كتاب كفارات الأيمان
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب كفارات الإيمان في رواية غير أبي ذر باب وله عن المستملي كتاب الكفارات وسميت كفارة لأنها تكفر الذنب أي تستره ومنه قيل المزارع كافر لأنه يغطى البذر وقال الراغب الكفارة ما يعطى الحانث في اليمين واستعمل في كفارة القتل والظهار وهو من التكفير وهو ستر الفعل وتغطيته فيصير بمنزلة ما لم يعمل قال ويصح ان يكون أصله إزالة الكفر نحو التمريض في إزالة المرض وقد قال الله تعالى ولو ان أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم أي ازلناها واصل الكفر الستر يقال كفرت الشمس النجوم سترتها ويسمى السحاب الذي يستر الشمس كافرا ويسمى الليل كافرا لأنه يستر الأشياء عن العيون وتكفر الرجل بالسلاح إذا تستر به قوله وقول الله تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين يريد الى اخر الآية وقد تمسك به من قال بتعين العدد المذكور وهو قول الجمهور خلافا لمن قال لو أعطى ما يجب للعشرة واحدا كفى وهو مروى عن الحسن أخرجه بن أبي شيبة ولمن قال كذلك لكن قال عشرة أيام متوالية وهو مروي عن الأوزاعي حكاه بن المنذر وعن الثوري مثله لكن قال ان لم يجد العشرة قوله وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت ففدية من صيام أو صدقة أو نسك يشير الى حديث كعب بن عجرة الموصول في الباب قوله وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية يعني كعب بن عجرة كما ذكره في الباب قوله ويذكر عن بن عباس وعطاء وعكرمة ما كان في القرآن أو أو فصاحبه بالخيار اما اثر بن عباس فوصله سفيان الثوري في تفسيره عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن بن عباس قال كل شيء في القرآن أو نحو قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فهو فيه مخير وما كان فمن لم يجد فهو على الولاء أي على الترتيب وليث ضعيف ولذلك لم يجزم به المصنف وقد جاء عن مجاهد من قوله بسند صحيح عند الطبري وغيره وأما اثر عطاء فوصله الطبري من طريق بن جريج قال قال عطاء ما كان في القرآن أو أو فلصاحبه ان يختار اية شاء قال بن جريج وقال لي عمرو بن دينار نحوه وسنده صحيح وقد أخرجه بن عيينة في تفسيره عن بن جريج عن عطاء بلفظ الأصل وسنده صحيح أيضا وأما اثر عكرمة فوصله الطبري من طريق داود بن أبي هند عنه قال كل شيء في القرآن أو أو فليتخير أي الكفارات شاء فإذا كان فمن لم يجد فالأول الأول قال بن بطال هذا متفق عليه بين العلماء وانما اختلفوا في قدر الاطعام فقال الجمهور لكل انسان مد من طعام بمد الشارع صلى الله عليه وسلم وفرق مالك في جنس الطعام بين أهل المدينة فاعتبر ذلك في حقهم لأنه وسط من عيشهم بخلاف سائر الأمصار فالمعتبر في حق كل منهم ما هو وسط من عيشه وخالفه بن القاسم فوافق الجمهور وذهب الكوفيون الى ان الواجب اطعام نصف صاع والحجة للأول انه صلى الله عليه وسلم أمر في كفارة المواقع في رمضان بإطعام مد لكل مسكين قال وانما ذكر البخاري حديث كعب هنا من اجل آية التخيير فانها وردت في كفارة اليمين كما وردت في كفارة الأذى وتعقبه بن المنير فقال يحتمل ان يكون البخاري وافق الكوفيين في هذه المسألة فأورد حديث كعب بن عجرة لأنه وقع التنصيص في خبر كعب على نصف صاع ولم يثبت في قدر طعام الكفارة فحمل المطلق على المقيد قلت ويؤيده ان كفارة المواقع ككفارة الظهار وكفارة الظهار ورد النص فيها بالترتيب بخلاف كفارة الأذى فان النص ورد فيها بالتخيير وأيضا فإنهما متفقان في قدر الصيام بخلاف الظهار فكان حمل كفارة اليمين عليها لموافقتها لها في التخيير أولى من حملها على كفارة المواقع مع مخالفتها والى هذا أشار بن المنير وقد يستدل لذلك بما أخرجه بن ماجة عن بن عباس قال كفر النبي صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس بذلك فمن لم يجد فنصف صاع من بر وهذا لو ثبت لم يكن حجة لأنه لا قائل به وهو من رواية عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة وهو ضعيف جدا والذي يظهر لي ان البخاري أراد الرد على من أجاز في كفارة اليمين ان تبعض الخصلة من الثلاثة المخير فيها كمن اطعم خمسة وكساهم أو كسا خمسة غيرهم أو اعتق نصف رقبة وأطعم خمسة أو كساهم وقد نقل ذلك عن بعض الحنفية والمالكية وقد احتج من الحقها بكفارة الظهار بأن شرط حمل المطلق على المقيد ان لا يعارضه مقيد آخر فلما عارضه هنا والأصل براءة الذمة اخذ بالأقل وأيده الماوردي من حيث النظر بأنه في كفارة اليمين وصف بالاوسط وهو محمول على الجنس وأوسط ما يشبع الشخص رطلان من الخبز والمد رطل وثلث من الحب فإذا خبز كان قدر رطلين وأيضا فكفارة اليمين وان وافقت كفارة الأذى في التخيير لكنها زادت عليها بأن فيها ترتيبا لأن التخيير وقع بين الاطعام والكسوة والعتق والترتيب وقع بين الثلاثة وصيام ثلاثة أيام وكفارة الأذى وقع التخيير فيها بين الصيام والاطعام والذبح حسب قال بن الصباغ ليس في الكفارات ما فيه تخيير وترتيب الا كفارة اليمين وما ألحق بها

[ 6330 ] قوله أحمد بن يونس هو بن عبد الله بن يونس نسب لجده وأبو شهاب هو الأصغر واسمه عبد ربه بن نافع وابن عون هو عبد الله قوله أتيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الأصل وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق بشر بن المفضل عن بن عون بهذا السند عن كعب بن عجرة قال في نزلت هذه الآية فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وفي رواية معتمر بن سليمان عن بن عون عند الإسماعيلي نزلت في هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادن قوله قال وأخبرني بن عون هو مقول أبي شهاب وهو موصول بالأول وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق ازهر بن سعد عن بن عون به وقال في اخره فسره لي مجاهد فلم احفظه فسألت أيوب فقال الصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين والنسك ما استيسر من الهدي قلت وقد تقدم في الحج وفي التفسير من طرق أخرى عن مجاهد وفي الطب والمغازي من طريق أيوب عن مجاهد به وسياقها أتم وتقدم شرحه مستوفي في كتاب الصيام الحج

قوله باب متى تجب الكفارة على الغني والفقير وقول الله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم الى قوله العليم الحكيم كذا لأبي ذر ولغيره باب قول الله تعالى قد فرض الله لكم وساقوا الآية وبعدها متى تجب الكفارة على الغني والفقير وسقط لبعضهم ذكر الآية وأشار الكرماني الى تصويبه فقال قوله تحلة ايمانكم أي تحليلها بالكفارة والمناسب ان يذكر هذه الآية في الباب الذي قبله ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة المجامع في نهار رمضان وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام وقوله

[ 6331 ] فيه سفيان عن الزهري وقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري وتقدم أيضا بيان الاختلاف فيمن لا يجد ما يكفر به ولا يقدر على الصيام هل يسقط عنه أو يبقى في ذمته قال بن المنير مقصوده ان ينبه على ان الكفارة انما تجب بالحنث كما ان كفارة المواقع انما تجب باقتحام الذنب وأشار الى ان الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم فقره وأعطاه مع ذلك ما يكفر به كما لو أعطى الفقير ما يقضي به دينه قال ولعله كما نبه على احتجاج الكوفيين بالفدية نبه هنا على ما احتج به من خالفهم من الحاقها بكفارة المواقع وانه مد لكل مسكين

قوله باب من أعان المعسر في الكفارة ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور قبل وهو ظاهر فيما ترجم له فكما جاز إعانة المعسر بالكفارة عن وقاعه في رمضان كذلك تجوز إعانة المعسر بالكفارة عن يمينه إذا حنث فيه

قوله باب يعطى في الكفارة عشرة مساكين قريبا كان أي المسكين أو بعيدا اما العدد فبنص القرآن في كفارة اليمين وقد ذكرت الخلاف فيه قريبا واما التسوية بين القريب والبعيد فقال بن المنير ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور قبله وليس فيه الا

[ 6333 ] قوله اطعمه أهلك لكن إذا جاز إعطاء الاقرباء فالبعداء اجوز وقاس كفارة اليمين على كفارة الجماع في الصيام في إجازة الصرف الى الاقرباء قلت وهو على رأي من حمل قوله اطعمه أهلك على انه في الكفارة واما من حمله على انه أعطاه التمر المذكور في الحديث لينفقه عليهم وتستمر الكفارة في ذمته الى ان يحصل له يسرة فلا يتجه الإلحاق وكذا على قول من يقول تسقط عن المعسر مطلقا وقد تقدم البحث في ذلك وبيان الاختلاف فيه في كتاب الصيام ومذهب الشافعي جواز إعطاء الاقرباء الا من تلزمه نفقته ومن فروع المسألة اشتراط الإيمان فيمن يعطيه وهو قول الجمهور وأجاز أصحاب الرأي إعطاء أهل الذمة منه ووافقهم أبو ثور وقال الثوري يجزئ ان لم يجد المسلمين واخرج بن أبي شيبة عن النخعي والشعبي مثله وعن الحكم كالجمهور

قوله باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته أشار في الترجمة الى وجوب الإخراج في الواجبات بصاع أهل المدينة لأن التشريع وقع على ذلك اولا وأكد ذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالبركة في ذلك قوله وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن أشار بذلك الى ان مقدار المد والصاع في المدينة لم يتغير لتواتره عندهم الى زمنه وبهذا احتج مالك على أبي يوسف في القصة المشهورة بينهما فرجع أبو يوسف عن قول الكوفيين في قدر الصاع الى قول أهل المدينة ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث السائب بن يزيد وقوله

[ 6334 ] كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز قال بن بطال هذا يدل على ان مدهم حين حدث به السائب كان أربعة ارطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة ارطال وثلث وهو الصاع بدليل ان مد صلى الله عليه وسلم رطل وثلث وصاعه أربعة امداد ثم قال مقدار ما زيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز لا نعلمه وانما الحديث يدل على ان مدهم ثلاثة امداد بمده انتهى ومن لازم ما قال ان يكون صاعهم ستة عشر رطلا لكن لعله لم يعلم مقدار الرطل عندهم إذ ذاك وقد تقدم في باب الوضوء بالمد من كتاب الطهارة بيان الاختلاف في مقدار المد والصاع ومن فرق بين الماء وغيره من المكيلات فخص صاع الماء بكونه ثمانية ارطال ومده برطلين فقصر الخلاف على غير الماء من المكيلات الحديث الثاني

[ 6335 ] قوله حدثنا أبو قتيبة وهو سلم بفتح المهملة وسكون اللام وفي رواية الدارقطني من وجه اخر عن المنذر حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة قلت وهو الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر المهملة بصرى أصله من خراسان أدركه البخاري بالسن ومات قبل ان يلقاه وهو غير سلم بن قتيبة الباهلي ولد أمير خراسان قتيبة بن سلم وقد ولي هو امرة البصرة وهو أكبر من الشعيري ومات قبله بأكثر من خمسين سنة قوله المد الأول هو نعت مد النبي صلى الله عليه وسلم وهي صفة لازمة له وأراد نافع بذلك انه كان لا يعطى بالمد الذي أحدثه هشام قال بن بطال وهو أكبر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بثلثي رطل وهو كما قال فان المد الهشامي رطلان والصاع منه ثمانية ارطال قوله قال لنا مالك هو مقول أبي قتيبة وهو موصول قوله مدنا أعظم من مدكم يعني في البركة أي مد المدينة وان كان دون مد هشام في القدر لكن مد المدينة مخصوص با لبركة الحاصلة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها فهو أعظم من مد هشام ثم فسر مالك مراده بقوله ولا نرى الفضل الا في مد النبي صلى الله عليه وسلم قوله وقال لي مالك لو جاءكم أمير الخ أراد مالك بذلك الزام مخالفه إذ لا فرق بين الزياده والنقصان في مطلق المخالفة فلو احتج الذي تمسك بالمد الهشامي في إخراج زكاة الفطر وغيرها مما شرع إخراجه بالمد كاطعام المساكين في كفارة اليمين بان الاخذ بالزائد أولى قيل كفى باتباع ما قدره الشارع بركة فلو جازت المخالفة بالزيادة لجازت مخالفته بالنقص فلما امتنع المخالف من الاخذ بالناقص قال له أفلا ترى ان الأمر انما يرجع الى مد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا تعارضت الامداد الثلاثة الأول والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه وان لم يقع وهو دون الأول كان الرجوع الى الأول أولى لأنه الذي تحققت شرعيته قال بن بطال والحجة فيه نقل أهل المدينة له قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل قال وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا في تقدير المد والصاع الى مالك وأخذ بقوله تنبيه هذا الحديث غريب لم يروه عن مالك الا أبو قتيبة ولا عنه الا المنذر وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وعلى أبي نعيم فلم يستخرجاه بل ذكراه من طريق البخاري وقد أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق البخاري وأخرجه أيضا عن بن عقدة عن الحسين بن القاسم البجلي عن المنذر به دون كلام مالك وقال صحيح أخرجه البخاري عن المنذر به الحديث الثالث حديث أنس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم وقد تقدم في البيوع عن القعنبي عن مالك وزاد في اخره يعني أهل المدينة وكذا عند رواة الموطأ عن مالك قال بن المنير يحتمل ان تختص هذه الدعوة بالمد الذي كان حينئذ حتى لا يدخل المد الحادث بعده ويحتمل ان تعم كل مكيال لأهل المدينة الى الأبد قال والظاهر الثاني كذا قال وكلام مالك المذكور في الذي قبله يجنح الى الأول وهو المعتمد وقد تغيرت المكاييل في المدينة بعد عصر مالك والى هذا الزمان وقد وجد مصداق الدعوة بأن بورك في مدهم وصاعهم بحيث اعتبر قدرهما أكثر فقهاء الأمصار ومقلدوهم الى اليوم في غالب الكفارات والى هذا أشار المهلب والله اعلم

قوله باب قول الله عز وجل أو تحرير رقبة يشير الى ان الرقبة في آية كفارة اليمين مطلقة بخلاف آية كفارة القتل فانها قيدت بالإيمان قال بن بطال حمل الجمهور ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد كما حملوا المطلق في قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم على المقيد في قوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وخالف الكوفيون فقالوا يجوز اعتاق الكافر ووافقهم أبو ثور وابن المنذر واحتج له في كتابه الكبير بأن كفارة القتل مغلظة بخلاف كفارة اليمين ومن ثم اشترط التتابع في صيام القتل دون اليمين قوله وأي الرقاب ازكى يشير الى الحديث الماضي في أوائل العتق عن أبي ذر وفيه قلت فأي الرقاب أفضل قال اغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وكأن البخاري رمز بذلك الى موافقة الكوفيين لأن افعل التفضيل يقتضي الاشتراك في أصل الحكم وقال بن المنير لم يبت البخاري الحكم في ذلك ولكنه ذكر الفضل في عتق المؤمنة لينبه على مجال النظر فلقائل ان يقول إذا وجب عتق الرقبة في كفارة اليمين كان الاخذ بالأفضل احوط والا كان المكفر بغير المؤمنة على شك في براءة الذمة قال وهذا أقوى من الاستشهاد بحمل المطلق على المقيد لظهور الفرق بينهما ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة من اعتق رقبة مسلمة وقد تقدم أيضا في أوائل العتق من وجه اخر عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة وذكر فيه قصة لسعيد بن مرجانة مع علي بن حسين أي بن علي بن أبي طالب الملقب زين العابدين وهو المذكور هنا أيضا وكأنه بعد ان سمعه من سعيد بن مرجانة وعمل به حدث به عن سعيد فسمعه منه زيد بن اسلم وفي رواية الباب زيادة في اخره وهي

[ 6337 ] قوله حتى فرجه بفرجه وحتى هنا عاطفة لوجود شرائط العطف فيها فيكون فرجه بالنصب وقد تقدمت فوائد هذا الحديث وبيان ما ورد فيه من الزيادة هناك واخرج مسلم حديث الباب عن داود بن رشيد شيخ شيخ البخاري فيه وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين فان بينه وبين أبي غسان محمد بن مطرف في عدة أحاديث في كتابه راويا واحدا كسعيد بن أبي مريم في الصيام والنكاح والاشربة وغيرها وكعلي بن عياش في البيوع والأدب ومحمد بن عبد الرحيم شيخه فيه هوالمعروف بصاعقة وهو من أقرانه وداود بن رشيد بشين ومعجمة مصغر من طبقة شيوخه الوسطى وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق زيد وعلي وسعيد والثلاثة مدنيون وزيد وعلي قرينان

قوله باب عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة وعتق ولد الزنا ذكر فيه حديث جابر في عتق المدبر وعمرو في السند هو بن دينار وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب العتق وبيان الاختلاف فيه والاحتجاج لمن قال بصحة بيعه وقضية ذلك صحة عتقه في الكفارة لان صحة بيعه فرع بقاء الملك فيه فيصح تنجيز عتقه وأما أم الولد فحكمها حكم الرقيق في أكثر الاحكام كالجناية والحدود واستمتاع السيد وذهب كثير من العلماء الى جواز بيعها ولكن استقر الأمر على عدم صحته واجمعوا على جواز تنجيز عتقها فتجزئ في الكفارة واما عتق المكاتب فأجازه مالك والشافعي والثوري كذا حكاه بن المنذر وعن مالك أيضا لا يجزئ أصلا وقال أصحاب الرأي ان كان أدى بعض الكتابة لم يجزئ لأنه يكون اعتق بعض الرقبة وبه قال الأوزاعي والليث وعن أحمد وإسحاق ان أدى الثلث فصاعدا لم يجزئ قوله وقال طاوس يجزئ المدبر وأم الولد وصله بن أبي شيبة من طريقه بلفظ يجزئ عتق المدبر في الكفارة وأم الولد في الظهار وقد اختلف السلف فوافق طاوسا الحسن في المدبر والنخعي في أم الولد وخالفه فيهما الزهري والشعبي وقال مالك والأوزاعي لا يجزئ في الكفارة مدبر ولا أم ولد ولا معلق عتقه وهو قول الكوفيين وقال الشافعي يجزئ عتق المدبر وقال أبو ثور يجزئ عتق المكاتب ما دام عليه شيء من كتابته واحتج لمالك بأن هؤلاء ثبت لهم عقد حرية لا سبيل الى رفعها والواجب في الكفارة تحرير رقبة وأجاب الشافعي بأنه لو كانت في المدبر شعبة من حرية ما جاز بيعه واما عتق ولد الزنا فقال بن المنير لا اعلم مناسبة بين عتق ولد الزنا وبين ما أدخله في الباب الا ان يكون المخالف في عتقه خالف في عتق ما تقدم ذكره فاستدل عليه بأنه لا قائل بالفرق ثم قال ويظهر انه لما جوز عتق المدبر واستدل له ولم يأت في أم الولد الا بقول طاوس ولا في ولد الزنا بشيء أشار الى انه قد تقدم الحث على عتق الرقبة المؤمنة فيدخل ما ذكر بعده في العموم بل في الخصوص لأن ولد الزنا مع ايمانه أفضل من الكافر قلت جاء المنع من ذلك في الحديث الذي أخرجه البيهقي بسند صحيح عن الزهري أخبرني أبو حسن مولى عبد الله بن الحارث وكان من أهل العلم والصلاح انه سمع امرأة تقول لعبد الله بن نوفل تستفيه في غلام لها بن زنية تعتقه في رقبة كانت عليها فقال لا أراه يجزنك سمعت عمر يقول لن احمل على نعلين في سبيل الله احب الى من ان اعتق بن زنية وصح عن أبي هريرة قال لأن اتبع بسوط في سبيل الله احب الي من ان اعتق ولد زنية أخرجه بن أبي شيبة نعم في الموطأ عن أبي هريرة انه أفتى بعتق ولد الزنا وعن بن عمر انه اعتق بن زنا وأخرجه بن أبي شيبة والبيهقي بسند صحيح عنه وزاد قد أمرنا الله ان نمن على من هو شر منه قال الله تعالى فاما منا بعد واما فداء وقال الجمهور يجزئ عتقه وكرهه علي وابن عباس وابن عمرو بن العاص أخرجه بن أبي شيبة عنهم بأسانيد لينة ومنع الشعبي والنخعي والأوزاعي واخرج بن أبي شيبة ذلك بسند صحيح عن الأولين والحجة للجمهور قوله تعالى أو تحرير رقبة وقد صح ملك الحالف له فيصح اعتاقه له وقد اخرج بن المنذر بسند صحيح عن أبي الخير عن عقبة بن عامر انه سئل عن ذلك فمنع قال أبو الخير فسألنا فضالة بن عبيد فقال يغفر الله لعقبة وهل هو الا نسمة من النسم وذكر المصنف حديث جابر في بيع المدبر فأشار في الترجمة الى انه إذا جاز بيعه جاز ما ذكر معه بطريق الأولى

قوله باب إذا اعتق عبدا بينه وبين اخر أي في الكفارة ثبتت هذه الترجمة المستملي وحده بغير حديث فكأن المصنف أراد ان يثبت فيها حديث الباب الذي بعده من وجه آخر فلم يتفق أو تردد في الترجمتين فاقتصر الأكثر على الترجمة التي تلي هذه وكتب المستملي الترجمتين احتياطا والحديث في الباب الذي يليه صالح لهما بضرب من التأويل وجمع أبو نعيم الترجمتين في باب واحد

قوله باب إذا اعتق في الكفارة لمن يكون ولاؤه أي العتيق ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة مختصرا وفي آخره فإنما الولاء لمن اعتق وقضيته ان كل من اعتق فصح عتقه كان الولاء له فيدخل في ذلك ما لو اعتق العبد المشترك فإنه ان كان موسرا صح وضمن لشريكه حصته ولا فرق بين ان يعتقه مجانا أو عن الكفارة وهذا قول الجمهور ومنهم صاحبا أبي حنيفة وعن أبي حنيفة لا يجزئه عتق العبد المشترك عن الكفارة لأنه يكون اعتق بعض عبد لا جميعه لأن الشريك عنده يخير بين ان يقوم عليه نصيبه وبين ان يعتقه هو وبين ان يستسعى العبد في نصيب الشريك

قوله باب الاستثناء في الإيمان وقع في بعض النسخ اليمين وعليها شرح بن بطال والاستثناء استفعال من الثنيا بضم المثلثة وسكون النون بعدها تحتانية ويقال لها الثنوى أيضا بواو بدل الياء مع فتح أوله وهي من ثنيت الشيء إذا عطفته كأن المستثنى عطف بعض ما ذكره لأنها في الاصطلاح إخراج بعض ما يتناوله اللفظ وأدلتها الا وأخواتها وتطلق أيضا على التعاليق ومنها التعليق على المشيئة وهو المراد في هذه الترجمة فإذا قال لأفعلن كذا ان شاء الله تعالى استثنى وكذا إذا قال لا افعل كذا ان شاء الله ومثله في الحكم ان يقول الا ان يشاء الله أو الا ان شاء الله ولو اتى بالارادة والاختيار بدل المشيئة جاز فلو لم يفعل إذا اثبت أو فعل إذا نفى لم يحنث فلو قال الا ان غير الله نيتي أو بدل أو الا ان يبدو لي أو يظهر أو الا ان أشاء أو أريد أو اختار فهو استنثناء أيضا لكن يشترط وجود المشروط واتفق العلماء كما حكاه بن المنذر على ان شرط الحكم بالاستثناء ان يتلفظ المستثنى به وانه لا يكفي القصد اليه بغير لفظ وذكر عياض ان بعض المتأخرين منهم خرج من قول مالك ان اليمين تنعقد بالنية ان الاستثناء يجزيء بالنية لكن نقل في التهذيب ان مالكا نص على اشتراط التلفظ باليمين وأجاب الباجي بالفرق ان اليمين عقد والاستثناء حل والعقد أبلغ من الحل فلا يلتحق باليمين قال بن المنذر واختلفوا في وقته فالأكثر على انه يشترط ان يتصل بالحلف قال مالك إذا سكت أو قطع كلامه فلا ثنيا وقال الشافعي يشترط وصل الاستثناء بالكلام الأول ووصله ان يكون نسقا فان كان بينهما سكوت انقطع الا ان كانت سكتة تذكر أو تنفس أو عي أو انقطاع صوت وكذا يقطعه الاخذ في كلام اخر ولخصه بن الحاجب فقال شرطه الاتصال لفظا أو في ما في حكمه كقطعه لتنفس أو سعال ونحوه مما لا يمنع الاتصال عرفا واختلف هل يقطعه ما يقطعه القبول عن الإيجاب على وجهين للشافعية أصحهما انه ينقطع بالكلام اليسير الأجنبي وان لم ينقطع به الإيجاب والقبول وفي وجه لو تخلل استغفر الله لم ينقطع وتوقف فيه النووي ونص الشافعي يؤيده حيث قال تذكر فإنه من صور التذكر عرفا ويلتحق به لا إله إلا الله ونحوها وعن طاوس والحسن له ان يستثنى ما دام في المجلس وعن أحمد نحوه وقال ما دام في ذلك الأمر وعن إسحاق مثله وقال الا ان يقع سكوت وعن قتادة إذا استثنى قبل ان يقوم أو يتكلم وعن عطاء قدر حلب ناقة وعن سعيد بن جبير الى أربعة اشهر وعن مجاهد بعد سنتين وعن بن عباس أقوال منها له ولو بعد حين وعنه كقول سعيد وعنه شهر وعنه سنة وعنه أبدا قال أبو عبيد وهذا لا يؤخذ على ظاهره لأنه يلزم منه ان لا يحنث أحد في يمينه وان لا تتصور الكفارة التي اوجبها الله تعالى على الحالف قال ولكن وجه الخبر سقوط الإثم عن الحالف لتركه الاستثناء لأنه مأمور به في قوله تعالى ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فقال بن عباس إذا لعلي ان يقول ان شاء الله يستدركه ولم يرد ان الحالف إذا قال ذلك بعد ان انقضى كلامه ان ما عقده باليمين ينحل وحاصله حمل الاستثناء المنقول عنه على لفظ ان شاء الله فقط وحمل ان شاء الله على التبرك وعلى ذلك حمل الحديث المرفوع الذي أخرجه أبو داود وغيره موصولا ومرسلا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لأغزون قريشا ثلاثا ثم سكت ثم قال ان شاء الله أو على السكوت لتنفس أو نحوه وكذا ما أخرجه بن إسحاق في سؤال من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف غدا اجيبكم فتأخر الوحي فنزلت ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فقال ان شاء الله مع ان هذا لم يرد هكذا من وجه ثابت ومن الأدلة على اشتراط اتصال الاستثناء بالكلام قوله في حديث الباب فليكفر عن يمينه فإنه لو كان الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال فليستثن لأنه أسهل من التكفير وكذا قوله تعالى لأيوب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث فان قوله استثن أسهل من التحيل لحل اليمين بالضرب وللزم منه بطلان الاقرارات والطلاق والعتق فيستثنى من أقر أو طلق أو عتق بعد زمان ويرتفع حكم ذلك فالأولى تأويل ما نقل عن بن عباس وغيره من السلف في ذلك وإذا تقرر ذلك فقد اختلف هل يشترط قصد الاستثناء من أول الكلام اولا حكى الرافعي فيه وجهين ونقل عن أبي بكر الفارسي انه نقل الإجماع على اشتراط وقوعه قبل فراغ الكلام وعلله بأن الاستثناء بعد الانفصال ينشأ بعد وقوع الطلاق مثلا وهو واضح ونقله معارض بما نقله بن حزم انه لو وقع متصلا به كفى واستدل بحديث بن عمر رفعه من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث واحتج بأنه عقب الحلف بالاستثناء باللفظ وحينئذ يتحصل ثلاث صور ان يقصد من أوله أو من اثنائه ولو قبل فراغه أو بعد تمامه فيختص نقل الإجماع بأنه لا يفيد في الثالث وأبعد من فهم انه لا يفيد في الثاني أيضا والمراد بالإجماع المذكور إجماع من قال يشترط الاتصال والا فالخلاف ثابت كما تقدم والله اعلم وقال بن العربي قال بعض علمائنا يشترط الاستثناء قبل تمام اليمين قال والذي أقول انه لو نوى الاستثناء مع اليمين لم يكن يمينا ولا استثناء وانما حقيقة الاستثناء ان يقع بعد عقد اليمين فيحلها الاستثناء المتصل باليمين واتفقوا على ان من قال لا افعل كذا ان شاء الله إذا قصد به التبرك فقط ففعل يحنث وان قصد الاستثناء فلا حنث عليه واختلفوا إذا اطلق أو قدم الاستثناء على الحلف أو اخره هل يفترق الحكم وقد تقدم في كتاب الطلاق واتفقوا على دخول الاستثناء في كل ما يحلف به الا الأوزاعي فقال لا يدخل في الطلاق والعتق والمشي الى بيت الله وكذا جاء عن طاوس وعن مالك مثله وعنه الا المشي وقال الحسن وقتادة وابن أبي ليل والليث يدخل في الجميع الا الطلاق وعن أحمد يدخل الجميع الا العتق واحتج بتشوف الشارع له وورد فيه حديث عن معاذ رفعه إذا قال لامرأته أنت طالق ان شاء الله لم تطلق وان قال لعبده أنت حر ان شاء الله فإنه حر قال البيهقي تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول واختلف عليه في إسناده واحتج من قال لا يدخل في الطلاق بأنه لا تحله الكفارة وهي اغلظ على الحالف من النطق بالاستثناء فلما لم يحله الاقوى لم يحله الا ضعف وقال بن العربي الاستثناء أخو الكفارة وقد قال الله تعالى ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم فلا يدخل في ذلك الا اليمين الشرعية وهي الحلف بالله

[ 6340 ] قوله حماد هو بن زيد لأن قتيبة لم يدرك حماد بن سلمة وغيلان بفتح المعجمة وسكون التحتانية قوله فأتى بابل كذا للأكثر ووقع هنا في رواية الأصيلي وكذا لأبي ذر عن السرخسي والمستملي بشائل بعد الموحدة شين معجمة وبعد الالف تحتانية مهموزة ثم لام قال بن بطال ان صحت فأظنها شوائل كأنه ظن ان لفظ شائل خاص بالمفرد وليس كذلك بل هو اسم جنس وقال بن التين جاء هكذا بلفظ الواحد والمراد به الجمع كالسامر وقال صاحب العين ناقة شائلة ونوق شائل التي جف لبنها وشولت الإبل بالتشديد لصقت بطونها بظهورها وقال الخطابي ناقة شائل قل لبنها وأصله من شال الشيء إذا ارتفع كالميزان والجمع شول كصاحب وصحب وجاء شوائل جمع شائل وفيما نقل من خط الدمياطي الحافظ الشائل الناقة التي تشول بذنبها للقاح وليس لها لبن والجمع شول بالتشديد كراكع وركع وحكى قاسم بن ثابت في الدلائل عن الأصمعي إذا اتى على الناقة من يوم حملها سبعة اشهر جف لبنها فهي شائلة والجمع شول بالتخفيف وإذا شالت بذنبها بعد اللقاح فهي شائل والجمع شول بالتشديد وهذا تحقيق بالغ واما ما وقع في المطالع ان سائل جمع شائلة فليس بجيد قوله فأمر لنا أي أمر انا نعطي ذلك قوله بثلاث ذود كذا لأبي ذر ولغيره بثلاثة ذود وقيل الصواب الأول لأن الذود مؤنث وقد وقع في رواية أبي السليل عن زهدم كذلك أخرجه البيهقي وأخرجه مسلم بسنده وتوجيه الأخرى انه ذكر باعتبار لفظ الذود أو انه يطلق على الذكور والاناث أو الرواية بالتنوين وذود اما بدل فيكون مجرورا أو مستأنف فيكون مرفوعا والذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة من الثلاث الى العشر وقيل الى السبع وقيل من الإثنين الى التسع من النوق قال في الصحاح لا واحد له من لفظه والكثير اذواد والأكثر على انه خاص بالإناث وقد يطلق على الذكور أو على أعم من ذلك كما في قوله وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ويؤخذ من هذا الحديث أيضا ان الذود يطلق على الواحد بخلاف ما اطلق الجوهري وتقدم في المغازي بلفظ خمس ذود وقال بن التين الله اعلم أيهما يصح قلت لعل الجمع بينهما يحصل من الرواية التي تقدمت في غزوة تبوك بلفظ خذ هذين القرينين فلعل رواية الثلاث باعتبار ثلاثة أزواج ورواية الخمس باعتبار ان أحد الأزواج كان قرينه تبعا فاعتد به تارة ولم يعتد به أخرى ويمكن ان يجمع بأنه أمر لهم بثلاث ذود اولا ثم زادهم اثنين فإن لفظ زهدم ثم اتى بنهب ذود غر الذرى فاعطاني خمس ذود فوقعت في رواية زهدم جملة ما اعطاهم وفي رواية غيلان عن أبي بردة مبدأ ما أمر لهم به ولم يذكر الزيادة وأما رواية خذ هذين القرينين ثلاث مرار وقد مضى في المغازي بلفظ أصرح منها وهو قوله ستة ابعرة فعلى ما تقدم ان تكون السادسة كانت تبعا ولم تكن ذروتها موصوفة بذلك قوله اني والله ان شاء الله قال أبو موسى المديني في كتابه الثمين في استثناء اليمين لم يقع قوله ان شاء الله في أكثر الطرق لحديث أبي موسى وسقط لفظ والله من نسخة بن المنير فاعترض بأنه ليس في حديث أبي موسى يمين وليس كما ظن بل هي ثابتة في الأصول وانما أراد البخاري بإيراده بيان صيغة الاستثناء بالمشيئة وأشار أبو موسى المديني في الكتاب المذكور الى انه صلى الله عليه وسلم قالها للتبرك لا للاستثناء وهو خلاف الظاهر قوله الا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وكفرت كذا وقع لفظ وكفرت مكررا في رواية السرخسي قوله حدثنا أبو النعمان هو محمد بن الفضل وحماد أيضا هو بن زيد قوله وقال الا كفرت يعني ساق الحديث كله بالإسناد المذكور ولكنه قال كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت فزاد فيه التردد في تقديم الكفارة وتأخيرها وكذا أخرجه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد بالترديد فيه أيضا ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة في قصة سليمان وفيه فقال له صاحبه قل ان شاء الله فنسي وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال ان شاء الله قال وقال مرة لو استثنى وقد استدل به من جوز الاستثناء بعد انفصال اليمين بزمن يسير كما تقدم تفصيله وأجاب القرطبي عن ذلك بأن يمين سليمان طالت كلماتها فيجوز ان يكون قول صاحبه له قل ان شاء الله وقع في اثنائه فلا يبقى فيه حجة ولو عقبه بالرواية بالفاء فلا يبقى الاحتمال وقال بن التين ليس الاستثناء في قصة سليمان الذي يرفع حكم اليمين ويحل عقده وانما هو بمعنى الإقرار لله بالمشيئة والتسليم لحكمه فهو نحو قوله ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله وقال أبو موسى في كتابه المذكور نحو ذلك ثم قال بعد ذلك وانما أخرج مسلم من رواية عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث كذا قال وليس هو عند مسلم بهذا اللفظ وانما اخرج قصة سليمان وفي آخره لو قال ان شاء الله لم يحنث نعم أخرجه الترمذي والنسائي من هذا الوجه بلفظ من قال الخ قال الترمذي سألت محمد عنه فقال هذا خطأ أخطأ فيه عبد الرزاق فاختصره من حديث معمر بهذا الإسناد في قصة سليمان بن داود قلت وقد أخرجه البخاري في كتاب النكاح عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق بتمامه وأشرت الى ما فيه من فائدة وكذا أخرجه مسلم وقد اعترض بن العربي بأن ما جاء به عبد الرزاق في هذه الرواية لا يناقض غيرها لأن ألفاظ الحديث تختلف باختلاف أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في التعبير عنها لتبين الاحكام بألفاظ أي فيخاطب كل قوم بما يكون اوصل لأفهامهم واما بنقل الحديث على المعنى على أحد القولين وأجاب شيخنا في شرح الترمذي بأن الذي جاء به عبد الرزاق في هذه الرواية ليس وافيا بالمعنى الذي تضمنته الرواية التي اختصره منها فإنه لا يلزم من قوله صلى الله عليه وسلم لو قال سليمان ان شاء الله لم يحنث ان يكون الحكم كذلك في حق كل أحد غير سليمان وشرط الرواية بالمعنى عدم التخالف وهنا تخالف بالخصوص والعموم قلت وإذا كان مخرج الحديث واحدا فالأصل عدم التعدد لكن قد جاء لرواية عبد الرزاق المختصرة شاهد من حديث بن عمر أخرجه أصحاب السنن الأربعة وحسنه الترمذي وصححه الحاكم من طريق عبد الوارث عن أيوب وهو السختياني عن نافع عن بن عمر مرفوعا من حلف على يمين فقال ان شاء الله فلا حنث عليه قال الترمذي رواه غير واحد عن نافع موقوفا وكذا رواه سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ولا نعلم أحدا رفعه غير أيوب وقال إسماعيل بن إبراهيم كان أيوب أحيانا يرفعه وأحيانا لا يرفعه وذكر في العلل أنه سأل محمدا عنه فقال أصحاب نافع رووه موقوفا الا أيوب ويقولون ان أيوب في اخر الأمر وقفه وأسند البيهقي عن حماد بن زيد قال كان أيوب يرفعه ثم تركه وذكر البيهقي انه جاء من رواية أيوب بن موسى وكثير بن فرقد وموسى بن عقبة وعبد الله بن العمري المكبر وأبي عمرو بن العلاء وحسان بن عطية كلهم عن نافع مرفوعا انتهى ورواية أيوب بن موسى أخرجها بن حبان في صحيحه ورواية كثير أخرجها النسائي والحاكم في مستدركه ورواية موسى بن عقبة أخرجها بن عدي في ترجمة داود بن عطاء أحد الضعفاء عنه وكذا اخرج رواية أبي عمرو بن العلاء واخرج البيهقي رواية حسان بن عطية ورواية العمري وأخرجه بن أبي شيبة وسعيد بن منصور والبيهقي من طريق مالك وغيره عن نافع موقوفا وكذا اخرج سعيد والبيهقي من طريقه رواية سالم والله اعلم وتعقب بعض الشراح كلام الترمذي في قوله لم يرفعه غير أيوب وكذا رواه سالم عن أبيه موقوفا قال شيخنا قلت قد رواه هو من طريق موسى بن عقبة مرفوعا ولفظه من حلف على يمين فاستثنى على اثره ثم لم يفعل ما قال لم يحنث انتهى ولم أر هذا في الترمذي ولا ذكره المزي في ترجمة موسى بن عقبة عن نافع في الأطراف وقد جزم جماعة ان سليمان عليه السلام كان قد حلف كما سأبينه والحق ان مراد البخاري من إيراد قصة سليمان في هذا الباب ان يبين ان الاستثناء في اليمين يقع بصيغة ان شاء الله فذكر حديث أبي موسى المصرح بذكرها مع اليمين ثم ذكر قصة سليمان لمجئ قوله صلى الله عليه وسلم فيها تارة بلفظ لو قال ان شاء الله وتارة بلفظ لو استثنى فأطلق على لفظ ان شاء الله انه استثناء فلا يعترض عليه بأنه ليس في قصة سليمان يمين وقال بن المنير في الحاشية وكأن البخاري يقول إذا استثنى من الاخبار فكيف لا يستثني من الأخبار المؤكد بالقسم وهو أحوج في التفويض الى المشيئة

[ 6341 ] قوله عن هشام بن حجير بمهملة ثم جيم مصغر هو المكي ووقع في رواية الحميدي عن سفيان بن عيينة حدثنا هشام بن حجير قوله لاطوفن اللام جواب القسم كأنه قال مثلا والله لأطوفن ويرشد اليه ذكر الحنث في قوله لم يحنث لأن ثبوته ونفيه يدل على سبق اليمين وقال بعضهم اللام ابتدائية والمراد بعدم الحنث وقوع ما أراد وقد مشى بن المنذر على هذا في كتابه الكبير فقال باب استحباب الاستثناء في غير اليمين لمن قال سأفعل كذا وساق هذا الحديث وجزم النووي بأن الذي جرى منه ليس بيمين لأنه ليس في الحديث تصريح بيمين كذا قال وقد ثبت ذلك في بعض طرق الحديث واختلف في الذي حلف عليه هل هو جميع ما ذكر أو دورانه على النساء فقط دون ما بعده من الحمل والوضع وغيرهما والثاني أوجه لأنه الذي يقدر عليه بخلاف ما بعده فإنه ليس اليه وانما هو مجرد تمني حصول ما يستلزم جلب الخير له والا فلو كان حلف على جميع ذلك لم يكن الا بوحي ولو كان بوحي لم يتخلف ولو كان بغير وحي لزم انه حلف على غير مقدور له وذلك لا يليق بجنابه قلت وما المانع من جواز ذلك ويكون لشدة وثوقه بحصول مقصوده وجزم بذلك وأكد بالحلف فقد ثبت في الحديث الصحيح ان من عباد الله من لو اقسم على الله لأبره وقد مضى شرحه في غزوة أحد قوله تسعين تقدم بيان الاختلاف في العدد المذكور في ترجمة سليمان عليه السلام من أحاديث الأنبياء وذكر أبو موسى المديني في كتابه المذكور ان في بعض نسخ مسلم عقب قصة سليمان هذا الاختلاف في هذا العدد وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وانما هو من الناقلين ونقل الكرماني انه ليس في الصحيح أكثر اختلافا في العدد من هذه القصة قلت وغاب عن هذا القائل حديث جابر في قدر ثمن الجمل وقد مضى بيان الاختلاف فيه في الشروط وتقدم جواب النووي ومن وافقه في الجواب عن اختلاف العدد في قصة سليمان بأن مفهوم العدد ليس بحجة عند الجمهور فذكر القليل لا ينفي ذكر الكثير وقد تعقب بأن الشافعي نص على ان مفهوم العدد حجة وجزم بنقله عنه الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما ولكن شرطه ان لا يخالفه المنطوق قلت والذي يظهر مع كون مخرج الحديث عن أبي هريرة واختلاف الرواة عنه ان الحكم للزائد لأن الجميع ثقات وتقدم هناك توجيه آخر قوله تلد فيه حذف تقديره فتعلق فتحمل فتلد وكذا في قوله يقاتل تقديره فينشأ فيتعلم الفروسية فيقاتل وساغ الحذف لأن كل فعل منها مسبب عن الذي قبله وسبب السببب سبب قوله فقال له صاحبه قال سفيان يعني الملك هكذا فسر سفيان بن عيينة في هذه الرواية ان صاحب سليمان الملك وتقدم في النكاح من وجه اخر الجزم بأنه الملك قوله فنسي زاد في النكاح فلم يقل قيل الحكمة في ذلك انه صرف عن الاستثناء السابق القدر وأبعد من قال في الكلام تقديم وتأخير والتقدير فلم يقل ان شاء الله فقيل له قل ان شاء الله وهذا ان كان سببه ان قوله فنسي يغني عن قوله فلم يقل فكذا يقال ان قوله فقال له صاحبه قل ان شاء الله فيستلزم انه كان لم يقلها فالأولى عدم ادعاء التقديم والتأخير ومن هنا يتبين ان تجويز من ادعى انه تعمد الحنث مع كونه معصية لكونها صغيرة لا يؤاخذ بها لم يصب دعوى ولا دليلا وقال القرطبي قوله فلم يقل أي لم ينطق بلفظ ان شاء الله بلسانه وليس المراد انه غفل عن التفويض الى الله بقلبه والتحقيق ان اعتقاد التفويض مستمر له لكن المراد بقوله فنسي انه نسي ان يقصد الاستثناء الذي يرفع حكم اليمين ففيه تعقب على من استدل به لاشتراط النطق في الاستثناء قوله فقال أبو هريرة هو موصول بالسند المذكور اولا قوله يرويه هو كناية عن رفع الحديث وهو كما لو قال مثلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع في رواية الحميدي التصريح بذلك ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان قوله لو قال ان شاء الله لم يحنث تقدم المراد بمعنى الحنث وقد قيل هو خاص بسليمان عليه السلام وأنه لو قال في هذه الواقعة ان شاء الله حصل مقصوده وليس المراد ان كل من قالها وقع ما أراد ويؤيد ذلك ان موسى عليه السلام قالها عندما وعد الخضر انه يصبر عما يراه منه ولا يسأله عنه ومع ذلك فلم يصبر كما أشار الى ذلك في الحديث الصحيح رحم الله موسى لوددنا لو صبر حتى يقص الله علينا من امرهما وقد مضى ذلك مبسوطا في تفسير سورة طه وقد قالها الذبيح فوقع ما ذكر في قوله عليه السلام ستجدني ان شاء الله من الصابرين فصبر حتى فداه الله بالذبح وقد سئل بعضهم عن الفرق بين الكليم والذبيح في ذلك فأشار الى ان الذبيح بالغ في التواضع في قوله من الصابرين حيث جعل نفسه واحدا من جماعة فرزقه الله الصبر قلت وقد وقع لموسى عليه السلام أيضا نظير ذلك مع شعيب حيث قال له ستجدني ان شاء الله من الصالحين فرزقه الله ذلك قوله وكان دركا بفتح المهملة والراء أي لحاقا يقال أدركه ادراكا ودركان وهو تأكيد لقوله لم يحنث قوله قال وحدثنا أبو الزناد القائل هو سفيان بن عيينة وقد أفصح به مسلم في روايته وهو موصول بالسند الأول أيضا وفرقه أبو نعيم في المستخرج من طريق الحميدي عن سفيان بهما قوله مثل حديث أبي هريرة أي الذي ساقه من طريق طاوس عنه والحاصل ان لسفيان فيه سندين الى أبي هريرة هشام عن طاوس وأبو الزناد عن الأعرج ووقع في رواية مسلم بدل قوله مثل حديث أبي هريرة بلفظ عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو نحوه ويستفاد منه نفي احتمال الإرسال في سياق البخاري لكونه اقتصر على قوله عن الأعرج مثل حديث أبي هريرة ويستفاد منه أيضا احتمال المغايرة بين الروايتين في السياق لقوله مثله أو نحوه وهو كذلك فبين الروايتين مغايره في مواضع تقدم بيانها عند شرحه في أحاديث الأنبياء وبالله التوفيق

قوله باب الكفارة قبل الحنث وبعده ذكر فيه حديث أبي موسى في قصة سؤالهم الحملان وفيه الا أتيت الذي هو خير وتحللتها وقد مضى في الباب الذي قبله بلفظ الا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وحديث عبد الرحمن بن سمرة في النهي عن سؤال الامارة وفيه وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك قال بن المنذر رأى ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي ان الكفارة تجزئ قبل الحنث الا ان الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزئ الا بعد الحنث وقال أصحاب الرأي لا تجزئ الكفارة قبل الحنث قلت ونقل الباجي عن مالك وغيره روايتين واستثنى بعضهم عن مالك الصدقة والعتق ووافق الحنفية أشهب من المالكية وداود الظاهري وخالفه بن حزم واحتج لهم الطحاوي بقوله تعالى ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم فإذا المراد إذا حلفتم فحنثتم ورده مخالفوه فقالوا بل التقدير فأردتم الحنث وأولى من ذلك ان يقال التقدير أعم من ذلك فليس أحد التقديرين بأولى من الاخر واحتجوا أيضا بأن ظاهر الآية ان الكفارة وجبت بنفس اليمين ورده من أجاز بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقا واحتجوا أيضا بأن الكفارة بعد الحنث فرض واخراجها قبله تطوع فلا يقوم التطوع مقام الفرض وانفصل عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث والا فلا يجزئ كما في تقديم الزكاة وقال عياض اتفقوا على ان الكفارة لا تجب الا بالحنث وانه يجوز تأخيرها بعد الحنث واستحب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري تأخيرها بعد الحنث قال عياض ومنع بعض المالكية بن المنذر واحتج للجمهور بأن اختلاف ألفاظ حديثي أبي موسى وعبد الرحمن لا يدل على تعيين أحد الامرين وانما أمر الحالف بأمرين فإذا اتى بهما جميعا فقد فعل ما أمر به وإذا لم يدل الخبر على المنع فلم يبق الا طريق النظر فاحتج للجمهور بأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء وهو كلام فلأن تحله الكفارة وهو فعل مالي أو بدني أولى ويرجح قولهم أيضا بالكثرة وذكر أبو الحسن بن القصار وتبعه عياض وجماعة ان عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشر صحابيا وتبعهم فقهاء الأمصار الا أبا حنيفة مع انه قال فيمن اخرج ظبية من الحرم الى الحل فولدت اولادا ثم ماتت في يده هي وأولادها ان عليه جزاءها وجزاء أولادها لكن ان كان حين اخراجها أدى جزاءها لم يكن عليه في أولادها شيء مع ان الجزاء الذي أخرجه عنها كان قبل ان تلد أولادها فيحتاج الى الفرق بل الجواز في كفارة اليمين أولى وقال بن حزم اجاز الحنفية تعجيل الزكاة قبل الحول وتقديم زكاة الزرع واجازوا تقديم كفارة القتل قبل موت المجني عليه واحتج للشافعي بأن الصيام من حقوق الابدان ولا يجوز تقديمها قبل وقتها كالصلاة والصيام بخلاف العتق والكسوة الاطعام فانها من حقوق الأموال فيجوز تقديمها كالزكاة ولفظ الشافعي في الام ان كفر بالإطعام قبل الحنث رجوت ان يجزئ عنه واما الصو م فلا لأن حقوق المال يجوز تقديمها بخلاف العبادات فانها لا تقدم على وقتها كالصلاة والصوم وكذا لو حج الصغير والعبد لا يجزئ عنهما إذا بلغ أو عتق وقال في موضع اخر من حلف فأراد ان يحنث فأحب الي ان لا يكفر حتى يحنث فان كفر قبل الحنث أجزأ وساق نحوه مبسوطا وادعى الطحاوي ان الحاق الكفارة بالكفارة أولى من إلحاق الاطعام بالزكاة وأجيب بالمنع وأيضا فالفرق الذي أشار اليه الشافعي بين حق المال وحق البدن ظاهر جدا وانما خص منه الشافعي الصيام بالدليل المذكور ويؤخذ من نص الشافعي ان الأولى تقديم الحنث على الكفارة وفي مذهبه وجه اختلف فيه الترجيح ان كفارة المعصية يستحب تقديمها قال القاضي عياض الخلاف في جواز تقديم الكفارة مبني على ان الكفارة رخصة لحل اليمين أو لتكفير مأثمها بالحنث فعند الجمهور انها رخصة شرعها الله لحل ما عقد من اليمين فلذلك تجزئ قبل وبعد قال المازري للكفارة ثلاث حالات أحدها قبل الحلف فلا تجزئ اتفاقا ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزئ اتفاقا ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث ففيها الخلاف وقد اختلف لفظ الحديث فقدم الكفارة مرة واخرها أخرى لكن بحرف الواو الذي ر يوجب رتبه ومن منع رأى انها لم تجز فصارت كالتطوع والتطوع لا يجزئ عن الواجب وقال الباجي وابن التين وجماعة الروايتان دالتان على الجواز لأن الواو لا ترتب قال بن التين فلو كان تقديم الكفارة لا يجزئ لأبانه ولقال فليأت ثم ليكفر لأن تأخير البيان عن الحاجة لا يجوز فلما تركهم على مقتضى اللسان دل على الجواز قال وأما الفاء في قوله فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك فهي كالفاء الذي في قوله فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير ولو لم تأت الثانية لما دلت الفاء على الترتيب لأنها ابانت ما يفعله بعد الحلف وهما شيآن كفارة وحنث ولا ترتيب فيهما وهو كمن قال إذا دخلت الدار فكل واشرب قلت قد ورد في بعض الطرق بلفظ ثم التي تقتضي الترتيب عند أبي داود والنسائي في حديث الباب ولفظ أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن به كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه لكن أحال بلفظ المتن على ما قبله وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق سعيد كأبي داود وأخرجه النسائي من رواية جرير بن حازم عن الحسن مثله لكن أخرجه البخاري ومسلم من رواية جرير بالواو وهو في حديث عائشة عند الحاكم أيضا بلفظ ثم وفي حديث أم سلمة عند الطبراني نحوه ولفظه فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية وأيوب هو السختياني والقاسم التميمي هو بن عاصم وقد تقدم في باب اليمين فيما لا يملك من طريق عبد الوارث عن أيوب عن القاسم وحده أيضا واقتصر على بعضه ومضى في باب لا تحلفوا بآبائكم من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم التميمي جميعا عن زهدم وتقدم في المغازي من طريق عبد السلام بن حرب عن أيوب عن أبي قلابة وحده وقد تقدم في فرض الخمس عن عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد وهو بن زيد وكذا أخرجه مسلم عن أبي الربيع العتكي عن حماد قال وحدثني القاسم بن عاصم الكليبي بموحدة مصغر نسبة الى بني كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهو القاسم التميمي المذكور قبل قال وانا لحديث القاسم احفظ عن زهدم وفي رواية العتكي وعن القاسم بن عاصم كلاهما عن زهدم قال أيوب وانا لحديث القاسم احفظ

[ 6342 ] قوله كنا عند أبي موسى أي الأشعري ونسب كذلك في رواية عبد الوارث قوله وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم اخاء ومعروف في رواية الكشميهني وكان بيننا وبينهم هذا الحي الخ وهو كالأول لكن زاد الضمير وقدمه على ما يعود عليه قال الكرماني كان حق العبارة ان يقول بيننا وبينه أي أبي موسى يعني لأن زهدما من جرم فلو كان من الأشعريين لاستقام الكلام قال وقد تقدم على الصواب في باب لا تحلفوا بآبائكم حيث قال كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين ثم حمل ما وقع هنا على انه جعل نفسه من قوم أبي موسى لكونه من اتابعه فصار كواحد من الأشعريين فأراد بقوله بيننا أبا موسى واتباعه وان بينهم وبين الجرميين ما ذكر من الاخاء وغيره وتقدم بيان ذلك أيضا في كتاب الذبائح قلت وقد تقدم في رواية عبد الوارث في الذبائح بلفظ هذا الباب الى قوله اخاء وقد أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عن إسماعيل بن علية الذي أخرجه البخاري من طريقه ولم يذكر هذا الكلام بل اقتصر على قوله كنا عند أبي موسى فقدم طعامه نعم أخرجه النسائي عن علي بن حجر شيخ البخاري فيه بقصة الدجاج وقول الرجل ولم يسق بقيته وقوله اخاء بكسر أوله وبالخاء المعجمة والمد أي صداقه وقوله ومعروف أي إحسان ووقع في رواية عبد الوهاب الثقفي الماضية قريبا ود وإخاء وقد ذكر بيان سبب ذلك في باب قدوم الأشعريين من أواخر المغازي من طريق عبد السلام بن حرب عن أيوب وأول الحديث عنده لما قدم أبو موسى الكوفة اكرم هذا الحي من جرم وذكرت هناك نسب جرم الى قضاعة قوله فقدم طعامه أي وضع بين يديه وفي رواية الكشميهني طعام بغير ضمير مضى في باب قدوم الأشعريين بلفظ وهو يتغدى لحم دجاج ويستفاد من الحديث جواز أكل الطيبات على الموائد واستخدام الكبير من يباشر له نقل طعامه ووضعه بين يديه قال القرطبي ولا يناقض ذلك الزهد ولا ينقصه خلافا لبعض المتقشفة قلت والجواز ظاهر واما كونه لا ينقص الزهد ففيه وقفة قوله وقدم في طعامه لحم دجاج ذكر ضبطه في باب لحم الدجاج من كتاب الذبائح وانه اسم جنس وكلام الحربي في ذلك ووقع في فرض الخمس بلفظ دجاجة وزعم الداودي انه يقال للذكر والأنثى واستغربه بن التين قوله وفي القوم رجل من بني تيم الله هو اسم قبيلة يقال لهم أيضا تيم اللات وهم من قضاعة وقد تقدم الكلام على ما قيل في تسمية هذا الرجل مستوفى في كتاب الذبائح قوله احمر كأنه مولى تقدم في فرض الخمس كأنه من الموالي قال الداودي يعني انه من سبي الروم كذا قال فان كان اطلع على نقل في ذلك والا فلا اختصاص لذلك بالروم دون الفرس أو النبط أو الديلم قوله فلم يدن أي لم يقرب من الطعام فيأكل منه زاد عبد الوارث في روايته في الذبائح فلم يدن من طعامه قوله ادن بصيغة فعل الأمر وفي رواية عبد السلام هلم في الموضعين وهو يرجع الى معنى ادن كذا في رواية حماد عن أيوب ولمسلم من هذا الوجه فقال له هلم فتلكأ بمثناة ولام مفتوحتين وتشديد أي تمنع وتوقف وزنه ومعناه قوله يأكل شيئا قذرته بكسر الذال المعجمة وقد تقدم بيان ذلك وحكم أكل لحم الجلالة والخلاف فيه في كتاب الذبائح مستوفى قوله أخبرك عن ذلك أي عن الطريق في حل اليمين فقص قصة طلبهم الحملان والمراد منه ما في آخره من قوله صلى الله عليه وسلم لا احلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا أتيت الذي هو خير وتحللتها ومعنى تحللتها فعلت ما ينقل النمع الذي يقتضيه الى الإذن فيصير حلالا وانما يحصل ذلك بالكفارة واما ما زعم بعضهم ان اليمين تتحلل بأحد امرين اما الاستثناء واما الكفارة فهو بالنسبة الى مطلق اليمين لكن الاستثناء انما يعتبر في اثناء اليمين قبل كمالها وانعقادها والكفارة تحصل بعد ذلك ويؤيد ان المراد بقوله تحللتها كفرت عن يمين وقوع التصريح في رواية حماد بن زيد وعبد السلام وعبد الوارث وغيرهم قوله أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين ووقع في رواية عبد السلام بن حرب عن أيوب بلفظ انا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نفر من الأشعريين فاستدل به بن مالك لصحة قول الأخفش يجوز ان يبدل من ضمير الحاضر بدل كل من كل وحمل عليه قوله تعالى ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم قال بن مالك واحترزت بقولي بدل كل من كل عن البعض والاشتمال فذلك جائز اتفاقا ولما حكاه الطيبي اقره وقال هو عند علماء البديع يسمى التجريد قلت وهذا لا يحسن الاستشهاد به الا لو اتفقت الرواة والواقع انه بهذا اللفظ انفرد به عبد السلام وقد أخرجه البخاري في مواضع أخرى بإثبات في فقال في معظمها في رهط كما هي رواية بن علية عن أيوب هنا وفي بعضها في نفركما هي رواية حماد عن أيوب في فرض الخمس وقوله يستحمله أي يطلب منه ما يركبه ووقع عند مسلم من طريق أبي السليل بفتح المهملة ولامين الأولى مكسروة عن زهدم عن أبي موسى كنا مشاة فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله وكان ذلك في غزوة تبوك كما تقدم في أواخر المغازي قوله وهو يقسم نعما بفتح النون والمهملة قوله قال أيوب أحسبه قال وهو غضبان هو موصول بالسند المذكور ووقع في رواية عبد الوارث عن أيوب فوافقته وهو غضبان وهو يقسم نعما من نعم الصدقة وفي رواية وهيب عن أيوب عن أبي عوانة في صحيحه وهو يقسم ذودا من ابل الصدقة وفي رواية بريد بن أبي بردة الماضية قريبا في باب اليمين فيما لا يملك عن أبي موسى ارسلني أصحابي الى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان فقال لا أحملكم على شيء فوافقته وهو غضبان ويجمع بأن أبا موسى حضر هو والرهط فباشر الكلام بنفسه عنهم قوله والله لا أحملكم قال القرطبي فيه جواز اليمين عند المنع ورد السائل الملحف عند تعذر الاسعاف وتأديبه بنوع من الاغلاظ بالقول قوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب ابل بفتح النون وسكون الهاء بعدها موحدة أي غنيمة وأصله ما يؤخذ اختطافا بحسب السبق اليه على غير تسوية بين الآخذين وتقدم في الباب الذي قبله من طريق غيلان بن جرير عن أبي بردة عن موسى بلفظ فأتى بابل وفي رواية شائل وتقدم الكلام عليها وفي رواية بريد عن أبي بردة انه صلى الله عليه وسلم ابتاع الإبل التي حمل عليها الأشعريين من سعد وفي الجمع بينها وبين رواية الباب عسر لكن يحتمل ان تكون الغنيمة لما حصلت حصل لسعد منها القدر المذكور فابتاع النبي صلى الله عليه وسلم منه نصيبه فحملهم عليه قوله فقيل أي هؤلاء الاشعريون فأتينا فأمر لنا في رواية عبد السلام عن أيوب ثم لم نلبث ان اتى النبي صلى الله عليه وسلم بنهب ابل فأمر لنا وفي رواية حماد واتى بنهب ابل فسأل عنا فقال أين النفر الاشعريون فأمر لنا ومثله في رواية عبد الوهاب الثقفي وفي رواية غيلان بن جرير عن أبي بردة ثم لبثنا ما شاء الله فأتى وفي رواية يزيد فلم البث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي أين عبد الله بن قيس فأجبته فقال اجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما اتيته قال خذ قوله فأمر لنا بخمس ذود تقدم بيان الاختلاف في الباب الذي قبله وطريق الجمع بين مختلف الروايات في ذلك قوله فاندفعنا أي سرنا مسرعين والدفع السير بسرعة وفي رواية عبد الوارث فلبثنا غير بعيد وفي رواية عبد الوهاب ثم انطلقنا قوله فقلت لاصحابي في رواية حماد وعبد الوهاب قلنا ما صنعنا وفي رواية غيلان عن أبي بردة فلما انطلقنا قال بعضنا لبعض وقد عرف من رواية الباب البادئ بالمقالة المذكورة قوله نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه والله لئن تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح ابدا في رواية عبد السلام فلما فبضناها قلنا تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح ابدا ونحوه في رواية عبد الوهاب ومعنى تغفلنا اخذنا منه ما اعطانا في حال غفلته عن يمينه من غير ان نذكره ولذلك خشوا وفي رواية حماد فلما انطلقنا قلنا ما صنعنا لا يبارك لنا ولم يذكر النسيان أيضا وفي رواية غيلان لا يبارك الله لنا وخلت رواية يزيد عن هذه الزيادة كما خلت عما بعدها الى آخر الحديث ووقع في روايته من الزيادة قول أبي موسى لأصحابه لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم الى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في منعهم اولا واعطائهم ثانيا الى آخر القصة المذكورة ولم يذكر حديث لا أحلف على يمين الخ قال القرطبي فيه استدراك جبر خاطر السائل الذي يؤدب على الحاجة بمطلوبه إذا تيسر وان من اخذ شيئا يعلم ان المعطي لم يكن راضيا باعطائه لا يبارك له فيه قوله فظننا أو فعرفنا انك نسيت يمينك قال انطلقوا فانما حملكم الله في رواية حماد فنسيت قال لست انا احملكم ولكن الله حملكم وفي رواية عبد السلام فأتيته فقلت يا رسول الله انك حلفت ان لا تحملنا وقد حملتنا قال اجل ولم يذكر ما انا حملتكم الخ وفي رواية غيلان ما انا حملتكم بل الله حملكم ولأبي يعلى من طريق فطر عن زهدم فكرهنا ان نمسكها فقال اني والله ما نسيتها وأخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه أبو يعلى ولم يسق منه الا قوله قال والله ما نسيتها قوله اني والله ان شاء الله الخ تقدم بيانه في الباب الذي قبله قوله لا احلف على يمين أي محلوف يمين فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة والمراد ما شأنه ان يكون محلوفا عليه فهو من مجاز الاستعارة ويجوز ان يكون فيه تضمين فقد وقع في رواية لمسلم على أمر ويحتمل ان يكون على بمعنى الباء فقد وقع في رواية النسائي إذا حلفت بيمين ورجح الأول بقوله فرأيت غيرها خيرا منها لأن الضمير في غيرها لا يصح عوده على اليمين وأجيب بأنه يعود على معناها المجازي للملابسة أيضا وقال بن الأثير في النهاية الحلف هو اليمين فقوله احلف أي اعقد شيئا بالعزم والنية وقوله على يمين تأكيد لعقده واعلام بأنه ليست لغوا قال الطيبي ويؤيده رواية النسائي بلفظ ما على الأرض يمين احلف عليها الحديث قال فقوله احلف عليها صفة مؤكدة لليمين قال والمعنى لا احلف يمينا جزما لا لغو فيها ثم يظهر لي أمر اخر يكون فعله أفضل من المضي في اليمين المذكورة الا فعلته وكفرت عن يميني قال فعلى هذا يكون قوله على يمين مصدرا مؤكدا لقوله احلف تكملة اختلف هل كفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه المذكور كما اختلف هل كفر في قصة حلفه على شرب العسل أو على غشيان مارية فروى عن الحسن البصري انه قال لم يكفر أصلا لأنه مغفور له وانما نزلت كفارة اليمين تعليما للأمة وتعقب بما أخرجه الترمذي من حديث عمر في قصة حلفه على العسل أو مارية فعاتبه الله وجعل له كفارة يمين وهذا ظاهر في انه كفر وان كان ليس نصا في رد ما ادعاه الحسن وظاهر قوله أيضا في حديث الباب وكفرت عن يميني انه لا يترك ذلك ودعوى ان ذلك كله للتشريع بعيد قوله وتحللتها كذا في رواية حماد وعبد الوارث وعبد الوهاب كلهم عن أيوب ولم يذكر في رواية عبد السلام وتحللتها وكذا لم يذكرها أبو السليل عن زهدم عند مسلم ووقع في رواية غيلان عن أبي بردة الا كفرت عن يميني بدل وتحللتها وهو يرجح أحد احتمالين ابداهما بن دقيق العيد ثانيهما اتيان ما يقتضي الحنث فان التحلل يقتضي سبق العقد والعقد هو ما دلت عليه اليمين من موافقة مقتضاها فيكون التحلل الإتيان بخلاف مقتضاها لكن يلزم على هذا ان يكون فيه تكرار لوجود قوله أتيت الذي هو خير فان اتيان الذي هو خير تحصل به مخالفة اليمين والتحلل منها لكن يمكن ان تكون فائدته التصريح بالتحلل وذكره بلفظ يناسب الجواز صريحا ليكون ابلغ مما لو ذكره بالاستلزام وقد يقال ان الثاني أقوى لأن التأسيس أولى من التأكيد وقيل معنى تحللتها خرجت من حرمتها الى ما يحل منها وذلك يكون بالكفارة وقد يكون بالاستثناء بشرطه السابق لكن لا يتجه في هذه القصة الا ان كان وقع منه استثناء لم يشعروا به كأن يكون قال ان شاء الله مثلا أو قال والله لا احملكم الا ان حصل شيء ولذلك قال وما عندي ما احملكم قال العلماء في قوله ما انا حملتكم ولكن الله حملكم المعنى بذلك إزالة المنة عنهم واضافة النعمة لمالكها الاصلي ولم يرد انه لا صنع له أصلا في حملهم لأنه لو أراد ذلك ما قال بعد ذلك لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا أتيت الذي هو خير وكفرت وقال المازري معنى قوله ان الله حملكم ان الله أعطاني ما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي ما حملتكم عليه وقيل يحتمل انه كان نسي يمينه والناسي لا يضاف اليه الفعل ويرده التصريح بقوله والله ما نسيتها وهي عند مسلم كما بينته وقيل المراد بالنفي عنه والاثبات لله الإشارة الى ما تفضل الله به من الغنيمة المذكورة لأنها لم تكن بتسبب من النبي صلى الله عليه وسلم ولا كان متطلعا إليها ولا منتظرا لها فكان المعنى ما انا حملتكم لعدم ذلك اولا ولكن الله حملكم بما ساقه إلينا من هذه الغنيمة قوله تابعه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة والقاسم بن عاصم الكليبي قال الكرماني انما اتى بلفظ تابعه اولا ويحدثنا ثانيا وثالثا إشارة الى ان الاخيرين حدثاه بالاستقلال والأول مع غيره قال والأول يحتمل التعليق بخلافهما قلت لم يظهر لي معنى قوله مع غيره وقوله يحتمل التعليق يستلزم انه يحتمل عدم التعليق وليس كذلك بل هو في حكم التعليق لأن البخاري لم يدرك حمادا وقد وصل المصنف متابعة حماد بن زيد في فرض الخمس ثم ان هذه المتابعة وقعت في الرواية عن القاسم فقط ولكن زاد حماد ذكر أبي قلابة مضموما الى القاسم قوله حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي قوله بهذا أي بجميع الحديث وقد أشرت الى ان رواية حماد وعبد الوهاب متفقتان في السياق وقد ساق رواية قتيبة هذه في باب لا تحلفوا بآبائكم تامة وقد ساقها أيضا في أواخر كتاب التوحيد عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي عن الثقفي وليس بعد الباب الذي ساقها فيه من البخاري سوى بابين فقط قوله حدثنا أبو معمر تقدم سياق روايته في كتاب الذبائح وقد بينت ما في هذه الروايات من التخالف مفصلا وفي الحديث غير ما تقدم ترجيح الحنث في اليمين إذا كان خيرا من التمادي وان تعمد الحنث في مثل ذلك يكون طاعة لا معصية وجواز الحلف من غير استحلاف لتأكيد الخبر ولو كان مستقبلا وهو يقتضي المبالغة في ترجيح الحنث بشرطه المذكور وفيه تطييب قلوب الأتباع وفيه الاستثناء بأن شاء الله تبركا فان قصد بها حل اليمين صح بشرطه المتقدم

[ 6343 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الله هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي الحافظ المشهور فيما جزم به المزي وقال نسبه الى جده وقال أبو علي الجياني لم أره منسوبا في شيء من الروايات قلت وقد روى البخاري في بدء الخلق عن محمد بن عبد الله المخرمي عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج وهما من هذه الطبقة وروى أيضا في عدة مواضع عن محمد بن عبد الله بن حوشب ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن عبد الله الرقاشي وهم أعلى من طبقة المخرمي ومن معه وروى أيضا بواسطة تارة وبغير واسطة أخرى عن محمد بن عبد الله الأنصاري وهو أعلى من طبقة بن نمير ومن ذكر معه فقد ثبت هذا الحديث بعينه من روايته عن بن عون شيخ عثمان بن عمر شيخ محمد بن عبد الله المذكور في هذا الباب فعلى هذا لم يتعين من هو شيخ البخاري في هذا الحديث وابن عون هو عبد الله البصري المشهور وقوله في آخر الحديث تابعه اشهل بالمعجمة وزن احمر عن بن عون وقعت روايته موصولة عند أبي عوانة والحاكم والبيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري وأشهل بن حاتم قالا أنبأنا بن عون به قوله وتابعه يونس وسماك بن عطية وسماك بن حرب وحميد وقتادة ومنصور وهشام والربيع يريد ان الثمانية تابعوا بن عون فرووه عن الحسن فالضمير في قوله اولا تابعه اشهل لعثمان بن عمر والضمير في قوله ثانيا وتابعه يونس وما بعده لعبد الله بن عون شيخ عثمان بن عمر ووقع في نسخة من رواية أبي ذر وحميد عن قتادة وهو خطأ والصواب وحميد وقتادة بالواو وكذا وقع في رواية النسفي عن البخاري وكذا في رواية من وصل هذه المتابعات فأما رواية يونس وهو بن عبيد فستأتي موصولة في كتاب الاحكام واما متابعة سماك بن عطية فوصلها مسلم من طريق حماد بن زيد عنه وعن يونس جميعا عن الحسن وقال البزار ما رواه عن سماك بن عطية إلا حماد ولا روى سماك هذا عن الحسن الا هذا واما متابعة سماك بن حرب فوصلها عبد الله بن أحمد في زياداته والطبراني في الكبير من طريق حماد بن زيد عنه عن الحسن وأما متابعة حميد وهو الطويل ومنصور هو بن زاذان فوصلها مسلم من طريق هشيم عنهما قال البزار وتبعه الطبراني في الأوسط لم يروه عن منصور بن زاذان الا هشيم ولا روى منصور هذا عن الحسن الا هذا الحديث قلت ويحتمل ان يكون مراد البخاري بمنصور منصور بن المعتمر وقد أخرجه النسائي من طريقه من رواية جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن الحسن قال البزار أيضا لم يرو منصور بن المعتمر عن الحسن الا هذا واما متابعة قتادة فوصلها مسلم وأبو داود والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه واما رواية هشام وهو بن حسان فأخرجها أبو نعيم في المستخرج على مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام عن الحسن ووقع لنا في الغيلانيات من وجه آخر عن هشام ومطر الوراق جميعا عن الحسن وهو عند أبي عوانة في صحيحه من هذا الوجه وأما حديث الربيع فقد جزم الدمياطي في حاشيته بأنه بن مسلم والذي يغلب على ظني انه بن صبيح فقد وقع لنا في الشرانيات من رواية شبابة عن الربيع بن صبيح بوزن عظيم عن الحسن وأخرجه أبو عوانة من طريق الأسود بن عامر عن الربيع بن صبيح وأخرجه الطبراني من رواية مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن خالد والمبارك بن فضالة والربيع بن صبيح قالوا حدثنا لحسن به ووقع لنا من رواية الربيع غير منسوب عن الحسن أخرجه الحافظ يوسف بن خليل في الجزء الذي جمع فيه طرق هذا الحديث من طريق وكيع عن الربيع عن الحسن وهذا يحتمل ان يكون هو الربيع بن صبيح المذكور ويحتمل ان يكون الربيع بن مسلم وقد روى هذا الحديث عن الحسن غير من ذكر جرير بن حازم وتقدمت روايته في أول كتاب الإيمان والنذور وأخرجه مسلم من رواية معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن ولما اخرج طريق سماك بن عطية قرنها بيونس بن عبيد وهشام بن حسان وقال في آخرين وأخرجه أبو عوانة من طريق علي بن زيد بن جدعان ومن طريق إسماعيل بن مسلم ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد كلهم عن الحسن وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن نحو الأربعين من أصحاب الحسن منهم من لم يتقدم ذكره يزيد بن إبراهيم وأبو الأشهب واسمه جعفر بن حيان وثابت البناني وحبيب بن الشهيد وخليد بن دعلج وأبو عمرو بن العلاء ومحمد بن نوح وعبد الرحمن السراج وعرفطة والمعلى بن زياد وصفوان بن سليم ومعاوية بن عبد الكريم وزياد مولى مصعب وسهل السراج وشبيب بن شيبة وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ومحمد بن عقبة والاشعث بن سوار والاشعث بن عبد الملك والحسن بن دينار والحسن بن ذكوان وسفيان بن حسين والسرى بن يحيى وأبو عقيل الدورقي وعباد بن راشد وعباد بن كثير فهؤلاء الأربعة وأربعون نفسا وقد خرج طرقه الحافظ عبد القادر الرهاوي في الأربعين البلدانية له عن سبعة وعشرين نفسا من الرواة عن الحسن فيهم ممن لم يتقدم ذكره بحيي بن أبي كثير وجرير بن حازم وإسرائيل أبو موسى ووائل بن داود وعبد الله بن عون وقرة بن خالد وأبو خالد الجزار وأبو عبيدة الباجي وخالد الحذاء وعوف الأعرابي وحماد بن نجيح ويونس بن يزيد ومطر الوراق وعلي بن رفاعة ومسلم بن أبي الذيال والعوام بن جويرية وعقيل بن صبيح وكثير بن زياد وسودة بن أبي العالية ثم قال رواه عن الحسن العدد الكثير من أهل مكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام ولعلهم يزيدون على الخمسين ثم خرج طرقه الحافظ يوسف بن خليل عن أكثر من ستين نفسا عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة وسرد الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله بن منده في تذكرته أسماء من رواه عن الحسن فبلغوا مائة وثمانين نفسا وزيادة ثم قال رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن مسرة عبد الله بن عمرو وأبو موسى وأبو الدرداء وأبو هريرة وأنس وعدي بن حاتم وعائشة وأم سلمة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وعمران بن حصين انتهى ولما اخرج الترمذي حديث عبد الرحمن بن سمرة قال وفي الباب فذكر الثمانية المذكورين اولا واهمل خمسة واستدركهم شيخنا في شرح الترمذي الا بن مسعود وابن عمر وزاد معاوية بن الحكم وعوف بن مالك الجشمي والد أبي الأحوص واذينة والد عبد الرحمن فكملوا ستة عشر نفسا قلت أحاديث المذكورين كلها فيما يتعلق باليمين وليس في حديث أحد منهم لا تسأل الامارة لكن سأذكر من روى معنى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الاحكام ان شاء الله تعالى ولم يذكر بن منده ان أحدا رواه عن عبد الرحمن بن سمرة غير الحسين لكن ذكر عبد القادر ان محمد بن سيرين رواه عن عبد الرحمن ثم اسند من طريق أبي عامر الخراز عن الحسن وابن سيرين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة الحديث وقال غريب ما كتبته الا من هذا الوجه والمحفوظ رواية الحسن عن عبد الرحمن انتهى وهذا مع ما في سنده من ضعف ليس فيه التصريح برواية بن سيرين عن عبد الرحمن وأخرجه يوسف بن خليل الحافظ من رواية عكرمة مولى بن عباس عن عبد الرحمن بن سمرة أورده من المعجم الأوسط للطبراني وهو في ترجمة محمد بن علي المروزي بسنده الى عكرمة قال كان اسم عبد الرحمن بن سمرة عبد كلوب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن فمر به وهو يتوضأ فقال تعالى يا عبد الرحمن لا تطلب الامارة الحديث وهذا لم يصرح فيه عكرمة بأنه حمله عن عبد الرحمن لكنه محتمل قال الطبراني لم يروه عن عكرمة الا عبد الله بن كيسان ولا عنه الا ابنه إسحاق تفرد به أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب قلت عبد الله بن كيسان ضعفه أبو حاتم الرازي وابنه إسحاق لينه أبو أحمد الحاكم قوله عن عبد الرحمن بن سمرة في رواية إبراهيم بن صدقة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة وكان غزا معه كابل شنؤة أو شنؤتين أخرجه أبو عوانة في صحيحه وكذا للطبراني من طريق أبي حمزة إسحاق بن الربيع عن لحسن لكن بلفظ غزونا مع عبد الرحمن بن سمرة وأخرجه أيضا من طريق علي بن زيد عن الحسن حدثني عبد الرحمن بن سمرة ومن طريق المبارك بن فضالة عن الحسن حدثنا عبد الرحمن قوله لا تسأل الامارة سيأتي شرحه في الاحكام ان شاء الله تعالى قوله وإذا حلفت على يمين تقدم توجيهه في الكلام على حديث أبي موسى قريبا في قوله لا احلف على يمين وقد اختلف فيما تضمنه حديث عبد الرحمن بن سمرة هل لأحد الحكمين تعلق بالاخر اولا فقيل له به تعلق وذلك أن أحد الشقين أن يعطى الإمارة من غير مسألة فقد لا يكون له فيها أرب فيمتنع فيلزم فيحلف فأمر أن ينظر ثم يفعل الذي هو أولى فإن كان في الجانب الذي حلف على تركه فيحث ويكفر ويأتي مثله في الشق الآخر قوله فرأيت غيرها أي غير المحلوف عليه وظاهر الكلام عود الضمير على اليمين ولا يصح عوده على اليمين بمعناها الحقيقي بل بمعناها المجازي كما تقدم والمراد بالرؤية هنا الاعتقادية لا البصرية قال عياض معناه إذا ظهر له أن الفعل أو الترك خير له في دنياه أو آخرته أو أوفق لمراده وشهوته ما لم يكن إثما قلت وقد وقع عند مسلم في حديث عدي بن حاتم فرأى غيرها اتقى لله فليأت التقوى وهو يشعر بقصر ذلك على ما فيه طاعة وينقسم المأمور به أربعة أقسام إن كان المحلوف عليه فعلا فكان الترك أولى أو كان المحلوف عليه تركا فكان الفعل أولى أو كان كل منهما فعلا وتركا لكن يدخل القسمان الأخيران في القسمين الأولين لأن من لازم فعل أحد الشيئين أو تركه ترك الآخر أو فعله قوله فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك هكذا وقع للأكثر وللكثير منهم فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير وقد ذكر قبل من رواه بلفظ ثم ائت الذي هو خير ووقع في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن كفارتها تركها فأشار أبو داود إلى ضعفه وقال الأحاديث كلها فليكفر عن يمينه إلا شيئا لا يعبأ به كأنه يشير إلى حديث يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة رفعه من حلف فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير فهو كفارته ويحيى ضعيف جدا وقد وقع في حديث عدي بن حاتم عند مسلم ما يوهم ذلك وأنه أخرجه بلفظ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه هكذا أخرجه من وجهين ولم يذكر الكفارة ولكن أخرجه من وجه آخر بلفظ فرأى خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير ومداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طريفة عن عدي والذي زاد ذلك حافظ فهو المعتمد قال الشافعي في الأمر بالكفارة مع تعمد الحنث دلالة على مشروعية الكفارة في اليمين الغموس لأنها يمين حانثة واستدل به على أن الحالف يجب عليه فعل أي الأمرين كان أولى من المضي في حلفه أو الحنث والكفارة وانفصل عنه من قال إن الأمر فيه للندب بما مضى في قصة الأعرابي الذي قال والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال أفلح إن صدق فلم يأمره بالحنث والكفارة مع أن حلفه على ترك الزيادة مرجوح بالنسبة إلى فعلها خاتمة اشتمل كتاب الأيمان والنذور والكفارة والملحقة به من الأحاديث المرفوعة على مائة وسبعة وعشرين حديثا المعلق منها فيه وفيما مضى ستة وعشرون والبقية موصولة والمكرر منها فيه وفيما مضى مائة وخمسة عشر والخالص اثنا عشر وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة عن أبي بكر وحديثها من نذر أن يطيع الله فليطعه وحديث بن عباس في قصة أبي إسرائيل وحديثه أعوذ بعزتك وحديث عبد الله بن عمرو في اليمين الغموس وحديث بن عمر في نذر وافق يوم عيد وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم عشرة آثار والله المستعان