كتاب الحدود
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحدود جمع حد والمذكور فيه هنا حد الزنا والخمر والسرقة وقد حصر بعض العلماء ما قيل بوجوب الحد به في سبعة عشر شيئا فمن المتفق عليه الردة والحرابة ما لم يتب قبل القدرة والزنا والقذف به وشرب الخمر سواء أسكر أم لا والسرقة ومن المختلف فيه جحد العارية وشرب ما يسكر كثيره من غير الخمر والقذف بغير الزنا والتعريض بالقذف واللواط ولو بمن يحل له نكاحها وإتيان البهيمة والسحاق وتمكين المرأة القرد وغيره من الدواب من وطئها والسحر وترك الصلاة تكاسلا والفطر في رمضان وهذا كله خارج عما تشرع فيه المقاتلة كما لو ترك قوم الزكاة ونصبوا لذلك الحرب وأصل الحد ما يحجز بين شيئين فيمنع اختلاطهما وحد الدار ما يميزها وحد الشيء وصفه المحيط به المميز له عن غيره وسميت عقوبة الزاني ونحوه حدا لكونها تمنعه المعاودة أو لكونها مقدرة من الشارع وللاشارة الى المنع سمى البواب حدادا قال الراغب وتطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي كقوله تعالى تلك حدود الله فلا تقربوها وعلى فعل فيه شيء مقدر ومنه ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه وكأنها لما فصلت بين الحلال والحرام سميت حدودا فمنها ما زجر عن فعله ومنها ما زجر من الزيادة عليه والنقصان منه وأما قوله تعالى إن الذين يحادون الله ورسوله فهو من الممانعة ويحتمل أن يراد استعمال الحديث إشارة الى المقاتلة وذكرت البسملة في رواية أبي ذر سابقة على كتاب

قوله باب ما يحذر من الحدود كذا للمستملي ولم يذكر فيه حديثا ولغيره وما يحذر عطفا على الحدود وفي رواية النسفي جعل البسملة بين الكتاب والباب ثم قال لا يشرب الخمر وقال بن عباس الخ

قوله باب الزنا وشرب الخمر أي التحذير من تعاطيهما ثبت هذا المستملي وحده قوله وقال بن عباس ينزع منه نور الإيمان في الزنا وصله أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان من طريق عثمان بن أبي صفية قال كان بن عباس يدعو غلمانه غلاما غلاما فيقول ألا أزوجك ما من عبد يزني إلا نزع الله منه نور الإيمان وقد روى مرفوعا أخرجه أبو جعفر الطبري من طريق مجاهد عن بن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه فان شاء أن يرده إليه رده وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود

[ 6390 ] قوله عن أبي بكر بن عبد الرحمن أي بن الحارث بن هشام المخزومي ووقع في رواية مسلم من طريق شعيب بن الليث عن أبيه حدثني عقيل بن خالد قال قال بن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قوله لآ يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن قيد نفي الإيمان بحالة ارتكابه لها ومقتضاه أنه لا يستمر بعد فراغه وهذا هو الظاهر ويحتمل بأن يكون المعنى أن زوال ذلك إنما هو إذا أقلع الإقلاع الكلي واما لو فرغ وهو مصر تلك المعصية فهو كالمرتكب فيتجه أن نفي الإيمان عنه يستمر ويؤيده ما وقع في بعض طرقه كما سيأتي في المحاربين من قول بن عباس فان تاب عاد اليه ولكن أخرج الطبري من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس قال لا يزني حين يزني وهو مؤمن فإذا زال رجع اليه الإيمان ليس إذا تاب منه ولكن إذا تأخر عن العمل به ويؤيده أن المصر وان كان إثمه مستمرا لكن ليس إثمة كمن باشر الفعل كالسرقة مثلا قوله ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن في الرواية الماضية في الأشربة ولا يشربها ولم يذكر اسم الفاعل من الشرب كما ذكره في الزنا والسرقة وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الأشربة قال بن مالك فيه جواز حذف الفاعل بدلالة الكلام عليه والتقدير ولا يشرب الشارب الخمر الخ ولا يرجع الضمير الى الزاني لئلا يختص به بل هو عام في حق كل من شرب وكذا القول في لا يسرق ولا يقتل وفي لا يغل ونظير حذف الفاعل بعد النفي قراءة هشام ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل الله بفتح الياء التحتانية أوله أي لا يحسبن حاسب قوله ولا ينتهب نهبة بضم النون هو المال المنهوب والمراد به المأخوذ جهرا قهرا ووقع في رواية همام عند أحمد والذي نفس محمد بيده لا ينتهبن أحدكم نهبة الحديث وأشار برفع البصر الى حالة المنهوبين فانهم ينظرون الى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا اليه ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون في خفية والانتهاب أشد لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة وزاد في رواية يونس بن يزيد عن بن شهاب التي يأتي التنبيه عليها عقبها ذات شرف أي ذات قدر حيث يشرف الناس لها ناظرين إليها ولهذا وصفها بقوله يرفع الناس إليه فيها أبصارهم ولفظ يشرف وقع في معضم الروايات في الصحيحين وغيرهما بالشين المعجمة وقيدها بعض رواة مسلم بالمهملة وكذا نقل عن إبراهيم الحربي وهي ترجع الى التفسير الأول قاله بن الصلاح قوله يرفع الناس الخ هكذا وقع تقييده بذلك في النهبة دون السرقة قوله وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله إلا النهبة هو موصول بالسند المذكور وقد أخرجه مسلم من طريق شعيب بن الليث بلفظ قال بن شهاب وحدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي بكر هذا إلا النهبة من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن المسيب يقولان قال أبو هريرة فذكره مرفوعا وقال بعده قال بن شهاب وأخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أبا بكر يعني أباه كان يحدثه عن أبي هريرة ثم يقول كان أبو بكر يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف والباقي نحو الذي هنا وتقدم في كتاب الأشربة أن مسلما أخرجه من رواية الأوزاعي عن بن شهاب عن بن المسيب وأبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن ثلاثتهم عن أبي هريرة وساقه مساقا واحدا من غير تفصيل قال بن الصلاح في كلامه على مسلم قوله وكان أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب يوهم أنه موقوف على أبي هريرة وقد رواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفس محمد بيده لا ينتهب أحدكم نهبة الحديث فصرح برفعه انتهى وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه لكن لم يسق لفظه بل قال مثل حديث الزهري لكن قال يرفع اليه المؤمنون أعينهم فيها الحديث قال وزاد ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فاياكم إياكم وسيأتي في المحاربين من حديث بن عباس هذا فيه من الزيادة ولا يقتل وتقدمت الإشارة الى بعض ما قيل في تأويله في أول كتاب الأشربة واستوعبه هنا إن شاء الله تعالى قال الطبري اختلف الرواة في أداء لفظ هذا الحديث وأنكر بعضهم أن يكون صلى الله عليه وسلم قاله ثم ذكر الاختلاف في تأويله ومن أقوى ما يحمل على صرفه عن ظاهره إيجاب الحد في الزنا على أنحاء مختلفة في حق الحر المحصن والحر البكر وفي حق العبد فلو كان المراد بنفي الإيمان ثبوت الكفر لاستووا في العقوبة لأن المكلفين فيما يتعلق بالإيمان والكفر سواء فلما كان الواجب فيه من العقوبة مختلفا دل على أن مرتكب ذلك ليس بكافر حقيقة وقال النووي اختلف العلماء في معنى هذا الحديث الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء والمراد نفي كماله كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما يغل ولا عيش إلا عيش الآخرة وانما تأولناه لحديث أبي ذر من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وحديث عبادة الصحيح المشهور أنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا الحديث وفي آخره ومن فعل شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة ومن لم يعاقب فهو الى الله ان شاء عفا عنه وان شاء عذبه فهذا مع قول الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء مع إجماع أهل السنة على أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك يضطرنا الى تأويل الحديث ونظائره وهو تأويل ظاهر سائغ في اللغة مستعمل فيها كثيرا قال وتأوله بعض العلماء على من فعل مستحيلا مع علم بتحريمه وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري معناه ينزع عنه اسم المدح الذي سمى الله به أولياءه فلا يقال في حقه مؤمن ويستحق اسم الذم فيقال سارق وزان وفاجر وفاسق وعن بن عباس ينزع منه نور الإيمان وفيه حديث مرفوع وعن المهلب تنزع منه بصيرته في طاعة الله وعن الزهري أنه من المشكل الذي نؤمن به وتمر كلما جاء ولا نعترض لتأويله قال وهذه الأقوال محتملة والصحيح ما قدمته قال وقيل في معناه غيرما ذكرته مما ليس بظاهر بل بعضها غلط فتركتها انتهى ملخصا وقد ورد في تأويله بالمستحل حديث مرفوع عن علي عند الطبري في الصغير لكن في سنده راو كذبوه فمن الأقوال التي لم يذكرها ما أخرجه الطبري من طريق محمد بن زيد بن واقد بن عبد الله بن عمر أنه خبر بمعنى النهي والمعنى لا يزنين مؤمن ولا يسرقن مؤمن وقال الخطابي كان بعضهم يرويه ولا يشرب بكسر الباء على معنى النهي والمعنى المؤمن لا ينبغي له أن يفعل ذلك ورد بعضهم هذا القول بأنه لا يبقى التقييد بالظرف فائدة فان الزنا منهي عنه في جميع الملل وليس مختصا بالمؤمنين قلت وفي هذا الرد نظر واضح لمن تأمله ثانيها أن يكون بذلك منافقا نفاق معصية لا نفاق كفر حكاه بن بطال عن الأوزاعي وقد مضى تقريره في كتاب الإيمان أول الكتاب ثالثها أن معنى نفي كونه مؤمنا أنه شابه الكافر في عمله وموقع التشبيه أنه مثله في جواز قتله في تلك الحالة ليكف عن المعصية ولو أدى إلى قتله فإنه لو قتل في تلك الحالة كان دمه هدرا فانتفت فائدة الإيمان في حقه بالنسبة إلى زوال عصمته في تلك الحالة وهذا يقوي ما تقدم من التقييد بحالة التلبس بالمعصية رابعها معنى قوله ليس بمؤمن أي ليس بمستحضر في حالة تلبسه بالكبيرة جلال من آمن به فهو كناية عن الغفلة التي جلبتها له غلبة الشهوة وعبر عن هذا بن الجوزي بقوله فان المعصية تذهله عن مراعاة الإيمان وهو تصديق القلب فكأنه نسي من صدق به قال ذلك في تفسير نزع نور الإيمان ولعل هذا هو مراد المهلب خامسها معنى نفي الإيمان نفي الأمان من عذاب الله لأن ايمان مشتق من الأمن سادسها أن المراد به الزجر والتنفير ولا يراد ظاهره وقد أشار الى ذلك الطيبي فقال يجوز أن يكون من باب التغليظ والتهديد كقوله تعالى ومن كفر فان الله غني عن العالمين يعني أن هذه الخصال ليست من صفات المؤمن لأنها منافية لحاله فلا ينبغي أن يتصف بها سابعها أنه يسلب الأيمان حال تلبسه بالكبيرة فإذا فارقها عاد اليه وهو ظاهر ما أسنده البخاري عن بن عباس كما سيأتي في باب إثم الزنا من كتاب المحاربين عن عكرمة عنه بنحو حديث الباب قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينزع منه الإيمان قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإذا تاب عاد اليه هكذا ثم شبك بين أصابعه وجاء مثل هذا مرفوعا أخرجه أبو داود والحاكم بسند صحيح من طريق سعد المقبري أنه سمع أبا هريرة رفعه إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع اليه الإيمان وأخرج الحاكم من طريق بن حجيرة أنه سمع أبا هريرة يقول من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الأيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه وأخرج الطبراني بسند جيد من رواية رجل من الصحابة لم يسم رفعه من زنى خرج منه الإيمان فان تاب تاب الله عليه وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن رواحة مثل الإيمان مثل قميص بينما أنت مدبر عنه إذا لبسته وبينما أنت قد لبسته إذ نزعته قال بن بطال وبيان ذلك أن الإيمان هو التصديق غير أن للتصديق معنيين أحدهما قول والآخر عمل فإذا ركب المصدق كبيرةفارقه اسم الإيمان فإذا كف عنها عاد له الاسم لأنه في حال كفه عن الكبيرة مجتنب بلسانه ولسانه مصدق عقد قلبه وذلك معنى الإيمان قلت وهذا القول قد يلاقي ما أشار اليه النووي فيما نقله عن بن عباس ينزع منه نور الإيمان لأنه يحمل منه على ان المراد في هذه الأحاديث نور الإيمان وهو عبارة عن فائدة التصديق وثمرته وهو العمل بمقتضاه ويمكن رد هذا القول إلى القول الذي رجحه النووي فقد قال بن بطال في آخر كلامه تبعا للطبري الصواب عندنا قول من قال يزول عنه اسم الإيمان الذي هو بمعنى المدح الى الاسم الذي بمعنى الذم فقال له فاسق مثلا ولا خلاف أنه يسمى بذلك ما لم تظهر منه التوبة فالزائل عنه حينئذ اسم الإيمان بالإطلاق والثابت له اسم الإيمان بالتقييد فيقال هو مصدق بالله ورسوله لفظا واعتقادا لا عملا ومن ذلك الكف عن المحرمات وأظن بن بطال تلقى ذلك من بن حزم فإنه قال المعتمد عليه عند أهل السنة أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح وهو يشمل عمل الطاعة والكف عن المعصية فالمرتكب لبعض ما ذكر لم يختل اعتقاده ولا نطقه بل اختلت طاعته فقط فليس بمؤمن بمعنى أنه ليس بمطيع فمعنى نفي الإيمان محمول على الإنذار بزواله ممن اعتاد ذلك لأنه يخشى عليه أن يقضي به الى الكفر وهو كقوله ومن يرتع حول الحمى الحديث أشار اليه الخطابي وقد أشار المازري إلى أن القول المصحح هنا مبني على قول من يرى أن الطاعات تسمى إيمانا والعجب من النووي كيف جزم بأن في التأويل المنقول عن بن عباس حديثا مرفوعا ثم صحح غيره فلعله لم يطلع على صحته وقد قدمت أنه يمكن رده الى القول الذي صححه قال الطيبي يحتمل أن يكون الذي نقص من إيمان المذكور الحياء وهو المعبر عنه في الحديث الآخر بالنور وقد مضى أن الحياء من من الإيمان فيكون التقدير لا يزني حين يزني وهو يستحي من الله لأنه لو استحى منه وهو يعرف انه مشاهد حاله لم يرتكب ذلك والى ذلك تصح إشارة بن عباس تشبيك اصابعه ثم أخراجها منها ثم إعادتها إليها ويعضده حديث من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى انتهى وحاصل ما اجتمع لنا من الأقوال في معنى هذا الحديث ثلاثة عشر قولا خارجا عن قول الخوارج وعن قول المعتزلة وقد أشرت إلى بعض الأقوال المنسوبة لأهل السنة يمكن رد بعضها الى بعض قال المازري هذه التأويلات تدفع قول الخوارج ومن وافقهم من الرافضة أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار إذا مات من غير توبة وكذا قول المعتزلة انه فاسق مخلد في النار فان الطواف المذكورين تعلقوا بهذا الحديت وشبهه وإذا احتمل ما قلناه اندفعت حجتهم قال القاضي عياض أشار بعض العلماء إلى أن في الحديث تنبيها على جميع أنواع المعاصي والتحذير منها فنبه بالزنا على جميع الشهوات وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام وبالخمر على جميع ما يصد عن الله تعالى ويوجب الغفلة عن حقوقه وبالانتهاب الموصوف على الاستخفاف بعباد الله وترك توقيرهم والحياء منهم وعلى جمع الدنيا من غير وجهها وقال القرطبي بعد أن ذكره ملخصا وهذا لا يتمشى الا مع المسامحة والأولى أن يقال ان الحديث يتضمن التحرز من ثلاثة أمور هى من أعظم أصول المفاسد وأضدادها من أصول المصالح وهى استباحة الفروج المحرمة وما يؤدى الى اختلال العقل وخص الخمر بالذكر لكونها أغلب الوجوه في ذلك والسرقة بالذكر لكونها أغلب الوجوه التي يؤخذ بها مال الغير بغير حق قلت وأشار بذلك إلى أن عموم ما ذكره الأول يشمل الكبائر والصغائر وليست الصغائر مرادة هنا لأنها تكفر باجتناب الكبائر فلا يقع الوعيد عليها بمثل التشديد الذي في هذا الحديث وفي الحديث من الفوائد أن من زنى دخل في هذا الوعيد سواء كان بكرا أو محصنا وسواء كان المزني بها أجنبية أو محرما ولا شك أنه في حق المحرم فحش ومن المتزوج أعظم ولا يدخل فيه ما يطلق عليه اسم الزنا من اللمس المحرم وكذا التقبيل والنظر لأنها وان سميت في عرف الشرع زنا فلا تدخل في ذلك لأنها من الصغائر كما تقدم تقريره في تفسير اللمم وفيه أن من سرق قليلا أوكثيرا وكذا من انتهب أنه يدخل في الوعيد وفيه نظر فقد شرط بعض العلماء وهو لبعض أيضا في كون الغصب كبيرة أن يكون المغصوب نصابا وكذا في السرقة وإن كان بعضهم أطلق فيها فهو محمول على ما اشتهر أن وجوب للقطع فيها متوقف على وجود النصاب وإن كان سرقة ما دون النصاب حراما وفي الحديث تعظيم شأن أخذ حق الغير بغير حق لأنه صلى الله عليه وسلم أقسم عليه ولا يقسم الا على إرادة تأكيد المقسم عليه وفيه أن من شرب الخمر دخل في الوعيد المذكور سواء كان المشروب كثيرا أم قليلا لأن شرب القليل من الخمر معدود من الكبائر وان كان ما يترتب على الشرب من المحذور من اختلال العقل أفحش من شرب مالا يتغير معه العقل وعلى القول الذي رجحه النووي لا إشكال في شيء من ذلك لأن لنقص الكمال مراتب بعضها أقوى من بعض واستدل به من قال إن الانتهاب كله حرام حتى فيما أذن مالكه كالنثار في العرس ولكن صرح الحسن والنخغي وقتادة فيما أخرجه بن المنذر عنهم بأن شرط التحريم أن يكون بغير اذن المالك وقال أبو عبيدة هو كما قالوا وأما النهبه المختلف فيها فهو ما أذن فيه صاحبه واباحه وغرضه تساويهم أو مقاربة التساوي فإذا كان القوي منهم يغلب الضعيف ولم تطب نفس صاحبه بذلك فهو مكروه وقد ينتهى الى التحريم وقد صرح المالكية والشافعية والجمهور بكراهيته وممن كرهه من الصحابة أبو مسعود البدري ومن التابعين النخعي وعكرمة قال بن المنذر ولم يكرهوه من الجهة المذكورة بل لكون الأخذ في مثل ذلك انما يحصل لمن فيه فضل قوة أو قلة حياء واحتج الحنفية ومن وافقهم بأنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن قرظ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في البدن التي نحرها من شاء اقتطع واحتجوا أيضا بحديث معاذ رفعه انما نهيتكم عن نهي العساكر فأما العرسان فلا الحديث وهو حديث ضعيف في سنده ضعف وانقطاع قال بن المنذر هي حجة قوية في جواز أخذ ما ينثر في العرس ونحوه لأن المبيح لهم قد علم اختلاف حالهم في الأخذ كما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأذن فيه في أخذ البدن التي نحرها وليس فيها معنى إلا وهو موجود في النثار قلت بل فيها معنى ليس في غيرها بالنسبة الى المأذون لهم فانهم كانوا الغاية في الورع والانصاف وليس غيرهم في ذلك مثلهم

قوله باب ما جاء في ضرب شارب الخمر أي خلافا لمن قال يتعين الجلد وبيان الاختلاف في كميته وقد تقدم الكلام على تحريم الخمر ووقته وسبب نزوله وحقيقتها وهل هي مشتقة وهل يجوز تذكيرها في أول كتاب الأشربة

[ 6391 ] قوله عن قتادة عن أنس في رواية لمسلم والنسائي سمعت أنا أخرجاها من طريق خالد بن الحارث عن شعبة وهو يدل على أن رواية شبابة عن شعبة بزيادة الحسن بين قتادة وأنس التي أخرجها النسائي من المزيد في متصل الأسانيد قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم كذا ذكر طريق شعبة عن قتادة ولم يسق المتن وتحول الى طريق هشام عن قتادة فساق المتن على لفظه وقد ذكر في الباب الآتي بعد باب عن شيخ آخر عن هشام بهذا اللفظ وأما لفظ شعبة فأخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق جعفر بن محمد القلانسي عن آدم شيخ البخاري فيه بلفظ ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل شرب الخمر نضربه بجريدتين نحوا من أربعين ثم صنع أبو بكر مثل ذلك فلما كان عمر استشار الناس فقال له عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانون ففعله عمر ولفظ رواية خالة التي ذكرتها الى قوله نحو من أربعين وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة مثل رواية آدم إلا أنه قال وفعله أبو بكر فلما كان عمر أي في خلافته استشار الناس فقال عبد الرحمن يعني بن عوف أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر ووقع لبعض رواة مسلم أخف الحدود ثمانين قال بن دقيق العيد فيه حذف عامل النصب جعله وتعقبه الفاكهي فقال هذا بعيد أو باطل وكأنه صدر عن غير تأمل لقواعد العربية ولا لمراد المتكلم إذ لا يجوز أجود الناس الزيدين على تقدير اجعلهم لأن مراد عبد الرحمن الإخبار بأخف الحدود لا الأمر بذلك فالذي يظهر أن راوي النصب وهم واحتمال توهيمه أولى من ارتكاب ما لا يجوز لفظا ولا معنى ورد عليه تلميذه بن مرزوق بأن عبد الرحمن مستشار والمستشار مسؤل والمستشير سائل ولا يبعد أن يكون المستشار آمرا قال والمثال الذي مثل به غير مطابق قلت بل هو مطابق لما ادعاه أن عبد الرحمن قصد الإخبار فقط والحق أنه أخبر برأيه مستندا الى قياس وأقرب التقادير أخف الحدود أجده ثمانين أو أجد أخف الحدود ثمانين فنصبهما وأعرب بن العطار صاحب النووي في شرح العمدة فنقل عن بعض العلماء أنه ذكره بلفظ أخف الحدود ثمانون بالرفع وأعربه مبتدأ وخبرا قال ولا أعلمه منقولا رواية كذا قال والرواية بذلك ثابتة والأولى في توجيهها ما أخرجه مسلم أيضا من طريق معاذ بن هشام عن أبيه جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمرو دنى الناس من الريف والقرى قال ما ترون في جلد الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعلها كأخف الحدود قال فجلد عمر ثمانين فيكون المحذوف من هذه الرواية المختصرة أرى أن تجعلها وأداة التشبيه وأخرج النسائي من طريق يزيد بن هارون عن شعبة فضربه بالنعال نحوا من أربعين ثم أتى به أبو بكر فصنع به مثل ذلك ورواه همام عن قتادة بلفظ فأمر قريبا من عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال أخرجه أحمد والبيهقي وهذا يجمع بين ما اختلف فيه على شعبة وأن جملة الضربات كانت نحو أربعين لا إنه جلده بجريدتين أربعين فتكون الجملة ثمانين كما أجاب به بعض الناس رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ جلد بالجريد والنعال أربعين علقه أبو داود بسند صحيح ووصله البيهقي وكذا أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام بلفظ كان يضرب في الخمر مثله وقد نسب صاحب العمدة قصة عبد الرحمن هذه الى تخريج الصحيحين ولم يخرج البخاري منها شيئا وبذلك جزم عبد الحق في الجمع ثم المنذري نعم ذكر معنى صنيع عمر فقط في حديث السائب في الباب الثالث وسيأتي بسط ذلك تنبيه الرجل المذكور لم أنف على اسمه صريحا لكن سأذكر في باب ما يكرهه من لعن الشارب ما يؤخذ منه أنه النعيمان

قوله باب من أمر ضرب الحد في البيت يعني خلافا لمن قال لا يضرب الحد سرا وقد ورد عن عمر في قصة ولد أبي شحمة لما شرب بمصر فحده عمرو بن العاص في البيت أن عمر أنكر عليه وأحضره الى المدينة وضربه الحد جهرا روى ذلك بن سعد وأشار اليه الزبير وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن بن عمر مطولا وجمهور أهل العلم على الاكتفاء وحملوا صنيع عمر على المبالغة في تأديب ولده لا أن إقامة الحد لا تصح إلا جهرا

[ 6392 ] قوله عبد الوهاب هو بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله وقد سمى في الباب الذي بعده من رواية وهيب بن خالد عن أيوب قوله عن عقبة بن الحارث أي بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ووقع في رواية عبد الوارث عن أيوب عند أحمد حدثني عقبة بن الحارث وقد اتفق هؤلاء على وصله وخالفهم إسماعيل بن علية فقال عن أيوب عن بن أبي مليكة مرسلا أخرجه مسدد عنه قوله جيء كذا لهم على البناء للمجهول وقد ذكرت في الوكالة تسمية الذي أتى به ولم ينبه عليه أحد ممن صنف في المبهمات قوله بالنعيمان أو بابن النعيمان في رواية الكشميهني في الباب الذي يليه نعيمان بغير ألف ولام في الموضعين وقد تقدم التنبيه على ذلك في كتاب الوكالة وأنه وقع عند الإسماعيلي النعيمان بغير شك فان الزبير بن بكار وابن مندة أخرجا الحديث من وجهين فيهما النعمان بغير شك وذكرت نسبه هناك وفي رواية الزبير كان النعيمان يصبب الشراب وهذا يعكر على قول بن عبد البر ان الذي كان أتى به قد شرب الخمر هو بن النعيمان فإنه قيل في ترجمة النعيمان كان رجلا صالحا وكان له بن انهمك في شرب الخمر فجلده النبي صلى الله عليه وسلم وقال في موضع آخر أظن بن النعيمان جلد في الخمر أكثر من خمسين مرة وذكر الزبير بن بكار أيضا أنه كان مزاحا وله في ذلك قصة مع سويبط بن حرملة ومع مخرمة بن نوفل والد المسور مع أمير المؤمنين عثمان ذكرها الزبير مع نظائر لها في كتاب الفكاهة والمزاح وذكر محمد بن سعد عليه وسلم ووقع في رواية معلى بن أسد عن وهيب عند النسائي فشق على النبي صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة وسيأتي بقية ما يتعلق بقصة النعيمان في الباب الذي يليه ان شاء الله تعالى واستدل به على جواز إقامة الحد على السكران في حال سكره وبه قال بعض الظاهرية والجمهور على خلافه وأولوا الحديث بأن المراد ذكر سبب الضرب وأن ذلك الوصف استمر في حال ضربه وأيدوا ذلك بالمعنى وهو أن المقصود بالضرب في الحد الإيلام ليحصل به الردع وفي الحديث تحريم الخمر ووجوب الحد على شاربها سواء كان شرب كثيرا أم قليلا وسواء أسكر أم لا

قوله باب الضرب بالجريد والنعال أي في شرب الخمر وأشار بذلك الى أنه لا يشترط الجلد وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال وهي أوجه عند الشافعية أصحها يجوز الجلد بالسوط ويجوز الاقتصار على الضرب بالأيدي والنعال والثياب ثانيها يتعين الجلد ثالثها يتعين الضرب وحجة الراجح أنه فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت نسخه والجلد في عهد الصحابة فدل على جوازه وحجة الآخر أن الشافعي قال في الأم لو قام عليه الحد بالسوط فمات وجبت الدية فسوى بينه وبين ما إذا زاد فدل على أن الأصل الضرب بغير السوط وصرح أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط وصرح القاضي حسين بتعيين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة ونقل عن النص في القضاء ما يوافقه ولكن في الاستدلال بإجماع الصحابة نظر فقد قال النووي في شرح مسلم أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب ثم قال والأصح جوازه بالسوط وشذ من قال هو شرط وهو غلط منابذ للاحاديث الصحيحة قلت وتوسط بعض المتأخرين فعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم وهو متجه ونقل بن دقيق العيد عن بعضهم أن معنى قوله نحوا من أربعين تقدير أربعين ضربة بعصا مثلا لا أن المراد عدد معين ولذلك وقع في بعض طرق عبد الرحمن بن أزهر أن أبا بكر سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر أربعين قال وهذا عندي خلاف الظاهر ويبعده قوله في الرواية الأخرى جلد في الخمر أربعين قلت ويبعد التأويل المذكور ما تقدم من رواية همام في حديث أنس فأمر عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال وذكر المصنف فيه خمسة أحاديث الأول حديث عقبة بن الحارث وقد تقدم في الباب الذي قبله وهو ظاهر فيما ترجم له الثاني حديث أنس وقد تقدم أيضا في الباب الأول وقوله فيه جلد تقدم في الباب الأول بلفظ ضرب ولا منافاة بينهما لأن معنى جلد هنا ضربه فأصاب جلده وليس المراد به ضربه بالجلد الثالث حديث أبي هريرة

[ 6395 ] قوله أبو ضمرة أنس يعني بن عياض قوله عن يزيد بن الهاد وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد فنسب الى جده الأعلى وهو وشيخه وشيخ شيخه مدنيون تابعيون ووقع في آخر الباب الذي يليه أنس بن عياض حدثنا بن الهاد قوله عن محمد بن إبراهيم أي بن الحارث بن خالد التيمي زاد في رواية الطحاوي من طريق نافع بن يزيد عن بن الهاد عن محمد بن إبراهيم أنه حدثه عن أبي سلمة قوله عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف وصرح به في رواية الطحاوي قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب في الرواية التي في الباب الذي يليه بسكران وهذا الرجل يحتمل أن يفسر بعبد الله الذي كان يلقب حمارا المذكور في الباب الذي بعده من حديث عمر ويحتمل أن يفسر بابن النعيمان والأول أقرب لأن في قصته فقال رجل من القوم اللهم العنه ونحوه في القصة المذكور في حديث أبي هريرة لكن لفظه قال بعض القوم أخزاك الله ويحتمل أن يكون ثالثا فان الجواب في حديثي عمر وأبي هريرة مختلف وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال الحديث ولعبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين كان الذي يشرب الخمرة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة عمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه قوله قال اضربوه هذا يفسر الرواية الآتية بلفظ فأمر بضربه ولكن لم يذكر فيهما عددا قوله قال بعض القوم في الرواية الآتية فقال رجل وهذا الرجل هو عمر بن الخطاب إن كانت هذه القصة متحدة مع حديث عمر في قصة حمار كما سأبينه قوله لا تقولوا هكذا لاتعينوا عليه الشيطان في الرواية الأخرى لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم ووجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان ووقع عند أبي داود من طريق بن وهب عن حيوة بن شريح ويحيى بن أيوب وابن لهيعة ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد نحوه وزاد في آخره ولكن قولوا اللهم اغفر له اللهم ارحمه زاد فيه أيضا بعض الضرب ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بكتوه وهو أمر بالتبكيت وهو مواجهته بقبيح فعله وقد فسره في الخبر بقوله فأقبلوا عليه يقولون له ما اتقيت الله عز وجل ما خشيت الله جل ثناؤه ما استحيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرسلوه وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر عند الشافعي بعد ذكر الضرب ثم قال عليه الصلاة والسلام بكتوه فبكتوه ثم أرسله ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالابعاد عن رحمة الله كاللعن وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى الحديث الرابع

[ 6396 ] قوله سفيان هو الثوري وصرح به في رواية مسلم وأبو حصين بمهملتين مفتوح أوله وعمير بن سعيد بالتصغير وأبوه بفتح أوله وكسر ثانيه تابعي كبير ثقة قال النووي هو في جميع النسخ من الصحيحين هكذا ووقع في الجمع للحميدي سعد بسكون العين وهو غلط ووقع في المهذب وغيره عمر بن سعد بحذف الياء فيهما وهو غلط فاحش قلت ووقع في بعض النسخ من البخاري كما ذكر الحميدي ثم رأيته في تقييد أبي علي الجياني منسوبا لأبي زيد المروزي قال والصواب سعيد وجزم بذلك بن حزم وأنه في البخاري سعد بسكون العين فلعله سلف الحميدي ووقع النسائي والطحاوي وسكون الميم والمحفوظ عمير كما قال النووي وقد أعل بن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه وليست بعلة تقدح في روايته وقد عرفه ووثقه من صحح حديثه وقد عمر عمير المذكور وعاش إلى سنة خمس عشر ومائة قوله ما كنت لأقيم اللام لتأكيد النفي كما في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم قوله فيموت فأجد بالنصب فيهما ومعنى أجد من الوجد وله معان اللائق منها هنا الحزن وقوله فيموت مسبب عن أقيم وقوله فأجد مسبب عن السبب والمسبب معا قوله إلا صاحب الخمر أي شاربها وهو بالنصب ويجوز الرفع والاستثناء منقطع أي لكن أجد من حد شارب الخمر إذا مات ويحتمل أن يكون التقدير ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئا إلا موت شارب الخمر فيكون الاستثناء على هذا متصلا قاله الطيبي قوله فإنه لو مات وديته أي أعطيت ديته لمن يستحق قبضها وقد جاء مفسرا من طريق أخرى أخرجها النسائي وابن ماجة من رواية الشعبي عن عمير بن سعيد قال سمعت عليا يقول من أقمنا عليه حدا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في الخمر قوله لم يسنه أي لم يسن فيه عددا معينا في رواية شريك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستن فيه شيئا ووقع في رواية الشعبي فانما هو شيء صنعناه تكملة اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر فعن على ما تقدم وقال الشافعي أن ضرب بغير السوط فلا ضمان وان جلد بالسوط ضمن قيل الدية وقيل قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره والدية في ذلك على عاقلة الإمام وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين الحديث الخامس

[ 6397 ] قوله عن الجعيد بالجيم والتصغير ويقال الجعد بفتح أوله ثم سكون وهو تابعي صغير تقدمت روايته عن السائب بن يزيد في كتاب الطهارة وروى عنه هنا بواسطة وهذا السند للبخاري في غاية العلو لأن بينه وبين التابعي فيه واحد فكان في حكم الثلاثيات وإن كان التابعي رواه عن تابعي أخر وله عنده نظائر ومثله ما أخرجه في العلم عن عبيد الله بن موسى عن معروف عن أبي الطفيل عن علي فان أبا الطفيل صحابي فيكون في حكم الثلاثيات لأن بينه وبين الصحابي فيه اثنين وإن كان صحابيه انما رواه عن صحابي أخر وقد أخرجه النسائي من رواية حاتم بن إسماعيل عن الجعيد سمعت السائب فعل هذا فإدخال يزيد بن خصيفة بينهما إما من المزيد في متصل الأسانيد وإما أن يكون الجعيد سمعه من السائب وثبت فيه يزيد ثم ظهر لي السبب في ذلك وهو أن رواية الجعيد المذكورة عن السائب مختصرة فكأنه سمع الحديث تاما من يزيد عن السائب فحدث بما سمعه من السائب عنه من غير ذكر يزيد وحدث أيضا بالتام فذكر الواسطة ويزيد بن خصيفة المذكور هو بن عبد الله بن خصيفة نسب لجده وقيل هو يزيد بن عبد الله بن يزيد بن خصيفة فيكون نسب الى جد أبيه وخصيفة هو بن يزيد بن ثمامة أخو السائب بن يزيد صحابي هذا الحديث فتكون رواية يزيد من خصيفة لهذا الحديث عن عم أبيه أو عم جده قوله كنا نؤتى بالشارب فيه إسناد القائل الفعل بصيغة الجمع التي يدخل هو فيها مجازا لكونه مستويا معهم في أمرها وإن لم يباشر هو ذلك الفعل الخاص لأن السائب كان صغيرا جدا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد تقدم في الترجمة النبوية أنه كان بن ست سنين فيبعد ان يكون شارك من كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من ضرب الشارب فكان مراده بقوله كنا أي الصحابة لكن يحتمل أن يحضر مع أبيه أو عمه فيشاركهم في ذلك فيكون الإسناد على حقيقته قوله وإمرة أبي بكر بكسر الهمزة وسكون الميم أي خلافته وفي رواية حاتم من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض زمان عمر قوله وصدرا من خلافة عمر أي جانبا أوليا قوله فنقوم اليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا أي فنضربه بها قوله حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين ظاهره أن التحديد بأربعين انما وقع في آخر خلافة عمر وليس كذلك لما في قصة خالد بن الوليد و كتابته الى عمر فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته لأن خالدا مات في وسط خلافة عمر وإنما المراد بالغاية المذكورة أولا استمرار الأربعين فليست الفاء معقبة لآخر الإمرة بل لزمان أبي بكر وبيان ما وقع في زمن عمر فالتقدير فاستمر جلد أربعين والمراد بالغاية الأخرى في قوله حتى إذا عتوا تأكيدا لغاية الأولى وبيان ما صنع التجبر والمراد هنا انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شرب الخمر لأنه ينشأ عنه الفساد قوله وفسقوا أي خرجوا عن الطاعة ووقع في رواية النسائي فلم ينكلوا أي يدعوا قوله جلد ثمانين وقع في مرسل عبيد بن عمير أحد كبار التابعين فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه نحو حديث السائب وفيه أن عمر جعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال هذا أدنى الحدود وهذا يدل على أنه وافق عبد الرحمن بن عوف في أن الثمانين أدنى الحدود وأراد بذلك الحدود المذكورة في القرآن وهي حد الزنا وحد السرقة للقطع وحد القذف وهي أخفها عقوبة وأدناها عددا وقد مضى من حديث أنس في رواية شعبة وغيره سبب ذلك وكلام عبد الرحمن فيه حيث قال أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر وأخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد أن عمر استشار في الخمر فقال له علي بن أبي طالب ترى أن تجعله ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فجلد عمر في الخمر ثمانين وهذا معضل وقد وصله النسائي والطحاوي من طريق يحيى بن فليح عن ثور عن عكرمة عن بن عباس مطولا ولفظه ان الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفى فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم فقال أبو بكر لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجلدهم أربعين حتى توفى ثم كان عمر فجلدهم كذلك حتى أتى برجل فذكر قصة وأنه تأول قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وأن بن عباس ناظره في ذلك واحتج ببقية الآية وهو قوله تعالى إذا ما اتقوا والذي يرتكب ما حرمه الله ليس بمتق فقال عمر ما ترون فقال علي فذكره وزاد بعد قوله وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى منها ما أخرجها الطبراني والطحاوي والبيهقي من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أن رجلا من بني كلب يقال له بن دبرة أخبره أن أبا بكر كان يجلد في الخمر أربعين وكان عمر يجلد فيها أربعين قال فبعثني خالد بن الوليد الى عمر فقلت أن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة فقال عمر لمن حوله ما ترون قال ووجدت عنده عليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في المسجد فقال علي فذكر مثل رواية ثور الموصولة ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة أن عمر شاور الناس في الخمر فقال له علي إن السكران إذا سكر هذى الحديث ومنها ما أخرجه بن أبي شيبة من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال شرب نفر من أهل الشام الخمر وتأولوا الآية المذكورة فاستشار عمر فيهم فقلت أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم الله فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وفيه فلما كان عمر كتب اليه خالد بن الوليد ان الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة قال وعنده المهاجرون والأنصار فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين وقال علي فذكر مثله وأخرج عبد الرزاق عن بن جريج ومعمر عن بن شهاب قال فرض أبو بكر في الخمر أربعين سوطا وفرض فيها عمر ثمانين قال الطحاوي جاءت الأخبار متواترة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في الخمر شيئا ويؤيده فذكر الأحاديث التي ليس فيها تقييد بعدد حديث أبي هريرة وحديث عقبة بن الحارث المتقدمين وحديث عبد الرحمن بن أزهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فقال للناس اضربوه فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالجريد ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا فرمى به في وجهه وتعقب بأنه قد ورد في بعض طرقه ما يخالف قوله وهو ما عند أبي داود والنسائي في هذا الحديث ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين ثم أتى عمر بسكران فضربه أربعين فأنه يدل على أنه وان لم يكن في الخبر تنصيص على عدد معين ففيما اعتمده أبو بكر حجة على ذلك ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق حضير بمهملة وضاد معجمة مصغر بن المنذر أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر فقال لعبد الله بن جعفر أجلده فجلده فلما بلغ أربعين قال أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب الي فان فيه الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وسائر الأخبار ليس فيها عدد إلا بعض الروايات الماضية عن أنس ففيها نحو الأربعين والجمع بينها أن عليا أطلق الأربعين فهو حجة على من ذكرها بلفظ التقريب وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة لمخالفتها الآثار المذكورة ولأن راويها عبد الله بن فيروز المعروف بالداناج بنون وجيم ضعيف وتعقبه البيهقي بأنه حديث صحيح مخرج في المسانيد والسنن وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه وقد صححه مسلم وتلقاه الناس بالقبول وقال بن عبد البر أنه أثبت شيء في هذا الباب قال البيهقي وصحة الحديث انما تعرف بثقة رجاله وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم وتضعيفه الداناج لا يقبل لأن الجرح بعد ثبوت التعديل لا يقبل إلا مفسرا ومخالفة الراوي غيره في بعض ألفاظ الحديث لا تقتضي تضعيفه ولا سيما مع ظهور الجمع قلت وثق الداناج المذكور أبو زرعة والنسائي وقد ثبت عن علي في هذه القصة من وجه آخر أنه جلد الوليد أربعين ثم ساقه من طريق هشام بن يوسف عن معمر وقال أخرجه البخاري وهو كما قال وقد تقدم في مناقب عثمان وأن بعض الرواة قال فيه إنه جلد ثمانين وذكرت ما قيل في ذلك هناك وطعن الطحاوي ومن تبعه في رواية أبي ساسان أيضا بأن عليا قال وهذا أحب الي أي جلد أربعين مع أن عليا جلد النجاشي الشاعر في خلافته ثمانين وبأن بن أبي شيبة أخرج من وجه آخر عن علي أن حد النبيذ ثمانون والجواب عن ذلك من وجهين أحدهما أنه لا تصح أسانيد شيء من ذلك عن علي والثاني على تقدير ثبوته فأنه يجوز أن ذلك يختلف بحال الشارب وأن حد الخمر لا ينقص عن الأربعين ولا يزاد على الثمانين والحجة انما هي في جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وقد جمع الطحاوي بينهما بما أخرجه هو والطبري من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن علي جلد الوليد بسوط له طرفان وأخرج الطحاوي أيضا من طريق عروة مثله لكن قال له ذنبان أربعين جلدة في الخمر في زمن عثمان قال الطحاوي ففي هذا الحديث أن علي جلده ثمانين لأن كل سوط سوطان وتعقب بأن السند الأول منقطع فان أبا جعفر ولد بعد موت علي بأكثر من عشرين سنة وبأن الثاني في سنده بن لهيعة وهو ضعيف وعروة لم يكن في الوقت المذكور مميزا وعلى تقدير ثبوته فليس في الطريقين أن الطرفين أصاباه في كل ضربة وقال البيهقي يحتمل أن يكون ضربه بالطرفين عشرين فأراد بالأربعين ما أجتمع من عشرين وعشرين ويوضح ذلك قوله في بقية الخبر وكل سنة وهذا أحب الى لأنه لا يقتضي التغاير والتأويل المذكور يقتضي أن يكون كل من الفريقين جلد ثمانين فلا يبقى هناك عدد يقع التفاضل فيه واما دعوة من زعم أن المراد بقوله هذا الإشارة الى الثمانين فيلزم من ذلك أن يكون علي رجح ما فعل عمر على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهذا لا يظن به قاله البيهقي واستدل الطحاوي لضعف حديث أبي ساسان بما تقدم ذكره من قول علي إنه إذا سكر هذى الخ قال فلما اعتمد علي في ذلك على ضرب المثل واستخرج الحد بطريق الاستنباط دل على أنه لا توقيف عنده من الشارع في ذلك فيكون جزمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين غلطا من الراوي إذ لو كان عنده الحديث المرفوع لم يعدل عنه الى القياس ولو كان عند من بحضرته من الصحابة كعمر وسائر من ذكر في ذلك شيء مرفوع لأنكروا عليه وتعقب بأنه إنما يتجه الأنكار لو كان المنزع واحدا فاما مع الاختلاف فلا يتجه الإنكار وبيان ذلك أن في سياق القصة ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون وانما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع يزيد على ما كان مقررا ويشير الى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة وانهمكوا فاقتضى رأيهم أن يضيفوا الى الحد المذكور قدره إما اجتهادا بناء على جواز دخول القياس في الحدود فيكون حدا أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحد لا النقصان منه أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير تحذيرا وتخويفا لأن من أحتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه كان أقرب الى ارتداعه فيحتمل أن يكونوا ارتدعوا بذلك ورجع الأمر الى ما كان عليه قبل ذلك فرأى علي الرجوع الى الحد المنصوص وأعرض عن الزيادة لأنتفاء سببها ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاصا بمن تمرد وظهرت منه امارات الاشتهار للفجور ويدل على ذلك أن في طرق حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عند الدارقطني وغيره فكان عمر إذا أتى بالرجل الضعيف تكون منه الزلة جلده أربعين قال وكذلك عثمان جلد أربعين وثمانين وقال المازري لو فهم الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدا معينا لما قالوا فيه بالرأي كما لم يقولوا بالرأي في غيره فلعلهم فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه انتهى وقد وقع التصريح بالحد المعلوم وجب المصير اليه ورجح القول بأن الذي اجتهدوا فيه زيادة على الحد انما هو التعزير على القول بأنهم اجتهدوا في الحد المعين لما يلزم منه من المخالفة التي ذكرها كما سبق تقريره وقد أخرج عبد عن بن جريج أنبأنا عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم ونعالهم فلما كان عمر فعل ذلك حتى خشي فجعله أربعين سوطا فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال هذا أخف الحدود والجمع بين حديث علي المصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وأنه سنة وبين حديثه المذكور في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين أي لم يسن شيئا زائدا على الأربعين ويؤيده قوله وانما هو شيء صنعناه نحن يشير الى ما أشار به على عمر وعلى هذا فقوله لو مات لوديته أي في الأربعين الزائدة وبذلك جزم البيهقي وابن حزم ويحتمل أن يكون قوله لم يسنه أي الثمانين لقوله في الرواية الأخرى وانما هو شيء صنعناه فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقا واختص هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك واستدل له ثم ظهر له أن الوقوف عندما كان الأمر عليه أولا أولى فرجع الى ترجيحه وأخبر بأنه لو أقام الحد ثمانين فمات المضروب وداه للعلة المذكورة ويحتمل أن يكون الضمير في قوله لم يسنه لصفة الضرب وكونها بسوط الجلد أي لم يسن جلد السوط وانما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها مما تقدم ذكره أشار الى ذلك البيهقي وقال بن حزم أيضا لو جاء من غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون و أنه غير مسنون لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر فضلا عن علي مع سعة حلمه وقوة فهمه وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد وخبر أبي ساسان فخبر أبي ساسان أولى بالقبول لأنه مصرح فيه برفع الحديث عن علي وخبر عمير موقوف على علي وإذا تعارضا المرفوع و الموقوف قدم المرفوع وأما دعوى ضعف سند أبي ساسان فمردودة والجمع أولى مهما أمكن من توهين الأخبار الصحيحة وعلى تقدير أن تكون إحدى الروايتين وهما فرواية الاثبات مقدمة على رواية النفي وقد ساعدتها رواية أنس على اختلاف ألفاظ النقلة عن قتادة وعلى تقدير أن يكون بينهما تمام التعارض فحديث أنس سالم من ذلك واستدل بصنيع عمر في جلد شارب الخمر ثمانين على أن حد الخمر ثمانون وهو قول الأئمة الثلاثة وأحد القولين للشافعي واختاروه بن المنذر والقول الآخر للشافعي وهو الصحيح أنه أربعون قلت جاء عن أحمد كالمذهبين قال القاضي عياض أجمعوا على وجوب الحد في الخمر وأختلفوا في تقديره فذهب الجمهور الى الثمانين وقال الشافعي في المشهور عنه وأحمد في رواية وأبو ثور وداود أربعين وتبعه على نقل الإجماع بن دقيق العيد والنووي ومن تبعهما وتعقب بأن الطبري وابن المنذر وغيرهما حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير واستدلوا بأحاديث الباب فأنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب واصرحها حديث أنس ولم يجزم فيه بالأربعين في أرجح الطرق عنه وقد قال عبد الرزاق أنبأنا بن جريج ومعمر سئل بن شهاب كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر فقال لم يكن فرض فيها حدا كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم ارفعوا وورد أنه لم يضربه أصلا وذلك فيما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدا قال بن عباس وشرب رجل فسكر فانطلق به الى النبي صلى الله عليه وسلم فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس فألتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم يأمر فيه بشيء وأخرج الطبري من وجه أخر عن بن عباس ما ضرب رسول الله صلى الله عله وسلم في الخمر إلا أخيرا ولقد حجرته من الليل سكران فقال ليقم اليه رجل فيأخذ بيده حتى يرده الى رحله والجواب أن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد لأن أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران فصيره حدا وأستمر عليه وكذا استمر من بعده وإن اختلفوا في العدد وجمع القرطبي بين الأخبار بأنه لم يكن أولا في شرب الخمر حد وعلى ذلك يحمل حديث بن عباس في الذي استجار بالعباس ثم شرع فيه التعزير على ما في سائر الأحاديث التي لا تقدير فيها ثم شرع الحد ولم يطلع أكثرهم على تعيينه صريحا مع اعتقادهم أن فيه الحد المعين ومن ثم توخى أبو بكر ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فاستقر عليه الأمر ثم رأى عمر ومن رافقه الزيادة على الأربعين إما حدا بطريق الاستنباط وإما تعزيرا قلت وبقي ما ورد في الحديث أنه إن شرب فحد ثلاث مرات ثم شرب قتل في الرابعة وفي رواية في الخامسة وهو حديث مخرج بالسنن من عدة طرق أسانيدها قوية ونقل الترمذي الإجماع على ترك القتل وهو محمول على من بعد من نقل غيره عنه قول به كعبدالله بن عمرو فيما أخرجه أحمد والحسن البصري وبعض أهل الظاهر وبالغ النووي فقال هو قول باطل مخالف لاجماع الصحابة فمن بعدهم والحديث أو أرد فيه منسوخ إما بحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا إحدى ثلاث وأما بأن الإجماع دل على نسخه قلت بل دليل النسخ منصوص وهو ما أخرجه أبو داود من طريق الزهري عن قبيصة في هذه القصة قال فأتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به قد شرب فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده فرفع القتل وكانت رخصة وسيأتي بسط ذلك في الباب الذي يليه واحتج من قال إن حده ثمانون بالإجماع في عهد عمر حيث وافقه على ذلك كبار الصحابة وتعقب بأن عليا أشار على عمر بذلك ثم رجع علي عن ذلك واقتصر على الأربعين لأنها القدر الذي اتفقوا عليه في زمن أبي بكر مستندين الى تقدير ما فعل في بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأما الذي أشار به فقد تبين من سياق قصته أنه أشار بذلك ردعا للذين انهمكوا لأن في بعض طرق القصة كما تقدم انهم احتقروا العقوبة وبهذا تمسك الشافعية فقالوا أقل ما في حد الخمر أربعون وتجوز الزيادة فيه الى الثمانين على سبيل التعزير ولا يجاوز الثمانين واستندوا إلى أن التعزير الى رأي الامام فرأى عمر فعله بموافقة علي ثم رجع علي ووقف عند ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ووافقه عثمان على ذلك وأما قول علي وكل سنة فمعناه أن الاقتصار على الأربعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصار اليه أبو بكر والوصول الى الثمانين سنة عمر ردعا للشاربين الذين احتقروا العقوبة الأولى ووافقهم من ذكر في زمانه للمعنى الذي تقدم وسوغ لهم ذلك إما اعتقادهم جواز القياس في الحدود على رأي من يجعل الجميع حدا وإما أنهم جعلوا الزيادة تعزيرا بناء على جواز أن يبلغ بالتعزير قدر الحد ولعلهم لم يبلغهم الخبر الآتي في باب التعزير وقد تمسك بذلك من قال بجواز القياس في الحدود وادعى إجماع الصحابة وهي دعوى ضعيفة لقيام الاحتمال وقد شنع بن حزم على الحنفية في قولهم أن القياس لا يدخل في الحدود والكفارات مع جزم الطحاوي ومن وافقه منهم بأن حد الخمر وقع بالقياس على حد القذف وبه تمسك من قال بالجواز من المالكية والشافعية واحتج من منع ذلك بأن الحدود والكفارات شرعت بحسب المصالح وقد تشترك أشياء مختلفة وتختلف أشياء متساوية فلا سبيل الى علم ذلك إلا بالنص وأجابوا عما وقع في زمن عمر بأنه لا يلزم من كونه جلد قدر حد القذف أن يكون جعل الجميع حدا بل الذي فعلوه محمول على أنهم لم يبلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حد فيه أربعين إذ لو بلغهم لما جاوزوه كما لم يجاوزوا غيره من الحدود المنصوصة وقد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يعود عليه بالابطال فرجح أن الزيادة كانت تعزيرا ويؤيده ما أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث بسند صحيح عن أبي رافع عن عمر أتى بشارب فقال لمطيع بن الأسود إذا أصبحت غدا فاضربه فجاء عمر فوجده يضربه ضربا شديدا فقال كم ضربته قال ستين قال اقتص عنه بعشرين قال أبو عبيد يعني اجعل شدة ضربك له قصاصا بالعشرين التي بقيت من الثمانين قال أبو عبيد فيؤخد من هذا الحديث أن ضرب الشارب لا يكون شديدا وأن لا يضرب في حال السكر لقوله إذا أصبحت فأضربه قال البيهقي ويؤخذ منه أن الزيادة على الأربعين ليست بحد إذا لو كانت حدا لما جاز النقص منه بشدة الضرب إذ لا قائل به وقال صاحب المفهم ما ملخصه بعد أن ساق الأحاديث الماضية هذا كله يدل على أن الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان أدبا و تعزيرا ولذلك قال علي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه فلذلك ساغ للصحابة الاجتهاد فيه فألحقوه بأخف الحدود وهذا قول طائفة من علمائنا ويرد عليهم قول على جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وكذا وقوع الأربعين في عهد أبي بكر وفي خلافة عمر أولا أيضا ثم في خلافة عثمان فلولا أنه حد لاختلف التقدير قيام الإجماع على أن في الخمر الحد وإن وقع الاختلاف في الأربعين والثمانين قال و الجواب أن النقل عن الصحابة اختلف في التحديد والتقدير ولا بد من الجمع بين مختلف أقوالهم وطريقه أنهم فهموا أن الذي وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم كان أدبا من أصل ما شاهدوه من اختلاف الحال فلما كثر الاقدام على الشرب ألحقوه بأخف الحدود المذكورة في القرآن وقوى ذلك عندهم وجود الافتراء من السكر فأثبتوها حدا ولهذا أطلق على أن عمر جلد ثمانين وهى سنة ثم ظهر لعلي أن الاقتصار على الأربعين أولى مخافة أن يموت فتجب فيه الدية ومراده بذلك الثمانون وبهذا يجمع بين قوله لم يسنه وبين تصريحه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين قال وغاية هذا البحث أن الضرب في الخمر تعزير يمنع من الزياده على غايته وهي مختلف فيها قال وحاصل ما وقع من استنباط الصحابة أنهم أقاموا السكر مقام القذف لأنه لا يخلو عنه غالبا فأعطوه حكمه وهو من أقوى حجج القائلين بالقياس فقد اشتهرت هذه القصة ولم ينكرها في ذلك الزمان منكر قال وقد اعترض بعض أهل النظر بأنه إن ساغ إلحاق حد السكر لحد القذف فليحكم له بحكم الزنا والقتل لأنهما مظنته وليقتصروا في الثمانين على من سكر لا على من اقتصر على الشرب ولم يسكر قال وجوابه أن المظنة موجودة غالبا في القذف نادرة في الزنا والقتل والوجود يحقق ذلك وانما أقاموا الحد على الشارب وان لم يسكر مبالغة في الردع لأن القليل يدعو الى الكثير والكثير يسكر غالبا وهو المظنة ويؤيده أنه اتفقوا على إقامة الحد في الزنا بمجرد الايلاج وان لم يتلذذ ولا أنزل ولا أكمل قلت والذي تحصل لنا من الآراء في حد الخمر ستة أقوال الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيها حدا معلوما بل كان يقتصر في ضرب الشارب على ما يليق به قال بن المنذر قال بعض أهل العلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمرهم بضربه وتبكيته فدل على أن لا حد في السكر بل فيه التنكيل والتبكيت ولو كان ذلك على سبيل الحد لبينه بيانا واضحا قال فلما كثر الشراب في عهد عمر استشار الصحابة ولو كان عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء محدود لما تجاوزوه كما لم يتجاوزوا حد القذف ولو كثر القاذفون وبالغوا في الفحش فلما اقتضى رأيهم أن يجعلوه كحد القذف واستدل علي بما ذكر من أن في تعاطيه ما يؤدي الى وجود القذف غالبا أو الى ما يشبه القذف ثم رجع الى الوقوف عند تقدير ما وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دل على صحة ما قلناه لأن الروايات في التحديد بأربعين اختلفت عن أنس وكذا عن علي فالأولى أن لا يتجاوز أقل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربه لأنه المحقق سواء كان ذلك حدا أو تعزيرا الثاني أن أن الحد فيه أربعون ولا تجوز الزيادة عليها الثالث مثله لكن للامام أن يبلغ به ثمانين وهل تكون الزيادة من تمام الحد أو تعزيرا قولان الرابع أنه ثمانون ولا تجوز الزيادة عليه الخامس كذلك وتجوز الزيادة تعزيرا وعلى الأقوال كلها هل يتعين الجلد بالسوط أو يتعين بما عداه أو يجوز بكل من ذلك أقوال السادس إن شرب فجلد ثلاث مرات فعاد الرابعة وجب قتله وقيل أن شرب أربعا فعاد الخامسة وجب قتله وهذا السادس في الطرف الأبعد من القول الأول وكلاهما شاذ وأظن الأول رأي البخاري فإنه لم يترجم بالعدد أصلا ولا أخرج هنا في العدد الصريح شيئا مرفوعا وتمسك من قال لا يزاد على الأربعين بأن أبا بكر تحرى ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فوجده أربعين فعمل به ولا يعلم له في زمنه مخالف فان كان السكوت إجماعا فهذا الإجماع سابق على ما وقع في عهد عمر والتمسك به أولى لأن مستنده فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم رجع اليه علي ففعله في زمن عثمان بحضرته وبحضرة من كان عنده من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر الذي باشر ذلك والحسن بن علي فان كان السكوت إجماعا فهذا هو الأخير فينبغي ترجيحه وتمسك من قال بجواز بما صنع في عهد عمر من الزيادة ومنهم من أجاب عن الأربعين بأن المضروب كان عبدا وهو بعيد فاحتمل الأمرين أن يكون حدا أو تعزيرا وتمسك من قال بجواز الزيادة على الثمانين تعزيرا بما تقدم في الصيام أن عمر حد الشارب في رمضان ثم نفاه الى الشام وبما أخرجه بن أبي شيبة أن عليا جلد النجاشي الشاعر ثمانين ثم أصبح فجلده عشرين بجراءته بالشرب في رمضان وسيأتي الكلام في جواز الجمع بين الحد والتعزير في الكلام على تغريب الزاني ان شاء الله تعالى وتمسك من قال يقتل في الرابعة أو الخامسة بما سأذكره في الباب الذي بعده ان شاء الله تعالى وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وأن لا قتل فيه واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين وذلك خاص بالحر المسلم وأما الذمي فلا يحد فيه وعن أحمد رواية أنه يحد وعنه إن سكر والصحيح عندهم كالجمهور وأما من هو في الرق فهو على النصف من ذلك إلا عند أبي ثور وأكثر أهل الظاهر فقالوا الحر والعبد في ذلك سواء لا ينقص عن الأربعين نقله بن عبد البر وغيره عنهم وخالفهم بن حزم فوافق الجمهور

قوله باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة يشير الى طريق الجمع بين ما تضمنه حديث الباب من النهي عن لعنه وما تضمنه حديث الباب الأول لا يشرب الخمر وهو مؤمن وأن المراد به نفي كان الإيمان لا أنه يخرج عن الإيمان جملة وعبر بالكراهه هنا إشارة إلى أن النهي للتنزيه في حق من يستحق اللعن إذا قصد به اللاعن محض السب لا إذا قصد معناه الأصلي وهو الابعاد عن رحمة الله فأما إذا قصده فيحرم ولا سيما في حق من لا يستحق اللعن كهذا الذي يحب الله ورسوله ولا سيما مع إقامة الحد عليه بل يندب الدعاء له بالتوبة والمعفرة كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله في الكلام على حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب وبسبب هذا التفصيل عدل عن قوله في الترجمة كراهية لعن شارب الخمر الى قوله ما يكره من فأشار بذلك الى التفصيل وعلى هذا التقرير فلا حجة فيه لمنع لعن الفاسق المعين مطلقا وقيل أن المنع خاص بما يقع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتوهم الشارب عند عدم الإنكار أنه مستحق لذلك فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنه والى ذلك الإشارة بقوله في حديث أبي هريرة لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم وقيل المنع مطلقا في حق من أقيم عليه الحد لأن الحد قد كفر عنه الذنب المذكور وقيل المنع مطلقا في حق ذي الزلة والجواز مطلقا في حق المجاهرين وصوب بن المنير أن المنع مطلقا في حق المعين والجواز في حق غير المعين لأنه في حق غير المعين زج عن تعاطي ذلك الفعل وفي حق المعين أذى له وسب وقد ثبت النهي عن أذى المسلم واحتج من أجاز لعن المعين بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لعن من يستحق اللعن فيستوي المعين وغيره وتعقب بأنه إنما يستحق اللعن بوصف الإبهام ولو كان لعنه قبل الحد جائزا لاستمر بعد الحد كما لا يسقط التغريب بالجلد وأيضا فنصيب غير المعين من ذلك يسير جدا والله اعلم قال النووي في الأذكار وأما الدعاء على انسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي فظاهر الحديث أنه لا يحرم وأشار الغزالي الى تحريمه وقال في باب الدعاء على الظلمة بعد أن أورد أحاديث صحيحة في الجواز قال الغزالي وفي معنى اللعن الدعاء على الإنسان بالسوء حتى على الظالم مثل لا أصح الله جسمه وكل ذلك مذموم انتهى والأولى حمل كلام الغزالي على الأول وأما الأحاديث فتدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه وسلم الذي قال كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال لا استطعت فيه دليل على جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي ومال هنا الى الجواز قبل إقامة الحد والمنع بعد إقامته وصنيع البخاري يقتضي لعن المتصف بذلك من غير أن يعين باسمه فيجمع بين المصلحتين لأن لعن المعين والدعاء عليه قد يحمله على التمادي أو يقنطه من قبول التوبة بخلاف ما إذا صرف ذلك الى المتصف فان فيه زجرا وردعا عن ارتكاب ذلك وباعثا لفاعله على الإقلاع عنه ويقويه النهي عن التئزيب على الأمة إذا جلدت على الزنا كما سيأتي قريبا واحتج شيخنا الامام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها الى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح وهو في الصحيح وقد توقف فيه بعض من لقيناه بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم وعلى التسليم فليس في الخبر تسميتها والذي قاله شيخنا أقوى فأن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع والبحث في جواز لعن المعين وهو الموجود

[ 6398 ] قوله أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا ذكر الواقدي في غزوة خيبر من مغازيه عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال ووجد في حصن الصعب بن معاذ فذكر ما وجد من الثياب وغيرها الى أن قال وزقاق خمر فأريقت وشرب يومئذ من تلك الخمر رجل يقال له عبد الله الحمار وهو باسم الحيوان المشهور وقد وقع في حديث الباب أن الأول اسمه والثاني لقبه وجوز بن عبد البر أنه بن النعيمان المبهم في حديث عقبة بن الحارث فقال في ترجمة النعيمان كان رجلا صالحا وكان له بن انهمك في الشراب فجلده النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون كل من النعيمان وولده عبد الله جلد في الشرب وقوى هذا عنده بما أخرجه الزبير بن بكار في الفاكهة من حديث محمد بن عمرو بن حزم قال كان بالمدينة رجل يصيب الشراب فكان يؤتي به النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه بنعله ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ويحثون عليه التراب فلما كثر ذلك منه قال له رجل لعنك الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله وحديث عقبة اختلف ألفاظ ناقليه هل الشارب النعيمان أو بن النعيمان والراجح النعيمان فهو غير المذكور هنا لأن قصة عبد الله كانت في خيبر فهي سابقة على قصة النعيمان فأن عقبة بن الحارث من مسلمة الفتح والفتح كان بعد خيبر بنحو من عشرين شهرا والأشبه أنه المذكور في حديث عبد الرحمن بن أزهر لأن عقبة بن الحارث ممن شهدها من مسلمة الفتح لكن في حديثه أن النعيمان ضرب في البيت وفي حديث عبد الرحمن بن أزهر أنه أتى به والنبي صلى الله عليه وسلم عند رحل خالد بن الوليد ويمكن الجمع بأنه أطلق على رحل خالد بيتا فكأنه كان بيتا من شعر فأن كان كذلك فهو الذي في حديث أبي هريرة لأن في كل منهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه بكتوه كما تقدم قوله وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يقول بحضرته أو يفعل ما يضحك منه وقد أخرج أبو يعلى من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم بسند الباب ان رجلا كان يلقب حمارا وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن والعسل فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعط هذا متاعه فما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبسم ويأمر به فيعطى ووقع في حديث محمد بن عمرو بن حزم بعد قوله يحب الله ورسوله قال وكان لا يدخل الى المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء فقال يا رسول الله هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه جاء به فقال أعط هذا الثمن فيقول ألم تهده الي فيقول ليس عندي فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه وهذا مما يقوي أن صاحب الترجمة والنعيمان واحد والله أعلم قوله قد جلد في الشراب أي بسبب شربه الشراب المسكر وكان فيه مضمرة أي كان قد جلد ووقع في رواية معمر عن زيد بن أسلم بسنده هذا عند عبد الرزاق أتي برجل قد شرب الخمر فحد ثم أتى به فحد ثم أتى به فحد ثم أتى به فحد أربع مرات قوله فأتى به يوما فذكر سفيان اليوم الذي أتى به فيه والشراب الذي شربه من عند الواقدي ووقع في روايته وكان قد أتى به في الخمر مرارا قوله فأمر به فجلد في رواية الواقدي فأمر به فخفق بالنعال وعلى هذا فقوله فجلد أي ضرب ضربا أصاب جلده وقد يؤخذ منه أنه المذكور في حديث أنس في الباب الأول قوله قال رجل من القوم لم أرى هذا الرجل مسمى وقد وقع في رواية معمر المذكورة فقال رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رأيته مسمى في رواية الواقدي فعنده فقال عمر قوله ما أكثر ما يؤتى به في رواية الواقدي ما يضرب وفي رواية معمر ما أكثر ما يشرب وما أكثر ما يجلد قوله لا تلعنوه في رواية الواقدي لا تفعل يا عمر وهذا قد يتمسك به من يدعي اتحاد القصتين وهو بعيد لما بينته من اختلاف الوقتين ويمكن الجمع بأن ذلك وقع للنعيمان و لابن النعيمان وأن اسمه عبد الله ولقبه حمار والله أعلم قوله فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله كذا للأكثر بكسر الهمزة ويجوز على رواية بن السكن الفتح والكسر وقال بعضهم الرواية بفتح الهمزة على أن ما نافية يحيل المعنى الى ضده وأغرب بعض شراح المصابيح فقال ما موصولة وان مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي علمت لكونه مشتملا على المنسوب والمنسوب اليه والضمير في أنه يعود الى الموصول والموصول مع صلته خبر مبتدأ محذوف تقديره هو الذي علمت والجملة في جواب القسم قال الطيبي وفيه تعسف وقال صاحب المطالع ما موصولة وإنه بكسر الهمزة مبتدأ و قيل بفتحها وهو مفعول علمت قال الطيبي فعلى هذا علمت بمعنى عرفت وانه خبر الموصول وقال أبو البقاء في إعراب الجمع ما زائدة أي فو الله علمت أنه والهمزة على هذا مفتوحة قال ويحتمل أن يكون المفعول محذوفا أي ما علمت عليه أو فيه سوءا ثم أستأنف فقال انه يحب الله ورسوله ونقل عن رواية بن السكن أن التاء بالفتح للخطاب تقريرا ويصح على هذا كسر الهمزة وفتحها والكسر على جواب القسم والفتح معمول علمت وقيل ما زائدة للتأكيد والتقدير لقد علمت قلت وقد حطى في المطالع أن في بعض الروايات فوالله لقد علمت وعلى هذا فالهمزة مفتوحة ويحتمل أن تكون ما مصدرية وكسرت إن لأنها جواب القسم قال الطيبي وجعل ما نافية أظهر لاقتضاء القسم أن يلتقي بحرف النفي وبان وباللام بخلاف الموصولة ولأن الجملة القسمية جيء بها مؤكدة لمعنى النفي مقررة للانكار ويؤيده أنه وقع في شرح السنة فوالله ما علمت إلا أنه قال فمعنى الحصر في هذه الرواية بمنزلة تاء الخطاب في الرواية الأخرى لإرادة مزيد الإنكار على المخاطب قلت وقد وقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني مثل ما عزاه لشرح السنة ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فوالله ما علمت أنه ليحب الله ورسوله ويصح معه أن تكون ما زائدة وأن تكون ظرفية أي مدة على ووقع في رواية معمر والواقدي فإنه يحب الله ورسوله كذا في رواية محمد بن عمرو بن حزم ولا إشكال فيها لأنها جاءت تعليلا لقوله لا تفعل يا عمر والله أعلم وفي هذا الحديث من الفوائد جواز التلقيب وقد تقدم القول فيه في كتاب الأدب وهو محمول هنا على أنه كان لا يكرهه أو أنه ذكر به على سبيل التعريف لكثرة من كان يسمى بعبد الله أو أنه لما تكرر منه الاقدام على الفعل المذكور نسب الى البلا فأطلق عليه اسم من يتصف بها ليرتدع بذلك وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعنه والأمر بالدعاء له وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله ويؤخذ منه تأكيدا ما تقدم أن نفي الإيمان عن شارب الخمر لا يراد به زواله بالكلية بل نفي كماله كما تقدم ويحتمل أن يكون استمرار ثبوت محبة الله ورسوله في قلب العاصي مقيدا بما إذا ندم على وقوع المعصية وأقيم عليه الحد فكفر عن الذنب المذكور بخلاف من لم يقع منه ذلك فأنه يخشى عليه بتكرار الذنب أن يطبع على قلبه شيء حتى يسلب منه ذلك نسأل الله العفو والعافية وفيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه الى الرابعة أو الخامسة فقد ذكر بن عبد البر أنه أتى به أكثر من خمسين مرة والأمر منسوخ أخرجه الشافعي في رواية حرملة عنه وأبو داود وأحمد والنسائي والدارمي وابن المنذر وصححه بن حبان كلهم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه إذا سكر فاجلدوه ثم إذا سكر فاجلدوه ثم إذا سكر فأجلدوه ثم إذا سكر فاقتلوه ولبعضهم فاضربوا عنقه وله من طريق أخرى عن أبي هريرة أخرجها عبد الرزاق وأحمد والترمذي تعليقا والنسائي كلهم من رواية سهيل من أبي صالح عن أبيه عنه بلفظ إذا شربوا فاجلدوهم ثلاثا فإذا شربوا الرابعة فاقتلوهم وروى عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح فقال أبو بكر بن عياش عنه عن أبي صالح عن أبي سعيد كذا أخرجه بن حبان من رواية عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عنه فقال عن معاوية بدل أبي سعيد وهو المحفوظ وكذا أخرجه أبو داود من رواية أبان العطار عنه وتابعه الثوري وشيبان بن عبد الرحمن وغيرهما عن عاصم ولفظ الثوري عن عاصم ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه ووقع في رواية أبان عند أبي داود ثم إن شربوا فاجلدوهم ثلاث مرات بعد الأولى ثم قال ان شربوا فاقتلوهم ثم ساقه أبو داود من طريق حميد بن يزيد عن نافع عن بن عمر قال وأحسبه قال في الخامسة ثم ان شربها فاقتلوه قال وكذا في حديث عطيف في الخامسة قال أبو داود وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن أبيه كلاهما عن أبي هريرة في الرابعة وكذا في رواية بن أبي نعيم عن بن عمر وكذا في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص والشريد وفي رواية معاوية فان عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه وقال الترمذي بعد تخريجه وفي الباب عن أبي هريرة والشريد والشرحبيل بم أوس وأبي الرمداء و جرير وعبد الله بن عمرو قلت وقد ذكرت حديث أبي هريرة وأما حديث الشريد وهو بن أوس الثقفي فأخرجه أحمد والدارمي والطبراني وصححه الحاكم بلفظ إذا شرب فاضربوه وقال في آخره ثم ان عاد الرابعة فاقتلوه وأما حديث شرحبيل وهو الكندي فأخرجه أحمد والحاكم والطبراني وابن مندة في المعرفة ورواته ثقات نحو رواية الذي قبله وصححه الحاكم من وجه آخر وأما حديث أبي الرمداء وهو بفتح الراء وسكون الميم بعدها دال مهملة وبالمد وقيل بموحدة ثم ذال معجمة وهو يدري نزل مصر فأخرجه الطبراني وابن مندة وفي سنده بن لهيعة وفي سياق حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالذي شرب الخمر في الرابعة أن تضرب عنقه فضربت فأفاد أن ذلك عمل به قبل النسخ فان ثبت كان فيه رد على من زعم أنه لم يعمل به وأما حديث جرير فأخرجه الطبراني والحاكم ولفظه من شرب الخمر فاجلدوه وقال فيه فان عاد في الرابعة فاقتلوه وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فأخرج أحمد والحاكم من وجهين عنه وفي كل منهما مقال ففي رواية شهر بن حوشب عنه فان شربها الرابعة فاقتلوه قلت ورويناه عن أبي سعيد أيضا كما تقدم وعن بن عمر وأخرجه النسائي والحاكم من رواية عبد الرحمن بن أبي نعيم عن بن عمر ونفر من الصحابة بنحوه وأخرجه الطبراني موصولا من طريق عياض بن عطيف عن أبيه وفيه في الخامسة كما أشار اليه أبي داود وأخرجه الترمذي تعليقا والبزار والشافعي والنسائي والحاكم موصولا من رواية محمد بن المنكدر عن جابر وأخرجه البيهقي والخطيب في المبهمات من وجهين أخرين عن بن المنكدر وفي رواية الخطيب جلد وللحاكم من طريق يزيد بن أبي كبشة سمعت رجلا من الصحابة يحدث عبد الملك بن مروان رفعه بنحوه ثم أن عاد في الرابعة فاقتلوه وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن بن المنكدر مرسلا وفيه أتى بابن النعيمان بعد الرابعة وأبو داود من رواية الزهري عن قبيصة بن ذؤيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه الى ان قال ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه قال فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به وقد شرب فجلده ثم أتي به في الرابعة قد شرب فجلده فرفع القتل عن الناس وكانت رخصة وعلقه الترمذي فقال روى الزهري وأخرجه الخطيب في المبهمات من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري وقال فيه فأتي برجل من الأنصار يقال له نعيمان فضربه أربع مرات فرأى المسلمون أن القتل قد أخر وأن الضرب قد وجب وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة وولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه ورجال هذا الحديث ثقات مع إرساله لكنه أعل بما أخرجه الطحاوي من طريق الأوزاعي عن الزهري قال بلغني عن قبيصة ويعارض ذلك رواية بن وهب عن يونس عن الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح لأن يونس أحفظ لرواية الزهري من الأوزاعي والظاهر أن الذي بلغ قبيصة ذلك صحابي فيكون الحديث على شرط الصحيح لأن إبهام الصحابي لا يضر وله شاهد أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال حدثت به بن المنكدر فقال ترك ذلك قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن نعيمان فجلده ثلاثا ثم أتي به في الرابعة فجلده ولم يزد ووقع عند النسائي من طريق محمد بن إسحاق عن بن المنكدر عن جابر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منا قد شرب في الرابعة فلم يقتله وأخرجه من وجه آخر عن محمد بن إسحاق بلفظ فان عاد الرابعة فاضربوا عنقه فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد رفع قال الشافعي بعد تخريجه هذا ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم علمته وذكره أيضا عن أبي الزبير مرسلا وقال أحاديث القتل منسوخة وأخرجه أيضا من رواية بن أبي ذئب حدثني بن شهاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فجلده ولم يضرب عنقه وقال الترمذي لا نعلم بين أهل العلم في هذا اختلافا في القديم والحديث قال وسمعت محمدا يقول حديث معاوية في هذا أصح وانما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد وقال في العلل آخر الكتاب جميع ما في هذا الكتاب قد عمل به أهل العلم إلا هذا الحديث وحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر وتعقبه النووي فسلم قوله في حديث الباب دون الآخر ومال الخطابي الى تأويل الحديث في الأمر بالقتل فقال قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وانما قصد به الردع والتحذير ثم قال ويحتمل أن يكون القتل في الخامسة كان واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل وأما بن المنذر فقال كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به ثم نسخ بالأمر بجلده فان تكرر ذلك أربعا قتل ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة وباجماع أهل العلم إلا من شذ ممن لا يعد خلافه خلافا قلت وكأنه أشار الى بعض أهل الظاهر فقد نقل عن بعضهم واستمر عليه بن حزم منهم واحتج له وادعى أن لا إجماع وأورد من مسند الحارث بن أبي أسامة ما أخرجه هو والأمام من طريق الحسن البصري عن عبد الله بن عمرو وأنه قال ائتوني برجل أقيم عليه الحد يعني ثلاثا ثم سكر فان لم اقتله فأنا كذاب وهذا منقطع لأن الحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو وكما جزم به بن المديني وغيره فلا حجة فيه و إذا لم يصح هذا عن عبد الله بن عمرو لم يبق لمن رد الإجماع على ترك القتل متمسك حتى ولو ثبت عن عبد الله بن عمرو لكان عذره أنه لم يبلغه النسخ وعد ذلك نزره المخالف وقد جاء عن عبد الله بن عمرو أشد من الأول فأخرج سعيد بن منصور عنه بسند لين قال لو رأيت أحدا يشرب الخمر واستطعت أن أقتله لقتلته وأما قول بعض من انتصر لابن حزم فطعن في النسخ بأن معاوية انما أسلم بعد الفتح وليس في شيء من أحاديث غيره الدالة على نسخه التصريح بأن ذلك متأخر عنه وجوابه أن معاوية أسلم قبل الفتح وقيل في الفتح وقصة بن النعيمان كانت بعد ذلك لأن عقبة بن الحارث حضرها إما بحنين وإما بالمدينة وهو انما أسلم في الفتح وحنين وحضور عقبة الى المدينة كان بعد الفتح جزما فثبت ما نفاه هذا القائل وقد عمل بالناسخ بعض الصحابة فأخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند لين عن عمر بن الحطاب أنه جلد أبا محجن الثقفي في الخمر ثمان مرار وأورد نحو ذلك عن سعيد بن أبي وقاص وأخرج حماد بن سلمة في مصنفه من طريق أخرى رجالها ثقات أن عمر جلد أبا محجن في الخمر أربع مرار ثم قال له أنت خليع فقال أما إذ خلعتني فلا أشربها أبدا

[ 6399 ] قوله حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر هو المعروف بابن المديني قوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمر بضربه وقع في رواية المستملي فقام ليضربه وهو تصحيف فقد تقدم الحديث في الباب الذي قبله من وجه أخر عن أبي ضمرة على الصواب بلفظ فقال اضربوه قال القرطبي ظاهره يقتضي أن السكر بمجرده موجب للحد لأن الفاء للتعليل كقوله سهى فسجد ولم يفصل هل سكر من ماء عنب أو غيره ولا هل شرب قليلا أو كثيرا ففيه حجة للجمهور على الكوفيين في التفرقة وقد مضى بيان ذلك في الأشربة

قوله باب السارق حين يسرق ذكر فيه حديث بن عباس نحو حديث أبي هريرة الماضي في أول الحدود مقتصرا فيه على الزنا والسرقة ولأبي ذر

[ 6400 ] ولا يسرق السارق وسقط لفظ السارق من رواية غيره وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عمرو بن علي شيخ البخاري فيه وأخرجه أيضا من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق عن الفضل بن غزوان بسنده في ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يقتل وهو مؤمن قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينتزع منه الإيمان قال هكذا فان تاب راجعه الإيمان وقد تقدم بسط هذا في أول كتاب الحدود

قوله لعن السارق إذا لم يسم أي إذا لم يعين إشارة الى الجمع بين النهي عن لعن الشارب المعين كما مضى تقريره وبين حديث الباب قال بن بطال معناه لا ينبغي تعيين أهل المعاصي ومواجهتهم باللعن وإنما بنبغي أن يلعن في الجملة من فعل ذلك ليكون ردعا لهم وزجرا عن انتهاك شيء منها ولا يكون لمعين لئلا يقنط قال فان كان هذا مراد البخاري فهو غير صحيح لأنه إنما نهى عن لعن الشارب وقال لا تعينوا عليه الشيطان بعد إقامة الحد عليه قلت وقد تقدم تقرير ذلك قريبا وقال الداودي قوله في هذا الحديث لعن الله السارق يحتمل أن يكون خبرا ليرتدع من سمعه عن السرقة ويحتمل أن يكون دعاء قلت ويحتمل أن لا يراد به حقيقة اللعن بل للتنفير فقط وقال الطيبي لعل هنا المراد باللعن الإهانة والخذلان كأنه قيل لما استعمل أعز شيء في أحقر شيء خذله الله حتى قطع وقال عياض جوز بعضهم لعن المعين ما لم يحد لأن الحد كفارة قال وليس هذا بسديد لثبوت النهي عن اللعن في الجملة فحمله على المعين أولى وقد قيل إن لعن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي كان تحذيرا لهم عنها قبل وقوعها فإذا فعلوها استغفر لهم ودعا لهم بالتوبة وأما من أغلظ له ولعنه تأديبا على فعل فعله فقد دخل في عموم شرطه حيث قال سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة قلت وقد تقدم الكلام عليه فيما مضى وبينت هناك أنه مقيد بما إذا صدر في حق من ليس له بأهل كما قيد له بذلك في صحيح مسلم

[ 6401 ] قوله عن أبي هريرة في رواية محمد بن الحسين عن أبي الحنين عن عمر بن حفص شيخ البخاري فيه سمعت أبا هريرة وكذا في رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح سمعت أبي هريرة وسيأتي بعد سبعة أبواب في باب توبة السارق وقال بن حزم وقد سلم من تدليس الأعمش قلت ولم ينفرد به الأعمش أخرجه أبو عوانة في صحيحه من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح قوله لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش عند مسلم والإسماعيلي ان سرق بيضة قطعت يده وان سرق حبلا قطعت يده قوله قال الأعمش هو موصول بالإسناد المذكور قوله كانوا يرون بفتح أوله من الرأي وبضمه من الظن قوله أنه بيض الحديد في رواية الكشميهني بيضة الحديد قوله والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم وقع لغير أبي ذر يسوى وقد أنكر بعضهم صحتها والحق أنها جائزة لكن بقلة قال الخطابي تأويل الأعمش هذا غير مطابق لمذهب الحديث ومخرج الكلام فيه وذلك أنه ليس بالشائع في الكلام أن يقال في مثل ما ورد فيه الحديث من اللوم والتثريب أخزى الله فلانا عرض نفسه للتلف في مال له قدر ومزية وفي عرض له قيمة انما يضرب المثل في مثله بالشيء الذي لا وزن له ولا قيمة هذا حكم العرف الجاري في مثله وانما وجه الحديث وتأويله ذم السرقة وتهجين أمرها وتحذير سوء مغبتها فيما قل وكثر من المال كأنه يقول ان سرقة الشيء اليسير الذي لا قيمة له كالبيضة المذرة والحبل الحاق الذي لا قيمة له إذا تعاطاه فاستمرت به العادة لم ييأس أن يؤديه ذلك الى سرقة ما فوقها حتى يبلغ قدر ما تقطع فيه اليد فتقطع يده كأنه يقول فليحذر هذا الفعل وليتوقه قبل أن تملكه العادة ويمرن عليها ليسلم من سوء مغبته ووخيم عاقبته قلت وسبق الخطابي الى ذلك أبو محمد بن قتيبة فيما حكاه بن بطال فقال احتج الخوارج بهذا الحديث على أن القطع يجب في قليل الأشياء وكثيرها ولا حجة لهم فيه وذلك أن الآية لما نزلت قال عليه والسلام ذلك على ظاهر ما نزل ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فكان بيانا لما أجمل فوجب المصير اليه قال وأما قول الأعمش أن البيضة في هذا الحديث بيضة الحديد التي تجعل في الرأس في الحرب وأن الحبل من حبال السفن فهذا تأويل بعيد لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب لأن كل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة وهذا ليس موضع تكثير لما سرقه السارق ولأن من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح الله فلانا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك وانما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث أو في كبة شعر أو رداء خلق وكل ما كان نحو ذلك كان أبلغ انتهى ورأيته في غريب الحديث لابن قتيبة وفيه حضرت يحيى بن أكثم بمكة قال فرأيته يذهب الى هذا التأويل ويعجب به ويبديء ويعيد قال وهذا لا يجوز فذكره وقد تعقبه أبو بكر بن الأنباري فقال ليس الذي طعن به بن قتيبة على تأويل الخبر بشيء لأن البيضة من السلاح ليست علما في كثرة الثمن ونهاية في غلو القيمة فتجري مجرى العقد من الجوهر والجراب من المسك اللذين ربما يتساويان الالوف من الدنانير بل البيضة من الحديد ربما اشتريت بأقل مما يجب فيه القطع وانما مراد الحديث أن السارق يعرض قطع يده بما لا غنى له به لأن البيضة من السلاح لا يستغني بها أحد وحاصله أن المراد بالخبر أن السارق يسرق الجليل وقال المازري تأول بعض الناس البيضة في الحديث ببيضة الحديد لأنه يساوي نصاب القطع وحمله بعضهم على المبالغة في التنبيه على عظم ما خسر وحقر ما حصل وأراد من جنس البيضة والحبل ما يبلغ النصاب قال القرطبي ونظير حمله على المبالغة ما حمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة فأن أحد ما قيل فيه إنه أراد المبالغة في ذلك وإلا فمن المعلوم أن مفحص القطاة وهو قدر ما تحضن فيه بيضها لا يتصور أن يكون مسجدا قال ومنه تصدقن ولو بظلف محرق وهو مما لا يتصدق به ومثله كثير في كلامهم وقال عياض لا ينبغي أن يلتفت لما ورد أن البيضة بيضة الحديد والحبل حبل السفن لأن مثل ذلك له قيمة وقدر فان سياق الكلام يقتضي ذم من أخذ القليل لا الكثير والخبر إنما ورد لتعظيم ما جنى على نفسه بما تقل به قيمته لا بأكثر والصواب تأويله على ما تقدم من تقليل أمره وتهجين فعله وأنه إن لم يقطع في هذا القدر جرته عادته الى ما هو أكثر منه وأجاب بعض من انتصر لتأويل الأعمش أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله عند نزول الآية مجملة قبل بيان نصاب القطع انتهى وقد أخرج بن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عم أبيه عن علي أنه قطع يد سارق في بيضة حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات مع انقطاعه ولعل هذا مستند التأويل الذي أشار اليه الأعمش وقال بعضهم البيضة في اللغة تستعمل في المبالغة في المدح وفي المبالغة في الذم فمن الأولى قولهم فلان بيضة البلد إذا كان فردا في العظمة وكذا في الاحتقار ومنه قول أخت عمرو بن عبد ود لما قتل علي أخاها يوم الخندق في مرثيتها له لكن قاله من لا يعاب به من كان يدعى قديما بيضة البلد ومن الثاني قول الآخر يهجو قوما تأبى قضاعة أن تبدي لكم نسبا وابنا نزار فانتم بيضة البلد ويقال في المدح أيضا بيضة القوم أي وسطهم وبيضة السنام أي شحمته فلما كانت البيضة تستعمل في كل من الأمرين حسن التمثيل بها كأنه قال يسرق الجليل والحقير فيقطع فرب أنه عذر بالجليل فلا عذر له بالحقير وأما الحبل فأكثر ما يستعمل في التحقير كقولهم ما ترك فلان عقالا ولا ذهب من فلان عقال فكان المراد أنه إذا اعتاد السرقة لم يتمالك مع غلبة العادة التمييز بين الجليل والحقير وأيضا فالعار الذي يلزمه بالقطع لا يساوي ما حصل له ولو كان جليلا والى هذا أشار القاضي عبد الوهاب بقوله صيانة العضو أغلاها وأرخصها صيانة المال ففهم حكمه الباري ورد بذلك على قول المعري يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار وسيأتي مزيد لهذا في باب السرقة إن شاء الله تعالى

قوله باب الحدود كفارة

[ 6402 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف لم أره منسوبا ويحتمل أن يكون هو البيكندي ويحتمل أن يكون الفريابي وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وابن عيينة هو سفيان قوله عن الزهري في رواية الحميدي عن سفيان بن عيينة سمعت الزهري أخرجه أبو نعيم وذكر حديث عبادة بن الصامت وفيه ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة وقد تقدم أن عند مسلم من وجه آخر ومن أتى منكم حدا ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت رفعه من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته وسنده حسن وفي الباب عن جرير بن عبد الله نحوه عند أبي الشيخ وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنده بسند صحيح اليه نحو حديث عبادة وفيه فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه الحد فهو كفارته وعن ثابت بن الضحاك نحوه عند أبي الشيخ وقد ذكرت شرح حديث الباب مستوفى في الباب العاشر من كتاب الإيمان في أول الصحيح وقد استشكل بن بطال قوله الحدود كفارة مع قوله في الحديث الآخر ما أدري الحدود كفارة لأهلها أو لا وأجاب بأن سند حديث عبادة أصح وأجيب بأن الثاني كان قبل أن يعلم بأن الحدود كفارة ثم أعلم فقال الحديث الثاني وبهذا جزم بن التين وهو المعتمد وقد أجيب من توقف في ذلك لأجل أن الأول من حديث أبي هريرة وهو متأخر الإسلام عن بيعة العقبة والثاني وهو التردد من حديث عبادة بن الصامت وقد ذكر في الخبر أنه ممن بايع ليلة العقبة وبيعة العقبة كانت قبل إسلام أبي هريرة بست سنين وحاصل الجواب أن البيعة المذكورة في حديث الباب كانت متأخرة عن إسلام أبي هريرة بدليل أن الآية المشار إليها في قوله وقرأ الآية كلها هي قوله تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا الى آخرها وكان نزولها في فتح مكة وذلك بعد إسلام أبي هريرة بنحو سنتين وقررت ذلك تقريرا بينا وانما وقع الاشكال من قوله هناك إن عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء ليلة العقبة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال بايعوني على أن لا تشركوا فإنه يوهم أن ذلك كان ليلة العقبة وليس كذلك بل البيعة التي وقعت في ليلة العقبة كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره الخ وهو من حديث عبادة أيضا كما أوضحت هناك قال بن العربي دخل في عموم قوله المشرك أو هو مستثنى فان المشرك إذا عوقب على شركه لم يكن ذلك كفارة له بل زيادة في نكاله قلت وهذا لا خلاف فيه قال وأما القتل فهو كفارة بالنسبة الى الولي المستوفي للقصاص في حق المقتول لأن القصاص ليس بحق له بل يبقى حق المقتول فيطالبه به في الآخرة كسائر الحقوق قلت والذي قاله في مقام لمنع وقد نقلت في الكلام على قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا قول من قال يبقى للمقتول حق التشفي وهو أقرب من إطلاق بن العربي هنا قال وأما السرقة فتتوقف براءة السارق فيها على رد المسروق لمستحقه وأما الزنا فأطلق الجمهور أنه حق الله وهي غفلة لأن لآل المزني بها في ذلك حقا لما يلزم منه من دخول العار على أبيها وزوجها وغيرهما ومحصل ذلك أن الكفارة تختص بحق الله تعالى دون حق الآدمي في جميع ذلك

قوله باب ظهر المؤمن حمى أي محمي معصوم من الإيذاء قوله إلا في حد أو في حق أي لا يضرب ولا يذل إلا على سبيل الحد والتعزير تأديبا وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة من طريق محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهور المسلمين حمى إلا في حدود الله وفي محمد بن عبد العزيز ضعف وأخرجه الطبراني من حديث عصمة بن مالك الخطمي بلفظ ظهر المؤمن حمى إلا بحقه وفي سنده الفضل بن المختار وهو ضعيف ومن حديث أبي أمامة من جرد ظهر مسلم من غير حق لقى الله وهو عليه غضبان وفي سنده أيضا مقال

[ 6403 ] قوله حدثنا محمد بن عبد الله في رواية غير أبي ذر حدثني قال الحاكم محمد بن عبد الله هذا هو الذهلي وقال أبو علي الجياني لم أره منسوبا في شيء من الروايات قلت وعلى قول الحاكم فيكون نسب لجده لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس وقد حدث البخاري في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي وعن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج بالمثلثة والجيم وعن غيرهما وقد بينت ذلك موضحا في أخر حديث في كتاب الأيمان والنذور وقد سقط محمد بن عبد الله من رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري وأعتمد أبو نعيم في مستخرجه على ذلك فقال رواه البخاري عن عاصم بن علي وعاصم المذكور هو بن عاصم الواسطي وشيخ عاصم بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر وشيخه واقد هو أخوه قوله قال عبد الله هو بن عمر جد الراوي عنه قوله ألا أي شهر تعلمونه هو بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف افتتاح للتنبيه لما يقال وقد كررت في هذه الرواية سؤلا وجوابا وقوله في هذه الرواية أي يوم تعلمونه أعظم حرمة قالوا يومنا هذا يعارضه أن يوم عرفة أعظم الأيام وأجاب الكرماني بأن المراد باليوم الوقت الذي تؤدى فيه المناسك ويحتمل أن يختص يوم النحر بمزيد الحرمة ولا يلزم من ذلك حصول المزية التي أختص بها يوم عرفة وقد تقدم بعض الكلام على هذا الحديث في كتاب العلم وتقدم ما يتعلق بالسؤال والجواب مبسوطا في باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج ومضى ما يتعلق بقوله ويلكم أو ويحكم في كتاب الأدب ويأتي ما يتعلق بقوله لاترجعوا بعدي مستوفى في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى

قوله باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله ذكر فيه حديث عائشة

[ 6404 ] ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أختار أيسرهما وقد تقدم شرحه مستوفى في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وقوله هنا ما لم يأثم في رواية المستملي ما لم يكن إثم قال بن بطال هذا التخيير ليس من الله لأن الله لا يخير رسوله بين أمرين أحدهما إثم إلا إن كان في الدين وأحدهما يئول الى الإثم كالغلو فإنه مذموم كما لو أوجب الإنسان على نفسه شيئا شاقا من العبادة فعجز عنه ومن ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الترهب قال بن التين المراد التخيير في أمر الدنيا وأما أمر الآخرة فكلما صعب كان أعظم ثوابا كذا قال وما أشار اليه بن بطال أولى وأولى منهما أن ذلك في أمور الدنيا لأن بعض أمورها قد يفضي الى الإثم كثيرا والأقرب أن فاعل التخيير الآدمي وهو ظاهر وأمثلته كثيرة ولا سيما إذا صدر من الكافر

قوله باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع هو من الوضع وهو النقص ووقع هنا بلفظ الوضيع وفي الطريق التي تليه بلفظ الضعيف وهي رواية الأكثر في هذا الحديث وقد رواه بلفظ الوضيع أيضا النسائي من طريق إسماعيل بن أمية عن الزهري والشريف يقابل الإثنين لما يستلزم الشرف من الرفعة والقوة ووقع للنسائي أيضا في رواية لسفيان بلفظ الدون الضعيف قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله حدثنا الليث عن بن شهاب في رواية أبي النضر هاشم بن القاسم عن الليث عند أحمد حدثنا بن شهاب ولا يعارض ذلك رواية أبي صالح عن الليث عن يونس عن بن شهاب فيما أخرجه أبو داود لأن لفظ السياقين مختلف فيحمل على أنه عند الليث بلا واسطة باللفظ الأول وعنده باللفظ الثاني بواسطة وسأوضح ذلك قوله عن عروة في رواية بن وهب عن يونس عن بن شهاب أخبرني عروة بن الزبير وقد مضى سياقه في غزوة الفتح قوله أن أسامة هو بن زيد بن حارثة قوله كلم النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة هكذا رواه أبو الوليد مختصرا ورواه غيره عن الليث مطولا كما في الباب بعده قوله ويتركون على الشريف كذا لأبي ذر عن الكشميهني وفيه حذف تقديره ويتركون إقامة الحد على الشريف فلا يقيمون عليه الحد قوله لو فاطمة كذا للأكثر قال بن التين التقدير لو فعلت فاطمة ذلك لأن لواليها الفعل دون الاسم قلت الأولى التقدير بما جاء في الطريق الأخرى لو أن فاطمة كذا في رواية الكشميهني هنا وهي ثابتة سائر سائر طرق هذا الحديث في غير هذا الموضع ولو هنا شرطية وحذف أن ورد معها كثيرا كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي عند مسلم لو أهل عمان أتاهم رسولي فالتقدير لو أن أهل عمان وقد أنكر بعض الشراح من شيوخنا على بن التين إيراده هنا بحذف أن ولا إنكار عليه فان ذلك ثابت هنا في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني وكذا هو في رواية النسفي ووقع في رواية إسحاق بن راشد عن بن شهاب عند النسائي لو سرقت فاطمة وهو يساعد تقدير بن التين

قوله باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان كذا قيد ما أطلقه في حديث الباب

[ 6406 ] أتشفع في حد من حدود الله ليس القيد صريحا فيه وكأنه أشار الى ما ورد في بعض طرقه صريحا وهو في مرسل حبيب بن أبي ثابت الذي أشرت اليه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما شفع فيها لا تشفع في حد فان الحدود إذا انتهت الي فليس لها مترك وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ترجم له أبو داود العفو عن الحد ما لم يبلغ السلطان وصححه الحاكم وسنده الى عمرو بن شعيب صحيح وأخرج أبو داود أيضا وأحمد وصححه الحاكم من طريق يحيى بن راشد قال خرج علينا بن عمر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره وأخرجه بن أبي شيبة من وجه آخر أصح منه عن بن عمر موقوفا وللمرفوع شاهد من حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني وقال فقد ضاد الله في ملكه وأخرج أبو يعلى من طريق أبي المحياة عن أبي مطر رأيت عليا أتى بسارق فذكر قصة فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسارق فذكر قصة فيها قالوا يا رسول الله أفلا عفوت قال ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود بينكم وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قال لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل له حتى يبلغ الامام فقال إذا بلغ الامام فلعن الله الشافع والمشفع وأخرج الموطأ عن ربيعة عن الزبير وهو منقطع مع وقفة وهو عند بن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير موقوفا وبسند آخر حسن عن علي نحوه كذلك وبسند صحيح عن عكرمة ان بن عباس وعمارا والزبير أخذوا سارقا فخلوا سبيله فقلت لابن عباس بئسما صنعتم حين خليتم سبيله فقال لا أم لك أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك وأخرجه الدارقطني من حديث الزبير موصولا مرفوعا بلفظ اشفعوا ما لم يصل الى الوالي فإذا وصل الوالي فعفا فلا عفا الله عنه والموقوف هو المعتمد وفي الباب غير ذلك حديث صفوان بن أمية عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة والحاكم في قصة الذي سرق رداؤه ثم أراد أن لا يقطع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لا قبل أن تأتيني به وحديث بن مسعود في قصة الذي سرق فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه فرأوا منه أسفا عليه فقالوا يا رسول الله كأنك كرهت كرهت قطعه فقال وما يمنعني لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم انه ينبغي للامام إذا انهي اليه حد أن يقيمه والله عفو يحب العفو وفي الحديث قصة مرفوعة وأخرج موقوفا أخرجه أحمد وصححه الحاكم وحديث عائشة مرفوعا أقبلوا ذوي الهيآت زلاتهم إلا في الحدود أخرجه أبو داود ويستفاد منه جواز الشفاعة فيما يقتضي التعزير وقد نقل بن عبد البر وغيره في الاتفاق ويدخل فيه سائر الأحاديث الواردة في ندب الستر على المسلم وهي محمولة على ما لم يبلغ الامام قوله عن عائشة كذا قال الحفاظ من أصحاب بن شهاب عن عروة وشذ عمر بن قيس الماصر بكسر المهملة فقال بن شهاب عن عروة عن أم سلمة فذكر حديث الباب سواء أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة والطبراني وقال تفرد به عمر بن قيس يعني من حديث أم سلمة قال الدارقطني في العلل الصواب رواية الجماعة قوله أن قريشا أي القبيلة المشهورة وقد تقدم بيان المراد بقريش الذي انتسبوا اليه في المناقب وأن الأكثر أنه فهر بن مالك والمراد بهم هنا من أدرك القصة التي تذكر بمكة قوله أهمتهم المرأة أي أجلبت إليهم هما أو صيرتهم ذوي هم بسبب ما وقع منها يقال أهمني الأمر أي أقلقني ومضى فس المناقب من رواية قتيبة عن الليث بهذا السند أهمهم شأن المرأة أي أمرها المتعلق بالسرقة وقد وقع في رواية مسعود بن الأسود الآتي التنبيه عليها لما سرقت تلك المرأة أعظمنا ذلك فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسعود المذكور من بطن آخر من قريش وهو من بني عدي بن كعب رهط عمر وسبب إعظامهم ذلك خشية أن تقطع يدها لعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرخص في الحدود وكان قطع السارق معلوما عندهم قبل الإسلام ونزل القرآن بقطع السارق فاستمر الحال فيه وقد عقد بن الكلبي بابا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة فذكر قصة الذين سرقوا غزال الكعبة فقطعوا في عهد عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر من قطع في السرقة عوف بن عبد بن عمرو بن مخزوم ومقيس بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وغيرهما وأن عوف السابق لذلك قوله المخزومية نسبة الى مخزوم بن يقظة بفتح التحتانية والقاف بعدها ظاء معجمة مشالة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ومخزوم أخو كلاب بن مرة الذي نسب اليه بنو عبد مناف ووقع في رواية إسماعيل بن أمية عن محمد بن مسلم وهو الذي عند النسائي سرقت امرأة من قريش من بني مخزوم واسم المرأة على الصحيح فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم قتل أبوها كافرا يوم بدر قتله حمزة بن عبد المطلب ووهم من زعم أن له صحبة وقيل هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد وهي بنت عم المذكورة أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني بشر بن تيم أنها أم عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وهذا معضل ووقع مع ذلك في سياقه أنه قال عن ظن وحسبان وهو غلط ممن قاله لأن قصتها مغايرة للقصة المذكورة في هذا الحديث كما سأوضحه قال بن عبد البر في الاستيعاب فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد هي التي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها لأنها سرقت حليا فكلمت قريش أسامة فشفع فيها وهو غلام الحديث قلت وقد ساق ذلك بن سعد في ترجمتها في الطبقات من طريق الأجلح بن عبد الله الكندي عن حبيب بن أبي ثابت رفعه ان فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد سرقت حليا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشفعوا الحديث وأورد عبد الغني بن سعيد المصري في المبهمات من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن عمار الدهني عن شقيق قال سرقت فاطمة بنت أبي أسد بنت أخي أبي سلمة فأشفقت قريش أن يقطعها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث والطريق الأولى أقوى ويمكن أن يقال لا منافاة بين قوله بنت الأسود وبنت أبي الأسود لاحتمال أن تكون كنية الأسود أبا الأسود وأما قصة أم عمرو فذكرها بن سعد أيضا وابن الكلبي في المثالب وتبعه الهيثم بن عدي فذكروا أنها خرجت ليلا فوقعت بركب نزول فأخذت عيبة لهم فأخذها القوم فأوثقوها فلما أصبحوا أتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بحقوى أم سلمة فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت وأنشدوا في ذلك شعرا قاله خنيس بن يعلى بن أمية وفي رواية بن سعد أن ذلك كان في حجة الوداع وقد تقدم في الشهادات وفي غزوة الفتح أن قصة فاطمة بنت الأسود كانت عام الفتح فظهر تغاير القصتين وأن بينهما أكثر من سنتين ويظهر من ذلك خطأ من اقتصر على أنها أم عمرو كابن الجرزي ومن رددها بين فاطمة وأم عمرو كابن طاهر وابن بشكوال ومن تبعهما فلله الحمد وقد تقلد بن حزم ما قاله بشر بن تيم لكنه جعل قصة أم عمرو بنت سفيان في جحد العارية وقصة فاطمة في السرقة وهو غلط أيضا لوقوع التصريح في قصة أم عمرو بأنها سرقت قوله التي سرقت زاد يونس في روايته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ووقع بيان المسروق في حديث مسعود بن أبي الأسود المعروف بابن العجماء فأخرج بن ماجة وصححه الحاكم من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن ركانة عن أمه عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها قال لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك فجئنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم نكلمه وسنده حسن وقد صرح فيه بن إسحاق بالتحديث في رواية الحاكم وكذا علقه أبو داود فقال روى مسعود بن الأسود وقال الترمذي بعد حديث عائشة المذكور هنا وفي الباب عن مسعود بن العجماء وقد أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة من طريق يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن طلحة فقال عن خالته بنت مسعود بن العجماء عن أبيها فيحتمل أن يكون محمد بن طلحة سمعه من أمه ومن خالته ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت الذي أشرت اليه أنها سرقت حليا ويمكن الجمع بأن الحلى كان في القطيفة فالذي ذكر القطيفة أراد بما فيها والذي ذكر الحلى ذكر المظروف دون الظرف ثم رجع عندي أن ذكر الحلى في قصة هذه المرأة وهم كما سأبينه ووقع في مرسل الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب فيما أخرجه عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن الحسن أخبره قال سرقت امرأة قال عمرو وحسبت أنه قال من ثياب الكعبة الحديث وسنده الى الحسن صحيح فان أمكن الجمع والا فالأول أقوى وقد وقع في رواية معمر عن الزهري في هذا الحديث أن المرأة المذكورة كانت تستعير المتاع وتجحده أخرجه مسلم وأبو داود وأخرجه النسائي من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري بلفظ استعارت امرأة على ألسنة ناس يعرفون وهي لا تعرف حليا فباعته وأخذت ثمنة الحديث وقد بينه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح إليه ان امرأة جاءت امرأة فقالت ان فلانة تستعيرك حليا فأعارتها إياه فمكثت لا تراه فجاءت الى التي استعارت لها فسألتها فقالت ما استعرتك شيئا فرجعت الى الأخرى فأنكرت فجاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال اذهبوا الى بيتها تجدوه تحت فراشها فأتوه فأخذوه وأمر بها الحديث فيحتمل أن تكون سرقت القطيفة وجحدت الحلى وأطلق عليها في جحد الحلى في رواية حبيب بن أبي ثابت سرقت مجازا قال شيخنا في شرح الترمذي اختلف على الزهري فقال الليث ويونس وإسماعيل بن أمية وإسحاق بن راشد سرقت وقال معمر وشعيب إنها استعارت وجحدت قال ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن الزهري فاختلف عليه سندا ومتنا فرواه البخاري يعني كما تقدم في الشهادات عن على بن المديني عن بن عيينة قال ذهبت أسال الزهري عن حديث المخزومية فصاح علي فقلت لسفيان فلم يحفظه عن أحد قال وجدت في كتاب كتبه أيوب بن موسى عن الزهري وقال فيه انها سرقت وهكذا قال محمد بن منصور عن بن عيينة انها سرقت أخرجه النسائي عنه وعن رزق الله بن موسى عن سفيان كذلك لكن قال اتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعه فذكره مختصرا ومثله لأبي يعلى عن محمد بن عباد عن سفيان وأخرجه أحمد عن سفيان كذلك لكن في آخره قال سفيان لا أدري ما هو وأخرجه النسائي أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان عن الزهري بلفظ كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده الحديث وقال في آخره قيل لسفيان من ذكره قال أيوب بن موسى فذكره بسنده المذكور وأخرجه من طريق بن أبي زائدة عن أبي عيينة عن الزهري بغير واسطة وقال فيه سرقت قال شيخنا وابن عيينة لم يسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري إنما وجده في كتاب أيوب بن موسى ولم يصرح بسماعه من أيوب بن موسى ولهذا قال في رواية أحمد لا أدري كيف هو كما تقدم وجزم جماعة بأن معمرا تفرد عن الزهري بقوله استعارت وجحدت وليس كذلك بل تابعه شعيب كما ذكره شيخنا عند النسائي ويونس كما أخرجه أبو داود من رواية أبي صالح كاتب الليث عن الليث عنه وعلقه البخاري لليث عن يونس لكن لم يسق لفظه كما نبهت عليه وكذا ذكر البيهقي أن شبيب بن سعيد رواه عن يونس وكذلك رواه بن أخي الزهري عن الزهري أخرجه بن أيمن في مصنفه عن إسماعيل القاضي بسنده اليه وأخرج أصله أبو عوانة في صحيحه والذي اتضح لي أن الحديثين محفوظان عن الزهري وأنه كان يحدث تارة بهذا وتارة بهذا فحدث يونس عنه بالحديثين واقتصرت كل طائفة من أصحاب الزهري غير يونس على أحد الحديثين فقد أخرج أبو داود والنسائي وأبو عوانة في صحيحه من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وأخرجه النسائي وأبو عوانة أيضا من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ استعارت حليا وقد اختلف نظر العلماء في ذلك فأخذ بظاهره أحمد في اشهر الروايتين عنه وإسحاق وانتصر له بن حزم من الظاهرية وذهب الجمهور الى أنه لا يقطع في جحد العارية وهي رواية عن أحمد أيضا وأجابوا عن الحديث بأن رواية من روى سرقت أرجح وبالجمع بين الروايتين بضرب من التأويل فأما الترجيح فنقل النووي أن رواية معمر شاذة مخالفة لجماهير الرواة قال والشاذة لا يعمل بها وقال بن المنذر في الحاشية وتبعه المحب الطبري قيل إن معمرا انفرد بها وقال القرطبي رواية أنها سرقت أكثر وأشهر من رواية الجعد فقد انفرد بها معمر وحده من بين الأئمة الحفاظ وتابعه على ذلك من لا يقتدى بحفظه كابن أخ الزهري ونمطه هذا قول المحدثين قلت سبقه لبعضه القاضي عياض وهو يشعر بأنه لم يقف على رواية شعيب ويونس بموافقة إذ لو وقف عليها لم يجزم بتفرد معمر وأن من وافقه كابن أخي الوهري ونمطه ولا زاد القرطبي نسبة ذلك للمحدثين إذ لا يعرف عن أحد من المحدثين أنه قرن شعيب بن أبي حمزة ويونس بن يزيد وأيوب بن موسى بابن أخي الزهري بل هم متفقون على أن شعيب ويونس أرفع درجة في حديث الزهري من بن أخيه ومع ذلك فليس في هذا الاختلاف عن الزهري ترجيح بالنسبة الى اختلاف الرواة عنه الا لكون رواية سرقت متفقا عليها ورواية جحدت انفرد بها مسلم وهذا لا يدفع تقديم الجمع إذا أمكن بين الروايتين وقد جاء عن بعض المحدثين عكس كلام القرطبي فقال لم يختلف على معمر ولا على شعيب وهما في غاية الجلالة في الزهري وقد وافقهما بن أخي الزهري وأما الليث ويونس وإن كانا في الزهري كذلك فقد اختلف عليهما فيه وأما إسماعيل بن أمية وإسحاق بن راشد فدون معمر وشعيب في الحفظ قلت وكذا اختلف على أيوب بن موسى كما تقدم وعلى هذا فيتعادل الطريقين ويتعين الجمع فهو أولى من اطراح أحد الطريقين فقال بعضهم كما تقدم عن بن حزم وغيره هما قصتان مختلفتان لامرأتين مختلفتين وتعقب بأن في كل من الطريقين أنهم استشفعوا بأسامة وأنه شفع وأنه قيل له لا تشفع في حد من حدود الله فيبعد عن أسامة يسمع النهي المؤكد عن ذلك ثم يعود الى ذلك مرة أخرى ولا سيما إن اتحد زمن القصتين وأجاب بن حزم بأنه يجوز أن ينسى ويجوز أن يكون الزجر عن الشفاعة في حد السرقة تقدم فظن أن الشفاعة في جحد العارية جائز وأن لا حد فيه فشفع فاجيب بأن فيه الحد أيضا ولا يخفى ضعف الاحتمالين وحكى بن المنذر عن بعض العلماء أن القصة لامرأة واحدة استعارت وجحدت وسرقت فقطعت للسرقة لا للعارية قال وبذلك نقول وقال الخطابي في معالم السنن بعد أن حكى الخلاف وأشار الى ما حكاه بن المنذر وانما ذكرت العارية والجحد في هذه القصة تعريفا لها بخاص صفتها إذ كانت تكثر ذلك كما عرفت بأنها مخزومية وكأنها لما كثر منها ذلك ترقت الى السرقة وتجرأت عليها وتلقف هذا الجواب من الخطابي جماعة منهم البيهقي فقال تحمل رواية من ذكر جحد الجارية على تعريفها بذلك والقطع على السرقة وقال المنذري نحوه ونقله المازري ثم النووي عن العلماء وقال القرطبي يترجح أن يدها قطعت على السرقة لا لأجل جحد العارية من أوجه أحدها قوله في آخر حديث الذي ذكرت فيه العارية لو أن فاطمة سرقت فان فيه دلالة قاطعة على أن المرأة قطعت في السرقة إذ لو كان قطعها لأجل الجحد لكان ذكر السرقة لاغيا ولقال لو أن فاطمة جحدت العارية قلت وهذا قد أشار اليه الخطابي أيضا ثانيها لو كانت قطعت في جحد العارية لوجب قطع كل من جحد شيئا إذا ثبت عليه ولو لم يكن بطريق العارية ثالثها أنه عارض ذلك حديث ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع الزبير عن جابر رفعه وصرح بن جريج في رواية النسائي بقوله أخبرني أبو الزبير ووهم بعضهم هذه الرواية فقد صرح أبو داود بأن بن جريج لم يسمعه من أبي الزبير قال وبلغني عن أحمد أنما سمعه بن جريج من ياسين الزيات ونقل بن عدي في الكامل عن أهل المدينة أنهم قالوا لم يسمع بن جريج من أبي الزبير وقال النسائي رواه الحفاظ من أصحاب بن جريج عنه عن أبي الزبير فلم يقل أحد منهم أخبرني ولا أحسبه سمعه قلت لكن وجد له متابع عن أبي الزبير أخرجه النسائي أيضا من طريق المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير لكن أبو الزبير مدلس أيضا وقد عنعنه عن جابر لكن أخرجه بن حبان من وجه أخر عن جابر بمتابعة أبي الزبير فقوي الحديث وقد اجمعوا على العمل به إلا من شد فنقل بن المنذر عن إياس بن معاوية أنه قال المختلس يقطع كأنه الحقه بالسارق اشتراكهما في الأخذ خفية ولكنه خلاف ما صرح به في الخبر والا ما ذكر من قطع جاحد العارية وأجمعوا على أن لا قطع على الخائن في غير ذلك ولا على المنتهب إلا إن كان قاطع طريق والله أعلم وعارضه غيره ممن خالف فقال بن القيم الحنبلي لا تنافي بين جحد العارية وبين السرقة فان الجحد داخل في اسم السرقة فيجمع بين الروايتين بأن الذين قالوا سرقت أطلقوا على الجحد سرقة كذا قال ولا يخفى بعده قال والذي أجاب به الخطابي مردود لأن الحكم المرتب على الوصف معمول به ويقويه أن لفظ الحديث وترتيبه في إحدى الروايتين القطع على السرقة وفي الأخرى على الجحد على حد سواء وترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلية فكل من الروايتين دال على أن علة القطع كل من السرقة وجحد العارية على انفراده ويؤيد ذلك أن سياق حديث بن عمر ليس فيه ذكر للسرقة ولا للشفاعة من أسامة وفيه التصريح بأنها قطعت في ذلك وابسط ما وجدت من طرقه ما أخرجه النسائي في رواية له ان امرأة كانت تستعير الحلي في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعارت من ذلك حليا فجمعته ثم أمسكته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لتتب امرأة الى الله تعالى وتؤد ما عندها مرارا فلم تفعل فأمر بها فقطعت وأخرج النسائي بسند صحيح من مرسل سعيد بن المسيب ان امرأة من بني مخزوم استعارت حليا على لسان أناس فجحدت فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح أيضا إلى سعيد قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة من بيت عظيم من بيوت قريش قد أتت أناسا فقالت إن آل فلان يستعيرونكم كذا فأعاروها ثم أتوا أولئك فانكروا ثم أنكرت هي فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم وقال بن دقيق العيد صنيع صاحب العمدة حيث أورد الحديث بلفظ الليث ثم قال وفي لفظ فذكر لفظ معمر يقتضي أنها قصة واحدة واختلف فيها هل كانت سارقة أو جاحدة يعني لأنه أورد حديث عائشة باللفظ الذي أخرجاه من طريق الليث ثم قال وفي لفظ كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وهذه رواية معمر في مسلم فقط قال وعلى هذا فالحجة في هذا الخبر في قطع المستعير ضعيفة لأنه اختلاف في واقعة واحدة فلا يبت الحكم فيه بترجيح من روى أنها جاحدة على الرواية الأخرى يعني وكذا عكسه فيصح أنها قطعت بسبب الأمرين والقطع في السرقة متفق عليه فيترجح على القطع في الجحد المختلف فيه قلت وهذه أقوى الطرق في نظري وقد تقدم الرد على من زعم أن القصة وقعت لامرأتين فقطعتا في أوائل الكلام على هذا الحديث والالزام الذي ذكره القرطبي في أنه لو ثبت القطع في جحد العارية للزم القطع في جحد غير العارية قوى أيضا فان من يقول بالقطع في جحد العارية لا يقول به في جحد غير العارية فيقاس المختلف فيه على المتفق عليه إذ لم يقل أحد بالقطع في الجحد على الإطلاق وأجاب بن القيم بأن الفرق بين جحد العارية وجحد غيرها أن السارق لا يمكن الاحتراز منه وكذلك جاحد العارية خلاف المختلس من غير حرز والمنتهب قال ولا شك أن الحاجة ماسة بين الناس الى العارية فلو علم المعير أن المستعير إذا جحد لا شيء عليه لجر ذلك الى سد باب العارية وهو خلاف ما تدل عليه حكمة الشريعة بخلاف ما إذا علم أنه يقطع فان ذلك يكون أدعى الى استمرار العارية وهي مناسبة لا تقوم بمجردها حجة إذا ثبت حديث جابر في أن لا قطع على خائن وقد فر من هذا بعض من قال بذلك فخص القطع بمن استعار على لسان غيره مخادعا للمستعار منه ثم تصرف في العارية وأنكرها لما طولب بها فان هذا لا يقطع بمجرد الخيانة بل لمشاركته السارق في أخذ المال خفية تنبيه قول سفيان المتقدم ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية التي سرقت فصاح علي مما يكثر السؤال عنه وعن سببه وقد أوضح ذلك بعض الرواة عن سفيان فرأينا في كتاب المحدث الفاضل لأبي محمد الرامهرمزي من طريق سليمان بن عبد العزيز أخبرني محمد بن إدريس قال قلت لسفيان بن عيينة كم سمعت من الزهري قال أما مع الناس فما أحصي وأما وحدي فحديث واحد دخلت يوما من باب بني شيبة فإذا أنابه جالس الى عمود فقلت يا أبا بكر حدثني حديث المخزومية التي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها قال فضرب وجهي بالحصى ثم قال قم فما يزال عبد يقدم علينا بما نكره قال فقمت منكرا فمر رجل فدعاه فلم يسمع فرماه بالحصى فلم يبلغه فاضطر الي فقال ادعه لي فدعوته له فاتاه فقضى حاجته فنظر الي فقال تعال فجئت فقال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجماء جبار الحديث ثم قال لي هذا خير لك من الذي أردت قلت وهذا الحديث الأخير أخرجه مسلم والأربعة من طريق سفيان بدون قصة قوله فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يشفع عنده فيها أن لا تقطع إما عفوا وأما بفداء وقد وقع ما يدل على الثاني في حديث مسعود بن الأسود ولفظه بعد قوله أعظمنا ذلك فجئنا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا نحن نفديها بأربعين أوقية فقال تطهر خير لها وكأنهم ظنوا أن الحد يسقط بالفدية كما ظن ذلك من أفتى والد العسيف الذي زنى بأنه يفتدي منه بمائة شاة ووليدة ووجدت لحديث مسعود هذا شاهدا عند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قومها نحن نفديها قوله ومن يجتريء عليه بسكون الجيم وكسر الراء يفتعل من الجرأة بضم الجيم وسكون الراء وفتح الهمزة ويجوز فتح الجيم والراء مع المد ووقع في رواية قتيبة فقالوا ومن يجترئ عليه وهو أوضح لأن الذي استفعم بقوله من يكلم غير الذي أجاب بقوله ومن يجترئ والجرأة هي الاقدام بادلال والمعنى ما يجترئ عليه إلا أسامة وقال الطيبي الواو عاطفة على محذوف تقديره لا يجترئ عليه أحد لمهابته لكن أسامة له عليه إدلال فهو يجسر على ذلك ووقع في حديث مسعود بن الأسود بعد قوله تطهر خير لها فلما سمعنا لين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتينا أسامة ووقع في رواية يونس الماضية في الفتح ففزع قومها الى أسامة أي لجؤا وفي رواية أيوب بن موسى في الشهادات فلم يجترئ أحد أن يكلمه إلا أسامة وكان السبب في اختصاص أسامة بذلك ما أخرجه بن سعد من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لا تشفع في حد وكان إذا شفع شفعه بتشديد الفاه أي قبل شفاعته وكذا وقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفعه قوله حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة بمعنى محبوب مثل قسم بمعنى مقسوم وفي ذلك تلميح بقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أحبه فأحبه وقد تقدم في المناقب قوله فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصب وفي رواية قتيبة فكلمه أسامة وفي الكلام شيء مطوي تقديره فجاءوا الى أسامة فكلموه في ذلك فجاء أسامة الى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ووقع في رواية يونس فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها فأفادت هذه الرواية أن الشافع يشفع بحضرة المشفوع له ليكون أعذر له عنده إذا لم تقبل شفاعته وعند النسائي من رواية إسماعيل بن أمية فكلمه فزبره بفتح الزاي والموحدة أي أغلظ له في النهي حتى نسبه الى الجهل لأن الزبر بفتح ثم سكون هو العقل وفي رواية يونس فكلمه فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد شعيب عند النسائي وهو يكلمه وفي مرسل حبيب بن أبي ثابت فلما أقبل أسامة ورآه النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تكلمني يا أسامة قوله فقال أتشفع في حد من حدود الله بهمزة الاستفهام الانكاري لأنه كان سبق له منع الشفاعة في الحد قبل ذلك زاد يونس وشعيب فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله ووقع في حديث جابر عند مسلم والنسائي ان امرأة من بني مخزوم سرقت فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة بذال معجمة أي استجارت أخرجاه من طريق معقل بن يسار عن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر وذكره أبو داود تعليقا والحاكم موصولا من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر فعاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المنذري يجوز أن تكون عاذت بكل منهما وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ماتت قبل هذه القصة لأن هذه القصة كما تقدم كانت في غزوة الفتح وهي في رمضان سنة ثمان وكان موت زينب قبل ذلك في جمادى الأولى من السنة فلعل المراد أنها عاذت بزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت أم سلمة فتصحفت على بعض الرواة قلت أو نسبت زينب بنت أم سلمة الى النبي صلى الله عليه وسلم مجازا لكونها ربيبته فلا يكون فيها تصحيف ثم قال شيخنا وقد أخرج أحمد هذا الحديث من طريق بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة وقال فيه فعاذت بربيب النبي صلى الله عليه وسلم براء وموحدة مكسورة وحذف لفظ بنت وقال في آخره قال بن أبي الزناد وكان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة وعمر بن أبي سلمة فعاذت بأحدهما قلت وقد ظفرت بما يدل على أنه عمر بن أبي سلمة فأخرج عبد الرزاق من مرسل الحسن بن محمد بن علي قال سرقت امرأة فذكر الحديث وفيه فجاء عمر بن أبي سلمة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أي أبه إنها عمتي فقال لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها قال عمرو بن دينار الراوي عن الحسن فلم أشك أنها بنت الأسود بن عبد الأسد قلت ولا منافاة بين الروايتين عن جابر فإنه يحمل على أنها استجارت بأم سلمة وبأولادها وأختصها بذلك لأنها قريبتها وزوجها عمها وانما قال عمر بن أبي سلمة عمتي من جهة السن وإلا فهي بنت عمه أخي أبيه وهو كما قالت خديجة لورقة في قصة المبعث أي عم أسمع من بن أخيك وهو بن عمها أخي أبيها أيضا ووقع عند أبي الشيخ من طريق أشعث عن أبي الزبير عن جابر أن امرأة من بني مخزوم سرقت فعاذت بأسامة وكأنها جاءت مع قومها فكلموا أسامة بعد أن استجارت بأم سلمة ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت فاستشفعوا على النبي صلى الله عليه وسلم بغير واحد فكلموا أسامة قوله ثم قام فخطب في رواية قتيبة فاختطب وفي رواية يونس فلما كان العشى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا قوله فقال يا أيها الناس في رواية قتيبة بحذف يا من أوله وفي رواية يونس فقام خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد قوله انما ضل من كان قبلكم في رواية أبي الوليد هلك وكذا لمحمد بن رمح عند مسلم وفي رواية سفيان عند النسائي انما هلك بنو إسرائيل وفي رواية قتيبة أهلك من كان قبلكم قال بن دقيق العيد الظاهر أن هذا الحصر ليس عاما فان بني إسرائيل كان فيهم أمور كثيرة تقتضي الاهلاك فيحمل ذلك على حصر المخصوص وهو الاهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر ذلك في حد السرقة قلت يؤيد هذا الاحتمال ما أخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة من طريق زاذان عن عائشة مرفوعا انهم عطلوا الحدود عن الاغنياء وأقاموها على الضعفاء والأمور التي أشار إليها الشيخ سبق منها في ذكر بني إسرائيل حديث بن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا وسيأتي شرحه بعد هذا وفي التفسير حديث بن عباس في أخذ الدية من الشريف إذا قتل عمدا والقصاص من الضعيف وغير ذلك قوله انهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه في رواية قتيبة إذا سرق فيهم الشريف وفي رواية سفيان عند النسائي حين كانوا إذا أصاب فيهم الشريف الحد تركوه ولم يقيموه عليه وفي رواية إسماعيل بن أمية وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه قوله وايم الله تقدم ضبطها في كتاب الأيمان والنذور ووقع مثله في رواية إسحاق بن راشد ووقع في رواية أبي الوليد والذي نفسي بيده وفي رواية يونس والذي نفس محمد بيده قوله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت هذا من الأمثلة التي صح فيها أن لو حرف امتناع لامتناع وقد أتقن القول في ذلك صاحب المغني وسيأتي بسط ذلك في كتاب التمني إن شاء الله تعالى وقد ذكر بن ماجد عن محمد بن رمح شيخه في هذا الحديث سمعت الليث يقول عقب هذا الحديث قد أعاذها الله من أن تسرق وكل مسلم ينبغي له أن يقول هذا ووقع للشافعي أنه لما ذكر هذا الحديث قال فذكر عضوا شريفا من امرأة شريفة واستحسنوا ذلك منه لما فيه من الأدب البالغ وانما خص صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته بالذكر لأنها أعز أهله عنده ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف وترك المحاباة في ذلك ولأن اسم السارقة وافق اسمها عليها السلام فناسب أن يضرب المثل بها قوله لقطع محمد يدها في رواية أبي الوليد والأكثر لقطعت يدها وفي الأول تجريد زاد يونس في روايته من رواية بن المبارك عنه كما مضى في غزوة الفتح ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها ووقع في حديث بن عمر في رواية للنسائي قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها وفي أخرى له فأمر بها فقطعت وفي حديث جابر عند الحاكم فقطعها وذكر أبو داود تعليقا عن محمد بن عبد الرحمن بن غنج عن نافع عن صفية بن أبي عبيد نحو حديث المخزومية وزاد فيه قال نشهد عليها وزاد يونس أيضا في روايته قالت عائشة فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه الإسماعيلي من طريق نعيم بن حماد عن بن المبارك وفيه قال عروة قالت عائشة ووقع في رواية شعيب عند الإسماعيلي في الشهادات وفي رواية بن أخي الزهري عند أبي عوانة كلاهما عن الزهري قال وأخبرني القاسم بن محمد أن عائشة قالت فنكحت تلك المرأة رجلا من بني سليم وتابت وكانت حسنة التلبس وكانت تأتيني فأرفع حاجتها الحديث وكأن هذه الزيادة كانت عند الزهري عن عروة وعن القاسم جميعا عن عائشة وعندهما زيادة على الآخر وفي آخر حديث مسعود بن الحكم عند الحاكم قال بن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يرحمها ويصلها وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد أنها قالت هل لي من توبة يا رسول الله فقال أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك وفي هذا الحديث من الفوائد منع الشفاعة في الحدود وقد تقدمت في الترجمة الدلالة على تقييد بما إذا انتهى ذلك الى أولي الأمر واختلف العلماء في ذلك فقال أبو عمر بن عبد البر لا أعلم خلافا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف فقال لا يشفع للأول مطلقا سواء بلغ الإمام أم لا وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام وتمسك بحديث الباب من أوجب إقامة الحد على القاذف إذا بلغ الإمام ولو عفا المقذوف وهو قول الحنفية والثوري والأوزاعي وقال مالك والشافعي وأبو يوسف يجوز العفو مطلقا ويدرأ بذلك الحد لأن الإمام لو وجد بعد عفو المقذوف لجاز أن يقيم البينة بصدق القاذف فكانت تلك شبهة قوية وفيه دخول النساء مع الرجال في حد السرقة وفيه قبول توبة السارق ومنقبة لأسامة وفيه ما يدل على أن فاطمة عليها السلام عند أبيها صلى الله عليه وسلم في أعظم المنازل فأن في القصة إشارة الى أنها الغاية في ذلك عنده ذكره بن هبيرة وقد تقدمت مناسبة اختصاصها بالذكر دون غيرها من رجال أهله ولا يؤخذ منه أنها أفضل من عائشة لأن من جملة ما تقدم من المناسبة كون اسم صاحبة وافق اسمها ولا تنتفى المساواة وفيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولدا أو قريبا أو كبير القدر والتشديد في ذلك والانكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر للمبالغة في الزجر عن الفعل ومراتب ذلك مختلفة ولا يحق ندب الاحتراز من ذلك حيث لا يترجح التصريح بحسب المقام كما تقدم نقله عن الليث والشافعي ويؤخذ منه جواز الإخبار عن أمر مقدر يفيد القطع بأمر محقق وفيه أن من حلف على أمر لا يتحقق أنه يفعله أو لا يفعله لا يحنث كمن قال لمن خاصم أخاه والله لو كنت حاضرا لهشمت أنفك خلافا لمن قال يحنث مطلقا وفيه جواز التوجع لمن أقيم عليه الحد بعد إقامته عليه وقد حكى بن الكلبي في قصة أم عمرو بنت سفيان أن امرأة أسيد بن حضير أوتها بعد أن قطعت وصنعت لها طعاما وأن أسيدا ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كالمنكر على امرأته فقال رحمتها رحمها الله وفيه الاعتبار بأحوال من مضى من الأمم ولا سيما من خالف أمر الشرع وتمسك به بعض من قال إن شرع من قبلنا شرع لنا لأن فيه إشارة الى تحذير من فعل الشيء الذي جر الهلاك الى الذين من قبلنا لئلا يهلك كما هلكوا وفيه نظر وإنما يتم أن لو لم يرد قطع السارق في شرعنا وأما اللفظ العام فلا دلالة فيه على المدعي أصلا

قوله باب قول الله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما كذا أطلق في الآية اليد وأجمعوا على أن المراد اليمنى إن كانت موجودة واختلفوا فيما لو قطعت الشمال عمدا أو خطأ هل يجزئ وقدم السارق على السارقة وقدمت الزانية على الزاني لوجود السرقة غالبا في الذكورية ولأن داعية الزنا في الإناث أكثر ولأن الأنثى سبب في وقوع الزنا إذ لا يتأتى غالبا إلا بطواعيتها وقوله بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة الى أن المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر الى الجنسين المتلفظ بهما والسرقة بفتح السين وكسر الراء ويجوز إسكانها ويجوز كسر أوله وسكون ثانيه الأخذ خفية وعرفت في الشرع بأخذ شيء خفية ليس للآخذ أخذه ومن اشترط الحرز وهم الجمهور زاد فيه من حرز مثله قال بن بطال الحرز مستفاد من معنى السرقة يعني في اللغة ويقال لسارق الإبل الخارب بخاء معجمة وللسارق بالمكيال مطفف وللسارق في الميزان مخسر في أشياء أخرى ذكرها بن خالويه في كتاب ليس قال المازري ومن تبعه صان الله الأموال بايجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب ولسهولة إقامة البينة على ما عدا السرقة بخلافها وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد ثم لما خانت هانت وفي ذلك إشارة الى الشبهه التي نسبت الى أبي العلاء المعري في قوله يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله صيانة العضو أغلاها وأرخصها صيانة المال فافهم حكمة الباري وشرح ذلك أن الدية لو كانت ربع دينار لكثرت الجنايات على الأيدي ولو كان نصاب القطع خمسمائة دينار لكثرت الجنايات على الأموال فظهرت الحكمة في الجانبين وكان في ذلك صيانة من الطرفين وقد عسر فهم المعنى المقدم ذكره في الفرق بين السرقة وبين النهب ونحوه على بعض منكري القياس فقال القطع في السرقة دون الغصب وغيره غير معقول المعنى فان الغصب أكثر هتكا للحرمة من السرقة فدل على عدم اعتبار القياس لأنه إذا لم يعمل به في الأعلى فلا يعمل به في المساوي وجوابه أن الأدلة على العمل بالقياس أشهر من أن يتكلف لإيرادها وستأتي الإشارة الى شيء من ذلك في كتاب الاحكام إن شاء الله تعالى قوله وقطع علي من الكف أشار بهذا الأثر الى الاختلاف في محل القطع وقد اختلف في حقيقة اليد فقيل أولها من المنكب وقيل من المرفق وقيل من الكوع وقيل من أصول الأصابع فحجة الأول أن العرب تطلق الأيدي على ذلك ومن الثاني آية الوضوء ففيها وأيديكم الى المرافق ومن الثالث آية التيمم ففي القرآن فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه وبينت السنة كما تقدم في بابه أنه عليه الصلاة والسلام مسح على كفيه فقط وأخذ بظاهر الأول بعض الخوارج ونقل عن سعيد بن المسيب واستنكره جماعة والثاني لا نعلم من قال به في السرقة والثالث قول الجمهور ونقل بعضهم فيه الإجماع والرابع نقل عن علي واستحسنه أبو ثور ورد بأنه لا يسمى مقطوع اليد لغة ولا عرفاه بل مقطوع الأصابع وبحسب هذا الاختلاف وقع الحلف في محل القطع فقال بالأول الخوارج وهم محجوجون بإجماع السلف على خلاف قولهم وألزم بن حزم الحنفية بأن يقولوا بالقطع من المرفق قياسا على الوضوء وكذا التيمم عندهم قال وهو أولى من قياسهم قدر المهر على نصاب السرقة ونقله عياض قولا شاذا وحجة الجمهور الأخذ بأقل ما ينطلق عليه الاسم لأن اليد قبل السرقة كانت محترمة فلما جاء النص بقطع اليد وكانت تطلق على هذه المعاني وجب أن لا يترك المتيقن وهو تحريمها إلا بمتيقن وهو القطع من الكف وأما الأثر عن علي فوصله الدارقطني من طريق حجية بن عدي أن عليا قطع من المفصل وأخرج بن أبي شيبة من مرسل رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع من المفصل وأورده أبو الشيخ في كتاب حد السرقة من وجه آخر عن رجاء عن عدي رفعه مثله ومن طريق وكيع عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر رفعه مثله وأخرج سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان عمر يقطع من المفصل وعلي يقطع من مشط القدم وأخرج بن أبي شيبة من طريق بن أبي حيوة أن عليا قطعه من المفصل وجاء عن علي أنه قطع اليد من الأصابع والرجل من مشط القدم أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه وهو منقطع وان كان رجال السند من رجال الصحيح وقد أخرج عبد الرزاق من وجه آخر أن عليا كان يقطع الرجل من الكعب وذكر الشافعي في كتاب اختلاف علي وابن مسعود أن عليا كان يقطع من يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصة ويقول استحي من الله أن أتركه بلا عمل وهذا يحتمل أن يكون بقي الإبهام والسبابة وقطع الكف والاصابع الثلاثة ويحتمل أن يكون بقي الكف أيضا والأول أليق لأنه موافق لما نقل البخاري أنه قطع من الكف وقد وقع في بعض النسخ بحذف من بلفظ وقطع على الكف قوله وقال قتادة في امرأة سرقت فقطعت شمالها ليس إلا ذلك وصله أحمد في تاريخه عن محمد بن الحسين الواسطي عن عوف الأعرابي عنه هكذا قرأت بخط مغلطاي في شرحه ولم يسق لفظه وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فذكر مثل قول الشعبي لا يزاد على ذلك قد أقيم عليه الحد وكان ساق بسنده عن الشعبي أنه سئل عن سارق قدم ليقطع فقدم شماله فقطعت فقال لا يزاد على ذلك وأشار المصنف بذكره الى أن الأصل أن أول شيء يقطع من السارق اليد اليمنى وهو قول الجمهور وقد قرأ بن مسعود فاقطعوا أيمانهما وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم قال هل قراءتنا يعني أصحاب بن مسعود ونقل فيه عياض الإجماع وتعقب نعم قد شذ من قال إذا قطع الشمال أجزأت مطلقا كما هو ظاهر النقل عن قتادة وقال مالك إن كان عمدا وجب القصاص على القاطع ووجب قطع اليمين وان كان خطأ وجبت الدية ويجزىء عن السارق وكذا قال أبو حنيفة عن الشافعي وأحمد قولان في السارق واختلف السلف فيمن سرق فقطع ثم سرق ثانيا فقال الجمهور تقطع رجله اليسرى ثم إن سرق فاليد اليسرى ثم إن سرق فالرجل اليمنى واحتج لهم بآية المحاربة وبفعل الصحابة وبأنهم فهموا من الآية أنها في المرة الواحدة فإذا عاد السارق وجب عليه القطع ثانيا الى أن لا يبقى له ما يقطع ثم إن سرق عزر وسجن وقيل يقتل في الخامسة قاله أبو مصعب الزهري المدني صاحب مالك وحجته ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث جابر قال جيء بسارق الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقتلوه فقالوا يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه ثم جيء به الثانية فقال أقتلوه ذكر مثله الى أن قال فأتى به الخامسة فقال أقتلوه قال جابر فأنطلقنا به فقتلناه ورميناه في بئر قال النسائي هذا حديث منكر ومصعب بن ثابت راويه ليس بالقوي وقد قال بعض أهل العلم كابن المنكدر والشافعي أن هذا منسوخ وقال بعضهم هو خاص بالرجل المذكور فكأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على أنه واجب القتل ولذلك أمر بقتله من أول مرة ويحتمل أنه كان من المفسدين في الأرض قلت وللحديث شاهد من حديث الحارث بن حاطب أخرجه النسائي ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص فقال أقتلوه فقالوا إنما سرق فذكر نحو حديث جابر في قطع أطرافه الأربع إلا أنه قال في آخره ثم سرق الخامسة في عهد أبي بكر فقال أبو بكر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال أقتلوه ثم دفعه الى فتية من قريش فقتلوه قال النسائي لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا قلت نقل المنذري تبعا لغيره فيه الإجماع ولعلهم أرادوا أنه استقر على ذلك وإلا فقد جزم الباجي في اختلاف العلماء أنه قول مالك ثم قال وله قول آخر لا يقتل وقال عياض لا أعلم أحدا من أهل العلم قال به إلا ما ذكر أبو مصعب صاحب مالك في مختصره عن مالك وغيره من أهل المدينة فقال ومن سرق ممن بلغ الحلم قطع يمينه ثم ان عاد فرجله اليسرى ثم إن عاد فيده اليسرى ثم إن عاد فرجله اليمنى فان سرق في الخامسة قتل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن عبد العزيز انتهى وفيه قول ثالث بقطع اليد بعد اليد ثم الرجل بعد الرجل نقل عن أبي بكر وعمر ولا يصح وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن القاسم بن محمد أن أبا بكر قطع يد سارق في الثالثة ومن طريق سالم بن عبد الله أن أبا بكر انما قطع رجله وكان مقطوع اليد ورجال السندين ثقات مع انقطاعهما وفيه قول رابع تقطع الرجل اليسرى بعد اليمنى ثم لا قطع أخرجه عبد الرزاق من طريق الشعبي عن علي وسنده ضعيف ومن طريق أبي الضحى أن عليا نحوه ورجاله ثقات مع انقطاعه وبسند صحيح عن إبراهيم النخعي كانوا يقولون لا يترك بن آدم مثل البهيمة ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها وبسند حسن عن عبد الرحمن بن عائذ أن عمر أراد أن يقطع في الثالثة فقال له علي اضربه وأحبسه ففعل وهذا قول النخعي والشعبي والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وفيه قول خامس قاله عطاء لا يقطع شيء من الرجلين أصلا على ظاهر الآية وهو قول الظاهرية قال بن عبد البر حديث القتل في الخامسة منكر وقد ثبت لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وثبت السرقة فاحشة وفيها عقوبة وثبت عن الصحابة قطع الرجل بعد اليد وهم يقرءون والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما كما اتفقوا على الجزاء في الصيد وإن قتل خطأ وهم يقرءون ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ويمسحون على الخفين وهم يقرءون غسل الرجلين وانما قالوا جميع ذلك بالسنة ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث عائشة من طريقين الأولى

[ 6407 ] قوله عن عمرة قال الدارقطني في العلل اقتصر إبراهيم بن سعد وسائر من رواه عن بن شهاب على عمرة ورواه يونس عنه فزاد مع عمرة عروة قلت وحكى بن عبد البر أن بعض الضعفاء وهو إسحاق الحنيني بمهملة ونونين مصغر رواه عن مالك عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة وكذا روى عن الأوزاعي عن الزهري قال بن عبد البر وهذان الاسنادان ليسا صحيحين وقول إبراهيم ومن تابعه هو المعتمد وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية زكريا بن يحيى وحمويه عن إبراهيم بن سعد ورواية يونس يجمعهما صحيحة قلت وقد صرح بن أخي بن شهاب عن عمه بسماعه له من عمرة وبسماع عمرة له من عائشة أخرجه أبو عوانة وكذا عند مسلم من وجه آخر عن عمرة أنها سمعت عائشة قوله تقطع اليد في ربع دينار في رواية يونس تقطع يد السارق وفي رواية حرملة عن بن وهب عند مسلم لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار وكذا عنده من طريق سليمان بن يسار عن عمرة قوله فصاعدا قال صاحب المحكم يختص هذا بالفاء ويجوز ثم بدلها ولا تجوز الواو وقال بن جني هو منصوب على الحال المؤكدة أي ولو زاد ومن المعلوم أنه إذا زاد لم يكن إلا صاعدا قلت ووقع في رواية سليمان بن يسار عن عمرة عند مسلم فما فوقه بدل فصاعدا وهو بمعناه قوله وتابعه عبد الرحمن بن خالد وابن أخي الزهري ومعمر عن الزهري أي في الاقتصار على عمرة ثم ساق رواية يونس وليس في أخره فصاعدا وقد أخرجه مسلم عن حرملة والإسماعيلي من طريق همام كلاهما عن بن وهب بإثباتها وأما متابعة عبد الرحمن بن خالد وهو بن مسافر فوصلها الذهلي في الزهريات عن عبد الله بن صالح عن الليث عنه نحو رواية إبراهيم بن سعد وقرأت بخط مغلطاي وقلده شيخنا بن الملقن أن الذهلي أخرجه في علل حديث الزهري عن محمد بن بكر وروح بن عبادة جميعا عن عبد الرحمن وهذا الذي قاله لا وجود له بل ليس لروح ولا لمحمد بن بكر عن عبد الرحمن هذا رواية أصلا وأما متابعة بن أخي الزهري وهو محمد بن عبد الله بن مسلم فوصلها أبو عوانة في صحيحه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن بن أخي بن شهاب عن عمه وقرأت بخط مغلطاي وقلده شيخنا أيضا أن الذهلي أخرجه عن روح بن عبادة عنه قلت ولا وجود له أيضا وإنما أخرجه عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأما متابعة معمر فوصلها أحمد عن عبد الرزاق عنه وأخرجه مسلم من رواية عبد الرزاق لكن لم يسق لفظه وساق النسائي ولفظه تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ووصلها أيضا هو وأبو عوانة من طريق سعيد بن أبي عروبة عن معمر وقال أبو عوانة في أخره قال سعيد نبلنا معمرا رويناه عنه وهو شاب وهو بنون وموحدة ثقيلة أي صيرناه نبيلا قلت وسعيد أكبر من معمر وقد شاركه في كثير من شيوخه ورواه بن المبارك عن معمر لكن لم يرفعه أخرجه النسائي وقد رواه عن الزهري أيضا سليمان بن كثير أخرجه مسلم من رواية يزيد بن هارون عنه مقرونا برواية إبراهيم بن سعد قوله عن يونس في رواية مسلم عن حرملة وأبي داود عن أحمد بن صالح كلاهما عن بن وهب قوله حدثنا الحسين هو بن ذكوان المعلم وهو بصري ثقة وفي طبقة حسين بن واقد قاضي مرو وهو دونه في الإتقان قوله عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري في رواية الإسماعيلي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث سمعت أبي يقول حدثنا الحسين المعلم عن يحيى حدثني محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال الإسماعيلي رواه حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير كذلك وقال همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة قلت نسب عبد الرحمن الى جده وهو عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال الإسماعيلي ورواه إبراهيم القناد عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان كذا حدثناه بن صاعد عن لوين عن القناد والذي قبله أصح وبه جزم البيهقي وأن من قال فيه بن ثوبان فقد غلط قلت وأخرجه النسائي من رواية عبد الرحمن بن أبي الرجال عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرة عن عائشة مرفوعا ولفظه تقطع يد السارق في ثمن المجن وثمن المجن ربع دينار وأخرجه من طريق سليمان بن يسار عن عمرة بلفظ لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع دينار وقد توبع حسين المعلم عن يحيى أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق هقل بن زياد عنه بلفظه قوله عن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أي أنها حدثته وكذا في قوله عن عائشة حدثتهم وقد جرت عادتهم بحذفها في مثل هذا كما أكثروا من حذف قال في مثل حدثنا عثمان حدثنا عبدة وفي مثل سمعت أبي حدثنا فلان وذكر بن الصلاح أنه لا بد من النطق بقال وفيه بحث ولم ينبه على حذف أن التي أشرت إليها وفي رواية عبد الصمد المذكورة أن عمرة حدثته أن عائشة أم المؤمنين حدثتها قوله تقطع اليد في ربع دينار هكذا في هذه الرواية مختصرا وكذا في رواة مسلم وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح عن بن وهب بلفظ القطع في ربع دينار فصاعدا وعن وهب بن بيان عن بن وهب بلفظ تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا وأخرجه النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس بلفظ تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ورواه مالك في رفعه صريحا لكنه في معنى المرفوع وأخرجه الطحاوي من رواية بن عيينة عن يحيى كذلك ومن رواية جماعة عن عمرة موقوفا على عائشة قال بن عيينة ورواية يحيى مشعرة بالرفع ورواية الزهري صريحة فيه وهو أحفظهم وقد أخرجه مسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة مثل رواية سليمان بن يسار عنها التي أشرت إليها آنفا وكذا أخرجه النسائي من طريق بن الهاد بلفظ لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا وأخرجه من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة موقوفا وحاول الطحاوي تعليل رواية أبي بكر المرفوعة برواية ولده الموقوفة وأبو بكر أتقن وأعلم من ولده على أن الموقوف في مثل هذا لا يخالف المرفوع لأن الموقوف محمول على طريق الفتوى والعجب أن الطحاوي ضعف عبد الله بن أبي بكر في موضع آخر ورام هنا تضعيف الطريق القويمة بروايته وكأن البخاري أراد الاستظهار لرواية الزهري عن عمرة بموافقة محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عنها لما وقع في رواية بن عيينة عن الزهري من الاختلاف في لفظ المتن هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من فعله وكذا رواه بن عيينة عن غير الزهري فيما أخرجه النسائي عن قتيبة عنه عن يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وزريق صاحب أيلة أنهم سمعوا عمرة عن عائشة قالت القطع في ربع دينار فصاعدا ثم أخرجه النسائي من طرق عن يحيى بن سعيد به مرفوعا وموقوفا وقال الصواب ما وقع في رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ما طال على العهد ولا نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا وفي هذا إشارة الى الرفع والله أعلم وقد تعلق بذلك بعض من لم يأخذ بهذا الحديث فذكره يحيى بن يحيى وجماعة عن بن عيينة بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا أورده الشافعي والحميدي وجماعة عن بن عيينة بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقطع اليد الحديث وعلى هذا التعليل عول الطحاوي فأخرج الحديث عن يونس بن عبد الأعلى عن بن عيينة بلفظ كان يقطع وقال هذا الحديث لا حجة فيه لأن عائشة إنما أخبرت عما قطع فيه فيحتمل أن يكون ذلك لكونها قومت ما وقع القطع فيه إذ ذاك فكان عندها ربع دينار فقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع في ربع دينار مع احتمال أن تكون القيمة يومئذ أكثر وتعقب باستبعاد أن تجزم عائشة بذلك مستندة الى ظنها المجرد وأيضا فاختلاف التقويم وان كان ممكن لكن محال في العادة أن يتفاوت هذا التفاوت الفاحش بحيث يكون عند قوم أربعة اضعاف قيمته عند آخرين وانما يتفاوت بزيادة قليلة أو نقص قليل ولا يبلغ المثل غالبا وادعى الطحاوي اضطراب الزهري في هذا الحديث لاختلاف الرواة عنه في لفظه ورد بأن من شرط الاضطراب أن تتساوى وجوهه فأما إذا رجح بعضها فلا ويتعين الأخذ بالراجح وهو هنا كذلك لأن جل الرواة عن الزهري ذكروه عن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم على تقرير قاعدة شرعية في النصاب وخالفهم بن عيينة تارة ووافقهم تارة فالأخذ بروايته الموافقة للجماعة أولى وعلى تقدير أن يكون بن عيينة اضطرب فيه فلا يقدح ذلك في رواية من ضبطه وأما نقل الطحاوي عن المحدثين أنهم يقدمون بن عيينة في الزهري على يونس فليس متفقا عليه بل أكثرهم على العكس وممن جزم بتقديم يونس على سفيان في الزهري يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري وذكر أن يونس صحب الزهري أربع عشر سنة وكان يزامله في السفر وينزل عليه الزهري إذا قدم أيلة وكان يذكر أنه كان يسمع الحديث الواحد من الزهري مرارا وأما بن عيينة فانما سمع منه سنة ثلاث وعشرين ومائة ورجع الزهري فمات في التي بعدها ولو سلم أن بن عيينة أرجح في الزهري من يونس فلا معارضة بين روايتيهما فتكون عائشة أخبرت في الفعل والقول معا وقد وافق الزهري في الرواية عن عمرة جماعة كما سبق وقد وقع الطحاوي في معابه على من احتج بحديث الزهري مع اضطرابه على رأيه فأحتج بحديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن بن عباس قال قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم أخرجه أبو داود واللفظ له وأحمد والنسائي والحاكم ولفظ الطحاوي كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم وهو أشد في الاضطراب من حديث الزهري فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن عمرو بن شعيب عن عطاء عن بن عباس وقيل عنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه كانت قيمة المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم وقيل عنه عن عمرو عن عطاء مرسلا وقيل عن عطاء عن أيمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته دينار كذا قال منصور والحكم بن عتيبة عن عطاء وقيل عن منصور عن مجاهد وعطاء جميعا عن أيمن وقيل عن مجاهد عن أيمن بن أم أيمن عن أم أيمن قالت لم يقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ثمن المجن وثمنه يومئذ دينار أخرجه النسائي ولفظ الطحاوي لا تقطع يد السارق إلا في حجفة وقومت يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا أو عشرة دراهم وفي لفظ له أقل ما يقطع فيه السارق ثمن المجن وكان يقوم يومئذ بدينار واختلف في لفظه أيضا على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقال حجاج بن أرطاة عنه بلفظ لا قطع فيما دون عشرة دراهم وهذه الرواية لو ثبتت لكانت نصا في تحديد النصاب إلا أن حجاج بن أرطاة ضعيف ومدلس حتى ولو ثبت روايته لم تكن مخالفة لرواية الزهري بل يجمع بينهما بأنه كان أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر كما تقدم وأما سائر الروايات فليس فيها إلا أخبار عن فعل وقع في عهده صلى الله عليه وسلم وليس فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية بن عمر الآتية أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وهو مع كونه حكاية فعل فلا يخالف حديث عائشة من رواية الزهري فأن ربع دينار صرفه ثلاثة دراهم وقد أخرج البيهقي من طريق بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن يسار عن عمرة قالت قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع دينار وأخرج أيضا من طريق بن إسحاق عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال أتيت بنبطي قد سرق فبعثت الى عمرة فقالت أي بني ان لم يكن بلغ ما سرق ربع دينار فلا تقطعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثتني عائشة أنه قال لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا فهذا يعارض حديث بن إسحاق الذي اعتمده الطحاوي وهو من رواية بن إسحاق أيضا وجمع البيهقي بين ما اختلف في ذلك عن عائشة بأنها كانت تحدث به تارة وتارة تستفتى فتفتي واستند الى ما أخرجه من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة ان جارية سرقت فسئلت عائشة فقالت القطع في ربع دينار فصاعدا الطريق الثاني لحديث عائشة

[ 6408 ] قوله حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة هو بن سليمان ثم قال حدثنا عثمان حدثنا حميد بن عبد الرحمن وقد أخرجه مسلم عن عثمان هذا قال حدثنا عبدة بن سليمان وحميد بن عبد الرحمن جمعهما وضمهما الى غيرهما فقال كلهم عن هشام وحميد بن عبد الرحمن هذا هو الرؤاسي بضم الراء ثم همزة خفيفة ثم سين مهملة وقد أخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عنه ونسب كذلك قوله عن أبيه أخبرتني عائشة أن يد السارق لم تقطع الخ وقع عند الإسماعيلي من طريق هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان فيه زيادة قصة في السند ولفظه عن هشام بن عروة أن رجلا سرق قدحا فأتى به عمر بن عبد العزيز فقال هشام بن عروة قال أبي إن اليد لا تقطع في الشيء التافه ثم قال حدثتني عائشة وهكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبدة بن سليمان وهكذا رواه وكيع وغيره عن هشام لكن أرسله كله قوله لم يقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا في ثمن مجن حجفة أو ترس المجن بكسر الميم وفتح الجيم مفعل من الاجتنان وهو الاستتار مما يحاذره المستتر وكسرت ميمه لأنه آلة في ذلك والجحفة بفتح المهملة والجيم ثم فاء هي الدرقة وقد تكون من خشب أو عظم وتغلف بالجلد أو غيره والترس مثله لكن يطارق فيه بين جلدين وقيل هما بمعنى واحد وعلى الأول أو في الخبر للشك وهو المعتمد ويؤيده رواية عبد الله بن المبارك عن هشام التي تلي رواية حميد بن عبد الرحمن بلفظ في أدنى ثمن جحفة أو ترس كل واحد منهما ذو ثمن والتنوين في قوله ثمن للتكثير والمراد أنه ثمن يرغب فيه فأخرج الشيء التافه كما فهمه عروة راوي الخبر وليس المراد ترسا بعينه ولا حجفة بعينها وانما المراد الجنس وأن القطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن سواء كان ثمن المجن كثيرا أو قليلا والاعتماد انما هو على الأقل فيكون نصابا ولا يقطع فيما دونه ورواية أبي أسامة عن هشام جامعة بين الروايتين المذكورتين أولا وقوله فيها كان كل واحد منهما ذا ثمن كذا ثبت في الأصول وأفاد الكرماني أنه وقع في بعض النسخ وكان كل واحد منهما ذا ثمن كذا ثبت في الأصول وأفاد الكرماني في كان قوله رواه وكيع وابن إدريس عن هشام عن أبيه مرسلا أما رواية وكيع فأخرجها بن أبي شيبة في مصنفه عنه ولفظه عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان السارق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقطع في ثمن المجن وكان المجن يومئذ له ثمن ولم يكن يقطع في الشيء التافه وأما رواية بن إدريس وهو عبد الله الأودي الكوفي فأخرجها الدارقطني في العلل والبيهقي من طريق يوسف بن موسى عن جرير وعبد الله بن إدريس ووكيع ثلاثتهم عن هشام عن أبيه أن يد السارق لم تقطع فذكر مثل سياق أبي أسامة سواء وزاد ولم يكن يقطع في الشيء التافه وقرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا بن الملقن أن رواية بن إدريس عند عبد الرزاق عنه فيما ذكره الطبراني في الأوسط كذا قال الإسماعيلي ووصله أيضا عن هشام عمر بن علي المقدمي وعثمان الغطفان وعبد الله بن قبيصة الفزاري وأرسله أيضا عبد الرحيم بن سليمان وحاتم بن إسماعيل وجرير قلت وقد ذكرت رواية جرير وأما عبد الرحمن فاختلف عليه فقيل عنه مرسلا ووصله عنه أبو بكر بن أبي شيبة أخرجه مسلم تنبيه لم تختلف الرواة عن هشام بن عروة عن أبيه في هذا المتن وأما الزهري فاختلف عليه في سنده ولم يختلف عليه في المتن أيضا كما تقدم وهو حافظ فيحتمل أن يكون عروة حدثه به على الوجهين كما تقدم ويحتمل أن يكون لفظ عروة هو الذي حفظه هشام عنه وحمل يونس حديث عروة على حديث عمرة فساق على لفظ عمرة وهذا يقع لهم كثيرا ويشهد للأول أن النسائي أخرجه من طريق حفص بن حسان عن يونس عن الزهري عن عروة وحده عن عائشة بلفظ رواية بن عيينة ورواه أيضا من رواية القاسم بن مبرور عن يونس بهذا السند لكن لفظ المتن أو نصف دينار فصاعدا وهي رواية شاذة الحديث الثاني حديث بن عمر

[ 6411 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم أورده من حديث مالك قال بن حزم لم يروه عن بن عمر إلا نافع وقال بن عبد البر هو أصح حديث روي في ذلك قوله تابعه محمد بن إسحاق يعني عن نافع أي في قوله ثمنه وروايته موصولة عند الإسماعيلي من طريق عبد الله بن المبارك عن مالك ومحمد بن إسحاق وعبيد الله بن عمر ثلاثتهم عن نافع

[ 6412 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم وقد أخرجه المؤلف رحمه الله من رواية جريرية وهو بن أسماء مثل هذا السياق سواء ومن رواية عبيد الله وهو بن عمر أي العمري مثله ومن رواية موسى بن عقبة عن نافع بلفظ

[ 6413 ] قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد سارق مثله قوله وقال الليث حدثني نافع قيمته يعني أن الليث رواه عن نافع كالجماعة لكن قال قيمته بدل قولهم ثمنه ورواية الليث وصلها مسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم وأخرجه مسلم أيضا من رواية سفيان الثوري عن أبي أيوب السختياني وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية ومن رواية بن وهب عن حنظلة بن أبي سفيان ومالك وأسامة بن زيد كلهم عن نافع قال بعضهم ثمنه وقال بعضهم قيمته هذا لفظ مسلم ولم يميز وقد أخرجه أبو داود من رواية بن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن نافع ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترسا من صيغة النساء ثمنه ثلاثة دراهم وأخرجه النسائي من رواية بن وهب عن حنظلة وحده بلفظ ثمنه ومن طريق مخلد بن يزيد عن حنظلة بلفظ قيمته فوافق الليث في قوله قيمته لكن خالف الجميع فقال خمسة دراهم وقول الجماعة ثلاثة دراهم هو المحفوظ وقد أخرجه الطحاوي من طريق عبيد الله بن عمر بلفظ قطع في مجن قيمته ومن رواية أيوب ومن رواية مالك قال مثله ومن رواية بن إسحاق بلفظ أتي برجل سرق حجفة قيمتها ثلاثة دراهم فقطعه تنبيه قوله قطع معناه أمر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يباشر القطع بنفسه وقد تقدم في الباب قبله أن بلالا هو الذي باشر قطع يد المخزومية فيحتمل أن يكون هو الذي كان موكلا بذلك ويحتمل غيره وقوله قيمته قيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة فيه وأصله قومة فأبدلت الواو ياء لوقوعها بعد كسره به المبيع عند البيع والذي يظهر أن المراد هنا القيمة وأن من رواه بلفظ قد يختلفان والمعتبر إنما هو القيمة ولعل التعبير بالثمن لكونه صادف القيمة في ذلك الوقت في ظن الراوي أو باعتبار الغلبة وقد تمسك مالك بحديث بن عمر في اعتبار النصاب بالفضة وأجاب الشافعية وسائر من خالفه بأنه ليس في طرقه أنه لا يقطع في أقل من ذلك وأورد الطحاوي حديث سعد الذي أخرجه بن مالك أيضا وسنده ضعيف ولفظه لا يقطع السارق إلا في المجن قال فعلمنا أنه لا يقطع في أقل من ثمن المجن لكن اختلف في ثمن المجن ثم ساق حديث بن عباس قال كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم قال فالاحتياط أن لا يقطع إلا فيما اجتمعت فيه هذه الآثار وهو عشرة ولا يقطع فيما دونها لوجود الاختلاف فيه وتعقب بأنه لو سلم في الدراهم لم يسلم في النص الصريح في ربع دينار كما تقدم إيضاحه ودفع ما أعله به والجمع بين ما اختلفت الروايات في ثمن المجن ممكن بالحمل على اختلاف الثمن والقيمة أو على تعدد المجان التي قطع فيها وهو أولى وقال بن دقيق العيد الاستدلال بقوله قطع في مجن على اعتبار النصاب ضعيف لأنه حكاية فعل ولا يلزم من القطع في هذا المقدار عدم القطع فيما دونه بخلاف قوله يقطع في ربع دينار فصاعدا فأنه بمنطوقه يدل على أنه يقطع فيما إذا بلغ وكذا فيما زاد عليه وبمفهومه على أنه لا قطع فيما دون ذلك قال واعتماد الشافعي على حديث عائشة وهو قول أقوى في الاستدلال من الفعل المجرد وهو قوي في الدلالة على الحنفية لأنه صريح في القطع في دون القدر الذي يقولون بجواز القطع فيه ويدل على القطع فيما يقولون به بطريق الفحوى وأما دلالته على عدم القطع في دون ربع دينار فليس هو من حيث منطوقه بل من حيث مفهومه فلا يكون حجة على من لا يقول بالمفهوم قلت وقرر الباجي طريق الأخذ بالمفهوم هنا فقال دل التقويم على أن القطع يتعلق بقدر معلوم وإلا فلا يكون لذكره فائدة وحينئذ فالمعتمد ما ورد به النص صريحا مرفوعا في اعتبار ربع دينار وقد خالف من المالكية في ذلك من القدماء بن عبد الحكم وممن بعدهم بن العربي فقال ذهب سفيان الثوري مع جلالته في الحديث الى أن القطع لا يكون إلا في عشرة دراهم وحجته أن اليد محترمة بالإجماع فلا تستباح إلا بما أجمع عليه والعشرة متفق على القطع فيها عند الجميع فيتمسك به ما لم يقع الاتفاق على ما دون ذلك وتعقب بأن الآية دلت على القطع في كل قليل وكثير وإذا اختلفت الروايات في النصاب أخذ بأصح ما ورد في الأقل ولم يصح أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم فكان اعتبار ربع دينار أقوى من وجهين أحدهما أنه صريح في الحصر حيث ورد بلفظ لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا وسائر الأخبار الصحيحة الواردة حكاية فعل لا عموم فيها والثاني أن المعول عليه في القيمة الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها ويؤيده ما نقل الخطابي استدلالا على أن أصل النقد في ذلك الزمان الدنانير بأن الصكاك القديمة كان يكتب فيها عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل فعرفت الدراهم بالدنانير وحصرت بها والله أعلم وحاصل المذاهب في القدر الذي يقطع السارق فيه يقرب من عشرين مذهبا الأول يقطع في كل قليل وكثير تافها كان أو غير تافه نقل عن أهل الظاهر والخوارج ونقل عن الحسن البصري وبه قال أبو عبد الرحمن بن بنت الشافعي ومقابل هذا القول في الشذوذ ما نقله عياض ومن تبعه عن إبراهيم النخعي أن القطع لا يجب إلا في أربعين درهما أو أربعة دنانير وهذا هو القول الثاني الثالث مثل الأول إلا إن كان المسروق شيئا تافها لحديث عروة الماضي لم يكن القطع في شيء من التافه ولأن عثمان قطع في فخارة خسيسة وقال لمن يسرق السياط لأن عدتم لأقطعن فيه وقطع بن الزبير في نعلين أخرجهما بن أبي شيبة وعن عمر بن عبد العزيز أنه قطع في مد أو مدين الرابع تقطع في درهم فصاعدا وهو قول عثمان البتي بفتح الموحدة وتشديد المثناة من فقهاء البصرة وربيعة من فقهاء المدينة ونسبة القرطبي الى عثمان فأطلق ظنا منه أنه الخليفة وليس كذلك الخامس في درهمين وهو قول الحسن البصري جزم به بن المنذر عنه السادس فيما زاد على درهمين ولو لم يبلغ الثلاثة أخرجه بن أبي شيبة بسند قوي عن أنس أن أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين وفي لفظ لا يساوي ثلاثة دراهم السابع في ثلاثة دراهم ويقوم ما عداها بها ولو كان ذهبا وهي رواية عن أحمد وحكاه الخطابي عن مالك الثامن مثله لكن إن كان المسروق ذهبا فنصابه ربع دينار وإن كان غيرهما فان بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطع به وان لم تبلغ لم يقطع ولو كان نصف دينار وهذا قول مالك عند اتباعه وهي رواية عن أحمد واحتج له بما أخرجه أحمد من طريق محمد بن راشد عن يحيى بن يحيى الغساني عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مرفوعا اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا في أدنى من ذلك قالت وكان ربع دينار قيمته يومئذ ثلاثة دراهم والمرفوع من هذه الرواية نص في أن المعتمد والمعتبر في ذلك الذهب والموقوف منه يقتضي أن الذهب يقوم بالفضة وهذا يمكن تأويله فلا يرتفع به النص الصريح التاسع مثله إلا إن كان المسروق غيرهما قطع به إذا بلغت قيمته أحدهما وهو المشهور عن أحمد ورواية عن إسحاق العاشر مثله لكن لا يكتفي بأحدهما إلا إذا كانا غالبين فان كان أحدهما غالبا فهو المعول عليه وهو قول جماعة من المالكية وهو الحادي عشر الثاني عشر ربع دينار أو ما يبلغ قيمته من فضة أو عرض وهو مذهب الشافعي وقد تقدم تقريره وهو قول عائشة وعمرة وأبي بكر بن حزم وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث ورواية عن إسحاق وعن داود ونقله الخطابي وغيره عن عمر وعثمان وعلي وقد أخرجه بن المنذر عن عمر بسند منقطع أنه قال إذا أخذ السارق ربع دينار قطع ومن طريق عمرة أتى عثمان بسارق سرق أترجة قومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثنى عشر فقطع ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قطع في ربع دينار كانت قيمته درهمين ونصفا الثالث عشر أربعة دراهم نقله عياض عن بعض الصحابة ونقله بن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد الرابع عشر ثلث دينار حكاه بن المنذر عن أبي جعفر الباقر الخامس عشر خمسة دراهم وهو قول بن شبرمة وابن أبي ليلى من فقهاء الكوفة ونقل عن حسن البصري وعن سليمان بن يسار أخرجه النسائي وجاء عن عمر بن الخطاب لا تقطع الخمس إلا في خمس أخرجه بن المنذر من طريق منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب عنه وأخرج بن أبي شيبة عن أبي هريرة وابن سعيد مثله ونقل أبو زيد الدبوسي عن مالك وشذ بذلك السادس عشر عشرة دينار أو ما بلغ قيمتها من ذهب أو عرض بن حزم عن طائفة وجزم بن المنذر بأنه قول النخعي الثامن عشر دينار أو عشرة دراهم أو ما يساوي أحدهما حكاه بن حزم أيضا وأخرجه بن المنذر عن علي بسند ضعيف وعن بن مسعود بسند منقطع قال وبه قال عطاء التاسع عشر ربع دينار فصاعدا من الذهب على ما دل عليه حديث عائشة ويقطع في القليل والكثير من الفضة والعروض وهو قول بن حزم ونقل بن عبد البر نحوه عن داود واحتج بأن التحديد في الذهب ثبت صريحا في حديث عائشة ولم يثبت التحديد صريحا في غيره فبقي عموم الآية على حاله فيقطع فيما قل أو كثر إلا إذا كان الشيء تافها وهو موافق للشافعي إلا في قياس أحد النقدين على الآخر وقد أيده الشافعي بأن الصرف يومئذ كان موافقا لذلك واستدل بأن الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الفضة اثنى عشر ألف دينار وتقدم في قصة الأترجة قريبا ما يؤيده ويخرج من تفصيل جماعة من المالكية أن التقويم يكون بغالب نقد البلد إن ذهبا فبالذهب وإن فضة فبالفضة تمام العشرين مذهبا وقد ثبت في حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وثبت لا قطع في أقل من ثمن المجن وأقل ما ورد في ثمن المجن ثلاثة دراهم وهي موافقة للنص الصريح في القطع في ربع دينار وانما ترك القول بأن الثلاثة دراهم نصاب يقطع فيه مطلقا لأن قيمة الفضة بالذهب تختلف فبقي الاعتبار بالذهب كما تقدم والله أعلم واستدل به على وجوب قطع السارق ولو لم يسرق من حرز وهو قول الظاهرية وأبي عبيد الله البصري من المعتزلة وخالفهم الجمهور فقالوا العام إذا خص منه شيء بدليل بقي ما عداه على عمومه وحجته سواء كان لفظه ينبىء عما ثبت في ذلك الحكم بعد التخصيص أم لا لأن آية السرقة عامة في كل من سرق فخص الجمهور منها من سرق من غير حرز فقالوا لا يقطع وليس في الآية ما ينبىء عن اشتراط الحرز وطرد البصري أصله في الاشتراط المذكور فلم يشترط الحرز ليستمر الاحتجاج بالآية نعم وزعم بن بطال أن شرط الحرز مأخوذ من معنى السرقة فان صح ما قال سقطت حجة البصري أصلا واستدل به على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لأن آية السرقة نزلت في سارق رداء صفوان أو سارق المجن وعمل بها الصحابة في غيرهما من السارقين واستدل بإطلاق ربع دينار على أن القطع يجب بما صدق عليه ذلك من الذهب سواء كان مضروبا أو غير مضروب جيدا كان أو رديئا وقد اختلف فيه الترجيح عند الشافعية ونص الشافعي في الزكاة فلى ذلك وأطلق في السرقة فجزم الشيخ أبو حامد واتباعه بالتعميم هنا وقال الاصطخري لا يقع إلا في المضروب ورجحه الرافعي وقيد الشيخ أبو حامد النقل عن الاصطخري بالقدر الذي ينقص بالطبع واستدل بالقطع في المجن على مشروعية القطع في كل ما يتمول قياسا واستثنى الحنفية ما يسرع اليه الفساد وما أصله الإباحة كالحجارة واللبن والخشب والملح والتراب والكلا والطير وفي رواية عن الحنابلة والراجح عندهم في مثل السرجين القطع تفريعا على جواز بيعه وفي هذا تفاريع أخرى محل بسطها كتب الفقه وبالله التوفيق الحديث الثالث حديث أبي هريرة في لعن السارق يسرق البيضة فيقطع ختم به الباب إشارة إلى أن طريق الجمع بين الأخبار أن يجعل حديث عمرة عن عائشة أصلا فيقطع في ربع دينار فصاعدا وكذا فيما بلغت قيمته ذلك فكأنه قال المراد بالبيضة ما يبلغ قيمتها ربع دينار فصاعدا وكذا الحبل ففيه إيماء إلى ترجيح ما سبق من التأويل الذي نقله الأعمش وقد تقدم البحث فيه

قوله باب توبة السارق أي هل تفيده في رفع اسم الفسق عنه حتى تقبل شهادته أو لا وقد وقع في آخر هذا الباب قال أبو عبد الله إذا تاب السارق وقطعت يده قبلت شهادته وكذلك كل الحدود إذا تاب أصحابها قبلت شهادتهم وهو في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده وأبو عبد الله هو البخاري المصنف وقد تقدمت هذه المسألة في الشهادات فيما يتعلق في القاذف والسارق في ونقل البيهقي عن الشافعي أنه قال يحتمل أن يسقط كل حق لله بالتوبة قال وجزم به في كتاب الحدود وروى الربيع عنه أن حد الزنا لا يسقط وعن الليث والحسن لا يسقط شيء من الحدود أبدا قال وهو قول مالك عن الحنفية يسقط إلا الشرب وقال الطحاوي ولا يسقط إلا قطع الطريق لورود النص فيه والله أعلم وذكر في الباب حديث عائشة في قصة التي سرقت مختصرا ووقع في آخره

[ 6415 ] وتابت وحسنت توبتها وقد تقدم شرحه مستوفى قبيل هذا ووجه مناسبته للترجمة وصف التوبة بالحسن فان ذلك يقتضي أن هذا الوصف يثبت للتائب المذكور فيعود لحالته التي كان عليها وحديث عبادة بن الصامت في البيعة وفيه ذكر السرقة وفي آخره

[ 6416 ] فمن أصاب من ذلك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور ووجه الدلالة منه أن الذي أقيم عليه الحد وصف بالتطهر فإذا انضم الى ذلك أنه تاب فإنه يعود الى ما كان عليه قبل ذلك فتضمن ذلك قبول شهادته أيضا والله أعلم