كتاب الإعتصام بالكتاب والسنَّة
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة الاعتصام افتعال من العصمة والمراد امتثال قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا الآية قال الكرماني هذه الترجمة منتزعة من قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا لأن المراد بالحبل الكتاب والسنة على سبيل الاستعارة والجامع كونهما سببا للمقصود وهو الثواب والنجاة من العذاب كما ان الحبل سبب لحصول المقصود به من السقي وغيره والمراد بالكتاب القرآن المتعبد بتلاوته وبالسنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريره وما هم بفعله والسنة في أصل اللغة الطريقة وفي اصطلاح الأصوليين والمحدثين ما تقدم وفي اصطلاح بعض الفقهاء ما يرادف المستحب قال بن بطال لا عصمة لأحد الا في كتاب الله أو في سنة رسوله أو في إجماع العلماء على معنى في أحدهما ثم تكلم على السنة باعتبار ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي بيانه بعد باب ثم ذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول

[ 6840 ] قوله سفيان عن مسعر وغيره أما سفيان فهو بن عيينة ومسعر هو بن كدام بكسر الكاف وتخفيف الدال والغير الذي ابهم معه لم أر من صرح به الا انه يحتمل ان يكون سفيان الثوري فان أحمد أخرجه من روايته عن قيس بن مسلم وهو الجدلي بفتح الجيم والمهملة كوفي يكنى أبا عمرو كان عابدا ثقة ثبتا وقد نسب الى الأرجاء وفي الرواة قيس بن مسلم آخر لكنه شامي غير مشهور روى عن عبادة بن الصامت وحديثه عنه في كتاب خلق الأفعال للبخاري وطارق بن شهاب هو الأحمسي معدود في الصحابة لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبير لكن لم يثبت له منه سماع قوله قال رجل من اليهود تقدم الكلام عليه في كتاب الإيمان وفي تفسير سورة المائدة مع شرح سائر الحديث وحاصل جواب عمر أنا اتخذنا ذلك اليوم عيدا على وفق ما ذكرت قوله سمع سفيان مسعرا ومسعر قيسا وقيس طارقا هو كلام البخاري يشير الى ان العنعنة المذكورة في هذا السند محمولة عنده على السماع لاطلاعه على سماع كل منهم من شيخه وقوله سبحانه اليوم أكملت لكم دينكم ظاهره يدل على أن أمور الدين كملت عند هذه المقالة وهي قبل موته صلى الله عليه وسلم بنحو ثمانين يوما فعلى هذا لم ينزل بعد ذلك من الأحكام شيء وفيه نظر وقد ذهب جماعة الى ان المراد بالاكمال ما يتعلق بأصول الأركان لا ما يتفرع عنها ومن ثم لم يكن فيها متمسك لمنكري القياس ويمكن دفع حجتهم على تقدير تسليم الأول بأن استعمال القياس في الحوادث متلقى من أمر الكتاب ولو لم يكن الا عموم قوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وقد ورد أمره بالقياس وتقريره عليه فاندرج في عموم ما وصف بالكمال ونقل بن التين عن الداودي أنه قال في قوله تعالى وانزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم قال انزل سبحانه وتعالى كثيرا من الأمور مجملا ففسر نبيه ما احتيج اليه في وقته وما لم يقع في وقته وكل تفسيره الى العلماء بقوله تعالى ولو ردوه الى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم الحديث الثاني

[ 6841 ] قوله انه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الغد حين بايع المسلمون أبا بكر رضي الله عنه حين يتعلق بسمع والذي يتعلق بالغد محذوف وتقديره من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيانه في باب الاستخلاف في أواخر كتاب الأحكام وسياقه هناك أتم وزاد في هذه الرواية فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم أي الذي عنده من الثواب والكرامة على الذي عندكم من النصب الحديث الثالث حديث بن عباس تقدم شرحه في كتاب العلم وبيان من رواه بلفظ التأويل ويأتي معنى التأويل في باب قوله تعالى بل هو قرآن مجيد من كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى الحديث الرابع حديث أبي برزة وهو مختصر من الحديث الطويل المذكور في أوائل كتاب الفتن في باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه وقد تقدم شرحه مستوفى هناك وقوله

[ 6843 ] هنا ان الله يغنيكم بالإسلام كذا وقع بضم أوله ثم غين معجمة ساكنة ثم نون ونبه أبو عبد الله وهو المصنف على ان الصواب بنون ثم عين مهملة مفتوحتين ثم شين معجمة قوله ينظر في أصل كتاب الاعتصام فيه إشارة الى انه صنف كتاب الاعتصام مفردا وكتب منه هنا ما يليق بشرطه في هذا الكتاب كما صنع في كتاب الأدب المفرد فلما رأى هذه اللفظة مغايرة لما عنده انه الصواب أحال على مراجعة ذلك الأصل وكأنه كان في هذه الحالة غائبا عنه فأمر بمراجعته وان يصلح منه وقد وقع له نحو هذا في تفسير انقض ظهرك ونبهت عليه في تفسير سورة الم نشرح ونقل بن التين عن الداودي ان ذكر حديث أبي برزة هذا هنا انما يستفاد منه تثبيت خبر الواحد وهو غفلة منه فان حكم تثبيت خبر الواحد انقضى وعقب بالاعتصام بالكتاب والسنة ومناسبة حديث أبي برزة للاعتصام بالكتاب من قوله ان الله نعشكم بالكتاب ظاهرة جدا والله أعلم الحديث الخامس حديث بن عمر في مكاتبته لعبد الملك بالبيعة له وقد تقدم بأتم من هذا السياق مع شرحه في باب كيف يبايع الامام من أواخر كتاب الأحاكم ومن ثم يظهر المعطوف عليه بقوله هنا وأقر لك وبينت هناك أن ذلك كان بعد قتل عبد الله بن الزبير والغرض منه هنا استعمال سنة الله ورسوله في جميع الأمور

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم وذكر فيه حديثين لأبي هريرة أحدهما بلفظ الترجمة وزاد ونصرت بالرعب وبينا انا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض وتقدم تفسير جوامع الكلم في باب المفاتيح في اليد من كتاب التعبير وفيه تفسيرها عن الزهري وحاصله انه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني وجزم غير الزهري بأن المراد بجوامع الكلم القرآن بقرينة قوله بعثت والقرآن هو الغاية في ايجاز اللفظ واتساع المعاني وتقدم شرح نصرت بالرعب في كتاب التيمم

[ 6845 ] قوله فوضعت في يدي أي المفاتيح وتقدم تفسير المراد بها في باب النفخ في المنام من كتب التعبير قوله قال أبو هريرة هو موصول بالسند المذكور أولا وقوله فذهب أي مات وقوله وأنتم تلغثونها أو ترغثونها أو كلمة تشبهها فالأولى بلام ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة ثم مثلثة والثانية مثلها لكن بدل اللام راء وهي من الرغث كناية عن سعة العيش وأصله من رغث الجدي أمه إذا ارتضع منها وأرغثته هي أرضعته ومن ثم قيل رغوث وأما باللام فقيل انها لغة فيها وقيل تصحيف وقيل مأخوذة من اللغيث بوزن عظيم وهو الطعام المخلوط بالشعير ذكره صاحب المحكم عن ثعلب والمراد يأكلونها كيفما اتفق وفيه بعد وقال بن بطال واما اللغث باللام فلم أجده فيما تصفحت من اللغة انتهى ووجدت في حاشية من كتابة هما لغتان صحيحتان فصيحتان معناهما الأكل بالتهم وأفاد الشيخ مغلطاي عن كتاب المنتهى لأبي المعالي اللغوي لغث طعامه ولغث بالغين والعين أي المعجمة والمهملة إذا فرقه قال والغيث ما يبقى في الكيل من الحب فعلى هذا فالمعنى وأنتم تأخذون المال فتفرقونه بعد أن تحوزوه واستعار للمال ما للطعام لأن الطعام أهم ما يقتنى لأجله المال وزعم أن في بعض نسخ الصحيح وأنتم تلعقونها بمهملة ثم قاف قلت وهو تصحيف ولو كان له بعض اتجاه والثالثة جاءت من رواية عقيل في كتاب الجهاد بلفظ تنتثلونها بمثناة ثم نون ساكنة ثم مثناة ولبعضهم بحذف المثناة الثانية من النثل بفتح النون وسكون المثلثة وهو الاستخراج نثل كنانته استخرج ما فيها من السهام وجرابه نقض ما فيه والبئر أخرج ترابها فمعنى تنتثلونها تستخرجون ما فيها وتتمتعون به قال بن التين عن الداودي هذا المحفوظ في هذا الحديث قال النووي يعني ما فتح على المسلمين من الدنيا وهو يشمل الغنائم والكنوز وعلى الأول اقتصر الأكثر ووقع عند بعض رواة مسلم بالميم بدل النون الأولى وهو تحريف الحديث الثاني

[ 6846 ] قوله عن سعيد هو بن أبي سعيد المقبري واسم أبي سعيد كيسان قوله ما مثله أو من آمن عليه البشر أو شك من الرواي فالأولى بضم الهمزة وسكون الواو وكسر الميم من الأمن والثانية بالمد وفتح الميم من الإيمان وحكى بن قرقول ان في رواية القابسي بفتح الهمزة وكسر الميم بغير مد من الأمان وصوبها بن التين فلم يصب وقوله وانما كان الذي أوتيته في رواية المستملي أوتيت بحذف الهاء وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أوائل فضائل القرآن بحمد الله تعالى ومعنى الحصر في قوله انما كان الذي أوتيته ان القرآن أعظم المعجزات وأفيدها وأدومها لاشتماله على الدعوة والحجة ودوام الانتفاع به الى آخر الدهر فلما كان لا شيء يقاربه فضلا عن أن يساويه كان ما عداه بالنسبة اليه كأن لم يقع قيل يؤخذ من إيراد البخاري هذا الحديث عقب الذي قبله ان الراجح عنده ان المراد بجوامع الكلم القرآن وليس ذلك بلازم فان دخول القرآن في قوله بعثت بجوامع الكلم لا شك فيه وانما النزاع هل يدخل غيره من كلامه من غير القرآن وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلام في القرآن قوله تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون وقوله ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون الى غير ذلك ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبوية حديث عائشة كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وحديث كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل متفق عليهما وحديث أبي هريرة وإذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وسيأتي شرحه قريبا وحديث المقدام ما ملأ بن آدم وعاء شرا من بطنه الحديث أخرجه الأربعة وصححه بن حبان والحاكم الى غير ذلك مما يكثر بالتتبع وانما يسلم ذلك فيما لم تتصرف الرواة في ألفاظه والطريق الى معرفة ذلك أن تقل مخارج الحديث وتتفق ألفاظه والا فان مخارج الحديث إذا كثرت قل أن تتفق ألفاظه لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى بحسب ما يظهر لأحدهم انه واف به والحامل لأكثرهم على ذلك انهم كانوا لا يكتبون ويطول الزمان فيتعلق المعنى بالذهن فيرتسم فيه ولا يستحضر اللفظ فيحدث بالمعنى لمصلحة التبليغ ثم يظهر من سياق ما هو احفظ منه انه لم يوفي بالمعنى

قوله باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قبولها والعمل بما دلت عليه فأما أقواله صلى الله عليه وسلم فتشتمل على أمر ونهي وأخبار وسيأتي حكم الأمر والنهي في باب مفرد وأما أفعاله فتأتي أيضا في باب مفرد قريبا قوله وقل الله تعالى واجعلنا للمتقين إماما قال أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا كذا للجميع بإبهام القائل وقد ثبت ذلك من قول مجاهد أخرجه الفريابي والطبري وغيرهما من طريقه بهذا اللفظ بسند صحيح وأخرجه بن أبي حاتم من طريقه بسند صحيح أيضا قال يقول اجعلنا أئمة في التقوى حتى نأتم بمن كان قبلنا ويأتم بنا من بعدنا وللطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس ان المعنى اجعلنا أئمة التقوى لأهله يقتدون بنا لفظ الطبري وفي رواية بن أبي حاتم اجعلنا أئمة هدى ليهتدي بنا ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال تعالى لأهل السعادة وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وقال لأهل الشقاوة وجعلناهم أئمة يدعون الى النار ورجح الطبري أنهم سألوا ان يكونوا للمتقين أئمة ولم يسألوا ان يجعل المتقين لهم أئمة ثم تكلم الطبري على افراد إماما مع ان المراد جماعة بما حاصله ان الامام اسم جنس فيتناول الواحد فما فوقه وأخرج عبد بن حميد بسند صحيح عن قتادة في قوله واجعلنا للمتقين إماما أي قادة في الخير ودعاة هدى يؤتم بنا في الخير وأخرج بن أبي حاتم من طريق السدي ليس المراد أن نؤم الناس وانما أرادوا اجعلنا أئمة لهم في الحلال والحرام يقتدون بنا فيه ومن طريق جعفر بن محمد معناه اجعلني رضا فإذا قلت صدقوني وقبلوا مني تنبيه اقتصر شيخنا بن الملقن في شرحه تبعا لمن تقدمه على عزو التفسير المذكور أولا للحسن البصري ولم أر له عنه سندا والثاني للضحاك وقد صح عن بن عباس ورواه بن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير ونقله بن أبي حاتم أيضا عن أبي صالح وعبد الله بن شوذب قوله وقال بن عون هو عبد الله البصري من صغار التابيعن ثلاث أحبهن لنفسي الخ وصله محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة والجوزقي من طريقه قال محمد بن نصر حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا سليم بن أخضر سمعت بن عون يقول غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ثلاث أحبهن لنفسي الحديث ووصله بن القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق القضبي سمعت حماد بن زيد يقول قال بن عون قوله ولأخواني في رواية حماد ولأصحابي قوله هذه السنة أشار الى طريقة النبي صلى الله عليه وسلم إشارة نوعية لا شخصية وقوله ان يتعلموها ويسألوا عنها في رواية يحيى بن يحيى هذا الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتبعه ويعمل بما فيه قوله والقرآن ان يتفهموه ويسألوا الناس عنه في رواية يحيى فيتدبروه بدل فيتفهموه وهو المراد قوله ويدعو الناس الا من خير كذا للأكثر بفتح الدال من يدعو وهو من الودع بمعنى الترك ووقع في رواية الكشميهني بسكون الدال من الدعاء وكذا هو في نسخة الصغاني ويؤيد الأول ان في رواية يحيى بن يحيى ورجل أقبل على نفسه ولها عن الناس الا من خير لأن في ترك الشر خيرا كثيرا قال الكرماني قال في القرآن يتفهموه وفي السنة يتعلموها لأن الغالب ان المسلم يتعلم القرآن في أول أمره فلا يحتاج الى الوصية بتعلمه فلهذا أوصى بتفهم معناه وادراك منطوقه انتهى ويحتمل ان يكون السبب ان القرآن قد جمع بين دفتي المصحف ولم تكن السنة يومئذ جمعت فأراد بتعلمها جمعها ليتمكن من تفهما بخلاف القرآن فإنه مجموع فليبادر لتفهمه ثم ذكر فيه ثلاثة عشر حديثا الحديث الأول

[ 6847 ] قوله عمرو بن عباس بموحدة ثم مهملة هو الباهلي بصري يكنى أبا عثمان من طبقة علي بن المديني و عبد الرحمن هو بن مهدي و سفيان هو الثوري و واصل هو بن حبان وتقدم تصريح الثوري عنه بالتحديث في كتاب الحج و أبو وائل هو شقيق بن سلمة قوله جلست الى شيبة هو بن عثمان بن طلحة العبدري حاجب الكعبة وقد تقدم نسبه عند شرح حديثه في باب كسوة الكعبة من كتاب الحج وليس له في الصحيحين الا هذا الحديث عند البخاري وحده قوله أن لا أدع فيها الضمير للكعبة وأن لم يجر لها ذكر لأن المراد بالمسجد في قول أبي وائل جلست الى شيبة في هذا المسجد نفس الكعبة فكأنه أشار إليها فقد تقدم في رواية الحج في هذا الحديث على كرسي في الكعبة أي عند بابها كما جرت به عادة الحجبة قال بن بطال أراد عمر قسمة المال في مصالح المسلمين فلما ذكره شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بعده لم يتعرضا له لم يسعه خلافهما ورأى ان الاقتداء بهما واجب قلت وتمامه ان تقرير النبي صلى الله عليه وسلم منزل منزلة حكمه باستمرار ما ترك تغييره فيجب الاقتداء به في ذلك لعموم قوله تعالى واتبعوه وأما أبو بكر فدل عدم تعرضه على انه لم يظهر له من قوله صلى الله عليه وسلم ولا من فعله ما يعارض التقرير المذكور ولو ظهر له لفعله لا سيما مع احتياجه للمال لقلته في مدته فيكون عمر مع وجود كثرة المال في أيامه أولى بعدم التعرض الحديث الثاني حديث حذيفة في الأمانة تقدم شرحه في كتاب الفتن الحديث الثالث

[ 6849 ] قوله حدثنا عمرو بن مرة هو الجملي بفتح الجيم وتخفيف الميم و مرة شيخه هو بن شراحيل ويقال له مرة الطيب بالتشديد وهو الهمداني بسكون الميم وليس هو والد عمرو الراوي عنه قوله وأحسن الهدى هدى محمد بفتح الهاء وسكون الدال للأكثر وللكشميهني بضم الهاء مقصور ومعنى الأول الهيئة والطريقة والثاني ضد الضلال قوله وشر الأمور محدثاتها الخ تقدم هذا الحديث بدون هذه الزيادة في كتاب الأدب وذكرت ما يدل على ان البخاري اختصره هناك ومما انبه عليه هنا قبل شرح هذه الزيادة ان ظاهر سياق هذا الحديث انه موقوف لكن القدر الذي له حكم الرفع منه قوله وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم فان فيه اخبارا عن صفة من صفاته صلى الله عليه وسلم وهو أحد أقسام المرفوع وقل من نبه على ذلك وهو كالمتفق عليه لتخريج المصنفين المقتصرين على الأحاديث المرفوعة الأحاديث الواردة في شمائله صلى الله عليه وسلم فان أكثرها يتعلق بصفة خلقه وذاته كوجهه وشعره وكذا بصفة خلقه كحلمه وصفحة وهذا مندرج في ذلك مع ان الحديث المذكور جاء عن بن مسعود مصرحا فيه بالرفع من وجه آخر أخرجه أصحاب السنن لكن ليس هو على شرط البخاري وأخرجه مسلم من حديث جابر مرفوعا أيضا بزيادة فيه وليس هو على شرطه أيضا وقد بينت ذلك في كتاب الأدب في باب الهدى الصالح و المحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فان كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد كما تقدم شرحه ومضى بيان ذلك قريبا في كتاب الأحكام وقد وقع في حديث جابر المشار اليه وكل بدعة ضلالة وفي حديث العرباض بن سارية وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة وهو حديث أوله وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة فذكره وفيه هذا أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه بن ماجة وابن حبان والحاكم وهذا الحديث في المعنى قريب من حديث عائشة المشار اليه وهو من جوامع الكلم قال الشافعي البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي وجاء عن الشافعي أيضا ما أخرجه البيهقي في مناقبه قال المحدثات ضربان ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة انتهى وقسم بعض العلماء البدعة الى الأحكام الخمسة وهو واضح وثبت عن بن مسعود انه قال قد أصبحتم على الفطرة وانكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأول فمما حدث تدوين الحديث ثم تفسير القرآن ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة عن الرأي المحض ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب فاما الأول فأنكره عمر وأبو موسى وطائفة ورخص فيه الأكثرون وأما الثاني فأنكره جماعة من التابعين كالشعبي واما الثالث فأنكره الامام أحمد وطائفة يسيرة وكذا اشتد إنكار أحمد للذي بعده ومما حدث أيضا تدوين القول في أصول الديانات فتصدى لها المثبتة والنفاة فبالغ الأول حتى شبه وبالغ الثاني حتى عطل واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور وسببه انهم تكلموا فيما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وثبت عن مالك انه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان وجعلوا كلام الفلاسفة أصلا يردون اليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا ان الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل وان من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف وان لم يكن له منه بد فليكتف منه بقدر الحاجة ويجعل الأول المقصود بالأصالة والله الموفق وقد أخرج أحمد بسند جيد عن غضيف بن الحارث قال بعث اليه عبد الملك بن مروان فقال انا قد جمعنا الناس على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة وعلى القصص بعد الصبح والعصر فقال أما انهما أمثل بدعكم عندي ولست بمجيبكم الى شيء منهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أحدث قوم بدعة الا رفع من السنة مثلها فتمسك بسنة خير من احداث بدعة انتهى وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي في أمر له أصل في السنة فما ظنك بما لا أصل له فيها فكيف بما يشتمل على ما يخالفها وقد مضى في كتاب العلم ان بن مسعود كان يذكر الصحابة كل خميس لئلا يملوا ومضى في كتاب الرقاق ان بن عباس قال حدث الناس كل جمعة فان أبيت فمرتين ونحوه وصية عائشة لعبيد بن عمير والمراد بالقصص التذكير والموعظة وقد كان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يكن يجعله راتبا كخطبة الجمعة بل بحسب الحاجة واما قوله في حديث العرباض فان كل بدعة ضلالة بعد قوله وإياكم ومحدثات الأمور فإنه يدل على ان المحدث يسمى بدعة وقوله كل بدعة ضلالة قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها أما منطقوها فكأن يقال حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدى فان ثبت ان الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان وانتجتا المطلوب والمراد بقوله كل بدعة ضلالة ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام وقوله في آخر حديث بن مسعود وان ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين أراد ختم موعظته بشيء من القرآن يناسب الحال وقال بن عبد السلام في أواخر القواعد البدعة خمسة أقسام فالواجبة كالاشتغال بالنحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى الا بذلك فيكون من مقدمة الواجب وكذا شرح الغريب وتدوين أصول الفقه والتوصل الى تمييز الصحيح والسقيم والمحرمة ما رتبه من خالف السنة من القدرية والمرجئة والمشبهة والمندوبة كل إحسان لم يعهد عينه في العهد النبوي كالاجتماع عن التراويح وبناء المدارس والربط والكلام في التصوف المحمود وعقد مجالس المناظرة ان أريد بذلك وجه الله والمباحة كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر والتوسع في المستلذات من أكل وشرب وملبس ومسكن وقد يكون بعض ذلك مكروها أو خلاف الأولى والله أعلم الحديث الرابع والخامس حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في قصة العسيف قالا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لاقضين بينكما بكتاب الله وهذا يوهم ان الخطاب لهما وليس كذلك وانما هو لوالد العسيف والذي استأجره لما تحاكما بسبب زنا العسيف بأمرأة الذي استأجره والقدر المذكور هنا طرف من القصة المذكورة واقتصر البخاري هنا عليه لدخوله في غرضه من أن السنة يطلق عليها كتاب الله لأنها بوحيه وتقديره لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وقد تقدم تقرير ذلك مع شرح الحديث في كتاب المحاربين المتعلق ببيان الحدود الحديث السادس

[ 6851 ] قوله فليح بالفاء والمهملة مصغر هو بن سليمان المدني وشيخه هلال بن علي هو الذي يقال له بن أبي ميمونة قوله كل أمتي يدخل الجنة الا من أبى بفتح الموحدة أي امتنع وظاهره ان العموم مستمر لأن كلا منهم لا يمتنع من دخول الجنة ولذلك قالوا ومن يأبى فبين لهم أن إسناد الامتناع إليهم عن الدخول مجاز عن الامتناع عن سنته وهو عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في أول الأحكام حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا من أطاعني فقد أطاع الله وتقدم شرحه مستوفى وأخرج أحمد والحاكم من طريق صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة رفعه لتدخلن الجنة الا من أبى وشرد على الله شراد البعير وسنده على شرط الشيخين وله شاهد عن أبي أمامة عند الطبراني وسنده جيد والموصوف بالآباء وهو الامتناع ان كان كافرا فهو لا يدخل الجنة أصلا وان كان مسلما فالمراد منعه من دخولها مع أول داخل الا من شاء الله تعالى الحديث السابع

[ 6852 ] قوله محمد بن عبادة بفتح المهملة وتخفيف الموحدة واسم جده البختري بفتح الموحدة وسكون المعجمة وفتح المثناة من فوق ثقة واسطي يكنى أبا جعفر ماله في البخاري الا هذا الحديث وآخر تقدم في كتاب الأدب وهو من الطبقة الرابعة من شيوخ البخاري ويزيد شيخه هو بن هارون قوله حدثنا سليم بن حيان وأثنى عليه أما سليم فبفتح المهملة وزن عظيم وأبوه بمهملة ثم تحتانيه ثقيلة والقائل وأثنى عليه هو محمد وفاعل أثنى هو يزيد قوله قال حدثنا أو سمعت القائل ذلك سعيد بن ميناء والشاك هو سليم بن حيان شك في أي الصيغتين قالها شيخه سعيد ويجوز في جابر ان يقرأ بالنصب وبالرفع والنصب أولى قوله جاءت ملائكة لم أقف على أسمائهم ولا أسماء بعضهم ولكن في رواية سعيد بن أبي هلال المعلقة عقب هذا عند الترمذي أن الذي حضر في هذه القصة جبريل وميكائيل ولفظه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال اني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي فيحتمل انه كان مع كل منهما غيره واقتصر في هذه الرواية على من باشر الكلام منهم ابتداء وجوابا ووقع في حديث بن مسعود عند الترمذي وحسنه وصححه بن خزيمة ان النبي صلى الله عليه وسلم توسد فخذه فرقد وكان إذا نام نفخ قال فبينا أنا قاعد إذ أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم بما بهم من الجمال فجلست طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة منهم عند رجليه قوله ان لصاحبكم هذا مثلا قال فاضربوا له مثلا كذا للأكثر وسقط لفظ قال من رواية أبي ذر قوله فقال بعضهم انه نائم الى قوله يقظان قال الرامهرمزي هذا تمثيل يراد به حياة القلب وصحة خواطره يقال رجل يقظ إذا كان ذكي القلب وفي حديث بن مسعود فقالوا بينهم ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي ان عينيه تنامان وقلبه يقظان أضربوا له مثلا وفي رواية سعيد بن أبي هلال فقال أحدهما لصاحبه اضرب له مثلا فقال اسمع سمع اذنك واعقل عقل قلبك انما مثلك ونحوه في حديث ربيعة الجرشي عند الطبراني زاد أحمد في حديث بن مسعود فقالوا اضربوا له مثلا ونؤول أو نضرب وأولوا وفيه ليعقل قلبك قوله مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة في حديث بن مسعود مثل سيد بنى قصرا وفي رواية أحمد بنيانا حصينا ثم جعل مأدبة فدعى الناس الى طعامه وشرابه فمن اجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبه أو قال عذبه وفي رواية أحمد عذب عذابا شديدا والمأدبة بسكون الهمزة وضم الدال بعدها موحدة وحكى الفتح وقال بن التين عن أبي عبد الملك الضم والفتح لغتان فصيحتان وقال الرامهرمزي نحوه في حديث القرآن مأدبة الله قال وقال لي أبو موسى الحامض من قاله بالضم أراد الوليمة ومن قاله بالفتح أراد أدب الله الذي أدب به عباده قلت فعلى هذا يتعين الضم قوله وبعث داعيا في رواية سعيد ثم بعث رسولا يدعو الناس الى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه قوله فقال بعضهم أولوها له يفقهها قيل يأخذ منه حجة لأهل التعبير ان التعبير إذا وقع في المنام أعتمد عليه قال بن بطال قوله أولوها له يدل على ان الرؤيا على ما عبرت في النوم انتهى وفيه نظر لاحتمال الاختصاص بهذه القصة لكون الرائي النبي صلى الله عليه وسلم والمرئي الملائكة فلا يطرد ذلك في حق غيرهم قوله فقال بعضهم انه نائم هكذا وقع ثالث مرة قوله فقالوا الدار الجنة أي الممثل بها زاد في رواية سعيد بن أبي هلال فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد رسول الله وفي حديث بن مسعود عند أحمد أما السيد فهو رب العالمين واما البنيان فهو الإسلام والطعام الجنة ومحمد الداعي فمن اتبعه كان في الجنة قوله فمن اطاع محمدا فقد أطاع الله أي لأنه رسول صاحب المأدبة فمن اجابه ودخل في دعوته أكل من المأدبة وهو كناية عن دخول الجنة ووقع بيان ذلك في رواية سعيد ولفظه وأنت يا محمد رسول الله فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها قوله ومحمد فرق بين الناس كذا لأبي ذر بتشديد الراء فعلا ماضيا ولغيره بسكون الراء والتنوين وكلاهما متجه قال الكرماني ليس المقصود من هذا التمثيل تشبيه المفرد بالمفرد بل تشبيه المركب بالمركب مع قطع النظر عن مطابقة المفردات من الطرفين انتهى وقد وقع في غير هذه الطريق ما يدل على المطابقة المذكورة زاد في حديث بن مسعود فلما استيقظ قال سمعت ما قال هؤلاء هل تدري من هم قلت الله ورسوله اعلم قال هم الملائكة والمثل الذي ضربوا الرحمن بنى الجنة ودعا إليها عباده الحديث تنبيه تقدم في كتاب الأدب من وجه آخر عن سليم بن حيان بهذا الإسناد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها الا موضع لبنة الحديث وهو حديث آخر وتمثيل فالحديث الذي في الأدب يتعلق بالنبوة وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وهذا يتعلق بالدعاء الى الإسلام وبأحوال من أجاب أو امتنع وقد وهم من خلطهما كأبي نيعم في المستخرج فإنه لما ضاق عليه مخرج حديث الباب ولم يجده مرويا عنده أورد حديث اللبنة ظنا منه انهما حديث واحد وليس كذلك لما بينته وسلم الإسماعيلي من ذلك فإنه لما لم يجده في مروياته أورده من روايته عن الفربري بالإجازة عن البخاري بسنده وقد روى يزيد بن هارون بهذا السند حديث اللبنة أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأمثال من طريق أحمد بن سنان الواسطي عنه وساق بهذا السند حديث مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا الحديث لكنه عن أبي هريرة لا عن جابر وقد ذكر الرامهرمزي حديث الباب في كتاب الأمثال معلقا فقال وروى يزيد بن هارون فساق السند ولم يوصل سنده بزيد وأورد معناه من مرسل الضحاك بن مزاحم قوله تابعه قتيبة عن ليث يعني بن سعد عن خالد يعني بن يزيد وهو أبو عبد الرحيم المصري أحد الثقات قوله عن سعيد بن أبي هلال عن جابر قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم هكذا اقتصر على هذا القدر من الحديث وظاهره ان بقية الحديث مثله وقد بينت ما بينهما من الاختلاف وقد وصله الترمذي عن قتيبة بهذا السند ووصله أيضا الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبو نعيم من طريق أبي العباس السراج كلاهما عن قتيبة ونسب السراج في روايته الليث وشيخه كما ذكرته قال الترمذي بعد تخريجه هذا حديث مرسل سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله قلت وفائدة إيراد البخاري له رفع التوهم عمن يظن ان طريق سعيد بن ميناء موقوفة لأنه لم يصرح برفع ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بهذه الطريق لتصريحها ثم قال الترمذي وجاء من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصح من هذا قال وفي الباب عن بن مسعود ثم ساقه بسنده الى بن مسعود وصححه وقد بينت ما فيه أيضا بحمد الله تعالى ووصف الترمذي له بأنه مرسل يريد أنه منقطع بين سعيد وجابر وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني فإنه ينحو سياقه وسنده جيد وسعيد بن أبي هلال غير سعيد بن ميناء الذي في السند الأول وكل منهما مدني لكن بن ميناء تابعي بخلاف بن أبي هلال والجمع بينهما اما بتعدد المرئي وهو واضح أو بأنه منام واحد حفظ فيه بعض الرواة ما لم يحفظ غيره وتقدم طريق الجمع بين اقتصاره على جبريل وميكائيل في حديث وذكره الملائكة بصيغة الجمع في الجانبين الدال على الكثرة في آخر وظاهر رواية سعيد بن أبي هلال ان الرؤيا كانت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لقوله خرج علينا فقال اني رأيت في المنام وفي حديث بن مسعود ان ذلك كان بعد أن خرج الى الجن فقرأ عليهم ثم أغفى عند الصبح فجاؤوا اليه حينئذ ويجمع بان الرؤيا كانت على ما وصف بن مسعود فلما رجع الى منزله خرج على أصحابه فقصها وما عدا ذلك فليس بينهما منافاة إذ وصف الملائكة برجال حسان يشير الى انهم تشكلوا بصورة الرجال وقد أخرج أحمد والبزار والطبراني من طريق علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن بن عباس نحو أول حديث سعيد بن أبي هلال لكن لم يسم الملكين وساق المثل على غير سياق من تقدم قال ان مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا الى رأس مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به فبينما هم كذلك إذا أتاهم رجل فقال أرأيتم ان وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أتتبعوني قالوا نعم فانطلق بهم فأوردهم فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم ان بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه وحياضا أروى من هذه فاتبعوني فقالت طائفة صدق والله لنتبعنه وقالت طائفة قد رضينا بهذا نقيم عليه وهذا ان كان محفوظا قوى الحمل على التعدد اما للمنام واما لضرب المثل ولكن علي بن زيد ضعيف من قبل حفظه قال بن العربي في حديث بن مسعود ان المقصود المأدبة وهو ما يؤكل ويشرب ففيه رد على الصوفية الذين يقولون لا مطلوب في الجنة الا الوصال والحق ان لا وصال لنا الا بانقضاء الشهوات الجثمانية والنفسانية والمحسوسة والمعقولة وجماع ذلك كله في الجنة انتهى وليس ما ادعاه من الرد بواضح قال وفيه ان من أجاب الدعوة أكرم ومن لم يجبها أهين وهو خلاف قولهم من دعوناه فلم يجبنا فله الفضل علينا فان أجابنا فلنا الفضل عليه فإنه مقبول في النظر واما حكم العبد مع المولى فهو كما تضمنه هذا الحديث الحديث الثامن

[ 6853 ] قوله سفيان هو الثوري وإبراهيم هو النخعي وهمام هو بن الحارث ورجال السند كلهم كوفيون قوله يا معشر القراء بضم القاف وتشديد الراء مهموز جمع قارىء والمراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العباد وسيأتي إيضاحه في الحديث الحادي عشر قوله استقيموا أي اسلكوا طريق الاستقامة وهي كناية عن التمسك بأمر الله تعالى فعلا وتركا وقوله فيه سبقتم هو بفتح أوله كما جزم به بن التين وحكى غيره ضمه والأول المعتمد زاد محمد بن يحيى الذهلي عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فان استقمتم فقد سبقتم أخرجه أبو نعيم في المستخرج وقوله سبقا بعيدا أي ظاهرا ووصفه بالبعد لأنه غاية شأو السابقين والمراد انه خاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق الى كل خير لأن من جاء بعده ان عمل بعمله لم يصل الى ما وصل اليه من سبقه الى الإسلام والا فهو أبعد منه حسا وحكما قوله فان أخذتم يمينا وشمالا أي خالفتم الأمر المذكور وكلام حذيفة منتزع من قوله تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله والذي له حكم الرفع من حديث حذيفة هذا الإشارة الى فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين مضوا على الاستقامة فاستشهدوا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أو عاشوا بعده على طريقته فاستشهدوا أو ماتوا على فرشهم الحديث التاسع حديث أبي موسى في النذير العريان وقد تقدم شرحه مستوفى في باب الانتهاء عن المعاصي من كتاب الرقاق وبريد بموحدة وراء مصغر هو بن عبد الله بن أبي بردة وأبو بردة شيخه هو جده وهو بن أبي موسى الأشعري الحديث العاشر حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال أهل الردة وقد تقدمت الإشارة اليه قريبا

[ 6855 ] قوله في آخره قال بن بكير يعني يحيى بن عبد الله بن بكير المصري وعبد الله يعني كاتب الليث وهو أبو صالح الخ ومراده ان قتيبة حدثه عن الليث بالسند المذكور فيه بلفظ لو منعوني كذا ووقع هنا في رواية الكشميهني كذا وكذا وحدثه به يحيى وعبد الله عن الليث بالسند المذكور بلفظ عناقا وقوله وهو أصبح أي من رواية من روى عقالا كما تقدمت الإشارة اليه في كتاب الزكاة أو أبهمه كالذي وقع هنا الحديث الحادي عشر

[ 6856 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس كما جزم به المزي واسم أبي أويس عبد الله المدني الأصبحي بن وهب هو عبد الله المصري ويونس هو بن يزيد الأيدي قوله قدم عيينة بتحتانية ونون مصغرا بن حصن بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين ثم نون بن حذيفة بن بدر يعني الفزاري معدود في الصحابة وكان في الجاهيلة موصوفا بالشجاعة والجهل والجفاء وله ذكر في المغازي ثم أسلم في الفتح وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فأعطاه مع المؤلفة وإياه عني العباس بن مرداس السلمي بقوله أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع وله ذكر مع الأقرع بن حابس سيأتي قريبا في باب ما يكره من التعمق وله قصة مع أبي بكر وعمر حين سأل أبا بكر ان يعطيه أرضا يقطعه إياها فمنعه عمر وقد ذكره البخاري في التاريخ الصغير وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع وكان عيينة ممن وافق طليحة الأسدي لما ادعى النبوة فلما غلبهم المسلمون في قتال أهل الردة فر طليحة وأسر عيينة فأتى به أبو بكر فاستتابه فتاب وكان قدومه الى المدينة على عمر بعد ان استقام أمره وشهد الفتوح وفيه من جفاء الأعراب شيء قوله على بن أخيه الحر بلفظ ضد العبد وقيس والد الحر لم أر له ذكرا في الصحابة وكأنه مات في الجاهلية والحر ذكره في الصحابة أبو علي بن السكن وابن شاهين وفي العتبية عن مالك قدم عيينة بن حصن المدينة فنزل على بن أخ له أعمى فبات يصلي فلما أصبح غدا الى المسجد فقال عيينة كان بن أخي عندي أربعين سنة لا يطيعني فما أسرع ما أطاع قريشا وفي هذا اشعار بأن أباه مات في الجاهلية قوله وكان من النفر الذين يدنيهم عمر بينا بعد ذلك السبب بقوله وكان القراء أي العلماء العباد أصحاب مجلس عمر فدل على ان الحر كان متصفا بذلك وتقدم في آخر سورة الأعراف ضبط قوله أو شبانا وانه بالوجهين وقوله ومشاورته بالشين المعجمة وبفتح الواو ويجوز كسرها قوله هل لك وجه عند هذا الأمير هذا من جملة جفاء عيينة إذ كان من حقه ان ينعته بأمير المؤمنين ولكنه لا يعرف منازل الأكابر قوله فتستأذن لي عليه أي في خلوة والا فعمر كان لا يحتجب الا وقت خلوته وراحته ومن ثم قال له سأستأذن لك عليه أي حتى تجتمع به وحدك قوله قال بن عباس فاستأذن لعيينة أي الحر وهو موصول بالإسناد المذكور قوله فلما دخل قال يا بن الخطاب في رواية شعيب عن الزهري الماضية في آخر تفسير الأعراف فقال هي بكسر ثم سكون وفي بعضها هيه بكسر الهاءين بينهما تحتانية ساكنة قال النووي بعد ان ضبطها هكذا هي كلمة تقال في الاستزادة ويقال بالهمزة بدل الهاء الأولى وسبق الى ذلك قاسم بن ثابت في الدلائل كما نقله صاحب المشارق فقال في قول بن الزبير أيها قوله إيه بهمز مكسور مع التنوين كلمة استزادة من حديث لا يعرف وتقول أيها عنا بالنصب أي كف قال وقال يعقوب يعني بن السكيت تقول لمن استزدته من عمل أو حديث ايه فان وصلت نونت فقلت ايه حدثنا وحكاه كذا في النهاية وزاد فإذا قلت إيها بالنصب فهو أمر بالسكوت وقال الليث قد تكون كلمة استزادة وقد تكون كلمة زجر كما يقال ايه عنا أي كف وقال الكرماني هيه هنا بكسر الهاء الأولى وفي بعض النسخ بهمزة بدلها وهو من أسماء الأفعال تقال لمن تستزيده كذا قال ولم يضبط الهاء الثانية ثم قال وفي بعض النسخ هي بحذف الهاء الثانية والمعنى واحد أو هو ضمير لمحذوف أي هي داهية أو القصة هذه انتهى واقتصر شيخنا بن الملقن في شرحه على قوله هي يا بن الخطاب بمعنى التهديد وله ووقع في تنقيح الزركشي فقال هيء يا بن الخطاب بكسر الهاء وآخره همزة مفتوحة تقول للرجل إذا استزدته هيه وايه انتهى وقوله وآخره همزة مفتوحة لا وجه له ولعله من الناسخ أو سقط من كلامه شيء والذي يقتضيه السياق انه أراد بهذة الكلمة الزجر وطلب الكف لا الازدياد وقد تقدم شيء من الكلام على هذه الكلمة في مناقب عمر وقوله يا بن الخطاب هذا أيضا من جفائه حيث خاطبه بهذه المخاطبة وقوله والله ما تعطينا الجزل بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها لام أي الكثير وأصل الجزل ما عظم من الحطب قوله ولا تحكم في رواية غير الكشميهني وما بالميم بدل اللام قوله حتى هم بان يقع به أي يضربه وفي رواية شعيب عن الزهري في التفسير حتى هم به وفي رواية فيه حتى هم أن يوقع به قوله فقال الحر يا أمير المؤمنين في رواية شعيب المذكورة فقال له الحر وفي رواية الإسماعيلي من طريق بشر بن شعيب عن أبيه عن الزهري فقال الحر بن قيس قلت يا أمير المؤمنين وهذا يقتضي ان يكون من رواية بن عباس عن الحر وأنه ما حضر القصة بل حملها عن صاحبها وهو الحر وعلى هذا فينبغي ان يترجم للحر في رجال البخاري ولم أر من فعله قوله ان الله قال لنبيه فذكر الآية ثم قال وان هذا من الجاهلين أي فأعرض عنه قوله فوالله ما جاوزها هو كلام بن عباس فيما أظن وجزم شيخنا بن الملقن بأنه كلام الحر وهو محتمل ويؤيده رواية الإسماعيلي المشار إليها ومعنى ما جاوزها ما عمل بغير ما دلت عليه بل عمل بمقتضاها ولذلك قال وكان وقافا عند كتاب الله أي يعمل بما فيه ولا يتجاوزه وفي هذا تقوية لما ذهب اليه الأكثر ان هذه الآية محكمة قال الطبري بعد أن أورد أقوال السلف في ذلك وان منهم من ذهب الى انها منسوخة بآية القتال والأولى بالصواب انها غير منسوخة لأن الله اتبع ذلك تعليمه نبيه محاجة المشركين ولا دلالة على النسخ فكأنها نزلت لتعريف النبي صلى الله عليه وسلم عشرة من لم يؤمر بقتاله من المشركين أو أريد به تعليم المسلمين وأمرهم بأخذ العفو من أخلاقهم فيكون تعليما من الله لخلقه صفة عشرة بعضهم بعضا فيما ليس بواجب فاما الواجب فلا بد من عمله فعلا أو تركا انتهى ملخصا وقال الراغب خذ العفو معناه خذ ما سهل تناوله وقيل تعاط العفو مع الناس والمعنى خذ ما عفى لك من أفعال الناس وأخلاقهم وسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى ينفروا وهو كحديث يسروا ولا تعسروا ومنهم قول الشاعر خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سوأتي حين أغضب وأخرج بن مردويه من حديث جابر وأحمد بن حديث عقبة بن عامر لما نزلت هذه الآية سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا محمد ان ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم الا أدلكم على أشرف أخلاق الدنيا والآخرة قالوا وما ذاك فذكره قال الطببي ما ملخصه أمر الله نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر أمته بنحو ما أمره الله به ومحصلهما الأمر بحسن المعاشرة مع الناس وبذل الجهد في الإحسان إليهم والمدارة معهم والاغضاء عنهم وبالله التوفيق وقد تقدم الكلام على معنى العرف المأمور به في الآية مستوفى في التفسير الحديث الثاني عشر

[ 6857 ] قوله حين خسفت الشمس في رواية المستملى كسفت وقوله فاجبناه في رواية الكشميهني فأجبنا وآمنا أي فأجبنا محمدا وآمنا بما جاء به وقد تقدم شرح حديث أسماء بنت أبي بكر هذا مستوفى في صلاة الكسوف الحديث الثالث عشر

[ 6858 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس كما جزم به الحافظ أبو إسماعيل الهروي وذكر في كتابه ذم الكلام انه تفرد به عن مالك وتابعه على روايته عن مالك عبد الله بن وهب كذا قال وقد ذكر الدارقطني معهما إسحاق بن محمد الفروي وعبد العزيز الأويسي وهما من شيوخ البخاري وأخرجه عن غرائب مالك التي ليست في موطأ من طرق هؤلاء الأربعة ومن طريق أبي قرة موسى بن طارق ومن طريق الوليد بن مسلم ومن طريق محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ثلاثتهم عن مالك أيضا فكلموا سبعة ولم يخرج البخاري الا في هذا الموضع من رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه مسلم من رواية المغيرة بن عبد الرحمن وسفيان وأبو عوانة من رواية ورقاء ثلاثتهم عن أبي الزناد ومسلم من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومن رواية همام بن منبه ومن رواية أبي صالح ومن رواية محمد بن زياد وأخرجه الترمذي من رواية أبي صالح كلهم عن أبي هريرة وسأذكر ما في روايتهم من فائدة زائدة قوله دعوني في رواية مسلم ذروني وهي بمعنى دعوني وذكر مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فقال عن أبي هريرة خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم الحديث وأخرجه الدارقطني مختصرا وزاد فيه فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم وله شاهد عن بن عباس عند الطبري في التفسير وفيه لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم الحديث وفيه فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم الآية وسيأتي بسط القول فيما يتعلق بالسؤال في الباب الذي يليه ان شاء الله تعالى قوله ما تركتكم أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء وانما غاير بين اللفظين لأنهم أماتوا الفعل الماضي واسم الفاعل منهما واسم مفعولهما وأثبتوا الفعل المضارع وهو يذر وفعل الأمر وهو ذر ومثله دع ويدع ولكن سمع ودع كما قرئ به في الشاذ في قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى قرأ بذلك إبراهيم بن أبي عبلة وطائفة وقال الشاعر
ونحن ودعنا آل عمرو بن عامر
فرائس أطراف المثقفة السمر ويحتمل ان يكون ذكر ذلك على سبيل التفنن في العبارة الا لقال اتركوني والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه وعن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة قال بن فرج معنى قوله ذروني ما تركتكم لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره كما أن قوله حجوا وان كان صالحا للتكرار فينبغي ان يكتفى بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فان الأصل عدم الزيادة ولا تكثروا التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي الى مثل ما وقع لبني إسرائيل إذا أمروا ان يذبحوا البقرة فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم وبهذا تظهر مناسبة قوله فانما هلك من كان قبلكم الى آخره بقوله ذروني ما تركتكم وقد أخرج البزار وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا لو اعترض بنو إسرائيل أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم وفي السند عباد بن منصور وحديثه من قبيل الحسن وأورده الطبري عن بن عباس موقوفا عن أبي العالية مقطوعا واستدل به على ان لا حكم قبل ورود الشرع وان الأصل في الأشياء عدم الوجوب قوله فانما أهلك بفتحات وقال بعد ذلك سؤالهم بالرفع على انه فاعل أهلك وفي رواية غير الكشميهني أهلك بضم أوله وكسر اللام وقال بعد ذلك بسؤالهم أي بسبب سؤالهم وقوله واختلافهم بالرفع وبالجر على الوجهين ووقع في رواية همام عند أحمد بلفظ فانما هلك وفيه بسؤالهم ويتعين الجر في واختلافهم وفي رواية الزهري فانما هلك وفيه سؤالهم ويتعين الرفع في واختلافهم وأما قول النووي في أربعينه واختلافهم برفع الفاء لا بكسرها فإنه باعتبار الرواية التي ذكرها وهي التي من طريق الزهري قوله فاذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه في رواية محمد بن زياد فانتهوا عنه هكذا رأيت هذا الأمر على تلك المقدمة والمناسبة فيه ظاهرة ووقع في أول رواية الزهري المشار إليها ما نهيتكم عنه فاجتنبوه فاقتصر عليها النووي في الأربعين وعزا الحديث للبخاري ومسلم فتشاغل بعض شراح الأربعين بمناسبة تقديم النهي على ما عداه ولم يعلم ان ذلك من تصرف الرواة وان اللفظ الذي أورده البخاري هنا أرجح من حيث الصناعة الحديثية لأنهما اتفقا على إخراج طريق أبي الزناد دون طريق الزهري وان كان سند الزهري مما عد في أصح الأسانيد فان سند أبي الزناد أيضا مما عد فيها فاستويا وزادت رواية أبي الزناد اتفاق الشيخين وظن القاضي تاج الدين في شرح المختصر ان الشيخين اتفقا على هذا اللفظ فقال بعد قول بن الحاجب الندب أي احتج من قال ان الأمر للندب بقوله إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم فقال الشارح رواه البخاري ومسلم ولفظهما وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم وهذا انما هو لفظ مسلم وحده ولكنه اغتر بما ساقه النووي في الأربعين ثم ان هذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى ما يكره المكلف على فعله كشرب الخمر وهذا على رأي الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها والصحيح عدم المؤاخذة إذا وجدت صورة الإكراه المعتبرة واستثنى بعض الشافعية من ذلك الزنا فقال لا يتصور الإكراه عليه وكأنه أراد التمادي فيه والا فلا مانع ان ينعظ الرجل بغير سبب فيكره على الايلاج حينئذ فيولج في الأجنبيه فان مثل ذلك ليس بمحال ولو فعله مختارا لكان زانيا فتصور الإكراه على الزنا واستدل به من قال لا يجوز التداوي بشيء محرم كالخمر ولا دفع العطش به ولا اساغة لقمة من غص به والصحيح عند الشافعية جواز الثالث حفظا للنفس فصار كأكل الميتة لمن اضطر بخلاف التداوي فإنه ثبت النهي عنه نصا ففي مسلم عن وائل رفعه انه ليس بدواء ولكنه داء ولأبي داود عن أبي الدرداء رفعه ولا تداووا بحرام وله عن أم سلمة مرفوعا ان الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وأما العطش فإنه لا ينقطع بشربها ولأنه في معنى التداوي والله اعلم والتحقيق أن الأمر باجتناب المنهي على عمومه ما لم يعارضه اذن في ارتكاب منهي كأكل الميتة للمضطر وقال الفاكهاني لا يتصور امتثال اجتناب المنهي حتى يترك جميعه فلو اجتنب بعضه لم يعد ممتثلا بخلاف الأمر يعني المطلق فان من أتى بأقل ما يصدق عليه الاسم كان ممتثلا انتهى ملخصا وقد أجاب هنا بن فرج بأن النهي يقتضي الأمر فلا يكن ممتثلا لمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدا من آحاد ما يتناوله النهي بخلاف الأمر فإنه على عكسه ومن ثم نشأ الخلاف هل الأمر بالشيء نهي عن ضده وبان النهي عن الشيء أمر بضده قوله وإذا أمرتكم بشيء في رواية مسلم بأمر فأتوا منه ما استطعتم أي افعلوا قدر استطاعتكم ووقع في رواية الزهري وما أمرتكم به وفي رواية همام المشار إليها وإذا امرتكم بالأمر فأتمروا ما استطعتم وفي رواية محمد بن زياد فافعلوا قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة واخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والامساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في اثناء النهار الى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها وقال غيره فيه ان من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور وعبر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم والمجبوب عن الزنا لأن الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود إذ لا يتصور منهما العود عادة فلا معنى للعزم على عدمه واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور انه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على ان ما وجب اداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح ان القضاء بأمر جديد واستدل بهذا الحديث على ان اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه اطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة وهذا منقول عن الامام أحمد فان قيل ان الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها فجوابه ان الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل والذي يظهر ان التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعي من الاعتناء به بل هو من جهة الكف إذ كل أحد قادر على الكف لو لا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فان العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي وعبر الطوفي في هذا الموضع بان ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه أو الاستمرار على عدمه وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم الى الوجود وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهي عنه قد تتخلف واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة وأجيب بان النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة وقال بن فرج في شرح الأربعين قوله فاجتنبوه هو على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان كما نطق به القرآن انتهى والتحقيق ان المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال وأجاب الماوردي بان الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو يشق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وأباح ترك العمل بالعذر لأن العمل قد يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي ان العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فان تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وزعم بعضهم ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم نسخ بقوله تعالى فاتقوا الله حق تقاته والصحيح ان لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز واستدل به على أن المكروه يجب اجتنابه لعموم الأمر باجتناب المنهي عنه فشمل الواجب والمندوب وأجيب بأن قوله فاجتنبوه يعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر وهو الأمر وقال الفاكهاني النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم وتارة لا معه وهو المكروه وظاهر الحديث يتناولهما واستدل به على ان المباح ليس مأمورا به لأن التأكيد في الفعل انما يناسب الواجب والمندوب وكذا عكسه وأجيب بان من قال المباح مأمور به لم يرد الأمر بمعنى الطلب وانما أراد بالمعنى الأعم وهو الإذن واستدل به على ان الأمر لا يقتضي التكرار ولا عدمه وقيل يقتضيه وقيل يتوقف فيما زاد على مرة وحديث الباب قد يتمسك به لذلك لما في سببه ان السائل قال في الحج أكل عام فلو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يحسن السؤال ولا العناية بالجواب وقد يقال انما سأل استظهارا و احتياطا وقال المازري يحتمل ان يقال ان التكرار انما احتمل من جهة ان الحج في اللغة قصد فيه تكرار فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة لا من صيغة الأمر وقد تمسك به من قال بايجاب العمرة لأن الأمر بالحج إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق وقد ثبت في الإجماع ان الحج لا يجب الا مرة فيكون العود اليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة واستدل به على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام لقوله ولو قلت نعم لوجبت وأجاب من منع باحتمال ان يكون أوحي اليه ذلك في الحال واستدل به على ان جميع الأشياء على الإباحة حتى يثبت المنع من قبل الشارع واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك قال البغوي في شرح السنة المسائل على وجهين أحدهما ما كان على وجه التعليم لما يحتاج اليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر الآية وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما ثانيهما ما كان على وجه التعنت والتكلف وهو المراد في هذا الحديث والله اعلم ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف فعند أحمد من حديث معاوية ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي هي شداد المسائل وقال الأوزاعي أيضا ان الله إذا أراد ان يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط فلقد رأيتهم أقل الناس علما وقال بن وهب سمعت مالكا يقول المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل وقال بن العربي كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية ان ينزل ما يشق عليهم فاما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع قال وانه لمكروه إن لم يكن حراما الا للعلماء فانهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم انتهى ملخصا وينبغي ان يكون محل الكراهة للعالم إذا شغله ذلك عما هو أعم منه وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر ولا سيما في المختصرات ليسهل تناوله والله المستعان وفي الحديث إشارة الى الاشتغال بالأهم المحتاج اليه عاجلا عما لا يحتاج اليه في الحال فكأنه قال عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم بها عوضا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع فينبغي للمسلم ان يبحث عما جاء عن الله ورسوله ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به ثم يتشاغل بالعمل به فان كان من العلميات يتشاغل بتصديقه واعتقاد حقيته وان كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلا وتركا فان وجد وقتا زائدا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به ان لو وقع فاما ان كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي الى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع مع الاعراض عن القيام بمقتضى ما سمع فان هذا مما يدخل في النهي فالتفقه في الدين انما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال وسيأتي بسط ذلك قريبا ان شاء الله تعالى

قوله باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم كأنه يريد ان يستدل بالآية على المدعي من الكراهة وهو مصير منه الى ترجيح بعض ما جاء في تفسيرها وقد ذكرت الاختلاف في سبب نزولها في تفسير سورة المائدة وترجيح بن المنير انه في كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وصنيع البخاري يقتضيه والأحاديث التي ساقها في الباب تؤيده وقد اشتد إنكار جماعة من الفقهاء ذلك منهم القاضي أبو بكر بن العربي فقال اعتقد قوم من الغافلين منع السؤال عن النوازل الى ان تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المسئلة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك انتهى وهو كما قال لأن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد الذي صدر به المصنف الباب من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته فان مثل ذلك قد أمن وقوعه ويدخل في معنى حديث سعد ما أخرجه البزار وقال سنده صالح وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء رفعه ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن ينسى شيئا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها وله شاهد من حديث سلمان أخرجه الترمذي وآخر من حديث بن عباس أخرجه أبو داود وقد أخرج مسلم وأصله في البخاري كما تقدم في كتاب العلم من طريق ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء وكان يعجبنا ان يجيء الرجل الغافل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فذكر الحديث ومضى في قصة اللعان من حديث بن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ولمسلم عن النواس بن سمعان قال أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة بالمدينة ما يمنعني من الهجرة الا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومراده انه قدم وافدا فاستمر بتلك الصورة ليحصل المسائل خشية أن يخرج من صفة الوفد الى استمرار الإقامة فيصير مهاجرا فيمتنع عليه السؤال وفيه إشارة الى ان المخاطب بالنهي عن السؤال غير الأعراب وفودا كانوا أو غيرهم وأخرج أحمد عن أبي امامة قال لما نزلت يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء الآية كنا قد اتقينا أن نسأله صلى الله عليه وسلم فأتينا أعرابيا فرشوناه بردا وقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي يعلى عن البراء ان كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء فأتهيب وان كنا لنتمنى الأعراب أي قدومهم ليسألوا فيسمعوهم أجوبة سؤالات الأعراب فيستفيدوها وأما ما ثبت في الأحاديث من أسئلة الصحابة فيحتمل ان يكون قبل نزول الآية ويحتمل ان النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج اليه مما تقرر حكمه أو ما لهم بمعرفته حاجة راهنة كالسؤال عن الذبح بالقصب والسؤال عن وجوب طاعة الأمراء إذا امروا بغير طاعة والسؤال عن أحوال يوم القيامة وما قبلها من الملاحم والفتن والأسئلة التي في القرآن كسؤالهم عن الكلالة والخمر والميسر والقتال في الشهر الحرام واليتامى والمحيض والنساء والصيد وغير ذلك لكن الذين تعلقوا في بالآية في كراهية كثرة المسائل عما لم يقع أخذوه بطريق الإلحاق من جهة ان كثرة السؤال لما كانت سببا للتكليف بما يشق فحقها ان تجتنب وقد عقد الامام الدارمي في أوائل مسنده لذلك بابا وأورد فيه عن جماعة من الصحابة والتابعين آثارا كثيرة في ذلك منها عن بن عمر لا تسألوا عما لم يكن فاني سمعت عمر يلعن السائل عما لم يكن وعن عمر أحرج عليكم ان تسألوا عما لم يكن فان لنا فيما كان شغلا وعن زيد بن ثابت انه كان إذا سئل عن الشيء يقول كان هذا فان قيل لا قال دعوه حتى يكون وعن أبي بن كعب وعن عمار نحو ذلك وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة مرفوعا ومن طريق طاوس عن معاذ رفعه لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فانكم ان تفعلوا لم يزل في المسلمين من إذا قال سدد أو وفق وان عجلتم تشتت بكم السبل وهما مرسلان يقوي بعض بعضا ومن وجه ثالث عن أشياخ الزبير بن سعيد مرفوعا لا يزال في أمتي من إذا سئل سدد و أرشد حتى عما يتساءلوا عما لم ينزل الحديث نحوه قال بعض الأئمة والتحقيق في ذلك ان البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما ان يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين ثانيهما ان يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بان يجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث بن مسعود رفعه هلك المتنطعون أخرجه مسلم فرأوا ان فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما ان لزم من ذلك اغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة الى أمثال ذلك مما لا يعرف الا بالنقل الصرف والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك مما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة وسيأتي مثال ذلك في حديث أبي هريرة رفعه لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله وهو ثامن أحاديث هذا الباب وقال بعض الشراح ومثال التنطع في السؤال حتى يفضي بالمسئول الى الجواب بالمنع بعد أن يفتى بالاذن ان يسأل عن السلع التي توجد في الأسواق هل يكره شراؤها ممن هي في يده من قبل البحث عن مصيرها اليه أو لا فيجيبه بالجواز فان عاد فقال أخشى أن يكون من نهب أو غصب ويكون ذلك الوقت قد وقع شيء من ذلك في الجملة فيحتاج ان يجيبه بالمنع ويقيد ذلك ان ثبت شيء من ذلك حرم وان تردد كره أو كان خلاف الأولى ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز وإذا تقرر ذلك فمن يسد باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما ان كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن في البحث عن معاني كتاب الله محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرا على ما يصلح للحجة منها فإنه الذي يحمد وينتفع به وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وتسموا خصوما وهم من أهل دين واحد والواسط هو المعتدل من كل شيء والى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي فانما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فان الاختلاف يجر الى عدم الانقياد وهذا كله من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم واما العمل بما ورد في الكتاب والسنة التشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى والانصاف ان يقال كلما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد في نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله بذلك أولى من اعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد في نفسه قصورا فاقباله على العبادة أولى لعسر اجتماع الأمرين فان الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام باعراضه والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فاته الأمران لعدم حصول الأول له واعراضه به عن الثاني والله الموفق ثم المذكور في الباب تسعة أحاديث بعضها يتعلق بكثرة المسائل وبعضها يتعلق بتكليف ما لا يعني السائل وبعضها بسبب نزول الآية الحديث الأول وهو يتعلق بالقسم الثاني وكذا الحديث الثاني والخامس

[ 6859 ] قوله حدثنا سعيد هو بن أبي أيوب كذا وقع من وجهين آخرين عند الإسماعيلي و أبي نعيم وهو الخزاعي المصري يكنى أبا يحيى واسم أبي أيوب مقلاص بكسر الميم وسكون القاف وآخره مهملة كان سعيد ثقة ثبتا وقال بن يونس كان فقيها ونقل عن بن وهب انه قال فيه كان فهما قلت وروايته عن عقيل وهو بن خالد تدخل في رواية الأقران فإنه من طبقته وقد أخرج مسلم هذا الحديث من رواية معمر ويونس وابن عيينة وإبراهيم بن سعد كلهم عن بن شهاب وساقه على لفظ إبراهيم بن سعد ثم بن عيينة قوله عن أبيه في رواية يونس انه سمع سعدا قوله ان أعظم المسلمين جرما زاد في رواية مسلم ان أعظم المسلمين في المسلمين جرما قال الطيبي فيه من المبالغة انه جعله عظيما ثم فسره بقوله جرما ليدل على أنه نفسه جرم قال وقوله في المسلمين أي في حقهم قوله عن شيء في رواية سفيان أمر قوله لم يحرم زاد مسلم على الناس وله في رواية إبراهيم بن سعد لم يحرم على المسلمين وله في رواية معمر رجل سأل عن شيء ونقر عنه وهو بفتح النون وتشديد القاف بعدها راء أي بالغ في البحث عنه والاقتصاء قوله فحرم بضم أوله وتشديد الراء وزاد مسلم عليهم وله من رواية سفيان على الناس وأخرج البزار من وجه آخر عن سعد بن أبي وقاص قال كان الناس يتساءلون عن الشيء من الأمر فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم وهو حلال فلا يزالون يسألونه عنه حتى يحرم عليهم قال بن بطال عن المهلب ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن الله يفعل شيئا من أجل شيء وليس كذلك بل هو على كل شيء قدير فهو فاعل السبب والمسبب كل ذلك بتقديره ولكن الحديث محمول على التحذير مما ذكر فعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله وقال غيره أهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل وانما ينكرون وجوبه فلا يمتنع ان يكون المقدر الشيء الفلاني تتعلق به الحرمة ان سئل عنه فقد سبق القضاء بذلك لا ان السؤال علة التحريم وقال بن التين قيل الجرم اللاحق به الحاق المسلمين المضرة لسؤاله وهي منعهم التصرف فيما كان حلالا قبل مسألته وقال عياض المراد بالجرم هنا الحدث على المسلمين لا الذي هو بمعنى الإثم المعاقب عليه لأن السؤال كان مباحا ولهذا قال سلوني وتعقبه النووي فقال هذا الجواب ضعيف بل باطل والصواب الذي قاله الخطابي والتيمي وغيرهما أن المراد بالجرم الإثم والذنب وحملوه على من سأل تكلفا وتعنتا فيما لا حاجة له به اليه وسبب تخصيصه ثبوت الأمر بالسؤال عما يحتاج اليه لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر فمن سأل عن نازلة وقعت له لضرورته إليها فهو معذور فلا اثم عليه ولا عتب فكل من الأمر بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى قال ويؤخذ منه ان من عمل شيئا أضر به غيره كان آثما وسبك منه الكرماني سؤالا وجوابا فقال السؤال ليس بجريمة ولئن كانت فليس بكبيرة ولئن كانت فليس بأكبر الكبائر وجوابه ان السؤال عن الشيء بحيث يصير سببا لتحريم شيء مباح هو أعظم الجرم لأنه صار سببا لتضييق الأمر على جميع المكلفين فالقتل مثلا كبيرة ولكن مضرته راجعة الى المقتول وحده أو الى من هو منه بسبيل بخلاف صورة المسألة فضررها عام للجميع وتلقى هذا الأخير من الطيبي استدلالا وتمثيلا وينبغي ان يضاف اليه ان السؤال المذكور انما صار كذلك بعد ثبوت النهي عنه فالاقدام عليه حرام فيترتب عليه الإثم ويتعدى ضرره بعظم الإثم والله أعلم ويؤيد ما ذهب اليه الجماعة من تأويل الحديث المذكور ما أخرجه الطبري من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن الحج أفي كل عام لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتم لضللتم وله من طريق أبي عياض عن أبي هريرة ولو تركتموه لكفرتم وبسند حسن عن أبي امامة مثله وأصله في مسلم عن أبي هريرة بدون الزيادة وإطلاق الكفر اما على من جحد الوجوب فهو على ظاهره واما على من ترك مع الإقرار فهو على سبيل الزجر والتغليظ ويستفاد منه عظم الذنب بحيث يجوز وصف من كان السبب في وقوعه بأنه وقع في أعظم الذنوب كما تقدم تقريره والله اعلم وفي الحديث ان الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك الحديث الثاني

[ 6860 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور لقوله حدثنا عفان وإسحاق بن راهويه انما يقول انا ولأن أبا نعيم أخرجه من طريق أبي خيثمة عن عفان ولو كان في مسند إسحاق لما عدل عنه قوله اتخذ حجرة بالراء للأكثر والمستملي بالزاي وهما بمعنى قوله من صنيعكم في رواية السرخسي صنعكم بضم أوله وسكون النون وهما بمعنى وقد تقدم بعض من شرح هذا الحديث في الباب الذي قبل باب إيجاب التكبير فذكر أبواب صفة الصلاة وساقه هناك عن عبد الأعلى عن وهيب وتقدمت سائر فوائده في شرح حديث عائشة في معناه في باب ترك قيام الليل من أبواب التهجد ولله الحمد والذي يتعلق بهذه الترجمة من هذا الحديث ما يفهم من إنكاره صلى الله عليه وسلم ما صنعوا من تكلف ما لم يأذن لهم فيه من التجميع في المسجد في صلاة الليل الحديث الثالث وهو يتعلق بالقسم الأول وكذا الرابع والثامن والتاسع حديث أبي موسى قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثروا عليه المسألة غضب عرف من هذه الأسئلة ما تقدم في تفسير المائدة في بيان المسائل المرادة بقوله تعالى لا تسألوا عن أشياء ومنها سؤال من سأل أين ناقتي وسؤال من سأل عن البحيرة والسائبة وسؤال من سأل عن وقت الساعة وسؤال من سأل عن الحج أيجب كل عام وسؤال من سأل ان يحول الصفا ذهبا وقد وقع في حديث أنس من رواية هشام وغيره عن قتادة عنه في الدعوات وفي الفتن سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ومعنى أحفوه وهو بالمهملة والفاء أكثروا عليه حتى جعلوه كالحافي يقال أحفاه في السؤال إذا ألح عليه

[ 6861 ] قوله وقال سلوني في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال لا تسألوني عن شيء الا بينته لكم وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم فخرج ذات يوم حتم صعد المنبر وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك وانه بعد أن صلى الظهر ولفظه خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ثم قال من أحب ان يسأل عن شيء فليسأل عنه فذكر نحوه قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي بين في حديث أنس من رواية الزهري أسمه وفي رواية قتادة سبب سؤاله قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعى الى غير أبيه وذكرت اسم السائل الثاني وانه سعد واني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام اليه رجل فقال أين مدخلي يا رسول الله قال النار ولم أقف على اسم هذا الرجل في شيء من الطرق كأنهم ابهموه عمدا للستر عليه وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه وزاد وسأله رجل في الجنة أنا قال في الجنة ولم أقف على اسم هذا الآخر ونقل بن عبد البر عن رواية مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته لا يسألني أحد عن شيء الا أخبرته ولو سألني عن أبيه فقام عبد الله بن حذافة وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره وفيه فقام سعد مولى شيبة فقال من أنا يا رسول الله قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة وفيه فقام رجل من بني أسد فقال أين أنا قال في النار فذكر قصة عمر قال فنزلت يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء الآية ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال وبهذه الزيادة يتضح ان هذه القصة سبب نزول لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم فان المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة فانها بطريق الجواز أي لو قدر انه في نفس الأمر لم يكن لأبيه فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته على هذا السؤال كما تقدم في كتاب الفتن قوله فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب بين في حديث أنس ان الصحابة كلهم فهموا ذلك ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي وزاد في رواية سعيد بن بشير وظنوا ان ذلك بين يدي أمر قد حضر وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة فغطوا رؤوسهم لهم حنين زاد مسلم من هذا الوجه فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد منه قوله فقال انا نتوب الى الله عز وجل زاد في رواية الزهري فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة فقام اليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله ربا فذكر مثله وزاد وبالقرآن إماما فاعف عفى الله عنك فلم يزل به حتى رضي وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وشدة اشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لأمر يعم فيعمهم وادلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل وجواز الغضب في الموعظة وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شيء قد يظهر منه قرينة وقوعها واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفى الله عنك والا فالنبي صلى الله عليه وسلم معفو عنه قبل ذلك قال بن عبد البر سئل مالك عن معنى النهي من كثرة السؤال فقال ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل أو عن مسألة الناس المال قال بن عبد البر الظاهر الأول واما الثاني فلا معنى للتفرقة بين كثرته وقلته لا حيث يجوز ولا حيث لا يجوز قال وقيل كانوا يسألون عن الشيء ويلحون فيه الى ان يحرم قال وأكثر العلماء على ان المراد كثرة السؤال عن النوازل والأغلوطيات والتوليدات كذا قال وقد تقدم الإلمام بشيء من ذلك في كتاب العلم الحديث الرابع

[ 6862 ] قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل وعبد الملك هو بن عمير قوله وكتب اليه هو معطوف على قوله فكتب اليه وهو موصول بالسند المذكور وقد أفرد كثير من الرواة أحد الحديثين عن الآخر والغرض من إيراده هنا انه كان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وقد تقدم البحث في المراد بكثرة السؤال في كتاب الرقاق هل هو خاص بالمال أو بالأحكام أو لأعم من ذلك والأولى حمله على العموم لكن فيما ليس للسائل به احتياج كما تقدم ذكره وتقدم شرح الحديث الأول في الدعوات والثاني في الرقاق الحديث الخامس

[ 6863 ] قوله عن أنس كنا عند عمر فقال نهينا عن التكلف هكذا أورده مختصرا وذكر الحميدي انه جاء في رواية أخرى عن ثابت عن أنس ان عمر قرأ فاكهة وأبا فقال ما الأب ثم قال ما كلفنا أو قال ما أمرنا بهذا قلت هو عند الإسماعيلي من رواية هشام عن ثابت وأخرجه من طريق يونس بن عبيد عن ثابت بلفظ ان رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله وفاكهة وأبا ما الأب فقال عمر نهينا عن التعمق والتكلف وهذا أولى أن يكمل به الحديث الذي أخرجه البخاري وأولى منه ما أخجره أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي مسلم الكجي عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه ولفظه عن أنس كنا عند عمر وعليه قميص في ظهره أربع رقاع فقرأ وفاكهة وأبا فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ثم قال مه نهينا عن التكلف وقد أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن سليمان بن حرب بهذا السند مثله سواء وأخرجه أيضا عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة بدل حماد بن زيد وقال بعد قوله فما الأب ثم قال يا بن أم عمر ان هذا له التكلف وما عليك أن لا تدري ما الأب وسليمان بن حرب سمع من الحمادين لكنه اختص بحماد بن زيد فإذا أطلق قوله حدثنا حماد فهو بن زيد وإذا روى عن حماد بن سلمة نسبه وأخرج عبد بن حميد أيضا من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أنس أنه أخبره انه سمع عمر يقول فأنبتنا فيه حبا وعنبا الآية الى قوله وأبا قال كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رمى عصى كانت في يده ثم قال هذا لعمر الله التكلف اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب وأخرجه الطبري من وجهين آخرين عن الزهري وقال في آخره اتبعوا ما بين لكم في الكتاب وفي لفظ ما بين لكم فعليكم به وما لا فدعوه وأخرج عبد بن حميد أيضا من طريق إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن زيد ان رجلا سأل عمر عن فاكهة وأبا فلما رآهم عمر يقولون أقبل عليهم بالدرة ومن وجه آخر عن إبراهيم النخعي قال قرأ أبو بكر الصديق وفاكهة وأبا فقيل ما الأب فقيل كذا وكذا وقال أبو بكر ان هذا له التكلف أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم وهذا منقطع بين النخعي والصديق وأخرج أيضا من طريق إبراهيم التيمي ان أبا بكر سئل عن الأب ما هو فقال أي سماء تظلني فذكر مثله وهو منقطع أيضا لكن أحدهما يقوي الآخر وأخرج الحاكم في تفسير آل عمران من المستدرك من طريق حميد عن أنس قال قرأ عمر وفاكهة وأبا فقال بعضهم كذا وقال بعضهم كذا فقال عمر دعونا من هذا آمانا به كل من عند ربنا وأخرج الطبري من طريق موسى بن أنس نحوه ومن طريق معاوية بن قرة ومن طريق قتادة كلاهما عن أنس كذلك وقد جاء ان بن عباس فسر الأب عند عمر فأخرج عبد بن حميد أيضا من طريق سعيد بن جبير قال كان عمر يدني بن عباس فذكر نحو القصة الماضية في تفسير إذا جاء نصر الله وفي آخرها وقال تعالى انا صببنا الماء صبا الى قوله وأبا قال فالسبعة رزق لبني آدم والأب ما تأكل الأنعام ولم يذكر ان عمر انكر عليه ذلك وأخرج الطبري بسند صحيح عن عاصم بن كليب عن أبيه عن بن عباس قال الأب ما تنبته الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس وأخرج عن عدة من التابعين نحوه ثم أخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس بسند صحيح قال الأب الثمار الرطبة وهذا أخرجه بن أبي حاتم بلفظ وفاكهة وأبا قال الثمار الرطبة وكأنه سقط منه واليابسة فقد أخرج أيضا من طريق عكرمة عن بن عباس بسند حسن الأب الحشيش للبهائم وفيه قول آخر أخرجه من طريق عطاء قال كل شيء ينبت على وجه الأرض فهو أب فعلى هذا فهو من العام بعد الخاص ومن طريق الضحاك قال الأب كل شيء أنبتت الأرض سوى الفاكهة وهذا أعم من الأول وذكر بعض أهل اللغة أن الأب مطلق المرعى واستشهد بقول الشاعر له دعوة ميمونة ريحها الصبا بها ينبت الله الحصيدة والأبا وقيل الأب يابس الفاكهة وقيل انه ليس بعربي ويؤيده خفاؤه على مثل أبي بكر وعمر تنبيه في أخراج البخاري هذا الحديث في آخر الباب مصير منه الى ان قول الصحابي أمرنا ونهينا في حكم المرفوع ولو لم يضفه الى النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم اقتصر على قوله نهينا عن التكلف وحذف القصة الحديث السادس وهو يتعلق بالقسم الثالث وكذا الرابع حديث أنس وهو في معنى الحديث الرابع وقد مضى شرحه أورده من وجهين عن الزهري وساقه هنا على لفظ معمر وفي باب وقت الظهر من كتاب الصلاة بلفظ شعيب وهما متقاربان ووقع هنا فأكثر الأنصار البكاء في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فأكثر والناس وهي الصواب وكذا وقع في رواية معمر وغيره ووقع هنا فذكر الساعة وذكر ان بين يديها أمور عظاما وفي رواية شعيب وذكر أن فيها أمورا عظاما وزاد هنا فقام رجل فقال أين مدخلي الخ ووقع هنا وبمحمد رسولا وفي رواية شعيب ومحمد نبيا ووقع هنا فسكت حين قال ذلك عمر ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أولى وسقط هذا كله من رواية شعيب قال المبرد يقال للرجل إذا أفلت من معضلة أولى لك أي كدت تهلك وقال غيره هي بمعنى التهديد والوعيد الحديث السابع حديث أنس أيضا من رواية ابنه موسى عنه وأوده مختصرا وقد تقدم ما فيه الحديث الثامن

[ 6866 ] قوله ورقاء بقاف ممدود وهو بن عمر اليشكري وشيخه عبد الله بن عبد الرحمن هو بن معمر بن حزم الأنصاري أبو طوالة بضم الطاء المهملة مشهور بكنيته قوله لن يبرح الناس يتساءلون في رواية المستملي يسألون وعند مسلم في رواية عروة عن أبي هريرة لا يزال الناس يتساءلون قوله هذا الله خالق كل شيء في رواية عروة هذا خلق الله الخلق ولمسلم أيضا وهو في رواية البخاري في بدء الخلق من رواية عروة أيضا يأتي الشيطان العبد أو أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى يقول من خلق ربك وفي لفظ لمسلم من خلق السماء من خلق الأرض فيقول الله ولأحمد والطبراني من حديث خزيمة بن ثابت مثله ولمسلم من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة حتى يقولوا هذا الله خلقنا وله في رواية يزيد بن الأصم عنه حتى يقولوا الله خلق كل شيء وفي رواية المختار بن فلفل عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ان أمنك لا تزال تقول ما كذا وكذا حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق وللبزار من وجه آخر عن أبي هريرة لا يزال الناس يقولون كان الله قبل كل شيء فمن كان قبله قال التوربشتي قوله هذا خلق الله الخلق يحتمل ان يكون هذا مفعولا والمعنى حتى يقال هذا القول وان يكون مبتدأ حذف خبره أي هذا الأمر قد علم وعلى اللفظ الأول يعني رواية أنس عند مسلم هذا الله مبتدأ وخبر أو هذا مبتدأ والله عطف بيان وخلق الخلق خبره قال الطيبي والأول أولى ولكن تقديره هذا مقرر معلوم وهو ان الله خلق الخلق وهو شيء وكل شيء مخلوق فمن خلقه فيظهر ترتيب ما بعد الفاء على ما قبلها قوله فمن خلق الله في رواية بدء الخلق من خلق ربك وزاد فإذا بلغه فلستعذ بالله ولينته وفي لفظ لمسلم فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله وزاد في أخرى ورسله ولأبي داود والنسائي من الزيادة فقولوا الله أحد الله الصمد السورة ثم ليتفل عن يساره ثم ليستعذ ولأحمد من حديث عائشة فإذا وجد أحكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فان ذلك يذهب عنه ولمسلم في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة نحو الأول وزاد فبينما انا في المسجد إذا جاءني ناس من الأعراب فذكر سؤالهم عن ذلك وانه رماهم بالحصى وقال صدق خليلي وله في رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة صدق الله ورسوله قال بن بطال في حديث أنس الإشارة الى ذم كثرة السؤال لأنها تفضي الى المحذور كالسؤال المذكور فإنه لا ينشأ الا عن جهل مفرط وقد ورد بزيادة من حديث أبي هريرة بلفظ لا يزال الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق الله فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله وفي رواية ذاك صريح الإيمان ولعل هذ الذي أراد الصحابي فيما أخرجه أبو داود من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال جاء ناس الى النبي صلى الله عليه وسلم من اصحابة فقالوا يا رسول الله انا نجد في أنفسنا الشيء يعظم ان نتكلم به ما نحب ان لنا الدنيا وانا تكلمنا به فقال أوقد وجدتموه ذلك صريح الإيمان ولابن أبي شيبة من حديث بن عباس جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني أحدث نفسي بالأمر لأن أكون حممة أحب الي من ان اتكلم به قال الحمد لله الذي رد أمره الى الوسوسة ثم نقل الخطابي المراد بصريح الإيمان هو الذي يعظم في نفوسهم ان تكلموا به ويمنعهم من قبول ما يلقي الشيطان فلولا ذلك لم يتعاظم في أنفسهم حتى أنكروه وليس المراد ان الوسوسة نفسها صريح الإيمان بل هي من قبل الشيطان وكيده وقال الطيبي قوله نجد في أنفسنا الشيء أي القبيح نحو ما تقدم في حديث أنس وأبي هريرة وقوله يعظم ان نتكلم به أي للعلم بأنه لا يليق ان نعتقده وقوله ذاك صريح الإيمان أي علمكم بقبيح تلك الوساوس وامتناع قبولكم ووجودكم النفرة عنها دليل على خلوص ايمانكم فان الكافر يصر على ما في قلبه من المحال ولا ينفر عنه وقوله في الحديث الآخر فليستعذ بالله ولينته أي يترك التفكر في ذلك الخاطر ويستعيذ بالله إذا لم يزل عنه التفكر والحكمة في ذلك ان العلم باستغناء الله تعالى عن كل ما يوسوسه الشيطان أمر ضروري لا يحتاج للاحتجاج والمناظرة فان وقع شيء من ذلك فهو من وسوسة الشيطان وهي غير متناهية فمهما عورض بحجة يجد مسلكا آخر من المغالطة والاسترسال فيضيع الوقت ان سلم من فتنته فلا تدبير في دفعه أقوى من الالجاء الى الله تعالى بالاستعاذة به كما قال تعالى واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله الآية وقال في شرح الحديث الذي فيه فليقل الله الأحد الصفات الثلاث منبهة على ان الله تعالى لا يجوز ان يكون مخلوقا أما أحد فمعناه الذي لا ثاني له ولا مثل فلو فرض مخلوقا لم يكن أحدا على الإطلاق وسيأتي مزيد لهذا في شرح حديث عائشة في أول كتاب التوحيد وقال المهلب قوله صريح الإيمان يعني الانقطاع في إخراج الأمر الى ما لا نهاية له فلا بد عند ذلك من إيجاب خالق لا خالق له لأن المتفكر العاقل يجد للمخلوقات كلها خالقا لأثر الصنعة فيها والحدث الجاري عليها والخالق بخلاف هذه الصفة فوجب ان يكون لكل منها خالق لا خالق له فهذا هو صريح الإيمان لا البحث الذي هو من كيد الشيطان المؤدي الى الحيرة وقال بن بطال فان قال الموسوس فما المانع ان يخلق الخالق نفسه قيل له هذا ينقض بعضه بعضا لأنك اثبت خالقا وأوجبت وجوده ثم قلت يخلق نفسه فأوجبت عدمه والجمع بين كونه موجودا معدوما فاسد لتناقضه لأن الفاعل يتقدم وجوده على وجود فعله فيستحيل كون نفسه فعلا له قال وهذا واضح في حل هذه الشبهة وهو يفضي الى صريح الإيمان انتهى ملخصا موضحا وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم فعزوه اليه أولى ولفظه انا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا ان يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الإيمان وأخرج بعده من حديث بن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقال تلك محض الإيمان وحديث بن عباس أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن حبان وقال بن التين لو جاز لمخترع الشيء ان يكون له مخترع لتسلسل فلا بد من الانتهاء الى موجد قديم والقديم من لا يتقدمه شيء ولا يصح عدمه وهو فاعل لا مفعول وهو الله تبارك وتعالى وقال الكرماني ثبت ان معرفة الله بالدليل فرض عين أو كفاية والطريق إليها بالسؤال عنها متعين لأنها مقدمتها لكن لما عرف بالضرورة ان الخالق غير مخلوق أو بالكسب الذي يقارب الصدق كان السؤال عن ذلك تعنتا فيكون الذم يتعلق بالسؤال الذي يكون على سبيل التعنت والا فالتوصل الى معرفة ذلك وإزالة الشبهة عنه صريح الإيمان إذ لا بد من الانقطاع الى من يكون له خالق دفعا للتسلسل وقد تقدم نحو هذا في صفة إبليس من بدء الخلق وما ذكره من ثبوت الوجوب يأتي البحث فيه ان شاء الله تعالى في أول كتاب التوحيد ويقال ان نحو هذه المسألة وقعت في زمن الرشيد في قصة له مع صاحب الهند وانه كتب اليه هل يقدر الخالق ان يخلق مثله فسأل أهل العلم فبدر شاب فقال هذا السؤال محال لأن المخلوق محدث والمحدث لا يكون مثل القديم فاستحال ان يقال يقدر ان يخلق مثله أو لا يقدر كما يستحيل ان يقال في القادر العالم يقدر ان يصير عاجزا جاهلا الحديث التاسع حديث بن مسعود في سؤال اليهود عن الروح وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة سبحان وقوله

[ 6867 ] في هذه الرواية فقام ساعة فنظر فعرفت انه يوحى اليه فتأخرت حتى صعد الوحي ظاهر في انه أجابهم في ذلك الوقت وهو يرد على ما وقع في مغازي موسى بن عقبة وسير سليمان التيمي ان جوابه تأخر ثلاثة أيام وفي سيرة بن إسحاق انه تأخر خمسة عشر يوما وسيأتي البحث في شيء منه بعد أربعة أبواب ان شاء الله تعالى

قوله باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم الأصل فيه قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقد ذهب جمع الى وجوبه لدخوله في عموم الأمر بقوله تعالى وما أتاكم الرسول فخذوه وبقوله فاتبعوني يحببكم الله وبقوله تعالى فاتبعوه فيجب اتباعه في فعله كما يجب في قوله حتى يقوم دليل على الندب أو الخصوصية وقال آخرون يحتمل الوجوب والندب والاباحة فيحتاج الى القرينة والجمهور للندب إذا ظهر وجه القربة وقيل ولو لم يظهر ومنهم من فصل بين التكرار وعدمه وقال آخرون ما يفعله صلى الله عليه وسلم ان كان بيانا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل وجوبا أو ندبا أو إباحة فان ظهر وجه القربة فللندب وما لم يظهر فيه وجه التقرب فللاباحة واما تقريره على ما يفعل بحضرته فيدل على الجواز والمسألة مبسوطة في أصول الفقه ويتعلق بها تعارض قوله وفعله ويتفرع من ذلك حكم الخصائص وقد أفردت بالتصنيف ولشيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي فيه مصنف جليل وحاصل ما ذكر فيه ثلاث أقوال أحدها يقدم القول لأن له صيغة تتضمن المعاني بخلاف الفعل ثانيها الفعل لأنه لا يطرقه من الاحتمال ما يطرق القول ثالثها يفزع الى الترجيح وكل ذلك محله ما لم تقد قرينة تدل على الخصوصية وذهب الجمهور الى الأول والحجة له ان القول يعبر به عن المحسوس والمعقول بخلاف الفعل فيختص بالمحسوس فكان القول أتم وبأن القول متفق على انه دليل بخلاف الفعل ولأن القول يدل بنفسه بخلاف الفعل فيحتاج الى واسطة وبأن تقديم الفعل يفضي الى ترك العمل بالقول والعمل بالقول يمكن معه العمل بما دل عليه الفعل فكان القول أرجح بهذه الاعتبارات

[ 6868 ] قوله حدثنا سفيان هو الثوري كما جزم به المزي قوله عن بن عمر في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي نعيم بسنده سمعت بن عمر قوله فاتخذ الناس خواتيم من ذهب وفيه فنبذه وقال اني لم ألبسه ابدا فنبذ الناس خواتيمهم اقتصر على هذ المثال لاشتماله على تأسيهم به بالفعل والترك وقد تقدم شرح ما يتعلق بخاتم الذهب في كتاب اللباس قال بن بطال بعد ان حكى الاختلاف في أفعاله عليه الصلاة والسلام محتجا لمن قال بالوجوب بحديث الباب لأنه خلع خاتمه فخلعوا خواتمهم ونزع نعله في الصلاة فنزعوا ولما أمرهم عام الحديبية بالتحلل وتأخروا عن المبادرة رجاء ان يأذن لهم في القتال وان ينصروا فيكملوا عمرتهم قالت له أم سلمة أخرج إليهم واحلق واذبح ففعل فتابعوه مسرعين فدل ذلك على ان الفعل أبلغ من القول ولما نهاهم عن الوصال قالوا انك تواصل فقال اني أطعم واسقى فلولا ان لهم الاقتداء به لقال وما في مواصلتي ما يبيح لكم الوصال لكنه عدل عن ذلك وبين لهم وجه اختصاصه بالمواصلة انتهى وليس في جميع ما ذكره ما يدل على المدعى من الوجوب بل على مطلق التأسي به والعلم عند الله تعالى

قوله باب ما يكره من التعمق والتنازع زاد غير أبي ذر في العلم وهو يتعلق بالتنازع والتعمق معا كما أن قوله والغلو في الدين والبدع يتناولهما وقوله لقول الله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق صدر الآية يتعلق بفروع الدين وهي المعبر عنه في الترجمة بالعلم وما بعده يتعلق بأصوله فاما التعمق فهو بالمهملة وبتشديد الميم ثم قاف ومعناه التشديد في الأمر حتى يتجاوز الحد فيه وقد وقع شرحه في الكلام على الوصال في الصيام حيث قال حتى يدع المتعمقون تعمقهم وأما التنازع فمن المنازعة وهي في الأصل المجاذبة ويعبر بها عن المجادلة والمراد بها المجادلة عند الاختلاف في الحكم إذا لم يتضح الدليل والمذموم منه اللجاج بعد قيام الدليل وأما الغلو فهو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد وفيه معنى التعمق يقال غلا في الشيء يغلو غلوا وغلا السعر يغلو غلاء إذا جاوز العادة والسهم يغلو غلوا بفتح ثم سكون إذا بلغ غاية ما يرمي وورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق أبي العالية عن بن عباس قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا في حصى الرمي وفيه وإياكم والغلو في الدين فانما أهلك من قبلكم الغلو في الدين وأما البدع فهو جمع بدعة وهي كل شيء ليس له مثال تقدم فيشمل لغة ما يحمد ويذم ويختص في عرف أهل الشرع بما يذم وأن وردت في المحمود فعلى معناها اللغوي واستدلاله بالآية ينبني على أن لفظ أهل الكتاب للتعميم ليتناول غير اليهود والنصارى أو يحمل على أن تناولها من عدا اليهود والنصارى بالإلحاق وذكر فيه سبعة أحاديث الحديث الأول حديث أبي هريرة في النهي عن الوصال وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام وقوله

[ 6869 ] هنا لو تأخر الهلال لزدتكم وقع في حديث أنس الماضي في كتاب التمني ولو مد لي في الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم والى هذه الرواية أشار في الترجمة لكنه جرى على عادته في إيراد ما لا يناسب الترجمة ظاهرا إذا ورد في بعض طرقه ما يعطى ذلك وقد تقدم نحو هذا في كتاب الصيام بزيادة فيه وقوله كالمنكي بضم الميم وسكون النون وبعد الكاف ياء ساكنة من النكاية كذا لأبي ذر عن السرخسي وعن المستملي براء بدل الياء من الإنكار وعلى هذا فاللام في لهم بمعنى على وعن الكشميهني بفتح النون وتشديد الكاف المكسورة بعدها لام من النكال وهي رواية الباقين وقد مضى في كتاب الصيام من طريق شعيب عن الزهري بلفظ كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا الحديث الثاني

[ 6870 ] قوله حدثني أبي هو يزيد بن شريك التيمي قوله خطبنا علي بن أبي طالب على منبر من آجر بالمد وضم الجيم هو الطوب المشوي ويقال بمد وزيادة واو وهو فارسي معرب قوله فنشرها أي فتحها قوله فإذا فيها يحتمل أن يكون علي دفعها لمن قرأها ويحتمل أن يكون قرأها بنفسه قوله المدينة حرم تقدم شرح ما يتعلق بذلك في أواخر الحج مستوعبا قوله ذمة المسلمين واحدة تقدم ما يتعلق بذلك أيضا في الجزية والموادعة وقوله فمن أخفر بالخاء المعجمة وألف أي غدر به والهمزة للتعدية أي ازال عنه الخفر وهو الستر قوله من والى قوما بغير اذن مواليه تقدم ما يتعلق به من الفرائض وتقدم في أواخر كتاب الفرائض أن الصحيفة المذكورة تشتمل على أشياء غير هذه من القصاص والعفو وغير ذلك والغرض بإيراد الحديث هنا لعن من أحدث حدثا فإنه وان قيد في الخبر بالمدينة فالحكم عام فيها وفي غيرها إذا كان من متعلقات الدين وقد تقدم شرح ذلك في باب حرم المدينة في أواخر كتاب الحج وقال الكرماني مناسبة حديث علي للترجمة لعله من جهة انه يستفاد من قول علي ما عندنا من كتاب يقرأ الخ تبكيت من تنطع في الكلام وجاء بغير ما في الكتاب والسنة كذا قال الحديث الثالث

[ 6871 ] قوله عن الأعمش حدثنا مسلم هو بن صبيح بمهملة وبموحدة مصغرا وآخره مهملة وهو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه وقد وقع عند مسلم مصرحا به في رواية جرير عن الأعمش فقال عن أبي الضحى به وهذا يغني عن قول الكرماني يحتمل ان يكون بن صبيح ويحتمل ان يكون بن أبي عمران البطين فإنهما يرويان عن مسروق ويروي عنهما الأعمش والسند المذكور الى مسروق كلهم كوفيون قوله قال قالت عائشة في رواية مسلم من عدة طرق عن الأعمش بسنده عن عائشة قوله ترخص فيه وتنزه عنه قوم قد تقدم في باب من لم يواجه الناس من كتاب الأدب هذا الحديث بسنده ومتنه وشرحته هناك والمراد منه هنا ان الخير في الاتباع سواء كان ذلك في العزيمة أو الرخصة وان استعمال الرخصة بقصد الاتباع في المحل الذي وردت أولى من استعمال العزيمة بل ربما كان استعمال العزيمة حينئذ مرجوحا كما في إتمام الصلاة في السفر وربما كان مذموما إذا كان رغبته عن السنة كترك المسح على الخفين وأومأ بن بطال الى ان الذي تنزهوا عنه القبلة للصائم وقال غيره لعله الفطر في السفر ونقل بن التين عن الداودي ان التنزه عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب لأنه يرى نفسه اتقى لله من رسوله وهذا الحاد قلت لا شك في الحاد من اعتقد ذلك ولكن الذي اعتل به من اشير إليهم في الحديث انه غفر له ما تقدم وما تأخر أي فإذا ترخص في شيء لم يكن مثل غيره ممن لم يغفر له ذلك فيحتاج الذي لم يغفر له الى الأخذ بالعزيمة والشدة لينجو فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه وان كان غفر الله له لكنه مع ذلك أخشى الناس لله واتقاهم فمهما فعله صلى الله عليه وسلم من عزيمة ورخصة فهو فيه في غاية التقوى والخشية لم يحمله التفضل بالمغفرة على ترك الجد في العمل قياما بالشكر ومهما ترخص فيه فانما هو للاعانة على العزيمة ليعملها بنشاط وأشار بقوله أعلمهم الى القوة العلمية وبقوله أشدهم له خشية الى القوة العملية أي انا أعلمهم بالفضل وأولاهم بالعمل به الحديث الرابع حديث بن أبي مليكة في قصة أبي بكر وعمر في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد على بني تميم وفيه نزلت

[ 6872 ] يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة الحجرات وان المقصود منه قوله تعالى في أول السورة لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ومن هنا تظهر مناسبته للترجمة وقال بن التين عن الداودي ان هذا الحديث مرسل لم يتصل منه سوى شيء يسير ومن نظر الى ما تقدم في الحجرات استغنى بما فيه عن تعقب كلامه وقوله وقال بن أبي مليكة قال بن الزبير هو موصول بالسند المذكور قبله وقد وقعت هذه الزيادة في رواية المستملي وقد تقدم في تفسير الحجرات بعد قوله فانزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية فقال بن الزبير فذكره قوله فكان عمر بعد ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم الخ هكذا فصل بين قوله فكان عمر في هذه الرواية وبين قوله إذا حدث بهذه الجملة وهي ولم يذكر ذلك عن أبيه وأخرها في الرواية الماضية في الحجرات ولفظه فما كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه ولم يذكر ذلك عن أبيه قوله حدثه كأخي السرار اما السرار فبكسر السين المهملة وتخفيف الراء أي الكلام السر ومنه المساررة واما قوله كأخي فقال بن الأثير معنى قوله كأخي السرار كصاحب السرار قاله الخطابي ونقل عن ثعلب ان المعنى كالسرار ولفظ أخي صلة قال والمعنى كالمناجي سرا انتهى وقال صاحب الفائق لو قيل ان معنى قوله كأخي السرار كالمسارر لكان وجها والكاف في محل نصب على الحال وعلى ما ماضي تكون صفة لمصدر محذوف وقوله لا يسمعه حتى يستفهمه تأكيد لمعنى قوله كأخي السرار أي يخفض صوته ويبالغ حتى يحتاج الى استفهامه عن بعض كلامه وقال في الفائق الضمير في يسمعه للكاف ان جعلت صفة المصدر وهو منصوب المحل على الوصفية فان اعربت حالا فالضمير لها أيضا ان قدر مضافا وليس قوله لا يسمعه حالا من النبي صلى الله عليه وسلم لركاكة المعنى حينئذ والله أعلم الحديث الخامس حديث عائشة في أمر أبي بكر بالصلاة بالناس وفيه مراجعة عائشة وحفصة وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب الإمامة من كتاب الصلاة والمقصود منه بيان ذم المخالفة قوال بن التين وفيه ان أوامره على الوجوب وان في مراجعته فيما يأمر به بعض المكروه قلت وليس ما ادعاه من دليل الوجوب ظاهرا الحديث السادس حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب اللعان والمقصود منه هنا فكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ووقع في رواية الكشميهني وعاب بحذف المفعول الحديث السابع حديث مالك بن أوس في قصة العباس وعلي ومنازعتهما عند عمر في صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه مستوفى في فرض الخمس والمقصود منه هنا بيان كراهية التنازع ويدل عليه قول عثمان ومن معه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فان الظن بهما انهما لم يتنازعا الا ولكل منهما مستند في ان الحق بيده دون الآخر فأفضى ذلك بهما الى المخاصمة ثم المحاكمة التي لولا التنازع لكان اللائق بهما خلاف ذلك وقوله

[ 6875 ] في هذه الطريق اتئدوا بتشديد المثناة بعدها همزة مكسورة أي استمهلوا وقوله أنشدكم بالله في رواية الكشميهني أنشدكم الله بحذف الباء وهو جائز وقوله ما احتازها بالمهملة ثم الزاي وللكشميهني بالمعجمة ثم الراء والأول أولى وقوله وكان ينفق وللكشميهني فكان بالفاء وهو أولى وقوله فأقبل على علي في رواية الكشميهني ثم أقبل وقوله تزعمان ان أبا بكر فيها كذا هكذا هنا وقع بالإبهام وقد بينت في شرح الرواية الماضية في فرض الخمس ان تفسير ذلك وقع في رواية مسلم وخلت الرواية المذكورة عن ذلك ابهاما وتفسيرا ويؤخذ مما سأذكره عن المازري وغيره من تأويل كلام العباس ما يجاب به عن ذلك وبالله التوفيق قال بن بطال في أحاديث الباب ما ترجم له من كراهية التنطع والتنازع لإشارته الى ذم من استمر على الوصال بعد النهي ولإشارة علي الى ذم من غلا فيه فادعى ان النبي صلى الله عليه وسلم خصه بأمور من علم الديانة دون غيره واشارته صلى الله عليه وسلم الى ذم من شدد فيما ترخص فيه وفي قصة بني تميم ذم التنازع المؤدي الى التشاجر ونسبة أحدهما الآخر الى قصد مخالفته فان فيه إشارة الى ذم كل حالة تأول بصاحبها الى افتراق الكلمة أو المعاداة وفي حديث عائشة إشارة الى ذم التعسف في المعاني التي خشيتها من قيام أبي بكر مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن التين معنى قوله في هذه الرواية استبى أي نسب كل واحد منها الآخر الى انه ظلمه وقد صرح بذلك في هذه الرواية بقوله اقض بيني وبين هذا الظالم قال ولم يرد انه يظلم الناس وانما أراد ما تأوله في خصوص هذه القصة ولم يرد ان عليا سب العباس بغير ذلك لأنه صنو أبيه ولا ان العباس سب عليا بغير ذلك لأنه يعرف فضله وسابقته وقال المازري هذا اللفظ لا يليق بالعباس وحاشا عليا من ذلك فهو سهو من الرواة وان كان لا بد من صحته فليؤول بأن العباس تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر وردعا لما يعتقد انه مخطىء فيه ولهذا لم ينكره عليه أحد من الصحابة لا الخليفة ولا غيره مع تشددهم في إنكار المنكر وما ذاك الا انهم فهموا بقرينة الحال انه لا يريد به الحقيقة انتهى وقد مضى بعض هذا في شرح الحديث في فرض الخمس وفيه انني لم أقف في شيء من طرق هذه القصة على كلام لعلي في ذلك وان كان المفهوم من قوله استبا بالتثنية ان يكون وقع منه في حق العباس كلام وقال غيره حاشا عليا ان يكون ظالما والعباس ان يكون ظالما بنسبة الظلم الى علي وليس بظالم وقيل في الكلام خذف تقديره أي هذا الظالم ان لم ينصف أو التقدير هذا كالظالم وقيل هي كلمة تقال في الغضب لا يراد بها حقيقتها وقيل لما كان الظلم يفسر بأنه وضع الشيء في غير موضعه تناول الذنب الكبير والصغير وتناول الخصلة المباحة التي لا تليق عرفا فيحمل الإطلاق على الأخيرة والله أعلم

قوله باب اثم من آوى محدثا بضم أوله وسكون الحاء المهملة وبعد الدال مثلثة أي أحدث المعصية قوله رواه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم موصولا في الباب الذي قبله وعبد الواحد في حديث أنس هو بن زياد وعاصم هو بن سليمان المعروف بالأحول وقوله

[ 6876 ] قال عاصم فأخبرني هو موصول بالسند المذكور قوله موسى بن أنس ذكر الدارقطني ان الصواب عن عاصم عن النضر بن أنس لا عن موسى قال والوهم فيه من البخاري أو شيخه قال عياض وقد أخرجه مسلم على الصواب قلت ان أراد انه قال عن النضر فليس كذلك فإنه انما قال لما أخرجه عن حامد بن عمير عن عبد الواحد عن عاصم عن بن أنس فان كان عياض أراد ان الإبهام صواب فلا يخفى ما فيه والذي سماه النضر هو مسدد عن عبد الواحد كذا أخرجه في مسنده وأبو نعيم في المستخرج من طريقه وقد رواه عمرو بن أبي قيس عن عاصم فبين ان بعضه عنده عن أنس نفسه وبعضه عن النضر بن أنس عن أبيه أخرجه أبو عوانة في مستخرجه وأبو الشيخ في كتاب الترهيب جميعا من طريقه عن عاصم عن أنس قال عاصم ولم أمسع من أنس أو آوى محدثا فقلت للنضر ما سمعت هذا يعني القدر الزائد من أنس قال لكني سمعته منه أكثر من مائة مرة وقد تقدم شرح حديثي علي وأنس في أواخر الحج في أول فضائل المدينة في باب حرم المدينة وذكرت هناك رواية من روى الزيادة عن عاصم عن أنس بدون الواسطة وانه مدرج وبالله التوفيق قال بن بطال دل الحديث على ان من أحدث حدثا أو آوى محدثا في غير المدينة انه غير متوعد بمثل ما توعد به من فعل ذلك بالمدينة وان كان قد علم ان من آوى أهل المعاصي انه يشاركهم في الإثم فان من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم ولكن خصت المدينة بالذكر لشرفها لكونها مهبط الوحي وموطن الرسول عليه الصلاة والسلام ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض فكان لها بذلك مزيد فضل على غيرها وقال غيره السر في تخصيص المدينة بالذكر انها كانت إذاك موطن النبي صلى الله عليه وسلم ثم صارت موضع الخلفاء الراشدين

قوله باب ما يذكر من ذم الرأي أي الفتوى بما يؤدي اليه النظر وهو يصدق على ما يوافق النص وعلى ما يخالفه والمذموم منه ما يوجد النص بخلافه وأشار بقوله من الى ان بعض الفتوى بالرأي لا تذم وهو إذا لم يوجد النص من كتاب أو سنة أو إجماع وقوله وتكلف القياس أي إذا لم يجد الأمور الثلاثة واحتاج الى القياس فلا يتكلفه بل يستعمله على أوضاعه ولا يتعسف في اثبات العلة الجامعة التي هي من أركان القياس بل إذا لم تكن العلة الجامعة واضحة فليتمسك بالبراءة الأصلية ويدخل في تكلف القياس ما إذا استعمله على أوضاعه مع وجود النص وما إذا وجد النص فخالفة وتأول لمخالفته شيئا بعيدا ويشتد الذم فيه لمن ينتصر لمن يقلده مع احتمال ان لا يكون الأول اطلع على النص قوله ولا تقف لا تقل ما ليس لك به علم احتج لما ذكره من ذم التكلف بالآية وتفسير القفو بالقول من كلام بن عباس فيما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة لا تقف ما ليس لك به عليم لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع والمعروف انه الاتباع وقد تقدم في حديث موسى والخضر فانطلق يقفو أثره أي يتبعه وفي حديث الصيد يقتفي أثره أي يتبع وقال أبو عبيدة معناه لا تتبع ما لا تعلم ومالا يعنيك وقال الراغب الاقتفاء اتباع القفا كما ان الارتداف اتباع الردف ويكنى بذلك عن الاغتياب وتتبع المعايب ومعنى ولا تقف ما لا ليس لك به علم لا تحكم بالقيافة والظن والقيافة مقلوب عن الاقتفاء نحو جذب وجبذ وسبقه الى نحو هذا الأخير الفراء وقال الطبري بعد ان نقل عن السلف ان المراد شهادة الزور أو القول بغير علم أو الرمي بالباطل هذه المعاني متقاربة وذكر قول أبي عبيدة ثم قال أصل القفو العيب ومنه حديث الأشعث بن قيس رفعه لا نقف منا ولا ننتفي من أبينا ومنه قول الشاعر ولا أقفو الحواضن ان قفينا ثم نقل عن بعض الكوفيين ان أصله القيافة وهي اتباع الأثر وتعقب بأنه لو كان كذلك لكانت القراءة بضم القاف وسكون الفاء لكن زعم انه على القلب قال والأولى بالصواب الأول انتهى والقراءة التي أشار إليها نقلت في الشواذ عن معاذ القارىء واستدل الشافعي للرد على ما يقدم قياس على الخبر بقوله تعالى فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول قال معناه والله اعلم اتبعوا في ذلك ما قال الله ورسوله وأورد البيهقي هنا حديث بن مسعود ليس عام الا الذي بعده شر منه لا أقول عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب العلماء ثم يحدث قوم يقيسون الأمور بأرائهم فيهدم الإسلام

[ 6877 ] قوله حدثنا سعيد بن تليد بمثناة ثم لام وزن عظيم وهو سعيد بن عيسى بن تليد نسب الى جده يكنى أبا عيسى بن عني بمهملة ثم نون مصغر وهو من المصريين الثقات الفقهاء وكان يكتب للحاكم قوله عبد الرحمن بن شريح هو أبو شريح الإسكندراني بمعجمة أوله ومهملة آخره وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه قوله وغيره هو بن لهيعة ابهمه البخاري لضعفه وجعل الاعتماد على رواية عبد الرحمن لكن ذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر في الجزء الذي جمعه في الكلام على حديث معاذ بن جبل في القياس ان عبد الله بن وهب حدث بهذا الحديث عن أبي شريح وابن لهيعة جميعا لكنه قدم لفظ بن لهيعة وهو مثل اللفظ الذي هنا ثم عطف عليه رواية أبي شريح فقال بذلك قلت وكذلك أخرجه بن عبد البر في باب العلم من رواية سحنون عن بن وهب عن أبي لهيعة فساقه ثم قال بن وهب وأخبرني عبد الرحمن بن شريح عن أبي الأسود عن عروة عن عبد الله بن عمرو بذلك قال بن طاهر ما كنا ندري هل أراد بقوله بذلك اللفظ والمعنى أو المعنى فقط حتى وجدنا مسلما أخرجه عن حرملة بن يحيى عن بن وهب عن عبد الرحمن بن شريح وحده فساقه بلفظ مغاير للفظ الذي أخرجه البخاري قال فعرف ان اللفظ الذي حذفه البخاري هو لفظ عبد الرحمن بن شريح الذي أبرزه هنا والذي أورده هو لفظ الغير الذي ابهمه انتهى وسأذكر تفاوتهما وليس بينهما في المعنى كبير أمر وكنت اظن ان مسلما حذف ذكر بن لهيعة عمدا لضعفه واقتصر على عبد الرحمن بن شريح حتى وجدت الإسماعيلي أخرجه من طريق حرملة بغير ذكر بن لهيعة فعرفت ان بن وهب هو الذي كان يجمعهما تارة ويفرد بن شريح تارة وعند بن وهب فيه شيخان آخران بسند آخر أخرجه بن عبد البر في بيان العلم من طريق سحنون حدثنا بن وهب حدثنا مالك وسعيد بن عبد الرحمن كلاهما عن هشام بن عروة باللفظ المشهور وقد ذكرت في باب العلم ان هذا الحديث مشهور عن هشام بن عروة عن أبيه رواه عن هشام أكثر من سبعين نفسا وأقول هنا ان أبا القاسم عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله بن مندة ذكر في كتاب التذكرة ان الذين رووه عن الحافظ هشام أكثر من ذلك وسرد أسماءهم فزادوا على أربعمائة نفس وسبعين نفسا منهم من الكبار شعبة ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي وابن جريج ومسعر وأبو حنيفة وسعيد بن أبي عروبة والحمادان ومعمر بل أكبر منهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى بن عقبة والأعمش ومحمد بن عجلان وأيوب وبكير بن عبد الله بن الأشج وصفوان بن سليم وأبو معشر ويحيى بن أبي كثير وعمارة بن غزية وهؤلاء العشرة كلهم من صغار التابعين وهم من أقرانه ووافق هشاما على روايته عن عروة أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم عروة وهو الذي رواه عنه بن لهيعة وأبو شريح ورواه عن عروة أيضا ولداه يحيى وعثمان وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهو من أقرانه والزهري ووافق عروة على روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص عمر بن الحكم بن ثوبان أخرجه مسلم من طريقه ولم يسق لفظه لكن قال بمثل حديث هشام بن عروة وكأنه ساقه من رواية جرير بن عبد الحميد عن هشام وسأذكر ما في رواية بعض من ذكر من فائدة زائدة قوله عن أبي الأسود في رواية مسلم بسنده الى بن شريح ان أبا الأسود حدثه قوله عن عروة زاد حرملة في روايته بن الزبير قوله حج علينا أي مر علينا حاجا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم قالت لي عائشة يا بن أختي بلغني ان عبد الله بن عمرو مارا بنا الى الحج فالقه فأسائله فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا قال فلقيته فسألته عن أشياء يذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان فيما ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قوله ان الله لا ينزع العلم بعد ان أعطاكموه في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني أعطاهموه بالهاء ضمير الغيبة بدل الكاف ووقع في رواية حرملة لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا وفي رواية هشام الماضية في كتاب العلم من طريق مالك عنه ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد وفي رواية سفيان بن عيينة عن هشام من قلوب العباد أخرجه الحميدي في مسنده عنه وفي رواية جرير عن هشام عند مسلم مثله لكن قال من الناس وهو الوارد في أكثر الروايات وفي رواية محمد بن عجلان عن هشام عند الطبراني ان الله لا ينزع العلم انتزاعا ينتزعه منهم بعد أن اعطاهم ولم يذكر على من يعود الضمير وفي رواية معمر عن هشام عند الطبراني ان الله لا ينزع العلم من صدور الناس بعد ان يعطيهم إياه وأظن عبد الله بن عمرو انما حدث بهذا جوابا عن سؤال من سأله عن الحديث الذي رواه أبو امامة قال لما كان في حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل آدم فقال يا أيها الناس خذوا من العلم قبل ان يقبض وقبل ان يرفع من الأرض الحديث وفي آخره الاان ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات أخرجه أحمد والطبراني والدارمي فبين عبد الله بن عمرو ان الذي ورد في قبض العلم ورفع العلم انما هو على الكيفية التي ذكرها وكذلك أخرج قاسم بن اصبغ ومن طريقه بن عبد البر ان عمر سمع أبا هريرة يحدث بحديث يقبض العلم فقال ان قبض العلم ليس شيئا ينزع من صدور الرجال ولكنه فناء العلماء وهو عند أحمد والبزار من هذا الوجه قوله ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم كذا فيه والتقدير ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه بعض قلب ووقع في رواية حرملة ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم وفي رواية هشام ولكن يقبض العلم بقبض العلماء وفي رواية معمر ولكن ذهابهم قبض العلم ومعانيها متقاربة قوله فيبقى ناس جهال هو بفتح أول يبقى وفي رواية حرملة ويبقى في الناس رؤسا جهالا وهو بضم أول يبقى وتقدم في كتاب العلم ضبط رؤسا هل هو بصيغة جمع رأس وهي رواية الأكثر أو رئيس وفي رواية هشام حتى إذا لم يبق عالم هذه رواية أبي ذر من طريق مالك ولغيره ولم يبق عالما اتخذ الناس رؤسا جهالا وفي رواية جرير عند مسلم حتى إذا لم يترك عالما وكذا في رواية صفوان بن سليم عند الطبراني وهي تؤيد الرواية الثانية وفي رواية محمد بن عجلان حتى إذا لم يبق عالم وكذا في رواية شعبة عن هشام وفي رواية محمد بن هشام بن عروة عن أبيه عند الطبراني فيصير للناس رؤوس جهال وفي رواية معمر عن الزهري عن عروة عنده بعد ان يعطيهم إياه ولكن يذهب العلماء كلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم حتى يبق من لا يعلم قوله يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون بفتح أوله ويضلون بضمه وفي رواية حرملة يفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون وفي رواية محمد بن عجلان يستفتونهم فيفتونهم والباقي مثله وفي رواية هشام بن عروة فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا وهي رواية الأكثر وخالف الجميع قيس بن الربيع وهو صدوق ضعف من قبل حفظه فرواه عن هشام بلفظ لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم فافتوا بالرأي فضلوا وأضلوا أخرجه البزار وقال تفرد به قيس قال والمحفوظ بهذا اللفظ ما رواه غيره عن هشام فأرسله قلت والمرسل المذكور أخرجه الحميدي في النوادر والبيهقي في المدخل من طريقه عن بن عيينة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه فذكره كرواية قيس سواء قوله فحدثت به عائشة زاد حرملة في روايته فلما حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك وأنكرته وقالت أحدثك انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا قوله ثم ان عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت يا بن أختي انطلق الى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه في رواية حرملة انه حج من السنة المقبلة ولفظه قال عروة حتى إذا كان قابل قالت له ان بن عمرو قد قدم فالقه ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم قوله فجئته فسألته في رواية حرملة فلقيته قوله فحدثني به في رواية حرملة فذكره لي قوله كنحو ما حدثني في رواية حرملة بنحو ما حدثني به في مرته الأولى ووقع في رواية سفيان بن عيينة الموصولة قال عروة ثم لبثت سنة ثم لقيت عبد الله بن عمرو في الطواف فسألته فأخبرني به فأفاد ان لقاءه إياه في المرة الثانية كان بمكة وكأن عروة كان حج في تلك السنة من المدينة وحج عبد الله من مصر فبلغ عائشة ويكون قولها قد قدم أي من مصر طالبا لمكة لا أنه قدم المدينة إذ لو دخلها للقيه عروة بها ويحتمل ان تكون عائشة حجت تلك السنة وحج معها عروة فقدم عبد الله بعد فلقيه عروة بأمر عائشة قوله فعجبت فقالت والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو في رواية حرملة فلما أخبرتها بذلك قالت ما أحسبه الا صدق أراه لم يزد فيه شيئا ولم ينقص قلت ورواية الأصل تحتمل ان عائشة كان عندها علم من الحديث وظنت انه زاد فيه أو نقص فلما حدث به ثانيا كما حدث به أولا تذكرت انه على وفق ما كانت سمعت ولكن رواية حرملة التي ذكر فيها انها أنكرت ذلك واعظمته ظاهرة في انه لم يكن عندها من الحديث علم ويؤيده ذلك انها لم تسدل على انه حفظه الا لكونه حدث به بعد سنة كما حدث به أولا لم يزد ولم ينقص قال عياض لم تتهم عائشة عبد الله ولكن لعلها نسبت اليه انه مما قرأه من الكتب القديمة لأنه كان قد طالع كثيرا منها ومن ثم قالت أحدثك انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا انتهى وعلى هذا فرواية معمر له عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن عمرو هي المعتمدة وهي في مصنف عبد الرزاق وعند أحمد والنسائي والطبراني من طريقه ولكن الترمذي لما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة قال روى الزهري هذا الحديث عن عروة عن عبد الله بن عمرو وعن عروة عن عائشة وهذه الرواية التي أشار إليها رواية يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه أبو عوانة في صحيحه والبزار من طريق شبيب بن سعيد عن يونس وشبيب في حفظه شيء وقد شذ بذلك ولما أخرجه عبد الرزاق من رواية الزهري أردفه برواية معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عبد الله بن عمرو قال اشهد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرفع الله العلم بقبضه ولكن يقبض العلماء الحديث وقال بن عبد البر في بيان العلم رواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن هشام بن عروة بمعنى حديث مالك قلت ورواية يحيى أخرجها الطيالسي عن هشام الدستوائي عنه ووجدت عن الزهري فيه سندا آخر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق العلاء بن سليمان الرقي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر مثل رواية هشم سواء لكن زاد بعد قوله وأضلوا عن سواء السبيل والعلاء بن سليمان ضعفه بن عدي وأورده من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ رواية حرملة التي مضت وسنده ضعيف ومن حديث أبي سعيد الخدري بلفظ يقبض الله العلماء ويقبض العلم معهم فتنشأ احداث ينزوا بعضهم على بعضم نزو العير على العير ويكون الشيخ فيهم مستضعفا وسنده ضعيف وأخرج الدارمي من حديث أبي الدرداء قوله رفع العلم ذهاب العلماء وعن حذيفة قبض العلم قبض العلماء وعند أحمد عن بن مسعود قال هل تدرون ما ذهاب العلم ذهاب العلماء وأفاد حديث أبي امامة الذي أشرت اليه أولا وقت تحديث النبي صلى الله عليه وسلم في بهذا الحديث وفي حديث أبي امامة من الفائدة الزائدة ان بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء لا يغني من ليس بعالم شيئا فان في بقيته فسأله أعرابي فقال يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها ابناءنا ونساءنا وخدمنا فرفع اليه رأسه وهو مغضب فقال وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به انبياؤهم ولهذه الزيادة شواهد من حديث عوف بن مالك وابن عمرو وصفوان بن عسال وغيرهم وهي عند الترمذي والطبراني والدارمي والبزار بألفاظ مختلفة وفي جميعها هذا المعنى وقد فسر عمر قبض العلم بما وقع تفسيره به في حديث عبد الله بن عمرو وذلك فيما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن الأصم عن أبي هريرة فذكر الحديث وفيه ويرفع العلم فسمعه عمر فقال اما انه ليس ينزع من صدور العلماء ولكن بذهاب العلماء وهذا يحتمل ان يكون عند عمر مرفوعا فيكون شاهدا قويا لحديث عبد الله بن عمرو واستدل بهذا الحديث على جواز خلو الزمان عن مجتهد وهو قول الجمهور خلافا لأكثر الحنابلة وبعض من غيرهم لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء وفي ترئيس أهل الجهل ومن لازمه الحكم بالجهل وإذا انتفى العلم ومن يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد وعورض هذا بحديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وفي لفظ حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله ومضى في العلم كالأول بغير شك وفي رواية مسلم ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله ولم يشك وهو المعتمد وأجيب أولا بأنه ظاهر في عدم الخلو لا في نفي الجواز وثانيا بأن الدليل للأول أظهر للتصريح بقبض العلم تارة وبرفعه أخرى بخلاف الثاني وعلى تقدير التعارض فيبقى ان الأصل عدم المانع قالوا الاجتهاد فرض كفاية فيستلزم انتفاؤه الاتفاق على الباطل وأجيب بان بقاء فرض الكفاية مشروط ببقاء العلماء فاما إذا قام الدليل على انقراض العلماء فلا لان بفقدهم تنتفي القدرة والتمكن من الاجتهاد وإذا انتفى ان يكون مقدورا لم يقع التكليف به هكذا اقتصر عليه جماعة وقد تقدم في باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان في أواخر كتاب الفتن ما يشير الى ان محل وجود ذلك عند فقد المسلمين بهبوب الريح التي تهب بعد نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من الإيمان الا قبضته ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وهو بمعناه عند مسلم كما بينته هناك فلا يرد اتفاق المسلمين على ترك فرض الكفاية والعمل بالجهل لعدم وجودهم وهو المعبر عنه بقوله حتى يأتي أمر الله وأما الرواية بلفظ حتى تقوم الساعة فهي محمولة على اشرافها بوجود آخر أشراطها وقد تقدم هذا بأدلته في الباب المذكور ويؤيده ما أخرجه أحمد وصححه الحاكم عن حذيفة رفعه يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب الى غير ذلك من الأحاديث وجوز الطبري ان يضمر في كل من الحديثين المحل الذي يكون فيه تلك الطائفة فالموصوفون بشرار الناس الذين يبقون بعد ان تقبض الريح من تقبضه يكونون مثلا ببعض البلاد كالمشرق الذي هو أصل الفتن والموصوفون بانهم على الحق يكونون مثلا ببعض البلاد كبيت المقدس لقوله في حديث معاذ انهم بالشام وفي لفظ ببيت المقدس وما قاله وان كان محتملا يرده قوله في حديث أنس في صحيح مسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله الى غير ذلك من الأحاديث التي تقدم ذكرها في معنى ذلك والله أعلم ويمكن ان تنزل هذه الأحاديث على الترتيب في الواقع فيكون أولا رفع العلم بقبض العلماء المجتهدين الاجتهاد المطلق ثم المقيد ثانيا فإذا لم يبق مجتهد استووا في التقليد لكن ربما كان بعض المقلدين أقرب الى بلوغ درجة الاجتهاد المقيد من بعض ولا سيما أن فرعنا على جواز تجزيء الاجتهاد ولكن لغلبة الجهل يقدم أهل الجهل أمثالهم واليه الإشارة بقوله اتخذ الناس رؤسا جهالا وهذا لا ينفي ترئيس بعض من لم يتصف بالجهل التام كما لا يمتنع ترئيس من ينسب الى الجهل في الجملة في زمن أهل الاجتهاد وقد أخرج بن عبد البر في كتاب العلم من طريق عبد الله بن وهب سمعت خلاد بن سلمان الحضرمي يقول حدثنا دراج أبو السمح يقول يأتي على الناس زمان يسمن الرجل راحلته حتى يسير عليها في الأمصار يلتمس من يفتيه بسنة قد عمل بها فلا يجد الا من يفتيه بالظن فيحمل على ان المراد الأغلب الأكثر في الحالين وقد وجد هذا مشاهدا ثم يجوز ان يقبض أهل تلك الصفة ولا يبقى الا المقلد الصرف وحينئذ يتصور خلو الزمان عن مجتهد حتى في بعض الأبواب بل في بعض المسائل ولكن يبقى من له نسبة الى العلم في الجملة ثم يزداد حينئذ غلبة الجهل وترئيس أهله ثم يجوز ان يقبض أولئك حتى لا يبقى منهم أحد وذلك جدير بأن يكون عند خروج الدجال أو بعد موت عيسى عليه السلام وحينئذ يتصور خلو الزمان عمن ينسب الى العلم أصلا ثم تهب الريح فتقبض كل مؤمن وهناك يتحقق خلو الأرض عن مسلم فضلا عن عالم فضلا عن مجتهد ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة والعلم عند الله تعالى وقد تقدم في أوائل كتاب الفتن كثير من المباحث والنقول المتعلقة بقبض العلم والله المستعان وفي الحديث الزجر عن ترئيس الجاهل لما يترتب عليه من المفسدة وقد يتمسك به من لا يجيز تولية الجاهل بالحكم ولو كان عاقلا لكن إذا دار الأمر بن العالم الفاسق والجاهل العفيف فالجاهل العفيف أولى لأن ورعه يمنعه عن الحكم بغير علم فيحمله على البحث والسؤال وفي الحديث أيضا حض أهل العلم وطلبته على أخذ بعضهم عن بعض وفيه شهادة بعضهم لبعض بالحفظ والفضل وفيه حض العالم طالبه على الأخذ عن غيره ليستفيد ما ليس عنده وفيه التثبت فيما يحدث به المحدث إذا قامت قرينة الذهول ومراعاة الفاضل من جهة قول عائشة اذهب اليه ففاتحه حتى تسأله عن الحديث ولم تقل له سله عنه ابتداء خشية من استيحاشه وقال بن بطال التوفيق بين الآية والحديث في ذم العمل بالرأي وبين ما فعله السلف من استنباط الأحكام ان نص الآية ذم القول بغير علم فخص به من تكلم برأي مجرد عن استناد الى أصل ومعنى الحديث ذم من أفتى مع الجهل ولذلك وصفهم بالضلال والاضلال والا فقد مدح من استنبط من الأصل لقوله لعلمه الذين يستنبطونه منهم فالرأي إذا كان مستندا الى أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهو المحمود وإذا كان لا يستند الى شيء منها فهو المذموم قال وحديث سهل بن حنيف وعمر بن الخطاب وان كان يدل على ذم الرأي لكنه مخصوص بما إذا كان معارضا للنص فكأنه قال اتهموا الرأي إذا خالف السنة كما وقع لنا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحلل فاحببنا الاستمرار الى الإحرام وأردنا القتال لنكمل نسكنا ونقهر عدونا وخفي عنا حينئذ ما ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم مما حمدت عقباه وعمر هو الذي كتب الى شريح انظر ما تبين لك من كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا فان لم يتبين لك من كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يتبين لك من السنة فاجتهد فيه رأيك هذه رواية سيار عن الشعبي وفي رواية الشيباني عن الشعبي عن شريح ان عمر كتب اليه نحوه وقال في آخره اقض بما في كتاب الله فان لم يكن فبما في سنة رسول الله فان لم يكن فبما قضى به الصالحون فان لم يكن فان شئت فتقدم وان شئت فتأخر ولا أرى التأخر الا خيرا لك فهذا عمر أمر بالاجتهاد فدل على ان الرأي الذي ذمه ما خالف الكتاب أو السنة وأخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن بن مسعود نحو حديث عمر من رواية الشيباني وقال في آخره فان جاءه ما ليس في ذلك فليجتهد رأيه فان الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك الى ما لا يريبك

[ 6878 ] قوله حدثنا عبدان هو عبد الله بن عثمان وعبدان لقب وأبو حمزة بالمهملة ثم الزاي هو السكري وساق المتن على لفظ أبي عوانة لأنه ساق لفظ عبدان في كتاب الجزية ووقعت رواية أبي عوانة مقدمة على رواية أبي حمزة وساق المتن ثم عطف عليه رواية أبي حمزة وفي آخره فسمعت سهل بن حنيف يقول ذلك قوله قال سهل بن حنيف يا أيها الناس قد تقدم بيان سبب خطبته بذلك في تفسير سورة الفتح وبيان المراد بقول سهل يوم أبي جندل وقوله يفظعنا بالظاء المعجمة المكسورة بعد الفاء الساكنة أي يوقعنا في أمر فظيع وهو الشديد في القبح وقوله الا أسهلن بسكون اللام بعد الهاء والنون المفتوحتين والمعنى أنزلتنا في السهل من الأرض أي أفضين بنا وهو كناية عن التحول من الشدة الى الفرج وقول بنا في رواية الكشميهني بها ومراد سهل انهم كانوا إذا وقعوا في شدة يحتاجون فيها الى القتال في المغازي والثبوت والفتوح العمرية عمدوا الى سيوفهم فوضعوها على عواتقهم وهو كناية عن الجد في الحرب فإذا فعلوا ذلك انتصروا وهو المراد بالنزول في السهل ثم استثنى الحرب التي وقعت بصفين لما وقع فيها من ابطاء النصر وشدة المعارضة من حجج الفريقين إذ حجة علي ومن معه ما شرع لهم من قتال أهل البغي حتى يرجعوا الى الحق وحجة معاوية ومن معه ما وقع من قتل عثمان مظلوا ووجود قتلته بأعيانهم في العسكر العراقي فعظمت الشبهة حتى اشتد القتال وكثر القتل في الجانبين الى ان وقع التحكيم فكان ما كان قوله وقال أبو وائل شهدت صفين وبئست صفين كذا لأبي ذر ولغيره وبئست صفون وفي رواية النسفي مثله ولكن قال وبئست الصفون بزيادة ألف ولام والمشهور في صفين كسر الصاد المهملة وبعضهم فتحها وجزم بالكسر جماعة من الأئمة والفاء مكسورة مثقلة اتفاقا والأشهر فيها بالياء قبل النون كماردين وفلسطين وقنسرين وغيرها ومنهم من أبدل الياء واو في الأحوال وعلى هاتين اللغتين فأعرابها اعراب غسلين وعربون ومنهم من أعربها اعراب جمع المذكر السالم فتنصرف بحسب العوامل مثل لفي عليين وما إدراك ما علييون ومنهم من فتح النون مع الواو لزوما نقل كل ذلك بن مالك ولم يذكر فتح النون مع الياء لزوما وقوله اتهموا رأيكم على دينكم أي لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند الى أصل من الدين وهو كنحو قول علي فيما أخرجه أبو داود بسند حسن لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه والسبب في قول سهل ذلك ما تقدم بيانه في استتابة المرتدين ان أهل الشام لما استشعروا ان أهل العراق شارفوا ان يغلبوهم وكان أكثر أهل العراق من القراء الذين يبالغون في التدين ومن ثم سار منهم الخوارج الذين مضى ذكرهم فأنكروا على علي ومن أطاعه الإجابة الى التحكيم فاستند علي الى قصة الحديبية وان النبي صلى الله عليه وسلم أجاب قريشا الى المصالحة مع ظهور غلبته لهم وتوقف بعض الصحابة أولا حتى ظهر لهم ان الصواب ما أمرهم به كما مضى بيانه مفصلا في الشروط وأول الكرماني كلام سهل بن حنيف بحسب ما احتمله اللفظ فقال كأنهم اتهموا سهلا بالتقصير في القتال حينئذ فقال لهم بل اتهموا أنتم رأيكم فاني لا أقصر كما لم أكن مقصرا يوم الحديبية وقت الحاجة فكما توقفت يوم الحديبية من اجل اني لا أخالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أتوقف اليوم لأجل مصلحة المسلمين وقد جاء عن عمر نحو قول سهل ولفظه اتقوا الرأي في دينكم أخرجه البيهقي في المدخل هكذا مختصرا وأخرجه هو والطبري والطبراني مطولا بلفظ اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي اجتهادا فوالله ما آلوا عن الحق وذلك يوم أبى جندل حتى قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تراني أرضى وتأبى والحاصل ان المصير الى الرأي انما يكون عند فقد النص والى هذا يومئ قول الشافعي فيما أخرجه البيهقي بسند صحيح الى أحمد بن حنبل سمعت الشافعي يقول القياس عند الضرورة ومع ذلك فليس العامل برأيه على ثقة من انه وقع على المراد من الحكم في نفس الأمر وانما عليه بذل الوسع في الاجتهاد ليؤجر ولو أخطأ وبالله التوفيق وأخرج البيهقي في المدخل وابن عبد البر في بيان العلم عن جماعة من التابعين كالحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي بأسانيد جياد ذم القول بالرأي المجرد ويجمع ذلك كله حديث أبي هريرة لا يؤمن أحكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات وقد صححه النووي في آخر الأربعين واما ما أخرجه البيهقي من طريق الشعبي عن عمرو بن حريث عن عمر قال إياكم وأصحاب الرأي فانهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث ان يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا فظاهر في انه أراد ذم من قال بالرأي مع وجود النص من الحديث لإغفاله التنقيب عليه فهلا يلام وأولى منه باللوم من عرف النص وعمل بما عارضه من الرأي وتكلف لرده بالتأويل والى ذلك الإشارة بقوله في الترجمة وتكلف القياس والله اعلم وقال بن عبد البر في بيان العلم بعد ان ساق آثارا كثيرة في ذم الرأي ما ملخصه اختلف العلماء في الرأي المقصود اليه في الذم في هذه الآثار مرفوعها وموقوفها ومقطوعها فقالت طائفة هو القول في الاعتقاد بمخالفة السنن لأنهم استعملوا آراءهم واقيستهم في رد الأحاديث حتى طعنوا في المشهور منها الذي بلغ التواتر كاحاديث الشفاعة وأنكروا ان يخرج أحد من النار بعد ان يدخلها وأنكروا الحوض والميزان وعذاب القبر الى غير ذلك من كلامهم في الصفات والعلم والنظر وقال أكثر أهل العلم الرأي المذموم الذي لا يجوز النظر فيه ولا الاشتغال به هو ما كان في نحو ذلك من ضروب البدع ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال لا تكاد ترى أحدا نظر في الرأي الا وفي قلبه دغل قال وقال جمهور أهل العلم الرأي المذموم في الآثار المذكورة هو القول في الأحكام بالاستحسان والتشاغل بالأغلوطات ورد الفروع بعضها الى بعض دون ردها الى أصول السنن وأضاف كثير منهم الى ذلك من يتشاغل بالإكثار منها قبل وقوعها لما يلزم من الاستغراق في ذلك من تعطيل السنن وقوى بن عبد البر هذا القول الثاني واحتج له ثم قال ليس أحد من علماء الأمة يثبت عنده حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ثم يرده الا بادعاء نسخ أو معارضة أثر غيره أو إجماع أو عمل يجب على أصله الانقياد اليه أو طعن في سنده ولو فعل ذلك بغير ذلك لسقطت عدالته فضلا عن ان يتخذ إماما وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك ثم ختم الباب بما بلغه عن سهل بن عبد الله التستري الزاهد المشهور قال ما أحدث أحد في العلم شيئا الا سئل عنه يوم القيامة فان وافق السنة سلم والا فلا

قوله باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي أي كان له إذا سئل عن الشيء الذي لم يوحى اليه فيه حالان اما ان يقول لا أدري واما ان يسكت حتى يأتيه بيان ذلك بالوحي والمراد بالوحي أعم من المتعبد بتلاوته ومن غيره ولم يذكر لقوله لا أدري دليلا فان كلا من الحديثين المعلق والموصول من أمثلة الشق الثاني وأجاب بعض المتأخرين بأنه استغنى بعدم جوابه به وقال الكرماني في قوله في الترجمة لا أدري حزازة إذ ليس في الحديث ما يدل عليه ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ذلك كذا قال وهو تساهل شديد منه في الاقدام على نفي الثبوت كما سأبينه والذي يظهر انه أشار في الترجمة الى ما ورد في ذلك ولكنه لم يثبت عنده منه شيء على شرطه وان كان يصلح للحجة كعادته في أمثال ذلك وأقرب ما ورد عنده في ذلك حديث بن مسعود الماضي في تفسير سورة ص من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم الحديث لكنه موقوف والمراد منه انما هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أجاب بلا أعلم أو لا أدري وقد وردت فيه عدة أحاديث منها حديث بن عمر جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي البقاع خير قال لا أدري فأتاه جبريل فسأله فقال لا أدري فقال سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة الحديث أخرجه بن حبان وللحاكم نحوه من حديث جبير بن مطعم وفي الباب عن أنس عند بن مردويه واما حديث أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وهو عند الدارقطني والحاكم فقد تقدم في شرح حديث عبادة من كتاب العلم الكلام عليه وطريق الجمع بينه وبين حديث عبادة ووقع الإلمام بشيء من ذلك في كتاب الحدود أيضا وقال بن الحاجب في أوائل مختصرة لثبوت لا أدري وقد أوردت من ذلك ما تيسر في الأمالي في تخريج أحاديث المختصر قوله ولم يقل برأي ولا قياس قال الكرماني هما مترادفان وقيل الرأي التفكر والقياس الإلحاق وقيل الرأي أعم ليدخل فيه الاستحسان ونحوه انتهى والذي يظهر أن الأخير مراد البخاري وهو ما دل عليه اللفظ الذي أورده في الباب الذي قبله من حديث عبد الله بن عمرو وقال الأوزاعي العلم ما جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يجيء عنهم فليس بعلم واخرج أبو عبيد ويعقوب بن شيبة عن بن مسعود قال لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأكابرهم فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت اهواؤهم هلكوا وقال أبو عبيدة معناه ان كل ما جاء عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث وما أحدثه من جاء بعدهم هو المذموم وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي وعن أحمد يؤخذ العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة فان لم يكن فهو في التابعين مخير وعنه ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة وما جاء عن غيرهم من الصحابة ممن قال انه سنة لم أدفعه وعن بن المبارك ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر والحاصل ان الرأي ان كان مستندا للنقل من الكتاب أو السنة فهو محمود وان تجرد عن علم فهو مذموم وعليه يدل حديث عبد الله بن عمرو المذكور فإنه ذكر بعد فقد العلم أن الجهال يفتون برأيهم قوله لقوله في رواية المستملي لقول الله تعالى بما أراك الله وقد نقل بن بطال عن المهلب ما معناه انما سكت النبي صلى الله عليه وسلم في أشياء معضلة ليست لها أصول في الشريعة فلا بد فيها من اطلاع الوحي والا فقد شرع صلى الله عليه وسلم لأمته القياس وأعلمهم كيفية الاستنباط فيما لا نص فيه حيث قال للتي سألته هل تحج عن أمها فالله أحق بالقضاء وهذا هو القياس في لغة العرب وأما عند العلماء فهو تشبيه مالا حكم فيه بما فيه حكم في المعنى وقد شبه الحمر بالخيل فأجاب من سأله عن الحمر بالآية الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الى آخرها كذا قال ونقل بن التين عن الداودي ما حاصله ان الذي احتج به البخاري لما ادعاه من النفي حجة في الاثبات لأن المراد بقوله بما أراك الله ليس محصورا في المنصوص بل فيه اذن في القول بالرأي ثم ذكر قصة الذي قال ان امرأتي ولدت غلاما اسود هل لك من ابل الى ان قال فلعله نزعه عرق وقال لما رأى شبها بزمعة احتجي منه يا سودة ثم ذكر آثارا تدل على الإذن في القياس وتعقبها بن التين بأن البخاري لم يرد النفي المطلق وانما أراد انه صلى الله عليه وسلم ترك الكلام في أشياء وأجاب بالرأي في أشياء وقد بوب لكل ذلك بما ورد فيه وأشار الى قوله بعد بابين باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وذكر فيه حديث لعله نزعه عرق وحديث فدين الله أحق أن يقضي وبهذا يندفع ما فهمه المهلب والداودي ثم نقل بن بطال الخلاف هل يجوز للنبي ان يجتهد فيما لم ينزل عليه ثالثها فيما يجري مجرى الوحي من منام وشبهه ونقل أن لا نص لمالك فيه قال والأشبه جوازه وقد ذكر الشافعي المسئلة في الأم وذكر أن حجة من قال أنه لم يسن شيئا الا بأمر وهو على وجهين اما بوحي يتلى على الناس وأما برسالة عن الله ان أفعل كذا قول الله تعالى وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة الآية فالكتاب ما يتلى والحكمة السنة وهو ما جاء به عن الله بغير تلاوة ويؤيد ذلك قوله في قصة العسيف لأقضين بينكما بكتاب الله أي بوحيه ومثله حديث يعلى بن أمية في قصة الذي سأل عن العمرة وهو لابس الجبة فسكت حتى جاءه الوحي فلما سرى عنه أجابه وأخرج الشافعي من طريق طاوس ان عنده كتابا في العقول نزل به الوحي وأخرج البيهقي بسند صحيح عن حسان بن عطية أحد التابعين من ثقات الشاميين كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ويجمع ذلك كله وما ينطق عن الهوى الآية ثم ذكر الشافعي أن من وجوه الوحي ما يراه في المنام وما يلقيه روح القدس في روعه ثم قال ولا تعدوا السنن كلها واحدا من هذه المعاني التي وصفت انتهى واحتج من ذهب الى أنه كان يجتهد بقول الله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار والأنبياء أفضل أولي الأبصار ولما ثبت من أجر المجتهد ومضاعفته والأنبياء أحق بما فيه جزيل الثواب ثم ذكر بن بطال أمثلة مما عمل فيه صلى الله عليه وسلم بالرأي من أمر الحرب وتنفيذ الجيوش واعطاء المؤلفة وأخذ الفداء من اسارى بدر واستدل بقوله تعالى وشاورهم في الأمر وقال ولا تكون المشورة الا فيما لا نص فيه واحتج الداودي بقول عمر ان الراي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا وانما هو منا الظن والتكلف وقال الكرماني قال المجوزون كأن التوقف فيما لم يجد له أصلا يقيس عليه والا فهو مأمور به لعموم قوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار انتهى وهو ملخص مما تقدم واحتج بن عبد البر لعدم القول بالرأي بما أخرجه من طريق بن شهاب ان عمر خطب فقال يا أيها الناس ان الرأي انما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لأن الله عز وجل يريه وانما هو منا الظن والتكلف وبهذا يمكن التمسك به لمن يقول كان يجتهد لكن لا يقع فيما يجتهد فيه خطأ أصلا وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم فاما من بعده فان الوقائع كثرت والأقاويل انتشرت فكان السلف يتحرزون من المحدثات ثم انقسموا ثلاث فرق الأولى تمسكت بالأمر وعملوا بقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين فلم يخرجوا في فتاويهم عن ذلك وإذا سئلوا عن شيء لا نقل عندهم فيه امسكوا عن الجواب وتوقفوا والثانية قاسوا ما لم يقع على ما وقع وتوسعوا في ذلك حتى أنكرت عليهم الفرقة الأولى كما تقدم ويجيء والثالثة توسطت فقدمت الأثر ما دام موجودا فإذا فقد قاسوا قوله وقال بن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية هو طرف من الحديث الذي مضى قريبا في آخر باب ما يكره من كثرة السؤال موصولا الى بن مسعود لكنه ذكره فيه بلفظ فقام ساعة ينظر وأورده بلفظ فسكت في كتاب العلم وأورده في تفسير سبحان بلفظ فأمسك وفي رواية مسلم فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا ثم ذكر حديث جابر في مرضه وسؤاله كيف أصنع في مالي قال فما اجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث وهو ظاهر فيما ترجم له وقد مضى شرحه مستوفى في تفسير سورة النساء

قوله باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل قال المهلب مراده ان العالم إذا كان يمكنه ان يحدث بالنصوص لا يحدث بنظره ولا قياسه انتهى والمراد بالتمثيل القياس وهو اثبات مثل حكم معلوم في آخر لاشتراكهما في علة الحكم والرأي أعم وذكر فيه حديث أبي سعيد في سؤال المرأة قد ذهب الرجال بحديثك وفيه فأتاهن فعلمهن مما علمه الله وفيه ثم قال ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة وقد مضى شرحه مستوفى في أول كتاب الجنائز وفي العلم وقوله

[ 6880 ] جاءت امرأة لم أقف على اسمها ويحتمل ان تكون هي أسماء بنت يزيد بن السكن وقوله هنا فأتاهن فعلمهن مما علمه الله تقدم هناك بلفظ فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن فأمرهن فكان فيما قال لهن فذكر نحو ما هنا ولم أر في شيء من طرقه بيان ما علمهن لكن يمكن ان يؤخذ من حديث أبي سعيد الآخر الماضي في كتاب الزكاة وفيه فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فاني رأيتكن أكثر أهل النار الحديث وفيه فقامت امرأة فقالت لم وفيه أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل وأليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم وقد مضى شرحه مستوفى هناك وان المراة المذكورة هي أسماء قال الكرماني موضع الترجمة من الحديث قوله كن لها حجابا من النار فإنه أمر توقيفي لا يعلم الا من قبل الله تعالى لا دخل للقياس والرأي فيه

قوله باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق هذه الترجمة لفظ الحديث أخرجه مسلم عن ثوبان وبعده لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك وله من حديث جابر مثله لكن قال يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة وله من حديث معاوية المذكور في الباب نحوه قوله وهم أهل العلم هو من كلام المصنف وأخرج الترمذي حديث الباب ثم قال سمعت محمد بن إسماعيل هو البخاري يقول سمعت علي بن المديني يقول هم أصحاب الحديث وذكر في كتاب خلق أفعال العباد عقب حديث أبي سعيد في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا هم الطائفة المذكورة في حديث لا تزال طائفة من أمتي ثم ساقه وقال وجاء نحوه عن أبي هريرة ومعاوية وجابر وسلمة بن نفيل وقرة بن إياس انتهى وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد ان لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ومن طريق يزيد بن هارون مثله وزعم بعض الشراح أنه استفاد ذلك من حديث معاوية لأن فيه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وهو في غاية البعد وقال الكرماني يؤخذ من الاستقامة المذكورة في الحديث الثاني أن من جملة الاستقامة ان يكون التفقه لأنه الأصل قال وبهذا ترتبط الأخبار المذكورة في حديث معاوية لأن الاتفاق لا بد منه أي المشار اليه بقوله وانما انا قاسم ويعطي الله عز وجل

[ 6881 ] قوله حدثنا عبيد الله بن موسى هو العبسي بالموحدة ثم المهملة الكوفي من كبار شيوخ البخاري وهو من أتباع التابعين وشيخه في هذا الحديث إسماعيل هو بن أبي خالد تابعي مشهور وشيخ إسماعيل قيس هو بن أبي حازم من كبار التابعين وهو مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ولهذا الإسناد حكم الثلاثيات وان كان رباعيا وقد تقدم بعد علامات النبوة ببابين من رواية يحيى القطان عن إسماعيل انزل من هذا بدرجة ورجال سند الباب كلهم كوفيون لأن المغيرة ولي امرة الكوفة غير مرة وكانت وفاته بها وقد اتفق الرواة عن إسماعيل على أنه عن قيس عن المغيرة وخالفهم أبو معاوية فقال عن سعيد بدل المغيرة فأورده أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وقال الصواب قول الجماعة عن المغيرة وحديث سعد عند مسلم لكن من طريق بن عثمان عن سعد قوله لا تزال بالمثناة أوله وفي رواية مسلم من طريق مروان الفزاري عن إسماعيل لن يزال قوم وهذه بالتحتانية والباقي مثله لكن زاد ظاهرين على الناس قوله حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون أي على من خالفهم أي غالبون أو المراد بالظهور أنهم غير مستترين بل مشهورون والأول أولى وقد وقع عند مسلم من حديث جابر بن سمرة لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة وله في حديث عقبة بن عامر لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تاتيهم الساعة وقد ذكرت الجمع بينه وبين حديث لا تقوم الساعة الا على شرار الناس في أواخر كتاب الفتن والقصة التي أخرجها مسلم أيضا من حديث عبد الله بن عمرو لا تقوم الساعة الا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشيء الا رده عليهم ومعارضة عقبة بن عامر بهذا الحديث فقال عبد الله أجل ثم يبعث الله ريحا كريح المسك فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من ايمان الا قبضته ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة وقد أشرت الى هذا قريبا في الكلام على حديث قبض العلم وان هذا أولى ما يتمسك به في الجمع بين الحديثين المذكورين وذكرت ما نقله بن بطال عن الطبري في الجمع بينهما ان شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة يكونون بموضع مخصوص وأن موضعا آخر يكون به طائفة يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم ثم أورد من حديث أبي أمامة نحو حديث الباب وزاد فيه قيل يا رسول الله وأين هم قال ببيت المقدس وأطال في تقرير ذلك وذكرت أن المراد بأمر الله هبوب تلك الريح وأن المراد بقيام الساعة ساعتهم وان المراد بالذين يكونون ببيت المقدس الذين يحصرهم الدجال إذا خرج فينزل عيسى إليهم فيقتل الدجال ويظهر الدين في زمن عيسى ثم بعد موت عيسى تهب الريح المذكورة فهذا هو المعتمد في الجمع والعلم عند الله تعالى

[ 6882 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وابن وهب هو عبد الله ويونس هو بن يزيد وحميد هو بن عبد الرحمن بن عوف قوله سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب في رواية عمير بن هاني سمعت معاوية على المنبر يقول وقد مضى في علامات النبوة ويأتي في التوحيد وفي رواية يزيد بن الأصم سمعت معاوية وذكر حديثا ولم أسمعه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم على منبره حديثا غيره أخرجه مسلم قوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين تقدم شرح هذا في كتاب العلم وقوله وانما أنا قاسم ويعطي الله تقدم في العلم بلفظ والله المعطي وفي فرض الخمس من وجه آخر والله المعطي وأنا القاسم وتقدم شرحه هناك أيضا قوله ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله في رواية عمير بن هانئ لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله وتقدم بعد بابين من باب علامات النبوة من هذا الوجه بلفظ لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك وزاد قال عمير فقال مالك بن يخامر قال معاذ وهم بالشام وفي رواية يزيد بن الأصم ولا تزال عصابة من المسلمين ظاهرين على من ناوأهم الى يوم القيامة قال صاحب المشارق في قوله لا يزال أهل الغرب يعني الرواية التي في بعض طرق مسلم وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني قال المراد بالغرب الدلو أي الغرب بفتح المهملتين لأنهم أصحابها لا يستقى بها أحد غيرهم لكن في حديث معاذ وهم أهل الشام فالظاهر أن المراد بالغرب البلد لأن الشام غربي الحجاز كذا قال وليس بواضح ووقع في بعض طرق الحديث المغرب بفتح الميم وسكون المعجمة وهذا يرد تأويل الغرب بالعرب لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه أن المراد الأقليم لا صفة بعض أهله وقيل المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الجهاد يقال في لسانه غرب بفتح ثم سكون أي حدة ووقع في حديث أبي أمامة عند أحمد أنهم ببيت المقدس وأضاف بيت الى المقدس وللطبراني من حديث النهدي نحوه وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب ببيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين الى يوم القيامة قلت ويمكن الجمع بين الأخبار بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية ويسقون بالدلو وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدة وجد تنبيه اتفق الشراح على أن معنى قوله على من خالفهم أن المراد علوهم عليهم بالغلبة وأبعد من أبدع فرد على من جعل ذلك منقبة لأهل الغرب أنه مذمة لأن المراد بقوله ظاهرين على الحق أنهم غالبون له وأن الحق بين أيديهم كالميت وأن المراد بالحديث ذم الغرب وأهله لا مدحهم قال النووي فيه ان الإجماع حجة ثم قال يجوز ان تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد ولا يلزم ان يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وان يكونوا في بعض منه دون بعض ويجوز اخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا الى ان لا يبقى الا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله انتهى ملخصا مع زيادة فيه ونظير ما نبه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها أنه لا يلزم ان يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة وهو متجه فان اجتماع الصفات المحتاج الى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد الا ان يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز فأنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه واما من جاء بعده فالشافعي وان كان متصفا بالصفات الجميلة الا انه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا

قوله باب في قول الله تعالى أو يلبسكم شيعا ذكر فيه حديث جابر في نزول قوله تعالى

[ 6883 ] قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سورة الأنعام ووجه مناسبته لما قبله ان ظهور بعض الأمة على عدوهم دون بعض يقتضي ان بينهم اختلافا حتى انفردت طائفة منهم بالوصف لأن غلبة الطائفة المذكورة ان كانت على الكفار ثبت المدعى وان كانت على طائفة من هذه الأمة أيضا فهو أظهر في ثبوت الاختلاف فذكر بعده أصل وقوع الاختلاف وانه صلى الله عليه وسلم كان يريد ان لا يقع فأعلمه الله تعالى انه قضى بوقوعه وان كل ما قدره لا سبيل الى رفعه قال بن بطال أجاب الله تعالى دعاء نبيه في عدم استئصال أمته بالعذاب ولم يجبه في ان لا يلبسهم شيعا أي فرقا مختلفين وان لا يذيق بعضهم بأس بعض أي بالحرب والقتل بسبب ذلك وان كان ذلك من عذاب الله لكن أخف من الاستئصال وفيه للمؤمنين كفارة

قوله باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمها ليفهم السائل في رواية الكشميهني والإسماعيلي والجرجاني قد بين الله بحذف الواو وبحذف النبي والأول أولى وحذف الواو يوافق ترجمة المصنف الماضية قال مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل أي أن الذي ورد عنه من التمثيل انما هو تشبيه أصل بأصل والمشبه أخفى عند السائل من المشبه به وفائدة التشبيه التقريب لفهم السائل وأورده النسائي بلفظ من شبه أصلا معلوما بأصل مبهم قد بين الله حكمهما ليفهم السائل وهذا أوضح في المراد ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الذي قال ان امرأتي ولدت غلاما اسود وقد تقدمت الإشارة اليه قريبا وتقدم شرحه مستوفى في كتاب اللعان وحديث بن عباس في قصة المراة التي ذكرت ان أمها نذرت ان تحج فماتت أفأحج عنها وقد تقدمت الإشارة اليه قريبا أيضا وتقدم شرحه مستوفى في الحج قال بن بطال التشبيه والتمثيل هو القياس عند العرب وقد احتج المزني بهذين الحديثين على من انكر القياس قال وأول من انكر القياس إبراهيم النظام وتبعه بعض المعتزلة وممن ينسب الى الفقه داود بن علي وما اتفق عليه الجماعة هو الحجة فقد قاس الصحابة فمن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار وبالله التوفيق وتعقب بعضهم الأولية التي أدعاها بن بطال بأن إنكار القياس ثبت عن بن مسعود من الصحابة ومن التابعين عن عامر الشعبي من فقهاء الكوفة وعن محمد بن سيرين من فقهاء البصرة وقال الكرماني عقب هذا الباب وما فيه يدل على صحة القياس وأنه ليس مذموما لكن لو قال من شبه أمرا معلوما لوافق اصطلاح أهل القياس قال وأما الباب الماضي المشعر بذم القياس وكراهته فطريق الجمع بينهما ان القياس على نوعين صحيح وهو المشتمل على جميع شرائط وفاسد وهو بخلاف ذلك فالمذموم هو الفاسد واما الصحيح فلا مذمة فيه بل هو مامور به انتهى وقد ذكر الشافعي شرط من له ان يقيس فقال يشترط ان يكون عالما بالأحكام من كتاب الله تعالى وبناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه ويستدل على ما احتمل التاويل بالسنة والإجماع فان لم يكن فبالقياس على ما في الكتاب فان لم يكن فبالقياس على ما في السنة فان لم يكن فبالقياس على ما اتفق عليه السلف وإجماع الناس ولم يعرف له مخالف قال ولا يجوز القول في شيء من العلم الا من هذه الأوجه ولا يكون لأحد ان يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلاف العلماء ولسان العرب ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات ولا يعجل ويستمع ممن خالف ليتنبه بذلك على غفلة ان كانت وان يبلغ غاية جهده وينصف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما قال والاختلاف على وجهين فما كان منصوصا لم يحل فيه الاختلاف عليه وما كان يحتمل التأويل أو يدرك قياسا فذهب المتأول أو القائس الى معنى يحتمل وخالفه غيره لم أقل انه يضيق عليه ضيق المخالف للنص وإذا قاس من له القياس فاختلفوا وسع كلا ان يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع غيره فيما اداه اليه اجتهاده وقال بن عبد البر في بيان العلم بعد ان ساق هذا الفصل قد اتى الشافعي رحمه الله في هذا الباب بما فيه كفاية وشفاء والله الموفق وقال بن العربي وغيره القرآن هو الأصل فان كانت دلالته خفية نظر في السنة فان بينته والا فالجلي من السنة وان كانت الدلالة منها خفية نظر فيما اتفق عليه الصحابة فإن اختلفوا رجح فان لم يوجد عمل بما يشبه نص الكتاب ثم السنة ثم الاتفاق ثم الراجح كما سقته عنه في شرح حديث أنس لا يأتي عام الا والذي بعده شر منه في أوائل كتاب الفتن وأنشد بن عبد البر لأبي محمد اليزيدي النحوي المقرئ المشهور برواية أبي عمرو بن العلاء من أبيات طويلة في اثبات القياس لا تكن كالحمار يحمل اسفا را كما قد قرأت في القرآن ان هذا القياس في كل أمر عند أهل العقول كالميزان لا يجوز القياس في الدين الا لفقيه لدينه صوان ليس يغني عن جاهل قول راو عن فلان وقوله عن فلان ان أتاه مسترشدا افتاه بحديثين فيهما معنيان ان من يحمل الحديث ولا يعرف فيه المراد كالصيدلاني حكم الله في الجزاء ذوي عد ل لذي الصيد بالذي يريان لم يوقت ولم يسم ولكن قال فيه فليحكم العدلان ولنا في النبي صلى علي ه الله والصالحون كل اوان أسوة في مقاله لمعاذ اقض بالرأي ان اتى الخصمان وكتاب الفاروق يرحمه الله الى الأشعري في تبيان قس إذا اشكلت عليك أمور ثم قل بالصواب والعرفان وتعقب بعضهم الأولية التي ادعاها بن بطال إنكار القياس ثبت عن بن مسعود من الصحابة ومن التابعين عن عامر الشعبي من فقهاء الكوفة وعن محمد بن سيرين من فقهاء البصرة وذلك مشهور عنهم نقله بن عبد البر ومن قبله الدارمي وغيره عنهم وعن غيرهم والمذهب المعتدل ما قاله الشافعي ان القياس مشروع عند الضرورة لاأنه أصل برأسه

قوله باب ما جاء في اجتهاد القضاء كذا لأبي ذر والنسفي وابن بطال وطائفة القضاء بفتح أوله والمد واضافة الاجتهاد اليه بمعنى الاجتهاد فيه والمعنى الاجتهاد في الحكم بما انزل الله تعالى أو فيه حذف تقديره اجتهاد متولى القضاء ووقع في رواية غيرهم القضاة بصيغة الجمع وهو واضح لكن سيأتي بعد قليل الترجمة لاجتهاد الحاكم فيلزم التكرار والاجتهاد بذل الجهد في الطلب واصطلاحا بذل الوسع للتوسل الى معرفة الحكم الشرعي قوله بما أنزل الله لقوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون كذا للأكثر وللنسفي بما انزل الله الآية وترجم في أوائل الاحكام للحديث الأول من الباب أجر من قضى بالحكمة لقول الله تعالى ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون وفيه إشارة الى ان الوصف بالصفتين ليس واحدا خلافا لمن قال إحداهما في النصارى والأخرى في المسلمين والأولى لليهود والأظهر العموم واقتصر المصنف على تلاوة الآيتين لأمكان تناولهما المسلمين بخلاف الأولى فانها في حق من استحل الحكم بخلاف ما أنزل الله تعالى واما الآخرتان فهما لأعم من ذلك قوله ومدح النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الحكمة حين يقضي بها ويعلمها ولا يتكلف من قبله يجوز في مدح فتح الدال على انه فعل ماض ويجوز تسكينها على انه اسم والحاء مجرورة وهو مضاف للفاعل واختلف في ضبط قبله فللأكثر بفتح الموحدة بعد القاف المكسورة أي من جهته وللكشميهني بتحتانية ساكنة بدل الموحدة أي من كلامه وعند النسفي من قبل نفسه قوله ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم ذكر فيه حديثين الأول للشق الأول والثاني للثاني الأول حديث بن مسعود لا حسد الا في اثنتين وقد تقدم سندا ومتنا في أول كتاب الأحكام وترجم له أجر من قضى بالحكمة وتقدم الكلام عليه ثمة ثانيهما حديث المغيرة قال سأل عمر عن املاص المرأة وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر الديات أخرجه عاليا عن عبيد الله بن موسى عن هشام بن عروة ومن وجهين آخرين عن هشام وقوله

[ 6887 ] هنا حدثنا محمد هو بن سلام كما جزم به بن السكن وقد أخرج البخاري في النكاح حديثا عن محمد بن سلام منسوبا لأبيه عند الجميع عن أبي معاوية فهذه قرينة تؤيد قول بن السكن واحتمال كونه محمد بن المثني بعيد وان كان اخرج في الطهارة عن محمد بن خازم بمعجمتين حديثا وهو أبو معاوية لكن المهمل انما يحمل على من يكون لمن اهمله به اختصاص واختصاص البخاري بمحمد بن سلام مشهور وقوله في آخره تابعه بن أبي الزناد يعني عبد الرحمن عن أبيه وهو عبد الله بن ذكوان وهو بكنيته اشهر وسقط هذا للنسفي قوله عن عروة عن المغيرة كذا للأكثر وهو الصواب ووقع في رواية الكشميهني عن الأعرج عن أبي هريرة وهو غلط فقد رويناه موصولا عن البخاري نفسه وهو في الجزء الثالث عشر من فوائد الأصبهانيين عن المحاملي قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثني بن أبي الزناد عن أبيه عروة عن المغيرة وكذلك أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ولم ينبه الحميدي في الجمع ولا المزي في الأطراف ولا أحد من الشراح على هذا الموضع قال بن بطال لا يجوز للقاضي الحكم الا بعد طلب حكم الحادثة من الكتاب أو السنة فان عدمه رجع الى الإجماع فان لم يجده نظر هل يصح الحمل على بعض الاحكام المقررة لعلة تجمع بينهما فان وجد ذلك لزمه القياس عليها الا ان عارضتها علة أخرى فيلزمه الترجيح فان لم يجد علة استدل بشواهد الأصول وغلبة الاشتباه فان لم يتوجه له شيء من ذلك رجع الى حكم العقل قال هذا قول بن الطيب يعني أبا بكر الباقلاني ثم أشار الى إنكار كلامه الأخير بقوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء وقد علم الجميع بأن النصوص لم تحط بجميع الحوادث فعرفنا ان الله قد أبان حكمها بغير طريق النص وهو القياس ويؤيد ذلك قوله تعالى لعلمه الذين يستنبطونه منهم لأن الاستنباط هو الاستخراج وهو بالقياس لأن النص ظاهر ثم ذكر في الرد على منكري القياس وألزمهم التناقض لأن من أصلهم إذا لم يوجد النص الرجوع الى الإجماع قال فيلزمهم ان يأتوا بالإجماع على ترك القول بالقياس ولا سبيل لهم الى ذلك فوضح ان القياس انما ينكر إذا استعمل مع وجود النص أو الإجماع لا عند فقد النص والإجماع وبالله التوفيق

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لتتبعن بمثناتين مفتوحتين ثم موحدة مكسورة وعين مهملة مضمومة ونون ثقيلة وأصله تتبعون سنن بالمهملة والنون بعدها نون أخرى من كان قبلكم بفتح اللام ولفظ الترجمة مطابق للفظ الحديث الثاني

[ 6888 ] قوله عن المقبري هو سعيد وسماه الإسماعيلي في روايته عن إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه قوله لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها كذا هنا بموحدة مكسورة والف مهموزة وخاء معجمة ثم معجمة والأخذ بفتح الألف وسكون الخاء على الأشهر هو السيرة يقال اخذ فلان بأخذ فلان أي سار بسيرته وما اخذ أخذه أي ما فعل فعله ولا قصد وقيل الألف مثلثة وقرأه بعضهم اخذ بفتح الخاء جمع اخذة بكسر أوله مثل كسرة وكسر ووقع في رواية الأصيلي على ما حكاه بن بطال بما اخذ القرون بموحدة وما الموصولة وأخذ بلفظ الفعل الماضي وهي رواية الإسماعيلي وفي رواية النسفي مأخذ بميم مفتوحة وهمزة ساكنة والقرون جمع قرن بفتح القاف وسكون الراء الأمة من الناس ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عبد الله بن نافع عن بن أبي ذئب الأمم والقرون قوله شبرا بشبر وذراعا بذراع في رواية الكشميهني شبرا شبرا وذراعا ذراعا قوله فقيل يا رسول الله في قوله الإسماعيلي من طريق عبد الصمد بن النعمان عن أبن أبي ذئب فقال رجل ولم أقف عليه مسمى قوله كفارس والروم يعني الأمتين المشهورتين في ذلك الوقت وهم الفرس في ملكهم كسرى والروم في ملكهم قيصر وفي رواية الإسماعيلي المذكورة كما فعلت فارس والروم قوله ومن الناس الا أولئك أي فارس والروم لكونهم كانوا إذ ذاك أكبر ملوك الأرض وأكثرهم رعية وأوسعهم بلادا

[ 6889 ] قوله حدثنا محمد بن عبد العزيز هو الرملي وأبو عمر الصنعاني بمهملة ثم نون هو حفص بن ميسرة وقوله من اليمن أي هو رجل من اليمن أي هو من صنعاء اليمن لا من صنعاء الشام وقيل المراد أصله من اليمن وهو من صنعاء الشام ونزل عسقلان قوله لتتبعن سنن بفتح السين للأكثر وقال بن التين قرأناه بضمها وقال المهلب بالفتح أولى لأنه الذي يستعمل فيه الذراع والشبر وهو الطريق قلت وليس اللفظ الأخير ببعيد من ذلك قوله شبرا شبرا وذراعا ذراعا في رواية الكشميهني شبرا بشبر وذراعا بذراع عكس الذي قبله قال عياض الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه قوله جحر بضم الجيم وسكون المهملة والضب الحيوان المعروف تقدم الكلام عليه في ذكر بني إسرائيل قوله قلنا لم أقف على تعيين القائل قوله قال فمن هو استفهام إنكار والتقدير فمن هم غير أولئك وقد اخرج الطبراني من حديث المستورد بن شداد رفعه لا تترك هذه الأمة شيئا من سننن الأولين حتى تأتيه ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها قال بن بطال اعلم صلى الله عليه وسلم ان أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم وقد انذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر والساعة لا تقوم الا على شرار الناس وان الدين انما يبقى قائما عند خاصة من الناس قلت وقد وقع معظم ما انذر به صلى الله عليه وسلم وسيقع بقية ذلك وقال الكرماني حديث أبي هريرة مغاير لحديث أبي سعيد لأن الأول فسر بفارس والروم والثاني باليهود والنصارى ولكن الروم نصارى وقد كان في الفرس يهود أو ذكر ذلك على سبيل المثال لأنه قال في السؤال كفارس انتهى ويعكر عليه جوابه صلى الله عليه وسلم بقوله ومن الناس الا أولئك لأن ظاهره الحصر فيهم وقد أجاب عنه الكرماني بأن المراد حصر الناس المعهود من المتبوعين قلت ووجهه انه صلى الله عليه وسلم لما بعث كان ملك البلاد منحصرا في الفرس والروم وجميع من عداهم من الأمم من تحت أيديهم أو كلا شيء بالنسبة إليهم فصح الحصر بهذا الاعتبار ويحتمل ان يكون الجواب اختلف بحسب المقام فحيث قال فارس والروم كان هناك قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية وحيث قيل اليهود والنصارى كان هناك قرينة تتعلق بأمور الديانات اصولها وفروعها ومن ثم كان في الجواب عن الأول ومن الناس الا أولئك واما الجواب في الثاني بالإبهام فيؤيد الحمل المذكور وأنه كان هناك قرينة تتعلق بما ذكرت واستدل بن عبد البر في باب ذم القول بالرأي إذا كان على غير أصل بما أخرجه من جامع بن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة انه سمع أباه يقول لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم فأحدثوا فيهم القول بالرأي وأضلوا بني إسرائيل قال وكان أبي يقول السنن السنن فان السنن قوام الدين وعن بن وهب أخبرني بكر بن مضر عمن سمع بن شهاب الزهري وهو يذكر ما وقع الناس فيه من الرأي وتركهم السنن فقال ان اليهود والنصارى انما انسلخوا من العلم الذي كان بأيديهم حين استقلوا الرأي وأخذوا فيه وأخرج بن أبي خيثمة من طريق مكحول عن أنس قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل إذا ظهر الادهان في خياركم والفحش في شراركم والملك في صغاركم والفقه في رذالكم وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند صحيح عن عمر فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير وذكر أبو عبيد ان المراد بالصغر في هذا صغر القدر لا السن والله اعلم

قوله باب اثم من دعا الى ضلالة أو سن سنة سيئة لقوله تعالى ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ورد فيما ترجم به حديثان بلفظ وليسا على شرطه واكتفى بما يؤدي معناهما وهما ما ذكرهما من الآية والحديث فاما حديث من دعا الى ضلالة فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من اجورهم شيئا ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا وأما حديث من سن سنة سيئة فأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله البجلي في حديث طويل قال فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا وأخرجه من طريق المنذر بن جرير عن أبيه مثله لكن قال شيء في الموضعين بالرفع وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن جرير بلفظ من سن سنة خير ومن سن سنة شر واما الآية فقال مجاهد في قوله تعالى ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم قال حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا وأخرج عن الربيع بن أنس أنه فسر الآية المذكورة بحديث أبي هريرة المذكور ذكره مرسلا بغير سند وأما حديث الباب عن عبد الله بن مسعود فقد مضى شرحه في أول كتاب القصاص وتقدم البحث في المراد بالمفارق للجماعة المذكور فيه قال المهلب هذا الباب والذي قبله في معنى التحذير من الضلال واجتناب البدع ومحدثات الأمور في الدين والنهي عن مخالفة سبيل المؤمنين انتهى ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة وهو أن يلحقه اثم من عمل بها من بعده ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في أحداثها

قوله باب ما ذكر النبي وحض بمهملة وضاد معجمة ثقيلة أي حرض بالمهملة وتشديد الراء وقوله على اتفاق أهل العلم قال الكرماني في بعض الروايات وما حض عليه من اتفاق وهو من باب تنازع العاملين وهما ذكر وحض قوله وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة وما كان بهما من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار في رواية الكشميهمني وما اجمع بهمزة قطع بغير تاء وعنده وما كان بها بالإفراد والأول أولى قال الكرماني الإجماع هو اتفاق أهل الحل والعقد أي المجتهدين من أمة محمد على أمر من الأمور الدينية واتفاق مجتهدي الحرمين دون غيرهم ليس بإجماع عند الجمهور وقال مالك إجماع أهل المدينة حجة قال وعبارة البخاري مشعرة بأن اتفاق أهل الحرمين كليهما إجماع قلت لعله أراد الترجيح به لا دعوى الإجماع وإذا قال بحجية إجماع أهل المدنية وحدها مالك ومن تبعه فهم قائلون به إذا وافقهم أهل مكة بطريق الأولى وقد نقل بن التين عن سحنون اعتبار إجماع أهل مكة مع أهل المدينة قال حتى لو اتفقوا كلهم وخالفهم بن عباس في شيء لم يعد إجماعا وهو مبني على أن ندرة المخالف تؤثر في ثبوت الإجماع قوله ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والقبر هذه الثلاثة مجرورة عطفا على قوله مشاهد ثم ذكر فيه أربعة وعشرين حديثا الحديث الأول حديث جابر

[ 6891 ] قوله إسماعيل هو بن أبي أويس قوله السلمي بفتح المهملة واللام قوله ان اعرابيا تقدم القول في اسمه وفي أي شيء استقال منه وضبط ينصع في أواخر الحج في فضل المدينة وكذا قوله كالكير مع سائر شرحه ولله الحمد قال بن بطال عن المهلب فيه تفضيل المدينة على غيرها بما خصها الله به من أنها تنفي الخبث ورتب على ذلك القول بحجية إجماع أهل المدينة وتعقب بقول بن عبد البر أن الحديث دال على فضل المدينة ولكن ليس الوصف المذكور عاما لها في جميع الأزمنة بل هو خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يخرج منها رغبة عن الإقامة معه الا من لا خير فيه وقال عياض نحوه وأيده بحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الفضة قال والنار انما تخرج الخبث والرديء وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من خيار الصحابة وقطنوا غيرها وماتوا خارجا عنها كابن مسعود وأبي موسى وعلي أو أبي ذر وعمار وحذيفة وعبادة بن الصامت وأبي عبيدة ومعاذ وأبي الدرداء وغيرهم فدل على أن ذلك خاص بزمنه صلى الله عليه وسلم بالقيد المذكور ثم يقع تمام إخراج الرديء منها في زمن محاصرة الدجال كما تقدم بيان ذلك واضحا في آخر كتاب الفتن وفيه فلا يبقى منافق ولا منافقة الا خرج اليه فذلك يوم الخلاص الحديث الثاني حديث بن عباس كنت أقرىء عبد الرحمن بن عوف الحديث في خطبة عمر الذي تقدم بطوله مشروحا في باب رجم الحبلى من الحدود وذكر هنا منه طرفا والغرض منه هنا ما يتعلق بوصف المدينة بدار الهجرة ودار السنة ومأوى المهاجرين والأنصار وقوله فيه فلما كان آخر حجة حجها عمر فقال عبد الرحمن جواب لما محذوف وقد تقدم بيانه وهو فلما رجع عبد الرحمن من عند عمر لقيني فقال وقوله فيه قال بن عباس هو موصول بالسند المذكور وقوله فقدمنا المدينة فقال ان الله بعث محمدا بالحق حذف منه قطعة كبيرة بين قوله فقدمنا المدينة وبين قوله قال الخ تقدم بيانها هناك وفيها قصة مع سعيد بن زيد وخروج عمر يوم الجمعة وخطبته بطولها وقد أدخل كثير ممن يقول بحجية إجماع أهل المدينة هذه المسألة في مسألة إجماع الصحابة وذلك حيث يقول لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا الوحي وما أشبه ذلك وهما مسألتان مختلفتان والقول بأن إجماع الصحابة حجة أقوى من القول بان إجماع أهل المدينة حجة والراجح ان أهل المدينة ممن بعد الصحابة إذا اتفقوا على شيء كان القول به أقوى من القول بغيره الا ان يخالف نصا مرفوعا كما انه يرجح بروايتهم لشهرتهم بالتثبت في النقل وترك التدليس والذي يختص بهذا الباب القول بحجية قول أهل المدينة إذا اتفقوا واما ثبوت فضل المدينة واهلها وغالب ما ذكر في الباب فليس يقوى في الاستدلال على هذا المطلوب الحديث الثالث

[ 6892 ] قوله عن محمد هو بن سيرين ووقع منسوبا في رواية الترمذي عن قتيبة عن حماد بن زيد قوله ثوبان ممشقان بفتح الشين المعجمة الثقيلة بعدها قاف أي مصبوغان بالمشق بكسر الميم وسكون المعجمة وهو الطين الأحمر وقوله بخ بخ بموحدة ثم معجمة مكرر كلمة تعجب ومدح وفيها لغات وقد تقدم شرحه في باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الرقاق والغرض منه قوله واني لأخر ما بين المنبر والحجرة هو مكان القبر الشريف وقال بن بطال عن المهلب وجه دخوله في الترجمة الإشارة الى انه لما صبر على الشدة التي أشار إليها من أجل ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العلم جوزي بما انفرد به من كثرة محفوظه ومنقوله من الاحكام وغيرها وذلك ببركة صبره على المدينة الحديث الرابع حديث بن عباس في شهوده العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم تقدم شرحه مستوفى في صلاة العيد وسياقه هناك أتم والغرض منه هنا ذكر المصلى حيث قال فأتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت والدار المذكورة بنيت بعد العهد النبوي وانما عرف بها لشهرتها وقال بن بطال عن المهلب شاهد الترجمة قول بن عباس ولولا مكاني من الصغر ما شهدته لأن معناه ان صغير أهل المدينة وكبيرهم ونساءهم وخدمهم ضبطوا العلم معاينة منهم في مواطن العمل من شارعها المبين عن الله تعالى وليس لغيرهم هذه المنزلة وتعقب بان قول بن عباس من الصغر ما شهدته إشارة منه الى ان الصغر مضنة عدم الوصول الى المقام الذي شاهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع كلامه وسائر ما قصه في هذه القصة لكن لما كان بن عمه وخالته أم المؤمنين وصل بذلك الى المنزلة المذكورة ولولا ذلك لم يصل ويؤخذ منها نفي التعميم الذي ادعاه المهلب وعلى تقدير تسلميه فهو خاص بمن شاهد ذلك وهم الصحابة فلا يشاركهم فيهم من بعدهم بمجرد كونه من أهل المدينة الحديث الخامس حديث بن عمر في اتيان قباء وقد تقدم شرحه في أواخر الصلاة وفيه زيادة عن بن عمر قال بن بطال عن المهلب المراد من هذا الحديث معاينة النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا وراكبا في قصده مسجد قباء وهو مشهد من مشاهده صلى الله عليه وسلم وليس ذلك بغير المدينة الحديث السادس

[ 6896 ] قوله عن هشام هو بن عروة بن الزبير ووقع منسوبا في رواية جويرية بن محمد عن أبي أسامة عند أبي نعيم قوله عن عائشة قالت لعبد الله بن الزبير أي انها قالت قوله مع صواحبي جمع صاحبة تريد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بالبقيع قوله ولا تدفني مع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت يعارضه في الظاهر قولها في قصة دفن عمر قوله فإني أكره ان أزكى بفتح الكاف الثقيلة على البناء للمجهول أي ان يثني علي أحد بما ليس في بل بمجرد كوني مدفونة عنده دون سائر نساءه فيظن اني خصصت بذلك من دونهن لمعنى في ليس فيهن وهذا منها في غاية التواضع الحديث السابع

[ 6897 ] قوله وعن هشام عن أبيه هو موصول بالسند الذي قبله وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي أسامة موصولا ان عمر أرسل الى عائشة هذا صورته الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن إرسال عمر الى عائشة لكنه محمول على انه حمله عن عائشة فيكون موصولا قوله مع صاحبي بالتثنيه قوله فقالت أي والله قال وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة هو متعلق بقوله الرجل ولفظ الرسالة محذوف وتقديره يسألها ان يدفن معهم وجواب الشرط قالت الخ قوله قالت لا والله لا أوثرهم بأحد أبدا بالمثلثة من الايثار قال بن التين كذا وقع والصواب لا أوثر أحدا بهم أبدا قال شيخنا بن الملقن ولم يظهر لي وجه صوابه انتهى وكأنه يقول انه مقلوب وهو كذلك وبذلك صرح صاحب المطالع ثم الكرماني قال ويحتمل ان يكون المراد لا أثيرهم بأحد أي لا انبشهم لدفن أحد أحد والباء بمعنى اللام واستشكله بن التين بقولها في قصة عمر لأوثرنه على نفسي وأجاب باحتمال ان يكون الذي آثرته به المكان الذي دفن فيه من وراء قبر أبيها بقرب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لا ينفي وجود مكان آخر في الحجرة قلت وذكر بن سعد من طرق ان الحسن بن علي أوصى اخاه ان يدفنه عندهم ان لم يقع بذلك فتنة فصده عن ذلك بنو أمية فدفن بالبقيع وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن سلام قال مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم عليهما السلام يدفن معه قال أبو داود أحد رواته وقد بقي في البيت موضع قبر وفي رواية الطبراني يدفن عيسى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فيكون قبرا رابعا قال بن بطال عن المهلب انما كرهت عائشة ان تدفن معهم خشية ان يظن أحد انها أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فقد سأل الرشيد مالكا عن منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فقال كمنزلتهما منه بعد مماته فزكاهما بالقرب معه في البقعة المباركة والتربة التي خلق منها فاستدل على انهما أفضل الصحابة باختصاصهما بذلك وقد احتج أبو بكر الأبهري المالكي بأن المدينة أفضل من مكة بأن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من تربة المدينة وهو أفضل البشر فكانت تربته أفضل الترب انتهى وكون تربته أفضل الترب لا نزاع فيه وانما النزاع هل يلزم من ذلك ان تكون المدينة أفضل من مكة لأن المجاور للشيء لو ثبت له جميع مزاياه لكان لما جاور ذلك المجاور نحو ذلك فيلزم ان يكون ما جاور المدينة أفضل من مكة وليس كذلك اتفاقا كذا أجاب به بعض المتقدمين وفيه نظر الحديث الثامن

[ 6898 ] قوله حدثنا أيوب بن سليمان أي بن بلال المدني والسند كله مدنيون ولم يسمع أيوب من أبيه بل حدث عنه بواسطة وهو مقل ووثقه أبو داود وغيره وزعم بن عبد البر انه ضعيف فوهم وانما الضعيف آخر وافق اسمه واسم أبيه قوله فيأتي العوالي تقدم بيانه في كتاب المواقيت مع شرحه قوله زاد الليث عن يونس يعني عن بن شهاب عن أنس ويونس هو بن يزيد الأيلي وهذه الطريق وصلها البيهقي من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني الليث عن يونس أخبرني بن شهاب عن أنس فذكر الحديث بتمامه وزاد في آخره وبعد العوالي من المدينة على أربعة اميال قوله وبعد العوالي أربعة أميال أو ثلاثة كأنه شك منه فإنه عنده عن أبي صالح وهو على عادته يورد له في الشواهد والتتمات ولا يحتج به في الأصول قال بن بطال عن المهلب معنى الحديث ان بين العوالي ومسجد المدينة للماشي شيئا معلما من معالم ما بين الصلاتين يستغنى الماشي فيها يوم الغيم عن معرفة الشمس وذلك معدوم في سائر الأرض قال فإذا كانت مقادير الزمان معينة بالمدينة بمكان باد للعيان ينقله العلماء الى أهل الآفاق ليتمثلوه في أقاصي البلدان فكيف يساويهم أهل بلد غيرها وهذا الذي قاله يغنى إيراده عنه عن تكلف البحث معه فيه وبالله التوفيق الحديث التاسع حديث السائب بن يزيد في ذكر الصاع وقد تقدم شرحه في كتاب كفارة الإيمان وقوله

[ 6899 ] في هذه الرواية مدا وثلثا بمدكم اليوم وقع لبعضهم مد وثلث وهو على طريق من يكتب المنصوب بغير ألف وقال الكرماني أو يكون في كان ضمير الشأن فيرتفع على الخبر ومناسبة هذا الحديث للترجمة أن قدر الصاع مما اجتمع عليه أهل الحرمين بعد العهد النبوي واستمر فلما زاد بنو أمية في الصاع لم يتركوا اعتبار الصاع النبوي فيما ورد فيه التقدير بالصاع من زكاة الفطر وغيرها بل استمروا على اعتباره في ذلك وان استعملوا الصاع الزائد في شيء غير ما وقع فيه التقدير بالصاع كما نبه عليه مالك ورجع اليه أبو يوسف في القصة المشهورة وقوله وقد زيد فيه زاد في رواية الإسماعيلي في زمن عمر بن عبد العزيز قوله سمع القاسم بن مالك الجعيد يشير الى ما تقدم في كفارة الأيمان عن عثمان بن أبي شيبة عن القاسم حدثنا الجعيد ووقع في رواية زياد بن أيوب عن القاسم بن مالك قال أنبأنا الجعيد أخرجه الإسماعيلي الحديث العاشر حديث أنس في الدعاء لأهل المدينة بالبركة في صاعهم ومدهم تقدم شرحه في البيوع وفي كفارة الأيمان وقوله

[ 6900 ] في آخره يعني أهل المدينة قال بن بطال عن المهلب دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة في صاعهم ومدهم خصهم من البركة ما اضطر أهل الآفاق الى قصدهم في ذلك المعيار المدعو له بالبركة ليجعلوه طريقة متبعة في معاشهم وأداء ما فرض الله عليهم الحديث الحادي عشر حديث بن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا تقدم شرحه في المحاربين وسياقه هناك أتم وقوله

[ 6901 ] حيث توضع الجنائز كذا للأكثر بلفظ الفعل المضارع ووقع في رواية المستملي موضع الجنائز الحديث الثاني عشر حديث أنس في أحد هذا جبل يحبنا ونحبه وفيه أن إبراهيم حرم مكة وقد تقدم من هذا الوجه من طريق مالك في غزوة أحد هكذا مختصرا وقد تقدم بأتم من هذا السياق في الجهاد من وجه آخر عن عمرو وتقدم ما يتعلق بشرح ما ذكر هنا في آخر الحج الحديث الثالث عشر

[ 6902 ] قوله تابعه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد يشير الى ما ذكره في كتاب الزكاة من حديث سهل بن سعد قال أحد جبل يحبنا ونحبه أورده معلقا لسليمان بن بلال بسنده الى سهل عقب حديث بن حميد الساعدي ومضى شرح المتن في آخر غزوة أحد الحديث الرابع عشر حديث سهل بن سعد أنه كان بين جدار المسجد مما يلي القبلة وبين المنبر ممر الشاة أي قدر ما تمر فيه الشاة وقد تقدم شرحه في أوائل الصلاة الحديث الخامس عشر حديث أبي هريرة ما بين بيتي ومنبري روضة تقدم شرحه مستوفي في فضل المدينة وقوله

[ 6904 ] عن حفص بن عاصم في رواية روح بن عبادة عن مالك عن حبيب أن حفص بن عاصم حدثه أخرجه النسائي وفي حديث مالك والدارقطني من طريقه وقد أخرج البخاري هذا الحديث من رواية مالك بنزوله درجة وعمرو بن علي شيخه فيه هو الفلاس وابن مهدي هو عبد الرحمن أحد الأئمة الحفاظ وليس هذا الحديث في الموطأ عند أحد من الرواة الا معن بن عيسى فيما قيل فقط ورواه عن مالك خارج الموطأ فمنهم من قال فيه عن أبي هريرة فقط وهذه رواية عبد الرحمن بن مهدي وحده التي اقتصر عليها البخاري صرح الدارقطني بأنه رواها عن مالك هكذا وحده ومنهم من قال عن أبي هريرة وأبي سعيد وهذه رواية معن بن عيسى ومطرف والوليد بن مسلم ومنهم من قال عن أبي هريرة أو أبي سعيد بالشك وهذه رواية القعنبي والتنيسى والشافعي والزعفراني واختلف فيه على روح بن عبادة ومعن بن عيسى فقيل بالشك وقيل بالجمع انتهى ملخصا من كلام الإسماعيلي والدارقطني الحديث السادس عشر حديث بن عمر في المسابقة بين الخيل تقدم شرحه في كتاب الجهاد والحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية مكان معروف بالمدينة يمد ويقصر وربما قدمت الياء على الفاء وبنو زريق من الأنصاري بتقديم الزاي على الراء مصغر وقوله

[ 6905 ] هنا فأرسلت بضم الهمزة بلفظ البناء للمجهول وفي رواية الكشميهني فأرسل بفتح الهمزة والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم أي بأمره قال بن بطال عن المهلب في حديث سهل في مقدار ما بين الجدار والمنبر سنة متبعة في موضع المنبر ليدخل اليه من ذلك الموضع ومسافة ما بين الحفياء والثنية لمسابقة الخيل سنة متبعة يكون ذلك القدر ميدانا للخيل المضمرة عند السباق تنبيه أورد أبو ذر هذا الحديث من هذا الوجه مختصرا من المتن من قوله وأمدها الخ وساقه غيره ووقع في رواية كريمة وغيرها عقبة حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن بن عمر ثم قال حدثني إسحاق أخبرنا عيسى وابن إدريس فذكر حديث عمر في الأشربة وقد أشكل أمره على بعض الشارحين فظن أنه ساق هذا السند للمتن الذي بعده وهي رواية بن عمر عن عمر في الأشربة وهو غلط فاحش فان حديث عمر من أفراد الشعبي عن بن عمر عن عمر وأما رواية الليث عن نافع فتتعلق بالمسابقة فهي متابعة لرواية جويرية بن أسماء عن نافع وقد أورده المصنف في الجهاد من طريق الليث أيضا وسبق لفظه هناك وأخرجه مسلم أيضا عن قتيبة وقد أغفل المزي في الأطراف ذكر البخاري في تخريج هذه الطريق عن قتيبة واقتصر على ذكر رواية أحمد بن يونس عن الليث وذكر أن مسلما والنسائي أخرجاها عن قتيبة وسبب هذا الغلط الاجحاف في الاختصار فلو كان قال بعد

[ 6906 ] قوله عن بن عمر مثلا فذكره أو بهذا أو به لارتفع الاشكال الحديث السابع عشر قوله حدثنا إسحاق هو بن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم والكلاباذي وغيرهما وابن إدريس اسمه عبد الله وابن أبي غنية بمعجمة ونون بوزن عطية وهو يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الخزاعي وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حبان والسند كله كوفيون الا إسحاق وابن عمر قوله سمعت عمر على منبر النبي صلى الله عليه وسلم كذا اقتصر من الحديث على هذا القدر لكونه الذي يحتاج اليه هنا وهو ذكر المنبر وتقدم في الأشربة من طريق يحيى القطان عن أبي حيان فزاد فيه أنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء الحديث ومضى هناك مشروحا الحديث الثامن عشر

[ 6907 ] قوله أخبرني السائب بن يزيد هو الصحابي المعروف وتقدم له الحديث التاسع قوله أنه سمع عثمان بن عفان خطيبا على منبر النبي صلى الله عليه وسلم هكذا اقتصر من الحديث على هذا القدر وبيض له أبو نعيم في مستخرجه فذكر ما عند البخاري فقط ولم يوصله من طريقه ولا من غيرها وقوله خطيبا هو حال من عثمان وفي بعض الروايات خطبنا بنون بلفظ الفعل الماضي وبقية الحديث أوهم صنيع الإسماعيلي أنه فيما يتعلق بالأذان الذي زاده عثمان فإنه أخرجه هنا وليس فيه شيء يتعلق بخطبة عثمان على المنبر والحق أنه حديث آخر وقد أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال من وجه آخر عن الزهري فزاد فيه يقول هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده الحديث وهو في أواخر الربع الرابع منه ونقل فيه عن إبراهيم بن سعد أنه أراد شهر رمضان قال أبو عبيد وجاء من وجه آخر أنه شهر الله المحرم قلت وقع قريب من ذلك في حديث أنس من وجه ضعيف وقع لنا بعلو في جزء الفلكي بلفظ كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف وأخرجوا الزكاة ودعا الولاة أهل السجون الحديث موقوف قال بن بطال عن المهلب في هذين الحديثين سنه متبعة بأن الخليفة يخطب على المنبر في الأمور المهمة لا يخافتها لتصل الموعظة الى اسماع الناس إذا أشرف عليهم انتهى وفيه إشارة الى أن المنبر النبوي بقي الى ذلك العهد ولم يتغير بزيادة ولا نقص وقد جاء في غيره أنه بقي بعد ذلك زمانا آخر الحديث التاسع عشر حديث عائشة

[ 6908 ] قوله عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري قوله هذا المركن بكسر الميم وسكون الراء وفتخ الكاف بعدها نون قال الخليل شبه تور من أدم وقال غيره شبه حوض من نحاس وأبعد من فسره بالإجانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم ثم نون لأنه فسر الغريب بمثله والإجانة هي التي يقال لها القصرية وهي بكسر القاف وقولها فنشرع فيه جميعا أي نتناول منه بغير اناء وأصله الورود للشرب ثم استعمل في كل حالة يتناول فيها الماء وقد تقدم بيان ذلك مع شرح الحديث في كتاب الطهاره قال بن بطال فيه سنة متبعة لبيان مقدار ما يكفي الزوج والمرأة إذا اغتسلا الحديث العشرون حديث أنس من رواية عاصم الأحول عنه في المخالفة بين قريش والأنصار وفي القنوت شهرا يدعوا على أحياء من بني سليم وقد اختصره من حديثين كل منهما أتم مما ذكره هنا وقد مضى شرح الأول في كتاب الأدب وبيان الفرق بين الإخاء والحلف ومضى شرح الثاني في كتاب الوتر وفيه بيان الوقت والسبب الذي قنت فيه ومضى في المغازي في غزوة بئر معونة بيان أسماء الأحياء المذكورين من بني سليم الحديث الحادي والعشرون

[ 6910 ] قوله بريد بموحدة وراء مهملة بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قوله قدمت المدينة فلقيني عبد الله بن سلام وقع عند عبد الرزاق بيان سبب قدوم أبي بردة الى المدينة وبيان زمان قدومه فأخرج من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة قال أرسلني أبي الى عبد الله بن سلام لا تعلم منه فسألني من أنت فأخبرته فرحب بي قوله انطلق الى المنزل زاد في رواية الإسماعيلي معي والألف واللام بدل من الإضافة أي تعال معي الى منزلي وقد مضى في مناقب عبد الله بن سلام من وجه آخر عن أبي بردة أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال الا تجيء فأطعمك وتدخل في بيتي قوله فانطلقت معه فاسقاني سويقا واطعمني تمرا قد مضى في مناقب عبد الله بن سلام من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بلفظ ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا فكأنه استعمل الاطعام بالمعنى الأعم وليس هذا من قبيل علفتها تبنا وماء لأنه اما من الاكتفاء واما من التضمين ولا يحتاج لذلك هنا لأن الطعام يستعمل في الأكل والشرب وقد بين في رواية الأخرى انه أسقاه السويق قوله وصليت في مسجده زاد في مناقب عبد الله بن سلام ذكر الربا وان من اقترض قرضا فتقاضاه إذا حل فأهدى له المديون هدية كانت من جملة الربا وتقدم البحث فيه هناك ووقعت هذه الزيادة في رواية أبي أسامة أيضا كما أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي كريب شيخ البخاري فيه لكن باختصار عن الذي تقدم ووهم من زعم انه من رواية أبي أحمد محمد بن يوسف السكندري عن سفيان بن عيينة وقد جزم المزي في الأطراف بما قلته فكأن البخاري حذفها وثبت في رواية سعيد التي أشرت إليها نحو ذلك الحديث الثاني والعشرون حديث عمر صل في هذا الوادي المبارك وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الحج

[ 6911 ] قوله وقال هارون بن إسماعيل حدثنا على عمرة في حجة يريد ان هارون خالف سعيد بن الربيع في قوله في آخره وقل عمرة وحجة بواو العطف فقال عمرة في حجة وقد تقدم هناك من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير شيخ علي بن المبارك فيه بلفظ عمرة في حجة ورواية هارون هذه وقعت لنا موصولة في مسند عبد بن حميد وفي أخبار المدينة النبوية لعمر بن شبة كلاهما عن هارون بن إسماعيل الخزاز بمعجمات ويجوز في قوله عمرة وحجة الرفع والنصب الحديث الثالث والعشرون حديث بن عمر في المواقيت تقدم مشروحا وبيان من بلغ بن عمر ميقات يلملم ومحمد بن يوسف شيخه فيه هو الفريابي وشيخه سفيان هو الثوري وقوله

[ 6912 ] في آخره وذكر العراق فقال لم يكن عراق يومئذ ذكر بضم أوله مبني للمجهول ولم يسم والمجيب هو بن عمر ووقع عند الإسماعيلي فقيل له العراق قال لم يكن يومئذ عراق وقوله لم يكن عراق يومئذ أي بأيدي المسلمين فان بلاد العراق كلها في ذلك الوقت كانت بأيدي كسرى وعماله من الفرس والعرب فكأنه قال لم يكن أهل العراق مسلمين حينئذ حتى يوقت لهم ويعكر على هذا الجواب ذكر أهل الشام فلعل مراد بن عمر نفي العراقين وهما المصران المشهوران الكوفة والبصرة وكل منهما انما صار مصرا جامعا بعد فتح المسلمين بلاد الفرس الحديث الرابع والعشرون حديث سالم بن عبد الله عن أبيه أي بن عمر

[ 6913 ] قوله أرى وهو في معرسه بذي الحليفة تقدم شرحه في كتاب الحج وبقيته توافق حديث عمر المذكور قبله بحديث قال بن بطال عن المهلب غرض البخاري بهذا الباب وأحاديثه تفضيل المدينة بما خصها الله به من معالم الدين وانها دار الوحي ومهبط الملائكة بالهدى والرحمة وشرف الله بقعتها بسكنى رسوله وجعل فيها قبره ومنبره وبينهما روضة من رياض الجنة ثم تكلم على أحاديث الباب بما تقدم نقله عنه والبحث فيه بما يغني عن اعادته وحذفت ما بعد الحديث العاشر من كلامه لقلة جدواه وقد ظهر عنوانه فيما ذكرته عنه في الأحاديث العشرة الأول وبالله التوفيق وفضل المدينة ثابت لا يحتاج الى إقامة دليل خاص وقد تقدم من الأحاديث في فضلها في آخر الحج ما فيه شفاء وانما المراد هنا تقدم أهلها في العلم على غيرهم فان كان المراد بذلك تقديمهم في بعض الأعصار وهو العصر الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بها فيه والعصر الذي بعده من قبل أن يتفرق الصحابة في الأمصار فلا شك في تقديم العصرين المذكورين على غيرهم وهو الذي يستفاد من أحاديث الباب وغيرها وان كان المراد استمرار ذلك لجميع من سكنها في كل عصر فهو محل النزاع ولا سبيل الى تعميم القول بذلك لأن الأعصار المتأخرة من بعد زمن الأئمة المجتهدين لم يكن فيها بالمدينة من فاق واحدا من غيرها في العلم والفضل فضلا عن جميعهم بل سكنها من أهل البدعة الشنعاء من لا يشك في سوء نيته وخبث طويته كما تقدم والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى ليس لك من الأمر شيء ذكر فيه حديث بن عمر في سبب نزولها وقد تقدم بيانه في تفسير آل عمران وتقدم شيء من شرحه وتسميته المدعو عليهم في غزوة أحد قال بن بطال دخول هذه الترجمة في كتاب الاعتصام من جهة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المذكورين لكونهم لم يذعنوا للايمان ليعتصموا به من اللعنة وأن معنى قوله ليس لك من الأمر شيء هو معنى قوله ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء انتهى ويحتمل ان يكون مراده الإشارة الى الخلافية المشهورة في أصول الفقه وهي هل كان له صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الأحكام أو لا وقد تقدم بسط ذلك قبل ثمانية أبواب

[ 6914 ] قوله عبد الله هو بن المبارك وسالم هو بن عبد الله بن عمر ووقع في رواية حبان بن موسى عن بن المبارك في تفسير آل عمران حدثني سالم عن بن عمر قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر ورفع رأسه الجملة حاليه أي قال ذلك حال رفع رأسه من الركوع قوله قال اللهم ربنا ولك الحمد قال الكرماني جعل ذلك القول كالفعل اللازم أي يفعل القول المذكور أو هناك شيء محذوف قلت لم يذكر تقديره ويحتمل ان يكون بمعنى قائلا أو لفظ قال المذكور زائدا ويؤيده انه وقع في رواية حبان بن موسى بلفظ انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من صلاة الفجر يقول اللهم ويؤخذ منه أن محل القنوت عند رفع الرأس من الركوع لا قبل الركوع وقوله قال اللهم ربنا ولك الحمد معين لكون الرفع من الركوع لأنه ذكر الاعتدال وقوله في الأخيرة أي الركعة الآخرة وهي الثانية من صلاة الصبح كما صرح بذلك في رواية حبان بن موسى وظن الكرماني أن قوله في الآخرة متعلق بالحمد وأنه بقية الذكر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتدال فقال فان قلت ما وجه التخصيص بالآخرة مع أن له الحمد في الدنيا ثم أجاب بأن نعيم الآخرة أشرف فالحمد عليه هو الحمد حقيقة أو المراد بالآخرة العاقبة أي مآل كل الحمود اليه انتهى وليس لفظ في الآخرة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام بن عمر ثم ينظر في جمعه الحمد على حمود قوله فلانا وفلانا قال الكرماني يعني رعلا وذكوان ووهم في ذلك وانما سمى ناسا باعيانهم لا القبائل كما بينته في تفسير آل عمران

قوله باب وكان الإنسان أكثر شيء جدلا وقوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن ذكر فيه حديثين حديث علي في قول النبي صلى الله عليه وسلم الا تصلون وجوابه بقوله انما أنفسنا بيد الله وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية وهو متعلق بالركن الأول من الترجمة وحديث أبي هريرة في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في بيت مدراسهم وهو متعلق بالركن الثاني منها كما سأذكره قال الكرماني الجدال هو الخصام ومنه قبيح وحسن وأحسن فما كان للفرائض فهو أحسن وما كان للمستحبات فهو حسن وما كان لغير ذلك فهو قبيح قال أو هو تابع للطريق فباعتباره يتنوع انواعا وهذا هو الظاهر انتهى ويلزم على الأول ان يكون في المباح قبيحا وفاته تنويع القبيح الى أقبح وهو ما كان في الحرام وقد تقدم شرح حديث علي في الدعوات ويؤخذ منه ان عليا ترك فعل الأولى وان كان ما احتج به متجها ومن ثم تلي النبي صلى الله عليه وسلم الآية ولم يلزمه مع ذلك بالقيام الى الصلاة ولو كان امتثل وقام لكان أولى ويأخذ منه الإشارة الى مراتب الجدال فإذا كان فيما لا بد له منه تعين نصر الحق بالحق فان جاوز الذي ينكر عليه المأمور نسب الى التقصير وان كان في مباح اكتفى فيه بمجرد الأمر والإشارة الى ترك الأولى وفيه ان الإنسان طبع على الدفاع عن نفسه بالقول والفعل وانه ينبغي له ان يجاهد نفسه ان يقبل النصيحة ولو كانت في غير واجب وان لا يدفع الا بطريق معتدلة من غير افراط ولا تفريط ونقل بن بطال عن المهلب ما ملخصه ان عليا لم يكن له أن يدفع ما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم اليه من الصلاة بقوله ذلك بل كان عليه الاعتصام بقوله فلا حجة لأحد في ترك المأمور انتهى ومن أين له ان عليا لم يمتثل ما دعاه اليه فليس في القصة تصريح بذلك وانما أجاب علي بما ذكر اعتذارا عن تركه القيام بغلبة النوم ولا يمتنع انه صلى عقب هذه المراجعة إذ ليس في الخبر ما ينفيه وقال الكرماني حرضهم النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الكسب والقدرة الكاسبة وأجاب علي باعتبار القضاء والقدر قال وضرب النبي صلى الله عليه وسلم فخذه تعجبا من سرعة جواب علي ويحتمل ان يكون تسليما لما قال وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في هذا الحديث من الفوائد مشروعية التذكير للغافل خصوصا القريب والصاحب لأن الغفلة من طبع البشر فينبغي للمرء ان يتفقد نفسه ومن يحبه بتذكير الخير والعون عليه وفيه ان الاعتراض بأثر الحكمة لا يناسبه الجواب بأثر القدرة وأن للعالم إذا تكلم بمقتضى الحكمة في أمر غير واجب ان يكتفي من الذي كلمه في احتجاجه بالقدرة يأخذ الأول من ضربه صلى الله عليه وسلم على فخذه والثاني من عدم إنكاره بالقول صريحا قال وانما لم يشافهه بقوله وكان الإنسان أكثر شيء جدلا لعلمه ان عليا لا يجهل ان الجواب بالقدرة ليس من الحكمة بل يحتمل ان لهما عذرا يمنعهما من الصلاة فاستحيا علي من ذكره فأراد دفع الخجل عن نفسه وعن أهله فاحتج بالقدرة ويؤيده رجوعه صلى الله عليه وسلم عنهم مسرعا قال ويحتمل أن يكون علي أراد بما قال استدعاء جواب يزداد به فائدة وفيه جواز محادثة الشخص نفسه فيما يتعلق بغيره وجواز ضربه بعض أعضائه عند التعجب وكذا الأسف ويستفاد من القصة أن من شأن العبودية أن لا يطلب لها مع مقتضى الشرع معذرة الا الاعتراف بالتقصير والأخذ في الاستغفار وفيه فضيلة ظاهرة لعلي من جهة عظم تواضعه لكونه روى هذا الحديث مع ما يشعر به عند من لا يعرف مقداره انه يوجب غاية العتاب فلم يلتفت لذلك بل حدث به لما فيه من الفوائد الدينية انتهى ملخصا وقوله في السند الثاني حدثني محمد وقع عند النسفي غير منسوب ووقع عند أبي ذر وغيره منسوبا محمد بن سلام و عتاب بالمهملة وتشديد المثناة وآخره موحدة وأبوه بشير بموحدة ومعجمة وزن عظيم وإسحاق عند النسفي وأبي ذر غير منسوب ونسب عند الباقين بن راشد وساق المتن على لفظه ومضى في التهجد على لفظ شعيب بن أبي حمزة ويأتي في التوحيد من طريق شعيب وابن أبي عتيق مجموعا وساقه على لفظ بن أبي عتيق قوله طرقه وفاطمة زاد شعيب ليلة قوله الا تصلون في رواية شعيب الا تصليان بالتثنية والأول محمول على ضم من يتبعهما إليهما أو للتعظيم أو لأن أقل الجمع اثنان وقوله حين قال له ذلك فيه التفات ومضى في رواية شعيب بلفظ حين قلت له وكذا قوله سمعه في رواية شعيب سمعته وقوله وهو مدبر بضم أوله وكسر الموحدة أي مول بتشديد اللام كما في رواية شعيب ووقع هنا عند الكشميهني وهو منصرف قوله قال أبو عبد الله هو المصنف يقال ما اتاك ليلا فهو طارق كذا لأبي ذر وسقط للنسفي وثبت للباقين لكن بدون يقال وقد تقدم الكلام عليه في سورة الطارق الحديث الثاني

[ 6916 ] قوله عن سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله بيت المدراس تقدم الكلام عليه في كتاب الإكراه قريبا وقوله في آخره ذلك أريد بضم أوله بصيغة المضارعة من الإرادة أي أريد ان تقروا بانى بلغت لأن التبليغ هو الذي أمر به ووقع في رواية أبي زيد المروزي فيما ذكره القابسى بفتح أوله وبزاى معجمة واطبقوا على انه تصحيف ولكن وجهه بعضهم بان معناه اكرر مقالتي مبالغة في التبليغ قال المهلب بعد ان قرر انه يتعلق بالركن الثاني من الترجمة وجه ذلك انه بلغ اليهود ودعاهم الى الإسلام والاعتصام به فقالوا بلغت ولم يذعنوا لطاعته فبالغ في تبليغهم وكرره وهذه مجادلة بالتي هي أحسن وهو في ذلك موافق لقول مجاهد انها نزلت في من لم يؤمن منهم وله عهد أخرجه الطبري وعن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم قال المراد ممن ظلم منهم من استمر على امره وعن قتادة هى منسوخة بآية السيف انتهى والذي أخرجه الطبري بسند صحيح عن مجاهد ان قالوا شرا فقولوا خيرا الا الذين ظلموا منهم فانتصروا منهم وبسند فيه ضعف قال الا من ظلم من قاتل ولم يعط الجزية واخرج بسند حسن عن سعيد بن جبير قال هم أهل الحرب من لا عهد له جادله بالسيف ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن اسلم المراد من آمن من أهل الكتاب نهى عن مجادلتهم فيما يحدثون به من الكتاب لعله يكون حقا لا تعلمه أنت ولا ينبغي ان تجادل الا المقيم منهم على دينه وبسند صحيح عن قتادة هي منسوخة بآية براءة ان يقاتلوا حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله أو يؤدوا الجزية ورجح الطبري قول من قال المراد من امتنع من أداء الجزية قال ومن اداها وان كان ظالما لنفسه باستمراره على كفره لكن المراد في هذه الآية من ظلم أهل الإسلام فحاربهم وامتنع من الإسلام أو بذل الجزية ورد على من ادعى النسخ لكونه لا يثبت الا بدليل والله اعلم وحاصل ما رجحه انه أمر بمجادلة أهل الكتاب بالبيان والحجة بطريق الإنصاف ممن عاند منهم فمفهوم الآية جواز مجادلته بغير التي هي أحسن وهي المجادلة بالسيف والله أعلم

قوله باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وهم أهل العلم اما الآية فلم يقع التصريح بما وقع التشبيه به والراجح انه الهدى المدلول عليه بقوله يهدي من يشاء أي مثل الجعل القريب الذي اختصصناكم فيه بالهداية كما يقتضيه سياق الآية ووقع التصريح به في حديث البراء الماضي في تفسير سورة البقرة والوسط العدل كما تقدم في تفسير سورة البقرة وحاصل ما في الآية الامتنان بالهداية والعدالة وأما قوله وما أمر الى آخره فمطابقته لحديث الباب خفية وكأنه من جهة الصفة المذكورة وهي العدالة لما كانت تعم الجميع لظاهر الخطاب أشار الى انها من العام الذي أريد به الخاص أو من العام المخصوص لأن أهل الجهل ليسوا عدولا وكذلك أهل البدع فعرف أن المراد بالوصف المذكور أهل السنة والجماعة وهو أهل العلم الشرعي ومن سواهم ولو نسب الى العلم فهي نسبة صورية لا حقيقية وورد الأمر بلزوم الجماعة في عدة أحاديث منها ما أخرجه الترمذي مصححا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري فذكر حديثا طويلا وفيه وانا آمركم بخمس أمرني الله بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فان من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وفي خطبة عمر المشهورة التي خطبها بالجابية عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فان الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد وفيه ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة وقال بن بطال مراد الباب الحض على الاعتصام بالجماعة لقوله لتكونوا شهداء على الناس وشرط قبول الشهادة العدالة وقد ثبتت لهم هذه الصفة بقوله وسطا والوسط العدل والمراد بالجماعة أهل الحل والعقد من كل عصر وقال الكرماني مقتضى الأمر بلزوم الجماعة انه يلزم المكلف متابعة ما أجمع عليه المجتهدون وهم المراد بقوله وهم أهل العلم والآية التي ترجم بها احتج بها أهل الأصول لكون الإجماع حجة لأنهم عدلوا بقوله تعالى جعلناكم امة وسطا أي عدولا ومقتضى ذلك أنهم عصموا من الخطأ فيما اجمعوا عليه قولا وفعلا

[ 6917 ] قوله حدثنا أبو أسامة قال الأعمش هو بحذف قال الثانية وقوله في آخره وعن جعفر بن عون هو معطوف على قوله أبو أسامة والقائل هو إسحاق بن منصور فروى هذا الحديث عن أبي أسامة بصيغة التحديث وعن جعفر بن عون بالعنعنة وهذا مقتضى صنيع صاحب الأطراف وأما أبو نعيم فجزم بأن رواية جعفر بن عون معلقة فقال بعد ان أخرجه من طريق أبي مسعود الراوي عن أبي أسامة وحده ومن طريق بندار عن جعفر بن عون وحده أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور عن أبي أسامة وذكره عن جعفر بن عون بلا واسطة انتهى وأخرجه الإسماعيلي من رواية بندار وقال انه مختصر وأخرجه من رواية أبي معاوية عن الأعمش مطولا وقد تقدمت رواية أبي أسامة مقرونه برواية جرير بن عبد الحميد في تفسير سورة البقرة وساقه هناك على لفظ جرير وتقدم شرحه هناك وفيه بيان ان الشهادة لا تخص قوم نوح بل تعم الأمم

قوله باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم في رواية الكشميهني العالم بدل العامل أو للتنويع وقد تقدم في كتاب الأحكام ترجمة إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو مردود وهي معقودة لمخالفة الإجماع وهذه معقودة لمخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام قوله فأخطأ خلاف الرسول من غير علم أي لم يتعمد المخالفة وانما خالف خطأ قوله فحكمه مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أي مردود وقد تقدم هذا الحديث موصولا في كتاب الصلح عن عائشة بلفظ آخر وأنه بهذا اللفظ موصول في صحيح مسلم وتقدم شرحه هناك قال بن بطال مراده ان من حكم بغير السنة جهلا أو غلطا يجب عليه الرجوع الى حكم السنة وترك ما خالفها امتثالا لأمر الله تعالى بايجاب طاعة رسوله وهذا هو نفس الاعتصام بالسنة وقال الكرماني المراد بالعامل عامل الزكاة وبالحاكم القاضي وقوله فأخطأ أي في أخذ واجب الزكاة أو في قضائه قلت وعلى تقدير ثبوت رواية الكشميهني فالمراد بالعالم المفتي أي أخطأ في فتواه قال والمراد بقوله فأخطأ خلاف الرسول أي يكون مخالفا للسنة قال وفي الترجمة نوع تعجرف قلت ليس فيها قلق الا في اللفظ الذي بعد قوله فأخطأ فصار ظاهر التركيب ينافي المقصود لأن من أخطأ خلاف الرسول لا يذم بخلاف من أخطأ وفاقه وليس ذلك المراد وانما ثم الكلام عند قوله فأخطأ وهو متعلق بقوله اجتهد وقوله خلاف الرسول أي فقال خلاف الرسول وحذف قال يقع في الكلام كثيرا فأي عجرفة في هذا والشارح من شأنه ان يوجه كلام الأصل مهما أمكن ويغتفر القدر اليسير من الخلل تارة ويحمله على الناسخ تارة وكل ذلك في مقابلة الإحسان الكثير الباهر ولا سيما مثل هذا الكتاب ووقع في حاشية نسخة الدمياطي بخطه الصواب في الترجمة فاخطأ بخلاف الرسول انتهى وليس دعوى حذف الباء برافع للاشكال بل ان سلك طريق التغيير فلعل اللام متاخرة ويكون في الأصل خالف بدل خلاف

[ 6918 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس كما جزم به المزي قوله عن أخيه هو أبو بكر واسمه عبد الحميد ولاسماعيل في هذا الحديث شيخ آخر كما تقدم في آخر غزوة خيبر عن إسماعيل عن مالك ونزل إسماعيل في هذا السند درجة وسليمان هو بن بلال وعبد المجيد بتقديم الميم على الجيم وذكر أبو علي الجياني أن سليمان سقط من أصل الفربري فيما ذكر أبو زيد المروزي قال والصواب إثباته فإنه لا يتصل السند الا به وقد ثبت كذلك في رواية إبراهيم بن معقل النسفي قال وكذا لم يكن في كتاب بن السكن ولا عند أبي أحمد الجرجاني قلت وهو ثابت عندنا في النسخة المعتمدة من رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة عن الفربري وكذا في سائر النسخ التي اتصلت لنا عن الفربري فكأنها سقطت من نسخة أبي زيد فظن سقوطها من أصل شيخه وقد جزم أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري أخرجه عن إسماعيل عن أخيه عن سليمان وهو يرويه عن أبي أحمد الجرجاني عن الفربري واما رواية بن السكن فلم أقف عليها قوله بعث أخا بني عدي أي بن النجار بطن من الأوس واسم هذا المبعوث سواد بفتح المهملة وتخفيف الواو بن غزية بفتح المعجمة وكسر الزاي مشددا وتقدم ذلك في أواخر البيوع وتقدم شرح المتن في المغازي وفي هذا السياق هنا زيادة قوله ولكن مثلا بمثل أو بيعوا هذا الى آخره والمذكور هناك قوله ولكن بع الى آخره ومطابقة الحديث للترجمة من جهة ان الصحابي اجتهد فيما فعل فرده النبي صلى الله عليه وسلم ونهاه عما فعل وعذره لاجتهاده ووقع في رواية عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد في غير هذه القصة لكن في نظير الحكم فقال صلى الله عليه وسلم أوه عين الربا لا تفعل

قوله باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ يشير الى انه لا يلزم من رد حكمه أو فتواه إذا اجتهد فأخطأ ان يأثم بذلك بل إذا بذل وسعه أجر فان أصاب ضوعف أجره لكن لو أقدم فحكم أو أفتى بغير علم لحقه الإثم كما تقدمت الإشارة اليه قال بن المنذر وانما يؤجر الحاكم إذا أخطأ إذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد وأما إذا لم يكن عالما فلا واستدل بحديث القضاة ثلاثة وفيه وقاض قضى بغير حق فهو في النار وقاض قضى وهو لا يعلم فهو في النار وهو حديث أخرجه أصحاب السنن عن بريدة بألفاظ مختلفة وقد جمعت طرقه في جزء مفرد ويؤيد حديث الباب ما وقع في قصة سليمان في حكم داود عليه السلام في أصحاب الحرث وقد تقدمت الإشارة إليها فيما مضى قريبا وقال الخطابي في معالم السنن انما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد فهو الذي نعذره بالخطأ بخلاف المتكلف فيخاف عليه ثم انما يؤجر العالم لأن اجتهاده في طلب الحق عبادة هذا إذا أصاب واما إذا أخطأ فلا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط كذا قال وكأنه يرى ان قوله وله أجر واحد مجاز عن وضع الإثم

[ 6919 ] قوله عن محمد بن إبراهيم بن الحارث هو التيمي تابعي مدني ثقة مشهور ولأبيه صحبة وبسر بضم الموحدة وسكون المهملة وأبو قيس مولى عمرو بن العاص لا يعرف اسمه كذا قاله البخاري وتبعه الحاكم أبو أحمد وجزم بن يونس في تاريخ مصر بأنه عبد الرحمن بن ثابت وهو أعرف بالمصريين من غيره ونقل عن محمد بن سحنون انه سمى أباه الحكم وخطأه في ذلك وحكى الدمياطي أن اسمه سعد وعزاه لمسلم في الكنى وقد راجعت نسخا من الكنى لمسلم فلم ار ذلك فيها منها نسخة بخط الدارقطني الحافظ وقرأت بخط المنذري وقع عند السبتي يعني بن حبان في صحيحه عن أبي قابوس بدل أبي قيس كذا جزم به وقد رجعت عدة نسخ من صحيح بن حبان فوجدت فيها عن أبي قيس احداها صححها بن عساكر وفي السند أربعة من التابعين في نسق اولهم يزيد بن عبد الله وهو المعروف بابن الهاد وما لأبي قيس في البخاري الا هذا الحديث قوله اذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب في رواية أحمد فأصاب قال القرطبي هكذا وقع في الحديث بدأ بالحكم قبل الاجتهاد والأمر بالعكس فان الاجتهاد يتقدم الحكم إذ لا يجوز الحكم قبل الاجتهاد اتفاقا لكن التقدير في قوله إذا حكم إذا أراد ان يحكم فعند ذلك يجتهد قال ويؤيده ان أهل الأصول قالوا يجب على المجتهد ان يجدد النظر عند وقوع النازلة ولا يعتمد على ما تقدم له لأمكان ان يظهر له خلاف غيره انتهى ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لا تعقيبية وقوله فأصاب أي صادف ما في نفس الأمر من حكم الله تعالى قوله ثم أخطأ أي ظن أن الحق في جهة فصادف ان الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك فالأول له أجران أجر الاجتهاد واجر الإصابة والآخر له أجر الاجتهاد فقط وقد تقدمت الإشارة الى وقوع الخطا في الاجتهاد في حديث أم سلمة انكم تختصمون الي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض وأخرج لحديث الباب سببا من وجه آخر عن عمرو بن العاص من طريق ولده عبد الله بن عمرو عنه قال جاء رجلان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان فقال لعمرو اقض بينهما يا عمرو قال أنت أولى بذلك مني يا رسول الله قال وان كان قال فإذا قضيت بينهما فمالي فذكر نحوه لكن قال في الإصابة فلك عشر حسنات وأخرج من حديث عقبة بن عامر نحوه بغير قصة بلفظ فلك عشرة أجور وفي سند كل منهما ضعف ولم أقف على اسم من أبهم في هذين الحديثين قوله قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم القائل فحدثت هو يزيد بن عبد الله أحد رواته وأبو بكر بن عمرو نسب في هذه الرواية لجده وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وثبت ذكره في رواية مسلم من رواية الداودي عن يزيد ونسبه فقال يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد قوله عن أبي هريرة يريد بمثل حديث عمرو بن العاص قوله وقال عبد العزيز بن المطلب أي بن عبد الله بن حنطب المخزومي قاضي المدينة وكنيته أبو طالب وهو من أقران مالك ومات قبله وليس له في البخاري سوى هذا الموضع الواحد المعلق وعبد الله بن أبي بكر هو والد الراوي المذكور في السند الذي قبله أبو بكر بن محمد بن عمر بن حزم وكان قاضي المدينة أيضا قوله عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن عبد الله بن أبي بكر خالف أباه في روايته عن أبي سلمة وأرسل الحديث الذي وصله وقد وجدت ليزيد بن الهاد فيه متابعا أخرجه عبد الرزاق وأبو عوانة من طريقه عن معمر عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري عن أبي بكر بن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث مثله بغير قصة وفيه فله أجران اثنان قال أبو بكر بن العربي تعلق بهذا الحديث من قال ان الحق في جهة واحدة للتصريح بتخطئة واحد لا بعينه قال وهي نازلة في الخلاف عظيمة وقال المازري تمسك به كل من الطائفتين من قال ان الحق في طرفين ومن قال ان كل مجتهد مصيب اما الأولى فلأنه لو كان كل مصيبا لم يطلق على أحدهما الخطأ لاستحالة النقيضين في حالة واحدة واما المصوبة فاحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم جعل له اجرا فلو كان لم يصب لم يؤجر وأجابوا عن إطلاق الخطأ في الخبر على من ذهل عن النص أو اجتهد فيما لا يسوغ الإجتهاد فيه من القطعيات فيما خالف الإجماع فإن مثل هذا ان اتفق له الخطأ فيه نسخ حكمه وفتواه ولو اجتهد بالإجماع وهو الذي يصح عليه إطلاق الخطأ واما من اجتهد في قضية ليس فيها نص ولا إجماع فلا يطلق عليه الخطأ وأطال المازري في تقرير ذلك والانتصار له وختم كلامه بأن قال ان من قال ان الحق في طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين وهو مروي عن الأئمة الأربعة وان حكى عن كل منهم اختلاف فيه قلت والمعروف عن الشافعي الأول قال القرطبي في المفهم الحكم المذكور ينبغي ان يختص بالحاكم بين الخصمين لأن هناك حقا معينا في نفس الأمر يتنازعه الخصمان فإذا قضى به لأحدهما بطل حق الآخر قطعا وأحدهما فيه مبطل لا محالة والحاكم لا يطلع على ذلك فهذه الصورة لا يختلف فيها ان المصيب واحد لكون الحق في طرف واحد وينبغي ان يختص الخلاف بأن المصيب واحد إذ كل مجتهد مصيب بالمسائل التي يستخرج الحق منها بطريق الدلالة وقال بن العربي عندي في هذا الحديث فائدة زائدة حاموا عليها فلم يسقوا وهي ان الأجر على العمل القاصر على العامل واحد والأجر على العمل المتعدي يضاعف فإنه يؤجر في نفسه وينجر له كل ما يتعلق بغيره من جنسه فإذا قضى بالحق وأعطاه لمستحقه ثبت له أجر اجتهاده وجرى له مثل أجر مستحق الحق فلو كان أحد الخصمين الحن بحجته من الآخر فقضى له والحق في نفس الأمر لغيره كان له أجر الاجتهاد فقط قلت وتمامه ان يقال ولا يؤاخذ بإعطاء الحق لغير مستحقه لأنه لم يتعمد ذلك بل وزر المحكوم له قاصر عليه ولا يخفى ان محل ذلك أن يبذل وسعه في الاجتهاد وهو من أهله والا فقد يلحق به الوزر ان أخل بذلك والله أعلم

قوله باب الحجة على من قال ان أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة أي للناس لا تخفى الا على النادر وقوله وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمور الإسلام كذا للأكثر وفي رواية النسفي وعليها شرح بن بطال مشاهده ولبعضهم مشهد بالأفراد ووقع في مستخرج أبي نعيم وما كان يفيد بعضهم بعضا بالفاء والدال من الإفادة ولم أره لغيره وما في قوله ما كان موصوله وجوز بعضهم أن تكون نافية وأنها من بقية القول المذكور وظاهر السياق يأباه وهذه الترجمة معقودة لبيان أن كثيرا من الأكابر من الصحابة كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم أو يفعله من الأعمال التكليفية فيستمر على ما كان أطلع عليه هو اما على المنسوخ لعدم اطلاعه على ناسخه واما على البراءة الأصلية وإذا تقرر ذلك قامت الحجة على من قدم عمل الصحابي الكبير ولا سيما إذا كان قد ولى الحكم على رواية غيره متمسكا بأن ذلك الكبير لولا أن عنده ما هو أقوى من تلك الرواية لما خالفها ويرده أن في اعتماد ذلك ترك المحقق للمظنون وقال بن بطال أراد الرد على الرافضة والخوارج الذين يزعمون أن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وسننه منقولة عنه نقل تواتر وأنه لا يجوز العمل بما لم ينقل متواترا قال وقولهم مردود بما صح أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض ورجع بعضهم الى ما رواه غيره وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد قلت وقد عقد البيهقي في المدخل باب الدليل على أنه قد يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الذي يعلمه غيره ثم ذكر حديث أبي بكر في الجدة وهو في الموطأ وحديث عمر في الاستئذان وهو المذكور في هذا الباب وحديث بن مسعود في الرجل الذي عقد على امرأة ثم طلقها فأراد أن يتزوج أمها فقال لا بأس واجازته بيع الفضة المكسرة بالصحيحة متفاضلا ثم رجوعه عن الأمرين معن لما سمع من غيره من الصحابة النهي عنهما وأشياء غير ذلك وذكر فيه حديث البراء ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم كانت لنا صنعة وأشغال ولكن كان الناس لا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب وسنده ضعيف وكذا حديث أنس ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه ولكن لم يكذب بعضنا بعضا ثم سرد ما رواه صحابي عن صحابي مما وقع في الصحيحين وقال في هذا دلالة على اتقانهم في الرواية وفيه أبين الحجة وأوضح الدلالة على تثبيت خبر الواحد وان بعض السنن كان يخفى عن بعضهم وان الشاهد منهم يبلغ الغائب ما شهد وان الغائب كان يقبله ممن حدثه ويعتدمه ويعمل به قلت خبر الواحد في الاصطلاح خلاف المتواتر سواء كان من رواية شخص واحد أو أكثر وهو المراد بما وقع فيه الاختلاف ويدخل فيه خبر الشخص الواحد دخولا أوليا ولا يرد على من عمل به ما وقع في حديث الباب من طلب عمر من أبي موسى البينة على حديث الاستئذان فإنه لم يخرج مع شهادة أبي سعيد له وغيره عن كونه خبر واحد وانما طلب عمر من أبي موسى البينة للاحتياط كما تقدم شرحه واضحا في كتاب الاستئذان والا فقد قبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وحديثه في الطاعون وحديث عمرو بن حزم في التسوية بين الأصابع في الدية وحديث الضحاك بن سفيان في توريث المرأة من دية زوجها وحديث سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين الى غير ذلك وتقدم في العلم من حديث عمر انه كان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم هو ورجل من الأنصار فينزل هذا يوما وهذا يوما ويخبر كل منهما الآخر بما غاب عنه وكان غرضه بذلك تحصيل ما يقوم بحاله وحال عياله ليغني عن الاحتياج لغيره وليتقوى على ما وهو بصدده من الجهاد وفيه انه لا يشترط على من امكنته المشافهة أن يعتمدها ولا يكتفي بالواسطة لثبوت ذلك من فعل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بغير نكير وأما حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب فان فيه بيان السبب في خفاء بعض السنن على بعض كبار الصحابة وقوله وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق وهو موافق لقول عمر في الذي قبله الهاني الصفق بالأسواق يشير الى انهم كانوا أصحاب تجارة وقد تقدم ذلك في أوائل البيوع وتوجيه قول عمر الهاني واختلف على الزهري في الواسطة بينه وبين أبي هريرة فيه كما بينته في العلم وتقدم عنه من رواية مالك مثله لكن عند مالك زيادة ليست في رواية سفيان هذه وهي قوله ولولا آيتان من كتاب الله وفي رواية سفيان مما ليس في رواية مالك

[ 6921 ] قوله والله الموعد وكذلك ما في آخره كما سأبينه واما إبراهيم بن سعد فذكر الحديث بتمامه فهو أتم الجميع سياقا وثبت ذلك في رواية شعيب في البيوع بزيادة سأبينها لكن لم يقع عنده ذكر الآيتين وقد تقدم هذا الحديث في العلم من طريق مالك وفي المزارعة من طريق إبراهيم بن سعد كلاهما عن الزهري عن الأعرج وتقدم في أول البيوع من رواية شعيب وأخرجه مسلم من رواية يونس كلاهما عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قوله انكم تزعمون ان أبا هريرة يكثر الحديث في رواية مالك ان الناس يقولون أكثر أبو هريرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بن شهاب يذكر قبل هذا حديثه عن عروة انه حدثه عن عائشة قالت الا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس الى جانب حجرتي يحدث يسمعني ذلك ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم فذكر الحديث ثم يقول قال سعيد بن المسيب قال يقولون ان أبا هريرة قد أكثر هكذا أخرجه مسلم من طريق بن وهب عن يونس عن بن شهاب وحديث عائشة تقدم في الترجمة النبوية من طريق الليث عن يونس بن يزيد معلقا وتقدم شرحه هناك وتقدم أيضا في الجنائز من طريق جرير بن حازم عن نافع قال حدث بن عمر ان أبا هريرة يقول فذكر الحديث في فضل اتباع الجنائز فقال بن عمر أكثر علينا أبو هريرة فصدقت عائشة أبا هريرة أي في الحديث المذكور وقوله على يتعلق بقوله يكثر ولو تعلق بقوله الحديث لقال عن قوله والله الموعد تقدم شرحها في كتاب المزارعة زاد شعيب بن أبي حمزة في روايته ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي هريرة في رواية يونس عند مسلم مثل أحاديثه وزاد سأخبركم عن ذلك وتقدم في المزارعة نحو هذا ونبهت على ذلك في كتاب العلم قوله اني كنت أمرا مسكينا في رواية مسلم رجلا قوله ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم اخدم قوله على ملء بطني بكسر الميم وبهمزة آخره أي بسبب شبعي أي ان السبب الأصلي الذي اقتضى له كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمته له ليجد ما يأكله لأنه لم يكن له شيء يتجر فيه ولا أرض يزرعها ولا يعمل فيها فكان لا ينقطع عنه خشية ان يفوته القوت فيحصل في هذه الملازمة من سماع الأقوال ورواية الأفعال ما لا يحصل لغيره ممن لم يلازمه ملازمته واعانه على استمرار حفظه لذلك ما أشار اليه من الدعوة النبوية له بذلك قوله وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق في رواية يونس وان إخواني من المهاجرين قوله وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم في رواية يونس وأن إخواني عن الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم وفي رواية شعيب عمل أموالهم وقد تقدم بيان ذلك قريبا وزاد في رواية يونس فيشهد إذا غابوا ويحفظ إذا نسوا وفي رواية شعيب وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة اعي حيث ينسون قوله فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في رواية شعيب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه قوله من يبسط رداءه وفي رواية الكشميهني من بسط بلفظ الفعل الماضي قوله فلم ينس في رواية الكشميهني فلن ينسى ونقل بن التين انه وقع في رواية فلن ينس بالنون وبالجزم وذكر ان القزاز نقل عن بعض البصريين ان من العرب من يجزم بلن قال وما وجدت له شاهدا وأقره بن التين ومن تبعه وقد ذكر غيره لذلك شاهدا وهو قول الشاعر لن يحب اليوم من رجائك من حرك من دون بابك الحلقة وفيه نظر لأنه يصح أن يكون في الأصل لم الجازمة فتغيرت بلن لكن ان كان محفوظا فلعل الشاعر قصد لن لكونها أبلغ هنا في المدح من لم والله أعلم وتقدم في باب الأمن من كتاب التعبير توجيه بن مالك لنظير هذا في قول لن ترع وحكايته عن الكسائي ان الجزم بلن لغة لبعض العرب قوله فبسطت بردة في رواية شعيب نمرة وتقدم تفسيرها في أول البيوع وذكر في العلم بيان الاختلاف في المراد بقوله ما نسيت شيئا سمعته منه

قوله باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة النكير بفتح النون وزن عظيم المبالغة في الإنكار وقد اتفقوا على أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لما يفعل بحضرته أو يقال ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز لأن العصمة تنفي عنه ما يحتمل في حق غيره مما يترتب على الإنكار فلا يقر على باطل فمن ثم قال لا من غير الرسول فان سكوته لا يدل على الجواز ووقع في تنقيح الزركشي في الترجمة بدل قوله لا من غير الرسول لأمر يحضره الرسول ولم أره لغيره وأشار بن التين الى ان الترجمة تتعلق بالإجماع السكوتي وان الناس اختلفوا فقالت طائفة لا ينسب لساكت قول لأنه في مهلة النظر وقالت طائفة ان قال المجتهد قولا وانتشر لم يخالفه غيره بعد الاطلاع عليه فهو حجة وقيل لا يكون حجة حتى يتعدد القيل به ومحل هذا الخلاف ان لا يخالف ذلك القول نص كتاب أو سنة فان خالفه فالجمهور على تقديم النص واحتج من منع مطلقا ان الصحابة اختلفوا في كثير من المسائل الاجتهادية فمنهم من كان ينكر على غيره إذا كان القول عنده ضعيفا وكان عنده ما هو أقوى منه من نص كتاب أو سنة ومنهم من كان يسكت فلا يكون سكوته دليل على الجواز لتجويز ان يكون لم يتضح له الحكم فسكت لتجويز ان يكون ذلك القول صوابا وان لم يظهر له وجهه

[ 6922 ] قوله حدثنا حماد بن حميد هو خراساني فيما ذكر أبو عبد الله بن مندة في رجال البخاري وذكر بن رشيد في فوائد رحلته والمزي في التهذيب ان في بعض النسخ القديمة من البخاري حدثنا حماد بن حميد صاحب لنا حدثنا بهذا الحديث وعبيد الله بن معاذ في الأحياء وذكر بن أبي حاتم في الجرح والتعديل حماد بن حميد نزيل عسقلان روى عن بشر بن بكر وأبي ضمرة وغيرهما وسمع منه أبو حاتم وقال شيخي فزعم أبو اليد الباجي في رجال البخاري انه هو الذي روى عنه البخاري هنا وهو بعيد وقد بينت ذلك في تهذيب التهذيب وقد أخرج مسلم حديث الباب عن عبيد الله بن معاذ بلا واسطة وهو أحد الأحاديث التي نزل فيها البخاري عن مسلم أخرجها مسلم عن شيخ وأخرجها البخاري بواسطة بينه وبين ذلك الشيخ وهي أربعة أحاديث ليس في الصحيح غيرها بطريق التصريح وفيه عدة أحاديث نحو الأربعين مما يتنزل منزلة ذلك وقد افردتها في جزء جمعت ما وقع للبخاري من ذلك فكان اضعاف أضعاف ما وقع لمسلم وذلك ان مسلما في هذه الأربعة باق على الرواية عن الطبقة الأولى أو الثانية من شيوخه واما البخاري فإنه نزل فيها عن طبقته العالية بدرجتين مثال ذلك من هذا الحديث ان البخاري إذا روى حديث شعبة عاليا كان بينه وبينه راو واحد وقد ادخل بينه وبين شعبة فيه ثلاثة وأما مسلم فلا يروي حديث شعبة بأقل من واسطتين والحديث الثاني من الأربعة مضى في تفسير سورة الأنفال أخرجه عن أحمد وعن محمد بن النضر النيسابوريين عن عبيد الله بن معاذ أيضا عن أبيه عن شعبة بسند آخر وأخرجه مسلم عن عبيد الله بن معاذ نفسه والحديث الثالث أخرجه في آخر المغازي عن أحمد بن الحسن الترمذي عن أحمد بن حنبل عن معتمر بن سليمان عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن أبيه في عدد الغزوات وأخرجه مسلم عن أحمد بن حنبل بهذا السند بلا واسطة والحديث الرابع وقع في كتاب كفارة الأيمان عن محمد بن عبد الرحيم وهو الحافظ المعروف بصاعقة عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن علي بن الحسين بن علي بن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة في فضل العتق وأخرجه مسلم عن داود بن رشيد نفسه وهذا مما نزل فيه البخاري عن طبقته درجتين لأنه يروي حديث بن غسان بواسطة واحدة كسعيد بن أبي مريم وهنا بينهما ثلاث وسائط وقد أشرت لكل حديث من هذه الأربعة في موضعه وجمعتها هنا تتميما للفائدة وعبيد الله بن معاذ أي بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري وسعد بن إبراهيم أي بن عبد الرحمن بن عوف وروايته عن محمد بن المنكدر من الأقران لأنه من طبقته قوله رأيت جابر بن عبد الله يحلف أي شاهدته حين حلف قوله ان بن الصياد كذا لأبي ذر بصيغة المبالغة ووقع عند بن بطال مثله لكن بغير ألف ولام وكذا في رواية مسلم وللباقين بن الصائد بوزن الظالم قوله تحلف بالله قال انى سمعت عمر الخ كان جابرا لما سمع عمر يحلف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه فهم منه المطابقة ولكن بقي ان شرط العمل بالتقرير ان لا يعارضه التصريح بخلافه فمن قال أو فعل بحضرت النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فأقره دل ذلك على الجواز فان قال النبي صلى الله عليه وسلم افعل خلاف ذلك دل على نسخ ذلك التقرير الا ان ثبت دليل الخصوصية قال بن بطال بعد ان قرر دليل جابر فان قيل تقدم يعني كما في الجنائز ان عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم في قصة بن صياد دعني أضرب عنقه فقال ان يكن هو فلن تسلط عليه فهذا صريح في انه تردد في أمره يعني فلا يدل سكوته عن إنكاره عند حلف عمر على انه هو قال وعن ذلك جوابان أحدهما ان الترديد كان قبل ان يعلمه الله تعالى بأنه هو الدجال فلما أعلمه لم ينكر على عمر حلفه والثاني ان العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك وان لم يكن في الخبر شك فيكون ذلك من تلطف النبي صلى الله عليه وسلم بعمر في صرفه عن قتله انتهى ملخصا ثم ذكر ما ورد عن غير جابر مما يدل على ان بن صياد هو الدجال كالحديث الذي أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن بن عمر قال لقيت بن صياد يوما ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفئت وهي خارجه مثل عين الجمل فلما رأيتها قلت أنشدك الله يا بن صياد متى طفئت عينك قال لا أدري والرحمن قلت كذبت لا تدري وهي في رأسك قال فمسحها ونخر ثلاثا فزعم اليهودي اني ضربت بيدي صدره وقلت له اخسأ فلن تعدو قدرك فذكرت ذلك لحفصة فقالت حفصة اجتنب هذا الرجل فانما يتحدث ان الدجال يخرج عند غضبه بغضبها انتهى وقد أخرج مسلم هذا الحديث بمعناه من وجه آخر عن بن عمر ولفظه لقيته مرتين فذكر الأولى ثم قال لقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه فقلت متى فعلت عينك ما أرى قال ما أدري قلت لا تدري وهي في رأسك قال ان شاء الله جعلها في عصاك هذه ونخر كأشد نخير حمار سمعت فزعم أصحابي اني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وانا والله ما شعرت قال وجاء حتى دخل على أم المؤمنين حفصة فحدثها فقالت ما تريد اليه الم تسمع انه قد قال ان أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه ثم قال بن بطال فان قيل هذا أيضا يدل على التردد في امره فالجواب انه ان وقع الشك في انه الدجال الذي يقتله عيسى بن مريم فلم يقع الشك في انه أحد الدجالين الكذابين الذين انذر بهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ان بين يدي الساعة دجالين كذابين يعني الحديث الذي مضى مع شرحه في كتاب الفتن انتهى ومحصله عدم تسليم الجزم بأنه الدجال فيعود السؤال الأول عن جواب حلف عمر ثم جابر على انه الدجال المعهود لكن في قصة حفصة وابن عمر دليل على انهما ارادا الدجال الأكبر واللام في القصة الواردة عنهما للعهد لا للجنس وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن موسى بن عقبة عن نافع قال كان بن عمر يقول والله ما أشك ان المسيح الدجال هو بن صياد ووقع لابن صياد مع أبي سعيد الخدري قصة أخرى تتعلق بأمر الدجال فأخرج مسلم من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال صحبني بن صياد الى مكة فقال لي ماذا لقيت من الناس يزعمون أني الدجال الست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انه لا يولد له قلت بلى قال فإنه قد ولد لي قال أو لست سمعته يقول لا يدخل المدينة ولا مكة قلت بلى قال فقد ولدت بالمدينة وها انا أريد مكة ومن طريق سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال أخذتني من بن صياد دمامة فقال هذا عذرت الناس مالي وأنتم يا أصحاب محمد الم يقل نبي الله صلى الله عليه وسلم انه يعني الدجال يهودي وقد أسلمت فذكر نحوه ومن طريق الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد خرجنا حجاجا ومعنا بن صياد فنزلنا منزلا وتفرق الناس وبقيت انا وهو فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال فيه فقلت الحر شديد فلو وضعت ثيابك تحت تلك الشجرة ففعل فرفعت لنا غنم فانطلق فجاء بعس فقال اشرب يا أبا سعيد فقلت ان الحر شديد وما بي الا ان أكره أني أشرب من يده فقال لقد هممت ان آخذ حبلا فأعلقه بشجرة ثم أختنق به مما يقول لي الناس يا أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم معشر الأنصار ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد قال أبو سعيد حتى كدت أعذره وفي آخر كل من الطرق الثلاثة انه قال اني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن قال أبو سعيد فقلت له تبا لك سائر اليوم لفظ الجريري وأجاب البيهقي عن قصة بن صياد بعد ان ذكر ما أخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث أبو الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ثم يولد لهما غلام أعور أضر شيء وأقله نفعا ونعت أباه وأمه قال فسمعنا بمولود ولد في اليهود فذهبت انا والزبير بن العوام فدخلنا على أبويه فإذا النعت فقلنا هل لكما من ولد قالا مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ثم ولد لنا غلام أضر شيء وأقله نفعا الحديث قال البيهقي تفرد به علي بن زيد بن جدعان وليس بالقوي قلت ويوهي حديثه ان أبا بكرة انما أسلم لما نزل من الطائف حين حوصرت سنة ثمان من الهجرة وفي حديث بن عمر الذي في الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم لما توجه الى النخل التي فيها بن صياد كان بن صياد يومئذ كالمحتلم فمتى يدرك أبو بكرة زمان مولده بالمدينة وهو لم يسكن المدينة الا قبل الوفاة النبوية بسنتين فكيف يتأتى ان يكون في الزمن النبوي كالمحتلم فالذي في الصحيحين هو المعتمد ولعل الوهم وقع فيما يقتضي تراخي مولد بن صياد اولا وهم فيه بل يحتمل قوله بلغنا انه ولد لليهود مولود على تأخر البلاغ وان كان مولده كان سابقا على ذلك بمدة بحيث يأتلف مع حديث بن عمر الصحيح ثم قال البيهقي ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على حلف عمر فيحتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفا في أمره ثم جاءه الثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري وبه تمسك من جزم بان الدجال غير بن صياد وطريقه أصح وتكون الصفة التي في بن صياد وافقت ما في الدجال قلت قصة تميم أخرجها مسلم من حديث فاطمة بنت قيس ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب فذكر ان تميما الداري ركب في سفينة مع ثلاثين رجلا من قومه فلعب بهم الموج شهرا ثم نزلوا الى جزيرة فلقيتهم دابة كثيرة الشعر فقالت لهم انا الجساسة ودلتهم على رجل في الدير قال فانطلقنا سراعا فدخلنا الدير فإذا فيه أعظم انسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه الى عنقه بالحديد فقلنا ويلك ما أنت فذكر الحديث وفيه انه سألهم عن نبي الأميين هل بعث وانه قال ان يطيعوه فهو خير لهم وانه سألهم عن بحيرة طبرية وعن عين زغر وعن نخل بيسان وفيه انه قال اني مخبركم عني انا المسيح واني اوشك ان يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا ادع قرية الا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة وفي بعض طرقه عند البيهقي انه شيخ وسندها صحيح قال البيهقي فيه ان الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير بن صياد وكان بن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم وقد خرج أكثرهم وكان الذين يجزمون بابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم والا فالجمع بينهما بعيدا جدا إذ كيف يلتئم ان يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله ان يكون في آخرها شيخا كبيرا مسجونا في جزيرة من جزائر البحر موثقا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم هل خرج أو لا فالأولى ان يحمل على عدم الاطلاع اما عمر فيحتمل ان يكون ذلك منه قبل أن يسمع قصة تميم ثم لما سمعها لم يعد الى الحلف المذكور واما جابر فشهد حلفه عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستصحب ما كان اطلع عليه من عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لكن اخرج أبو داود من رواية الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر فذكر قصة الجساسة والدجال بنحو قصة تميم قال قال أي الوليد فقال لي بن أبي سلمة ان في هذا شيء ما حفظته قال شهد جابر انه بن صياد قلت فإنه قد مات قال وان مات قلت فإنه أسلم قال وان اسلم قلت فإنه دخل المدينة قال وان دخل المدينة انتهى وابن أبي مسلمة اسمه عمر فيه مقال ولكن حديثه حسن ويتعقب به على من زعم ان جابرا لم يطلع على قصة تميم وقد تكلم بن دقيق العيد على مسألة التقرير في أوائل شرح الإلمام فقال ما ملخصه إذا أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر ليس فيه حكم شرعي فهل يكون سكوته صلى الله عليه وسلم دليلا على مطابقة ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على بن صياد هو الدجال فلم ينكر عليه فهل يدل عدم إنكاره على أن بن صياد هو الدجال كما فهمه جابر حتى صار يحلف عليه ويستند الى حلف عمر أو لا يدل فيه نظر قال والأقرب عندي انه لا يدل لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل وذلك يتوقف على تحقق البطلان ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة الا ان يدعي مدع انه يكفي في وجوب البيان عدم تحقق الصحة فيحتاج الى دليل وهو عاجز عنه نعم التقرير يسوغ الحلف على ذلك على غلبة الظن لعدم توقف ذلك على العلم انتهى ملخصا ولا يلزم من عدم تحقق البطلان ان يكون السكوت مستوفى الطرفين بل يجوز ان يكون المحلوف عليه من قسم خلاف الأولى قال الخطابي اختلف السلف في أمر بن صياد بعد كبره فروى انه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وانهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس وقيل لهم اشهدوا وقال النووي قال العلماء قصة بن صياد مشكلة وأمره مشتبه لكن لا شك انه دجال من الدجاجلة والظاهر ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح اليه في أمره بشيء وانما أوحى اليه بصفات الدجال وكان في بن صياد قرائن محتملة فلذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يقطع في أمره بشيء بل قال لعمر لا خير لك في قتله الحديث واما احتجاجاته هو بأنه مسلم الى سائر ما ذكر فلا دلالة فيه على دعواه لأن النبي صلى الله عليه وسلم انما أخبر عن صفاته وقت خروجه آخر الزمان قال ومن جملة ما في قصته قوله للنبي صلى الله عليه وسلم اتشهد أني رسول الله وقوله انه يأتيه صادق وكاذب وقوله انه تنام عينه ولا ينام قلبه وقوله انه يرى عرشا على الماء وانه لا يكره ان يكون الدجال وانه يعرفه ويعرف مولده وموضعه وأين هو الآن قال واما إسلامه وحجه وجهاده فليس فيه تصريح بأنه غير الدجال لاحتمال ان يختم له بالشر فقد أخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان ما يؤيد كون بن صياد هو الدجال فساق من طريق شبيل بمعجمة وموحدة مصغرا آخره لام بن عرزة بمهملة ثم زاي بوزن ضربة عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال لما افتتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ فكنا نأتيها فنمتار منها فأتيتها يوما فإذا اليهود يزفنون ويضربون فسألت صديقا لي منهم فقال ملكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل فبت عنده على سطح فصليت الغداة فلما طلعت الشمس إذا رهج من قبل العسكر فنظرت فإذا رجل عليه قبة من ريحان واليهود يزفنون ويضربون فنظرت فإذا هو بن صياد فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة قلت وعبد الرحمن بن حسان ما عرفته والباقون ثقات وقد اخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال فقدنا بن صياد يوم الحرة وبسند حسن مضى التنبيه عليه فقيل انه مات قلت وهذا يضعف ما تقدم انه مات بالمدينة وانهم صلوا عليه وكشفوا عن وجهه ولا يلتئم خبر جابر هذا مع خبر حسان بن عبد الرحمن لأن فتح أصبهان كان في خلافة عمر كما أخرجه أبو نعيم في تاريخها وبين قتل عمر ووقعة الحرة نحو أربعين سنة ويمكن الحمل على ان القصة انما شاهدها والد حسان بعد فتح أصبهان بهذه المدة ويكون جواب لما في قوله لما افتتحنا أصبهان محذوفا تقديره صرت اتعاهدها واتردد إليها فجرت قصة بن صياد فلا يتحد زمان فتحها وزمان دخولها بن صياد وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث فاطمة بنت قيس مرفوعا ان الدجال يخرج من أصبهان ومن حديث عمران بن حصين حين أخرجه أحمد بسند صحيح عن أنس لكن عنده من يهودية أصبهان قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان كانت اليهودية من جملة قرى أصبهان وانما سميت اليهودية لأنها كانت تختص بسكنى اليهود قال ولم تزل على ذلك الى ان مصرها أيوب بن زياد أمير مصر في زمن المهدي بن المنصور فسكنها المسلمون وبقيت لليهود منها قطعة منفردة واما ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا قال يتبع الدجال سبعون ألفا من يهود أصبهان فلعلها كانت يهودية أصبهان يريد البلد المذكور لا ان المراد جميع أهل أصبهان يهود وان القدر الذي يتبع الدجال منهم سبعون الفا وذكر نعيم بن حماد شيخ البخاري في كتاب الفتن أحاديث تتعلق بالدجال وخروجه إذا ضمت الى ما سبق ذكره في أواخر كتاب الفتن انتظمت منها له ترجمة تامة منها ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة قالوا جميعا الدجال ليس هو انسان وانما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره فإذا آن ظهوره فك الله عنه كل عام حلقة فإذا برز اتته اتان عرض ما بين اذنيها أربعون ذراعا فيضع على ظهرها منبرا من نحاس ويقعد عليه ويتبعه قبائل الجن يخرجون له خزائن الأرض قلت وهذا لا يمكن معه كون بن صياد هو الدجال ولعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب وأخرج أبو نعيم أيضا من طريق كعب الأحبار ان الدجال تلده أمه بقوس من أرض مصر قال وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة قال ولم ينزل خبره في التوراة والأنجيل وانما هو في بعض كتب الأنبياء انتهى وأخلق بهذا الخبر ان يكون باطلا فان الحديث الصحيح ان كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه بن صياد ولكونه موثوقا في جزيرة من جزائر البحر وذكر بن وصيف المؤرخ ان الدجال من ولد شق الكاهن المشهور قال وقال بل هو شق نفسه أنذره الله وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها وكان الشيطان يعمل له العجائب فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر وهذا أيضا في غاية الوهي وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون بن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقا وأن بن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة الى ان توجه الى أصبهان فاستتر مع قرينه الى ان تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها ولشدة التباس الأمر في ذلك سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في بن صياد ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم وقد توهم بعضهم انه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر اما أبو هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله وأخرجه أبو داود مختصرا وابن ماجة عقب رواية الشعبي عن فاطمة قال الشعبي فلقيت المحرز فذكره وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أبي هريرة قال استوى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال حدثني تميم فرأى تميما في ناحية المسجد فقال يا تميم حدث الناس بما حدثتني فذكر الحديث وفيه فإذا أحد منخريه ممدود وإحدى عينيه مطموسه الحديث وفيه لأطأن الأرض بقدمي هاتين الى مكة وطابا واما حديث عائشة فهو في الرواية المذكورة عن الشعبي قال ثم لقيت القاسم بن محمد فقال أشهد على عائشة حدثتني كما حدثتك فاطمة بنت قيس واما حديث جابر فأخرجه أبو داود بسند حسن من رواية أبي سلمة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر انه بينما أناس يسيرون في البحر فنفد طعامهم فرفعت لهم جزيرة فخرجوا يريدون الخبر فلقيتهم الجساسة فذكر الحديث وفيه سؤالهم عن نخل بيسان وفيه ان جابرا شهد انه بن صياد فقلت انه قد مات قال وان مات قلت فإنه أسلم قال وان اسلم قلت فأنه دخل المدينة قال وان دخل المدينة وفي كلام جابر إشارة الى ان امره ملبس وانه يجوز أن يكون ما ظهر من امره إذ ذاك لا ينافي ما توقع منه بعد خروجه في آخر الزمان وقد أخرج أحمد من حديث أبي ذر لأن أحلف عشر مرار ان بن صياد هو الدجال أحب الي من ان أحلف واحدة انه ليس هو وسنده صحيح ومن حديث بن مسعود نحوه لكن قال سبعا بدل عشر مرات أخرجه الطبراني والله اعلم وفي الحديث جواز الحلف بما يغلب على الظن ومن صوره المتفق عليها عند الشافعية ومن تبعهم ان من وجد بخط أبيه الذي يعرفه ان له عند شخص مالا وغلب على ظنه صدقه ان له إذا طالبه وتوجهت عليه اليمين ان يحلف على البت انه يستحق قبض ذلك منه

قوله باب الأحكام التي تعرف بالدلائل كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني بالدليل بالافراد والدليل ما يرشد الى المطلوب ويلزم من العلم به العلم بوجود المدلول وأصله في اللغة من أرشد قاصد مكان ما الى الطريق الموصل اليه قوله وكيف معنى الدلالة وتفسيرها يجوز في الدلالة فتح الدال وكسرها وحكى الضم والفتح أعلى والمراد بها في عرف الشرع الإرشاد الى ان حكم الشيء الخاص الذي لم يرد فيه نص خاص داخل تحت حكم دليل آخر بطريق العموم فهذا معنى الدلالة واما تفسيرها فالمراد به تبينها وهو تعليم المأمور كيفية ما أمر به والى ذلك الإشارة في ثاني أحاديث الباب ويستفاد من الترجمة بيان الرأي المحمود وهو ما يؤخذ مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من اقواله وأفعاله بطريق التنصيص وبطريق الإشارة فيندرج في ذلك الاستنباط ويخرج الجمود على الظاهر المحض قوله وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر الخيل الخ يشير الى أول أحاديث الباب ومراده ان قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الى آخر السورة عام في العامل وفي عمله وانه صلى الله عليه وسلم لما بين حكم اقنتاء الخيل وأحوال مقتنيها وسئل عن الحمر أشار الى ان حكمها وحكم الخيل وحكم غيرها مندرج في العموم الذي يستفاد من الآية قوله وسئل عن الضب الخ يشير الى ثالث أحاديث الباب ومراده بيان حكم تقريره صلى الله عليه وسلم وانه يفيد الجواز الى ان توجد قرينة تصرفه الى غير ذلك ثم ذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول حديث أبي هريرة الخيل لثلاثة وقد مضى شرحه في كتاب الجهاد قوله وسئل أي النبي صلى الله عليه وسلم واسم السائل عن ذلك يمكن ان يفسر بصعصعة بن معاوية عم الأحنف التميمي وحديثه في ذلك عند النسائي في التفسير وصححه الحاكم ولفظه قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول من يعمل مثقال ذرة خيرا يره الى آخر السورة قال ما أبالي ان لا أسمع غيرها حسبي حسبي وحكى بن بطال عن المهلب ان هذا الحديث حجة في اثبات القياس وفيه نظر تقدم التنبيه عليه عند شرحه في كتاب الجهاد وأشرت اليه في باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته الحديث الثاني قوله حدثنا يحيى كذا لأبي ذر غير منسوب وصنيع بن السكن يقتضي أنه بن موسى البلخي وتقدمت اليه الإشارة في كتاب الطهارة وجزم الكلاباذي ومن تبعه كالبيهقي بأنه بن جعفر البيكندي قوله عن منصور بن عبد الرحمن في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا منصور وهو عند أبي نعيم في المستخرج من طريق الحميدي وعبد الرحمن والد منصور المذكور هو بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد الدار العبدري الحجبي كما تقدم في كتاب الحيض ووقع هنا منصور بن عبد الرحمن بن شيبة وشيبة انما هو جد منصور لأمه لأن اسم أمه صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي وعلى هذا فيكتب بن شيبة بالألف ويعرب اعراب منصور لا اعراب عبد الرحمن وقد تفطن لذلك الكرماني هنا ولصفية ولأبيها صحبة قوله ان امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم كذا ذكر من المتن أوله ثم تحول الى السند الثاني ومحمد بن عقبة شيخه هو الشيباني يكنى أبا عبد الله فيما جزم به الكلاباذي وحكى المزي انه يكنى أبا جعفر وهو كوفي قال أبو حاتم ليس بالمشهور وتعقب بأنه روى عنه مع البخاري يعقوب بن سفيان وأبو كريب وآخرون ووثقه مطين وابن عدي وغيرهما قال بن حبان مات سنة خمس عشرة قلت فهو من قدماء شيوخ البخاري ما له عنده سوى هذا الموضع فيما ذكر الكلاباذي لكنه متعقب بان له موضعا آخر تقدم في الجمعة وآخر في غزوة المريسيع وله في الأحاديث الثلاثة عنده متابع فما اخرج له شيئا استقلالا ولكنه ساق المتن هنا على لفظه واما لفظ بن عيينة فيه فتقدم في الطهارة وتقدم هناك ان اسم المرأة السائلة أسماء بنت شكل بمعجمة وكاف مفتوحتين ثم لام وقيل اسم أبيها غير ذلك كما تقدم مع سائر شرحه قال بن بطال لم تفهم السائلة غرض النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لم تكن تعرف ان تتبع الدم بالفرصة يسمى توضأ إذا اقترن بذكر الدم والأذى وانما قيل له ذلك لكونه مما يستحيي من ذكره ففهمت عائشة غرضه فبينت للمرأة ما خفي عليها من ذلك وحاصله أن المجمل يوقف على بيانه من القرائن وتختلف الأفهام في ادراكه وقد عرف أئمة الأصول المجمل بما لم تتضح دلالته ويقع في اللفظ المفرد كالقرء لاحتماله الطهر والحيض وفي المركب مثل أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح لاحتماله الزوج والولي ومن المفرد الأسماء الشرعية مثل كتب عليكم الصيام فقيل هو مجمل لصلاحيته لكل صوم ولكنه بين بقوله تعالى شهر رمضان ونحوه حديث الباب في قوله توضيء فإنه وقع بيانه للسائلة بما فهمته عائشة رضي الله عنها وأقرت على ذلك والله أعلم الحديث الثالث حديث بن عباس

[ 6925 ] قوله أم حفيد بمهملة وفاء مصغر اسمها هزيلة بزاي مصغر بنت الحارثة الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين وهي خالة بن عباس وخالة خالد بن الوليد واسم أم كل منهما لبابة بضم اللام وتخفيف الموحدة وبعد الألف أخرى قوله وأضبا بضم الضاض المعجمة وتشديد الموحدة جمع ضب ووقع في رواية الكشميهني بالافراد قوله كالمتقذر لهن بقاف ومعجمة في رواية الكشميهني له وكذا في قوله ما أكلن وتقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الأطعمة الحديث الرابع حديث جابر في أكل الثوم والبصل

[ 6926 ] قوله وليقعد في رواية الكشميهني أو ليعقد بزيادة الألف في أوله قوله أتى ببدر قال بن وهب يعني طبقا هو موصول بسند الحديث المذكور قوله فقربوها الى بعض أصحابه كان معه هو منقول بالمعنى لأن لفظه صلى الله عليه وسلم قربوها لأبي أيوب فكأن الراوي لم يحفظه فكنى عنه بذلك وعلى تقدير أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم عينه ففيه التفات لأن نسق العبارة أن يقول الى بعض أصحابي ويؤيد أنه من كلام الراوي قوله بعده كان معه قوله فلما رآه كره أكلها فاعل كره هو أبو أيوب وفيه حذف تقديره فلما رآه امتنع من أكلها وأمر بتقريبها اليه كره أكلها ويحتمل ان يكون التقدير فلما رآه لم يأكل منها كره اكلها وكان أبو أيوب استدل بعموم قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة على مشروعية متابعته في جميع أفعاله فلما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكل تلك البقول تأسى به فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه تخصيصه فقال اني اناجي من لا تناجي ووقع عند مسلم في رواية له من حديث أبي أيوب كما تقدم في شرح هذا الحديث في اواخر كتاب الصلاة قبل كتاب الجمعة اني أخاف ان اوذي صاحبي وعند أبي خزيمة انى استحيي من ملائكة الله وليس بمحرم قال بن بطال قوله قربوها نص على جواز الأكل وكذا قوله فانى أناجي الخ قلت وتكملته ما ذكرته واستدل به على تفضيل الملك على البشر وفيه نظر لأن المراد بمن كان صلى الله عليه وسلم يناجيه من ينزل عليه بالوحي وهو في الأغلب الأكثر جبريل ولا يلزم من وجود دليل يدل على أفضلية جبريل على مثل أبي أيوب ان يكون أفضل ممن هو أفضل من أبي أيوب ولا سيما ان كان نبيا ولا يلزم من تفضيل بعض الأفراد على بعض تفضيل جميع الجنس على جميع الجنس قوله وقال بن عفير هو سعيد بن كثير بن عفير بمهملة وفاء مصغر نسب لجده وهو من شيوخ البخاري وقد صرح بتحديثه له في المكان الذي أشرت اليه وساقه على لفظه وساق عن أحمد بن صالح الذي ساقه هنا قطعة منه وزاد هناك عن الليث وأبي صفوان طرفا منه معلقا وذكرت هناك من وصلهما الحديث الخامس

[ 6927 ] قوله حدثنا أبي وعمي اسم عمه يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال الدمياطي مات يعقوب سنة ثمان ومائتين وكان أصغر من أخيه سعد انفرد به البخاري واتفقا على أخيه انتهى وظن بعض من نقل كلامه ان الضمير في قوله أخيه ليعقوب ومقتضاه ان يكون اتفقا على التخريج لسعد ثم اعترض بأن الواقع خلافه وليس كما ظن والاعتراض ساقط والضمير انما هو لسعد والمتفق عليه يعقوب والضمير في قوله لأقرب مذكور وهو سعيد لا ليعقوب المحدث عنه اولا قوله قالا حدثنا أبي أي قال كل منهما ذلك قوله ان امرأة تقدم في مناقب الصديق شرح الحديث وأنها لم تسم قوله زاد لنا الحميدي عن إبراهيم بن سعد الخ يريد بالسند الذي قبله والمتن كله والمزيد هو قوله كأنها تعني الموت وقد مضى في مناقب الصديق بلفظ حدثنا الحميدي ومحمد بن عبد الله قالا حدثنا إبراهيم بن سعد وساقه بتمامه وفيه الزيادة ويستفاد منه انه إذا قال زادنا وزاد لنا وكذا زادني وزاد لي ويلتحق به قال لنا وقال لي وما اشبهها فهو كقوله حدثنا بالنسبة الى انه حمل ذلك عنه سماعا لأنه لا يستجيزها في الإجازة ومحل الرد ما يشعر به كلام القائل من التعميم وقد وجد له في موضع زادنا حدثنا وذلك لا يدفع احتمال انه كان يستجيز في الإجازة ان يقول قال لنا ولا يستجيز حدثنا قال بن بطال استدل النبي صلى الله عليه وسلم بظاهر قولها فان لم اجدك انها ارادت الموت فأمرها بإتيان أبي بكر قال وكأنه اقترن بسؤالها حالة افهمت ذلك وان لم تنطق بها قلت والى ذلك وقعت الإشارة في الطريق المذكورة هنا التي فيها كأنها تعني الموت لكن قولها فان لم اجدك أعم في النفي من حال الحياة وحال الموت ودلالته لها على أبي بكر مطابق لذلك العموم وقول بعضهم هذا يدل على ان أبا بكر هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم صحيح لكن بطريق الإشارة لا التصريح ولا يعارض جزم عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف لأن مراده نفي النص على ذلك صريحا والله اعلم قال الكرماني مناسبة هذا الحديث للترجمة انه يستدل به على خلافة أبي بكر ومناسبة الحديث الذي قبله لأنه يستدل به على ان الملك يتأذى بالرائحة الكريهة قلت في هذا الثاني نظر لأنه قال في بعض طرق الحديث فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم فهذا حكم يعرف بالنص والترجمة حكم يعرف بالاستدلال فالذي قاله في خلافة أبي بكر مستقيم بخلاف هذا والذي أشرت اليه من استدلال أبي أيوب على كراهية أكل الثوم بامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من جهة عموم التأسى أقرب ما قاله

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر ان عمر اتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب اصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب وقال لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسه بيده لو ان موسى كان حيا ما وسعه الاان يتبعنى ورجاله موثوقون الا ان في مجالد ضعفا وأخرجه البزار أيضا من طريق عبد الله بن ثابت الأنصاري ان عمر نسخ صحيفة من التوراه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف واستعمله في الترجمة لورود ما يشهد بصحته من الحديث الصحيح واخرج عبد الرزاق من طريق حريث بن ظهير قال قال عبد الله لا تسألوا أهل الكتاب فانهم لن يهدوكم وقد اضلوا أنفسم فتكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل وأخرجه سفيان الثوري من هذا الوجه بلفظ لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فانهم لن يهدوكم وقد ضلوا ان تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل وسنده حسن قال بن بطال عن المهلب هذا النهي انما هو في سؤالهم عما لا نص فيه لأن شرعنا مكتف بنفسه فإذا لم يوجد فيه نص ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم ولا يدخل في النهى سؤالهم عن الاخبار المصدقة لشرعنا والأخبار عن الأمم السالفة واما قوله تعالى فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك فالمراد به من آمن منهم والنهى انما هو عن سؤال من لم يؤمن منهم ويحتمل ان يكون الأمر يختص بما يتعلق بالتوحيد والرسالة المحمدية وما اشبه ذلك والنهي عما سوى ذلك قوله وقال أبو اليمان كذا عند الجميع ولم أره بصيغة حدثنا وأبو اليمان من شيوخه فاما ان يكون اخذه عنه مذاكرة واما ان يكون ترك التصريح بقوله حدثنا لكونه اثرا موقوفا ويحتمل ان يكون مما فاته سماعه ثم وجدت الاسماعيلى أخرجه عن عبد الله بن العباس الطيالسي عن البخاري قال حدثنا أبو اليمان ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم فذكره فظهر انه مسموع له وترجح الاحتمال الثاني ثم وجدته في التاريخ الصغير للبخاري قال حدثنا أبو اليمان قوله حميد بن عبد الرحمن أي بن عوف وقوله سمع معاوية أي انه سمع معاوية وحذف انه يقع كثيرا قوله رهطا من قريش لم اقف على تعيينهم وقوله بالمدينة يعنى لما حج في خلافته قوله ان كان من اصدق ان مخففة من الثقيلة ووقع في رواية أخرى لمن اصدق بزيادة اللام المؤكدة قوله يحدثون عن أهل الكتاب أي القديم فيشمل التوراة والصحف وفي رواية الذهلي في الزهريات عن أبي اليمان بهذا السند يتحدثون بزيادة مثناة قوله لنبلو بنون ثم موحدة أي نختبر وقوله عليه الكذب أي يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به قال بن التين وهذا نحو قول بن عباس في حق كعب المذكور بدل من قبله فوقع في الكذب قال والمراد بالمحدثين أنداد كعب ممن كان من أهل الكتاب واسلم فكان يحدث عنهم وكذا من نظر في كتبهم فحدث عما فيها قال ولعلهم كانوا مثل كعب الا ان كعبا كان أشد منهم بصيرة واعرف بما يتوقاه وقال بن حبان في كتاب الثقات أراد معاوية أنه يخطىء أحيانا فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذابا وقال غيره الضمير في قوله لنبلو عليه للكتاب لا لكعب وانما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدلوه وحرفوه وقال عياض يصح عوده على الكتاب ويصح عوده على كعب وعلى حديثه وان لم يقصد الكذب ويتعمده إذا لا يشترط في مسمى الكذب التعمد بل هو الاخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه وليس فيه تجريح لكعب بالكذب وقال بن الجوزي المعنى ان بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبا لا انه يتعمد الكذب والا فقد كان كعب من أخيار الأحبار وهو كعب بن ماتع بكسر المثناة بعدها مهملة بن عمرو بن قيس من آل ذي رعين وقيل ذي الكلاع الحميري وقيل غير ذلك في اسم جده ونسبه يكنى أبا إسحاق كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وكان يهوديا عالما بكتبهم حتى كان يقال له كعب الحبر وكعب الأحبار وكان إسلامه في عهد عمر وقيل في خلافة أبي بكر وقيل انه أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت هجرته والأول أشهر والثاني قاله أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز وأسنده بن منده من طريق أبي إدريس الخولاني وسكن المدينة وغزا الروم في خلافة عمر ثم تحول في خلافة عثمان الى الشام فسكنها الى ان مات بحمص في خلافة عثمان سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وثلاثين والأول أكثر قال بن سعد ذكروه لأبي الدرداء فقال ان عند بن الحميرية لعلما كثيرا وأخرج بن سعد من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال قال معاوية الا ان كعب الأحبار أحد العلماء ان كان عنده لعلم كالبحار وان كنا كنا فيه لمفرطين وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طريق بن أبي ذئب أن عبد الله بن الزبير قال ما أصبت في سلطاني شيئا الا قد أخبرني به كعب قبل ان يقع ثم ذكر فيه حديثين الحديث الأول حديث أبي هريرة

[ 6928 ] قوله كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية تقدم بهذا السند والمتن في تفسير سورة البقرة وعلى هذا فالمراد باهل الكتاب اليهود لكن الحكم عام فيتناول النصارى قوله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم هذا لا يعارض حديث الترجمة فإنه نهى عن السؤال وهذا نهي عن التصديق والتكذيب فيحمل الثاني على ما إذا بدأهم أهل الكتاب بالخبر وقد تقدم توجيه النهي عن التصديق والتكذيب في تفسير سورة البقرة الحديث الثاني

[ 6929 ] قوله حدثنا إبراهيم هو بن سعد بن إبراهيم المذكور قريبا قوله كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء تقدم شرحه في كتاب الشهادات ووقع في رواية عكرمة عن بن عباس عند بن أبي شيبة عن كتبهم قوله وكتابكم الذي أنزل على رسوله أحدث كذا وقع مختصرا هنا وتقدم بلفظ أحدث الكتب ووقع في رواية عكرمة وعندكم كتاب الله أحدث الكتب عهدا بالله وتقدم توجيه أحدث ويأتي وقوله لا ينهاكم اه استفهام محذوف الأداة بدليل ما تقدم في الشهادات أو لا ينهاكم وقوله عن مسألتهم في رواية الكشمهيني عن مساءلتهم بضم أوله بوزن المفاعلة

قوله باب كراهية الاختلاف ولبعضهم الخلاف أي في الأحكام الشرعية أو أعم من ذلك وسقطت هذه الترجمة لابن بطال فصار حديثها من جملة باب النهي للتحريم ووجهه بان الأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن للندب لا لتحريم القراءة عند الاختلاف والأولى ما وقع عند الجمهور وبه جزم الكرماني فقال في آخر حديث عبد الله بن مغفل هذا آخر ما أريد إيراده في الجامع من مسائل أصول الفقه

[ 6930 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقوله في آخره قال أبو عبد الله سمع عبد الرحمن يعني بن مهدي المذكور في السند سلاما يعني بتشديد اللام وهو بن أبي مطيع وأشار بذلك الى ما أخرجه في فضائل القرآن عن عمرو بن علي عن عبد الرحمن قال حدثنا سلام بن أبي مطيع ووقع هذا الكلام للمستملي وحده

[ 6931 ] قوله وقال يزيد بن هارون الخ وصلة الدارمي عن يزيد بن هارون لكن قال عن همام ثم أخرجه عن أبي النعمان عن هارون الأعور وتقدم في آخر فضائل القرآن بيان الاختلاف على أبي عمران في سند هذا الحديث مع شرح الحديث وقال الكرماني مات يزيد بن هارون سنة ست ومائتين فالظاهر ان رواية البخاري عنه تعليق انتهى وهذا لا يتوقف فيه من اطلع على ترجمة البخاري انه لم يرحل من بخارى الا بعد موت يزيد بن هارون بمدة قوله في حديث بن عباس واخلف أهل البيت اختصموا كذا لأبي ذر وهو تفسير لاختلفوا ولغيره واختصموا بالواو العاطفة وكذا تقدم في آخر المغازي

[ 6932 ] قوله قال عبيد الله هو بن عبد الله بن عتبة هو موصل بالسند المذكور وقد تقدم بيان ذلك في كتاب العلم وفي أواخر المغازي في باب الوفاة النبوية

قوله باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم أي النهي الصادر منه محمول على التحريم وهو حقيقة فيه قوله الا ما تعرف إباحته أي بدلالة السياق أو قرينه الحال أو قيام الدليل على ذلك قوله وكذلك امره أي يحرم مخالفته لوجوب امتثاله ما لم يقم الدليل على إرادة الندب أو غيره قوله نحو قوله حين أحلوا أي في حجة الوداع لما أمرهم ففسخوا الحج الى العمرة وتحللوا من العمرة والمراد بالأمر صيغة افعل والنهي لا تفعل وأختلفوا في قول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهانا عنه فالراجح عند أكثر السلف ان لا فرق وقد انهى بعض الأصوليين صيغة الأمر الى سبعة عشر وجها والنهي الى ثمانية أوجه ونقل القاضي أبو بكر بن الطيب عن مالك والشافعي ان الأمر عندهما على الإيجاب والنهي على التحريم حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك وقال بن بطال هذا قول الجمهور وقال كثير من الشافعية وغيرهم الأمر على الندب والنهي على الكراهة حتى يقوم دليل الوجوب في الأمر ودليل التحريم في النهي وتوقف كثير منهم وسبب توقفهم ورود صيغة الأمر للايجاب والندب والاباحة والارشاد وغير ذلك وحجة الجمهور ان من فعل ما أمر به استحق الحمد وان من تركه استحق الذم وكذا بالعكس في النهي وقول الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم يشمل الأمر والنهي ودل الوعيد فيه على تحريمه فعلا وتركا قوله أصيبوا من النساء هو اذن لهم في جماع نساءهم أشار الى المبالغة في الاحلال إذ الجماع يفسد النسك دون غيره من محرمات الإحرام ووقع في رواية حماد بن زيد عن بن جريج في كتاب الشركة فأمرنا فجعلناها عمرة وان نحل الى نسائنا ثم ذكر في الباب أحاديث الأول قوله وقالت أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا تقدم موصولا في كتاب الجنائز وبينه وبين حديث جابر فرق من جهة اختلاف السببين فالقصة التي في رواية جابر كانت إباحة بعد حظر فلا تدل على الوجوب للقرينة المذكورة لكن أراد جابر التاكيد في ذلك والقصة التي في حديث أم عطية نهي بعد إباحة فكان ظاهرا في التحريم فأرادت ان تبين لهم انه لم يصرح لهم بالتحريم والصحابي أعرف بالمراد من غيره وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في كتاب الجنائز الحديث الثاني

[ 6933 ] قوله حدثنا المكي بن إبراهيم عن بن جريج قال عطاء وقال جابر قال أبو عبد الله وقال محمد بن بكر حدثنا بن جريج أخبرني عطاء سمعت جابر بن عبد الله اما قوله وقال جابر فهو معطوف على شيء محذوف يظهر مما تقدم في باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج وفي باب بعث علي الى اليمن من اواخر المغازي بهذين السندين معلقا وموصولا ولفظه أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا ان يقيم على احرامه فذكر هذه القصة ثم قال وقال جابر اهللنا بالحج خالصا واما التعليق فوصله الإسماعيلي من الطريق المذكورة عن محمد بن بكر وخرجه أيضا من طريق يحيى القطان عن بن جريج وأفادت رواية محمد بن بكر التصريح بسماع عطاء من جابر وقوله في اناس معه فيه التفات ونسق الكلام ان يقول معي ووقع كذلك في رواية يحيى القطان وقوله اهللنا بالحج خالصا ليس معه عمرة هو محمول على ما كانوا ابتدؤا به ثم وقع الإذن بإدخال العمرة على الحج وبفسخ الحج الى العمرة فصاروا على ثلاثة انحاء مثل ما قالت عائشة منا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من جمع وقد تقدم ذلك مشروحا في كتاب الحج وقوله وقال عطاء عن جابر هو موصل بالسندين المذكورين قوله صبح رابعة تقدم بيانه في حديث أنس في الباب المشار اليه قوله قال عطاء قال جابر هو موصول بالسند المذكور وقوله وقال محمد بن بكر عن بن جريج هو موصول عند الإسماعيلي كما تقدم قوله ولم يعزم عليهم أي في جماع نسائهم أي لأن الأمر المذكور انما كان للإباحة ولذلك قال جابر ولكن أحلهن لهم وقد تقدم في الباب المذكور قالوا أي الحل قال الحل كله قوله فبلغه انا نقول لما لم يكن بيننا وبين عرفة الا خمس ليال أي أولها ليلة الأحد وآخرها ليلة الخميس لأن توجههم من مكة كان عشية الأربعاء فباتوا ليلة الخميس بمنى ودخلوا عرفة يوم الخميس قوله فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي في رواية المستملي المني وكذا عند الإسماعيلي ويؤيده ما وقع في رواية حماد بن زيد بلفظ فيروح أحدنا الى منى وذكره يقطر منيا وانما ذكر منى لأنهم يتوجهون إليها قبل توجههم الى عرفة قوله ويقول جابر بيده هكذا وحركها أي امالها وفي رواية حماد بن زيد بلفظ فقال جابر بكفه أي أشار بكفه قال الكرماني هذه الإشارة لكيفية التقطر ويحتمل ان تكون الى محل التقطر ووقع في رواية الإسماعيلي قال يقول جابر كأني أنظر الى يده يحركها وهذا يحتمل ان يكون مرفوعا قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زاد في رواية حماد خطيبا فقال بلغني ان أقواما يقولون كذا وكذا قوله قد علمتم اني اتقاكم لله وأصدقكم في رواية حماد والله لأنا أبر واتقى لله منهم قوله ولولا هديي لحللت كما تحلون في رواية الإسماعيلي لأحللت وكذا مضى في باب عمرة التنعيم من طريق حبيب المعلم عن عطاء عن جابر وهما لغتان حل وأحل وتقدم شرح الحديث هناك الا انه لم يذكر فيه كلام جابر بتمامه ولا الخطبة قوله فحلوا كذا فيه بصيغة الأمر من حل وقوله فحللنا وسمعنا وأطعنا في رواية الإسماعيلي فأحللنا الحديث الثالث

[ 6934 ] قوله عبد الوارث هو بن سعيد وحسين هو بن ذكوان المعلم ووقع منسوبا في رواية الإسماعيلي وابن بريدة هو عبد الله وعبد الله المزني هو بن مغفل بالمعجمة والفاء الثقيلة ووقع بيانه في كتاب الصلاة وبين الإسماعيلي سبب الاقتصار على قوله عن عبد الله دون ذكر أبيه فأخرجه من طريق محمد بن عبيد بن حسان عن عبد الوارث فقال فيه عن عبد الله المزني كالذي هنا وقال كتبته فنسيته لا أدري بن مغفل أو بن معقل أي بالمعجمة والفاء أو المهملة والقاف وقد تقدم شرح الحديث في باب كم بين الآذان والإقامة من كتاب الصلاة وموضع الترجمة منه قوله في آخره لمن شاء فان فيه إشارة الى ان الأمر حقيقة في الوجوب فلذلك اردفه بما يدل على التخيير بين الفعل والترك فكان ذلك صارفا للحمل على الوجوب قوله خشية ان يتخذها الناس سنة أي طريق لازمة لا يجوز تركها أو سنة راتبة يكره تركها وليس المراد ما يقابل الوجوب لما تقدم

قوله باب قول الله تعالى وأمرهم شورى بينهم وشاورهم في الأمر هكذا وقعت هذه الترجمة مقدمة على اللتين بعدها عند أبي ذر ولغيره مؤخرة عنهما وآخرها النسفي أيضا لكن سقطت عنده ترجمة النهي على التحريم وما معها فاما الآية الأولى فأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم بسند قوي عن الحسن قال ما تشاور قوم قط بينهم الا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم وفي لفظ الا عزم الله لهم بالرشد أو بالذي ينفع واما الآية الثانية فأخرج بن أبي حاتم بسند حسن عن الحسن أيضا قال قد علم انه ما به إليهم حاجة ولكن أراد ان يستن به من بعده وفي حديث أبي هريرة ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات الا انه منقطع وقد أشار اليه الترمذي في الجهاد فقال ويروى عن أبي هريرة فذكره وتقدم في الشروط من حديث المسور بن مخرمة قوله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي في هؤلاء القوم وفيه جواب أبي بكر وعمر وعمله صلى الله عليه وسلم بما اشارا به وهو في الحديث الطويل في صلح الحديبية قوله وان المشاورة قبل العزم والتبين لقوله تعالى فإذا عزمتم فتوكل على الله وجه الدلالة ما ورد عن قراءة عكرمة وجعفر الصادق بضم التاء من عزمت أي إذا أرشدتك اليه فلا تعدل عنه فكأن المشاورة انما تشرع عند عدم العزم وهو واضح وقد اختلف في متعلق المشاورة فقيل في كل شيء ليس فيه نص وقيل في الأمر الدنيوي فقط وقال الداودي انما كان يشاورهم في أمر الحرب مما ليس فيه حكم لأن معرفة الحكم انما تلتمس منه قال ومن زعم انه كان يشاورهم في الأحكام فقد غفل غفلة عظيمة واما في غير الأحكام فربما رأى غيره أو سمع ما لم يسمعه أو يره كما كان يستصحب الدليل في الطريق وقال غيره اللفظ وان كان عاما لكن المراد به الخصوص للاتفاق على انه لم يكن يشاورهم في فرائض الأحكام قلت وفي هذا الإطلاق نظر فقد اخرج الترمذي وحسنه وصححه بن حبان من حديث علي قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول الآية قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى دينار قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قلت فكم قال شعيرة قال انك لزهيد فنزلت أأشفقتم الآية قال فبي خفف الله عن هذه الأمة ففي هذا الحديث المشاورة في بعض الأحكام ونقل السهيلي عن بن عباس ان المشاورة مختصة بأبي بكر وعمر ولعله من تفسير الكلبي ثم وجدت له مستندا في فضائل الصحابة لأسد بن موسى والمعرفة ليعقوب بن سفيان بسند لا بأس به عن عبد الرحمن بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون وهو مختلف في صحبته ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا وقد وقع في حديث أبي قتادة في نومهم في الوادي ان تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا لكن لا حجة فيه للتخصيص ووقع في الأدب من رواية طاوس عن بن عباس في قوله تعالى وشاورهم في الأمر قال في بعض الأمر قيل وهذا تفسير لا تلاوة ونقله بعضهم قراءة عن بن مسعود وعد كثير من الشافعية المشاورة في الخصائص واختلفوا في وجوبها فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب عن النص وبه جزم أبو نصر الفشيري في تفسيره وهو المرجح قوله فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله يريد انه صلى الله عليه وسلم بعد المشورة إذا عزم على فعل أمر مما وقعت عليه المشورة وشرع فيه لم يكن لأحد بعد ذلك ان يشير عليه بخلافه لورود النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في آية الحجرات وظهر من الجمع بين آية المشورة وبينها تخصيص عمومها بالمشورة فيجوز التقدم لكن بأذن منه حيث يستشير وفي غير صورة المشورة لا يجوز لهم التقدم فأباح لهم القول جواب الاستشارة وزجرهم عن الابتداء بالمشورة وغيرها ويدخل في ذلك الاعتراض على ما يراه بطريق الأولى ويستفاد من ذلك ان امره صلى الله عليه وسلم إذا ثبت لم يكن لأحد أن يخالفه ولا يتحيل في مخالفته بل يجعله الأصل الذي يرد اليه ما خالفه لا بالعكس كما يفعل بعض المقلدين ويغفل عن قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره الآية والمشورة بفتح الميم وضم المعجمة وسكون الواو وبسكون المعجمة وفتح الواو لغتان والأولى أرجح قوله وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج الخ هذا مثال لما ترجم به انه شاور فإذا عزم لم يرجع والقدر الذي ذكره هنا مختصر من قصة طويلة لم تقع موصولة في موضع آخر من الجامع الصحيح وقد وصلها الطبراني وصححها الحاكم من رواية عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا أخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد ونرجو أن نصيب من الفضيلة ما أصاب أهل بدر فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس لأمته فلما لبسها ندموا وقالوا يا رسول الله اقم فالرأي رأيك فقال ما ينبغي لنبي ان يضع أداته بعد ان لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه وكان ذكر لهم قبل ان يلبس الأداة اني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة وهذا سند حسن وأخرج أحمد والدارمي والنسائي من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر نحوه وتقدمت الإشارة اليه في كتاب التعبير وسنده صحيح ولفظ أحمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا تنحر فأولت الدرع الحصينة المدينة الحديث وقد ساق محمد بن إسحاق هذه القصة في المغازي مطولة وفيها ان عبد الله بن أبي رأس الخزرج كان رأيه الإقامة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وقال أطاعهم وعصاني فرجع بمن أطاعه وكانوا ثلث الناس قوله فلما لبس لأمته بسكون الهمزة هي الدرع وقيل الأداة بفتح الهمزة وتخفيف الدال وهي الآلة من درع وبيضة وغيرهما من السلاح والجمع لأم بسكون الهمزة مثل تمرة وتمر وقد تسهل وتجمع أيضا على لؤم بضم ثم فتح على غير قياس واستلأم للقتال إذا لبس سلاحه كاملا قوله وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة فسمع منها حتى نزل القرآن فجلد الرامين قال بن بطال عن القابسي الضمير في قوله منهما لعلي وأسامة واما جلده الرامين فلم يأت فيه بإسناد قلت اما أصل مشاورتهما فذكره موصولا في الباب باختصار وتقدم في قصة الإفك مطولا في تفسير سورة النور مشروحا وقوله فسمع منهما أي فسمع كلامهما ولم يعمل بجميعه حتى نزل الوحي اما علي فأومأ الى الفراق بقوله والنساء سواها كثير وتقدم بيان عذره في ذلك واما أسامة فنفى ان يعلم عليها الا الخير فلم يعمل بما اومأ اليه علي من المفارقة وعمل بقوله وسل الجارية فسألها وعمل بقول أسامة في عدم المفارقة ولكنه اذن لها في التوجه الى بيت أبيها واما قوله فجلد الرامين فلم يقع في شيء من طريق حديث الإفك في الصحيحين ولا أحدهما وهو عند أحمد وأصحاب السنن من رواية محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت لما نزلت براءتي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فدعى بهم وحدهم وفي لفظ فأمر برجلين وامراة فضربوا حدهم وسموا في رواية أبي داود مسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش قال الترمذي حسن لا نعرفه الا من حديث بن إسحاق من هذا الوجه قلت ووقع التصريح بتحديثه في بعض طرقه وقد تقدم بسط القول في ذلك في شرح حديث الإفك في التفسير قوله ولم يلتفت الى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله قال بن بطال عن القابسي كأنه أراد تنازعهما فسقطت الألف لأن المراد أسامة وعلي وقال الكرماني القياس ان يقال تنازعهما الا ان يقال ان أقل الجمع اثنان أو أراد بالجمع هما ومن معهما أو من وافقهما على ذلك انتهى واخرج الطبراني عن بن عمر في قصة الإفك وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد وبريرة فكأنه أشار بصيغة الجمع الى ضم بريرة الى علي وأسامة لكن استشكله بعضهم بأن ظاهر سياق الحديث الصحيح انها لم تكن حاضرة لتصريحه بأنه أرسل إليها وجوابه ان المراد بالتنازع اختلاف قول المذكورين عند مساءلتهم واستشارتهم وهو أعم من ان يكونوا مجتمعين أو متفرقين ويجوز ان يكون مراده بقوله فلم يلتفت الى تنازعهم كلا من الفريقين في قصتي أحد والافك قوله وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها أي إذا لم يكن فيها نص بحكم معين وكانت على أصل الإباحة فمراده ما احتمل الفعل والترك احتمالا واحدا واما ما عرف وجه الحكم فيه فلا واما تقييده بالأمناء فهي صفة موضحه لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله واما قوله بأسهلها فلعموم الأمر بالأخذ بالتيسير والتسهيل والنهي عن التشديد الذي يدخل المشقة على المسلم قال الشافعي انما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبهه على ما يغفل عنه ويدله على ما لايستحضره من الدليل لا ليقلد المشير فيما يقوله فان الله لم يجعل هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد من استشارة الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة منها مشاورة أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة وقد أشار إليها المصنف واخرج البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله فان وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم وان علمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به وان لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة فان اعياه ذلك دعى رؤوس المسلمين وعلمائهم واستشارهم وان عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك وتقدم قريبا ان القراء كانوا أصحاب مجلس عمر ومشاورته ومشاورة عمر الصحابة في حد الخمر تقدمت في كتاب الحدود ومشاورة عمر الصحابة في املاص المرأة تقدمت في الديات ومشاورة عمر في قتال الفرس تقدمت في الجهاد ومشاورة عمر المهاجرين والأنصار ثم قريشا لما أرادوا دخول الشام وبلغه ان الطاعون وقع بها وقد مضى مطولا مع شرحه في كتاب الطب وروينا في القطعيات من رواية إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال جاء رجل الى معاوية فسأله عن مسألة فقال سل عنها عليا قال ولقد شهدت عمر أشكل عليه شيء فقال ههنا علي وفي كتاب النوادر للحميدي والطبقات لمحمد بن سعد من رواية سعيد بن المسيب قال كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن يعني علي بن أبي طالب ومشاورة عثمان الصحابة أول ما استخلف فيما يفعل بعبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان وغيره ظنا منه ان لهم في قتل أبيه مدخلا وهي عند بن سعد وغيره بسند حسن ومشاورته الصحابة في جمع الناس على مصحف واحد أخرجها بن أبي داود في كتاب المصاحف من طرق عن علي منها قوله ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف الا عن ملأ منا وسنده حسن قوله ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة الخ يشير الى حديث أبي هريرة الذي تقدم قريبا في باب الاقتداء بالسلف قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه تقدم موصولا من حديث بن عباس في كتاب المحاربين قوله وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا هذا طرف من حديث بن عباس في قصة الحر بن قيس وعمه عيينة بن حصن وتقدم قريبا في باب الاقتداء بالسلف أيضا بلفظ ومشاورته ووقع بلفظ ومشورته موصولا في التفسير وقوله في آخره هنا وكان وقافا بقاف ثقيلة أي كثير الوقوف وهذه الزيادة لم تقع في الطريق الموصولة في باب الاقتداء وانما وقعت في التفسير ثم ذكر طرفا من حديث الإفك من طريق صالح بن كيسان عن الزهري وقد تقدم بطوله في كتاب المغازي واقتصر منه على موضع حاجته وهي مشاورة علي وأسامة وقال في آخره فذكر براءة عائشة وأشار بذلك الى انه هو الذي اختصره وذكر طرفا منه من طريق هشام بن عروة عن أبيه وقد اورد طريق أبي أسامة عن هشام التي علقها هنا مطولة في كتاب التفسير وقد ذكرت هناك من وصلها عن أبي أسامة وشيخه هنا في الطريق الموصولة هو محمد بن حرب النشائي بنون ومعجمة خفيفة ويحيى بن أبي زكريا هو يحيى بن يحيى الشامي نزيل واسط وهو أكبر من يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ الشيخين والغساني بفتح المعجمة وتشديد المهملة نسبته مشهورة ووقع في بعض النسخ بضم العين المهملة وتخفيف الشين المعجمة وهو تصحيف شنيع وقوله

[ 6936 ] فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه تقدم في رواية أبي أسامة ان ذلك كان عقب سماعه كلام بريرة وفيه قام في خطيبا أي من اجلي فتشهد وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد قوله ما تشيرون علي هكذا هنا بلفظ الاستفهام وتقدم في طريق أبي أسامة بصيغة الأمر أشيروا علي والحاصل انه استشارهم فيما يفعل بمن قذف عائشة فأشار عليه سعد بن معاذ وأسيد بن حضير بأنهم واقفون عند امره موافقون له فيما يقول ويفعل ووقع النزاع في ذلك بين السعدين فلما نزل عليه الوحي ببرائتها أقام حد القذف على من وقع منه وقوله يسبون اهلي كذا هنا بالمهملة ثم الموحدة الثقيلة من السب وتقدم في التفسير بلفظ ابنوا بموحدة ثم نون وتقدم تفسيره هناك وان منهم من فسر ذلك بالسب قوله ما علمت عليهم في سوء قط يعني أهله وجمع باعتبار لفظ الأهل والقصة انما كانت لعائشة وحدها لكن لما كان يلزم من سبها سب أبويها ومن هو بسبيل منها وكلهم كانوا بسبب عائشة معدودين في أهله صح الجمع وقد تقدم في حديث الهجرة الطويل قول أبي بكر انما هم أهلك يا رسول الله يعني عائشة وأمها وأسماء بنت أبي بكر قوله وعن عروة هو موصول بالسند المذكور وقوله أخبرت بضم أوله على البناء للمجهول وقد تقدمت تسمية من اخبرها بذلك قوله أتأذن لي ان أنطلق الى اهلي في رواية أبي أسامة أرسلني الى بيت أبي قوله وقال رجل من الأنصار الخ وقع عند بن إسحاق انه أبو أيوب الأنصاري وأخرجه الحاكم من طريقه وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين وأبو بكر الآجري في طرق حديث الإفك من طريق عطاء الخراساني عن الزهري عن عروة عن عائشة وتقدم في شرحه في التفسير ان أسامة بن زيد قال ذلك أيضا لكن ليس هو أنصاريا وفي روايتنا في فوائد محمد بن عبد الله المعروف بابن أخي ميمي من مرسل سعيد بن المسيب وغيره وكان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئا من ذلك قالا سبحانك هذا بهتان عظيم زيد بن حارثة وأبو أيوب وزيد أيضا ليس أنصاريا وفي تفسير سنيد من مرسل سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال سبحانك هذا بهتان عظيم وفي الإكليل للحاكم من طريق الواقدي ان أبي بن كعب قال ذلك وحكى عن المبهمات لابن بشكوال ولم أره انا فيها أن قتادة بن النعمان قال ذلك فان ثبت فقد اجتمع ممن قال ذلك ستة أربعة من الأنصار ومهاجريان تنبيه وقع في بعض النسخ في هذه الأبواب الثلاثة الأخيرة تقديم وتأخير والخطب فيها سهل خاتمة اشتمل كتاب الاعتصام من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها على مائة وسبعة وعشرين حديثا المعلق منها وما في معناه من المتابعة ستة وعشرون حديثا وسائرها موصول المكرر منها فيه وفيما مضى مائة حديث وعشرة أحاديث والباقي خالص وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة كل أمتي يدخلون الجنة الا من أبى وحديث عمر نهينا عن التكلف وحديث أبي هريرة في مأخذ القرون وحديث عائشة في الرفق وحديثها لا أزكى به وحديث عثمان في الخطبة وحديث أبي سلمة المرسل في الاجتهاد وحديث المشاورة في الخروج الى أحد وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ستة عشر أثرا والله سبحانه وتعالى الهادي الى الصواب