كتاب التعبير
 قوله باب بالتنوين أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة كذا للنسفي والقابسي ولأبي ذر مثله إلا أنه سقط له عن غير المستملي لفظ باب ولغيرهم باب التعبير أول ما بدئ به الى آخره وللإسماعيلي كتاب التعبير ولم يزد وثبتت البسملة أولا للجميع والتعبير خاص بتفسير الرؤيا وهو العبور من ظاهرها الى باطنها وقيل النظر في الشيء فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه حكاه الأزهري وبالأول جزم الراغب وقال أصله من العبر بفتح ثم سكون وهو التجاوز من حال الى حال وخصوا تجاوز الماء بسباحة أو في سفينة أو غيرها بلفظ العبور بضمتين وعبر القوم إذا ماتوا كأنهم جازوا القنطرة من الدنيا الى الآخرة قال الاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد الى ليس بمشاهد ويقال عبرت الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها وعبرتها بالتشديد للمبالغة في ذلك وأما الرؤيا فهي ما يراه الشخص في منامة وهي بوزن فعلى وقد تسهل الهمزة وقال الواحدي هي في الأصل مصدر كاليسري فلما جعلت اسما لما يتخيله النائم اجريت مجرى الأسماء قال الراغب والرؤية بالهاء إدراك المرء بحاسة البصر وتطلق على ما يدرك بالتخيل نحو أرى أن زيدا مسافر وعلى التفكر النظري نحو اني أرى ما لا ترون وعلى الرأي وهو اعتقاد أحد النقيضين على غلبة الظن انتهى وقال القرطبي في المفهم قال بعض العلماء قد تجئ الرؤية بمعنى الرؤيا كقوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس فزعم أن المراد بها ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من العجائب وكان الإسراء جميعه في اليقظة قلت وعكسه بعضهم فزعم أنه حجة لمن قال أن الإسراء كان مناما والأول المعتمد وقد تقدم في تفسير الإسراء قول بن عباس إنها رؤيا عين ويحتمل أن تكون الحكمة في تسمية ذلك رؤيا لكون أمور الغيب مخالفة لرؤيا الشهادة فأشبهت ما في المنام وقال القاضي أبو بكر بن العربي الرؤيا إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها وإما بكناها أي بعبارتها وإما تخليط ونظيرها في اليقظة الخواطر فانها قد تأتي على نسق في قصة وقد تأتي مسترسلة غير محصلة هذا حاصل قول الأستاذ أبي إسحاق قال وذهب القاضي أبو بكر بن الطيب الى أنها اعتقادات واحتج بان الرائي قد يرى نفسه بهيمة أو طائرا مثلا وليس هذا إدراكا فوجب أن يكون اعتقادا لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد قال بن العربي والأول أولى والذي يكون من قبيل ما ذكره بن الطيب من قبيل المثل فالإدراك انما يتعلق به لا بأصل الذات انتهى ملخصا وقال المازري كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا وقال فيها غير الاسلاميين اقاويل كثير منكرة لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل ولا يقوم عليها برهان وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت اقوالهم فمن ينتمي الى الطب ينسب جميع الرؤيا الى الاخلاط فيقول من غلب عليه البلغم رأى انه يسبح في الماء ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو وهكذا الى آخره وهذا وان جوزه العقل وجاز أن يجري الله العادة به لكنه لم يقم عليه دليل ولا اطردت به عادة والقطع في موضع التجويز غلط ومن ينتمي الى الفلسفة يقول ان صور ما يجري في الأرض هي في العالم العلوي كالنقوش فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها قال وهذا أشد فسادا من الأول لكونه تحكما لا برهان عليه والانتقاش من صفات الأجسام وأكثر ما يجري في العالم العلوي الاعراض والاعراض لا ينتقش فيها قال والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان فإذا خلقها فكأنه جعلها علما على أمور أخرى يخلقها في ثاني الحال ومهما وقع منها على خلاف المعتقد فهو كما يقع لليقظان ونظيره أن الله خلق الغيم علامة على المطر وقد يتخلف وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك فيقع بعدها ما يسر أو بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يضر والعلم عند الله تعالى وقال القرطبي سبب تخليط غير الشرعيين إغراضهم عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم وبيان ذلك أن الرؤيا إنما هي من ادراكات النفس وقد غيب عنا علم حقيقتها أي النفس وإذا كان كذلك فالأولى أن لا نعلم علم ادراكاتها بل كثير مما انكشف لنا من ادراكات السمع والبصر انما نعلم منه أمور جميلة لا تفصيله ونقل القرطبي في المفهم عن بعض أهل العلم ان لله تعالى ملكا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورة محسوسة فتارة تكون أمثلة موافقة لما يقع في الوجود وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة وتكون في الحالين مبشرة ومنذرة قال ويحتاج فيما نقله عن الملك الى توقيف من الشرع وإلا فجائز أن يخلق الله تلك المثالات من غير ملك قال وقيل ان الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله أعلاما على ما كان أو يكون وقال القاضي عياض اختلف في النائم المستغرق فقيل لا تصح رؤياه ولا ضرب المثل له لأن هذا لا يدرك شيئا مع استغراق أجزاء قلبه لان النوم يخرج الحي عن صفات التمييز والظن والتخيل كما يخرحه عن صفة العلم وقال آخرون بل يصح للنائم مع استغراق أجزاء قلبه بالنوم أن يكون ظانا ومتخيلا وأما العلم فلا لأن النوم آفة تمنع حصول الاعتفادات الصحيحة نعم إن كان بعض أجزاء قلبه لم يحل فيه النوم فيصح وبه يضرب المثل وبه يرى مايتخيله ولا تكليف عليه حينئذ لان رؤياه ليست على حقيقة وجود العلم ولا صحة المين وإنما بقيت فيه بقية يدرك بها ضرب المثل وأيده القرطبي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام عينه ولا ينام قلبه ومن ثم احترز القائل بقوله المدرك من النائم ولذا قال منضبطة في التخيل لأن الرائي لا يرى في منامه الا من نوع ما يدركه في اليقظة بحسه إلا أن التخيلات قد تركب له في النوم تركيبا يحصل به صورة لا عهد له بها يكون علما على أمر نادر كمن رأى رأس انسان على جسد فرس له جناحان مثلا وأشار بقوله إعلاما الى الرؤيا الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها وأما الحديث الذي أخرجه الحاكم والعقيلي من رواية محمد بن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال لقى عمر عليا فقال يا أبا الحسن الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلئ نوما إلا تخرج بروحه الى العرش فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب قال الذهبي في تلخيصه هذا حديث منكر لم يصححه المؤلف ولعل الآفة من الراوي عن بن عجلان قلت هو أزهر بن عبد الله الأسدي الخراساني ذكره العقيلي في ترجمته وقال أنه غير محفوظ ثم ذكره من طريق أخرى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ببعضه وذكر فيه اختلافا في وقفه ورفعه وذكر بن القيم حديثا مرفوعا غير معزو ان رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام ووجد الحديث المذكور في نوادر الأصول للترمذي من حديث عبادة بن الصامت أخرجه في الأصل الثامن والسبعين وهو من روايته عن شيخه عمر بن أبي عمر وهو رواه في سنده جنيد قال بن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة قال الحكيم قال بعض أهل التفسير في قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أي في المنام ورؤيا الأنبياء وحي بخلاف غيرهم فالوحي لا يدخله خلل لأنه محروس بخلاف رؤيا غير الأنبياء فأنها قد يحضرها الشيطان وقال الحكيم أيضا وكل الله بالرؤيا ملكا اطلع على أحوال بني آدم من اللوح المحفوظ فينسخ منها ويضرب لكل على قصته مثلا فإذا نام مثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى أو نذارة أو معاتبة الآدمي قد تسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما فهو يكيده بكل وجه ويريد افساد أموره بكل طريق فيلبس عليه رؤياه إما بتغليطه فيها وإما بغفلته عنها ثم جميع المرائي تنحصر على قسمين الصادقة وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين وقد تقع لغيرهم بندور وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم والاضغاث وهي لا تنذر بشيء وهي أنواع الأول تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه أو رأى أنه واقع في هول ولا يجد من ينجده ونحو ذلك والثاني أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا ونحوه من المحال عقلا الثالث أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة أو ما يغلب على مجازه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيرا وعن الماضي قليلا ثم ساق المصنف حديث عائشة في بدء الوحي وقد ذكره في أول الصحيح وقد شرحته هناك ثم استدركت ما فات من شرحه في تفسير اقرأ باسم ربك وسأذكر هنا ما لم يتقدم ذكره في الموضعين غالبا مما يستفاد من شرحه ومداره على الزهري عن عروة عن عائشة وقد ساقه في المواضع الثلاثة عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري ولكنه ساقه على لفظه في أول الكتاب وقرنه في التفسير بيونس بن يزيد وساقه على لفظه ثم قرنه هنا بمعمر وساقه على لفظه وقوله هنا

[ 6581 ] أنبأنا معمر قال قال الزهري فأخبرني عروة ووقع عند مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق مثله لكن فيه وأخبرني بالواو لا بالفاء وهذه الفاء معقبة لشيء محذوف وكذلك الواو عاطفة عليه وقد بينه البيهقي في الدلائل حيث أخرج الحديث من وجه آخر عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير مرسلا فذكر قصة بدء الوحي مختصرة ونزول اقرا باسم ربك الى قوله خلق الإنسان من علق وقال محمد بن النعمان فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال الزهري فسمعت عروة بن الزبير يقول قالت عائشة فذكر الحديث مطولا قوله الصالحة في رواية عقيل الصادقة وهما بمعنى واحد بالنسبة الى أمور الآخرة في حق الأنبياء وأما بالنسبة الى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص فرؤيا النبي كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص ان فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج الى تعبير وأما إن فسرناها بأنها غير الاضغاث فالصالحة أخص مطلقا وقال الامام نصر بن يعقوب الدينوري في التعبير القادري الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به ما لا يكذب والصالحة ما يسر قوله إلا جاءته مثل فلق الصبح في رواية الكشميهني جاءت كرواية عقيل قال بن أبي جمرة انما شبهها بفلق الصبح دون غيره لأن الشمس النبوة كانت الرؤيا مبادى أنوارها فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس فمن كان باطنه نوريا كان في التصديق بكريا كأبي بكر ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل وبقية الناس بين هاتين المنزلتين كل منهم بقدر ما أعطى من النور قوله يأتي حراء قال بن أبي جمرة الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاثة عبادات الخلوة والتعبد والنظر الى البيت قلت وكأنه مما بقي عندهم من أمور الشرع على سنن الاعتكاف وقد تقدم أن الزمن الذي كان يخلو فيه كان شهر رمضان وأن قريشا كانت تفعله كما كانت تصوم عاشوراء ويزاد هنا أنهم انما لم ينازعوا النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكان يعظمونه لجلالته وكبر سنه فتبعه على ذلك من كان يتأله فكان صلى الله عليه وسلم يخلو بمكان جده وسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم وقد تقدم ضبط حراء وان كان الافصح فيه كسر أوله وبالمد وحكى تثليث أوله مع المد والقصر وكسر الراء والصرف وعدمه فيجتمع فيه عدة لغات مع قلة أحرفه ونظيره قباء لكن الخطابي جزم بان فتح أوله لحن وكذا ضمه وكذا قصره وكسر الراء وزاد التميمي ترك الصرف وقال الكرماني إن كان الذي كسر الراء أراد الإمالة فهو سائغ قوله الليالي ذوات العدد قال الكرماني يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج الى العدد وهو المناسب للمقام قلت أما كونه المناسب فمسلم وأما الأول فلا لأن عادتهم جرت في الكثير أن بوزن وفي القليل أن يعد وقد جزم الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة بأن المراد به الكثرة لأن العدد على قسمين فإذا أطلق أريد به مجموع القلة والكثرة فكأنها قالت ليالي كثيرة أي مجموع قسمي العدد وقال الكرماني أختلف في تعبده صلى الله عليه وسلم بماذا كان يتعبد بناء على أنه هل كان متعبدا بشرع سابق أولا والثاني قول الجمهور ومستندهم أنه لو وجد لنقل ولأنه لو وقع لكان فيه تنفير عنه وبماذا كان يتعبد قيل بما يلقى اليه من أنوار المعرفة وقيل بما يحصل له من الرؤيا وقيل بالتفكر وقيل باجتناب رؤية ما كان يقع من قومه ورجح الآمدي وجماعة الأول ثم اختلفوا في تعيينه على ثمانية أقوال آدم أو نوح أو إبراهيم أو موسى أو عيسى أو أي شريعة أو كل شريعة أو الوقف قوله فتزوده في رواية الكشميهني بحذف الضمير وقوله لمثلها تقدم في بدء الوحي أن الضمير لليالي ويحتمل أن يكون للمرة أو الفعلة أو الخلوة أو العبادة ورجح شيخنا البلقيني ان الضمير للسنة فذكر من رواية بن إسحاق كان يخرج الى حراء في كل عام شهرا من السنة يتنسك فيه ويطعم من جاءه من المساكين قال وظاهره أن التزود لمثلها كان في السنة التي تليها لا لمدة أخرى من تلك السنة وقد كنت قويت هذا في التفسير ثم ظهر لي بعد ذلك أن مدة الخلوة كانت شهرا كان يتزود لبعض ليالي الشهر فإذا نفذ ذاك الزاد رجع الى أهله فتزود قدر ذلك من جهة أنهم لم يكونوا في سعة بالغة من العيش وكان غالب زادهم اللبن واللحم وذلك لا يذخر منه كفاية الشهور لئلا يسرع اليه الفساد ولا سيما وقد وصف بأنه كان يطعم من يرد عليه قوله حتى فجئه الحق حتى هنا على بابها من انتهاء الغاية أي انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك فترك ذلك وقوله فجئة بفتح الفاء وكسر الجيم ثم همز أي جاءه الوحي بغتة قاله النووي قال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعا للوحي وفي إطلاق هذا النفي نظر فان الوحي كان جاءه في النوم مرارا قاله شيخنا البلقيني وأسنده الى ما ذكره بن إسحاق عن عبيد بن عمير أنه وقع له في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والأمر بالقراءة وغير ذلك انتهى وفي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر فالأولى ترك الجزم بأحد الأمرين وقوله الحق قال الطيبي أي أمر الحق وهو الوحي أو رسول الحق وهو جبريل وقال شيخنا أي الأمر البين الظاهر أو المراد الملك بالحق أي الأمر الذي بعث به قوله فجاءه الملك تقدم في بدء الوحي الكلام على الفاء التي في قوله فجاءه الملك وأنها التفسيرية وقال شيخنا البلقيني يحتمل أن تكون للتعقيب والمعنى بمجىء الحق انكشاف الحال عن أمر وقع في القلب فجاءه لذلك عقبة ويحتمل أن تكون سببية أي حتى قضى بمجيء الوحي فبسبب ذلك جاءه الملك قلت وهذا أقرب من الذي قبله وقوله فيه يؤخذ منه رفع توهم من يظن أن الملك لم يدخل اليه الغار بل كلمه والنبي صلى الله عليه وسلم داخل الغار والملك على الباب وقد عزوت هذه الزيادة في التفسير لدلائل البيهقي تبعا لشيخنا البلقيني ثم وجدتها هنا فكان العزو اليه أولى فألحقت ذلك هناك قال شيخنا البلقيني الملك المذكور هو جبريل كما وقع شاهده في كلام ورقة وكما مضى في حديث جابر أنه الذي جاءه بحراء ووقع في شرح القطب الحلبي الملك هنا هو جبريل قاله السهيلي فتعجب منه شيخنا وقال هذا لا خلاف فيه فلا يحسن عزوه للسهيلي وحده قال واللام في الملك لتعريف الماهية لا للعهد إلا أن يكون المراد به ما عهده النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك لما كلمه في صباه أو اللفظ لعائشة وقصدت به ما تعهده من تخاطبه به انتهى وقد قال الإسماعيلي هي عبارة عما عرف بعد أنه ملك وانما الذي في الأصل فجاءه جاء وكان ذلك الجائي ملكا فأخبر صلى الله عليه وسلم عنه يوم أخبر بحقيقة جنسه وكأن الحامل على ذلك انه لم يتقدم له معرفة به انتهى وقد جاء التصريح بأنه جبريل فأخرج أبو داود الطيالسي في مسنده من طريق أبي عمران الجوني عن رجل عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف هو وخديجة فوافق ذلك رمضان فخرج يوما فسمع السلام عليكم قال فظننت أنه من الجن فقال أبشروا فان السلام خير ثم رأى يوما آخر جبريل على الشمس له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب قال فهبت منه الحديث وفيه أنه جاءه فكلمه حتى أنس به وظاهره أن جميع ما وقع له كان وهو في الغار لكن وقع في مرسل عبيد بن عمير فأجلسني على درنوك فيه الياقوت واللؤلؤ وهو بضم الدال والنون بينهما راء ساكنة نوع من البسط له خمل وفي مرسل الزهري فأجلسني على مجلس كريم معجب وأفاد شيخنا أن سن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل في حراء كان أربعين سنة على المشهور ثم حكى أقولا أخرى قيل أربعين يوما وقيل عشرة أيام وقيل شهرين وقيل وسنتين وقيل ثلاثا وقيل خمسا قال وكان ذلك يوم الإثنين نهارا قال واختلف في الشهر فقيل شهر رمضان في سابع عشره وقيل سابعة وقيل رابع عشريه قلت ورمضان هو الراجح لما تقدم من أنه الشهر الذي جاء فيه في حراء فجاءه الملك وعلى هذا فيكون سنه حينئذ أربعين سنة وستة أشهر وليس ذلك في الأقوال التي حكاها شيخنا ثم قال وسيأتي ما يؤيد ذلك من قول من قال أن وحي المنام كان ستة أشهر قال شيخنا وقيل في سابع عشري من شهر رجب وقيل في أول شهر ربيع أول وقيل في ثامنه انتهى ووقع في رواية الطيالسي التي أشرت إليها أن مجيء جبريل كان لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع الى أهله فإذا هو بجبريل وميكائيل فهبط جبريل الى الأرض وبقي ميكائيل بين السماء والأرض الحديث فيستفاد من ذلك أن يكون في آخر شهر رمضان وهو قول آخر يضاف لما تقدم ولعله أرجحها قوله فقال اقرأ قال شيخنا ظاهره أنه لم يتقدم من جبريل شيء قبل هذه الكلمة ولا السلام فيحتمل أن يكون سلم وحذف ذكره لأنه معتاد وقد سلم الملائكة على إبراهيم حين دخلوا عليه ويحتمل أن يكون لم يسلم لأن المقصود حينئذ تفخيم الأمر وتهويله وقد تكون مشروعية ابتداء السلام تتعلق بالبشر لا من الملائكة وان وقع ذلك منهم في بعض الأحيان قلت والحالة التي سلموا فيها على إبراهيم كانوا في صورة البشر فلا ترد هنا ولا يرد سلامهم على أهل الجنة لأن أمور الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبا وقد ذكرت عن رواية الطيالسي أن جبريل سلم أولا ولم ينقل أنه سلم عند الأمر بالقراءة والله أعلم قوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا مناسب لسياق الحديث من أوله الى هنا بلفظ الاخبار بطريق الإرسال ووقع مثله في التفسير في رواية بدء الوحي اختلاف هل فيه قال ما أنا بقارئ أو قلت ما أنا بقارئ وجمع بين اللفظين يونس عند مسلم قال قلت ما أنا بقارئ قال شيخنا البلقيني وظاهره أن عائشة سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من مرسلات الصحابة قوله فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني استدل به على أن أفعل ترد للتنبيه ولم يذكروه قاله شيخنا البلقيني ثم قال ويحتمل أن تكون على بابها لطلب القراءة على معنى أن الإمكان حاصل قوله فقال اقرأ قال شيخنا البلقيني رحمه الله دلت القصة على أن مراد جبريل بهذا أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم نص ما قاله وهو قوله اقرأ وانما لم يقل له قل اقرأ إلى آخره لئلا يظن أن لفظة قل أيضا من القرآن قلت ويحتمل أن يكون السر فيه الابتلاء في أول الأمر حتى يترتب عليه ما وقع من الغط وغيره ولو قال له في الأول قل اقرأ باسم ربك الخ لبادر الى ذلك ولم يقع ما وقع ثم قال شيخنا ويحتمل أن يكون جبريل أشار بقوله اقرأ الى ما هو مكتوب في النمط الذي وقع في رواية بن إسحاق فلذلك قال له ما أنا بقارئ أي أمي لا أحسن قراءة الكتب قال والأول أظهر وهو أنه أراد بقوله اقرأ التلفظ بها قلت ويؤيده أن رواية عبيد بن عمير انما ذكرها عن منام تقدم بخلاف حديث عائشة فإنه كان في اليقظة ثم تكلم شيخنا على ما كان مكتوبا في ذلك النمط فقال اقرأ أي القدر الذي أقرأه إياه وهي الآيات الأولى من اقرأ باسم ربك ويحتمل أن يكون جملة القرآن وعلى هذا يكون القرآن نزل جملة واحدة باعتبار ونزل منجما باعتبار آخر قال وفي احضاره له جملة واحدة إشارة الى أن آخره يكمل باعتبار الجملة ثم تكمل باعتبار التفصيل قوله حتى بلغ الجهد تقدم في بدء الوحي أنه روى بنصب الدال ورفعها وتوجيههما وقال النوربشتي لا أرى الذي قاله بالنصب إلا وهم فإنه يصير المعنى أنه غطه حتى استفرغ الملك قوته في ضغطه بحيث لم يبق فيه مزيد وهو قول غير سديد فان البنية البشرية لا تطيق استيفاء القوة الملكية لا سيما في مبتدا الأمر وقد صرح الحديث بأنه داخله الرعب من ذلك قلت وما المانع أن يكون قواه الله على ذلك ويكون من جملة معجزاته وقد أجاب الطيبي بأن جبريل لم يكن حينئذ على صورته الملكية فيكون استفراغ جهده بحسب صورته التي جاءه بها حين غطه قال وإذا صحت الرواية اضمحل الاستبعاد قلت الترجيح هنا متعين لاتحاد القصة ورواية الرفع لا اشكال فيها وهي التي ثبتت عن الأكثر فترجحت وان كان للاخرى توجيه وقد رجح شيخنا البلقيني بان فاعل بلغ هو الغط والتقدير بلغ مني الغط جهده أي غايته فيرجع الرفع والنصب الى معنى واحد وهو أولى قال شيخنا وكان الذي حصل له عند تلقي الوحي من الجهد مقدمة لما صار يحصل له من الكرب عند نزول القرآن كما في حديث بن عباس كان يعالج من التنزيل شدة وكذا في حديث عائشة وعمر ويعلى بن أمية وغيرهم وهي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير الموت فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي ولما كان البرزخ العام ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال خص الله نبيه ببرزخ في الحياة يلقى اليه فيه وحيه المشتمل على كثير من الاسرار وقد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم أو غيره اطلاع على كثير من الاسرار وذلك مستمد من المقام النبوي ويشهد له حديث رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كما سيأتي الإلمام به قريبا قال السهيلي تأويل الغلطات الثلاثة على ما في رواية بن إسحاق أنها كانت في النوم أنه سيقع له ثلاث شدائد يبتلى بها ثم يأتي الفرج وكذلك كان فإنه لقي ومن تبعه شدة أولى بالشعب لما حصرتهم قريش والثانية لما خرجوا وتوعدوهم بالقتل حتى فروا الى الحبشة وثالثة لما هموا بما هموا به من المكر به كما قال تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك الآية فكانت له العاقبة في الشدائد الثلاثة وقال شيخنا البلقيني ما ملخصه وهذه المناسبة حسنة ولا يتعين للنوم بل تكون بطريق الإشارة في اليقظة قال ويمكن أن تكون المناسبة أن الأمر الذي جاءه به ثقيل من حيث القول والعمل والنية أو من جهة التوحيد والأحكام والاخبار بالغيب الماضي والآني وأشار بالارسالات الثلاث الى حصول التيسير والتسهيل والتخفيف في الدنيا والبرزخ والآخرة عليه وعلى أمته قوله فرجع بها أي رجع مصاحبا للآيات الخمس المذكورة قوله ترجف بوادره تقدم في بدء الوحي بلفظ فؤاده قال شيخنا الحكمة في العدول عن القلب الى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب على ما قاله بعض أهل اللغة فإذا حصل للوعاء الرجفان حصل لما فيه فيكون في ذكره من تعظيم الأمر ما ليس في ذكر القلب وأما بوادره فالمراد بها اللحمة التي بين المنكب والعنق جرت العادة بأنها تضطرب عند الفزع وعلى ذلك جرى الجوهري أن اللحمة المذكورة سميت بلفظ الجمع وتعقبه بن بري فقال البوادر جمع بادرة وهي ما بين المنكب والعنق يعني أنه لا يختص بعضو واحد وهو جيد فيكون إسناد الرجفان الى القلب لكونه محله والى البوادر لأنها مظهره وأما قول الداودي البوادر والفؤاد واحد فان أراد أن مفادهما واحد على ما قررناه وإلا فهو مردود قوله قال قد خشيت على بالتشديد وفي رواية الكشميهني على نفسي قوله فقالت له كلا أبشر قال النووي تبعا لغيره كلا كلمة نفي وإبعاد وقد تأتي بمعنى حقا وبمعنى الاستفتاح وقال القزاز هي هنا بمعنى الرد لما خشي على نفسه أي لا خشية عليك ويؤيده ان في رواية أبي ميسرة فقالت معاذ الله ومن اللطائف أن هذه الكلمة التي ابتدأت خديجة النطق بها عقب ما ذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم من القصة التي وقعت له هي التي وقعت عقب الآيات الخمس من سورة اقرا في نسق التلاوة فجرت على لسانها اتفاقا لأنها لم تكن نزلت بعد وانما نزلت في قصة أبي جهل وهذا هو المشهور عند المفسرين وقد ذهب بعضهم إلى أنها تتعلق بالإنسان المذكور قيل لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة فهي عين الأولى وقد أعيد الإنسان هنا كذلك فكان التقدير كلا لا يعلم الإنسان ان الله هو خلقه وعلمه أن الإنسان ليطغى وأما قولها هنا أبشر فلم يقع في حديث عائشة تعيين المبشر به ووقع في دلائل البيهقي من طريق أبي ميسرة مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم قص على خديجة ما رأى في المنام فقالت له أبشر فان الله لن يصنع بك الا خيرا ثم اخبرها بما وقع له من شق البطن وإعادته فقالت له أبشر ان هذا والله خير ثم استعلن له جبريل فذكر القصة فقال لها ارأيتك الذي كنت رأيت في المنام فإنه جبريل استعلن لي بان ربي أرسله الي واخبرها بما جاء به فقالت أبشر فوالله لا يفعل الله بك الا خيرا فاقبل الذي جاءك من الله فإنه حق وابشر فإنك رسول الله حقا قلت هذا أصرح ما ورد في أنها أول الآدمين آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لا يخزيك الله أبدا في رواية الكشميهني لا يحزنك بمهملة ونون قوله وهو بن عم خديجة أخو أبيها كذا وقع هنا وأخو صفة للعم فكان حقة أن يذكر مجرورا وكذا وقع في رواية بن عساكر أخي أبيها وتوجيه رواية الرفع أنه خبر مبتدأ محذوف قوله تنصر أي دخل في دين النصرانية قوله في الجاهلية أي قبل البعثة المحمدية وقد تطلق الجاهلية ويراد بها ما قبل دخول المحكى عنه في الإسلام وله أمثلة كثيرة قوله أو مخرجى هم تقدم ضبطه في أول الكتاب وتمامه في التفسير قال السهيلي يؤخذ منه شدة مفارقة الوطن على النفس فإنه صلى الله عليه وسلم سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك فلما ذكر له الإخراج تحركت نفسه لذلك لحب الوطن وإلفه فقال أو مخرجي هم قال ويؤيد ذلك إدخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص الإخراج بالسؤال عنه فأشعر بأن الاستفهام على سبيل الإنكار أو التفجع ويؤكد ذلك أن الوطن المشار اليه حرم الله وجوار بيته وبلدة الآباء من عهد إسماعيل عليه السلام انتهى ملخصا ويحتمل أن يكون انزعاجه كان من جهة خشية فوات ما أمله من ايمان قومه بالله وانقاذهم به من وضر الشرك وأدناس الجاهلية ومن عذاب الآخرة وليتم له المراد من أرساله إليهم ويحتمل ان يكون انزعاج من الأمرين معا قوله لم يأت رجل قط بما جئت به في رواية الكشميهني بمثل ما جئت به وكذا للباقين قوله نصرا مؤزرا بالهمز للأكثر وتشديد الزاي بعدها راء من التأزير أي التقوية وأصله من الأزر وهو القوة وقال القزاز الصواب موزرا ويرد عليه قول الجوهري آزرت فلانا عاونته والعامة تقول وازرته قوله وفتر الوحي تقدم القول في مدة هذه الفترة في أول الكتاب وقوله هنا فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا هذا وما بعده من زيادة معمر على رواية عقيل ويونس وصنيع المؤلف يوهم انه داخل في رواية عقيل وقد جرى على ذلك الحميدي في جمعه فساق الحديث الى قوله وفتر الوحي ثم قال انتهى حديث عقيل المفرد عن بن شهاب الى حديث ذكرنا وزاد عنه البخاري في حديثه المقترن بمعمر عن الزهري فقال وفتر الوحي فترة حتى حزن فساقه الى آخره والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر فقد اخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونها وأخرجه مقرونا هنا برواية معمر وبين أن اللفظ لمعمر وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضا من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها ثم ان القائل فيما بلغنا هو الزهري ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا وقال الكرماني هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بلغة بالإسناد المذكور ووقع عند بن مردويه في التفسير من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط قوله فيما بلغنا ولفظه فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم منها حزنا غدا منه الى آخره فصار كله مدرجا على رواية الزهري وعن عروة عن عائشة والأول هو المعتمد قوله فيها فإذا طالت عليه فترة الوحي قد يتمسك به من يصحح مرسل الشعبي في أن مدة الفترة كانت سنتين ونصفا كما نقلته في أول بدء الوحي ولكن يعارضه ما أخرجه بن سعد من حديث بن عباس بنحو هذا البلاغ الذي ذكره الزهري وقوله مكث أياما بعد مجيء الوحي لا يرى جبريل فحزن حزنا شديدا حتى كاد يغدو الى ثبير مرة وإلى حراء أخرى يريد ان يلقي نفسه فبينا هو كذلك عامدا ليعض تلك الجبال إذ سمع حقا وأنا جبريل فانصرف وقد أقر الله عينه وانبسط جأشه ثم تتابع الوحي فيستفاد من هذه الرواية تسمية بعض الجبال التي أبهمت في رواية الزهري وتقليل مدة الفترة والله أعلم وقد تقدم في تفسير سورة والضحى شيء يتعلق بفترة الوحي قوله فيسكن لذلك جأشه بجيم وهمزة ساكنة وقد تسهل وبعدها شين معجمة قال الخليل الجأش النفس فعلى هذا فقوله وتقر نفسه تأكيد لفظي قوله عدا بعين مهملة من العدو وهو الذهاب بسرعة ومنهم من أعجمها من الذهاب غدوة قوله بذروة جبل قال بن التين رويناه بكسر أوله وضمه وهو في كتب اللغة بالكسر لا غير قلت بل حكى تثليثه وهو أعلى الجبل وكذا الجمل قوله تبدى له جبريل في رواية الكشميهني بدالة وهي بمعنى الظهور قوله فقال له مثل ذلك زاد في رواية محمد بن كثير حتى كثر الوحي وتتابع قال الإسماعيلي موه بعض الطاعنين على المحدثين فقال كيف يجوز للنبي ان يرتاب في نبوته حتى يرجع الى ورقة ويشكو لخديجة ما يخشاه وحتى يوفى بذروة جبل ليلقي منها نفسه على ما جاء في رواية معمر قال وأن جاز ان يرتاب مع معاينة النازل عليه من ربه فكيف ينكر على من ارتاب فيما جاءه به مع عدم المعاينة قال والجواب أن عادة الله جرت بان الأمر الجليل إذا قضى بإيصاله الى الخلق أن يقدم ترشيح وتأسيس فكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك فلما فجئه الملك فجئه بغتة أمر خالف العادة والمألوف فنفر طبعه البشري منه وهاله ذلك ولم يتمكن من التامل في تلك الحال لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها فلا يتعجب أن يجزع مما لم يالفه وينفر طبعه منه حتى إذا اندرج عليه وألفه استمر عليه فلذلك رجع الى أهله التي ألف تأنيسها له فأعلمها بما وقع له فهونت عليه خشيته بما عرفته من أخلاقه الكريمة وطريقته الحسنة فأرادت الاستظهار بمسيرها به الى ورقة لمعرفتها بصدقه ومعرفته وقراءته الكتب القديمة فلما سمع كلامه أيقن بالحق وأعترف به ثم كان من مقدمات تأسيس النبوة فترة الوحي ليتدرج فيه ويمرن عليه فشق عليه فتوره إذ لم يكن خوطب عن الله بعد انك رسول من الله ومبعوث الى عباده فأشفق أن يكون ذلك أمر بدئ به ثم لم يرد استفهامه فحزن لذلك حتى تدرج على احتمال أعباء النبوة والصبر على ثقل ما يرد عليه فتح الله له من أمره بما فتح قال ومثال ما وقع له في أول ما خوطب ولم يتحقق الحال على جريتها مثل رجل سمع آخر يقول الحمد لله فلم يتحقق أنه يقرأ حتى إذا وصلها بما بعدها من الآيات تحقق أنه يقرأ وكذا لو سمع قائلا يقول خلت الديار لم يتحقق انه ينشد شعرا حتى يقول محلها ومقامها انتهى ملخصا ثم أشار الى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما أتفق له في هذه القصة أن يكون سببا في انتشار خبره في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي اليه وطريقا في معرفتهم مباينة عن سواه في أحواله لينبهوا على محله قال واما ارادته إلقاء نفسه من رءوس الجبال بعدما نبئ فلضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوة وخوفا مما يحصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعا كما يطلب الرجل الراحة من غم يناله في العاجل بما يكون فيه زواله عنه ولو أفضى الى إهلاك نفسه عاجلا حتى إذا تفكر فيما فيه صبره على ذلك من العقبي المحمودة صبر واستقرت نفسه قلت أما الإرادة المذكورة في الزيادة الأولى ففي صريح الخبر أنها كانت حزنا على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة وأما الإرادة الثانية بعد أن تبدى له جبريل وقال له انك رسول الله حقا فيحتمل ما قاله والذي يظهر لي أنه بمعنى الذي قبله وأما المعنى الذي ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجيء جبريل ويمكن أن يؤخذ مما أخرجه الطبري من طريق النعمان بن راشد عن بن شهاب فذكر نحو حديث الباب وفيه فقال لي يا محمد أنت رسول الله حقا قال فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل أي من علوه قوله وقال بن عباس فالق الاصباح ضوء الشمس بالنهار و ضوء القمر بالليل ثبت هذا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وكذا للنسفي ولأبي زيد المروزي عن الفربري ووصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله فالق الاصباح يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل وتعقب بعضهم هذا على البخاري فقال انما فسر بن عباس الإصباح ولفظ فالق هو المراد هنا لأن البخاري انما ذكره عقب هذا الحديث من أجل ما وقع في حديث عائشة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح فلإيراد البخاري وجه وقد تقدم في آخر التفسير قول مجاهد في تفسير قوله قل أعوذ برب الفلق إن الفلق الصبح وأخرج الطبري هنا عنه في قوله فالق الاصباح قال إضاءة الصبح وعلى هذا فالمراد بفلق الصبح إضاءته والفالق اسم فاعل ذلك وقد أخرج الطبري من طريق الضحاك الاصباح خالق النور نور النهار وقال بعض أهل اللغة الفلق شق الشيء وقيده الراغب بإبانة بعضه من بعض ومنه فلق موسى البحر فانفلق ونقل الفراء أن فطر وخلق وفلق بمعنى واحد وقد قيل في قوله تعالى فالق الحب والنوى أن المراد به الشق الذي في الحبة من الحنطة وفي النواة وهذا يرد على تقييد الراغب والإصباح في الأصل مصدر أصبح إذا دخل في الصبح سمي به الصبح قال امرؤ القيس ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح فيك بأمثل

قوله باب رؤيا الصالحين الإضافة فيه للفاعل لقوله في حديث الباب يراها الرجل الصالح وكأنه جمع إشارة الى أن المراد بالرجل الجنس قوله وقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين الى قوله فتحا قريبا ساقه في رواية كريمة الآية كلها وأخرج الفريابي وعبد بن الحميد والطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال أرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه محلقين قال فلما نحر الهدى بالحديبية قال أصحابه أين رؤياك فنزلت وقوله فجعل من دون ذلك فتحا قريبا قال النحر بالحديبية فرجعوا ففتحوا خيبر أي المراد بقوله ذلك النحر والمراد بالفتح فتح خيبر قال ثم اعتمر بعد ذلك فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة وقد أخرج بن مردويه في التفسير بسند ضعيف عن بن عباس في هذه الآية قال تأويل رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء واختلف في معنى قوله ان شاء الله في الآية فقيل هي إشارة الى أنه لا يقع شيء الا بمشيئة الله تعالى وقيل هي حكاية لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه وقيل هي على سبيل التعليم لمن أراد أن يفعل شيئا مستقبلا كقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وقيل هي على سبيل الاستثناء من عموم المخاطبين لأن منهم من مات قبل ذلك أو قتل

[ 6582 ] قوله عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيأتي بعد باب من وجه آخر عن أنس عن عبادة بن الصامت ويأتي بيانه هناك قوله الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح هذا يقيد ما أطلق في غير هذه الرواية كقوله رؤيا المؤمن جزء ولم يقيدها بكونها حسنة ولا بأن رأيها صالح ووقع في حديث أبي سعيد الرؤيا الصالحة وهو تفسير المراد بالحسنة هنا قال المهلب المراد غالب رؤيا الصالحين وإلا فالصالح قد يرى الاضغاث ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم بخلاف عكسهم فان الصدق فيها نادر لغلبة تسلط الشيطان عليهم قال فالناس على هذا ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج الى تعبير والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج الى تعبير ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والاضغاث وهي على ثلاثة أقسام مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الاضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدا ويشير الى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وستأتي الإشارة اليه في باب القيد في المنام إن شاء الله تعالى وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام ورؤيا ملكهما وغير ذلك وقال القاضي أبو بكر بن العربي رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب الى أجزاء النبوة ومعنى صلاحها استقامتها وانتظامها قال وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في أجزاء النبوة وقيل تعد من أقصى الأجزاء وأما رؤيا الكافر فلا تعد أصلا وقال القرطبي المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب وأما الكافر والفاسق والمخلط فلا ولو صدقت رؤياهم أحيانا فذاك كما قد يصدق الكذوب وليس كل من حدث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم وقوله من الرجل ذكر للغالب فلا مفهوم له فان المرأة الصالحة كذلك قاله بن عبد البر قوله جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كذا وقع في أكثر الأحاديث ولمسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين أخرجه من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عنه وسيأتي للمصنف من طريق عوف عن محمد بلفظ ستة كالجادة ووقع عند مسلم أيضا من حديث بن عمر جزء من سبعين جزءا وكذا أخرجه بن أبي شيبة عن بن مسعود موقوفا وأخرجه الطبراني من وجه آخر عنه مرفوعا وله من وجه آخر عنه جزء من ستة وسبعين وسندها ضعيف وأخرجه بن أبي شيبة أيضا من رواية حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا كذلك وأخرجه أحمد مرفوعا لكن أخرجه مسلم من رواية ألأعمش عن أبي صالح كالجادة ولابن ماجة مثل حديث بن عمر مرفوعا وسنده لين وعند أحمد والبزار عن بن عباس بمثله وسنده جيد وأخرج بن عبد البر من طريق عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس مرفوعا جزء من ستة وعشرين والمحفوظ من هذا الوجه كالجادة وسيأتي للبخاري قريبا ومثله لمسلم من رواية شعبة عن ثابت وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبري في تهذيب الآثار من طريق الأعرج عن سليمان بن عريب بمهملة وزن عظيم عن أبي هريرة كالجادة قال سليمان فذكرته لابن عباس فقال جزء من خمسين فقلت له أني سمعت أبا هريرة فقال بن عباس فاني سمعت العباس بن عبد المطلب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا من المؤمن جزء من خمسين جزءا من النبوة وللترمذي والطبري من حديث أبي رزين العقيلي جزء من أربعين وأخرجه الترمذي من وجه آخر كالجادة وأخرج الطبري من وجه آخر عن بن عباس أربعين وللطبري من حديث عبادة جزء من أربعة وأربعين والمحفوظ عن عبادة كالجادة كما سيأتي بعد باب وأخرجه الطبري وأحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص جزء من تسعة وأربعين وذكره القرطبي في المفهم بلفظ سبعة بتقديم السين فحصلنا من هذه الروايات على عشرة أوجه أقلها جزء من ستة وعشرين وأكثرها من ستة وسبعين وبين ذلك أربعين وأربعة وأربعين وخمسة وأربعين وستة وأربعين وسبعة وأربعين وتسعة وأربعين وخمسين وسبعين أصحها مطلق الأول ويليه السبعين ووقع في شرح النووي وفي رواية عبادة أربعة وعشرين وفي رواية بن عمر ستة وعشرين وهاتان الروايتان لا أعرف من أخرجهما إلا أن بعضهم نسب رواية بن عمر هذه لتخريج الطبري ووقع فكلام بن أبي جمرة أنه ورد بألفاظ مختلفة فذكر بعض ما تقدم وزاد في رواية اثنين وسبعين وفي أخرى اثنين وأربعين وفي أخرى سبعة وعشرين وفي أخرى خمسة وعشرين فبلغت على هذا خمسة عشر لفظا وقد استشكل كون الرؤيا جزءا من النبوة مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم فقيل في الجواب إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز وقال الخطابي قيل معناه إن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة وقيل المعنى إنها جزء من علم النبوة لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك فيما حكاه بن عبد البر أنه سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة والجواب أنه لم يرد أنها نبوة باقية وانما أراد انها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم وقال بن بطال كون الرؤيا جزءا من أجزاء النبوة مما يستعظم ولو كانت جزء من ألف جزء فيمكن أن يقال أن لفظ النبوة مأخوذ من الإنباء وهو الإعلام لغة فعلى هذا فالمعنى أن الرؤيا خبر صادق من الله لا كذب فيه كما ان معنى النبوة نبأ صادق من الله لا يجوز عليه الكذب فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر وقال المازري يحتمل أن يراد بالنبوة في هذا الحديث الخبر بالغيب لا غير وان كان يتبع ذاك إنذار أو تبشير فالخبر بالغيب أحد ثمرات النبوة وهو غير مقصود لذاته لأنه يصح أن يبعث نبي يقرر الشرع ويبين الأحكام وإن لم يخبر في طول عمره بغيب ولا يكون ذلك قادحا في نبوته ولا مبطلا للمقصود منها والخبر بالغيب من النبوي لا يكون إلا صدقا ولا يقع إلا حقا وأما خصوص العدد فهو مما أطلع الله عليه نبيه لأنه يعلم من حقائق النبوة ما لا يعلمه غيره قال وقد سبق بهذا الجواب جماعة لكنهم لم يكشفوه ولم يحققوه وقال القاضي أبو بكر بن عربي أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها الا ملك أو نبي وإنما القدر الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها اطلاعا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة وقال المازري لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلا فقد جعل الله للعالم حدا يقف عنده فمنه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلا ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلا وهذا من هذا القبيل وقد تكلم بعضهم على الرواية المشهورة وأبدى لها مناسبة فنقل بن بطال عن أبي سعيد السفاقسي أن بعض أهل العلم ذكر أن الله أوحى الى نبيه في المنام ستة أشهر ثم أوحى اليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته ونسبتها من الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثا وعشرين سنة على الصحيح قال بن بطال هذا التأويل يفسد من وجهين أحدهم أنه قد اختلف في قدر المدة التي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الى موته والثاني أنه يبقى حديث السبعين جزءا بغير معنى قلت ويضاف اليه بقية الأعداد الواقعة وقد سبقه الخطابي الى إنكار هذه المناسبة فقال كان بعض أهل العلم يقول في تأويل هذا العدد قولا لا يكاد يتحقق وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أقام بعد الوحي ثلاثا وعشرين سنة وكان يوحى اليه في منامة ستة أشهر وهي نصف سنة فهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال الخطابي وهذا وان كان وجها تحتمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على من قاله أن يثبت بما ادعاه خبرا ولم يسمع فيه أثر ولا ذكر مدعيه في ذلك خبرا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني من الحق شيئا ولئن كانت هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة على ماذهب اليه فليلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى اليه فيها في منامة في طول المدة كما ثبت ذلك عنه في أحاديث كثيرة جليلة القدر والرؤيا في أحد وفي دخول مكة فإنه يتلفق من ذلك مدة أخرى وتزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها قال فدل ذلك على ضعف ما تأوله المذكور وليس كل ما خفي علينا علمه لا يلزمنا حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فانا لانصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها ولم يقدح ذلك في موجب اعتقادنا للزومها وهو كقوله في حديث آخر الهدى الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة فان تفصيل هذا العدد وحصر النبوة متعذر وإنما فيه أن هاتين الخصلتين من جملة هدى الأنبياء وسمتهم فكذلك معنى حديث الباب المراد به تحقيق أمر الرؤيا وأنها مما كان الأنبياء عليه وأنها جزء من أجزاء العلم الذي كان يأتيهم والأنباء التي كان ينزل بها الوحي عليهم وقد قبل جماعة من الأئمة المناسبة المذكورة وأجابوا عما أورده الخطابي أما الدليل على كون الرؤيا كانت ستة أشهر فهو ان ابتداء الوحي كان على رأس الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم كما جزم به بن إسحاق وغيره وذلك في ربيع الأول ونزول جبريل اليه وهو بغار حراء كان في رمضان وبينهما ستة أشهر وفي هذا الجواب نظر لأنه على تقدير تسليمه ليس فيه تصريح بالرؤيا وقد قال النووي لم يثبت أن زمن الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم كان ستة أشهر وأما ما ألزمه به من تلفيق أوقات المرائي وضمها الى المدة فان المراد وحي المنام المتتابع وأما ما وقع منه في غضون وحي اليقظة فهو يسير بالنسبة الى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحي اليقظة فلم يعتبر بمدته وهو نظير ما اعتمدوه في نزول الوحي وقد أطبقوا على تقسيم النزول الى مكي ومدني قطعا فالمكي ما نزل قبل الهجرة ولو وقع بغيرها مثلا كالطائف ونخلة والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو وقع وهو بغيرها كما في الغزوات وسفر الحج والعمرة حتى مكة قلت وهو اعتذار مقبول ويمكن الجواب عن اختلاف الاعداد أنه وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشر سنة بعد مجيء الوحي اليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين ان ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل أثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وأما ما عدا ذلك من الرؤيات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين يحتمل أن تكون لجبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت وهذه مناسبة لم ار من تعرض لها ووقع في بعض الشروح مناسبة للسبعين ظاهرة التكلف وهي أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي أخرجه أحمد وغيره أنا بشارة عيسى ودعوة إبراهيم ورأت أمي نورا فهذه ثلاثة أشياء تضرب في مدة نبوته وهي ثلاثة وعشرون سنة تضاف الى أصل الرؤية فتبلغ سبعين قلت ويبقى في أصل المناسبة إشكال آخر وهو أن المتبادر من الحديث إرادة تعظيم رؤيا المؤمن الصالح والمناسبة المذكورة تقتضي قصر الخبر على صورة ما اتفق لنبينا صلى الله عليه وسلم كأنه قيل كانت المدة التي أوحى الله الى نبينا فيها في المنام جزءا من ستة وأربعين جزءا من المدة التي أوحى الله اليه فيها في اليقظة ولا يلزم من ذلك أن كل رؤيا لكل صالح تكون كذلك ويؤيد إرادة التعميم الحديث الذي ذكره الخطابي في الهدى والسمت فإنه ليس خاصا بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم أصلا وقد أنكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة التأويل المذكور فقال ليس فيه كبير فائدة ولا ينبغي أن يحمل كلام المؤيد بالفصاحة والبلاغة على هذا المعنى ولعل قائله أراد أن يجعل بين النبوة والرؤيا نوع مناسبة فقط ويعكر عليه الاختلاف في عدد الاجزاء تنبيه حديث الهدى الصالح الذي ذكره الخطابي أخرجه الترمذي والطبراني من حديث عبد الله بن سرخس لكن بلفظ أربعة وعشرين جزءا وقد ذكره القرطبي في المفهم بلفظ من ستة وعشرين انتهى وقد أبدى غير الخطابي المناسبة باختلاف الروايات في العدد المذكور وقد جمع بينها جماعة أولهم الطبري فقال رواية السبعين عامة في كل رؤيا صادقة من كل مسلم ورواية الأربعين خاصة بالمؤمن الصادق الصالح وأما ما بين ذلك فبالنسبة لأحوال المؤمنين وقال بن بطال أما الاختلاف في العدد قلة وكثرة فأصح ما ورد فيها من ستة وأربعين ومن سبعين وما بين ذلك من أحاديث الشيوخ وقد وجدنا الرؤيا تنقسم قسمين جلية ظاهرة كمن رأى في المنام أنه يعطي تمرا فأعطي تمرا مثله في اليقظة فهذا القسم لا إغراب في تأويلها ولا رمزه في تفسيرها ومرموزة بعيدة المرام فهذا القسم لا يقوم به حتى يعبره إلا حاذق لبعد ضرب المثل فيه فيمكن أن هذا من السبعين والأول من الستة والأربعين لأنه إذا قلت الأجزاء كانت الرؤيا أقرب الى الصدق وأسلم من وقوع الغلط في تأويلها بخلاف ما إذا كثرت قال وقد عرضت هذا الجواب على جماعة فحسنوه وزادني بعضهم فيه أن النبوة على مثل هذين الوصفين تلقاها الشارع عن جبريل فقد أخبر أنه كان يأتيه الوحي مرة فيكلمه بكلام فيعيه بغير كلفة ومرة يلقي اليه جملا وجوامع يشتد عليه حملها حتى تأخذه الرحضاء ويتحدر منه العرق ثم يطلعه الله على بيان ما ألقى عليه منها ولخصه المازري فقال قيل إن المنامات دلالات والدلالات منها ما هو جلي ومنها ما هو خفي فالأقل في العدد هو الجلي والأكثر في العدد هو الخفي وما بين ذلك وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما حاصله أن النبوة جاءت بالأمور الواضحة وفي بعضها ما يكون فيه إجمال مع كونه مبينا في موضع آخر وكذلك المرائي منها ما هو صريح لا يحتاج الى تأويل ومنها ما يحتاج فالذي يفهمه العارف من الحق الذي يعرج عليه منها جزء من أجزاء النبوة وذلك الجزء يكثر مرة ويقل أخرى بحسب فهمه فأعلاهم من يكون بينه وبين درجة النبوة أقل ما ورد من العدد وأدناهم الأكثر من العدد ومن عداهما ما بين ذلك وقال القاضي عياض ويحتمل أن تكون هذه التجزئة في طرق الوحي إذ منه ما سمع من الله بلا واسطة ومنه ما جاء بواسطة الملك ومنه ما ألقي في القلب من الإلهام ومنه ما جاء به الملك وهو على صورته أو على صورة آدمي معروف أو غير معروف ومنه ما أتاه به في النوم ومنه ما أتاه به في صلصلة الجرس ومنه ما يلقيه روح القدس في روعه الى غير ذلك مما وقفنا عليه ومما لم نقف عليه فتكون تلك الحالات إذا عددت انتهت الى العدد المذكور قال القرطبي في المفهم ولا يخفى ما فيه من التكلف والتساهل فان تلك الاعداد انما هي أجزاء النبوة وأكثر الذي ذكره انما هي أحوال لغير النبوة لكونه يعرف الملك أو لا يعرفه أو يأتيه على صورته أو على صورة آدمي ثم مع هذا التكلف لم يبلغ عدد ما ذكر عشرين فضلا عن سبعين قلت والذي نحاه القاضي سبقه اليه الحليمي فقرأت في مختصره للشيخ علاء الدين القونوي بخطه ما نصه ثم إن الأنبياء يختصون بآيات يؤيدون بها ليتميزوا بها عمن ليس مثلهم كما تميزوا بالعلم الذي أتوه فيكون لهم الخصوص من وجهين فما هو في حين التعليم هو النبوة وما هو في حين التأييد هو حجة النبوة قال وقد قصد الحليمي في هذا الموضع بيان كون الرؤيا الصالحة جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة فذكر وجها من الخصائص العلمية للأنبياء تكلف في بعضها حتى أنهاها الى العدد المذكور فتكون الرؤيا واحدا من تلك الوجوه فأعلاها تكليم الله بغير واسطة ثانيها الإلهام بلا كلام بل يجد علم شيء في نفسه من غير التقدم ما يوصل اليه بحس أو استدلال ثالثها الوحي على لسان ملك يراه فيكلمه رابعها نفث الملك في روعه وهو الوحي الذي يخص به القلب دون السمع قال وقد ينفث الملك في روع بعض أهل الصلاح لكن بنحو الأطماع في الظفر بالعدو والترغيب في الشيء والترهيب من الشيء فيزول عنه بذلك وسوسة الشيطان بحضور الملك لا بنحو نفي علم الأحكام والوعد والوعيد فإنه من خصائص النبوة خامسها إكمال عقله فلا يعرض له فيه عارض أصلا سادسها قوة حفظه حتى يسمع الصورة الطويلة فيحفظها من مرة ولا ينسى منها حرفا سابعها عصمته من الخطأ في اجتهاده ثامنها ذكاء فهمه حتى يتسع لضروب من الاستنباط تاسعها ذكاء بصره حتى يكاد يبصر الشيء من أقصى الأرض عاشرها ذكاء سمعه حتى يسمع من أقصى الأرض ما لا يسمعه غيره حادي عشرها ذكاء شمه كما وقع ليعقوب في قميص يوسف ثاني عشرها تقوية جسده حتى سار في ليلة مسيرة ثلاثين ليلة ثالث عشرها عروجه الى السماوات رابع عشرها مجيء الوحي له في مثل صلصلة الجرس خامس عشرها تكليم الشاة سادس عشرها إنطاق النبات سابع عشرها إنطاق الجذع ثامن عشرها إنطاق الحجر تاسع عشرها إفهامه عواء الذئب أن يفرض له رزقا العشرون إفهامه رغاء البعير الحادي والعشرون أن يسمع الصوت ولا يرى المتكلم الثانية والعشرون تمكينه من مشاهدة الجن الثالثة والعشرون تمثيل الأشياء المغيبة له كما مثل له بيت المقدس صبيحة الإسراء الرابعة والعشرون حدوث أمر يعلم به العاقبة كما قال في الناقة لما بركت في الحديبية حبسها حابس الفيل الخامسة والعشرون استدلاله باسم على أمر كما قال لما جاءهم سهيل بن عمرو قد سهل لكم الأمر السادسة والعشرون أن ينظر شيئا علويا فيستدل به على أمر يقع في الأرض كما قال ان هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب السابعة والعشرون رؤيته من ورائه الثامنة والعشرون اطلاعه على أمر وقع لمن مات قبل أن يموت كما قال في حنظلة رأيت الملائكة تغسله وكان قتل وهو جنب التاسعة والعشرون أن يظهر له ما يستدل به على فتوح مستقبل كما جاء ذلك يوم الخندق الثلاثون إطلاعه على الجنة والنار في الدنيا الحادية والثلاثون الفراسة الثانية والثلاثون طواعية الشجرة حتى انتقلت بعروقها وغصونها من مكان الى مكان ثم رجعت الثالثة والثلاثون قصة الظبية وشكواها له ضرورة خشفها الصغير الرابعة والثلاثون تأويل الرؤيا بحيث لا تخطئ الخامسة والثلاثون الحزر في الرطب وهو على النخل أنه يجيء كذا وكذا وسقا من التمر فجاء كما قال السادسة والثلاثون الهداية الى الأحكام السابعة والثلاثون الهداية الى سياسة الدين والدنيا الثامنة والثلاثون الهداية الى هيئة العالم وتركيبه التاسعة والثلاثون الهداية الى مصالح البدن بأنواع الطب الأربعون الهداية الى وجوه القربات الحادية والأربعون الهداية الى الصناعات النافعة الثانية والأربعون الاطلاع على ما سيكون الثالثة والأربعون الاطلاع على ما كان مما لم ينقله أحد قبله الرابعة والأربعون التوقيف على أسرار الناس ومخبآتهم الخامسة والأربعون تعليم طرق الاستدلال السادسة والأربعون الاطلاع على طريق التلطف في المعاشرة قال فقد بلغت خصائص النبوة فيما مرجعه العلم ستة وأربعين وجها ليس منها وجه إلا وهو يصلح أن يكون مقاربا للرؤيا الصالحة التي أخبر أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والكثير منها وإن كان قد يقع لغير النبي لكنه للنبي لا يخطىء أصلا ولغيره قد يقع فيه الخطأ والله أعلم وقال الغزالي في كتاب الفقر والزهد من الأحياء لما ذكر حديث يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام وفي رواية بأربعين سنة قال وهذا يدل على تفاوت درجات الفقراء فكان الفقير الحريص على جزء من خمس وعشرين جزءا من الفقير الزاهد لأن هذه نسبة الأربعين الى الخمسمائة ولا يظن أن تقدير النبي صلى الله عليه وسلم يتجزأ على لسانه كيف ما اتفق بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق وهذا كقوله الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة فإنه تقدير تحقيق لكن ليس في قوة غيره أن يعرف علة تلك النسبة إلا بتخمين لأن النبوة عبارة عما يختص به النبي ويفارق به غيره وهو يختص بأنواع من الخواص منها أنه يعرف حقائق الأمور المتعلقة بالله وبصفاته وملائكته والدار الآخرة لا كما يعلمه غيره بل عنده من كثرة المعلومات وزيادة اليقين والتحقيق ما ليس عند غيره وله صفة تتم له بها الأفعال الخارق للعادات كالصفة التي بها تتم لغيره الحركات الاختيارية وله صفة يبصر بها الملائكة ويشاهد بها الملكوت كالصفة التي يفارق بها البصير الأعمى وله صفة بها يدرك ما سيكون في الغيب ويطالع بها ما في اللوح المحفوظ كالصفة التي يفارق بها الذكي البليد فهذه صفات كاملات ثابتة للنبي يمكن إنقسام كل واحدة منها الى أقسام بحيث يمكننا أن نقسمها الى أربعين والى خمسين والى أكثر وكذا يمكننا أن نقسمها الى ستة وأربعين جزءا بحيث تقع الرؤيا الصحيحة جزءا من جملتها لكن لا يرجع إلا إلى ظن وتخمين لا انه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة انتهى ملخصا وأظنه أشار الى كلام الحليمي فإنه مع تكلفه ليس على يقين أن الذي ذكره هو المراد والله أعلم وقال بن الجوزي لما كانت النبوة تتضمن اطلاعا على أمور يظهر تحقيقها فيما بعد وقع تشبيه رؤيا المؤمن بها وقيل ان جماعة من الأنبياء كانت نبوتهم وحيا في المنام فقط وأكثرهم ابتدىء بالوحي في المنام ثم رقوا الى الوحي في اليقظة فهذا بيان مناسبة تشبيه المنام الصادق بالنبوة وأما خصوص العدد المذكور فتكلم فيه جماعة فذكر المناسبة الأولى وهي ان مدة وحي المنام الى نبينا كانت ستة أشهر وقد تقدم ما فيه ثم ذكر أن الأحاديث اختلفت في العدد المذكور قال فعلى هذا تكون رؤيا المؤمن مختلفة أعلاها ستة وأربعون وأدناها سبعون ثم ذكر المناسبة التي ذكرها الطبري وقال القرطبي في المفهم يحتمل أن يكون المراد من هذا الحديث أن المنام الصادق خصلة من خصال النبوة كما جاء في الحديث الآخر التؤدة والاقتصاد وحسن السمت جزء من ستة وعشرين جزءا من النبوة أي النبوة مجموع خصال مبلغ أجزائها ذلك وهذه الثلاثة جزء منها وعلى مقتضى ذلك يكون كل جزء من الستة والعشرين ثلاثة أشياء فإذا ضربنا ثلاثة في ستة وعشرين انتهت الى ثمانية وسبعين فيصح لنا أن عدد خصال النبوة من حيث آحادها ثمانية وسبعون قال ويصح أن يسمى كل اثنين منها جزءا فيكون العدد بهذا الاعتبار تسعة وثلاثين ويصح أن يسمى كل أربعة منها جزءا فتكون تسعة عشر جزءا ونصف جزء فيكون اختلاف الروايات في العدد بحسب اختلاف اعتبار الاجزاء ولا يلزم منه اضطراب وقال وهذا أشبه ما وقع لي في ذلك مع انه لم ينشرح به الصدر ولا اطمأنت اليه النفس قلت وتمامه أن يقول في الثمانية والسبعين بالنسبة لرواية السبعين ألغي فيها الكسر وفي التسعة والثلاثون بالنسبة الى رواية الأربعين جبر الكسر ولا تحتاج الى العدد الأخير لما فيه من ذكر النصف وما عدا ذلك من الأعداد قد أشار إلى أنه يعتبر بحسب ما يقدر من الخصال ثم قال وقد ظهر لي من وجه آخر وهو أن النبوة معناها أن الله يطلع من يشاء من خلقه على ما يشاء من أحكامه ووحيه إما بالمكالمة وإما بواسطة الملك وإما بالقاء في القلب بغير واسطة لكن هذا المعنى المسمى بالنبوة لا يخص الله به إلا ما خصه بصفات كمال نوعه من المعارف والعلوم والفضائل والأداب مع تنزهه عن النقائص أطلق على تلك الخصال نبوة كما في حديث التؤدة والاقتصاد أي تلك الخصال من خصال الأنبياء والأنبياء مع ذلك متفاضلون فيها كما قال تعالى ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ومع ذلك فالصدق أعظم أوصافهم يقظة ومناما فمن تأسى بهم في الصدق حصل من رؤيا على الصدق ثم لما كانوا في مقاماتهم متفاوتين كان أتباعهم من الصالحين كذلك وكان أقل خصال الأنبياء ما إذا اعتبر كان ستة وعشرين جزءا وأكثرها ما يبلغ سبعين وبين العدد مراتب مختلفة بحسب ما اختلفت ألفاظ الروايات وعلى هذا فمن كان من غير الأنبياء في صلاحه وصدقه على رتبة تناسب حال نبي من الأنبياء كانت رؤياه جزءا من نبوة ذلك النبي ولما كانت كمالاتهم متفاوتة كانت نسبة أجزاء منامات الصادقين متفاوتة على ما فصلناه قال وبهذا يندفع الاضطراب إن شاء الله وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة وجها آخر ملخصه أن النبوة لها وجوه من الفوائد الدنيوية والآخروية خصوصا وعموما منها ما يعلم ومنها ما لا يعلم وليس بين النبوة والرؤيا نسبة إلا في كونها حقا فيكون مقام النبوة بالنسبة لمقام الرؤيا بحسب تلك الأعداد راجعة الى درجات الأنبياء فنسبتها من أعلاهم وهو من ضم له الى النبوة الرسالة أكثر ما ورد من العدد ونسبتها الى الأنبياء غير المرسلين أقل ما ورد من العدد وما بين ذلك ومن ثم أطلق في الخبر النبوة ولم يقيدها بنبوة نبي بعينه ورأيت في بعض الشروح أن معنى الحديث أن للمنام شبها بما حصل للنبي وتميز به عن غيره بجزء من ستة وأربعين جزءا فهذه عدة مناسبات لم أر من جمعها في موضع واحد فلله الحمد على ما ألهم وعلم ولم اقف في شيء من الاخبار على كون الإلهام جزءا من أجزاء النبوة مع أنه من أنواع الوحي إلا أن بن أبي جمرة تعرض لشيء منه كما سأذكره في باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى

قوله باب بالتنوين الرؤيا من الله أي مطلقا وإن قيدت في الحديث بالصالحة فهو بالنسبة الى ما لا دخول للشيطان فيه وأما ما له فيه دخل فنسبت اليه نسبة مجازية مع أن الكل بالنسبة الى الخلق والتقدير من قبل الله وإضافة الرؤيا الى الله للتشريف ويحتمل أن يكون أشار الى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه وظاهر

[ 6583 ] قوله الرؤيا من الله والحلم من الشيطان أن التي تضاف الى الله لا يقال لها حلم والتي تضاف للشيطان لا يقال لها رؤيا وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا وقد جاء في حديث آخر الرؤيا ثلاث فاطلق على كل رؤيا وسيأتي بيانه في باب القيد في المنام وذكر فيه حديثين الحديث الأول حديث أبي قتادة وزهير في السند هو بن معاوية أبو خيثمة الجعفي ويحيى بن سعيد هو الأنصاري وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن قوله الرؤيا الصادقة في رواية الكشميهني الصالحة وهو الذي وقع في معظم الروايات وسقط الوصف من رواية أحمد بن يحيى الحلواني عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه أخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ الرؤيا من الله كالترجمة وكذا في الطب من رواية سليمان بن بلال والإسماعيلي من رواية الثوري وبشر بن المفضل ويحيى القطان كلهم عن يحيى بن سعيد ولمسلم من رواية الزهري عن أبي سلمة كما سيأتي قريبا مثله ووقع في رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة كما سيأتي في باب إذا رأى ما يكره الرؤيا الحسنة من الله ووقع عند مسلم من هذا الوجه الصالحة زاد في هذه الرواية فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يخبر به إلا من يحب ولمسلم في رواية من هذا الوجه فان رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب وقوله فليبشر بفتح التحتانية وسكون الموحدة وضم المعجمة من البشرى وقيل بنون بدل الموحدة أي ليحدث بها وزعم عياض أنها تصحيف ووقع في بعض النسخ من مسلم فليستر بمهملة ومثناة من الستر وفي حديث أبي رزين عند الترمذي ولا يقصها إلا على واد بتشديد الدال اسم فاعل من الود أو ذي رأي وفي أخرى ولا يحدث بها إلا لبيبا أو حبيبا وفي أخرى ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح قال القاضي أبو بكر بن العربي أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشد الى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعلمه بما يعول عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فان عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك سكت قلت والأولى الجمع بين الروايتين فان اللبيب عبر به عن العالم والحبيب عبر به من الناصح ووقع عند مسلم في حديث أبي سعيد في حديثي الباب

[ 6584 ] فليحمد الله عليها وليحدث بها قوله والحلم من الشيطان كذا اختصره وسيأتي ضبط الحلم ومعناه في باب الحلم من الشيطان إن شاء الله تعالى وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من الطريق المشار إليها فزاد فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاث مرات ويتعوذ بالله من شرها وأذاها فانها لا تضره وكذا مضى في الطب من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وسيأتي المصنف في باب الحلم من الشيطان من طريق بن شهاب عن أبي سلمة بلفظ فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره ولمسلم من هذا الوجه عن يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات وسيأتي في باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي سلمة بلفظ فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان فانها لا تضره ومن رواية عبد ريه بن سعيد عن أبي سلمة الأتية في إذا رأى ما يكره بلفظ وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره وهذه أتم الروايات عن أبي سلمة لفظا قال المهلب سمى الشارع الرؤيا الخالصة من الاضغاث صالحة وصادقة وأضافها الى الله وسمى الاضغاث حلما وأضافها الى الشيطان إذ كانت مخلوقة على شاكلته فأعلم الناس بكيده وأرشدهم الى دفعه لئلا يبلغوه أربه في تحزينهم والتهويل عليهم وقال أبو عبد الملك أضيفت الى الشيطان لكونها على هواه ومراده وقال بن الباقلاني يخلق الله الرؤيا الصالحة بحضرة الملك ويخلق الرؤيا التي تقابلها بحضرة الشيطان فمن ثم أضيقت اليه وقيل أضيقت اليه لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة لها في نفس الأمر الحديث الثاني عن أبي سعيد الخدري قوله حدثني بن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي وسيأتي منسوبا في باب إذا رأى ما يكره قوله فانما هي من الله في الرواية المذكورة فانها من الله فليحمد الله عليها وليتحدث بها وفي رواية الكشميهني فليتحدث ومثله في الرواية المذكورة قوله وإذا رأى غير ذلك مما يكره فانما هي من الشيطان فليستعذ زاد في نسخة بالله قوله ولا يذكرها لأحد فانها لا تضره في رواية الكشميهني في باب إذا رأى ما يكره فانها لن تضره فحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء أن يحمد الله عليها وأن يستبشر بها وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء أن يتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا ولا يذكرها لأحد أصلا ووقع عند المصنف في باب القيد في المنام عن أبي هريرة خامسة وهي الصلاة ولفظه فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل لكن لم يصرح البخاري بوصله وصرح به مسلم كما سيأتي بيانه في بابه وغفل القاضي أبو بكر بن العربي فقال زاد الترمذي على الصحيحين بالأمر بالصلاة انتهى وزاد مسلم سادسة وهي التحول من جنبه الذي كان عليه فقال حدثنا قتيبة حدثنا ليث وحدثنا بن رمح أنبأنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رفعه إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق على يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وقال قبل ذلك حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث بن سعد وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير كلهم عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد يعني عن أبي سلمة عن أبي قتادة مثل حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وزاد بن رمح في هذا الحديث وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وذكر بعض الحفاظ أن هذه الزيادة انما هي في حديث الليث عن أبي الزبير كما اتفق عليه قتيبة وابن رمح وأما طريق يحيى بن سعيد في حديث أبي قتادة فليست فيه ولذلك لم يذكرها قتيبة وفي الجملة فتكمل الأداب ستة الأربعه الماضية والصلاة والتحول ورأيت في بعض الشروح ذكر سابعه وهي قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك مستندا فان كان أخذه من عموم قوله في حديث أبي هريرة ولا يقربنك الشيطان فيتجه وينبغي أن يقرأها في صلاته المذكورة وسيأتي ما يتعلق بآداب العابر وقد ذكر العلماء حكمه هذه الأمور فأما الاستعاذة بالله من شرها فواضح وهي مشروعة عند كل أمر يكره وأما الاستعاذة من الشيطان فلما وقع في بعض طرق الحديث أنها منه وانما يخيل بها لقصد تحزين الآدمي والتهويل عليه كما تقدم وأما التفل فقال عياض أمر به طردا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرا له واستقذارا وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار ونحوها قلت والتثليث للتأكيد وقال القاضي أبو بكر بن العربي فيه إشارة الى أنه في مقام الرقية ليتقرر عند النفس دفعه عنها وعبر في بعض الروايات البصاق إشارة الى استقذاره وقد ورد بثلاثة ألفاظ التفث والتفل والبصق قال النووي في الكلام على التفث في الرقية تبعا لعياض اختلف في التفث والتفل فقيل هما بمعنى ولا يكونان إلا بريق وقال أبو عبيد يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في التفث وقيل عكسه وسألت عائشة عن التفث في الرقية فقالت كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه قال ولا اعتبار بما يخرج معه من بلة بغير قصد قال وقد جاء في حديث أبي سعد في الرقية بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه قال عياض وفائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة والهواء والتفث للمباشر للرقية المقارن للذكر الحسن كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء وقال النووي أيضا أكثر الروايات في الرؤيا فلينفث وهو نفخ لطيف بلا ريق فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازا قلت لكن المطلوب في الموضعين مختلف لأن المطلوب في الرقية التبرك برطوبة الذكر كما تقدم والمطلوب هنا طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره كما نقله هو عن عياض كما تقدم فالذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق لطيف فبالنظر الى النفخ قيل له تفث وبالنظر الى الريق قيل له بصاق قال النووي وأما قوله فانها لا تضره فمعناه ان الله جعل ما ذكر سببا للسلامة من المكروه والمترتب على الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال انتهى وأما الصلاة فلما فيها من التوجه الى الله واللجأ اليه ولأن في التحرم بها عصمة من الأسواء وبها تكمل الرغبة وتصح الطلبة لقرب المصلي من ربه عند سجوده وأما التحول للتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها قال النووي وينبغي أن يجمع بين هذه الروايات كلها ويعمل بجميع ما تضمنه فان اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث قلت لم أر في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحدة نعم أشار المهلب الى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها وكأنه أخذه من قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فيحتاج مع الاستعاذة الى صحة التوجه ولا يكفي إمرار الاستعاذة باللسان وقال القرطبي في المفهم الصلاة تجمع ذلك كله لأنه إذا قام فصلى تحول عن جنبه وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء واستعاذ قبل القراءة ثم دعا الله في أقرب الأحوال اليه فيكفيه الله شرها بمنه وكرمه وورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي وورد في الاستعاذة من التهويل في المنام ما أخرجه مالك قال بلغني أن خالد بن الوليد قال يا رسول الله إني أروع في المنام فقال قل أعوذ بكلمات الله التامات ومن شر غضبه وعذابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وأخرجه النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان خالد بن الوليد يفزع في منامه فذكر نحوه وزاد في أوله إذا اضطجعت فقل باسم الله فذكره وأصله عند أبي داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه واستثنى الداودي من عموم قوله إذا رأى ما يكره ما يكون في الرؤيا الصادقة لكونها قد تقع إنذارا كما تقع تبشيرا وفي الإنذار نوع ما يكرهه الرائي فلا يشرع إذا عرف انها صادقة ما ذكره من الاستعاذة ونحوها واستند الى ما ورد من مرائي النبي صلى الله عليه وسلم كالبقر التي تنحر ونحو ذلك ويمكن أن يقال لا يلزم من ترك الاستعاذة في الصادقة أن لا يتحول عن جنبه ولا أن لا يصلي فقد يكون ذلك سببا لدفع مكروه الإنذار مع حصول مقصود الإنذار وأيضا فالمنذورة قد ترجع الى معنى المبشرة لأن من أنذر بما سيقع له ولو كان لا يسره أحسن حالا ممن هجم عليه ذلك فإنه ينزعج ما لا ينزعج من كان يعلم بوقوعه فيكون ذلك تخفيفا عنه ورفقا به قال الحكيم الترمذي الرؤيا الصادقة أصلها حق تخبر عن الحق وهي بشرة وانذار ومعاتبة لتكون عونا لما ندب اليه قال وقد كان غالب أمور الأولين الرؤيا إلا أنها قلت في هذه الأمة لعظم ما جاء به نبيها من الوحي ولكثرة من في أمته من الصديقين من المحدثين بفتح الدال وأهل اليقين فاكتفوا بكثرة الإلهام والملهمين عن كثرة الرؤيا التي كانت في المتقدمين وقال القاضي عياض يحتمل قوله الرؤيا الحسنة والصالحة أن يرجع الى حسن ظاهرها أو صدقها كما أن قوله الرؤيا المكروهة أو السوء يحتمل سوء الظاهر أو سوء التأويل وأما كتمها مع أنها قد تكون صادقة فخفيت حكمته ويحتمل أن يكون لمخافة تعجيل اشتغال سر الرائي بمكروه تفسيرها لأنها قد تبطئ فإذا لم يخبر بها زال تعجيل روعها وتخويفها ويبقى إذا لم يعبرها له أحد بين الطمع في أن لها تفسيرا حسنا أو الرجاء في أنها من الاضغاث فيكون ذلك أسكن لنفسه واستدل بقوله ولا يذكرها على أن الرؤيا تقع على ما يعبر به وسيأتي البحث في ذلك في باب إذا رأى ما يكره إن شاء الله تعالى واستدل به على أن للوهم تأثيرا في النفوس لأن التفل وما ذكر معه يدفع الوهم الذي يقع في النفس من الرؤيا فلو لم يكن للوهم تأثير لما أرشد الى ما يدفعه وكذا في النهي عن التحديث بما يكره لمن يكره والأمر بالتحديث بما يجب لمن يجب قوله في حديث أبي سعيد وإذا رأى غير ذلك مما يكره فانما هي من الشيطان ظاهر الحصر أن الرؤيا الصالحة لا تشتمل على شيء مما يكرهه الرائي ويؤيد مقابلة رؤيا البشرى بالحلم وإضافة الحلم الى الشيطان وعلى هذا ففي قول أهل التعبير ومن تبعهم ان الرؤيا الصادقة قد تكون بشرى وقد تكون انذارا نظر لأن الإنذار غالبا يكون فيما يكره الرائي ويمكن الجمع بأن الإنذار لا يستلزم وقوع المكروه كما تقدم تقريره وبأن المراد بما يكره ما هو أعم من ظاهر الرؤيا ومما تعبر به وقال القرطبي في المفهم ظاهر الخبر أن هذا النوع من الرؤيا يعني ما كان فيه تهويل أو تخويف أو تحزين هو المأمور بالاستعاذة منه لأنه من تخيلات الشيطان فإذا استعاذ الرائي منه صادقا في التجائه الى الله وفعل ما أمر به من التفل والتحول والصلاة أذهب الله عنه ما به وما يخافه من مكروه ذلك ولم يصبه منه شيء وقيل بل الخبر على عمومه فيما يكرهه الرائي بتناول ما يتسبب به الشيطان وما لا تسبب له فيه وفعل الأمور المذكورة مانع من وقوع المكروه كما جاء أن الدعاء يدفع البلاء والصدقة تدفع منة السوء وكل ذلك بقضاء الله وقدره ولكن الأسباب عادات لا موجودات وأما ما يرى أحيانا مما يعجب الرائي ولكنه لا يجده في اليقظة ولا ما يدل عليه فإنه يدخل في قسم آخر وهو ما كان الخاطر به مشغولا قبل النوم ثم يحصل النوم فيراه فهذا قسم لا يضر و لا ينفع

قوله باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة هذه الترجمة لفظ آخر أحاديث الباب فكأنه حمل الرواية الأخرى بلفظ رؤيا المؤمن على هذه المقيدة وسقطت هذه الترجمة للنسفي وذكر أحاديثها في الباب الذي قبله وذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول

[ 6585 ] قوله حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير وأثنى عليه خيرا لقيته باليمامة هكذا للأكثر وفي رواية القابسي بعد قوله خيرا قال لقيته باليمامة وفاعل أثنى هو مسدد وهي جملة حالية كأنه قال أثنى عليه خيرا حال تحديثه عنه وقد أثنى عليه أيضا إسحاق بن أبي إسرائيل فيما أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير وكان من خيار الناس وأهل الورع والدين قوله عن أبيه هو عطف على السند الذي قبله ففي رواية إسحاق بن أبي إسرائيل المذكورة بعد أن ساق طريق أبي سلمة قال وحدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مثل حديث أبي سلمة وتقدم في صفة إبليس من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وحده عن أبي قتادة أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي خليفة عن مسدد كرواية البخاري عن مسدد ومن طريق إبراهيم الحربي عن مسدد بهذا السند فقال عن أبي هريرة بدل أبي قتادة ولعله كان عند أبي سلمة عنهما وكان عند مسدد على الوجهين فقد أخرجه بن عدي من رواية إسحاق بن أبي إسرائيل بهذا السند الى أبي سلمة فقال عن أبي قتادة تارة وعن أبي هريرة أخرى وعن عبيد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة حديث رؤيا الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة أخرجه مسلم قوله الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم تقدم شرحه في الباب الذي قبله مستوفى وقد اعترضه الإسماعيلي فقال ليس هذا الحديث من هذا الباب في شيء وأخذه الزركشي فقال إدخاله في هذا الباب لا وجه له بل هو ملحق بالذي قبله قلت وقد وقع ذلك في رواية النسفي كما أشرت اليه ويجاب عن صنيع الأكثر بأن وجه دخوله في هذه الترجمة الإشارة الى أن الرؤيا الصالحة انما كانت جزءا من أجزاء النبوة لكونها من الله تعالى بخلاف التي من الشيطان فانها ليست من أجزاء النبوة وأشار البخاري مع ذلك إلى ما وقع في بعض الطرق عن أبي سلمة عن أبي قتادة فقد ذكرت في الباب الذي قبله أنه وقع في رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي قتادة في هذا الحديث من الزيادة ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة الحديث الثاني

[ 6586 ] قوله حدثنا غندر هو محمد بن جعفر قوله عن أنس في رواية أحمد عن محمد بن جعفر المذكور بسنده المذكور سمعت أنس بن مالك يحدث عن عبادة وقد خالف قتادة غيره فلم يذكروا عبادة في السند وهو الحديث الثالث حديث أنس

[ 6587 ] قوله ورواه ثابت وحميد وإسحاق بن عبد الله وشعيب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أي بغير واسطة فأما رواية ثابت فتأتي موصولة بعد خمسة أبواب من طريق عبد العزيز بن المختار عنه تلو حديث أوله من رآني في المنام فقد رآني وقال فيه ورؤيا المؤمن وصلها مسلم من طريق شعبة عن ثابت كذلك وأخرجها البزار وقال لا نعلم رواه عن ثابت إلا شعبة ورواية عبد العزيز ترد عليه ووقع في أطراف المزي أن البخاري أخرجه في التعبير معلقا فقال رواه شعبة عن ثابت ولم أر ذلك في البخاري وأما رواية حميد فوصلها أحمد عن محمد بن أبي عدي عنه ولفظ المتن مثل رواية قتادة وأما رواية إسحاق وهو بن عبد الله بن أبي طلحة فتقدمت قريبا وأما رواية شعيب وهو بن الحبحاب بمهملتين مفتوحتين وموحدتين الأولى ساكنة فرويناها موصولة في كتاب الروح لأبي عبد الله بن منده من طريق عبد الوارث بن سعيد وفي الجزء الرابع من فوائد أبي جعفر محمد بن عمرو الرزاز من طريق سعيد بن زيد كلاهما عن شعيب ولفظه مثل حميد وأشار الدارقطني الى أن الطريقين صحيحان الحديث الرابع حديث أبي هريرة من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عنه ولفظه مثل قتادة وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه فزاد في أوله أن التي للتأكيد وأخرجه من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ أبي سعيد آخر حديث الباب ومن طريق أبي سلمة ومن طريق همام كلاهما عن أبي هريرة بلفظ رؤيا الرجل الصالح بدل لفظ المؤمن الحديث الخامس حديث أبي سعيد من رواية بن أبي حازم والدراوردي واسم كل منهما عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار واسم والد الدراوردي محمد بن عبيد ويزيد شيخهما هو المعروف بابن الهاد والسند كله مدنيون ولفظ المتن مثل الترجمة كما تقدم قوله من النبوة قال بعض الشراح كذا هو في جميع الطرق وليس في شيء منها بلفظ من الرسالة بدل من النبوة قال وكأن السر فيه أن الرسالة تزيد على النبوة بتبليغ الاحكام للمكلفين بخلاف النبوة المجردة فانها اطلاع على بعض المغيبات وقد يقرر بعض الأنبياء شريعة من قبله ولكن لا يأتي بحكم جديد مخالف لمن قبله فيؤخذ من ذلك ترجيح القول بأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فأمره بحكم يخالف حكم الشرع المستقر في الظاهر أنه لا يكون مشروعا في حقه ولا في حق غيره حتى يجب عليه تبليغه وسيأتي بسط هذه المسألة في الكلام على حديث من رآني في المنام فقد رآني إن شاء الله تعالى

قوله باب المبشرات بكسر الشين المعجمة جمع مبشرة وهي البشرى وقد ورد في قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبادة بن الصامت ورواته ثقات إلا أن أبا سلمة لم يسمعه من عبادة وأخرجه الترمذي أيضا من وجه آخر عن أبي سلمة قال نبئت عن عبادة وأخرجه أيضا هو وأحمد وإسحاق وأبو يعلى من طريق عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن عبادة وذكر بن أبي حاتم عن أبيه أن هذا الرجل ليس بمعروف وأخرجه بن مردويه من حديث بن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وفي الباب عن جابر عند البزار وعن أبي هريرة عند الطبري وعن عبد الله بن عمرو عند أبي يعلى

[ 6589 ] قوله لم يبق من النبوة إلا المبشرات كذا ذكره باللفظ الدال على المضي تحقيقا لوقوعه والمراد الاستقبال أي لا يبقى وقيل هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام في النبوة للعهد والمراد نبوته والمعنى لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات ثم فسرها بالرؤيا وصرح به في حديث عائشة عند أحمد بلفظ لم يبق بعدي وقد جاء في حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في مرض موته أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال يا أيها الناس أنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له الحديث وللنسائي من رواية زفر بن صعصعة عن أبي هريرة رفعه أنه ليس يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة وهذا يؤيد التأويل الأول وظاهر الاستثناء مع تقدم من أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أن الرؤيا نبوة وليس كذلك لما تقدم أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة أو لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوتا وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعا صوته لا يسمى مؤذنا ولا يقال أنه أذن وإن كانت جزءا من الأذان وكذا لو أقر شيئا من القرآن وهو قائم لا يسمى مصليا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ويؤيده حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبية قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان ولأحمد عن عائشة مرفوعا لم يبق بعدي من المبشرات إلا الرؤيا وله وللطبراني من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعا ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ولأبي يعلى من حديث أنس رفعه أن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات قالوا وما المبشرات قال رؤيا المسلمين جزء من أجزاء النبوة قال المهلب ما حاصله بالتعبير بالمبشرات خرج للأغلب فان من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه قال بن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموتي ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فان فيه أخبار بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في الحديث الماضي في مناقب عمر قد كان فيمن مضى من الأمم محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بالفتح أيضا وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف الإلهام فإنه مختص بالبعض ومع كونه مختصا فإنه نادر فانما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه ويشير الى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فان يكن وكان السر في ندور الإلهام في زمنه وكثرته من بعده غلب الوحي اليه صلى الله عليه وسلم في اليقظة وأراد إظهار المعجزات منه فكان المناسب أن لا يقع لغيره منه في زمانه شيء فلما انقطع الوحي بموته وقع الإلهام لمن اختصه الله به للأمن من اللبس في ذلك وفي إنكار وقوع ذلك مع كثرته واشتهاره مكابرة ممن أنكره

يجتبيك

قوله باب رؤيا يوسف كذا لهم ووقع للنسفي يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن وقوله عز وجل إذ قال يوسف لأبيه فساق الى ساجدين ثم قال إلى قوله عليم حكيم كذا لأبي ذر والنسفي وساق في رواية كريمة الآيات كلها قوله وقوله تعالى يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا الى قوله وألحقني بالصالحين كذا لأبي ذر والنسفي أيضا وساق في رواية كريمة الآيتين والمراد أن معنى قوله تأويل رؤياي أي التي تقدم ذكرها وهي رؤيا الكواكب والشمس والقمر ساجدين له فلما وصل أبواه وأخوته الى مصر ودخلوا عليه وهو في مرتبة الملك وسجدوا له وكان ذلك مباحا في شريعتهم فكان التأويل في الساجدين وكونها حقا في السجود وقيل التأويل وقع أيضا في السجود ولم يقع منهم السجود حقيقة وانما هو كناية عن الخضوع والأول هو المعتمد وقد أخرجه بن جرير بسند صحيح عن قتادة في قوله وخروا له سجدا قال كان تحية من قبلكم فأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة وفي لفظ وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض ومن طريق بن إسحاق والثوري وابن جريج وغيرهم نحو ذلك قال الطبري أرادوا أن ذلك كان بينهم لا على وجه العبادة بل الإكرام واختلف في المدة التي كانت بين الرؤيا وتفسيرها فأخرج الطبري والحاكم والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن سلمان الفارسي قال كان بين رؤيا يوسف وعبارتها أربعون عاما وذكر البيهقي له شاهدا عن عبد الله بن شداد وزاد واليه ينتهي امد الرؤيا وأخرج الطبري من طريق الحسن البصري قال كانت مدة المفارقة بين يعقوب ويوسف ثمانين سنة وفي لفظ ثلاثا وثمانين سنة ومن طريق قتادة خمسا وثلاثين سنة بن إسحاق قولا أنها كانت ثمانية عشر عاما والأول أقوى والعلم عند الله قوله قال أبو عبد الله هو المصنف وسقط هذا وما بعده إلى آخر الباب للنسفي قوله فاطر والبديع والمبدع والباريء والخالق واحد كذا لبعضهم الباريء بالراء ولأبي ذر والأكثر الباديء بالدال بدل الراء والهمز ثابت فيهما وزعم بعض الشراح ان الصواب بالراء وأن رواية الدال وهم وليس كما قال فقد وردت في بعض طرق الأسماء الحسنى كما تقدم في الدعوات وفي الأسماء الحسنى أيضا المبدئ وقد وقع في العنكبوت ما يشهد لكل منهما في قوله أو لم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده ثم قال فأنظروا كيف بدأ الخلق فالأول من الرباعي واسم الفاعل منه مبدئ والثاني من الثلاثي واسم الفاعل منه بادئ وهما لغتان مشهورتان وإنما ذكر البخاري هذا استطرادا من قوله في الآيتين المذكورتين فاطر السماوات والأرض فأراد تفسير الفاطر وزعم بعض الشراح أن دعوى البخاري في ذلك الوحدة ممنوعة عند المحققين كذا قال ولم يرد البخاري بذلك أن حقائق معانيها متوحدة انما أراد انها ترجع الى معنى واحد وهو إيجاد الشيء بعد أن لم يكن وقد ذكرت قول القراء أن فطر وخلق وفلق بمعنى واحد قبل باب رؤيا الصالحين قوله قال أبو عبد الله من البدء وبادئة كذا وجدته مضبوطا في الأصل بالهمز في الموضعين وبواو العطف لأبي ذر فان كان محفوظا ترجحت رواية الدال من قوله والبادئ ولغير أبي ذر من البدو وبادية بالواو بدل الهمز وبغير الهمز في بادية وبهاء تأنيث وهو أولى لأنه يريد تفسير قوله في الآية المذكورة وجاء بكم من البدو ففسرها بقوله بادية أي جاء بكم من البادية وذكر الكرماني فقال قوله من البدو أي قوله وجاء بكم من البدو أي من البادية ويحتمل أن يكون مقصوده أن فاطر معناه البادئ من البدء أي الابتداء أي بادئ الخلق فمعنى فاطر بادئ والله أعلم

قوله باب رؤيا إبراهيم عليه السلام كذا لأبي ذر وسقط لفظ باب لغيره قوله وقوله عز وجل فلما بلغ معه السعي الى قوله نجزى المحسنين كذا لأبي ذر وسقط للنسفي وساق في رواية كريمة الآيات كلها قيل كان إبراهيم نذر إن رزقه الله من سارة ولدا أن يذبحه قربانا فرأى في المنام أن أوف بنذرك أخرجه بن أبي حاتم عن السدي قال فقال إبراهيم لإسحق انطلق بنا نقرب قربانا وأخذ حبلا وسكينا ثم انطلق به حتى إذا كان بين الجبال قال يا أبت أين قربانك قال أنت يا بني إني أرى في المنام أني اذبحك الآيات فقال اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي فتراه سارة فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون على ففعل ذلك إبراهيم وهو يبكي وأمر السكين على حلقه فلم تحز وضرب الله على حلقه صفيحة من نحاس فكبه على جبينه وحز في قفاه فذاك قوله فلما أسلما وتله للجبين ونودى أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فالتفت فإذا هو بكبش فأخذه وحل عن ابنه وهكذا ذكره السدي ولعله أخذه عن بعض أهل الكتاب فقد أخرج بن أبي حاتم بسند صحيح أيضا عن الزهري عن القاسم قال اجتمع أبو هريرة وكعب فحدث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل نبي دعوة مستجابة فقال كعب أفلا أخبرك عن إبراهيم لما رأى أنه يدبح ابنه إسحاق قال الشيطان ان لم أفتن هؤلاء عند هذه لم افتنهم ابدا فذهب الى سارة فقال أين ذهب إبراهيم بابنك قالت في حاجته قال كلا أنه ذهب به ليذبحه يزعم أنه ربه أمره بذلك فقالت أخشى أن لا يطيع ربه فجاء الى إسحاق فأجابه بنحوه فواجه إبراهيم فلم يلتفت اليه فأيس أن يطيعوه وساق نحوه من طريق سعيد عن قتادة وزاد أنه سد على إبراهيم الطريق الى المنحر فأمره جبريل أن يرميه بسبع حصيات عند كل جمرة وكأن قتادة أخذ أوله عن بعض أهل الكتاب وآخره مما جاء عن بن عباس وهو عند أحمد من طريق أبي الطفيل عنه قال إن إبراهيم لما رأى المناسك عرض له إبليس عند المسعى فسبقه إبراهيم فذهب به جبريل إلى العقبة فعرض له إبليس فرماه بسبع حصيات حتى ذهب وكان على إسماعيل قميص أبيض وثم تله للجبين فقال يا أبت أنه ليس لي قميص تكفنني فيه غيره فاخلعه فنودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فالتفت فإذا هو بكبش أبيض أقرن أعين فذبحه وأخرج بن إسحاق في المبتدأ عن بن عباس نحوه وزاد فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وان رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة وأخرجه أحمد أيضا عن عثمان بن أبي طلحة قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فواريت قرني الكبش حين دخل البيت وهذه الآثار من أقوى الحجج لمن قال إن الذبيح إسماعيل وقد نقل بن أبي حاتم وغيره عن العباس وابن مسعود وعن علي وابن عباس في إحدى الرواتين عنهما وعن الأحنف عن بن ميسرة وزيد بن أسلم ومسروق وسعيد بن جبير في إحدى الرواتين عنه وعطاء والشعبي وكعب الأحبار أن الذبيح إسحاق وعن بن عباس في أشهر الروايتين عنه وعن علي في احدي الروايتين وعن أبي هريرة ومعاوية وابن عمر وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي في إحدى الروايتين عنهما ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب وأبي جعفر الباقر وأبي صالح والربيع بن أنس وأبي عمرو بن العلاء وعمر بن عبد العزيز وابن إسحاق ان الذبيح إسماعيل ويؤيده ما تقدم وحديث أنا بن الذبيحين رويناه في الخلعيات من حديث معاوية ونقله عبد الله بن أحمد عن أبيه وابن أبي حاتم عن أبيه وأطنب بن القيم في الهدى في الاستدلال لتقويته وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي أنه استنبط من القرآن دليلا وهو قوله في الصافات وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين إلى قوله إني أرى في المنام أني أذبحك وقوله في هود وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق إلى قوله وهذا بعلي شيخا قال ووجه الأخذ منهما أن سياقهما يدل على أنهما قصتان مختلفتان في وقتين الأولى عن طلب من إبراهيم وهو لما هاجر من بلاد قومه في ابتداء أمره فسأل من ربه الولد فبشره بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك والقصة الثانية بعد ذلك بدهر طويل لما شاخ واستبعد من مثله أن يجئ له الولد وجاءته الملائكة عندما أمروا باهلاك قوم لوط فبشروه بإسحاق فتعين ان يكون الأول إسماعيل ويؤيده أن في التوراة أن إسماعيل بكره وأنه ولد قبل إسحاق قلت وهو استدلال جيد وقد كنت أستحسنه واحتج به الى أن مر بي قوله في سورة إبراهيم الحمد الله لذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق فإنه يعكر على قوله إنه رزق إسماعيل في ابتداء أمره وقوته لأن هاجر والدة إسماعيل صارت لسارة من قبل الجبار الذي وهبها لها وإنها وهبتها لإبراهيم لما يئست من الولد فولدت هاجر إسماعيل فغارت سارة منها كما تقدمت الإشارة اليه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وولدت بعد ذلك إسحاق واستمرت غيرة سارة الى ان كان اخراجها وولدها إلى مكة ما كان وقد ذكره بن إسحاق في المبتدأ مفصلا وأخرجه الطبري في تاريخه من طريقه وأخرج الطبري من طريق السدي قال انطلق إبراهيم من بلاد قومه قبل الشام فلقى سارة وهي بنت ملك حران فآمنت به فتزوجها فلما قدم مصر وهبها الجبار هاجر ووهبتها له سارة وكانت سارة منعت الولد وكان إبراهيم قد دعا الله أن يهب له ولدا من الصالحين فأخرت الدعوة حتى كبر فلما علمت سارة أن إبراهيم وقع على هاجر حزنت على ما فاتها من الولد ثم ذكر قصة مجيء الملائكة بسبب إهلاك قوم لوط وتفسيرهم إبراهيم بإسحاق فلذلك قال إبراهيم الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ويقال لم يكن بينهما إلا ثلاث سنين وقيل كان بينهما أربع عشر سنة وما تقدم من كون قصة الذبيح كانت بمكة حجة قوية في أن الذبيح إسماعيل لأن سارة وإسحاق لم يكونا بمكة والله أعلم قوله وقال مجاهد أسلما سلما ما أمرا به وتله وضع وجهه بالأرض قال الفريابي في تفسيره حدثنا ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى فلما أسلما قال سلما ما أمرا به وفي قوله وتله للجبين قال وضع وجهه بالأرض قال لا تذبحني وأنت تنظر في وجهي لئلا ترحمني فوضع جبهته في الأرض وأخرج بن أبي حاتم من طريق السدي قال فلما أسلما أي سلما لله الأمر ومن طريق أبي صالح قال اتفقا على أمر واحد ومن طريق قتادة سلم إبراهيم لأمر الله وسلم إسحاق لأمر إبراهيم وفي لفظ أما هذا فأسلم نفسه لله وأما هذا فأسلم ابنه لله ومن طريق أبي عمران الجوني تله للجبين كبه لوجهه تنبيه هذه الترجمة والتي قبلها ليس في واحد منهما حديث مسند بل اكتفى فيهما بالقرآن ولهما نظائر وقول الكرماني انه كان في كل منهما بياض ليلحق به حديث يناسبه محتمل مع بعده

قوله باب التواطؤ على الرؤيا أي توافق جماعة على شيء واحد ولو اختلفت عباراتهم

[ 6590 ] قوله أن أناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن أناسا في رواية الكشميهني ناسا قوله أروها في العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألتمسوها في السبع الأواخر كذا وقع في هذه الرواية من طريق سالم بن عبد الله بن عمر وتقدم في أواخر الصيام من طريق مالك عن نافع مثله لكن لفظه أرى رؤياكم تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها الحديث ولم يذكر الجملة الوسطى وأعترضه الإسماعيلي فقال اللفظ الذي ساقه خلاف التواطؤ وحديث التواطؤ أرى رؤياكم قد تواطأت على العشر الأواخر قلت لم يلتزم البخاري إيراد الحديث بلفظ تواطؤ وانما أراد بالتواطؤ التوافق وهو أعم من أن يكون الحديث بلفظه أو بمعناه وذلك أن أفراد السبع داخلة في أفراد العشر فلما رأى قوم أنها في العشر وقوم أنها في السبع كانوا كأنهم توافقوا على السبع فأمرهم بالتماسها في السبع لتوافق الطائفتين عليها ولأنه أيسر عليهم فجرى البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى والحديث الذي أشار اليه تقدم في كتاب قيام الليل من طريق أيوب عن نافع عن بن عمر قال رأيت كأن بيدي قطعة استبرق الحديث وفيه وكانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا وفيه أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر الحديث ويستفاد من الحديث أن توافق جماعة على رؤيا واحدة دال على صدقها وصحتها كما تستفاد قوة الخبر من التوارد على الاخبار من جماعة

قوله باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك تقدمت الإشارة الى أن الرؤيا الصحيحة وإن اختصت غالبا بأهل الصلاح لكن قد تقع لغيرهم ووقع في رواية أبي ذر بدل الشرك الشراب بضم المعجمة والتشديد جمع شارب أو بفتحتين مخففا أي وأهل الشراب والمراد شربه المحرم وعطفه على أهل الفساد من عطف الخاص على العام كما أن المسجون أعم من أن يكون مفسدا أو مصلحا قال أهل العلم بالتعبير إذا رأى الكافر أو الفاسق الرؤيا الصالحة فانها تكون بشرى له بهدايته الى الإيمان مثلا أو التوبة أو انذار من بقائه على الكفر أو الفسق وقد تكون لغيره ممن ينسب اليه من أهل الفضل وقد يرى ما يدل على الرضى بما هو فيه ويكون من جملة الابتلاء والغرور والمكر نعوذ بالله من ذلك قوله وقوله تعالى ودخل معه السجن فتيان الى قوله ارجع الى ربك كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآيات كلها وهي ثلاث عشرة آية قال السهيلي اسم أحدهما شرهم والآخر شرهم كل منهما بمعجمة إحداهما مفتوحة والأخرى مضمومة قال وقال الطبري الذي رأى أنه يعصر خمرا اسمه نبوء وذكر اسم الآخر فلم أحفظه قلت سماه مخلث بمعجمة ومثلثة وعزاه بابن إسحاق في المبتدأ وبه جزم الثعلبي وذكر أبو عبيد البكري في كتاب المسالك أن اسم الخباز راشان والساقي مرطس وحكوا أن الملك أتهمهما انهما أرادا سمه في الطعام والشراب فحبسهما إلى أن ظهرت براءة ساحة الساقي دون الخباز ويقال أنهما لم يريا شيئا وانما أرادا امتحان يوسف فأخرج الطبري عن بن مسعود قال لم يريا شيئا وانما تحاكما ليجربا وفي سنده ضعف وأخرج الحاكم بسند صحيح عن بن مسعود نحوه وزاد فلما ذكر لهما التأويل قالا انما كنا نلعب قال قضي الأمر الآية قوله وقال الفضيل الخ وقع لأبي ذر بعد قوله ارجع الى ربك وعند كريمة عند قوله أأرباب متفرقون وهو الأليق وعند غيرهما بعد قوله الأعناب والدهن قوله وادكر افتعل من ذكرت في رواية الكشميهني من ذكر وهو من كلام أبي عبيدة قال أذكر بعد أمة افتعل من ذكرت فأدغمت التاء في الذال فحولت دالا يعني مهملة ثقيلة قوله بعد أمة قرن هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير آل عمران وقال في تفسير يوسف بعد حين وأخرجه الطبري بسند جيد عن بن عباس مثله ومن طريق سماك عن عكرمة قال بعد حقبة من الدهر وأخرج بن أبي حاتم عن سعيد بن جبير بعد سنين قوله ويقرأ أمه بفتح أوله وميم بعدها هاء منونة نسيان أي تذكر بعد أن كان نسي وهذه القراءة نسبت في الشواذ لابن عباس وعكرمة والضحاك يقال رجل مأموه أي ذاهب العقل قال أبي عبيدة قرئ بعد أمه أي نسيان تقول أمهت آمه أمها بسكون الميم قال الشاعر أمهت وكنت لا أنسى حديثا وقال الطبري روى عن جماعة أنهم قرأوا بعد أمه ثم ساق بسند صحيح عن بن عباس أنه كان يقرؤها بعد أمه وتفسيرها بعد نسيان وساق مثله عن عكرمة والضحاك ومن طريق مجاهد نحوه لكن قالها بسكون الميم قول وقال بن عباس يعصرون الأعناب والدهن وصله بن أبي حاتم من طريق علي ين أبي طلحة عن بن عباس في قوله ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يقول الأعناب والدهن وفيه رد على أبي عبيدة في قوله إنه من العصرة وهي النجاة فمعنى قوله يعصرون بنجون ويؤيد قول بن عباس قوله بأول القصة إني أراني أعصر خمرا وقد اختلف في المراد به فقال الأكثر أطلق عصر الخمر باعتبار ما يئول اليه وهو كقول الشاعر الحمد لله العلي المنان صار الثريد في رءوس القضبان أي السنبل فسمي القمح ثريدا باعتبار ما يئول اليه وأخرج الطبري عن الضحاك قال أهل عمان يسمون العنب خمرا وقال الأصمعي سمعت معتمر بن سليمان يقول لقيت أعرابيا معه سلة عنب فقال ما معك قال خمر وقرا بن مسعود إني أراني أعصر عنبا أخرجه بن أبي حاتم بسند حسن وكأنه أراد التفسير وأخرج بن أبي حاتم من طريق عكرمة أن الساقي قال ليوسف رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبة فنبتت فخرج فيها ثلاث عناقيد فعصرتهن ثم سقيت الملك فقال تمكث في السجن ثلاثا ثم تخرج فتسقيه أي على عادتك قوله تحصنون تحرسون كذا لهم من الحراسة وعند أبي عبيدة في المجاز تحرزون بزاي بدل السين من الاحراز وأخرج بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس تخزنون بخاء معجمة ثم زاي ونونين من الخزن

[ 6591 ] قوله جويرية بالضم مصغر وهو بن إسماعيل الضبعي وروايته عن مالك من الأقران قوله لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته كذا أورده مختصرا وقد تقدم في ترجمة يوسف من أحاديث الأنبياء من هذا الوجه وزاد فيه قصة لوط وتقدم شرحه في أحاديث الأنبياء وأخرجه النسائي في التفسير من هذا الوجه وزاد في أوله نحن أحق بالشك من إبراهيم الحديث وأخرجه مسلم من هذا الوجه لكن قال مثل حديث يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة بطوله ومن طريق أبي أويس عن الزهري مثل مالك وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق جويرية بطوله أخرجوه كلهم من رواية عبد الله بن محمد بن أسماء عن عمه جويرية بن أسماء وذكر ان أحمد بن سعيد بن أبي مريم رواه عنه فقال عن أبي سلمة بدل أبي عبيدة ووهم فيه فان المحفوظ عن مالك وأبي عبيد لا أبو سلمة وكذلك أخرجه من طريق سعيد بن داود عن مالك أن بن شهاب حدثه أن سعيدا وأبا عبيد أخبراه به وقد وقع في بعض طرقه بأبسط من سياقه فأخرج عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة رفعه لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره حتى سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أجبته حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول يعني ليخرج الى الملك فقال ارجع الى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة ولبادرت الباب ولما ابتغيت العذر وهذا مرسل وقد وصله الطبري من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي بضم المعجمة والزاي عن عمرو بن دينار بذكر بن عباس فيه فذكره وزاد ولولا الكلمة التي قالها لما لبث في السجن ما لبث وقد مضى شرح ما يتعلق بذلك في قصة يوسف من أحاديث الأنبياء

قوله باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول حديث أبي هريرة

[ 6592 ] قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله أن أبا هريرة قال في رواية الإسماعيلي من طريق الزبيدي عن الزهري أخبرني أبو سلمة سمعت أبا هريرة قوله من رآني في المنام فسيراني في اليقظة زاد مسلم من هذا الوجه أو فكأنما رآني في اليقظة هكذا بالشك وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة فقد رأني في اليقظة بدل قوله فسيراني ومثله في حديث بن مسعود عند بن ماجة وصححه الترمذي وأبو عوانة ووقع عند بن ماجة من حديث أبي جحيفة فكأنما رآني في اليقظة فهذه ثلاث ألفاظ فسيراني في اليقظة فكأنما رآني في اليقظة فقد رآني في اليقظة وحمل أحاديث الباب كالثالثة إلا قوله في اليقظة قوله قال أبو عبد الله قال بن سيرين إذا رآه في صورته سقط هذا التعليق للنسفي ولأبي ذر وثبت عند غيرهما وقد رويناه موصولا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب وهو من شيوخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب قال كان محمد يعني بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال صف لي الذي رأيته فان وصف له صفة لا يعرفها قال لم تره وسنده صحيح ووجدت له ما يؤيده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قال قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال صفه لي قال ذكرت الحسن بن علي فشبهته به قال قد رأيته وسنده جيد ويعارضه ما أخرجه بن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني فاني أرى في كل صورة وفي سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط ويمكن الجمع بينهما بما قاله القاضي أبو بكر بن العربي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيت على غير صفته إدراك للمثال فان الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراك المثل قال وشذ بعض القدرية فقال الرؤيا لا حقيقة لها أصلا وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس حقيقة وقال بعض المتكلمين هي مدركة بعينين في القلب قال وقوله فسيراني معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقي فيه وقيل معناه فسيراني في القيامة ولا فائدة في هذا التخصيص وأما قوله فكأنما رآني فهو تشبيه ومعناه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا قال وهذا كله إذا رآه على صورته المعروفة فان رآه على خلاف صفته فهي أمثال فان رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه وعلى العكس فبالعكس وقال النووي قال عياض يحتمل أن يكون المراد بقوله فقد رآني أو فقد رأى الحق أن من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقا ومن رآه على غير صورته كانت رؤياه تأويل وتعقبه فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها انتهى ولم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة في الحالتين لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج الى تعبير والثانية مما يحتاج الى التعبير قال القرطبي اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد الا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وان يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل وقالت طائفة معناه أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه على غير صفته أن تكون رؤياه من الاضغاث ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رؤى ملأ دارا بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب اليه لعارض عموم قوله فان الشيطان لا يتمثل بي فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب اليه عن ذلك فهو ابلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته قال والصحيح في تأويل هذا الحديث ان مقصوده ان رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها ولو رؤي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله وقال وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره ويؤيده قول فقد رأى الحق أي رأى الذي قصد إعلام الرائي به فان كانت على ظاهرها والا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو انذار من شر إما ليخيف الرائي وإما لنزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه وقال بن بطال قوله فسيراني في اليقظة يريد تصديق تلك الرؤياه في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق وليس المراد أنه يراه في الآخرة لأنه سيراه يوم القيامة في اليقظة فتراه جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم وقال بن التين والمراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز وقال المازري ان كان المحفوظ فكأنما رآني في اليقظة فمعناه ظاهر وإن كان المحفوظ فسيراني في اليقظة احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر اليه فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة وأوحي الله بذلك اليه صلى الله عليه وسلم وقال القاضي وقيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وقيل معنى الرؤيا في اليقظة أنه سيراه في الآخرة وتعقب بأنه في الآخرة يراه جميع أمته من رآه في المنام ومن لم يره يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية وأجاب القاضي عياض باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها ووصف عليها موجبة لتكرمته في الآخرة وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه والشفاعة له بعلو الدرجة ونحو ذلك من الخصوصيات قال ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة بمنع رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم مدة وحمله بن أبي جمرة على محمل آخر فذكر عن بن عباس أو غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا متخوفين فأرشدهم إلى الطريق تفريجها فجاء الأمر كذلك قلت وهذا مشكل جدا ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف وقد اشتد إنكار القرطبي على من قال من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة كما تقدم قريبا وقد تفطن بن أبي جمرة لهذا فأحال بما قال على كرامات الأولياء فان يكن كذلك تعين العدول عن العموم في كل راء ثم ذكر أنه عام في أهل التوفيق وأما غيرهم فعلى الاحتمال فان خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء والإغواء كما يقع للصديق بطريق الكرامة والاكرام وانما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة انتهى والحاصل من الأجوبة ستة أحدها أنه على التشبيه والتمثيل ودل عليه قوله في الرواية الأخرى فكأنما رأني في اليقظة ثانيها أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير ثالثها أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه رابعها أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك وهذا من أبعد المحامل خامسها أنه يراه يوم القيامة بمزيد الخصوصية لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام سادسها أنه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه وفيه ما تقدم من الاشكال وقال القرطبي قد تقرر أن الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفسها غير أن تلك الامثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها فمن الأول رؤياه صلى الله عليه وسلم عائشة وفيه فإذا هي أنت فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه ومن الثاني رؤيا البقر التي تنحر والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الأمور ومن فوائد رؤيته صلى الله عليه وسلم تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته وإلى ذلك الإشارة بقوله فسيراني في اليقظة أي من رآني رؤية معظم لحرمتي ومشتاق الى مشاهدتي وصل الى رؤية محبوبه وظفر بكل مطلوبه قال ويجوز ان يكون مقصود ذلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه وشريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة ونقصان أو إساءه و إحسان قلت وهذا جواب سابع والذي قبله لم يظهر لي فإن ظهر فهو ثامن قوله ولا يتمثل الشيطان بي في رواية أنس في الحديث الذي بعده فان الشيطان لا يتمثل بي ومضى في كتاب العلم من حديث أبي هريرة مثله لكن قال لا يتمثل في صورتي وفي حديث جابر عند مسلم وابن ماجة أنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل بي وفي حديث بن مسعود عند الترمذي وابن ماجة ان الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي وفي حديث أبي قتادة الذي يليه وان الشيطان لا يتراءي بالراء بوزن يتعاطى ومعناه لا يستطيع أن يصير مرئيا بصورتي وفي رواية غيري أبي ذر يتزايا بزاي وبعد الألف تحتانية وفي حديث أبي سعيد في آخر الباب فان الشيطان لا يتكونني أما قوله لا يتمثل بي فمعناه لا يتشبه بي وأما قوله في صورتي فمعناه لا يصير كائنا في مثل صورتي وأما قوله لا يتراءى بي فرجح بعض الشراح روابة الزاي عليها أي لا يظهر في زيي وليست الرواية الأخرى ببعيدة من هذا المعنى وأما قوله لا يتكونني أي لا يتكون كوني فحذف المضاف ووصل المضاف اليه في الفعل والمعنى لا بتكون في صورتي فالجميع راجع الى معنى واحد وقوله لا يستطيع يشير الى أن الله تعالى وأن أمكنه من التصور في أي صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الى هذا جماعة فقالوا في الحديث إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها ومنهم من ضيق الغرض في ذلك حتى قال لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره وقد يكون لما خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائي قال المازري اختلف المحققون في تأويل هذا الحديث فذهب القاضي أبو بكر بن الطيب الى أن المراد بقوله من رآني في المنام فقد رآني أن رؤياه صحيحة لا تكون أضغاثا ولا من تشبيهات الشيطان قال ويعضده قوله في بعض طرقه فقد رأى الحق قال وفي قوله فأن الشيطان لا يتمثل بي إشارة الى أن رؤياه لا تكون أضغاثا ثم قال المازري وقال آخرون بل الحديث محمول على ظاهره والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك ولا عقل يحيله حتى يحتاج الى صرف الكلام عن ظاهره وأما كونه قد يرى على غير صفته أو يرى في مكانين مختلفين معا فإن ذلك غلط في صفته وتخيل لها على غير ما هي عليه وقد يظن بعض الخيالات مرئيات لكون ما يتخيل مرتبطا بما يرى في العادة فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية والادراك لا يشترط فيه تحذيق البصر ولا قرب المسافة ولا كون المرئي ظاهرا على الأرض أو مدفونا وانما يشترط كونه موجودا ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الخبر الصحيح ما يدل على بقائه وتكون ثمره اختلاف الصفات اختلاف الدلالات كما قال بعض علماء التعبير إن من رآه شيخا فهو عام سلم أو شابا فهو عام حرب ويؤخذ من ذلك ما يتعلق بأقواله كما لو رآه أحد يأمره بقتل من لا يحل قتله فان ذلك يحمل على الصفة المتخيلة لا المرئية وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فإن رؤى على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة فان من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج الى تأويل وقال النووي هذا الذي قاله القاضي ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري وهذا الذي رده الشيخ تقدم عن محمد بن سيرين إمام المعبرين إعتباره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قال المازري بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج الى تعبير وإذا كان على غير صورته كان النقص من جهة الرائي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام الى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا إذا قال الجاهل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن صفته فان وافق الصفة المروية وإلا فلا يقبل منه وأشاروا الى ما إذا رواه على هيئة تخالف هيئته مع أن الصورة كما هي فقال أبو سعد أحمد بن محمد بن نصر من رأى نبيا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابسا مثلا فذاك دال على سوء حال الرائي ونحا الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة الى ما أختاره النووي فقال بعد ان حكى الخلاف ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذاك حسن في دين الرائي وان كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذاك خلل في الرائي من جهة الدين قال وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أو لا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حسن أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم أنه يعرض على سنته فما وافقها فهو حق وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل انما هو في سمع الرائي أو بصره قال وهذا خير ما سمعته في ذلك ثم حكى القاضي عياض عن بعضهم قال خص الله نبيه بعموم رؤياه كلها ومنع الشيطان أن يتصور في صورته لئلا يتذرع بالكذب على لسانه في النوم ولما خرق الله العادة للأنبياء للدلالة على صحة حالهم في اليقظة واستحال تصور الشيطان على صورته في اليقظة ولا على صفة مضادة لحاله إذ لو كان ذلك لدخل اللبس بين الحق والباطل ولم يوثق بما جاء من جهة النبوة حمى الله حماها لذلك من الشيطان وتصوره وإلقائه وكيده وكذلك حمى رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النبي للنبي عن تمثيل بذلك لتصح رؤياه في الوجهين ويكون طريقا على علم صحيح لا ريب فيه ولم يختلف العلماء في جواز رؤية الله تعالى في المنام وساق الكلام على ذلك قلت ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة وعلى ذلك فتتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة فرؤياه الحق الذي لا يحتاج الى تعبير وعليها يتنزل قوله فقد رأى الحق ومهما نقص من صفاته فيدخل التأويل بحسب ذلك ويصح إطلاق أن كل من رآه في أي حالة كانت من ذلك فقد رآه حقيقة تنبيه جوز أهل التعبير رؤية الباري عز وجل في المنام مطلقا ولم يجروا فيها الخلاف في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب بعضهم عن ذلك بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها فتارة يعبر بالسلطان وتارة بالوالد وتارة بالسيد وتارة بالرئيس في أي فن كان فلما كان الوقوف على حقيقة ذاته ممتنعا وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب كانت رؤياه تحتاج الى تعبير دائما بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رؤى على صفته المتفق عليها وهو لا يجوز عليه الكذب كانت في هذه الحالة حقا محضا لا يحتاج الى تعبير وقال الغزالي ليس معنى قوله رآني أنه رأى جسمي وبدني وانما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأذى بها المعنى الذي في نفسي اليه وكذلك قوله فسيراني في اليقظة ليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والآلة تارة تكون حقيقية وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه بل هم مثال له على التحقيق قال ومثل ذلك من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام فان ذاته منزهة عن الشكل والصورة ولكن تنتهي تعريفاته الى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف فيقول الرائي رأيت الله تعالى في المنام لا يعني أني رأيت ذات الله تعالى كما يقول في حق غيره وقال أبو القاسم القشيري ما حاصله أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو فإنه لو رأى الله على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك لا يقذح في رؤيته بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل كما قال الواسطي من رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة الى وقار الرائي وغير ذلك وقال الطيبي المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رأى الرؤيا الحق التي هي من الله وهي مبشرة لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي وكذا قوله فقد رأى الحق أي رؤية الحق لا الباطل وكذا قوله فقد رآني فان الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما ملخصه أنه يأخذ من قوله فان الشيطان لا يتمثل بي أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصورت له في عالم سره أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل ذلك أصدق من مراي غيرهم لما من الله به عليهم من تنوير قلوبهم انتهى وهذا المقام الذي أشار اليه هو الإلهام وهو من جملة أصناف الوحي الى الأنبياء ولكن لم أر في شيء من الأحاديث وصفه بما وصفت به الرؤيا أنه جزء من النبوة وقد قيل في الفرق بينهما إن المنام يرجع الى قواعد مقررة وله تأويلات مختلفة ويقع لكل أحد بخلاف الإلهام فإنه لا يقع إلا للخواص ولا يرجع الى قاعدة يميز بها بينه وبين لمة الشيطان وتعقب بأن أهل المعرفة بذلك ذكروا أن الخاطر الذي يكون من الحق يستقر ولا يضطرب والذي يكون من الشيطان يضطرب ولا يستقر فهذا إن ثبت كان فارقا واضحا ومع ذلك فقد صرح الأئمة بأن الاحكام الشرعية لا تثبت بذلك قال أبو المظفر بن السمعاني في القواطع بعد أن حكى عن أبي زيد الدبوسي من أئمة الحنفية أن الإلهام ما حرك القلب لعلم يدعو الى العمل به من غير استدلال والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب المباح وعن بعض المبتدعة أنه حجة واحتج بقوله نعالى فألهمها فجورها وتقواها وبقوله وأوحى ربك الى النحل أي ألهمها حتى عرفت مصالحها فيؤخذ منه مثل ذلك للآدمي بطريق الأولى وذكر فيه ظواهر أخرى ومنه الحديث قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن وقوله لوابصة ما حاك في صدرك فدعه وإن أفتوك فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى وقوله قد كان في الأمم محدثون فثبت بهذا أن الإلهام حق وأنه وحي باطل وانما حرمه العاصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه قال وحجة أهل السنة الآيات الدالة على اعتبار الحجة والحث على التفكير في الآيات والاعتبار والنظر في الأدلة وذم الأماني والهواجس والظنون وهي كثيرة مشهورة وبأن الخاطر قد يكون من الله وقد يكون من الشيطان وقد يكون من النفس وكل شيء أحتمل أن يكون حقا لما يوصف بأنه حق قال والجواب عن قوله فألهمها فجورها وتقواها أن معناه عرفها طريق العلم وهو الحجج وأما الوحي إلى النحل فنظيره في الآدمي فيما يتعلق بالصنائع وما فيه صلاح المعاش وأما الفراسة فنسلمها لكن لا تجعل شهادة القلب حجة لأنا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره انتهى ملخصا وقال بن السمعاني وإنكار الإلهام مردود ويجوز أن يفعل الله بعبده ما يكرمه به ولكن التمييز بين الحق والباطل في ذلك ان كل ما استقام على الشريعة المحمدية ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده فهو مقبول وإلا فمردود يقع من حديث النفس ووسوسة الشيطان ثم قال ونحن لا ننكر أن الله يكرم عبده بزيادة نور منه يزداد به نظره ويقوي به رأيه وانما ننكر ان يرجع إلى قلبه بقول لا يعرف أصله ولا نزعم أنه حجة شرعية وانما هو نور يختص الله به من يشاء من عباده فان وافق الشرع كان الشرع هو الحجة انتهى ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بشيء هل يجب عليه امتثاله ولا بد أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر فالثاني هو المعتمد تنبيه وقع في المعجم الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد مثل أول حديث في الباب بلفظه لكن زاد فيه ولا بالكعبة وقال لا تحفظ هذه اللفظة إلا في هذا الحديث

[ 6593 ] الحديث الثاني حديث أنس قوله من رآني في المنام فقد رآني هذا اللفظ وقع مثله في حديث أبي هريرة كما مضى في كتاب العلم وفي كتاب الأدب قال الطيبي اتحد في هذا الخبر الشرط والجزاء فدل على التناهي في المبالغة أي من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها بغير شبهة ولا إرتياب فيما رأى بل هي رؤيا كاملة ويؤيده قوله في حديثي أبي قتادة وأبي سعيد فقد رأى الحق أي رؤية الحق لا الباطل وهو يرد ما تقدم من كلام من تكلف في تأويل قوله من رآني في المنام فسيراني في اليقظة والذي يظهر لي أن المراد من رآني في المنام على أي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله لا الباطل الذي هو الحلم فان الشيطان لا يتمثل بي قوله فان الشيطان لا يتمثل بي وقد تقدم بيانه وفيه ورؤيا المؤمن جزء الحديث وقد سبق قبل خمسة أبواب الحديث الثالث حديث أبي قتادة

[ 6594 ] الرؤيا الصالحة من الله وسيأتي شيء من شرحه في باب الحلم من الشيطان وفيه فان الشيطان لا يتراءى بي وقد ذكرت ما فيه الحديث الرابع حديث أبي قتادة

[ 6595 ] من رآني فقد رأى الحق أي المنام الحق أي الصدق ومثله في الحديث الخامس قال الطيبي الحق هنا مصدر مؤكد أي فقد رأى رؤية الحق وقوله فان الشيطان لا يتمثل بي لتتميم المعنى والتعليل للحكم قوله تابعه يونس يعني بن يزيد وابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم يريد أنهما روياه عن الزهري كما رواه الزبيدي وقد ذكرت في الحديث الأول أن مسلما وصلهما من طريقهما وساقه على لفظ يونس وأحال برواية بن أخي الزهري عليه وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن أبي خيثمة شيخ مسلم فيه ولفظه من رآني في المنام فقد رأى الحق وقال الإسماعيلي وتابعهما شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قلت وصله الذهلي في الزهريات الحديث الخامس حديث أبي سعيد

[ 6596 ] من رآني فقد رأى الحق فان الشيطان لا يتكونني وقد تقدم ما فيه وابن الهاد في السند وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة قال الإسماعيلي ورواه يحيى بن أيوب عن بن الهاد قال ولم أره يعني البخاري ذكر عنه أي عن يحيى بن أيوب حديثا براسه إلا استدلالا أي متابعة إلا في حديث واحد ذكره في النذور من طريق بن جريج عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر في قصة أخته قلت والحديث المذكور أخرجه البخاري عن أبي عاصم عن بن جريج بهذا السند وسقط في بعض النسخ من الصحيح لكنه أورده في كتاب الحج عن أبي عاصم وليس كما قال الإسماعيلي انه أخرجه ليحيى بن أيوب استقلالا فإنه أخرجه من رواية هشام بن يوسف عن بن جريج عن سعيد بن أبي أيوب فكأن لابن جريج فيه شيخين وكل منهما رواه له عن يزيد بن أبي حبيب فأشار البخاري إلى أن هذا الاختلاف ليس بقاذح في صحة الحديث وظهر بهذا أنه لم يخرجه ليحيى بن أيوب استقلالا بل بمتابعة سعيد بن أبي أيوب

قوله باب رؤيا الليل أي رؤيا الشخص في الليل هل تساوي رؤياه بالنهار أو تتفاوتان وهل بين زمان كل منهما تفاوت وكأنه يشير الى حديث أبي سعيد أصدق الرؤيا بالأسحار أخرجه أحمد مرفوعا وصححه بن حبان وذكر نصر بن يعقوب الدينوري أن الرؤيا أول الليل يبطئ تأويلها ومن النصف الثاني يسرع بتفاوت أجزاء الليل وأن أسرعها تأويلا رؤيا السحر ولا سيما عند طلوع الفجر وعن جعفر الصادق أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة وذكر فيه أربعة أحاديث الأول قوله رواه سمرة يشير الى حديثه الطويل الآتي في آخر كتاب التعبير وفيه أنه أتاني الليلة آتيان وسيأتي الكلام عليه هناك الحديث الثاني

[ 6597 ] قوله عن محمد هو بن سرين وصرح به في رواية أسلم بن سهيل عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم والسند كله بصريون قوله أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب كذا في هذه الرواية وقد أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وعبد الله بن يس كلاهما عن أحمد بن المقدام شيخ البخاري فيه بلفظ أعطيت جوامع الكلم وأخرجه عن أبي القاسم البغوي عن أحمد بن المقدام باللفظ الذي ذكره البخاري ووقع في رواية أسلم بن سهل بلفظ فواتح الكلم وسيأتي بعد أبواب من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ بعثت بجوامع الكلم قال البغوي فيما ذكره عنه الإسماعيلي لا أعلم حدث به عن أيواب غير محمد بن عبد الرحمن قوله وبينا أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض سيأتي شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى في كتاب الاعتصام الحديث الثالث حديث بن عمر في رؤيته صلى الله عليه وسلم المسيح بن مريم والمسيح الدجال

[ 6598 ] قوله أراني الليله عند الكعبة سيأتي في باب الطواف بالكعبة من وجه آخر عن بن عمر بلفظ بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة الحديث وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى الحديث الرابع

[ 6599 ] قوله حدثنا يحيى هو بن عبد الله بن بكير قوله ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أريت الليلة في المنام وساق الحديث كذا اقتصر من الحديث على هذا القدر وساقه بعد خمسة وثلاثين بابا عن يحيى بن بكير بهذا السند بتمامه وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى قوله وتابعه سليمان بن كثير وابن أخي الزهري وسفيان بن حسين الخ أما متابعة سليمان بن كثير فوصلها مسلم من رواية محمد بن كثير عن أخيه ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي وأما متابعة بن أخي الزهري فوصلها الذهلي في الزهريات وأما متابعة سفيان بن حسين فوصلها أحمد بن يزيد بن هارون عنه قوله وقال الزبيدي عن الزهري فذكره بالشك في بن عباس أو أبي هريرة قلت وصلها مسلم أيضا قوله وقال شعيب وإسحاق بن يحيى عن الزهري كان أبو هريرة يحدث قلت وصلهما الذهلي في الزهريات قوله وكان معمر لا يسنده حتى كان بعد وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري كرواية يونس ولكن قال عن بن عباس كان أبو هريرة يحدث قال إسحاق قال عبد الرزاق كان معمر يحدث به فيقول كان بن عباس يعنى ولا يذكر عبيد الله بن عبد الله في السند حتى جاءه زمعة بكتاب فيه عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس فكان لا يشك فيه بعد وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع وأفاد الإسماعيلي فيه اختلافا آخر عن الزهري فساقه من رواية صالح بن كيسان عنه فقال عن سليمان بن يسار عن بن عباس والمحفوظ قول من قال عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة

قوله باب رؤيا النهار كذا لأبي ذر ولغيره باب الرؤيا بالنهار قوله وقال بن عون هو عبد الله عن بن سيرين هو محمد قوله رؤيا النهار مثل الليل وفي رواية السرخسي مثل رؤيا الليل وهذا الأثر وصله علي بن أبي طالب القيرواني في كتاب التعبير له من طريق مسعدة بن اليسع عن عبد الله بن عون به ذكر ذلك مغلطاي قال القيرواني ولا فرق في حكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار وكذا رؤيا النساء والرجال وقال المهلب نحوه وقد تقدم نحو ما نقل عن بعضهم في التفاوت وقد يتفاوتان أيضا في مراتب الصدق وذكر في الباب حديث أنس في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم عند أم حرام وفيه

[ 6600 ] فدخل عليها يوما فاطعمته وجعلت تفلى رأسه فنام وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الاستئذان في باب من رأى قوما فقال عندهم أي من القائلة وذكر بن التين أن بعضهم زعم أن في الحديث دليلا على صحة خلافة معاوية لقوله في الحديث فركبت البحر زمن معاوية وفيه نظر لأن المراد بزمنه زمن امارته على الشام في خلافة عثمان مع أنه لا تعرض في الحديث الى اثبات الخلافة ولا نفيها بل فيه أخبار بما سيكون فكان كما أخبر ولو وقع ذلك في الوقت الذي كان معاوية خليفة لم يكن في ذلك معارضة لحديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة لأن المراد به خلافة النبوة واما معاوية ومن بعده فكان أكثرهم على طريقة الملوك ولو سموا خلفاء والله أعلم

قوله باب رؤيا النساء تقدم كلام القيرواني وغيره في ذلك وذكر أيضا أن المرأة إذا رأت ما ليست له أهلا فهو لزوجها وكذا حكم العبد لسيده كما أن رؤيا الطفل لأبويه وذكر بن بطال الاتفاق على أن رؤيا المؤمنة الصالحة داخلة في قوله رؤيا المؤمن الصالح جزء من أجزاء النبوة وذكر في الباب حديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظنون ورؤياها له العين الجارية وقد مضى شرحه في أوائل الجنائز وذكر في الشهادات وفي الهجرة ويأتي الكلام على العين الجارية بعد ثلاثة عشر بابا إن شاء الله تعالى وقوله هنا فوجع أي مرض وزنه ومعناه ويجوز ضم الواو

قوله باب الحلم من الشيطان فإذا حلم فليبصق عن يساره وليستعذ بالله عز وجل هكذا ترجم لبعض ألفاظ الحديث وقد تقدم شرحه قريبا والحلم بضم المهملة وسكون اللام وقد تضم ما يراه النائم ولم يحك النووي غير السكون يقال حلم بفتح اللام يحلم بضمها وأما من الحلم بكسر أوله وسكون ثانيه فيقال حلم بضم اللام وجمع الحلم بالضم والحلم بالكسر أحلام وذكر فيه حديث أبي قتادة وسيأتي الإلمام بشيء منه في شرح حديث أبي هريرة في باب القيد في المنام وإضافة الحلم الى الشيطان بمعنى أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت الى الله إضافة تشريف وان كان الكل بخلق الله وتقديره كما أن جميع عباد الله ولو كانوا عصاة كما قال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم وقوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان

قوله باب اللبن أي إذا رؤي في المنام بماذا يعبر قال المهلب اللبن يدل على الفطرة والسنة والقرآن والعلم قلت وقد جاء في بعض الأحاديث المرفوعة تأويله بالفطرة كما أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رفعه اللبن في المنام فطرة وعند الطبراني من حديث أبي بكرة رفعه من رأى أنه شرب لبنا فهو الفطرة ومضى في حديث أبي هريرة في أول الأشربة أنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ قدح اللبن قال له جبريل الحمد لله الذي هداك للفطرة وذكر الدينوري أن اللبن المذكور في هذا يختص بالإبل أنه لشاربه مال حلال وعلم وحكمة قال ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضا ولبن الشاة مال وسرور وصحة جسم وألبان الوحش شك في الدين وألبان السباع غير محمودة إلا أن لبن اللبوة مال مع عداوة لذي أمر

[ 6604 ] قوله حدثنا عبدان كذا للجميع ووقع في أطراف المزي أن البخاري أخرج هذا في التعبير عن أبي جعفر محمد بن الصلت وفي فضل عمر عن عبدان الموجود في الصحيح بالعكس وعبد هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد وحمزة الراوي عن بن عمر هو ولده ووقع في الباب الذي يليه من وجه آخر عن الزهري عن حمزة أنه سمع عبد الله بن عمر قال بن العربي لم يخرج البخاري هذا الحديث من غير هذه الطريق وكان ينبغي على طريقته أن يخرجه عن غيره ولو وجد قلت بل وجد وأخرجه كما تقدم في فضل عمر من طريق سالم أخي حمزة عن أبيهما وإشارته الى أن طريقة البخاري أن يخرج الحديث من طريقين فصاعدا إلا أن لا يجد في مقام المنع قوله حتى إني لا رى الري يخرج في أظافيري في رواية الكشميهني من أظافيري وفي رواية صالح بن كيسان من أطرافي وهذه الرؤيا يحتمل أن تكون بصرية وهو الظاهر ويحتمل أن تكون علمية ويؤيد الأول ما عند الحاكم والطبراني من طريق أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده في هذا الحديث فشربت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم على أنه محتمل أيضا قوله ثم أعطيت فضلي يعني عمر كذا في الأصل كأن بعض رواته شك ووقع في رواية صالح بن كيسان بالجزم ولفظه فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب وفي رواية أبي بكر بن سالم ففضلت فضلة فأعطيتها عمر قوله قالوا فما أولته في رواية صالح فقال من حوله وفي رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عند سعيد بن منصور ثم ناول فضله عمر قال ما أولته وظاهره أن السائل عمر ووقع في رواية أبي بكر بن سالم أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم أولوها قال يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأك منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر قال أصبتم ويجمع بأن هذا وقع أولا ثم أحتمل عندهم أن يكون عنده في تأويلها زيادة على ذلك فقالوا ما أولته الخ وقد تقدم بعض شرح هذا الحديث في كتاب العلم وبعضه في مناقب عمر قال بن العربي اللبن رزق يخلقه الله طيبا بين أخباث من دم وفرث كالعلم نور يظهره الله في ظلمة الجهل فضرب به المثل في المنام قال بعض العارفين الذي خلص اللبن بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل ويحفظ العمل عن غفلة وزلل وهو كما قال لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم والذي ذكره قد يقع خارقا للعادة فيكون من باب الكرامة وقال بن أبي جمرة تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارا بما بين له أول الأمر حين أتى بقدح خمر وقدح لبن فأخذ اللبن فقال له جبريل أخذت الفطرة الحديث قال وفي الحديث مشروعية قص الكبير رؤياه على من دونه وإلقاء العالم المسائل واختبار أصحابه في تأويلها وأن من الأدب أن يرد الطالب علم ذلك الى معلمه قال والذي يظهر أنه لم يرد منهم أن يعبروها وانما أرادو أن يسألوه عن تعبيرها ففهموا مراده فسألوه فأفادهم وكذلك ينبغي أن يسلك هذا الأدب في جميع الحالات قال وفيه أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بالله لا يبلغ أحد درجته فيه لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أطرافه وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة الى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم قال وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي والحال والمستقبل قال وهذه أولت على الماضي فان رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع لأن الذي أعطيه من العلم كان قد حصل له وكذلك أعطيه عمر فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قدر النسبة بين ما أعطيه من العلم وما أعطيه عمر

قوله باب إذا جرى اللبن في أطرافه وأظافيره يعني في المنام وذكر فيه حديث بن عمر المذكور قبله وقد تقدم شرحه فيه

قوله باب القميص في المنام في رواية الكشميهني القمص بضمتين بالجمع وكلاهما من الخبر

[ 6606 ] قوله حدثني يعقوب بن إبراهيم أي بن سعد بن إبراهيم وقد مضى في كتاب الإيمان من وجه آخر عن إبراهيم بن سعد أعلى من هذا وصالح هو بن كيسان قوله رأيت الناس وهو من الرؤية البصرية وقوله يعرضون حال ويجوز أن يكون من الرؤيا العلمية ويعرضون مفعول ثان والناس بالنصب على المفعولية ويجوز فيه الرفع قوله يعرضون تقدم في الإيمان بلفظ يعرضون على وفي رواية عقيل الآتية بعد عرضوا قوله منها ما يبلغ الثدي بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي بفتح ثم سكون والمعنى أن القميص قصير جدا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها وقوله ومنها ما يبلغ دون ذلك يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر فيكون أطول ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى عن بن المبارك عن يونس عن الزهري في هذا الحديث فمنهم من كان قميصه الى سرته ومنهم من كان قميصه الى ركبته ومنهم من كان قميصه الى أنصاف ساقيه قوله ومر على عمر بن الخطاب في رواية عقيل وعرض على عمر بن الخطاب قوله قميص يجره في رواية عقيل يجتره قوله قالوا ما أولته في رواية الكشميهني أولت بغير ضمير وتقدم في الإيمان أول الكتاب بلفظ فما أولت ذلك ووقع عند الترمذي الحكيم في الرواية المذكورة فقال له أبو بكر على ما تأولت هذا يا رسول الله قوله قال الدين بالنصب والتقدير أولت ويجوز الرفع ووقع في رواية الحكيم المذكورة قال على الإيمان

قوله باب جر القميص في المنام ذكر فيه حديث أبي سعيد المذكور قبله من وجه آخر عن بن شهاب وقد أشرت الى الاختلاف في اسم صحابي هذا الحديث في مناقب عمر قالوا وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروهة والأصل فيه قوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير الآية والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالقميص ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان أن الله سيلبسك قميصا فلا تخلعه وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه بن حبان واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده وفي الحديث أن أهل الدين يتفاضلون في الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف وتقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعا أعني جر القميص لما ثبت من الوعيد في تطويله ومثله ما سيأتي في باب القيد وعكس هذا ما يذم في المنام ويحمد في اليقظة وفي الحديث مشروعية تعبير الرؤيا وسؤال العالم بها عن تعبيرها ولو كان هو الرائي وفيه الثناء على الفاضل بما فيه لأظهار منزلته عند السامعين ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمن عليه من الفتنة بالمدح كالإعجاب وفيه فضيلة لعمر وقد تقدم الجواب عما يستشكل من ظاهره وإيضاح أنه لا يستلزم أن يكون أفضل من أبي بكر وملخصه أن المراد بالأفضل من يكون أكثر ثوابا والأعمال علامات الثواب فمن كان عمله أكثر فدينه أقوى ومن كان دينه أقوى فثوابه أكثر ومن كان ثوابه أكثر فهو أفضل فيكون عمر أفضل من أبي بكر وملخص الجواب أنه ليس في الحديث تصريح بالمطلوب فيحتمل أن يكون أبي بكر لم يعرض في أولئك الناس إما لأنه كان قد عرض قبل ذلك وإما لأنه لا يعرض أصلا وأنه لما عرض كان عليه قميص أطول من قميص عمر ويحتمل أن يكون سر السكوت عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته ويحتمل أن يكون وقع ذكره فذهل عنه الراوي وعلى التنزل بأن الأصل عدم جميع هذه الاحتمالات فهو معارض بالأحاديث الدالة على أفضلية الصديق وقد تواترت تواترا معنويا فهي المعتمدة وأقوى هذه الاحتمالات ان لا يكون أبو بكر عرض مع المذكورين والمراد من الخبر التنبيه على أن عمر ممن حصل له الفضل البالغ في الدين وليس فيه ما يصرح بانحصار ذلك فيه وقال بن العربي انما أوله النبي صلى الله عليه وسلم بالدين لأن الدين يستر عورة الجهل كما يستر الثوب عورة البدن قال وأما غير عمر فالذي كان يبلغ الثدي هو الذي يستر قلبه عن الكفر وان كان يتعاطى المعاصي والذي كان يبلغ أسفل من ذلك وفرجه باد هو الذي لم يستر رجليه عن المشي الى المعصية والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بالتقوى من جميع الوجوه والذي يجر قميصه زائدا على ذلك بالعمل الخالص قال بن أبي جمرة ما ملخصه المراد بالناس في هذا الحديث المؤمنون لتأويله القميص بالدين قال والذي يظهر أن المراد خصوص هذه الأمة المحمدية بل بعضها والمراد بالدين العمل بمقتضاه كالحرص على امتثال الأوامر واجتناب المناهي وكان لعمر في ذلك المقام العالي قال ويؤخذ من الحديث ان كل ما يرى في القميص من حسن أو غيره فإنه يعبر بدين لابسه قال والنكتة في القميص أن لابسه إذا اختار نزعه وإذا اختار بقاءه فلما ألبس الله المومنين لباس الإيمان واتصفوا به كان الكامل في ذلك سابغ الثوب ومن لا فلا وقد يكون نقص الثوب فما زاد على ذلك كان مذموما وفي الآخرة زينة محضة فناسب أن يكون تعبيره بحسب هيئته من زيادة أو نقص ومن حسن وضده فمهما زاد من ذلك كان من فضل لابسه وينسب لكل ما يليق به من دين أو علم أو جمال أو حلم أو تقدم في فئة وضده لضده

قوله باب الخضر في المنام والروضة الخضراء الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين جمع أخضر وهو اللون المعروف في الثياب وغيرها ووقع في رواية النسفي الخضرة بسكون الضاد وفي آخره هاء تأنيث وكذا في رواية أبي أحمد الجرجاني وبعض الشروح قال القيرواني الروضة التي لا يعرف نبتها تعبر بالإسلام لنضارتها وحسن بهجتها وتعبر أيضا لكل مكان فاضل وقد تعبر بالمصحف وكتب العلم والعالم ونحو ذلك

[ 6608 ] قوله حدثنا الحرمي بمهملتين مفتوحتين وهو اسم بلفظ النسب تقدم بيانه قوله عن محمد بن سيرين قال قيس بن عباد حذف قال الثانية على العادة في حذفها خطأ والتقدير عن محمد بن سيرين انه قال قال قيس ووقع في رواية بن عون كما سيأتي بعد بابين عن محمد وهو بن سيرين حدثني قيس بن عباد وهو بضم أوله وتخفيف الموحدة وآخره دال تقدم ذكره في مناقب عبد الله بن سلام بهذا الحديث وتقدم له حديث آخر في تفسير سورة الحج وفي غزوة بدر أيضا وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين وهو بصري تابعي ثقة كبير له إدراك قدم المدينة في خلافة عمر ووهم من عده في الصحابة قوله كنت في حلقة بفتح أوله وسكون اللام قوله فيها سعد بن مالك يعني بن أبي وقاص وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب قوله فمر عبد الله بن سلام هو الصحابي المشهور الاسرائيلي وأبوه بتخفيف اللام اتفاقا وقد تقدم بيان نسبه في مناقبه من كتاب مناقب الصحابة ووقع في رواية بن عون الماضية في المناقب بلفظ كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا هذا رجل من أهل الجنة زاد مسلم من هذا الوجه كنت بالمدينة في ناس فيهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع قوله فقالوا هذا رجل من أهل الجنة في رواية بن عون المشار إليها عند مسلم فقال بعض القوم هذا رجل من أصل الجنة وكررها ثلاثا وفي رواية خرشة بفتح الخاء المعجمة والراء والشين المعجمة بن الحر بن الحر بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين الفزاري عند مسلم أيضا كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد الله بن سلام فجعل يحدثهم حديثا حسنا فلما قام قال القوم من سره أن ينظر الى رجل من أهل الجنة فلينظر الى هذا وفي رواية النسائي من هذا الوجه فجاء شيخ يتوكأ على عصا له فذكر نحوه ويجمع بينهما بأنهما قصتان اتفقتا لرجلين فكأنه كان يجلس في مجلس يتحدث كما في رواية خرشة فلما قام ذاهبا مر على الحلقة التي فيها سعد بن أبي وقاص وابن عمر فحضر ذلك قيس بن عباد كما في روايته وكل من خرشة وقيس اتبع عبد الله بن سلام ودخل عليه منزله وسأله فأجابه ومن ثم اختلف الجواب بالزيادة والنقص كما سأبينه سواء كان زمن اجتماعهما بعبد الله بن سلام اتحد أم تعدد قوله فقلت له إنهم قالوا كذا وكذا بين في رواية بن عون عند مسلم أن قائل ذلك رجل واحد وفيه عنده زيادة ولفظه ثم خرج فاتبعته فدخل منزله ودخلت فتحدثنا فلما استأنس قلت له إنك لما دخلت قبل قال رجل كذا وكذا وكأنه نسب القول للجماعة والناطق به واحد لرضاهم به وسكوتهم عليه وفي رواية خرشة فقلت والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته فانطلق حتى كان يخرج من المدينة ثم دخل منزله فاستأذنت عليه فأذن لي فقال ما حاجتك يا بن أخي فقلت سمعت القوم يقولون فذكر اللفظ الماضي وفيه فأعجبني أن أكون معك وسقطت هذه القصة في رواية النسائي وعنده فلما قضي صلاته قلت زعم هؤلاء قوله قال سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم تقدم بيان المراد من هذا في المناقب مفصلا ووقع في رواية خرشة فقال الله أعلم بأهل الجنة وسأحدثك مما قالوا ذلك فذكر المنام وهذا يقوي احتمال أنه أنكر عليهم الجزم ولم ينكر أصل الأخبار بأنه من أهل الجنة وهذا شأن المراقب الخائف المتواضع ووقع في رواية النسائي الجنة لله يدخلها من يشاء زاد بن ماجة من هذا الوجه الحمد لله قوله انما رأيت كأنما عمود وضع في روضة خضراء بين في رواية بن عون أن العمود كان في وسط الروضة ولم يصف الروضة في هذه الرواية وتقدم في المناقب من رواية بن عون رأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها قال الكرماني يحتمل أن يراد بالروضة جميع ما يتعلق بالدين وبالعمود الأركان الخمسة وبالعروة الوثقى الإيمان قوله فنصب فيها بضم النون وكسر المهملة بعدها موحدة وفي رواية المستملي والكشميهني قبضت بفتح القاف والموحدة بعدها ضاد معجمة ساكنة ثم تاء المتكلم قوله وفي رأسها عروة في رواية بن عون وفي أعلى العمود عروة وفي روايته في المناقب ووسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة وعرف من هذا أن الضمير في قوله وفي رأسها للعمود والعمود مذكر وكأنه أنث باعتبار الدعامة قوله وفي أسفلها منصف تقدم ضبطه في المناقب قوله والمنصف الوصيف هذا مدرج في الخبر وهو تفسير من بن سيرين بدليل قوله في رواية مسلم فجاءني منصف قال بن عون والمنصف الخادم فقال بثيابي من خلف ووصف أنه رفعه من خلفه بيده قوله فرقيت بكسر القاف على الأفصح فاستمسكت بالعروة زاد في رواية المناقب فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت بالعروة فاستمسكت فاستيقظت وإنها لفي يدي ووقع في رواية خرشة حتى أتى بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض في أعلاه حلقة فقال لي اصعد فوق هذا قال قلت كيف أصعد فأخذ بيدي فزجل بي وهو بزاي وجيم أي رفعني فإذا أنا متعلق بالحلقة ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت وفي رواية خرشة أيضا زيادة في أول المنام ولفظه انى بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي قم فأخذ بيدي فانطلقت معه فإذا أنا بجواد بجيم ودال مشددة جمع جادة وهي الطريق المسلوكة عن شمالي قال فأخذت لآخذ فيها أي أسير فقال لا تأخذ فيها فانها طرق أصحاب الشمال وفي رواية النسائي من طريقه فبينا أنا أمشي إذ عرض لي طريق عن شمالي فأردت أن اسلكها فقال إنك لست من أهلها رجع الى رواية مسلم قال وإذا منهج على يميني فقال لي خذ ههنا فأتى بي جبلا فقال لي اصعد قال فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت حتى فعلت ذلك مرارا وفي رواية النسائي وابن ماجة جبلا زلقا فأخذ بيدي فزجل بي فإذا أنا في ذروته فلم أتقار ولم أتماسك وإذا عمود حديد في ذروته حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال استمسك فاستمسكت قال فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة قوله فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى زاد في رواية بن عون فقال تلك الروضة روضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام فهي طرق أصحاب الشمال والطرق التي عن يمينك طرق أصحاب اليمين وفي رواية النسائي طرق أهل النار وطرق أهل الجنة ثم اتفقا وأما الجبل فهو منزل الشهداء زاد مسلم ولن تناله وأما العمود الى آخره وزاد النسائي وابن ماجة في آخره فأنا أرجو أن أكون من أهلها وفي الحديث منقبة لعبد الله بن سلام وفيه من تعبير الرؤيا معرفة اختلاف الطرق وتأويل العمود والجبل والروضة الخضراء والعروة وفيه من أعلام النبوة أن عبد الله بن سلام لا يموت شهيدا فوقع كذلك مات على فراشه في أول خلافة معاوية بالمدينة ونقل بن التين عن الداودي أن القوم انما قالوا في عبد الله بن سلام أنه من أهل الجنة لأنه كان من أهل بدر كذا قال والذي أوردته من طرق القصة يدل على أنهم انما أخذوا ذلك من قوله لما ذكر طريق الشمال إنك لست من أهلها وانما قال ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم على سبيل التواضع كما تقدم وكراهة أن يشار اليه بالأصابع خشية أن يدخله العجب ثم انه ليس من أهل بدر أصلا والله أعلم

قوله باب كشف المرأة في المنام وقوله بعده باب ثياب الحرير في المنام ذكر فيها حديث عائشة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها في المنام قبل أن يتزوجها وساقه في الأول من طريق أبي أسامة وفي الثاني من طريق أبي معاوية كلاهما عن هشام وهو بن عروة بن الزبير عن أبيه عنها وزاد في رواية أبي أسامة فيقول هذه امرأتك وبهذه الزيادة ينتظم الكلام وزاد في رواية أبي معاوية قبل

[ 6610 ] أن أتزوجك وأعاد فيها صورة المنام بيانا لقوله أريتك مرتين فقال في روايته رأيت الملك يحملك ثم قال أريتك يحملك وقال في المرتين فقلت له اكشف ووقع في رواية أبي أسامة فاكشفها والضمير لقوله امرأتك وقد تقدم في السيرة النبوية قبل الهجرة الى المدينة من طريق وهيب بن خالد عن هشام بنحو سياق أبي أسامة وتقدم في النكاح من طريق حماد بن زيد عن هشام ولفظه فقال لي هذه امرأتك فكشفت عن وجهك ويجمع هذا الاختلاف أن نسبة الكشف اليه لكونه الآمر به وأن الذي باشر الكشف هو الملك ووقع في هذه الطريق عند مسلم والإسماعيلي بعد قوله المنام ثلاث ليال فلعل البخاري حذفها لأن الأكثر رووه بلفظ مرتين وكذلك أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن إدريس وأبو عوانة من رواية مالك ومن رواية يونس بن بكير ومن رواية عبد العزيز بن المختار كلهم عن هشام بن عروة جازمين بمرتين ومن رواية حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته مرتين أو ثلاثا بالشك فيحتمل أن يكون الشك من هشام فأقتصر البخاري على المحقق وهو قوله مرتين وتأكد ذلك عنده برواية أبي معاوية المفسرة وحذف لفظ ثلاث من رواية حماد بن زيد لأن أصل الحديث ثابت وقوله فإذا هي أنت قال القرطبي يريد انه رآها في النوم كما رآها في اليقظة فكانت المراد بالرؤيا لا غيرها وقد بين حماد بن سلمة في روايته المراد ولفظه أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خذيجة فكشفتها فإذا هي أنت الحديث وهذا يدفع الاحتمال الذي ذكره بن بطال ومن تبعه حيث جوزوا أن هذه الرؤية قبل أن يوحى اليه وقد تقدم تفسير السرقة وضبطها وأن الملك المذكور هو جبريل وكثير من مباحثه في كتاب النكاح وذكرت احتمالا عن عياض في قوله إن يكن هذا من عند الله يمضه ثم وجدته أخذ أكثره من كلام بن بطال ومحمد في السند الثاني جزم السرخسي في رواية أبي ذر عنه أنه أبو كريب محمد بن العلاء وكلام الكلاباذي يقتضي انه بن سلام قال بن بطال رؤيا المرأة في المنام يختلف على وجوه منها أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها ومنها أن يدل على حصول دنيا أو منزلة فيها أو سعة في الرزق وهذا أصل عند المعبرين في ذلك وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام عليه ولا سيما واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم

قوله باب المفاتيح في اليد أي إذا رؤيت في المنام قال أهل التعبير المفتاح مال وعز وسلطان فمن رأى أنه فتح باب بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له بأس وإن رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانا عظيما وذكر فيه حديث أبي هريرة الماضي في باب رؤيا الليل من وجه آخر عنه بلفظ

[ 6611 ] بعث بجوامع الكلم وفيه وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي وقد تقدم في الباب المذكور بلفظ وبينما أنا نائم البارحة قوله في آخره قال أبو عبد الله كذا لأبي ذر ووقع في رواية كريمة قال محمد فقال بعض الشراح لا منافاة لأنه اسمه والقائل هو البخاري والذي يظهر لي أن الصواب ما عند كريمة فان هذا الكلام ثبت عن الزهري واسمه محمد بن مسلم وقد ساقه البخاري هنا من طريقه فيبعد أن يأخذ كلامه فينسبه لنفسه وكأن بعضهم لما رأى وقال محمد ظن أنه البخاري فأراد تعظيمه فكناه فأخطا لأن محمدا هو الزهري وليست كنيته أبا عبد الله بل هو أبو بكر وسيأتي الكلام على جوامع الكلم وسيأتي الحديث في الاعتصام ان شاء الله تعالى

قوله باب التعليق بالعروة والحلقة وذكر فيه حديث عبد الله بن سلام

[ 6612 ] رأيت كأني في روضة وقد تقدم قبل هذا بأربعة أبواب أتم من هذا وتقدم شرحه هناك قال أهل التعبير الحلقة والعروة المجهولة تدل لمن تمسك بها على قوته في دينه وإخلاصه فيه

قوله باب عمود الفسطاط العمود بفتح أوله معروف والجمع أعمدة وعمد بضمتين وبفتحتين ما ترفع به الأخبية من الخشب ويطلق أيضا على ما يرفع به البيوت من حجارة كالرخام والصوان ويطلق على ما يعتمد عليه من حديد وغيره وعمود الصبح ابتداء ضوئه والفسطاط بضم الفاء وقد تكسر وبالطاء المهملة مكررة وقد تبدل الأخيرة سينا مهملة وقد تبدل التاء طاء مثناة فيها وفي أحدهما وقد تدغم التاء الأولى في السين وبالسين المهملة وفي آخره لغات تبلغ على هذا اثنتي عشرة اقتصر النووي منها على ست الأولى والأخيرة وبتاء بدل الطاء الأولى وبضم الفاء وبكسرها وقال الجواليقي انه فارسي معرب قوله تحت وسادته عند النسفي عند بدل تحت كذا للجميع ليس فيه حديث وبعده عندهم باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام إلا أنه سقط لفظ باب عند النسفي والإسماعيلي وفيه حديث بن عمر رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير وأما بن بطال فجمع الترجمتين في باب واحد فقال باب عمود الفسطاط تحت وسادته ودخول الجنة في المنام فيه حديث بن عمر الخ ولعل مستنده ما وقع في رواية الجرجاني باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام وعمود الفسطاط تحت وسادته فجعل الترجمتين في باب واحد وقدم وأخر ثم قال بن بطال قال المهلب السرقة الكلة وهي كالهودج عند العرب وكون عمودها في يد بن عمر دليل على الإسلام وطنبها الدين والعلم والشرع الذي به يرزق التمكن من الجنة حيث شاء وقد يعبر هنا بالحرير عن شرف الدين والعلم لأن الحرير أشرف ملابس الدنيا وكذلك العلم بالدين أشرف العلوم وأما دخول الجنة في المنام فإنه يدل على دخولها في اليقظة لأن في بعض وجوه الرؤيا وجها يكون في اليقظة كما يراه نصا ويعبر دخول الجنة بالدخول في الإسلام الذي هو سبب لدخول الجنة وطيران السرقة قوه تدل على التمكن من الجنة حيث شاء قال بن بطال وسألت المهلب عن ترجمة عمود الفسطاط تحت وسادته ولم يذكر في الحديث عمود فسطاط ولا وسادة فقال الذي يقع في نفسي أنه رأى في بعض طرق الحديث السرقة شيئا أكمل مما ذكره في كتابه وفيه أن السرقة مضروبة في الأرض على عمود كالخباء وأن بن عمر اقتلعها من عمودها فوضعها تحت وسادته وقام هو بالسرقة فأمسكها وهي كالهودج من استبرق فلا يريد موضعا من الجنة إلا طارت اليه به ولم يرض بسند هذه الزيادة فلم يدخله في كتابه وقد فعل مثل هذا في كتابه كثيرا كما يترجم بالشيء ولا يذكره ويشير الى أنه روى في بعض طرقه وانما لم يذكره للين في سنده وأعجلته المنية عن تهذيب كتابه انتهى وقد نقل كلام المهلب جماعة من الشراح ساكتين عليه وعليه مآخذ أصلها إدخال حديث بن عمر في هذا الباب وليس منه بل له باب مستقل وأشدها تفسيره السرقة بالكلة فاني لم أره لغيره قال أبو عبيدة السرقة قطعة من حرير وكأنها فارسية وقال الفارابي شقة من حرير وفي النهاية قطعة من جيد الحرير زاد بعضهم بيضاء ويكفي في رد تفسيرها بالكلة والهودج قوله في نفس الخبر رأيت كأن بيدي قطعة استبرق وتخيله أن في حديث بن عمر الزيادة المذكورة لا أصل لها فجميع ما رتبه عليه كذلك وقلده بن المنير فذكر الترجمة كما ترجم وزاد عليه أن قال روى غير البخاري هذا الحديث أي حديث بن عمر بزيادة عمود الفسطاط ووضع بن عمر له تحت وسادته ولكن لم توافق الزيادة شرطها فأدرجها في الترجمة نفسها وفساد ما قال يظهر مما تقدم والمعتمد أن البخاري أشار بهذه الترجمة الى حديث جاء من طريق أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه عمود الكتاب أنتزع من تحت رأسه الحديث وأشهر طرقه ما أخرجه يعقوب بن سفيان والطبراني وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فأتبعته بصري فإذا هو قد عهد به الى الشام إلا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام وفي رواية فإذا وقعت الفتن فالامن بالشام وله طريق عند عبد الرزاق رجاله رجال الصحيح إلا ان فيه انقطاعا بين أبي قلابة وعبد الله بن عمرو ولفظه عنده أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به الى الشام وأخرج أحمد ويعقوب بن سفيان والطبراني أيضا عن أبي الدرداء رفعه بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به الى الشام الحديث وسنده صحيح وأخرج يعقوب والطبراني أيضا عن أبي أمامة نحوه وقال انتزع من تحت وسادتي وزاد بعد قوله بصري فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه قد هوى به فعمد به الى الشام وإني أولت أن الفتن إذا وقعت أن الأمان بالشام وسنده ضعيف وأخرج الطبراني أيضا بسند حسن عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت ليلة أسرى بي عمودا أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة فقلت ما تحملون قالوا عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشام قال وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض فتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى وضع بالشام وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني بسند ضعيف وعن عمر عند يعقوب والطبراني كذلك وعن بن عمر في فوائد المخلص كذلك وهذه طرق يقوي بعضها بعضا وقد جمعها بن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق وأقربها الى شرط البخاري حديث أبي الدرداء فإنه أخرج رواته إلا أن فيه اختلافا على يحيى بن حمزة في شيخه هل هو ثور بن يزيد أو زيد بن واقد وهو غير قادح لأن كلا منهما ثقة من شرطه فلعله كتب الترجمة وبيض للحديث لينظر فيه فلم يتهيأ له أن يكتبه وانما ترجم بعمود الفسطاط ولفظ الخبر في عمود الكتاب إشارة الى أن من رأى عمود الفسطاط في منامه فإنه يعبر بنحو ما وقع في الخبر المذكور وهو قول العلماء بالتعبير قالوا من رأى في منامه عمودا فإنه يعبر بالدين أو برجل يعتمد عليه فيه وفسروا العمود بالدين والسلطان وأما الفسطاط فقالوا من رأى أنه ضرب عليه فسطاطا فإنه ينال سلطانا بقدره أو يخاصم ملكا فيظفر به

قوله باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام تقدم في الذي قبله ما يتعلق في شيء منه وحديث بن عمر في الباب ذكره هنا من طريق وهيب بن خالد عن أيوب عن نافع بلفظ

[ 6613 ] سرقة وذكره بلفظ قطعة من استبرق كما في ترجمة الترمذي من طريق إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية عن أيوب فذكره مختصرا كرواية وهيب إلا أنه قال كأنما في يدي قطعة استبرق كأن البخاري أشار الى روايته في الترجمة وقد أخرجه أيضا في باب من تعار من الليل من كتاب التهجد وفي أواخر كتاب الصلاة من طريق حماد بن زيد عن أيوب أتم سياقا من رواية وهيب وإسماعيل وأخرجه النسائي من طريق الحارث بن عمير عن أيوب فجمع بين اللفظتين فقال سرقة من إستبرق وقوله هنا لا أهوى بها وهو بضم أوله أهوى إلى الشيء بالفتح يهوى بالضم أي مال ووقع في رواية حماد فكأني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي اليه قوله في رواية وهيب فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وقع مثله في رواية حماد عند مسلم ووقع عند المؤلف في روايته بعد قوله طارت بي اليه من الزيادة ورأيت كأن اثنين أتياني أرادا أن يذهبا بي الى النار الحديث بهذه القصة مختصرا وقال فيه فقصت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى رؤياي وظاهر رواية وهيب ومن تابعه أن الرؤيا التي أبهمت في رواية حماد هي رؤية السرقة من الحرير وقد وقع ذلك صريحا في رواية حماد عند مسلم لكن يعارضه ما مضى في باب فضل قيام الليل ويأتي في باب الأخذ عن اليمين من كتاب التعبير من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه فذكر الحديث في رؤيته النار وفيه فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة فهو صريح في أن حفصة قصت رؤياه النار كما أن رواية حماد صريحة في أن حفصة قصت رؤياه السرقة ولم يتعرض في رواية سالم الى رؤيا السرقة فيحتمل أن يكون قوله إحدى رؤياي محمولا على أنها قصة رؤيا السرقة أولا ثم قصة رؤيا النار بعد ذلك وأن التقدير قصت إحدى رؤياي أولا فلا يكون لقوله إحدى مفهوم وهذا الموضع لم ار من تعرض له من الشراح ولا أزال أشكاله فلله الحمد على ذلك قوله فقال إن أخاك رجل صالح أو ان عبد الله رجل صالح هو شك من الراوي ووقع في رواية حماد المذكورة ان عبد الله رجل صالح بالجزم وكذا في رواية صخر بن جويرية عن نافع زاد الكشميهني في روايته عن الفربري في الموضعين لو كان يصلي من الليل وسقطت هذه الزيادة لغيره وهي ثابتة في رواية سالم كما تقدم في قيام الليل وتأتي ويؤيد ثبوتها قوله في رواية حماد عند الجميع فقال نافع فلم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة وقد تقدم في قيام الليل وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عند مسلم وقال نعم الفتى أو قال نعم الرجل بن عمر لو كان يصلي من الليل قال بن عمر وكنت إذا نمت لم أقم حتى أصبح قال نافع فكان بن عمر بعد يصلي من الليل وأخرج مسلم إسناده وأصله وأحال بالمتن على رواية سالم وهو غير جيد لتغايرهما وأخرجه بلفظه أبو عوانة والجزوقي بهذا ويأتي في باب الأمن وذهاب الروع أيضا من طريق صخر بن جويرية عن نافع وكذا بعده في باب الأخذ عن اليمين في رواية سالم قال الزهري وكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل ولعل الزهري سمع ذلك من نافع أو من سالم ومضى شرحه هناك ووقع في مسند أبي بكر بن هارون الروياني من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه في نحو هذه القصة من الزيادة وكان عبد الله كثير الرقاد وفيه أيضا أن الملك الذي قال له لم ترع قال له لا تدع الصلاة نعم الرجل أنت لولا قلة الصلاة

قوله باب القيد في المنام أي من رأى في المنام أنه مقيد ما يكون تعبيره وظاهر إطلاق الخبر أنه يعبر بالثبات في الدين في جميع وجوهه لكن أهل التعبير خصوا ذلك بما إذا لم يكن هناك قرينة أخرى كما لو كان مسافرا أو مريضا فإنه يدل على أن سفره أو مرضه يطول وكذا لو رأى في القيد صفة زائدة كمن رأى في رجله قيدا من فضة فإنه يدل على أنه يتزوج وإن كان من ذهب فإنه لأمر يكون بسبب مال يتطلبه وإن كان في صفر فإنه لأمر مكروه أو مال فات وإن كان من رصاص فإنه لأمر فيه وهن وان كان من حبل فلأمر في الدين وإن كان من خشب فلأمر فيه نفاق وان كان من حطب فلتهمة وان كان من خرقة أو خيط فلأمر لا يدوم

[ 6614 ] قوله حدثنا عبد الله بن صباح بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو العطار البصري وتقدم في الصلاة في باب السمر بعد العشاء حدثنا عبد الله بن الصباح ولبعضهم عبد الله بن صباح كما هنا ولأبي نعيم هنا من رواية محمد بن يحيى بن منده حدثنا عبد الله بن الصباح وفي شيوخ البخاري بن الصباح ثلاثة عبد الله هذا ومحمد والحسن وليس واحد منهم أخا الآخر قوله حدثنا معتمر هو بن سليمان التيمي وعرف هو الأعرابي قوله إذا اقترب الزمان لم يكد رؤيا المؤمن تكذب كذا للأكثر ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بتقديم تكذب على رؤيا المؤمن وكذا في رواية محمد بن يحيى وكذا في رواية عيسى بن يونس عن عوف عند الإسماعيلي قال الخطابي في المعالم في قوله إذا اقترب الزمان قولان أحدهما أن يكون معناه تقارب زمان الليل وزمان النهار وهو وقت استوائهما أيام الربيع وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبا وكذلك هو في الحديث والمعبرون يقولون أصدق الرؤيا ما كان وقت اعتدال الليل والنهار وادراك الثمار ونقله في غريب الحديث عن أبي داود السجستاني ثم قال والمعبرون يزعمون أن اصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الازهار وادراك الثمار وهما الوقتان اللذان يعتدل فيهما الليل والنهار والقول الآخر أن اقتراب الزمان انتهاء مدته إذا دنا قيام الساعة قلت يبعد الأول التقييد بالمؤمن فان الوقت الذي تعتدل فيه الطبائع لا يختص به وقد جزم بن بطال بأن الأول هو الصواب واستند الى ما أخرجه الترمذي من طريق معمر عن أيوب في هذا الحديث بلفظ في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا قال فعلى هذا فالمعنى إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة فكان الناس على مثل فترة محتاجين الى مذكر ومجدد لما درس من الدين كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء لكن لما كان نبيا خاتم الأنبياء وصار الزمان المذكور يشبه زمان الفترة عوضوا بما منعوا من النبوة بعد الرؤيا الصادقة التي هي جزء من النبوة الأتية بالتبشير والانذار انتهى ويؤيد ما أخرجه بن ماجة من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين بلفظ إذا قرب الزمان وأخرج البزار من طريق يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين بلفظ إذا تقارب الزمان وسيأتي في كتاب الفتن من وجه آخر عن أبي هريرة يتقارب الزمان ويرفع العلم الحديث والمراد به اقتراب الساعة قطعا وقال الداودي المراد بتقارب الزمان نقص الساعات والأيام والليالي انتهى ومراده بالنقص سرعة مرورها وذلك قرب قيام الساعة كما ثبت في الحديث الآخر عند مسلم وغيره يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة وقيل أن المراد بالزمان المذكور زمان المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق فان ذلك الزمان يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه وأما قوله لم تكد الخ فيه إشارة الى غلبة الصدق على الرؤيا وإن أمكن أن شيئا منها لا يصدق والراجح أن المراد نفي الكذب عنها أصلا لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي قرب حصوله والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ذكره الطيبي وقال القرطبي في المفهم والمراد والله أعلم بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى بن مريم بعد قتله الدجال فقد ذكر مسلم في حديث عبد الله بن عمر ما نصه فيبعث الله عيسى بن مريم فيمكث في الناس سبع سنين ليس بين أثنين عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو ايمان إلا قبضه الحديث قال فكان أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة حالا بعد الصدر الأول وأصدقهم أقوالا فكانت رؤياهم لا تكذب ومن ثم قال عقب هذا وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا وانما كان كذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فأنتقشت فيه المعاني على وجه الصحة وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقا وهذا بخلاف الكاذب والمخلط فإنه يفسد قلبه ويظلم فلا يرى إلا تخليطا وأضغاثا وقد يندر المنام أحيانا فيرى الصادق ما لا يصح ويرى الكاذب ما يصح ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم والله أعلم وهذا يؤيد ما تقدم أن الرؤيا لا تكون إلا من أجزاء النبوة إن صدرت من مسلم صادق صالح ثم ومن ثم قيد بذلك في حديث رؤيا المسلم جزء فإنه جاء مطلقا مقتصرا على المسلم فأخرج الكافر وجاء مقيدا بالصالح تارة وبالصالحة وبالحسنة وبالصادقة كما تقدم بيانه فيحمل المطلق على المقيد وهو الذي يناسب حاله حال النبي فيكرم بما أكرم به النبي وهو الاطلاع على شيء من الغيب فأما الكافر والمنافق والكاذب والمخلط وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات فانها لا تكون من الوحي ولا من النبوة إذ ليس كل من صدق في شيء ما يكون خبره ذلك نبوة فقد يقول الكاهن كلمة حق وقد يحدث المنجم فيصيب لكن كل ذلك على الندور والقلة والله أعلم وقال بن أبي جمرة معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبا على الوجه الذي لا يحتاج الى تعبير فلا يدخلها الكذب بخلاف ما قيل ذلك فانها قد يخفى تأويلها فيعبرها العابر فلا تقع كما قال فيصدق دخول الكذب فيها بهذا الاعتبار قال والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبا كما في الحديث بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا أخرجه مسلم فيقل أنيس المؤمن ومعينه في ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة قال ويمكن أن يؤخذ من هذا سبب اختلاف الأحاديث في عدد أجزاء النبوة بالنسبة لرؤيا المؤمن فيقال كلما قرب الأمر وكانت الرؤيا أصدق حمل على أقل عدد ورد وعكسه وما بين ذلك قلت وتنبغي الإشارة الى هذه المناسبة فيما تقدم من المناسبات وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب إذا كان المراد آخر الزمان ثلاثة أقوال أحدهما أن العلم بأمور الديانة لما يذهب غالبه بذهاب غالب أهله وتعذرت النبوة في هذه الأمة عرضوا بالمرأي الصادقة ليجدد لهم ما قد درس من العلم والثاني أن المؤمنين لما يقل عددهم ويغلب الكفر والجهل والفسق على الموجودين يؤنس المؤمن ويعان بالرؤيا الصادقة إكراما له وتسلية وعلى هذين القولين لا يختص ذلك بزمان معين بل كلما قرب فراغ الدنيا وأخذ أمر الدين من الإضمحلال تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق والثالث أن ذلك خاص بزمان عيسى بن مريم وأولها أولاها والله أعلم قوله ورؤيا المؤمن جزء الحديث هو معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهو إذا اقترب الزمان الحديث فهو مرفوع أيضا وقد تقدم شرحه مستوفى قريبا وقوله وما كان من النبوة فإنه لا يكذب هذا القدر لم يتقدم في شيء من طرق الحديث المذكور وظاهر إيراده هنا أنه مرفوع ولئن كان كذلك فإنه أولى ما فسر به المراد من النبوة في الحديث وهو صفة الصدق ثم ظهر لي أن قوله بعد هذا قال محمد وأنا أقول هذه الإشارة في قوله هذه للجملة المذكورة وهذا هو السر في إعادة قوله قال بعد قوله هذا ثم رأيت في بغية النقاد لابن المواق أن عبد الحق أغفل تنبيه على أن هذه الزيادة مدرجة وأنه لا شك في إدراجها فعلى هذا فهي من قول بن سيرين وليست مرفوعة قوله وأنا أقول هذا كذا لأبي ذر وفي جميع الطرق وكذا ذكره الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما ووقع في شرح بن بطال وأنا أقول هذه الأمة وكان يقال الخ قلت وليست هذه اللفظة في شيء من نسخ صحيح البخاري ولا ذكرها عبد الحق في جمعة ولا الحميدي ولا من أخرج حديث عوف من أصحاب الكتب والمسانيد وقد تقلده عياض فذكره كما ذكره بن بطال وتبعة في شرحه فقال خشي بن سيرين أن يتأول أحد معنى قوله وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا أنه إذا تقارب الزمان لم يصدق إلا رؤيا الرجل الصالح فقال وأنا أقول هذه الأمة يعني رؤيا هذه الأمة صادقة كلها صالحها وفاجرها ليكون صدق رؤياهم زاجرا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين وطموس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر انتهى وهذا مرتب على ثبوت هذه الزيادة وهي لفظة الأمة ولم أجدها في شيء من الأصول وقد قال أبو عوانة الأسفريني بعد أن أخرجه موصولا مرفوعا من طريق هشام عن بن سيرين هذا لا يصح مرفوعا عن بن سيرين قلت وإلى ذلك أشار البخاري في آخره بقوله وحديث عوف أبين أي حيث فصل المرفوع من الموقوف قوله قال وكان يقال الرؤيا ثلاث الخ قائل قال هو محمد بن سيرين وأبهم القائل في هذه الرواية وهو أبو هريرة وقد رفعه بعض الرواة ووقفه بعضهم وقد أخرجه أحمد عن هوذة بن خليفة عن عوف بسنده مرفوعا الرؤيا ثلاث الحديث مثله وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين مرفوعا أيضا بلفظ الرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله والباقي نحوه قوله حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله وقع في حديث عوف بن مالك عند بن ماجة بسند حسن رفعه الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن بن آدم ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قلت وليس الحصر مرادا من قوله ثلاث لثبوت نوع رابع في حديث أبي هريرة في الباب وهو حديث النفس وليس في حديث أبي قتادة وأبي سعيد الماضيين سوى ذكر وصف الرؤيا بأنها مكروهة ومحبوبة أو حسنة وسيئة وبقي نوع خامس وهو تلاعب الشيطان وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر قال جاء أعرابي فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع فانا أتبعه وفي لفظ فقد خرج فاشتددت في أثره فقال لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام وفي رواية له إذا تلاعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يخبر به الناس ونوع سادس وهو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة كمن كانت عادته أن يأكل في وقت فنام فيه فرأى أنه يأكل أو بات طافحا من أكل أو شرب فرأى أنه يتقيأ وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص وسابع وهو الأضغاث قوله فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل زاد في رواية هوذة فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها لمن يشاء وإذا رأى شيئا يكرهه فذكر مثله ووقع في رواية أيوب عن محمد بن سيرين فيصل ولا يحدث بها الناس وزاد في رواية سعيد بن أبي عروبة عن بن سيرين عند الترمذي وكان يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح وهذا ورد معناه مرفوعا في حديث أبي رزين عند أبي داود والترمذي وابن ماجة ولا يقصها إلا على واد أو ذي رأي وقد تقدم شرح هذه الزيادة في باب الرؤيا من الله تعالى قوله قال وكان يكره الغل في النوم ويعجبهم القيد ويقال القيد ثبات في الدين كذا ثبت هنا بلفظ الجمع في يعجبهم والافراد في يكره ويقول قال الطيبي ضمير الجمع لأهل التعبير وكذا قوله وكان يقال قال المهلب الغل يعبر بالمكروه لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى إذ الأغلال في أعناقهم الآية وقد يدل على الكفر وقد يعبر بامرأة تؤذي وقال بن العربي انما أحبوا القيد لذكر النبي صلى الله عليه وسلم له في قسم المحمود فقال قيد الإيمان الفتك وأما الغل فقد كره شرعا في المفهوم كقوله خذوه فغلوه وإذ الأغلال في أعناقهم ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك وغلت أيديهم وانما جعل القيد ثباتا في الدين لأن المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلا للايمان الذي يمنع عن المشي الى الباطل وقال النووي قال العلماء انما أحب القيد لأن محله الرجل وهو كف عن المعاصي والشر والباطل وأبغض الغل لأن محله العنق وهو صفة أهل النار وأما أهل التعبير فقالوا إن القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى ذلك له وقال إن انضم الغل الى القيد دل ذلك على زيادة المكروه وإذا جعل الغل في اليدين حمد لأنه كف لهما عن الشر وقد يدل على البخل بحسب الحال وقالوا أيضا إن رأى أن يديه مغلولتان فهو بخيل وأن رأى أنه قيد وغل فإنه يقع في سجن أو شدة قلت وقد يكون الغل في بعض المرائي محمودا كما وقع لأبي بكر الصديق فأخرج أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق قال مر صهيب بأبي بكر فأعرض عنه فسأله فقال رأيت يدك مغلولة على باب أبي الحشر رجل من الأنصار فقال أبو بكر جمع لي ديني إلى يوم الحشر وقال الكرماني أختلف في قوله وكان يقال هل هو مرفوع أو لا فقال بعضهم من قوله وكان يقال إلى قوله في الدين مرفوع كله وقال بعضهم هو كله كلام بن سيرين وفاعل كان يكره أبو هريرة قلت أخذه من كلام الطيبي فإنه قال يحتمل أن يكون مقولا للراوي عن بن سيرين فيكون اسم كان ضميرا لابن سيرين وأن يكون مقولا لابن سيرين واسم كان ضمير أبي هريرة أو النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن بن سيرين وقال في آخره لا أدري هو في الحديث أو قاله بن سيرين قوله ورواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أصل الحديث وأما من قوله وكان يقال فمنهم من رواه بتمامه مرفوعا ومنهم من اقتصر على بعضه كما سأبينه قوله وأدرجه بعضهم كله في الحديث يعني جعله مرفوعا والمراد به رواية هشام عن قتادة كما سأبينه قوله وحديث عوف أبين أي حيث فصل المرفوع من الموقوف ولا سيما تصريحه بقول بن سيرين وأنا أقول هذه فإنه دال على الاختصاص بخلاف ما قال فيه وكان يقال فان فيها الاحتمال بخلاف أول الحديث فإنه صرح برفعه وقد اقتصر بعض الرواة عن عوف على بعض ما ذكره معتمر بن سليمان عنه كما بينته من رواية هوذة وعيسى بن يونس قال القرطبي ظاهر السياق أن الجميع من قول النبي صلى الله عليه وسلم غير أن أيوب هو الذي روى هذا الحديث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وقد أخبر عن نفسه أنه شك أهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة فلا يعول على ذلك الظاهر قلت وهو حصر مردود وكأنه تكلم عليه بالنسبة لرواية مسلم خاصة فإن مسلما ما أخرج طريق عوف هذه ولكنه أخرج طريق قتادة عن محمد بن سيرين فلا يلزم من كون أيوب شك أن لا يعول على رواية من لم يشك وهو قتادة مثلا لكن لما كان في الرواية المفصلة زيادة فرجحت قوله وقال يونس لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القيد يعني أنه شك في رفعه قوله قال أبو عبد الله هو المصنف قوله لا تكون الأغلال إلا في الأعناق وكأنه يشير الى الرد على من قال قد يكون الغل في غير العنق كاليد والرجل والغل بضم المعجمة وتشديد اللام واحد الأغلال قال وقد أطلق بعضهم الغل على ما تربط به اليد وممن ذكره أبو علي القالي وصاحب المحكم وغيرهما قالوا الغل جامعة تجعل في العنق أو اليد والجمع أغلال ويد مغلولة جعلت في الغل ويؤيده قوله تعالى غلت أيديهم كذا أستشهد به الكرماني وفيه نظر لأن اليد تغل في العنق وهو عند أهل التعبير عبارة عن كفهما عن الشر ويؤيده منام صهيب في حق أبي بكر الصديق كما تقدم قريبا فأما ورواية قتادة المعلقة فوصلها مسلم والنسائي من رواية معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن أبيه عن قتادة ولفظ النسائي بالسند المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول الرؤيا الصالحة بشارة من الله والتحزين من الشيطان ومن الرؤيا ما يحدث به الرجل نفسه فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليقم فليصل وأكره الغل في النوم ويعجبني القيد فان القيد ثبات في الدين وأما مسلم فإنه ساقه بسنده عقب رواية معمر عن أيوب التي فيها قال أبو هريرة فيعجبني القيد وأكره الغل القيد ثبات في الدين قال مسلم فأدرج يعني هشاما عن قتادة في الحديث قوله وأكره الغل الخ ولم يذكر الرؤيا جزء الحديث وكذلك رواه أيوب عن محمد بن سيرين قال قال أبو هريرة أحب القيد في النوم وأكره الغل القيد في النوم ثبات في الدين وأخرجه بن حبان في صحيحه من رواية سفيان بن عيينة عنه وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فذكر حديث إذا اقترب الزمان الحديث ثم قال ورؤيا المسلم جزء من الحديث ثم قال والرؤيا ثلاث الحديث ثم قال بعده قال وأحب القيد وأكره الغل القيد ثبات في الدين فلا أدري هو في الحديث أو قاله بن سيرين هذا لفظ مسلم ولم يذكر أبو داود ولا الترمذي قوله فلا أدري الخ وأخرجه الترمذي وأحمد والحاكم من رواية معمر عن أيوب فذكر الحديث الأول ونحو الثاني ثم قال بعدهما قال أبو هريرة يعجبني القيد الخ قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء الخ وقد أخرج الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة حديث الرؤيا ثلاثة مرفوعا كما أشرت اليه قبل هذا ثم قال بعده وكان يقول يعجبني القيد الحديث وبعده وكان يقول من رأني فاني أنا هو الحديث وبعده وكان يقول لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح وهذا ظاهر في أن الأحاديث كلها مرفوعة وأما رواية يونس وهو بن عبيد فأخرجها البزار في مسنده من طريق أبي خلف وهو عبد الله بن عيسى الخزاز بمعجمات البصري عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأحب القيد وأكره الغل قال ولا أعلمه إلا وقد رفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البزار روى عن محمد من عدة أوجه وانما ذكرناه من رواية يونس لعزة ما أسند يونس عن محمد بن سيرين قلت وقد أخرج بن ماجة من طريق أبي بكر الهذلي عن بن سيرين حديث القيد موصولا مرفوعا ولكن الهذلي ضعيف وأما رواية هشام فقال أحمد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا هشام هو بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اقترب الزمان ورؤيا المؤمن الحديث وأحب القيد في النوم الحديث والرؤيا ثلاث الحديث فساق الجميع مرفوعا وهكذا أخرجه الدارمي من رواية مخلد بن الحسين عن هشام وأخرجه الخطيب في المدرج من طريق علي بن عاصم عن خالد وهشام عن بن سيرين مرفوعا قال الخطيب والمتن كله مرفوع إلا ذكر القيد والغل فإنه قول أبي هريرة وأدرج في الخبر وبينه معمر عن أيوب وأخرج أبو عوانة في صحيحه من طريق عبد الله بن بكر عن هشام قصة القيد وقال الأصح أن هذا من قول بن سيرين وقد أخرجه مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان وأيوب جميعا عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال إذا اقترب الزمان قال وساق الحديث ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام موقوفا وزاد في آخره قال أبو هريرة اللبن في المنام الفطرة وأما رواية بن أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي عن محمد بن سيرين فلم أقف عليها موصولة إلى الأن وأخرج أحمد في الزهد عن عثمان عن حماد بن زيد عن أيوب قال رأيت بن سيرين مقيدا في المنام وهذا يشعر بأن بن سيرين كان يعتمد في تعبير القيد على ما في الخبر فأعطى هو ذلك وكان كذلك قال القرطبي هذا الحديث وان اختلف في رفعه ووقفه فان معناه صحيح لأن القيد في الرجلين تثبيت للمقيد في مكانه فإذا رآه من هو على حاله كان ذلك دليلا على ثبوته على تلك الحالة وأما كراهة الغل فلأن محله الأعناق نكالا وعقوبة وقهرا وإذلالا وقد يسحب على وجهه ويخر على قفاه فهو مذموم شرعا وعادة فرؤيته في العنق دليل على وقوع حال سيئة للرائي تلازمه ولا ينفك عنها وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاص ارتكابها أو حقوق لا زمة له لم يوفها أهلها مع قدرته وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه أو تلازمه

قوله باب العين الجارية في المنام قال المهلب العين الجارية تحتمل وجوها فان كان ماؤها صافيا عبرت بالعمل الصالح وإلا فلا وقال غيره العين الجارية عمل جار من صدقة أو معروف لحي أو ميت قد أحدثه أو أجراه وقال آخرون عين الماء نعمة وبركة وخير وبلوغ أمنية إن كان صاحبها مستورا فإن كان غير عفيف أصابته مصيبة يبكي لها أهل داره

[ 6615 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله عن أم العلاء وهي امرأة من نسائهم وتقدم في كتاب الهجرة أنها والدة خارجة بن زيد الراوي عنها هنا وأن هذا الحديث ورد من طريق أبي النضر عن خارجة بن زيد عن أمه وذكرت نسبها هناك وأن اسمها كنيتها ومنه يؤخذ أن القائل هنا وهي امرأة من نسائهم هو الزهري رواية عن خارجة بن زيد ووقع في باب رؤيا النساء فيما مضى قريبا من طريق عقيل عن بن شهاب عن خارجة أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته وأخرج أحمد وابن سعد بسند فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف من حديث بن عباس قال لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته هنيئا لك الجنة فذكر نحو هذه القصة وقوله امرأته فيه نضر فلعله كان فيه قالت امرأة بغير ضمير وهي أم العلاء ويحتمل أنه كان تزوجها قبل زيد بن ثابت ويحتمل أن يكون القول تعدد منهما وعند بن سعد أيضا من مرسل زيد بن أسلم بسند حسن قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عجوزا تقول في جنازة عثمان بن مظعون وراء جنازته هنيئا لك الجنة يا أبا السائب فذكر نحوه وفيه بحسبك أن تقولي كان يحب الله ورسوله قوله طار لنا تقدم بيانه في باب القرعة في المشكلات ووقع عند بن سعد من وجه آخر عن معمر فتشاحت الأنصار فيهم أن ينزلوهم منازلهم حتى اقترعوا عليهم فطار لنا عثمان بن مظعون يعني وقع في سهمنا كذا وقع التفسير في الأصل وأظنه من كلام الزهري أو من دونه قوله حين اقترعت في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني أقرعت بحذف التاء ووقع في رواية عقيل المذكورة أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة قوله فأشتكى فمرضناه حتى توفى في الكلام حذف تقديره فأقام عندنا هذه فأشتكى أي مرض فمرضناه أي قمنا بأمره في مرضه وقد وقع في رواية عقيل فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفى فيه قلت وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاثة من الهجرة أرخه بن سعد وغيره وقد تقدمت سائر فوائده في أول الجنائز والكلام على قوله ما يفعل به والاختلاف فيها وقوله في آخره ذاك عمله يجري له قيل يحتمل أنه كان لعثمان شيء عمله بقى له ثوابه جاريا كالصدقة وأنكره مغلطاي وقال لم يكن لعثمان بن مظعون شيء من الأمور الثلاث التي ذكرها مسلم من حديث أبي هريرة رفعه إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث قلت وهو نفي مردود فإنه كان له ولد صالح شهد بدرا وما بعدها وهو السائب مات في خلافة أبي بكر فهو أحد الثلاث وقد كان عثمان من الأغنياء فلا يبعد ان تكون له صدقه استمرت بعد موته فقد أخرج بن سعد من مرسل أبي بردة بن أبي موسى قال دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأين هيئتها فقلنا مالك فما في قريش أغنى من بعلك فقالت أما ليلة فقائم الحديث ويحتمل أن يراد بعمل عثمان بن مظعون مرابطته قي جهاد أعداء الله فإنه ممن يجري له عمله كما ثبت في السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد رفعه كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله الى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر وله شاهد عند مسلم والنسائي والبزار من حديث سلمان رفعه رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل و أمن الفتان وله شواهد أخرى فليحمل حال عثمان بن مظعون على ذلك ويزول الإشكال من أصله

قوله باب نزع الماء من البئر حتى يروي الناس هو بفتح الواو من الري والنزع بفتح النون وسكون الزاي وإخراج الماء للاستسقاء قوله رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله المصنف من حديثه في الباب الذي بعده

[ 6616 ] قوله حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير عن الدورقي وشعيب بن حرب هو المدائني يكنى أبا صالح كان أصله من بغداد فسكن المدائن حتى نسب إليها ثم انتقل الى مكة فنزلها الى أن مات بها وكان صدوقا شديد الورع وقد وثقه يحيى بن معين والنسائي والدارقطني وآخرون وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد ذكره في الضعفاء شعيب بن حرب فقال منكر الحديث مجهول وأظنه آخر وافق اسمه واسم أبيه والعلم عند الله تعالى قوله بين أنا على بئر أنزع منها أي أستخرج منها الماء بآلة كالدلو وفي حديث أبي هريرة في الباب الذي يليه رأيتني على قليب وعليها دلو فنزعت منها ما شاء الله وفي رواية همام رأيت أني على حوض أسقي الناس والجمع بينهما أن القليب هو البئر المقلوب ترابها قبل الطي والحوض هو الذي يجعل بجانب البئر لشرب الإبل فلا منافاة قوله إذ جاءني أبو بكر وعمر في رواية أبي يونس عن أبي هريرة فجاءني أبو بكر فأخذ أبو بكر الدلو أي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمليء بها الماء ووقع في رواية همام الأتية بعد هذا فأخذ أبو بكر مني الدلو ليريحني وفي رواية أبي يونس ليروحني وأول حديث سالم عن أبيه في الباب الذي يليه رأيت الناس اجتمعوا ولم يذكر قصة النزع ووقع في رواية أبي بكر بن سالم عن أبيه أريت في النوم أني أنزع على قليب بدلو بكرة فذكر الحديث نحوه أخرجه أبو عوانة قوله فنزع ذنوبا أو ذنوبين كذا هنا ومثله لأكثر الرواة ووقع في رواية همام المذكورة ذنوبين ولم يشك ومثله في رواية أبي يونس والذنوب بفتح المعجمة الدلو الممتلئ قوله وفي نزعة ضعف تقدم شرحه وبيان الاختلاف في تأويله في آخر علامات النبوة في مناقب عمر قوله فغفر الله له وقل في الروايات المذكورة والله يغفر له قوله ثم أخذها بن الخطاب من يد أبي بكر كذا هنا ولم يذكر مثله في أخذ أبي بكر الدلو من النبي صلى الله عليه وسلم ففيه إشارة الى أن عمر ولى الخلافة بعهد من أبي بكر إليه بخلاف أبي بكر فلم تكن خلافته بعهد صريح من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن وقعت عدة إشارات الى ذلك فيها ما يقرب من الصريح قوله فاستحالت في يده غربا أي تحولت الدلو غربا وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ مقابل الشرق قال أهل اللغة الغرب الدلو العظيمة المتخذة من جلود البقر فإذا فتحت الراء فهو الماء الذي يسيل بين البئر والحوض ونقل بن التين عن أبي عبد الملك البوني أن الغرب كل شيء رفيع وعن الداودي قال المراد أن الدلو أحالت باطن كفيه حتى صار أحمر من كثرة الاستسقاء قال بن التين وقد أنكر ذلك أهل العلم وردوه على قائله قوله فلم ار عبقريا تقدم ضبطه وبيانه في مناقب عمر وكذلك قوله يفرى فريه ووقع عند النسائي في رواية بن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال حجاج قلت لابن جريج ما استحال قال رجع قلت ما العبقري قال الأجير وتفسير العبقري بالاجير غريب قال أبو عمر الشيباني عبقري القوم سيدهم وقويهم وكبيرهم وقال الفارابي العبقري من الرجال الذي ليس فوقه شيء وذكر الزهري أن عبقر موضع بالبادية وقيل بلد كان ينسج فيه البسط والموشية فاستعمل في كل شيء جيد وفي كل شيء فائق ونقل أبو عبيد أنها من ارض الجن وصار مثلا لكل ما ينسب الى شيء نفيس وقال الفراء العبقري السيد وكل فاخر من حيوان وجوهر وبساط وضعت عليه وأطلقوه في كل شيء عظيم في نفسه وقد وقع في رواية عقل المشار اليه ينزع نزع بن الخطاب وفي رواية أبي يونس فلم أر نزع رجل قط أقوى منه قوله حتى ضرب الناس بعطن بفتح المهملتين وآخره نون هو ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل والمراد بقوله ضرب أي ضربت الإبل بعطن بركت والعطن للابل كالوطن للناس لكن غلب على مبركها حول الحوض ووقع في رواية أبي بكر بن سالم عند أبي بكر بن أبي شيبة حتى روى الناس وضربوا بعطن ووقع في رواية همام فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر وفي رواية أبي يونس ملآن ينفجر قال القاضي عياض ظاهر هذا الحديث أن المراد خلافة عمر وقيل هو لخلافتهما معا لأن أبا بكر جمع شمل المسلمون أولا بدفع أهل الردة وابتدات الفتوح في زمانه ثم عهد الى عمر فكثرت في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام واستقرت قواعده وقال غيره معنى عظم الدلو في يد عمر كون الفتوح كثرت في زمانه ومعنى استحالت انقلبت عن الصغر الى الكبر وقال النووي قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صاحب الأمر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الدين ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم ثم خلفه عمر فاتسع الإسلام في زمنه فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وشبه بالمستقى لهم منها وسقيه هو قيامه بمصالحهم وفي قوله ليريحني إشارة الى خلافة أبي بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن في الموت راحة من كدر الدنيا وتعبها فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم وأما قوله وفي نزعة ضعف فليس فيه حط من فضيلته وانما هو إخبار عن حاله في قصر مدة ولايته وأما ولاية عمر فانها لما طالت كثر انتفاع الناس بها واتسعت دائرة الإسلام بكثرة الفتوح وتمصير الأمصار وتدوين الدواوين وأما قوله والله يغفر له فليس فيه نقص له ولا إشارة الى انه وقع منه ذنب وانما هي كلمة كانوا يقولونها يدعمون بها الكلام وفي الحديث إعلام بخلافتهما وصحة ولا يتهما وكثرة الانتفاع بهما فكان كما قال وقال بن العربي ليس المراد بالدلو التقدير الدال على قصر الحظ بل المراد التمكن من البئر وقوله في الرواية المذكورة بدلو بكرة فيه إشارة إلى صغر الدلو قبل أن يصير غربا وأخرج أبو ذر الهروي في كتاب الرؤيا من حديث بن مسعود نحو حديث الباب لكن قال في آخره فعبرها يا أبا بكر قال الى الأمر بعدك ويليه بعدي عمر قال كذلك عبرها الملك وفي سنده أيوب بن جابر وهو ضعيف وهذه الزيادة منكرة وقد ورد هذا الحديث من وجه آخر بزيادة فيه فأخرج أحمد وأبو داود واختاره الضياء من طريق أشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبيه عن سمرة بن جندب ان رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا دل من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فأخذ بعرافيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء على فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء وهذا يبين أن المراد بالنزع الضعيف والنزع القوى الفتوح والغنائم وقوله دلى بضم المهملة وتشديد اللام أي أرسل الى أسفل وقوله بعراقيها أي بكسر المهملة وفتح القاف خشبتان تجعلان على فم الدلو متخالفتان لربط الدلو وقوله تضلع بالضاد المعجة أي ملأ اضلاعه كناية عن الشبع وقوله انتشطت بضم المثناة وكسر المعجمة بعدها طاء مهملة أي نزعت منه فاضطربت وسقط بعض ما فيها أو كله قال بن العربي حديث سمرة يعارض حديث بن عمر وهما خبران قلت الثاني هو المعتمد فحديث بن عمر مصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرائي وحديث سمرة فيه أن رجلا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى وقد أخرج أحمد من حديث أبي الطفيل شاهدا لحديث بن عمر وزاد فيه فوردت على غنم سود وغنم عفر وقال فيه فأولت السود العرب والعفر العجم وفي قصة عمر فملا الحوض وأروى الواردة ومن المغايرة بينهما أيضا أن في حديث بن عمر نزع الماء من البئر وحديث سمرة فيه نزول الماء من السماء فهما قصتان تشد إحداهما الأخرى وكأن قصة حديث سمرة سابقة فنزل الماء من السماء وهي خزانته فأسكن في الأرض كما يقتضيه حديث سمرة ثم أخرج منها الدلو كما دل عليه حديث بن عمر وفي حديث سمرة إشارة الى نزول النصر من السماء على الخلفاء وفي حديث بن عمر إشارة الى استيلائهم على كنوز الأرض بأيديهم وكلاهما ظاهر من الفتوح التي فتحوها وفي حديث سمرة زيادة إشارة الى ما وقع لعلي من الفتن والاختلاف عليه فان الناس أجمعوا على خلافته ثم لم يلبث أهل الجمل أن خرجوا عليه وامتنع معاوية في أهل الشام ثم حاربه بصفين ثم غلب بعد قليل على مصر وخرجت الحرورية على علي فلم يحصل له في أيام خلافته راحة فضرب المنام المذكور مثلا لأحوالهم رضوان الله عليه أجمعين

قوله باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف أي مع ضعف نزع ذكر فيه حديث بن عمر الذي قبله وحديث أبي هريرة بمعناه وزهير في الحديث الأول هو بن معاوية وقوله

[ 6617 ] عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم كأنه تقدم للتابعي سؤال عن ذلك فأخبره به الصحابي وقوله في أبي بكر وعمر أي فيما يتعلق بمدة خلافتهما وقوله قال رأيت القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم وحاكى ذلك عنه هو بن عمر وقوله رأيت الناس اجتمعوا فقام أبو بكر فيه اختصار يوضحه ما قبله وأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أولا فنزع من البئر ثم جاء أبو بكر وقد تقدمت بقية فوائد حديثي الباب في الباب قبله وسعيد في الحديث الثاني هو بن المسيب وفي الحديثين أنه من رأى أنه يستخرج من بئر ماء انه يلي ولاية جليلة وتكون مدته بحسب ما استخرج قلة وكثرة وقد تعبر البئر بالمرأة وما يخرج منها بالأولاد وهذا الذي اعتمده أهل التعبير ولم يعرجوا على الذي قبله فهو الذي ينبغي أن يعول عليه لكنه بحسب حال الذي ينزع الماء والله أعلم

قوله باب الاستراحة في المنام قال أهل التعبير ان كان المستريح مستلقيا على قفاه فإنه يقوى أمره وتكون الدنيا تحت يده لأن الأرض أقوى ما يستند اليه بخلاف ما إذا كان منبطحا فإنه لا يدري ما وراءه وذكر فيه حديث همام عن أبي هريرة في رؤياه صلى الله عليه وسلم الدلو وفيه

[ 6619 ] فأخذ أبو بكر الدلو ليريحني وقد تقدمت فوائده في الذي قبله وقوله فيه رأيت أني على حوض أسقي الناس كذا للأكثر وفي رواية المستملي والكشميهني على حوضي والأول أولى وكأنه كان يملأ من البئر فيسكب في الحوض والناس يتناولون الماء لبهائمهم وأنفسهم وان كانت رواية المستملي محفوظة احتمل أن يريد حوضا له في الدنيا لا حوضه الذي في القيامة

قوله باب القصر في المنام قال أهل التعبير القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق وقد يفسر دخول القصر بالتزويج وذكر فيه حديث أبي هريرة

[ 6620 ] بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة أخرجه من رواية عقيل عن بن شهاب ووقع عند مسلم من رواية يونس بن يزيد عن بن شهاب بلفظ بينما أنا نائم إذ رأيتني وهو بضم التاء لضمير المتكلم قوله فإذا امرأة تتوضأ تقدم في مناقب عمر ما نقل عن بن قتيبة والخطابي أن قوله تتوضأ تصحيف وأن الأصل شوهاء بشين معجمة مفتوحة واو ساكنة ثم هاء عوض الضاد المعجمة واعتل بن قتيبة بأن الجنة ليست دار تكليف ثم وجدت بعضهم اعترض عليه بقوله وليس في الجنة شوهاء وهذا الاعتراض لا يرد على بن قتيبة لأنه ادعى أن المراد بالشوهاء الحسناء كما تقدم بيانه واضحا قال والوضوء لغوي ولا مانع منه وقال القرطبي انما توضأت لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا إذ الجنة منزهه عن ذلك وقال الكرماني تتوضا من الوضاءة وهي النظافة والحسن ويحتمل أن يكون من الوضوء ولا يمنع من ذلك كون الجنة ليست دار تكليف لجواز أن يكون على غير وجه التكليف قلت ويحتمل أن لا يراد وقوع الوضوء منها حقيقة لكونه مناما فيكون مثالا لحالة المرأة المذكورة وقد تقدم في المناقب أنها أم سليم وكانت في قيد الحياة حينئذ فرآها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة الى جانب قصر عمر فيكون تعبيره بأنها من أهل الجنة لقول الجمهور من أهل التعبير إن من رأى أنه دخل الجنة أنه يدخلها فكيف إذا كان الرائي لذلك أصدق الخلق وأما وضوؤها فيعبر بنظافتها حسا ومعنى وطهارتها جسما وحكما وأما كونها الى جانب قصر عمر ففيه إشارة الى أنها تدرك خلافته وكان كذلك ولا يعارض هذا ما تقدم في صفة الجنة من بدء الخلق من أن رؤيا الأنبياء حق والاستدلال على ذلك بغيرة عمر لأنه لا يلزم من كون المنام على ظاهره أن لا يكون بعضه يفتقر الى تعبير فإن رؤيا الأنبياء حق يعني ليست من الأضغاث سواء كانت على حقيقتها أو مثالا والله أعلم وقد تقدمت فوائد هذا الحديث في المناقب وقوله أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار تقدم أنه من المقلوب لأن القياس أن يقول أعليها أغار منك وقال الكرماني لفظ عليك ليس متعلقا بأغار بل التقدير مستعليا عليك أغار عليها قال ودعوى القياس المذكور ممنوعة إذ لا محوج الى ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه ويحتمل أن يكون أطلق على وأراد من كما قيل إن حروف الجر تتناوب وفي الحديث جواز ذكر الرجل بما علم من خلقه كغيره عمر وقوله

[ 6621 ] رجل من قريش عرف من الرواية الأخرى أنه عمر قال الكرماني علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمر إما بالقرائن وإما بالوحي قوله معتمر هو بن سليمان التيمي البصري وعبيد الله بن عمر هو العمري المدني وتقدم حديث جابر أتم من هذا وشرحه مستوفى في المناقب

قوله باب الوضوء في المنام قال أهل التعبير رؤية الوضوء في المنام وسيلة إلى سلطان أو عمل فإن أتمه في النوم حصل مراده في اليقظة وإن تعذر بعجز الماء مثلا أو توضأ بما لا تجوز الصلاة به فلا والوضوء للخائف أمان ويدل على حصول الثواب وتكفير الخطايا وذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب الذي قبله وقد مضى الكلام فيه

قوله باب الطواف بالكعبة في المنام قال أهل التعبير الطواف يدل على الحج وعلى التزويج وعلى حصول أمر مطلوب من الإمام وعلى بر الوالدين وعلى خدمة عالم والدخول في أمر الإمام فان كان الرائي رقيقا دل على نصحه لسيده

[ 6623 ] قوله بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة الحديث تقدم شرحه مستوفى في ذكر عيسى عليه السلام من أحاديث الأنبياء ويأتي شيء مما يتعلق بالرجال في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى

قوله باب إذا أعطى فضله غيره في النوم ذكر فيه حديث بن عمر الماضي في باب اللبن مشروحا وقوله

[ 6624 ] الري أي ما يتروى به وهو اللبن أو هو إطلاق على سبيل الاستعارة قال الكرماني قال وإسناد الخروج اليه قرينة وقيل الري اسم من أسماء اللبن

قوله باب الأمن وذهاب الروع في المنام الروع بفتح الراء وسكون الواو بعدها عين مهملة الخوف وأما الروع بضم الراء فهو النفس قال أهل التعبير من رأى أنه خائف من شيء أمن منه ومن رأى أنه قد أمن من شيء فإنه يخاف منه وذكر فيه حديث بن عمر في رؤياه من طريق نافع عنه وقد مضى شرحه قريبا

[ 6625 ] قوله أن رجالا لم أقف على أسمائهم قوله فيقول فيها أي يعبرها قوله حديث السن أي صغيره وفي رواية الكشميهني حدث السن بفتح الدال قوله وبيتي المسجد يعني أنه كان يأوي اليه قبل أن يتزوج قوله فأضطجعت ليلة في رواية الكشميهني ذات ليلة قوله إذ جاءني ملكان لم أقف على تسميتهما قال بن بطال يؤخذ منه الجزم بالشيء وإن كان أصله الاستدلال لأن بن عمر استدل على أنهما ملكان بأنهما وقفاه على جهنم ووعظاه بها والشيطان لا يعظ ولا يذكر الخير قلت ويحتمل أن يكونا أخبرا بأنهما ملكان أو اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم لما قصته عليه حفصة فاعتمد على ذلك قوله مقمعة بكسر الميم والجمع مقامع وهي كالسياط من حديث رؤوسها معوجة قال الجوهري المقمعة كالمحجن وأغرب الداودي فقال المقمعة والمقرعة واحد قوله لم ترع أي لم تفزع في رواية الكشميهني لن تراع فعلى الأول ليس المراد أنه لم يقع له فزع بل لما كان الذي فزع منه لم يستمر فكأنه لم يفزع وعلى الثانية فالمراد أنك لا روع عليك بعد ذلك قال بن بطال إنما قال له ذلك لما رأى منه من الفزع ووثق بذلك منه لأن الملك لا يقول إلا حقا انتهى ووقع عند بن أبي شيبة من رواية جرير بن حازم عن نافع فلقيه ملك وهو يرعد فقال لم ترع ووقع عند كثير من الرواة لن ترع بحرف لن مع الجزم ووجهه بن مالك لأنه سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ويجوز أن يكون جزمه بلن وهي لغة قليلة حكاها الكسائي وقد تقدم شيء من ذلك في الكلام على هذا الحديث في كتاب التهجد قوله كطي البئر له قرون في رواية الكشميهني لها وقرون البئر جوانبها التي تبنى من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة والعادة أن لكل بئر قرنين وقوله وأرى فيها رجالا معلقين في رواية سالم التي بعد هنا فإذا فيها ناس عرفت بعضهم قلت ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية أحد منهم قال بن بطال في هذا الحديث أن بعض الرؤيا لا يحتاج الى تعبير وعلى أن ما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في تفسيرها على ما فسرها الملك قلت يشير الى قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث أن عبد الله رجل صالح وقول الملك قبل ذلك نعم الرجل أنت لو كنت تكثر الصلاة ووقع في الباب الذي بعده أن الملك قال له لم ترع إنك رجل صالح وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل قال وفيه وقوع الوعيد على ترك السنن وجواز وقوع العذاب علىذلك قلت هو مشروط بالمواظبة على الترك رغبة عنها فالوعيد والتعذيب إنما يقع على المحرم وهو الترك بقيد الاعراض قال وفيه أن أصل التعبير من قبل الأنبياء ولذلك تمنى بن عمر انه يرى رؤيا فيعبرها له الشارع ليكون ذلك عنده أصلا قال وقد صرح الأشعري بأن أصل التعبير بالتوقيف من قبل الأنبياء وعلى ألسنتهم قال بن بطال وهو كما قال ولكن الوارد عن الأنبياء في ذلك وإن كان أصلا فلا يعم جميع المرائي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم النسبة الصحيحة فيجعل أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه وفيه جواز المبيت في المسجد ومشروعية النيابة في قص الرؤيا وتأدب بن عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومهابته له حيث لم يقص رؤياه بنفسه وكأنه لما هالته لم يؤثر أن يقصها بنفسه فقصها على أخته لإدلاله عليها وفضل قيام الليل وغير ذلك مما تقدم ذكره وبسطه في كتاب التهجد والله أعلم

قوله باب الأخذ على اليمين في النوم وفي رواية باليمين ذكر فيه حديث بن عمر المذكور قبل من طريق سالم وهو بن عبد الله بن عمر عنه وقد تقدم مستوفى في الذي قبله ولله الحمد ويؤخذ منه أن من أخذ في منامه إذا سار على يمينه يعبر له بأنه من أهل اليمين والعزم بفتح المهملة والزاي ثم الموحدة من لا زوجة له ويقال له الأعزب بقلة في الاستعمال وقوله

[ 6626 ] أخذاني بالنون وفي رواية بالموحدة

قوله باب القدح في النوم قال أهل التعبير القدح في النوم امرأة أو مال من جهة امرأة وقدح الزجاج يدل على ظهور الأشياء الخفية وقدح الذهب والفضة ثناء حسن ذكر فيه حديث بن عمر المتقدم في باب اللبن وقد مضى شرحه هناك

قوله باب إذا طار الشيء في المنام أي الذي من شأنه أن يطير قال أهل التعبير من رأى أنه يطير فإن كان الى جهة السماء بغير تعريج ناله ضرر فإن غاب في السماء ولم يرجع مات وإن رجع أفاق من مرضه وإن كان يطير عرضا سافر ونال رفعة بقدر طيرانه فإن كان بجناح فهو مال أو سلطان يسافر في كنفه وإن كان بغير جناح دل على التغرير فيما يدخل فيه وقالوا أن الطيران بالشرار دليل ردئ

[ 6628 ] قوله يعقوب بن إبراهيم أي بن سعد الزهري و صالح هو بن كيسان قوله عن بن عبيدة بالتصغير أبن نشيط بنون ومعجمة ثم مهملة وزن عظيم ووقع في رواية الكشميهني عن أبي عبيدة جعلها كنية والصواب بن فقد تقدم هذا الحديث بهذا السند في أواخر المغازي في قصة العنسي وقال في عن بن عبيدة بغير اختلاف وزاد في موضع آخر اسمه عبد الله قلت وهو الربذي بفتح الراء والموحدة بعدها معجمة أخو موسى بن عبيدة الربذي المحدث المشهور بالضعف وليس لعبد الله هذا في البخاري سوى هذا الحديث وقد اختلف على يعقوب بن إبراهيم بن سعد في سنده فأخرجه النسائي عن أبي داود الحراني عنه عن أبيه عن صالح قال قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أسقط عبد الله بن عبيدة من السند هكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي داود الحراني ومن رواية عبيد الله بن سعد بن إبراهيم عن عمه يعقوب قال الإسماعيلي هذان ثقتان روياه هكذا قلت لكن سعيد ثقة وقد تابعه عباس بن محمد الدوري عن يعقوب بن إبراهيم أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه وقد تقدم شرح الحديث في المغازي ويأتي شيء منه بعد أبواب وأن قول بن عباس في هذه الرواية ذكر لي على البناء للمجهول يبين من رواية نافع بن جبير عن بن عباس المذكورة هناك أن المبهم المذكور أبو هريرة قال المهلب هذه الرؤيا ليست على وجهها وانما هي من ضرب المثل وانما أول النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له وأيضا ففي كونهما من ذهب والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب وأيضا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم انه شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالأذن له في نفخها فطار فعلم انه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام انتهى ملخصا وقوله في آخر الحديث فقال عبيد الله هو بن عبد الله بن عتبة راوي الحديث وهو موصول بالسند المذكور اليه وهذا التفسير يوهم أنه من قبله وسيأتي قريبا من وجه آخر عن أبي هريرة أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون عبيد الله لم يسمع ذلك من بن عباس وقد ذكرت خبر الأسود العنسي هناك وذكرت خبر مسيلمة وقتله في غزوة أحد وشيئا من خبره في أواخر المغازي أيضا قال الكرماني كان يقال للأسود العنسي ذو الحمار لأنه علم حمارا إذ قال له اسجد يخفض رأسه قلت فعلى هذا هو بالحاء المهملة والمعروف أنه بالخاء المعجمة بلفظ الثوب الذي يختمر به قال بن العربي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقع بطلان أمر مسيلمة والعنسي فأول الرؤيا عليهما ليكون ذلك إخراجا للمنام عليهما ودفعا لحالهما فإن الرؤيا إذا عبرت خرجت ويحتمل أن يكون بوحي والأول أقوى كذا قال

قوله إذا رأى بقرا تنحر كذا ترجم بقيد النحر ولم يقع ذلك في الحديث الذي ذكره عن أبي موسى وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما سأبينه وحديث أبي موسى المذكور في الباب أورده بهذا السند بتمامه في علامات النبوة وفرق منه في المغازي بهذا السند أيضا وعلق فيها قطمة في الهجرة فقال

[ 6629 ] وقال أبو موسى وذكر بعضه هنا وبعضه بعد أربعة أبواب ولم يذكر بعضه وقد تقدم في غزوة أحد شرح ما أورده منه فيها قوله أراه بضم أوله أي أظنه وقد بينت هناك أن القائل أراه هو البخاري وأن مسلما وغيره رووه عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بالسند المذكور بدون هذه اللفظة بل جزموا برفعه قوله فذهب وهلى قال بن التين رويناه وهلى بفتح الهاء والذي ذكره أهل اللغة بسكونها تقول وهلت بالفتح أهل وهلا إذا ذهب وهمك اليه وأنت تريد غيره مثل وهمت ووهل يوهل وهلا بالتحريك إذا فزع قال ولعله وقع في الرواية على مثل ما قالوه في البحر بحر بالتحريك وكذا النهر والنهر والشعر والشعر انتهى وبهذا جزم أهل اللغة بن فارس والفارابي والجوهري والفالي وابن القطاع إلا أنهم لم يقولوا وأنت تريد غيره وقد وقع في حديث المائة سنة فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلا بالتحريك وقال النووي معناه غلطوا يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا بسكونها مثل ضرب يضرب ضربا أي غلط وذهب وهمه الى خلاف الصواب وأما وهلت بكسرها أوهل بالفتح وهلا بالتحريك أيضا كحذرت احذر حذرا فمعناه فزعت والوهل بالفتح الفزع وضبطه النووي بالتحريك وقال الوهل بالتحريك معناه الوهم والاعتقاد وأما صاحب النهاية فجزم أنه بالسكون قوله أو الهجر كذا لأبي ذر هنا بالألف واللام ووافقه الأصيلي ووقع في رواية كريمة أو هجر بغير ألف ولام وهي بلد قدمت بيانها في باب الهجرة الى المدينة قوله ورأيت فيها بقرا والله خير تقدم ما فيه ووقع في حديث جابر عند أحمد والنسائي والدارمي من رواية حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر وفي رواية لأحمد حدثنا جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا تنحر فأولت الدرع الحصينة المدينة وأن البقر بقر والله خير وهذه اللفظة الأخيرة وهي بقر بفتح الموحدة وسكون القاف مصدر بقره يبقره بقرا ومنهم من ضبطها بفتح النون والفاء ولهذا الحديث سبب جاء بيانه في حديث بن عباس عند أحمد أيضا والنسائي والطبراني وصححه الحاكم من طريق أبي الزناد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس في قصة أحد واشارة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أن لا يبرحوا من المدينة وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة ولبسه اللامة وندامتهم على ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل وفيه أني رأيت أني في درع حصينة الحديث بنحو حديث جابر وأتم منه وقد تقدمت الإشارة القتال والبحث معه فيه وهو انما تكلم على رواية بن إسحاق اني رأيت والله خير رأيت بقرا ولكن تقييده في الحديث الذي ذكرته البقر بكونها تنحر هو على ما فسره في الحديث بأنهم من أصيب من المسلمين وان كانت الرواية بسكون القاف أو بالنون والفاء وليس من رؤية البقر المتناطحة في شيء وقد ذكر أهل التعبير للبقر في النوم وجوها أخرى منها أن البقرة الواحدة تفسر بالزوجة والمرأة والخادم والأرض والثور يفسر بالثائر لكونه يثير الأرض فيتحرك عاليها وسافلها فكذلك من يثور في ناحية لطلب ملك أو غيره ومنها أن البقر إذا وصلت الى بلد فإن كانت بحرية فسرت بالسفن وإلا فبعسكر أو بأهل بادية أو يبس يقع في تلك البلد قوله وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر والمراد بما بعد بدر فتح خيبر ثم مكة ووقع في رواية بعد بالضم أي بعد أحد ونصب يوم أي ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين قال الكرماني ويحتمل أن يراد بالخير الغنيمة وبعد أي بعد الخير والثواب والخير حصلا في يوم بدر قلت وفي هذا السياق إشعار بأن قوله في الخير والله خير من جملة الرؤيا والذي يظهر لي أن لفظة لم يتحرر إيراده وأن رواية بن إسحاق هي المحررة وأنه رأى بقرا ورأى خيرا فأول البقر على من قتل من الصحابة يوم أحد وأول الخير على ما حصل لهم من ثواب الصدق في القتال والصبر على الجهاد يوم بدر وما بعده الى فتح مكة والمراد بالبعدية على هذا لا يختص بما بين بدر وأحد نبه عليه بن بطال ويحتمل أن يريد ببدر بدر الموعد لا الوقعة المشهورة السابقة على أحد فان بدر الموعد كانت بعد أحد ولم يقع فيها قتال وكان المشركون لما رجعوا من أحد قالوا موعدكم العام المقبل بدر فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومن انتدب معه الى بدر فلم يحضر المشركون فسميت بدر الموعد فأشار بالصدق الى أنهم صدقوا الوعد ولم يخلفوه فأثابهم الله تعالى على ذلك بما فتح عليهم بعد ذلك من قريظة وخيبر وما بعدها والله أعلم

قوله باب النفخ في المنام قال أهل التعبير النفخ يعبر بالكلام وقال بن بطال يعبر بإزالة الشيء المنفوخ بغير تكلف شديد لسهولة النفخ على النافخ ويدل على الكلام وقد أهلك الله الكاذبين المذكورين بكلامه صلى الله عليه وسلم وأمره بقتلهما

[ 6630 ] قوله حدثني في رواية أبي ذر حدثنا قوله إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو المعروف بابن راهويه قوله هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم قد تقدم التنبيه على هذا الصنيع في أوائل كتاب الأيمان والنذور وأن نسخة همام عن أبي هريرة كانت عند إسحاق بهذا السند وأول حديث فيها حديث نحن الآخرون السابقون الحديث في الجمعة وبقية أحاديث النسخة معطوفة عليه بلفظ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إسحاق إذا أراد التحديث بشيء منها بدا بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما يريد ولم يطرد هذا الصنيع للبخاري في هذه النسخة وأما مسلم فأطرد صنيعه في ذلك كما نبهت عليه هناك وبالله التوفيق وقد تقدم هذا الحديث في باب وقد بني حنيفة في أواخر المغازي عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق بهذا الإسناد لكن قال في روايته عن همام أنه سمع أبا هريرة ولم يبدا فيه إسحاق بن نصر بقوله نحن الآخرون السابقون وذلك مما يؤيد ما قررته ويعكر على من زعم أن هذه الجملة أول حديث الباب وتكلف لذلك وبالله التوفيق قوله إذ أتيت خزائن الأرض كذا وجدته في نسخة معتمدة من طريق أبي ذر من الإتيان بمعنى المجيء وبحذف الباء من خزائن وهي مقدرة وعند غيره أوتيت بزيادة رواه من الإيتاء بمعنى الإعطاء ولا إشكال في حذف الباء على هذه الرواية ولبعضهم كالأول لكن بإثبات الباء وهي رواية أحمد وإسحاق بن نصر عن عبد الرزاق قال الخطابي المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة قال غيره بل يحمل على أعم من ذلك قوله فوضع بفتح أوله وثانيه وفي رواية إسحاق بن نصر بضم أوله وكسر ثانيه قوله في يدي في رواية إسحاق بن نصر في كفي قال سوارين في رواية إسحاق بن نصر سوران ولا إشكال فيها وشرح بن التين هنا على لفظ وضع بالضم و سوارين بالنصب وتكلف لتخريج ذلك وقد أخرجه بن أبي شيبة وابن ماجة من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ رأيت في يدي سوارين من ذهب وأخرجه سعيد بن منصور من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة مثله وزاد في المنام والسوار بكسر المهملة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة أسوار بضم الهمزة أوله قوله فكبر علي في رواية إسحاق بن نصر فكبرا بالثتنية والباء الموحدة مضمومة بمعنى العظم قال القرطبي وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب من حلية النساء ومما حرم على الرجال قوله فأوحى الي كذا للأكثر على البناء للمجهول وفي رواية الكشميهني في حديث إسحاق بن نصر فأوحى الله الي وهذا الوحي يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك قاله القرطبي قوله فنفختهما زاد إسحاق بن نصر فذهبا وفي رواية بن عباس الماضية قريبا فطارا وكذا في رواية المقبري وزاد فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن وفي ذلك إشارة الى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة ورده بن العربي بان أمرهما كان في غاية الشدة ولم ينزل بالمسلمين قبله مثله قلت وهو كذلك لكن الإشارة انما هي للحقارة المعنوية لا الحسية وفي طيرانهما إشارة الى إضمحلال أمرهما كما تقدم قوله فأولتهما الكذابين قال القاضي عياض لما كان رؤيا السوارين في اليدين جميعا من الجهتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ بينهما فتأول السوارين عليهما لوضعهما في غير موضعهما لأنه ليس من حلية الرجال وكذلك الكذاب يضع الخبر في غير موضعه وفي كونهما من ذهب إشعار بذهاب أمرهما وقال بن العربي السوار من حلى الملوك الكفار كما قال الله تعالى فلولا ألقى عليه أساورة من ذهب واليد لها معان منها القوة والسلطان والقهر قال ويحتمل أن يكون ضرب المثل بالسوار كناية عن الأسوار وهو من أسامي ملوك الفرس قال وكثيرا ما يضرب المثل بحذف بعض الحروف قلت وقد ثبت بزيادة الألف في بعض طرقه كما بينته وقال القرطبي في المفهم ما ملخصه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا فكانوا كالساعدين للإسلام فلما ظهر فيهما الكذابان وبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعواهما الباطلة إنخدع أكثرهم بذلك فكان اليدان بمنزلة البلدان والسواران بمنزلة الكذابين وكونهما من ذهب إشارة الى ما زخرفاه والزخرف من أسماء الذهب قوله اللذين أنا بينهما ظاهر في أنهما كانا حين قص والرؤيا موجودين وهو كذلك لكن وقع في رواية بن عباس يخرجان بعدي والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم فأدعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره الى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمت ذلك واضحا في أواخر المغازي وأما مسيلمة فكان أدعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر فأما أن يحمل ذلك على التغليب وإما أن يكون المراد بقوله بعدي أي بعد نبوتي قال بن العربي يحتمل أن يكون ما تأوله النبي صلى الله عليه وسلم في السوارين بوحي ويحتمل أن يكون تفاءل بذلك عليهما دفعا لحالهما فأخرج المنام المذكور عليهما لأن الرؤيا إذا عبرت وقعت والله أعلم تنبيه أخرج بن أبي شيبة من مرسل الحسن رفعه رأيت كأن في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فذهبا كسرى وقيصر وهذا إن كان الحسن أخذه عن ثبت فظاهره يعارض التفسير بمسيلمة والأسود فيحتمل أن يكون تعددا والتفسير من قبله بحسب ما ظنه أدرج في الخبر فالمعتمد ما ثبت مرفوعا أنهما مسيلمة والأسود

قوله باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنه موضعا آخر واختلف في ضبطه كوة فوقع في رواية لأبي ذر بضم الكاف وتشديد الواو المفتوحة ووقع للباقين بتخفيف الواو وسكونها بعدها راء وهو المعتمد والكورة الناحية قال الخليل في العين الكور الرحل بالحاء المهملة الساكنة كذا اقتصر عليه بن بطال وقال غيره الرجل باداته فان فتح أوله فهو الرحل بغير أداة والكور بالضم أيضا موضع الزنابير وكور الحداد ما يبنى من طين وأما الزق فهو الكير والكورة المدينة والناحية قال بن دريد ولا أحسبها عربية محضة

[ 6631 ] قوله حدثني أخي عبد الحميد هو بن أبي أويس واسم أبي أويس عبد الله قوله عن سليمان بن بلال في رواية إبراهيم بن المنذر عن أبي بكر بن أبي أويس وهو عبد الحميد المذكور حدثنا سليمان وهو بن بلال المذكور وهو مذكور بعد باب قوله عن سالم بن عبد الله عن أبيه في رواية فضيل بن سليمان في الباب بعده حدثني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في رواية فضيل في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي رواية الإسماعيلي عن طريق بن جريج ويعقوب بن عبد الرحمن كلاهما عن موسى بن عقبة مثله قال في وباء المدينة قوله رأيت في رواية عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة لقد رأيت قوله كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس في رواية بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عند أحمد وأبي نعيم ثائرة الشعر والمراد شعر الرأس وزاد تفلة بفتح المثناة وكسر الفاء بعدها لام أي كريهة الرائحة قوله خرجت كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية بن أبي الزناد أخرجت بزيادة همزة مضمومة أوله على البناء للمجهول ولفظه أخرجت من المدينة فأسكنت بالجحفة وهو الموافق للترجمة وظاهر الترجمة أن فاعل الإخراج النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نسبه اليه لأنه دعا به فقد تقدم في آخر فضل المدينة في آخر كتاب الحج من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم حبب إلينا المدينة الحديث وفيه وأنقل حماها الى الجحفة قالت عائشة وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله قوله حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة أما مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء بعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ثم عين مهملة وقيل بوزن عظيمة وأظن قوله وهي الجحفة مدرجا من قول موسى بن عقبة فان أكثر الروايات خلا عن هذه الزيادات وثبتت في رواية سليمان وابن جريج ووقع في رواية بن جريج عن موسى عند بن ماجة حتى قامت بالمهيعة قال بن التين ظاهر كلام الجوهري أن مهيعة تصرف لأنه أدخل عليها الألف واللام ثم قال إلا أن يكون أدخلهما للتعظيم وفيه بعد قوله فأولت أنه وباء المدينة نقل إليها في رواية بن جريج فأولتها وباء المدينة ينقل الى الجحفة قال المهلب هذه الرؤيا من قسم الرؤيا المعبرة وهي مما ضرب به المثل ووجه التمثيل أنه شق من اسم السوداء والسوء والداء فتأول خروجها بما جمع أسمها وتأول من ثوران شعر رأسها أن الذي يسوء ويشير الشر يخرج من المدينة وقيل لأن ثوران الشعر من إقشعرار الجسد ومعنى الاقشعرار الاستيحاش فلذلك يخرج ما تستوحش النفوس منه كالحمى قلت وكأن مراده بالاستيحاش أن رؤيته موحشة وإلا فالاقشعرار في اللغة تجمع الشعر وتقبضه وكل شيء تغير عن هيئته يقال اقشعر كاقشعرت الأرض بالجدب والنبات من العطش وقد قال القيرواني المعبر كل شيء غلبت عليه السوداء في أكثر وجوهها فهو مكروه وقال غيره ثوران الراس يئول بالحمى لأنها تثير البدن بالاقشعرار وإرتفاع الرأس لا سيما من السوداء فانها أكثر استيحاشا

قوله باب المرأة السوداء أي في المنام ذكر فيه الحديث الذي قبله من الوجه الذي نبهت عليه وقوله فيه فتأولتها وقع في رواية الكشميهني فأولتها قوله رأيت حذف منه قال خطأ والتقدير قال رأيت وثبت في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن المقدمي شيخ البخاري فيه ولفظه عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت الخ

قوله باب المرأة الثائرة الراس أي في المنام ذكر فيه الحديث المشار اليه وقد قدمت ما فيه

قوله باب إذا هز سيفا في المنام ذكر فيه حديث أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

[ 6634 ] رأيت في رؤياي أني هززت سيفا فانقطع صدره الحديث بهذه القصة وهو طرف من حديثه الذي أورده في علامات النبوة بكماله وقد ذكر القدر المذكور منه هنا في غزوة أحد وذكرت بعض شرحه هناك وقوله فيه ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المومنين قال المهلب هذه الرؤيا من ضرب المثل ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصول بالصحابة عبر عن السيف بهم وبهزه عن أمره لهم بالحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم وفي الهزة الأخرى لما عاد الى حالته من الاستواء عبر به عن اجتماعهم والفتح عليهم ولأهل التعبير في السيف تصرف على أوجه منها أن من نال سيفا فأنه ينال سلطانا إما ولاية وإما وديعة وإما زوجة وإما ولدا فان سله من غمده فانثلم سلمت زوجته وأصيب ولده فان انكسر الغمد وسلم السيف فبالعكس وان سلما أو عطبا فكذلك وقائم السيف يتعلق بالأب والعصبات ونصله بالأم وذوي الرحم وان جرد السيف وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرده في خصومه وربما عبر السيف بسلطان جائر انتهى ملخصا وقال بعضهم من رأى أنه أغمد السيف فإنه يتزوج أو ضرب شخصا بسيف فإنه يبسط لسانه فيه ومن رأى أنه يقاتل آخر وسيفه أطول من سيفه فإنه يغلبه ومن رأى سيفا عظيما فهي فتنة ومن قلد سيفا قلد أمرا فان كان قصيرا لم يدم أمره وان رأى انه يجر حمائله فإنه يعجز عنه

قوله باب من كذب في حلمه أي فهو مذموم أو التقدير باب إثم من كذب في حلمه والحلم بضم المهملة وسكون اللام ما يراه النائم وأشار بقوله كذب في حلمه مع أن لفظ الحديث تحلم الى ما ورد في بعض طرقه وهو ما أخرجه الترمذي من حديث على رفعه من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة وسنده حسن وقد صححه الحاكم ولكنه من رواية عبد الأعلى بن عامر ضعفه أبو زرعة وذكر فيه حديثين الحديث الأول ذكر له طرقا مرفوعه وموقوفه عن بن عباس

[ 6635 ] قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة قوله عن أيوب في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا أيوب وقد وقع في الأصل ما يدل على ذلك وهو قوله في آخره قال سفيان وصله لنا أيوب قوله عن بن عباس ذكر المصنف الاختلاف فيه على عكرمة هل هو عن بن عباس مرفوعا أو موقوفا أو هو عن أبي هريرة موقوفا قوله من تحلم أي من تكلف الحلم قوله بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل في رواية عباد بن عباد عن أيوب عند أحمد عذب حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقدا وعنده في رواية همام عن قتادة من تحلم كاذبا دفع اليه شعيرة وعذب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد وهذا مما يدل على أن الحديث عند عكرمة عن بن عباس وعن أبي هريرة معا لاختلاف لفظ الرواية عنه عنهما والمراد بالتكلف نوع من التعذيب قوله ومن استمع الى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه في رواية عباد بن عباد وهم يفرون منه ولم يشك قوله صب في أذنه الآنك يوم القيامة في رواية عباد صب في أذنه يوم القيامة عذاب وفي رواية همام ومن استمع الى حديث قوم ولا يعجبهم أن يستمع حديثهم أذيب في أذنه الآنك قوله ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ في رواية عباد وكذا في رواية همام ومن صور صورة عذب يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها وهذا الحديث قد اشتمل على ثلاثة أحكام أولها الكذب على المنام ثانيها الاستماع لحديث من لا يريد استماعه ثالثها التصوير وقد تقدم في أواخر اللباس من طريق النضر بن أنس عن بن عباس حديث من صور صورة وتقدم شرحه هناك وأما الكذب على المنام فقال الطبري انما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين لقوله نعالى ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الآية وانما كان الكذب في المنام كذبا على الله لحديث الرؤيا جزء من النبوة وما كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى انتهى ملخصا وقد تقدم في باب قبل باب ذكر أسلم وغفار شيء من هذا في الكلام على حديث وائلة الأتي التنبيه عليه في ثاني حديثي الباب وقال المهلب في قوله كلف أن يعقد بين شعيرتين حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف ما لا يطاق ومثله في قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون وأجاب من منع ذلك بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أو حملوه على أمور الدنيا وحملوا الآية والحديث المذكورين على أمور الآخرة انتهى ملخصا والمسألة مشهورة فلا نطيل بها والحق أن التكليف المذكور في قوله كلف أن يعقد ليس هو التكليف المصطلح وانما هو كناية عن التعذيب كما تقدم وأما التكليف المستفاد من الأمر بالسجود فالأمر فيه على سبيل التعجيز والتوبيخ لكونهم أمروا بالسجود في الدنيا وهم قادرون على ذلك فأمتنعوا فأمروا به حيث لا قدرة لهم عليه تعجيزا وتوبيخا وتعذيبا وأما إلا فتقدم استماع التنبيه عليه في الأستئذان في الكلام على حديث لا يتناجى اثنان دون ثالث وقد قيد ذلك في حديث الباب لمن يكون كارها لاستماعه فأخرج من يكون راضيا وأما من جهل ذلك فيمتنع حسما للمادة وأما الوعيد على ذلك بصب الآنك في أذنه فمن الجزاء من جنس العمل والآنك بالمد وضم النون بعدها كاف الرصاص المذاب وقيل هو خالص الرصاص وقال الداودي هو القصدير وقال بن أبي جمرة انما سماه حلما ولم يسمه رؤيا لأنه ادعى أنه رأى ولم ير شيئا فكان كاذبا والكذب انما هو من الشيطان وقد قال أن الحلم من الشيطان كما مضى في حديث أبي قتادة وما كان من الشيطان فهو غير حق فصدق بعض الحديث بعضا قال ومعنى العقد بين الشعيرتين أن يفتل إحداهما بالأخرى وهو مما لا يمكن عادة قال ومناسبة الوعيد المذكور للكاذب في منامه وللمصور أن الرؤيا خلق من خلق الله وهي صورة معنوية فأدخل بكذبه صورة لم تقع كما أدخل المصور في الوجود صورة ليست بحقيقية لأن الصورة الحقيقية هي التي فيها الروح فكلف صاحب الصورة اللطيفة أمرا لطيفا وهو الاتصال المعبر عنه بالعقد بين الشعيرتين وكلف صاحب الصورة الكثيفة أمرا شديدا وهو أن يتم ما خلقه بزعمه بنفخ الروح ووقع وعيد كل منهما بأنه يعذب حتى يفعل ما كلف به وهو ليس بفاعل فهو كناية عن تعذيب كل منهما على الدوام قال والحكمة في هذا الوعيد الشديد أن الأول كذب على جنس النبوة وأن الثاني نازع الخالق في قدرته وقال في مستمع حديث من يكره استماعه يدخل فيه من دخل منزله وأغلق بابه وتحدث مع غيره فان قرينة حاله تدل على أنه لا يريد للأجنبي أن يستمع حديثه فمن يستمع اليه يدخل في هذا الوعيد وهو كمن ينظر اليه من خلل الباب فقد ورد الوعيد فيه ولأنهم لو فقؤوا عينه لكانت هدرا قال ويستثنى من عموم من يكره استماع حديثه من تحدث مع غيره جهرا وهناك من يكره أن يسمعه فلا يدخل المستمع في هذا الوعيد لأن قرينة الحال وهي الجهر تقتضي عدم الكراهة فيسوغ الاستماع قال وفي الحديث أن من خرج عن وصف العبودية استحق العقوبة بقدر خروجه وفيه تنبيه على أن الجاهل في ذلك لا يعذر بجهله وكذا من تأول فيه تأويلا باطلا إذ لم يفرق في الخبر بين من يعلم تحريم ذلك وبين من لا يعلمه كذا قال ومن اللطائف ما قال غيره أن اختصاص الشعير بذلك لما في المنام من الشعور بما دل عليه فحصلت المناسبة بينهما من جهة الاشتقاق قوله وقال قتيبة الخ وقع لنا في نسخة قتيبة عن أبي عوانة رواية النسائي عنه من طريق علي بن محمد الفارسي عن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه عن النسائي ولفظه عن أبي هريرة قال من كذب في رؤياه كلف أن يعقد بين طرفي شعيره ومن استمع الحديث ومن صور الحديث ووصله أبو نعيم في المستخرج من طريق خلف بن هشام عن أبي عوانة بهذا السند كذلك موقوفا وقد أخرج أحمد والنسائي من طريق همام عن قتادة الحديث بتمامه مرفوعا ولكن اقتصر منه النسائي على قوله من صور قوله وقال شعبة عن أبي هاشم الرماني بضم الراء وتشديد الميم اسمه يحيى بن دينار ووقع في رواية المستملي والسرخسي عن أبي هشام وهو غلط قوله قال أبو هريرة قوله من صور صورة ومن تحلم ومن استمع كذا في الأصل مختصرا اقتصر على أطراف الأحاديث الثلاثة وقد وقع لنا موصولا في مستخرج الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه عن شعبة عن أبي هاشم بهذا السند فاقتصر على قوله عن أبي هريرة من تحلم ومن طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة فذكره كذلك ولفظه من تحلم كاذبا كلف أن يعقد شعيره قوله حدثنا إسحاق هو بن شاهين وخالد شيخه هو بن عبد الله الطحان وخالد شيخه هو الحذاء قوله من استمع ومن تحلم ومن صور نحوه قلت كذا اختصره وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله فذكره بهذا السند الى بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فرفعه ولفظه من استمع الى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة يعذب بها وليس بفاعل ومن صور صورة عذب حتى ينفخ فيها وليس بفاعل ثم أخرجه الإسماعيلي من طريق وهيب بن خالد ومن طريق عبد الوهاب الثقفي كلاهما عن خالد الحذاء بهذا السند مرفوعا قوله تابعه هشام يعني بن حسان عن عكرمة عن بن عباس قوله يعني موقوفا الحديث الثاني

[ 6636 ] قوله حدثنا علي بن مسلم هو الطوسي نزيل بغداد مات قبل البخاري بثلاث سنين وعبد الصمد هو بن عبد الوارث بن سعيد وقد أدركه البخاري بالسن ومات قبل أن يرحل البخاري وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مختلف فيه قال بن المديني صدوق وقال يحيى بن معين في حديثه عندي ضعف وقال الدارقطني خالف فيه البخاري الناس وليس بمتروك قلت عمدة البخاري فيه كلام شيخه علي وأما قول بن معين فلم يفسره ولعله عنى حديثا معينا ومع ذلك فما أخرج له البخاري شيئا إلا وله فيه متابع أو شاهد فأما المتابع فأخرجه أحمد من طريق حيوة عن أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد المدني عن عبد الله بن دينار به وأتم منه ولفظه أفرى الفرى من ادعى الى غير أبيه وأفرى الفرى من أرى عينه ما لم ير وذكر ثالثة وسنده صحيح وأما شاهده فمضى في مناقب قريش من حديث وائلة بن الأسقع بلفظ إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل الى غير أبيه أو يرى عينه ما لم ير وذكر فيه ثالثة غير الثالثة التي في حديث بن معمر عند أحمد وقد تقدم بيان ذلك هناك قوله أن من أفرى الفرى أفرى أفعل تفضيل أي أعظم الكذبات والفرى بكسر الفاء والقصر جمع فرية قال بن بطال الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها وقال الطيبي فأرى الرجل عينه وصفهما بما ليس فيهما قال ونسبة الكذبات الى الكذب للمبالغة نحو قولهم ليل أليل قوله أن يرى بضم أوله وكسر الراء قوله عينه ما لم تر كذا فيه بحذف الفاعل وإفراد العين ووقع في بعض النسخ ما لم يريا بالتثنية ومعنى نسبة الرؤية الى عينيه مع أنهما لما يريا شيئا أنه أخبر عنهما بالرؤيا وهو كاذب وقد تقدم بيان كون هذا الكذب أعظم الأكاذيب في شرح الحديت الذي قبله

قوله باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها كذا جمع في الترجمة بين لفظي الحديثين لكن في الترجمة فلا يخبر ولفظ الحديث فلا يحدث وهما متقاربان وذكر فيه حديثين الأول

[ 6637 ] قوله عن عبد ربه بن سعيد هو الأنصاري أخو يحيى وأبو سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف قوله لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني عند مسلم في رواية سفيان عن الزهري عن أبي سلمة كنت أرى الرؤيا أعرى منها غير اني لا أزمل قال النووي معنى أعرى وهو بضم الهمزة وسكون المهملة وفتح الراء أحم لخوفي من ظاهرها في ظني يقال عرى بضم أوله وكسر ثانيه مخففا يعرى بفتحتين إذا أصابه عراء بضم ثم فتح ومد وهو نفض الحمى ومعنى لا أزمل وهو بزاي وميم ثقيلة أتلفف من برد الحمى ووقع مثله عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة ولكن قال ألقى منها شدة بدل أعرى منها وفي رواية سفيان عن الزهري غير أني لا أعاد وعند مسلم أيضا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة ان كنت لأرى الرؤيا أثقل علي من جبل قوله حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت أرى الرؤيا في رواية المستملي لأرى بزيادة اللام والأولى أولى قوله فلا يحدث بها إلا من يحب قد تقدم أن الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما بغضا وإما حسدا فقد تقع عن تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنا ونكدا فأمر بترك تحديث من لا يحب بسبب ذلك الحديث الثاني حديث أبي سعيد

[ 6638 ] قوله حدثنا بن أبي حازم والدراوردي تقدم في باب الرؤيا من الله أن اسم كل منهما عبد العزيز قوله حدثنا يزيد بن عبد الله زاد في رواية المستملي بن أسامة بن الهاد الليثي وقد تقدم شرح الحديث في الباب المشار اليه

قوله باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب كأنه يشير الى حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه والرؤيا لأول عابر وهو حديث ضعيف فيه يزيد الرقاشي ولكن له شاهد أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي رزين العقيلي رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت لفظ أبو داود وفي رواية الترمذي سقطت وفي مرسل أبي قلابة عند عبد الرزاق الرؤيا تقع على ما يعبر مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها وأخرجه الحاكم موصولا بذكر أنس وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن عطاء كان يقال الرؤيا على ما أولت وعند الدارمي بسند حسن عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف يعني في التجارة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ان زوجي غائب وتركني حاملا فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت وأني ولدت غلاما أعور فقال خير يرجع زوجك إن شاء الله صالحا وتلدين غلاما برا فذكرت ذلك ثلاثا فجاءت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب فسألتها فأخبرتني بالمنام فقلت لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاما فاجرا فقعدت تبكي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مه يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير فان الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها وعند سعيد بن منصور من مرسل عطاء بن أبي رباح قال جاءت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني رأيت كأن جائز بيتي انكسر وكان زوجها غائبا فقال رد الله عليك زوجك فرجع سالما الحديث ولكن فيه أن أبا بكر أو عمر هو الذي عبر لها الرؤيا الأخيرة وليس فيها الخبر الأخير المرفوع فأشار البخاري الى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبا في تعبيره وأخذه من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الباب أصبت بعضا وأخطأت بعضا فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه لو بينه له لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح ولا عبرة بالتعبير الأول قال أبو عبيد وغيره معنى قوله الرؤيا لأول عابر إذا كان العابر الأول عالما فعبر فأصاب وجه التعبير وإلا فهي لمن أصاب بعده إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام ليتوصل بذلك الى مراد الله فيما ضربه من المثل فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره وان لم يصب فليسأل الثاني وعليه أن يخبر بما عنده ويبين ما جهل الأول قلت وهذا التأويل لا يساعده حديث أبي رزين ان الرؤيا إذا عبرت وقعت إلا أن يدعى تخصيص عبرت بان عابرها يكون عالما مصيبا فيعكر عليه قوله في الرؤيا المكروهة ولا يحدث بها أحدا فقد تقدم في حكمة هذا النهي أنه ربما فسرها تفسيرا مكروها على ظاهرها مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر ويمكن الجواب بأن ذلك يتعلق بالرائي فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه أن يبادر فيسال غيره ممن يصيب فلا يتحتم وقوع الأول بل ويقع تأويل من أصاب فان قصر الرائي فلم يسأل الثاني وقعت على ما فسر الأول ومن أدب المعبر ما أخرجه عبد الرزاق عن عمر أنه كتب الى أبي موسى فإذا رأى أحدكم رؤيا فقصها على أخيه فليقل خير لنا وشر لأعدائنا ورجاله ثقات ولكن سنده منقطع وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل من حديث بن زمل الجهني بكسر الزاي وسكون الميم بعدها لام ولم يسم في الرواية وسماه أبي عمر في الاستيعاب عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال هل رأى أحد منكم شيئا قال بن زمل فقلت أنا يا رسول الله قال خيرا تلقاه وشرا تتوقاه وخير لنا وشر على أعدائنا والحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك الحديث وسنده ضعيف جدا وذكر أئمة التعبير أن من أدب الرائي أن يكون صادق اللهجة وأن ينام على وضوء وعلى جنبه الأيمن وأن يقرا عند نومه والشمس والليل والتين وسورة الإخلاص والمعوذتين ويقول اللهم اني أعوذ بك من سيء الأحلام وأستجير بك من تلاعب الشيطان في اليقظة والمنام اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة نافعة حافظة غير منسية اللهم أرني في منامي ما أحب ومن أدبه أن لا يقصها على امرأة ولا عدو ولا جاهل ومن أدب العابر أن لا يعبرها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا عند الزوال ولا في الليل

[ 6639 ] قوله عن يونس هو بن يزيد الأيلي ولم يقع لي من رواية الليث عنه إلا في البخاري وقد عسر على أصحاب المستخرجات كالاسماعيلي وأبي نعيم وأبي عوانة والبرقاني وأخرجوه من رواية بن وهب وأخرجه الإسماعيلي أيضا من رواية عبد الله بن المبارك وسعيد بن يحيى ثلاثتهم عن يونس قوله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في رواية بن وهب ان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره قوله أن بن عباس كان يحدث كذا لأكثر أصحاب الزهري وتردد الزبيدي هل هو عن بن عباس أو أبي هريرة واختلف على سفيان بن عيينة ومعمر فأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس أو أبي هريرة قال عبد الرزاق كان معمر يقول أحيانا عن أبي هريرة وأحيانا يقول عن بن عباس وهكذا ثبت في مصنف عبد الرزاق رواية إسحاق الديري وأخرجه أبو داود وابن ماجة عن محمد بن يحيى الذهلي عن عبد الرزاق فقال فيه عن بن عباس قال كان أبو هريرة يحدث وهكذا أخرجه البزار عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق وقال لا نعلم أحدا قال عن عبيد الله عن بن عباس عن أبي هريرة إلا عبد الرزاق عن معمر ورواه غير واحد فلم يذكروا أبا هريرة انتهى وأخرجه الذهلي في العلل عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن عبد الرزاق فاقتصر على بن عباس ولم يذكر أبا هريرة وكذا قال أحمد في مسنده قال إسحاق عن عبد الرزاق كان معمر يتردد فيه حتى جاءه زمعة بكتاب فيه عن الزهري كما ذكرناه وكان لا يشك فيه بعد ذلك وأخرجه مسلم من طريق الزبيدي أخبرني الزهري عن عبيد الله ان بن عباس أو أبا هريرة هكذا بالشك وأخرجه مسلم عن بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة مثل رواية يونس وذكر الحميدي أن سفيان بن عيينة كان لا يذكر فيه بن عباس قال فلما كان في آخر زمانه أثبت فيه بن عباس أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحميدي هكذا وقد مضى ذكر الاختلاف فيه على الزهري مستوعبا حيث ذكره المصنف في باب رؤيا بالليل وبالله التوفيق قال الذهلي المحفوظ رواية الزبيدي وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية يونس ومن تابعه وقد جزم بذلك في الأيمان والنذور حيث قال وقال بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لا تقسم فجزم بأنه عن بن عباس قوله أن رجلا لم اقف على اسمه ووقع عند مسلم زيادة في أوله من طريق سليمان بن كثير عن الزهري ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له فجاء رجل فقال قال القرطبي معنى قوله فليقصها ليذكر قصتها ويتبع جزئياتها حتى لا يترك منها شيئا من قصصت الأثر إذا اتبعته وأعبرها أي أفسرها ووقع بيان الوقت الذي وقع فيه في ذلك في رواية سفيان بن عيينة عند مسلم أيضا ولفظه جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه من أحد وعلى هذا فهو من مراسيل الصحابة سواء كان عن بن عباس أو عن أبي هريرة أو من رواية بن عباس عن أبي هريرة لأن كلا منهما لم يكن في ذلك الزمان بالمدينة أما بن عباس فكان صغيرا مع أبويه بمكة فان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح واحد كانت في شوال في السنة الثالثة وأما أبو هريرة فانما قدم المدينة زمن خيبر في أوائل سنة سبع قوله إني رأيت كذا للأكثر وفي رواية بن وهب إني أرى كأنه لقوة تحققه الرؤيا كانت ممثلة بين عينيه حتى كأنه يراها حينئذ قوله ظلة بضم الظاء المعجمة أي سحابة لها ظل وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة قاله الخطابي وقال بن فارس الظلة أول شيء يظل زاد سليمان بن كثير في روايته عند الدارمي وأبي عوانة وكذا في رواية سفيان بن عيينة عند بن ماجة بين السماء والأرض قوله تنطف السمن والعسل بنون وطاء مكسورة ويجوز ضمها ومعناه تقطر بقاف وطاء مضمومة ويجوز كسرها يقال نطف المال إذا سأل وقال بن فارس ليلة نطوف أمطرت الى الصبح قوله فأرى الناس يتكففون منها أي يأخذون بأكفهم في رواية بن وهب بأيديهم قال الخليل تكفف بسط كفه ليأخذ ووقع في رواية الترمذي من طريق معمر يستقون بمهملة ومثناة وقاف أي يأخذون في الأسقية قال القرطبي يحتمل أن يكون معنى يتكففون يأخذون كفايتهم وهو أليق بقوله بعد ذلك فالمستكثر والمستقل قلت وما أدري كيف جوز أخذ كفى من كففه ولا حجة فيما احتج به لما سيأتي قوله فالمستكثر والمستقل أي الآخذ كثيرا والآخذ قليلا ووقع في رواية سليمان بن كثير بغير ألف ولام فيهما وفي رواية سفيان بن حسين عند أحمد فمن بين مستكثر ومستقل وبين ذلك قوله وإذا سبب أي حبل قوله واصل من الأرض الى السماء في رواية بن وهب وأرى سببا واصلا من السماء الى الأرض وفي رواية سليمان بن كثير فرأيت لها سببا واصلا وفي رواية سفيان بن حسين وكأن سببا دلى من السماء قوله فأراك أخذت به فعلوت في رواية سليمان بن كثير فأعلاك الله قوله ثم أخذ به كذا للأكثر ولبعضهم ثم أخذه زاد بن وهب في روايته من بعد وفي رواية بن عيينة وابن حسين من بعدك في الموضعين قوله فعلا به زاد سليمان بن كثير فأعلاه الله وهكذا في رواية سفيان بن حسين في الموضعين قوله ثم أخذ به رجل آخر فانقطع زاد بن وهب هنا به وفي رواية سفيان بن حسين ثم جاء رجل من بعدكم فأخذ به فقطع به قوله ثم وصل في رواية بن وهب فوصل له وفي رواية سليمان فقطع به ثم وصل له فأتصل وفي رواية سفيان بن حسين ثم وصل له قوله بأبي أنت زاد في رواية معمر وأمي قوله والله لتدعني بتشديد النون وفي رواية سليمان أئذن لي قوله فأعبرها في رواية بن وهب فلأعبرنها بزيادة التأكيد باللام والنون ونحوه في رواية معمر ومثله في رواية الزبيدي قوله أعبرها في رواية سفيان عند بن ماجة عبرها بالتشديد وفي رواية سفيان بن حسين فأذن له زاد سليمان وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وأما الظلة فالاسلام في رواية لابن وهب وكذا لمعمر والزبيدي فظله الإسلام ورواية سفيان كرواية الليث وكذا سليمان بن كثير وهي التي يظهر ترجيحها قوله فالقرآن حلاوته تنطف في رواية بن وهب حلاوته ولينه وكذا في رواية سفيان ومعمر وبينه سليمان بن كثير في روايته فقال وأما العسل والسمن فالقرآن في حلاوة العسل ولين السمن قوله فالمستكثر من القرآن والمستقل زاد بن وهب في روايته قبل هذا وأما ما يتكفف الناس من ذلك وفي رواية سفيان فالأخذ من القرآن كثيرا وقليلا وفي رواية سليمان بن كثير فهم حملة القرآن قوله وأما السبب الخ في رواية سفيان بن حسين وأما السبب فما أنت عليه تعلو فيعليك الله قوله ثم يأخذ به رجل زاد سفيان بن حسين وابن وهب من بعدك زاد سفيان بن حسين على منهاجك قوله ثم يأخذ به في رواية سفيان بن حسين ثم يكون من بعدكما رجل يأخذ مأخذكما قوله ثم يأخذ به رجل زاد بن وهب آخر قوله فيقطع به ثم يوصل له فيعلو به زاد سفيان بن حسين فيعليه الله قوله فأخبرني يا رسول الله بابي أنت أصبت أم أخطأت في رواية سفيان هل أصبت يا رسول الله أم أخطأت قوله أصبت بعضا وأخطأت بعضا في رواية سليمان بن كثير وسفيان بن حسين أصبت وأخطأت قوله قال فوالله زاد بن وهب يا رسول الله ثم اتفقا لتحدثني بالذي أخطأت في رواية بن وهب ما الذي أخطات وفي رواية سفيان بن عيينة عند بن ماجة فقال أبو بكر أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت من الذي أخطأت وفي رواية معمر مثله لكن قال ما الذي أخطات ولم يذكر الباقي قوله قال لا تقسم في رواية بن ماجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم يا أبا بكر ومثله لمعمر لكن دون قوله يا أبا بكر وفي رواية سليمان بن كثير ما الذي أصبت وما الذي أخطأت فأبى أن يخبره قال الداودي قوله لا تقسم أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك وقال المهلب توجيه تعبير أبي بكر أن الظل نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني إسرائيل وكذلك الإسلام يقي الأذى وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة وأما العسل فان الله جعله شفاء للناس وقال تعالى أن القرآن شفاء لما في الصدور وقال انه شفاء ورحمة للمؤمنين وهو حلو على الإسماع كحلاوة العسل في المذاق وكذلك جاء في الحديث إن في السمن شفاء قال القاضي عياض وقد يكون عبر الظلة بذلك لما نطفت العسل والسمن اللذين عبرهما بالقرآن وذلك انما كان عن الإسلام والشريعة والسبب في اللغة الحبل والعهد والميثاق والذين أخذوا به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل انتهى ملخصا قال المهلب وموضع الخطا في قوله ثم وصل له لأن في الحديث ثم وصل ولم يذكر له قلت بل هذه اللفظة وهي قوله له وإن سقطت من رواية الليث عند الأصيلي وكريمة فهي ثابتة في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة وكذا في رواية النسفي وهي ثابتة في رواية بن وهب وغيره كلهم عن يونس عند مسلم وغيره وفي رواية معمر عند الترمذي وفي رواية سفيان بن عيينة عند النسائي وابن ماجة وفي رواية سفيان بن حسين عند أحمد وفي رواية سليمان بن كثير عند الدارمي وأبي عوانة كلهم عن الزهري وزاد سليمان بن كثير في روايته فوصل له فأتصل ثم بني المهلب على ما توهمه فقال كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا ولا يذكر الموصول له فان المعنى أن عثمان انقطع به الحبل ثم وصل لغيره أي وصلت الخلافة لغيره انتهى وقد عرفت أن لفظه له ثابتة في نفس الخبر فالمعنى على هذا أن عثمان كاد ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة أتصل بهم فعبر عنه بأن الحبل وصل له فأتصل فالتحق بهم فلم يتم في تبيين الخطأ في التعبير المذكور ما توهمه المهلب والعجب من القاضي عياض فإنه قال في الإكمال قيل خطؤه في قوله فيوصل له وليس في الرؤيا إلا أنه يوصل وليس فيها له ولذلك لم يوصل لعثمان وانما وصلت الخلافة لعلي وموضع التعجب سكوته عن تعقب هذا الكلام مع كون هذه اللفظة وهي له ثابتة في صحيح مسلم الذي يتكلم عليه ثم قال وقيل الخطأ هنا بمعنى الترك أي تركت بعضا لم تفسره وقال الإسماعيلي قيل السبب في قوله وأخطأت بعضا أن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها من غيره فلما طلب تعبيرها كان ذلك خطأ فقال أخطأت بعضا لهذا المعنى والمراد بقوله قيل بن قتيبة فإنه القائل لذلك فقال انما أخطا في مبادرته بتفسيرها قبل أن يأمره به ووافقه جماعة على ذلك وتعقبه النووي تبعا لغيره فقال هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك وقال أعبرها قلت مراد بن قتيبة أنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو فسأل أن يأذن له في تعبيرها فأذن له فقال أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها لأنه أراد أخطأت في تعبيرك لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر لأنه خلاف ما يتبادر للسمع من جواب قوله هل أصبت فإن الظاهر أنه أراد الإصابة والخطا في تعبيره لا لكونه التمس التعبير ومن ثم قال بن التين ومن بعده الأشبه بظاهر الحديث أن الخطا في تأويل الرؤيا أي أخطأت في بعض تأويلك قلت ويؤيده تبويب البخاري حيث قال من لم ير الرؤيا بأول عابر إذا لم يصب ونقل بن التين عن أبي محمد بن أبي زيد وأبي محمد الأصيلي والداودي نحو ما نقله الإسماعيلي ولفظهم أخطأت في سؤاله أن يعبرها وفي تعبيره لها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال بن هبيرة انما كان الخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه وأما قوله لا تقسم فمعناه أنك إذا تفكرت فيما أخطأت به علمته قال والذي يظهر أن أبا بكر أراد أن يعبرها فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقوله فيعرف أبو بكر بذلك علم نفسه لتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن التين وقيل أخطا لكون المذكور في الرؤيا شيئين العسل والسمن ففسرهما بشيء واحد وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة ذكر ذلك عن الطحاوي قلت وحكاه الخطيب عن أهل العلم بالتعبير وجزم به بن العربي فقال قالوا هنا وهم أبو بكر فأنه جعل السمن والعسل معنى واحد وهما معنيان القرآن والسنة قال ويحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل ويحتمل أن يكونا الفهم والحفظ وأيد بن الجوزي ما نسب للطحاوي بما أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى اصبعي سمنا وفي الأخرى عسلا فألعقهما فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال تقرأ الكتابين التوراة والفرقان فكان يقرؤهما قلت ففسر العسل بشيء والسمن بشيء قال النووي قيل انما لم يبر النبي صلى الله عليه وسلم قسم أبي بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا مشقة ظاهرة فإن وجد ذلك فلا إبرار ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من سبب انقطاع السبب بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه فكره ذكرها خوف شيوعها ويحتمل أن يكون سبب ذلك انه لو ذكر له السبب للزم منه أن يوبخه بين الناس لمبادرته ويحتمل أن يكون خطؤه في ترك تعيين الرجال المذكورين فلو أبر قسمه للزم أن يعينهم ولم يؤمر بذلك إذ لو عينهم لكان نصا على خلافتهم وقد سبقت مشيئة الله أن الخلافة تكون على هذا الوجه فترك تعيينهم خشية أن يقع في ذلك مفسدة وقيل هو علم غيب فجاز أن يختص به ويخفيه عن غير وقيل المراد بقوله أخطأت وأصبت أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن والظن يخطىء ويصيب وقيل لما أراد الاستبداد ولم يصبر حتى يفاد جاز منعه ما يستفاد فكان المنع كالتأديب له على ذلك قلت وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم والتأديب وغيرهما انما أحكيه عن قائله ولست راضيا بإطلاقه في حق الصديق وقيل الخطأ في خلع عثمان لأنه في المنام رأى أنه آخذ بالسبب فأنقطع به وذلك يدل على إنخلاعه بنفسه وتفسير أبي بكر بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له وعثمان قد قتل قهرا ولم يخلع نفسه فالصواب أن يحمل وصله على ولاية غيره وقيل يحتمل أن يكون ترك إبرار القسم لما يدخل في النفوس لا سيما من الذي انقطع في يده السبب وإن كان وصل وقد أختلف في تفسير قوله فقطع فقيل معناه قتل وأنكره القاضي أبو بكر بن العربي فقال ليس معنى قطع قتل إذ لو كان كذلك لشاركه عمر لكن قتل عمر لم يكن بسبب العلو بل بجهة عداوة مخصوصة وقتل عثمان كان من الجهة التي علا بها وهي الولاية فلذلك جعل قتله قطعا قال وقوله ثم وصل يعني بولاية علي فكان الحبل موصولا ولكن لم ير فيه علوا كذا قال وقد تقدم البحث في ذلك ووقع في تنقيح الزركشي ما نصه والذي انقطع به ووصل له هو عمر لأنه لما قتل وصل له بأهل الشورى وبعثمان كذا قال وهو مبني على أن المذكور في الخبر من الرجال بعد النبي صلى الله عليه وسلم اثنان فقط وهو اختصار من بعض الرواة وإلا فعند الجمهور ثلاثة وعلى ذلك شرح من تقدم ذكره والله أعلم قال بن العربي وقوله أخطأت بعضا اختلف في تعيين الخطأ فقيل وجه الخطأ تسوره على التعبير من غير استئذان وأحتمله النبي صلى الله عليه وسلم لمكانه منه قلت تقدم البحث فيه قال وقيل أخطأ لقسمه عليه وقيل لجعله السمن والعسل معنى واحد وهما معنيان وأيدوه بأنه قال أخطأت بعضا وأصبت بعضا ولو كان الخطا في التقديم في اليسار أو في اليمين لما قال ذلك لأنه ليس من الرؤيا وقال بن الجوزي الإشارة في قوله أصبت وأخطأت بتعبيره الرؤيا وقال بن العربي بل هذا لا يلزم لأنه يصح أن يريد به أخطأت في بعض ما جرى وأصبت في بعض ثم قال بن العربي وأخبرني أبي أنه قيل وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول هو الظلة والسمن والعسل القرآن والسنة وقيل وجه الخطا أنه جعل السبب الحق وعثمان لم ينقطع به الحق وإنما الحق أن الولاية كانت بالنبوة ثم صارت بالخلافة فاتصلت لأبي بكر ولعمر ثم انقطعت بعثمان لما كان ظن به ثم صحت براءته فأعلاه الله ولحق بأصحابه قال وسالت بعض الشيوخ العارفين عن تعيين الوجه الذي أخطا فيه أبو بكر فقال من الذي يعرفه ولئن كان تقدم أبي بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم التعبير خطأ فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين خطئه أعظم وأعظم فالذي يقتضيه الدين والحزم الكف عن ذلك وقال الكرماني انما أقدموا على تبيين ذلك مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينه لأنه كان يلزم من تبيينه مفسدة إذ ذاك فزالت بعده مع أن جميع ما ذكروه انما هو بطريق الاحتمال ولا جزم في شيء من ذلك وفي الحديث من الفوائد أن الرؤيا ليست لأول عابر كما تقدم تقريره لكن قال إبراهيم بن عبد الله الكرماني المعبر لا يغير الرؤيا من وجهها عبارة عابر ولا غيره وكيف يستطيع مخلوق أن يغير ما كانت نسخته من أم الكتاب غير أنه يستجب لمن لم يتدرب في علم التأويل أن لا يتعرض لما سبق إليه من لا يشك في أمانته ودينه قلت وهذا مبني على تسليم أن المرائي تنسخ من أم الكتاب على وفق ما يعبرها العارف وما المانع أنها تنسخ على وفق ما يعبرها أول عابر وأنه لا يستحب إبرار القسم إذا كان فيه مفسدة وفيه أن من قال أقسم لا كفارة عليه لأن أبا بكر لم يزد على قوله أقسمت كذا قاله عياض ورده النووي بأن الذي في جميع نسخ صحيح مسلم انه قال فوالله يا رسول الله لتحدثني وهذا صريح يمين قلت وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الأيمان والنذور قال بن التين فيه أن الأمر بإبرار القسم خاص بما يجوز الاطلاع عليه ومن ثم لم يبر قسم أبي بكر لكونه سأل ما لا يجوز الاطلاع عليه لكل أحد قلت فيحتمل أن يكون منعه ذلك لما سأله جهارا وأن يكون أعلمه بذلك سرا وفيه الحث على تعليم علم الرؤيا وعلى تعبيرها وترك إغفال السؤال عنه وفضيلتها لما تشتمل عليه من الاطلاع على بعض الغيب وأسرار الكائنات قال بن هبيرة وفي السؤال من أبي بكر أولا وآخرا وجواب النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على انبساط أبي بكر معه وإدلاله عليه وفيه أن لا يعبر الرؤيا إلا عالم ناصح أمين حبيب وفيه أن العابر قد يخطىء وقد يصيب وأن للعالم بالتعبير أن يسكت عن تعبير الرؤيا أو بعضها عند رجحان الكتمان على الذكر قال المهلب ومحله إذا كان في ذلك عموم فأما لو كانت مخصوصة بواحد مثلا فلا بأس أن يخبره ليعد الصبر ويكون على أهبة من نزول الحادثة وفيه جواز إظهار العالم ما يحسن من العلم إذا خلصت نيته وأمن العجب وكلام العالم بالعلم بحضرة من هو أعلم منه إذا اذن له في ذلك صريحا أو ما قام مقامه ويؤخذ منه جواز مثله في الأفتاء والحكم وأن للتلميذ أن يقسم على معلمه أن يفيده الحكم

قوله باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح فيه إشارة الى ضعف ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال لا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس وفيه إشارة الى الرد على من قال من أهل التعبير أن المستحب ان يكون تعبير الرؤيا من بعد طلوع الشمس الى الرابعة ومن العصر الى قبل المغرب فان الحديث دال على استحباب تعبيرها قبل طلوع الشمس ولا يخالف قولهم بكراهة تعبيرها في أوقات كراهة الصلاة قال المهلب تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها وقبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتأهب لذلك فربما كان في الرؤيا تحذير عن معصية فيكف عنها وربما كانت إنذارا للأمر فيكون له مترقبا قال فهذه عدة فوائد لتعبير الرؤيا أول النهار انتهى ملخصا

[ 6640 ] قوله حدثنا في رواية غير أبي ذر حدثني قوله مؤمل بوزن محمد مهموز بن هشام أبو هاشم كذا لأبي ذر عن بعض مشايخه وقال الصواب أبو هشام وكذا هو عند غير أبي ذر وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه وكان صهر إسماعيل شيخه في هذا الحديث على ابنته ولم يخرج عنه البخاري عن غير إسماعيل وقد أخرج البخاري عنه هذا الحديث هنا تاما وأخرج في الصلاة قبل الجمعة وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير عنه بهذا السند أطرافا وأخرجه أيضا تاما في أواخر كتاب الجنائز عن موسى بن إسماعيل عن جرير بن حازم عن أبي رجاء وأخرج في الصلاة وفي التهجد وفي البيوع وفي بدء الخلق وفي الجهاد وفي أحاديث الأنبياء وفي الأدب عنه منه بالسند المذكور أطرافا وأخرج مسلم قطعة من أوله من طريق جرير بن حازم وأخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن جرير بتمامه وأخرجه أيضا عن محمد بن جعفر غندر عنه عن عوف بتمامه قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو الذي يقال له بن علية وشيخه عوف هو الأعرابي وأبو رجاء هو العطاردي واسمه عمران والسند كله بصريون قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه كذا لأبي ذر عن الكشميهني وله عن غيره بإسقاط يعني وكذا وقع عند الباقين وفي رواية النسفي وكذا في رواية محمد بن جعفر مما يقوله لأصحابه وقد تقدم في بدء الوحي ما نقل بن مالك انها بمعنى مما يكثر قال الطيبي قوله مما يكثر خير كان وما موصوله ويكثر صلته والضمير الراجح الى ما فاعل يقول وأن يقول فاعل يكثر وهل رأى أحد منكم هو المقول أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنا من النفر الذين كثر منهم هذا القول فوضع ما وضع من تفخيما وتعظيما لجانبه وتحريره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيد تعبير الرؤيا وكان له مشارك في ذلك منهم لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه ووثق بإصابته كقولك كان زيد من العلماء بالنحو ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين أي من المجيدين في عبارة الرؤيا وعلماء ذلك مما رأياه منه هذا من حيث البيان وأما من حيث النحو فيحتمل ان يكون قوله هل رأى أحد منكم رؤيا مبتدأ والخبر مقدم عليه على تأويل هذا القول مما يكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله ثم أشار الى ترجيح الوجه السابق والمتبادر هو الثاني وهو الذي اتفق عليه أكثر الشارحين قوله فيقص بضم أوله وفتح القاف قوله ما شاء الله في رواية يزيد فيقص عليه من شاء الله وهي بفتح أوله وضم القاف وهي رواية النسفي و ما في الرواية الأولى للمقصوص و من في الثانية للقاص ووقع في رواية جرير بن حازم فسئل يوما فقال هل رأى أحد رؤيا قلنا لا قال لكن رأيت الليلة قال الطيبي وجه الاستدراك أنه كان يحب أن يعبر لهم الرؤيا فلما قالوا ما رأينا شيئا كأنه قال أنتم ما رأيتم شيئا لكني رأيت وفي رواية أبي خلدة بفتح المعجمة وسكون اللام واسمه خالد بن دينار عن أبي رجاء عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا فليحدث بها فلم يحدث أحد بشيء فقال إني رأيت رؤيا فأسمعوا مني أخرجه أبو عوانة قوله وأنه قال لنا ذات غداة لفظ ذات زائدة أو هو من إضافة الشيء الى اسمه وفي رواية جرير بن حازم عنه كان إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه وفي رواية يزيد بن هارون عنه إذا صلى صلاة الغداة وفي رواية وهب بن جرير عن أبيه عند مسلم إذا صلى الصبح وبه تظهر مناسبة الترجمة وذكر بن أبي حاتم من طريق زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الفجر فجلس الحديث بطوله نحو حديث سمرة والراوي له عن زيد ضعيف وأخرج أبو داود والنسائي من حديث الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد الليلة رؤيا وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي أمامة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال إني رأيت الليلة رؤيا هي حق فأعقلوها فذكر حديثا فيه أشياء يشبه بعضها ما في حديث سمرة لكن يظهر من سياقه أنه حديث آخر فان في أوله أتاني رجل فأخذ بيدي فأستتبعني حتى أتى جبلا طويلا وعرا فقال لي أرقه فقلت لا أستطيع فقال اني سأسهله لك فجعلت كلما وضعت قدمي وضعتها على درجة حتى استويت على سواء الجبل ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم فقلت من هؤلاء قال الذين يقولون ما لا يعلمون الحديث قوله انه أتاني الليلة بالنصب قوله آتيان في رواية هوذة عن عوف عند بن أبي شيبة ائتيان أو آتيان بالشك وفي رواية جرير رأيت رجلين أتياني وفي حديث علي رأيت ملكين وسيأتي في آخر الحديث أنهما جبريل وميكائيل قوله وأنهما ابتعثاني بموحدة ثم مثناة وبعد العين المهملة مثلثة كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني بنون ثم موحدة ومعنى ابتعثاني أرسلاني كذا قال في الصحاح بعثه وأبتعثه أرسلته يقال ابتعثه إذا أثاره وأذهبه وقال بن هبيرة معنى ابتعثاني أيقظاني ويحتمل أن يكون رأى في المنام أنهما أيقظاه فرأى ما رأى في المنام ووصفه بعد ان أفاق على أن منامه كاليقظة لكن لما رأى مثالا كشفه التعبير دل على أنه كان مناما قوله واني انطلقت معهما زاد جرير بن حازم في روايته الى الأرض المقدسة وعند أحمد إلى أرض فضاء أو أرض مستوية وفي حديث علي فأنطلقا بي الى السماء قوله وأنا أتينا على رجل مضطجع في رواية جرير مستلق على قفاه قوله وإذا آخر قائم عليه بصخرة في رواية جرير بفهر أو صخرة وفي حديث علي فمررت على ملك وأمامه آدمي وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمي قوله يهوى بفتح أوله وكسر الواو أي يسقط يقال هوى بالفتح يهوي هويا سقط الى أسفل وضبطه بن التين بضم أوله من الرباعي ويقال أهوى من بعد وهوى بفتح الواو من قرب قوله بالصخرة لرأسه فيثلخ بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح اللام بعدها غين معجمة أي يشدخه وقد وقع في رواية جرير فيشدخ والشدخ كسر الشيء الأجوف قوله فيتدهده الحجر بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة وفي رواية الكشميهني فيتدأدأ بهمزتين بدل الهاءين وفي رواية النسفي وكذا هو في رواية جرير بن حازم فيتدهدأ بهاء ثم همزة وكل بمعنى والمراد انه دفعه من علو إلى أسفل وتدهده إذا انحط والهمزة تبدل من الهاء كثيرا وتدأدأ تدحرج وهو بمعناه قوله ههنا أي الى جهة الضارب قوله فيتبع الحجر أي الذي رمى به فيأخذه في رواية جرير فإذا ذهب ليأخذه قوله فلا يرجع اليه أي الى الذي شدخ رأسه قوله حتى يصح رأسه وفي رواية جرير حتى يلتئم وعند أحمد عاد رأسه كما كان وفي حديث علي فيقع على دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبا قوله ثم يعود عليه في رواية جرير فيعود اليه قوله مثل ما فعل به مرة الأولى كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما وكذا في رواية النضر بن شميل عن عوف عند أبي عوانة المرة الأولى وهو المراد بالرواية الأخرى وفي رواية جرير فيصنع مثل ذلك قال بن العربي جعلت العقوبة في رأس هذه النومة عن الصلاة والنوم موضعه الراس قوله انطلق انطلق كذا في المواضع كلها بالتكرير وسقط في بعضها التكرار لبعضهم وأما في رواية جرير فليس فيها سبحان الله وفيها انطلق مرة واحدة قوله فأنطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد تقدم في الجنائز ضبط الكلوب وبيان الاختلاف فيه ووقع في حديث علي فإذا أنا بملك وأمامه آدمي وبيد الملك كلوب من حديث فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه الحديث قوله فيشرشر شدقه الى قفاه أي يقطعه شقا والشدق جانب الفم وفي رواية جرير فيدخله في شقه فيشقه حتى يبلغ قفاه قوله ومنخره كذا بالإفراد وهو المناسب وفي رواية جرير ومنخريه بالتثنية قوله قال وربما قال أبو رجاء فيشق أي بدل فيشرشر وهذه الزيادة ليست عند محمد بن جعفر قوله ثم يتحول الى الجانب الآخر الخ اختصره في رواية جرير بن حازم ولفظه ثم يخرجه فيدخله في شقه الآخر ويلتئم هذا الشق فهو يفعل ذلك به قال بن العربي شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية وعلى هذا تجري العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا ووقعت هذه القصة مقدمة في رواية جرير على قصة الذي يشدخ رأسه قال الكرماني الواو لا ترتب والاختلاف في كونه مستلقيا وفي الأخرى مضطجعا والآخر كان جالسا وفي الأخرى قائما يحمل على اختلاف حال كل منهما قوله فأتينا على مثل التنور في رواية محمد بن جعفر مثل بناء التنور زاد جرير أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نارا كذا فيه بالنصب ووقع في رواية أحمد تتوقد تحته نار بالرفع وهي رواية أبي ذر وعليها اقتصر الحميدي في جمعه وهو واضح وقال بن مالك في كلامه على مواضع من البخاري يوقد تحته نارا بالنصب على التمييز وأسند يوقد الى ضمير عائد على النقب كقولك مررت بامرأة يتضوع من إردانها طيبا والتقدير يتضوع طيب من إردانها فكأنه قال توقد ناره تحته فيصح نصب نارا على التمييز قال ويجوز أن يكون فاعل توقد موصولا بتحته فحذف وبقيت صلته دالة عليه لوضوح المعنى والتقدير يتوقد الذي تحته نارا وهو على التمييز أيضا وذكر لحذف الموصول بمثل هذا عدة شواهد قوله وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات في رواية جرير ثقب قد بنى بناء التنور وفيه رجال ونساء قوله وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا بغير همزة للأكثر وحكى الهمز أي رفعوا أصواتهم مختلطة ومنهم من سهل الهمزة قال في النهاية الضوضاء أصوات الناس ولغطهم وكذا الضوضى بلا هاء مقصور وقال الحميدي المصدر بغير همز وفي رواية جرير فإذا اقتربت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا وعند أحمد فإذا أوقدت بدل اقتربت قوله فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم في رواية جرير بن حازم على نهر من دم ولم يقل حسبت قوله سابح يسبح بفتح أوله وسكون المهملة بعدها موحدة مفتوحة ثم حاء مهملة أي يعوم قوله سبح ما سبح بفتحتين والموحدة خفيفة قوله ثم يأتي ذلك الذي فاعل يأتي هو السابح وذلك في موضع نصب على المفعولية قوله فيفغر بفتح أوله وسكون الفاء وفتح الغين المعجمة بعدها راء أي يفتحه وزنه ومعناه قوله كلما رجع اليه في رواية المستملي كما رجع اليه ففغر له فاه ووقع في رواية جرير بن حازم فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه ورده حيث كان ويجمع بين الروايتين أنه إذا أراد أن يخرج فغر فاه وانه يلقمه الحجر يرميه إياه قوله كريه المرآة بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث قال بن التين أصله المراية تحركت الياء وأنفتح ما قبلها فقلبت ألفا ووزنه مفعلة قوله كأكره ما أنت راء رجلا مرآة بفتح الميم أي قبيح المنظر قوله فإذا عنده نار في رواية يحيى بن سعيد القطان عن عوف عند الإسماعيلي عند نار قوله يحشها بفتح أوله وبضم الحاء المهملة وتشديد الشين المعجمة من الثلاثي وحكى في المطالع ضم أوله من الرباعي وفي رواية جرير بن حازم يحششها بسكون الحاء وضم الشين المعجمة المكررة قوله ويسعى حولها في رواية جرير ويوقدها وهو تفسير يحشها قال الجوهري حششت النار أحشها حشا أو قتها وقال في التهذيب حششت النار بالحطب ضممت ما تفرق من الحطب الى النار وقال بن العربي حش ناره وحركها قوله فأتينا على روضة معتمة بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء ثأنيت ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم ويقال أعتم البيت إذا اكتهل ونخلة عتيمة طويلة وقال الداودي اعتمت الروضة غطاها الخصب وهذا كله على الرواية بتشديد الميم قال بن التين ولا يظهر للتخفيف وجه قلت الذي يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله تعالى مدهامتان وضبط بن بطال ورضة مغنمة بكسر الغين المعجمة وتشديد النون ثم نقل عن بن دريد واد أغن ومغن إذا كثر الشجر وقال الخليل روضة غناء كثيرة العشب وفي رواية جرير بن حازم روضة خضراء وإذا فيها شجرة عظيمة قوله من كل لون الربيع كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني نور بفتح النون وبراء بدل لون وهي رواية النضر بن شميل عند أبي عوانة والنور بالفتح الزهر قوله وإذا بين ظهري الروضة بفتح الراء وكسر الياء التحتانية تثنية ظهر وفي رواية يحيى بن سعيد بين ظهرانى وهما بمعنى والمراد وسطها قوله رجل طويل زاد النضر قائم قوله لا أكاد أرى رأسه طولا بالنصب على التمييز قوله وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال الطيبي أصل هذا الكلام وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم ونظيره قوله بعد ذلك لم أر روضة قط أعظم منها ولما إن كان هذا التركيب يتضمن معنى النفي جازت زيادة من وقط التي تختص بالماضى المنفى أقال بن مالك جاز استعمال قط في المثبت في هذه الرواية وهو جائز وغفل أكثرهم عن ذلك فخصوه بالماضى المنفى قلت والذي وجهه به الطيبي حسن جدا ووجهه الكرماني بأنه يجوز أن يكون اكتفى بالنفى الذي يلزم من التركيب إذ المعنى ما رأيتهم أكثر من ذلك أو النفي مقدر وسبق نظيره في قوله في صلاة الكسوف فصلى بأطول قيام رأيته قط قوله فقلت لهما ما هؤلاء في بعض الطرق ما هذا وعليهما شرح الطيبي قوله فأنتهينا الى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي أرق فارتقيت فيها في رواية أحمد والنسائي وأبي عوانة والإسماعيلي الى دوحة بدل روضة والدوحة الشجرة الكبيرة وفيه فصعدا بي في الشجرة وهي التي تناسب الرقى والصعود قوله فانتهينا الى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة اللبن بفتح اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين وفي رواية جرير بن حازم فأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وفتيان ثم أخرجاني منها فأدخلاني دارا هي أحسن منها قوله فتلقانا فيها رجالا شطر من خلقهم بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف أي هيئتهم وقوله شطر مبتدأ وكأحسن الخبر والكاف زائدة والجملة صفة رجال وهذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبيح كله ويحتمل ان يكون كل واحد منه نصفه حسن ونصفه قبيح والثاني هو المراد ويؤيده قولهم في صفته هؤلاء قوم خلطوا أي عمل كل منهم عملا صالحا وخلطه بعمل سيء قوله فقعوا في ذلك النهر بصيغة فعل الأمر بالوقوع والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص قوله نهر معترض أي يجري عرضا قوله كأن ماءه المحض بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة هو اللبن الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا وقد بين جهة التشبيه بقوله من البياض وفي رواية النسفي والإسماعيلي في البياض قال الطيبي كأنهم سموا اللبن بالصفة ثم استعمل في كل صاف قال ويحتمل أن يراد بالماء المذكور عفو الله عنهم أو التوبة منهم كما في الحديث اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد قوله ذهب ذلك السوء عنهم أي صار القبيح كالشطر الحسن فلذلك قال وصاروا في أحسن صورة قوله قالا لي هذه جنة عدن يعني المدينة قوله فسما بفتح السين المهملة وتخفيف الميم أي نظر الى فوق وقوله صعدا بضم المهملتين أي ارتفع كثيرا وضبطه بن التين بفتح العين واستبعد ضمها قوله مثل الربابة بفتح الراء وتخفيف الموحدتين المفتوحتين وهي السحابة البيضاء ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب ولو لم تكن بيضاء وقال الخطابي الربابة السحابة التي ركب بعضها على بعض وفي رواية جرير فرفعت رأسي فإذا هو في السحاب قوله ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله في رواية جرير بن حازم فقلت دعاني أدخل منزلي قالا أنه بقي لك عمر لم تستكمله ولو استكملته أتيت منزلك قوله فاني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال قالا إما بتخفيف الميم إنا سنخبرك في رواية جرير فقلت طوفتما بي الليلة وهي بالموحدة ولبعضهم بنون فأخبراني عما رأيت قالا نعم قوله فيرفضه بكسر الفاء ويقال بضمها قال بن هبيرة رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضاءه وهو الرأس قوله وينام عن الصلاة المكتوبة هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل بخلاف رواية عوف فإنه على تركه الصلاة المكتوبة ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين ترك القراءة وترك العمل قوله يغدو من بيته أي يخرج منه مبكرا قوله فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق في رواية جرير بن حازم فكذوب يحدث بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به الى يوم القيامة وفي رواية موسى بن إسماعيل في أواخر الجنائز والرجل الذي رأيته يشق شدقه فكذاب قال بن مالك لا بد من جعل الموصوف الذي هنا للمعين كالعام حتى جاز دخول الفاء في خبره أي المراد هو وأمثاله كذا نقله الكرماني ولفظ بن مالك في هذا شاهد على أن الحكم قد يستحق بجزء العلة وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء على خبره إلا إذا كان شبيها بمن الشرطية في العموم واستقبال ما يتم به المعنى نحو الذي يأتيني فمكرم ولو كان المقصود بالذي معينا زالت مشابهته بمن وأمتنع دخول الفاء على الخبر كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدآت المقصود بها التعيين نحو زيد فمكرم لم يجز فكذا الذي لا يجوز الذي يأتيني إذا قصدت به معينا لكن الذي يبنى عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم فجاز دخول الفاء حملا للشبيه على الشبيه ونظيره قوله تعالى وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله فإن مدلول ما معين ومدلول أصابكم ماض إلا أنه روعي فيه التشبيه اللفظي لشبه هذه الآية بقوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم فأحرى ما في مصاحبة الفاء مجرى واحد انتهى قال الطيبي هذا كلام متين لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة لا بد من ذكر كلمة التفصيل أو تقديرها فالفاء جواب أما ثم قال والفاء في قوله فأولاد الناس جاز دخولها على الخبر لأن الجملة معطوفة على مدخول أما في قوله أما الرجل وقد تحذف الفاء في بعض المحذوفات نظرا الى أن أما لما حذفت حذف مقتضاها وكلاهما جائز وبالله التوفيق وقوله تحمل بالتخفيف للأكثر ولبعضهم بالتشديد وانما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد وهو فيها مختار غير مكره ولا ملجأ قال بن هبيرة لما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب بترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة قوله في مثل بناء التنور في رواية جرير والذي رأيته في النقب قوله فهم الزناة مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك والحكمة في اتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضاءهم السفلى قوله فإنه آكل الربا قال بن هبيرة انما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة لأن أصل الربا يجري في الذهب والذهب أحمر وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة الى انه لا يغني عنه شيئا وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من وراءه محقه قوله الذي عند النار في رواية الكشميهني عنده النار قوله خازن جهنم إنما كان كرية الرؤية لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار قوله وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم في رواية جرير والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم وإنما أختص إبراهيم لأنه أبو المسلمين قال تعالى ملة أبيكم إبراهيم وقال تعالى أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة في رواية النضر بن شميل ولد على الفطرة وهي أشبه بقوله في الرواية الأخرى وأولاد المشركين وفي رواية جرير فأولاد الناس لم أر ذلك إلا في هذه الطريق ووقع في حديث أبي أمامه الذي نبهت عليه في أول شرح هذا الحديث ثم انطلقنا فإذا نحن بجوار وغلمان يلعبون بين نهرين فقلت ما هؤلاء قال ذرية المؤمنين قوله فقال بعض المسلمين لم أقف على اسمه قوله وأولاد المشركين تقدم البحث فيه مستوفى في أواخر الجنائز وظاهره أنه صلى الله عليه وسلم ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة ولا يعارض قوله هم من آبائهم لأن ذلك حكم الدنيا قوله وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح كذا في الموضعين بنصب شطرا ولغير أبي ذر شطر في الموضعين بالرفع وحسنا وقبيحا بالنصب ولكل وجه وللنسفي والإسماعيلي بالرفع في الجميع وعليه اقتصر الحميدي في جمعه و كان في هذه الرواية تامة والجملة حالية وزاد جرير بن حازم في روايته والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين وهذه الدار دار الشهداء وأنا جبريل وهذا ميكائيل وفي حديث أبي أمامة ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرا وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض قلت ما هؤلاء قال هؤلاء الزواني والزناة ثم انطلقنا فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا قلت ما هؤلاء قال هؤلاء موتى الكفار ثم انطلقنا فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجر قلت ما هؤلاء قال هؤلاء موتى المسلمين ثم انطلقنا فإذا نحن برجال أحسن شيء وجها وأطيبه ريحا قلت ما هؤلاء قال هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون الحديث وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإسراء وقع مرارا يقظة ومناما على أنحاء شتى وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ وفيه نوع من تلخيص العلم وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء ليجتمع تصورها في الذهن والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة وعن رفض القرآن لمن يحفظه وعن الزنا وأكل الربا وتعمد الكذب وأن الذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات حتى النبي والشهيد وفيه الحث على طلب العلم وإتباع من يلتمس منه ذلك وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه السلام لأحتمال أن إقامته هناك بسبب كفالته الولدان ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء كما تقدم في الإسراء أنه رأى آدم في السماء الدنيا وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر فيضحك ويبكي مع أن منزلته هو في عليين فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته وفيه أن من استوت حسناته وسيآته يتجاوز الله عنهم اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة وأراد أن يعظمهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره بل يشرع كالخطيب قال الكرماني مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزناة ففيها خفاء وبيانه أن العرى فضيحة كالزنا والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور ثم هو خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار وقال أيضا الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو الفعل فالأول على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال والثاني إما بدني وإما مالي فذكر لكل منهم مثال ينبه به على من عداه كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب وأنهم أربع درجات درجات النبي ودرجات الأمة أعلاها الشهداء وثانيها من بلغ وثالثها من كان دون البلوغ انتهى ملخصا خاتمة اشتمل كتاب التعبير من الأحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين حديثا الموصول منها اثنان وثمانون والبقية ما بين معلق ومتابعة المكرر منها فيه وفيما مضى خمسة وسبعون طريقا والبقية خالصة وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث أبي سعيد إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها وحديث الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين وحديث عكرمة عن بن عباس وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث من تحلم ومن استمع ومن صور وحديث بن عمر من أفرى الفرى أن يرى عينيه ما لم ير وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين عشرة والله تعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب