كتاب الفرائض
 قوله كتاب الفرائض جمع فريضة كحديقة وحدائق والفريضة فعيلة بمعنى مفروضة مأخودة من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال قال الخطابي و قيل هو من فرض القوس وهو الحز الذي في طرفيه حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول و قيل الثاني خاص بفرائض الله وهي ما ألزم به عباده وقال الراغب الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه وخصت المواريث باسم الفرائض من قوله تعالى نصيبا مفروضا أي مقدرا أو معلوما أو مقطوعا عن غيرهم قوله وقول الله يوصيكم الله في أولادكم أفاد السبيلي أن الحكمة في التعبير بلفظ الفعل المضارع لا بلفظ الفعل الماضي كما في قوله تعالى ذلكم وصاكم به و سورة أنزلناها وفرضناها الإشارة إلى أن هذه الآية ناسخة للوصية المكتوبة عليهم كما سيأتي بيانه قريبا في باب ميراث الزوج قال وأضاف الفعل إلى اسم المظهر تنويها بالحكم وتعظيما له وقال في أولادكم ولم يقل بأولادكم إشارة الى الأمر بالعدل فيهم ولذلك لم يخص الوصية بالميراث بل أتى باللفظ عاما وهو كقوله لاأشهد على جور وأضاف الأولاد إليهم مع أنه الذي أوصى بهم إشارة الى أنه أرحم بهم من أبائهم قوله الى قوله وصية من الله والله عليم حليم كذا لأبي ذر وأما غيره فساق الآية الأولى وقال بعد قوله عليما حكيما الى قوله والله عليم حليم وذكر فيه حديث جابر مرضت فعادني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث هكذا وقع في رواية قتيبة وقد تقدم في تفسير سورة النساء أن مسلما أخرجه عن عمرو الناقد عن سفيان وهو بن عيينة شيخ قتيبة فيه وزاد في أخره يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وبينت هناك أن هذه الزيادة مدرجة وأن الصواب ما أخرجه الترمذي من طريق يحيى بن أدم عن بن عيينة حتى نزلت يوصيكم الله في أولادكم وأما قول البخاري في الترجمة الى والله عليم حليم فأشار به الى أن مراد جابر من آية الميراث قوله وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وقد سبق في آخر تفسير النساء ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن جابر أن يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة نزلت فيه وقد أشكل ذلك قديما قال بن العربي بعد أن ذكر الروايتين في إحداهما فنزلت يستفتونك وفي أخرى آية المواريث هذا تعارض لم يتفق بيانه الى الآن ثم أشار الى ترجيح آية المواريث وتوهيم يستفتونك ويظهر أن يقال أن كلا من الآيتين لما كان فيها ذكر الكلالة نزلت في ذلك لكن الآية الأولى لما كانت الكلالة فيها خاصة بميراث الأخوة من الأم كما كان بن مسعود يقرأ وله أخ أو أخت من أم وكذا قرأ سعيد بن أبي وقاص أخرجه البيهقي بسند صحيح استفتوا عن ميراث غيرهم من الأخو فنزلت الأخيرة فيصح أن كلا من الآيتين نزلت في قصة جابر لكن المتعلق به من الآية الأولى ما يتعلق بالكلالة وأما سبب نزول أولها فورد من حديث جابر أيضا في قصة ابنتي سعد بن الربيع ومنع عمهما أن يرثا من أبيهما فنزلت يوصيكم الله الآية فقال للعم أعط ابنتي سعد الثلثين وقد بينت سياقه من وجه آخر هناك وبالله التوفيق وقد وقع في بعض طرق حديث جابر المذكور في الصحيحين فقلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة وقوله فلم يجبني بشيء استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجتهد ورد بأنه لا يلزم من انتظاره الوحي في هذه القصة الخاصة عموم ذلك في كل قصة ولا سيما وهي في مسألة المواريث التي غالبها لا مجال للرأي فيه سلمنا أنه كان يمكنه أن يجتهد فيها لكن لعلة كان ينتظر الوحي أولا فان لم ينزل اجتهد فلا يدل على نفي الاجتهاد مطلقا

قوله باب تعليم الفرائض وقال عقبة بن عامر تعلموا قبل الظانين يعني الذين يتكلمون بالظن هذا الأثر لم أظفر به موصولا وقوله قبل الظانين فيه إشعار بأن أهل ذلك العصر كانوا يقفون عند النصوص ولا يتجاوزونها وأن نقل عن بعضهم الفتوى بالرأي فهو قليل بالنسبة وفيه انذار بوقوع ما حصل من كثرة القائلين بالرأي وقيل مراده قبل اندراس العلم وحدوث من يتكلم بمقتضى ظنه غير مستند الى علم قال بن المنير وانما خص البخاري قول عقبة بالفرائض لأنها أدخل فيه من غيرها لأن الفرائض الغالب عليها التعبد وانحسام وجوه الرأي والخوض فيها بالظن لا انضباط له بخلاف غيرها من أبواب العلم فان للرأي فيها مجالا والانضباط فيها ممكن غالبا ويؤخذ من هذا التقرير مناسبة الحديث المرفوع للترجمة وقيل وجه المناسبة أن فيه إشارة الى أن النهي عن العمل بالظن يتضمن الحث على العمل بالعلم وذلك فرع تعلمه وعلم الفرائض يؤخذ غالبا بطريق العلم كما تقدم تقريره وقال الكرماني يحتمل أن يقال لما كان في الحديث

[ 6345 ] وكونوا عباد الله إخوانا يؤخذ منه تعلم الفرائض ليعلم الأخ الوارث من غيره وقد ورد في الحث على تعلم الفرائض حديث ليس على شرط المصنف أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم من حديث بن مسعود رفعه تعلموا الفرائض وعلموها الناس فاني امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما ورواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي اختلافا كثيرا فقال الترمذي انه مضطرب والاختلاف عليه انه جاء عنه من طريق أبي مسعود وجاء عنه من طريق أبي هريرة وفي اسانيدها عنه أيضا اختلاف ولفظه عند الترمذي من حديث أبي هريرة تعلموا الفرائض فانها نصف العلم وانه أول ما ينزع من أمتي وفي الباب عن أبي بكرة أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق راشد الحماتي عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه رفعه تعلموا القرآن والفرائض وعلموها الناس أوشك أن يأتي على الناس زمان يختصم الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما وراشد مقبول لكن الراوي عنه مجهول وعن أبي سعيد الخدري بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس أخرجه الدارقطني عن طريق عطية وهو ضعيف وأخرج الدارمي عن عمر موقوفا تعلموا الفرائض كما تعلمون القرآن وفي لفظ عنه تعلموا الفرائض فانها من دينكم وعن بن مسعود موقوفا أيضا من قرأ القرآن فليتعلم الفرائض ورجالها ثقات إلا أن في أسانيدها انقطاعا قال بن الصلاح لفظ النصف في هذا الحديث بمعنى أحد القسمين وإن لم يتساويا وقد قال بن عيينة إذ سئل عن ذلك انه يبتلى به كل الناس وقال غيره لأن لهم حالتين حالة حياة وحالة موت والفرائض تتعلق بأحكام الموت و قيل لأن الأحكام تتلقى من النصوص ومن القياس والفرائض لا تتلقى إلا من النصوص كما تقدم ثم ذكر حديث أبي هريرة إياكم والظن الحديث وقد تقدم من وجه آخر عن أبي هريرة في باب ما ينهى عن التحاسد في أوائل كتاب الأدب وتقدم شرحه مستوفى وفيه بيان المراد بالظن هنا وأنه الذي لا يستند الى أصل ويدخل فيه ظن السوء بالمسلم وابن طاوس المذكور في السند هو عبد الله

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة هو بالرفع أي المتروك عنا صدقة وادعى الشيعة أنه بالنصب على أن ما نافية ورد عليهم بأن الرواية ثابتة بالرفع وعلى التنزل فيجوز النصب على تقدير حذف تقديره ما تركنا مبذول صدقة قاله بن مالك وينبغي الاضراب عنه والوقوف مع ما ثبتت به الرواية وذكر فيه أربعة أحاديث احداها حديث أبي بكر في ذلك وقصته مع فاطمة وقد مضى في فرض الخمس مشروحا وسياقه أتم مما هنا وقوله فيه

[ 6346 ] انما يأكل آل محمد من هذا المال كذا وقع وظاهرة الحصر وأنهم لا يأكلون إلا من هذا المال وليس ذلك مرادا وانما المراد العكس وتوجيهه أن من للتبعيض والتقدير إنما يأكل آل محمد بعض هذا المال يعني بقدر حاجتهم وبقيته للمصالح ثانيها حديث عائشة بلفظ الترجمة وأورده آخر الباب بزيادة فيه ثالثها حديث عمر في قصة علي والعباس مع عمر في منازعتهما في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قول عمر لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد نفسه فقالوا قد قال ذلك وفيه أنه قال مثله لعلي وللعباس فقال كذلك الحديث بطوله وقد مضى مطولا في فرض الخمس وذكر شرحه هناك تنبيهات الراء من

[ 6347 ] قوله لا نورث بالفتح في الرواية ولو روي بالكسر لصح المعنى أيضا وقوله فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر وفي رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني خاصة وقوله لقد أعطاكموه أي المال في رواية الكشميهني أعطاكموها أي الخالصة له وقوله فوالله الذي بإذنه في رواية الكشميهني بحذف الجلالة رابعها حديث أبي هريرة وإسماعيل شيخه هو بن أبي أكثر عنه وأما إسماعيل بن أبان شيخه في الحديث الذي قبله بحديث فلا رواية له عن مالك

[ 6348 ] قوله لا يقتسم كذا لأبي ذر عن غير الكشميهني وللباقين لا يقسم بحذف التاء الثانية قال بن التين الرواية في الموطأ وكذا قرأته في البخاري برفع الميم على أنه خبر والمعنى ليس يقسم ورواه بعضهم بالجزم كأنه نهاهم إن خلف شيئا لا يقسم بعده فلا تعارض بين هذا وما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين ويستفاد من رواية الرفع أنه أخبر أنه لا يخلف شيئا مما جرت العادة بقسمته كالذهب والفضة وأن الذي يخلفه من غيرهما لا يقسم أيضا بطريق الإرث بل تقسم منافعة لمن ذكر قوله ورثتي أي بالقوة لو كنت ممن يورث أو المراد لا يقسم مال تركه لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون الحكم معللا بما به الأشتقاق وهو الإرث فالمنفي اقتسامهم بالإرث عنه قاله السبكي الكبير قوله ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة تقدم الكلام على المراد بقوله عاملي في أوائل فرض الخمس مع شرح الحديث وحكيت فيه ثلاثة أقوال ثم وجدت في الخصائص لابن دحية حكاية قول رابع أن المراد خادمه وعبر عن العامل على الصدقة بالعامل على النخل وزاد أيضا وقيل الأجبر ويتحصل من المجموع خمسة أقوال الخليفة والصانع والناظر والخادم وحافر قبره عليه الصلاة والسلام وهذا إن كان المراد بالخادم الجنس والا فان كان الضمير للنخل فيتحد مع الصانع أو الناظر وقد ترجم المصنف عليه في أواخر الوصايا باب نفقة قيم الوقف وفيه إشارة إلى ترجيح حمل العامل على الناظر ومما يسأل عنه تخصيص النساء بالنفقة والمؤنة بالعامل وهل بينهما مغايرة وقد أجاب عنه السبكي الكبير بأن المؤنة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بذل القوت قال وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤنة والسر في التخصيص المذكور الإشارة الى أن أزواجه صلى الله عليه وسلم لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بد لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج الى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه انتهى ملخصا ويؤيده قول أبي بكر الصديق إن حرفتي كانت تكفي عائلتي فاشتغلت عن ذلك بأمر المسلمون فجعلوا له قدر كفايته ثم قال السبكي لا يعترض بأن عمر كان فضل عائشة في العطاء لأنه علل ذلك بمزيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها قلت وهذا ليس مما بدأ به لأن قسمة عمر كانت من الفتوح وأما ما يتعلق بحديث الباب ففيما يتعلق بما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يبدأ منه بما ذكر و أفاد رحمه الله أنه يدخل في لفظ نفقة نسائي كسوتهن وسائر اللوازم وهو كما قال ومن ثم استمرت المساكن التي كن فيها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم كل واحدة باسم التي كانت فيه وقد تقدم تقرير ذلك في أول فرض الخمس وإذا انضم قوله ان الذي تخلفه صدقة الا أن آله تحرم عليهم الصدقة تحقق قوله لا نورث وفي قول عمر يريد نفسه إشارة الى أن النون في قوله نورث للمتكلم خاصة لا للجمع وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ نحن معاشر الأنبياء لا نورث فقد أنكره جماعة من الأئمة وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ نحن لكن أخرجه النسائي عن طريق بن عيينة عن أبي الزناد بلفظه إنا معاشر الأنبياء لانورث الحديث أخرجه عن محمد بن منصور عن بن عيينة عنه وهو كذلك في مسند الحميدي عن بن عيينة وهو من أتقن أصحاب بن عيينة فيه وأورده الهيثم بن كليب في مسنده من حديث أبي بكر الصديق باللفظ المذكور وأخرجه الطبراني في الأوسط بنحو اللفظ المذكور وأخرجه الدارقطني في العلل من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام عن أبي بكر الصديق بلفظ إن الأنبياء لا يورثون قال بن بطال وغيره ووجه ذلك والله أعلم أن الله بعثهم مبلغين رسالته وأمرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجرا كما قال قل لا أسألكم عليه أجرا وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك فكانت الحكمة في أن لا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لوارثهم قال وقوله تعالى وورث سليمان داود حمله أهل العلم بالتأويل على العلم والحكمة وكذا قول زكريا فهب لي من لدنك وليا يرثني وقد حكى بن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن الأكثر على أن الأنبياء لا يورثون وذكر أن ممن قال بذلك من الفقهاء إبراهيم بن إسماعيل بن علية ونقله عن الحسن البصري عياض في شرح مسلم وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن زكريا واني خفت الموالي قال العصبة ومن قوله وهب لي من لدنك وليا يرثني قال يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر المال ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن رفعه مرسلا رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله قلت وعلى تقديري تسليم القول المذكور فلا معارض من القرآن لقول نبينا عليه الصلاة والسلام لا نورث ما تركنا صدقة فيكون ذلك من خصائصه التي أكرم بها بل قول عمر يريد نفسه يؤيد اختصاصه بذلك وأما عموم قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الخ فأجيب عنها بأنها عامة فيمن ترك شيئا كان يملكه وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث وعلى تقدير أنه خلف شيئا مما كان يملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه وقد اشتهر عنه أنه لا يورث فظهر تخصيصه بذلك دون الناس وقيل الحكمة في كونه لا يورث حسم المادة في تمني الوارث موت المورث من أجل المال وقيل لكون النبي كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهذا معنى الصدقة العامة وقال بن المنير في الحاشية يستفاد من الحديث ان من قال داري صدقة لا تورث أنها تكون حبسا ولا يحتاج الى التصريح بالوقف أو الحبس وهو حسن لكن هل يكون ذلك صريحا أو كناية يحتاج الى نية وفي حديث أبي هريرة دلالة على صحة وقف المنقولات وأن الوقف لا يختص بالعقار لعموم قوله ما تركت بعد نفقة نسائي الخ ثم ذكر حديث عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أردن أن يبعثن عثمان الى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة أورده من رواية مالك عن بن شهاب عن عروة وهذا الحديث في الموطأ ووقع في رواية بن وهب عن مالك حدثني بن شهاب وفي الموطأ للدارقطني من طريق القعني يسألنه ثمنهن وكذا أخرجه من طريق جويرية بن أسماء عن مالك وفي الموطأ أيضا أرسلنا عثمان بن عفان الى أبي بكر الصديق وفيه فقالت لهن عائشة وفيه ما تركنا فهو صدقة وظاهر سياقه أنه من مسند عائشة وقد رواه إسحاق بن محمد الفروي عن مالك بهذا السند عن عائشة عن أبي بكر الصديق أورده الدارقطني في الغرائب وأشار الى أنه تفرد بزيادة أبي بكر في مسنده وهذا يوافق رواية معمر عن بن شهاب المذكورة في أول هذا الباب فان فيه عن عائشة أن أبا بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فيحتمل أن تكون عائشة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه أبوها ويحتمل أن تكون انما سمعته من أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلته عن النبي صلى الله عليه وسلم لما طالب بالأزواج ذلك والله أعلم

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلأهله هذه الترجمة لفظ الحديث المذكور في الباب من طريق أخرى عن أبي سلمة و أخرجه الترمذي في أول كتاب الفرائض من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة بهذا اللفظ وبعده

[ 6350 ] ومن ترك ضياعا فإلي وقال بعده راواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أطول من هذا قوله في السند عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد وقد بينت في الكفالة الاختلاف على الزهري في صحابيه وأن معمرا انفرد عنه بقوله عن جابر بدل أبي هريرة قوله أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم هكذا أورده مختصرا وتقدم في الكفالة من طريق عقيل عن بن شهاب بذكر سببه في أوله ولفظه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول هل ترك لدينه قضاء فان قيل نعم صلى عليه وإلا قال صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم الحديث وتقدم في القرض وفي تفسير الأحزاب عن رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة بلفظ ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرؤا ان شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الحديث وفي حديث جابر عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه وقوله هنا فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه يخص ما أطلق في رواية عقيل بلفظ فمن توفي من المؤمنين وترك دينا فعلي قضاؤه وكذا قوله في الرواية الأخرى في تفسير الأحزاب فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه أو وليه فعرف أنه مخصوص بمن لم يترك وفاء وقوله فليأتني أي من يقوم مقامه في السعي في وفاء دينه أو المراد صاحب الدين وأما الضمير في قوله مولاه فهو الميت المذكور وسيأتي بعد قليل من رواية أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ فأنا وليه فلا دعي له وقد تقدم شرح ما يتعلق بهذا الشق في الكفالة وبيان الحكمة في ترك الصلاة على من مات وعليه دين بلا وفاء وأنه كان إذا وجد من يتكفل بوفاءه صلى عليه وان ذلك كان قبل أن يفتح الفتوح كما في رواية عقيل وهل مان ذلك من خصائصه أو يجب على ولاة الأمر بعده والراجح الاستمرار لكن وجوب الوفاء إنما هو من مال المصالح ونقل بن بطال وغيره أنه كان صلى الله عليه وسلم يتبرع بذلك وعلى هذا لا يجب على من بعده وعلى الأول قال بن بطال فان لم يعط الامام عنه من بيت المال لم يحبس عن دخول الجنة لأنه يستحق القدر الذي عليه في بيت المال ما لم يكن دينه أكثر من القدر الذي له في بيت المال مثلا قلت والذي يظهر أن ذلك يدخل في المقاصصة وهو كمن له حق وعليه حق وقد مضى أنهم إذا خلصوا من الصراط حبسوا عند قنطرة بين الجنة والنار يتقاصون المظالم حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فيحمل قوله لا يحبس أي معذبا مثلا والله أعلم قوله ومن ترك مالا فلورثته أي فهو لورثته وثبتت كذلك هنا في الكشميهني وكذا لمسلم وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة فليرثه عصبته من كانوا ولمسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة فإلى العصبة من كان وسيأتي بعد قليل من رواية أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ فماله لموالي العصبة أي أولياء العصبة قال الداودي المراد بالعصبة هنا الورثة لا من يرث بالتعصيب لأن العاصب في الاصطلاح من له سهم مقدر من المجمع على توريثهم ويرث كل المال إذا انفرد ويرث ما فضل بعد الفروض بالتعصيب وقيل المراد بالعصبة هنا قرابة الرجل وهم من يلتقي مع الميت في أب ولو علا سموا بذلك لأنهم يحيطون به يقال عصب الرجل بفلان أحاط به ومن ثم قيل تعصب لفلان أي أحاط به وقال الكرماني المراد العصبة بعد أصحاب الفروض قال ويؤخذ حكم أصحاب الفروض من ذكر العصبة بطريق الأولى ويشير الى ذلك قوله من كانوا فأنه يتناول أنواع المنتسبين اليه بالنفس أو بالغير قال ويحتمل أن تكون من شرطية

قوله باب ميراث الولد من أبيه وأمه لفظ الولد أعم من الذكر والأنثى ويطلق على الولد للصلب وعلى ولد الولد وإن سفل قال بن عبد البر أصل ما بنى عليه مالك والشافعي وأهل الحجاز ومن وافقهم في الفرائض قول زيد بن ثابت وأصل ما بنى عليه أهل العراق ومن وافقهم فيها قول علي بن أبي طالب وكل من الفريقين لا يخالف قول صاحبه الا في اليسير النادر إذا ظهر له مما يجب عليه الانقياد اليه قوله وقال زيد بن ثابت الخ وصله سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر مثله سواء الا أنه قال بعد قوله وان كان معهن ذكر فلا فريضة لأحد منهن ويبدأ بمن شركهم فيعطى فريضته فما بقى بعد ذلك فللذكر مثل حظ الانثيين قال بن بطال قوله وان كان معهن ذكر يريد إن كان مع البنات أخ من أبيهن وكان معهم غيرهن ممن له فرض مسمى كالأب مثلا قال ولذلك قال شركهم ولم يقل شركهن فيعطى الأب مثلا فرضه ويقسم ما بقي بين الابن والبنات للذكر مثل حظ الانثيين قال وهذا تأويل حديث الباب وهو قوله ألحقوا الفرائض بأهلها

[ 6351 ] قوله بن طاوس هو عبد الله قوله عن بن عباس قيل تفرد وهيب بوصله ورواه الثوري عن بن طاوس لم يذكر بن عباس بل أرسله أخرجه النسائي والطحاوي وأشار النسائي الى ترجيح الإرسال ورجح عند صاحبي صحيح الموصول لمتابعة روح بن القاسم وهيبا عندهما ويحيى بن أيوب عند مسلم وزياد بن سعد وصالح عند الدارقطني واختلف على معمر فرواه عبد الرزاق عنه موصولا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة ورواه عبد الله بن المبارك عن معمر والثوري جميعا مرسلا أخرجه الطحاوي ويحتمل أن يكون حمل رواية معمر على رواية الثوري وانما صححاه لأن الثوري وأن كان أحفظ منهم لكن العدد الكثير يقاومه وإذا تعارض الوصل والارسال ولم يرجح أحد الطريقين قدم الوصل والله أعلم قوله ألحقوا الفرائض بأهلها المراد بالفرائض هنا الانصباء المقدرة في كتاب الله تعالى وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما والمراد بأهلها من يستحقها بنص القرآن ووقع في رواية روح بن القاسم عن بن طاوس اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله أي على وفق ما أنزل في كتابه قوله فما بقى في رواية روح بن القاسم فما تركت أي أبقت قوله فهو لأولى في رواية الكشميهني فلأولى بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة أفعل تفضيل من الولي بسكون اللام وهو القرب أي لمن يكون أقرب في النسب الى المورث وليس المراد هنا الأحق وقد حكى عياض أن في رواية بن الحذاء عن بن ماهان في مسلم فهو لأدنى بدال ونون وهي بمعني الأقرب قال الخطابي المعنى أقرب رجل من العصبة وقال بن بطال المراد بأولى رجل أن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب الى الميت استحق دون من هو أبعد فان استنووا اشتركوا قال ولم يقصد في هذا الحديث من يدلى بالآباء والأمهات مثلا لأنه ليس فيهم من هو أولى من غيره إذا استووا في المنزلة كذا قال بن المنير وقال بن التين انما المراد به العمة مع العم وبنت الأخ مع بن الأخ وبنت العم مع بن العم وخرج من ذلك الأخ والأخت لأبوين أو لأب فانهم يرثون بنص قوله تعالى وان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ويستثنى من ذلك من يحجب كالأخ للأب مع البنت والأخت الشقيقة وكذا يخرج الأخ والأخت لأم لقوله تعالى فلكل واحد منهما السدس وقد نقل الإجماع على أن المراد بها الأخوة من الأم وسيأتي مزيد في هذا في باب ابني عم أحدهما أخ لأم وأخر زوج قوله رجل ذكر هكذا في جميع الروايات ووقع في كتب الفقهاء كصاحب النهاية وتلميذه الغزالي فلأولى عصبة ذكر قال بن الجوزي والمنذري هذه اللفظة ليست محفوظة وقال بن الصلاح فيها بعد عن الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية فان العصبة في اللغة اسم للجمع لا للواحد كذا قال والذي يظهر أنه اسم جنس ويدل عليه ما وقع في بعض طرق حديث أبي هريرة الذي في الباب قبله فليرثه عصبتة من كانوا قال بن دقيق العيد قد استشكل بأن الأخوات عصبات البنات والحديث يقتضي اشتراط الذكورة في العصبة المستحق للباقي بعد الفروض والجواب أنه من طريق المفهوم وقد اختلف هل له عموم وعلى التنزل فيخص في الخبر الدال على أن الأخوات عصبات البنات وقد استشكل التعبير بذكر بعد التعبير برجل فقال الخطابي انما كرر للبيان في لغته بالذكورة ليعلم أن العصبة إذا كان عما أو بن عم مثلا وكان معه أخت له أن الأخت لاترث ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وتعقب بأن هذا ظاهر من التعبير بقوله رجل والاشكال باق إلا أن كلامه ينحل إلى أنه للتأكيد وبه جزم غيره كابن التين قال ومثله بن لبون ذكر وزيفه القرطبي فقال قيل أنه للتأكيد اللفظي ورد بأن العرب انما تؤكد حيث يفيد فائدة إما تعين المعنى في النفس وإما رفع توهم المجاز وليس ذلك موجودا هنا وقال غيره هذا التوكيد لمتعلق الحكم وهو الذكورة لأن الرجل قد يراد به معنى النجدة والقوة في الأمر فقد حكى سيبويه مررت برجل رجل أبوه فلهذا احتاج الكلام الى زيادة التوكيد لذكر حتى لا يظن أن المراد به خصوص البالغ وقيل خشية أن يظن بلفظ رجل الشخص وهو أعم من الذكر والأنثى وقال بن العربي في قوله ذكر الإحاطة بالميراث انما تكون للذكر دون الأنثى ولا يرد قول من قال أن البنت تأخذ جميع المال لأنها انما تأخذه بسببين متغايرين والاحاطة مختصة بالسبب الواحد وليس إلا الذكر فلهذا نبه عليه بذكر الذكورية قال وهذا لا يتفطن له كل مدع وقيل أنه احتراز عن الخنثى في الموضعين فلا تؤخذ الخنثى في الزكاة ولا يجوز الخنثى المال إذا انفرد وقيل للاعتناء بالجنس وقيل للإشارة الى الكمال في ذلك كما يقال امرأة أنثى وقيل لنفي توهم اشتراك الأنثى معه لئلا يحمل على التغليب وقيل ذكر تنبيها على سبب الاستحقاق بالعصوبة وسبب الترجيح الإرث ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وحكمته أن الرجال تلحقهم المؤن كالقيام بالعيال والضيفان وإرفاد القاصدين ومواساة السائلين وتحمل الغرامات وغير ذلك هكذا قال النووي وسبقه القاضي عياض فقال قيل هو على معنى اختصاص الرجال بالتعصيب بالذكورية التي بها القيام على الاناث وأصله للمازري فإنه قال بعد أن ذكر استشكال ما ورد في هذا وهو رجل ذكر وفي الزكاة بن لبون ذكر قال والذي يظهر لي أن قاعدة الشرع في الزكاة الانتقال من سن الى أعلى منها ومن عدد الى أكثر منه وقد جعل في خمسة وعشرين بنت مخاض وسنا أعلى منها وهو بن لبون فقد يتخيل أنه على خلاف القاعدة وأن السنين كالسن الواحد لأن بن اللبون أعلى سنا لكنه أدنى قدرا فنبه بقوله ذكر على أن الذكورية تبخسه حتى يصير مساويا لبنت مخاض مع كونها أصغر سنا منه وأما في الفرائض فلما علم أن الرجال هم القائمون بالأمور وفيهم معنى التعصيب وترى لهم العرب ما لا ترى للنساء فعبر بلفظ ذكر إشارة الى العلة التي لاجلها اختص بذلك فهما وان اشتركا في أن السبب في وصف كل منهما بذكر التنبيه على ذلك لكن متعلق التنبيه فيهما مختلف فإنه في بن اللبون إشارة الى النقص وفي الرجل إشارة الى الفضل وهذا قد لخصه القرطبي وارتضاه وقيل انه وصف لأولى لا لرجل قاله السهيلي وأطال في تقريره وتبجح به فقال هذا الحديث أصل في الفرائض وفيه إشكال وقد تلقاه الناس أو أكثرهم على وجه لا تصح إضافته الى من أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا فقالوا هو نعت لرجل وهذا لا يصح لعدم الفائدة لأنه لا يتصور أن يكون الرجل إلا ذكرا وكلامه أجل من أن يشتمل على حشو لا فائدة فيه ولا يتعلق به حكم ولو كان كما زعموا لنقص فقه الحديث لأنه لا يكون فيه بيان حكم الطفل الذي لم يبلغ سن الرجولية وقد اتفقوا على أن الميراث يجب له ولو كان بن ساعة فلا فائدة بتخصيصه بالبالغ دون الصغير قال والحديث إنما سيق لبيان من يستحق الميراث من القرابة بعد أصحاب السهام ولو كان كما زعموا لم يكن فيه تفرقة بين قرابة الأب وقرابة الأم قال فإذا ثبت هذا فقوله أولى رجل دكر يريد القريب في النسب الذي قرابته من قبل رجل وصلب لا من قبل بطن ورحم فالأولى هنا ولي الميت فهو مضاف اليه في المعنى دون اللفظ وهو في اللفظ مضاف الى النسب وهو الصلب فعبر عن الصلب بقوله أولى رجل لأن الصلب لا يكون إلا رجلا فأفاد بقوله لاولى رجل نفي الميراث عن الأولى الذي هو من قبل الأم كالخال وأفاد بقوله ذكر نفي الميراث عن النساء وان كن من المدلين الى الميت من قبل صلب لأنهن إناث قال وسبب الاشكال من وجهين أحدهما أنه لما كان مخفوضا ظن نعتا لرجل ولو كان مرفوعا لم يشكل كأن يقال فوارثه أولى رجل ذكر والثاني أنه جاء بلفظ أفعل وهذا الوزن إذا أريد به التفضيل كان بعض ما يضاف اليه كفلان أعلم انسان فمعناه أعلم الناس فتوهم أن المراد بقوله أولى رجل أولى الرجال وليس كذلك وإنما هو أولى الميت بإضافة النسب وأولى صلب بإضافته كما تقول هو أخوك أخو الرخاء لا أخو البلاء قال فالأولى في الحديث كالولي فان قيل كيف يضاف للواحد وليس بجزء منه فالجواب إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وان لم يكن جزءا منه كقوله صلى الله عليه وسلم في البر بر أمك ثم أباك ثم أدناك قال وعلى هذا فيكون في هذا الكلام الموجز من المتانة وكثرة المعاني ما ليس في غيره فالحمد لله الذي وفق وأعان انتهى كلامه ولا يخلو من استغلاق وقد لخصه الكرماني فقال ذكر صفة لأولى لا لرجل والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال فهو لقريب الميت ذكر من جهة رجل وصلب لا من جهة بطن ورحم فالأولى من حيث المعنى مضاف الى الميت وأشير بذكر الرجل الى الأولوية فأفاد بذلك نفي الميراث عن الأولى الذي من جهة الأم كالخال وبقوله ذكر نفيه عن النساء بالعصوية وان كن من المدلين للميت من جهة الصلب انتهى وقد أوردته كما وجدته ولم أحذف منه إلا أمثلة أطال بها وكلمات طويلة تبجح بها بسبب ما ظهر له من ذلك والعلم عند الله تعالى قال النووي أجمعوا على أن الذي يبقى بعد الفروض للعصبة يقدم للأقرب فالأقرب فلا يرث عاصب بعيد مع عاصب قريب والعصبة كل ذكر يدلى بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين الميت أنثى فمتى انفرد أخذ جميع المال وان كان مع ذوي فروض غير مستغرقين أخذ ما بقي وان كان مع مستغرقين فلا شيء له قال القرطبي وأما تسمية الفقهاء الأخت مع البنت عصبة فعلى سبيل التجوز لأنها لما كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهت العاصب قلت وقد ترجم البخاري بذلك كما سيأتي قريبا قال الطحاوي استدال قوم يعني بن عباس ومن تبعه بحديث بن عباس على أن من خلف بنتا وأخا شقيقا وأختا شقيقة كان لابنته النصف وما بقي لأخيه ولا شيء لأخته ولو كانت شقيقة وطردوا ذلك فيما لو كان مع الأخت الشقيقة عصبة فقال لا شيء لها مع البنت بل الذي يبقى بعد البنت للعصبة ولو بعدوا وأحتجوا أيضا بقوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك قالوا فمن أعطى الأخت مع البنت خالف ظاهر القرآن قال واستدل عليهم بالإتفاق على أن من ترك بنتا وابن بن وبنت بن متساويين أن للبنت النصف وما بقي بين بن الابن وبنت الابن ولم يخص بن الابن بما بقي لكونه ذكرا بل ورثوا معه شقيقته وهي أنثى قال فعلم بذلك أن حديث بن عباس ليس على عمومه بل هو في شيء خاص وهو ما إذا ترك بنتا وعما وعمة فان للبنت النصف وما بقي للعم دون العمة إجماعا قال فاقتضى النظر ترجيح إلحاق الأخت مع الأخ بالابن والبنت لا بالعم والعمة لأن الميت لو لم يترك إلا أخا وأختا شقيقتين فالمال بينهما فكذلك لو ترك بن بن وبنت بن بخلاف ما لو ترك عما وعمة فان المال كله للعم دون العمة باتفاقهم قال وأما الجواب عما احتجوا به من الآية فهو أنهم أجمعوا على أن الميت لو ترك بنتا وأخا لأب كان للبنت النصف وما بقي للأخ وأن معنى قوله تعالى ليس له ولد انما هو ولد يحوز المال كله لا الولد الذي لا يحوز وأقرب العصبات البنون ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب ثم الجد والأخ إذا انفرد واحد منهما فان اجتمعا فسيأتي حكمه ثم بنو الأخوة ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا ومن أدلى بأبوين يقدم على من أدلى بأب لكن يقدم الأخ من الأب على بن الأخ من الأبوين ويقدم بن أخ لأب على عم لأبوين ويقدم عم لأب على بن عم لأبوين واستدل به البخاري على أن بن الابن يحوز المال إذا لم يكن دونه بن وعلى أن الجد يرث جميع المال إذا لم يكن دونه أب وعلى أن لأخ من الأم إذا كان بن عم يرث بالفرض والتعصيب وسيأتي جميع ذلك والبحث فيه

قوله باب ميراث البنات الأصل فيه كما تقدم في أول كتاب الفرائض قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقد تقدمت الإشارة اليه والى سبب نزولها وان أهل الجاهلية كانوا لا يورثون البنات كما حكاه جعفر بن حبيب في كتاب المحبر وحكى ان بعض عقلاء الجاهلية ورث البنت لكن سوى بينها وبين الذكر وهو عامر بن جشم بضم الجيم وفتح المعجمة وقد تمسك بالسبب المذكور من أجاب عن السؤال المشهور في قوله تعالى فان كن نساء فوق اثنتين حيث قيل ذكر في الآية حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن دون الانفراد وذكر حكم البنت الواحدة في الحالين وكذا حكم ما زاد على البنتين وقد انفرد بن عباس بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم الثلاث فما زاد ودليله بيان السنة فان الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد عليهما وذلك واضح في سبب النزول فان العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال صلى الله عليه وسلم لها يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل الى العم فقال أعط بنتي سعد الثلثين فلا يرد على ذلك أنه يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة فإنه بيان لا نسخ وقيل بالقياس على الأختين وهما أولى لما يختص بهما من أنهما أمس رحما بالميت من أختيه فلا يقصر بهما عنهما وقيل أن لفظ فوق في الآية مقحم وهو غلط وقال المبرد يؤخذ من جهة أن أقل عدد يجتمع به الصنفان ذكر وأنثى فان كان للواحدة ثلث كان للبنتين الثلثان وقال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن يؤخذ ذلك من قوله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه يقتضي أنه إذا كان ذكر وأنثى فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث فإذا استحقت الثلث مع الذكر فاستحقاقها الثلث مع أنثى مثلها بطريق الأولى وقال السهيلي يؤخذ ذلك من المجيء بلام التعريف التي للجنس في قوله حظ الأنثيين فإنه يدل على انهما استحقا الثلثين وأن الواحدة لها مع الذكر الثلث وكان ظاهر ذلك أنهن لو كن ثلاثا لاستوعبن المال فلذلك ذكر حكم الثلاث فما زاد واستغنى عن إعادة حكم الأنثيين لأنه قد تقدم بدلالة اللفظ وقال صاحب الكشاف وجهه أن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة فالاثنتان كذلك يحوزان الثلثين فلما ذكر ما دل على حكم الثنتين ذكر بعده حكم ما فوق الثنتين وهو منتزع من كلام القاضي وقرر الطيبي فقال اعتبر القاضي الفاء في قوله تعالى فان كن نساء لأن مفهوم ترتيب الفاء ومفهوم الوصف في قوله فوق اثنين مشعران بذلك فكأنه لما قال للذكر مثل حظ الأنثيين علم بحسب الظاهر من عبارة النص حكم الذكر مع الأنثى إذا اجتمعا وفهم منه بحسب إشارة النص حكم الثنتين لأن الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة فالثنتان يحوزان الثلثين ثم أراد أن يعلم حكم ما زاد على الثنتين فقال فان كن نساء فوق اثنتين فمن نظر الى عبارة النص قال أريد حالة الاجتماع دون الانفراد ومن نظر الى إشارة النص قال ان حكم الثنتين حكم الذكر مطلقا واعترض على هذا التقرير بأنه ثبت بما ذكر أن لهما الثلثين في صورة ما وليست هي صورة الاجتماع دائما إذ ليس للبنتين مع الابن الثلثان والجواب عنه عسر إلا إن انضم اليه أن الحديث بين ذلك ويعتذر عن بن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية وفهم أن قوله فوق اثنتين لانتفاء الزيادة على الثلثين لا لاثبات ذلك الثنتين وكذا يرد على جواب السهيلي أن الاثنتين لا يستمر الثلثان حظهما في كل صورة والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث وقد مضى شرحه مستوفى في الوصايا والغرض منه

[ 6352 ] قوله وليس يرثني إلا ابنتي وقد تقدم أن الذي نفاه سعد أولاده وإلا فقد كان له من العصبات من يرثه وحديث معاذ في توريث البنت والأخت وسيأتي شرحه قريبا في باب ميراث الأخوات مع البنات من وجه أخر عن الأسود وأبو النضر المذكور في سنده هو هاشم بن القاسم وشيبان هو بن عبد الرحمن والأشعث هو بن أبي الشعثاء سليم المحاربي وقد أخرجه يزيد بن هارون في كتاب الفرائض له عن سفيان الثوري عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد قال قضى بن الزبير في ابنه وأخت فأعطى الابنة النصف وأعطى العصبة بقية المال فقلت له إن معاذا قضى فيها باليمن فذكره قال فقال له أنت رسولي الى عبد الله بن عتبة وكان قاضي الكوفة فحدثه بهذا الحديث وأخرجه الدارمي والطحاوي من طريق الثوري نحوه

قوله ميراث بن الابن إذا لم يكن بن أي للميت لصلبه سواء كان أباه أو عمه قوله وقال زيد بن ثابت الخ وصله سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه وقوله بمنزلة الولد أي للصلب وقوله إذا لم يكن دونهم أي بينهم وبين الميت وقوله ولد ذكر احترز به عن الأنثى وسقط لفظ ذكر من رواية الأكثر وثبت الكشميهني وهي في رواية سعيد بن منصور المذكورة وقوله يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون أي يرثون جميع المال إذا انفردوا ويحجبون من دونهم في الطبقة ممن بينه وبين الميت مثلا اثنان فصاعدا ولم يرد تشبيههم بهم من كل جهة وقوله في آخره ولا يرث ولد الابن مع الابن تأكيد لما تقدم فان حجب أولاد الابن بالابن انما يؤخذ من قوله إذا لم يكن دونهم الى آخره بطريق المفهوم ثم ذكر حديث بن عباس

[ 6354 ] ألحقوا الفرائض بأهلها وقد مضى شرحه قريبا قال بن بطال قال أكثر الفقهاء فيمن خلفت زوجا وأبا وبنتا وابن بن وبنت بن تقدم الفروض فللزوج الربع وللأب السدس وللبنت النصف وما بقي بين ولدي الابن الذكر مثل حظ الأنثيين فان كانت البنت أسفل من الابن فالباقي له دونها وقيل الباقي له مطلقا لقوله فما بقي فلأولى رجل ذكر وتمسك زيد بن ثابت والجمهور بقوله تعالى في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقد اجمعوا أن بني البنين ذكورا وإناثا كالبنين عند فقد البنين إذا استووا في التعدد فعلى هذا تخص هذه الصورة من عموم فلأولى رجل ذكر

قوله باب ميراث ابنة بن مع ابنة في رواية الكشميهني مع بنت قوله حدثنا أبو قيس هو عبد الرحمن بن ثروان بفتح المثلثة وسكون الراء وهزيل بالزاي مصغر ووقع في كتب كثير من الفقهاء هذيل بالذال المعجمة قيس واسمه عبد الرحمن قوله سئل أبو موسى في رواية غندر عن شعبة عن النسائي جاء رجل الى أبي موسى الأشعري وهو الأمير والي سلمان بن ربيعة الباهلي فسألهما وكذا أخرجه أبو داود من طريق الأعمش عن أبي قيس لكن لم يقل وهو الأمير وكذا للترمذي وابن ماجة والطحاوي والدارمي من طرق عن سفيان الثوري بزيادة سلمان بن ربيعة مع أبي موسى وقد ذكروا أن سلمان المذكور كان على قضاء الكوفة قوله وائت بن مسعود فسيتابعني في رواية الأعمش والثوري المشار إليهما فقال له أبو موسى وسلمان بن ربيعة وفيها أيضا فسيتابعنا وهذا قاله أبو موسى على سبيل الظن لأنه اجتهد في المسألة ووافقه سلمان فظن أن بن مسعود يوافقهما ويحتمل أن يكون سبب قوله ائت بن مسعود الاستثبات قوله فقال لقد ضللت إذا قاله جوابا عن قول أبي موسى أنه سيتابعه وأشار الى أنه لو تابعه لخالف صريح السنة عنده وأنه لو خالفها عامدا لضل قوله أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الدارقطني من طريق حجاج بن أرطاة عن عبد الرحمن بن مروان فقال بن مسعود كيف أقول يعني مثل قول أبي موسى وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قوله فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول بن مسعود فيه إشارة الى أن هزيلا الراوي توجه مع السائل الى بن مسعود فسمع جوابه فعاد الى أبي موسى معهم فأخبروه قوله لا تسألوني ما دام هذا الحبر بفتح مهملة وبكسرها أيضا وسكون الموحدة حكاه الجوهري ورجح الكسر وجزم الفراء بأنه بالكسر وقال سمي باسم الحبر الذي يكتب به وقال أبو عبيد الهروي هو العالم بتحبير الكلام وتحسينه وهو بالفتح في رواية جميع المحدثين وأنكر أبو الهيثم الكسر وقال الراغب سمي العالم حبرا لما يبقى من أثر علومه وكانت هذه القصة في زمن عثمان لأنه هو الذي أمر أبا موسى على الكوفة وكان بن مسعود قبل ذلك أميرها ثم عزل قبل ولاية أبي موسى عليها بمدة قال بن بطال فيه ان العالم يجتهد إذا ظن أن لا نص في المسألة ولا يتولى الجواب الى أن يبحث عن ذلك وفيه أن الحجة عند التنازع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الرجوع إليها وفيه ما كانوا عليه من الإنصاف والاعتراف بالحق والرجوع اليه وشهادة بعضهم لبعض بالعلم والفضل وكثرة اطلاع بن مسعود على السنة وتثبت أبي موسى في الفتيا حيث دل على من ظن أنه أعلم منه قال ولا خلاف بين الفقهاء فيما راواه بن مسعود وفي جواب أبي موسى إشعار بأنه رجع عما قاله قال بن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة الباهلي وقد رجع أبو موسى عن ذلك ولعل سلمان أيضا رجع كأبي موسى وسلمان المذكور مختلف في صحبته وله أثر في فتوح العراق أيام عمر وعثمان واستشهد في زمن عثمان وكان يقال له سلمان الخيل لمعرفته بها واستدل الطحاوي بحديث بن مسعود هذا على أن المراد بحديث بن عباس فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر من يكون أقرب العصبات الى الميت فلو كان هناك عصبة أقرب الى الميت ولو كانت أنثى كان المال الباقي لها ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الأخوات من قبل الأب مع البنت عصبة فصرن مع البنات في حكم الذكور من قبل الإرث وقال غيره وجه كون الولد المذكور في قوله تعالى إن امرؤ هلك ليس له ولد ذكرا أنه الذي يسبق الى الوهم من قول القائل قال ولد فلان كذا فأول ما يقع في نفس السامع أن المراد الذكر وإن كان الأناث أيضا اولادا بالحقيقة ولكن هو أمر شائع وقد قال الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة وقال لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم وقال حكاية عن الكافر الذي قال لأوتين مالا وولدا والمراد بالأولاد والولد في هذه الآي الذكور دون الأناث لأن العرب ما كانت تتكاثر بالبنات فإذا حمل قوله تعالى إن امرؤ هلك ليس له ولد على الولد الذكر لم يمنع الأخت الميراث مع البنت وعلى تقدير أن يكون الولد في الآية أعم فأنه محتمل لأن يراد به العموم على ظاهره وأن يراد به خصوص الذكر فبينت السنة الصحيحة أن المراد به الذكور دون الأناث قال بن العربي يؤخذ من قصة أبي موسى وابن مسعود جواز العمل بالقياس قبل معرفة الخبر والرجوع الى الخبر بعد معرفته ونقض الحكم إذا خالف النص قلت ويؤخذ من صنيع أبي موسى أنه كان يرى العمل بالاجتهاد قبل البحث عن النص وهو لائق بمن يعمل بالعام قبل البحث عن المخصص وقد نقل بن الحاجب على منع العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص وتعقب بأن أبوي إسحاق الاسفرايني والشيرازي حكيا الخلاف وقال أبو بكر الصيرفي وطائفة وهو المشهور وعن الحنفية يجب الانقياد للعموم في الحال وقال بن شريح وابن خيران والفضال يجب البحث قال أبو حامد وكذا الخلاف في الأمر والنهي المطلق

قوله باب ميراث الجد مع الأب والاخوة المراد بالجد هنا من يكون من قبل الأب والمراد بالأخوة الأشقاء ومن الأب وقد انعقد الإجماع على أن الجد لا يرث مع وجود الأب قوله وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير الجد أب أي هو أب حقيقة لكن تتفاوت مراتبه بحسب القرب والبعد وقيل المعنى أنه ينزل منزلة الأب في الحرمة ووجوه البر والمعروف عن المذكورين الأول قال يزيد بن هارون في كتاب الفرائض له أخبرنا محمد بن سالم عن الشعبي أن أبا بكر وابن عباس وابن الزبير كانوا يجعلون الجد أبا يرث ما يرث ويحجب ما يحجب ومحمد بن سالم ضعيف والشعبي عن أبي بكر منقطع وقد جاء من طريق أخرى وإذا حمل ما نقله الشعبي على العموم لزم منه خلاف ما اجمعوا عليه في صورة وهي أم الأب إذا علت تسقط بالأب ولا تسقط بالجد واختلف في صورتين إحداهما أن بني العلات والاعيان يسقطون بالأب ولا يسقطون بالجد إلا عند أبي حنيفة ومن تابعه والأم مع الأب وأحد الزوجين تأخذ ثلث ما بقي ومع الجد تأخذ ثلث الجميع إلا عند أبي يوسف فقال هو كالأب وفي الإرث بالولاء صورة ثالثة فيها اختلاف أيضا فاما قول أبي بكر وهو الصديق فوصله الدارمي بسند على شرط مسلم عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر الصديق جعل الجد أبا وبسند صحيح إلى أبي موسى أن أبا بكر مثله وبسند صحيح أيضا الى عثمان بن عفان أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا وفي لفظ له أنه جعل الجد أبا إذا لم يكن دونه أب وبسند صحيح عن بن عباس أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا وقد أسند المصنف في آخر الباب عن بن عباس أن أبا بكر أنزله أبا وكذا مضى في المناقب موصولا عن بن الزبير أن أبا بكر أنزله أبا وأما قول بن عباس فأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الفرائض من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس قال الجد أب وأخرج الدارمي بسند صحيح عن طاوس عنه أنه جعل الجد أبا وأخرج يزيد بن هارون من طريق ليث عن طاوس أن عثمان وابن عباس كان يجعلان الجد أبا اما قول بن الزبير فتقدم في المناقب موصولا من طريق بن أبي مليكة قال كتب أهل الكوفة الى بن الزبير في الجد فقال ان أبا بكر أنزله أبا وفيه دلالة على أنه أفتاهم بمثل قول أبي يكر وأخرج يزيد بن هارون من طريق سعيد بن جبير قال كنت كاتبا لعبد الله بن عتبة فأتاه كتب بن الزبير أن أبا بكر جعل الجد أبا قوله وقرأ بن عباس يا بني آدم واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما احتجاج بن عباس بقوله تعالى يا بني آدم فوصله محمد بن نصر من طريق عبد الرحمن بن معقل قال جاء رجل الى بن عباس فقال له كيف تقول في الجد قال أي أب لك أكبر فسكت وكأنه عي عن جوابه فقلت أنا آدم فقال أفلا تسمع الى قوله تعالى يا بني آدم أخرجه الدارمي من هذا الوجه وأما احتجاجه بقوله تعالى واتبعت ملة آبائي فوصله سعيد بن منصور من طريق عطاء عن بن عباس قال الجد أب وقرأ واتبعت ملة آبائي الآية واحتج بعض من قال بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم أنا بن عبد المطلب وانما هو بن ابنه قوله ولم يذكر هو بضم أوله على البناء للمجهول قوله أن أحدا خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون كأنه يريد بذلك تقوية حجة القول المذكور فان الإجماع السكوتي حجة وهو حاصل في هذا وممن جاء عنه التصريح بأن الجد يرث ما كان يرث الأب عند عدم الأب غير من سماه المصنف معاذ وأبو الدرداء وأبو موسى وأبي بن كعب وعائشة وأبو هريرة ونقل ذلك أيضا عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود على اختلاف عنهم كما سيأتي ومن التابعين عطاء وطاوس وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو الشعثاء وشريح والشعبي ومن فقهاء الأمصار عثمان التيمي وأبوحنيفة وإسحاق بن راهويه وداود وأبو ثور والمزني وابن سريج وذهب عمر وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود الى توريث الإخوة مع الجد لكن اختلفوا في كيفية ذلك كما سيأتي بيانه قوله وقال بن عباس يرثني بن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا بن ابني ووصله سعيد بن منصور من طريق عطاء عنه قال فذكر قال بن عبد البر وجه قياس بن عباس أن بن الأبن لما كان كالابن عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الأب كالأب وقد ذكر من وافق بن عباس في هذا توجيه قياسه المذكور من جهة أنهم اجمعوا على أنه كالأب في الشهادة له وفي العتق عليه وأنه لا يفتص منه وأنه ذو فرض أو عاصب وعلى أن من ترك ابنا وأبا أن للأب السدس والباقي للابن وكذا لو ترك جدة لأبيه وابنا وعلى أن الجد يضرب مع أصحاب الفروض بالسدس كما يضرب الأب سواء قيل بالعول أم لا واتفقوا على أن بن الابن بمنزلة الابن في حجب الزوج عن النصف والمرأة عن الربع والأم عن الثلث كالابن سواء فلو أن رجلا ترك آبويه وابن ابنة كان لكل من آبويه السدس وأن من ترك أبا جده وعمه أن المال لأبي جده دون عمه فينبغي أن يكون لوالد أبيه دون إخوته فيكون الجد أولى من أولاد أبيه كما أن أباه أولى من أولاد أبيه وعلى أن الاخوة من الأم لا يرثون مع الجد كما لايرثون مع الأب فحجبهم الجد كما حجبهم الأب فينبغي أن يكون الجد كالأب في حجب الإخوة وكذا القول في بني الإخوة ولو كانوا أشقاء وقال السهيلي لم ير زيد بن ثابت لاحتجاج بن عباس بقوله تعالى يا بني آدم ونحوها مما ذكر عنه حجة لأن ذلك ذكر في مقام النسبة والتعريف فعبر بالبنوة ولو عبر بالولادة لكان فيه متعلق ولكن بين التعبير بالولد والابن فرق ولذلك قال تعالى يوصيكم الله في أولادكم ولم يقل في أبنائكم ولفظ الولد يقع على الذكر والأنثى والواحد والجمع بخلاف الابن وأيضا فلفظ الولد يليق بالميراث بخلاف الابن تقول بن فلان من الرضاعة ولا تقول ولده وكذا كان من يتبنى ولد غيره قال له ابني وتبناه ولا يقول ولدي ولا ولده ومن ثم قال في آية التحريم وحلائل أبنائكم إذ لو قال وحلائل أولادكم لم يحتج الى أن يقول من أصلابكم لأن الولد لا يكون إلا من صلب أو بطن قوله ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة سقط ذكر زيد من شرح بن بطال فلعله من النسخة وقد أخذ بقوله جمهور العلماء وتمسكوا بحديث أفرضكم زيد وهو حديث حسن أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من رواية أبي قلابة عن أنس وأعله بالإرسال ورجحه الدارقطني والخطيب وغيرهما وله متابعات وشواهد ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي فأما عمر فأخرج الدارمي بسند صحيح عن الشعبي قال أول جد ورث في الإسلام عمر فأخذ ماله فأتاه علي وزيد يعني بن ثابت فقالا ليس لك ذلك انما أنت كأحد الأخوين وأخرج بن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن غنم مثله دون قوله فأتاه الخ لكن قال فأراد عمر أن يحتار المال فقلت له يا أمير المؤمنين أنهم شجرة دونك يعني بني أبيه وأخرج الدارقطني بسند قوي عن زيد بن ثابت أن عمر أتاه فذكر قصة فيها أن مثل الجد كمثل شجرة نبتت على ساق واحد فخرج منها غصن ثم خرج من الغصن غصن فان قطعت الغصن رجع الماء الى الساق وان قطعت الثاني رجع الماء الى الأول فخطب عمر الناس فقال أن زيدا قال في الجد قولا وقد أمضيته وأخرج الدارمي من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال قال عمر خذ من الجد ما اجتمع عليه الناس وهذا منقطع وأخرج الدارمي من طريق عيسى الخياط عن الشعبي قال كان عمر يقاسم الجد مع الأخ والأخوين فإذا زادوا أعطاه الثلث وكان يعطيه مع الولد السدس وأخرج البيهقي بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقبيصة بن ذؤيب أن عمر قضى أن الجد يقاسم الأخوة للأب والأم والاخوة للأب ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث فان كثر الإخوة أعطى الجد الثلث وأخرج يزيد بن هارون في كتاب الفرائض عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو قال اني لاحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا وروينا في الجزء الحادي عشر من فوائد أبي جعفر الرازي بسند صحيح الى بن عون عن محمد بن سيرين سألت عبيدة عن الجد فقال قد حفظت عن عمر في الجد مائة قضية مختلفة وقد استبعد بعضهم هذا عن عمر وتأول البزار صاحب المسند قوله قضايا مختلفة على اختلاف حال من يرث مع الجد كأن يكون أخ واحد أو أكثر أو أخت واحدة أو أكثر ويدفع هذا التأويل ما تقدم من قول عبيدة بن عمرو ينقض بعضها بعضا وسيأتي عن عمر أقوال أخرى وأما علي فأخرج بن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي كتب بن عباس الى علي يسأله عن ستة إخوة وجد فكتب اليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي واخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال كتب بن عباس الى علي وابن عباس بالبصرة اني أتيت بجد وستة إخوة فكتب اليه على أن أعط الجد سبعا ولا تعطه أحدا بعده وبسند صحيح الى عبد الله بن سلمة أن عليا كان يجعل الجد أخا حتى يكون سادسا ومن طريق الحسن البصري أن عليا كان يشرك الجد مع الإخوة الى السدس ومن طريق إبراهيم النخعي عن علي نحوه وأخرج بن أبي شيبة من وجه آخر عن الشعبي عن علي أنه أتى في جد وستة إخوة فأعطى الجد السدس وأخرج يزيد بن هارون في الفرائض له عن محمد بن سالم عن الشعبي عن علي نحوه ومحمد بن سالم هذا فيه ضعف وسيأتي عن علي أقوال أخرى وأخرج الطحاوي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال حدثت أن علي كان ينزل بني الإخوة مع الجد منزلة آباءهم ولم يكن أحد من الصحابة يفعله غيره ومن طريق السري بن يحيى عن الشعبي عن علي كقول الجماعة وأما عبد الله بن مسعود فأخرج الدارمي بسند صحيح الى أبي إسحاق السبيعي قال دخلت على شريح وعنده عامر يعني الشعبي وعبد الرحمن بن عبد الله أي بن مسعود في فريضة امرأة منا تسمى العالية تركت زوجها وأمها وأخاها لأبيها وجدها فذكر قصة فيها فاتيت عبيدة بن عمرو وكان يقال ليس بالكوفة اعلم بفريضة من عبيدة والحارث الأعور فسألته فقال ان شئتم نبأتكم بفريضة عبد الله بن مسعود في هذا فجعل للزوج ثلاثة أسهم النصف وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال وللأخ سهم وللجد سهم وروينا في كتاب الفرائض لسفيان الثوري من طريق النخعي قال كان عمر وعبد الله يكرهان أن يفضلا أما على جد وأخرج سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة بسند واحد صحيح الى عبيد بن نضلة قال كان عمر وابن مسعود يقاسمان الجد مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيرا له من مقاسمة الإخوة وأخرجه محمد بن نصر مثله سواء وزاد ثم ان عمر كتب الى عبد الله ما أرانا إلا قد أجحفنا بالجد فإذا جاءك كتابي هذا فقاسم به مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون الثلث خيرا له من مقاسمتهم فأخذ بذلك عبد الله وأخرج محمد بن نصر بسند صحيح الى عبيدة بن عمرو قال كان يعطي الجد مع الإخوة الثلث وكان عمر يعطيه السدس ثم كتب عمر الى عبد الله إنا نخاف أن نكون قد أجحفنا بالجد فأعطه الثلث ثم قدم على هاهنا يعني الكوفة فأعطاه السدس قال عبيدة فرأيهما في الجماعة أحب الى من رأى أحدهما في الفرقة ومن طريق عبيد بن نضيلة ان عليا كان يعطي الجد الثلث ثم تحول الى السدس وأن عبد الله كان يعطيه السدس ثم تحول الى الثلث وأما زيد بن ثابت فأخرج الدارمي من طريق الحسن البصري قال كان زيد يشرك الجد مع الإخوة الى الثلث وأخرج البيهقي من طريق بن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد قال أخذ أبو الزناد هذه الرسالة من خارجة بن زيد بن ثابت ومن كبراء آل زيد بن ثابت فذكر قصة فيها قال زيد بن ثابت وكان رأيي أن الإخوة أولى بميراث أخيهم من الجد وكان عمر يرى أن الجد أولى بميراث بن ابنه من إخوته وأخرجه بن حزم من طريق إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه قال كان رأيي أن الاخوة أحق بميراث أخيهم من الجد وكان أمير المؤمنين يعني عمر يعطيهم بالوجه الذي يراه على قدر كثرة الاخوة وقلتهم قلت فاختلف النقل عن زيد وأخرج عبد الرزاق من طريق إبراهيم قال كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الاخوة الى الثلث فإذا بلغ الثلث أعطاه إياه والاخوة ما بقي ويقاسم الأخ للأب ثم يرد على أخيه ويقاسم بالأخوة من الأب مع الاخوة الأشقاء ولا يورث الاخوة للاب شيئا ولا يعطي أخا لأم مع الجد شيئا قال بن عبد البر تفرد زيد من بين الصحابة في معادلته الجد بالأخوة بالأب مع الاخوة الأشقاء وخالفه كثير من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض في ذلك لأن الاخوة من الأب لايرثون مع الأشقاء فلا معنى لإدخالهم معهم لأنه حيف على الجد في المقاسمة وقد سأل بن عباس زيدا عن ذلك فقال انما أقول في ذلك برأيي كما تقول أنت برأيك وقال الطحاوي ذهب مالك والشافعي وأبو يوسف الى قول زيد بن ثابت في الجد ان كان معه إخوة أشقاء قاسمهم ما دامت المقاسمة خيرا له من الثلث وان كان الثلث خيرا له أعطاه إياه ولا ترث الاخوة من الأب مع الجد شيئا ولا بنو الاخوة ولو كانوا أشقاء وإذا كان مع الجد والاخوة أحد من أصحاب الفروض بدأ بهم ثم أعطى الجد خير الثلاثة من المقاسمة ومن ثلث ما بقى ومن السدس ولا ينقصه من السدس إلا في الأكدرية قال وروى هشام عن محمد بن الحسن أنه وقف في الجد قال أبو يوسف وكان بن أبي ليلى يأخذ في الجد بقول علي ومذهب أحمد أنه كواحد الاخوة فان كان الثلث أحظ له أخذه وله مع ذي فرض بعده الأحظ من مقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس الجميع والأكدرية المشار إليها تسمى مربعة الجماعة لأنهم أجمعوا على أنها أربعة ولكن اختلفوا في قسمها وهي زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللأخت أربعة وللجد ثمانية وقد نظمها بعضهم ما فرض أربعة يوزع بينهم ميراث ميتهم بفرض واقع فلواحد ثلث الجميع وثلث ما يبقى لثانيهم بحكم جامع ولثالث من بعد ذا ثلث الذي يبقى وما يبقى نصيب الرابع ثم ذكر المصنف حديث بن عباس ألحقوا الفرائض وقد تقدم شرحه ووجه تعلقه بالمسألة أنه دل على أن الذي يبقى بعد الفرض يصرف لأقرب الناس للميت فكان الجد أقرب فيقدم قال بن بطال وقد احتج به من شرك بين الجد والأخ فإنه أقرب الى الميت بدليل أنه ينفرد بالولاء ولأنه يقوم مقام الولد في حجب الام من الثلث الى السدس ولأن الجد انما يدلى الى الميت وهو ولد ابنه والأخ يدلى بالميت وهو ولد أبيه والابن أقوى من الأب لأن الابن ينفرد بالمال ويرد الأب الى السدس ولا كذلك الأب فتعصيب الأخ تعصيب بنوة وتعصيب الجد تعصيب أبوه والبنوة أقوى من الأبوة في الإرث ولأن الأخت فرضها النصف إذا انفردت فلم يسقطها الجد كالبنت ولأن الأخ يعصب أخته بخلاف الجد فأمتنع من قوة تعصيبه عليه أن يسقط به وقال السهيلي الجد أصل ولكن الأخ في الميراث أقوى سببا منه لأنه يدلى بولاية الأب فالولادة أقوى الأسباب في الميراث فإن قال الجد وأنا أيضا ولدت الميت قيل له انما ولدت والده وأبوه ولد الأخوة فصار سببهم قويا وولد الولد ليس ولدا إلا بواسطة وان شاركه في مطلق الولدية ثم ذكر حديث بن عباس أيضا في فضل أبي بكر وقد تقدم شرحه مستوفى في المناقب وقوله أفضل أو قال خير شك من الراوي وكذا قوله أنزله أبا أو قال قضاه أبا

قوله باب ميراث الزوج مع الولد وغيره أي من الوارثين فلا يسقط الزوج بحال وانما يحطه الولد عن النصف الى الربع ذكر فيه حديث بن عباس

[ 6358 ] كان المال أي المخلف عن الميت للولد والوصية للوالدين الحديث وقد تقدم في الوصايا وذكرت شرحه هناك مستوفى سندا ومتنا ولله الحمد قال بن المنير استشهاد البخاري بحديث بن عباس هذا مع أن الدليل من الآية واضح إشارة منه الى تقرير سبب نزول الآية وأنها على ظاهرها غير مؤولة ولا منسوخة وأفاد السهيلي أن في الآية التي نسختها وهي يوصيكم الله إشارة الى استمرارها فلذلك عبر بالفعل الدال على الدوام بخلاف غيرها من الآيات حيث قال في الآية المنسوخة الحكم كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الآية قوله وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس أفاد السهيلي أن الحكمة في إعطاء الوالدين ذلك والتسوية بينهما ليستمرا فيه فلا يجحف بهما ان كثرت الأولاد مثلا وسوى بينهما في ذلك مع وجود الولد أو الإخوة لما يستحقه كل منهما على الميت من التربية ونحوها وفضل الأب على الأم عند عدم الولد والإخوة لما للأب من الامتياز بالإنفاق والنصرة ونحو ذلك وعوضت الأم عن ذلك بأمر الولد بتفضيلها على الأب في البر في حال حياة الولد انتهى ملخصا وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة عن بعض أهل العلم أن الأب حجب الإخوة وأخذ سهامهم لأنه يتولى إنكاحهم والانفاق عليهم دون الأم

قوله باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره أي من الوارثين فلا يسقط إرث واحد منهما بحال بل يحط الولد الزوج من النصف الى الربع ويحط المرأة من الربع الى الثمن ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة المرأة التي ضربت الأخرى فأسقطت جنينا ثم ماتت الضاربة فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وأن العقل على عصبة القاتلة وأن ميراث الضاربة لبنيها وزوجها وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الديات إن شاء الله تعالى ووجه الدلالة منه على الترجمة ظاهرة لأن ميراث الضاربة لبنيها وزوجها لا لعصبتها الذين عقلوا عنها فورث الزوج مع ولده وكذا لو كان الأب هو الميت لورثت الأم مع الأولاد أشار الى ذلك بن التين وكذا لو كان هناك عصبة بغير ولد

قوله باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة قال بن بطال أجمعوا على أن الأخوات عصبة البنات فيرثن ما فضل عن البنات فمن لم يخلف إلا بنتا وأختا فللبنت النصف وللأخت النصف الباقي على ما في حديث معاذ وان خلف بنتين وأختا فلهما الثلثان وللأخت ما بقى وإن خلف بنتا وأختا وبنت بن فللبنت النصف ولبنت الابن تكملة الثلثين وللأخت ما بقى على ما في حديث بن مسعود لأن البنات لا يرثن أكثر من الثلثين ولم يخالف في شيء من ذلك إلا بن عباس فإنه كان يقول للبنت النصف وما بقى للعصبة وليس للأخت شيء وكذا البنتين الثلثان وللبنت وبنت الابن كما مضى والباقي للعصبة فإذا لم تكن عصبة رد الفضل على البنت أو البنات وقد تقدم البحث في ذلك قال ولم يوافق بن عباس على ذلك أحد إلا أهل الظاهر قال وحجة الجماعة من جهة النظر أن عدم الولد في قوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت إنما جعل شرطا في فرضها الذي تقاسم به الورثة لا في توريثها مطلقا فإذا عدم الشرط سقط الفرض ولم يمنع ذلك أن ترث بمعنى آخر كما شرط في ميراث الأخ من أخته عند عدم الولد وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وقد أجمعوا على أنه يرثها مع البنت وهو كما جعل النصف في ميراث الزوج شرطا إذا لم يكن ولد ولم يمنع ذلك أن يأخذ النصف مع البنت فيأخذ نصف النصف بالفرض والنصف الآخر بالتعصيب إن كان بن عم مثلا وكذلك الأخت والله أعلم

[ 6360 ] قوله عن سليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي والأسود هو بن يزيد وهو خال إبراهيم الراوي عنه قوله ثم قال سليمان قضى فينا ولم يذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل ذلك هو شعبة وسليمان هو الأعمش وهو موصول بالسند المذكور وحاصله أن الأعمش روى الحديث أولا بإثبات قوله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا على الراجح في المسألة ومرة دونها فيكون موقوفا وقد أخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن بشر بن خالد شيخ البخاري فيه مثله لكن قال قال سليمان بعد قال القاسم وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد بسنده بلفظ قضى بذلك معاذ فينا قلت وقد مضى في باب ميراث البنات من وجه آخر عن الأسود بن يزيد قال أتانا معاذ بن جبل باليمن معلما وأميرا فسألناه عن رجل فذكره وسياقه مشعر بأن ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره على اليمن كما مضى صريحا في كتاب الزكاة وغيره وأخرجه أبو داود والدارقطني من وجه ثالث عن الأسود أن معاذ ورث فذكره وزاد هو باليمن ونبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي وللدارقطني من وجه آخر عن الأسود قدم علينا معاذ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره باختصار وهذا أصرح ما وجدت في ذلك

[ 6361 ] قوله عبد الرحمن هو بن مهدي وسفيان هو الثوري وأبو قيس هو عبد الرحمن وقد مضى ذكره وشرح حديثه قبل هذا بأربعة أبواب من طريق شعبة عن أبي قيس وفيه قصة أبي موسى وجزم فيه بقوله لأقضين فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله هنا أو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم فهو شك من بعض رواته وأكثر الرواة أثبتوا الزيادة ففي رواية وكيع وغيره عن سفيان عند النسائي وغيره سأقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومراده بالقضاء بالنسبة اليه الفتيا فان بن مسعود يومئذ لم يكن قاضيا ولا أميرا

قوله باب ميراث الأخوات والإخوة ذكر فيه حديث جابر المذكور في أول كتاب الفرائض والغرض منه

[ 6362 ] قوله انما لي أخوات فإنه يقتضي أنه لم يكن له ولد واستنبط المصنف الإخوة بطريق الأولى وقدم الأخوات في الذكر للتصريح بهن في الحديث وعبد الله المذكور في السند هو بن المبارك قال بن بطال أجمعوا على أن الإخوة الأشقاء أو من الأب لا يرثون مع الابن وان سفل ولا مع الأب وأختلفوا فيهم مع الجد على ما مضت الإشارة اليه وما عدا ذلك فللواحدة من الأخوات النصف وللبنتين فصاعدا الثلثان وللأخ الجميع فما زاد فبالقسمة السوية وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين كما نص عليه القرآن ولم يقع في كل ذلك اختلاف إلا في زوج وأم وأختين لأم وأخ شقيق فقال الجمهور يشرك بينهم وكان علي وأبي وأبو موسى لايشركون الإخوة ولو كانوا أشقاء مع الإخوة للأم لأنهم عصبة وقد استغرقت الفرائض المال وبذلك قال جمع من الكوفيين

قوله باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ذكر فيه حديث البراء من طريق أبي إسحاق عنه

[ 6363 ] آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك قل الله يفتكم في الكلالة وأراد بذلك ما فيها من التنصيص على ميراث الاخوة وقد أخرج أبو داود في المراسيل من وجه آخر عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن جاء رجل فقال يا رسول الله ما الكلالة قال من لم يترك ولدا ولا والدا فورثته كلالة ووقع في صحيح مسلم عن عمر أنه خطب ثم قال إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما راجعته في الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري فقال ألا يكفيك آية النصف التي في آخر سورة النساء وقد اختلف في تفسير الكلالة والجمهور على أنه من لا ولد له ولا والد واختلف في بنت وأخت هل ترث الأخت مع البنت وكذا في الجد هل يتنزل منزلة الأب فلا ترث معه الإخوة قال السهيلي الكلالة من الأكليل المحيط بالرأس لأن الكلالة وراثة تسكللت العصبة أي أحاطت بالميت وإن عنيت المصدر قلت ورثوه عن كلالة وتطلق الكلالة على الورثة مجازا قال ولا يصح قول من قال الكلالة المال ولا الميت إلا على إرادة تفسيره معنى من غير نظر الى حقيقة اللفظ ثم قال ومن العجب أن الكلالة في الآية الأولى من النساء لا يرث فيها الإخوة مع البنت مع أنه لم يقع فيها التقييد بقوله ليس له ولد وقيد به في الآية الثانية مع أن الأخت فيها ورثت مع البنت والحكمة فيها أن الأولى عبر فيها بقوله تعالى وان كان رجل يورث فإن مقتضاه الإحاطة بجميع المال فأغنى لفظ يورث عن القيد ومثله قوله تعالى وهو يرثها ان لم يكن لها ولد أي يحيط بميراثها وأما الآية الثانية فالمراد بالولد فيها الذكر كما تقدم تقريره ولم يعبر فيها بلفظ يورث فلذلك ورثت الأخت مع البنت وقال بن المنير الاستدلال بآية الكلالة على أن الأخوات عصبة لطيف جدا وهو أن العرف في آيات الفرائض قد اطرد على أن الشرط المذكور فيها هو لمقدار الفرض لا لأصل الميراث فيفهم أنه إذا لم يوجد الشرط أن يتغير قدر الميراث فمن ذلك قوله ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فتغير القدر ولم يتغير أصل الميراث وكذا في الزوج وفي الزوجة فقياس ذلك أن يطرد في الأخت فلها النصف ان لم يكن ولد فان كان ولد تغير القدر ولم يتغير أصل الإرث وليس هناك قدر يتغير اليه الا التعصيب ولا يلزم من ذلك أن ترث الأخت مع الابن لأنه خرج بالإجماع فيبقى ما عداه على الأصل والله اعلم وقد تقدم الكلام في آخر ما نزل من القرآن في آخر تفسير سورة البقرة وقال الكرماني اختلف في تعيين آخر ما نزل فقال البراء هنا خاتمة سورة النساء وقال بن عباس كما تقدم في آخر سورة البقرة آية الربا وهذا اختلاف بين الصحابيين ولم ينقل واحد منهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحمل على أن كلا منهما قال بظنه وتعقب بان الجمع أولى كما تقدم بيانه هناك

قوله باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج صورتها أن رجلا تزوج امرأة فأتت منه بابن ثم تزوج أخرى فأتت منه بآخر ثم فارق الثانية فتزوجها أخوه فأتت منه ببنت فهي أخت الثاني لأمه وابنة عمه فتزوجت هذه البنت الابن الأول وهو بن عمها ثم ماتت عن ابني عمها قوله وقال علي للزوج النصف وللأخ من الأم السدس وما بقي بينهما نصفان وحاصله أن الزوج يعطي النصف لكونه زوجا ويعطي الآخر السدس لكونه أخا من أم فيبقى الثلث فيقسم بينهما بطريق العصوبة فيصبح للاول الثلثان بالفرض والتعصيب وللآخر الثلث بالفرض والتعصيب وهذا الأثر وصله عن علي رضي الله عنه سعيد بن منصور من طريق حكيم بن غفال قال أتى شريح في امرأة تركت ابني عمها أحدهما زوجها والآخر أخوها لأمها فجعل للزوج النصف والباقي للأخ من الأم فأتوا عليا فذكروا له ذلك فأرسل الى شريح فقال ما قضيت أبكتاب الله أو سنة من رسول الله فقال بكتاب الله قال أين قال وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله قال فهل قال للزوج النصف وللأخ ما بقى ثم أعطى الزوج النصف وللأخ من الأم السدس ثم قسم ما بقى بينهما وأخرج يزيد بن هارون والدارمي من طريق الحارث قال أتى علي في ابني عم أحدهما أخ لأم فقيل له ان عبد الله كان يعطي الأخ للأم المال كله فقال يرحمه الله ان كان لفقيها ولو كنت أنا لأعطيت الأخ من الأم السدس ثم قسمت ما بقى بينهما قال بن بطال وافق عليا زيد بن ثابت والجمهور وقال عمر وابن مسعود جميع المال يعني الذي يبقى بعد نصيب الزوج للذي جمع القرابتين فله السدس بالفرض والثلث الباقي بالتعصيب وهو قول الحسن وأبي ثور وأهل الظاهر واحتجوا بالإجماع في أخوين أحدهما شقيق والآخر لأب أن الشقيق يستوعب المال لكونه أقرب بأم وحجة الجمهور ما أشار اليه البخاري في حديث أبي هريرة الذي أورده في الباب بلفظ فمن مات وترك مالا فماله لموالي العصبة والمراد بموالي العصبة بنوا العم فسوى بينهم ولم يفضل أحدا على أحد وكذا قال أهل التفسير في قوله واني خفت الموالي من ورائي أي بنى العم فان احتجوا بالحديث الآخر المذكور في الباب أيضا من حديث بن عباس فما تركت الفرائض فالأولي رجل ذكر فالجواب أنهما من جهة التعصيب سواء والتقدير ألحقوا الفرائض بأهلها أي أعطوا أصحاب الفروض حقهم فان بقى شيء فهو للاقرب فلما أخد الزوج فرضه الأخ من الام فرضه صار ما بقي موروثا بالتعصيب وهما في ذلك سواء وقد أجمعوا في ثلاثة إخوة للأم أحدهم بن عم أن للثلاثة الثلث والباقي لابن العم قال المازري مراتب التعصيب البنوة ثم الأبوة ثم الجدودة فالابن أولى من الأب وان فرض له معه السدس وهو أولى من الإخوة وبنيهم لأنهم ينتسبون بالمشاركة في الأبوة والجدودة والأب أولى من الإخوة ومن الجد لأنهم به ينتسبون فيسقطون مع وجوده والجد أولى من بني الإخوة لأنه كالأب معهم ومن العمومة لأنهم به ينتسبون والاخوة وبنوهم أولى من العمومة وبنيهم لأن تعصيب الاخوة بالأبوة والعمومة بالجدودة هذا ترتيبهم وهم يختلفون في القرب فالأقرب أولى كالإخوة مع بنيهم والعمومة مع بنيهم فان تساووا في الطبقة والأقرب ولأحدهما زيادة كالشقيق مع الأخ لأب قدم وكذا الحال في بنيهم وفي العمومة وبنيهم فان كانت زيادة الترجيح بمعنى غير ما هما فيه كابني عم أحدهما أخ لأم فقيل يستمر الترجيح فيأخذ بن العم الذي هو أخ لأم جميع ما بقى بعد فرض الزوج وهو قول عمر وابن مسعود وشريح والحسن وابن سيرين والنخعي وأبي ثور والطبري داود ونقل عن أشهب وأبي ذلك الجمهور فقالوا بل يأخذ الأخ من الأم فرضه ويقسم الباقي بينهما والفرق بين هذه الصورة وبين تقدم الشقيق على الأخ لأب طريق الترجيح لأن الشرط فيها أن يكون فيه معنى مناسب لجهة التعصيب لأن الشقيق شارك شقيقه في جهة القرب المتعلقة بالتعصيب بخلاف الصورة المذكورة والله اعلم

[ 6364 ] قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وعبيد الله شيخه هو بن موسى وقد حدث البخاري عنه كثيرا بغير واسطة وإسرائيل هو بن يونس بن أبي إسحاق وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وأبو صالح هو ذكوان السمان قوله أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم زاد في رواية الأصيلي هنا وأزواجه أمهاتهم قال عياض وهي زيادة في الحديث لا معنى لها قوله فلأدعي له قال بن بطال هي لام الأمر أصلها الكسر وقد تسكن مع الفاء والواو غالبا فيهما واثبات الألف بعد العين جائز كقوله ألم يأتيك والأخبار تنمى والأصل عدم الاشباع للجزم والمعنى فادعوني له أقوم بكله وضياعه قوله والكل العيال ثبت هذا التفسير في آخر الحديث في رواية المستملي والكشميهني وأصل الكل الثقل ثم استعمل في كل أمر يصحب والعيال فرد من أفراده وقال صاحب الأساس كل بصره فهو كليل وكل عن الأمر لم تنبعث نفسه له وكل كلالة أي قصر عن بلوغ القرابة وقد مضى شرح حديث بن عباس في أوائل الفرائض وروح شيخ يزيد بن زريع فيه هو بن القاسم العنبري

قوله باب ذوي الأرحام أي بيان حكمهم هل يرثون أولا وهم عشرة أصناف الخال والخالة والجد للأم وولد البنت وولد الأخت وبنت الأخ وبنت العم والعمة والعم للأم وابن الأخ للأم ومن أدلى بأحد منهم فمن ورثهم قال أولاهم أولاد البنت ثم أولاد الأخت وبنات الأخ ثم العم والعمة والخال والخالة وإذا استوى اثنان قدم الأقرب الى صاحب فرض أو عصبة

[ 6366 ] قوله إسحاق بن إبراهيم هو الامام المعروف بابن راهويه قوله قلت لأبي أسامة حدثكم إدريس أي بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي والد عبد الله وطلحة شيخه هو بن مصرف وقد نسبة المصنف في التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة وقال في آخره سمع إدريس من طلحة وأبو أسامة من إدريس وقد صرح هنا بالثاني ووقع في رواية أبي داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة حدثني إدريس بن يزيد حدثنا طلحة بن مصرف وكذا أخرجه الإسماعيلي عن الهنجاني عن أبي كريب عن أبي أسامة وكذا عند الطبري عن أبي كريب قوله ولكل جعلنا هو الى والذين عاقدت أيمانكم قال كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوى رحمه للاخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي قال نسختها والذين عاقدت أيمانكم قال بن بطال كذا وقع في جميع النسخ نسختها و الذين عاقدت ايمانكم والصواب ان المنسوخة والذين عاقدت ايمانكم والناسخة ولكل جعلنا موالي قال ووقع في رواية الطبري بيان ذلك ولفظه فلما نزلت هذه الآية ولكل جعلنا موالي نسخت قلت وقد تقدم في الكفالة التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة مثل ما عزاه للطبري فكان عزوه الى ما في البخاري أولى الى مع أن في سياقه فائدة أخرى وهو أنه قال ولكل جعلنا موالي ورثة فأفاد تفسير الموالي بالورثة وأشار الى أن قوله والذين عاقدت أيمانكم ابتداء شيء يريد أن يفسره أيضا ويؤيده أنه وقع في رواية الصلت ثم قال والذين عاقدت وبقى قوله نسختها مشكلا كما قال بن بطال وقد أجاب بن المنير في الحاشية فقال الضمير في نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية والضمير في نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله ولكل جعلنا موالي وقوله والذين عاقدت أيمانكم بدل من الضمير وأصل الكلام لما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت والذين عاقدت أيمانكم قال الكرماني فاعل نسختها آية جعلنا والذين عاقدت منصوب بإضمار أعني قلت ووقع في سياقه هنا أيضا موضع آخر وهو أنه عبر بقوله يرث الأنصاري المهاجري وتقدم في رواية الصلت بالعكس وأجاب عنه الكرماني بأن المقصود اثبات الوراثة بينهما في الجملة قلت والأولى أن يقرأ الأنصاري بالنصب على أنه مفعول مقدم فتتحد الروايتان ووقع في رواية الصلت موضع ثالث مشكل وهو قوله والذين عاقدت أيمانكم من النصر الخ وظاهر الكلام أن قوله من النصر يتعلق بعاقدت أيمانكم وليس كذلك وإنما يتعلق بقوله فآتوهم نصيبهم وقد بين ذلك أبو كريب في روايته وكذلك أخرجه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة وقد تقدم في تفسير النساء عدة طرق لذلك مع إعراب الآية والكلام على حكم المعاقدة المذكورة ونسخها بما يغني عن إعادته والمراد بإيراد الحديث هنا أن قوله تعالى ولكل جعلنا موالي نسخ حكم الميراث الذي دل عليه والذين عاقدت أيمانكم قال بن بطال أكثر المفسرين على أن الناسخ لقوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم قوله تعالى في الأنفال وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وبذلك جزم أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ قلت كذا أخرجه أبو داود بسند حسن عن بن عباس قال بن الجوزي كان جماعة من المحدثين يروون الحديث من حفظهم فتقصر عباراتهم خصوصا العجم فلا يبين للكلام رونق مثل هذه الألفاظ في هذا الحديث وبيان ذلك أن مراد الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بتلك الإخوة ويرونها داخلة في قوله تعالى والذين عاقدت أيمانكم فلما نزل قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله نسخ الميراث بين المتعاقدين وبقي النصر والرفادة وجواز الوصية لهم وقد وقع في رواية العوفي عن بن عباس بيان السبب في إرثهم قال كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل فيكون تابعه فإذا مات الرجل صار لأقاربه الميراث وبقى تابعه ليس له شيء فنزلت والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم فكانوا يعطونه من ميراثه ثم نزلت وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فنسخ ذلك قلت والعوفي ضعيف والذي في البخاري هو الصحيح المعتمد وتصحيح السياق قد ظهر في نفس الرواية وأن بعض الرواة قدم بعض الألفاظ على بعض وحذف منها شيئا وأن بعضهم ساقها على الاستقامة وذلك هو المعتمد قال بن بطال اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام وهم من لاسهم له وليس بعصبة فذهب أهل الحجاز والشام الى منعهم الميراث وذهب الكوفيون وأحمد وإسحاق الى توريثهم واحتجوا بقوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض واحتج الآخرون بأن المراد بها من له سهم في كتاب الله لأن آية الانفال مجملة وآية المواريث مفسرة وبقوله صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلعصبته وأنهم أجمعوا على ترك القول بظاهرها فجعلوا ما يخلفه المعتوق إرثا لعصبته دون مواليه فان فقدوا فلمواليه دون ذوي رحمه واختلفوا في توريثهم فقال أبو عبيد رأي أهل العراق رد مابقى من ذوي الفروض إذا لم تكن عصبة على ذوي الفروض وإلا فعليهم وعلى العصبة فان فقدوا أعطوا ذوي الأرحام وكان بن مسعود ينزل كل ذي رحم منزلة من يجر اليه وأخرج بسند صحيح عن بن مسعود أنه جعل العمة كالأب والخالة كالأم فقسم المال بينهما أثلاثا وعن علي أنه كان لا يرد على البنت دون الأم ومن أدلتهم حديث الخال وارث من لا وارث له وهو حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يرد به إذا كان عصبة ويحتمل أن يريد بالحديث المذكور السلب كقولهم الصبر حيلة من لا حيلة له ويحتمل أن يكون المراد به السلطان لأنه خال المسلمين حكى هذه الاحتمالات بن العربي

قوله باب ميراث الملاعنة بفتح العين المهملة ويجوز كسرها والمراد بيان ما ترثه من ولدها الذي لاعنت عليه ذكر فيه حديث بن عمر المختصر في الملاعنة وقد مضى شرحه في كتاب اللعان ومن وجه آخر مطول عن بن عمر ومن حديث سهل بن سعد والغرض منه هنا

[ 6367 ] قوله وألحق الولد بالمرأة وقد اختلف السلف في معنى إلحاقه بأمه مع اتفاقهم على أنه لا ميراث بينه وبين الذي نفاه فجاء عن علي وابن مسعود أنهما قالا في بن الملاعنة عصبته عصبة أمه يرثهم ويرثونه أخرجه بن أبي شيبة وقال النخعي والشعبي وجاء عن علي وابن مسعود أنهما كانا يجعلان أمه عصبة وحدها فتعطى المال كله فإن ماتت أمه قبله فماله لعصبتها وبه قال جماعة منهم الحسن وابن سيرين ومكحول والثوري وأحمد في رواية وجاء عن علي أن بن الملاعنة ترثه أمه وإخوته منها فان فضل شيء فهو لبيت المال وهذا قول زيد بن ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء الأمصار قال مالك وعلى هذا أدركت أهل العلم وأخرج عن الشعبي قال بعث أهل الكوفة الى الحجاز في زمن عثمان يسألون عن ميراث بن الملاعنة فأخبروهم أنه لأمه وعصبتها وجاء عن بن عباس عن علي أنه أعطى الملاعنة الميراث وجعلها عصبة قال بن عبد البر الرواية الأولى أشهر عند أهل الفرائض قال بن بطال هذا الخلاف إنما نشأ من حديث الباب حيث جاء فيه وألحق الولد بالمرأة لأنه لما ألحق بها قطع نسب أبيه فصار كمن لا أب له من أولاد البغي وتمسك الآخرون بأن معناه إقامتها مقام أبيه فجعلوا عصبة أمه عصبة أبيه قلت وقد جاءني المرفوع ما يقوي القول الأول فأخرج أبو داود من رواية مكحول مرسلا ومن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث بن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ولأصحاب السنن الأربعة عن وائلة رفعه تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه قال البيهقي ليس بثابت قلت وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وليس فيه سوى عمر بن رؤية بضم الراء وسكون الواو بعدها وحدة مختلف فيه قال البخاري فيه نظر ووثقه جماعة وله شاهد من حديث بن عمر عند بن المنذر ومن طريق داود بن أبي هند عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن رجل من أهل الشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه وفي رواية أن عبد الله بن عبيد كتب الى صديق له من أهل المدينة يسأله عن ولد الملاعنة فكتب اليه اني سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمه وهذه طرق يقوي بعضها ببعض قال بن بطال تمسك بعضهم بالحديث الذي جاء أن الملاعنة بمنزلة أبيه وأمه وليس فيه حجة لأن المراد أنها بمنزلة أبيه وأمه في تربيته وتأديبه وغير ذلك مما يتولاه أبوه فأما الميراث فقد اجمعوا أن بن الملاعنة لو لم تلاعن أمه وترك أمه وأباه كان لأمه السدس فلو كانت بمنزلة أبيه وأمه لورثت سدسين فقط سدس بالأمومة وسدس بالأبوة كذا قال وفيه نظر تصويرا واستدلالا وحجة الجمهور ما تقدم في اللعان أن في رواية فليح عن الزهري عن سهل في آخره فكانت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض لها أخرجه أبو داود وحديث بن عباس فهو لأولى رجل ذكر فأنه جعل ما فضل عن أهل الفرائض لعصبة الميت دون عصبة أمه وإذا لم يكن لولد الملاعنة عصبة من قبل أبيه فالمسلمون عصبته وقد تقدم من حديث أبي هريرة ومن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا

قوله باب الولد للفراش حرة كانت أي المستفرشة أو أمة قوله عن عروة في رواية شعيب عن الزهري في العتق حدثني عروة وكذا وقع في رواية عبد الله بن مسلمة عن مالك في المغازي لكن أخرجه في الوصايا بلفظ عن عروة قوله كان عتبة عهد الى أخيه في رواية يحيى بن قزعة عن مالك في أوائل البيوع بن أبي وقاص في الموضعين وكذا في رواية شعيب والليث وغيرهما عن الزهري وفي رواية بن عيينة عن الزهري الماضية في الأشخاص أوصاني أخي إذا قدمت يعني مكة أن اقبض إليك بن أمة زمعة فإنه ابني قوله ان بن وليدة زمعة في رواية بن عيينة عن بن شهاب الماضية في المظالم بن امة زمعة والوليدة في الأصل المولودة وتطلق على الأمة وهذه الوليدة لم أقف على أسمها لكن ذكر مصعب الزبيري وابن أخيه الزبير في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية والوليدة فعيلة من الولادة بمعنى مفعولة قال الجوهري هي الصبية والأمة والجمع ولائد وقيل انها أسم لغير أم الولد وزمعة بفتح الزاي وسكون الميم وقد تحرك قال النووي التسكين أشهر وقال أبو الوليد الوقثي التحريك هو الصواب قلت والجاري على ألسنة المحدثين التسكين في الاسم والتحريك في النسبة وهو بن قيس بن عبد شمس القرشي العامري والد سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعبد بن زمعة بغير إضافة ووقع في مختصر بن الحاجب عبد الله وهو غلط نعم عبد الله بن زمعة آخر وفي بعض الطرق من غير رواية عائشة عند الطحاوي في هذا الحديث عبد الله بن زمعة ونبه على أنه غلط و أن عبد الله بن زمعة هو بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى آخر قلت وهو الذي مضى حديثه في تفسير والشمس و ضحاها وقد وقع لابن الأسود وليس كذلك بل عبد بغير إضافة وعبد الرحمن أخوان عامريان من قريش و عبد الله بن زمعة قرشي أسدي من قريش أيضا وقد أوضحت ذلك في الإصابة في تميز الصحابة والابن المذكور اسمه عبد الرحمن وذكره بن عبد البر في الصحابة وغيره وقد أعقب بالمدينة وعتبة بن أبي وقاص أخو سعد مختلف في صحبته فذكره في الصحابة العسكري وذكر ما نقله الزبير بن بكار في النسب أنه كان أصاب دما بمكة في قريش فانتقل الى المدينة ولما مات أوصى الى سعد وذكره بن مندة في الصحابة ولم يذكر مستندا إلا قول سعد عهد الى أخي أنه ولده واستنكر أبو نعيم ذلك وذكر أنه الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد قال وما علمت له اسلاما بل قد روى عبد الرزاق من طريق عثمان الجزري عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بأن لا يحول على عتبة الحول حتى يموت كافرا فمات قبل الحول وهذا مرسل وأخرجه من وجه آخر عن سعيد بن المسيب بنحوه وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق صفوان بن سليم عن أنس أنه سمع حاطب بن أبي بلتعة يقول ان عتبة لما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم ما فعل تبعته فقتلته كذا قال وجزم بن التين والدمياطي بأنه مات كافرا قلت وأم عتبة هند بنت وهب بن الحارث بن زهرة وأم أخيه سعد حمنة بنت سفيان بن أمية قوله فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال بن أخي في رواية يونس عن الزهري في المغازي فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد وهي لمسلم لكن لم يسق لفظها فلما كان يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتضنه وقال بن أخي ورب الكعبة وفي رواية الليث فقال سعد يا رسول الله هذا بن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد الى أنه ابنه وعتبة بالجر بدل من لفظ أخي أو عطف بيان والضمير في أخي لسعد لا لعتبة قوله فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه في رواية معمر فجاء عبد بن زمعة فقال بل هو أخي ولد على فراش أبي من جاريته وفي رواية يونس يا رسول الله هذا أخي هذا بن زمعة ولد على فراشه زاد في رواية الليث أنظر الى شبهه يا رسول الله وفي رواية يونس فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص وفي رواية الليث فرأى شبها بينا بعتبة وكذا لابن عيينة عند أبي داود وغيره قال الخطابي وتبعه عياض والقرطبي وغيرهما كان أهل الجاهلية يقتنون الولائد ويقررون عليهن الضرائب فيكتسبن بالفجور وكانوا يلحقون النسب بالزناة إذا ادعوا الولد كما في النكاح وكان لزمعة أمة وكان يلم بها فظهر بها حمل زعم عتبة بن أبي وقاص أنه منه وعهد الى أخيه سعد أن يستلحقه فخاصم فيه عبد بن زمعة فقال له سعد هو بن أخي على ما كان عليه الأمر في الجاهلية وقال عبد هو أخي على ما استقر عليه الأمر في الإسلام فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الجاهلية وألحقه بزمعة وأبدل عياض قوله إذا ادعوا الولد بقوله إذا اعترفت به الأم وبنى عليهما القرطبي فقال ولم يكن حصل إلحاقه بعتبة في الجاهلية إما لعدم الدعوة وإما لكون الأم لم تعترف به لعتبة قلت وقد مضى في النكاح من حديث عائشة ما يؤيد أنهم كانوا يعتبرون استلحاق الأم في صورة وإلحاق القائف في صورة ولفظها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء الحديث وفيه يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومضت ليال أرسلت إليهم فاجتمعوا عندها فقالت قد ولدت فهو ابنك يا فلان فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع إلا أن قالت ونكاح البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن فوضعت جمعوا لها القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرى القائف لا يمتنع من ذلك انتهى واللائق بقصة أمة زمعة الأخير فلعل جمع القافة لهذا الولد تعذر بوجه من الوجوه أو أنها لم تكن بصفة البغايا بل أصابها عتبة سرا من زنا وهما كافران فحملت وولدت ولدا يشبهه فغلب على ظنه أنه منه فبغته الموت قبل استلحاقه فأوصى أخاه أن يستلحقه فعمل سعد بعد ذلك تمسكا بالبراءة الأصلية قال القرطبي وكان عبد بن زمعة سمع أن الشرع ورد بان الولد للفراش وإلا فلم يكن عادتهم الإلحاق به كذا قاله وما أدرى من أين له هذا الجزم بالنفي وكأنه بناه على ما قال الخطابي أمة زمعة كانت من البغايا اللاتي عليهن من الضرائب فكان الإلحاق مختصا باستلحاقها على ما ذكر أو بالحاق القائف على ما في حديث عائشة لكن لم يذكر الخطابي مستندا لذلك والذي يظهر من سياق القصة ما قدمته أنها كانت أمة مستفرشة لزمعة فأنفق على أن عتبة زنى بها كما تقدم وكانت طريقة الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إن استلحقه لحقة وان نفاه انتفى عنه وإذا ادعاه غيره كان مرد ذلك الى السيد أو القافة وقد وقع في حديث بن الزبير الذي أسوقه بعد هذا ما يؤيد ما قلته وأما قوله ان عبد بن زمعة سمع أن الشرع الخ نفيه نظر لأنه يبعد أن يسمع ذلك عبد بن زمعة وهو بمكة لم يعلم بعد ولا يسمعه سعد بن أبي وقاص وهو من السابقين الأولين الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حين إسلامه الى حين فتح مكة نحو العشرين سنة حتى ولو قلنا ان الشرع لم يرد بذلك الا في زمن الفتح فبلوغه لعبد قبل سعد بعيد أيضا والذي يظهر لي أن شرعية ذلك انما عرفت من قوله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة الولد للفراش وإلا فما كان سعد لو سبق علمه بذلك ليدعيه بل الذي يظهر أن كلا من سعد وعتبة بنى على البراءة الأصلية وأن مثل هذا الولد يقبل النزاع وقدأخرج أبو داود تلو حديث الباب بسند حسن الى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قام رجل فقال يا رسول الله ان فلان ابني عاهرت بأمه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر وقد وقع في بعض طرقه أن ذلك وقع في زمن الفتح وهو يؤيد ما قلته واستدل بهذه القصة على أن الاستلحاق لا يختص بالأب بل للاخ أن يستلحق وهو قول الشافعية وجماعة بشرط أن يكون الأخ حائزا أو يوافقه باقي الورثة وامكان كونه من المذكور وأن يوافق على ذلك ان كان بالغا عاقلا وأن لا يكون معروف الأب وتعقب بأن زمعة كان له ورثة غير عبد وأجيب بأنه لم يخلف وارثا غيره إلا سودة فان كان زمعة مات كافرا فلم يرثه إلا عبد وحده وعلى تقدير أن يكون أسلم وورتثه سودة فيحتمل أن تكون وكلت أخاها في ذلك أو ادعت أيضا وخص مالك وطائفة الاستلحاق بالأب وأجابوا بأن الإلحاق لم ينحصر في استلحاق عبد لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك بوجه من الوجوه كاعتراف زمعة بالوطء ولأنه انما حكم بالفراش لأنه قال بعد قوله هو لك الولد للفراش لأنه لما أبطل الشرع الحاق هذا الولد بالزاني لم يبق صاحب الفراش وجرى المزني على القول بأن الإلحاق يختص بالأب فقال أجمعوا على أنه لا يقبل اقرار أحد على غيره والذي عندي في قصة عبد بن زمعة أنه صلى الله عليه وسلم أجاب عن المسألة فأعلمهم أن الحكم كذا بشرط أن يدعي صاحب الفراش لا أنه قبل دعوى سعد عن أخيه عتبة ولا دعوى عبد بن زمعة عن زمعة بل عرفهم أن الحكم في مثلها يكون كذلك قال ولذلك قال احتجي منه يا سودة وتعقب بأن قوله لعبد بن زمعة هو أخوك يدفع هذا التأويل واستدل به على أن الوصي يجوز له أن يستلحق ولد موصيه إذا أوصى اليه بأن يستلحقه ويكون كالوكيل عنه في ذلك وقد مضى التبويب بذلك في كتاب الأشخاص وعلى أن الأمة تصير فراشا بالوطء فإذا اعترف السيد بوطء أمته أو ثبت ذلك بأي طريق كان ثم أتت بولد لمدة الإمكان بعد الوطء لحقه من غير استلحاق كما في الزوجة لكن الزوجة تصير فراشا بمجرد العقد فلا يشترط في الاستلحاق إلا الإمكان لأنها تراد الموطء فجعل العقد عليها كالوطء بخلاف الأمة فأنها تراد لمنافع أخرى فاشترط في حقها الوطء ومن ثم يحوز الجمع بين الأختين بالملك دون الوطء وهذا قول الجمهور وعن الحنفية لا تصير الأمة فراشا إلا إذا ولدت من السيد ولدا ولحق به فمهما ولدت بعد ذلك لحقه إلا أن ينفيه وعن الحنابلة من اعترف بالوطء فأتت منه لمدة الإمكان لحقه وأن ولدت منه أولا فاستلحقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار مستأنف على الراجح عندهم وترجيح المذهب الأول ظاهر لأنه لم ينقل أنه كان لزمعة من هذه الأمة ولد آخر والكل متفقون على أنها لا تصير فراشا إلا بالوطء قال النووي وطء زمعة أمته المذكورة علم إما ببينة وإما باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك قلت وفي حديث بن الزبير ما يشعر بأن ذلك كان أمرا مشهورا وسأذكر لفظه قريبا واستدل به على أن السبب لا يخرج ولو قلنا أن العبرة بعموم اللفظ ونقل الغزالي تبعا لشيخه والآمدي ومن تبعه عن الشافعي قولا بخصوص السبب تمسكا بما نقل عن الشافعي أنه ناظر بعض الحنفية لما قال أن أبا حنيفة خص الفراش بالزوجة وأخرج الأمة من عموم الولد للفراش فرد عليه الشافعي بأن هذا ورد على سبب خاص ورد ذلك الفخر الرازي على من قاله بأن مراد الشافعي أن خصوص السبب لا يخرج والخبر انما ورد في حق الأمة فلا يجوز إخراجه ثم وقع الاتفاق على تعميمه في الزوجات لكن شرط الشافعي والجمهور الإمكان زمانا ومكانا وعن الحنفية يكفي مجرد العقد فتصير فراشا ويلحق الزوج الولد وحجتهم عموم قوله الولد للفراش لأنه لا يحتاج الى تقدير وهو الولد لصاحب الفراش لأن المراد بالفراش الموطوءة ورده القرطبي بأن الفراش كناية عن الموطوءة لكون الواطيء يستفرشها أي بصيرها بوطئه لها فراشا له يعني فلا بد من اعتبار الوطء حتى تسمى فراشا وألحق به إمكان الوطء فمع عدم إمكان الوطء لا تسمى فراشا وفهم بعض الشراح عن القرطبي خلاف مراده فقال كلامه يقتضي حصول مقصود الجمهور بمجرد كون فراش هو الموطوءة وليس هو المراد فعلم أنه لا بد من تقدير محذوف لأنه قال أن الفراش هو الموطوءة والمراد به أن الولد لا يلحق بالواطيء قال المعترض وهذا لا يستقيم إلا مع تقدير الحذف قلت وقد بينت وجه استقامته بحمد الله ويؤيد ذلك أيضا أن بن الأعرابي اللغوي نقل أن الفراش عند العرب يعبر به عن الزوج وعن المرأة والأكثر إطلاقه على المرأة ومما ورد في التعبير به عن الرجل قول جرير فيمن تزوجت بعد قتل زوجها أو سيدها باتت تعانقه وبات فراشها خلف العباءة بالبلاء ثقيلا وقد يعبر به عن حالة الافتراش ويمكن حمل الخبر عليها فلا بتعين الحذف نعم لا يمكن حمل الخبر على كل واطيء بل المراد من له الاختصاص بالوطىء كالزوج والسيد ومن ثم قال بن دقيق العيد معنى الولد للفراش تابع للفراش أو محكوم به للفراش أو ما يقارب هذا وقد شنع بعضهم على الحنفية بأن من لازم مذهبهم إخراج السبب مع المبالغة في العمل بالعموم في الأحوال وأجاب بعضهم بأنه خصص الظاهر القوي بالقياس وقد عرف من قاعدته تقديم القياس في مواضيع على خبر الواحد وهذا منها واستدل به على أن القائف إنما يعتمد في الشبه إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه لأن الشارع لم يلتفت هنا الى الشبه والتفت اليه في قصة زيد بن حارثة وكذا لم يحكم بالشبه في قصة الملاعنة لأنه عارضه حكم أقوى منه وهو مشروعية اللعان وفيه تخصيص عموم الولد للفراش وقد تمسك بالعموم الشعبي وبعض المالكية وهو شاذ ونقل عن الشافعي أنه قال لقوله الولد للفراش معنيان أحدهما هو له ما لم ينفه فإذا نفاه بما شرع له كاللعان أنتفي عنه والثاني إذا تنازع رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش قلت والثاني منطبق على خصوص الواقعة والأول أعم قوله فتساوقا أي تلازما في الذهاب بحيث أن كلا منهما كان كالذي يسوق الآخر قوله هو لك يا عبد بن زمعة كذا للأكثر وقد تقدم ضبط عبد وأنه يجوز فيه الضم والفتح وأما بن فهو منصوب على الحالين ووقع في رواية النسائي هو لك عبد بن زمعة بحذف حرف النداء وقرأه بعض المخالفين بالتنوين وهو مردود فقد وقع في رواية يونس المعلقة في المغازي هو لك هو أخوك يا عبد ووقع لمسدد عن بن عيينة عند أبي داود هو أخوك يا عبد قال بن عبد البر نثبت الأمة فراشا عند أهل الحجاز إن أقر سيدها أنه كان يلم بها وعند أهل العراق إن أقر سيدها بالولد وقال المازري يتعلق بهذا الحديث استلحاق الأخ لأخيه وهو صحيح عند الشافعي إذا لم يكن له وارث سواه وقد تعلق أصحابه بهذا الحديث لأنه لم يرد أن زمعة ادعاه ولدا ولا اعترف بوطء أمه فكان المعول في هذه القصة على استلحاق عبد بن زمعة قال وعندنا لا يصح استلحاق الأخ ولا حجة في هذا الحديث لأنه يمكن أن يكون ثبت عند النبي صلى الله عليه وسلم أن زمعة كان يطأ أمته فألحق الولد به لأن من ثبت وطؤه لا يحتاج الى الاعتراف بالوطء وانما يصعب هذا على العراقيين ويعسر عليهم الانفصال عما قاله الشافعي لما قررناه أنه لم يكن لزمعة ولد من الأمة المذكورة سابق ومجرد الوطء لا عبرة به عندهم فيلزمهم تسليم ما قال الشافعي قال ولما ضاق عليهم الأمر قالوا الرواية في هذا الحديث هو لك عبد بن زمعة وحذف حرف النداء بين عبد وابن زمعة والأصل يا بن زمعة قالوا والمراد أن الولد لا يلحق بزمعة بل هو عبد لولده لأنه وارثه ولذلك أمر سودة بالاحتجاب منه لأنها لم ترث زمعة لأنه مات كافرا وهي مسلمة قال وهذه الرواية التي ذكروها غير صحيحة ولو وردت لرددناها الى الرواية المشهورة وقلنا بل المحذوف حرف النداء بين لك وعبد كقوله تعالى حكاية عن صاحب يوسف حيث قال يوسف أعرض عن هذا انتهى وقد سلك الطحاوي فيه مسلكا آخر فقال معنى قوله هو لك أي يدك عليه لا أنك تملكه ولكن تمنع غيرك منه الى أن يتبين أمره كما قال لصاحب اللفظة هي لك وقال له إذا جاء صاحبها فأدها اليه قال ولما كانت سودة شريكة لعبد في ذلك لكن لم يعلم منها تصديق ذلك ولا الدعوى به ألزم عبدا بما أقر به على نفسه ولم يجعل ذلك حجة عليها فأمرها بالاحتجاب وكلامه كله متعقب بالرواية الثانية المصرح فيها بقوله هو أخوك فإنها رفعت الاشكال وكأنه لم يقف عليها وعلى حديث بن الزبير وسودة الدال على أن سودة وافقت أخاها عبدا في الدعوى بذلك قوله الولد للفراش وللعاهر الحجر تقدم في غزوة الفتح تعليقا من رواية يونس عن بن شهاب قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد الخ وهذا منقطع وقد وصله غيره عن بن شهاب ووقع في رواية يونس أيضا قال بن شهاب وكان أبو هريرة يصيح بذلك وقد قدمت هناك أن مسلما أخرجه موصولا من رواية بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وأبي هريرة وقوله وللعاهر الحجر أي للزاني الخيبة والحرمان والعهر بفتحتين الزنا وقيل يختص بالليل ومعنى الخيبة هنا حرمان الولد الذي يدعيه وجرت عادة العرب أن تقول لمن خاب له الحجر وبفيه الحجر والتراب ونحو ذلك وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم قال النووي وهو ضعيف لأن الرجم مختص بالمحصن ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد والخبر انما سيق لنفي الولد وقال السبكي والأول أشبه بمساق الحديث لتعم الخيبة كل زان ودليل الرجم مأخوذ من موضع آخر فلا حاجة للتخصيص من غير دليل قلت ويؤيد الأول أيضا ما أخرجه أبو أحمد الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه الولد للفراش وفي فم العاهر الحجر وفي حديث بن عمر عند بن حبان الولد للفراش وبفي العاهر الأثلب بمثلثة ثم موحدة بينهما لام ويفتح أوله وثالثه ويكسران قيل هو الحجر وقيل دقاقه وقيل التراب قوله ثم قال لسودة احتجبي منه في رواية الليث واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قوله فما رآها حتى لقي الله في رواية معمر قالت عائشة فوالله ما رآها حتى ماتت وفي رواية الليث فلم تره سودة قط يعني في المدة التي بين هذا القول وبين موت أحدهما وكذا لمسلم من طريقه وفي رواية بن جريج في صحيح أبي عوانة مثله وفي رواية الكشميهني الآتية في حديث الليث أيضا فلم تره سودة بعد وهذا إذا ضمت الى رواية مالك ومعمر استفيد منها أنها امتثلت الأمر وبالغت في الاحتجاب منه حتى انها لم تره فضلا عن أن يراها لأنه ليس في الأمر المذكور دلالة على منعها من رؤيته وقد استدل به الحنفية على أنه لم يلحقه بزمعة لأنه لو ألحقه به لكان أخا سودة والأخ لا يؤمر بالاحتجاب منه وأجاب الجمهور بأن الأمر بذلك كان للاحتياط لأنه وإن حكم بأنه أخوها لقوله في الطرق الصحيحة هو أخوك يا عبد وإذا ثبت أنه أخو عبد لأبيه فهو أخو سودة لأبيها لكن لما رأى الشبه بينا بعتبة أمرها بالاحتجاب منه احتياطا وأشار الخطابي الى أن في ذلك مزية لأمهات المؤمنين لأن لهن في ذلك ما ليس لغيرهن قال والشبه يعتبر في بعض المواطن لكن لا يقضى به إذا وجد ما هو أقوى منه وهو كما يحكم في الحادثة ثم يوجد فيها نص فيترك القياس قال وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث وليس بالثابت احتجبي منه يا سودة فإنه ليس لك بأخ وتبعه النووي فقال هذه الزيادة باطلة مردودة وتعقب بأنها وقعت في حديث عبد الله بن الزبير عند النسائي بسند حسن ولفظه كانت لزمعة جارية يطؤها وكان يظن بآخر أنه يقع عليها فجاءت بولد يشبه الذي كان يظن به فمات زمعة فذكرت ذلك سودة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الولد للفراش وأحتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ ورجال سنده رجال الصحيح إلا شيخ مجاهد وهو يوسف مولى آل الزبير وقد طعن البيهقي في سنده فقال فيه جرير وقد نسب في أخر عمره الى سوء الحفظ وفيه يوسف وهو غير معروف وعلى تقدير ثبوته فلا يعارض حديث عائشة المتفق على صحته وتعقب بأن جريرا هذا لم ينسب الى سوء حفظ وكأنه اشتبه عليه بجرير بن حازم وبأن الجمع بينهما ممكن فلا ترجيح وبأن يوسف معروف في موالي آل الزبير وعلى هذا فيتعين تأويله وإذا ثبتت هذه الزيادة تعين تأويل نفي الأخوة عن سودة على نحو ما تقدم من أمرها بالاحتجاب منه ونقل بن العربي في القوانين عن الشافعي نحو ما تقدم وزاد ولو كان أخاها بنسب محقق لما منعها كما أمر عائشة أن لا تحتجب من عمها من الرضاعة وقال البيهقي معنى قوله ليس لك بأخ إن ثبت ليس لك بأخ شبها فلا يخالف قوله لعبد هو أخوك قلت أو معنى قوله ليس لك بأخ بالنسبة للميراث من زمعة لأن زمعة مات كافرا وخلف عبد بن زمعة والولد المذكور وسودة فلا حق لسودة في إرثه بل حازه عبد قبل الاستلحاق فإذا استلحق الابن المذكور شاركه في الأرث دون سودة فلهذا قال لعبد هو أخوك وقال لسودة ليس لك بأخ وقال القرطبي بعد أن قرر أن أمر سودة بإلاحتجاب لللاحتياط وتوقي الشبهات ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق أمهات المؤمنين كما قال أفعمياوان أنتما فنهاهما عن رؤية الأعمى مع قوله لفاطمة بنت قيس اعتدي عند بن أم مكتوم فأنه اعمى فغلظ الحجاب في حقهن دون غيرهن وقد تقدم في تفسير الحجاب قول من قال أنه كان يحرم عليهن بعد الحجاب إبراز أشخاصهن ولو كن مستترات إلا لضرورة بخلاف غيرهن فلا يشترط وأيضا فان للزوج ان يمنع زوجته من الاجتماع بمحارمها فلعل المراد بالاحتجاب عدم الاجتماع به في الخلوة وقال بن حزم لا يجب على المرأة أن يراها أخوها بل الواجب عليها صلة رحمها ورد على من زعم أن معنى قوله هو لك أي عبد بأنه لو قضى بأنه عبد لما أمر سودة بالاحتجاب منه إما لأن لها فيه حصة واما لأن من في الرق لا يحتجب منه على القول بذلك وقد تقدم جواب المزني عن ذلك قريبا واستدل به بعض المالكية على مشروعية الحكم بين حكمين وهو أن يأخذ الفرع شبها من أكثر من أصل فيعطى أحكاما بعدد ذلك وذلك أن الفراش يقتضي إلحاقه بزمعة في النسب والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة فأعطى الفرع حكما بين حكمين فروعي الفراش في النسب والشبه البين في الاحتجاب قال وإلحاقه بهما ولو كان من وجه أولى من الغاء أحدهما من كل وجه قال بن دقيق العيد ويعترض على هذا بأن صورة المسألة ما إذا دار الفرع بين أصلين شرعيين وهنا الإلحاق شرعي للتصريح بقوله الولد للفراش فبقي الأمر بالاحتجاب مشكلا لأنه يناقض الإلحاق فتعين أنه للإحتياط لا لوجوب حكم شرعي وليس فيه إلا ترك مباح مع ثبوت المحرمية واستدل به على أن حكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطن كما لو حكم بشهادة فظهر أنها زور لأنه حكم بأنه أخو عبد وأمر سودة بالاحتجاب بسبب الشبه بعتبة فلو كان الحكم يحل الأمر في الباطن لما أمرها بالاحتجاب واستدل به على أن لوطء الزنا حكم وطء الحلال في حرمة المصاهرة وهو قول الجمهور ووجه الدلالة أمر سودة بالاحتجاب بعد الحكم بأنه أخوها لأجل الشبه بالزاني وقال مالك في المشهور عنه والشافعي لا أثر لوطء الزنا بل للزاني أن يتزوج أم التي زنى بها وبنتها وزاد الشافعي ووافقه بن الماجشون والبنت التي تلدها المزني بها ولو عرفت أنها منه قال النووي وهذا احتجاج باطل لأنه على تقدير أن يكون من الزنا فهو أجنبي من سودة لا يحل لها أن تظهر له سواء ألحق بالزاني أم لا فلا تعلق له بمسألة البنت المخلوقة من الزنا كذا قال وهو رد للفرع برد الأصل وإلا فالبناء الذي بنوه صحيح وقد أجاب الشافعية عنه بما تقدم أن الأمر بالاحتجاب للاحتياط ويحمل الأمر في ذلك إما على الندب وإما على تخصيص أمهات المؤمنين بذلك فعلى تقدير الندب فالشافعي قائل به في المخلوقة من الزنا وعلى التخصيص فلا إشكال والله اعلم ويلزم من قال بالوجوب أن يقول به في تزويج البنت المخلوقة من ماء الزنا فيجيز عند فقد الشبه ويمنع عند وجوده واستدل به على صحة ملك الكافر الوثني الأمة الكافرة وأن حكمها بعد أن تلد من سيدها حكم القن لأن عبدا وسعدا أطلقا عليهما أمة ووليدة ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كذا أشار اليه البخاري في كتاب العتق عقب هذا الحديث بعد أن ترجم له أم الولد ولكنه ليس في أكثر النسخ وأجيب بأن عتق أم الولد بموت السيد ثبت بأدلة أخرى وقيل أن غرض البخاري بإيراده بأن بعض الحنفية لما ألزم أن أم الولد المتنازع فيه كانت حرة رد ذلك وقال بل كانت عتقت وكأنه قد ورد في بعض طرقه أنها أمة فمن أدعى أنها عتقت فعليه البيان

[ 6369 ] قوله عن يحيى هو بن سعيد القطان ومحمد بن زياد هو الجمحي قوله الولد لصاحب الفراش كذا في هذه الرواية وزاد آدم عن شعبة وللعاهر الحجر وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة ولهذا الحديث سبب غير قصة بن زمعة فقد أخرجه أبو داود وغيره من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قام رجل فقال لما فتحت مكة إن فلانا ابني فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الأثلب قيل ما الأثلب قال الحجر تكملة حديث الولد للفراش قال بن عبد البر هو من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عن بضعة وعشرين نفسا من الصحابة فذكره البخاري في هذا الباب عن أبي هريرة وعائشة وقال الترمذي عقب حديث أبي هريرة وفي الباب عن عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو وأمبي أمامة عمرو وابن عمر وزاد أبو القاسم بن منده في تذكرته معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب والحسين بن علي وعبد الله بن حذافة وسعد بن أبي وقاص وسودة بنت زمعة ووقع لي من حديث بن عباس وأبي مسعود البدري ووائلة بن الأسقع وزينب بنت جحش وقد رقمت عليها علامات من أخرجها من الأئمة فطب علامة الطبراني في الكبير وطس علامته في الأوسط وبز علامة البزار وص علامة أبي يعلى الموصلي وتم علامة تمام في فوائده وجميع هؤلاء وقع عندهم الولد للفراش وللعاهر الحجر ومنه من اقتصر على الجملة الأولى وفي حديث عثمان قصة وكذا علي وفي حديث معاوية قصة أخرى له مع نصر بن حجاج وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد فقال له نصر فأين قضاؤك في زياد فقال قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من قضاء معاوية وفي حديث أبي أمامة وابن مسعود وعبادة أحكام أخرى وفي حديث عبد الله بن حذافة قصة له في سؤاله عن اسم أبيه وفي حديث بن الزبير قصة نحو قصة عائشة باختصار وقد أشرت اليه وفي حديث سودة نحوه ولم تسمى في رواية أحمد بل قال عن بنت زمعة وفي حديث زينب قصة ولم يسمى أبوها بل فيه عن زينب الأسدية وبالله التوفيق وجاء من مرسل عبيد بن عمير وهو أحد كبار التابعين أخرجه بن عبد البر بسند صحيح اليه

قوله باب انما الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط وقال عمر اللقيط حر هذه الترجمة معقودة لميراث اللقيط فأشار الى ترجيح قول الجمهور أن اللقيط حر وولاؤه في بيت المال والى ما جاء عن النخعي أن ولاءه للذي التقطه واحتج بقول عمر لأبي جميلة في الذي التقطه اذهب فهو حر وعلينا نفقته ولك ولاؤه وتقدم هذا الأثر معلقا بتمامه في أوائل الشهادات وذكرت هناك من وصله وأجبت عنه بأن معنى قول عمر لك ولاؤه أي أنت الذي تتولى تربيته والقيام بأمره فهي ولاية الإسلام لا ولاية العتق والحجة لذلك صريح الحديث المرفوع انما الولاء لمن أعتق فاقتضى أن من لم يعتق لا ولاء له لأن العتق يستدعي سبق ملك واللقيط من دار الإسلام لا يملكه المتلقط لأن الأصل في الناس الحرية إذ لا يخلو المنبوذ أن يكون بن حرة فلا يسترق أو بن أمة قوم فميراثه لهم فإذا جهل وضع في بيت المال ولا رق عليه للذي التقطه وجاء عن علي أن اللقيط مولى من شاء وبه قال الحنفية إلى أن يعقل عنه فلا ينتقل بعد ذلك عمن عقل عن وقد خفي كل هذا على الإسماعيلي فقال ذكر ميراث اللقيط في ترجمة الباب وليس له في الحديث ذكر ولا عليه دلالة يريد أن حديث عائشة وابن عمر مطابق لترجمة انما الولاء لمن أعتق وليس في حديثه ذكر ميراث اللقيط وقد جرى الكرماني على ذلك فقال فان قلت فأين ذكر ميراث اللقيط قلت هو ما ترجم به ولم يتفق له إيراد الحديث فيه قلت وهذا كله انما هو بحسب الظاهر وأما بحسب تدقيق النظر ومناسبة إيراده في أبواب المواريث فبيانه ما قدمت والله اعلم قال بن المنذر اجمعوا على أن اللقيط حر إلا رواية عن النخعي وعنه كالجماعة وعنه كالمنقول عن الحنفية وقد جاء عن شريح نحو الأول وبه قال إسحاق بن راهويه

[ 6370 ] قوله الحكم هو بن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغرة وإبراهيم هو النخعي والأسود هو بن يزيد والثلاثة تابعيون كوفيون قوله قال الحكم وكان زوجها حرا هو موصول الى الحكم بالإسناد المذكور ووقع في رواية الإسماعيلي من رواية أبي الوليد عن شعبة مدرجا في الحديث ولم يقل ذلك الحكم من قبل نفسه فسيأتي في الباب الذي يليه من طريق منصور عن إبراهيم أن الأسود قاله أيضا فهو سلف الحكم فيه قوله وقول الحكم مرسل أي ليس بمسند الى عائشة راوية الخبر فيكون في حكم المتصل المرفوع قوله وقال بن عباس رأيته عبدا زاد في الباب الذي يليه وقول الأسود منقطع أي لم يصله بذكر عائشة فيه وقول بن عباس أصح لأنه ذكر أنه رآه وقد صح أنه حضر القصة وشاهدها فيترجح قوله على قول من لم يشهدها فان الأسود لم يدخل المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الحكم فولد بعد ذلك بدهر طويل ويستفاد من تعبير البخاري قول الأسود منقطع جواز إطلاق المنقطع في موضع المرسل خلافا لما اشتهر في الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط منه من اثناء السند واحد إلا في صورة سقوط الصحابي بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم فان ذلك يسمى عندهم المرسل ومنهم من خصه بالتابعي الكبير فيستفاد من قول البخاري أيضا وقول الحكم مرسل أنه يستعمل في التابعي الصغير أيضا لأن الحكم من صغار التابعين واستدل به لأحدى الروايتين عن أحمد أن من أعتق عن غيره فالولاء للمعتق والأجر للمعتق عنه وسيأتي البحث فيه في باب ما يرث النساء من الولاء

قوله باب ميراث السائبة بمهملة وموحدة بوزن فاعلة وتقدم بيانها في تفسير المائدة و المراد بها في الترجمة العبد الذي يقول له سيده لا ولاء لأحد عليك أو أنت سائبة يريد بذلك عتقه و أن لا ولاء لأحد عليه وقد يقول له أعتقتك سائبة أو أنت حر سائبة ففي الصيغتين الاوليين يفتقر في عتقه الى نية وفي الأخريين يعتق واختلف في الشرط فالجمهور على كراهيته وشذ من قال بإباحتة واختلف في ولائه وسأبينه في الباب الذي بعده ان شاء الله تعالى

[ 6372 ] قوله عن هزيل في رواية يزيد بن أبي الحكم العدني عن سفيان عند الإسماعيلي حدثني هزيل بن شرحبيل وهو بالزاي مصغر ووهم من قاله بالذال المعجمة وقد تقدم ذلك قريبا وأن سفيان في السند هو الثوري وأن أبا قيس هو عبد الرحمن قوله عن عبد الله هو بن مسعود قوله إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون هذا طرف من حديث أخرجه الإسماعيلي بتمامه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بسنده هذا الى هزيل قال جاء رجل الى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات فترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله فذكر حديث الباب وزاد وأنت ولي نعمته فلك ميراثه فان تأثمت أو تحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وفي رواية العدني فان تحرجت ولم يشك وقال فارنا نجعله في بيت المال ومعنى تأثمت بالمثلثة قبل الميم خشيت أن تقع في الإثم وتحرجت بالحاء المهملة ثم الجيم بمعناه وبهذا الحكم في السائبة قال الحسن البصري وابن سيرين والشافعي وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن بن سيرين ان سالما مولى أبي حذيفة الصحابي المشهور أعتقته امرأة من الأنصار سائبة وقالت له وال من شئت فوالى أبا حذيفة فلما استشهد باليمامة دفع ميراثه للأنصارية أو لابنها وأخرج بن المنذر من طريق بكر بن عبد الله المزني أن بن عمر أتى بمال مولى له مات فقال إنا كنا أعتقناه سائبة فأمر أن يشترى بثمنه رقابا فتعتق وهذا يحتمل أن يكون فعله على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب وقد أخذ بظاهره عطاء فقال إذا لم يخلف السائبة وارثا دعى الذي أعتقه فان قبل ماله وإلا أبتيعت به رقاب فأعتقت وفيه مذهب آخر أن ولاءه للمسلمين يرثونه ويعقلون عنه قاله عمر بن عبد العزيز والزهري وهو قول مالك وعن الشعبي والنخعي والكوفيين لا بأس ببيع ولاء السائبة وهبته قال بن المنذر واتباع ظاهر

[ 6373 ] قوله الولاء لمن أعتق أولى قلت والى ذلك أشار البخاري بإيراد حديث عائشة في قصة بريرة وفيه فانما الولاء لمن أعتق وفيه قول الأسود إن زوج بريرة كان حرا وقد تقدم الكلام على ذلك في الباب الذي قبله

قوله باب إثم من تبرأ من مواليه هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد والطبراني من طريق سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن لله عبادا لا يكلمهم الله تعالى الحديث وفيه رجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه عند أحمد كفر بالله تبرؤ من نسب وان دق وله شاهد عن أبي بكر الصديق وأما حديث الباب فلفظه من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ومثله لأحمد وابن ماجة وصححه بن حبان عن بن عباس ولأبي داود من حديث أنس فعليه لعنة الله المتتابعة الى يوم القيامة وقد مضى شرح حديث الباب في فضل المدينة وفي الجزية ويأتي في الديات وفي معنى حديث علي في هذا حديث عائشة مرفوعا من تولى الى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار صححه بن حبان ووالد إبراهيم التيمي الراوي له عن علي اسمه يزيد بن شريك وقد رواه عن علي جماعة منهم أبو جحيفة وهب بن عبد الله السواني ومضى في كتاب العلم وذكرت هناك وفي فضائل المدينة اختلاف الرواة عن علي فيما في الصحيفة وان جميع ما رووه من ذلك كان فيها وكان فيها أيضا ما مضى في الخمس من حديث محمد بن الحنفية أن أباه علي بن أبي طالب أرسله الى عثمان بصحيفة فيها فرائض الصدقة فان رواية طارق بن شهاب عن علي في نحو حديث الباب عند أحمد أنه كان في صحيفته فرائض الصدقة وذكرت في العلم سبب تحديث علي بن أبي طالب بهذا الحديث وإعراب

[ 6374 ] قوله إلا كتاب الله وتفسير الصحيفة وتفسير العقل ومما وقع فيه في العلم لايقتل مسلم بكافر وأحلت بشرحه على كتاب الديات والذي تضمنه حديث الباب مما في الصحيفة المذكورة أربعة أشياء أحدها الجراحات وأسنان الإبل وسيأتي شرحه في الديات وهل المراد بأسنان الإبل المتعلقة بالخراج أو المتعلقة بالزكاة أو أعم من ذلك ثانيها المدينة حرم وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه في فضل المدينة في أواخر الحج وذكرت فيه ما يتعلق بالسند وبيان الاختلاف في تفسير الصرف والعدل ثالثها ومن والى قوما هو المقصود هنا وقوله في بغير إذن مواليه قد تقدم هناك أن الخطابي زعم أن له مفهوما وهو أنه إذا استأذن مواليه منعوه ثم راجعت كلام الخطابي وهو ليس اذن الموالي شرطا في ادعاء نسب وولاء ليس هو منه واليه وإنما ذكر تأكيدا للتحريم ولأنه إذا استأذنهم منعوه وحالوا بينه وبين ما يفعل من ذلك انتهى وهذا لا يطرد لأنهم قد يتواطئون معه على ذلك لغرض ما والأولى ما قال غيره أن التعبير بالاذن ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه وانما ورد الكلام بذلك على أنه الغالب انتهى ويحتمل أن يكون قول من تولى شاملا المعنى الأعم من الموالاة وأن منها مطلق النصرة والاعانة والارث ويكون قوله بغير اذن مواليه يتعلق بمفهومه بما عدا الميراث ودليل إخراجه حديث انما الولاء لمن أعتق والعلم عند الله تعالى وكأن البخاري لحظ هذا فعقب الحديث بحديث بن عمر في النهي عن بيع الولاء وعن هبته فإنه يؤخذ منه عدم اعتبار الإذن في ذلك بطريق الأولى لأنه إذا منع السيد من بيع الولاء مع ما تحصل له من العوض ومن هبته مع ما يحصل له من المانة بذلك فمنعه من الإذن بغير عوض ولا مانة أولى وهو مندرج في الهبة وفي الحديث أن انتماء المولى من أسفل الى غير مولاه من فوق حرام لما فيه من كفر النعمة وتضييع حق الإرث بالولاء والعقل وغير ذلك وبه استدل مالك على ما ذكر عنه بن وهب في موطئه قال سئل عن عبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء فقال لا يجوز ذلك واحتج بحديث بن عمر ثم قال فتلك الهبة المنهي عنها وقد شذ عطاء بن أبي رباح بالأخذ بمفهوم هذا الحديث فقال فيما أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج عنه إن أذن الرجل لمولاه أن يوالي من شاء جاز واستدل بهذا الحديث قال بن بطال وجماعة الفقهاء على خلاف ما قال عطاء قال ويحمل حديث علي على أنه جرى على الغالب مثل قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق وقد أجمعوا على أن قتل الولد حرام سواء خشي الإملاق أم لا وهو منسوخ بحديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته قلت قد سبق عطاء إلى القول بذلك عثمان فروى بن المنذر أن عثمان اختصموا اليه في نحو ذلك فقال للعتيق وال من شئت وأن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولده والحديث الصحيح مقدم على جميع ذلك فلعله لم يبلغ هؤلاء أو بلغهم وتأولوه وانعقد الإجماع على خلاف قولهم قال بن بطال وفي الحديث أنه لا يجوز للعتيق أن يكتب فلان بن فلان ويسمي نفسه ومولاه الذي أعتقه بل يقول فلان مولى فلان ولكن يجوز له أن ينتسب الى نسبة كالقرشي وغيره قال والأولى أن يفصح بذلك أيضا كأن يقول القرشي بالولاء أو مولاهم قال وفيه أن من علم ذلك وفعله سقطت شهادته لما ترتب عليه من الوعيد ويجب عليه التوبة والاستغفار وفي جواز لعن أهل الفسق عموما ولو كانوا مسلمين رابعها وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجزية وأما حديث الباب الثاني فقد مضى في كتاب العتق وأحلت بشرحه على ما هنا

[ 6375 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري قوله عن عبد الله بن دينار هكذا قال الحفاظ من أصحاب سفيان الثوري عنه منهم عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وعبد الله بن نمير وغيرهم قوله عن بن عمر في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة وسفيان عن بن دينار سمعت بن عمر وقد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه في صحيحه الناس في هذا الحديث عيال عليه وقال الترمذي بعد تخريجه حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار رواه عنه سعيد وسفيان ومالك ويروى عن شعبة أنه قال وددت أن عبد الله بن دينار لما حدث بهذا الحديث أذن لي حتى كنت أقوم اليه فأقبل رأسه قال الترمذي وروى يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار قلت وصل رواية يحيى بن سليم بن ماجة ولم ينفرد به يحيى بن سليم فقد تابعه أبو ضمرة أنس بن عياض ويحيى بن سعيد الأموي كلاهما عن عبيد الله بن عمر أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقهما لكن قرن كل منهما نافعا بعبد الله بن دينار وأخرجه بن حبان في الثقات في ترجمة أحمد بن أبي أوفى وساقه من طريقه عن شعبة عن عبد الله بن دينار وعمرو بن دينار جميعا عن بن عمر وقال عمرو بن دينار غريب وقد أعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفسا ممن حدث به عن عبد الله بن دينار منهم من الأكابر يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى بن عقبة ويزيد بن الهاد وعبيد الله العمري وهؤلاء من صغار التابعين وممن دونهم مسعر والحسن بن صالح بن حي وورقاء وأيوب بن موسى وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وعبد العزيز بن مسلم وأبو أويس وممن لم يقع له بن جريج وهو عند أبي عوانة وسليمان بن بلال وهو عند مسلم وأحمد بن حازم المغافري في جزء الهروي من طريق الطبراني قوله عن بن عمر في رواية أبي داود الحفري عن سفيان عند الإسماعيلي سمعت بن عمر وكذا مضى في العتق من رواية شعبة وفي مسند الطيالسي عن شعبة قلت لعبد الله بن دينار أنت سمعت هذا من بن عمر قال نعم سأله ابنه عنه وذكره أبو عوانة عن بهز بن أسد عن شعبة قلت لابن دينار أنت سمعته من بن عمر قال نعم وسأله ابنه حمزة عنه وكذا وقع في رواية عفان عن شعبة عند أبي نعيم وأخرجه من وجه آخر أن شعبة قال قلت لابن دينار آلله لقد سمعت بن عمر يقول هذا فيحلف له وقيل لابن عيينة إن شعبة يستحلف عبد الله بن دينار قال لكنا لم نستحلفه سمعته منه مرارا رويناه في مسند الحميدي عن سفيان وأخرجه الدار قطني في غرائب مالك من طريق الحسن بن زياد اللؤلؤي عن مالك عن بن دينار عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سأل أباه عن شراء الولاء فذكر الحديث فهذا ظاهره أن بن دينار لم يسمعه من بن عمر وليس كذلك وقال بن العربي في شرح الترمذي تفرد بهذا الحديث عبد الله بن دينار وهو من الدرجة الثانية من الخبر لأنه لم يذكر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نقل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن أعتق قلت ويؤيده أن بن عمر روى هذا الحديث عن عائشة في قصة بريرة كما مضى في العتق لكن جاءت عنه صيغة الحديث من وجه آخر أخرجه النسائي وأبو عوانة من طريق الليث عن يحيى بن أيوب عن مالك ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الولاء وعن هبته ووقع في رواية محمد بن أبي سليمان التي أشرت إليها بلفظ الولاء لا يباع ولا يوهب وفي رواية عتبان بن عبيد عن شعبة مثله ذكره أبو نعيم وزاد محمد بن سليمان في السند عن بن عمر عن عمر فوهم أخرجه الدارقطني أيضا وضعفه وأتفق جميع من ذكرنا على هذا اللفظ وخالفهم أبو يوسف القاضي فرواه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر بلفظ الولاء لحمة كلحمة النسب أخرجه الشافعي ومن طريقه الحاكم ثم البيهقي وأدخل بشر بن الوليد بين أبي يوسف وبين بن دينار عبيد الله بن عمر أخرجه أبو يعلى في مسنده عنه وأخرجه بن حبان في صحيحه عن أبي يعلى وأخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن جعفر بن أعين عن بشر فزاد في المتن لا يباع ولا يوهب ومن طريق عبد الله بن نافع عن عبد الله بن دينار إنما الولاء نسب لا يصح بيعه ولا هبته والمحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب موقوفا عليه الولاء لحمة كلحمة النسب وكذا ما أخرجه البزار والطبراني من طريق سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده رفعه الولاء ليس بمنتقل ولا متحول وفي سنده المغيرة بن جميل وهو مجهول نعم عن بن عباس من قوله الولاء لمن أعتق لا يجوز بيعه ولا هبته وقال بن بطال اجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب فإذا كان حكم الولاء حكم النسب فكما لا ينتقل النسب لا ينتقل الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهى الشرع عن ذلك وقال بن عبد البر اتفق الجماعة على العمل بهذا الحديث إلا ما روى عن ميمونة أنها وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وروى عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء يجوز للسيد أن يأذن لعبده أن يوالي من شاء قلت وقد تقدم البحث فيه في الباب الذي قبله وقال بن بطال وغيره جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة وجاء عن ميمونة جواز هبة الولاء وكذا عن بن عباس ولعلهم لم يبلغهم الحديث قلت قد انكر ذلك بن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد الرزاق عنه أنه كان يقول أيبيع أحدكم نسبه ومن طريق علي الولاء شعبة من النسب ومن طريق جابر أنه انكر بيع الولاء وهبته ومن طريق عطاء أن بن عمر كان ينكره ومن طريق عطاء عن بن عباس لا يجوز وسنده صحيح ومن ثم فصلوا في النقل عن بن عباس بين البيع والهبة وقال بن العربي معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرمة الى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة الى الوجود حسا لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه سيده بالحرية الى وجود هذه الاحكام من عدمها فلما شابه حكم النسب أنيط بالمعتق فلذلك جاء انما الولاء لمن أعتق وألحق برتبة النسب فنهى عن بيعه وهبته وقال القرطبي استدل للجمهور بحديث الباب ووجه الدلالة أنه أمر وجودي لا يتأتى الانفكاك عنه كالنسب فكما لا تنتقل الأبوة والجدودة فكذلك لا ينتقل الولاء إلا أنه يصح في الولاء جرما يترتب عليه من الميراث كما لو تزوج عبد معتقة آخر فولد له منها ولد فإنه ينعقد حرا لحرية أمه فيكون ولاؤه لمواليها لو مات في تلك الحالة ولو أعتق السيد أباه قبل موت الولد فان ولاءه ينتقل إذا مات لمعتق أبيه اتفاقا انتهى وهذا لا يقدح في الأصل المذكور أن الولاء لحمة كلحمة النسب لأن التشبيه لا يستلزم التسوية من كل وجه وأختلف فيمن أشتري نفسه من سيده كالمكاتب فالجمهور على أن ولاءه لسيده وقيل لا ولاء عليه وفي ولاء من أعتق سائبة وقد تقدم قريبا

قوله باب إذا أسلم على يديه كذا للنسفي وزاد الفربري والأكثر رجل ووقع في رواية الكشميهني الرجل وبالتنكير أولى قوله وكان الحسن لا يرى له ولاية كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني ولاء بالهمز بدل الياء من الولاء وهو المراد بالولاية واثر الحسن هذا وهو البصري وصله سفيان الثوري في جامعه عن مطرف عن الشعبي وعن يونس وهو بن عبيد عن الحسن قالا في الرجل يوالي الرجل قالا هو بين المسلمين وقال سفيان وبذلك أقول وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان وكذا رواه الدارمي عن أبي نعيم عن سفيان وأخرجه بن أبي شيبة أيضا من طريق يونس عن الحسن لا يرثه إلا إن شاء أوصى له بماله قوله ويذكر عن تميم الداري رفعه هو أولى الناس بمحياه ومماته هذا الحديث أغفله من صنف في الأطراف وكذا من صنف في رجال البخاري لم يذكروا تميما الداري فيمن أخرج له وهو ثابت في جميع النسخ هنا وذكر البخاري من روايته حديثا في الإيمان لكن جعله ترجمة باب وهو الدين النصيحة وقد أخرجه مسلم من حديثه وليس له عنده غيره وقد تكلمت عليه هناك وذكرت من حديث أبي هريرة وغيره أيضا فلم يتعين المراد في تميم وهو بن أوس بن خارجة بن سواد اللخمي ثم الداري نسب الى بني الدار بن لخم وكان من أهل الشام ويتعاطى التجارة في الجاهلية وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم فيقبل منه وكان إسلامه سنة تسع من الهجرة وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو على المنبر عن تميم في قصة الجساسة والدجال وعد ذلك في مناقبه وفي رواية الأكابر عن الأصاغر وقد وجدت رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن غير تميم وذلك فيما أخرجه أبو عبد الله بن منده في معرفة الصحابة في ترجمة زرعة بن سيف بن ذي يزن فساق بسنده الى زرعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب اليه كتابا وفيه وأن مالك بن مزرد الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت وقاتلت المشركين فأبشر بخير الحديث وكان تميم الداري من أفاضل الصحابة وله مناقب وهو أول من أسرج المساجد وأول من قضى على الناس أخرجهما الطبراني وسكن تميم بيت المقدس وكان سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون وغيرها إذا فتحت ففعل فتسلمها بذلك لما فتحت بزمن عمر ذكر ذلك بن سعد وغيره ومات تميم سنة أربعين وقوله رفعه هو في معنى قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها وقد وصله البخاري في تاريخه وأبو داود وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز بالعنعنة كلهم من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال سمعت عبيد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال قلت يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي رجل من المسلمين قال هو أولى الناس بمحياه ومماته قال البخاري قال بعضهم عن بن موهب سمع تميما ولا يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وقال الشافعي هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن بن موهب وابن موهب ليس بالمعروف ولا نعلمه لقى تميما ومثل هذا لا يثبت وقال الخطابي ضعف أحمد هذا الحديث وأخرجه أحمد والدارمي والترمذي والنسائي من رواية وكيع وغيره عن عبد العزيز عن بن موهب عن تميم وصرح بعضهم بسماع بن موهب من تميم وأما الترمذي فقال ليس إسناده بمتصل قال وأدخل بعضهم بين بن موهب وبين تميم قبيصة رواه يحيى بن حمزة قلت ومن طريقه أخرجه من بدأت بذكره وقال بعضهم أنه تفرد فيه بذكر قبيصة وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن بن موهب بدون ذكر تميم أخرجه النسائي أيضا وقال بن المنذر هذا حديث مضطرب هل هو عن بن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة وقال بعض الرواة فيه عن عبد الله بن موهب وبعضهم بن موهب وعبد العزيز راويه ليس بالحافظ قلت هو من رجال البخاري كما تقدم في الأشربة ولكنه ليس بالمكثر وأما بن موهب فلم يدرك تميما وقد أشار النسائي الى أن الرواية التي وقع التصريح فيها بسماعه من تميم خطأ ولكن وثقه بعضهم وكان عمر بن عبد العزيز ولاه القضاء ونقل أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند له صحيح عن الأوزاعي أنه كان يدفع هذا الحديث ولا يرى له وجها وصحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي وقال هو حديث حسن المخرج متصل والى ذلك أشار البخاري بقوله وأختلفوا في صحة هذا الخبر وجزم في التاريخ بأنه لا يصح لمعارضته حديث انما الولاء لمن أعتق ويؤخذ منه أنه لو صح سنده لما قاوم هذا الحديث وعلى التنزل فتردد في الجمع هل يخص عموم الحديث المتفق على صحته بهذا فيستثنى منه من أسلم أو تؤول الأولوية في قوله أولى الناس بمعنى النصرة والمعاونة وما أشبه ذلك لا بالميراث ويبقى الحديث المتفق على صحته على عمومه جنح الجمهور الى الثاني ورجحانه ظاهر وبه جزم بن القصار فيما حكاه بن بطال فقال لو صح الحديث لكان تأويله أنه أحق بموالاته في النصر والاعانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك ولو جاء الحديث بلفظ أحق بميراثه لوجب تخصيص الأول والله أعلم قال بن المنذر قال الجمهور بقول الحسن في ذلك وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وروى عن النخعي أنه يستمر إن عقل عنه وإن لم يعقل عنه فله أن يتحول لغيره واستحق الثاني وهلم جرة وعن النخعي قول آخر ليس له أن يتحول وعنه ان استمر الى أن مات تحول عنه وبه قال إسحاق وعمر بن عبد العزيز ووقع ذلك في طريق الباغندي التي أسلفتها وفي غيرها أنه أعطى رجلا أسلم على يديه رجل فمات وترك مالا وبنتا نصف المال الذي بقى بعد نصيب البنت ثم ذكر المنصف حديث بن عمر في قصة بريرة من أجل قوله فيه فإن الولاء لمن أعتق لأن اللام فيه للاختصاص أي الولاء مختص بمن أعتق وقد تقدم توجيهه وقوله فيه لا يمنعك وقع في رواية الكشميهني لا يمنعنك بالتأكيد ثم ذكر حديث عائشة في ذلك مختصرا وقال في آخره قال وكان زوجها حرا وقد تقدم قبل باب من وجه آخر عن منصور أن قائل ذلك هو الأسود راويه عن عائشة وفي الباب الذي قبله من طريق الحكم عن إبراهيم أنه الحكم ومضى الكلام على ذلك مستوفى بحمد الله تعالى ومحمد المذكور في أول السند الثاني قال أبو علي الغساني هو بن سلام إن شاء الله وجرير هو بن عبد الحميد قلت وقد وقع في الاستقراب

[ 6377 ] حدثنا محمد حدثنا جرير كذا عند الأكثر غير منسوب ووقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري محمد بن سلام وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني محمد بن يوسف يعني البيكندي وليس في الكتاب محمد عن جرير سوى هذين الموضعين والمرجح أنه بن سلام وقد أغرب أبو نعيم فأخرج الحديث من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير ثم قال أخرجه البخاري عن عثمان كذا وجدته وما أظنه إلا ذهولا

قوله باب ما يرث النساء من الولاء ذكر فيه حديث بن عمر المذكور في الباب قبله من وجه آخر عن نافع وحديث عائشة من وجه آخر عن منصور مقتصرا على

[ 6379 ] قوله الولاء لمن أعطى الورق وولي النعمة وهذا اللفظ لوكيع عن سفيان الثوري عن منصور وقد أخرجه الترمذي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بلفظ أنها أرادت أن تشتري بريرة فأشترطوا الولاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع أيضا ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي جميعا عن سفيان تاما وقال لفظهما واحد فعرف أن وكيعا كان ربما اختصره وعرف أنه في قصة بريرة وقد ذكر أصحاب منصور كأبي عوانة بلفظ انما الولاء لمن أعتق وكذلك ذكره أصحاب إبراهيم كالحكم والأعمش وأصحاب الأسود وأصحاب عائشة وكلها في الكتب الستة وتفرد الثوري وتابعه جرير عن منصور بهذا اللفظ ويحتمل أن يكون منصور رواه لهما بالمعنى وقد تفرد الثوري بزيادة قوله وولى النعمة ومعنى قوله أعطى الورق أي الثمن وإنما صحة العتق تستدعي سبق ملك والملك يستدعي ثبوت العوض قال بن بطال هذا الحديث يقتضي أن الولاء لكل معتق ذكرا كان أو أنثى وهو مجمع عليه وأما جر الولاء فقال الأبهري ليس بين الفقهاء اختلاف أنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أولاد من أعتقن إلا ما جاء عن مسروق أنه قال لا يختص الذكور بولاء من أعتق آباءهم بل الذكور والإناث فيه سواء كالميراث ونقل بن المنذر عن طاوس مثله وعليه اقتصر سحنون فيما نقله بن التين وتعقب الحصر الذي ذكره الأبهري تبعا لسحنون وغيره بأنه يرد عليه ولد الإناث من ولد من أعتقن قال والعبارة السالمة أن يقال إلا ما أعتقن أو جره اليهن من أعتقن بولادة أو عتق احترازا ممن لها ولد من زنا أو كانت ملاعنة أو كان زوجها عبدا فان ولاء ولد هؤلاء كلهم لمعتق الأم والحجة للجمهور اتفاق الصحابة ومن حيث النظر أن المرأة لا تستوعب المال بالفرض الذي هو آكد من فأختص بولاء من يستوعب المال وهو الذكر وانما ورثن من عتقن لأنه عن مباشرة لاعن جر الإرث واستدل بقوله الولاء لمن أعطى الورق على من قال فيمن أعتق قوله الولاء لمن أعطى الورق فدل على أن المراد بقوله لمن أعتق لمن كان من عتق في ملكه حين العتق لا لمن باشر العتق فقط

قوله باب بالتنوين مولى القوم من أنفسهم أي عتيقهم ينسب نسبتهم ويرثونه قوله وابن الأخت منهم أي لأنه ينتسب الى بعضهم وهي أمة

[ 6380 ] قوله حدثنا شعبة حدثنا معاوية بن قرة وقتادة عن أنس هكذا وقع في رواية آدم عن شعبة مقرونا وأكثر الرواة قالوا عن شعبة عن قتادة وحده عن أنس وقد تقدم بيان ذلك في مناقب قريش وأورده مختصرا ومن وجه آخر عن شعبة عن قتادة مطولا في غزوة حنين وتقدمت فوائده هناك وفي كتاب الجزية وأخرجه الإسماعيلي من طرق عن شعبة عن قتادة وقال المعروف عن شعبة في

[ 6381 ] مولى القوم منهم أو من أنفسهم روايته عن قتادة وعن معاوية بن قرة والمعروف عنه في بن أخت القوم منهم أو من أنفسهم روايته عن قتادة وحده وانفرد علي بن الجعد عن شعبة به عن معاوية بن قرة أيضا قلت وليس كما قال بل تابعه أبو النصر عن شعبة عن معاوية بن قرة أيضا أخرجه أحمد في مسنده عنه وأفاد فيه أن المعني بذلك النعمان بن مقرن المزني وكانت أمه انصارية والله أعلم واستدل بقوله بن أخت القوم منهم من قال بأن ذوي الأرحام يرثون كما يرث العصبات وحمله من لم يقل بذلك على ما تقدم وكأن البخاري رمز الى الجواب بإيراد هذا الحديث لأنه لو صح الاستدلال بقوله بن أخت القوم منهم على إرادة الميراث لصح الاستدلال به على أن العتيق يرث ممن أعتقه لورد مثله في حقه لدل على أن المراد بقوله من أنفسهم وكذا منهم في المعاونة والانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك لا في الميراث وقال بن أبي جمرة الحكمة في ذكر ذلك إبطال ما كانوا عليه في الجاهلية من عدم الالتفات الى أولاد البنات فضلا عن أولاد الأخوات حتى قال قائلهم
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
بنوهن أبناء الرجال الأباعد فأراد بهذا الكلام التحريض على الألفة بين الأقارب قلت وأما القول في الموالي فالحكمة فيه ما تقدم ذكره من جواز نسبة العبد الى مولاه لا بلفظ البنوة لما سيأتي قريبا من الوعيد الثابت لمن انتسب الى غير أبيه وجواز نسبته الى نسب مولاه بلفظ النسبة وفي ذلك جمع بين الأدلة وبالله التوفيق

قوله باب ميراث الأسير أي سواء عرف خبره أم جهل قوله وكان شريح بمعجمة أوله ومهملة آخره وهو بن الحارث القاضي الكندي الكوفي المشهور قوله يورث الأسير في أيدي العدو ويقول هو أحوج اليه وصله بن أبي شيبة والدارمي من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن شريح قال يورث الأسير إذا كان في أرض العدو وزاد بن أبي شيبة قال شريح أحوج ما يكون الى ميراثه وهو أسير قوله وقال عمر بن عبد العزيز أجز وصية الأسير وعتاقته وما صنع في ماله ما لم يتغير عن دينه فانما هو ماله يصنع فيه ما يشاء في رواية الكشميهني ما شاء وهذا وصله عبد الرزاق عن معمر عن إسحاق بن راشد أن عمر كتب اليه أن أجز وصية الأسير وأخرجه الدارمي من طريق بن المبارك عن معمر عن إسحاق بن راشد عن عمر بن عبد العزيز في الأسير يوصى قال أجز له وصيته ما دام على الإسلام لم يتغير عن دينه قال بن بطال ذهب الجمهور الى أن الأسير إذا وجب له ميراث أنه يوقف له وعن سعيد بن المسيب أنه لم يورث الأسير في أيدي العدو قال وقول الجماعة أولى لأنه إذا كان مسلما دخل تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم

[ 6382 ] من ترك مالا فلورثته والى هذا أشار البخاري بإيراد حديث أبي هريرة وقد تقدم شرحه قريبا وأيضا فهو مسلم تجري عليه أحكام المسلمين فلا يخرج عن ذلك إلا بحجة كما أشار اليه عمر بن عبد العزيز ولا يكفي أن يثبت أنه ارتد حتى يثبت أن ذلك وقع منه طوعا فلا يحكم بخروج ماله عنه حتى يثبت أنه ارتد طائعا لا مكرها وما ذكره بن بطال عن سعيد بن المسيب أخرجه بن أبي شيبة وأخرج عنه أيضا رواية أخرى أنه يرث وعن الزهري روايتين أيضا وعن النخعي لا يرث تنبيه تقدم في أواخر النكاح في باب حكم المفقود في أهله وماله أشياء تتعلق بالأسير في حكم زوجته وماله وأن زوجته لا تتزوج وماله لا يقسم ما تحققت حياته وعلم مكانه فإذا انقطع خبره فهو مفقود وتقدم بيان الاختلاف في حكمه هناك

قوله باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم هكذا ترجم بلفظ الحديث ثم قال وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له فأشار الى ان عمومه يتناول هذه الصورة فمن قيد عدم التوارث بالقسمة احتاج الى دليل وحجة الجماعة أن الميراث يستحق بالموت فإذا أنتقل عن ملك الميت بموته لم ينتظر قسمته لأنه استحق الذي أنتقل عنه ولو لم يقسم المال قال بن المنير صورة المسألة إذا مات مسلم وله ولدان مثلا مسلم وكافر فأسلم الكافر قبل قسمة المال قال بن المنذر ذهب الجمهور الى الأخ بما دل عليه عموم حديث أسامة يعني المذكور في هذا الباب إلا ما جاء عن معاذ قال يرث المسلم من الكافر من غير عكس واحتج بأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإسلام يزيد ولا ينقص وهو حديث أخرجه أبو داود وصححه الحاكم من طريق يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدؤلي عنه قال الحاكم صحيح الإسناد وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ ولكن سماعه منه ممكن وقد زعم الجوزقاني أنه باطل وهي مجازفة وقال القرطبي في المفهم وهو كلام محكي ولا يروى كذا قال وقد رواه من قدمت ذكره فكأنه ما وقف على ذلك وأخرج أحمد بن منيع بسند قوي عن معاذ أنه كان يورث المسلم من الكافر بغير عكس وأخرج مسند عنه أن أخوين اختصما اليه مسلم ويهودي مات أبوهما يهوديا فحاز ابنه اليهودي ماله فنازعه المسلم فورث معاذ المسلم وأخرج بن أبي شيبة من طريق عبد الله بن معقل قال ما رأيت قضاء أحسن من قضاء قضى به معاوية نرث أهل الكتاب ولا يرثونا كما يحل النكاح فيهم ولا يحل لهم وبه قال مسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وإسحاق وحجة الجمهور أنه قياس في معارضة النص وهو صريح في المراد ولا قياس مع وجوده وأما الحديث فليس نصا في المراد بل هو محمول على أنه يفضل غيره من الأديان ولا تعلق له بالإرث وقد عارضه قياس آخر وهو أن التوارث يتعلق بالولاية ولا ولاية بين المسلم والكافر لقوله تعالى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض وبأن الذمي يتزوج الحربية ولا يرثها وأيضا فان الدليل ينقلب فيما لو قال الذمي أرث المسلم لأنه يتزوج إلينا وفيه قول ثالث وهو الاعتبار بقسمة الميراث جاء ذلك عن عمر وعثمان وعن عكرمة والحسن وجابر بن زيد وهو رواية عن أحمد قلت ثبت عن عمر خلافه كما مضى في باب توريث دور مكة من كتاب الحج فان فيه بعد ذكر حديث الباب مطولا في ذكر عقيل بن أبي طالب فكان عمر يقول فذكر المتن المذكور هنا سواء

[ 6383 ] قوله عن بن شهاب هو الزهري وكذا وقع في رواية للإسماعيلي من وجه آخر عن أبي عاصم قوله عن علي بن حسين هو المعروف بزين العابدين وعمرو بن عثمان أي بن عفان وقد تقدم في الحج من هذا الشرح بيان من رواه عن الزهري مصرحا بالإخبار بينه وبين علي وكذا بين علي وعمرو واتفق الرواة عن الزهري أن عمرو بن عثمان بفتح أوله وسكون إلا أن مالكا وحده قال عمر بضم أوله وفتح الميم وشذت روايات عن غير مالك على وفقه وروايات عن مالك على وفق الجمهور وقد بين ذلك بن عبد البر وغيره ولم يخرج البخاري رواية مالك وقد عد ذلك بن الصلاح في علوم الحديث له في أمثلة المنكر وفيه نظر أوضحه شيخنا في النكت وزدت عليه في الإفصاح قوله لا يرث المسلم الكافر الخ تقدم في المغازي بلفظ المؤمن في الموضعين وأخرجه النسائي من رواية هشيم عن الزهري بلفظ لا يتوارث أهل ملتين وجاءت رواية شاذة عن بن عيينة عن الزهري مثلها وله شاهد عند الترمذي من حديث جابر وآخر من حديث عائشة عند أبي يعلى وثالث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في السنن الأربعة وسند أبي داود فيه الى عمرو صحيح وتمسك بها من قال لا يرث أهل ملة كافرة من أهل ملة أخرى كافرة وحملها الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الإسلام وبالأخرى الكفر فيكون مساويا للرواية التي بلفظ حديث الباب وهو أولى من حملها على ظاهر عمومها حتى يمتنع على اليهودي مثلا أن يرث من النصراني والأصح عند الشافعية أن الكافر يرث الكافر وهو قول الحنفية والأكثر ومقابلة عن مالك وأحمد وعنه التفرقة بين الذمي والحربي وكذا عند الشافعية وعن أبي حنيفة لا يتوارث حربي من ذمي فان كانا حربيين شرط أن يكونا من دار واحدة وعند الشافعية لا فرق وعندهم وجه كالحنفية وعن الثوري وربيعة وطائفة الكفر ثلاث ملل يهودية ونصرانية وغيرهم فلا ترث ملة من هذه من ملة من الملتين وعن طائفة من أهل المدينة والبصرة كل فريق من الكفار ملة فلم يورثوا مجوسيا من وثني ولا يهوديا من نصراني وهو قول الأوزاعي وبالغ فقال ولا يرث أهل نحلة من دين واحد أهل نحلة أخرى كاليعقوبية والملكية من النصارى واختلف في المرتد فقال الشافعي وأحمد يصير ماله إذا مات فيئا للمسلمين وقال مالك يكون فيئا إلا إن قصد بردته أن يحرم ورثته المسلمين فيكون لهم وكذا قال في الزنديق وعن أبي يوسف ومحمد بورثته المسلمين وعن أبي حنيفة ما كسبه قبل الردة لورثته المسلمين وبعد الردة لبيت المال وعن بعض التابعين كعلقمة يستحقه أهل الدين الذي أنتقل اليه وعن داود يختص بورثته من أهل الدين الذي أنتقل اليه ولم يفصل فالحاصل من ذلك ستة مذاهب حررها الماوردي واحتج القرطبي في المفهم بمذهبه بقوله تعالى لكل جعلنا شرعة ومنهاجا فهي ملل متعددة وشرائع مختلفة قال وأما ما احتجوا به من قوله تعالى ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم فوحد الملة فلا حجة فيه لأن الوحدة في اللفظ وفي المعنى الكثرة لأنه اضافه الى مفيد الكثرة كقول القائل أخذ عن علماء الدين علمهم يريد علم كل منهم قال واحتجوا بقوله قل يا أيها الكافرون الى آخرها والجواب أن الخطاب بذلك وقع لكفار قريش وهم أهل وثن وأما ما أجابوا به عن حديث لا يتوارث أهل ملتين بأن المراد ملة الكفر وملة الإسلام فالجواب عنه بأنه إذا صح في حديث أسامة فمردود في حديث غيره واستدل بقوله لا يرث الكافر المسلم على جواز تخصيص عموم الكتاب بالآحاد لأن قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم عام في الأولاد فخص منه الولد الكافر فلا يرث من المسلم بالحديث المذكور وأجيب بأن المنع حصل بالإجماع وخير الواحد إذا حصل الإجماع على وفقه كان التخصيص بالإجماع لا بالخبر فقط قلت لكن يحتاج من احتج في الشق الثاني به الى جواب وقد قال بعض الحذاق طريق العام هنا قطعى ودلالته على كل فرد ظنية وطريق الخاص هنا ظنية ودلالته عليه قطعية فيتعادلان ثم يترجح الخاص بان العمل به يستلزم الجمع بين الدليلين المذكورين بخلاف عكسه

قوله باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني كذا للأكثر بغير حديث ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني باب من ادعى أخا أو بن أخ ولم يذكر فيه حديثا ثم قال عن الثلاثة باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني ولم يذكر أيضا فيه حديثا ثم قال عنهم باب إثم من انتفى من ولده وذكر قصة سعد وعبد بن زمعة فجرى بن بطال وابن التين على حذف باب ميراث العبد حديثا على ما وقع عند الأكثر وأما الإسماعيلي فلم يقع عنده باب ميراث العبد النصراني بل وقع عنده باب إثم من انتفى من ولده وقال ذكر بلا حديث ثم قال باب من ادعى أخا أو بن أخ وهذا كله راجع الى رواية الفربري عن البخاري وأما النسفي فوقع عنده باب ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني وقال لم يكتب فيه حديثا وفي عقبة باب إثم من انتفى من ولده ومن ادعى أخا أو بن أخ وذكر فيه قصة بن زمعة فتلخص لنا من هذا كله أن الأكثر جعلوا قصة بن زمعة لترجمة من ادعى أخا أو بن أخ ولا إشكال فيه وأما الترجمتان فسقطت إحداهما عند بعض وثبتت عند بعض قال بن بطال لم يدخل البخاري تحت هذا الرسم حديثا ومذهب العلماء أن العبد النصراني إذا مات فماله لسيده بالرق لأن مالك العبد غير صحيح لا مستقر فهو مال السيد يستحقه لا بطريق الميراث وانما يستحق بطريق الميراث ما يكون ملكا مستقرا لمن يورث عنه وعن بن سيرين ماله لبيت المال وليس للسيد فيه شيء لاختلاف دينهما وأما المكاتب فان مات قبل أداء كتابته وكان في ماله وفاء لباقي كتابته أخذ ذلك في كتابته فما فضل فهو لبيت المال قلت وفي مسألة المكاتب خلاف ينشأ من الخلاف فيمن أدى بعض كتابته هل يعتق منه بقدر ما أدى أو يستمر على الرق ما بقى عليه شيء وقد مضى الكلام على ذلك في كتاب العتق وقال بن المنير يحتمل أن يكون البخاري أراد أن يدرج هذه الترجمة تحت الحديث الذي قبلها لأن النظر فيه محتمل كأن يقال يأخذ المال لأن العبد ملكه وله انتزاعه منه حيا فكيف لا يأخذه ميتا ويحتمل أن يقال لا يأخذ لعموم لا يرث المسلم الكافر والأول أوجه قلت وتوجيه ما تقدم وجرى الكرماني على ما وقع عند أبي نعيم فقال ههنا ثلاث تراجم متوالية والحديث ظاهر للثالثة وهي من ادعى أخا أو بن أخ قال وهذا يؤيد ما ذكروا أن البخاري ترجم لأبواب وأراد أن يلحق بها الأحاديث فلم يتفق له إتمام ذلك وكان اخلى بين كل ترجمتين بياضا فضم النقلة بعض ذلك الى بعض قلت ويحتمل أن يكون في الأصل ميراث العبد النصراني والمكاتب النصراني كان مضموما الى لا يرث المسلم الكافر الخ وليس بعد ذلك ما يشكل إلا ترجمة من انتفى من ولده ولا سيما على سياق أبي ذر وسأذكره في الباب الذي يليه تكميل لم يذكر البخاري ميراث النصراني إذا أعتقه المسلم وقد حكى فيه بن التين ثمانية أقوال فقال عمر بن عبد العزيز والليث والشافعي هو كالمولى المسلم إذا كان له ورثة وإلا فماله لسيده وقيل يرثه الولد خاصة وقيل الولد والوالد خاصة وقيل هما والإخوة وقيل هم والعصبة وقيل ميراثه لذوي رحمه وقيل لبيت المال فيئا وقيل يوقف فمن ادعاه من النصارى كان له انتهى ملخصا وما نقله عن الشافعي لا يعرفه أصحابه واختلف في عكسه فالجمهور أن الكافر إذا أعتق مسلما لا يرثه بالولاء وعن أحمد رواية أنه يرثه ونقل مثله عن علي وأما ما أخرج النسائي والحاكم من طريق أبي الزبير عن جابر مرفوعا لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته وأعله بن حزم بتدليس أبي الزبير وهو مردود فقد أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابرا فلا حجة فيه لكل من المسألتين لأن ظاهر في الموقوف قوله باب إثم من انتفى من ولده أورد فيه حديث عائشة في قصة مخاصمة سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة وقد مضى شرحه مستوفى في باب الولد للفراش وقد خفي توجيه هذه الترجمة لهذا الحديث ويحتمل أن يخرج على أن عتبة بن أبي وقاص مات مسلما وأن الذي حمله على أن يوصي أخاه بأخذ ولد وليدة زمعة خشية أن يكون سكوته عن ذلك مع اعتقاده أنه ولده يتنزل منزلة النفي وكان سمع ما ورد في حق من انتفى من ولده من الوعيد فعهد الى أخيه أنه ابنه وأمر باستلحاقه وعلى تقدير أن يكون عتبة مات كافرا فيحتمل أن يكون ذلك هو الحامل لسعد على استلحاق بن أخيه ويلحق انتفاء ولد الأخ بالانتفاء من الولد لأنه قد يرث من عمه كما يرث من أبيه وقد ورد الوعيد في حق من انتفى من ولده من رواية مجاهد عن بن عمر رفعه من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة الحديث وفي سنده الجراح والد وكيع مختلف فيه وله طريق أخرى عن بن عمر أخرجه بن عدي بلفظ من انتفى من ولده فليتبوأ مقعده من النار وفي سنده محمد بن أبي الزعيزعة راويه عن نافع قال أبو حاتم منكر الحديث وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم بلفظ وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله منه الحديث وفي سنده عبيد الله بن يوسف حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد

قوله باب من ادعى الى غير أبيه لعل المراد إثم من ادعى كما صرح به في الذي قبله أو أطلق لوقوع الوعيد فيه بالكفر وبتحريم الجنة فوكل ذلك الى نظر من يسعى في تأويله

[ 6385 ] قوله خالد هو بن عبد الله يعني الواسطي الطحان وخالد شيخه هو بن مهران الحذاء وأبو عثمان هو النهدي وسعد هو بن أبي وقاص والسند الى سعد كله بصريون والقائل فذكرته لأبي بكرة هو أبو عثمان وقد وقع في رواية هشيم عن خالد الحذاء عند مسلم في أوله قصة ولفظه عن أبي عثمان قال لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت ما هذا الذي صنعتم إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول فذكر الحديث مرفوعا فقال أبو بكرة وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بزياد الذي ادعى زياد بن سمية وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة زوجها المولى عبيد فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف فلما كان في خلافة عمر سمع أبو سفيان بن حرب كلام زياد عند عمر وكان بليغا فأعجبه فقال إني لأعرف من وضعه في أمه ولو شئت لسميته ولكن أخاف من عمر فلما ولى معاوية الخلافة كان زياد على فارس من قبل علي فأراد مداراته فأطمعه في أن يلحقه بأبي سفيان فأصغى زياد الى ذلك فجرت في ذلك خطوب الى أن ادعاه معاوية وأمره على البصرة ثم على الكوفة وأكرمه وسار زياد سيرته المشهورة وسياسته المذكورة فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية محتجين بحديث الولد للفراش وقد مضى قريبا شيء من ذلك وانما خص أبو عثمان أبا بكرة بالإنكار لأن زيادا كان أخاه من أمه ولأبي بكرة مع زياد قصة تقدمت الإشارة إليها في كتاب الشهادات وقد تقدم الحديث في غزوة حنين من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان قال سمعت سعدا وأبا بكرة وتقدم هناك ما يتعلق بأبي بكرة قوله من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام وفي رواية عاصم المشار إليها عند مسلم من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه والثاني مثله وقد تقدم شرحه في مناقب قريش في الكلام على حديث أبي ذر وفيه من ادعى لغير أبيه وهو يعلمه الا كفر ووقع هناك الا كفر بالله وتقدم القول فيه وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق كفر بالله انتفى من نسب وان دق أخرجه الطبراني

[ 6386 ] قوله أخبرني عمرو هو بن الحارث وعراك بكسر المهملة وتخفيف الراء وآخره كاف هو بن مالك قوله عن أبي هريرة في رواية مسلم عن هارون بن سعيد عن بن وهب بسنده الى عراك أنه سمع أبا هريرة قوله لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر كذا للأكثر وكذا لمسلم ووقع للكشميهني فقد كفر وسيأتي في باب رجم الحبلى من الزنا في حديث عمر الطويل لا ترغبوا عن آبائكم فهو كفر بربكم قال بن بطال ليس معنى هذين الحديثين أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود وانما المراد به من تحول عن نسبته لأبيه الى غير أبيه عالما عامدا مختارا وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب الى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وقوله سبحانه تعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم فنسب كل واحد الى أبيه الحقيقي وترك الانتساب الى من تبناه لكن بقى بعضهم مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي كالمقداد بن الأسود وليس الأسود أباه وانما كان تبناه واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني وكان أبوه حليف كندة فقيل له الكندي ثم حالف هو الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنى المقداد فقيل له بن الأسود انتهى ملخصا موضحا قال وليس المراد بالكفر حقيقة الكفر التي يخلد صاحبها في النار وبسط القول في ذلك وقد تقدم توجيهه في مناقب قريش وفي كتاب الإيمان في أوائل الكتاب وقال بعض الشراح سبب إطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله كأنه يقول خلقني الله من ماء فلان وليس كذلك لأنه انما خلقه من غيره واستدل به على أن قوله في الحديث الماضي قريبا بن أخت القوم من أنفسهم و مولى القوم من أنفسهم ليس على عمومه إذ لو كان على عمومه لجاز أن ينسب الى خاله مثلا وكان معارضا لحديث الباب المصرح بالوعيد الشديد لمن فعل ذلك فعرف أنه خاص والمراد به أنه منهم في الشفقة والبر والمعاونة ونحو ذلك

قوله باب إذا ادعت المرأة ابنا ذكر قصة المرأتين اللتين كان مع كل منهما بن فأخذ الذئب أحدهما فأختلفتا في أيهما الذاهب فتحا كمتا الى داود وفيه حكم سليمان وقد مضى شرحه مستوفى في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء قال بن بطال أجمعوا على أن الأم لا تستلحق بالزوج ما ينكره فان أقامت البينة قبلت حيث تكون في عصمته فلو لم تكن ذات زوج وقالت لمن لا يعرف له أب هذا ابني ولم ينازعها فيه أحد فإنه يعمل بقولها وترثه ويرثها ويرثه إخوته لأمه ونازعه بن التين فحكى عن بن القاسم لا يقبل قولها إذا ادعت اللقيط وقد استنبط النسائي في السنن الكبرى من هذا الحديث أشياء نفيسة فترجم نقض الحاكم ما حكم به غيره ممن هو مثله أو أجل إذا اقتضى الأمر ذلك ثم ساق الحديث من طريق علي بن عياش عن شعيب بسنده المذكور هنا وصرح فيه بالتحديث بين أبي الزناد وبين الأعرج وأبي هريرة وساق الحديث نحو أبي اليماني وترجم أيضا الحاكم بخلاف ما يعترف به المحكوم له إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به وساق الحديث من طريق مسكين بن بكير عن شعيب وفيه

[ 6387 ] فقال اقطعوه نصفين لهذه نصف ولهذه نصف فقالت الكبرى نعم اقطعوه فقالت الصغرى لا تقطعوه هو ولدها فقضى به للتي أبت أن يقطعه فأشار الى قول الصغرى هو ولدها ولم يعمل سليمان بهذا الإقرار بل قضى به لها مع اقرارها بأنه لصاحبتها وترجم له التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله افعل ليستبين له الحق وساقه من طريق محمد بن عجلان عن أبي الزناد وفيه فقال ائتوني بالسكين أشق الغلام بينهما فقالت الصغرى أتشقه فقال نعم فقالت لا تفعل حظي منه لها وقد أخرجه مسلم من طريق أبي الزناد ولم يسق لفظه بل أحال به على رواية ورقاء عن أبي الزناد وقد ذكرت ما فيها في ترجمة سليمان ثم ترجم الفهم في القضاء والتدبر فيه والحكم بالاستدلال ثم ساقه من طريق بشير بن نهيك عن أبي هريرة وذكر الحديث مختصرا وقال في آخره فقال سليمان يعني للكبرى لو كان ابنك لم ترضي ان يقطع

قوله باب القائف هو الذي يعرف الشبه ويميز الأثر سمي بذلك لأنه يقفو الأشياء أي يتبعها فكأنه مقلوب من القافي قال الأصمعي هو الذي يقفو الأثر ويقتافه قفوا وقيافة والجمع القافة كذا وقع في الغريبين والنهاية قوله في الطريق الثانية عن الزهري في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري أخرجه أبو نعيم قوله دخل على مسرورا تبرق أسارير وجه تقدم شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال ألم ترى إلى مجزز في الرواية التي بعدها ألم ترى أن مجززا والمراد من الرؤية هنا الإخبار أو العلم ومضى في مناقب زيد من طريق أبي عيينة عن الزهري ألم تسمعي ما قال المدلجي ومضى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق إبراهيم بن محمد عن الزهري بلفظ دخل على قائف الحديث وفيه فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه وأخبر به عائشة ولمسلم من طريق معمر وابن جريج عن الزهري وكان مجزز قائفا ومجزز بضم الميم وكسر الزاي الثقيلة وحكى فتحها وبعدها زاي أخرى هذا هو المشهور ومنهم من قال بسكون الحاء المهملة وكسر الراء ثم زاي وهو بن الأعور بن جعدة المدلجي نسبة الى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك وليس ذلك خاصا بهم على الصحيح وقد أخرج يزيد بن هارون في الفرائض بسند صحيح الى سعيد بن المسيب أن عمر كان قائفا أورده في قصته وعمر قرشي ليس مدلجيا ولا أسديا لا أسد قريش ولا أسد خزيمة ومجزز المذكور هو والد علقمة بن مجزز الماضي ذكره في باب باب سرية عبد الله بن حذافة من المغازي وذكر مصعب الزبيري والواقدي أنه سمي مجززا لأنه كان إذا أخذ أسيرا في الجاهلية جز ناصيته وأطلقه وهذا يدفع فتح الزاي الأولى من اسمه وعلى هذا كان له اسم غير مجزز لكني لم أر من ذكره وكان مجزز عارفا بالقيافة وذكره بن يونس فيمن شهد فتح مصر وقال لا أعلم له رواية قوله نظر آنفا بالمد ويجوز القصر أي قريبا أو أقرب وقت قوله الى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد في الرواية التي بعدها دخل علي فرأى أسامة بن زيد وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها وفي رواية إبراهيم بن سعد وأسامة وزيد مضطجعان وفي هذه الزيادة دفع توهم من يقول لعله حاباهما بذلك لما عرف من كونهم كانوا يطعنون في أسامة قوله بعضها من بعض من رواية الكشميهني لمن بعض قال أبو داود نقل أحمد بن صالح عن أهل النسب أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة لأنه كان أسود شديد السواد وكان أبوه زيد أبيض من القطن فلما قال القائف ما قال مع اختلاف اللون سر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك لكونه كافا لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك وقد أخرج عبد الرزاق من طريق بن سيرين أن أم أسامة وهي أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سوداء فلهذا جاء أسامة أسود وقد وقع في الصحيح عن بن شهاب أن أم أيمن كانت حبشية وصيفة لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل فصارت لعبد المطلب فوهبها لعبد الله وتزوجت قبل زيد الهبة قال عياض لو صح أن أم أيمن كانت سوداء لم ينكروا سواد ابنها أسامة لأن السوداء قد تلد من الأبيض أسود قلت يحتمل أنها كانت صافية فجاء أسامة شديد السواد فوقع الإنكار لذلك وفي الحديث جواز الشهادة على المنتقبة والاكتفاء بمعرفتها من غير رؤية الوجه وجواز اضطجاع الرجل مع ولده في شعار واحد وقبول شهادة من يشهد قبل أن يستشهد عند عدم التهمة وسرور الحاكم لظهور الحق لأحد الخصمين عند السلامة من الهوى وتقدم في باب إذا عرض لنفي الولد من كتاب اللعان حديث أبي هريرة في قصة الذي قال أن امرأتي ولدت غلاما أسود وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعله نزعه عرق ومضى شرحه هناك وبالله التوفيق تنبيه وجه إدخال هذا الحديث في كتاب الفرائض الرد على من زعم أن القائف لا يعتبر قوله فان من اعتبر قوله فعمل به لزم منه حصول التوراث بين الملحق والملحق به خاتمة اشتمل كتاب الفرائض من الأحاديت المرفوعة على ثلاثة وأربعين حديثا المعلق منها حديث تميم الداري فيمن أسلم على يديه والبقية موصول والمكرر منها فيه وفيما مضى سبعة وثلاثون حديثا والبقية خالصة لم يخرج مسلم منها سوى حديث أبي هريرة في الجنين غرة وحديث بن عباس ألحقوا الفرائض بأهلها وأما حديث معاذ في توريث الأخت والبنت وحديث بن مسعود في توريث بنت الابن وحديثه في السائبة وحديث تميم الداري المعلق فانفرد البخاري بتخريجها وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم أربعة وعشرون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم