية بن ماجة الا ما قدر له ولكن يغلبه النذر فأقدر له وفي رواية مالك بشيء لم يكن قدر له ولكن يلقيه النذر الى القدر قدرته وفي رواية مسلم لم يكن الله قدره له وكذا وقع الاختلاف في قوله فيستخرج الله به من البخيل في رواية مالك فيستخرج به على البناء لما لم يسم فاعله وكذا في رواية بن ماجة والنسائي وعبده ولكنه شيء يستخرج به من البخيل وفي رواية همام ولكن يلقيه النذر وقد قدرته له استخرج به من البخيل وفي رواية مسلم ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد ان يخرج قوله ولكن يلقيه النذر الى القدر تقدم البحث فيه في باب القاء العبد النذر الى القدر وان هذه الرواية مطابقة للترجمة المشار إليها قال الكرماني فان قيل القدر هو الذي يلقيه الى النذر قلنا تقدير النذر غير تقدير الالقاء فالأول يلجئه الى النذر والنذر يلجئه الى الإعطاء قوله فيستخرج الله فيه التفات ونسق الكلام ان يقال فأستخرج ليوافق قوله اولا قدرته وثانيا فيؤتيني قوله فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل كذا للأكثر أي يعطيني ووقع في رواية الكشميهني يؤتني بالجزم ووجهت بأنها بدل من قوله يكن فجزمت بلم ووقع في رواية مالك يؤتى في الموضعين وفي رواية بن ماجة فييسر عليه ما لم يكن ييسر عليه من قبل ذلك وفي رواية مسلم فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد ان يخرج وهذه أوضح الروايات قال البيضاوي عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة أو دفع مضرة فنهي عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخى إذا أراد ان يتقرب بادر اليه والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده الا في مقابلة عوض يستوفيه اولا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له وذلك لا يغنى من القدر شيئا فلا يسوق اليه خيرا لم يقدر له ولا يرد عنه شرا قضى عليه لكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليخرجه قال بن العربي فيه حجة على وجوب الوفاء بما التزمه الناذر لأن الحديث نص على ذلك بقوله يستخرج به فإنه لو لم يلزمه إخراجه لما تم المراد من وصفه بالبخل من صدور النذر عنه إذ لو كان مخيرا في الوفاء لاستمر لبخله على عدم الإخراج وفي الحديث الرد على القدرية كما تقدم تقريره في الباب المشار اليه وما ما أخرجه الترمذي من حديث أنس ان الصدقة تدفع ميتة السوء فظاهره يعارض قوله ان النذر لا يرد القدر ويجمع بينهما بأن الصدقة تكون سببا لدفع ميتة السوء والاسباب مقدرة كالمسببات وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الرقى هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله أخرجه أبو داود والحاكم ونحوه قول عمر نفر من قدر الله الى قدر الله كما تقدم تقريره في كتاب الطب ومثل ذلك مشروعية الطب والتداوي وقال بن العربي النذر شبيه بالدعاء فإنه لا يرد القدر ولكنه من القدر أيضا ومع ذلك فقد نهى عن النذر وندب الى الدعاء والسبب فيه ان الدعاء عبادة عاجلة ويظهر به التوجه الى الله والتضرع له والخضوع وهذا بخلاف النذر فان فيه تأخير العبادة الى حين الحصول وترك العمل الى حين الضرورة والله اعلم وفي الحديث ان كل شيء يبتدؤه المكلف من وجوه البر أفضل مما يلتزمه بالنذر قاله الماوردي وفيه الحث على الإخلاص في عمل الخير وذم البخل وان من اتبع المأمورات واجتنب المنهيات لا يعد بخيلا تنبيه قال بن المنير مناسبة أحاديث الباب لترجمة الوفاء بالنذر قوله يستخرج به من البخيل وانما يخرج البخيل ما تعين عليه إذ لو اخرج ما يتبرع به لكان جوادا وقال الكرماني يؤخذ معنى الترجمة من لفظ يستخرج قلت ويحتمل ان يكون البخاري أشار الى تخصيص النذر المنهي عنه بنذر المعاوضة واللجاج بدليل الآية فإن الثناء الذي تضمنته محمول على نذر القربة كما تقدم أول الباب فيجمع بين الآية والحديث بتخصيص كل منهما بصورة من صور النذر والله اعلم

قوله باب اثم من لا يفي بالنذر كذا لأبي ذر وسقط لغيره لفظ اثم ذكر فيه حديث عمران بن حصين في خير القرون وفي سنده أبو جمرة وهو بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران وزهدم بمعجمة أوله وزن جعفر بن مضرب بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة وقد تقدم شرحه مستوفى في الشهادات وفي فضائل الصحابة والغرض منه هنا قوله ينذرون بكسر الذال وبضمها لغتان

[ 6317 ] قوله ولا يفون في رواية الكشميهني ولا يوفون وهي رواية مسلم وفي أخرى له كالاولى وهما لغتان أيضا قوله ولا يؤتمنون أي انها خيانة ظاهرة بحيث لا يأمنهم أحد بعد ذلك قال بن بطال ما ملخصه سوى بين من يخون امانته ومن لا يفي بنذره والخيانة مذمومة فيكون ترك الوفاء بالنذر مذموما وبهذا تظهر المناسبة للترجمة وقال الباجي ساق ما وصفهم به مساق العيب والجائز لا يعاب فدل على انه غير جائز

قوله باب النذر في الطاعة أي حكمه ويحتمل ان يكون باب بالتنوين ويزيد بقوله النذر في الطاعة حصر المبتدأ في الخبر فلا يكون نذر المعصية نذرا شرعا قوله وما انفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر ساق غير أبي ذر الى قوله من أنصار وذكر هذه الآية مشيرا الى ان الذي وقع الثناء على فاعله نذر الطاعة وهو يؤيد ما تقدم قريبا

[ 6318 ] قوله عن طلحة بن عبد الملك هو الأيلي بفتح الهمزة وسكون المثناة من تحت نزيل المدينة ثقة عندهم من طبقة بن جريج والقاسم هو بن محمد بن أبي بكر الصديق وذكر بن عبد البر عن قوم من أهل الحديث ان طلحة تفرد برواية هذا الحديث عن القاسم وليس كذلك فقد تابعه أيوب ويحيى بن أبي كثير عند بن حبان وأشار الترمذي الى رواية يحيى ومحمد بن أبان عند بن عبد البر وعبيد الله بن عمر عند الطحاوي ولكن أخرجه الترمذي من رواية عبيد الله بن عمر عن طلحة عن القاسم وأخرجه البزار من رواية يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان فرجعت رواية عبيد الله الى طلحة ورواية يحيى الى محمد بن أبان وسلمت رواية أيوب من الاختلاف وهي كافية في رد دعوى انفراد طلحة به وقد رواه أيضا عبد الرحمن بن المجبر بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الموحدة عن القاسم أخرجه الطحاوي قوله من نذر ان يطيع الله فليطعه الخ الطاعة أعم من ان تكون في واجب أو مستحب ويتصور النذر في فعل الواجب بأن يؤقته كمن ينذر ان يصلى الصلاة في أول وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته وأما المستحب من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد بما قيده به الناذر والخبر صريح في الأمر بوفاء النذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن ترك الوفاء به إذا كان في معصية وهل يجب في الثاني كفارة يمين أو لا قولان للعلماء سيأتي بيانهما بعد بابين ويأتي أيضا بيان الحكم في ما سكت عنه الحديث وهو نذر المباح وقد قسم بعض الشافعية الطاعة الى قسمين واجب عينا فلا ينعقد به النذر كصلاة الظهر مثلا وصفة فيه فينعقد كايقاعها أول الوقت وواجب على الكفاية كالجهاد فينعقد ومندوب عبادة عينا كان أو كفاية فينعقد ومندوب لا يسمى عبادة كعيادة المريض وزيارة القادم ففي انعقاده وجهان والارجح انعقاده وهو قول الجمهور والحديث يتناوله فلا يخص من عموم الخبر الا القسم الأول لأنه تحصيل الحاصل

قوله باب إذا نذر أو حلف ان لا يكلم انسانا في الجاهلية ثم اسلم أي هل يجب عليه الوفاء اولا والمراد بالجاهلية جاهلية المذكور وهو حاله قبل إسلامه وأصل الجاهلية ما قبل البعثة وقد ترجم الطحاوي لهذه المسألة من نذر وهو مشرك ثم اسلم فأوضح المراد وذكر فيه حديث بن عمر في نذر عمر في الجاهلية انه يعتكف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اوف بنذرك قال بن بطال قاس البخاري اليمين على النذر وترك الكلام على الاعتكاف فمن نذر أو حلف قبل ان يسلم على شيء يجب الوفاء به لو كان مسلما فإنه إذا اسلم يجب عليه على ظاهر قصة عمر قال وبه يقول الشافعي وأبو ثور كذا قال وكذا نقله بن حزم عن الامام الشافعي والمشهور عند الشافعية انه وجه لبعضهم وان الشافعي وجل اصحابه على انه لا يجب بل يستحب وكذا قال المالكية والحنفية وعن أحمد في رواية يجب وبه جزم الطبري والمغيرة بن عبد الرحمن من المالكية والبخاري وداود وأتباعه قلت ان وجد عن البخاري التصريح بالوجوب قبل والا فمجرد ترجمته لا يدل على أنه يقول بوجوبه لأنه محتمل لأن يقول بالندب فيكون تقدير جواب الاستفهام يندب له ذلك قال القابسي لم يأمر عمر على جهة الإيجاب بل على جهة المشورة كذا قال وقيل أراد ان يعلمهم ان الوفاء بالنذر من آكد الأمور فغلظ امره بان أمر عمر بالوفاء واحتج الطحاوي بأن الذي يجب الوفاء به ما يتقرب به الى الله والكافر لا يصح منه التقرب بالعبادة وأجاب عن قصة عمر باحتمال انه صلى الله عليه وسلم فهم من عمر انه سمح بأن يفعل ما كان نذره فأمره به لأن فعله حينئذ طاعة لله تعالى فكان ذلك خلاف ما اوجبه على نفسه لأن الإسلام يهدم أمر الجاهلية قال بن دقيق العيد ظاهر الحديث يخالف هذا فان دل دليل أقوى منه على انه لا يصح من الكافر قوى هذا التأويل والا فلا

[ 6319 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله عبيد الله بن عمر هو العمري ولعبد الله بن المبارك فيه شيخ آخر تقدم في غزوة حنين فأخرجه عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن أيوب عن نافع وأول حديثه لما قفلنا من حنين سأل عمر فذكر الحديث فأفاد تعيين زمان السؤال المذكور وقد بينت الاختلاف على نافع ثم على أيوب في وصله وارساله هناك وكذا ذكرت فيه فوائد زوائد تتعلق بسياقه وكذلك في فرض الخمس وتقدم في أبواب الاعتكاف ما يتعلق به وذكرت هناك ما يرد على من زعم ان عمران ما نذر بعد ان اسلم وعلى من زعم ان اعتكاف عمر كان قبل النهي عن الصيام في الليل وبقي هنا ما يتعلق بالنذر إذا صدر من شخص قبل ان يسلم ثم اسلم هل يلزمه وقد ذكرت ما فيه وقوله اوف بنذرك لم يذكر في هذه الرواية متى اعتكف وقد تقدم في غزوة حنين التصريح بأن سؤاله كان بعد قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين بالطائف وتقدم في فرض الخمس ان في رواية سفيان بن عيينة عن أيوب من الزيادة قال عمر فلم اعتكف حتى كان بعد حنين وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني جارية من السبي فبينا انا معتكف إذ سمعت تكبيرا فذكر الحديث في من النبي صلى الله عليه وسلم على هوازن بإطلاق سبيهم وفي الحديث لزوم النذر للقربة من كل أحد حتى قبل الإسلام وقد تقدمت الإشارة اليه أجاب بن العربي بأن عمر لما نذر في الجاهلية ثم اسلم أراد ان يكفر ذلك بمثله في الإسلام فلما اراده ونواه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه انه لزمه قال وكل عبادة ينفرد بها العبد عن غيره تنعقد بمجرد النية العازمة الدائمة كالنذر في العبادة والطلاق في الاحكام وان لم يتلفظ بشيء من ذلك كذا قال ولم يوافق على ذلك بل نقل بعض المالكية الاتفاق على ان العبادة لا تلزم الا بالنية مع القول أو الشروع وعلى التنزل فظاهر كلام عمر مجرد الاخبار بما وقع مع الاستخبار عن حكمه هل لزم أو لا وليس فيه ما يدل على ما ادعاه من تجديد نية منه في الإسلام وقال الباجي قصة عمر هي كمن نذر ان يتصدق بكذا ان قدم فلان بعد شهر فمات فلان قبل قدومه فإنه لا يلزم الناذر قضاؤه فان فعله فحسن فلما نذر عمر قبل ان يسلم وسأل النبي صلى الله عليه وسلم امره بوفائه استحبابا وان كان لا يلزمه لأنه التزمه في حالة لا ينعقد فيها ونقل شيخنا في شرح الترمذي انه استدل به على ان الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وان كان لا يصح منهم الا بعد ان يسلموا لأمر عمر بوفاء ما التزمه في الشرك ونقل انه لا يصح الاستدلال به لأن الواجب بأصل الشرع كالصلاة لا يجب عليهم قضاؤها فكيف يكلفون بقضاء ما ليس واجبا بأصل الشرع قال ويمكن ان يجاب بأن الواجب بأصل الشرع مؤقت بوقت وقد خرج قبل ان يسلم الكافر ففات وقت ادائه فلم يؤمر بقضائه لأن الإسلام يجب ما قبله فاما إذا لم يؤقت نذره فلم يتعين له وقت حتى اسلم فايقاعه له بعد الإسلام يكون أداء لاتساع ذلك باتساع العمر قلت وهذا البحث يقوي ما ذهب اليه أبو ثور ومن قال بقوله وان ثبت النقل عن الشافعي بذلك فلعله كان يقوله اولا فأخذه عنه أبو ثور ويمكن ان يؤخذ من الفرق المذكور وجوب الحج على من اسلم لاتساع وقته بخلاف ما فات وقته والله اعلم تنبيه المراد بقول عمر في الجاهلية قبل إسلامه لأن جاهلية كل أحد بحسبه ووهم من قال الجاهلية في كلامه زمن فترة النبوة والمراد بها هنا ما قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم فان هذا يتوقف على نقل وقد تقدم انه نذر قبل ان يسلم وبين البعثة واسلامه مدة

قوله باب من مات وعليه نذر أي هل يقضى عنه أو لا والذي ذكره في الباب يقتضي الأول لكن هل هو على سبيل الوجوب أو الندب خلاف يأتي بيانه قوله وأمر بن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء يعني فماتت فقال صلى عنها وقال بن عباس نحوه وصله مالك عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته انها كانت جعلت على نفسها مشيا الى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها ان تمشي عنها وأخرجه بن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن بن عباس قال إذا مات وعليه نذر قضى عنه وله ومن طريق عون بن عبد الله بن عتبة ان امرأة نذرت ان تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف فقال بن عباس اعتكف عن أمك وجاء عن بن عمر وابن عباس خلاف ذلك فقال مالك في الموطأ انه بلغه ان عبد الله بن عمر كان يقول لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد واخرج النسائي من طريق أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس قال لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد أورده بن عبد البر من طريقه موقوفا ثم قال والنقل في هذا عن بن عباس مضطرب قلت ويمكن الجمع بحمل الاثبات في حق من مات والنفي في حق الحي ثم وجدت عنه ما يدل على تخصيصه في حق الميت بما إذا مات وعليه شيء واجب فعند بن أبي شيبة بسند صحيح سئل بن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال يصام عنه النذر وقال بن المنير يحتمل ان يكون بن عمر أراد بقوله صلي عنها العمل بقوله صلى الله عليه وسلم إذا مات بن آدم انقطع عمله الا من ثلاث فعد منها الولد لأن الولد من كسبه فأعماله الصالحة مكتوبة للوالد من غير ان ينقص من أجره فمعنى صلى عنها ان صلاتك مكتتبة لها ولو كنت انما تنوي عن نفسك كذا قال ولا يخفى تكلفه وحاصل كلامه تخصيص الجواز بالولد والى ذلك جنح بن وهب وأبو مصعب من أصحاب الامام مالك وفيه تعقب على بن بطال حيث نقل الإجماع انه لا يصلى أحد عن أحد لا فرضا ولا سنة لا عن حي ولا عن ميت ونقل عن المهلب ان ذلك لو جاز لجاز في جميع العبادات البدنية ولكان الشارع أحق بذلك ان يفعله عن أبويه ولما نهى عن الاستغفار لعمه ولبطل معنى قوله ولا تكسب كل نفس الا عليها انتهى وجميع ما قال لا يخفى وجه تعقبه خصوصا ما ذكره في حق الشارع وأما الآية فعمومها مخصوص اتفاقا والله اعلم تنبيه ذكر الكرماني انه وقع في بعض النسخ قال صلي عليها ووجه بأن على بمعنى عن على رأي قال أو الضمير راجع الى قباء ثم ذكر المصنف حديث بن عباس ان سعد بن عبادة استفتى في نذر كان على أمه وقد تقدم شرحه في كتاب الوصايا وذكرت من قال فيه عن سعد بن عبادة فجعله من مسنده قوله في آخر الحديث في قصة سعد بن عبادة

[ 6320 ] فكانت سنة بعد أي صار قضاء الوارث ما على المورث طريقة شرعية أعم من ان يكون وجوبا أو ندبا ولم أر هذه الزيادة في غير رواية شعيب عن الزهري فقد اخرج الحديث الشيخان من رواية مالك والليث وأخرجه مسلم أيضا من رواية بن عيينة ويونس ومعمر وبكر بن وائل والنسائي من رواية الأوزاعي والإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة وابن أبي عتيق وصالح بن كيسان كلهم عن الزهري بدونها واظنها من كلام الزهري ويحتمل من شيخه وفيها تعقب على ما نقل عن مالك لا يحج أحد عن أحد واحتج بأنه لم يبلغه عن أحد من أهل دار الهجرة منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه حج عن أحد ولا أمر به ولا اذن فيه فيقال لمن قلد قد بلغ ذلك غيره وهذا الزهري معدود في فقهاء أهل المدينة وكان شيخه في هذا الحديث وقد استدل بهذه الزيادة بن حزم للظاهرية ومن وافقهم في ان الوارث يلزمه قضاء النذر عن مورثه في جميع الحالات قال وقد وقع نظير ذلك في حديث الزهري عن سهيل في اللعان لما فارقها الرجل قبل ان يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بفراقها قال فكانت سنة واختلف في تعيين نذر أم سعد فقيل كان صوما لما رواه مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس جاء رجل فقال يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم الحديث وتعقب بأنه لم يتعين ان الرجل المذكور هو سعد بن عبادة وقيل كان عتقا قاله بن عبد البر واستدل بما أخرجه من طريق القاسم بن محمد ان سعد بن عبادة قال يا رسول الله ان أمي هلكت فهل ينفعها ان اعتق عنها قال نعم وتعقب بأنه مع إرساله ليس فيه التصريح بأنها كانت نذرت ذلك وقيل كان نذرها صدقة وقد ذكرت دليله من الموطأ وغيره من وجه آخر عن سعد بن عبادة ان سعدا خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لأمه اوص قالت المال مال سعد فتوفيت قبل ان يقدم فقال يا رسول الله هل ينفعها ان اتصدق عنها قال نعم وعند أبي داود من وجه اخر نحوه وزاد فأي الصدقة أفضل قال الماء الحديث وليس في شيء من ذلك التصريح بأنها نذرت ذلك قال عياض والذي يظهر انه كان نذرها في المال او مبهما قلت بل ظاهر حديث الباب انه كان معينا عند سعد والله اعلم وفي الحديث قضاء الحقوق الواجبة عن الميت وقد ذهب الجمهور الى ان من مات وعليه نذر مالي انه يجب قضاؤه من رأس ماله وان لم يوص الا ان وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية ان يوصي بذلك مطلقا واستدل للجمهور بقصة أم سعد هذه وقول الزهري أنها صارت سنة بعد ولكن يكن أن يكون سعد قضاه من تركتها أو تبرع به وفيه استفتاء الأعلم وفيه فضل بر الولدين بعد الوفاة والتوصل الى براءة ما في ذمتهم وقد اختلف أهل الأصول في الأمر بعد الاستئذان هل يكون كالامر بعد الحظر أو لا فرجح صاحب المحصول انه مثله والراجح عند غيره انه للإباحة كما رجح جماعة في الأمر بعد الحظر انه للاستحباب ثم ذكر حديث بن عباس اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان أختي نذرت ان تحج وانها ماتت الحديث وفيه فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء وقد تقدم شرحه في اواخر كتاب الحج وذكر الاختلاف في السائل أهو رجل كما وقع هنا او امرأة كما وقع هناك وانه الراجح وذكرت ما قيل في اسمها وانها حمنة وبينت انها هي السائلة عن الصيام أيضا وبالله التوفيق

قوله باب النذر فيما لا يملك وفي معصية وقع في شرح بن بطال ولا نذر في معصية وقال ذكر فيه حديث عائشة من نذر ان يطيع الله فليطعه الحديث وحديث أنس في الذي رآه يمشي بين ابنيه فنهاه وحديث بن عباس في الذي طاف وفي انفه خزامه فنهاه وحديث في الذي نذر ان يقوم ولا يستظل فنهاه قال ولا مدخل لهذه الأحاديث في النذر فيما لا يملك وانما تدخل في نذر المعصية وأجاب بن المنير بأن الصواب مع البخاري فإنه تلقى عدم لزوم النذر فيما لا يملك من عدم لزومه في المعصية لأن نذره في ملك غيره تصرف في ملك الغير بغير اذنه وهي معصية ثم قال ولهذا لم يقل باب النذر فيما لا يملك وفي المعصية بل قال النذر فيما لا يملك ولا نذر في معصية فأشار الى اندراج نذر مال الغير في نذر المعصية فتأمله انتهى وما نفاه ثابت في معظم الروايات عن البخاري لكن بغير لام وهو لا يخرج عن التقرير الذي قرره لأن التقدير باب النذر فيما لا يملك وحكم النذر في معصية فإذا ثبت نفي النذر في المعصية التحق به النذر فيما لا يملك لأنه يستلزم المعصية لكونه تصرفا في ملك الغير وقال الكرماني الدلالة على الترجمة من جهة ان الشخص لا يملك تعذيب نفسه ولا التزام المشقة التي لا تلزمه حيث لا قربة فيها ثم استشكله بأن الجمهور فسروا مالا يملك بمثل النذر بإعتاق عبد فلان انتهى وما وجهه به بن المنير أقرب لكن يلزم عليه تخصيص مالا يملك بما إذا نذر شيئا معينا كعتق عبد فلان إذا ملكه مع ان اللفظ عام فيدخل فيه ما إذا نذر عتق عبد غير معين فإنه يصح ويجاب بأن دليل التخصيص الاتفاق على انعقاد النذر في المبهم وانما وقع الاختلاف في المعين وقد تقدم التنبيه في باب من حلف بملة سوى الإسلام على الموضع الذي اخرج البخاري فيه التصريح بما يطابق الترجمة وهو في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ وليس على بن آدم نذر فيما لا يملك وقد أخرجه الترمذي مقتصرا على هذا القدر من الحديث واخرج أبو داود سبب هذا الحديث مقتصرا عليه أيضا ولفظه نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ان ينحر ببوانه يعني موضعا وهو بفتح الموحدة وتخفيف الواو وبنون فذكر الحديث وأخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة المرأة التي كانت اسيرة فهربت على ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فان الذين اسروا المرأة انتهبوها فنذرت ان سملت ان تنحرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك بن آدم وخرج بن أبي شيبة من حديث أبي ثعلبة الحديث دون القصة بنحوه ووقعت مطابقة جميع الترجمة في حديث عمران بن حصين المذكور وأخرجه النسائي من حديث عبد الرحمن بن سلمة مثله وأخرجه أبو داود من حديث عمر بلفظ لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله واختلف فيمن وقع منه النذر في ذلك هل تجب فيه كفارة فقال الجمهور لا وعن أحمد والثوري وإسحاق وبعض الشافعية والحنفية نعم ونقل الترمذي اختلاف الصحابة في ذلك كالقولين واتفقوا على تحريم النذر في المعصية واختلافهم انما هو في وجوب الكفارة واحتج من اوجبها بحديث عائشة لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين أخرجه أصحاب السنن ورواته ثقات لكنه معلول فان الزهري رواه عن أبي سلمة ثم بين انه حمله عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فدلسه بإسقاط اثنين وحسن الظن بسليمان وهو عند غيره ضعيف باتفاقهم وحكى الترمذي عن البخاري انه قال لا يصح ولكن له شاهد من حديث عمران بن حصين أخرجه النسائي وضعفه وشواهد أخرى ذكرتها آنفا واخرج الدارقطني من حديث عدي بن حاتم نحوه وفي الباب أيضا عموم حديث عقبة بن عامر كفارة النذر كفارة اليمين أخرجه مسلم وقد حمله الجمهور على نذر اللجاج والغضب وبعضهم على النذر المطلق لكن اخرج الترمذي وابن ماجة حديث عقبة بلفظ كفارة النذر اذا لم يسم كفارة يمين ولفظ بن ماجة من نذر نذرا لم يسمه الحديث وفي الباب حديث بن عباس رفعه من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين أخرجه أبو داود وفيه ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ورواته ثقات لكن أخرجه بن أبي شيبة موقوفا وهو اشبه وأخرجه الدارقطني من حديث عائشة وحمله أكثر فقهاء أصحاب الحديث على عمومه لكن قالوا ان الناذر مخير بين الوفاء بما التزمه وكفارة اليمين وقد تقدم حديث عائشة المذكور أول الباب قريبا وهو بمعنى حديث لانذر في معصية ولو ثبتت الزيادة لكانت مبينة لما أجمل فيه واحتج بعض الحنابلة بأنه ثبت عن جماعة من الصحابة ولا يحفظ عن صحابي خلافه قال والقياس يقتضيه لأن النذر يمين كما وقع في حديث عقبة لما نذرت أخته ان تحج ماشية لتكفر عن يمينها فسمى النذر يمينا ومن حيث النظر هو عقدة لله تعالى بالتزام شيء والحالف عقد يمينه بالله ملتزما بشيء ثم بين ان النذر آكد من اليمين ورتب عليه انه لو نذر معصية ففعلها لم تسقط عنه الكفارة بخلاف الحالف وهو وجه للحنابلة واحتج له بأن الشارع نهى عن المعصية وأمر بالكفارة فتعينت واستدل بحديث لا نذر في معصية لصحة النذر في المباح لأن فيه نفي النذر في المعصية فبقي ما عداه ثابتا واحتج من قال انه يشرع في المباح بما أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة ان امرأة قالت يا رسول الله اني نذرت ان اضرب على رأسك بالدف فقال اوف بنذرك وزاد في حديث بريدة ان ذلك وقت خروجه في غزوة فنذرت ان رده الله تعالى سالما قال البيهقي يشبه ان يكون اذن لها في ذلك لما فيه من إظهار الفرح بالسلامة ولا يلزم من ذلك القول بانعقاد النذر به ويدل على ان النذر لا ينعقد في المباح حديث بن عباس ثالث أحاديث الباب فإنه أمر الناذر بأن يقوم ولا يقعد ولا يتكلم ولا يستظل ويصوم ولا يفطر بأن يتم صومه ويتكلم ويستظل ويقعد فامره بفعل الطاعة واسقط عنه المباح وأصرح من ذلك ما أخرجه أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضا انما النذر ما يبتغى به وجه الله والجواب عن قصة التي نذرت الضرب بالدف ما أشار اليه البيهقي ويمكن ان يقال ان من قسم المباح ما قد يصير بالقصد مندوبا كالنوم في القائلة للتقوى على قيام الليل وأكله السحر للتقوي على صيام النهار فيمكن ان يقال ان إظهار الفرح بعود النبي صلى الله عليه وسلم سالما معنى مقصود يحصل به الثواب وقد اختلف في جواز الضرب بالدف في غير النكاح والختان ورجح الرافعي في المحرر وتبعه في المنهاج الإباحة والحديث حجة في ذلك وقد حمل بعضهم اذنه لها في الضرب بالدف على أصل الإباحة لا على خصوص الوفاء بالنذر كما تقدم ويشكل عليه ان في رواية أحمد في حديث بريدة ان كنت نذرت فاضربي والا فلا وزعم بعضهم ان معنى قولها نذرت حلفت والاذن فيه للبر بفعل المباح ويؤيد ذلك ان في آخر الحديث ان عمر دخل فتركت فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الشيطان ليخاف منك يا عمر فلو كان ذلك مما يتقرب به ما قال ذلك لكن هذا بعينه يشكل على انه مباح لكونه نسبه الى الشيطان ويجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ان الشيطان حضر لمحبته في سماع ذلك لما يرجوه من تمكنه من الفتنة به فلما حضر عمر فر منه لعلمه بمبادرته الى إنكار مثل ذلك أو ان الشيطان لم يحضر أصلا وانما ذكر مثالا لصورة ما صدر من المرأة المذكورة وهي انما شرعت في شيء أصله من اللهو فلما دخل عمر خشيت من مبادرته لكونه لم يعلم بخصوص النذر أو اليمين الذي صدر منها فشبه النبي صلى الله عليه وسلم حالها بحالة الشيطان الذي يخاف من حضور عمر والشئ بالشيء يذكر وقرب من قصتها قصة القينتين التين كانتا تغنيان عند النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فأنكر أبو بكر عليهما وقال ابمزمار الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة مثل ذلك في يوم العيد فهذا ما يتعلق بحديث عائشة وأما حديث أنس وهو الثاني من أحاديث الباب فذكره هنا مختصرا وتقدم في اواخر الحج قبيل فضائل المدينة بتمامه وأوله رأى شيخا يهادي بين ابنيه قال ما بال هذا قالوا نذر ان يمشي فذكر الحديث وفيه وأمره ان يركب وقوله

[ 6323 ] قال الفزاري يعني مروان بن معاوية عن حميد حدثني ثابت عن أنس كأنه أراد بهذا التعليق تصريح حميد بالتحديث وقد وصله في الباب المشار اليه في الحج عن محمد بن سلام عن الفزاري وبينت هناك من رواه عن حميد موافقا للفزاري ومن رواه عن حميد بدون ذكر ثابت فيه وذكر المصنف هناك حديث عقبة بن عامر قال نذرت أختي ان تمشي الى بيت الله الحديث وفيه لتمشي ولتركب وتقدم بعض الكلام عليه ثم ووقع للمزي في الأطراف فيه وهم فإنه ذكر ان البخاري أخرجه في الحج عن إبراهيم بن موسى وفي النذور عن أبي عاصم والموجود في نسخ البخاري ان الطريقين معا في الباب المذكور من الحج وليس لحديث عقبة في النذور ذكر أصلا وانما أمر الناذر في حديث أنس ان يركب جزما وأمر أخت عقبة ان تمشي وان تركب لأن الناذر في حديث أنس كان شيخا ظاهر العجز وأخت عقبة لم توصف بالعجز فكأنه امرها ان تمشي ان قدرت وتركب ان عجزت وبهذا ترجم البيهقي الحديث وأورد في بعض طرقه من رواية عكرمة عن بن عباس ان أخت عقبة نذرت ان تحج ماشية فقال ان الله غني عن مشي اختك فلتركب ولتهد بدنة وأصله عند أبي داود بلفظ ولتهد هدايا ووهم من نسب اليه انه اخرج هذا الحديث بلفظ ولتهد بدنه وأورده من طريق أخرى عن عكرمة بغير ذكر الهدى وأخرجه الحاكم من حديث بن عباس بلفظ جاء رجل فقال ان أختي حلفت ان تمشي الى البيت وانه يشق عليها المشي فقال مرها فلتركب إذا لم تستطع ان تمشي فما اغنى الله ان يشق على اختك ومن طريق كريب عن بن عباس جاء رجل فقال يا رسول الله ان أختي نذرت ان تحج ماشية فقال ان الله لا يصنع بشقاء اختك شيئا لتحج راكبة ثم لتكفر يمينها وأخرجه أصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال نذرت أختي ان تحج ماشية غير مختمرة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مر اختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام ونقل الترمذي عن البخاري انه لا يصح فيه الهدى وقد اخرج الطبراني من طريق أبي تميم الجيشاني عن عتبة بن عامر في هذه القصة نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسره وفيه لتركب ولتلبس ولتصم وللطحاوي من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عقبة بن عامر نحوه وأخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي هريرة بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في جوف الليل إذ بصر بخيال نفرت منه الإبل فإذا امرأة عريانة ناقضة شعرها فقالت نذرت ان احج ماشية عريانة نافضة شعري فقال مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دما وأورد من طريق الحسن عن عمران رفعه إذا نذر أحدكم ان يحج ماشيا فليهد هديا وليركب وفي سنده انقطاع وفي الحديث صحة النذر بإتيان البيت الحرام وعن أبي حنيفة إذا لم ينو حجا ولا عمرة لا ينعقد ثم ان نذره راكبا لزمه فلو مشى لزمه دم لترفهه بتوفر مؤنة الركوب وان نذره ماشيا لزمه من حيث احرم الى ان تنتهي العمرة أو الحج وهو قول صاحبي أبي حنيفة فان ركب بعذر اجزأه ولزمه دم في أحد القولين عن الشافعي واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة وان ركب بلا عذر لزمه الدم وعن المالكية في العاجز يرجع من قابل فيمشي ما ركب الا ان عجز مطلقا فيلزمه الهدي وليس في طرق حديث عقبة ما يقتضي الرجوع فهو حجة للشافعي ومن تبعه وعن عبد الله بن الزبير لا يلزمه شيء مطلقا قال القرطبي زيادة الأمر بالهدى رواتها ثقات ولا ترد وليس سكوت من سكت عنها بحجة على من حفظها وذكرها قال والتمسك بالحديث في عدم إيجاب الرجوع ظاهر ولكن عمدة مالك عمل أهل المدينة تنبيه يقال ان الرجل المذكور في حديث أنس هو أبو إسرائيل المذكور في حديث بن عباس الذي بعد الباب كذا نقله مغلطاي عن الخطيب وهو تركيب منه وانما ذكر الخطيب ذلك في الرجل المذكور في حديث بن عباس اخر الباب وتغاير القصتين أوضح من ان يتكلف لبيانه وأما حديث بن عباس في الذي طاف بزمام وهو الحديث الثالث فأورده بعلو عن أبي عاصم عن بن جريج ولفظه رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه ثم أورده بنزول عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن بن جريج بلفظ مر وهو يطوف بالكعبة بانسان يقود انسانا بخزامة في انفه فقطعها ثم امره ان يقوده بيده والخزامة بكسر المعجمة وتخفيف الزاي حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد فيها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبا وقد تقدم في باب الكلام في الطواف من كتاب الحج من هذين الوجهين عن بن جريج وذكرت ما قيل في اسم القائد والمقود ووجه ادخاله في أبواب النذر وانه عند النسائي من وجه آخر عن بن جريج وفيه التصريح بأنه نذر ذلك وان الداودي استدل به على ان من نذر مالا طاعة لله فيه لا ينعقد نذره وتعقب بن التين له والجواب عن الداودي وتصويبه في ذلك وأما حديث بن عباس أيضا وهو الحديث الرابع فوهيب في سنده هو بن خالد وعبد الوهاب الذي علق عنه البخاري آخر الباب هو بن عبد المجيد الثقفي وقد يتمسك بهذا من يرى ان الثقات إذا اختلفوا في الوصل والارسال يرجح قول من وصل لما معه من زيادة العلم لان وهيبا وعبد الوهاب ثقتان وقد وصله وهيب وأرسله عبد الوهاب وصححه البخاري مع ذلك والذي عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري انه لا يعمل في هذه الصورة بقاعدة مطردة بل يدور مع الترجيح الا ان استووا فيقدم الوصل والواقع هنا ان من وصله أكثر ممن أرسله قال الإسماعيلي وصله مع وهيب عاصم بن هلال والحسن بن أبي جعفر وأرسله مع عبد الوهاب خالد الواسطي قلت وخالد متقن وفي عاصم والحسن مقال فيستوي الطرفان فيترجح الوصل وقد جاء الحديث المذكور من وجه آخر فازداد قوة أخرجه عبد الرزاق عن بن طاوس عن أبيه عن أبي إسرائيل

[ 6326 ] قوله بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب زاد الخطيب في المبهمات من وجه اخر يوم الجمعة قوله إذا هو برجل في رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن وهيب إذا التفت فإذا هو برجل قوله قائم زاد أبو داود عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه في الشمس وكذا في رواية أبي يعلى وفي رواية طاوس وأبو إسرائيل يصلي قوله فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل في رواية أبي داود فقالوا هو أبو إسرائيل زاد الخطيب رجل من قريش قوله نذر ان يقوم قال لبيضاوي ظاهر اللفظ السؤال عن اسمه فلذلك ذكروه وزادوا فعله قال ويحتمل ان يكون سأل عن حاله فذكروه وزادوا التعريف به ثم قال ولعله لما كان السؤال محتملا ذكروا الأمرين جميعا قوله ولا يستظل في رواية الخطيب ويقوم في الشمس قوله مرة في رواية أبي داود مروه بصيغة الجمع وفي رواية طاوس ليقعد وليتكلم وأبو إسرائيل المذكور لا يشاركه أحد في كنيته من الصحابة واختلف في اسمه فقيل قشير بقاف وشين معجمة مصغر وقيل يسير بتحتانية ثم مهملة مصغر أيضا وقيل قيصر باسم ملك الروم وقيل بالسين المهملة بدل الصاد وقيل بغير راء في آخره وهو قرشي ثم عامري وترجم له بن الأثير في الصحابة تبعا لغيره فقال أبو إسرائيل الأنصاري واغتر بذلك الكرماني فجزم بأنه من الأنصار والأول أولى وفي حديثه ان السكوت عن المباح ليس من طاعة الله وقد اخرج أبو داود من حديث علي ولا صمت يوم الى الليل وتقدم في السيرة النبوية قول أبي بكر الصديق للمرأة ان هذا يعني الصمت من فعل الجاهلية وفيه ان كل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد به النذر فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم دون غيره وهو محمول على انه علم انه لا يشق عليه وأمره ان يقعد ويتكلم ويستظل قال القرطبي في قصة أبي إسرائيل هذه أوضح الحجج للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاعة فيه فقد قال مالك لما ذكره ولم اسمع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امره بالكفارة

قوله باب من نذر ان يصوم أياما أي معينة فوافق النحر أو الفطر أي هل يجوز له الصيام أو البدل او الكفارة انعقد الإجماع على انه لا يجوز له ان يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا عن نذر سواء عينهما أو أحدهما بالنذر أو وقعا معا أو أحدهما اتفاقا فلو نذر لم ينعقد نذره عند الجمهور وعند الحنابلة روايتان في وجوب القضاء وخالف أبو حنيفة فقال لو اقدم فصام وقع ذلك عن نذره وقد تقدم بسط ذلك في اواخر الصيام وذكرت هناك الاختلاف في تعيين اليوم الذي نذره الرجل وهل وافق يوم عيد الفطر أو النحر واني لم اقف على اسمه مع بيان الكثير من طرقه ثم وجدت في ثقات بن حبان من طريق كريمة بنت سيرين انها سألت بن عمر فقالت جعلت على نفسي ان اصوم كل اربعاء واليوم يوم اربعاء وهو يوم النحر فقال أمر الله بوفاء النذر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم النحر ورواته ثقات فلولا توارد الرواة بأن السائل رجل لفسرت المبهم بكريمة ولا سيما في السند الأول فان

[ 6327 ] قوله سئل بضم أوله يشمل ما إذا كان السائل رجلا أو امرأة وقد ظهر من رواية بن حبان انها امرأة فيفسر بها المبهم في رواية حكيم بخلاف رواية زياد بن جبير حيث قال فسأله رجل ثم وجدت الخبر في كتاب الصيام ليوسف بن يعقوب القاضي أخرجه عن محمد بن أبي بكر المقدمي شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريقه وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه اخر عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولفظه انه سمع رجلا يسأل عبد الله بن عمر عن رجل نذر فذكر الحديث وفضيل في السند الأول بالتصغير وحكيم بفتح أوله وأبو حرة أبوه بضم المهملة والتشديد لا يعرف اسمه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد أورده متابعا لرواية زيادة بن جبير عن بن عمر وفي سياق الرواية الأولى اشعار برجحان المنع عند بن عمر فإن لفظه فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لم يكن يصوم يوم الأضحى والفطر ولا يرى صيامهما ووقع عندالاسماعيلي من الزيادة في آخره قال يونس بن عبيد فذكرت ذلك للحسن فقال يصوم يوما مكانه أخرجه من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع الذي أخرجه البخاري من طريقه قال الكرماني قوله لم يكن أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله ولا ترى بلفظ المتكلم فيكون من جملة مقول عبد الله بن عمر وفي بعضها بلفظ الغائب وفاعله عبد الله وقائله حكيم قلت ووقع في رواية يوسف بن يعقوب المذكورة بلفظ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر بصيامهما ومثله في رواية الإسماعيلي وجوز الكرماني بناء على تعدد القصة ان بن عمر تغير اجتهاده فجزم بالمنع بعد ان كان يتردد اه وليس فيما أجاب به بن عمر اولا وآخرا ما يصرح بالمنع في خصوص هذه القصة وقد بسطت القول في ذلك في باب صوم يوم النحر وبالله التوفيق

[ 6328 ] قوله يونس هو بن عبيد وصرح به الإسماعيلي من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع قوله فأعاد عليه زاد بن المنهال في روايته فخيل الى الرجل انه لم يفهم فأعاد عليه الكلام ثانية

قوله باب هل يدخل في الإيمان والنذور الأرض والغنم الزرع والامتعة قال بن عبد البر وتبعه جماعة المال في لغة دوس قبيلة أبي هريرة غير العين كالعروض والثياب وعند جماعة المال هو العين كالذهب والفضة والمعروف من كلام العرب ان كل ما يتمول ويملك فهو مال فأشار البخاري في الترجمة الى رجحان ذلك بما ذكره من الأحاديث كقول عمر أصبت ارضا لم اصب مالا قط أنفس منه وقول أبي طلحة احب اموالي الي بيرحاء وقول أبي هريرة لم نغنم ذهبا ولا ورقا ويؤيده قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فإنه يتناول كل ما يملكه الإنسان واما قول أهل اللغة العرب لا توقع اسم المال عند الإطلاق الا على الإبل لشرفها عندهم فلا يدفع اطلاقهم المال على غير الإبل فقد اطلقوه أيضا على غير الإبل من المواشي ووقع في السيرة فسلك في الأموال يعني الحوائط ونهى عن إضاعة المال وهو يتناول كل ما يتمول وقيل المراد به هنا الارقاء وقيل الحيوان كله وفي الحديث أيضا ما جاءك من الرزق وأنت غير مشرف فخذه وتموله وهو يتناول كل ما يتمول والأحاديث الثلاثة مخرجة في الصحيحين والموطأ وحكى عن ثعلب المال كل ما تجب فيه الزكاة قل أو كثر فما نقص عن ذلك فليس بمال وبه جزم بن الأنباري وقال غيره المال في الأصل العين ثم اطلق على كل ما يتملك واختلف السلف فيمن حلف أو نذر انه يتصدق بماله على مذاهب تقدم نقلها في باب إذا أهدى ماله ومن قال كأبي حنيفة لا يقع نذره الا على ما فيه الزكاة ومن قال كمالك يتناول جميع ما يقع عليه اسم مال قال بن بطال وأحاديث هذا الباب تشهد لقول مالك ومن تابعه وقال الكرماني معنى قول البخاري هل يدخل أي هل يصح اليمين او النذر على الأعيان مثل والذي نفسي بيده ان هذه الشملة لتشتعل عليه نارا ومثل ان يقول هذه الأرض لله ونحوه قلت والذي فهمه بن بطال أولى فإنه أشار الى ان مراد البخاري الرد على من قال إذا حلف أو نذر ان يتصدق بماله كله اختص ذلك بما فيه الزكاة دون ما يملكه مما سوى ذلك ونقل محمد بن نصر المروزي في كتاب الاختلاف عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن نذر ان يتصدق بماله كله يتصدق بما تجب فيه الزكاة من الذهب والفضة والمواشي لا فيما ملكه مما لا زكاة فيه من الأرضين والدور ومتاع البيت والرقيق والحمير ونحو ذلك فلا يجب عليه فيها شيء ثم نقل بقية المذاهب على نحو ما قدمته في باب من أهدى ماله فعلى هذا فمراد البخاري موافقة الجمهور وان المال يطلق على كل ما يتمول ونص أحمد على ان من قال مالي في المساكين انما يحمل ذلك على ما نوى أو على ما غلب على عرفه كما لو قال ذلك أعرابي فإنه لا يحمل ذلك الا على الإبل وحديث بن عمر في قول عمر تقدم موصولا مشروحا في كتاب الوصايا وقوله وقال أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري وقد تقدم موصولا ايضا هناك من حديث أنس في أبواب الوقف وتقدم شيء من شرحه في كتاب الزكاة وحديث أبي هريرة تقدم شرحه في غزوة خيبر من كتاب المغازي وقوله

[ 6329 ] فيه فلم نغنم ذهبا ولا فضة الا الأموال المتاع والثياب كذا للأكثر ولابن القاسم والقعنبي والمتاع بالعطف قال بعضهم وفي تنزيل ذلك على لغة دوس نظر لأنه استثنى الأموال من الذهب والفضة فدل على انه منها الا ان يكون ذلك منقطعا فتكون الا بمعنى لكن كذا قال والذي يطهر ان الاستثناء من الغنيمة التي في قوله فلم نغنم فنفى ان يكونوا غنموا العين واثبت انهم غنموا المال فدل على ان المال عنده غير العين وهو المطلوب وقوله الضبيب بضاد معجمة وموحدة مكررة بصيغة التصغير ومدعم بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين وقوله سهم عائر بعين مهملة وبعد الالف تحتانية لا يدري من رمى به والشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء وآخره كاف من سيور النعل وقد تقدم جميع ذلك بإعانة الله تعالى وله الحمد على كل حال