كتاب الأحكام
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأحكام كذا للجميع وسقط لفظ باب بعده لغير أبي ذر والأحكام جمع حكم والمراد بيان آدابه وشروطه وكذا الحاكم ويتناول لفظ الحاكم الخليفة والقاضي فذكر ما يتعلق بكل منهما والحكم الشرعي عند الأصوليين خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ومادة الحكم من الاحكام وهو الإتقان للشيء ومنعه من العيب

قوله

قوله باب قول الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم في هذا إشارة من المصنف الى ترجيح القول الصائر الى ان الآية نزلت في طاعة الأمراء خلافا لمن قال نزلت في العلماء وقد رجح ذلك أيضا الطبري وتقدم في تفسيرها في سورة النساء بسط القول في ذلك وقال بن عيينة سألت زيد بن أسلم عنها ولم يكن بالمدينة أحد يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله فقال اقرأ ما قبلها تعرف فقرأت ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الآية فقال هذه في الولاة والنكتة في اعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر مع ان المطاع في الحقيقة هو الله تعالى كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة فكأن التقدير أطيعوا الله فيما نص عليكم في القرآن وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن ومن بديع الجواب قول بعض التابيعن لبعض الأمراء من بني أمية لما قال له أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله وأولي الأمر منكم فقال له أليس قد نزعت عنكم يعني الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله قال الطيبي أعاد الفعل في قوله وأطيعوا الرسول إشارة الى استقلال الرسول بالطاعة ولم يعده في أولى الأمر إشارة الى انه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله فان تنازعتم في شيء كأنه قيل فان لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه الى حكم الله ورسوله وذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي هريرة

[ 6718 ] قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله من أطاعني فقد أطاع الله هذه الجملة منتزعة من قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله أي لأني لا آمر الا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فانما أطاع من أمرني أن آمره ويحتمل ان يكون المعنى لأن الله أمر بطاعتي فمن أطاعني فقد أطاع أمر الله له بطاعتي وفي المعصية كذلك والطاعة هي الإتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه والعصيان بخلافه قوله ومن أطاع أميري فقد أطاعني في رواية همام والأعرج وغيرهما عند مسلم ومن أطاع الأمير ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد فان كل من يأمر بحق وكان عادلا فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته ويؤيده توحيد الجواب في الأمرين وهو قوله فقد أطاعني أي عمل بما شرعته وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر انه المراد وقت الخطاب ولأنه سبب ورود الحديث واما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ووقع في رواية همام أيضا ومن يطع الأمير فقد أطاعني بصيغة المضارعة وكذا ومن يعص الأمير فقد عصاني وهو أدخل في إرادة تعيم من خوطب ومن جاء من بعد ذلك قال بن التين قيل كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الامارة فكانوا يمتنعون على الأمراء فقال هذا القول يحثهم على طاعة من يأمرهم عليهم والانقياد لهم إذا بعثهم في السرايا وإذا ولاهم البلاد فلا يخرجوا عليهم لئلا تفترق الكلمة قلت هي عبارة الشافعي في الأم ذكره في سبب نزولها وعجبت لبعض شيوخنا الشراح من الشافعية كيف قنع بنسبة هذه الكلام الى بن التين معبرا عنه بصيغة قيل وابن التين انما أخذه من كلام الخطابي ووقع عند أحمد وأبي يعلى والطبراني من حديث بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال ألستم تعلمون أن من أطاعني فقد أطاع الله وان من طاعة الله طاعتي قالوا بلى نشهد قال فان من طاعتي أن تطيعوا أمراءكم وفي لفظ أئمتكم وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية كما تقدم في أوائل الفتن والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة لما في الافتراق من الفساد الحديث الثاني

[ 6719 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقع هنا وكذا في العتق من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر كذلك ووقع عند الطبراني من طريق محمد بن إبراهيم بن دينار عن عبيد الله بن عمر بهذا فقال عن بن عمر ان أبا لبابة بن عبد المنذر أخبره فذكر حديث النهي عن قتل الجنان التي في البيوت وقال كلكم راع الحديث هكذا أورده في مسند أبي لبابة ولكن تقدم في العتق أيضا من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديث الباب فدل على ان قوله وقال معطوف على بن عمر لا على أبي لبابة وثبت انه من مسند بن عمر لا من مرسله قوله ألا كلكم راع كذا فيه والا بتخفيف اللام حرف افتتاح وسقطت من رواية نافع وسالم عن بن عمر والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه قوله فالامام الذي على الناس أي الامام الأعظم ووقع في رواية عبيد الله بن عمر الماضية في العتق فالأمير بدل الامام وكذا في رواية موسى بن عقبة في النكاح ولم يقل الذي على الناس قوله راع وهو مسئول عن رعيته في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الماضيه في الجمعة الامام راع ومسئول عن رعيته وكذا في الجميع بحذف وهو وهي مقدرة وثبتت في الاستقراض قوله والرجل راع على أهل بيته في رواية سالم في أهل بيته قوله والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده في رواية عبيد الله بن عمر على بيت بعلها وفي رواية سالم في بيت زوجها ومثله لموسى لكن قال على قوله وعبد الرجل راع على مال سيده في رواية سالم والخادم راع في مال سيده وفي رواية عبيد الله والعبد بدل الخادم وزاد سالم في روايته وحسبت انه قال وفي رواية الاستقراض سمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته قال الخطابي اشتركوا أي الامام والرجل ومن ذكر في التسمية أي في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفه فرعاية الامام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وايصالهم حقوقهم ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته قوله ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته في رواية أيوب في النكاح مثله وفي رواية سالم في الجمعة وكلكم وفي الاستقراض فكلكم ومثله في رواية نافع قال الطيبي في هذا الحديث ان الراعي ليس مطلوبا لذاته وانما اقيم لحفظ ما استرعاه المالك فينبغي أن لا يتصرف الا بما أذن الشارع فيه وهو تمثيل ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه فإنه أجمل أولا ثم فصل وأتى بحرف التنبيه مكررا قال والفاء في قوله ألا فكلكم جواب شرط محذوف وختم بما يشبه الفذلكة إشارة الى استيفاء التفصيل وقال غيره دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد فإنه يصدق عليه انه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا فجوارحه وقواه وحواسه رعيته ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيا ان لا يكون مرعيا باعتبار آخر وجاء في حديث أنس مثل حديث بن عمر فزاد في آخره فاعدوا للمسألة جوابا قالوا وما جوابها قال أعمال البر أخرجه بن عدي والطبراني في الأوسط وسنده حسن وله من حديث أبي هريرة ما من راع الا يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه ولابن عدي بسند صحيح عن أنس ان الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه واستدل به على ان المكلف يؤاخذ بالتقصير في أمر من هو في حكمه وترجم له في النكاح باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا وعلى ان للعبد أن يتصرف في مال سيده بإذنه وكذا المرأة والولد وترجم لكراهة التطاول على الرقيق وتقدم توجيهه هناك وفي هذا الحديث بيان كذب الخبر الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية قرأت في كتاب القضاء لأبي علي الكرابيسي أنبأنا الشافعي عن عمه هو محمد بن علي قال دخل بن شهاب على الوليد بن عبد الملك فسأله عن حديث ان الله إذا استرعى عبدا الخلافة كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات فقال له هذا كذب ثم تلا يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض الى قوله بما نسوا يوم الحساب فقال الوليد ان الناس ليغروننا عن ديننا

قوله باب بالتنوين الأمراء من قريش كذا للأكثر وفي رواية نقلها عياض عن بن أبي صفرة الأمر بسكون الميم أمر قريش قال وهو تصحيف قلت ووقع في نسخة لأبي ذر عن الكشميهني مثل ما نقل عن بن أبي صفرة والأول هو المعروف ولفظ الترجمة لفظ حديث أخرجه يعقوب بن سفيان وأبو يعلى والطبراني من طريق سكين بن عبد العزيز حدثنا سيار بن سلامة أبو المنهال قال دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي فذكر الحديث الذي أوله اني أصبحت ساخطا على احياء قريش وفيه أن ذاك الذي بالشام ان يقاتل الا على الدنيا وفي آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأمراء من قريش الحديث قد تقدم التنبيه عليه في الفتن في باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه وفي لفظ للطبراني الأئمة بدل الأمراء وله شاهد من حديث علي رفعه الا ان الأمراء من قريش ما أقاموا ثلاثا الحديث أخرجه الطبراني وأخرجه الطيالسي والبزار والمصنف في التاريخ من طريق سعد بن إبراهيم عن أنس بلفظ الأئمة من قريش ما إذا حكموا فعدلوا الحديث وأخرجه النسائي والبخاري أيضا في التاريخ وأبو يعلى من طريق بكير الجزري عن أنس وله طرق متعددة عن أنس منها للطبراني من رواية قتادة عن أنس بلفظ ان الملك في قريش الحديث وأخرج أحمد هذا اللفظ مقتصرا عليه من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي بكر الصديق بلفظ الأئمة من قريش ورجاله رجال الصحيح لكن في سنده انقطاع وأخرجه الطبراني والحاكم من حديث علي بهذا اللفظ الأخير ولما لم يكن شيء منها على شرط المصنف في الصحيح اقتصر على الترجمة وأورد الذي صح على شرطه مما يؤدي معناه في الجملة وذكر فيه حديثين الأول

[ 6720 ] قوله كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث قال صالح جزرة الحافظ لم يقل أحد في روايته عن الزهري عن محمد بن جبير الا ما وقع في رواية نعيم بن حماد عن عبد الله بن المبارك يعني التي ذكرها البخاري عقب هذا قال صالح ولا أصل له من حديث بن المبارك وكانت عادة الزهري إذا لم يسمع الحديث يقول كان فلان يحدث وتعقبه البيهقي بما أخرجه من طريق يعقوب بن سفيان عن حجاج بن أبي منيع الرصافي عن جده عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم وأخرجه الحسن بن رشيق في فوائده من طريق عبد الله بن وهب عن بن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن محمد بن جبير قوله انه بلغ معاوية لم أقف على اسم الذي بلغه ذلك قوله وهم عنده أي محمد بن جبير ومن كان وفد معه على معاوية بالشام حينئذ وكأن ذلك كان لما بويع بالخلافة عندما سلم له الحسن بن علي فأرسل أهل المدينة جماعة منهم اليه ليبايعوه قوله في وفد من قريش لم أقف على أسمائهم قال بن التين وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا والوفد بالسكون جمع وافد كصحب وصاحب قلت ورويناه في فوائد أبي يعلى الموصلي قال حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو اليمان عن شعيب فقال فيه عن محمد بن جبير أيضا وكذا هو في مسند الشاميين للطبراني من رواية بشر بن شعيب عن أبيه قوله ان عبد الله بن عمرو أي بن العاص قوله انه يكون ملك من قحطان لم أقف على لفظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ذلك وهل هو مرفوع أو موقوف وقد مضى في الفتن قريبا من حديث أبي هريرة مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه أورده في باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان وفي ذلك إشارة الى ان ملك القحطاني يقع في آخر الزمان عند قبض أهل الإيمان ورجوع كثير ممن يبقى بعدهم الى عبادة الأوثان وهم المعبر عنهم بشرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة كما تقدم تقريره هناك وذكرت له هناك شاهدا من حديث بن عمر فان كان حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا موافقا لحديث أبي هريرة فلا معنى لإنكاره أصلا وان كان لم يرفعه وكان فيه قدر زائد يشعر بأن خروج القحطاني يكون في أوائل الإسلام فمعاوية معذور في إنكار ذلك عليه وقد ذكرت نبذة من أخبار القحطاني في شرح حديث أبي هريرة في الفتن وقال بن بطال سبب إنكار معاوية انه حمل حديث عبد الله بن عمرو على ظاهره وقد يكون معناه ان قحطانيا يخرج في ناحية من النواحي فلا يعارض حديث معاوية والمراد بالأمر في حديث معاوية الخلافة كذا قال ونقل عن المهلب انه يجوز ان يكون ملك يغلب على الناس من غير ان يكون خليفة وانما أنكر معاوية خشية أن يظن أحد ان الخلافة تجوز في غير قريش فلما خطب بذلك دل على ان الحكم عندهم كذلك إذ لم ينقل ان أحدا منهم أنكر عليه قلت ولا يلزم من عدم انكارهم صحة إنكار معاوية ما ذكره عبد الله بن عمرو فقد قال بن التين الذي أنكره معاوية في حديثه ما يقويه لقوله ما أقاموا الدين فربما كان فيهم من لا يقيمه فيتسلط القحطاني عليه وهو كلام مستقيم قوله فإنه بلغني ان رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر أي تنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الكلام ان معاوية كان يراعي خاطر عمرو بن العاص فما آثر أن ينص على تسمية ولده بل نسب ذلك الى رجال بطريق الإبهام ومراده بذلك عبد الله بن عمرو ومن وقع منه التحديث بما يضاهي ذلك وقوله ليست في كتاب الله أي القرآن وهو كذلك فليس فيه تنصيص على ان شخصا بعينه أو بوصفه يتولى الملك في هذه الأمة المحمدية وقوله لا يؤثر فيه تقوية لأن عبد الله بن عمرو لم يرفع الحديث المذكور إذ لو رفعه لم يتم نفي معاوية ان ذلك لا يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل أبا هريرة لم يحدث بالحديث المذكور حينئذ فإنه كان يتوقى مثل ذلك كثيرا وانما يقع منه التحديث به في حالة دون حالة وحيث يأمن الإنكار عليه ويحتمل ان يكون مراد معاوية غير عبد الله بن عمرو فلا يكون ذلك نصا على ان عبد الله بن عمرو لم يرفعه قوله وأولئك جهالكم أي الذين يتحدثون بأمور من أمور الغيب لا يستندون فيها الى الكتاب ولا السنة قوله فاياكم والأماني بالتشديد ويجوز التخفيف قوله التي تضل أهلها بضم أول تضل من الرباعي و أهلها بالنصب على المفعولية وروى بفتح أول تضل ورفع أهلها والأماني جمع أمنية راجع الى التمني وسيأتي تفسيره في آخر كتاب الأحكام ومناسبة ذكر ذلك تحذير من يسمع من القحطانيين من التمسك بالخبر المذكور فتحدثه نفسه ان يكون هو القحطاني وقد تكون له قوة وعشيرة فيطمع في الملك ويستند الى هذا الحديث فيضل لمخالفته الحكم الشرعي في ان الأئمة من قريش قوله فاني سمعت لما أنكر وحذر أراد ان يبين مستنده في ذلك قوله ان هذا الأمر في قريش قد ذكرت شواهد هذا المتن في الباب الذي قبله قوله لا يعاديهم أحد الا كبه الله في النار على وجهه أي لا ينازعهم أحد في الأمر الا كان مقهورا في الدنيا معذبا في الآخرة قوله ما أقاموا الدين أي مدة أقامتهم أمور الدين قيل يحتمل ان يكون مفهومه فإذا لم يقيمه لا يسمع لهم وقيل يحتمل ان لا يقام عليهم وان كان لا يجوز ابقاؤهم على ذلك ذكرهما بن التين ثم قال وقد أجمعوا انه أي الخليفة إذا دعى الى كفر أو بدعة أنه يقام عليه واختلفوا إذا غصب الأموال وسفك الدماء وانتهك هل يقام عليه أو لا انتهى وما أدعاه من الإجماع على القيام فيما إذا دعى الخليفة الى البدعة مردود الا ان حمل على بدعة تؤدي الى صريح الكفر والا فقد دعا المأمون والمعتصم والواثق الى بدعة القول بخلق القرآن وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس وانواع الاهانة ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك ودام الأمر بضع عشرة سنة حتى ولي المتوكل الخلافة فأبطل المحنة وأمر بإظهار السنة وما نقله من الاحتمال في قوله ما أقاموا الدين خلاف ما تدل عليه الأخبار الواردة في ذلك الدالة على العمل بمفهومه أو انهم إذا لم يقيموا الدين يخرج الأمر عنهم وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق نظير ما وقع في حديث معاوية ذكره محمد بن إسحاق في الكتاب الكبير فذكر قصة سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر وفيها فقال أبو بكر وان هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره وقد جاءت الأحاديث التي أشرت إليها على ثلاثة أنحاء الأول وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به كما في الأحاديث التي ذكرتها في الباب الذي قبله حيث قال الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثا ما حكموا فعدلوا الحديث وفيه فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله وليس في هذا ما يقتضي خروج الأمر عنهم الثاني وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في اذيتهم فعند أحمد وأبي يعلى من حديث بن مسعود رفعه يا معشر قريش انكم أهل هذا الأمر ما لم تحدثوا فان غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب ورجاله ثقات الا انه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه هذه رواية صالح بن كيسان عن عبيد الله وخالفه حبيب بن أبي ثابت فرواه عن القاسم بن محمد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي مسعود الأنصاري ولفظه لا يزال هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته الحديث أخرجه أحمد وفي سماع عبيد الله من أبي مسعود نظر مبني على الخلاف في سنة وفاته وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار أخرجه الشافعي والبيهقي من طريقه بسند صحيح الى عطاء ولفظه قال لقريش أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم على الحق الا ان تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة وليس في هذا أيضا تصريح بخروج الأمر عنه وان كان فيه اشعار به الثالث الإذن في القيام عليهم وقتالهم والايذان بخروج الأمر عنهم كما أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث ثوبان رفعه استقيموا لقريش ما استقموا لكم فان لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فابيدوا خضراءهم فان لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء ورجاله ثقات الا ان فيه انقطاعا لأن راويه سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان وله شاهد في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه وأخرج أحمد من حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة بعدهما راء وهو بن أخي النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله منهم وصيره في قريش وسيعود إليهم وسنده جيد وهو شاهد قوي لحديث القحطاني فان حمير يرجع نسبها الى قحطان وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية ما أقاموا الدين انهم إذا لم يقوموا الدين خرج الأمر عنهم ويؤخذ من بقية الأحاديث ان خروجه عنهم انما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن اولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ووجد ذلك في غلبة مواليهم بحيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة الا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة الا مجرد الاسم في بعض الأمصار قوله تابعه نعيم بن حماد عن بن المبارك عن معمر عن الزهري عن محمد بن جبير يعني عن معاوية به وقد رويناه موصولا في معجم الطبراني الكبير والأوسط قال حدثنا بكر بن سهل حدثنا نعيم بن حماد فذكره مثل رواية شعيب الا انه قال بعد قوله فغضب فقال سمعت ولم يذكر ما قبل قوله سمعت وقال في روايته كب على وجهه بضم الكاف مبنيا لما لم يسم فاعله قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن معمر الا بن المبارك تفرد به نعيم وكذا أخرجه الذهلي في الزهريات عن نعيم وقال كبه الله الحديث الثاني

[ 6721 ] قوله عاصم بن محمد أي بن زيد بن عبد الله بن عمر قوله قال بن عمر هو جد الرواي عنه قوله لا يزال هذا الأمر في قريش أي الخلافة يعني لا يزال الذي يليها قرشيا قوله ما بقى منهم اثنان قال بن هبيرة يحتمل ان يكون على ظاهره وانهم لا يبقى منهم في آخر الزمان الا اثنان أمير ومؤمر عليه والناس لهم تبع قلت في رواية مسلم عن شيخ البخاري في هذا الحديث ما بقي من الناس اثنان وفي رواية الإسماعيلي ما بقي في الناس اثنان وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وليس المراد حقيقة العدد وانما المراد به انتفاء ان يكون الأمر في غير قريش ويحتمل ان يحمل المطلق على المفيد في الحديث الأول ويكون التقدير لا يزال هذا الأمر أي لا يسمى بالخليفة الا من يكون من قريش الا ان يسمى به أحد من غيرهم غلبة وقهرا واما ان يكون المراد بلفظه الأمر وان كان لفظه لفظ الخبر ويحتمل ان يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض فان بالبلاد اليمنية وهي لا نجود منها طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة واما من بالحجاز من ذرية الحسن بن علي وهم امراء مكة وأمراء ينبع ومن ذرية الحسين بن علي وهم أمراء المدينة فانهم وان كانوا من صميم قريش لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية فبقي الأمر في قريش بقطر من الأقطار في الجملة وكبير أولئك أي أهل اليمن يقال له الامام ولا يتولى الإمامة فيهم الا من يكون عالما متحريا للعدل وقال الكرماني لم يخل الزمان عن وجود خليفة من قريش إذ في المغرب خليفة منهم على ما قيل وكذا في مصر قلت الذي في مصر لا شك في كونه قرشيا لأنه من ذرية العباس والذي في صعدة وغيرها من اليمن لا شك في كونه قرشيا لأنه من ذرية الحسين بن علي واما الذي في المغرب فهو حفصي من ذرية أبي حفص صاحب بن تومرت وقد انتسبوا الى عمر بن الخطاب وهو قرشي ولحديث بن عمر شاهد من حديث بن عباس أخرجه البزار بلفظ لا يزال هذا الدين واصبا ما بقي من قريش عشرون رجلا وقال النووي حكم حديث بن عمر مستمر الى يوم القيامة ما بقي من الناس اثنان وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه الى الآن لم تزل الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم على ذلك ومن تغلب على الملك بطريق الشركة لا ينكر ان الخلافة في قريش وانما يدعي ان ذلك بطريق النيابة عنهم انتهى وقد أورد عليه ان الخوارج في زمن بني أمية تسموا بالخلافة واحدا بعد واحد ولم يكونوا من قريش وكذلك ادعى الخلافة بنو عبيد وخطب لهم بمصر والشام والحجاز ولبعضهم بالعراق أيضا وأزيل الخلافة ببغداد قدر سنة وكانت مدة بني عبيد بمصر سوى ما تقدم لهم بالمغرب تزيد على مائتي سنة وادعى الخلافة عبد المؤمن صاحب بن تومرت وليس بقرشي وكذلك كل من جاء بعده بالمغرب الى اليوم والجواب عنه أما عن بني عبيد فانهم كانوا يقولون انهم من ذرية الحسين بن علي ولم يبايعوه الا على هذا الوصف والذين أثبتوا نسبتهم ليسوا بدون من نفاه وأما سائر من ذكر ومن لم يذكر فهم من المتغلبين وحكمهم حكم البغاة فلا عبرة بهم وقال القرطبي هذا الحديث خبر عن المشروعية أي لا تنعقد الإمامة الكبرى الا لقرشي مهما وجد منهم أحد وكأنه جنح الى انه خبر بمعنى الأمر وقد ورد الأمر بذلك في حديث جبير بن مطعم رفعه قدموا قريشا ولا تقدموها أخرجه البيهقي وعند الطبراني من حديث عبد الله بن حنطب ومن حديث عبد الله بن السائب مثله وفي نسخة أبي اليمان عن شعيب عن أبي هريرة عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة مرسلا انه بلغه مثله وأخرجه الشافعي من وجه آخر عن بن شهاب أنه بلغه مثله وفي الباب حديث أبي هريرة رفعه الناس تبع لقريش في هذا الشأن أخرجاه في الصحيحين من رواية المغيرة بن عبد الرحمن ومسلم أيضا من رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن الأعرج عن أبي هريرة وتقدم في مناقب قريش وأخرجه مسلم أيضا من رواية همام عن أبي هريرة ولأحمد من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة مثله لكن قال في هذا الأمر وشاهده عند مسلم عن جابر كالأول وعند الطبراني من حديث سهل بن سعد وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث معاوية وعند البزار من حديث علي وأخرج أحمد من طريق عبد الله بن أبي الهزيل قال لما قدم معاوية الكوفة قال رجل من بكر بن وائل لئن لم تنته قريش لنجعلن هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب غيرهم فقال عمرو بن العاص كذبت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قريش قادة الناس قال بن المنير وجه الدلالة من الحديث ليس من جهة تخصيص قريش بالذكر فإنه يكون مفهوم لقب ولا حجة فيه عند المحققين وانما الحجة وقوع المبتدأ معرفا باللام الجنسية لأن المبتدأ بالحقيقة ههنا هو الأمر الواقع صفة لهذا وهذا لا يوصف الا بالجنس فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش فيصير كأنه قال لا أمر الا في قريش وهو كقوله الشفعة فيما لم يقسم والحديث وان كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الأمر كأنه قال ائتموا بقريش خاصة وبقية طرق الحديث تؤيد ذلك ويؤخذ منه ان الصحابة اتفقوا على افادة المفهوم للحصر خلافا لمن أنكر ذلك والى هذا ذهب جمهور أهل العلم ان شرط الامام ان يكون قرشيا وقيد ذلك طوائف ببعض قريش فقالت طائفة لا يجوز الا من ولد علي وهذا قول الشيعة ثم اختلفوا اختلافا شديدا في تعيين بعض ذرية علي وقالت طائفة يختص بولد العباس وهو قول أبي مسلم الخرساني واتباعه ونقل بن حزم ان طائفة قالت لا يجوز الا في ولد جعفر بن أبي طالب وقالت أخرى في ولد عبد المطلب وعن بعضهم لا يجوز الا في بني أمية وعن بعضهم لا يجوز الا في ولد عمر قال بن حزم ولا حجة لأحد من هؤلاء الفرق وقالت الخوارج وطائفة من المعتزلة يجوز ان يكون الامام غير قرشي وانما يستحق الإمامة من قام بالكتاب والسنة سواء كان عربيا أم عجميا وبالغ ضرار بن عمرو فقال تولية غير القرشي أولى لأنه يكون أقل عشيرة فإذا عصي كان أمكن لخلعه وقال أبو بكر بن الطيب لم يعرج المسلمون على هذا القول بعد ثبوت حديث الأئمة من قريش وعمل المسلمون به قرنا بعد قرن وانعقد الإجماع على اعتبار ذلك قبل ان يقع الاختلاف قلت قد عمل بقول ضرار من قبل ان يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقطري بفتح القاف والطاء المهملة ودامت فتنتهم حتى ابادهم المهلب بن أبي صفرة أكثر من عشرين سنة وكذا تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج ممن قام على الحجاج كابن الأشعث ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس من قريش كبني عباد وغيرهم بالأندلس كعبد المؤمن وذريته ببلاد المغرب كلها وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا ولم يقولوا بأقوالهم ولا تمذهبوا بأرائهم بل كانوا من أهل السنة داعين إليها وقال عياض اشتراط كون الامام قرشيا مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل الإجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار قال ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة لما فيه من مخالفة المسلمين قلت ويحتاج من نقل الإجماع الى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات انه قال ان ادركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فذكر الحديث وفيه فان أدركني أجلي وقد ومات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل الحديث ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش فيحتمل ان يقال لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط ان يكون الخليفة قرشيا أو تغير اجتهاد عمر في ذلك والله أعلم واما ما احتج به من لم يعين الخلافة في قريش من تأمير عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة وغيرهم في الحروب فليس من الإمامة العظمى في شيء بل فيه انه يجوز للخليفة استنابة غير القرشي في حياته والله اعلم واستدل بحديث بن عمر على عدم وقوع ما فرضه الفقهاء من الشافعية وغيرهم انه إذا لم يوجد قرشي يستخلف كناني فان لم يوجد فمن بني إسماعيل فان لم يوجد منهم أحد مستجمع الشرائط فعجمي وفي وجه جرهمي والا فمن ولد إسحاق قال وانما فرض الفقهاء ذلك على عادتهم في ذكر ما يمكن ان يقع عقلا وان كان لا يقع عادة أو شرعا قلت والذي حمل قائل هذا القول عليه انه فهم منه الخبر المحض وخبر الصادق لا يتخلف واما من حمله على الأمر فلا يحتاج الى هذا التأويل واستدل بقوله قدموا قريشا ولا تقدموها وبغيره من أحاديث الباب على رجحان مذهب الشافعي لورود الأمر بتقديم القرشي على من ليس قرشيا قال عياض ولا حجة فيها لأن المراد بالأئمة في هذه الأحاديث الخلفاء والا فقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم سالما مولى أبي حذيفة في امامة الصلاة ووراءه جماعة من قريش وقدم زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص في التأمير في كثير من البعوث والسرايا ومعهم جماعة من قريش وتعقبه النووي وغيره بان في الأحاديث ما يدل على ان للقرشي مزية على غيره فيصح الاستدلال به لترجيح الشافعي على غيره وليس مراد المستدل به ان الفضل لا يكون الا للقرشي بل المراد ان كونه قرشيا من أسباب الفضل والتقدم كما ان من أسباب الفضل والتقدم الورع والفقه والقراءة والسن وغيرها فالمستويان في جميع الخصال إذا اختص أحدهما بخصلة منها دون صاحبه ترجح عليه فيصح الاستدلال على تقديم الشافعي على من ساواه في العلم والدين من غير قريش لأن الشافعي قرشي وعجب قول القرطبي في المفهم بعد ان ذكر ما ذكره عياض ان المستدل بهذه الأحاديث على ترجيح الشافعي صحبته غفلة قارنها من صميم التقليد طيشه كذا قال ولعل الذي أصابته الغفلة من لم يفهم مراد المستدل والعلم عند الله تعالى

قوله باب أجر من قضى بالحكمة سقط لفظ أجر من رواية أبي زيد المروزي وعلى تقدير ثبوتها فليس في الباب ما يدل عليه فيمكن ان يؤخذ من لازم الإذن في تغبيط من قضى بالحكمة فإنه يقتضي ثبوت الفضل فيه وما ثبت فيه الفضل ترتب عليه الأجر والعلم عند الله قوله لقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون وجه الاستدلال بالآية لما ترجم به ان منطوق الحديث دل على ان من قضى بالحكمة كان محمودا حتى انه لا حرج على من تمنى ان يكون له مثل الذي له من ذلك ليحصل له مثل ما يحصل له من الأجر وحسن الذكر ومفهومه يدل على ان من لم يفعل ذلك فهو على العكس من فاعله وقد صرحت الآية بأنه فاسق واستدلال المصنف بها يدل على انه يرجح قول من قال انها عامة في أهل الكتاب وفي المسلمين وحكى بن التين عن الداودي ان البخاري اقتصر على هذه الآية دون ما قبلها عملا بقول من قال ان الآيتين قبلها نزلتا في اليهود والنصارى وتعقبه بن التين بأنه لا قائل بذلك قال ونسق الآية لا يقتضي ما قال قلت وما نفاه ثابت عن بعض التابعين في تفسير الطبري وغيره ويظهر ان يقال ان الآيات وان كان سببها أهل الكتاب لكن عمومها يتناول غيرهم لكن لما تقرر من قواعد الشريعة ان مرتكب المعصية لا يسمى كافرا ولا يسمى أيضا ظالما لأن الظلم قد فسر بالشرك بقيت الصفة الثالثة فمن ثم اقتصر عليها وقال إسماعيل القاضي في احكام القرآن بعد ان حكى الخلاف في ذلك ظاهر الآيات يدل على ان من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكما يخالف به حكم الله وجعله دينا يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكما كان أو غيره وقال بن بطال مفهوم الآية ان من حكم بما أنزل الله استحق جزيل الأجر ودل الحديث على جواز منافسته فاقتضى ان ذلك من أشرف الأعمال واجل ما يتقرب به الى الله ويؤيده حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه الله مع القاضي ما لم يجر الحديث أخرجه بن المنذر قلت وأخرجه أيضا بن ماجة والترمذي واستغربه وصححه بن حبان والحاكم

[ 6722 ] قوله حدثنا شهاب بن عباد هو بن عمر العبدي وإبراهيم بن حميد هو الرؤاسي بضم الراء وتخفيف الهمزة ثم مهملة وإسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم وعبد الله هو بن مسعود والسند كله كوفيون قوله لا حسد الا في اثنتين رجل بالجر ويجوز الرفع على الاستئناف والنصب بإضمار اعني قوله على هلكته بفتحات أي على اهلاكه أي انفاقه في الحق قوله وآخر آتاه الله حكمة في رواية بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد الماضية في كتاب العلم ورجل آتاه الله الحكمة وقد مضى شرحه مستوفى هناك وان المراد بالحكمة القرآن كما في حديث بن عمر أو أعم من ذلك وضابطها ما منع الجهل وزجر عن القبح قال بن المنير المراد بالحسد هنا الغبطة وليس المراد بالنفي حقيقته والا لزم الخلف لأن الناس حسدوا في غير هاتين الخصلتين وغبطوا من فيه سواهما فليس هو خبرا وانما المراد به الحكم ومعناه حصر المرتبة لعليا من الغبطة في هاتين الخصلتين فكأنه قال هما آكد القربات التي يغبط بها وليس المراد نفي أصل الغبطة مما سواهما فيكون من مجاز التخصيص أي لا غبطة كاملة التأكيد لتأكيد أجر متعلقها الى الغبطة بهاتين الخصلتين وقال الكرماني الخصلتان المذكورتان هنا غبطة لا حسد لكن قد يطلق أحدهما على الاخر أو المعنى لا حسد الا فيهما وما فيهما ليس بحسد فلا حسد فهو كما قيل في قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الأولى وفي الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه وقوي على أعمال الحق ووجد له اعوانا لما فيه من الأمر بالمعروف ونصر المظلوم واداء الحق لمستحقه وكف يد الظالم والاصلاح بين الناس وكل ذلك من القربات ولذلك تولاه الأنبياء ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين ومن ثم اتفقوا على انه من فروض الكفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه فقد أخرج البيهقي بسند قوي أن أبا بكر لما ولي الخلافة ولى عمر القضاء وبسند آخر قوى ان عمر استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وكتب عمر الى عماله استعملوا صالحيكم على القضاء وأكفوهم وبسند آخر لين ان معاوية سأل أبا الدرداء وكان يقضي بدمشق من لهذا الأمر بعدك قال فضالة بن عبيد وهؤلاء من أكابر الصحابة وفضلائهم وانما فر منه من فر خشية العجز عنه وعند عدم المعين عليه وقد يتعارض الأمر حيث يقع تولية من يشتد به الفساد إذا امتنع المصلح والله المستعان وهذا حيث يكون هناك غيره ومن ثم كان السلف يمتنعون منه ويفرون إذا طلبوا له واختلفوا هل يستحب لمن استجمع شرائطه وقوي عليه أولا والثاني قول الأكثر لما فيه من الخطر والغرر ولما ورد فيه من التشديد وقال بعضهم ان كان من أهل العلم وكان خاملا بحيث لا يحمل عنه العلم أو كان محتاجا وللقاضي رزق من جهة ليس بحرام استحب له ليرجع اليه في الحكم بالحق وينتفع بعلمه وان كان مشهورا فالأولى له الإقبال على العلم والفتوى واما ان لم يكن في البلد من يقوم مقامه فإنه يتعين عليه لكونه من فروض الكفاية لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه وعن أحمد لا يأثم لأنه لا يجب عليه إذا اضر به نفع غيره ولا سيما من لا يمكنه عمل الحق لانتشار الظلم

قوله باب السمع والطاعة للامام ما لم تكن معصية انما قيده بالامام وان كان في أحاديث الباب الأمر بالطاعة لكل أمير ولو لم يكن إماما لأن محل الأمر بطاعه الأمير ان يكون مؤمرا من قبل الامام وذكر فيه أربعة أحاديث الأول

[ 6723 ] قوله عن أبي التياح بمثناة مفتوحة وتحتانية مشددة وآخره مهملة وهو يزيد بن حميد الضبعي وتقدم في الصلاة من وجه آخر التصريح بقول شعبة حدثني أبو التياح قوله اسمعوا واطيعوا وان استعمل بضم المثناة على البناء المجهول أي جعل عاملا بأن أمر امارة عامة على البلد مثلا أو ولي فيها ولاية خاصة كالامامة في الصلاة أو جباية الخراج أو مباشرة الحرب فقد كان في زمن الخلفاء الراشدين من يجتمع له الأمور الثلاثة ومن يختص ببعضها قوله حبشي بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب الى الحبشة ومضى في الصلاة في باب امامة العبد عن محمد بن بشار عن يحيى القطان بلفظ اسمعوا واطيعوا وان استعمل حبشي وفيه بعد باب من رواية غندر عن شعبة بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر اسمع واطع ولو لحبشي وقد أخرج مسلم من طريق غندر عن شعبة بإسناد آخر الى أبي ذر انه انتهى الى الربذة فإذا عبد يؤمهم فذهب يتأخر لأجل أبي ذر فقال أبو ذر أوصاني خليلي فذكر نحوه وظهرت بهذه الرواية الحكمة في تخصيص أبي ذر بالأمر في هذه الرواية وقد جاء في حديث آخر الأمر بذلك عموما ولمسلم أيضا من حديث أم الحصين اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله قوله كأن رأسه زبيبة واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جف انما شبه رأس الحبشي بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتداد بها وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفي في كتاب الصلاة ونقل بن بطال عن المهلب قال قوله اسمعوا واطيعوا لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد الا امام قرشي لما تقدم ان الإمامة لا تكون الا في قريش وأجمعت الأمة على انها لا تكون في العبيد قلت ويحتمل ان يسمى عبدا باعتبار ما كان قبل العتق وهذا كله انما هو فيما يكون بطريق الاختيار واما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فان طاعته تجب اخمادا للفتنة ما لم يأمر بمعصية كما تقدم تقريره وقيل المراد ان الامام الأعظم إذا استعمل العبد الحبشي على امارة بلد مثلا وجبت طاعته وليس فيه ان العبد الحبشي يكون هو الامام الأعظم وقال الخطابي قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود يعني وهذا من ذاك اطلق العبد الحبشي مبالغة في الأمر بالطاعة وان كان لا يتصور شرعا ان يلي ذلك الحديث الثاني

[ 6724 ] قوله حماد هو بن زيد والجعد هو أبو عثمان وأبو رجاء هو العطاردي وتقدم الكلام على هذا السند في أوائل الفتن قوله يرويه هو في معنى قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم كذلك في أوائل الفتن من طريق عبد الوارث عن الجعد وتقدمت مباحثه هناك الحديث الثالث

[ 6725 ] قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري وعبد الله صحابيه هو بن عمر قوله فيما أحب وكره في رواية أبي ذر فيما أحب أو كره قوله ما لم يؤمر بمعصية هذا يقيد ما أطلق في الحديثين الماضيين من الأمر بالسمع والطاعة ولو لحبشي ومن الصبر على ما يقع من الأمير مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة قوله فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة أي لا يجب ذلك بل يحرم على من كان قادرا على الامتناع وفي حديث معاذ عند أحمد لا طاعة لمن لم يطع الله وعنده وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري لا طاعة في معصية الله وسنده قوي وفي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني لا طاعة لمن عصى الله تعالى وقد تقدم البحث في هذا الكلام على حديث عبادة في الأمر بالسمع والطاعة الا أن تروا كفرا بواحا بما يغني عن اعادته وهو في كتاب الفتن وملخصه انه ينعزل بالكفر إجماعا فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن فعليه الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض الحديث الرابع

[ 6726 ] قوله عن أبي عبد الرحمن هو السلمي وعلي هو بن أبي طالب قوله وأمر عليهم رجلا من الأنصار تقدم البحث فيه والجواب عمن غلط راويه في كتاب المغازي قوله فأوقدوا نارا كذا وقع وتقدم بيانه في المغازي والأحكام ان أميرهم غضب منهم فقال أوقدوا نارا وقوله قد عزمت عليكم لما بالتخفيف وجاء بالتشديد فقيل انها بمعنى الا وقوله خمدت بالمعجمة وفتح الميم وضبط في بعض الروايات بكسر الميم ولا يعرف في اللغة قاله بن التين قال ومعنى خمدت سكن لهبها وان لم يطفأ جمرها فان طفىء قيل همدت وقوله لو دخلوها ما خرجوا منها قال الداودي يريد تلك النار لأنهم يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء قال وليس المراد بالنار نار جهنم ولا انهم مخلدون فيها لأنه قد ثبت في حديث الشفاعة يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من ايمان قال وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة يريد انه سيق مساق الزجر والتخويف ليفهم السامع ان من فعل ذلك خلد في النار وليس ذلك مرادا وانما أريد به الزجر والتخويف وقد تقدم له توجيهات في كتاب المغازي وكذا قوله انما الطاعة في المعروف وتقدم شرحه مستوفى في باب سرية عبد الله بن حذافة من كتاب المغازي وتقدم شيء منه أيضا في تفسير سورة النساء في قوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وقد قيل أنه لم يقصد دخولهم النار حقيقة وانما أشار لهم بذلك الى ان طاعة الأمير واجبة ومن ترك الواجب دخل النار فإذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف بالنار الكبرى وكأن قصده أنه لو رأى منهم الجد في ولوجها لمنعهم

قوله باب من لم يسأل الامارة أعانه الله عليها ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة ثم قال بعده باب من سأل الامارة وكل إليها وذكر الحديث المذكور وقد تقدم الكلام على سنده في كتاب كفارة الإيمان وعلى

[ 6728 ] قوله وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منا فكفر وأما قوله لا تسأل الامارة فهو الذي في أكثر طرق الحديث ووقع في رواية يونس بن عبيد عن الحسن بلفظ ليتمنين بصيغة النهي عن التمني مؤكدا بالنون الثقيلة والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب قوله عن مسألة أي سؤال قوله وكلت إليها بضم الواو وكسر الكاف مخففا ومشددا و سكون اللام ومعنى المخفف أي صرف إليها ومن وكل الى نفسه هلك ومنه في الدعاء ولا تكلني الى نفسي ووكل أمره الى فلان صرفه اليه ووكله بالتشديد استحفظه ومعنى الحديث ان من طلب الامارة فاعطيها تركت اعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد منه ان طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الامارة القضاء والحسبة ونحو ذلك وان من حرص على ذلك لا يعان ويعارضه في الظاهر ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار والجمع بينهما انه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه ان لا يحصل منه العدل إذا ولى أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية وقد تقدم من حديث أبي موسى انا لا نولي من حرص ولذلك عبر في مقابله بالإعانة فان من لم يكن له من الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يجاب سؤاله ومن المعلوم ان كل ولاية لا تخلو من المشقة فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلا بل إذا كان كافيا وأعطيها من غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة ولا يخفى ما في ذلك من الفضل قال المهلب جاء تفسير الإعانة عليها في حديث بلال بن مرداس عن خيثمة عن أنس رفعه من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل الى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده أخرجه بن المنذر قلت وكذا أخرجه الترمذي من طريق أبي عوانة عن عبد الأعلى الثعلبي وأخرجه هو وأبو داود وابن ماجة من طريق أبي عوانة ومن طريق إسرائيل عن عبد الأعلى فأسقط خيثمة من السند قال الترمذي ورواية أبي عوانة أصح وقال في رواية أبي عوانة حديث حسن غريب وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل وصححه وتعقب بان بن معين لين خيثمة وضعف عبد الأعلى وكذا قال الجمهور في عبد الأعلى ليس بقوي قال المهلب وفي معنى الإكراه عليه ان يدعى اليه فلا يرى نفسه أهلا لذلك هيبة له وخوفا من الوقوع في المحذور فإنه يعان عليه إذا دخل فيه ويسدد والأصل فيه ان من تواضع لله رفعه الله وقال بن التين هو محمول على الغالب والا فقد قال يوسف اجعلني على خزائن الأرض وقال سليمان وهب لي ملكا قال ويحتمل ان يكون في غير الأنبياء

قوله باب ما يكره من الحرص على الامارة أي على تحصيلها ووجه الكراهة مأخوذ مما سبق في الباب الذي قبله

[ 6729 ] قوله عن سعيد المقبري عن أبي هريرة هكذا رواه بن أبي ذئب مرفوعا وأدخل عبد الحميد بن جعفر بين سعيد وأبي هريرة رجلا ولم يرفعه وابن أبي ذئب أتقن من عبد الحميد وأعرف بحديث المقبري منه فرواياته هي المعتمدة وعقبه البخاري بطريق عبد الحميد إشارة منه الى إمكان تصحيح القولين فلعله كان عند سعيد عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة موقوفا على ما رواه عنه عبد الحميد وكان عنده عن أبي هريرة بغير واسطة مرفوعا إذا وجدت عند كل من الراويين عن سعيد زيادة ورواية الوقف لا تعارض رواية الرفع لأن الراوي قد ينشط فيسند وقد لا ينشط فيقف قوله انكم ستحرصون بكسر الراء ويجوز فتحها ووقع في رواية شبابة عن بن أبي ذئب ستعرضون بالعين وأشار الى انها خطأ قوله على الامارة يدخل فيه الامارة العظمى وهي الخلافة والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد وهذا أخبار منه صلى الله عليه وسلم بالشيء قبل وقوعه فوقع كما أخبر قوله وستكون ندامة يوم القيامة أي لمن لم يعمل فيها بما ينبغي وزاد في رواية شبابة وحسره ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك بلفظ أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة الا من عدل وفي الطبراني الأوسط من رواية شريك عن عبد الله بن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شريك لا أدري رفعه أم لا قال الامارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة وله شاهد من حديث شداد بن أوس رفعه بلفظ أولها ملامة وثانيها ندامة أخرجه الطبراني وعند الطبراني من حديث زيد بن ثابت رفعه نعم الشيء الامارة لمن اخذها بحقها وحلها وبئس الشيء الامارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة وهذا يقيد ما أطلق في الذي قبله ويقيده أيضا ما اخرج مسلم عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال انك ضعيف وانها امانة وانها يوم القيامة خزي وندامة الا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها قال النووي هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة واما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها والله أعلم قوله فنعم المرضعة وبئست الفاطمة قال الداودي نعم المرضعة أي في الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموت لأنه يصير الى المحاسبة على ذلك فهو كالذي يفطم قبل ان يستغني فيكون في ذلك هلاكه وقال غيره نعم المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة تنبيه الحقت التاء في بئست دون نعم والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثا جواز الإلحاق وتركه فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك وقال الطيبي انما لم يلحقها بنعم لأن المرضعة مستعارة للامارة وتأنيثها غير حقيقي فترك الحاق التاء بها والحاقها بئس نظرا الى كون الامارة حينئذ داهية دهياء قال وانما اتي بالتاء في الفاطمة والمرضعة إشارة الى تصوير تينك الحالتين المتجددتين في الارضاع والفطام قوله وقال محمد بن بشار هو بندار ووقع في مستخرج بن نعيم ان البخاري قال حدثنا محمد بن بشار وعبد الله بن حمران هو بصري صدوق وقد قال بن حبان في الثقات يخطىء وماله في الصحيح الا هذا الموضع وعبد الحميد بن جعفر هو المدني لم يخرج له البخاري الا تعليقا وعمر بن الحكم أي بن ثوبان مدني ثقة أخرج له البخاري في غير هذا الموضع تعليقا كما تقدم في الصيام قوله عن أبي هريرة أي موقوفا عليه قوله في حديث أبي موسى

[ 6730 ] ولا من حرص عليه بفتح المهملة والراء وقد تقدم مطولا من وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى في استتابة المرتدين وذكرت شرحه هناك وفي الحديث ان الذي يناله المتولي من النعماء والسراء دون ما يناله من البأساء والضراء اما بالعزل في الدنيا فيصير خاملا واما بالمؤاخذة في الآخرة وذلك أشد نسأل الله العفو قال القاضي البيضاوي فلا ينبغي لعاقل أن يفرح بلذة يعقبها حسرات قال المهلب الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض بذلك ووجه الندم انه قد يقتل أو يعزل أو يموت فيندم على الدخول فيها لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها وقد فاته ما حرص عليه بمفارقته قال ويستثنى من ذلك من تعين عليه كأن يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالأمر غيره وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع الأحوال قلت وهذا لا يخالف ما فرض في الحديث الذي قبله من الحصول بالطلب أو بغير طلب بل في التعبير بالحرص إشارة الى ان من قام بالأمر عند خشية الضياع يكون كمن أعطى بغير سؤال لفقد الحرص غالبا عمن هذا شأنه وقد يغتفر الحرص في حق من تعين عليه لكونه يصير واجبا عليه وتولية القضاء على الامام فرض عين وعلى القاضي فرض كفاية إذا كان هناك غيره

قوله باب من استرعي بضم المثناة على البناء للمجهول قوله رعية فلم ينصح أي لها

[ 6731 ] قوله أبو الأشهب هو جعفر بن حبان بمهملة وتحتانية ثقيلة قوله عن الحسن هو البصري وفي رواية الإسماعيلي من طريق شيبان عن أبي الأشهب حدثنا الحسن قوله ان عبيد الله بن زياد يعني أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد ووقع في رواية هشام المذكورة بعد هذه ما يدل على ان الحسن حضر ذلك من عبيد الله بن زياد عند معقل قوله عاد معقل بن يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة هو المزني الصحابي المشهور قوله في مرضه الذي مات فيه كانت وفاة معقل بالبصرة فيما ذكره البخاري في الأوسط ما بين الستين الى السبعين وذلك في خلافة يزيد بن معاوية قوله فقال له معقل اني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي الأشهب لو علمت ان لي حياة ما حدثتك قوله يسترعيه الله في نسخة الصغاني استرعاه قوله فلم يحطها بفتح أوله وضم الحاء وسكون الطاء المهملتين أي يكلؤها أو يصنها وزنه ومعناه والاسم الحياطة يقال حاطه إذا استولى عليه وأحاط به مثله قوله بنصحه كذا للأكثر بهاء الضمير وفي رواية المستملي بالنصيحة ووقع لمسلم في رواية شيبان يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته قوله لم يجد في نسخة الصغاني الا لم يجد بزيادة الا رائح الجنة زاد في رواية الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاما ووقع في رواية مسلم الا حرم الله عليه الجنة وله مثله من طريق يونس بن عبيد عن الحسن قال الكرماني مفهوم الحديث انه يجدها وهو عكس المقصود والجواب ان الا مقدرة أي الا لم يجد والخبر محذوف والتقدير ما من عبد فعل كذا الا حرم الله عليه الجنة ولم يجد رائحة الجنة استئناف كالمفسر له أو ليست ما للنفي وجازت زيادة من للتأكيد في الاثبات عند بعض النحاة وقد ثبت الا في بعض النسخ قلت لم يقع الجمع بين اللفظين المتوعد بهما في طريق واحدة فقوله لم يجد رائحة الجنة وقع في رواية أبي الأشهب وقوله

[ 6732 ] حرم الله عليه الجنة وقع في رواية هشام فكأنه أراد أن الأصل في الحديث الجمع بين اللفظين فحفظ بعض ما لم يحفظ بعض وهو محتمل لكن الظاهر انه لفظ واحد تصرفت فيه الرواة وزاد مسلم في آخره قال الا كنت حدثتني هذا قبل اليوم قال لم أكن لأحدثك قيل سبب ذلك هو ما وصفه به الحسن البصري من سفك الدماء ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه مسلم لولا اني ميت ما حدثتك فكأنه كان يخشى بطشه فلما نزل به الموت أراد ان يكف بذلك بعض شره عن المسلمين والى ذلك وقعت الإشارة في رواية لمسلم من طريق أبي المليح ان عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار فقال له معقل لولا أني في الموت ما حدثتك وقد أخرج الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن مغفل المزني فدخل عليه ذات يوم فقال له انته عما أراك تصنع فقال له وما أنت وذاك قال ثم خرج الى المسجد فقلنا له ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رءوس الناس فقال انه كان عندي علم فأحببت أن لا اموت حتى أقول به على رؤوس الناس ثم قام فما لبث ان مرض مرضه الذي توفي فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده فذكر نحو حديث الباب فيحتمل ان تكون القصة وقعت للصحابيين قوله قال زائدة ذكره هشام هو بحذف قال الثانية والتقدير قال الحسين الجعفي قال زائدة ذكره أي الحديث الذي سيأتي هشام وهو بن حسان ووقع في رواية مسلم عن القاسم بن زكريا عن الحسين الجعفي بالعنعنة في جميع السند وحاصل الروايتين انه أثبت الغش في إحداهما ونفى النصيحة في الأخرى فكأنه لا واسطة بينهما ويحصل ذلك بظلمه لهم بأخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو انتهاك أعراضهم وحبس حقوقهم وترك تعريفهم ما يجب عليهم في أمر دينهم ودنياهم وباهمال إقامة الحدود فيهم وردع المفسدين منهم وترك حمايتهم ونحو ذلك قوله فقال له معقل أحدثك حديثا قد ذكرت زيادة أبي المليح عند مسلم قوله ما من وال يلي رعية من المسلمين الخ وقع في رواية أبي المليح ما من أمير بدل وال وقال فيه ثم لا يجد له بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل وقال فيه الا لم يدخل معهم الجنة وللطبراني في الأوسط فلم يعدل فيهم الا كبه الله على وجهه في النار قال بن التين يلي جاء على غير القياس لأن ماضيه ولى بالكسر ومستقبله يولي بالفتح وهو مثل ورث يرث وقال بن بطال هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه اليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم امة عظيمة ومعنى حرم الله عليه الجنة أي انفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين ونقل بن التين عن الداودي نحوه قال ويحتمل ان يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصيحة قلت وهو احتمال بعيد جدا والتعليل مردود فالكافر أيضا قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر وقال غيره يحمل على المستحل والأولى انه محمول على غير المستحل وانما أريد به الزجر والتغليظ وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ لم يدخل معهم الجنة وهو يؤيد أن المراد انه لا يدخل الجنة في وقت دون وقت وقال الطيبي الفاء في قوله فلم يحطها وفي قوله فيموت مثل اللام في قوله فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وقوله وهو غاش قيد للفعل مقصود بالذكر يريد ان الله انما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فلما قلب القضية استحق ان يعاقب

قوله باب من شاق شق الله عليه في رواية النسفي من شق بغير ألف والمعنى من أدخل على الناس المشقة أدخل الله عليه المشقة فهو من الجزاء بجنس العمل

[ 6733 ] قوله خالد هو بن عبد الله الطحان قوله عن الجريري بضم الجيم هو سعيد بن إياس ولم يخرج البخاري للعباس الجرير شيئا وهو من هذه الطبقة وخالد الطحان معدود فيمن سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط وكانت وفاة الجريري سنة أربع وأربعين ومائة واختلط قبل موته بثلاث سنين وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد قلت وخالد قد أدرك أيوب فان أيوب لما مات كان خالد المذكور بن إحدى وعشرين سنة قوله عن طريف بالطاء المهملة وزن عظيم قوله أبي تميمة بالمثناة وزن عظيمة هو بن مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم الهجيمي بالجيم مصغر نسبة الى بني الهجيم بطن من تميم وكان مولاهم وهو بصري ماله في البخاري عن أحد من أصحابه الا هذا الحديث وله حديث آخر تقدم في الأدب من روايته عن أبي عثمان النهدي قوله شهدت صفوان هو بن محرز بن زياد التابعي الثقة المشهور من أهل البصرة قوله وجندبا هو بن عبد الله البجلي الصحابي المشهور وكان من أهل الكوفة ثم تحول الى البصرة قاله الكلاباذي قوله وأصحابه أي أصحاب صفوان قوله وهو أي جندب يوصيهم ذكره المزي في الأطراف بلفظ شهدت صفوان وأصحابه وجندبا يوصيهم ووقع في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبد الله بن محرز عن عمه صفوان بن محرز ان جندب بن عبد الله بعث الى عسعس بن سلامة زمن فتنة بن الزبير فقال اجمع لي نفرا من إخواني حتى أحدثهم فذكر القصة في تحديثه لهم بقصة الذي حمل على رجل فقال لا إله إلا الله فقتله وأظن ان القصتين واحدة ويجمعهما انه حذرهم من التعرض لقتل مسلم وزمن فتنة بن الزبير كانت عقب موت يزيد بن معاوية ووقع عند الطبراني من طريق ليث بن أبي سليم عن صفوان بن محرز عن جندب بن عبد الله انه مر بقوم فقال ائتني بنفر من قراء القرآن وليكونوا شيوخا قال فأتيته بنافع بن الأزرق وأبي بلال مرداس ونفر معهما ستة أو ثمانية فقال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحديث قلت وأخرجه أيضا من طريق الأعمش عن أبي تميمة انه انطلق مع جندب الى البصرة فقال هل كنت تدارس أحد القرآن قلت نعم قال فاتني بهم قال فأتيته بنافع وأبي بلال مرداس ونجدة وصالح بن مشرح فأنشأ يحدث قلت وهؤلاء الأربعة من رءوس الخوارج الذين خرجوا الى مكة لنصر بن الزبير لما جهز اليه يزيد بن معاوية الجيوش فشهدوا معه الحصار الأول فلما جاءهم الخبر بموت يزيد بن معاوية سألوا بن الزبير عن قوله في عثمان فأثنى عليه فغضبوا وفارقوه فحجوا وخرج نجدة باليمامة فغلب عليها وعلى بعض بلاد الحجاز وخرج نافع بن الأزرق بالعراق فدامت فتنته مدة واما أبو بلال مرداس فكان خرج على عبيد الله بن زياد قبل ذلك فقتله قوله من سمع سمع الله به يوم القيامة قلت تقدم هذا المتن من حديث جندب من وجه آخر مع شرحه في باب الرياء والسمعة من كتاب الرقاق وفيه ومن رايا ولم يقع فيه مقصود هذا الباب قوله ومن شاق شق الله عليه كذا للكشميهني وللسرخسي والمستملي ومن يشاقق يشاقق الله عليه بصيغة المضارع وبفك القاف في الموضعين وفي رواية الطبراني عن أحمد بن زهير التستري عن إسحاق بن شاهين شيخ البخاري فيه ومن يشاقق يشقق الله عليه قوله فقالوا أوصنا فقال ان أول ما ينتن من الإنسان بطنه يعني بعد الموت وصرح به في رواية صفوان بن محرز عن جندب ولفظه واعلموا ان أول ما ينتن من أحدكم إذا مات بطنه قوله فمن استطاع ان لا يأكل الا طيبا فليفعل في رواية صفوان فلا يدخل بطنه الا طيبا هكذا وقع هذا الحديث من هذا الوجه موقوفا وكذا أخرجه الطبراني من طريق قتادة عن الحسن هو البصري عن جندب موقوفا وأخرجه من طريق صفوان بن محرز وسياقه يحتمل الرفع والوقف فإنه صدر بقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سمع الحديث واعلموا ان أول ما ينتن وينتن بنون ومثناة وضم أوله من الرباعي وماضيه أنتن ونتن والنتن الرائحة الكريهة قوله ومن استطاع الا يحال بينه وبين الجنة بملء كف في رواية الكشميهني يحول وبلفظ ملء بغير موحدة ووقع في رواية كريمة والأصيلي كفه قوله من دم هراقه أي صبه فليفعل قال بن التين وقع في روايتنا اهراقة وهو بفتح الهمزة وكسرها قلت هي لمن عدا أبا ذر كذا وقع هذا المتن أيضا موقوفا وكذا أخرجه الطبراني من طريق صفوان بن محرز ومن طريق قتادة عن الحسن عن جندب موقوفا وزاد الحسن بعد قوله يهريقه كانما يذبح دجاجة كلما تقدم لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه ووقع مرفوعا عند الطبراني أيضا من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب ولفظه تعلمون اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة وهو يراها ملء كف دم من مسلم أهرقه بغير حله وهذا لو لم يرد مصرحا برفعه لكان في حكم المرفوع لأنه لا يقال بالرأي وهو وعيد شديد لقتل المسلم بغير حق قال الكرماني في معنى قوله ملء كف من دم هو عبارة عن مقدار دم انسان واحد كذا قال ومن أين هذا الحصر والمتبادر ان ذكر ماء الكف كالمثال والا فلو كان دون ذلك لكان الحكم كذلك وعن الطبراني من حديث الأعمش عن أبي تميمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة فذكر نحو رواية الجريري وزاد في آخره قال فبكى القوم فقال جندب لم أر كاليوم قط قوما أحق بالنجاة من هؤلاء ان كانوا صادقين قلت ولعل هذا هو السر في تصديره كلامه بحديث من سمع وكأنه تفرس فيهم ذلك ولهذا قال ان كانوا صادقين ولقد صدقت فراسته فانهم لما خرجوا بذلوا السيف في المسلمين وقتلوا الرجال والأطفال وعظم البلاء بهم كما تقدمت اليه الإشارة في كتاب المحاربين قال بن بطال المشاقة في اللغة مشتقة من الشقاق وهو الخلاف ومنه قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى والمراد بالحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين وكشف مساويهم وعيوبهم وترك مخالفة سبيل المؤمنين ولزوم جماعتهم والنهي عن إدخال المشقة عليهم والاضرار بهم قال صاحب العين شق الأمر عليك مشقة أضر بك انتهى وظاهره انه جعل المشقة والمشاقة بمعنى واحد وليس كذلك فقد جوز الخطابي في هذا ان تكون المشقة من الاضرار وفي حمل الناس على ما يشق عليهم وان تكون من الشقاق وهو الخلاف و مفارقة الجماعة وهو ان يكون في شق أي ناحية عن الجماعة ورجح الداودي الثاني ومن الأول قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه أخجره مسلم ووقع لغير أبي ذر في آخر هذا الحديث قلت لأبي عبد الله من يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جندب قال نعم جندب انتهى وأبو عبد الله المذكور هو المصنف والسائل له الفربري وقد خلت رواية النسفي عن ذلك وقد سيق من الطرق التي أوردتها ما يصرح بأن جندبا هو القائل وليس فيمن سمي في هذه القصة أحد من الصحابة غيره

قوله باب القضاء والفتيا في الطريق كذا سوى بينهما والأثران المذكوران في الترجمة صريحان فيما يتعلق بالقضاء والحديث المرفوع يؤخذ منه جواز الفتيا فيلحق به الحكم قوله وقضى يحيى بن يعمر بفتح الميم هو التابعي الجليل المشهور وكان من أهل البصرة فانتقل الى مرو بأمر الحجاج فولي قضاء مرو لقتيبة بن مسلم وكان من أهل الفصاحة والورع قال الحاكم قضى في أكثر مدن خراسان وكان إذا تحول الى بلد استخلف في التي انتقل منها قوله في الطريق وصله محمد بن سعد في الطبقات عن شبابه عن موسى بن يسار قال رأيت يحيى بن يعمر على القضاء بمرو فربما رأيته يقضي في السوق وفي الطريق وربما جاءه الخصمان وهو على حمار فيقضي بينهما وأخرج البخاري في التاريخ من طريق حميد بن أبي حكيم انه رأى يحيى بن يعمر يقضي في الطريق قوله وقضى الشعبي على باب داره قال بن سعد في الطبقات أخبرنا أبو نعيم حدثنا أبو إسرائيل رأيت الشعبي يقضي عند باب الفيل بالكوفة وأخرج الكرابيسي في القضاء من وجه آخر عن العشبي ان عليا قضى في السوق وأخرج من طريق القاسم بن عبد الرحمن انه مر على قوم وهو على راحلته فتظلموا من كرى لهم فنزل فقضى بينهم ثم ركب فمضى الى منزله ثم ذكر حديث سالم بن أبي الجعد عن أنس في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة وقد تقدم من وجه آخر عن سالم في كتاب الأدب مشروحا وقوله

[ 6734 ] هنا فلقينا رجل عند سدة المسجد السدة بضم السين وتشديد الدال المهملتين هي باب الدار وقيل لإسماعيل بن عبد الرحمن السدي بأنه كان يبيع المقانع عند سدة مسجد الكوفة وهي ما يبقى من الطاق المسدود وقيل هي المظلة على الباب لوقاية المطر والشمس وقيل هي الباب نفسه وقيل عتبته وقيل الساحة امام الباب وقوله ما عددت لها كذا لأبي ذر ولغيره عددت وهو بالتشديد مثل جمع مالا وعدده أي هيأه وقوله استكان أي خضع وهو استفعل من السكون الدال على الخضوع قال بن التين لعل سبب سؤال الرجل عن الساعة اشفاقا مما يكون فيها ولو سأل استعجالا لدخل في قوله تعالى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها وقوله كبير عمل بالموحدة للأكثر وبالمثلثة لبعضهم قال بن بطال في حديث أنس جواز سكوت العالم عن جواب السائل والمستفتي إذا كانت المسألة لا تعرف أو كانت مما لا حاجة بالناس إليها أو كانت مما يخشى منها الفتنة أو سوء التأويل ونقل عن المهلب الفتيا في الطريق وعلى الدابة ونحو ذلك من التواضع فان كانت لضعيف فهو محمود وان كانت لرجل من أهل الدنيا أو لمن يخشى لسانه فهو مكروه قلت والمثال الثاني ليس بجيد فقد يترتب على المسئول من ذلك ضرر فيجيب ليأمن شره فيكون في هذه الحالة محمودا قال واختلف في القضاء سائرا أو ماشيا فقال أشهب لا بأس به إذا لم يشغله عن الفهم وقال سحنون لا ينبغي وقال بن حبيب لا بأس بما كان يسيرا واما الابتداء بالنظر ونحوه فلا قال بن بطال وهو حسن وقول أشهب أشبه بالدليل وقال بن التين لا يجوز الحكم في الطريق فيما يكون غامضا كذا أطلق والأشبه التفصيل وقال بن المنير لا تصح حجة من منع الكلام في العلم في الطريق واما الحكاية التي تحكى عن مالك في تعزيره الحاكم الذي سأله في الطريق ثم حدثه فكان يقول وددت لو زادني سياطا وزادني تحديثا فلا يصح ثم قال ويحتمل ان يفرق بين حالة النبي صلى الله عليه وسلم وحالة غيره فان غيره في مظنة ان يتشاغل بلغو الطرقات وقد تقدم في كتاب العلم ترجمة الفتيا على الدابة ووقع في حديث جابر الطويل في حجة الوداع عند مسلم وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ليراه الناس وليشرف لهم ليسألوه والأحاديث في سؤال الصحابة وهو سائر ماشيا وراكبا كثيرة

قوله باب ما ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب ذكر فيه حديث أنس في قصة المرأة التي جاءت تعتذر عن قولها إليك عني لما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم ووجدها تبكي عند قبر بالصبر ففي الحديث فجاءت الى بابه فلم تجد عليه بوابا

[ 6735 ] قوله ان الصبر عند أول صدمة في رواية الكشميهني هنا ان الصبر عند الصدمة الأولى وقد تقدم شرحه مستوفى في باب زيارة القبور من كتاب الجنائز وان المراة لم تسم وان المقبور كان ولدها ولم يسم أيضا وان الذي ذكر لها ان الذي خاطبها هو النبي صلى الله عليه وسلم هو الفضل بن العباس ووقع هنا ان أنس بن مالك قال لامرأة من أهله هل تعرفين فلانة يعني صاحبة هذه القصة ولم أعرف اسم المرأة التي من أهل أنس أيضا وقولها إليك عني أي كف نفسك ودعني وقولها فإنك خلو بكسر المعجمة وسكون اللام أي خال من همي قال المهلب لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بواب راتب يعني فلا يرد ما تقدم في المناقب من حديث أبي موسى انه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف قال فالجمع بينهما انه إذا لم يكن في شغل من أهله ولا انفراد لشيء من أمره انه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة اليه وقال الطبري دل حديث عمر حين استأذن له الأسود يعني في قصة حلفه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا كما تقدم في النكاح أنه صلى الله عليه وسلم كان في وقت خلوته بنفسه يتخذ بوابا ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه ولم يحتج الى قوله يا رباح استأذن لي قلت ويحتمل ان يكون سبب استئذان عمر أنه خشي ان يكون وجد عليه بسبب ابنته فأراد أن يختبر ذلك باستئذانه عليه فلما أذن له اطمأن وتبسط في القول كما تقدم بيانه وقال الكرماني ملخصا لما تقدم معنى قوله لم يجد عليه بوابا انه لم يكن له بواب راتب أو في حجرته التي كانت مسكنا له أو لم يكن البواب بتعيينه بل باشرا ذلك بأنفسهما يعني أبا موسى ورباحا قلت الأول كاف وفي الثاني نظر لأنه إذا انتفى في الحجرة مع كونها مظنة الخلوة فانتفاؤه في غيرها أولى وان أراد اثبات البواب في الحجرة دون غيرها كان بخلاف حديث الباب فان المرأة انما جاءت اليه وهو في منزل سكنه فلم تجد عليه بوابا وفي الثالث أيضا نظر لأنه على تقدير أنهما فعلا ذلك من قبل أنفسهما بغير أمره لكن تقريره لهما على ذلك يفيد مشروعيته فيمكن ان يؤخذ منه الجواز مطلقا ويمكن ان يقيد بالحاجة وهو الأولى وقد اختلف في مشروعية الحجاب للحاكم فقال الشافعي وجماعة ينبغي للحاكم ان لا يتخذ حاجبا وذهب آخرون الى جوازه وحمل الأول على زمن سكون الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم وقال آخرون بل يستحب ذلك حينئذ ليرتب الخصوم ويمنع المستطيل ويدفع الشرير ونقل بن التين عن الداودي قال الذي أحدثه بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن من فعل السلف انتهى فأما اتخاذ الحاجب فقد ثبت في قصة عمر في منازعة العباس وعلي انه كان له حاجب يقال له يرفا ومضى ذلك في فرض الخمس واضحا ومنهم من قيد جوازه بغير وقت جلوسه للناس لفصل الاحكام ومنهم من عمم الجواز كما مضى واما البطائق فقال بن التين ان كان مراده البطائق التي فيها الاخبار بما جرى فصحيح يعني انه حادث قال واما البطائق التي تكتب للسبق ليبدأ بالنظر في خصومة من سبق فهو من العدل في الحكم وقال غيره وظيفة البواب أو الحاجب ان يطالع الحاكم بحال من حضر ولا سيما من الأعيان لاحتمال ان يجيء مخاصما والحاكم يظن انه جاء زائرا فيعطيه حقه من الاكرام الذي لا يجوز لمن يجيء مخاصما وايصال الخبر للحاكم بذلك اما بالمشافهة واما بالمكاتبة ويكره دوام الاحتجاب وقد يحرم فقد أخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي مريم الأسدي انه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولاه الله من أمر الناس شيئا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة وفي هذا الحديث وعيد شديد لمن كان حاكما بين الناس فاحتجب عنهم لغير عذر لما في ذلك من تأخير إيصال الحقوق أو تضييعها واتفق العلماء على انه يستحب تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر على المقيم ولا سيما ان خشي فوات الرفقة وان من اتخذ بوابا أو حاجبا أن يتخذه ثقة عفيفا أمينا عارفا حسن الأخلاق عارفا بمقادير الناس

قوله باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الامام الذي فوقه أي الذي ولاه من غير احتياج الى استئذانه في خصوص ذلك ذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول

[ 6736 ] قوله حدثنا محمد بن خالد قال الحاكم والكلاباذي أخرج البخاري عن محمد بن يحيى الذهلي فلم يصرح به وانما يقول حدثنا محمد وتارة محمد بن عبد الله فينسبه لجده وتارة حدثنا محمد بن خالد فكأنه نسبه الى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس قلت ويؤيده انه وقع منسوبا في حديث آخر أخرجه عند الأكثر في الطب عن محمد بن خالد حدثنا محمد بن وهب بن عطية فوقع في رواية الأصيلي حدثنا محمد بن خالد الذهلي وكذا هو في نسخة الصغائي وأخرج بن الجارود الحديث المذكور عن محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب المذكور وقال خلف في الأطراف هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي وتعقبه بن عساكر فقال عندي أنه الذهلي وقال المزي في التهذيب قول خلف انه الرافقي ليس بشيء قلت قد ذكر أبو أحمد بن عدي في شيوخ البخاري محمد بن خالد بن جبلة لكن عرفه بروايته عنه عن عبيد الله بن موسى والحديث الذي أشار اليه وقع في التوحيد لكن قال فيه حدثنا محمد بن خالد فقط ولم ينسبه لجده جبلة وهو بفتح الجيم والموحدة ولا لبلده الرافقة وهي بفاء ثم قاف وقد ذكر الدارقطني أيضا في شيوخ البخاري محمد بن خالد الرافقي وأخرج النسائي عنه فنسبه لجده فقال أخبرنا محمد بن جبلة فقال المزي في ترجمته هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي وقد أخرج البخاري عن محمد بن خالد عن محمد بن موسى بن أعين حديثا فقال المزي في التهذيب قيل هو الرافقي وقيل هو الذهلي وهو أشبه وسقط محمد بن خالد من هذا السند من أطراف أبي مسعود فقال خ في الأحكام عن محمد بن عبد الله الأنصاري نفسه عن أبيه قال المزي في الأطراف كذا قال أبو مسعود يعني والصواب ما وقع في جميع النسخ ان بين البخاري وبين الأنصاري في هذا الحديث واسطة وهو محمد بن خالد المذكور وبه جزم خلف في الأطراف أيضا كما تقدم والله اعلم قلت ويؤيد كونه عن الذهلي أن الترمذي أخرجه في المناقب عن محمد بن يحيى وهو الذهلي به قوله حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري هكذا للأكثر وفي رواية أبي زيد المروزي حدثنا الأنصاري محمد فقدم النسبة على الاسم ولم يسم أباه قوله حدثني أبي في رواية أبي زيد حدثنا وهو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس وثمامة شيخه هو عم أبيه وقد أخرج البخاري عن الأنصاري بلا واسطة عدة أحاديث في الزكاة والقصاص وغيرهما وروى عنه بواسطة في عدة في الاستسقاء وفي بدء الخلق وفي شهود الملائكة بدرا وغيرها قوله إن قيس بن سعد زاد في رواية المروزي بن عبادة وهو الأنصاري الخزرجي الذي كان والده رئيس الخزرج وصنيع الترمذي يوهم انه قيس بن سعد بن معاذ فإنه أخرج حديث الباب في مناقب سعد بن معاذ فلا يغتر بذلك قوله كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال الكرماني فائدة تكرار لفظ الكون أراده بيان الدوام والاستمرار انتهى وقد وقع في رواية الترمذي وابن حبان والإسماعيلي وأبي نعيم وغيرهم من طرق عن الأنصاري بلفظ كان قيس بن سعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فظهر ان ذلك من تصرف الرواة قوله بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير زاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن مرزوق عن الأنصاري لما ينفذ من أموره وهذه الزيادة مدرجة من كلام الأنصاري بين ذلك الترمذي فإنه أخرج الحديث عن محمد بن مرزوق الى قوله الأمير ثم قال قال الأنصاري لما يلي من أموره وقد خلت سائر الروايات عنها وقد ترجم بن حبان لهذا الحديث احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا عليه وهذا يدل على انه فهم من الحديث ان ذلك وقع لقيس بن سعد على سبيل الوظيفة الراتبة وهو الذي فهمه الأنصاري راوي الحديث لكن يعكر عليه ما زاده الإسماعيلي فقال حدثنا الهيثم بن خلف عن محمد بن المثنى عن الأنصار حدثني أبي عن ثمامة قال الأنصاري ولا أعلمه الا عن أنس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان قيس بن سعد في مقدمته بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم في قيس ان يصرفه من الموضع الذي وضعه فيه مخافة ان يقدم على شيء فصرفه عن ذلك ثم أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى ومحمد بن أبي سويد جميعا عن محمد بن المثنى عن الأنصاري بمثل لفظ محمد بن مرزوق بدون الزيادة التي في آخره قال ولم يشك في كونه عن أنس قلت وكذا أخرجه بن حبان في صحيحه من طريق بشر بن آدم بن بنت السمان عن الأنصاري لكن لم ينفرد الهيثم ولا شيخه محمد بن المثنى بالزيادة المذكورة فقد أخرجه بن منده في المعرفة عن محمد بن عيسى قال حدثنا أبو حاتم الرازي عن الأنصاري بطوله فكأن القدر المحقق وصله من الحديث هو الذي اقتصر عليه البخاري وأكثر من أخرج الحديث واما الزيادة فكان الأنصاري يتردد في وصلها وعلى تقدير ثبوتها فلم يقع ذلك لقيس بن سعد الا في تلك المرة ولم يستمر مع ذلك فيها والشرطة بضم المعجمة والراء والنسبة إليها شرطي بضمتين وقد تفتح الراء فيهما هم أعوان الأمير والمراد بصاحب الشرطة كبيرهم فقيل سموا بذلك لأنهم رذالة الجند ومنه في حديث الزكاة ولا الشرطة اللئيمة أي رديء المال وقيل لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند ومنه في حديث الملاحم وتشترط شرطة للموت أي متعاقدون على ان لا يفروا ولو ماتوا قال الأزهري شرط كل شيء خياره ومنه الشرطة لأنهم نخبة الجند وقيل هو أول طائفة تتقدم الجيش وتشهد الوقعة وقيل سموا شرطا لأن لهم علامات يعرفون بها من هيئة وملبس وهو اختيار الأصمعي وقيل لأنهم أعدوا أنفسهم لذلك يقال أشرط فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدها قاله أبو عبيد وقيل مأخوذ من الشريط وهو الحبل المبرم لما فيه من الشدة وقد استشكلت مطابقة الحديث للترجمة فأشار الكرماني الى انها تؤخذ من قوله دون الحاكم لأن معناه عند وهذا جيد ان ساعدته اللغة وعلى هذا فكأن قيسا كان من وظيفته ان يفعل ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأمره سواء كان خاصا أم عاما قال الكرماني ويحتمل ان تكون دون بمعنى غير قال وهو الذي يحتمله الحديث الثاني لا غير قلت فيلزم ان يكون استعمل في الترجمة دون في معنيين وفي الحديث تشبيه ما مضى بما حدث بعده لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودا في العهد النبوي عند أحد من العمال وانما حدث في دولة بني أمية فأراد أنس تقريب حال قيس بن سعد عند السامعين فشبهه بما يعهدونه الحديث الثاني

[ 6737 ] قوله عن أبي موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه واتبعه بمعاذ هذه قطعة من حديث طويل تقدم في استتابة المرتدين بهذا السند وأوله أقبلت ومعي رجلان من الأشعريين الحديث وفيه بعد قوله لا نستعمل على عملنا من أراده ولكن اذهب أنت يا أبا موسى ثم اتبعه معاذ بن جبل وفيه قصة اليهودي الذي أسلم ثم ارتد وهي التي اقتصر عليها هنا بعد هذا الحديث الثالث

[ 6738 ] قوله محبوب بمهملة وموحدتين بن الحسن بن هلال بصري واسمه محمد ومحبوب لقب له وهو به أشهر وهو مختلف في الاحتجاج به وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وهو في حكم المتابعة لأنه تقدم في استتابة المرتدين من وجه آخر عن حميد بن هلال قوله حدثنا خالد هو الحذاء قوله ان رجلا أسلم ثم تهود قد تقدم شرحه هناك مستوفى قوله لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله قد تقدم هناك فأمر به فقتل وبذلك يتم مراد الترجمة والرد على من زعم ان الحدود لا يقيمها عمال البلاد الا بعد مشاورة الامام الذي ولاهم قال بن بطال اختلف العلماء في هذا الباب فذهب الكوفيون الى ان القاضي حكمه حكم الوكيل لا يطلق يده الا فيما اذن له فيه وحكمه عند غيرهم حكم الوصي له التصرف في كل شيء ويطلق يده على النظر في جميع الأشياء الا ما استثنى ونقل الطحاوي عنهم ان الحدود لا يقيمها الا أمراء الأمصار ولا يقيمها عامل السواد ولا نحوه ونقل بن القاسم لا تقام الحدود في المياه بل تجلب الى الأمصار ولا يقام القصاص في القتل في مصر كلها الا بالفسطاط يعني لكونها منزل متولي مصر قال أو يكتب الي والى الفسطاط بذلك أي يستأذنه وقال أشهب بل من فوض له الوالي ذلك من عمال المياه جاز له ان يفعله وعن الشافعي نحوه قال بن بطال والحجة في الجواز حديث معاذ فإنه قتل المرتد دون ان يرفع أمره الى النبي صلى الله عليه وسلم

قوله باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان في رواية الكشميهني الحاكم ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدهما

[ 6739 ] قوله كتب أبو بكرة يعني والد عبد الرحمن الراوي المذكور قوله الى ابنه كذا وقع هنا غير مسمى ووقع في أطراف المزي الى ابنه عبيد الله وقد سمي في رواية مسلم ولكن بغير هذا اللفظ أخرجه من طريق أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن قال كتب أبي وكتبت له الى عبيد الله بن أبي بكرة ووقع في العمدة كتب أبي وكتبت له الى ابنه عبيد الله وقد سمي الخ وهو موافق لسياق مسلم الا انه زاد لفظ ابنه قيل معناه كتب أبو بكرة بنفسه مرة وأمر ولده عبد الرحمن ان يكتب لأخيه فكتب له مرة أخرى قلت ولا يتعين ذلك بل الذي يظهر ان قوله كتب أبي أي أمر بالكتابة وقوله وكتبت له أي باشرت الكتابة التي أمر بها والأصل عدم التعدد ويؤيده قوله في المتن المكتوب اني سمعت فان هذه العبارة لأبي بكرة لا لابنه عبد الرحمن فإنه لا صحبة له وهو أول مولود ولد بالبصرة كما تقدم في الكلام على قول أبي بكرة لو دخلوا على ما بهشت لهم بقصبة قوله وكان بسجستان في رواية مسلم وهو قاض بسجستان وهي جملة حالية وسجستان بكسر المهملة والجيم على الصحيح بعدهما مثناة ساكنة وهي الى جهة الهند بينها وبين كرمان مائة فرسخ منها أربعون فرسخا مفازة ليس فيها ماء وينسب إليها سجستاني وسجزتي بزاي بدل السين الثانية والتاء وهو على غير قياس وسجستان لا تصرف للعلمية والعجمية أو زيادة الألف والنون قال بن سعد في الطبقات كان زياد في ولايته على العراق قرب أولاد أخيه لأمه أبي بكرة وشرفهم وأقطعهم وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان قال ومات أبو بكرة في ولاية زياد قوله أن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان في رواية مسلم ان لا تحكم قوله لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان وفي رواية مسلم لا يحكم أحد والباقي سواء وفي رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير بسنده لا يقضي القاضي أو لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان ولم يذكر القصة والحكم بفتحتين هو الحاكم وقد يطلق على القيم بما يسند اليه قال المهلب سبب هذا النهي ان الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم الى غير الحق فمنع وبذلك قال فقهاء الأمصار وقال بن دقيق العيد فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى الى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة على مظنة وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره وقد أخرج البيهقي بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه لا يقض القاضي الا وهو شبعان ريان وقول الشيخ وهو قياس مظنة على مظنة صحيح وهو استنباط معنى دل عليه النص فإنه لما نهى عن الحكم حالة الغضب فهم منه ان الحكم لا يكون الا في حالة استقامة الفكر فكانت علة النهي المعنى المشترك وهو تغير الفكر والوصف بالغضب يسمى علة بمعنى انه مشتمل عليه فالحق ما في معناه كالجائع قال الشافعي في الأم أكره للحاكم ان يحكم وهو جائع أو تعب أو مشغول القلب فان ذلك يغير القلب فرع لو خالف فحكم في حال الغضب صح ان صادف الحق مع الكراهة هذا قول الجمهور وقد تقدم انه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير بشراح الحرة بعد ان اغضبه خصم الزبير لكن لا حجة فيه لرفع الكراهة عن غيره لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يقول في الغضب الا كما يقول في الرضى قال النووي في حديث اللقطة فيه جواز الفتوى في حال الغضب وكذلك الحكم وينفذ ولكنه مع الكراهة في حقنا ولا يكره في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف على غيره وأبعد من قال يحمل على انه تكلم في الحكم قبل وصوله في الغضب الى تغير الفكر ويؤخذ من الإطلاق انه لا فرق بين مراتب الغضب ولا أسبابه وكذا أطلقه الجمهور وفصل امام الحرمين والبغوي فقيدا الكراهية بما إذا كان الغضب لغير الله واستغرب الروياني هذا التفصيل واستبعده غيره لمخالفته لظواهر الحديث وللمعنى الذي لأجله نهي عن الحكم حال الغضب وقال بعض الحنابلة لا ينفذ الحكم في حال الغضب بثبوت النهي عنه والنهي يقتضي الفساد وفصل بعضهم بين ان يكون الغضب طرأ عليه بعد ان استبان له الحكم فلا يؤثر والا فهو محل الخلاف وهو تفصيل معتبر وقال بن المنير ادخل البخاري حديث أبي بكرة الدال على المنع ثم حديث أبي مسعود الدال على الجواز تنبيها منه على طريق الجمع بأن يجعل الجواز خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لوجود العصمة في حقه والأمن من التعدي أو ان غضبه انما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز والا منع وهو كما قيل في شهادة العدو ان كانت دنيوية ردت وان كانت دينية لم ترد قاله بن دقيق العيد وغيره وفي الحديث ان الكتابة بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل واما في الرواية فمنع منها قوم إذا تجردت عن الإجازة والمشهور الجواز نعم الصحيح عند الأداء الا يطلق الاخبار بل يقول كتب الي أو كاتبني أو أخبرني في كتابه وفيه ذكر الحكم مع دليله في التعليم ويجيىء مثله في الفتوى وفيه شفقة الأب على ولده واعلامه بما ينفعه وتحذيره من الوقوع فيما ينكر وفيه نشر العلم للعمل به والاقتداء وان لم يسأل العالم عنه الحديث الثاني

[ 6740 ] قوله عبد الله هو بن المبارك قوله جاء رجل تقدم في باب تخفيف الامام من أبواب الإمامة انه لم يسم ووهم من قال انه حزم بن كعب وان المراد هنا بفلان هو معاذ بن جبل وتقدم شرح الحديث هناك مستوفى وتقدم القول في الغضب في باب الغضب في الموعظة من كتاب العلم الحديث الثالث حديث بن عمر في طلاق امرأته وهي حائض

[ 6741 ] قوله يونس هو بن يزيد الأيلي قوله فتغيظ فيه وفي رواية الكشميهني عليه والضمير في قوله فيه يعود للفعل المذكور وهو الطلاق الموصوف وفي عليه للفاعل وهو بن عمر وقد تقدم الحديث مشروحا في كتاب الطلاق

قوله باب من رأى للقاضي ان يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة أشار الى قول أبي حنيفة ومن وافقه ان للقاضي ان يحكم بعلمه في حقوق الناس وليس له ان يقضي بعلمه في حقوق الله كالحدود لأنها مبنية على المسامحة وله في حقوق الناس تفصيل قال ان كان ما علمه قبل ولايته لم يحكم لأنه بمنزلة ما سمعه من الشهود وهو غير حاكم بخلاف ما علمه في ولايته وأما قوله إذا لم يخف الظنون والتهمة فقيد به قول من أجاز للقاضي ان يقضي بعلمه لأن الذين منعوا ذلك مطلقا اعتلوا بأنه غير معصوم فيجوز ان تلحقه التهمة إذا قضى بعلمه ان يكون حكم لصديقه على عدوه فحسمت المادة فجعل المصنف محل الجواز ما إذا لم يخف الحاكم الظنون والتهمة وأشار الى انه يلزم من المنع من أجل حسم المادة ان يسمع مثلا رجلا طلق امرأته طلاقا بائنا ثم رفعته اليه فأنكر فإذا حلفه فحلف لزم ان يديمه على فرج حرام فيفسق به فلم يكن له بد من ان لا يقبل قوله ويحكم عليه بعلمه فان خشي التهمة فله أن يدفعه ويقيم شهادته عليه عند حاكم آخر وسيأتي مزيد لذلك في باب الشهادة تكون عند الحاكم وقال الكرابيسي الذي عندي ان شرط جواز الحكم بالعلم ان يكون الحاكم مشهورا بالصلاح والعفاف والصدق ولم يعرف بكبير زلة ولم يؤخذ عليه خربة بحيث تكون أسباب التقى فيه موجودة واسباب التهم فيه مفقودة فهذا الذي يجوز له ان يحكم بعلمه مطلقا قلت وكأن البخاري أخذ ذلك عنه فإنه من مشايخه قوله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف هذا اللفظ وصله المؤلف في النفقات من طريق هشام بن عروة عن أبيه وقد ساق القصة في هذا الباب بغير هذا اللفظ من طريق الزهري عن عروة وقوله وذلك إذا كان أمرا مشهورا هذا تفسير قول من قال يقضي بعلمه مطلقا ويحتمل ان يكون المراد المشهور الشيء المأمور بأخذه ثم ذكر قصة هند بنت عتبة

[ 6742 ] قوله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب الخ تقدم في السيرة النبوية في المناقب والكلام عليه وتقدم شرح ما تضمنه الحديث المذكور في كتاب النفقات وفيه بيان استدلال من استدل به على جواز حكم الحاكم بعلمه ورد قول المستدل به على الحكم على الغائب قال بن بطال احتج من أجاز للقاضي ان يحكم بعلمه بحديث الباب فإنه صلى الله عليه وسلم قضى لها بوجوب النفقة لها ولولدها لعلمه بأنها زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة ومن حيث النظر ان علمه أقوى من الشهادة لأنه يتيقن ما علمه والشهادة قد تكون كذبا وحجة من منع قوله في حديث أم سلمة انما أقضي له بما أسمع ولم يقل بما أعلم وقال للحضرمي شاهداك أو يمينه وفيه وليس لك الا ذلك ولما يخشى من قضاة السوء ان يحكم أحدهم بما شاء ويحيل على علمه احتج من منع مطلقا بالتهمة واحتج من فصل بأن الذي علمه الحاكم قبل القضاء كان على طريق الشهادة فلو حكم به لحكم بشهادة نفسه فصار بمنزلة من قضى بدعواه على غيره وأيضا فيكون كالحاكم بشاهد واحد وقد تقدم له تعليل آخر واما في حال القضاء ففي حديث أم سلمة فانما أقضي له على نحو ما أسمع ولم يفرق بين سماعه من شاهد أو مدع وسيأتي تفصيل المذاهب في الحكم بالعلم في باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء وقال بن المنير لم يتعرض بن بطال لمقصود الباب وذلك ان البخاري احتج لجواز الحكم بالعلم بقصة هند فكان ينبغي للشارح ان يتعقب ذلك بأن لا دليل فيه لأنه خرج مخرج الفتيا وكلام المفتي يتنزل على تقدير صحة انهاء المستفتى فكأنه قال ان ثبت انه يمنعك حقك جاز لك استيفاؤه مع الإمكان قال وقد أجاب بعضهم بأن الأغلب من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم الحكم والالزام فيجب تنزيل لفظه عليه لكن يرد عليه انه صلى الله عليه وسلم ما ذكر في قصة هند انه يعلم صدقها بل ظاهر الأمر انه لم يسمع هذه القصة الا منها فكيف يصح الاستدلال به على حكم الحاكم بعلمه قلت وما ادعى نفيه بعيد فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ واطلاعه على صدقها ممكن بالوحي دون من سواه فلا بد من سبق علم ويؤيد اطلاعه على حالها من قبل ان تذكر ما ذكرت من المصاهرة ولأنه قبل قولها انها زوجة أبي سفيان بغير بينة واكتفي فيه بالعلم ولأنه لو كانت فتيا لقال مثلا تأخذ فلما اتى بصيغة الأمر بقوله خذي دل على الحكم وسيأتي لهذا مزيد في باب القضاء على الغائب ثم قال بن المنير أيضا لو كان حكما لاستدعى معرفة المحكوم به والواقع ان المحكوم به غير معين كذا قال والله أعلم

قوله باب الشهادة على الخط المختوم كذا للأكثر بمعجمة ثم مثناة وفي رواية الكشميهني المحكوم بمهملة ثم كاف أي المحكوم به وسقطت هذه اللفظة لابن بطال ومراده هل تصح الشهادة على الخط أي بأنه خط فلان وقيد بالمختوم لأنه أقرب الى عدم التزوير على الخط قوله وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه يريد ان القول بذلك لا يكون على التعميم اثباتا ونفيا بل لا يمنع ذلك مطلقا فتضيع الحقوق ولا يعمل بذلك مطلقا فلا يؤمن فيه التزوير فيكون جائزا بشروط قوله وكتاب الحاكم على عامله والقاضي الى القاضي يشير الى الرد على من أجاز الشهادة على الخط ولم يجزها في كتاب القاضي وكتاب الحاكم وسيأتي بيان من قاله والبحث معه فيه قوله وقال بعض الناس كتاب الحاكم جائز الا في الحدود ثم قال ان كان القتل خطأ فهو جائز لأن هذا مال بزعمه وانما صار مالا بعد ان ثبت القتل قال بن بطال حجة البخاري على من قال ذلك من الحنفية واضحة لأنه إذا لم يجز الكتاب بالقتل فلا فرق بين الخطأ والعمد في أول الأمر وانما يصير مالا بعد الثبوت عند الحاكم والعمد أيضا ربما آل الى المال فاقتضى النظر التسوية قوله وقد كتب عمر الى عامله في الحدود في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني في الجارود بجيم خفيفة وبعد الألف راء مضمومة وهو بن المعلى ويقال بن عمرو بن المعلى العبدي ويقال كان اسمه بشرا والجارود لقبه وكان الجارود المذكور قد أسلم وصحب ثم رجع الى البحرين فكان بها وله قصة مع قدامة بن مظعون عامل عمر على البحرين أخرجها عبد الرازق من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة قال استعمل عمر قدامة بن مظعون فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر فقال ان قدامة شرب فسكر فكتب عمر الى قدامة في ذلك فذكر القصة بطولها في قدوم قدامة وشهادة الجارود وأبي هريرة عليه وفي احتجاج قدامة بآية المائدة وفي رد عمر عليه وجلده الحد وسندها صحيح وقد تقدم في آخر الحدود ونزول الجارود البصرة بعد ذلك واستشهد في خلافة عمر سنة عشرين قوله وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت وصله أبو بكر الخلال في كتاب القصاص والديات من طريق عبد الله بن المبارك عن حكيم بن زريق عن أبيه قال كتب الى عمر بن عبد العزيز كتابا أجاز فيه شهادة رجل على سن كسرت قوله وقال إبراهيم كتاب القاضي الى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم وصله بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبيدة عن إبراهيم قوله وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق عيسى بن أبي عزة قال كان عامر يعني الشعبي يجيز الكتاب المختوم يجيئه من القاضي وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن الشعبي قال لا يشهد ولو عرف الكتاب والخاتم حتى يذكر ويجمع بينهما بان الأول إذا كان من القاضي الى القاضي والثاني في حق الشاهد قوله ويروى عن بن عمر نحوه قلت لم يقع لي هذا الأثر عن بن عمر الى الآن قوله وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي هو المعروف بالضال بضاد معجمة ولام ثقيلة سمي بذلك لأنه ضل في طريق مكة قاله عبد الغني بن سعيد المصري ووثقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائي ومات سنة ثمانين ومائة وكان معمرا أدرك أبا رجاء العطاردي وقد وصل أثره هذا وكيع في مصنفة عنه قوله شهدت أي حضرت عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة وهو الليثي تابعي ثقة وكان يزيد بن هبيرة ولاه قضاء البصرة لما ولي امارتها من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان ذكر ذلك عمر بن شبة في أخبار البصرة وقال انه مات وهو على القضاء وأرخه بن حبان في الثقات سنة مائة فوهم وذكر بن سعد انه كان قاضيا قبل الحسن ومات في خلافة عمر بن عبد العزيز والصواب بعد الحسن وقول عمر بن شبة هو المعتمد وان بن هبيرة هو الذي ولاه ومات على القضاء بعد ذلك بعد المائة بسنتين أو ثلاثة ويقال بل عاش الى خلافة هشام بن عبد الملك فعزله خالد بن عبد الله القسري وولى ثمامة بن عبد الله بن أنس قوله وإياس بن معاوية بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية هو المزني المعروف بالذكاء وكان قد ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز ولاه عدي بن أرطاة عامل عمر عليها بعد امتناعه منه وله في ذلك أخبار منها ما ذكره الكرابيسي في أدب القضاء قال حدثنا عبيد الله بن عائشة حدثنا عبد الله بن عمر القيسي قال قالوا لإياس لما امتنع من الولاية يا أبا واثلة اختر لنا قال لا اتقلد ذلك قيل له لو وجدت رجلا ترضاه أكنت تشير به قال نعم قيل وترضى له ان يلي إذا كان رضا قال نعم قيل له فإنك خيار رضا فلم يزالوا به حتى ولي قلت ثم وقع بينهما فركب إياس الى عمر بن عبد العزيز فبادر عدي فولى الحسن البصري القضاء فكتب عمر ينكر على عدي ما ذكره عنه إياس ويوفق صنعه في تولية الحسن القضاء ذكر ذلك عمر بن شبة ومات إياس سنة اثنتين وعشرين ومائة وهو ثقة عند الجميع قوله والحسن هو بن أبي الحسن البصري الامام المشهور وكان ولي قضاء البصرة مدة لطيفة ولاه عدي أميرها لما ذكرنا ومات الحسن سنة عشر ومائة قوله وثمامة بن عبد الله بن أنس هو الراوي المشهور وكان تابعيا ثقة ناب في القضاء بالبصرة عن أبي بردة ثم ولي قضاء البصرة أيضا في أوائل خلافة هشام بن عبد الملك ولاه خالد القسري سنة ست ومائة وعزله سنة عشر وقيل سنة تسع وولى بلال بن أبي بردة ومات ثمامة بعد ذلك قوله وبلال بن أبي بردة أي بن أبي موسى الأشعري وكان صديق خالد بن عبد الله القسري فولاه قضاء البصرة لما ولي امرتها من قبل هشام بن عبد الملك وضم اليه الشرطة فكان أميرا قاضيا ولم يزل قاضيا الى ان قتله يوسف بن عمر الثقفي لما ولي الامرة بعد خالد وعذب خالدا وعماله ومنهم بلال وذلك في سنة عشرين ومائة ويقال انه مات في حبس يوسف وقد أخرج له الترمذي حديثا واحدا ولم يكن محمودا في أحكامه ويقال انه كان يقول ان الرجلين ليختصمان الي فاجد أحدهما اخف على قلبي فأقضي له ذكر ذلك أبو العباس المبرد في الكامل قوله وعبد الله بن بريدة الأسلمي هو التابعي المشهور وكان ولي قضاء مرو بعد أخيه سليمان سنة خمس عشرة ومائة الى ان مات وهو على قضائها سنة خمس عشرة ومائة وذلك في ولاية أسد بن عبد الله القسري على خراسان وهو أخو خالد القسري وحديث عبد الله بن بريدة بن الخصيب هذا في الكتب الستة قوله وعامر بن عبدة هو بفتح الموحدة وقيل بسكونها ذكره بن ماكولا بالوجهين وقيل فيه أيضا عبيدة بكسر الموحدة وزيادة ياء وجميع من في البخاري بالسكون الا بحالة بن عبدة المقدم ذكره في كتاب الجزية فإنه بالتحريك وعامر هو البجلي أبو إياس الكوفي ووثقه بن معين وغيره وهو من قدماء التابعين له رواية عن بن مسعود وروى عنه المسيب بن رافع وأبو إسحاق وحديثه عند النسائي وكان ولي القضاء بالكوفة مرة وعمر قوله وعباد بن منصور أي الناجي بالنون والجيم يكنى أبا سلمة بصري قال أبو داود ولي قضاء البصرة خمس مرات وذكر عمر بن شبة انه أول ما ولي سنة سبع وعشرين ولاه يزيد بن عمر بن هبيرة فلما عزل وولى مسلم بن قتيبة عزله وولى معاوية بن عمرو ثم استعفى فأعفاه مسلم وأعاد عباد بن منصور وكان عباد يرمي بالقدر ويدلس فضعفوه بسب ذلك ويقال انه تغير وحديثه في السنن الأربعة وعلق له البخاري شيئا ومات سنة اثنتين وخمسين ومائة قوله يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود الخ يعني قوله فالتمس المخرج وهو بفتح الميم وسكون المعجمة وآخره جيم اطلب الخروج من عهدة ذلك اما بالقدح في البينة بما يقبل فتبطل الشهادة واما بما يدل على البراءة من المشهود به قوله وأول من سأل على كتاب القاضي البينة بن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة وامامها وليها في زمن يوسف بن عمر الثقفي في خلافة الوليد بن يزيد ومات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو صدوق اتفقوا على ضعف حديثه من قبل سوء حفظه وقال الساجي كان يمدح في قضائه فاما في الحديث فليس بحجة وقال أحمد فقه بن أبي ليلى أحب الي من حديثه وحديثه في السنن الأربعة وأغفل المزي ان يعلم له في التهذيب علامة تعليق البخاري كما اغفل أن يترجم لسوار بن عبد الله المذكور بعده أصلا مع انه اعلم لكل من ذكره معاوية بن عبد الكريم هنا ممن لم يخرج له شيئا موصولا قوله وسوار بن عبد الله بفتح المهملة وتشديد الواو وهو العنبري نسبة الى بني العنبر من بني تميم قال بن حبان في الثقات كان فقيها ولاه المنصور قضاء البصرة سنة ثمان وثلاثين ومائة فبقي على قضائها الى ان مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين وحفيده سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله ولي قضاء الرصافة ببغداد والجانب الشرقي وحديثه في السنن الثلاثة ومات سنة خمس وأربعين ومائتين قوله وقال لنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين قوله حدثنا عبيد الله بالتصغير ابن محرز بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء بعدها زاي هو كوفي ما رأيت له راويا غير أبي نعيم وما له في البخاري سوى هذا الأثر ولم يزد المزي في ترجمته على ما تضمنه هذا الأثر قوله جئت بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة أي بن مالك التابعي المشهور وكان ولي قضاء البصرة في ولاية الحكم بن أيوب الثقفي وهو ثقة حديثه في الكتب الستة وقال بن حبان في الثقات مات بعد أخيه النضر بالبصرة وكانت وفاة النضر قبل وفاة الحسن البصري سنة ثمان أو تسع ومائة قوله فجئت به القاسم بن عبد الرحمن أي بن عبد الله بن مسعود المسعودي يكنى أبا عبد الرحمن وقال العجلي ثقة وكان على قضاء الكوفة زمن عمر بن عبد العزيز وكان لا يأخذ علي القضاء أجرا وكان ثقة صالحا وهو تابعي قال بن المديني لم يلق من الصحابة الا جابر بن سمرة ويقال انه مات سنة ست عشرة ومائة قوله فأجازه بجيم وزاي أي امضاه وعمل به تنبيه وقع في المغني لابن قدامة يشترط في قول أئمة الفتوى أن يشهد بكتاب القاضي الى القاضي شاهدان عدلان ولا تكفي معرفة خط القاضي وختمه وحكى عن الحسن وسوار والحسن العنبري انهم قالوا إذا كان يعرف خطه وختمه قبله وهو قول أبي ثور قلت وهو خلاف ما نقله البخاري عن سوار انه أول من سأل البينة وينضم الى من ذكرهم بن قدامة سائر من ذكرهم البخاري من قضاة الأمصار من التابعين فمن بعدهم قوله وكره الحسن هو البصري وأبو قلابة هو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء قوله ان يشهد بفتح أوله والفاعل محذوف أي الشاهد قوله على وصية حتى يعلم ما فيها اما أثر الحسن فوصله الدارمي من رواية هشام بن حسان عنه قال لا تشهد على وصية حتى تقرأ عليك ولا تشهد على من لا تعرف وأخرجه سعيد بن منصور من طريق يونس بن عبيد عن الحسن نحوه واما أثر أبي قلابة فوصله بن أبي شيبة ويعقوب بن سفيان جميعا من طريق حماد بن زيد عن أيوب قال قال أبو قلابة في الرجل يقول اشهدوا على ما في هذه الصحيفة قال لا حتى يعلم ما فيها زاد يعقوب وقال لعل فيها جورا وفي هذه الزيادة بيان السبب في المنع المذكور وقد وافق الداودي من المالكية هذا القول فقال هذا هو الصواب انه لا يشهد على وصية حتى يعرف ما فيها وتعقبه بن التين بأنها إذا كان فيها جور لم يمنع التحمل لأن الحاكم قادر على رده إذا أوجب حكم الشرع رده وما عداه يعمل به فليس خشية الجور فيها مانعا من التحمل وانما المانع الجهل بما يشهد به قال ووجه الجور ان كثيرا من الناس يرغب في اخفاء أمره لاحتمال ان لا يموت فيحتاط بالأشهاد ويكون حاله مستمرا على الإخفاء قوله وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم الى أهل خيبر الخ هذا طرف من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة حويصة ومحيصة وقتل عبد الله بن سهل بخيبر وقد تقدم شرحه مستوفى في الديات في باب القسامة ويأتي بهذا اللفظ في باب كتابة الحاكم الى عماله بعد أحد وعشرين بابا قوله وقال الزهري في الشهادة على المرأة من الستر أي من ورائه قوله ان عرفتها فاشهد وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق جعفر بن برقان عن الزهري بنحوه ومقتضاه انه لا يشترط ان يراها حالة الاشهاد بل يكفي ان يعرفها بأي طريق فرض وفي ذلك خلاف أشير اليه في كتاب الشهادات

[ 6743 ] قوله لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يكتب الى الروم كان ذلك في سنة ست كما تقدم بيانه في شرح حديث أبي سفيان الطويل المذكور في بدء الوحي قوله قالوا انهم لا يقرءون كتابا الا مختوما لم أعرف اسم القائل بعينه قوله فاتخذ خاتما الخ تقدم شرحه مستوفي في أواخر اللباس وجملة ما تضمنته هذه الترجمة بآثارها ثلاثة أحكام الشهادة على الخط وكتاب القاضي الى القاضي والشهادة على الإقرار بما في الكتاب وظاهر صنيع البخاري جواز جميع ذلك فاما الحكم الأول فقال بن بطال اتفق العلماء على ان الشهادة لا تجوز للشاهد إذا رأى خطه الا إذا تذكر تلك الشهادة فان كان لا يحفظها فلا يشهد فإنه من شاء انتقش خاتما ومن شاء كتب كتابا وقد فعل مثله في أيام عثمان في قصة مذكورة في سبب قتله وقد قال الله تعالى الا من شهد بالحق وهم يعلمون وأجاز مالك الشهادة على الخط ونقل بن شعبان عن بن وهب انه قال لا آخذ بقول مالك في ذلك وقال الطحاوي خالف مالكا جميع الفقهاء في ذلك وعدوا قوله في ذلك شذوذا لأن الخط قد يشبه الخط وليست شهادة على قول منه ولا معاينة وقال محمد بن الحارث الشهادة على الخط خطأ فقد قال مالك في رجل قال سمعت فلانا يقول رأيت فلانا قتل فلانا أو طلق امرأته أو قذف لا يشهد على شهادته الا ان أشهده قال فالخط ابعد من هذا وأضعف قال والشهادة على الخط في الحقيقة استشهاد الموتى وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم لا يقضي في دهرنا بالشهادة على الخط لأن الناس قد أحدثوا ضروبا من الفجور وقد قال مالك يحدث للناس أقضية على نحو ما احدثوا من الفجور وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي ثم رأى مالك ان ذلك لا يجوز فهذه أقوال جماعة من أئمة المالكية توافق الجمهور وقال أبو علي الكرابيسي في كتاب أدب القضاء له أجاز الشهادة على الخط قوم لا نظر لهم فان الكتاب يشبهون الخط بالخط حتى يشكل ذلك على أعلمهم انتهى وإذا كان هذا في ذلك العصر فكيف بمن جاء بعدهم وهم أكثر مسارعة الى الشر ممن مضى وادق نظرا فيه وأكثر هجوما عليه وأما الحكم الثاني فقال بن بطال اختلفوا في كتب القضاة فذهب الجمهور الى الجواز واستثنى الحنفية الحدود وهو قول الشافعي والذي احتج به البخاري على الحنفية قوي لأنه لم يصر مالا الا بعد ثبوت القتل قال وما ذكره عن القضاة من التابعين من إجازة ذلك حجتهم فيه ظاهرة من الحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب الى الملوك ولم ينقل أنه أشهد أحدا على كتابه قال ثم أجمع فقهاء الأمصار على ما ذهب اليه سوار وابن أبي ليلى من اشتراط الشهود لما دخل الناس من الفساد فاحتيط للدماء والأموال وقد روى عبد الله بن نافع عن مالك قال كان من أمر الناس القديم إجازة الخواتيم حتى ان القاضي ليكتب للرجل الكتاب فما يزيد على ختمه فيعمل به حتى اتهموا فصار لا يقبل الا بشاهدين واما الحكم الثالث فقال بن بطال اختلفوا إذا أشهد القاضي شاهدين على ما كتبه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه فقال مالك يجوز ذلك وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز لقوله تعالى وما شهدنا الا بما علمنا قال وحجة مالك أن الحاكم إذا أقر أنه كتابه فالغرض من الشهادة عليه أن يعلم القاضي المكتوب اليه ان هذا كتاب القاضي اليه وقد يثبت عند القاضي من أمور الناس ما لا يحب ان يعلمه كل أحد كالوصية إذا ذكر الموصي ما فرط فيه مثلا قال وقد أجاز مالك أيضا أن يشهدا على الوصية المختومة وعلى الكتاب المطوي ويقولان للحاكم نشهد على اقراره بما في هذا الكتاب والحجة في ذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم الى عماله من غير ان يقرأها على من حملها وهي مشتملة على الأحكام والسنن وقال الطحاوي يستفاد من حديث أنس ان الكتاب إذا لم يكن مختوما فالحجة بما فيه قائمة لكونه صلى الله عليه وسلم أراد ان يكتب إليهم وانما اتخذ الخاتم لقولهم انهم لا يقبلون الكتاب الا إذا كان مختوما فدل على ان كتاب القاضي حجة مختوما كان أو غير مختوم واختلف في الحكم بالخط المجرد كأن يرى القاضي خطه بالحكم فيطلب منه المحكوم له العمل به فالأكثر ليس له ان يحكم حتى يتذكر الواقعة كما في الشاهد وهو قول الشافعي وقيل ان كان المكتوم في حرز الحاكم أو الشاهد منذ حكم فيه أو تحمل الى ان طلب منه الحكم أو الشهادة جاز ولو لم يتذكر والا فلا وقيل إذا تيقن انه خطه ساغ له الحكم والشهادة وان لم يتذكر والأوسط اعدل المذاهب وهو قول أبي يوسف ومحمد ورواية عن أحمد رجحها كثير من اتباعه والأول قول مالك ورواية عن أحمد قال بن المنير لم يتعرض الشارح لمقصود الباب لأن البخاري استدل على الخط بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الى الروم ولقائل ان يقول ان مضمون الكتاب دعاؤهم الى الإسلام وذلك أمر قد اشتهر لثبوت المعجزة والقطع بصدقه فيما دعى اليه فلم يلزمهم بمجرد الخط فإنه عند القائل به انما يفيد ظنا والإسلام لا يكتفى فيه بالظن إجماعا فدل على ان العلم حصل بمضمون الخط مقرونا بالتواتر السابق على الكتاب فكان الكتاب كالتذكرة والتوكيد في الإنذار مع ان حامل الكتاب قد يحتمل أن يكون اطلع على ما فيه وأمر بتبليغه والحق ان العمدة على أمره المعلوم مع قرائن الحال المصاحبة لحامل الكتاب ومسألة الشهادة على الخط مفروضة في الاكتفاء بمجرد الخط قال والفرق بين الشهادة على الخط وبين كتاب القاضي الى القاضي في ان القائل بالأول أقل من القائل بالثاني تطرق الاحتمال في الأول وندوره في الثاني لبعد احتمال التزوير على القاضي ولا سيما حيث تمكن المراجعة ولذلك شاع العمل به فيما بين القضاة ونوابهم والله أعلم

قوله باب متى يستوجب الرجل القضاء أي متى يستحق ان يكون قاضيا قال أبو علي الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب آداب القضاء له لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا ان أحق الناس ان يقض بين المسلمين من بان فضله وصدقه وعلمه وورعه قارئا لكتاب الله عالما بأكثر أحكامه عالما بسنن رسول الله حافظا لأكثرها وكذا أقوال الصحابة عالما بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من السقيم يتبع في النوازل الكتاب فان لم يجد فالسنن فان لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة فان اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع ويكون حافظا للسانه وبطنه وفرجه فهما بكلام الخصوم ثم لا بد ان يكون عاقلا مائلا عن الهوى ثم قال وهذا وان كنا نعلم انه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات ولكن يجب ان يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم وقال المهلب لا يكفي في استحباب القضاء ان يرى نفسه أهلا لذلك بل ان يراه الناس أهلا لذلك وقال بن حبيب عن مالك لا بد ان يكون القاضي عالما عاقلا قال بن حبيب فان لم يكن علم فعقل وورع لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل وهو إذا طلب العلم وجده وإذا طلب العقل لم يجده قال بن العربي واتفقوا على انه لا يشترط ان يكون غنيا والأصل قوله تعالى ولم يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم الآية قال والقاضي لا يكون في حكم الشرع الا غنيا لأن غناه في بيت المال فإذا منع من بيت المال واحتاج كان تولية من يكون غنيا أولى من تولية من يكون فقيرا لأنه يصير في مظنة من يتعرض بتناول ما لا يجوز تناوله قلت وهذا قاله بالنسبة الى الزمان الذي كان فيه ولم يدرك زمانه هذا الذي صار من يطلب القضاء فيه يصرح بأن سبب طلبه الاحتياج الى ما يقوم بأوده مع العلم بأنه لا يحصل له شيء من بيت المال واتفقوا على اشتراط الذكورية في القاضي الا عن الحنفية واستثنوا الحدود وأطلق بن جرير وحجة الجمهور الحديث الصحيح ما أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة وقد تقدم ولأن القاضي يحتاج الى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال قوله وقال الحسن هو البصري قوله أخذ الله على الحكام ان لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس ولا يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ثم قرأ يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض الى يوم الحساب وقرأ انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور الى قوله ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون قلت فأراد من آية يا داود قوله ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وأراد من آية المائدة بقية ما ذكر وأطلق على هذه المناهي أمرا إشارة الى ان النهي عن الشيء أمر بضده ففي النهي عن الهوى أمر بالحكم بالحق وفي النهي عن خشية الناس أمر بخشية الله ومن لازم خشية الله الحكم بالحق وفي النهي عن بيع آياته الأمر باتباع ما دلت عليه وانما وصف الثمن بالقلة إشارة الى انه وصف لازم له بالنسبة للعوض فإنه أغلى من جميع ما حوته الدنيا قوله بما استحفظوا استودعوا من كتاب الله الآية ثبت هذا للمستملي وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى بما استحفظوا من كتاب الله أي بما استودعوا استحفظته كذا استودعته إياه قوله وقرأ أي الحسن البصري المذكور وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث الى آخرها رويناه موصولا في حلية الأولياء لأبي نعيم من رواية محمد بن إبراهيم الحافظ المعروف بمربع بموحدة ومهملة وزن محمد قال حدثنا سعيد هو بن سليمان الواسطي حدثنا أبو العوام هو عمران القطان عن قتادة عن الحسن وهو بن أبي الحسن البصري فذكره ومعنى أخذ الله على الحكام عهد إليهم قوله فحمد سليمان ولم يلم داود ولولا ما ذكر الله من أمر هذين يعني داود وسليمان وقوله لرأيت في رواية الكشميهني لرويت ان القضاة هلكوا يعني لما تضمنته الآيتان الماضيتان ان من لم يحكم بما أنزل الله كافر فدخل في عمومه العامد والمخطىء وكذا قوله تعالى ان الذين يضلون عن سبيل الله يشمل العامد والمخطىء فاستدل بالآية الأخرى في قصة الحرث ان الوعيد خاص بالعامد فأشار الى ذلك بقوله فإنه أثنى على هذا بعلمه أي بسبب علمه أي معرفته وفهمه وجه الحكم والحكم به وعذر بفتح الذال المعجمة هذا باجتهاده وروينا بعضه في تفسير بن أبي حاتم وفي المجالسة لأبي بكر الدينوري وفي أمالي الصولي جميعا يزيد بعضهم على بعض من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل قال دخلنا مع الحسن على إياس بن معاوية حين استقضى قال فبكى إياس وقال يا أبا سعيد يعني الحسن البصري المذكور يقولون القضاة ثلاثة رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ورجل مال مع الهوى فهو في النار ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة فقال الحسن ان فيما قص الله عليك من نبأ سليمان ما يرد على من قال هذا وقرأ وداود وسليمان إذا يحكمان في الحرث الى قوله شاهدين قال فحمد سليمان لصوابه ولم يذم داود لخطئه ثم قال ان الله اخذ على الحكام عهدا بأن لا يشتروا به ثمنا ولا يتبعوا فيه الهوى ولا يخشوا فيه أحدا ثم تلا يا داود انا جعلناك خليفة الى آخر الآية قلت والحديث الذي أشار اليه إياس أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة ولكن عندهم الثالث قضى بغير علم وقد جمع طرقه في جزء مفرد وليس في شيء منها انه اجتهد فأخطأ وسيأتي حكم من اجتهد فأخطأ بعد أبواب واستدل بهذه القصة على ان للنبي ان يجتهد في الأحكام ولا ينتظر نزول الوحي لأن داود عليه السلام على ما ورد اجتهد في المسألة المذكورة قطعا لأنه لو كان قضى فيها بالوحي ما خص الله سليمان بفهمها دونه وقد اختلف من أجاز للنبي ان يجتهد هل يجوز عليه الخطأ في اجتهاده فاستدل من أجاز ذلك بهذه القصة وقد اتفق الفريقان على انه لو أخطأ في اجتهاده لم يقر على الخطأ وأجاب من منع الاجتهاد انه ليس في الآية دليل على ان داود اجتهد ولا أخطأ وانما ظاهرها ان الواقعة اتفقت فعرضت على داود وسليمان فقضى فيها سليمان لأن الله فهمه حكمها ولم يقضي فيها داود بشيء ويرد على من تمسك بذلك بما ذكره أهل النقل في سورة هذه الواقعة وقد تضمن أثر الحسن المذكور انهما جميعا حكما وقد تعقب بن المنير قول الحسن البصري ولم يذم داود بان فيه نقصا لحق داود وذلك ان الله تعالى قد قال وكلا آتينا حكما وعلما فجمعهما في الحكم والعلم وميز سليمان بالفهم وهو علم خاص زاد على العام بفصل الخصومة قال والأصح في الواقعة ان داود أصاب الحكم وسليمان أرشد الى الصلح ولا يخلو قوله تعالى وكلا آتينا حكما وعلما ان يكون عاما أو في واقعة الحرث فقط وعلى التقدرين يكون اثنى على داود فيها بالحكم والعلم فلا يكون من قبيل عذر المجتهد إذا أخطأ لأن الخطأ ليس حكما ولا علما وانما هو ظن غير مصيب وان كان في غير الواقعة فلا يكون تعالى أخبر في هذه الواقعة بخصوصها عن داود بأصابة ولا خطأ وغايته انه أخبر بتفهيم سليمان ومفهومه لقب والاحتجاج به ضعيف فلا يقال فهمها سليمان دون داود وانما خص سليمان بالتفهيم لصغر سنه فيستغرب ما يأتي به قلت ومن تأمل ما نقل في القصة ظهر له ان الاختلاف بين الحكمين كان في الأولوية لا في العمد والخطأ ويكون معنى قول الحسن حمد سليمان أي لموافقته الطريق الأرجح ولم يذم داود لاقتصاره على الطريق الراجح وقد وقع لعمر رضي الله عنه قريب مما وقع لسليمان وذلك ان بعض الصحابة مات وخلف مالا له نماء وديونا فأراد أصحاب الديون بيع المال في وفاء الدين لهم فاسترضاهم عمر بأن يؤخروا التقاضي حتى يقبضوا ديونهم من النماء ويتوفر لايتام المتوفى أصل المال فاستحسن ذلك من نظره ولو ان الخصوم امتنعوا لما منعهم من البيع وعلى هذا التفصيل يمكن تنزيل قصة أصحاب الحرث والغنم والله أعلم وتقدم في أحاديث الأنبياء شرح القصة التي وقعت لداود وسليمان في المرأتين اللتين اخذ الذئب بن إحداهما واختلاف حكم داود وسليمان في ذلك وتوجيه حكم داود بما يقرب مما ذكر هنا في هذه القصة ووقعت لهما قصة ثالثة في التفرقة بين الشهود في قصة المرأة التي اتهمت بأنها تحمل على نفسها فشهد عليها أربعة بذلك فأمر داود برجمها فعمد سليمان وهو غلام فصور مثل قصتها بين الغلمان ثم فرق بين الشهود وامتحنهم فتخالفوا فدرأ عنها ووقعت لهما رابعة في قصة المرأة التي صب في دبرها ماء البيض وهي نائمة وقيل انها زنت فأمر داود برجمها فقال سليمان يشوى ذلك الماء فان اجتمع فهو بيض والا فهو مني فشوي فاجتمع وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن مسروق قال كان حرثهم عنبا نفشت فيه الغنم أي رعت ليلا فقضى داود بالغنم لهم فمروا على سليمان فأخبروه الخبر فقال سليمان لا ولكن أقضي بينهم ان يأخذوا الغنم فيكون لهم لبنها وصوفها ومنفعتها ويقوم هؤلاء على حرثهم حتى إذا عاد كما كان ردوا عليهم غنمهم وأخرجه الطبري من وجه آخر لين فقال فيه عن مسروق عن بن مسعود وأخرجه بن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن بن مسعود وسنده حسن وعن معمر عن قتادة قضى داود ان يأخذوا الغنم ففهمها الله سليمان فقال خذوا الغنم فلكم ما خرج من رسلها وأولادها وصوفها الى الحول وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد قال أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث فحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث وعليهم رعايتها ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون كهيئة يوم أكل ثم يدفع لأهله ويأخذون غنمهم وأخرج الطبري القصة من طريق علي بن زيد عن خليفة عن بن عباس نحوه ومن طريق قتادة قال ذكر لنا فذكر نحوه ومن طريق العوفي عن عطية عن بن عباس ولكن قال فيها قال سليمان ان الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه كل عام فله من صاحب الغنم ان يبيع من أولادها وصوفها حتى يستوفي ثمن حرثه فقال داود قد أصبت وأخرج بن مردويه من طريق الحسن عن الأحنف بن قيس نحو الأول قال بن التين قيل علم سليمان ان قيمة ما أفسدت الغنم مثل ما يصير إليهم من لبنها وصوفها وقال أيضا ورد في قصة ناقة البراء التي أفسدت في حائط ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وان الذي افسدت المواشي بالليل ضمانة على أهلها أي ضمان قيمته هذا خلاف شرع سليمان قال فلو تراضيا بالدفع عن قيمة ما أفسدت فالمشهور انه لا يجوز حتى يعرفا القيمة قلت ورواية العوفي ان كانت محفوظة ترفع الاشكال والا فالجواب ما نقل بن التين اولا ولا يكون بين الشرعين مخالفة قوله وقال مزاحم بضم الميم وتخفيف الزاي وبعد الألف حاء مهملة بن زفر بزاي وفاء وزن عمر هو الكوفي ويقال مزاحم بن أبي مزاحم ثقة أخرج له مسلم قوله قال لنا عمر بن عبد العزيز أي الخليفة المشهور العادل قوله خمس إذا أخطا القاضي منهن خطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء كذا لأبي ذر عن غير الكشميهني وله عنه خصلة بفتح أوله وسكون الصاد المهملة وكذا في رواية الباقين وهما بمعنى قوله وصمة بفتح الواو وسكون الصاد المهملة أي عيبا قوله ان يكون تفسير لحال القاضي المذكور قوله فهما بفتح الفاء وكسر الهاء وهو من صيغ المبالغة ويجوز تسكين الهاء أيضا ووقع في رواية المستملي فقيها والأول أولى لأن خصلة الفقه داخلة في خصلة العلم وهي مذكورة بعد قوله حليما أي يغضي على من يؤذيه ولا يبادر الى الانتقام ولا ينافي ذلك قوله بعد ذلك صليبا لأن الأول في حق نفسه والثاني في حق غيره قوله عفيفا أي يعف عن الحرام فإنه إذا كان عالما ولم يكن عفيفا كان ضرره أشد من ضرر الجاهل قوله صليبا بصاد مهملة وباء موحدة من الصلابة بوزن عظيم أي قويا شديدا يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى ويستخلص حق المحق من المبطل ولا يحابيه قوله عالما سئولا عن العلم هي خصلة واحدة أي يكون مع ما يستحضره من العلم مذاكرا له غيره لاحتمال ان يظهر له ما هو أقوى مما عنده وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور في السنن عن عباد بن عباد ومحمد بن سعد في الطبقات عن عفان كلاهما قال حدثنا مزاحم بن زفر قال قدمنا على عمر بن عبد العزيز في خلافته وفد من أهل الكوفة فسألنا عن بلادنا وقاضينا وأمره وقال خمس إذا أخطأ ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن عبد العزيز بلفظ آخر أخرجه أيضا محمد بن سعد في الطبقات عن محمد بن عبد الله الأسدي هو أحمد الزبيري عن سفيان هو الثوري عن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز قال لا ينبغي للقاضي ان يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الرأي لا يبالي بملامة الناس وجاء في استحباب الاستشارة آثار جياد وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الشعبي قال من سره أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير

قوله باب رزق الحاكم والعاملين عليها هو من إضافة المصدر الى المفعول والرزق ما يرتبه الامام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين وقال المطرزي الرزق ما يخرجه الامام كل شهر للمرتزقة من بيت المال والعطاء ما يخرجه كل عام ويحتمل ان يكون قوله والعاملين عليها عطفا على الحاكم أي ورزق العاملين عليها أي على الحكومات ويحتمل ان يكون أورد الجملة على الحكاية يريد الاستدلال على جواز أخذ الرزق بآية الصدقات وهم من جملة المستحقين لها لعطفهم على الفقراء والمساكين بعد قوله انما الصدقات قال الطبري ذهب الجمهور الى جواز أخذ القاضي الأجرة على الحكم لكونه يشغله الحكم عن القيام بمصالحه غير ان طائفة من السلف كرهت ذلك ولم يحرموه مع ذلك وقال أبو علي الكرابيسي لا بأس للقاضي ان يأخذ الرزق على القضاء عند أهل العلم قاطبة من الصحابة ومن بعدهم وهو قول فقهاء الأمصار لا أعلم بينهما اختلافا وقد كره ذلك قوم منهم مسروق ولا أعلم أحدا منهم حرمه وقال المهلب وجه الكراهة انه في الأصل محمول على الاحتساب لقوله تعالى لنبيه قل لا أسألكم عليه أجرا فأرادوا ان يجري الأمر فيه على الأصل الذي وضعه الله لنبيه ولئلا يدخل فيه من لا يستحقه فيتحيل على أموال الناس وقال غيره أخذ الرزق على القضاء إذا كانت جهة الأخذ من الحلال جائزا إجماعا ومن تركه انما تركه تورعا واما إذا كانت هناك شبهة فالأولى الترك جزما ويحرم إذا كان المال يؤخذ لبيت المال من غير وجهه واختلف إذا كان الغالب حراما وأما من غير بيت المال ففي جواز الأخذ من المتحاكمين خلاف ومن أجازه شرط فيه شروطا لا بد منها وقد جر القول بالجواز الى الغاء الشروط وفشا ذلك في هذه الأعصار بحيث تعذر إزالة ذلك والله المستعان قوله وكان شريح القاضي يأخذ على القضاء أجرا هو شريح بن الحارث بن قيس النخعي الكوفي قاضي الكوفة ولاه عمر ثم قضى لمن بعده بالكوفة دهرا طويلا وله مع علي أخبار في ذلك وهو ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ويقال ان له صحبة مات قبل الثمانين وقد جاوز المائة وهذا الأثر وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق مجالد عن الشعبي بلفظ كان مسروق لا يأخذ على القضاء أجرا وكان شريح يأخذ قوله وقالت عائشة يأكل الوصي بقدر عمالته قلت وصله بن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قالت أنزل الله ذلك في والي مال اليتيم يقوم عليه بما يصلحه ان كان محتاجا ان يأكل منه قوله وأكل أبو بكر وعمر أما أثر أبي بكر فوصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت لما استخلف أبو بكر قال قد علم قومي ان حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين الحديث وفيه قصة عمر وقد أسنده البخاري في البيوع من هذا الوجه وبقيته فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمين فيه وفيه ان عمر لما ولي أكل هو واهله من المال واحترف في مال نفسه واما أثر عمر فوصله بن أبي شيبة وابن سعد من طريق حارثة بن مضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء بعدها موحدة قال قال عمر اني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيم اليتيم ان استغنيت عنه تركت وان افتقرت اليه أكلت بالمعروف وسنده صحيح وأخرج الكرابيسي بسند صحيح عن الأحنف قال كنا بباب عمر فذكر قصة وفيها فقال عمر انا أخبركم بما استحل ما احج عليه واعتمر وحلتي الشتاء والقيظ وقوتي وقوت عيالي كرجل من قريش ليس بأعلاهم ولا أسفلهم ورخص الشافعي وأكثر أهل العلم وعن أحمد لا يعجبني وان كان فبقدر عمله مثل ولي اليتيم واتفقوا على انه لا يجوز الاستئجار عليه

[ 6744 ] قوله بن أخت نمر بفتح النون وكسر الميم بعدها راء هو الصحابي المشهور تقدم ذكره مرارا من أقربها في الحدود وأدرك من زمان النبي صلى الله عليه وسلم ست سنين وحفظ عنه وهو من اواخر الصحابة موتا وآخر من مات منهم بالمدينة وقيل محمود بن الربيع وقيل محمود بن لبيد قوله ان حويطب بن عبد العزى أي بن أبي قيس بن عبد شمس القرشي العامري كان من أعيان قريش وأسلم في الفتح وكان حميد الإسلام وكانت وفاته بالمدينة سنة أربع وخمسين من الهجرة وهو بن مائة وعشرين سنة وهو ممن اطلق عليه انه عاش ستين في الجاهلية وستين في الإسلام تجوزا ولا يتم ذلك تحقيقا لأنه ان أريد بزمان الإسلام أول البعثة فيكون عاش فيها سبعا وستين أو الهجرة فيكون عاش فيه أربعا وخمسين أو زمن إسلامه هو فيكون ستا وأربعين والأول أقرب الى الإطلاق على طريقة جبر الكسر تارة والغائه أخرى قوله ان عبد الله بن السعدي هو عبد الله بن وقدان بن عبد شمس ويقال اسم أبيه عمر ووقدان جده ويقال قدامة بدل وقدان وعبد شمس هو بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وهو أيضا من بني عامر بن لؤي من قريش وانما قيل له بن السعدي لأن أباه كان مسترضعا في بني سعد ومات عبد الله بالمدينة سنة سبع وخمسين بعد حويطب الراوي عنه بثلاث سنين ويقال بل مات في خلافة عمر والأول أقوى وليس له في البخاري الا هذا الحديث الواحد ووقع عند مسلم في رواية الليث عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن بن الساعدي وخالفه عمرو بن الحارث عن بكير فقال عن بن السعدي وهو المحفوظ تنبيه أخرج مسلم أيضا هذا الحديث من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري عن السائب بن يزيد عن عبد الله بن السعدي عن عمر فلم يسق لفظه بل أحال على سياق رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وسقط من السند حويطب بن عبد العزى بين السائب وابن السعدي ووهم المزي في الأطراف تبعا لخلف فأثبت حويطب بن عبد العزى في السند في رواية مسلم وزعم انه وقع في روايته بن الساعدي بزيادة الف وليس ذلك في شيء من نسخ صحيح مسلم لا اثبات حويطب ولا الألف في الساعدي وقد نبه على سقوط حويطب من سند مسلم أبو علي الجياني والمازري وعياض وغيرهم ولكنه ثابت في رواية عمرو بن الحارث في غير كتاب مسلم كما أخرجه أبو نعيم في المستخرج ووقع عند بن خزيمة من طريق سلامة عن عقيل عن بن شهاب حدثني السائب ان حويطبا أخبره ان عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخبره فذكره وهو وهم من سلامة قاله الرهاوي قوله انه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر ألم أحدث بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الدال قوله انك تلي من أعمال الناس أي الولايات من إمرة أو قضاء ووقع في رواية بسر بن سعيد عند مسلم استعملني عمر على الصدقة فعين الولاية قوله العمالة بضم المهملة وتخفيف الميم أي اجرة العمل واما العمالة بفتح العين فهي نفس العمل قوله ما تريد الى ذلك أي ما غاية قصدك بهذا الرد وقد فسره بقوله وأريد ان تكون عمالتي صدقة على المسلمين قوله فقلت ان لي أفراسا بفاء ومهملة جمع فرس قوله وأعبدا للأكثر بضم الموحدة وللكشميهني بمثناة بدل الموحدة جمع عتيد وهو المال المدخر وقد تقدم تفسيره في كتاب الزكاة ووقع عند بن حبان في صحيحه من طريق قبيصة بن ذؤيب ان عمر أعطى بن السعدي ألف دينار فذكر بقية الحديث نحو الذي هنا ورويناه في الجزء الثالث من فوائد أبي بكر النيسابوري الزيادات من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله بن السعدي قال قدمت على عمر فأرسل الي ألف دينار فرددتها وقلت انا عنها غني فذكره أيضا بنحوه واستفيد منه قدر العمالة المذكورة قوله فاني كنت أردت الذي أردت بالفتح على الخطاب قوله يعطيني العطاء أي المال الذي يقسمه الامام في المصالح ووقع في رواية بسر بن سعيد عند مسلم فاني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني بتشديد الميم أي أعطاني أجرة عملي فقلت مثل قولك قوله فأقول أعطه أفقر اليه مني في رواية سالم فأقول يا رسول الله والباقي سواء قال الكرماني جاز الفصل بين أفعل التفضيل وبين كلمة من لأن الفاصل ليس أجنبيا بل هو ألصق به من الصلة لأنه يحتاج اليه بحسب جوهر اللفظ والصلة محتاج إليها بحسب الصيغة قوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذه فتموله وتصدق به في رواية سالم بن عبد الله أو تصدق به بلفظ أو بدل الواو وهو أمر إرشاد على الصحيح قال بن بطال أشار صلى الله عليه وسلم على عمر بالأفضل لأنه وان كان مأجورا بايثاره لعطائه عن نفسه من هو أفقر اليه منه فان اخذه للعطاء ومباشرته للصدقة بنفسه أعظم لأجره وهذا يدل على عظيم فضل الصدقة بعد التمول لما في النفوس من الشح على المال قوله غير مشرف بضم أوله وسكون المعجمة كسر الراء بعدها فاء أي متطلع اليه يقال أشرف الشيء علاه وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة في باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة قوله ولا سائل أي طالب قال النووي فيه النهي عن السؤال وقد اتفق العلماء على النهي عنه لغير الضرورة واختلف في مسألة القادر على الكسب والأصح التحريم وقيل يباح بثلاث شروط ان لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسئول فان فقد شرط من هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق قوله فخذه والا فلا تتبعه نفسك أي ان لم يجيء إليك فلا تطلبه بل اتركه وليس المراد منعه من الايثار بل لأن أخذه ثم مباشرته الصدقة بنفسه أعظم لأجره كما تقدم قال النووي في هذا الحديث منقبة لعمر وبيان فضله وزهده وايثاره قلت وكذا لابن السعدي فقد طابق فعله فعل عمر سواء وفي سند الزهري عن السائب أربعة من الصحابة في نسق السائب وحويطب وابن السعدي وعمر وقد أشرت الى ذلك في الباب المذكور من كتاب الزكاة وذكرت ان مسلما أخرجه من طريق عمرو بن الحارث عن الزهري وأوهم كلام المزي في الأطراف ان رواية شعيب وعمرو بن الحارث متفقتان وليس كذلك فان حويطب بن عبد العزى سقط من رواية عمرو بن الحارث عند مسلم وقد وقعت المقارضة لمسلم والبخاري في هذين الحديثين الرباعيين فأورد مسلم الرباعي الذي في سنده أربع نسوة بتمام الأربع وأورده البخاري بنقصان واحدة كما تقدم في أوائل كتاب الفتن وأورد البخاري الرباعي الذي في سنده أربعة رجال بتمام الأربعة وأورده مسلم بنقصان رجل وهذا من لطائف ما اتفق وقد وافق شعيبا على زيادة حويطب في السند الزبيدي عن النسائي وسفيان بن عيينة عنده ومعمر عند الحميدي في مسنده ثلاثتهم عن الزهري وقد جزم النسائي وأبو علي بن السكن بأن السائب لم يسمعه من بن السعدي قال النووي روينا عن الحافظ عبد القادر الرهاوي في كتابه الرباعيات ان الزبيدي وشعيب بن حمزة وعقيل بن خالد ويونس بن يزيد وعمر بن الحارث رووه عن الزهري بذكر حويطب ثم ذكر طرقهم بأسانيد مطولة قال ورواه النعمان بن راشد عن الزهري فأسقط ذكر حويطب واختلف على معمر فرواه بن المبارك عنه كالنعمان ورواه سفيان بن عيينة وموسى بن أعين عنه كالجماعة ورواه عبد الرزاق عن معمر فأسقط اثنين جعله عن السائب عن عمر قال والصحيح الأول قلت ومقتضاه ان يكون سقوط حويطب من رواية مسلم وهما منه أو من شيخه والا فذكره ثابت من رواية غيره كما تقدم والله اعلم وقد نظم بعضهم السند المذكور في بيتين فقال وفي العمالة إسناد بأربعة من الصحابة فيه عنهم ظهرا السائب بن يزيد عن حويطب عبد الله حدثه بذاك عن عمرا قوله وعن الزهري قال حدثني سالم هو موصول بالسند المذكور اولا الى الزهري وقد أخرج النسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه الحديثين المذكورين بالسندين المذكورين الى عمر واما مسلم فإنه لما أخرجه من طريق يونس عن بن شهب ساقه على رواية سالم عن أبيه ثم عقبه برواية بن شهاب عن السائب بن يزيد فقال مثل ذلك وليس بين السياقين تفاوت الا في قصة بن السعدي عن عمر فلم يسقها مسلم والا ما بينته وزاد سالم فمن اجل ذلك كان بن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا اعطيه قلت وهذا بعمومه ظاهر في انه كان لا يرد ما فيه شبهة وقد ثبت انه كان يقبل هدايا المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو أخو صفية زوج بن عمر بنت أبي عبيد وكان المختار غلب على الكوفة وطرد عمال عبد الله بن الزبير وأقام أميرا عليها مدة في غير طاعة خليفة وتصرف فيما يتحصل منها من المال على ما يراه ومع ذلك فكان بن عمر يقبل هداياه وكان مستنده ان له حقا في بيت المال فلا يضره على أي كيفية وصل اليه أو كان يرى ان التبعة في ذلك على الآخذ الأول أو ان للمعطي المذكور مالا آخر في الجملة وحقا ما في المال المذكور فلما لم يتميز وأعطاه له عن طيب نفس دخل في عموم قوله ما أتاك من هذا المال من غير سؤال ولا استشراف فخذه فرأى انه لا يستثنى من ذلك الا ما علمه حراما محضا قال الطبري في حديث عمر الدليل الواضح على ان لمن شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك كالولاة والقضاة وجباة الفيء وعمال الصدقة وشبههم لاعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر العمالة على عمله وذكر بن المنذر ان زيد بن ثابت كان يأخذ الأجر على القضاء واحتج أبو عبيد في جواز ذلك بما فرض الله للعاملين على الصدقة وجعل لهم منها حقا لقيامهم وسعيهم فيها وحكى الطبري عن العلماء هل الأمر في قوله في هذا الحديث خذه وتموله للوجوب أو للندب ثالثها ان كانت العطية من السلطان فهي حرام أو مكروهة أو مباحة وان كانت من غيره فمستحبة قال النووي والصحيح انه ان غلب الحرام حرمت وكذا ان كان مع عدم الاستحقاق وان لم يغلب الحرام وكان الآخذ مستحقا فيباح وقيل يندب في عطية السلطان دون غيره والله اعلم وقال بن المنذر وحديث بن السعدي حجة في جواز أرزاق القضاة من وجوهها وقال بن بطال في الحديث ان أخذ ما جاء من المال عن غير سؤال أفضل من تركه لأنه يقع في اضاعة المال وقد ثبت النهي عن ذلك وتعقبه بن المنير بأنه ليس من الاضاعة في شيء لأن الاضاعة التبذير بغير وجه صحيح واما الترك توفيرا على المعطي تنزيها عن الدنيا وتحرجا ان لا يكون قائما بالوظيفة على وجهها فليس من الاضاعة ثم قال والوجه في تعليل الأفضلية ان الآخذ أعون في العمل وألزم للنصيحة من التارك لأنه ان لم يأخذ كان عند نفسه متطوعا بالعمل فقد لا يجد جد من اخذ ركونا الى انه غير ملتزم بخلاف الذي يأخذ فإنه يكون مستشعرا بأن العمل واجب عليه فيجد جده فيها وقال بن التين وفي هذا الحديث كراهة أخذ الرزق على القضاء مع الاستغناء وان المال طيبا كذا قال قال وفيه جواز الصدقة بما لم يقبض إذا كان التصدق واجبا ولكن قوله خذه فتموله وتصدق به يدل على أن التصدق به انما يكون بعد القبض لأن المال إذا ملكه الإنسان وتصدق به طيبة به نفسه كان أفضل من تصدقه به قبل قبضه لأن الذي يحصل بيده هو أحرص عليه مما لم يدخل في يده فان استوت عند أحد الحالان فمرتبته أعلى ولذلك امره بأخذه وبين له جواز تموله ان احب أو التصدق به قال وذهب بعض الصوفية الى ان المال إذا جاء بغير سؤال فلم يقبله فان الراد له يعاقب بحرمان العطاء وقال القرطبي في المفهم فيه ذم التطلع الى ما في أيدي الأغنياء والتشوف الى فضوله واخذه منهم وهي حالة مذمومة تدل على شدة الرغبة في الدنيا والركون الى التوسع فيها فنهى الشارع عن الأخذ على هذه الصورة المذمومة قمعا للنفس ومخالفة لها في هواها انتهى وتقدمت سائر مباحثه وفوائده في الباب المذكور من كتاب الزكاة ولله الحمد

قوله باب من قضى ولاعن في المسجد الظرف يتعلق بالأمرين فهو من تنازع الفعلين ويحتمل ان يتعلق بقضى لدخول لاعن فيه فإنه من عطف الخاص على العام ومعنى قوله ولاعن حكم بايقاع التلاعن بين الزوجين فهو مجاز ولا يشترط ان يباشر تلقينهما ذلك بنفسه قوله ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا أبلغ في التمسك به على جواز اللعان في المسجد وانما خص عمر المنبر لأنه كان يرى التحليف عند المنبر أبلغ في التغليظ وورد في التحليف عنده حديث جابر لا يحلف عند منبري الحديث ويؤخذ منه التغليظ في الإيمان بالمكان وقاسوا عليه الزمان وانما ما كان كذلك مع ان المحلوف به عظيم لأن للمعظم الذي شهده الحالف تأثيرا في التوقي عن الكذب قوله وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر في رواية الكشميهني على المنبر وهذا طرف من أثر مضى في كتاب الشهادات وذكرت هناك من وصله وهو في الموطأ ولفظه على المنبر كما في رواية الكشميهني قوله وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد أما أثر شريح فوصله بن أبي شيبة ومحمد بن سعد من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال رأيت شريحا يقضي في المسجد وعليه برنس خز وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الحكم بن عتيبة انه رأى شريحا يقضي في المسجد واما أثر الشعبي فوصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في جامع سفيان من طريق عبد الله بن شبرمة رأيت الشعبي جلد يهوديا في قرية في المسجد وكذا أخرجه عبد الرزاق عن سفيان واما أثر يحيى بن يعمر فوصله بن أبي شيبة من رواية عبد الرحمن بن قيس قال رأيت يحيى بن يعمر يقضي في المسجد وأخرج الكرابيسي في أدب القضاء من طريق أبي الزناد قال كان سعد بن إبراهيم وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وابنه ومحمد بن صفوان ومحمد بن مصعب بن شرحبيل يقضون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك جماعة آخرون قوله وكان الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في الرحبة خارجا من المسجد الرحبة بفتح الراء والحاء المهلة بعدها موحدة هي بناء يكون امام باب المسجد غير منفصل عنه هذه رحبة المسجد ووقع فيها الاختلاف والراجح ان لها حكم المسجد فيصح فيها الاعتكاف وكل ما يشترط له المسجد فان كانت الرحبة منفصلة فليس لها حكم المسجد واما الرحبة بسكون الحاء فهي مدينة مشهورة والذي يظهر من مجموع هذه الآثار ان المراد بالرحبة هنا الرحبة المنسوبة للمسجد فقد أخرج بن أبي شيبة من طريق المثنى بن سعيد قال رأيت الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في المسجد وأخرج الكرابيسي في أدب القضاة من وجه آخر ان الحسن وزرارة وإياس بن معاوية كانوا إذا دخلوا المسجد للقضاء صلوا ركعتين قبل ان يجلسوا ثم ذكر حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين مختصرا من طريقين إحداهما من رواية سفيان وهو بن عيينة قال قال الزهري عن سهل بن سعد فذكره مختصرا ولفظه

[ 6745 ] شهدت المتلاعنين وانا بن خمس عشرة سنة فرق بينهما وقد أخرجه في كتاب اللعان مطولا وتقدمت فوائده هناك ثانيهما من رواية بن جريج أخبرني بن شهاب وهو الزهري فذكره مختصرا أيضا ولفظه ان رجلا من الأنصار جاء فذكره الى

[ 6746 ] قوله ايقتله فتلاعنا في المسجد وقد تقدم مطولا وشرحه هناك أيضا قال بن بطال استحب القضاء في المسجد طائفة وقال مالك هو الأمر القديم لأنه يصل الى القاضي فيه المرأة والضعيف وإذا كان في منزله لم يصل اليه الناس لا مكان الاحتجاب قال وبه قال أحمد وإسحاق وكرهت ذلك طائفة وكتب عمر بن عبد العزبز الى القاسم بن عبد الرحمن ان لا تقضي في المسجد فإنه يأتيك الحائض والمشرك وقال الشافعي أحب الي ان يقضى في غير المسجد لذلك وقال الكرابيسي كره بعضهم الحكم في المسجد من اجل انه قد يكون الحكم بين مسلم ومشرك فيدخل المشرك المسجد قال ودخول المشرك المسجد مكروه ولكن الحكم بينهم لم يزل من صنيع السلف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره ثم ساق في ذلك آثارا كثيرة قال بن بطال وحديث سهل بن سعد حجة للجواز وان كان الأولى صيانة المسجد وقد قال مالك كان من مضى يجلسون في رحاب المسجد اما في موضع الجنائز واما في رحبة دار مروان قال واني لاستحب ذلك في الأمصار ليصل اليه اليهودي والنصراني والحائض والضعيف وهو أقرب الى التواضع وقال بن المنير لرحبة المسجد حكم المسجد الا ان كانت منفصلة عنه والذي يظهر انها كانت منفصلة عنه ويمكن ان يكون جلوس القاضي في الرحبة المتصلة وقيام الخصوم خارجا عنها أو في الرحبة المتصلة وكأن التابعي المذكور يرى ان الرحبة لا تعطى حكم المسجد ولو اتصلت بالمسجد وهو خلاف مشهور فقد وقع للشافعية في حكم رحبة المسجد اختلاف في التعريف مع اتفاقهم على صحة صلاة من في الرحبة المتصلة بالمسجد بصلاة من في المسجد قال والفرق بين الحريم والرحبة ان لكل مسجد حريما وليس لكل مسجد رحبة فالمسجد الذي يكون امامه قطعه من البقعة هي الرحبة وهي التي لها حكم المسجد والحريم هو الذي يحيط بهذه الرحبة وبالمسجد وان كان سور المسجد محيطا بجميع البقعة فهو مسجد بلا رحبة ولكن له حريم كالدور انتهى ملخصا وسكت عما إذا بنى صاحب المسجد قطعة منفصلة عن المسجد هل هي رحبة تعطى حكم المسجد وعما إذا كان في الحائط القبلي من المسجد رحاب بحيث لا تصح صلاة من صلى فيها خلف امام المسجد هل تعطى حكم المسجد والذي يظهر ان كلا منهما يعطى حكم المسجد فتصح الصلاة في الأولى ويصح الاعتكاف في الثانية وقد يفرق حكم الرحبة من المسجد في جواز اللغظ ونحوه فيها بخلاف المسجد مع اعطائها حكم المسجد في الصلاة فيها فقد أخرج مالك في الموطأ من طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال بنى عمر الى جانب المسجد رحبة فسماها البطحاء فكان يقول من أراد ان يلغط أو ن ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج الى هذه الرحبة

قوله باب من حكم في المسجد حتى إذا اتى على حد أمر ان يخرج من المسجد فيقام كأنه يشير بهذه الترجمة الى من خص جواز الحكم في المسجد بما إذا لم يكن هناك شيء يتأذى به من في المسجد أو يقع به للمسجد نقص كالتلويث قوله وقال عمر أخرجاه من المسجد وضربه ويذكر عن علي نحوه اما أثر عمر فوصله بن أبي شيبة وعبد الرزاق كلاهما من طريق طارق بن شهاب قال أتى عمر بن الخطاب برجل في حد فقال أخرجاه من المسجد ثم اضرباه وسنده على شرط الشيخين واما أثر علي فوصله بن أبي شيبة من طريق بن معقل وهو بمهملة ساكنة وقاف مكسورة ان رجلا جاء الى عمر فساره فقال يا قنبر أخرجه من المسجد فأقم عليه الحد وفي سنده من فيه مقال ثم ذكر حديث أبي هريرة في قصة الذي أقر انه زنى فأعرض عنه وفيه أبك جنون قال لا قال اذهبوا به فأرجموه وهذا القدر هو المراد في الترجمة ولكنه لا يسلم من خدش لأن الرجم يحتاج الى قدر زائد من حفر وغيره مما لا يلائم المسجد فلا يلزم من تركه فيه ترك إقامة غيره من الحدود وقد تقدم شرحه في باب رجم المحصن من كتاب الحدود

[ 6747 ] قوله رواه يونس ومعمر وابن جريج عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر يريد انهم خالفوا عقيلا في الصحابي فإنه جعل أصل الحديث من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وقول بن شهاب أخبرني من سمع جابر بن عبد الله كنت فيمن رجمه بالمصلى وهؤلاء جعلوا الحديث كله عن جابر ورواية معمر وصلها المؤلف في الحدود وكذلك رواية يونس واما رواية بن جريج فوصلها وتقدمت الإشارة إليها هناك أيضا حيث قال عقب رواية معمر لم يقل يونس وابن جريج فصلى عليه وتقدم شرحه مستوفى هناك ولله الحمد قال بن بطال ذهب الى المنع من إقامة الحدود في المسجد الكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق واجازه الشعبي وابن أبي ليلى وقال مالك لا بأس بالضرب بالسياط اليسيرة فإذا كثرت الحدود فليكن ذلك خارج المسجد قال بن بطال وقول من نزه المسجد عن ذلك أولى وفي الباب حديثان ضعيفان في النهي عن إقامة الحدود في المساجد انتهى والمشهور فيه حديث مكحول عن أبي الدرداء وواثله وأبي امامة مرفوعا جنبوا مساجدكم صبيانكم الحديث وفيه وإقامة حدودكم أخرجه البيهقي في الخلافيات وأصله في بن ماجة من حديث واثلة فقط وليس فيه ذكر الحدود وسنده ضعيف ولابن ماجة من حديث بن عمر رفعه خصال لا تنبغي في المسجد لا يتخذ طريقا الحديث وفيه ولا يضرب فيه حد وسنده ضعيف أيضا وقال بن المنير من كره إدخال الميت المسجد للصلاة عليه خشية أن يخرج منه شيء أولى بأن يقول لا يقام الحد في المسجد إذ لا يؤمن خروج الدم من المجلود وينبغي ان يكون في القتل أولى بالمنع

قوله باب موعظة الامام الخصوم ذكر فيه حديث أم سلمة ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض وسيأتي شرحه بعد سبعة أبواب ومناسبته للترجمة ظاهره وبالله التوفيق

قوله باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء أو قبل ذلك للخصم أي هل يقضي له على خصمه بعلمه ذلك أو يشهد له عن حاكم آخر هكذا أورد الترجمة مستفهما بغير جزم لقوة الخلاف في المسألة وان كان آخر كلامه يقتضي اختيار ان لا يحكم بعلمه فيها قوله وقال شريح القاضي هو بن الحارث الماضي ذكره قريبا قوله وسأله انسان الشهادة فقال ائت الأمير حتى أشهد لك وصله سفيان الثوري في جامعه عن عبد الله بن شبرمة عن الشعبي قال أشهد رجل شريحا ثم جاء فخاصم اليه فقال ائت الأمير وانا أشهد لك وأخرجه عبد الرزاق عن بن عيينة عن بن شبرمة قال قلت للشعبي يا أبا عمرو أرأيت رجلين استشهدا على شهادة فمات أحدهما واستقضى الآخر فقال اتى شريح فيها وانا جالس فقال ائت الأمير وانا أشهد لك قوله وقال عكرمة قال عمر لعبد الرحمن بن عوف لو رأيت رجلا على حد الخ وصله الثوري أيضا عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة به ووقع في الأصل لو رأيت بالفتح وأنت أمير وفي الجواب فقال شهادتك ووقع في الجامع بلفظ أرأيت بالفتح لو رأيت بالضم رجلا سرق أو زنا قال أرى شهادتك وقال أصبت بدل قوله صدقت وأخرجه بن أبي شيبة عن شريك عن عبد الكريم بلفظ أرأيت لو كنت القاضي أو الوالي وأبصرت انسانا على حد أكنت تقيمه عليه قال لا حتى يشهد معي غيري قال أصبت لو قلت غير ذلك لم تجد وهو بضم المثناة وكسر الجيم وسكون الدال من الاجادة قلت وقد جاء عن أبي بكر الصديق نحو هذا وسأذكره بعد وهذا السند منقطع بين عكرمة ومن ذكره عنه لأنه لم يدرك عبد الرحمن فضلا عن عمر وهذا من المواضع التي ينبه عليها من يغتر بتعميم قولهم ان التعليق الجازم صحيح فيجب تقييد ذلك بأن يزاد الى من علق عنه ويبقى النظر فيما فوق ذلك قوله وقال عمر لولا ان يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي هذا طرف من حديث أخرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر كما تقدم التنبيه عليه في باب الاعتراف بالزنا في شرح حديثه الطويل في قصة الرجم الذي هو طرف من قصة بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة قال المهلب استشهد البخاري لقول عبد الرحمن بن عوف المذكور قبله بقول عمر هذا انه كانت عنده شهادة في آية الرجم انها من القرآن فلم يلحقها بنص المصحف بشهادته وحده وأفصح في العلة في ذلك بقوله لولا ان يقال زاد عمر في كتاب الله فأشار الى ان ذلك من قطع الذرائع لئلا تجد حكام السوء سبيلا الى ان يدعوا العلم لمن أحبوا له الحكم بشيء قوله وأقر ماعز عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا أربعا فأمر برجمه ولم يذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم أشهد من حضره هذا طرف من الحديث الذي ذكر قبل بباب وقد تقدم موصولا من حديث أبي هريرة وحكاية الخلاف على أبي سلمة في اسم صحابيه قوله وقال حماد هو بن أبي سليمان فقيه الكوفة قوله إذا أقر مرة عند الحاكم رجم وقال الحكم هو بن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر وهو فقيه الكوفة أيضا قوله أربعا أي لا يرجم حتى يقر أربع مرات كما في حديث ماعز وقد وصله بن أبي شيبة من طريق شعبة قال سألت حمادا عن الرجل يقر بالزنا كم يرد قال مرة قال وسألت الحكم فقال أربع مرات وقد تقدم البحث في ذلك في شرح قصة ماعز في أبواب الرجم ثم ذكر حديث أبي قتادة في قصة سلب القتيل الذي قتله في غزوة حنين وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وقوله

[ 6749 ] هنا قال فأرضه منه هي رواية الأكثر وعند الكشميهني مني وقوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه الي في رواية أبي ذر عن غير الكشمهني فعلم بفتح المهملة وكسر اللام بدل فقام وكذا لأكثر رواة الفربري وكذا أخرجه أبو نعيم من رواية الحسن بن سفيان عن قتيبة وهو المحفوظ في رواية قتيبة هذه ومن ثم عقبها البخاري بقوله وقال لي عبيد الله عن الليث فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه الى ووقع في رواية كريمة فأمر بفتح الهمزة والميم بعدها راء وعبد الله المذكور هو بن صالح أبو صالح وهو كاتب الليث والبخاري يعتمده في الشواهد ولو كانت رواية قتيبة بلفظ فقام لم يكن لذكر رواية عبد الله بن صالح معنى قال المهلب قوله في رواية قتيبة فعلم النبي صلى الله عليه وسلم يعني علم ان أبا قتادة هو قاتل القتيل المذكور قال وهي وهم قال والصحيح فيه رواية عبد الله بن صالح بلفظ فقام قال وقد رد بعض الناس الحجة المذكورة فقال ليس في اقرار ماعز عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا حكمه بالرجم دون أن يشهد من حضره ولا في اعطائه السلب لأبي قتادة حجة للقضاء بالعلم لأن ماعزا انما كان اقراره عند النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة إذ معلوم انه كان صلى الله عليه وسلم لا يقعد وحده فلم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم ان يشهدهم على اقراره لسماعهم منه ذلك وكذلك قصة أبي قتادة انتهى وقال بن المنير لا حجة في قصة أبي قتادة لأن معنى قوله فعلم النبي صلى الله عليه وسلم علم بإقرار الخصم فحكم عليه فهي حجة للمذهب يعني الصائر الى جواز القضاء بالعلم فيما يقع في مجلس الحكم وقال غيره ظاهر أول القصة يخالف آخرها لأنه شرط البينة بالقتل على استحقاق السلب ثم دفع السلب لأبي قتادة بغير بينة وأجاب الكرماني بأن الخصم اعترف يعني فقام مقام البينة وبأن المال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي منه من شاء ويمنع من شاء قلت والأول أولى والبينة لا تنحصر في الشهادة بل كل ما كشف الحق يسمى بينة قوله وقال أهل الحجاز الحاكم لا يقضي بعلمه شهد بذلك في ولايته أو قبلها هو قول مالك قال أبو علي الكرابيسي لا يقضي القاضي بما علم لوجود التهمة إذ لا يؤمن على التقي ان يتطرق اليه التهمة قال وأظنه ذهب الى ما رواه بن شهاب عن زبيد بن الصلت ان أبا بكر الصديق قال لو وجدت رجلا على حد ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري ثم ساقه بسند صحيح عن بن شهاب قال ولا أحسب مالكا ذهب عليه هذا الحديث فان كان كذلك فقد قلد أكثر هذه الأمة فضلا وعلما قلت ويحتمل ان يكون ذهب الى الأثر المقدم ذكره عن عمر وعبد الرحمن بن عوف قال ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقا أنه لو عمد الى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط ان يرجمه ويدعي انه رآه يزني أو يفرق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه يطلقها أو بينه وبين أمته ويزعم أنه سمعه يعتقها فان هذا الباب لو فتح لوجد كل قاض السبيل الى قتل عدوه وتفسيقه والتفريق بينه وبين من يحب ومن ثم قال الشافعي لولا قضاة السوء لقلت ان للحاكم ان يحكم بعلمه انتهى وإذا كان هذا في الزمان الأول فما الظن بالمتأخر فيتعين حسم مادة تجويز القضاء بالعلم في هذه الأزمان المتأخرة لكثرة من يتولى الحكم ممن لا يؤمن على ذلك والله اعلم قوله ولو أقر خصم عنده لآخر بحق في مجلس القضاء فإنه لا يقضي عليه في قول بعضهم حتى يدعو بشاهدين فيحضرهما اقراره قال بن التين ما ذكر عن عمر وعبد الرحمن هو قول مالك وأكثر أصحابه وقال بعض أصحابه يحكم بما علمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في فجلس الحكم وقال بن القاسم وأشهب لا يقضي بما يقع عنده في مجلس الحكم الا إذا شهد به عنده وقال بن المنير مذهب مالك أن من حكم بعلمه يقضي على المشهور الا ان كان علمه حادثا بعد الشروع في المحاكمة فقولان واما ما أقر به عنده في مجلس الحكم فيحكم ما لم ينكر الخصم بعد اقراره وقبل الحكم عليه فان بن القاسم قال لا يحكم عليه حينئذ ويكون شاهدا وقال بن الماجشون يحكم بعلمه وفي المذهب تفاريع طويلة في ذلك ثم قال بن المنير وقول من قال لا بد أن يشهد عليه في المجلس شاهدان يؤول الى الحكم بالإقرار لأنه لا يخلو أن يؤديا أولا ان أديا فلا بد من الاعذار فان أعذر احتيج الى الاثبات وتسلسلت القضية وان لم يحتج رجع الى الحكم بالإقرار وان لم يؤديا فهي كالعدم وأجاب غيره ان فائدة ذلك ردع الخصم عن الإنكار لأنه إذا عرف ان هناك من يشهد امتنع من الإنكار خشية التعزير بخلاف ما إذا أمن ذلك قوله وقال بعض أهل العراق ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضى به وما كان في غيره لم يقض الا بشاهدين يحضرهما اقراره بضم أوله من الرباعي قلت وهذا قول أبي حنيفة ومن تبعه ويوافقهم مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية قال بن التين وجرى به العمل ويوافقه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن بن سيرين قال اعترف رجل عند شريح بأمر ثم أنكره فقضى عليه باعترافه فقال أتقضي علي بغير بينة فقال شهد عليك بن أخت خالتك يعني نفسه قوله وقال آخرون منهم بل يقضي به لأنه مؤتمن بفتح الميم اسم مفعول وانما يراد بالشهادة معرفة الحق فعلمه أكبر من الشهادة وهو قول أبي يوسف ومن تبعه ووافقهم الشافعي قال أبو علي الكرابيسي قال الشافعي بمصر فيما بلغني عنه ان كان القاضي عدلا لا يحكم بعلمه في حد ولا قصاص الا ما أقر به بين يديه ويحكم بعلمه في كل الحقوق مما علمه قبل أن يلي القضاء أو بعدما ولى فقيد ذلك بكون القاضي عدلا إشارة الى انه ربما ولي القضاء من ليس بعدل بطريق التغلب قوله وقال بعضهم يعني أهل العراق يقضي بعلمه في الأموال ولا يقضي في غيرها هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف فيما نقله الكرابيسي عنه إذا رأى الحاكم رجلا يزني مثلا لم يقض بعلمه حتى تكون بينة تشهد بذلك عنده وهي رواية عن أحمد قال أبو حنيفة القياس انه يحكم في ذلك كله بعلمه ولكن أدع القياس واستحسن ان لا يقضي في ذلك بعلمه تنبيه اتفقوا على انه يقضي في قبول الشاهد ورده بما يعلمه منه من تجريح أو تزكية ومحصل الآراء في هذه المسألة سبعة ثالثها في زمن قضائه خاصة رابعها في مجلس حكمه خامسها في الأموال دون غيرها سادسها مثله وفي القذف أيضا وهو عن بعض المالكية سابعها في كل شيء الا في الحدود وهذا هو الراجح عند الشافعية وقال بن العربي لا يقضي الحاكم بعلمه والأصل فيه عندنا الإجماع على انه لا يحكم بعلمه في الحدود ثم أحدث بعض الشافعية قولا مخرجا انه يجوز فيها أيضا حين رأوا انها لازمة لهم كذا قال فجرى على عادته في التهويل والاقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف قوله وقال القاسم لا ينبغي للحاكم ان يقضي قضاء بعلمه في رواية الكشميهني يمضي قوله دون علم غيره أي إذا كان وحده عالما به لا غيره قوله ولكن بالتشديد وفي نسخة بالتخفيف وتعرض بالرفع قوله وايقاعا عطف على تعرضا أو نصب على انه مفعول معه والعامل فيه متعلق الظرف والقاسم المذكور كنت أظن انه بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة لأنه إذا أطلق في الفروع الفقهية انصرف الذهن اليه لكن رأيت في رواية عن أبي ذر انه القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وهو الذي تقدم ذكره قريبا في باب الشهادة على الخط فان كان كذلك فقد خالف أصحابه الكوفيين ووافق أهل المدينة في هذا الحكم والله أعلم قوله وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم الظن فقال انما هذه صفية هو طرف من الحديث الذي وصله بعد وقوله في الطريق الموصولة عن علي بن الحسين أي بن علي بن أبي طالب وهو الملقب زين العابدين

[ 6750 ] قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم أتته صفية بنت حيي هذا صورته مرسل ومن ثم عقبه البخاري بقوله رواه شعيب وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحيى عن الزهري عن علي أي بن الحسين عن صفية يعني فوصلوه فتحمل رواية إبراهيم بن سعد على ان علي بن حسين تلقاه عن صفية وقد تقدم مثل ذلك في رواية سفيان عن الزهري مع شرح حديث صفية مستوفي في كتاب الاعتكاف فإنه ساقه هناك تاما وأورده هنا مختصرا ورواية شعيب وهو بن أبي حمزة وصلها المصنف في الاعتكاف أيضا في وكتاب الأدب ورواية بن مسافر وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي وصلها أيضا في الصوم وفي فرض الخمس ورواية بن أبي عتيق وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وصلها المصنف في الاعتكاف وأوردها في الأدب أيضا مقرونه برواية شعيب ورواية إسحاق بن يحيى وصلها الذهلي في الزهريات ورواه عن الزهري أيضا معمر فاختلف عليه في وصله وارساله تقدم موصولا في صفة إبليس من رواية عبد الرزاق عنه ومرسلا في فرض الخمس من رواية هشام بن يوسف عن معمر وأوردها النسائي موصولة من رواية موسى بن أعين عن معمر ومرسلة من رواية بن المبارك عنه ووصله أيضا عن الزهري عثمان بن عمر بن موسى التيمي عند بن ماجة وأبي عوانة في صحيحه وعبد الرحمن بن إسحاق عند أبي عوانة أيضا وهشيم عند سعيد بن منصور وآخرون ووجه الاستدلال بحديث صفية لمن منع الحكم بالعلم انه صلى الله عليه وسلم كره أن يقع في قلب الأنصاريين من وسوسة الشيطان شيء فمراعاة نفي التهمة عنه مع عصمته تقتضي مراعاة نفي التهمة عمن هو دونه وقد تقدم في باب من رأى للقاضي ان يحكم بعلمه بيان حجة من أجاز ومن منع بما يغني عن اعادته هنا

قوله باب أمر الوالي إذا وجه أميرين الى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا بمهملتين وياء تحتانية ولبعضهم بمعجمتين وموحدة ذكر فيه حديث أبي بردة بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبي يعنى أبا موسى ومعاذ بن جبل وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الديات وقبل ذلك في أواخر المغازي

[ 6751 ] قوله بشرا تقدم شرحه في المغازي قوله وتطاوعا أي توافقا في الحكم ولا تختلفا لأن ذلك يؤدي الى اختلاف اتباعكما فيفضى الى العداوة ثم المحاربة والمرجع في الاختلاف الى ما جاء في الكتاب والسنة كما قال تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول وسيأتي مزيد بيان لذلك قي كتاب الاعتصام ان شاء الله تعالى قوله وقال النضر وأبو داود ويزيد بن هارون ووكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده يعني موصولا ورواية النضر وأبي داود ووكيع تقدم الكلام عليها في أواخر المغازي في باب بعث أبي موسى ومعاذ الى اليمن ورواية يزيد بن هارون وصلها أبو عوانة في صحيحه والبيهقي قال بن بطال وغيره في الحديث الحض على الاتفاق لما فيه من ثبات المحبة والألفة والتعاون على الحق وفيه جواز نصب قاضيين في بلد واحد فيقعد كل منهما في ناحية وقال بن العربي كان النبي صلى الله عليه وسلم أشركهما فيما ولاهما فكان ذلك أصلا في تولية اثنين قاضيين مشتركين في الولاية كذا جزم به قال وفيه نظر لأن محل ذلك فيما إذا نفذ حكم كل منهما فيه لكن قال بن المنير يحتمل ان يكون ولاهما ليشتركا في الحكم في كل واقعة ويحتمل ان يستقل كل منهما بما يحكم به ويحتمل ان يكون لكل منهما عمل يخصه والله أعلم كيف كان وقال بن التين الظاهر اشتراكهما لكن جاء في غير هذه الرواية انه أقر كلا منهما على مخلاف والمخلاف الكورة وكان اليمن مخلافين قلت وهذا هو المعتمد والرواية التي أشار إليها تقدمت في غزوة حنين باللفظ المذكور وتقدم في المغازي ان كلا منهما كان إذا سار في عمله زار رفيقه وكان عمل معاذ النجود وما تعالى من بلاد اليمن وعمل أبي موسى التهائم وما انخفض منها فعلى هذا فأمره صلى الله عليه وسلم لهما بأن يتطاوعا ولا يتخالفا محمول على ما إذا اتفقت قضية يحتاج الأمر فيها الى اجتماعهما والى ذلك أشار في الترجمة ولا يلزم من قوله تطاوعا ولا تختلفا ان يكونا شريكين كما استدل به بن العربي وقال أيضا فإذا اجتمعا فان اتفقا في الحكم والا تباحثا حتى يتفقا على الصواب والا رفعا الأمر لمن فوقهما وفي الحديث الأمر بالتيسير في الأمور والرفق بالرعية وتحبيب الإيمان إليهم وترك الشدة لئلا تنفر قلوبهم ولا سيما فيمن كان قريب العهد بالإسلام أو قارب حد التكليف من الأطفال ليتمكن الإيمان من قلبه ويتمرن عليه وكذلك الإنسان في تدريب نفسه على العمل إذا صدقت ارادته لا يشدد عليها بل يأخذها بالتدريج والتيسير حتى إذا أنست بحالة دولت عليها نقلها لحال آخر وزاد عليها أكثر من الأولى حتى يصل الى قدر احتمالها ولا يكلفها بما لعلها تعجز عنه وفيه مشروعية الزيادة واكرام الزائر وأفضليه معاذ في الفقه على أبي موسى وقد جاء أعلمكم بالحلال والحرام معاذا بن جبل أخرجه الترمذي وغيره من حديث أنس

قوله باب إجابة الحاكم الدعوة الأصل فيه عموم الخبر ورود الوعيد في الترك من قوله ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وقد تقدم شرحه في أواخر النكاح وقال العلماء لا يجيب الحاكم دعوة شخص بعينه دون غيره من الرعية لما في ذلك من كسر قلب من لم يجبه الا ان كان له عذر في ترك الإجابة كرؤية المنكر الذي لا يجاب الى إزالته فلو كثرت بحيث تشغله عن الحكم الذي تعين عليه ساغ له ان لا يجيب قوله وقد أجاب عثمان بن عفان عبدا للمغيرة بن شعبة لم أقف على اسم العبد المذكور والأثر رويناه موصولا في فوائد أبي محمد بن صاعد وفي زوائد البر والصلة لابن المبارك بسند صحيح الى أبي عثمان النهدي ان عثمان بن عفان أجاب عبدا للمغيرة بن شعبة دعاه وهو صائم فقال أردت ان أجيب الداعي وأدعو بالبركة ثم ذكر حديث أبي موسى

[ 6752 ] فكوا العاني بمهملة ثم نون هو الأسير وأجيبوا الداعي وهو طرف من حديث تقدم في الوليمة وغيرها بأتم من هذا قال بن بطال عن مالك لا ينبغي للقاضي ان يجيب الدعوة الا في الوليمة خاصة ثم ان شاء أكل وان شاء ترك والترك أحب إلينا لأنه أنزه الا ان يكون لأخ في الله أو خالص قرابة أو مودة وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم انتهى وقد تقدم تفصيل احكام إجابة الدعوى في الوليمة وغيرها بما يغني عن اعادته

قوله باب هدايا العمال هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد وأبو عوانة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عروة عن أبي حميد رفعه هدايا العمال غلول وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن يحيى وهو من رواية إسماعيل عن الحجازيين وهي ضعيفة ويقال انه اختصره من حديث الباب كما تقدم بيان ذلك في الهبة وأورد فيه قصة بن اللتبية وقد تقدم بعض شرحها في الهبة وفي الزكاة وفي ترك الحيل وفي الجمعة وتقدم شيء مما يتعلق بالغلول في كتاب الجهاد

[ 6753 ] قوله سفيان هو بن عيينة قوله عن الزهري قد ذكر في آخره ما يدل على ان سفيان سمعه من الزهري وهو قوله قال سفيان قصه علينا الزهري ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا الزهري وأخرجه أبو نعيم من طريقه وعند الإسماعيلي من طريق محمد بن منصور عن سفيان قال قصه علينا الزهري وحفظناه قوله انه سمع عروة في رواية شعيب عن الزهري في الأيمان والنذور أخبرني عروة قوله استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني أسد بفتح الهمزة وسكون السين المهملة كذا وقع هنا وهو يوهم انه بفتح السين نسبة الى بني أسد بن خزيمة القبيلة المشهورة أو الى بني أسد بن عبد العزى بطن من قريش وليس كذلك وانما قلت انه يوهمه لأن الأزدي تلازمه الأف واللام في الاستعمال أسماء وانسابا بخلاف بني أسد فبغير ألف ولام في الاسم ووقع في رواية الأصيلي هنا من بني الأسد بزياة الألف واللام ولا اشكال فيها مع سكون السين وقد وقع في الهبة عن عبد الله بن محمد الجعفي عن سفيان استعمل رجلا من الأزد وكذا قال أحمد والحميدي في مسنديهما عن سفيان ومثله لمسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان وفي نسخة بالسين المهملة بدل الزاي ثم وجدت ما يزيل الاشكال ان ثبت وذلك ان أصحاب الأنساب ذكروا أن في الأزد بطنا يقال لهم بنو أسد بالتحريك ينسبون الى أسد بن شريك بالمعجمة مصغرا بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم وبنو فهم بطن شهير من الأزد فيحتمل ان بن الأتبية كان منهم فيصح ان يقال فيه الأزدي بسكون الزاي والأسدي بسكون السين وبفتحها من بني أسد بفتح السين ومن بني الأزد أو الأسد بالسكون فيهما لا غير وذكروا ممن ينسب كذلك مسددا شيخ البخاري قوله يقال له بن الأتبية كذا في رواية أبي ذر بفتح الهمزة والمثناة وكسر الموحدة وفي الهامش باللام بدل الهمزة كذلك ووقع كالأول لسائرهم وكذا تقدم في الهبة وفي رواية مسلم باللام المفتوحة ثم المثناة الساكنة وبعضهم يفتحها وقد اختلف على هشام بن عروة عن أبيه أيضا انه باللام أو بالهمزة كما سيأتي قريبا في باب محاسبة الامام عماله بالهمزة ووقع لمسلم باللام وقال عياض ضبطه الأصيلي بخطه في هذا الباب بضم اللام وسكون المثناة وكذا قيده بن السكن قال وهو الصواب وكذا قال بن السمعاني بن اللتبية بضم اللام وفتح المثناة ويقال بالهمز بدل اللام وقد تقدم ان اسمه عبد الله واللتبية أمه لم نقف على تسميتها قوله على صدقة وقع في الهبة على الصدقة وكذا لمسلم تقدم في الزكاة تعيين من استعمل عليهم قوله فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي في رواية معمر عن الزهري عند مسلم فجاء بالمال فدفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا مالكم وهذه هدية أهديت لي وفي رواية هشام الآتية قريبا فلما جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت لي وفي رواية أبي الزناد عن عروة عند مسلم فجاء بسواد كثير وهو بفتح المهملة وتخفيف الواو فجعل يقول هذا لكم وهذا أهدي لي وأوله عند أبي عوانة بعث مصدقا الى اليمن فذكره والمراد بالسواد الأشياء الكثيرة والأشخاص البارزة من حيوان وغيره ولفظ السواد يطلق على كل شخص ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتوفى منه وهذا يدل على ان قوله في الرواية المذكورة فلما جاء حاسبه أي أمر من يحاسبه ويقبض منه وفي رواية أبي نعيم أيضا فجعل يقول هذا لكم وهذا لي حتى ميزه قال يقولون من أين هذا لك قال اهدي لي فجاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم بما اعطاهم قوله فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر زاد في رواية هشام قبل ذلك فقال ألا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك ان كنت صادقا ثم قام فخطب قوله قال سفيان أيضا فصعد المنبر يريد أن سفيان كان تارة يقول قام وتارة صعد ووقع في رواية شعيب ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم عشية بعد الصلاة وفي رواية معمر عن مسلم ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا وفي رواية أبي الزناد عند أبي نعيم فصعد المنبر وهو مغضب قوله ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول في رواية الكشميهني يقول بحذف الفاء وفي رواية شعيب فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول ووقع في رواية هشام بن عروة فاني استعمل الرجل منكم على أمور مما ولاني الله قوله هذا لك وهذا لي في رواية عبد الله بن محمد هذا لكم وهذا أهدي لي وفي رواية هشام فيقول هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت لي وقد تقدم ما في رواية أبي الزناد من الزيادة قوله فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا في رواية هشام حتى تأتيه هديته ان كان صادقا قوله والذي نفسي بيده تقدم شرحه في أوائل كتاب الإيمان النذور قوله لا يأتي بشيء الا جاء به يوم القيامة يعني لا يأتي بشيء يحوزه لنفسه ووقع في رواية عبد الله بن محمد لا يأخذ أحد منها شيئا وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة لا ينال أحد منكم منها شيئا وفي رواية أبي الزناد عند أبي عوانة لا يغل منه شيئا الا جاء به وكذا وقع في رواية شعيب عند المصنف وفي رواية معمر عند الإسماعيلي كلاهما بلفظ لا يغل بضم الغين المعجمة من الغلول وأصله الخيانة في الغنيمة ثم استعمل في كل خيانة قوله يحمله على رقبته في رواية أبي بكر على عنقه وفي رواية هشام لا يأخذ أحدكم منها شيئا قال هشام بغير حقه ولم يقع قوله قال هشام عند مسلم في رواية أبي أسامة المذكورة وأورده من رواية بن نمير عن هشام بدون قوله بغير حقه وهذا مشعر بادراجها قوله ان كان أي الذي غله بعيرا له رغاء بضم الراء وتخفيف المعجمة مع المد هو صوت البعير قوله خوار يأتي ضبطه قوله أو شاة تيعر بفتح المثناة الفوقانية وسكون التحتانية بعدها مهملة مفتوحة ويجوز كسرها ووقع عند بن التين أو شاة لها يعار ويقال يعار قال وقال القزاز هو يعار بغير شك يعني بفتح التحتانية وتخفيف المهملة وهو صوت الشاة الشديد قال واليعار ليس بشيء كذا فيه وكذا لم أره هنا في شيء من نسخ الصحيح وقال غيره اليعار بضم أوله صوت المعز يعرت العنز تيعر بالكسر وبالفتح يعارا إذا صاحت قوله ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه وفي رواية عبد الله بن محمد عفرة إبطه بالافراد ولأبي ذر عفر بفتح أوله ولبعضهم بفتح الفاء أيضا بلا هاء وكالأول في رواية شعيب بلفظ حتى انا لننظر الى والعفرة بضم المهملة وسكون الفاء تقدم شرحها في كتاب الصلاة وحاصله ان العفر بياض ليس بالناصع قوله الا بالتخفيف هل بلغت بالتشديد ثلاثا أي أعادها ثلاث مرات وفي رواية عبد الله بن محمد في الهبة اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ثلاثا وفي رواية مسلم قال اللهم هل بلغت مرتين ومثله لأبي داود ولم يقل مرتين وصرح في رواية الحميدي بالثالثة اللهم بلغت والمراد بلغت حكم الله اليكم امتثالا لقوله تعالى له بلغ واشارة الى ما يقع في القيامة من سؤال الأمم هل بلغهم أنبياؤهم ما أرسلوا به إليهم قوله وزاد هشام هو من مقول سفيان وليس تعليقا من البخاري وقد وقع في رواية الحميدي عن سفيان حدثنا الزهري وهشام بن عروة قالا حدثنا عروة بن الزبير وساقه عنهما مساقا واحدا وقال في آخره قال سفيان زاد فيه هشام قوله سمع اذني بفتح السين وكسر الميم وأذني بالافراد بقرينة قوله وأبصرته عيني قال عياض بسكون الصاد المهملة والميم وفتح الراء والعين للأكثر وحكى عن سيبويه قال العرب تقول سمع اذني زيدا بضم العين قال عياض والذي في ترك الحيل وجهه النصب على المصدر لأنه لم يذكر المفعول وقد تقدم القول في ذلك في ترك الحيل ووقع عند مسلم في رواية أبي أسامة بصر وسمع بالسكون فيها والتثنية في أذني وعيني وعنده في رواية بن نمير بصر عيناي وسمع اذناي وفي رواية بن جريج عن هشام عند أبي عوانة بصر عينا أبي حميد وسمع أذناه قلت وهذا يتعين أن يكون بضم الصاد وكسر الميم وفي رواية مسلم من طريق أبي الزناد عن عروة قلت لأبي حميد أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من فيه الى أذني قال النووي معناه أنني أعلمه علما يقينا لا أشك في علمي به قوله وسلوا زيد بن ثابت فإنه سمعه معي في رواية الحميدي فإنه كان حاضرا معي وفي رواية الإسماعيلي من طريق معمر عن هشام يشهد على ما أقول زيد بن ثابت يحك منكبه منكبي رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي رأيت وشهد مثل الذي شهدت وقد ذكرت في الإيمان والنذور أني لم أجده من حديث زيد بن ثابت قوله ولم يقل الزهري سمع اذني هو مقول سفيان أيضا قوله خوار صوت والجؤار من تجأرون كصوت البقرة هكذا وقع هنا وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والأول بضم الخاء المعجمة يفسر قوله في حديث أبي حميد بقرة لها خوار وهو في الرواية بالخاء المعجمة ولبعضهم بالجيم وأشار الى ما في سورة طه عجلا جسدا له خوار وهو صوت العجل ويستعمل في غير البقر من الحيوان وأما قوله والجؤار فهو بضم الجيم واو مهموزة ويجوز تسهيلها وأشار بقوله يجأرون الى ما في سورة قد أفلح بالعذاب إذا هم يجأرون قال أبو عبيدة أي يرفعون أصواتهم كما يجأر الثور والحاصل انه بالجيم وبالخاء المعجمة بمعنى الا انه بالخاء للبقر وغيرها من الحيوان وبالجيم للبقر والناس قال الله تعالى فإليه تجأرون وفي قصة موسى له جؤار الى الله بالتلبية أي صوت عال وهو عند مسلم من طريق داود بن أبي هند عن أبي العالية عن بن عباس وقيل أصله في البقر واستعمل في الناس ولعل المصنف أشار أيضا الى قراءة الأعمش عجلا جسدا له جؤار بالجيم وفي الحديث من الفوائد ان الامام يخطب في الأمور المهمة واستعمال اما بعد في الخطبة كما تقدم في الجمعة ومشروعية محاسبة المؤتمن وقد تقدم البحث فيه في الزكاة ومنع العمال من قبول الهدية ممن له عليه حكم وتقدم تفصيل ذلك في ترك الحيل ومحل ذلك إذا لم يأذن له الامام في ذلك لما أخرجه الترمذي من رواية قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن فقال لا تصيبن شيئا بغير اذني فإنه غلول وقال المهلب فيه انها إذا أخذت تجعل في بيت المال ولا يختص العامل منها الا بما أذن له فيه الامام وهو مبني على ان بن اللتبية أخذ منه ما ذكر انه اهدي له وهو ظاهر السياق ولا سيما في رواية معمر قبل ولكن لم أر ذلك صريحا ونحوه قول بن قدامة في المغني لما ذكر الرشوة وعليها ردها لصاحبها ويحتمل ان تجعل في بيت المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بن اللتبية برد الهدية التي أهديت له لمن اهداها وقال بن بطال يلحق بهدية العامل الهدية لمن له دين ممن عليه الدين ولكن له أن يحاسب بذلك من دينه وفيه ابطال كل طريق يتوصل بها من يأخذ المال الى محاباة المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ وقال بن المنير يؤخذ من قوله هلا جلس في بيت أبيه وأمه جواز قبول الهدية ممن كان يهاديه قبل ذلك كذا قال ولا يخفى ان محل ذلك إذا لم يزد على العادة وفيه ان من رأى متأولا أخطأ في تأويل يضر من اخذ به ان يشهر القول للناس ويبين خطأه ليحذر من الاغترار به وفيه جواز توبيخ المخطىء واستعمال المفضول في الامارة والامامة والامانة مع وجود من هو أفضل منه وفيه استشهاد الراوي والناقل بقول من يوافقه ليكون أوقع في نفس السامع وأبلغ في طمأنينته والله اعلم

قوله باب استقضاء الموالي أي توليتهم القضاء واستعمالهم أي على امرة البلاد حربا أو خراجا أو صلاة

[ 6754 ] قوله كان سالم مولى أبي حذيفة تقدم التعريف به في الرضاع قوله يأم المهاجرين الأولين أي الذين سبقوا بالهجرة الى المدينة قوله فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة أي بن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة أم المؤمنين قبل النبي صلى الله عليه وسلم وزيد أي بن حارثة وعامر بن ربيعة أي العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي وهو مولى عمر وقد تقدم في كتاب الصلاة في أبواب الإمامة من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا فأفاد سبب تقديمه للامامة وقد تقدم شرحه مستوفى هناك في باب امامة المولى والجواب عن استشكال عد أبي بكر الصديق فيهم لأنه انما هاجر صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع في حديث بن عمر ان ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت جواب البيهقي بأنه يحتمل ان يكون سالم استمر يؤمهم بعد ان تحول النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة ونزل بدار أبي أيوب قبل بناء مسجده بها فيحتمل ان يقال فكان أبو بكر يصلي خلفه إذا جاء الى قباء وقد تقدم في باب الهجرة الى المدينة من حديث البراء بن عازب أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس ثم قدم بلال وسعد وعمار ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين وذكرت هناك ان بن إسحاق سمى منهم ثلاثة عشر نفسا وان البقية يحتمل ان يكونوا من الذين ذكرهم بن جريج وذكرت هناك الاختلاف فيمن قدم مهاجرا من المسلمين وان الراجح انه أبو سلمة بن عبد الأسد فعلى هذا لا يدخل أبو بكر ولا أبو سلمة في العشرين المذكورين وقد تقدم أيضا في أول الهجرة ان بن إسحاق ذكر ان عامر بن ربيعة أول من هاجر ولا ينافي ذلك حديث الباب لأنه كان يأتم بسالم بعد ان هاجر سالم ومناسبة الحديث للترجمة من جهة تقديم سالم وهو مولى علي من ذكر من الأحرار في امامة الصلاة ومن كان رضا في أمر الدين فهو رضا في أمور الدنيا فيجوز أن يولى القضاء والامرة على الحرب وعلى جباية الخراج واما الإمامة العظمى فمن شروط صحتها ان يكون الامام قرشيا وقد مضى البحث في ذلك في أول كتاب الأحكام ويدخل في هذا ما أخرجه مسلم من طريق أبي الطفيل ان نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر استعمله على مكة فقال من استعملت عليهم فقال بن أبزى يعني بن عبد الرحمن قال استعملت عليهم مولى قال انه قارىء لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر ان نبيكم قد قال ان الله يرفع بهذا الكتاب أقوما ويضع به آخرين

قوله باب العرفاء للناس بالمهملة والفاء جمع عريف بوزن عظيم وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على القوم أعرف بالضم فأنا عارف وعريف أي وليت أمر سياستهم وحفظ امورهم وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج وقيل العريف دون المنكب وهو دون الأمير

[ 6755 ] قوله إسماعيل بن إبراهيم هو بن عقبة والسند كله مدنيون قوله قال بن شهاب في رواية محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال لي بن شهاب أخرجها أبو نعيم قوله حين أذن لهم المسلمون في عتق سبي هوازن في رواية النسائي من طريق محمد بن فليح حتى أذن له بالافراد وكذا للإسماعيلي وأبي نعيم ووجه الأول أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه أو من أقامه في ذلك وهذه القطعة مقتطعة من قصة السبي الذي غنمه المسلمون في وقعة حنين ونسبوا الى هوازن لأنهم كانوا رأس تلك الوقعة وقد تقدمت الإشارة الى ذلك وتفصيل الأمر فيه في وقعة حنين وأخرجها هناك مطولة من رواية عقيل عن بن شهاب وفيه وأني رأيت اني أرد إليهم سبيهم فمن أحب ان يطيب بذلك فليفعل وفيه فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال انا لا ندري الخ قوله من أذن فيكم في رواية الكشميهني منكم وكذا للنسائي والإسماعيلي قوله فأخبروه ان الناس قد طيبوا وأذنوا تقدم في غزوة حنين ما يؤخذ منه أن نسبة الإذن وغيره إليهم حقيقة ولكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر طابت أنفسهم ان يردوا السبي لأهله بغير عوض وبعضهم رده بشرط التعويض ومعنى طيبوا وهو بالتشديد حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير اكراه فطابت بذلك ويقال طيبت بنفس فلان إذا كلمته بكلام يوافقه وقيل هو من قولهم طاب الشيء إذا صار حلالا وانما عداه بالتضعيف ويؤيده قوله فمن احب ان يطيب ذلك أي يجعله حلالا وقولهم طيبنا فيحمل عليه قول العرفاء انهم طيبوا قال بن بطال في الحديث مشروعية إقامة العرفاء لأن الامام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج الى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه قال والأمر والنهي إذا توجه الى الجميع يقع التوكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط فإذا أقام على كل قوم عريفا لم يسع كل أحد الا القيام بما أمر به وقال بن المنير في الحاشية يستفاد منه جواز الحكم بالإقرار بغير اشهاد فان العرفاء ما أشهدوا على كل فرد فرد شاهدين بالرضا وانما أقر الناس عندهم وهم نواب للامام فاعتبر ذلك وفيه ان الحاكم يرفع حكمه الى حاكم آخر مشافهة فينفذه إذا كان كل منهما في محل ولايته قلت وقع في سير الواقدي ان أبا رهم الغفاري كان يطوف على القبائل حتى جمع العرفاء واجتمع الأمناء على قول واحد وفيه ان الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنح إقامة العرفاء لأنه محمول ان ثبت على ان الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي الى الوقوع في المعصية والحديث المذكور أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه العرافة حق ولا بد للناس من عريف والعرفاء في النار ولأحمد وصححه بن خزيمة من طريق عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه ويل للأمراء ويل للعرفاء قال الطيبي قوله والعرفاء في النار ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر بأن العرافة على خطر ومن باشرها غير آمن من الوقوع في المحذور المفضي الى العذاب فهو كقوله تعالى ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا فينبغي للعاقل ان يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه الى النار قلت ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء فدل على ان المراد بذلك الإشارة الى ان كل من يدخل في ذلك لا يسلم وأن الكل على خطر والاستثناء مقدر في الجميع واما قوله العرافة حق فالمراد به أصل نصبهم فان المصلحة تقتضيه لما يحتاج اليه الأمير من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث الباب

قوله ما يكره من ثناء السلطان الإضافة فيه المفعول أي من الثناء على السلطان بحضرته بقرينة قوله وإذا خرج أي من عنده قال غير ذلك ووقع عند بن بطال من الثناء على السلطان وكذا عند أبي نعيم عن أبي أحمد الجرجاني عن الفربري وقد تقدم معنى هذه الترجمة في أواخر كتاب الفتن إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه وهذه أخص من تلك

[ 6756 ] قوله قال أناس لابن عمر قلت سمى منهم عروة بن الزبير ومجاهد وأبو إسحاق الشيباني ووقع عند الحسن بن سفيان من طريق معاذ عن عاصم عن أبيه دخل رجل على بن عمر أخرجه أبو نعيم من طريقه قوله انا ندخل على سلطاننا في رواية الطيالسي عن عاصم سلاطيننا بصيغة الجمع قوله فنقول لهم أي نثني عليهم في رواية الطيالسي فنتكلم بين أيديهم بشيء ووقع عند بن أبي شيبة من طريق أبي الشعثاء قال دخل قوم على بن عمر فوقعوا في يزيد بن معاوية فقال اتقولون هذا في وجوههم قالوا بل نمدحهم ونثني عليهم وفي رواية عروة بن الزبير عند الحارث بن أبي أسامة والبيهقي قال أتيت بن عمر فقلت انا نجلس الى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون في شيء نعلم ان الحق غيره فنصدقهم فقال كنا نعد هذا نفاقا فلا أدري كيف هو عندكم لفظ البيهقي في رواية الحارث يا أبا عبد الرحمن انا ندخل على الامام يقضي بالقضاء نراه جورا فنقول تقبل الله فقال انا نحن معاشر محمد فذكر نحوه وفي كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الأصبهاني بسنده عن عريب الهمداني قلت لابن عمر فذكر نحوه وعريب بمهملة وموحدة وزن عظيم وللخرائطي في المساوى من طريق الشعبي قلت لابن عمر انا ندخل على أمرائنا فنمدحهم فإذا خرجنا قلنا لهم خلاف ذلك فقال كنا نعد هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاقا وفي مسند مسدد من رواية يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ان رجلا قدم على بن عمر فقال له كيف أنتم وأبو أنيس الضحاك بن قيس قال إذا لقيناه قلنا له ما يحب وإذا ولينا عنه قلنا له غير ذلك قال ذاك ما كنا نعده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من النفاق وفي الأوسط للطبراني من طريق الشيباني يعنى أبا إسحاق وسليمان بن فيروز الكوفي قوله كنا نعدها بضم العين من العد هكذا اختصره أبو ذر وله عن الكشميهني نعد هذا وعند غير أبي ذر مثله وزادوا نفاقا وعند بن بطال ذلك بدل هذا ومثله للإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن عاصم بن محمد وعنده من النفاق وزاد قال عاصم فسمعني أخى يعني عمر أحدث بهذا الحديث فقال قال أبي قال بن عمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه الطيالسي في مسنده عن عاصم بن محمد الى قوله نفاقا قال عاصم فحدثني أخي عن أبي ان بن عمر قال كنا نعده نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في الأطراف للمزي ما نصه خ في الأحكام عن أبي نعيم عن عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه به قال ورواه معاذ بن معاذ عن عاصم وقال في آخره فحدثت به أخي عمر فقال ان أباك كان يزيد فيه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قوله وقال معاذ الى آخره لم يذكره أبو مسعود فيحتمل أن يكون نقله من كتاب خلف ولم أره في شيء من الروايات التي وقعت لنا على الفربري ولا غيره عن البخاري وقد قال الإسماعيلي عقب الزيادة المذكورة ليس في حديث البخاري على عهد رسول الله

[ 6757 ] قوله عن يزيد بن أبي حبيب هو المصري من صغار التابعين قوله عن عراك بكسر العين المهملة وتخفيف الراء وآخره كاف هو بن مالك الغفاري المدني فالسند دائر بين مصري ومدني قوله ان شر الناس ذو الوجهين تقدم في باب ما قيل في ذي الوجهين من كتاب الأدب من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ من شر الناس وتقدم شرحه وسائر فوائده هناك وتعرض بن بطال هنا لذكر ما يعارض ظاهره من قوله صلى الله عليه وسلم للذي استأذن عليه بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول وتكلم على الجمع بينهما وحاصله انه حيث ذمه كان لقصد التعريف بحاله وحيث تلقاه بالبشر كان لتأليفه أو لاتقاء شره فما قصد بالحالتين الا نفع المسلمين ويؤيده أنه لم يصفه في حال لقائه بأنه فاضل ولا صالح وقد تقدم الكلام عليه أيضا في باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا من كتاب الأدب وتقدم فيه أيضا بيان ما يجوز من الاغتياب في باب آخر بعد ذلك

قوله القضاء على الغائب أي في حقوق الآدميين دون حقوق الله بالاتفاق حتى لو قامت البينة على غائب بسرقة مثلا حكم بالمال دون القطع قال بن بطال أجاز مالك والليث والشافعي وأبو عبيد وجماعة الحكم على الغائب واستثنى بن القاسم عن مالك ما يكون للغائب فيه حجج كالأرض والعقار الا ان طالت غيبته أو انقطع خبره وأنكر بن الماجشون صحة ذلك عن مالك وقال العمل بالمدينة على الحكم على الغائب مطلق حتى لو غاب بعد ان توجه عليه الحكم قضي عليه وقال بن أبي ليلى وأبو حنيفة لا يقضى على الغائب مطلقا واما من هرب أو استتر بعد إقامة البينة فينادي القاضي عليه ثلاثا فان جاء والا انفذ الحكم عليه وقال بن قدامة إجازة أيضا بن شبرمة والأوزاعي وإسحاق وهو أحد الروايتين عن أحمد ومنعه أيضا الشعبي والثوري وهي الرواية الأخرى عن أحمد قال واستثنى أبو حنيفة من له وكيل مثلا فيجوز الحكم عليه بعد الدعوى على وكيله واحتج من منع بحديث على رفعه لا تقضى لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وبحديث الأمر بالمساواة بين الخصمين وبأنه لو حضر لم تسمع بينة المدعي حتى يسأل المدعى عليه فإذا غاب فلا تسمع وبأنه لو جاز الحكم مع غيبته لم يكن الحضور واجبا عليه وأجاب من أجاز بأن ذلك كله لا يمنع الحكم على الغائب لأن حجته إذا حضر قائمة فتسمع ويعمل بمقتضاها ولو أدى الى نقض الحكم السابق وحديث علي محمول على الحاضرين وقال بن العربي حديث علي انما هو مع إمكان السماع فأما مع تعذره بمغيب فلا يمنع الحكم كما لو تعذر باغماء أو جنون أو حجر أو صغر وقد عمل الحنفية بذلك في الشفعة والحكم على من عنده للغائب ماله ان يدفع منه نفقة زوج الغائب ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة هند وقد احتج بها الشافعي وجماعة لجواز القضاء على الغائب وتعقب بأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد وتقدم بيان ذلك مستوفي في كتاب النفقات مع شرح الحديث المذكور ولله الحمد وذكر بن التين فيه من الفوائد غير ما تقدم خروج المراة في حوائجها وان صوتها ليس بعورة قلت وفي كل منهما نظر أما الأول فلأنه جاء ان هندا كانت جاءت للبيعة فوقع ذكر النفقة تبعا وأما الثاني فحال الضرورة مستثنى وانما النزاع حيث لا ضرورة

قوله باب بالتنوين من قضي له بضم أوله بحق أخيه أي خصمه فهي أخوة بالمعنى الأعم وهو الجنس لأن المسلم والذمي والمعاهد والمرتد في هذا الحكم سواء فهو مطرد في الأخ من النسب ومن الرضاع وفي الدين وغير ذلك ويحتمل ان يكون تخصيص الأخوة بالذكر من باب التهييج وانما عبر بقوله بحق أخيه مراعاة للفظ الخبر ولذلك قال فلا يأخذه لأنه بقية الخبر وهذا اللفظ وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه وقد تقدم في ترك الحيل من طريق الثوري عنه قوله فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا هذا الكلام أخذه من قول الشافعي فإنه لما ذكر هذا الحديث قال فيه دلالة على ان الأمة انما كلفوا القضاء على الظاهر وفيه ان قضاء القاضي لا يحرم حلالا ولا يحل حراما

[ 6759 ] قوله عن صالح هو بن كيسان وصرح به في رواية الإسماعيلي قوله سمع خصومة في رواية شعيب عن الزهري سمع جلبة خصام والجلبة بفتح الجيم واللام اختلاط الأصوات ووقع في رواية يونس عند مسلم جلبة خصم بفتح الخاء وسكون الصاد وهو اسم مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمثنى مذكرا ومؤنثا ويجوز جمعه وتثنيته كما في رواية الباب خصوم وكما في قوله تعالى هذان خصمان ولمسلم من طريق معمر عن هشام لجبة بتقديم اللام على الجيم وهي لغة فيها فأما الخصوم فلم أقف على تعيينهم ووقع التصريح بأنهما كانا اثنين في رواية عبد الله بن رافع عن أم سلمة عند أبي داود ولفظه اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان واما الخصومة فبين في رواية عبد الله بن رافع انها كانت في مواريث لهما وفي لفظ عنده في مواريث وأشياء قد درست قوله باب حجرته في رواية شعيب ويونس عند مسلم عن بابه والحجرة المذكورة هي منزل أم سلمة ووقع عند مسلم في رواية معمر بباب أم سلمة قوله انما أنا بشر البشر الخلق يطلق على الجماعة والواحد بمعنى انه منهم والمراد أنه مشارك للبشر في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي أختص بها في ذاته وصفاته والحصر هنا مجازي لأنه يختص بالعلم الباطن ويسمى قصر قلب لأن أتى به ردا على من زعم ان من كان رسولا فإنه يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم قوله وانه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ابلغ من بعض في رواية سفيان الثوري في ترك الحيل وانكم تختصمون الي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض ومثله لمسلم من طريق أبي معاوية وتقدم البحث في المراد بقوله ألحن في ترك الحيل قوله فأحسب أنه صادق هذا يؤذن أن في الكلام حذفا تقديره وهو في الباطن كاذب وفي رواية معمر فاظنه صادقا قوله فأقضي له بذلك في رواية أبي داود من طريق الثوري فأقضي له عليه على نحو مما أسمع ومثله في رواية أبي معاوية وفي رواية عبد الله بن رافع اني انما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه قوله فمن قضيت له بحق مسلم في رواية مالك ومعمر فمن قضيت له بشيء من حق أخيه وفي رواية الثوري فمن قضيت له من أخيه شيئا وكأنه ضمن قضيت معنى أعطيت ووقع عند أبي داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه وفي رواية عبد الله بن رافع عند الطحاوي والدارقطني فمن قضيت له بقضية أراها يقطع بها قطعة ظلما فانما يقطع له بها قطعة من نار أسطاما يأتي بها في عنقه يوم القيامة والإسطام بكسر الهمزة وسكون المهملة والطاء المهملة قطعة فكأنها للتأكيد قوله فانما هي الضمير للحالة أو القصة قوله قطعة من النار أي الذي قضيت له به بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يئول به الى النار وقوله قطعة من النار تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى انما يأكلون في بطونهم نارا قوله فليأخذها أو ليتركها في رواية يونس فليحملها أو ليذرها وفي رواية مالك عن هشام فلا يأخذه فانما أقطع له قطعة من النار قال الدارقطني هشام وان كان ثقة لكن الزهري أحفظ منه وحكاه الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري قلت ورواية الزهري ترجع الى رواية هشام فان الأمر فيه للتهديد لا لحقيقة التخيير بل هو كقوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال بن التين هو خطاب للمقضي له ومعناه أنه أعلم من نفسه هل هو محق أو مبطل فان كان محقا فليأخذ وان كان مبطلا فليترك فان الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه تنبيه زاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث فبكى الرجلان وقال كل منهما حقي لك فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحاللا وفي هذا الحديث من الفوائد اثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطل حرام عليه وفيه ان من ادعى مالا ولم يكن له بينة فحلف المدعى عليه وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في الباطن وان المدعي لو أقام بينة بعد ذلك تنافي دعواه سمعت وبطل الحكم وفيه أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم وفيه ان المجتهد قد يخطىء فيرد به على من زعم أن كل مجتهد مصيب وفيه ان المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه اثم بل يؤجر كما سيأتي وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء وخالف في ذلك قوم وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم وفيه انه ربما أداه اجتهاده الى أمر فيحكم به ويكون في الباطن بخلاف ذلك لكن مثل ذلك لو وقع لم يقر عليه صلى الله عليه وسلم لثبوت عصمته واحتج من منع مطلقا بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه للزم أمر المكلفين بالخطأ لثبوت الأمر باتباعه في جميع أحكامه حتى قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية وبأن الإجماع معصوم من الخطأ فالرسول أولى بذلك لعلو رتبته والجواب عن الأول ان الأمر إذا استلزم إيقاع الخطأ لا محذور فيه لأنه موجود في حق المقلدين فانهم مأمورن باتباع المفتي والحاكم ولو جاز عليه الخطأ والجواب عن الثاني أن الملازمة مردودة فان الإجماع إذا فرض وجوده دل على أن مستندهم ما جاء عن الرسول فرجع الاتباع الى الرسول لا الى نفس الإجماع والحديث حجة لمن اثبت انه قد يحكم بالشيء في الظاهر ويكون الأمر في الباطن بخلافه ولا مانع من ذلك إذ لا يلزم منه محال عقلا ولا نقلا وأجاب من منع بأن الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل الخصومات المبنية على الإقرار أو البينة ولا مانع من وقوع ذلك فيها ومع ذلك فلا يقر على الخطأ وانما الممتنعة أن يقع فيه الخطأ أن يخبر عن أمر بأن الحكم الشرعي فيه كذا ويكون ذلك ناشئا عن اجتهاده فإنه لا يكون إلا حقا لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى الآية وأجيب بأن ذلك يستلزم الحكم الشرعي فيعود الاشكال كما كان ومن حجج من أجاز ذلك قوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم فيحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك والحكمة في ذلك مع أنه كان يمكن اطلاعه بالوحي على كل حكومة أنه لما كان مشرعا كان يحكم بما شرع للمكلفين ويعتمده الحكام بعده ومن ثم قال انما أنا بشر أي في الحكم بمثل ما كلفوا به والى هذه النكتة أشار المصنف بإيراده حديث عائشة في قصة بن وليدة زمعة حيث حكم صلى الله عليه وسلم بالولد لعبد بن زمعة وألحقه بزمعة ثم لما رأى شبهة بعتبة أمر سودة ان تحتجب منه احتياطا ومثله قوله في قصة المتلاعنين لما وضعت التي لوعنت ولدا يشبه الذي رميت به لولا الإيمان لكان لي ولها شأن فأشار البخاري الى انه صلى الله عليه وسلم حكم في بن وليدة زمعة بالظاهر ولو كان في نفس الأمر ليس من زمعة ولا يسمى ذلك خطأ في الاجتهاد ولا هو من موارد الاختلاف في ذلك وسبقه الى ذلك الشافعي فإنه لما تكلم على حديث الباب قال وفيه ان الحكم بين الناس يقع على ما يسمع من الخصمين بما لفظوا به وان كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك وانه لا يقضى على أحد بغير ما لفظ به فمن فعل ذلك فقد خالف كتاب الله وسنة نبيه قال ومثل هذا قضاؤه لعبد بن زمعة بابن الوليدة فلما رأى الشبه بينا بعتبة قال احتجبي منه يا سودة انتهى ولعل السر في قوله انما أنا بشر امتثال قول الله تعالى قل انما انا بشر مثلكم أي في اجراء الأحكام على الظاهر الذي يستوي فيه جميع المكلفين فأمر ان يحكم بمثل ما أمروا أن يحكموا به ليتم الاقتداء به وتطيب نفوس العباد للانقياد الى الأحكام الظاهرة من غير نظر الى الباطن والحاصل ان هنا مقامين أحدهما طريق الحكم وهو الذي كلف المجتهد بالتبصر فيه وبه يتعلق الخطأ والصواب وفيه البحث والآخر ما يبطنه الخصم ولا يطلع عليه الا الله ومن شاء من رسله فلم يقع التكليف به قال الطحاوي ذهب قوم الى ان الحكم بتمليك مال أو إزالة ملك أو اثبات نكاح أو فرقة أو نحو ذلك ان كان في الباطن كما هو في الظاهر نفذ على ما حكم به وان كان في الباطن على خلاف ما استند اليه الحاكم من الشهادة أو غيرها لم يكن الحكم موجبا للتمليك ولا الازالة ولا النكاح ولا الطلاق ولا غيرها وهو قول الجمهور ومعهم أبو يوسف وذهب آخرون الى ان الحكم ان كان في مال وكان الأمر في الباطن بخلاف ما استند اليه الحاكم من الظاهر لم يكن ذلك موجبا لحله للمحكوم له وان كان في نكاح أو طلاق فإنه ينفذ باطنا وظاهرا وحملوا حديث الباب على ما ورد فيه وهو المال واحتجوا لما عداه بقصة المتلاعنين فإنه صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين مع احتمال أن يكون الرجل قد صدق فيما رماها به قال فيؤخذ من هذا أن كل قضاء ليس في تمليك مال انه على الظاهر ولو كان الباطن بخلافه وان حكم الحاكم يحدث في ذلك التحريم والتحليل بخلاف الأموال وتعقب بأن الفرقة في اللعان انما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب وهو أصل برأسه فلا يقاس عليه وأجاب غيره من الحنفية بأن ظاهر الحديث يدل على ان ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام الخصم حيث لا بينة هناك ولا يمين وليس النزاع فيه وانما النزاع في الحكم المرتب على الشهادة وبأن من في قوله فمن قضيت له شرطية وهي لا تسلتزم الوقوع فيكون من فرض ما لم يقع وهو جائز فيما تعلق به غرض وهو هنا محتمل لأن يكون للتهديد والزجر عن الاقدام على أخذ أموال الناس باللسن والابلاغ في الخصومة وهو وان جاز أن يستلزم عدم نفوذ الحكم باطنا في العقود والفسوخ لكنه لم يسق لذلك فلا يكون فيه حجة لمن منع و بأن الاحتجاج به يستلزم أنه صلى الله عليه وسلم يقر على الخطأ لأنه لا يكون ما قضى به قطعة من النار الا إذا استمر الخطأ والا فمتى فرض انه يطلع عليه فإنه يجب ان يبطل ذلك الحكم ويرد الحق لمستحقه وظاهر الحديث يخالف ذلك فاما ان يسقط الاحتجاج به ويؤول على ما تقدم واما ان يستلزم استمرار التقرير على الخطأ وهو باطل والجواب عن الأول أنه خلاف الظاهر وكذا الثاني والجواب عن الثالث ان الخطأ الذي لا يقر عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاد فيما لم يوح اليه فيه وليس النزاع فيه وانما النزاع في الحكم الصدار منه بناء على شهادة زور أو يمين فاجرة فلا يسمى خطأ للاتفاق على وجوب العمل بالشهادة وبالايمان والا لكان الكثير من الأحكام يسمى خطأ وليس كذلك كما تقدمت الإشارة اليه في حديث أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وحديث أني لم أومر بالتنقيب عن قلوب الناس وعلى هذا فالحجة من الحديث ظاهرة في شمول الخبر الأموال والعقود والفسوخ والله اعلم ومن ثم قال الشافعي أنه لا فرق في دعوى حل الزوجة لمن أقام بتزويجها بشاهدي زور وهو يعلم بكذبهما وبين من ادعى على حر أنه في ملكه وأقام بذلك شاهدي زور وهو يعلم حريته فإذا حكم له الحاكم بأنه ملكه لم يحل له أن يسترقه بالإجماع قال النووي والقول بأن حكم الحاكم يحل ظاهرا وباطنا مخالف لهذا الحديث الصحيح وللاجماع السابق على قائله ولقاعدة أجمع العلماء عليها ووافقهم القائل المذكور وهو ان الابضاع أولى بالاحتياط من الأموال وقال بن العربي ان كان حاكما نفذ على المحكوم له أو عليه وان كان مفتيا لم يحل فان كان المفتي له مجتهدا يرى بخلاف ما أفتاه به لم يجز والا جاز والله اعلم قال ويستفاد من قوله وتوخيا الحق جواز الابراء من المجهول لأن التوخي لا يكون في المعلوم وقال القرطبي شنعوا على من قال ذلك قديما وحديثا لمخالفة الحديث الصحيح ولأن فيه صيانة المال وابتذال الفروج وهي أحق أن يحتاط لها وتصان واحتج بعض الحنفية بما جاء عن علي ان رجلا خطب امرأة فأبت فادعى انه تزوجها وأقام شاهدين فقالت المرأة أنهما شهدا بالزور فزوجني أنت منه فقد رضيت فقال شاهداك زوجاك وأمضى عليها النكاح وتعقب بأنه لم يثبت عن علي واحتج المذكور من حيث النظر بأن الحاكم قضى بحجة شرعية فيما له ولاية الإنشاء فيه فجعل الإنشاء تحرزا عن الحرام والحديث صريح في المال وليس النزاع فيه فان القاضي لا يملك دفع مال زيد الى عمرو ويملك إنشاء العقود والفسوخ فإنه يملك بيع أمة زيد مثلا من عمرو حال خوف الهلاك للحفظ وحال الغيبة ويملك إنشاء النكاح على الصغيرة والفرقة على العنين فيجعل الحكم إنشاء احترازا عن الحرام ولأنه لو لم ينفذ باطنا فلو حكم بالطلاق لبقي حلالا للزوج الأول باطنا وللثاني ظاهرا فلو ابتلى الثاني مثل ما ابتلى الأول حلت للثالث وهكذا فتحل لجمع متعدد في زمن واحد ولا يخفى فحشه بخلاف ما إذا قلنا بنفاذه باطنا فانها لا تحل الا لواحد انتهى وتعقب بأن الجمهور انما قالوا في هذا تحرم على الثاني مثلا إذا علم أن الحكم ترتب على شهادة الزور فإذا اعتمد الحكم وتعمد الدخول بها فقد ارتكب محرما كما لو كان الحكم بالمال فأكله ولو ابتلى الثاني كان حكم الثالث كذلك والفحش انما لزم من الاقدام على تعاطي المحرم فكان كما لو زنوا ظاهرا واحد بعد واحد وقال بن السمعاني شرط صحة الحكم وجود الحجة واصابة المحل وإذا كانت البينة في نفس الأمر شهود زور لم تحصل الحجة لأن حجة الحكم هي البينة العادلة فان حقيقة الشهادة إظهار الحق وحقيقة الحكم انفاذ ذلك وإذا كان الشهود كذبة لم تكن شهادتهم حقا قال فان احتجوا بأن القاضي حكم بحجة شرعية أمر الله بها وهي البينة العادلة في علمه ولم يكلف بالاطلاع على صدقهم في باطن الأمر فإذا حكم بشهادتهم فقد امتثل ما أمر به فلو قلنا لا ينفذ في باطن الأمر للزم ابطال ما وجب بالشرع لأن صيانة الحكم عن الابطال مطلوبة فهو بمنزلة القاضي في مسألة اجتهادية على مجتهد لا يعتقد ذلك وانه يجب عليه قبول ذلك وان كان لا يعتقده صيانة للحكم وأجاب بن السمعاني بأن هذه الحجة للنفوذ ولهذا لا يأثم القاضي وليس من ضرورة وجوب القضاء نفوذ القضاء حقيقة في باطن الأمر وانما يجب صيانة القضاء عن الابطال إذا صادف حجة صحيحة والله أعلم فرع لو كان المحكوم له يعتقد خلاف ما حكم له به الحاكم هل يحل له أخذ ما حكم له به أو لا كمن مات بن ابنه وترك أخا شقيقا فرفعه لقاض يرى في الجد رأي أبا بكر الصديق فحكم له بجميع الإرث دون الشقيق وكان الجد المذكور يرى رأي الجمهور نقل بن المنذر عن الأكثر انه يجب على الجد ان يشارك الأخ الشقيق عملا بمعتقده والخلاف في المسألة مشهور واستدل بالحديث لمن قال ان الحاكم لا يحكم بعلمه بدليل الحصر في قوله انما أقضي له بما أسمع وقد تقدم البحث فيه قبل وفيه ان التعمق في البلاغة بحيث يحصل اقتدار صاحبها على تزيين الباطن في صورة الحق وعكسه مذموم فان المراد بقوله أبلغ أي أكثر بلاغة ولو كان ذلك في التوصل الى الحق لم يذم وانما يذم من ذلك ما يتوصل به الى الباطل في صورة الحق فالبلاغة اذن لا تذم لذاتها وانما تذم بحسب التعلق الذي يمدح بسببه وهي في حد ذاتها ممدوحة وهذا كما يذم صاحبها إذا طرأ عليه بسببها الإعجاب وتحقير غيره ممن لم يصل الى درجته ولا سيما ان كان الغير من أهل الصلاح فان البلاغة انما تذم من هذه الحيثية بحسب ما ينشأ عنها من الأمور الخارجية عنها ولا فرق في ذلك بين البلاغة وغيرها بل كل فتنة توصل الى المطلوب محمودة في حد ذاتها وقد تذم أو تمدح بحسب متعلقها واختلف في تعريف البلاغة فقيل ان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه وقيل إيصال المعنى الى الغير بأحسن لفظ وقيل الإيجاز مع الإفهام والتصرف من غير إضمار وقيل قليل لا يبهم وكثير لا يسأم وقيل اجمال اللفظ واتساع المعنى وقيل تقليل اللفظ وتكثير المعنى وقيل حسن الإيجاز مع إصابة المعنى وقيل سهولة اللفظ مع البديهة وقيل لمحة دالة أو كلمة تكشف عن البغية وقيل الإيجاز من غير عجز والاطناب من غير خطأ وقيل النطق في موضعه والسكوت في موضعه وقيل معرفة الفصل والوصل وقيل الكلام الدال أوله على آخر وعكسه وهذا كله عن المتقدمين وعرف أهل المعاني والبيان البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال والفصاحة وهي خلوه عن التعقيد وقال المراد بالمطابقة ما يحتاج اليه المتكلم بحسب تفاوت المقامات كالتأكيد وحذفه والحذف وعدمه أو الإيجاز والاسهاب ونحو ذلك والله أعلم وفيه الرد على من حكم بما يقع في خاطره من غير استناد الى أمر خارجي من بينة ونحوها واحتج بأن الشاهد المتصل به أقوى من المنفصل عنه ووجه الرد عليه كونه صلى الله عليه وسلم أعلى في ذلك من غيره مطلقا ومع ذلك فقد دل حديثه هذا على انه انما يحكم بالظاهر في الأمور العامة فلو كان المدعي صحيحا لكان الرسول أحق بذلك فإنه اعلم انه تجري الاحكام على ظاهرها ولو كان يمكن ان الله يطلعه على غيب كل قضية وسبب ذلك ان تشريع الحكام واقع على يده فكأنه أراد تعليم غيره من الحكام أن يعتمدوا ذلك نعم لو شهدت البينة مثلا بخلاف ما يعلمه علما حسيا بمشاهدة أو سماع يقينيا أو ظنيا راجحا لم يجز له أن يحكم بما قامت به البينة ونقل بعضهم الاتفاق وان وقع الاختلاف في القضاء بالعلم كما تقدم في باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء وفي الحديث أيضا موعظة الامام الخصوم ليعتمدوا الحق والعمل بالنظر الراجح وبناء الحكم عليه وهو أمر اجماعي للحاكم والمفتي والله سبحانه وتعالى اعلم

قوله باب الحكم في البئر ونحوها ذكر فيه حديث عبد الله وهو بن مسعود في نزول قوله تعالى

[ 6761 ] ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا وفيه قول الأشعث في نزلت وفي رجل خاصمته في بئر وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإيمان والنذور قال بن بطال هذا الحديث حجة في ان حكم الحاكم في الظاهر لا يحل الحرام ولا يبيح المحظور لأنه صلى الله عليه وسلم حذر أمته عقوبة من اقتطع من حق أخيه شيئا بيمين فاجرة والآية المذكورة من أشد وعيد جاء في القرآن فيؤخذ من ذلك ان من تحيل على أخيه وتوصل الى شيء من حقه بالباطل فإنه لا يحل له لشدة الإثم فيه قال بن المنير وجه دخول هذه الترجمة في القصة مع انه لا فرق بين البئر والدار والعبد حتى ترجم على البئر وحدها انه أراد الرد على من زعم ان الماء لا يملك فحقق بالترجمة أنه يملك لوقوع الحكم بين المتخاصمين فيها انتهى وفيه نظر من وجهين أحدهما انه لم يقتصر في الترجمة على البئر بل قال ونحوها والثاني لو اقتصر لم يكن في حجة على من منع بيع الماء لأنه يجوز بيع البئر ولا يدخل الماء وليس في الخبر تصريح بالماء فكيف يصبح الرد

قوله باب بالتنوين القضاء في قليل المال وكثيره سواء قال بن المنير كأنه خشي غائلة التخصيص في الترجمة التي قبل هذه فترجم بأن القضاء عام في كل شيء قل أو جل ثم ذكر فيه حديث أم سلمة المذكور قبل بباب لقوله فيه فمن قضيت له بحق مسلم وهو يتناول القليل والكثير وكأنه أشار بهذه الترجمة الى الرد على من قال ان للقاضي أن يستنيب بعض من يريد في بعض الأمور دون بعض بحسب قوة معرفته ونفاذ كلمته في ذلك وهو منقول عن بعض المالكية أو على من قال لا يجب اليمين الا في قدر معين من المال ولا تجب في الشيء التافه أو على من كان من القضاة لا يتعاطى الحكم في الشيء التافه بل إذا رفع اليه رده الى نائبه مثلا قاله بن المنير قال وهو نوع من الكبر والأول أليق بمراد البخاري قوله وقال بن عيينة هو سفيان الهلالي عن بن شبرمة هو عبد الله الضبي القضاء في قليل المال وكثيره سواء ولم يقع لي هذا الأثر موصولا

قوله باب بيع الامام على الناس أموالهم وضياعهم قال بن المنير أضاف البيع الى الامام ليشير الى ان ذلك يقع في مال السفيه أو في وفاء دين الغائب أو من يمتنع أو غير ذلك ليتحقق ان للامام التصرف في عقود الأموال في الجملة قوله وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرا من نعيم بن النحام قال بن المنير ذكر في الترجمة الضياع ولم يذكر الا بيع العبد فكأنه أشار الى قياس العقار على الحيوان ثم أسند حديث جابر قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحابه اعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه اليه وقد مضى شرحه في كتاب العتق ووقع هنا للكشميهني عن دين بفتح الدال وسكون التحتانية بعدها نون بدل

[ 6763 ] قوله عن دبر بضم الدال والموحدة بعدها راء والثاني هو المعروف والمشهور في الروايات كلها والأول تصحيف قال المهلب انما يبيع الامام على الناس أموالهم إذا رأى منهم سفها في أموالهم واما من ليس بسفيه فلا يباع عليه شيء من ماله الا في حق يكون عليه يعني إذا امتنع من أداء الحق وهو كما قال لكن قصة بيع المدبر ترد على هذا الحصر وقد أجاب عنها بأن صاحب المدبر لم يكن له مال غيره فلما رآه أنفق جميع ماله وانه تعرض بذلك للتهلكة نقض عليه فعله ولو كان لم ينفق جميع ماله لم ينقض فعله كما قال للذي كان يخدع في البيوع قل لا خلابة لأنه لم يفوت على نفسه جميع ماله انتهى فكأنه كان في حكم السفيه فلذلك باع عليه ماله والله اعلم

قوله باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا أي لم يلتفت وزنه ومعناه وهو افتعال من الكرث بفتح أوله وسكون ثانيه وآخره مثلثة وهو المشقة ويستعمل نفيه في موضع عدم المبالاة قال المهلب معنى هذه الترجمة ان الطاعن إذا لم يعلم حال المطعون عليه فرماه بما ليس فيه لا يعبأ بذلك الطعن ولا يعمل به وقيده في الترجمة بمن لا يعلم إشارة الى ان من طعن بعلم انه يعمل به فلو طعن بأمر محتمل كان ذلك راجعا الى رأي الامام وعلى هذا يتنزل فعل عمر مع سعد حتى عزله مع براءته مما رماه به أهل الكوفة وأجاب المهلب بأن عمر لم يعلم من مغيب سعد ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من زيد وأسامة يعني فكان سبب عزله قيام الاحتمال وقال غيره كان رأي عمر احتمال أخف المفسدتين فرأى ان عزل سعد أسهل من فتنة يثيرها من قام عليه من أهل تلك البلد وقد قال عمر في وصيته لم اعزله لضعف ولا لخيانة وقال بن المنير قطع النبي صلى الله عليه وسلم بسلامة العاقبة في امرة أسامة فلم يلتفت لطعن من طعن واما عمر فسلك سبيل الاحتياط لعدم قطعه بمثل ذلك وذكر حديث بن عمر في بعث أسامة وقد تقدم شرحه مستوفي في أواخر الوفاة النبوية من كتاب المغازي

[ 6764 ] قوله فطعن في امارته بضم الطاء على البناء للمجهول وقوله ان تطعنوا في امارته فقد كنتم تطعنون في امارة أبيه أي ان طعنتم فيه فأخبركم بأنكم طعنتم من قبل في أبيه والتقرير ان تطعنوا في امارته فقد أثمتم بذلك لأن طعنكم بذلك ليس حقا كما كنتم تطعنون في امارة أبيه وظهرت كفايته وصلاحيته للامارة وانه كان مستحقا لها فلم يكن لطعنكم مستند فلذلك لا اعتبار بطعنكم في امارة ولده ولا التفات اليه وقد قيل انما طعنوا فيه لكونه مولى وقيل انما كان الطاعن فيه من ينسب الى النفاق وفيه نظر لأن من جملة من سمى ممن طعن فيه عياش بتحتانية وشين معجمة بن أبي ربيعة المخزومي وكان من مسلمة الفتح لكنه كان من فضلاء الصحابة فعلى هذا فالخطاب بقوله ان تطعنوا لعموم الطاعنين سواء اتحد الطاعن فيهما أم اختلف وقوله ان كان لخليقا أي مستحقا وقوله للامرة بكسر الهمزة وفي رواية الكشميهني للامارة وهما بمعنى

قوله باب الألد الخصم بفتح المعجمة وكسر الصاد المهملة وقد تقدم بيان المراد به في كتاب المظالم وفي تفسير سورة البقرة وقوله وهو الدائم في الخصومة من تفسير المصنف ويحتمل ان يكون المراد الشديد الخصومة فان الخصم من صيغ المبالغة فيحتمل الشدة ويحتمل الكثرة وقوله لدا عوجا وقع في رواية الكشميهني ألد أعوج وهو يرد على أين المنير حيث صحف هذه اللفظة فقال قوله أدا عوجا لا أعلم لهذا في هذه الترجمة وجها الا ان كان أراد أن الألد مشتق من اللدد وهو الاعوجاج والانحراف عن الحق وأصله من اللديد وهو جانب الوادي ويطلق على جانب الفم ومنه اللدود وهو صب الدواء منحرفا عن وسط الفم الى جانبه فأراد ان يبين ان العوج يستعمل في المعاني كما يستعمل في الأعيان فمن استعماله في المعاني اللدود والألد وهو قوله تعالى لقد جئتم شيئا ادا أي شيئا منحرفا عن الصواب ومعوجا عن سمة الاعتدال قلت ولم أرها في شيء من نسخ البخاري هنا الا باللام وقد تقدم في تفسير سورة مريم نقله عن بن عباس انه قال ادا عظيما وعن مجاهد انه قال لدا عوجا وذكرت هناك من وصلهما ووجدت في تفسير عبد بن حميد من طريق معمر عن قتادة في قوله تعالى قوما لدا قال جدلا بالباطل ومن طريق سليمان التيمي عن قتادة قال الجدل الخصم ومن طريق مجاهد قال لا يستقيمون وهذا نحو قوله عوجا وأسند بن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله وتنذر به قوما ندا قال عوجا عن الحق وهو بضم العين وسكون الواو وفيه تقوية لما وقع في نسخ الصحيح واللد بضم اللام وتشديد الدال جمع الد وقد اسند بن أبي حاتم عن الحسن انه قال اللد الخصم وكأنه تفسير باللازم لأنه من أعوج عن الحق كان كأنه لم يسمع وعن محمد بن كعب قال الألد الكذاب وكأنه أراد ان من يكثر المخاصمة يقع في الكذب كثيرا وتفسير الألد بالأعوج على ما وقع عند الكشميهني يحمل على انحرافه عن الحق وتفسير الألد بالشديد الخصومة لأنه كلما اخذ عليه جانب من الحجة اخذ في آخر أو لاعماله لديدية وهما جانبا فمه في المخاصمة وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله قوما لدا واحدهم ألد وهو الذي يدعي الباطل ولا يقبل الحق وذكر حديث عائشة في الألد وقد سبق شرحه وقوله

[ 6765 ] أبغض الرجال الخ قال الكرماني الأبغض هو الكافر فمعنى الحديث ابغض الرجال الكفار الكافر المعاند أو بعض الرجال المخاصمين قلت والثاني هو المعتمد وهو أعم من أن يكون كافرا أو مسلما فان كان كافرا فأفعل التفضيل في حقه على حقيقتها في العموم وان كان مسلما فسبب البغض أن كثرة المخاصمة تفضي غالبا الى ما يذم صاحبه أو يخص في حق المسلمين بمن خاصم في باطل ويشهد للأول حديث كفى بك اثما ان لا تزال مخاصما أخرجه الطبراني عن أبي امامة بسند ضعيف وورد الترغيب في ترك المخاصمة فعند أبي داود من طريق سليمان بن حبيب عن أبي أمامة رفعه أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا وله شاهد عند الطبراني من حديث معاذ بن جبل والربض بفتح الراء والموحدة بعدها ضاد معجمة الأسفل

قوله باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد أي مردود

[ 6766 ] قوله حدثنا محمود هو بن غيلان وقوله وحدثني أبو عبد الله نعيم بن حماد كذا لأبي ذر عن بن عمر ولغيره قال أبو عبد الله وهو المصنف حدثني نعيم وساق غير أبي ذر أيضا السند الى قوله عن بن عمر بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالدا ووقع في رواية عبد الرزاق بسنده الى سالم وهو بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقد تقدم شرح هذا الحديث في المغازي في باب بعث خالد الى بني جذيمة والغرض منه قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اني ابرأ إليك مما صنع خالد يعني من قتله الذين قالوا صبأنا قبل أن يستفسرهم عن مرادهم بذلك القول فان فيه إشارة الى تصويب فعل بن عمر ومن تبعه في تركهم متابعة خالد على قتل من أمرهم بقتلهم من المذكورين وقال الخطابي الحكمة في تبرئة صلى الله عليه وسلم من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك لكونه مجتهدا ان يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية ان يعتقد أحد انه كان بإذنه ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله اه ملخصا وقال بن بطال الإثم وان كان ساقطا عن المجتهد في الحكم إذا تبين انه بخلاف جماعة أهل العلم لكن الضمان لازم للمخطىء عند الأكثر مع الاختلاف هل يلزم ذلك عاقلة الحاكم او بيت المال وقد تقدمت الإشارة الى شيء من ذلك في كتاب الديات والذي يظهر ان التبرأ من الفعل لا يستلزم اثم فاعله ولا الزامه الغرامة فان اثم المخطىء مرفوع وان كان فعله ليس بمحمود

قوله باب الامام يأتي قوما فيصلح بينهم في رواية الكشميهني ليصلح باللام بدل الفاء

[ 6767 ] قوله كان قتال بين بني عمرو في رواية مالك عن أبي حازم الماضية في أبواب الإمامة ان النبي صلى الله عليه وسلم ذهب الى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وذكره هناك بلفظ فليصفق والتصفيق ووقع هنا بلفظ فليصفح والتصفيح وهما بمعنى وقوله في هذه الطريق فلما حضرت صلاة العصر فأذن وأقام قال الكرماني جواب الفاء في قوله فلما محذوف سواء كانت لما شرطية أو ظرفية والتقدير جاء المؤذن قلت انما اختصره البخاري وقد أخرجه أبو داود عن عمرو بن عوف عن حماد فقال فيه بعد قوله ثم أتاهم ليصلح بينهم فقال لبلال أن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام فذكره وقوله ان امضه فعل أمر بالمضي والهاء للسكت وقوله هكذا أي أشار اليه بالمكث في مكانه وقوله يحمد الله في رواية الكشميهني فحمد الله بالفاء بدل التحتانية وفي قوله لم يكن لابن أبي قحافة هضم لنفسه وتواضع حيث لم يقل لي ولا لأبي بكر وعادة العرب إذا عظمت الرجل ذكرته باسمه وكنيته أو لقبه وفي غير ذلك تنسبه الى أبيه ولا تسميه قال بن المنير فقه الترجمة التنبيه على جواز مباشرة الحاكم الصلح بين الخصوم ولا يعد ذلك تصحيفا في الحكم وعلى جواز ذهاب الحاكم الى موضع الخصوم للفصل بينهم اما عند عظم الخطب واما ليكشف مالا يحاط به الا بالمعاينة ولا يعد ذلك تخصيصا ولا تمييزا ولا وهنا تنبيه وقع في نسخة الصغاني في اخر هذا الحديث قال أبو عبد الله لم يقل هذا الحرف يا بلال فمر أبا بكر غير حماد

قوله باب يستحب للكاتب ان يكون أمينا عاقلا أي كاتب الحكم وغيره ذكر فيه حديث زيد بن ثابت في قصته مع أبي بكر وعمر في جمع القرآن وقد تقدم شرحه مستوفى في فضائل القرآن والغرض منه قول أبي بكر لزيد انك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقوله

[ 6768 ] في آخره قال محمد بن عبيد الله بالصغير وهو شيخ البخاري الذي روى عنه هذا الحديث فسر اللخاف التي ذكرت في هذا الحديث وهي بكسر اللام وتخفيف الخاء المعجمة بالخزف وهي بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها فاء وقد تقدم بيان الاختلاف في تفسيرها هناك وحكى بن بطال عن المهلب في هذا الحديث ان العقل أصل الخلال المحمودة لأنه لم يصف زيدا بأكثر من العقل وجعله سببا لائتمانه ورفع التهمة عنه قلت وليس كما قال فان أبا بكر ذكر عقب الوصف المذكور وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ثم اكتفى بوصفه بالعقل لأنه لو لم تثبت امانته وكفايته وعقله لما استكتبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي وانما وصفه بالعقل وعدم الاتهام دون ما عداهما إشارة الى استمرار ذلك له والا فمجرد قوله لا نتهمك مع قوله عاقل لا يكفي في ثبوت الكفاية والأمانة فكم من بارع في العقل والمعرفة وجدت منه الخيانة قال وفيه اتخاذ الكاتب للسلطان والقاضي وان من سبق له علم بأمر يكون أولى به من غيره إذا وقع وعند البيهقي بسند حسن عن عبد الله بن الزبير ان النبي صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم فكان يكتب له الى الملوك فبلغ من امانته عنده انه كان يأمره ان يكتب ويختم ولا يقرؤه ثم استكتب زيد بن ثابت فكان يكتب الوحي ويكتب الى الملوك وكان إذا غابا كتب جعفر بن أبي طالب وكتب له أيضا أحيانا جماعة من الصحابة ومن طريق عياض الأشعري عن أبي موسى انه استكتب نصرانيا فانتهره عمر وقرأ يا أيها الذي آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء الآية فقال أبو موسى والله ما توليته وانما كان يكتب فقال اما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لا تدنهم إذ اقصاهم الله ولا تأتمنهم إذ خونهم الله ولا تعزهم بعد ان ذلهم الله

قوله باب كتاب الحاكم الى عماله بضم العين وتشديد الميم جمع عامل وهو الوالي على بلد مثلا لجمع خراجها أو زكواتها أو الصلاة بأهلها أو التأمير على جهاد عدوها قوله والقاضي الى أمنائه أي الذين يقيمهم في ضبط أمور الناس ذكر فيه حديث سهل بن أبي حثمة في قصة عبد الله بن سهل وقتله بخيبر وقيام حويصة ومن معه في ذلك والغرض منه

[ 6769 ] قوله فيه فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أي الى أهل خيبر به أي بالخبر الذي نقل اليه وقد تقدم بيانه مع شرح الحديث في باب القسامة وقوله هنا فكتب ما قتلناه في رواية الكشميهني فكتبوا بصيغة الجمع وهو أولى ووجه الكرماني الأول بأن المراد به الحي المسمى باليهود قال وفيه تكلف قلت وأقرب منه ان يراد الكاتب عنهم لأن الذي يباشر الكتابة انما هو واحد فالتقدير فكتب كاتبهم قال بن المنير ليس في الحديث انه صلى الله عليه وسلم كتب الى نائبه ولا الى أمينه وانما كتب الى الخصوم أنفسهم لكن يؤخذ من مشروعية مكاتبة الخصوم والبناء على ذلك جواز مكاتبة النواب والكتاب في حق غيرهم بطريق الأولى

قوله باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور كذا للأكثر وفي رواية المستملي والكشميهني ينظر وكذا عند أبي نعيم ذكر فيه حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وقد مضى شرحه مستوفى والغرض منه

[ 6770 ] قوله عليه الصلاة والسلام واغد يا أنيس على امرأة هذا وقد تقدم الاختلاف في أن أنيسا كان حاكما أو مستخبرا والحكمة في إيراده الترجمة بصيغة الاستفهام الإشارة الى خلاف محمد بن الحسن فإنه قال لا يجوز للقاضي أن يقول أقر عندي فلان بكذا لشيء يقضي به عليه من قتل أو مال أو عتق أو طلاق حتى يشهد معه على ذلك غيره وادعى أن مثل هذا الحكم الذي في حديث الباب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قال وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدا عدلان يسمعان من يقر ويشهدان على ذلك فينفذ الحكم بشهادتهما نقله بن بطال وقال المهلب فيه حجة لمالك في جواز انفاذ الحاكم رجلا واحدا في الاعذار وفي أن يتخذ واحدا يثق به يكشف عن حال الشهود في السر كما يجوز قبول الفرد فيما طريقه الخبر لا الشهادة قال وقد استدل به قوم في جواز تنفيذ الحكم دون اعذار الى المحكوم عليه قال وهذا ليس بشيء لأن الاعذار يشترط فيما كان الحكم فيه بالبينة لا مكان بالإقرار كما في هذه القصة لقوله فان اعترفت قلت وقد تقدم شيء من مسألة الاعذار عند شرح هذا الحديث

قوله باب ترجمة الحكام في رواية الكشميهني الحاكم بالافراد قوله وهل يجوز ترجمان واحد يشير الى الاختلاف في ذلك فالاكتفاء بالواحد قول الحنفية ورواية عن أحمد واختارها البخاري وابن المنذر وطائفة وقال الشافعي وهي الرواية الراجحة عند الحنابلة إذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم لم يقبل فيه الا عدلين لأنه نقل ما خفي على الحاكم اليه فيما يتعلق بالحكومة فيشترط فيه العدل كالشهادة ولأنه أخبر الحاكم بما لم يفهمه فكان كنقل الإقرار اليه من غير مجلسة قوله وقال خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت هو أبوه قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود في رواية الكشميهني اليهودية بزيادة النسبة والمراد بالكتاب الخط قوله حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه يعني إليهم وأقرأته كتبهم أي التي يكتبونها اليه وهذا التعليق من الأحاديث التي لم يخرجها البخاري الا معلقة وقد وصله مطولا في كتاب التاريخ عن إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد قال اتى بي النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة فأعجب بي فقيل له هذا غلام من بني النجار قد قرأ فيما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فاستقرأني فقرأت ق فقال لي تعلم كتاب يهود فاني ما آمن يهود على كتابي فتعلمته في نصف شهر حتى كتبت له الى يهود وأقرأ له إذا كتبوا اليه ووقع لنا بعلو في فوائد الفاكهي عن بن أبي ميسرة حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكره وفيه فما مر بي سوى خمس عشرة ليلة حتى تعلمته وأخرجه أبو داود والترمذي من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد قال الترمذي حسن صحيح وقد رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يتعلم السريانية قلت وهذه الطريق وقعت لي بعلو في فوائد هلال الحفار قال حدثنا الحسين بن عياش حدثنا يحيى بن أيوب بن السرى حدثنا جرير عن الأعمش فذكره وزاد فتعلمتها في سبعة عشر يوما وأخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق الأعمش وأخرجه أبو يعلى من طريقه وعنده أني أكتب الى قوم فاخاف أن يزيدوا علي وينقصوا فتعلم السريانية فذكره وله طريق آخرى أخرجها بن سعد وفي كل ذلك رد على من زعم ان عبد الرحمن بن أبي الزناد تفرد به نعم لم يروه عن أبيه عن خارجة الا عبد الرحمن فهو تفرد نسبي وقصة ثابت يمكن أن تتحد مع قصة خارجة بأن من لازم تعلم كتابة اليهودية تعلم لسانهم ولسانهم السريانية لكن المعروف أن لسانهم العبرانية فيحتمل ان زيدا تعلم اللسانين لاحتياجه الى ذلك وقد اعترض بعضهم على بن الصلاح ومن تبعه في ان الذي يجزم به البخاري يكون على شرط الصحيح وقد جزم بهذا مع أن عبد الرحمن بن أبي الزناد قد قال فيه بن معين ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث ليس بشيء وفي رواية عنه ضعيف وعنه هو دون الدراوردي وقال يعقوب بن شبة صدوق وفي حديثه ضعف سمعت علي بن المديني يقول حديثه بالمدينة مقارب وبالعراق مضطرب وقال صالح بن أحمد عن أبيه مضطرب الحديث وقال عمرو بن علي نحو قول علي وقالا كان عبد الرحمن بن مهدي يحط على حديثه وقال أبو حاتم والنسائي لا يحتج بحديثه ووثقه جماعة غيرهم كالعجلي والترمذي فيكون غاية أمره أنه مختلف فيه فلا يتجه الحكم بصحة ما ينفرد به بل غايته أن يكون حسنا وكنت سألت شيخي الامامين العراقي والبلقيني عن هذا الموضع فكتب لي كل منهما بأنهما لا يعرفان له متابعا وعولا جميعا على أنه عند البخاري ثقة فاعتمده وزاد شيخنا العراقي أن صحة ما يجزم به البخاري لا يتوقف ان يكون على شرطه وهو تنقيب جيد ثم ظفرت بعد ذلك بالمتابع الذي ذكرته فانتفى الاعتراض من أصله ولله الحمد قوله وقال عمر أي بن الخطاب وعنده علي أي بن أبي طالب وعبد الرحمن أي بن عوف وعثمان أي بن عفان ماذا تقول هذه أي المرأة التي وجدت حبلى قال عبد الرحمن بن حاطب فقلت تخبرك بصاحبها الذي صنع بها وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طرق عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه نحوه قوله وقال أبو جمرة كنت أترجم بين بن عباس وبين الناس هذا طرف من حديث أخرجه المؤلف في العلم من رواية شعبة عن أبي جمرة فذكره وبعده فقال ان وفد عبد القيس اتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث في قصتهم وهو عند النسائي بزيادة بعد قوله وبين الناس فأتته امرأة فسألته عن نبيذ الجر فنهى عنه وقال ان وفد عبد القيس الحديث قوله وقال بعض الناس لا بد للحاكم من مترجمين نقل صاحب المطالع انها رويت بصيغة الجمع وبصيغة التثنية ووجه الأول بأن الألسنة قد تكثر فيحتاج الى تكثير المترجمين قلت والثاني هو المعتمد والمراد ببعض الناس محمد بن الحسن فإنه الذي اشترط أن لا بد في الترجمة من اثنين ونزلها منزلة الشهادة وخالف أصحابه الكوفيين ووافقه الشافعي فتعلق بذلك مغلطاي فقال فيه رد لقول من قال ان البخاري إذا قال قال بعض الناس يريد الحنفية وتعقبه الكرماني فقال يحمل على الأغلب أو أراد هنا بعض الحنفية لأن محمدا قائل بذلك ولا يمنع ذلك ان يوافقه الشافعي كما لا يمنع أن يوافق الحنفية في غير هذه المسألة بعض الأئمة ثم ذكر طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وقد أخرجه في بدء الوحي بهذا السند مطولا والغرض منه

[ 6771 ] قوله ثم قال لترجمانه قل له الخ قال بن بطال لم يدخل البخاري حديث هرقل حجة على جواز الترجمان المشترك لأن ترجمان هرقل كان على دين قومه وانما أدخله ليدل على ان الترجمان كان يجري عند الأمم مجرى الخبر لا مجرى الشهادة وقال بن المنير وجه الدليل من قصة هرقل مع أن فعله لا يحتج به أن مثل هذا صواب من رأيه لأن كثيرا مما أورده في هذه القصة صواب موافق للحق فموضع الدليل تصويب حملة الشريعة لهذا وأمثاله من رأيه وحسن تفطنه ومناسبة استدلاله وان كان غلبت عليه الشقاوة انتهى وتكملة هذا ان يقال يؤخذ من صحة استدلاله فيما يتعلق بالنبوة والرسالة أنه كان مطلعا على شرائع الأنبياء فتحمل تصرفاته على وفق الشريعة التي كان متمسكا بها كما سأذكره من عند الكرماني والذي يظهر لي أن مستند البخاري تقرير بن عباس وهو من الأئمة الذين يقتدى بهم على ذلك ومن ثم احتج باكتفائه بترجمة أبي جمرة له فالأثران راجعان لابن عباس أحدهما من تصرفه والآخر من تقريره وإذا انضم الى ذلك فعل عمر ومن معه من الصحابة ولم ينقل عن غيرهم خلافه قويت الحجة ولما نقل الكرماني كلام بن بطال تعقبه بأن قال أقول وجه الاحتجاج انه كان يعني هرقل نصرانيا وشرع من قبلنا حجة لنا ما لم ينسخ قال وعلى قول من قال أنه أسلم فالأمر ظاهر قلت بل هو أشد اشكالا لأنه لا حجة في فعله عند أحد إذ ليس صحابيا ولا ثبت أنه أسلم فالمعتمد ما تقدم والله أعلم قال بن بطال أجاز الأكثر ترجمة واحد وقال محمد بن الحسن لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين وقال الشافعي هو كالبينة وعن مالك روايتان قال وحجة الأول ترجمة زيد بن ثابت وحده للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي جمرة لابن عباس وان الترجمان لا يحتاج الى أن يقول أشهد بل يكفيه مجرد الاخبار وهو تفسير ما يسمعه من الذي يترجم عنه ونقل الكرابيسي عن مالك والشافعي الاكتفاء بترجمان واحد وعن أبي حنيفة الاكتفاء بواحد وعن أبي يوسف اثنين وعن زفر لا يجوز أقل من اثنين وقال الكرماني الحق ان البخاري لم يحرر هذه المسألة إذ لا نزاع لأحد انه يكفي ترجمان واحد عند الاخبار وانه لا بد من اثنين عند الشهادة فيرجع الخلاف الى انها أخبار أو شهادة فلو سلم الشافعي انها أخبار لم يشترط العدد ولو سلم الحنفي انها شهادة لقال بالعدد والصور المذكورة في الباب كلها اخبارات أما المكتوبات فظاهر واما قصة المرأة وقول أبي جمرة فأظهر فلا محل لأن يقال على سبيل الاعتراض وقال بعض الناس بل الاعتراض عليه أوجه فإنه نصب الأدلة في غير ما ترجم عليه وهو ترجمة الحاكم إذ لا حكم فيما استدل به انتهى وهو أولى بأن يقال في حقه أنه ما حرر فان أصل ما احتج به اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بترجمة زيد بن ثابت واكتفائه به وحده وإذا اعتمد عليه في قراءة الكتب التي ترد وفي كتابه ما يرسله الى من يكاتبه التحق به اعتماده عليه فيما يترجم له عمن حضر من أهل ذلك اللسان فإذا اكتفى بقوله في ذلك وأكثر تلك الأمور يشتمل على تلك الأحكام وقد يقع فيما طريقه منها الاخبار ما يترتب عليه الحكم فكيف لا تتجه الحجة به للبخاري وكيف يقال أنه ما حرر المسألة وقد ترجم المحب الطبري في الأحكام ذكر اتخاذ مترجم والاكتفاء بواحد وأورد فيه حديث زيد بن ثابت وما علقه البخاري عن عمر وعن بن عباس ثم قال احتج بظاهر هذه الأحاديث من ذهب الى جواز الاقتصار على مترجم واحد ولم يتعقبه وأما قصة المرأة مع عمر فظاهر السياق أنها كانت فيما يتعلق بالحكم لأنه درأ الحد عن المراة لجهلها بتحريم الزنا بعد ان ادعى عليها وكاد يقيم عليها الحد واكتفى في ذلك بأخبار واحد يترجم له عن لسانها وأما قصة أبي جمرة مع بن عباس وقصة هرقل فإنهما وان كانا في مقام الاخبار المحض فلعله انما ذكرهما استظهارا وتأكيدا وأما دعواه ان الشافعي لو سلم انها أخبار لما اشترط العدد الخ فصحيح ولكن ليس فيه ما يمنع من نصب الخلاف مع من يشترط العدد وأقل ما فيه انه إطلاق في موضع التقييد فيحتاج الى التنبيه عليه والى ذلك يشير البخاري بتقييده بالحاكم فيؤخذ منه ان غير الحاكم يكتفي بالواحد لأنه أخبار محض وليس النزاع فيه وانما النزاع فيما يقع عند الحاكم فان غالبه يؤول الى الحكم ولا سيما عند من يقول ان تصرف الحاكم بمجرده حكم وقد قال بن المنذر القياس يقتضي اشتراط العدد في الأحكام لأن كل شيء غاب عن الحاكم لا يقبل فيه الا البينة الكاملة والواحد ليس بينة كاملة حتى يضم اليه كمال النصاب غير أن الحديث إذا صح سقط النظر وفي الاكتفاء بزيد بن ثابت وحده حجة ظاهرة لا يجوز خلافها انتهى ويمكن ان يجاب ان ليس غير النبي صلى الله عليه وسلم من الحكام في ذلك مثله لأمكان اطلاعه على ما غاب عنه بالوحي بخلاف غيره بل لا بد له من أكثر من واحد فمهما كان طريقة الاخبار يكتفى فيه بالواحد ومهما كان طريقة الشهادة لا بد فيه من استيفاء النصاب وقد نقل الكرابيسي ان الخلفاء الراشدين والملوك بعدهم لم يكن لهم الا ترجمان واحد وقد نقل بن التين من رواية بن عبد الحكم لا يترجم الا حر عدل وإذا أقر المترجم بشيء فأحب الى ان يسمع ذلك منه شاهدان ويرفعان ذلك الى الحاكم

قوله باب محاسبة الامام عماله ذكر فيه حديث أبي حميد في قصة بن اللتبية وقد مضى شرحه مستوفى في باب هدايا العمال وقوله

[ 6772 ] حدثنا محمد حدثنا عبدة محمد هو بن سلام وعبدة هو بن سليمان وقوله فهلا في رواية غير الكشميهني في الموضوعين الا بفتح الهمزة وهما بمعنى والمقصود هنا قوله فلما جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وحاسبه أي على ما قبض وصرف

قوله باب بطانة الامام وأهل مشورته بضم المعجمة وسكون الواو وفتح الراء من يستشيره في أموره قوله البطانة الدخلاء هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا البطانة الدخلاء والخبال الشر انتهى والدخلاء بضم ثم فتح جمع دخيل وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي اليه بسره ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته ويعمل بمقتضاه وعطف أهل مشورته على البطانة من عطف الخاص على العام وقد ذكرت حكم المشورة في باب متى يستوجب الرجل القضاء وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رجلا قال يا رسول الله ما الحزم قال ان تشاور ذا لب ثم تطيعه ومن رواية خالد بن معدان مثله غير أنه قال ذا رأي قال الكرماني فسر البخاري البطانة بالدخلاء فجعله جمعا انتهى ولا محذور في ذلك

[ 6773 ] قوله ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة في رواية صفوان بن سليم ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة والرواية التي في الباب تفسر المراد بهذا وان المراد ببعث الخليفة استخلافه ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام ما من وال وهي أعم قوله بطانة تأمره بالمعروف في رواية سليمان بالخير وفي رواية معاوية بن سلام بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وهي تفسر المراد بالخير قوله وتحضه عليه بالحاء المهملة وضاد معجمة ثقيلة أي ترغبه فيه وتؤكده عليه قوله وبطانة تأمره بالشر في رواية الأوزاعي وبطانة لاتألوه خبالا وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه وان جاز عقلا أن يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور منه ان يصغى اليه ولا يعمل بقوله لوجود العصمة وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة الى سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله فالمعصوم من عصم الله تعالى فلا يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالشر أن يقبل منه وقيل المراد بالبطانتين في حق النبي الملك والشيطان واليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أعانني عليه فأسلم وقوله لا تألوه خبالا أي لا تقصر في افساد أمره لعمل مصلحتهم وهو اقتباس من قوله تعالى لا يألونكم خبالا ونقل بن التين عن أشهب انه ينبغي للحاكم أن يتخذ من يستكشف له أحوال الناس في السر وليكن ثقة مأمونا فطنا عاقلا لأن المصيبة انما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به إذا كان هو حسن الظن به فيجب عليه ان يتثبت في مثل ذلك قوله فالمعصوم من عصم الله في رواية بعضهم من عصمه الله بزيادة الضمير وهو مقدر في الرواية الأخرى ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام ومن وقى شرها فقد وقى وهو من الذي غلب غليه منهما وفي رواية صفوان بن سليم فمن وقى بطانة السوء فقد وقى وهو بمعنى الأول والمراد به اثبات الأمور كلها لله تعالى فهو الذي يعصم من شاء منهم فالمعصوم من عصمه الله لا من عصمته نفسه إذ لا يوجد من تعصمه نفسه حقيقة الا ان كان الله عصمه وفيه إشارة الى ان ثم قسما ثالثا وهو أن من يلي أمور الناس قد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائما وهذا اللائق بالنبي ومن ثم عبر في آخر الحديث بلفظه العصمة وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة فان كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لوضوح الحال فيه وان كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملق به ان خيرا فخير وان شرا فشر وفي معنى حديث الباب حديث عائشة مرفوعا من ولى منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا ان نسي ذكره وان ذكر أعانه قال بن التين يحتمل ان يكون المراد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل ان يكون الملك والشيطان وقال الكرماني يحتمل ان يكون المراد بالبطانتين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة المحرضة على الخير إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية انتهى والحمل على الجميع أولى الا انه جائز أن لا يكون لبعضهم الا البعض وقال المحب الطبري البطانة الأولياء والأصفياء وهو مصدر وضع موضع الاسم يصدق على الواحد والاثنين والجمع مذكرا ومؤنثا قوله وقال سليمان هو بن بلال عن يحيى هو بن سعيد الأنصاري أخبرني بن شهاب بهذا وصله الاسماعيلي من طريق أيوب بن سليمان بن بلال عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال قال يحيى بن سعيد أخبرني بن شهاب قال فذكر مثله قوله وعن بن أبي عتيق وموسى عن بن شهاب مثله هو معطوف على يحيى بن سعيد وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وموسى هو بن عقبة قال الكرماني روى سليمان عن الثلاثة لكن الفرق بينهما ان المروي في الطريق الأول هو المذكور بعينه وفي الثاني هو مثله قلت ولا يظهر بين هذين فرق والذي يظهر ان سر الافراد ان سليمان ساق لفظ يحيى ثم عطف عليه رواية الآخرين وأحال بلفظهما عليه فأورده البخاري على وفقه وقد وصله البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة به وأخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن الحسن المخزومي عن سليمان بن بلال عنهما به ومحمد بن الحسن المخزومي ضعيف جدا كذبه مالك وهو أحد المواضع التي يستدل بها على ان المستخرج لا يطرد كون رجاله من رجال الصحيح قوله وقال شعيب هو بن أبي حمزة عن الزهري الخ وقوله قوله يعني أنه لم يرفعه بل جعله من كلام أبي سعيد وهو بالنصب على نزع الخافض أي من قوله ورواية شعيب هذه الموقوفة وصلها الذهلي في جمعه حديث الزهري وقال الإسماعيلي لم تقع بيدي قلت وقد رويناها في فوائد علي بن محمد الجكاني بكسر الجيم وتشديد الكاف ثم نون عن أبي اليمان مرفوعة قوله وقال الأوزاعي ومعاوية بن سلام حدثني الزهري حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة يريد انهما خالفا من تقدم فجعلاه عن أبي هريرة بدل أبي سعيد وخالفا شعيبا أيضا في وقفه فرفعاه فاما رواية الأوزاعي فوصلها أحمد وابن حبان والحاكم والإسماعيلي من رواية الوليد بن مسلم عنه وأخرجه الإسماعيلي أيضا من رواية عبد الحميد بن حبيب عن الأوزاعي فقال عن الزهري ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قلت فعلى هذا فلعل الوليد حمل رواية الزهري على رواية يحيى فكأنه عند يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعند الزهري عن يحيى عن أبي سعيد فلعل الأوزاعي حدث به مجموعا فظن الراوي عنه انه عنده عن كل منهما بالطريقين فلما أفرد أحد الطريقين انقلبت عليه لكن رواية معمر التي بعدها قد تدفع هذا الاحتمال ويقرب انه عند الزهري عن أبي سلمة عنهما جميعا وقد قيل عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة أخرجه إسحاق في مسنده من طريق الفضل بن يونس عن الأوزاعي والفضل صدوق وقال بن حبان لما ذكره في الثقات ربما أخطأ فكان هذا من ذاك وأما رواية معاوية بن سلام وهو بتشديد اللام فوصلها النسائي والإسماعيلي من رواية معمر بالتشديد أيضا بن يعمر بفتح أوله وسكون المهملة حدثنا معاوية بن سلام حدثنا الزهري حدثني أبو سلمة ان أبا هريرة قال فذكره قوله وقال بن أبي حسين وسعيد بن زياد عن أبي سلمة عن أبي سعيد قوله أي وقفاه أيضا وابن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي وسعيد بن زياد هو الأنصاري المدني من صغار التابعين روى عن جابر وحديثه عنه عند أبي داود والنسائي وما له راو الا سعيد بن أبي هلال وقد قال فيه أبو حاتم الرازي مجهول وما له في البخاري ذكر الا في هذا الموضع قوله وقال عبيد الله بن أبي جعفر حدثني صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب أما عبيد الله فهو المصري واسم أبي جعفر يسار بتحتانية ومهملة خفيفة وعبيد الله تابعي صغير وقد وصل هذا الطريق النسائي والإسماعيلي من طريق الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر حدثنا صفوان بن سليم هو المدني عن أبي سلمة عن أبي أيوب الأنصاري فذكره قال الكرماني محصل ما ذكره البخاري ان الحديث مرفوع من رواية ثلاثة أنفس من الصحابة انتهى وهذا الذي ذكره انما هو بحسب صورة الواقعة واما على طريقة المحدثين فهو حديث واحد واختلف على التابعي في صحابيه فاما صفوان فجزم بأنه عن أبي أيوب واما الزهري فاختلف عليه هل هو أبو سعيد أو أبو هريرة واما الاختلاف في وقفه ورفعه فلا تأثير له لأن مثله لا يقال من قبل الاجتهاد فالرواية الموقوفة لفظا مرفوعة حكما ويرجح كونه عن أبي سعيد موافقة بن أبي حسين وسعيد بن زياد لمن قال عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد وإذا لم يبق الا الزهري وصفوان فالزهري أحفظ من صفوان بدرجات فمن ثم يظهر قوة نظر البخاري في اشارته الى ترجيح طريق أبي سعيد فلذلك ساقها موصولة وأورد البقية بصيغ التعليق إشارة الى ان الخلاف المذكور لا يقدح في صحة الحديث اما على الطريقة التي بينتها من الترجيح واما على تجويز ان يكون الحديث عند أبي سلمة على الأوجه الثلاثة ومع ذلك فطريق أبي سعيد أرجح والله أعلم ووجدت في الأدب المفرد للبخاري ما يترجح به رواية أبي سلمة عن أبي هريرة فإنه أخرجه من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة كذلك في آخر حديث طويل

قوله باب كيف يبايع الإمام الناس المراد بالكيفية الصيغ القولية لا الفعلية بدليل ما ذكره فيه من الأحاديث الستة وهي البيعة على السمع والطاعة وعلى الهجرة وعلى الجهاد وعلى الصبر وعلى عدم الفرار ولو وقع الموت وعلى بيعة النساء وعلى الإسلام وكل ذلك وقع عند البيعة بينهم فيه بالقول الحديث الأول حديث عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة الحديث وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الفتن مستوفى الحديث الثاني حديث أنس والمراد منه

[ 6775 ] قوله نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وقد تقدم بأتم مما هنا مشروحا في غزوة الخندق من كتاب المغازي الحديث الثالث حديث بن عمر في البيعة على السمع والطاعة وفيه يقول لنا فيما استطعتم ووقع في رواية المستملي والسرخسي فيما استطعت بالافراد والأول هو الذي في الموطأ وهو يقيد ما أطلق في الحديثين قبله وكذلك حديث جرير وهو الرابع وسيار في السند بفتح المهملة وتشديد التحتانية هو بن وردان واما حديث بن عمر فذكر له طريقا قبل حديث جرير وآخر بعده وفيهما معا أقر بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت وهو منتزع من حديثه الأول فالثلاثة في حكم حديث واحد وقوله

[ 6777 ] في رواية مسدد عن يحيى هو القطان ان بن عمر قال اني أقر الخ بين في رواية عمرو بن علي انه كتب بذلك الى عبد الملك ومن ثم قال في آخره وان بني قد أقروا بمثل ذلك فهو أخبار من بن عمر عن بنيه بأنه سبق منهم الإقرار المذكور بحضرته كتب به بن عمر الى عبد الملك وقوله قد أقروا بمثل ذلك زاد الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان في آخره والسلام وقوله

[ 6779 ] في الرواية الثانية كتب اليه عبد الله بن عمر الى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين اني أقر بالسمع والطاعة الخ ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان بلفظ رأيت بن عمر يكتب وكان إذا كتب يكتب بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فاني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك وقال في آخره أيضا والسلام قال الكرماني قال اولا اليه وثانيا الى عبد الملك ثم بالعكس وليس تكرارا والثاني هو المكتوب لا المكتوب اليه أي كتب هذا وهو الى عبد الملك وتقديره من بن عمر الى عبد الملك وقوله حيث اجتمع الناس على عبد الملك يريد بن مروان بن الحكم والمراد بالاجتماع اجتماع الكلمة وكانت قبل ذلك مفرقة وكان في الأرض قبل ذلك اثنان كل منهما يدعى له بالخلافة وهما عبد الملك بن مراون وعبد الله بن الزبير فاما بن الزبير فكان أقام بمكة وعاذ بالبيت بعد موت معاوية وامتنع من المبايعة ليزيد بن معاوية فجهز اليه يزيد الجيوش مرة بعد أخرى فمات يزيد وجيوشه محاصرون بن الزبير ولم يكن بن الزبير ادعى الخلافة حتى مات يزيد في ربيع الأول سنة أربع وستين فبايعه الناس بالخلافة بالحجاز وبايع أهل الآفاق لمعاوية بن يزيد بن معاوية فلم يعش الا نحو أربعين يوما ومات فبايع معظم الآفاق لعبد الله بن الزبير وانتظم له ملك الحجاز واليمن ومصر والعراق والمشرق كله وجميع بلاد الشام حتى دمشق ولم يتخلف عن بيعته الا جميع بني أمية ومن يهوى هواهم وكانوا بفلسطين فاجتمعوا على مروان بن الحكم فبايعوه بالخلافة وخرج بمن أطاعه الى جهة دمشق والضحاك بن قيس قد بايع فيها لابن الزبير فاقتتلوا بمرج راهط فقتل الضحاك وذلك في ذي الحجة منها وغلب مروان على الشام ثم لما انتظم له ملك الشام كله توجه الى مصر فحاصر بها عبد الرحمن بن جحدر عامل بن الزبير حتى غلب عليها في ربيع الآخر سنة خمس وستين ثم مات في سنته فكانت مدة ملكه ستة أشهر وعهد الى ابنه عبد الملك بن مروان فقام مقامه وكمل له ملك الشام ومصر والمغرب ولابن الزبير ملك الحجاز والعراق والمشرق الا ان المختار بن أبي عبيد غلب على الكوفة وكان يدعو الى المهدي من أهل البيت فأقام على ذلك نحو السنتين ثم سار اليه مصعب بن الزبير أمير البصرة لأخيه فحاصره حتى قتل في شهر رمضان سنة سبع وستين وانتظم أمر العراق كله لابن الزبير فدام ذلك الى سنة إحدى وسبعين فسار عبد الملك الى مصعب فقاتله حتى قتله في جمادى الآخرة منها وملك العراق كله ولم يبق مع بن الزبير الا الحجاز واليمن فقط فجهز اليه عبد الملك الحجاج فحاصره في سنة اثنتين وسبعين الى ان قتل عبد الله بن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وكان عبد الله بن عمر في تلك المدة امتنع ان يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع ان يبايع لعلي أو معاوية ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف الى ان قتل بن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع له حينئذ فهذا معنى قوله لما اجتمع الناس على عبد الملك وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق سعيد بن حرب العبدي قال بعثوا الى بن عمر لما بويع بن الزبير فمد يده وهي ترعد فقال والله ما كنت لأعطي بيعتي في فرقة ولا امنعها من جماعة ثم لم يلبث بن عمر ان توفي في تلك السنة بمكة وكان عبد الملك وصى الحجاج ان يقتدي به في مناسك الحج كما تقدم في كتاب الحج فدس الحجاج عليه الحربة المسمومة كما تقدم بيان ذلك في كتاب العيدين فكان ذلك سبب موته رضي الله عنه الحديث الخامس حديث سلمة في المبايعة على الموت ذكره مختصرا وقد تقدم بتمامه في كتاب الجهاد في باب البيعة على الحرب ان لا يفروا الحديث السادس

[ 6781 ] قوله حدثنا جويرية بالجيم مصغر جارية هو بن أسماء الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء الراوي عنه قوله ان الرهط الذين ولاهم عمر أي عينهم فجعل الخلافة شورى بينهم أي ولاهم التشاور فيمن يعقد له الخلافة منهم وقد تقدم بيان ذلك مفصلا في مناقب عثمان في الحديث الطويل الذي أورده من طريق عمرو بن ميمون الأودي أحد كبار التابعين في ذكر قتل عمر وقولهم لعمر لما طعنه أبو لؤلؤة استخلف فقال ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء الرهط فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن وفيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط وأورده الدارقطني في غرائب مالك من طريق سعيد بن عامر عن جويرية مطولا وأوله عنده لما طعن عمر قيل له استخلف قال وقد رأيت من حرصهم ما رأيت الى ان قال هذا الأمر بين ستة رهط من قريش فذكرهم وبدأ بعثمان ثم قال وعلي عبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثا فان قدم فيهن فهو شريكهم في الأمر وقال ان الناس لن يعدوكم أيها الثلاثة فان كنت يا عثمان في شيء من أمر الناس فاتق الله ولا تحملن بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس وان كنت يا علي فاتق الله ولا تحملن بني هاشم على رقاب الناس وان كنت يا عبد الرحمن فاتق الله ولا تحملن أقاربك على رقاب الناس قال ويتبع الأقل الأكثر ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه قال الدارقطني أغرب سعيد بن عامر عن جويرية بهذه الألفاظ وقد رواه عبد الله بن محمد بن أسماء عن عمه فلم يذكرها يشير الى رواية البخاري قال وتابع عبد الله بن محمد إبراهيم بن طهمان وسعيد الزبير وحبيب ثلاثتهم عن مالك قلت وساق الثلاثة لكن رواية حبيب مختصرة والآخرين موافقتان لرواية عبد الله بن محمد بن أسماء وقد أخرج بن سعد بسند صحيح من طريق الزهري عن سالم عن بن عمر قال دخل الرهط على عمر قبل أن ينزل به فسمى الستة فذكر قصة الى ان قال فانما الأمر الى ستة الى عبد الرحمن وعثمان وعلي والزبير وطلحة وسعد وكان طلحة غائبا في امواله بالسراة وهو بفتح المهملة وراء خفيفة بلاد معروفة بين الحجاز والشام فبدأ في هذا بعبد الرحمن قبل الجميع وبعثمان قبل علي فدل على انه في السياق الأول لم يقصد الترتيب قوله فقال لهم عبد الرحمن الخ تقدم بيان ذلك في مناقب عثمان بأتم من سياقه وفيه ما يدل على حضور طلحة وان سعدا جعل أمره الى عبد الرحمن والزبير الى علي وطلحة الى عثمان وفيه قول عبد الرحمن أيكم يبرأ من هذا الأمر ويكون له الاختيار فيمن بقي فاتفقوا عليه فتروى بعد ذلك في عثمان أو علي وقوله أنافسكم بالنون والفاء المهملة أي انازعكم فيه إذا ليس في الاستقلال في الخلافة رغبة وقوله عن هذا الأمر أي من جهته ولأجله وفي رواية الكشميهني على بدل عن وهي أوجه قوله فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم يعني أمر الاختيار منهم قوله فمال الناس في رواية سعيد بن عامر فانثال الناس وهي بنون ومثلثة أي قصدوه كلهم شيئا بعد شيء وأصل النثل الصب يقال نثل كنانته أي صب ما فيها من السهام قوله ولا يطأ عقبه بفتح العين وكسر القاف بعدها موحدة أي يمشي وخففه وهي كناية عن الاعراض قوله ومال الناس على عبد الرحمن اعادها لبيان سبب الميل وهو قوله يشاورونه تلك الليالي زاد الزبيدي في روايته عن الزهري يشاورونه ويناجونه تلك الليالي لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا قوله بعد هجع بفتح الهاء وسكون الجيم بعدها عين مهملة أي بعد طائفة من الليل يقال لقيته بعد هجع من الليل كما تقول بعد هجعة والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بمعنى وقد أخرجه البخاري في التاريخ الصغير من طريق يونس عن الزهري بلفظ بعد هجيع بوزن عظيم قوله فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث كذا للأكثر وللمستملي الليلة ويؤيد الأول قوله في رواية سعيد بن عامر والله ما حملت فيها غمضا منذ ثلاث وفي رواية إبراهيم بن طهمان عند الإسماعيلي في هذه الليالي وقوله بكثير نوم بالمثلثة وبالموحدة أيضا وهو مشعر بأنه لم يستوعب الليل سهرا بل نام لكن يسيرا منه والاكتحال كناية عن دخول النوم جفن العين كما يدخلها الكحل ووقع في رواية يونس ما ذاقت عيناي كثير نوم قوله فادع الزبير وسعدا فدعوتهما له فشاورهما في رواية المستملي فسارهما بمهملة وتشديد الراء ولم أر في هذه الرواية لطلحة ذكر فلعله كان شاوره قبلهما قوله حتى أبهار الليل بالموحدة ساكنة وتشديد الراء ومعناه انتصف وبهرة كل شيء وسطه وقيل معظمه وقد تقدم القول فيه في كتاب الصلاة زاد سعيد بن عامر في روايته فجعل يناجيه ترتفع اصواتهما أحيانا فلا يخفى علي شيء مما يقولان ويخفيان أحيانا قوله ثم قام علي من عنده وهو على طمع أي ان يوليه وقوله وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا قال بن هبيرة أظنه أشار الا الدعاية التي كانت في علي أو نحوها ولا يجوز أن يحمل على أن عبد الرحمن خاف من علي على نفسه قلت والذي يظهر لي انه خاف ان بايع لغيره ان لا يطاوعه والى ذلك الإشارة بقوله فيما بعد فلا تجعل على نفسك سبيلا ووقع في رواية سعيد بن عامر فأصبحنا وما أراه يبايع الا لعلي يعني مما ظهر له من قرائن تقديمة قوله ثم قال ادع لي عثمان ظاهر في انه تكلم مع علي في تلك الليلة قبل عثمان ووقع في رواية سعيد بن عامر عكس ذلك وانه قال له أولا اذهب فادع عثمان وفيه فخلا به وفيه لا أفهم من قولهما شيئا فاما ان تكون إحدى الروايتين وهما واما ان يكون ذلك تكرر منه في تلك الليلة فمرة بدأ بهذا ومرة بدأ بهذا قوله وأرسل الى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر أي قدموا الى مكة فحجوا مع عمر ورافقوه الى المدينة وهم معاوية أمير الشام وعمير بن سعد أمير حمص والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة وأبو موسى الأشعري أمير البصرة وعمرو بن العاص أمير مصر قوله فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن وفي رواية إبراهيم بن طهمان جلس عبد الرحمن على المنبر وفي رواية سعيد بن عامر فلما صلى صهيب بالناس صلاة الصبح جاء عبد الرحمن يتخطى حتى صعد المنبر فجاءه رسول سعد يقول لعبد الرحمن ارفع رأسك وانظر لأمة محمد وبايع لنفسك قوله أما بعد زاد سعيد بن عامر فأعلن عبد الرحمن فحمد الله وأثنا عليه ثم قال أما بعد يا علي اني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان أي لا يجعلون له مساويا بل يرجحونه قوله فلا تجعلن على نفسك سبيلا أي من الملامة إذا لم توافق الجماعة وهذا ظاهر في عبدان الرحمن لم يتردد عند البيعة في عثمان لكن قد تقدم في رواية عمرو بن ميمون التصريح بأنه بدأ بعلي فأخذ بيده فقال لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت والله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايع له علي وطريق الجمع بينهما ان عمرو بن ميمون حفظ ما لم يحفظه الآخر ويحتمل ان يكون الآخر حفظه لكن طوى بعض الرواة ذكره ويحتمل ان يكون ذلك وقع في الليل لما تكلم معهما واحد بعد واحد فأخذ على كل منهما العهد والميثاق فلما أصبح عرض على علي فلم يوافقه على بعض الشروط وعرض على عثمان فقبل ويؤيده رواية عاصم بن بهدلة عن أبي وائل قال قلت لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا فقال ما ذنبي بدأت بعلي فقلت له أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر فقال فيما استطعت وعرضتها على عثمان فقبل أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن سفيان بن وكيع عن أبي بكر بن عياش عنه وسفيان بن وكيع ضعيف وقد أخرج أحمد من طريق زائدة عن عاصم عن أبي وائل قال الوليد بن عقبة لعبد الرحمن بن عوف مالك جفوت أمير المؤمنين يعني عثمان فذكر قصة وفيها قول عثمان واما قوله سيرة عمر فاني لا أطيقها ولا هو وفي هذا إشارة الى انه بايعه على أن يسير سيرة عمر فعاتبه على تركها ويمكن ان يأخذ من هذا ضعف رواية سفيان بن وكيع إذ لو كان استخلف بشرط ان يسير بسيرة عمر لم يكن ما أجاب به عذرا في الترك قال بن التين وانما قال لعلي ذلك دون من سواه لأن غيره لم يكن يطمع في الخلافة مع وجوده ووجود عثمان وسكوت من حضر من أهل الشورى والمهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد دليل على تصديقهم عبد الرحمن فيما قال وعلى الرضى بعثمان قلت وقد أخرج بن أبي شيبة من طريق حارثة بن مضرب قال حججت في خلافة عمر فلم أرهم يشكون أن الخليفة بعده عثمان وأخرج يعقوب بن شبة في مسنده من طريق صحيح الى حذيفة قال قال لي عمر من ترى قومك يؤمرون بعدي قال قلت قد نظر الناس الى عثمان وشهروه لها وأخرج البغوي في معجمه وخيثمة في فضائل الصحابة بسند صحيح عن حارثة بن مضرب حججت مع عمر فكان الحادي يحدو أن الأمير بعده عثمان بن عفان قوله فقال أي عبد الرحمن مخاطبا لعثمان أبايعك على سنة الله و سنة رسوله وخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن في الكلام حذف تقديره فقال نعم فبايعه عبد الرحمن وأخرج الذهلي في الزهريات وابن عساكر في ترجمة عثمان من طريقه ثم من رواية عمران بن عبد العزيز عن محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري عن الزهري عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه قال كنت اعلم الناس بأمر الشورى لأني كنت رسول عبد الرحمن بن عوف فذكر القصة وفي آخره فقال هل أنت يا علي مبايعي ان وليتك هذا الأمر على سنة الله وسنة رسوله وسنة الماضين قبل قال لا ولكن على طاقتي فأعادها ثلاثا فقال عثمان أنا يا أبا محمد أبايعك على ذلك قال ثلاثا فقام عبد الرحمن وأعتم ولبس السيف فدخل المسجد ثم رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أشار الى عثمان فبايعه فعرفت أن خالي أشكل عليه أمرهما فأعطاه أحدهما وثيقة ومنعه الآخر إياها واستدل بهذه القصة الأخيرة على جواز تقليد المجتهد وان عثمان وعبد الرحمن كانا يريان ذلك بخلاف علي وأجاب من منعه وهم الجمهور بأن المراد بالسيرة ما يتعلق بالعدل ونحوه لا التقليد في الأحكام الشرعية وإذا فرعنا على جواز تجزيء الاجتهاد احتمل ان يراد بالاقتداء بهما فيما لم يظهر للتابع فيه الاجتهاد فيعمل بقولهما للضرورة قال الطبري لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم فان قيل كان بعض هؤلاء الستة أفضل من بعض وكان رأي عمر أن الأحق بالخلافة أرضاهم دينا وانه لا تصح ولاية المفضول مع وجود الفاضل فالجواب أنه لو صرح بالأفضل منهم لكان قد نص على استخلافه وهو قصد ان لا يتقلد العهدة في ذلك فجعلها في ستة متقاربين في الفضل لأنه يتحقق أنهم لا يجتمعون على تولية المفضول ولا يألون المسلمين نصحا في النظر والشورى وان المفضول منهم لا يتقدم على الفاضل ولا يتكلم في منزلة وغيره أحق بها منه وعلم رضى الأمة بمن رضي به الستة ويؤخذ منه بطلان قول الرافضة وغيرهم ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على ان الإمامة في اشخاص بأعيانهم إذ لو كان كذلك لما اطاعوا عمر في جعلها شورى ولقال قائل منهم ما وجه التشاور في أمر كفيناه ببيان الله لنا على لسان رسوله ففي رضى الجميع بما أمرهم به دليل على ان الذي كان عندهم من العهد في الإمامة أوصاف من وجدت فيه استحقها وادراكها يقع بالاجتهاد وفيه ان الجماعة الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد لم يكن لغيرهم ان يحل ذلك العقد إذ لو كان العقد لا يصح الا باجتماع الجميع قال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا دل ذلك على صحة ما قلناه انتهى ملخصا من كتاب بن بطال ويتحصل منه جواب من ظن انه يلزم منه ان عمر كان يرى جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل والذي يظهر من سيرة عمر في امرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد انه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط بل يضم اليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها فلأجل هذا استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم كأبي الدرداء في الشام وابن مسعود في الكوفة وفيه ان الشركاء في الشيء إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور يسندون أمرهم الى واحد ليختار لهم بعد أن يخرج نفسه من ذلك الأمر وفيه ان من أسند اليه ذلك يبذل وسعه في الاختيار ويهجر أهله وليله اهتماما بما هو فيه حتى يكمله وقال بن المنير في الحديث دليل على ان الوكيل المفوض له أن يوكل وان لم ينص على ذلك لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع ان عمر لم ينص لهم على الانفراد قال وفيه تقوية لقول الشافعي في المسألة الفلانية قولان أي انحصر الحق عندي فيهما وانا في مهلة النظر في التعيين وفيه ان احداث قول زائد على ما اجمع عليه لا يجوز وهو كاحداث سابع في أهل الشورى قال وفي تأخير عبد الرحمن مؤامرة عثمان عن مؤامرة علي سياسة حسنة منتزعة من تأخير يوسف تفتيش رحل أخيه في قصة الصاع ابعادا للتهمة وتغطية للحدس لأنه رأى ان لا ينكشف اختياره لعثمان قبل وقوع البيعة

قوله باب من بايع مرتين أي في حالة واحدة

[ 6782 ] قوله عن سلمة تقدم في باب البيعة في الحرب من كتاب الجهاد من رواية المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بأتم من هذا السياق وفيه بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت الى ظل شجرة فلما خف الناس قال يا بن الأكوع ألا تبايع قوله قد بايعت في الأول قال وفي الثاني والمراد بذلك الوقت وفي رواية الكشميهني في الأولى بالتأنيث قال وفي الثانية والمراد الساعة أو الطائفة ووقع في رواية مكي قلت قد بايعت يا رسول الله قال وأيضا فبايعته الثانية وزاد فقلت له يا أبا مسلم على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ قال على الموت وقد تقدم البحث في ذلك هناك وقال المهلب فيما ذكره بن بطال أراد أن يؤكد بيعة سلمة لعلمه بشجاعته وعنائه في الإسلام وشهرته بالثبات فلذلك امره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة قلت ويحتمل ان يكون سلمة لما بادر الى المبايعة ثم قعد قريبا واستمر الناس يبايعون الى ان خفوا أراد صلى الله عليه وسلم منه ان يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلل لأن العادة في مبدأ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى فإذا تناهى قد يقع بين من يجيء آخرا تخلل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكر والواقع ان الذي أشار اليه بن بطال من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد لأنه انما وقع منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد حيث استعاد السرح الذي كان المشركين اغاروا عليه فاستلب ثيابهم وكان آخر أمره أن أسهم له النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل فالأولى أن يقال تفرس فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبايعه مرتين وأشار بذلك الى انه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك وقال بن المنير يستفاد من هذا الحديث ان اعادة لفظ العقد في النكاح وغيره ليس فسخا للعقد الأول خلافا لمن زعم ذلك من الشافعية قلت الصحيح عندهم انه لا يكون فسخا كما قال الجمهور

قوله باب بيعة الأعراب أي مبايعتهم على الإسلام والجهاد

[ 6783 ] قوله أن أعرابيا تقدم التنبيه على اسمه في فضل المدينة اواخر الحج قوله على الإسلام ظاهر في ان طلبه الاقالة كان فيما يتعلق بنفس الإسلام ويحتمل ان يكون في شيء من عوارضه كالهجرة وكانت في ذلك الوقت واجبه ووقع الوعيد على من رجع اعرابيا بعد هجرته كما تقدم التنبيه عليه قريبا والوعك بفتح الواو وسكون المهملة وقد تفتح بعدها كاف الحمى وقيل ألمها وقيل أرعادها وقال الأصمعي أصله شدة الحر فأطلق على حر الحمى وشدتها قوله أقلني بيعتي فأبى تقدم في فضل المدينة من رواية الثوري عن بن المنكدر أنه أعاد ذلك ثلاثا وكذا سيأتي بعد باب قوله فخرج أي من المدينة راجعا الى البدو قوله المدينة كالكير الخ ذكر عبد الغني بن سعيد في كتاب الأسباب له عند ذكر حديث المدينة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الحديد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في هذه القصة وفيه نظر والأشبه انه قاله في قصة الذين رجعوا عن القتال معه يوم أحد كما تقدم بيان ذلك في غزوة أحد من كتاب المغازي قوله تنفى بفتح أوله خبثها بمعجمة وموحدة مفتوحتين قوله وتنصع تقدم ضبطه في فضل المدينة وبيان الاختلاف فيه قال بن التين انما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من اقالته لأنه لا يعين على معصية لأن البيعة في أول الأمر كانت على ان لا يخرج من المدينة الا بإذن فخروجه عصيان قال وكانت الهجرة الى المدينة فرضا قبل فتح مكة على كل من اسلم ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة لقوله تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فلما فتحت مكة قال صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ففي هذا اشعار بان مبايعة الأعرابي المذكور كانت قبل الفتح وقال بن المنير ظاهر الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد وكذا من بعده من الفضلاء والجواب ان المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور وأما المشار إليهم فانما خرجوا لمقاصد صحيحه كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها وسيأتي شيء من هذا في كتاب الاعتصام ان شاء الله تعالى

قوله باب بيعة الصغير أي هل تشرع أو لا قال بن المنير الترجمة موهمة والحديث يزيل ايهامها فهو دال على عدم انعقاد بيعة الصغير ذكر فيه حديث عبد الله بن هشام التيمي وهو طرف من حديث تقدم بكماله في كتاب الشركة من رواية عبد الله بن وهب عن سعيد بن أبي أيوب وفيه فقالت يا رسول الله بايعه فقال هو صغير فمسح رأسه ودعا له

[ 6784 ] قوله وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله هو عبد الله بن هشام المذكور وهذا الأثر الموقوف صحيح بالسند المذكور الى عبد الله وقد تقدم الحكم المذكور في باب الأضحية عن المسافر والنساء والنقل عمن قال لا تجزىء أضحية الرجل عن نفسه وعن أهل بيته وانما ذكره البخاري مع ان من عادته انه يحذف الموقوفات غالبا لأن المتن قصير وفيه إشارة الى ان عبد الله بن هشام عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ببركة دعائه له وقد تقدم ما يتعلق به من ذلك في كتاب الدعوات

قوله باب من بايع ثم استقال البيعة ذكر فيه حديث جابر في قصة الأعرابي وقد تقدم شرحه قبل بباب

قوله باب من بايع رجلا لا يبايعه الا للدنيا أي ولا يقصد طاعة الله في مبايعة من يستحق الإمامة

[ 6786 ] قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري قوله عن أبي صالح في رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش سمعت أبا صالح يقول سمعت أبا هريرة كما تقدم في كتاب الشرب قوله ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة زاد جرير عن الأعمش ولا ينظر إليهم وسقط من روايته يوم القيامة وقد مر في الشهادات وفي رواية عبد الواحد لا ينظر الله إليهم يوم القيامة وسقط من روايته ولا يكلمهم وثبت الجميع لأبي معاوية عن الأعمش عند مسلم على وفق الآية التي في آل عمران وقال في آخر الحديث ثم قرأ هذه الآية ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا يعني الى آخر الآية قوله رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه بن السبيل في رواية عبد الواحد رجل كان له فضل ماء منعه من بن السبيل والمقصود واحد وان تغاير المفهومان لتلازمهما لأنه إذا منعه من الماء فقد منع الماء منه وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الشرب ووقع في رواية أبي معاوية بالفلاة وهي المراد بالطريق في هذه الرواية وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي صالح في الشرب أيضا ورجل منع فضل ماء فيقول الله تعالى له اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك وقد تقدم الكلام عليه في الشرب أيضا وتقدم شيء من فوائده في كتاب ترك الحيل قوله ورجل بايع إماما في رواية عبد الواحد امامه قوله ان أعطاه ما يريد وفي له في رواية عبد الواحد رضا قوله والا لم يف له في رواية عبد الواحد سخط قوله ورجل بايع رجلا في رواية المستملي والسرخسي يبايع بصيغة المضارعة وفي رواية عبد الواحد أقام سلعة بعد العصر وفي رواية جرير ورجل ساوم رجلا سلعة بعد العصر قوله فحلف بالله في رواية عبد الواحد فقال والله الذي لا اله غيره قوله لقد أعطي بها كذا وكذا وقع مضبوطا بضم الهمزة وكسر الطاء على البناء للمجهول وكذا قوله في آخر الحديث ولم يعط بضم أوله وفتح الطاء وفي بعضها بفتح الهمزة والطاء على البناء للفاعل والضمير للحالف وهي أرجح ووقع في رواية عبد الواحد بلفظ لقد أعطيت بها وفي رواية أبي معاوية فحلف له بالله لأخذها بكذا أي لقد أخذها وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي صالح لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وضبط بفتح الهمزة والطاء وفي بعضها بضم أوله وكسر الطاء والأول أرجح قوله فصدقه وأخذها أي المشتري ولم يعط بها أي القدر الذي حلف انه أعطي عوضها وفي رواية أبي معاوية فصدقه وهو على غير ذلك تنبيهان أحدهما خالف الأعمش في سياق هذا المتن عمرو بن دينار عن أبي صالح فمضى في الشرب ويأتي في التوحيد من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة ونحو صدر حديث الباب وقال فيه ورجل على سلعة الحديث ورجل منع فضل ماء الحديث ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم قال الكرماني ذكر عوض الرجل الثاني وهو المبايع للامام آخر وهو الحالف ليقتطع مال المسلم وليس ذلك باختلاف لأن التخصيص بعدد لا ينفى ما زاد عليه انتهى ويحتمل ان يكون كل من الراويين حفظ ما لم يحفظ الاخر لأن المجتمع من الحديثين أربع خصال وكل من الحديثين مصدر بثلاثة فكأنه كان في الأصل أربعة فأقتصر كل من الراويين على واحد ضمه مع الإثنين الذين توافقا عليهما فصار في رواية كل منهما ثلاثة ويؤيده ما سيأتي في التنبيه الثاني ثانيهما أخرج مسلم هذا الحديث من رواية الأعمش أيضا لكن عن شيخ له آخر بسياق آخر فذكر من طريق أبي معاوية ووكيع جميعا عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة كصدر حديث الباب لكن قال شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر والظاهر ان هذا حديث آخر أخرجه من هذا الوجه عن الأعمش فقال عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا الا منه والمنفق سلعته بالحلف الفاجر والمسبل إزاره وليس هذا الاختلاف على الأعمش فيه بقادح لأنها ثلاثة أحاديث عنده بثلاثة طرق ويجتمع من مجموع هذه الأحاديث تسع خصال ويحتمل أن تبلغ عشرا لأن المنفق سلعته بالحلف الكاذب مغاير للذي حلف لقد أعطي بها كذا لان هذا خاص بمن يكذب في أخبار الشراء والذي قبله أعم منه فتكون خصلة أخرى قال النووي قيل معنى لا يكلمهم الله تكليم من رضا عنه بإظهار الرضا بل بكلام يدل على السخط وقيل المراد أنه يعرض عنهم وقيل لا يكلمهم كلاما يسرهم وقيل لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ومعنى لا ينظر إليهم يعرض عنهم ومعنى نظره لعباده رحمته لهم ولطفه بهم ومعنى لا يزكيهم لا يطهرهم من الذنوب وقيل لا يثني عليهم والمراد بابن السبيل المسافر المحتاج الى الماء لكن يستثنى منه الحربي والمرتد إذا أصرا على الكفر فلا يجب بذل الماء لهما وخص بعد العصر بالحلف لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار وغير ذلك واما الذي بايع الامام بالصفة المذكورة فاستحقاقه هذا الوعيد لكونه غش امام المسلمين ومن لازم غش الامام غش الرعية لما فيه من التسبب الى اثارة الفتنة ولا سيما ان كان ممن يتبع على ذلك انتهى ملخصا وقال الخطابي خص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه وان كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه وهو وقت ختام الأعمال والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها تجرؤا فان من تجرأ عليها فيه اعتادها في غيره وكان السلف يحلفون بعد العصر وجاء ذلك في الحديث أيضا وفي الحديث وعيد شديد في نكث البيعة والخروج على الامام لما في ذلك من تفرق الكلمة ولما في الوفاء من تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء والأصل في مبايعة الامام ان يبايعه على ان يعمل بالحق ويقيم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فمن جعل مبايعته لمال يعطاه دون ملاحظة المقصود في الأصل فقد خسر خسرانا مبينا ودخل في الوعيد المذكور وحاق به ان لم يتجاوز الله عنه وفيه ان كل عمل لا يقصد به وجه الله وأريد به عرض الدنيا فهو فاسد وصاحبه آثم والله الموفق

قوله باب بيعة النساء ذكر فيه أربعة أحاديث الأول قوله رواه بن عباس كأنه يريد ما تقدم في العيدين من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس عن بن عباس شهدت الفطر فذكر الحديث وفيه خرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر اليه حين يجلس بيده ثم اقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال فقال يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية ثم قال حين فرغ منها أنتن على ذلك وقد تقدم فوائده هناك في تفسير الممتحنة الحديث الثاني حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ما في هذه الآية وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الإيمان أوائل الكتاب ووقع في بعض طرقه عن عبادة قال أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اخذ على النساء ان لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني الحديث أخرجه مسلم من طريق الأشعث الصنعاني عن عبادة والى هذه الطريق أشار في هذه الترجمة قال بن المنير أدخل حديث عبادة في ترجمة بيعة النساء لأنها وردت في القرآن في حق النساء فتعرفت بهن ثم استعملت في الرجال الحديث الثالث حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية

[ 6788 ] لا يشركن بالله شيئا كذا أورده مختصرا وقد أخرجه البزار من طريق عبد الرزاق بسند حديث الباب الى عائشة قالت جاءت فاطمة بنت عتبة أي بن ربيعة بن عبد شمس أخت هند بنت عتبة تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها أن لا تزني فوضعت يدها على رأسها حياء فقالت لها عائشة بايعي أيتها المرأة فوالله ما بايعناه الا على هذا قالت فنعم إذا وقد تقدمت فوائد هذا الحديث في تفسير سورة الممتحنة وفي أول هذا الحديث هناك زيادة غير الزيادة التي ذكرتها هنا من عند البزار قوله قالت وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة الا امرأة يملكها هذا القدر أفرده النسائي فأخرجه عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق بسند حديث الباب بلفظ لكن ما مس وقال يد امرأة قط وكذا أفرده مالك عن الزهري بلفظ ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط الا أن يأخذ عليها فإذا اخذ عليها فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك أخرجه مسلم قال النووي هذا الاستثناء منقطع وتقدير الكلام ما مس يد امرأة قط ولكن يأخذ عليها البيعة ثم يقول لها اذهبي الخ قال وهذا التقدير مصرح به في الرواية الأخرى فلا بد منه انتهى وقد ذكرت في تفسير الممتحنة من خالف ظاهر ما قالت عائشة من اقتصاره في مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء على الكلام وما ورد أنه بايعهن بحائل أن بواسطة بما يغني عن اعادته ويعكر على ما جزم به من التقدير وقد يؤخذ من قول أم عطية في الحديث الذي بعده فقبضت امرأة يدها ان بيعة النساء كانت أيضا بالأيدي فتخالف ما نقل عن عائشة من هذا الحصر وأجيب بما ذكر من الحائل ويحتمل انهن كن يشرن بايديهن عن المبايعة بلا مماسة وقد أخرج إسحاق بن راهويه بسند حسن عن أسماء بنت يزيد مرفوعا أني لا أصافح النساء وفي الحديث ان كلام الأجنبية مباح سماعه وان صوتها ليس بعورة ومنع لمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة لذلك الحديث الرابع

[ 6789 ] قوله عن أيوب هو السختياني وحفصة هي بنت سيرين أخت محمد والسند كله بصريون وتقدم شرح حديث أم عطية هذا في كتاب الجنائز مستوفى وفيه تسمية النسوة المذكورات في هذا الحديث وتقدم ما يتعلق بالكلام على قولها اسعدتني في تفسير سورة الممتحنة

قوله باب من نكث بيعة في رواية الكشميهني بيعته بزيادة الضمير قوله وقال الله تعالى في رواية غير أبي ذر وقوله تعالى قوله ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله الآية ساق في رواية أبي ذر الى قوله فانما ينكث على نفسه ثم قال الى قوله فسيؤتيه أجرا عظيما وساق في رواية كريمة الآية كلها ذكر فيه حديث جابر في قصة الأعرابي وقد تقدمت الإشارة اليه قريبا في باب بيعة الأعراب وورد في الوعيد على نكث البيعة حديث بن عمر لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال وقد تقدم في أواخر كتاب الفتن وجاء نحوه عنه مرفوعا باللفظ من أعطى بيعة ثم نكثها لقي الله وليست معه يمينه أخرجه الطبراني بسند جيد وفيه حديث أبي هريرة رفعه الصلاة كفارة الا من ثلاث الشرك بالله ونكث الصفقة الحديث وفيه تفسير نكث الصفقة أن تعطي رجلا بيعتك ثم تقاتله أخرجه أحمد

قوله باب الاستخلاف أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدا ذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول

[ 6791 ] قوله عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري والسند كله مدنيون وقد تقدم ما يتعلق بالسند في كتاب كفارة المرض وتقدم الكثير من فوائد المتن هناك قوله فاعهد أي أعين القائم بالأمر بعدي هذا هو الذي فهمه البخاري فترجم به وان كان العهد أعم من ذلك لكن وقع في رواية عروة عن عائشة بلفظ ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا وقال في آخره ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر وفي رواية لمسلم ادعى لي أبا بكر أكتب كتابا فاني أخاف أن يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر وفي رواية للبزار معاذ الله ان تختلف الناس على أبي بكر فهذا يرشد الى ان المراد الخلافة وأفرط المهلب فقال فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر والعجب أنه قرر بعد ذلك انه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف الحديث الثاني

[ 6792 ] قوله سفيان هو الثوري ومحمد بن يوسف الراوي عنه هو الفريابي قوله قيل لعمر ألا تستخلف في رواية مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن بن عمر حضرت أبي حين أصيب قالوا استخلف وأورد من وجه آخر أن قائل ذلك هو بن عمر راوي الحديث أخرجه من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن حفصة قالت له أعلمت أن أباك غير مستخلف قال فحلفت أن أكلمه في ذلك فذكر القصة وأنه قال له لو كان لك راعي غنم ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد وفيه قول عمر في جواب ذلك أن الله يحفظ دينه قوله ان استخلف الخ في رواية سالم أن لا أستخلف فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وأن استخلف فان أبا بكر قد استخلف قال عبد الله فوالله ما هو الا ان ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف وأخرج بن سعد من طريق عبد الله بن عبيد الله وأظنه بن عمير قال قال أناس لعمر ألا تعهد قال أي ذلك آخذ فقد تبين لي أن الفعل والترك وهو مشكل ويزيله ان دليل الترك من فعله صلى الله عليه وسلم واضح ودليل الفعل يؤخذ من عزمه الذي حكته عائشة في الحديث الذي قبله وهو لا يعزم الا على جائز فكأن عمر قال ان استخلف فقد عزم صلى الله عليه وسلم على الاستخلاف فدل على جوازه وان أترك فقد ترك فدل على جوازه وفهم أبو بكر من عزمه الجواز فاستعمله واتفق الناس على قبوله قاله بن المنير قلت والذي يظهر ان عمر رجح عنده الترك لأنه الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم بخلاف العزم وهو يشبه عزمه صلى الله عليه وسلم على التمتع في الحج وفعله الأفراد فرجح الافراد قوله فأثنوا عليه فقال راغب وراهب قال بن بطال يحتمل أمرين أحدهما ان الذين أثنوا عليه اما راغب في حسن رأيي فيه وتقربي له واما راهب من إظهار ما يضمره من كراهته أو المعنى راغب فيما عندي وراهب مني أو المراد الناس راغب في الخلافة وراهب منها فان وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها وان وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها وذكر القاضي عياض توجيها آخر انهما وصفان لعمر أي راغب فيما عند الله راهب من عقابه فلا أعول على ثنائكم وذلك يشغلني عن العناية بالاستخلاف عليكم قوله وددت أني نجوت منها أي من الخلافة كفافا بفتح الكاف وتخفيف الفاء أي مكفوفا عني شرها وخيرها وقد فسره في الحديث بقوله لا لي ولا علي وقد تقدم نحو هذا من قول عمر في مناقبه في مراجعته لأبي موسى فيما عملوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي أسامة لوددت لو أن حظي منها الكفاف قوله لا أتحملها حيا وميتا في رواية أبي أسامة أتحمل أمركم حيا وميتا وهو استفهام إنكار حذفت منه اداته وقد بين عذره في ذلك لكنه لما أثر فيه قول عبد الله بن عمر حيث مثل له أمر الناس بالغنم مع الراعي خص الأمر بالستة وأمرهم أن يختاروا منهم واحدا وانما خص الستة لأنه اجتمع في كل واحد منهم أمران كونه معدودا في أهل بدر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض وقد صرح بالثاني الحديث الماضي في مناقب عثمان وأما الأول فأخرجه بن سعد من طريق عبد الرحمن بن ابزى عن عمر قال هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ثم في أهل أحد ثم في كذا وليس فيها لطليق ولا لمسلمة الفتح شيء وهذا مصير منه الى اعتبار تقديم الأفضل في الخلافة قال بن بطال ما حاصله ان عمر سلك في هذا الأمر مسلكا متوسطا خشية الفتنة فرأى ان الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين فجعل الأمر معقودا موقوفا على الستة لئلا يترك الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم طرفا وهو ترك التعيين ومن فعل أبي بكر طرفا وهو العقد لأحد الستة وان لم ينص عليه انتهى ملخصا قال وفي هذه القصة دليل على جواز عقد الخلافة من الامام المتولي لغيره بعده وان امره في ذلك جائز على عامة المسلمين لاطباق الصحابة ومن معهم على العمل بما عهده أبو بكر لعمر وكذا لم يختلفوا في قبول عهد عمر الى الستة قال وهو شبيه بايصاء الرجل على ولده لكون نظره فيما يصلح تم من غيره فكذلك الامام انتهى وفيه رد على من جزم كالطبري وقبله بكر بن أخت عبد الواحد وبعده بن حزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر قال ووجهه جزم عمر بأنه لم يستخلف لكن تمسك من خالفه باطباق الناس على تسمية أبي بكر خليفة رسول الله واحتج الطبري أيضا بما أخرجه بسند صحيح من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم رأيت عمر يجلس الناس ويقول اسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ونظيره ما في الحديث الخامس من قول أبي بكر حتى يرى الله خليفة نبيه ورد بأن الصيغة يحتمل ان تكون من مفعول ومن فاعل فلا حجة فيها ويترجح كونها من فاعل جزم عمر بأنه لم يستخلف وموافقة بن عمر له على ذلك فعلى هذا فمعنى خليفة رسول الله الذي خلفه فقام بالأمر بعده فسمى خليفة رسول الله لذلك وان عمر أطلق على أبي بكر خليفة رسول الله بمعنى انه أشار الى ذلك بما تضمنه حديث الباب وغيره من الأدلة وان لم يكن في شيء منها تصريح لكن مجموعها يؤخذ منه ذلك فليس في ذلك خلاف لما روى بن عمر عن عمر وكذا فيه رد على من زعم من الراوندية ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على العباس وعلى قول الروافض كلها انه نص على علي ووجه الرد عليهم اطباق الصحابة على متابعة أبي بكر ثم على طاعته في مبايعة عمر ثم على العمل بعهد عمر في الشورى ولم يدع العباس ولا علي انه صلى الله عليه وسلم عهد له بالخلافة وقال النووي وغيره اجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لأنسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره وعلى جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين عدد محصور أو غيره وأجمعوا على انه يجب نصب خليفة وعلى ان وجوبه بالشرع لا بالعقل وخالف بعضهم كالأصم وبعض الخوارج فقالوا يجب نصب الخليفة وخالف بعض المعتزلة فقالوا يجب بالعقل لا بالشرع وهما باطلان اما الأصم فاحتج ببقاء الصحابة بلا خليفة مدة التشاور أيام السقيفة وأيام الشورى بعد موت عمر ولا حجة له في ذلك لأنهم لم يطبقوا على الترك بل كانوا ساعين في نصب الخليفة آخذين في النظر فيمن يستحق عقدها له ويكفي في الرد على الأصم انه محجوج بإجماع من قبله وأما القول الآخر ففساده ظاهر لأن العقل لا مدخل له في الإيجاب والتحريم ولا التحسين والتقبيح وانما يقع ذلك بحسب العادة انتهى وفي قول المذكور مدة التشاور أيام السقيفة خدش يظهر من الحديث الذي بعده وانهم بايعوا أبا بكر في أول يوم لتصريحه فيه بان عمر خطب الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر فقال فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة فلم يكن بين الوفاة النبوية وعقد الخلافة لأبي بكر الا دون اليوم والليلة وقد تقدم إيضاح ذلك في مناقب أبي بكر رضي الله عنه الحديث الثالث قوله هشام هو بن يوسف الصنعاني

[ 6793 ] قوله انه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي حكاه أنس انه شاهده وسمعه كان بعد عقد البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة كما سبق بسطه وبيانه في باب رجم الحبلى من الزنا وذكر هناك انه بايعه المهاجرون ثم الأنصار فكأنهم لما انهوا الأمر هناك وحصلت المبايعة لأبي بكر جاءوا الى المسجد النبوي فتشاغلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر عمر لمن لم يحضر عقد البيعة في سقيفة بني ساعدة ما وقع هناك ثم دعاهم الى مبايعة أبي بكر فبايعه حينئذ من لم يكن حاضرا وكل ذلك في يوم واحد ولا يقدح فيه ما وقع في رواية عقيل عن بن شهاب عند الإسماعيلي ان عمر قال أما بعد فاني قلت لكم أمس مقالة لأنه يحمل على أن خطبته المذكورة كانت في اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك وزاد في هذه الرواية قلت لكم أمس مقالة وانها لم تكن كما قلت والله ما وجدت الذي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن رجوت ان يعيش الخ قوله قال يعني عمر كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا ضبطه بن بطال وغيره بفتح أوله وسكون الدال وضم الموحدة أي يكون آخرنا قال الخليل دبرت الشيء دبرا اتبعته ودبرني فلان جاء خلفي وقد فسره في الخبر بقوله يريد بذلك ان يكون آخرهم ووقع في رواية عقيل ولكن رجوت ان يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبر أمرنا وهو بتشديد الموحدة وعلى هذا فيقرأ الذي في الأصل كذلك والمراد بقوله يدبرنا يدبر أمرنا لكن وقع في رواية عقيل أيضا حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا وهذا كله قاله عمر معتذرا عما سبق منه حيث خطب قبل أبي بكر حين مات النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت وقد سبق ذلك واضحا قوله فان يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات هو بقية كلام عمر وزاد في رواية عقيل فاختار الله لرسوله الذي يبقى على الذي عندكم قوله فان الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا يعني القرآن ووقع بيانه في رواية معمر عن الزهري في أوائل الاعتصام بلفظ وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا كما هدى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عند أبي نعيم في المستخرج وهدى الله به محمدا فاعتصموا به تهتدوا فانما هدى الله محمدا به وفي رواية عقيل قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدا صلى الله عليه وسلم فخذوا به تهتدوا قوله وان أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ قال بن التين قدم الصحبة لشرفها ولما كان غيره قد يشاركه فيها عطف عليها ما انفرد به أبو بكر وهو كونه ثاني اثنين وهي أعظم فضائله التي استحق بها ان يكون الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال وانه أولى الناس بأموركم قوله فقوموا فبايعوه وكان طائفة الخ فيه إشارة الى بيان السبب في هذه المبايعة وأنه لأجل من لم يحضر في سقيفة بني ساعدة قوله وكانت بيعة العامة على المنبر أي في اليوم المذكور وهو صبيحة اليوم الذي بويع فيه في سقيفة بني ساعدة قوله قال الزهري عن أنس هو موصول بالإسناد المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي مختصرا من طريق عبد الرزاق عن معمر قوله سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر في رواية عبد الرزاق عن معمر عند الإسماعيلي لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر الى المنبر ازعاجا قوله حتى صعد المنبر في رواية الكشميهني حتى أصعده المنبر قال بن التين سبب الحاح عمر في ذلك ليشاهد أبا بكر من عرفه ومن لم يعرفه انتهى وكان توقف أبي بكر في ذلك من تواضعه وخشيته قوله فبايعه الناس عامة أي كانت البيعة الثانية أعم وأشهر وأكثر من المبايعة التي وقعت في سقيفة بني ساعدة وقد تقدمت الإشارة الى بيان ذلك عند شرح أصل بيعة أبي بكر من كتاب الحدود الحديث الرابع حديث جبير بن مطعم الذي فيه ان لم تجديني فأتى أبا بكر وقد تقدم شرحه في أول مناقب أبي بكر الصديق وسيأتي شيء مما يتعلق به في كتاب الاعتصام الحديث الخامس

[ 6795 ] قوله يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري قوله عن أبي بكر قال لوفد بزاخة أي انه قال ولفظه انه يحذفونها كثيرا من الخط وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق قال جاء وفد بزاخة فذكر القصة وبزاخة بضم الموحدة وتخفيف الزاي وبعد الألف خاء معجمة وقع في رواية بن مهدي المذكورة من أسد وغطفان ووقع في رواية أخرى ذكرها بن بطال وهم من طيء وأسد قبيلة كبيرة ينسبون الى أسد بن خزيمة بن مدركة وهم اخوة كنانة بن خزيمة أصل قريش وغطفان قبيلة كبيرة ينسبون الى غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء بن سعد بن قيس عيلان بن مضر وطيء بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف بعدها أخرى مهموزة وكان هؤلاء القبائل ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي وكان قد ادعى النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأطاعوه لكونه منهم فقاتلهم خالد بن الوليد بعد ان فرغ من مسيلمة باليمامة فلما غلب عليهم بعثوا وفدهم الى أبي بكر وقد ذكر قصتهم الطبري وغيره في أخبار الردة وما وقع من وقاتلته الصحابة لهم في خلافة أبي بكر الصديق وذكر أبو عبيد البكري في معجم الأماكن ان بزاخة ماء لطيء عن الأصمعي ولبنى أسد عن أبي عمرو يعني الشيباني وقال أبو عبيدة هي رملة من وراء النباج انتهى والنباج بنون وموحدة خفيفة ثم جيم موضع في طريق الحاج من البصرة قوله تتبعون أذناب الإبل الخ كذا ذكر البخاري هذه القطعة من الخبر مختصرة وليس غرضه منها الا قول أبي بكر خليفة نبيه وقد تقدم التنبيه على ذلك في الحديث الثالث وقد أوردها أبو بكر البرقاني في مستخرجه وساقها الحميدي في الجمع بين الصحيحين ولفظه الحديث الحادي عشر من إفراد البخاري عن طارق بن شهاب قال جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان الى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية فقالوا هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية قال ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا وتدون لنا قتلانا ويكون قتلاكم في النار وتتركون اقوما يتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين أمرا يعذرونكم به فعرض أبو بكر ما قال على القوم فقام فقال قد رأيت رأيا وسنشير عليك اما ما ذكرت فذكر الحكمين الأولين فنعم ما ذكرت واما تدون قتلانا ويكون قتلاكم في النار فان قتلانا قاتلت على أمر الله وأجورها على الله ليست لها ديات قال فتتابع القوم على ما قال عمر قال الحميدي اختصره البخاري فذكر طرفا منه وهو قوله لهم يتبعون أذناب الإبل الى قوله يعذرونكم به وأخرجه بطوله البرقاني بالإسناد الذي أخرج البخاري ذلك القدر منه انتهى ملخصا وذكره بن بطال من وجه آخر عن سفيان الثوري بهذا السند مطولا أيضا لكن قال فيه وفد بزاخة وهم من طيء وقال فيه فخطب أبو بكر الناس فذكر ما قالوا وقال والباقي سواء والمجلية بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ومعناها الخروج عن جميع المال والمخزية بخاء معجمة وزاي بوزن التي قبلها ماخوذه من الخزي ومعناها القرار على الذل والصغار والحلق بفتح المهملة وسكون اللام بعدها قاف السلاح والكراع بضم الكاف على الصحيح وبتخفيف الراء جميع الخيل وفائدة نزع ذلك منهم ان لا يبقى لهم شوكة ليأمن الناس من جهتهم وقوله ونغنم ما أصبنا منكم أي يستمر ذلك لنا غنيمة نقسمها على الفريضة الشرعية ولا نرد عليكم من ذلك شيئا وقوله وتردون علينا ما أصبتم منا أي ما انتهبتموه من عسكر المسلمين في حالة المحاربة وقوله تدون بفتح المثناة وتخفيف الدال المضمومة أي تحملون إلينا دياتهم وقوله قتلاكم في النار أي لا ديات لهم في الدنيا لأنهم ماتوا على شركهم فقتلوا بحق فلا دية لهم وقوله وتتركون بضم أوله ويتبعون اذناب الإبل أي في رعايتها لأنهم إذا نزعت منهم آلة الحرب رجعوا أعرابا في البوادي لا عيش لهم الا ما يعود عليهم من منافع ابلهم قال بن بطال كانوا ارتدوا ثم تابوا فأوفدوا رسلهم الى أبي بكر يعتذرون اليه فأحب أبو بكر ان لا يقضي بينهم الا بعد المشاورة في أمرهم فقال لهم ارجعوا واتبعوا أذناب الإبل في الصحاري انتهى والذي يظهر ان المراد بالغاية التي أنذرهم إليها أن تظهر توبتهم وصلاحهم بحسن اسلامهم

قوله باب كذا للجميع بغير ترجمة وسقط لفظ باب من رواية أبي ذر عن الكشميهني والسرخسي وهو كالفصل من الذي قبله وتعلقه به ظاهر

[ 6796 ] قوله حدثنا في رواية كريمة حدثني بالافراد قوله عن عبد الملك في رواية سفيان بن عيينة عند مسلم عن عبد الملك بن عمير قوله يكون اثنى عشر أميرا في رواية سفيان بن عيينة المذكورة لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا قوله فقال كلمة لم أسمعها في رواية سفيان ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي قوله فقال أبي انه قال كلهم من قريش في رواية سفيان فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلهم من قريش ووقع عند أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر ولفظه لا يزال هذا الدين عزيزا الى اثني عشر خليفة قال فكبر الناس وضجوا فقال كلمة خفية فقلت لأبي يا أبة ما قال فذكره وأصله عند مسلم دون قوله فكبر الناس وضجوا ووقع عند الطبراني من وجه آخر في آخره فالتفت فإذا أنا بعمر بن الخطاب وأبي في أناس فأثبتوا الي الحديث وأخرجه مسلم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشرة خليفة وأخرجه من طريق سماك بن حرب عن جابر بن سمرة بلفظ لا يزال الإسلام عزيزا الى اثنى عشر خليفة ومثله عنده من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة وزاد في رواية عنه منيعا وعرف بهذه الرواية معنى قوله في رواية سفيان ماضيا أي ماضيا أمر الخليفة فيه ومعنى قوله عزيزا قويا ومنيعا بمعناه ووقع في حديث أبي جحيفة عند البزار والطبراني نحو حديث جابر بن سمرة بلفظ لا يزال أمر أمتي صالحا وأخرجه أبو داود من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة نحوه قال وزاد فلما رجع الى منزله اتته قريش فقالوا ثم يكون ماذا قال الهرج وأخرج البزار هذه الزيادة من وجه آخر فقال فيها ثم رجع الى منزله فأتيته فقلت ثم يكون ماذا قال الهرج قال بن بطال عن المهلب لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث يعني بشيء معين فقوم قالوا يكونون بتوالي امارتهم وقوم قالوا يكونون في زمن واحد كلهم يدعي الامارة قال والذي يغلب على الظن انه عليه الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثنى عشر أميرا قال ولو أراد غير هذا لقال يكون اثنا عشر أميرا يفعلون كذا فلما أعراهم من الخبر عرفنا انه أراد انهم يكونون في زمن واحد انتهى وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم وهو كون الإسلام عزيزا منيعا وفي الرواية الأخرى صفة أخرى وهو ان كلهم يجتمع عليه الناس كما وقع عند أبي داود فإنه أخرج هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة بلفظ لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة بلفظ لا تضرهم عداوة من عاداهم وقد لخص القاضي عياض ذلك فقال توجه على هذا العدد سؤالان أحدهما انه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا لأن الثلاثين سنة لم يكن فيها الا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي والثاني انه ولى الخلافة أكثر من هذا العدد قال والجواب عن الأول أنه أراد في حديث سفينة خلافه النبوة ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك وعن الثاني انه لم يقل لا يلي الا اثنا عشر وانما قال يكون اثنا عشر وقد ولي هذا العدد ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم قال وهذا ان جعل اللفظ واقعا على كل من ولى والا فيحتمل ان يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة وقد قيل انهم يكونون في زمن واحد يفترق الناس عليهم وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد الى من كان يدعى الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج قال ويعضد هذا التاويل قوله في حديث آخر في مسلم ستكون خلفاء فيكثرون قال ويحتمل ان يكون المراد ان يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة ويؤيده قوله في بعض الطرق كلهم تجتمع عليه الأمة وهذا قد وجد فيما اجتمع عليه الناس الى ان أضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم الى ان قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر قال وقد يحتمل وجوها أخر والله اعلم بمراد نبيه انتهى والاحتمال الذي قبل هذا وهو اجتماع اثنى عشر في عصر واحد كلهم يطلب الخلافة هو الذي اختاره المهلب كما تقدم وقد ذكرت وجه الرد عليه ولو لم يرد الا قوله كلهم يجتمع عليه الناس فان في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق فلا يصح ان يكون المراد ويؤيد ما وقع عند أبي داود ما أخرجه أحمد والبزار من حديث بن مسعود بسند حسن انه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة فقال سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل وقال بن الجوزي في كشف المشكل قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه وسألت عنه فلم أقع على المقصود به لأن ألفاظه مختلفة ولا أشك ان التخليط فيها من الرواة ثم وقع لي فيه شيء وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار اليه ثم وجدت كلاما لأبي الحسين بن المنادي وكلاما لغيره فاما الوجه الأول فإنه أشار الى ما يكون بعده وبعد أصحابه وان حكم أصحابه مرتبط بحكمه فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم فكأنه أشار بذلك الى عدد الخلفاء من بني أمية وكأن قوله لا يزال الدين أي الولاية الى ان يلي اثنا عشر خليفة ثم ينتقل الى صفة أخرى أشد من الأولى وأول بني أمية يزيد بن معاوية وآخرهم مروان الحمار وعدتهم ثلاثة عشر ولا يعد عثمان ومعاوية ولا بن الزبير لكونهم صحابة فإذا اسقطنا منهم مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته أو لأنه كان متغلبا بعد أن اجتمع الناس على عبد الله بن الزبير صحت العدة وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتى استقرت دولة بني العباس فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيرا بينا قال ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود من حديث بن مسعود رفعه تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فان هلكوا فسبيل من هلك وان يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما زاد الطبراني والخطابي فقالوا سوى ما مضى قال نعم قال الخطابي رحى الإسلام كناية عن الحرب شبهها بالرحى التي تطحن الحب لما يكون فيها من تلف الأرواح والمراد بالدين في قوله يقم لهم دينهم الملك قال فيشبه أن يكون إشارة الى مدة بني أمية في الملك وانتقاله عنهم الى بني العباس فكان ما بين استقرار الملك لبني أمية وظهور الوهن فيه نحو من سبعين سنة قلت لكن يعكر عليه ان من استقرار الملك لبني أمية عند اجتماع الناس على معاوية سنة إحدى وأربعين الى ان زالت دولة بني أمية فقتل مروان بن محمد في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة أزيد من تسعين سنة ثم نقل عن الخطيب أبي بكر البغدادي قوله تدور رحى الإسلام مثل يريد ان هذه المدة إذا انتهت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف بسببه على أهله الهلاك يقال للأمر إذا تغير واستحال دارت رحاه قال وفي هذا إشارة الى انتقاض مدة الخلافة وقوله يقم لهم دينهم أي ملكهم وكان من وقت اجتماع الناس على معاوية الى انتقاض ملك بني أمية نحوا من سبعين قال بن الجوزي ويؤيد هذا التأويل ما أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن لؤي كان النقف والنقاف الى يوم القيامة انتهى و النقف ظهر لي انه بفتح النون وسكون القاف وهو كسر الهامة عن الدماغ والنقاف بوزن فعال منه وكنى بذلك عن القتل والقتال ويؤيده قوله في بعض طرق جابر بن سمرة ثم يكون الهرج وأما صاحب النهاية فضبطه بالثاء المثلثة بدل النون وفسره بالجد الشديد في الخصام ولم أر في اللغة تفسيره بذلك بل معناه الفطنة والحذق ونحو ذلك وفي قوله من بني كعب بن لؤي إشارة الى كونهم من قريش لأن لؤيا هو بن غالب بن فهر وفيهم جماع قريش وقد يؤخذ منه ان غيرهم يكون من غير قريش فتكون فيه إشارة الى القحطاني المقدم ذكره في كتاب الفتن قال واما الوجه الثاني فقال أبو الحسين بن المنادى في الجزء الذي جمعه في المهدي يحتمل في معنى حديث يكون اثنا عشر خليفة ان يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان فقد وجدت في كتاب دانيال إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر ثم خمسة من ولد السبط الأصغر ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكا كل واحد منهم امام مهدي قال بن المنادى وفي رواية أبي صالح عن بن عباس المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم ثم يموت فيفسد الزمان وعن كعب الأحبار يكون اثنا عشر مهديا ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال قال والوجه الثالث ان المراد وجود اثنى عشر خليفة في جميع مدة الإسلام الى يوم القيامة يعملون بالحق وان لم تتوالى أيامهم ويؤيده ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر ان أبا الجلد حدثه انه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل بيت محمد يعيش أحدهما أربعين سنة والاخر ثلاثين سنة وعلى هذا فالمراد بقوله ثم يكون الهرج أي الفتن المؤذنه بقيام الساعة من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج الى ان تنقضي الدنيا انتهى كلام بن الجوزي ملخصا بزيادات يسيرة والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي عياض فكأنه ما وقف عليه بدليل ان في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس وإيضاح ذلك ان المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته والذي وقع ان الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي الى ان وقع أمر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف الى ان اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل بن الزبير ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك واجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق ان يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لأن يزيد بن الوليد الذي قام على بن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل ان يموت بن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان ولما مات يزيد ولى أخوه إبراهيم فغلبه مروان ثم ثار على مروان بنو العباس الى ان قتل ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ثم ولى أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس واستمرت في أيديهم متغلبين عليها الى ان تسموا بالخلافة بعد ذلك وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض الى ان لم يبق من الخلافة الا الاسم في بعض البلاد بعد ان كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع اقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الامارة على شيء منها الا بأمر الخليفة ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا يكون المراد بقوله ثم يكون الهرج يعني القتل الناشىء عن الفتن وقوعا فاشيا يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام وكذا كان والله المستعان والوجه الذي ذكره بن المنادى ليس بواضح ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده رفعه سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء امراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ثم يؤمر القطحاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه فهذا يرد على ما نقله بن المنادى من كتاب دانيال وأما ما ذكره عن أبي صالح فواه جدا وكذا عن كعب وأما محاولة بن الجوزي الجمع بين حديث تدور رحى الإسلام وحديث الباب ظاهر التكلف والتفسير الذي فسره به الخطابي ثم الخطيب بعيد والذي يظهر ان المراد بقوله تدور رحى الإسلام ان تدوم على الاستقامة وان ابتدأ ذلك من أول البعثة النبوية فيكون انتهاء المدة بقتل عمر في ذي الحجة سنة أربع وعشرين من الهجرة فإذا انضم الى ذلك اثنتا عشرة سنة وستة أشهر من المبعث في رمضان كانت المدة خمسا وثلاثين سنة وستة أشهر فيكون ذلك جميع المدة النبوية ومدة الخليفتين بعده خاصة ويؤيد حديث حذيفة الماضي قريبا الذي يشير الى ان باب الأمن من الفتنة يكسر بقتل عمر فيفتح باب الفتن وكان الأمر على ما ذكر وأما قوله في بقية الحديث فان يهلكوا فسبيل من هلك وان لم يقم لهم دينهم يقم سبعين سنة فيكون المراد بذلك انقضاء أعمارهم وتكون المدة سبعين سنة إذا جعل ابتداؤها من أول سنة ثلاثين عند انقضاء ست سنين من خلافة عثمان فان ابتداء الطعن فيه الى ان آل الأمر الى قتله كان بعد ست سنين مضت من خلافته وعند انقضاء السبعين لم يبق من الصحابة أحد فهذه الذي يظهر لي في معنى هذا الحديث ولا تعرض فيه لما يتعلق باثني عشر خليفة وعلى تقدير ذلك فالأولى ان يحمل قوله يكون بعدي اثنا عشر خليفة على حقيقة البعدية فان جميع من ولى الخلافة من الصديق الى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم والباقون اثنا عشر نفسا على الولاء كما أخبر صلى الله عليه وسلم وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وتغيرت الأحوال بعده وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون ولا يقدح في ذلك قوله يجتمع عليهم الناس لأنه يحمل على الأكثر الأغلب لأن هذه الصفة لم تفقد منهم الا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير مع صحة ولايتهما والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه الا بعد تسليم الحسن وبعد قتل بن الزبير والله أعلم وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثنى عشر منتظمة وان وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة الى الاستقامة نادر والله اعلم وقد تكلم بن حبان على معنى حديث تدور رحى الإسلام فقال المراد بقوله تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين انتقال أمر الخلافة الى بني أمية وذلك ان قيام معاوية عن علي بصفين حتى وقع التحكيم هو مبدا مشاركة بني أمية ثم استمر الأمر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة فكان أول ما ظهرت دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة وساق ذلك بعبارة طويلة عليه فيها مؤاخذات كثيرة أولها دعواه ان قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب الأخبار فانها كانت بعد وقعة صفين بعد أشهر وكانت سنة سبع وثلاثين والذي قدمته أولى بأن يحمل الحديث عليه والله اعلم

قوله باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة وقد أخرج عمر أخت أبي بكر حين ناحت تقدمت هذا الترجمة والأثر المعلق فيها والحديث في كتاب الأشخاص وقال فيه المعاصي بدل أهل الريب وساق الحديث من وجه آخر عن أبي هريرة وتقدم شرحه مستوفى في أوائل باب صلاة الجماعة وقوله

[ 6797 ] في آخر الباب قال محمد بن يوسف قال يونس قال محمد بن سليمان قال أبو عبد الله مرماة ما بين ظلف الشاة من اللحم مثل منساة وميضاة الميم مخفوضة وقد تقدم شرح المرماتين هناك ومحمد بن يوسف هذا هو الفربري راوي الصحيح عن البخاري ويونس هو بن ومحمد بن سليمان هو أبو أحمد الفارسي راوي التاريخ الكبير عن البخاري وقد نزل الفربري في هذا التفسير درجتين فإنه ادخل بينه وبين شيخه البخاري رجلين أحدهما عن الآخر وثبت هذا التفسير في رواية أبي ذر عن المستملي وحده وقوله مثل منساة وميضاة أما منساة بالوزن الذي ذكره بغير همز فهي قراءة أبي عمرو ونافع في قوله تعالى تأكله منسأته وقال الشاعر إذا دببت على المنساة من هرم فقد تباعد عنك اللهو والغزل أنشده أبو عبيدة ثم قال وبعضهم يهمزها فيقول منسأته قلت وهي قراءة الباقين بهمزة مفتوحة الا بن ذكوان فسكن الهمزة وفيها قراآت أخر في الشواذ والمنساة العصا اسم آلة من أنسا الشيء إذا أخره وقوله الميم مخفوضة أي في كل من المنساة والميضاة وفي الميضاة اللغات المذكورة

قوله باب هل للامام ان يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه في رواية أبي أحمد الجرجاني المحبوس بدل المجرمين وكذا ذكر بن التين والإسماعيلي وهو أوجه لأن المحبوس قد لا يتحقق عصيانه والأول يكون من عطف العام على الخاص وهو المطابق لحديث الباب ظاهرا وذكر فيه طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن تبوك وتوبته وقد تقدم شرحها مستوفى في أواخر كتاب المغازي بحمد الله تعالى