كتاب التوحيد
 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب التوحيد كذا للنسفي وحماد بن شاكر وعليه اقتصر الأكثر عن الفربري وزاد المستملي الرد على الجهمية وغيرهم وسقطت البسملة لغير أبي ذر ووقع لابن بطال وابن التين كتاب رد الجهمية وغيرهم التوحيد وضبطوا التوحيد بالنصب على المفعولية وظاهره معترض لأن الجهمية وغيرهم من المبتدعة لم يردوا التوحيد وانما اختلفوا في تفسيره وحجج الباب ظاهرة في ذلك والمراد بقوله في رواية المستملي وغيرهم القدرية واما الخوارج فتقدم ما يتعلق بهم في كتاب الفتن وكذا الرافضة تقدم ما يتعلق بهم في كتاب الأحكام وهؤلاء الفرق الأربع هم رءوس البدعة وقد سمي المعتزلة أنفسهم أهل العدل والتوحيد وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية لاعتقادهم ان إثباتها يستلزم التشبيه ومن شبه الله بخلقه أشرك وهم في النفي موافقون للجهمية واما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل ومن ثم قال الجنيد فيما حكاه أبو القاسم القشيري التوحيد افراد القديم من المحدث وقال أبو القاسم التميمي في كتاب الحجة التوحيد مصدر وحد يوحد ومعنى وحدت الله اعتقدته منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه وقيل معنى وحدته علمته واحدا وقيل سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له وفي صفاته لا شبيه له في الوهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره وقال بن بطال تضمنت ترجمة الباب أن الله ليس بجسم لأن الجسم مركب من أشياء مؤلفة وذلك يرد على الجهمية فس زعمهم انه جسم كذا وجدت فيه ولعله أراد ان يقول المشبهة واما الجهمية فلم يختلف أحد ممن صنف في المقالات انهم ينفون الصفات حتى نسبوا الى التعطيل وثبت عن أبي حنيفة انه قال بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال ان الله ليس بشيء وقال الكرماني الجهمية فرقة من المبتدعه ينتسبون الى جهم بن صفوان مقدم الطائفة القائلة ان لا قدرة للعبد أصلا وهم الجبرية بفتح الجيم وسكون الموحدة ومات مقتولا في زمن هشام بن عبد الملك انتهى وليس الذي انكروه على الجهمية مذهب الجبر خاصة وانما الذي اطبق السلف على ذمهم بسبه إنكار الصفات حتى قالوا ان القرآن ليس كلام الله وانه مخلوق وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق ان رءوس المبتدعة أربعة الى ان قال والجهمية اتباع جهم بن صفوان الذي قال بالاجبار والاضطرار الى الأعمال وقال لا فعل لأحد غير الله تعالى وانما ينسب الفعل الى العبد مجازا من غير ان يكون فاعلا أو مستطيعا لشيء وزعم ان علم الله حادث وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أو حي أو عالم أو مريد حتى قال لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره قال واصفه بأنه خالق ومحي ومميت وموحد بفتح المهملة الثقيلة لأن هذه الأوصاف خاصة به وزعم ان كلام الله حادث ولم يسم الله متكلما به قال وكان جهم يحمل السلاح ويقاتل وخرج مع الحارث بن سريج وهو بمهملة وجيم مصغر لما قام على نصر بن سيار عامل بني أمية بخراسان فآل أمره الى ان قتله سلم بن أحوز وهو بفتح السين المهملة وسكون اللام وأبوه بمهملة وآخره زاي وزن أعور وكان صاحب شرطة نصر وقال البخاري في كتاب خلق افعال العباد بلغني أن جهما كان يأخذ عن الجعد بن درهم وكان خالد القسري وهو أمير العراق خطب فقال اني مضح بالجعد بن درهم لأنه زعم ان الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما قلت وكان ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك فكأن الكرماني انتقل ذهنه من الجعد الى الجهم فان قتل جهم كان بعد ذلك بمدة ونقل البخاري عن محمد بن مقاتل قال قال عبد الله بن المبارك ولا أقول بقول الجهم ان له قولا يضارع قول الشرك أحيانا وعن بن المبارك انا لنحكي كلام اليهود والنصارى نستعظم ان نحكي قول جهم وعن عبد الله بن شوذب قال ترك جهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك وأخرج بن أبي حاتم في كتب الرد على الجهمية من طريق خلف بن سليمان البلخي قال كان جهم من أهل الكوفة وكان فصيحا ولم يكن له نفاذ في العلم فلقيه قوم من الزنادقة فقالوا له صف لنا ربك الذي تعبده فدخل البيت لا يخرج مدة ثم خرج فقال هو هذا الهواء مع كل شيء وأخرج بن خزيمة في التوحيد ومن طريقه البيهقي في الأسماء قال سمعت أبا قدامة يقول سمعت أبا معاذ البلخي يقول كان جهم على معبر ترمذ وكان كوفي الأصل فصيحا ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم فقيل له صف لنا ربك فدخل البيت لا يخرج كذا ثم خرج بعد أيام فقال هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء وأخرج البخاري من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة قال كلام جهم صفة بلا معنى وبناء بلا أساس ولم يعد قط في أهل العلم وقد سئل عن رجل طلق قبل الدخول فقال تعتد امرأته وأورد آثارا كثيرة عن السلف في تكفير جهم وذكر الطبري في تاريخه في حوادث سنة سبع وعشرين أن الحارث بن سريح خرج على نصر بن سيار عامل خراسان لبني أمية وحاربه والحارث حينئذ يدعو الى العمل بالكتاب والسنة وكان جهم حينئذ كاتبه ثم تراسلا في الصلح وتراضيا بحكم مقاتل بن حيان والجهم فاتفقا على ان الأمر يكون شورى حتى يتراضى أهل خراسان على أمير يحكم بينهم بالعدل فلم يقبل نصر ذلك واستمر على محاربة الحارث الى ان قتل الحارث في سنة ثمان وعشرين في خلافة مروان الحمار فيقال ان الجهم قتل في المعركة ويقال بل اسر فأمر نصر بن سيار سلم بن احوز بقتله فادعى جهم الأمان فقال له سلم لو كنت في بطني لشققته حتى اقتلك فقتله وأخرج بن أبي حاتم من طريق محمد بن صالح مولى بني هاشم قال قال سلم حين أخذه يا جهم اني لست أقتلك لأنك قاتلتني أنت عندي أحقر من ذلك ولكني سمعتك تتكلم بكلام أعطيت الله عهدا ان لا املكك الا قتلتك فقتله ومن طريق معتمر بن سليمان عن خلاد الطفاوي بلغ سلم بن احوز وكان على شرطة خراسان ان جهم بن صفوان ينكر ان الله كلم موسى تكليما فقتله ومن طريق بكير بن معروف قال رأيت سلم بن أحوز حين ضرب عنق جهم فاسود وجه جهم وأسند أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة له ان قتل جهم كان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة والمعتمد ما ذكره الطبري انه كان في سنة ثمان وعشرين وذكر بن أبي حاتم من طريق سعيد بن رحمة صاحب أبي إسحاق الفزاري ان قصة جهم كانت سنة ثلاثين ومائة وهذا يمكن حمله على جبر الكسر أو على ان قتل جهم تراخى عن قتل الحارث بن سريج واما قول الكرماني ان قتل جهم كان في خلافة هشام بن عبد الملك فوهم لأن خروج الحارث بن سريج الذي كان جهم كاتبه كان بعد ذلك لعل مستند الكرماني ماأخرجه بن أبي حاتم من طريق صالح بن أحمد بن حنبل قال قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك الى نصر بن سيار عامل خراسان اما بعد فقد نجم قبلك رجل يقال له جهم من الدهرية فان ظفرت به فاقتله ولكن لا يلزم من ذلك ان يكون قتله وقع في زمن هشام وان كان ظهور مقالته وقع قبل ذلك حتى كاتب فيه هشام والله اعلم وقال بن حزم في كتاب الملل والنحل فرق المقرين بملة الإسلام خمس أهل السنة ثم المعتزلة ومنهم القدرية ثم المرجئة ومنهم الجهمية والكرامية ثم الرافضة ومنهم الشيعة ثم الخوارج ومنهم الأزارقة والإباضية ثم افترقوا فرقا كثيرا فأكثر افتراق أهل السنة في الفروع واما في الإعتقاد ففي نبذ يسيرة واما الباقون ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب فاقرب فرق المرجئة من قال الإيمان التصديق بالقلب واللسان فقط وليست العبادة من الإيمان وأبعدهم الجهمية القائلون بان الإيمان عقد بالقلب فقط وان أظهر الكفر والتثليث بلسانه وعبد الوثن من غير تقية والكرامية القائلون بأن الإيمان قول باللسان فقط وان اعتقد الكفر بقلبه وساق الكلام على بقية الفرق ثم قال فاما المرجئة فعمدتهم الكلام في الإيمان والكفر فمن قال ان العبادة من الإيمان وانه يزيد وينقص ولا يكفر مؤمنا بذنب ولا يقول انه يخلد في النار فليس مرجئا ولو وافقهم في بقية مقالاتهم واما المعتزلة فعمدتهم الكلام في الوعد والوعيد والقدر فمن قال القرآن ليس بمخلوق وأثبت القدر ورؤية الله تعالى في القيامة وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة وان صاحب الكبائر لا يخرج بذلك عن الإيمان فليس بمعتزلي وان وافقهن في سائر مقالاتهم وساق بقية ذلك الى ان قال واما الكلام فيما يوصف الله به فمشترك بين الفرق الخمسة من مثبت لها وناف فرأس النفاة المعتزلة والجهمية فقد بالغوا في ذلك حتى كادوا يعطلون ورأس المثبتة مقاتل بن سليمان ومن تبعه من الرافضة والكرامية فانهم بالغوا في ذلك حتى شبهوا الله تعالى بخلقه تعالى الله سبحانه عن اقوالهم علوا كبيرا ونظير هذا التباين قول الجهمية ان العبد لا قدرة له أصلا وقول القدرية انه يخلق فعل نفسه قلت وقد أفرد البخاري خلق أفعال العباد في تصنيف وذكر منه هنا أشياء بعد فراغه مما يتعلق بالجهمية

قوله باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته الى توحيد الله تعالى المراد بتوحيد الله تعالى الشهادة بأنه اله واحد وهذا الذي يسميه بعض غلاة الصوفية توحيد العامة وقد ادعى طائفتان في تفسير التوحيد امرين اخترعوهما أحدهما تفسير المعتزلة كما تقدم ثانيهما غلاة الصوفية فان اكابرهم لما تكلموا في مسألة المحو والفناء وكان مرادهم بذلك المبالغة في الرضا والتسليم وتفويض الأمر بالغ بعضهم حتى ضاهى المرجئة في نفي نسبة الفعل الى العبد وجر ذلك بعضهم الى معذرة العصاة ثم غلا بعضهم فعذر الكفار ثم غلا بعضهم فزعم ان المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم بمتقدميهم وحاشاهم من ذلك وقد قدمت كلام شيخ الطائفة الجنيد وهو في غاية الحسن والايجاز وقد رد عليه بعض من قال بالوحدة المطلقة فقال وهل من غير ولهم في ذلك كلام طويل ينبو عنه سمع كل من كان على فطرة الإسلام والله المستعان وذكر في الباب أربعة أحاديث الحديث الأول حديث معاذ بن جبل في بعثه الى اليمن أورده من طريقين الأولى أعلى من الثانية وقد أورد الطريق العالية في كتاب الزكاة وساقها هناك على لفظ أبي عاصم راويها وذكره هناك من وجه آخر بنزول وعبد الله بن أبي الأسود شيخه في هذا الباب هو بن محمد بن أبي الأسود ينسب الى جده واسمه حميد بن الأسود والفضل بن العلاء يكنى أبا العلاء ويقال أبو العباس وهو كوفي نزل البصرة وثقه على بن المديني وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه وقال النسائي ليس به بأس وقال الدارقطني كثير الوهم قلت وماله في البخاري سوى هذا الموضوع وقد قرنه بغيره ولكنه ساق المتن هنا على لفظه

[ 6937 ] قوله عن أبي معبد كذا للجميع بفتح الميم وسكون المهملة ثم موحدة وفي بعض النسخ عن أبي سعيد وهو تصحيف وكأن الميم انفتحت فصارت تشبه السين قوله سمعت بن عباس لما بعث كذا فيه بحذف قال أو يقول وقد جرت العادة بحذفه خطأ ويقال يشترط النطق به قوله لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل الى نحو أهل اليمن أي الى جهة أهل اليمن وهذه الرواية تقيد الرواية المطلقة بلفظ حين بعثه الى اليمن فبينت هذه الرواية ان لفظ اليمن من باب حذف المضاف وإقامة المضاف اليه مقامه أو من إطلاق العام وإرادة الخاص أو لكون اسم الجنس يطلق على بعضه كما يطلق على كله والراجح انه من حمل المطلق على المقيد كما صرحت به هذه الرواية وقد تقدم في باب بعث أبي موسى ومعاذ الى اليمن في أواخر المغازي من رواية أبي بردة بن أبي موسى وبعث كل واحد منها على مخلاف قال واليمن مخلافان وتقدم ضبط المخلاف وشرحه هناك ثم قوله الى أهل اليمن من إطلاق الكل وإرادة البعض لأنه انما بعثه الى بعضهم لا الى جميعهم ويحتمل ان يكون الخبر على عمومه في الدعوى الى الأمور المذكورة وان كانت امرة معاذ انما كانت على جهة من اليمن مخصوصة قوله انك تقدم على قوم من أهل الكتاب هم اليهود وكان ابتداء دخول اليهودية اليمن في زمن أسعد ذي كرب وهو تبع الأصغر كما ذكره بن إسحاق مطولا في السيرة فقام الإسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية ودخل دين النصرانية الى اليمن بعد ذلك لما غلبت الحبشة على اليمن وكان منهم أبرهة صاحب الفيل الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنها سيف بن ذي يزن كما ذكره بن إسحاق مبسوطا أيضا ولم يبق بعد ذلك باليمن أحد من النصارى أصلا الا بنجران وهي بين مكة واليمن وبقي ببعض بلادها قليل من اليهود قوله فليكن أول ما تدعوهم الى ان يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك مضى في وسط الزكاة من طريق إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بلفظ فليكن أول ما تدعوهم اليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وكذا أخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه البخاري وقد تمسك به من قال أول واجب المعرفة كامام الحرمين واستدل بأنه لا يتأتي الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الامتثال ولا الانكفاف عن شيء من المنهيات على قصد الانزجار الا بعد معرفة الآمر والناهي واعترض عليه بان المعرفة لا تتأتى الا بالنظر والاستدلال وهو مقدمة الواجب فيجب فيكون أول واجب النظر وذهب الى هذا طائفة كابن فورك وتعقب بان النظر ذو أجزاء يترتب بعضها على بعض فيكون أول واجب جزأ من النظر وهو محكى عن القاضي أبي بكر بن الطيب وهو الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني أول واجب القصد الى النظر وجمع بعضهم بين هذه الأقوال بان من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالا لأنه يسلم انه وسيلة الى تحصيل المعرفة فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة وقد ذكرت في كتاب الإيمان من اعرض عن هذا من أصله ومتمسك بقوله تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة فأن ظاهر الآية والحديث ان المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وان الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله عليه الصلاة والسلام فأبواه يهودانه وينصرانه وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رءوس الأشاعرة على هذا وقال ان هذه المسئلة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها ان الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه وانه لا يكفي التقليد في ذلك انتهى وقرأت في جزء من كلام شيخ شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي ما ملخصه ان هذه المسئلة مما تناقضت فيها المذاهب وتباينت بين مفرط ومفرط ومتوسط فالطرف الأول قول من قال يكفي التقليد المحض في اثبات وجود الله تعالى ونفي الشريك عنه وممن نسب اليه إطلاق ذلك عبيد الله بن الحسن العنبري وجماعة من الحنابلة والظاهرية ومنهم من بالغ فحرم النظر في الأدلة واستند الى ما ثبت عن الأئمة الكبار من ذم الكلام كما سيأتي بيانه والطرف الثاني قول من وقف صحة ايمان كل أحد على معرفة الأدلة من علم الكلام ونسب ذلك لأبي إسحاق الأسفرايني وقال الغزالي أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا ان من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين وذكر نحوه أبو المظفر بن السمعاني وأطال في الرد على قائله ونقل عن أكثر أئمة الفتوى انهم قالوا لا يجوز ان تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها لأن في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع الفقهية واما المذهب المتوسط فذكره وسأذكره ملخصا بعد هذا وقال القرطبي في المفهم في شرح حديث أبغض الرجال الى الله الألد الخصم الذي تقدم شرحه في أثناء كتاب الأحكام وهو في أوائل كتاب العلم من صحيح مسلم هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف أمته الى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها وشكوك يذهب الإيمان معها وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم ان هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها وهل هي الذات أو غيرها وفي الكلام هل هو متحد أو منقسم وعلى الثاني هل ينقسم بالنوع أو الوصف وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة الى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم بل نهوا عن الخوض فيها لعلهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل لكون العقول لها حد تقف عنده ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه كما هو طريق السلف وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا قال وأفضى الكلام بكثير من أهله الى الشك وببعضهم الى الإلحاد وببعضعم الى التهاون بوظائف العبادات وسبب ذلك اعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم حتى جاء عن امام الحرمين انه قال ركبت البحر الأعظم وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف هذا كلامه أو معناه وعنه انه قال عند موته يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت انه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به الى ان قال القرطبي ولو لم يكن في الكلام الا مسئلتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم إحداهما قول بعضهم ان أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد الى النظر واليه أشار الامام بقوله ركبت البحر ثانيتهما قول جماعة منهم ان من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح ايمانه حتى لقد أورد على بعضهم ان هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك فقال لا تشنع علي بكثرة أهل النار قال وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطا منه فان القائل بالمسئلتين كافر شرعا لجعله الشك في الله واجبا ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة والا فلا يوجد في الشرعيات ضروري وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن اطالة النفس في هذا الموضوع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة والله يهدي من يشاء انتهى وقال الآمدي في ابكار الأفكار ذهب أبو هاشم من المعتزلة الى أن من لا يعرف الله بالدليل فهو كافر لأن ضد المعرفة النكرة والنكرة كفر قال وأصحابنا مجمعون على خلافه وانما اختلفوا فيما إذا كان الاعتقاد موافقا لكن عن غير دليل فمنهم من قال ان صاحبه مؤمن عاص بترك النظر الواجب ومنهم من اكتفى بمجرد الاعتقاد الموافق وان لم يكن عن دليل وسماه علما وعلى هذا فلا يلزم من حصول المعرفة بهذا الطريق وجوب النظر وقال غيره من منع التقليد وأوجب الاستدلال لم يرد التعمق في طرق المتكلمين بل اكتفى بما لا يخلو عنه من نشأ بين المسلمين من الاستدلال بالمصنوع على الصانع وغايته انه يحصل في الذهن مقدمات ضرورية تتألف تألفا صحيحا وتنتج العلم لكنه لو سئل كيف حصل له ذلك ما اهتدى للتعبير به وقيل الأصل في هذا كله المنع من التقليد في أصول الدين وقد انفصل بعض الأئمة عن ذلك بأن المراد بالتقليد اخذ قول الغير بغير حجة ومن قامت عليه حجة بثبوت النبوة حتى حصل له القطع بها فمهما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كان مقطوعا عنده بصدقه فإذا اعتقده لم يكن مقلدا لأنه لم يأخذ بقول غيره بغير حجة وهذا مستند السلف قاطبة في الأخذ بما ثبت عندهم من آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذا الباب فآمنوا بالمحكم من ذلك وفوضوا أمر المتشابه منهم الى ربهم وانما قال من قال ان مذهب الخلف احكم بالنسبة الى الرد على من لم يثبت النبوة فيحتاج من يريد رجوعه الى الحق ان يقيم عليه الأدلة الى ان يذعن فيسلم أو يعاند فيهلك بخلاف المؤمن فإنه لا يحتاج في أصل ايمانه الى ذلك وليس سبب الأول الا جعل الأصل عدم الإيمان فلزم إيجاب النظر المؤدي الى المعرفة والا فطريق السلف أسهل من هذا كما تقدم إيضاحه من الرجوع الى ما دلت عليه النصوص حتى يحتاج الى ما ذكر من إقامة الحجة على من ليس بمؤمن فاختلط الأمر على من اشترط ذلك والله المستعان واحتج بعض من أوجب الاستدلال باتفاقهم على ذم التقليد وذكروا الآيات والأحاديث الواردة في ذم التقليد وبأن كل أحد قبل الاستدلال لا يدري أي الأمرين هو الهدى وبأن كل ما لا يصح الا بالدليل فهو دعوى لا يعمل بها وبأن العلم اعتقاد الشيء على ما هو عليه من ضرورة أو استدلال وكل ما لم يكن علما فهو جهل ومن لم يكن عالما فهو ضال والجواب عن الأول ان المذموم من التقليد اخذ قول الغير بغير حجة وهذا ليس منه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الله أوجب اتباعه في كل ما يقول وليس العمل فيما أمر به أو نهى عنه داخلا تحت التقليد المذموم اتفاقا واما من دونه ممن اتبعه في قول قاله واعتقد انه لو لم يقله لم يقل هو به فهو المقلد المذموم بخلاف ما لو اعتقد ذلك في خبر الله ورسوله فإنه يكون ممدوحا وأما احتجاجهم بأن أحدا لا يدري قبل الاستدلال أي الأمرين هو الهدى فليس بمسلم بل من الناس من تطمئن نفسه وينشرح صدره للإسلام من أول وهلة ومنهم من يتوقف على الاستدلال فالذي ذكروه هم أهل الشق الثاني فيجب عليه النظر ليقي نفسه النار لقوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا ويجب على كل من استرشده ان يرشده ويبرهن له الحق وعلى هذا مضى السلف الصالح من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده واما من استقرت نفسه الى تصديق الرسول ولم تنازعه نفسه الى طلب دليل توفيقا من الله وتيسيرا فهم الذين قال الله في حقهم ولكن الله حبب اليكم الإيمان وزينه في قلوبكم الآية وقال فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام الآية وليس هؤلاء مقلدين لآبائهم ولا لرؤسائهم لأنهم لو كفر أباؤهم أو رؤساؤهم لم يتابعوهم بل يجدون النفرة عن كل من سمعوا عنه ما يخالف الشريعة واما الآيات والأحاديث فانما وردت في حق الكفار الذين اتبعوا من نهوا عن اتباعه وتركوا اتباع من أمروا باتباعه وانما كلفهم الله الإتيان ببرهان على دعواهم بخلاف المؤمنين فلم يرد قط انه أسقط اتباعهم حتى يأتوا بالبرهان وكل من خالف الله ورسوله فلا برهان له أصلا وانما كلف الإتيان بالبرهان تبكيتا وتعجيزا واما من اتبع الرسول فيما جاء به فقد اتبع الحق الذي أمر به وقامت البراهين على صحته سواء علم هو بتوجيه ذلك البرهان أم لا وقول من قال منهم ان الله ذكر الاستدلال وامر به مسلم لكن هو فعل حسن مندوب لكل من اطاقه وواجب على كل من لم تكن نفسه الى التصديق كما تقدم تقريره وبالله التوفيق وقال غيره قول من قال طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم ليس بمستقيم لأنه ظن أن طريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك وان طريقه الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف وليس الأمر كما ظن بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى وفي غاية التعظيم له والخضوع لأمره والتسليم لمراده وليس من سلك طريق الخلف واثقا بان الذي يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تاويله واما قولهم في العلم فزادوا في التعريف عن ضرورة أو استدلال وتعريف العلم انتهى عند قوله عليه فان ابوا الا الزيادة فليزدادوا عن تيسير الله له ذلك وخلقه ذلك المعتقد في قلبه والا فالذي زادوه هو محل النزاع فلا دلالة فيه وبالله التوفيق وقال أبو المظفر بن السمعاني تعقب بعض أهل الكلام قول من قال ان السلف من الصحابة والتابعين لم يعتنوا بإيراد دلائل العقل في التوحيد بأنهم لم يشتغلوا بالتعريفات في احكام الحوادث وقد قبل الفقهاء ذلك واستحسنوه فدونوه في كتبهم فكذلك علم الكلام ويمتاز علم الكلام بأنه يتضمن الرد على الملحدين وأهل الأهواء وبه تزول الشبهة عن أهل الزيغ ويثبت اليقين لأهل الحق وقد علم الكل ان الكتاب لم تعلم حقيته والنبي لم يثبت صدقه الا بأدلة العقل وأجاب اما أولا فان الشارع والسلف الصالح نهوا عن الابتداع وأمروا بالاتباع وصح عن السلف انهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب واما الفروع فلم يثبت عن أحد منهم النهي عنها الا من ترك النص الصحيح وقدم عليه القياس وأما من اتبع النص وقاس عليه فلا يحفظ عن أحد من أئمة السلف إنكار ذلك لأن الحوادث في المعاملات لا تنقضي وبالناس حاجة الى معرفة الحكم فمن ثم تواردوا على استحباب الاشتغال بذلك بخلاف علم الكلام واما ثانيا فان الدين كمل لقوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم فإذا كان اكمله وأتمه وتلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم واعتقده من تلقى عنهم واطمأنت به نفوسهم فاي حاجة بهم الى تحكيم العقول والرجوع الى قضاياها وجعلها أصلا والنصوص الصحيحة الصريحة تعرض عليها فتارة يعمل بمضمونها وتارة تحرف عن مواضعها لتوافق العقول وإذا كان الدين قد كمل فلا تكون الزيادة فيه الا نقصانا في المعنى مثل زيادة أصبع في اليد فأنها تنقص قيمة العبد الذي يقع به ذلك وقد توسط بعض المتكلمين فقال لا يكفي التقليد بل لا بد من دليل ينشرح به الصدر وتحصل به الطمأنينة العلمية ولا يشترط ان يكون بطريق الصناعة الكلامية بل يكفي في حق كل أحد بحسب ما يقتضيه فهمه انتهى والذي تقدم ذكره من تقليد النصوص كاف في هذا القدر وقال بعضهم المطلوب من كل أحد التصديق الجزمي الذي لا ريب معه بوجود الله تعالى والايمان برسله وبما جاءوا به كيفما حصل وبأي طريق اليه يوصل ولو كان عن تقليد محض إذا سلم من التزلزل قال القرطبي هذا الذي عليه أئمة الفتوى ومن قبلهم من أئمة السلف واحتج بعضهم بما تقدم من القول في أصل الفطرة وبما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة انهم حكموا بإسلام من أسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد الأوثان فقبلوا منهم الإقرار بالشهادتين والتزام أحكام الإسلام من غير الزام بتعلم الأدلة وان كان كثير منهم انما اسلم لوجود دليل ما فأسلم بسبب وضوحه له فالكثير منهم قد أسلموا طوعا من غير تقدم استدلال بل بمجرد ما كان عندهم من أخبار أهل الكتاب بأن نبيا سيبعث وينتصر على من خالفه فلما ظهرت لهم العلامات في محمد صلى الله عليه وسلم بادروا الى الإسلام وصدقوه في كل شيء قاله ودعاهم اليه من الصلاة والزكاة وغيرهما وكثير منهم كان يؤذن له في الرجوع الى معاشه من رعاية الغنم وغيرها وكانت أنوار النبوة وبركاتها تشملهم فلا يزالون يزدادون ايمانا ويقينا وقال أبو المظفر بن السمعاني أيضا ما فلخصه ان العقل لا يوجب شيئا ولا يحرم شيئا ولا حظ له في شيء من ذلك ولو لم يرد الشرع بحكم ما وجب على أحد شيء لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وغير ذلك من الآيات فمن زعم ان دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام انما كانت لبيان الفروع لزمه ان يجعل العقل هو الداعي الى الله دون الرسول ويلزمه ان وجود الرسول وعدمه بالنسبة الى الدعاء الى الله سواء وكفى بهذا ضلالا ونحن لا ننكر ان العقل يرشد الى التوحيد وانما ننكر انه يستقل بايجاب ذلك حتى لا يصح إسلام الا بطريقه مع قطع النظر عن السمعيات لكون ذلك خلاف ما دلت عليه آيات الكتاب والأحاديث الصحيحة التي تواترت ولو بالطريق المعنوى ولو كان كما يقول أولئك لبطلت السمعيات التي لا مجال للعقل فيها أو أكثرها بل يجب الإيمان بما ثبت من السمعيات فان عقلناه فبتوفيق الله والا اكتفينا باعتقاد حقيته على وفق مراد الله سبحانه وتعالى انتهى ويؤيد كلامه ما أخرجه أبو داود عن بن عباس ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك الله آلله ارسلك ان نشهد ان لا إله إلا الله وان ندع اللات والعزى قال نعم فأسلم واصله في الصحيحين في قصة ضمام بن ثعلبة وفي حديث عمرو بن عبسة عند مسلم انه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما أنت قال نبي الله قلت آلله أرسلك قال نعم قلت بأي شيء قال أوحد الله لا اشرك به شيئا الحديث وفي حديث أسامة بن زيد في قصة قتله الذي قال لا إله إلا الله فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وحديث المقداد في معناه وقد تقدما في كتاب الديات وفي كتب النبي صلى الله عليه وسلم الى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم الى التوحيد الى غير ذلك من الأخبار المتواترة التواتر المعنوي الدال على انه صلى الله عليه وسلم لم يزد في دعائه المشركين على ان يؤمنوا بالله وحده ويصدقوه فيما جاء به عنه فمن فعل ذلك قبل منه سواء كان اذعانه عن تقدم نظر أم لا ومن توقف منهم نبهه حينئذ على النظر أو أقام عليه الحجة الى ان يذعن أو يستمر على عناده وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد سلك بعض أئمتنا في اثبات الصانع وحدوث العالم طريق الاستدلال بمعجزات الرسالة فانها أصل في وجوب قبول ما دعا اليه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الوجه وقع ايمان الذين استجابوا للرسل ثم ذكر قصة النجاشي وقول جعفر بن أبي طالب له بعث الله إلينا رسولا نعرف صدقه فدعانا الى الله وتلا علينا تنزيلا من الله لا يشبهه شيء فصدقناه وعرفنا ان الذي جاء به الحق الحديث بطوله وقد أخرجه بن خزيمة في كتاب الزكاة من صحيحه من رواية بن إسحاق وحاله معروفة وحديثه في درجة الحسن قال البيهقي فاستدلوا باعجاز القرآن على صدق النبي فآمنوا بما جاء به من اثبات الصانع ووحدانيته وحدوث العالم وغير ذلك مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وغيره واكتفاء غالب من اسلم بمثل ذلك مشهور في الأخبار فوجب تصديقه في كل شيء ثبت عنه بطريق السمع ولا يكون ذلك تقليدا بل هو اتباع والله اعلم وقد استدل من اشترط النظر بالآيات والأحاديث الواردة في ذلك ولا حجة فيها لأن من لم يشترط النظر لم ينكر أصل النظر وانما انكر توقف الإيمان على وجود النظر بالطرق الكلامية إذ لا يلزم من الترغيب في النظر جعله شرطا واستدل بعضهم بأن التقليد لا يفيد العلم إذ لو افاده لكان العلم حاصلا لمن قلد في قدم العالم ولمن قلد في حدوثه وهو محال لافضائه الى الجمع بين النقيضين وهذا انما يتأتى في تقليد غير النبي صلى الله عليه وسلم واما تقليده صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه فلا يتناقض أصلا واعتذر بعضهم عن اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بإسلام من اسلم من الأعراب من غير نظر بأن ذلك كان لضرورة المبادىء واما بعد تقرر الإسلام وشهرته فيجب العمل بالأدلة ولا يخفى ضعف هذا الاعتذار والعجب ان من اشترط ذلك من أهل الكلام ينكرون التقليد وهم أول داع اليه حتى استقر في الأذهان ان من انكر قاعدة من القواعد التي أصلوها فهو مبتدع ولو لم يفهمها ولم يعرف مأخذها وهذا هو محض التقليد فآل أمرهم الى تكفير من قلد الرسول عليه الصلاة والسلام في معرفة الله تعالى والقول بايمان من قلدهم وكفى بهذا ضلالا وما مثلهم الا كما قال بعض السلف انهم كمثل قوم كانوا سفرا فوقعوا في فلاة ليس فيها ما يقوم به البدن من المأكول والمشروب ورأوا فيها طرقا شتى فانقسموا قسمين فقسم وجدوا من قال لهم انا عارف بهذه الطرق وطريق النجاة منها واحدة فاتبعونى فيها تنجوا فتبعوه فنجوا وتخلفت عنه طائفة فأقاموا الى ان وقفوا على إمارة ظهر لهم ان في العمل بها النجاة فعملوا بها فنجوا وقسم هجموا بغير مرشد ولا امارة فهلكوا فليس نجاة من اتبع المرشد بدون نجاة من اخذ بالإمارة ان لم تكن أولى منها ونقلت من جزء الحافظ صلاح الدين العلائي يمكن ان يفصل فيقال من لا له اهلية لفهم شيء من الأدلة أصلا وحصل له اليقين التام بالمطلوب اما بنشأته على ذلك أو لنور يقذفه الله في قلبه فإنه يكتفى منه بذلك ومن فيه اهلية لفهم الأدلة لم يكتف منه الا بالإيمان عن دليل ومع ذلك فدليل كل أحد بحسبه وتكفي الأدلة المجملة التي تحصل بأدنى نظر ومن حصلت عنده شبهة وجب عليه التعلم الى ان تزول عنه قال فبهذا يحصل الجمع بين كلام الطائفة المتوسطة واما من غلا فقال لا يكفي ايمان المقلد فلا يلتفت اليه لما يلزم منه من القول بعدم ايمان أكثر المسلمين وكذا من غلا أيضا فقال لا يجوز النظر في الأدلة لما يلزم منه من ان أكابر السلف لم يكونوا من أهل النظر انتهى ملخصا واستدل بقوله فإذا عرفوا الله بأن معرفة الله بحقيقة كنهه ممكنة للبشر فان كان ذلك مقيدا بما عرف به نفسه من وجوده وصفاته اللائقة من العلم والقدرة والإرادة مثلا وتنزيهه عن كل نقيصة كالحدوث فلا بأس به فأما ما عدا ذلك فإنه غير معلوم للبشر واليه الإشارة بقوله تعالى ولا يحيطون به علما فإذا حمل قوله فإذا عرفوا الله على ذلك كان واضحا مع ان الاحتجاج به يتوقف على الجزم بأنه صلى الله عليه وسلم نطق بهذه اللفظة وفيه نظر لأن القصة واحدة ورواة هذا الحديث اختلفوا هل ورد الحديث بهذا اللفظ أو بغيره فلم يقل صلى الله عليه وسلم الا بلفظ منها ومع احتمال ان يكون هذا اللفظ من تصرف الرواة لا يتم الاستدلال وقد بينت في أواخر كتاب الزكاة ان الأكثر رووه بلفظ فادعهم الى شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فان هم اطاعوا لك بذلك ومنهم من رواه بلفظ فادعهم الى ان يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك ومنهم من رواه بلفظ فادعهم الى عبادة الله فإذا عرفوا الله ووجه الجمع بينها ان المراد بالعبادة التوحيد والمراد بالتوحيد الإقرار بالشهادتين والإشارة بقوله ذلك الى التوحيد وقوله فإذا عرفوا الله أي عرفوا توحيد الله والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق وفي حديث بن عباس من الفوائد غير ما تقدم الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقر بالشهادتين فان من لازم الإيمان بالله ورسوله التصديق بكل ما ثبت عنهما والتزام ذلك فيحصل ذلك لمن صدق بالشهادتين واما ما وقع من بعض المبتدعة من إنكار شيء من ذلك فلا يقدح في صحة الحكم الظاهر لأنه ان كان مع تأويل فظاهر وان كان عنادا قدح في صحة الإسلام فيعامل بما يترتب عليه من ذلك كاجراء أحكام المرتد وغير ذلك وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به وتعقب بأن مثل خبر معاذ حفته قرينة أنه في زمن نزول الوحي فلا يستوي مع سائر أخبار الآحاد وقد مضى في باب إجازة خبر الواحد ما يغني عن اعادته وفيه ان الكافر إذا صدق بشيء من أركان الإسلام كالصلاة مثلا يصير بذلك مسلما وبالغ من قال كل شيء يكفر به المسلم إذا جحده يصير الكافر به مسلما إذا اعتقده والأول أرجح كما جزم به الجمهور وهذا في الاعتقاد اما الفعل كما لو صلى فلا يحكم بإسلامه وهو أولى بالمنع لأن الفعل لا عموم له فيدخله احتمال العبث والاستهزاء وفيه وجوب أخذ الزكاة ممن وجبت عليه وقهر الممتنع على بذلها ولو لم يكن جاحدا فان كان مع امتناعه ذا شوكة قوتل والا فان أمكن تعزيره على الامتناع عزر بما يليق به وقد وردن تعزيره بالمال حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا ولفظه ومن منعها يعني الزكاة فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة والحاكم واما بن حبان فقال في ترجمة بهز بن حكيم لولا هذا الحديث لأدخلته في كتاب الثقات وأجاب من صححه ولم يعمل به بأن الحكم الذي دل عليه منسوخ وان الأمر كان اولا كذلك ثم نسخ وضعف النووي هذا الجواب من جهة ان العقوبة بالمال لا تعرف اولا حتى يتم دعوى النسخ ولأن النسخ لا يثبت الا بشرطه كمعرفة التاريخ ولا يعرف ذلك واعتمد النووي ما أشار اليه بن حبان من تضعيف بهز وليس بجيد لأنه موثق عند الجمهور حتى قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح إذا كان دون بهز ثقة وقال الترمذي تكلم فيه شعبة وهو ثقة عند أهل الحديث وقد حسن له الترمذي عدة أحاديث واحتج به أحمد وإسحاق والبخاري خارج الصحيح وعلق له في الصحيح وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود وهو عندي حجة لا عند الشافعي فان اعتمد من قلد الشافعي على هذا كفاه ويؤيده أطباق فقهاء الأمصار على ترك العمل به فدل على ان له معارضا راجحا وقول من قال بمقتضاه يعد في ندرة المخالف وقد دل خبر الباب أيضا على ان الذي يقبض الزكاة الامام أو من أقامه لذلك وقد أطبق الفقهاء بعد ذلك على ان لأرباب الأموال الباطنة مباشرة الإخراج وشذ من قال بوجوب الدفع الى الامام وهو رواية عن مالك وفي القديم للشافعي نحوه على تفصيل عنهما فيه الحديث الثاني حديث معاذ أيضا

[ 6938 ] قوله عن أبي حصين بفتح أوله واسمه عثمان بن عاصم الأسدي والأشعث بن سليم هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي وأبوه مشهور بكنيته أكثر من اسمه قوله أتدري ما حق الله على العباد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الرقاق ودخوله في هذا الباب من قوله لا تشركوا به شيئا فإنه المراد بالتوحيد قال بن التين يريد بقوله حق العباد على الله حقا علم من جهة الشرع بايجاب العقل فهو كالواجب في تحقق وقوعه أو هو على جهة المقابلة والمشاكلة كقوله تعالى فيسخرون منهم سخر الله منهم الحديث الثالث

[ 6939 ] قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وتقدم المتن في فضل قل هو الله أحد في كتاب فضائل القرآن ومن وجه آخر عن مالك مشروحا وأورده هنا لما صرح به من وصف الله تعالى بالأحدية كما في الذي بعده وقوله هنا زاد إسماعيل بن جعفر تقدم هناك بزيادة راو في أوله فقال وزاد أبو معمر حدثنا إسماعيل بن جعفر وكذا وقع هنا في بعض النسخ وفي بعضها وقال أبو معمر وتقدم هناك الاختلاف في المراد بأبي معمر هذا وتسمية من وصله الحديث الرابع حديث عمرة عن عائشة فيما يتعلق بسورة الإخلاص أيضا وقد تقدم معلقا في فضائل القرآن قوله حدثنا أحمد بن صالح كذا للأكثر وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وأبو مسعود في الأطراف ووقع في الأطراف للمزي ان في بعض النسخ حدثنا محمد حدثنا أحمد بن صالح قلت وبذلك جزم البيهقي تبعا لخلف في الاطراق قال خلف ومحمد هذا أحسبه محمد بن يحيى الذهلي ووقع عند الإسماعيلي بعد ان ساق الحديث من رواية حرملة عن بن وهب ذكره البخاري عن محمد بلا خبر عن أحمد بن صالح فكأنه وقع عند الإسماعيلي بلفظ قال محمد وعلى رواية الأكثر فمحمد هو البخاري المصنف والقائل قال محمد هو محمد الفربري وذكر الكرماني هذا احتمالا قلت ويحتاج حينئذ الى ابداء النكتة في إفصاح الفربري به في هذا الحديث دون غيره من الأحاديث الماضية والآتية

[ 6940 ] قوله حدثنا عمرو هو بن الحارث المصري وابن أبي هلال هو سعيد وسماه مسلم في روايته قوله بعث رجلا على سرية تقدم في باب الجمع بين السورتين في ركعة من كتاب الصلاة بيان الاختلاف في تسميته وهل بينه وبين الذي كان يؤم قومه في مسجد قباء مغايرة أو هما واحد وبيان ما يترجح من ذلك قوله فيختم بقل هو الله أحد قال بن دقيق العيد هذا يدل على انه كان يقرأ بغيرها ثم يقرأها في كل ركعة وهذا هو الظاهر ويحتمل ان يكون المراد انه يختم بها آخر قراءته فيختص بالركعة الأخيره وعلى الأول فيؤخذ منه جواز الجمع بين سورتين في ركعة انتهى وقد تقدم البحث في ذلك في الباب المذكور من كتاب الصلاة بما يغني عن اعادته قوله لأنها صفة الرحمن قال بن التين انما قال انها صفة الرحمن لأن فيها أسماءه وصفاته وأسماؤه مشتقة من صفاته وقال غيره يحتمل ان يكون الصحابي المذكور قال ذلك مستندا لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم اما بطريق النصوصية واما بطريق الاستنباط وقد اخرج البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بسند حسن عن بن عباس ان اليهود اتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك الذي تعبده فانزل الله عز وجل قل هو الله أحد الى آخرها فقال هذه صفة ربي عز وجل وعن أبي بن كعب قال قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فنزلت سورة الإخلاص الحديث وهو عند بن خزيمة في كتاب التوحيد وصححه الحاكم وفيه انه ليس شيء يولد الا يموت وليس شيء يموت الا يورث والله لا يموت ولا يورث ولم يكن له شبه ولا عدل وليس كمثله شيء قال البيهقي معنى قوله ليس كمثله شيء ليس كهو شيء قاله أهل اللغة قال ونظيره قوله تعالى فان آمنوا بمثل ما آمنتم به يريد بالذي آمنتم به وهي قراءة بن عباس قال والكاف في قوله كمثله للتأكيد فنفى الله عنه المثلية بآكد ما يكون من النفي وأنشد لورقة بن نوفل في زيد بن عمرو بن نفيل من أبيات ودينك دين ليس دين كمثله ثم اسند عن بن عباس في قوله تعالى وله المثل الأعلى يقول ليس كمثله شيء وفي قوله هل تعلم له سميا هل تعلم له شبها أو مثلا وفي حديث الباب حجة لمن اثبت ان لله صفة وهو قول الجمهور وشذ بن حزم فقال هذه لفظة اصطلح عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من اصحابه فان اعترضوا بحديث الباب فهو من افراد سعيد بن أبي هلال وفيه ضعف قال وعلى تقدير صحته فقل هو الله أحد صفة الرحمن كما جاء في هذا الحديث ولا يزاد عليه بخلاف الصفة التي يطلقونها فانها في لغة العرب لا تطلق الا على جوهر أو عرض كذا قال وسعيد متفق على الاحتجاج به فلا يلتفت اليه في تضعيفه وكلامه الأخير مردود باتفاق الجميع على اثبات الأسماء الحسنى قال الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وقال بعد ان ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر له الأسماء الحسنى والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي اثبات أسمائه اثبات صفاته لأنه إذا ثبت انه حي مثلا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهى صفة الحياة ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط وقد قال سبحانه وتعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص ومفهومه ان وصفه بصفة الكمال مشروع وقد قسم البيهقي وجماعة من أئمة السنة جميع الأسماء المذكورة في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة على قسمين أحدهما صفات ذاته وهي ما استحقه فيما لم يزل ولا يزال والثاني صفات فعله وهي ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل قال ولا يجوز وصفه الا بما دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة أو اجمع عليه ثم منه ما اقترنت به دلالة العقل كالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام من صفات ذاته وكالخلق والرزق والاحياء والإماته والعفو والعقوبة من صفات فعله ومنه ما ثبت بنص الكتاب والسنة كالوجه واليد والعين من صفات ذاته وكا لاستواء والنزول والمجيء من صفات فعله فيجوز اثبات هذه الصفات له لثبوت الخبر بها على وجه ينفي عنه التشبيه فصفة ذاته لم تزل موجودة بذاته ولا تزال وصفة فعله ثابتة عنه ولا يحتاج في الفعل الى مباشرة انما امره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون وقال القرطبي في المفهم اشتملت قل هو الله أحد على اسمين يتضمنان جميع أوصاف الكمال وهما الأحد والصمد فإنهما يدلان على احدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال فان الواحد والاحد وان رجعا الى أصل واحد فقد افترقا استعمالا وعرفا فالوحدة راجعة الى نفي التعدد والكثرة والواحد أصل العدد من غير تعرض لنفي ما عداه والأحد يثبت مدلوله ويتعرض لنفي ما سواه ولهذا يستعملونه في النفي ويستعملون الواحد في الاثبات يقال ما رأيت أحدا ورأيت واحدا فالأحد في أسماء الله تعالى مشعر بوجوده الخاص به الذي لا يشاركه فيه غيره واما الصمد فإنه يتضمن جميع أوصاف الكمال لأن معناه الذي انتهى سؤدده بحيث يصمد اليه في الحوائج كلها وهو لا يتم حقيقة الا لله قال بن دقيق العيد قوله لأنها صفة الرحمن يحتمل ان يكون مراده ان فيها ذكر صفة الرحمن كما لو ذكر وصف فعبر عن الذكر بأنه الوصف وان لم يكن نفس الوصف ويحتمل غير ذلك الا انه لا يختص ذلك بهذه السورة لكن لعل تخصيصها بذلك لأنه ليس فيها الا صفات الله سبحانه وتعالى فاختصت بذلك دون غيرها قوله أخبروه أن الله يحبه قال بن دقيق العيد يحتمل ان يكون سبب محبه الله له محبة لهذه الصورة ويحتمل ان يكون لما دل عليه كلامه لأن محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده قال المازري ومن تبعه محبة الله لعباده ارادته ثوابهم وتنعيمهم وقيل هي نفس الاثابة والتنعيم ومحبتهم له لا يبعد فيها الميل منهم اليه وهو مقدس عن الميل وقيل محبتهم له استقامتهم على طاعته والتحقيق ان الاستقامة ثمرة المحبة وحقيقة المحبة له ميلهم اليه لاستحقاقه سبحانه المحبة من جميع وجوهها انتهى وفيه نظر لما فيه من الإطلاق في موضع التقييد وقال بن التين معنى محبة المخلوقين لله ارادتهم ان ينفعهم وقال القرطبي في المفهم محبة الله لعبده تقريبه له واكرامه وليست بميل ولا غرض كما هي من العبد وليست محبة العبد لربه نفس الإرادة بل هي شيء زائد عليها فان المرء يجد من نفسه انه يحب ما لا يقدر على اكتسابه ولا على تحصيله والإرادة هي التي تخصص الفعل ببعض وجوهه الجائزة ويحس من نفسه انه يحب الموصوفين بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة كالعلماء والفضلاء والكرماء وان لم يتعلق له بهم إرادة مخصصة وإذا صح الفرق فالله سبحانه وتعالى محبوب لمحبيه على حقيقة المحبة كما هو معروف عند من رزقه الله شيئا من ذلك فنسأل الله تعالى ان يجعلنا من محبيه المخلصين وقال البيهقي المحبة والبغض عند بعض أصحابنا من صفات الفعل فمعنى محبته اكرام من احبه ومعنى بغضه اهانته واما ما كان من المدح والذم فهو من قوله وقوله من كلامه وكلامه من صفات ذاته فيرجع الى الإرادة فمحبته الخصال المحمودة وفاعلها يرجع الى ارادته اكرامه وبغضه الخصال المذمومة وفاعلها يرجع الى ارادته اهانته

قوله باب قول الله تبارك وتعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى ذكر فيه حديث جرير لا يرحم الله من لا يرحم الناس وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الأدب وحديث أسامة بن زيد في قصة ولد بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنها وفيه ففاضت عيناه وفيه هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجنائز قال بن بطال غرضه في هذا الباب اثبات الرحمة وهي من صفات الذات فالرحمن وصف وصف الله تعالى به نفسه وهو متضمن لمعنى الرحمة كما تضمن وصفه بأنه عالم معنى العلم الى غير ذلك قال والمراد برحمته ارادته نفع من سبق في علمه انه ينفعه قال وأسماؤه كلها ترجع الى ذات واحدة وان دل كل واحد منها على صفة من صفاته يختص الاسم بالدلالة عليها واما الرحمة التي جعلها في قلوب عباده فهي من صفات الفعل وصفها بأنه خلقها في قلوب عباده وهي رقة على المرحوم وهو سبحانه وتعالى منزه عن الوصف بذلك فتتأول بما يليق به وقال بن التين الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة وقيل هما اسمان من غير اشتقاق وقيل يرجعان الى معنى الإرادة فرحمته ارادته تنعيم من يرحمه وقيل راجعان الى تركه عقاب من يستحق العقوبة وقال الحليمي معنى الرحمن انه مزيح العلل لأنه لما أمر بعبادته بين حدودها وشروطها فبشر وانذر وكلف ما تحمله بنيتهم فصارت العلل عنهم مزاحة والحجج منهم منقطعة قال ومعنى الرحيم انه المثيب على العمل فلا يضيع لعامل أحسن عملا بل يثيب العامل بفضل رحمته أضعاف عمله وقال الخطابي ذهب الجمهور الى ان الرحمن ماخوذ من الرحمة مبني على المبالغة ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها ولذلك لا يثنى ولا يجمع واحتج له البيهقي بحديث عبد الرحمن بن عوف وفيه خلقت الرحم وشققت لها سما من اسمي قلت وكذا حديث الرحمة الذي اشتهر بالمسلسل بالأولية أخرجه البخاري في التاريخ وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ الراحمون يرحمهم الرحمن الحديث ثم قال الخطابي فالرحمن ذو الرحمة الشاملة للخلق والرحيم فعيل بمعنى فاعل وهو خاص بالمؤمنين قال تعالى وكان بالمؤمنين رحيما وأورد عن بن عباس رضي الله عنهما انه قال الرحمن والرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر وعن مقاتل انه نقل عن جماعة من التابعين مثله وزاد فالرحمن بمعنى المترحم والرحيم بمعنى المتعطف ثم قال الخطابي لا معنى لدخول الرقة في شيء من صفات الله تعالى وكأن المراد بها اللطف ومعناه الغموض لا الصغر الذي هو من صفات الأجسام قلت والحديث المذكور عن بن عباس لا يثبت لأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه والكلبي متروك الحديث وكذلك مقاتل ونقل البيهقي عن الحسين بن المفضل البجلي انه نسب راوي حديث بن عباس الى التصحيف وقال انما هو الرفيق بالفاء وقواه البيهقي بالحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة مرفوعا ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه مالا يعطي على العنف وأورد له شاهدا من حديث عبد الله بن مغفل ومن طريق عبد الرحمن بن يحيى ثم قال والرحمن خاص في التسمية عام في الفعل والرحيم عام في التسمية خاص في الفعل واستدل بهذه الآية على ان من حلف باسم من أسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم انعقدت يمينه وقد تقدم في موضعه وعلى ان الكافر إذا أقر بالوحدانية للرحمن مثلا حكم بإسلامه وقد خص الحليمي من ذلك ما يقع به الاشتراك كما لو قال الطبائعي لا اله الا المحيي المميت فإنه لا يكون مؤمنا حتى يصرح باسم لا تأويل فيه ولو قال من ينسب الى التجسيم من اليهود لا اله الا الذي في السماء لم يكن مؤمنا كذلك الا ان كان عاميا لا يفقه معنى التجسيم فيكتفى منه بذلك كما في قصة الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم أنت مؤمنة قالت نعم قال فأين الله قالت في السماء فقال اعتقها فانها مؤمنة وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وان من قال لا اله الا الرحمن حكم بإسلامه الا ان عرف انه قال ذلك عنادا وسمى غير الله رحمانا كما وقع لأصحاب مسيلمة الكذاب قال الحليمي ولو قال اليهودي لا إله إلا الله لم يكن مسلما حتى يقر بأنه ليس كمثله شيء ولو قال الوثني لا إله إلا الله وكان يزعم ان الصنم يقربه الى الله لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الصنم تنبيهان أحدهما الذي يظهر من تصرف البخاري في كتاب التوحيد انه يسوق الأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل في كل حديث منها في باب ويؤيده بآية من القرآن للإشارة الى خروجها عن أخبار الآحاد على طريق التنزل في ترك الاحتجاج بها في الاعتقاديات وانه من انكرها خالف الكتاب والسنة جميعا وقد اخرج بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية بسند صحيح عن سلام بن أبي مطيع وهو شيخ شيوخ البخاري ان ذكر المبتدعة فقال ويلهم ماذا ينكرون من هذه الأحاديث والله ما في الحديث شيء الا وفي القرآن مثله يقول الله تعالى ان الله سميع بصير ويحذركم الله نفسه والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وكلم الله موسى تكليما الرحمن على العرش استوى ونحو ذلك فلم يزل أي سلام بن مطيع يذكر الآيات من العصر الى غروب الشمس وكأنه لمح في هذه الترجمة بهذه الآية الى ما ورد في سبب نزولها وهو ما أخرجه بن مردويه بسند ضعيف عن بن عباس ان المشركين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يا الله يا رحمن فقالوا كان محمد يأمرنا بالدعاء اله واحد وهو يدعو الهين فنزلت وأخرج عن عائشة بسند آخر نحوه الثاني

[ 6941 ] قوله في السند الأول حدثنا محمد كذا للأكثر قال الكرماني تبعا لأبي علي الجياني هو اما بن سلام واما بن المثنى انتهى وقد وقع التصريح بأنه بن سلام في رواية أبي ذر عن شيوخه فتعين الجزم به كما صنع المزي في الأطراف فإنه قال ح عن محمد وهو بن سلام قلت ويؤيده انه عبر بقوله أنبأنا أبو معاوية ولو كان بن المثنى لقال حدثنا لما عرف من عادة كل منهما والله اعلم

قوله باب قول الله تعالى ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين كذا لأبي ذر والأصيلي والحفصوي على وفق القراءة المشهورة وكذا هو عند النسفي وعليه جرى الإسماعيلي ووقع في رواية القابسي اني انا الرزاق الخ وعليه جرى بن بطال وتبعه بن المنير والكرماني وجزم به الصغاني وزعم ان الذي وقع عند أبي ذر وغيره من تغييرهم لظنهم انه خلاف القراءة قال وقد ثبت ذلك قراءة عن بن مسعود قلت وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه كذلك كما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن بن مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال أهل التفسير المعنى في وصفه بالقوة انه القادر بليغ الاقتدار على كل شيء

[ 6943 ] قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو السكري وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق كلهم كوفيون قوله ما أحد اصبر على أذى سمعه من الله الحديث تقدم شرحه في كتاب الأدب والغرض منه قوله هنا ويرزقهم وقوله يدعون بسكون الدال وجاء تشديدها قال بن بطال تضمن هذا الباب صفتين لله تعالى صفة ذات وصفة فعل فالرزق فعل من أفعاله تعالى فهو من صفات فعله لأن رازقا يقتضي مرزوقا والله سبحانه وتعالى كان ولا مرزوق وكل ما لم يكن ثم كان فهو محدث والله سبحانه موصوف بأنه الرزاق ووصف نفسه بذلك قبل خلق الخلق بمعنى أنه سيرزق إذا خلق المرزوقين والقوة من صفات الذات وهي بمعنى القدرة ولم يزل سبحانه وتعالى ذا قوة وقدرة ولم تزل قدرته موجودة قائمة به موجبة له حكم القادرين والمتين بمعنى القوي وهو في اللغة الثابت الصحيح وقال البيهقي القوي التام القدرة لا ينسب اليه عجز في حالة من الأحوال ويرجع معناه الى القدرة والقادر هو الذي له القدرة الشاملة والقدرة صفة له قائمة بذاته والمقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء وفي الحديث رد على من قال انه قادر بنفسه لا بقدرة لأن القوة بمعنى القدرة وقد قال تعالى ذو القوة وزعم المعتزلي ان المراد بقوله ذو القوة الشديد القوة والمعنى في وصفه بالقوة والمتانة انه القادر البليغ الاقتدار فجرى على طريقتهم في ان القدرة صفة نفسية خلافا لقول أهل السنة انها صفة قائمة به متعلقة بكل مقدور وقال غيره كون القدرة قديمة وافاضة الرزق حادثة لا يتنافيان لأن الحادث هو التعلق وكونه رزق المخلوق بعد وجوده لا يستلزم التغير فيه لأن التغير في التعلق فان قدرته لم تكن متعلقة بإعطاء الرزق بل بكونه سيقع ثم لما وقع تعلقت به من غير ان تتغير الصفة في نفس الأمر ومن ثم نشأ الاختلاف هل القدرة من صفات الذات أو من صفات الأفعال فمن نظر في القدرة الى الاقتدار على ايجاد الرزق قال هي صفة ذات قديمة ومن نظر الى تعلق القدرة قال هي صفة فعل حادثة ولا استحالة في ذلك في الصفات الفعلية والاضافية بخلاف الذاتية وقوله في الحديث اصبر افعل تفضيل من الصبر ومن أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى الصبور ومعناه الذي لا يعاجل العصاة بالعقوبة وهو قريب من معنى الحليم والحليم أبلغ في السلامة من العقوبة والمراد بالأذى أذى رسله وصالحي عباده لاستحالة تعلق أذى المخلوقين به لكونه صفة نقص وهو منزه عن كل نقص ولا يؤخر النقمة قهرا بل تفضلا وتكذيب الرسل في نفي الصاحبة والولد عن الله أذى لهم فأضيف الأذى لله تعالى للمبالغة في الإنكار عليهم والاستعظام لمقالتهم ومنه قوله تعالى ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة فان معناه يؤذون أولياء الله وأولياء رسوله فأقيم المضاف مقام المضاف اليه قال بن المنير وجه مطابقة الآية للحديث اشتماله على صفتي الرزق والقوة الدالة على القدرة اما الرزق فواضح من قوله ويرزقهم واما القوة فمن قوله اصبر فان فيه إشارة الى القدرة على الإحسان إليهم مع اساءتهم بخلاف طبع البشر فإنه لا يقدر على الإحسان الى المسيء الا من جهة تكلفه ذلك شرعا وسبب ذلك ان خوف الفوت يحمله على المسارعة الى المكافأة بالعقوبة والله سبحانه وتعالى قادر على ذلك حالا ومآلا لا يعجزه شيء ولا يفوته

قوله باب قول الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا وان الله عنده علم الساعة وانزله بعلمه وما تحمل من أنثى ولا تضع الا بعلمه اليه رد علم الساعة اما الآية الأولى فسيأتي شيء من الكلام عليها في آخر شرحه واما الآية الثانية فمضى الكلام عليها في تفسير سورة لقمان عند شرح حديث بن عمر المذكور هنا واما الآية الثالثة فمن الحجج البينة في اثبات العلم لله وحرفه المعتزلي نصرة لمذهبه فقال أنزله ملتبسا بعلمه الخاص وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وتعقب بأن نظم العبارات ليس هو نفس العلم القديم بل دال عليه ولا ضرورة تحوج الى الحمل على غير الحقيقة التي هي الاخبار عن علم الله الحقيقي وهو من صفات ذاته وقال المعتزلي أيضا أنزله بعلمه وهو عالم فأول علمه بعالم فرارا من اثبات ا لعلم له مع تصريح الآية به وقد قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وتقدم في قصة موسى والخضر ما علمي وعلمك في علم الله ووقع في حديث الاستخارة الماضي في الدعوات اللهم اني استخيرك بعلمك واما الآية الرابعة فهي كالأولى في اثبات العلم وأصرح وقال المعتزلي قوله بعلمه في موضع الحال أي لا معلومة بعلمه فتعسف فيما أول وعدل عن الظاهر بغير موجب وأما الآية الخامسة فقال الطبري معناها لا يعلم متى وقت قيامها غيره فعلى هذا فالتقدير اليه يرد علم وقت الساعة قال بن بطال في هذه الآيات اثبات علم الله تعالى وهو من صفات ذاته خلافا لمن قال انه عالم بلا علم ثم إذا ثبت ان علمه قديم وجب تعلقه بكل معلوم على حقيقته بدلالة هذه الآيات وبهذا التقرير يرد عليهم في القدرة والقوة والحياة وغيرها وقال غيره ثبت ان الله مريد بدليل تخصيص الممكنات بوجود ما وجد منها بدلا من عدمه وعدم المعدوم منها بدلا من وجوده ثم اما ان يكون فعله لها بصفة يصح منه بها التخصيص والتقديم والتأخير أولا والثاني لو كان فاعلا لها لا بالصفة المذكورة لزم صدور الممكنات عنه صدروا واحدا بغير تقديم وتأخير ولا تطوير ولكان يلزم قدمها ضرورة استحالة تخلف المقتضي على مقتضاه الذاتي فيلزم كون الممكن واجبا والحادث قديما وهو محال فثبت انه فاعل بصفة يصح منه بها التقديم والتأخير فهذا برهان المعقول واما برهان المنقول فآي من القرآن كثيرة كقوله تعالى ان ربك فعال لما يريد ثم الفاعل للمصنوعات بخلق بالاختيار يكون متصفا بالعلم والقدرة لأن الإرادة وهي الاختيار مشروطة بالعلم بالمراد ووجود المشروط بدون شرطه محال ولأن المختار للشيء ان كان غيره قادرا عليه تعذر عليه صدور مختاره ومراده ولما شوهدت المصنوعات صدرت عن فاعلها المختار من غير تعذر علم قطعنا انه قادر على ايجادها وسيأتي مزيد الكلام في الإرادة في باب المشيئة والإرادة بعد نيف وعشرين بابا وقال البيهقي بعد ان ذكر الآيات المذكورة في الباب وغيرها مما هو في معناها كان أبو إسحاق الاسفرايني يقول معنى العليم يعلم المعلومات ومعنى الخبير يعلم ما كان قبل ان يكون ومعنى الشهيد يعلم الغائب كما يعلم الحاضر ومعنى المحصي لا تشغله الكثرة عن العلم وساق عن بن عباس في قوله تعالى يعلم السر وأخفى قال يعلم ما أسر العبد في نفسه وما اخفى عنه مما سيفعله قبل ان يفعله ومن وجه آخر عن بن عباس قال يعلم السر الذي في نفسك ويعلم ما ستعمل غدا قوله قال يحيى الظاهر على كل شيء علما والباطن على كل شيء علما يحيى هذا هو بن زياد الفراء النحوي المشهور ذكر ذلك في كتاب معاني القرآن له وقال غيره معنى الظاهر الباطن العالم بظواهر الأشياء وبواطنها وقيل الظاهر بالأدلة الباطن بذاته وقيل الظاهر بالعقل الباطن بالحسين وقيل معنى الظاهر العالي على كل شيء لأن من غلب على شيء ظهر عليه وعلاه والباطن الذي بطن في كل شيء أي علم باطنه وشمل قوله أي كل شيء علم ما كان وما سيكون على سبيل الإجمال والتفصيل لأن خالق المخلوقات كلها بالاختيار متصف بالعلم بهم والاقتدار عليهم اما أولا فلأن الاختيار مشروط بالعلم ولا يوجد المشروط دون شرطه واما ثانيا فلأن المختار للشيء لو كان غير قادر عليه لتعذر مراده وقد وجدت بغير تعذر فدل على انه قادر على ايجادها وإذا تقرر ذلك لم يتخصص علمه في تعلقه بمعلوم دون معلوم لوجوب قدمه المنافي لقبول التخصيص فثبت انه يعلم الكليات لأنها معلومات والجزئيات لأنها معلومات أيضا ولأنه مريد لإيجاد الجزئيات والإرادة للشيء المعين اثباتا ونفيا مشروطة بالعلم بذلك المراد الجزئي فيعلم المرئيات للرائين ورؤيتهم لها على الوجه الخاص وكذا المسموعات وسائر المدركات لما علم ضرورة من وجوب الكمال له وأضداد هذه الصفات نقص والنقص ممتنع عليه سبحانه وتعالى وهذا القدر كاف من الأدلة العقلية وضل من زعم من الفلاسفة انه سبحانه وتعالى يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي واحتجوا بامور فاسدة منها ان ذلك يؤدي الى محال وهو تغير العلم فان الجزئيات زمانية تتغير بتغير الزمان والأحوال والعلم تابع للمعلومات في الثبات والتغير فيلزم تغير علمه والعلم قائم بذاته فتكون محلا للحوادث وهو محال والجواب ان التغير انما وقع في الحوال الاضافية وهذا مثل رجل قام عن يمين الإسطوانة ثم عن يسارها ثم امامها ثم خلفها فالرجل هو الذي يتغير والاسطوانة بحالها فالله سبحانه وتعالى عالم بما كنا عليه أمس وبما نحن عليه الآن وبما نكون عليه غدا وليس هذا خبرا عن تغير علمه بل التغير جار على احوالنا وهو عالم في جميع الأحوال على حد واحد واما السمعية فالقرآن العظيم طافح بما ذكرنا مثل قوله تعالى احاط بكل شيء علما وقال لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وقال تعالى اليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من اكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع الا بعلمه وقوله تعالى وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ولهذه النكتة اورد المصنف حديث بن عمر في مفاتيح الغيب وقد تقدم شرحه في كتاب التفسير ثم ذكر حديث عائشة مختصرا وقوله

[ 6945 ] فيه ومن حدثك انه يعلم الغيب فقد كذب ووهو يقول لا يعلم الغيب الا الله كذا وقع في هذه الرواية عن ومحمد بن يوسف وهو الفريابي عن سفيان وهو الثوري عن إسماعيل وهو بن أبي خالد وقد تقدم في تفسير سورة النجم من طريق وكيع عن إسماعيل بلفظ ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وذكر هذه الآية أنسب في الباب لموافقته حديث بن عمر الذي قبله لكنه جرى على عادته التي أكثر منها من اختيار الإشارة على صريح العبارة وتقدم شرح ما يتعلق بالرؤية في تفسير سورة النجم وما يتعلق بعلم الغيب في تفسير سورة لقمان وتقدم في تفسير سورة المائدة بهذا السند من حدثك ان محمدا كتم شيئا وأحلت بشرحه على كتاب التوحيد وسأذكره ان شاء الله تعالى في باب يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ونقل بن التين عن الداودي قال قوله في هذا الطريق من حدثك ان محمدا يعلم الغيب ما أظنه محفوظا وما أحد يدعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم من الغيب الا ما علم انتهى وليس في الطريق المذكورة هنا التصريح بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وانما وقع فيه بلفظ من حدثك انه يعلم وأظنه بنى على ان الضمير في قول عائشة من حدثك انه لمحمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في الذي قبله حيث قالت من حدثك ان محمدا رأى ربه ثم قالت من حدثك انه يعلم ما في غد ويعكر عليه انه وقع في رواية إبراهيم النخعي عن مسروق عن عائشة قالت ثلاث من قال واحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية من زعم انه يعلم ما في غد الحديث أخرجه النسائي وظاهر هذا السياق ان الضمير للزاعم ولكن ورد التصريح بأنه لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه بن خزيمة وابن حبان من طريق عبد ربه بن سعيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي بلفظ أعظم الفرية على الله من قال ان محمدا رأى ربه وان محمدا كتم شيئا من الوحي وأن محمدا يعلم ما في غد وهو عند مسلم من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن داود وسياقه أتم ولكن قال فيه ومن زعم انه يخبر بما يكون في غد هكذا بالضمير كما في رواية إسماعيل معطوفا على من زعم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا وما ادعاه من النفي متعقب فان بعض من لم يرسخ في الإيمان كان يظن ذلك حتى كان يرى ان صحة النبوة تستلزم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على جميع المغيبات كما وقع في المغازي لابن إسحاق ان ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ضلت فقال زيد بن اللصيت بصاد مهملة وآخره مثناة وزن عظيم يزعم محمد أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا يقول كذا وكذا واني والله لا أعلم الا ما علمني الله وقد دلني الله عليها وهي في شعب كذا قد حبستها شجرة فذهبوا فجاءوه بها فاعلم النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يعلم من الغيب الا ما علمه الله وهو مطابق لقوله تعالى فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول الآية وقد اختلف في المراد بالغيب فيها فقيل هو على عمومه وقيل ما يتعلق بالوحي خاصة وقيل ما يتعلق بعلم الساعة وهو ضعيف لما تقدم في تفسير لقمان ان علم الساعة مما استأثر بعلمه الا ان ذهب قائل ذلك الى ان الاستثناء منقطع وقد تقدم ما يتعلق بالغيب هناك قال الزمخشري في هذه الآية ابطال الكرامات لأن الذين يضاف إليهم وان كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضعين بالاطلاع على الغيب وتعقب بما تقدم وقال الامام فخر الدين قوله على غيبه لفظ مفرد وليس فيه صيغة عموم فيصح ان يقال ان الله لا يظهر على غيب واحد من غيوبه أحدا الا الرسل فيحمل على وقت وقوع القيامة ويقويه ذكرها عقب قوله اقريب ما توعدون وتعقب بأن الرسل لم يظهروا على ذلك وقال أيضا يجوز ان يكون الاستثناء منقطعا أي لا يظهر على غيبه المخصوص أحدا لكن من ارتضى من رسول فإنه يجعل له حفظه وقال القاضي البيضاوي يخصص الرسول بالملك في اطلاعه على الغيب والأولياء يقع لهم ذلك لهم بالالهام وقال بن المنير دعوى الزمخشري عامة ودليله خاص فالدعوة امتناع الكرامات كلها والدليل يحتمل ان يقال ليس فيه الا نفي الاطلاع على الغيب بخلاف سائر الكرمات انتهى وتمامه ان يقال المراد بالاطلاع على الغيب علم ما سيقع قبل ان يقع على تفصيله فلا يدخل في هذا ما يكشف لهم عن الأمور المغيبة عنهم وما لا يخرق لهم من العادة كالمشي على الماء وقطع المسافة البعيدة في مدة لطيفة ونحو ذلك وقال الطيبي الأقرب تخصيص الاطلاع بالظهور والخفاء فاطلاع الله الأنبياء على المغيب أمكن ويدل عليه حرف الاستعلاء في على غيبه فيضمن يظهر معنى يطلع فلا يظهر على غيبه إظهارا تاما وكشفا حليل الا لرسول يوحى اليه مع ملك وحفظة ولذلك قال فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا وتعليله بقوله ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم واما الكرامات فهي من قبيل التلويح واللمحات وليسوا في ذلك كالأنبياء وقد جزم الأستاذ أبو إسحاق بان كرامات الأولياء لا تضاهي ما هو معجزة للأنبياء وقال أبو بكر بن فورك الأنبياء مأمورون باظهارها والولي يجب عيه اخفاؤها والنبي يدعى ذلك بما يقطع به بخلاف الولي فإنه لا يأمن الاستدراج وفي الآية رد على المنجمين وعلى كل من يدعي انه يطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك لأنه مكذب للقرآن وهم أبعد شيء من الارتضا مع سلب صفة الرسلية عنهم وقوله في أول حديث بن عمر مفاتيح الغيب الى ان قال لا يعلم ما تغيض الأرحام الا الله فوقع في معظم الروايات لا يعلم ما في الأرحام الا الله واختلف في معنى الزيادة والنقصان على أقوال فقيل ما ينقص من الخلقة وما يزداد فيها وقيل ما ينقص من التسعة الأشهر في الحمل وما يزداد في النفاس الى الستين وقيل ما ينقص بظهور الحيض في الحبل بنقص الولد وما يزداد على التسعة الأشهر بقدر ما حاضت وقيل ما ينقص في الحمل بانقطاع الحيض وما يزداد بدم النفاس من بعد الوضع وقيل ما ينقص من الأولاد قبل وما يزداد من الأولاد بعد وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به استعار للغيب مفاتيح اقتداء بما نطق به الكتاب العزيز وعنده مفاتح الغيب وليقرب الأمر على السامع لأن أمور الغيب لا يحصيها الا عالمها وأقرب الأشياء الى الاطلاع على ما غاب الأبواب والمفاتيح أيسر الأشياء لفتح الباب فإذا كان أيسر الأشياء لا يعرف موضعها فما فوقها احرى ان لا يعرف قال والمراد بنفي العلم عن الغيب الحقيقي فان لبعض الغيوب أسبابا قد يستدل بها عليها لكن ليس ذلك حقيقيا قال فلما كان جميع ما في الوجود محصورا في علمه شبهه المصطفى بالمخازن واستعار لبابها المفتاح وهو كما قال تعالى وان من شيء الا عندنا خزائنه قال والحكمة في جعلها خمسا الإشارة الى حصر العوالم فيها ففي قوله وما تغيض الأرحام إشارة الى ما يزيد في النفس وينقص وخص الرحم بالذكر لكون الأكثر يعرفونها بالعادة ومع ذلك فنفى ان يعرف أحد حقيقتا فغيرها بطريق الأولى وفي قوله ولا يعلم متى يأتي المطر إشارة الى أمور العالم العلوي وخص المطر مع ان له أسبابا قد تدل بجري العادة على وقوعه لكنه من غير تحقيق وفي قوله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إشارة الى أمور العالم السفلي مع ان عادة أكثر الناس ان يموت ببلده ولكن ليس ذلك حقيقة بل لو مات في بلده لا يعلم في بقعة يدفن منها ولو كان هناك مقبرة لأسلافه بل قبر أعده هو له وفي قوله ولا يعلم ما في غد الا الله إشارة الى أنواع الزمان وما فيها من الحوادث وعبر بلفظ غد لتكون حقيقته أقرب الأزمنة وإذا كان مع قربه لا يعلم حقيقة ما يقع فيه مع إمكان الامارة والعلامة فما بعد عنه أولى وفي قوله ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله إشارة الى علوم الآخرة فان يوم القيامة أولها وإذا نفى علم الأقرب انتفى علم ما بعده فجمعت الآية أنواع الغيوب وأزالت جميع الدعاوى الفاسدة وقد بين بقوله تعالى في الآية الأخرى وهي قوله تعالى فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول ان الاطلاع على شيء من هذه الأمور لا يكون الا بتوفيق انتهى ملخصا

قوله باب قول الله تعالى السلام المؤمن كذا للجميع وزاد بن بطال المهيمن وقال غرضه بهذا الباب اثبات أسماء من أسماء الله تعالى ثم ذكر بعض ما ورد في معانيها وفيما ذكره نظر سلمنا لكن وظيفة الشارح بيان وجه تخصيص هذه الأسماء الثلاثة بالذكر دون غيرها وافرادها بترجمة ويمكن ان يكون أراد بهذا القدر جميع الآيات الثلاث المذكورة في آخر سورة الحشر بأنها ختمت بقوله تعالى له الأسماء الحسنى وقد قال في سورة الأعراف ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فكأنه بعد اثبات حقيقة القدرة والقوة والعلم أشار الى ان الصفات السمعية ليست محصورة في عدد معين بدليل الآية المذكورة أو أراد الإشارة الى ذكر الأسماء التي تسمى الله تعالى بها وأطلقت مع ذلك على المخلوقين فالسلام ثبت في القرآن وفي الحديث الصحيح انه من أسماء الله تعالى وقد اطلق على التحية والواقعة بين المؤمنين والمؤمن يطلق على من اتصف بالإيمان وقد وقعا معا من غير تخلل بينهما في الآية المشار إليها فناسب ان يذكرهما في ترجمة واحدة وقال أهل العلم معنى السلام في حقة سبحانه وتعالى الذي سلم المؤمنون من عقوبته وكذا في تفسير المؤمن الذي امن المؤمنون من عقوبته وقيل السلام من سلم من كل نقص وبرىء من كل آفة وعيب فهي صفة سلبية وقيل المسلم على عباده لقوله سلام قولا من رب رحيم فهي صفة كلامية وقيل الذي سلم الخلق من ظلمة وقيل منه السلامة لعباده فهي صفة فعلية وقيل المؤمن الذي صدق نفسه وصدق اولياءه وتصديقه علمه بأنه صادق وأنهم صادقون وقيل الموحد لنفسه وقيل خالق الأمن وقيل واهب الأمن وقيل خالق الطمأنينة في القلوب واما المهيمن فان ثبت في الرواية فقد تقدم ما فيه في التفسير ومما يستفاد ان بن قتيبة ومن تبعه كالخطابي زعموا انه مفيعل من الأمن قلبت الهمز هاء وقد تعقب ذلك امام الحرمين ونقل إجماع العلماء على ان أسماء الله لا تصغر ونقل البيهقي عن الحليمي ان المهيمن معناه الذي لا ينقص الطائع من ثوابه شيئا ولو كثر ولا يزيد العاصي عقابا على ما يستحقه لأنه لا يجوز عليه الكذب وقد سمي الثواب والعقاب جزاء وله ان يتفضل بزيادة الثواب ويعفو عن كثير من العقاب قال البيهقي هذا شرح قول أهل التفسير في المهيمن انه الأمين ثم ساق من طريق التيمي عن بن عباس في قوله مهيمنا عليه قال مؤتمنا ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس المهيمن الأمين ومن طريق مجاهد قال المهيمن الشاهد وقيل المهيمن الرقيب على الشيء والحافظ له وقيل الهيمنة القيام على الشيء قال الشاعر
الا ان خير الناس بعد نبيه
مهيمنه التاليه في العرف والنكر يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم انتهى ويصح ان يريد الأمين عليهم فيوافق ما تقدم ثم ذكر حديث بن مسعود في التشهد وسنده كله كوفيون وأحمد بن يونس هو بن عبد الله بن يونس اليربوعي نسب لجده وزهير هو بن معاوية الجعفي ومغيرة هو بن مقسم الضبي وشقيق بن سلمة هو أبو وائل مشهور بكنيته وباسمه معا وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن يحيى الحلواني عن أحمد بن يونس فقال حدثنا زهير بن معاوية حدثنا مغيرة الضبي وساق المتن مثله سواء وضاق على الإسماعيلي مخرجه فاكتفى برواية عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة وساقه نحوه من رواية زهير وقد أخرجه النسائي من طريق شعبة عن مغيرة بسند وقوله

[ 6946 ] في المتن فنقول السلام على الله هكذا اختصره مغيرة وزاد في رواية الأعمش من عباده وفي لفظ مضى في الاستئذان قبل عباده السلام على جبريل الخ وقد تقدم بيان ذلك مفصلا في كتاب الصلاة في أواخر صفة الصلاة من قبل كتاب الجمعة ولله الحمد

قوله باب قول الله تعالى ملك الناس قال البيهقي الملك والمالك هو الخاص الملك ومعناه في حق الله تعالى القادر على الايجاد وهي صفة يستحقها لذاته وقال الراغب الملك المتصف بالأمر والنهي وذلك يختص بالناطقين ولهذا قال ملك الناس ولم يقل ملك الأشياء قال واما قوله ملك يوم الدين فتقديره الملك في يوم الدين لقوله لمن الملك اليوم انتهى ويحتمل ان يكون خص الناس بالذكر في قوله تعالى ملك الناس لأن المخلوقات جماد ونام والنامي صامت وناطق والناطق متكلم وغير متكلم فاشرف الجميع المتكلم وهم ثلاثة الانس والجن والملائكة وكل من عداهم جائز دخوله تحت قبضتهم وتصرفهم وإذا كان المراد بالناس في الآية المتكلم فمن ملكوه في ملك من ملكهم فكان في حكم ما لو قال ملك كل شيء مع التنويه بذكر الأشرف وهو المتكلم قوله فيه بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أي يدخل في هذا الباب حديث بن عمر ومراده حديثه الآتي بعد اثني عشر بابا في ترجمة قوله تعالى لما خلقت بيدي وسيأتي شرحه هناك ان شاء الله تعالى ثم ذكر حديث أبي هريرة يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول انا الملك أين ملوك الأرض أخرجه من رواية يونس وهو بن يزيد عن بن شهاب بسنده ثم قال وقال شعيب والزبيدي وابن مسافر وإسحاق بن يحيى عن الزهري وعن أبي سلمة مثله كذا وقع لأبي ذر وسقط لغيره لفظ مثله وليس المراد ان أبا سلمة أرسله بل مراده أنه اختلف على بن شهاب وهو الزهري في شيخه فقال يونس هو سعيد بن المسيب وقال الباقون أبو سلمة وكل منهما يرويه عن أبي هريرة فاما رواية شعيب وهو بن أبي حمزة الحمصي فستأتي في الباب المشار اليه في الحديث المعلق آنفا فإنه قال هناك وقال أبو اليمان أنا شعيب فذكر طرفا من المتن وقد وصله الدارمي قال حدثنا الحكم بن نافع وهو أبو اليمان فذكره وفيه سمعت أبا سلمة يقول قال أبو هريرة وكذا أخرجه بن خزيمة في كتاب التوحيد من صحيحه عن محمد بن يحيى الذهلي عن أبي اليمان واما رواية الزبيدي بضم الزاي بعدها موحدة وهو محمد بن الوليد الحمصي فوصلها بن خزيمة أيضا من طريق عبد الله بن سالم عنه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأما طريق بن مسافر وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أمير مصر نسب لجده فتقدمت موصولة في تفسير سورة الزمر من طريق الليث بن سعد عنه كذلك وأما رواية إسحاق بن يحيى وهو الكلبي فوصلها الذهلي في الزهريات قال الإسماعيلي وافق الجماعة عبيد الله بن زياد الرصافي في أبي سلمة قلت وأخرجه بن أبي حاتم من طريق الصدفي عن الزهري كذلك ونقل بن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي ان الطريقين محفوظان انتهى وصنيع البخاري يقتضي ذلك وان كان الذي تقتضيه القواعد ترجيح رواية شعيب لكثرة من تابعه لكن يونس كان من خواص الزهري الملازمين له قال بن بطال قوله تعالى ملك الناس داخل في معنى التحيات لله أي الملك لله وكأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بان يقولوا التحيات لله امتثالا لأمر ربه قل أعوذ برب الناس ملك الناس ووصفه بأنه ملك الناس يحتمل وجهين أحدهما ان يكون بمعنى القدرة فيكون صفة ذات وان يكون بمعنى القهر والصرف عما يريدون فيكون صفة فعل قال وفي الحديث اثبات اليمين صفة لله تعالى من صفات ذاته وليست جارحة خلافا للمجسمة انتهى ملخصا والكلام على اليمين يأتي في الباب المشار اليه ولم يعرج على التوفيق بين الحديث والترجمة والذي يظهر لي انه أشار الى ما قاله شيخه نعيم بن حماد الخزاعي قال بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية وجدت في كتاب أبي عمر نعيم بن حماد قال يقال للجهمية أخبرونا عن قول الله تعالى بعد فناء خلقه لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه لله الواحد القهار وذلك بعد انقطاع ألفاظ خلقه بموتهم أفهذا مخلوق انتهى وأشار بذلك الى الرد على من زعم ان الله يخلق كلاما فيسمعه من شاء لأن الوقت الذي يقول فيه لمن الملك اليوم لا يبقى حينئذ مخلوق حيا فيجيب نفسه فيقول لله الواحد القهار فثبت انه يتكلم بذلك وكلامه صفة من صفات ذاته فهو غير مخلوق وعن أحمد بن سلمة عن إسحاق بن راهويه قال صح ان الله يقول بعد فناء خلقه لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول لنفسه لله الواحد القهار قال ووجدت في كتاب عند أبي عن هشام بن عبيد الله الرازي قال إذا مات الخلق ولم يبق الا الله وقال لمن الملك اليوم فلا يجبه أحد فيرد على نفسه فيقول لله الواحد القهار قال فلا يشك أحدا ان هذا كلام الله وليس بوحي الى أحد لأنه لم تبقى نفس فيها روح الا وقد ذاقت الموت والله هو القائل وهو المجيب لنفسه قلت وفي حديث الصور الطويل الذي تقدمت الإشارة اليه في أواخر كتاب الرقاق في صفة الحشر فإذا لم يبق الا الله كان آخرا كما كان أولا طوى السماء والأرض ثم دحاها ثم تلقفهما ثم قال أنا الجبار ثلاثا ثم قال لمن الملك اليوم ثلاثا ثم قال لنفسه لله الواحد القهار قال الطبري في قوله تعالى يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم يعني يقول الله لمن الملك فترك ذكر ذلك استغناء لدلالة الكلام عليه قال وقوله لله الواحد القهار ذكر ان الرب جل جلاله هو القائل ذلك مجيبا لنفسه ثم ذكر الرواية بذلك من حديث أبي هريرة الذي أشرت اليه وبالله التوفيق

قوله باب قول الله تعالى وهو العزيز الحكيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون ولله العزة ولرسوله اما الآية الأولى فوقعت في عدة صور وتكررت في بعضها وأول موضع وقع فيه وهو العزيز الحكيم في سورة إبراهيم واما مطلق العزيز الحكيم فأول ما وقع في البقرة في دعاء إبراهيم عليه السلام لأهل مكة ربنا وابعث فيهم رسولا منهم الآية وآخرها انك أنت العزيز الحكيم وتكرر العزيز الحكيم و وعزيز حكيم بغير لام فيهما في عدة من السور واما الآية الثانية ففي إضافة العزة الى الربوبية إشارة الى ان المراد بها هنا القهر والغلبة ويحتمل ان تكون الإضافة للاختصاص كأنه قيل ذو العزة وانها من صفات الذات ويحتمل ان يكون المراد بالعزة هنا العزة الكائنة بين الخلق وهي مخلوقة فيكون من صفات الفعل فالرب على هذا بمعنى الخالق والتعريف في العزة للجنس فإذا كانت العزة كلها لله فلا يصح ان يكون أحد معتزا الا به ولا عزة لأحد الا وهو مالكها واما الآية الثالثة فيعرف حكمها من الثانية وهي بمعنى الغلبة لأنها جاءت جوابا لمن ادعى انه الأعز وان ضده الأذل فيرد عليه بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فهو كقوله كتب الله لأغلبن انا ورسلي ان الله قوي عزيز قوله ومن حلف بعزة الله وصفاته كذا للأكثر وفي رواية المستملي وسلطانه بدل وصفاته والأول أولى وقد تقدم في الإيمان والنذور باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلامه وتقدم توجيهه هناك قال بن بطال العزيز يتضمن العزة والعزة يحتمل ان تكون صفة ذات بمعنى القدرة والعظمة وان تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته والغلبة لهم ولذلك صحت إضافة اسمه إليها قال ويظهر الفرق بين الحالف بعزة الله التي هي صفة ذاته والحالف بعزة الله التي صفة فعله بأنه يحنث في الأولى دون الثانية بل هو منهي عن الحلف بها كما نهى عن الحلف بحق السماء وحق زيد قلت وإذا اطلق الحالف انصرف الى صفة الذات وانعقدت اليمين الا ان قصد خلاف ذلك بدليل أحاديث الباب وقال الراغب العزيز الذي يقهر ولا يقهر فال العزة التي لله هي الدائمة الباقية وهي العزة الحقيقية الممدوحة وقد تستعار العزة للحمية والانفة فيوصف بها الكافر والفاسق وهي صفة مذمومة ومنه قوله تعالى أخذته العزة بالإثم وأما قوله تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا فمعناه من كان يريد أن يعز فليكتسب العزة من الله فانها له ولا تنال الا بطاعته ومن ثم أثبتها لرسوله وللمؤمنين فقال في الآية الأخرى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وقد ترد العزة بمعنى الصعوبة كقوله تعالى عزيز عليه من عنتم وبمعنى الغلبة ومنه وعزني في الخطاب وبمعنى القلة كقولهم شاة عزوز إذا قل لبنها وبمعنى الامتناع ومنه قولهم أرض عزاز بفتح أوله مخففا أي صلبه وقال البيهقي العزة تكون بمعنى القوة فترجع الى معنى القدرة ثم ذكر نحوا مما ذكره بن بطال والذي يظهر ان مراد البخاري بالترجمه اثبات العزة لله ردا على من قال انه العزيز بلا عزة كما قالوا العليم بلا علم ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث الحديث الأول قوله وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم تقول جهنم قط قط وعزتك هذا طرف من حديث تقدم موصولا في تفسير سورة ق مع شرحه ويأتي مزيد كلام فيه في باب قوله ان رحمة الله قريب من المحسنين وقد ذكره موصولا هنا في آخر الباب والمراد منه النبي صلى الله عليه وسلم نقل عن جهنم انها تحلف بعزة الله وأقرها على ذلك فيحصل المراد سواء كانت هي الناطقة حقيقة اما الناطق غيرها كالموكلين بها الحديث الثاني قوله وقال أبو هريرة الخ هو طرف من حديث طويل تقدم مع شرحه في آخر كتاب الرقاق والمراد منه قوله لا وعزتك وتوجيهه كما في الذي قبله الحديث الثالث قوله قال أبو سعيد الخ هو طرف من حديث مذكور في آخر حديث أبي هريرة الذي قبله ويستفاد منه ان أبا سعيد وافق أبا هريرة على رواية الحديث المذكور الا ما ذكره من الزيادة في قوله عشرة أمثاله الحديث الرابع قوله وقال أيوب عليه السلام وعزتك لا غنى بي عن بركتك كذا في رواية الأكثر وللمستملي لا غناء وهو بفتح الغين المعجمة ممدودا وكذا لأبي ذر عن السرخسي وتقدم بيانه في كتاب الإيمان والنذور وهو طرف من حديث لأبي هريرة وقد تقدم موصولا في كتاب الطهارة وأوله بينا أيوب يغتسل وتقدم أيضا في أحاديث الأنبياء مع شرحه وتقدم توجيه الدلالة منه في الإيمان والنذور ووقع في رواية الحاكم لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب الحديث الحديث الخامس حديث بن عباس

[ 6948 ] قوله أبو معمر هو عبد الله بن عمرو المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف وعبد الوارث هو بن سعيد وحسين المعلم هو بن ذكوان ويحيى بن يعمر بفتح أوله والميم وسكون المهملة بينهما ويجوز ضم ميمه قوله كان يقول أعوذ بعزتك الذي لا اله الا أنت قال الكرماني العائد للموصل محذوف لأن المخاطب نفس المرجوع اليه فيحصل الارتباط ومثله أنا الذي سمتني أمي حيدرة لأن نسق الكلام سمته أمه قوله الذي لا يموت بلفظ الغائب للأكثر وفي بعضها بلفظ الخطاب قوله والجن والأنس يموتون استدل به على ان الملائكة لا تموت ولا حجة فيه لأنه مفهوم لقب ولا اعتبار له وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه وهو عموم قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه مع انه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن لجامع ما بينهم من الاستتار عن عيون الانس وقد تقدمت بقية الكلام عليه في الدعوات وفي الأيمان والنذور في الباب المشار اليه منه ثم ذكر حديث أنس من ثلاث أوجه عن قتادة وقد تقدم لفظ شعبة في تفسير ق وساقه هنا على لفظ خليفة وهو بن خياط البصري ولقبه شباب بفتح المعجمة وتخفيف الموحدة وآخره موحدة ووقع في رواية شعبة عنه لا يزال يلقى في النار وفي رواية سعيد وهو بن أبي عروبة وسليمان هو التيمي والد معتمر كلاهما عن قتادة لا يزال يلقى فيها والضمير في هذه الرواية لغير مذكور قبله وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق العباس بن الوليد عن يزيد بن زريع ومن طريق أبي الأشعث عن المعتمر بهذين السندين وفي أوله لا تزال جهنم يلقى فيها

[ 6949 ] قوله حتى يضع فيها رب العالمين قدمه في رواية أبي الأشعث حتى يضع الله فيها قدمه وفي رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عند مسلم حتى يضع فيها رب العزة ولم يقع في رواية شعبة بيان من يضع وتقدم في تفسير سورة ق من حديث أبي هريرة فيضع الرب قدمه عليها وذكر فيه شرحه وذكر من رواه بلفظ الرجل وشرحه أيضا قوله وتقول قد قد بفتح القاف وسكون الدال وبكسرها أيضا بغير اشباع وذكر بن التين انها رواية أبي ذر وتقدم في تفسير سورة ق ذكر من رواه بلفظ قدني ومن رواه بلفظ قط قط وبيان الاختلاف فيها أيضا وشرح معانيها مع بقية الحديث قوله بعزتك وكرمك كذا ثبت عند الإسماعيلي في رواية يزيد بن زريع عن يزيد بن أبي عروبة ووقع في رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عند مسلم بدون قوله وكرمك ويؤخذ منه مشروعية الحلف بكرم الله كما شرع الحلف بعزة الله قوله ولا تزال الجنة تفضل كذا لهم بصيغة الفعل المضارع ووقع في رواية المستملي بموحدة مكسورة وفاء مفتوحة وضاد معجمة ساكنة وكأن الباء للمصاحبة قال الكرماني روى البخاري هذا الحديث من ثلاث طرق الأولى عن شيخة يعني بن أبي الأسود واسمه عبد الله بن محمد بالتحديث والثانية بالقول يعني قوله وقال لي خليفة وكان ينبغي ان يزيد فيه بالقول المصاحب لحرف الجر للفرق بينه وبين القول المجرد قال والثالث بالتعليق يعني قوله وعن معتمر لأن هذا الثالث ليس تعليقا بل هو موصول معطوف على قوله حدثنا يزيد بن زريع فالتقدير وقال لي خليفة عن معتمر وبهذا جزم أصحاب الأطراف قال المزي حديث لا تزال يلقى الحديث خ في التوحيد قال لي خليفة عن معتمر عن أبيه وقال أبو نعيم في المستخرج بعد تخريجه رواه البخاري عن خليفة عن يزيد بن زريع عن سعيد وعن المعتمر عن أبيه قال وحديث سليمان التيمي غير مرفوع قلت وكذا لم يصرح الإسماعيلي برفعه لما أخرجه من طريق أبي الأشعث عن المعتمر

قوله باب قول الله تعالى وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق كأنه أشار بهذه الترجمة الى ما ورد في تفسير هذه الآية ان معنى قوله بالحق أي بكلمة الحق وهو قوله كن ووقع في أول حديث الباب قولك الحق فكأنه أشار الى ان المراد بالقول الكلمة وهي كن والله أعلم ونقل بن التين عن الداودي ان الباء هنا بمعنى اللام أي لأجل الحق وقال بن بطال المراد بالحق هنا ضد الهزل والمراد بالحق في الأسماء الحسنى الموجود الثابت الذي لا يزول ولا يتغير وقال الراغب الحق في الأسماء الحسنى الموجد بحسب ما تقتضيه الحكمة قال ويقال لكل موجود من فعله بمقتضى الحكمة حق ويطلق على الاعتقاد في الشيء المطابق لما دل ذلك الشيء عليه في نفس الأمر وعلى الفعل الواقع بحسب ما يجب قدرا وزمانا وكذا القول ويطلق على الواجب واللازم والثابت والجائز ونقل البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن الحليمي قال الحق ما لا يسيغ إنكاره ويلزم إثباته والاعتراف به ووجود الباري أولى ما يجب الاعتراف به ولا يسيغ جحوده إذ لا مثبت تظاهرت عليه البينة الباهرة ما تظاهرت على وجوده سبحانه وتعالى وذكر البخاري فيه حديث بن عباس في الدعاء عند قيام الليل وفيه اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض وقد تقدم شرحه وبيان اختلاف ألفاظه في كتاب التهجد قبيل كتاب الجنائز وذكر في كتاب الدعوات أيضا قال بن بطال قوله رب السماوات والأرض يعني خالق السماوات والأرض وقوله بالحق أي انشأهما بحق وهو كقوله تعالى ربنا ما خلقت هذا باطلا أي عبثا وقوله

[ 6950 ] في السند سفيان هو الثوري وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي وقوله عن سليمان هو بن أبي مسلم الأحول المكي وفي رواية عبد الرزاق عن بن جريج أخبرني سليمان وسيأتي وقوله

[ 6951 ] في آخره حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان بهذا يعني بالسند المذكور والمتن وقوله وقال أنت الحق وقولك الحق يشير الى ان رواية قبيصة سقط منها قوله أنت الحق فان أولها قولك الحق وثبت قوله في أوله أنت الحق في رواية ثابت بن محمد كما سيأتي سياقه بتمامه في باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة وكذا في رواية عبد الرزاق المشار إليها وكذا وقع في رواية يحيى بن آدم عن سفيان الثوري عند النسائي والله أعلم

قوله باب وكان الله سميعا بصيرا قال بن بطال غرض البخاري في هذا الباب الرد على من قال ان معنى سميع بصير عليم قال ويلزم من قال ذلك ان يسويه بالأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها والأصم الذي يعلم أن في الناس أصواتا ولا يسمعها ولا شك ان من سمع وأبصر ادخل في صفة الكمال ممن انفرد بأحدهما دون الآخر فصح ان كونه سميعا بصيرا يفيد قدرا زائدا على كونه عليما وكونه سمعيا بصيرا يتضمن انه يسمع بسمع ويبصر ببصر كما تضمن كونه عليما انه يعلم بعلم ولا فرق بين اثبات كونه سميعا بصيرا وبين كونه ذا سمع وبصر قال وهذا قول أهل السنة قاطبة انتهى واحتج المعتزلي بأن السمع ينشأ عن وصول الهواء المسموع الى العصب المفروش في أصل الصماخ والله منزه عن الجوارح وأجيب بأنها عادة اجراها الله تعالى فيمن يكون حيا فيخلقه الله عند وصول الهواء الى المحل المذكور والله سبحانه وتعالى يسمع المسموعات بدون الوسائط وكذا يرى المرأيات بدون المقابلة وخروج الشعاع فذات الباري مع كونه حيا موجودا لا تشبه الذوات فكذلك صفات ذاته لا تشبه الصفات وسيأتي مزيد لهذا في باب وكان عرشه على الماء وقال البيهقي في الأسماء والصفات السميع من له سمع يدرك به المسموعات والبصير من له بصر يدرك به المرئيات وكل منهما في حق الباري صفة قائمة بذاته وقد أفادت الآية وأحاديث الباب الرد على من زعم أنه سميع بصير بمعنى عليم ثم ساق حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود بسند قوي على شرط مسلم من رواية أبي يونس عن أبي هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها يعني قوله تعالى ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها الى قوله تعالى ان الله كان سميعا بصيرا ويضع أصبعيه قال أبو يونس وضع أبو هريرة إبهامه على اذنه والتي تليها على عينه قال البيهقي وأراد بهذه الإشارة تحقيق اثبات السمع والبصر لله ببيان محلهما من الإنسان يريد ان له سمعا وبصرا لا ان المراد به العلم فلو كان كذلك لأشار الى القلب لأنه محل العلم ولم يرد بذلك الجارحه فان الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين ثم ذكر لحديث أبي هريرة شاهدا من حديث عقبة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ان ربنا سميع بصير وأشار الى عينيه وسنده حسن وسيأتي في باب ولتصنع على عيني حديث ان الله ليس بأعور وأشار بيده الى عينه وسيأتي شرح ذاك هناك وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رفعه ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وفي حديث أبي جري الهجيمي رفعه ان رجلا ممن كان قبلكم لبس بردتين يتبختر فيهما فنظر الله اليه فمقته الحديث وقد مضى في اللباس حديث بن عمر رفعه لا ينظر الله الى من جر ثوبه خيلاء وفي الكتاب العزيز ولا ينظر إليهم وورد في السمع قول المصلي سمع الله لمن حمده وسنده صحيح متفق عليه بل مقطوع بمشروعيته في الصلاة ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث أحدها قوله قال الأعمش عن تميم هو بن سلمة الكوفي تابعي صغير وثقه يحيى بن معين ووصل حديثه المذكور أحمد والنسائي وابن ماجة باللفظ المذكور هنا وأخرجه بن ماجة أيضا من رواية أبي عبيدة بن معن عن الأعمش بلفظ تبارك وسياقه أتم وليس لتميم المذكور عن عروة في الصحيحين سوى هذا الحديث وآخر عند مسلم قال بن التين قول البخاري قال الأعمش مرسل لأنه لم يلقه قال الشيخ أبو الحسن ولهذا لم يذكره في تفسير سورة المجادلة انتهى وتسمية هذا مرسلا مخالف للاصطلاح والتعليل ليس بمستقيم فان في الصحيح عدة أحاديث معلقة لم تذكر في تفسير الآية التي تتعلق بها قوله وسع سمعه الأصوات في رواية أبي عبيدة بن معن كل شيء بدل الأصوات قال بن بطال معنى قولها وسع أدرك لأن الذي وصف بالاتساع يصح وصفه بالضيق وذلك من صفات الأجسام فيجب صرف قولها عن ظاهره والحديث ما يقتضي التصريح بأن له سمعا وكذا جاء ذكر البصر في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي موسى مرفوعا حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره قوله فأنزل الله تعالى على نبيه قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها هكذا أخرجه وتمامه عند أحمد وغيره ممن ذكرت بعد قوله الأصوات لقد جاءت المجادلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول فانزل الله الآية ومرادها بهذا النفي مجموع القول لأن في رواية أبي عبيدة بن معن اني لاأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفي علي بعضه وهي تشتكي زوجها وهي تقول أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني الحديث فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله وهذا أصح ما ورد في قصة المجادلة وتسميتها وقد أخرج أبو داود وصححه بن حبان من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت الحديث وهذا يحمل على ان أسمها كان ربما صغر وان كان محفوظا فتكون نسبت في الرواية الأخرى لجدها وقد تظاهرت الروايات بالأول ففي مرسل محمد بن كعب القرظي عند الطبراني كانت خولة بنت ثعلبة تحت أوس بن الصامت فقال لها أنت علي كظهر أمي وعند بن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس ان أوس بن الصامت تظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة وعنده أيضا من مرسل أبي العالية كانت خولة بنت دليح تحت رجل من الأنصار سيء الخلق فنازعته في شيء فقال أنت علي كظهر أمي ودليح بمهملتين مصغر لعله من اجدادها وأخرج أبو داود من رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه ان جميلة كانت تحت أوس بن الصامت ووصله من وجه آخر عن عائشة والراوية المرسلة أقوى وأخرجه بن مردويه من رواية إسماعيل بن عياش عن هشام عن أبيه عن أوس بن الصامت وهو الذي ظاهر من امرأته ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها فان كان حفظه فالمراد بقوله عن أوس بن الصامت أي عن قصة أوس لا أن عروة حمله عن أوس فيكون مرسلا كالرواية المحفوظة وان كان الراوي حفظها انها جميلة فلعله كان لقبها واما ما أخرجه النقاش في تفسيره بسند ضعيف الى الشعبي قال المرأة التي جادلت في زوجها هي خولة بنت الصامت وأمها معاذة امة عبد الله بن أبي التي نزل فيها ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء وقوله بنت الصامت خطأ فان الصامت والد زوجها كما تقدم فلعله سقط منه شيء وتسمية أمها غريب وقد مضى ما يتعلق بالظهار في النكاح الحديث الثاني

[ 6952 ] قوله عن أبي عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي والسند كله بصريون وقد مضى شرح المتن في كتاب الدعوات وقوله أربعوا بفتح الموحدة أي أرفقوا بضم الفاء وحكى بن التين انه وقع في روايته بكسر الموحدة وانه في كتب أهل اللغة وبعض كتب الحديث بفتحها وقوله فانكم لا تدعون أصم الخ قال الكرماني لو جاءت الرواية لا تدعون أصم ولا اعمى لكان أظهر في المناسبة لكنه لما كان الغائب كالأعمى في عدم الرؤية نفى لازمه ليكون أبلغ وأشمل وزاد قريبا لأن البعيد وان كان ممن يسمع ويبصر لكنه لبعده قد لا يسمع ولا يبصر وليس المراد قرب المسافة لأنه منزه عن الحلول كما لا يخفى ومناسبة الغائب ظاهرة من أجل النهي عن رفع الصوت قال بن بطال في هذا الحديث نفى الآفة المانعة من السمع والآفة المانعة من النظر واثبات كونه سميعا بصيرا قريبا يستلزم ان لا تصح أضداد هذه الصفات عليه وقوله في آخره أو قال الاأدلك شك من الراوي هل قال يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة الا بالله فانها كنز من كنوز الجنة أو قال يا عبد الله بن قيس ألا أدلك وقوله بعد قوله ألا أدلك به أي ببقية الخبر وقد ذكره في الدعوات في باب الدعاء إذا علا عقبة فساق الحديث بهذا الإسناد بعينه وقال بعد قوله الاأدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة الا بالله الحديث الثالث حديث عبد الله بن عمرو ان أبا بكر يعني الصديق قال يا رسول الله علمني دعاء الحديث وقد تقدم في أواخر صفة الصلاة وفي الدعوات مع شرحه وبيان من جعله من رواية عبد الله بن عمرو عن أبي بكر الصديق فجعله من مسند أبي بكر وأشار بن بطال الى ان مناسبته للترجمة ان دعاء أبي بكر لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي ان الله سميع لدعائه ومجازيه عليه وقال غيره حديث أبي بكر ليس مطابقا للترجمة إذ ليس فيه ذكر صفتي السمع والبصر لكنه ذكر لازمهما من جهة ان فائدة الدعاء إجابة الداعي لمطلوبه فلولا أن سمعه سبحانه يتعلق بالسر كما يتعلق بالجهر لما حصلت فائدة الدعاء أو كان يقيده بمن يجهر بدعائه انتهى من كلام بن المنير ملخصا وقال الكرماني لما كان بعض الذنوب مما يسمع وبعضها مما يبصر لم تقع مغفرته الا بعد الاسماع والابصار تنبيه المشهور في الروايات ظلما كثيرا بالمثلثة ووقع هنا للقابسي بالموحدة الحديث الرابع حديث عائشة

[ 6954 ] قوله ان جبريل عليه السلام أتاني فقال ان الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك هكذا ذكر هذا القدر منه مقتصرا عليه وساقه بتمامه في بدء الخلق وتقدم شرحه هناك والمراد منه هنا قوله ان الله قد سمع وقوله ما ردوا عليك أي أجابوك ويحتمل ان يكون أراد ردهم ما دعاهم اليه من التوحيد بعدم قبولهم وقال الكرماني المقصود من هؤلاء الأحاديث اثبات صفتي السمع والبصر وهما صفتان قديمتان من الصفات الذاتية وعند حدوث المسموع والمبصر يقع التعلق واما المعتزلة فقالوا انه سميع يسمع كل مسموع وبصير يبصر كل مبصر فادعوا انهما صفتان حادثتان وظواهر الآيات والأحاديث ترد عليهم وبالله التوفيق

قوله باب قول الله تعالى قل هو القادر قال بن بطال القدرة من صفات الذات وقد تقدم في باب قوله تعالى اني انا الرزاق ان القوة والقدرة بمعنى واحد وتقدم نقل الأقوال في ذلك والبحث فيها قوله سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن أي بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان عبد الله كبير بني هاشم في وقته قال بن سعد كان من العباد وله عارضة وهيئة وقال مصعب الزبيدي ما كان علماء المدينة يكرمون أحدا ما يكرمونه ووثقه بن معين والنسائي وغيرهما وهو من صغار التابعين روى عن عم جده عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وله رواية عن أمه فاطمة بنت الحسين وعن غيرها ومات في حبس المنصور سنة ثلاث وأربعين ومائة وله خمس وسبعون سنة وليس له ذكر في البخاري الا في هذا الموضع وقد أفصح عبد الرحمن بن أبي الموالي بالواقع في حال تحمله ولم يتصرف فيه بأن يقول حدثني ولا أخبرني لكن أخرجه أبو داود من وجه آخر عنه فقال حدثني محمد بن المنكدر وعليه في ذلك اعتراض لأحتمال ان يكون محمد بن المنكدر لم يقصده بالتحديث وقد سلك في ذلك النسائي والبرقاني مسلك التحري فكان النسائي فيما سمعه في الحالة التي لم يقصده المحدث فيها بالتحديث لا يقول حدثنا ولا أخبرنا ولا سمعت بل يقول فلان قرأه عليه وانا اسمع وكان البرقاني يقول سمعت فلانا يقول وجوز الأكثر إطلاق التحديث والاخبار لكون المقصود بالتحديث من جنس من سمع ولو لم يكن مقصودا فيجوز ذلك عندهم لكن بصيغة الجمع فيقول حدثنا أي حدث قوما انا فيهم فسمعت ذلك منه حين حدث ولو لم يقصد بالتحديث وعلى هذا فيمتنع بالافراد بان يقول مثلا حدثني بل ويمتنع في الاصطلاح أيضا لأنه مخصوص بمن سمع وحده من لفظ الشيخ ومن ثم كان التعبير بالسماع أصرح الصيغ لكونه ادل على الواقع وقد تقدم حديث الباب في صلاة الليل وفي الدعوات من وجهين آخرين عن عبد الرحمن بن أبي الموالي ذكره في كل منهما بالعنعنة قال عن محمد بن المنكدر ولم يقل سمعت ولا حدثنا وكذا أخرجه الترمذي والنسائي وهو جائز لأنها صيغة محتملة فافادت هذه الرواية تعين أحد الاحتمالين وهو التصريح بسماعه ولهذا نزل فيه البخاري درجة لأنه عنده في الموضعين المذكورين بواسطة واحد عن عبد الرحمن وهنا وقع بينه وبين عبد الرحمن اثنان لكن سهل عليه النزول تحصيل فائدة الاطلاع على الواقع وفيها تصريح عبد الرحمن بالسماع في موضع العنعنة فاما من يخشى من الانقطاع الذي تحتمله العنعنة وقد وقع لي من رواية خالد بن مخلد عن عبد الرحمن قال سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن جابر أخرجه بن ماجة وخالد من شيوخ البخاري فيحتمل ان لا يكون سمع منه هذا الحديث مع انه لم يصرح بما صرحت به الرواية النازلة من تسمية المقصود بالتحديث وهو عبد الله بن الحسن وقوله

[ 6955 ] في الخبر واستقدرك بقدرتك الباء للاستعانة أو للقسم أو للاستعطاف ومعناه اطلب منك ان تجعل لي قدرة عي المطلوب وقوله فاقدره بضم الدال ويجوز كسرها أي نجزه لي ورضني بتشديد المعجمة أي اجعلني بذلك راضيا فلا أندم على طلبه ولا على وقوعه لأني لا اعلم عاقبته وان كنت حال طلبه راضيا به وقوله ويسميه بعينه في رواية خالد بن مخلد فيسميه ما كان من شيء يعني أي شيء كان وقوله ثم ليقل ظاهر في ان الدعاء المذكور يكون بعد الفراغ من الصلاة ويحتمل أن يكون الترتيب فيه بالنسبة لأذكار الصلاة ودعائها فيقوله بعد الفراغ وقبل السلام وقد تقدم سائر فوائده في كتاب الدعوات

قوله باب مقلب القلوب وقول الله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم قال الراغب تقليب الشيء تغييره من حال الى حال والتقليب التصرف وتقليب الله القلوب والبصائر صرفها من رأي الى رأي وقال الكرماني ما معناه كان يحتمل أن يكون المعنى بقوله مقلب أنه يجعل القلب قلبا لكن مظان استعماله تنشأ عنه ويستفاد منه أن اعراض القلب كالارادة وغيرها بخلق الله تعالى وهي من الصفات الفعلية ومرجعها الى القدرة

[ 6956 ] قوله حدثنا سعيد بن سليمان هو الواسطي نزيل بغداد يكنى أبا عثمان ويلقب سعدويه وكان أحد الحفاظ وابن المبارك هو عبد الله الامام المشهور وقد تقدم شرح حديث بن عمر المذكور في هذا الباب في كتاب الأيمان والنذور وكذا الآية ويستفاد منهما أن أعراض القلوب من إرادة وغيرها تقع بخلق الله تعالى وفيه حجة لمن أجاز تسمية الله تعالى بما ثبت في الخبر ولو لم يتواتر وجواز اشتقاق الاسم له تعالى من الفعل الثابت وقد تقدم البحث في ذلك عند ذكر الأسماء الحسنى من كتاب الدعوات ومعنى قوله ونقلب أفئدتهم نصرفها بما شئنا كما تقدم تقريره وقال المعتزلي معناه نطبع عليها فلا يؤمنون والطبع عندهم الترك فالمعنى على هذا نتركهم وما اختاروا لأنفسهم وليس هذا معنى التقليب في لغة العرب ولأن الله تمدح بالانفراد بذلك ولا مشاركة له فيه فلا يصح تفسير الطبع بالترك فالطبع عند أهل السنة خلق الكفر في قلب الكافر واستمراره عليه الى أن يموت فمعنى الحديث أن الله يتصرف في قلوب عباده بما شاء لا يمتنع عليه شيء منها ولا تفوته إرادة وقال البيضاوي في نسبة تقلب القلوب الى الله اشعار بأنه يتولى قلوب عباده ولا يكلها الى أحد من خلقه وفي دعائه صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك إشارة الى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء ورفع توهم من يتوهم أنهم يستثنون من ذلك وخص نفسه بالذكر اعلاما بأن نفسه الزكية إذا كانت مفتقرة الى أن تلجا الى الله سبحانه فافتقار غيرها ممن هو دونه أحق بذلك

قوله باب ان لله مائة اسم الا واحدة ذكر فيه حديث أبي هريرة أن لله تسعة وتسعين اسما وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات وبيان من رواه باللفظ المذكور في هذه الترجمة ووقع هنا في رواية الكشميهني مائة الا واحدا بالتذكير ومائة في الحديث بدل من

[ 6957 ] قوله تسعة وتسعين فعدل في الترجمة من البدل الى المبدل وهو فصيح ويستفاد منه زيادة توضيح ولأن ذكر العقد أعلى من ذكر الكسور وأول العقود العشرات وثانيها المائة فلما قاربت العدة أعطيت حكمها وجبر الكسر بقوله مائة ثم أريد التحقق في العدد فاستثنى ولو لم يستثن لكان استعمالا غريبا سائغا قوله قال بن عباس ذو الجلال العظمة في رواية الكشميهني العظيم وعلى الأول ففيه تفسير الجلال بالعظمة وعلى الثاني هو تفسير ذو الجلال قوله البر اللطيف هو تفسير بن عباس أيضا وقد تقدم الكلام عليه وبيان من وصله عنه في تفسير سورة الطور قوله اسما قيل معناه تسمية وحينئذ لا مفهوم لهذا العدد بل له أسماء كثيرة غير هذه قوله أحصيناه حفظناه تقدم الكلام عليه وعلى معنى الإحصاء وبيان الاختلاف فيه في كتاب الدعوات قال الأصيلي الإحصاء للاسماء العمل بها لا عدها وحفظها لأن ذلك قد يقع للكافر المنافق كما في حديث الخوارج يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وقال بن بطال الإحصاء يقع بالقول ويقع بالعمل فالذي بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها فيجب الإقرار بها والخضوع عندها وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيه كالرحيم والكريم والعفو ونحوها فيستحب للعبد ان يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها فبهذا يحصل الإحصاء العملي وأما الإحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها ولو شارك المؤمن غيره في العد والحفظ فان المؤمن يمتاز عنه بالإيمان والعمل بها وقال بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية ذكر نعيم بن حماد ان الجهمية قالوا ان أسماء الله مخلوقة لأن الاسم غير المسمى وادعوا أن الله كان ولا وجود لهذه الأسماء ثم خلقها ثم تسمى بها قال فقلنا لهم ان الله قال سبح اسم ربك الأعلى وقال ذلكم الله ربكم فاعبدوه فأخبر انه المعبود ودل كلامه على اسمه بما دل به على نفسه فمن زعم ان اسم الله مخلوق فقد زعم ان الله أمر نبيه ان يسبح مخلوقا ونقل عن إسحاق بن راهويه عن الجهمية ان جهما قال لو قلت ان لله تسعة وتسعين اسما لعبدت تسعة وتسعين الها قال فقلنا لهم ان الله أمر عباده ان يدعوه بأسمائه فقال ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والأسماء جمع أقله ثلاثة ولا فرق في الزيادة على الواحد بين الثلاثة وبين التسعة والتسعين

قوله باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها قال بن بطال مقصوده بهذه الترجمة تصحيح القول بان الاسم هو المسمى فلذلك صحت الاستعاذة بالاسم كما تصح بالذات واما شبهة القدرية التي أوردوها على تعدد الأسماء فالجواب عنها ان الاسم يطلق ويراد به المسمى كما قررناه ويطلق ويراد به التسمية وهو المراد بحديث الأسماء وذكر في الباب تسعة أحاديث كلها في التبرك باسم الله والسؤال به والاستعاذة الحديث الأول حديث أبي هريرة في القول عند النوم وقد تقدم شرحه مستوفى في الدعوات وفيه باسمك ربي وضعت جني وبك أرفعه قال بن بطال أضاف الوضع الى الاسم والرفع الى الذات فدل على ان المراد بالاسم الذات وبالذات يستعان في الرفع والوضع لا باللفظ

[ 6958 ] قوله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال الدارقطني في غرائب مالك بعد ان أخرجه من طرق الى عبد العزيز بن عبد الله وهو الأويسي شيخ البخاري فيه لا اعلم أحدا أسنده عن مالك الا الأويسي ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قوله فلينفضه بصنفة ثوبه الصنفة بفتح المهملة وكسر النون بعدها فاء طرته وقيل طرفه وقيل جانبه وقيل حاشيته التي فيها هدبه وقال في النهاية طرفه الذي يلي طرته قلت وتقدم في الدعوات بلفظ داخلة إزاره وتقدم هناك معناها فالأولى هنا أن يقال المراد طرفه الذي من الداخل جمعا بين الروايتين قوله ثلاث كرات هكذا زادها مالك في الروايتين الموصولة والمرسلة وتابعه عبد الله بن عمر بسكون الموحدة وقد فرق بينهما الدارقطني في روايته المذكورة عن الأويسي عنهما وحذف البخاري عبد الله بن عمر العمري لضعفه واقتصر على مالك وقد تقدم البحث في جواز حذف الضعيف والاقتصار على الثقة إذا اشتركا في الرواية في كتاب الاعتصام وصنيع البخاري يقتضي الجواز لكن لم يطرد له في ذلك عمل فإنه حذفه تارة كما هنا وأثبته أخرى لكن كني عنه بن فلان كما مضى التنبيه عليه هناك ويمكن الجمع بأنه حيث حذفه كان اللفظ الذي ساقه للذي اقتصر عليه بخلاف الآخر قوله فاغفر لها تقدم في الدعوات بلفظ فارحمها وجمع بينهما إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري أخرجه المخلص في أواخر الأول من فوائده قوله عقبة تابعة يحيى يريد بن سعيد القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري وسعيد هو المقبري وزهير هو بن معاوية وأبو ضمرة هو أنس بن عياض والمراد بإيراد هذه التعاليق بيان الاختلاف على سعيد المقبري هل روى الحديث عن أبي هريرة بلا واسطة أو بواسطة أبيه وقد تقدم بيان من وصلها كلها في كتاب الدعوات الحديث الثاني والثالث حديث حذيفة وأبي ذر في القول عند النوم أيضا وفيه اللهم باسمك أحيا واموت وقد تقدم شرحهما في الدعوات الحديث الرابع حديث بن عباس في القول عند الجماع وقد تقدم شرحه في كتاب النكاح وقوله

[ 6961 ] فإنه ان يقدر بينهما ولد المراد ان كان قدر لأن التقدير أزلي لكن عبر بصيغة المضارعة بالنسبة للتعلق الحديث الخامس حديث عدي في الصيد وقد تقدم شرحه في الذبائح الحديث السادس حديث عائشة في الأمر بالتسمية عند الأكل وقد تقدم في الذبائح أيضا وقوله

[ 6963 ] فيه تابعه محمد بن عبد الرحمن هو الطفاوي وعبد العزيز بن محمد هو الدراوردي وأسامة بن حفص هو المدني وتقدم في الذبائح بيان من وصلها وطريق الدراوردي وصلها محمد بن أبي عمر العدني في مسنده عنه وتقدم القول في هذا السند بأشبع من هذا وهناك تنبيهان أحدهما وقع قوله تابعه الخ هنا عقب حديث أبي هريرة المبدأ بذكره في هذا الباب عند كريمة والأصيلي وغيرهما والصواب ما وقع عند أبي ذر وغيره ان محل ذلك عقب حديث عائشة وهو سادس أحاديث الباب ثانيهما وقع في هذه الرواية أن هنا أقواما حديثا عهدهم بالشرك ياتونا كذا فيه بنون واحدة وهي لغة من يحذف النون مع الرفع وجوز الكرماني أن يكون بتجديد النون مراعاة للغة المشهورة لكن التجديد في مثل هذا قليل الحديث السابع حديث أنس في الأضحية بكبشين وفيه فسمي وكبر وقد تقدم شرحه في الأضاحي الحديث الثامن حديث جندب في منع الذبح في العيد قبل الصلاة وفيه

[ 6965 ] قوله فليذبح باسم الله وقد تقدم شرحه في الضحايا أيضا الحديث التاسع حديث بن عمر لا تحلفوا بآبآئكم تقدم شرحه في الإيمان والنذور قال نعيم بن حماد في الرد على الجهمية دلت هذه الأحاديث يعني الواردة في الاستعاذة بأسماء الله وكلماته والسؤال بها مثل أحاديث الباب وحديث عائشة وأبي سعيد باسم الله أرقيك وكلاهما عند مسلم وفي الباب عند عبادة وميمونة وأبي هريرة وغيرهم عند النسائي وغيره بأسانيد جياد على ان القرآن غير مخلوق إذ لو كان مخلوقا لم يستعذ بها إذ لا يستعاذ بمخلوق قال الله تعالى فاستعذ بالله وقال النبي صلى الله عليه وسلم وإذا استعذت فاستعذ بالله وقال الامام أحمد في كتاب السنة قالت الجهمية لمن قال ان الله لم يزل بأسمائه وصفاته قلتم بقول النصارى حيث جعلوا معه غيره فاجابوا بأنا نقول انه واحد بأسمائه وصفاته فلا نصف الا واحدا بصفاته كما قال تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا وصفه بالوحدة مع انه كان له لسان وعينان واذنان وسمع وبصر ولم يخرج بهذه الصفات عن كونه واحدا ولله المثل الأعلى

قوله باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله عز وجل أي ما يذكر في ذات الله ونعوته من تجويز إطلاق ذلك كأسمائه أو منعه لعدم ورود النص به فأما الذات فقال الراغب هي تأنيث ذو وهي كلمة يتوصل بها الى الوصف بأسماء الأجناس والانواع وتضاف الى الظاهر دون المضمر وتثنى وتجمع ولا يستعمل شيء منها الا مضافا وقد استعاروا لفظ الذات لعين الشيء واستعملوها مفردة ومضافة وأدخلوا عليها الألف واللام وأجروها مجزى النفس والخاصة وليس ذلك من كلام العرب انتهى وقال عياض ذات الشيء نفسه وحقيقته وقد استعمل أهل الكلام الذات بالألف واللام وغلطهم أكثر النحاة وجوزه بعضهم لأنها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشيء وجاء في الشعر لكنه شاذ واستعمال البخاري لها دال على ما تقدم من أن المراد بها نفس الشيء على طريقة المتكلمين في حق الله تعالى ففرق بين النعوت والذات وقال بن برهان إطلاق المتكلمين الذات في حق الله تعالى من جهلهم لأن الذات تأنيث ذو وهو جلت عظمته لا يصح له الحاق تاء التأنيث ولهذا امتنع ان يقال علامة وان كان اعلم العالمين قال وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضا لأن النسب الى ذات ذوي وقال التاج الكندي في الرد على الخطيب بن نباتة في قوله كنه ذاته ذات بمعنى صاحبة تأنيث ذو وليس لها في اللغة مدلول غير ذلك وإطلاق المتكلمين وغيرهم الذات بمعنى النفس خطأ عند المحققين وتعقب بأن الممتنع استعماله بمعنى صاحبه اما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت بمعنى الاسمية فلا محذور لقوله تعالى انه عليم بذات الصدور أي بنفس الصدور وقد حكى المطرزي كل ذات شيء وليس كل شيء ذات وأنشد أبو الحسين بن فارس فنعم بن عم القوم في ذات ماله إذا كان بعض القوم في ماله وفر ويحتمل ان تكون ذات هنا مقحمة كما في قولهم ذات ليلة وقد ذكرت ما فيه في كتاب العلم في باب العظة بالليل وقال النووي في تهذيبه واما قولهم أي الفقهاء في باب الإيمان فان حلف بصفة من صفات الذات وقول المهذب اللون كالسواد والبياض اعراض تحل الذات فمرادهم بالذات الحقيقة وهو اصطلاح المتكلمين وقد أنكره بعض الأدباء وقال لا يعرف في لغة العرب ذات بمعنى حقيقة قال وهذا الإنكار منكر فقد قال الواحدي في قوله تعالى فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم قال ثعلب أي الحالة التي بينكم فالتأنيث عنده للحالة وقال الزجاج معنى ذات حقيقة والمراد بالبين الوصل فالتقدير فأصلحوا حقيقة وصلكم قال فذات عنده بمعنى النفس وقال غيره ذات هنا كناية عن المنازعة فامروا بالموافقة وتقدم في اواخر النفقات شيء آخر في معنى ذات يده واما النعوت فإنها جمع نعت وهي الوصف يقال نعت فلان نعتا مثل وصفه وصفا وزنه ومعناه وقد تقدم البحث في إطلاق الصفة في أوائل كتاب التوحيد واما الأسامي فهي جمع اسم وتجمع أيضا على أسماء قال بن بطال أسماء الله تعالى على ثلاثة أضرب أحدها يرجع الى ذاته وهو الله والثاني يرجع الى صفة قائمة به كالحي والثالث يرجع الى فعله كالخالق وطريق إثباتها السمع والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل ان صفات الذات قائمة به وصفات الفعل ثابتة له بالقدرة ووجود المفعول بإرادته جل وعلا قوله وقال خبيب بالمعجمة والموحدة مصغر هو بن عدي الأنصاري قوله وذلك في ذات الإله يشير الى البيت المذكور في الحديث المساق في الباب وقد تقدم شرحه مستوفى في المغازي وتقدم في كتاب الجهاد في باب هل يستأسر الرجل قوله فذكر الذات باسمه تعالى أي ذكر الذات متلبسا باسم الله أو ذكر حقيقة الله بلفظ الذات قال الكرماني قلت وظاهر لفظه ان مراده أضاف لفظ الذات الى اسم الله تعالى وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره فكان جائزا وقال الكرماني قيل ليس فيه يعني قوله ذات الإله دلالة على الترجمة لأنه لم يرد بالذات الحقيقة التي هي مراد البخاري وانما مراده وذلك في طاعة الله أو في سبيل الله وقد يجاب بأن غرضه جواز إطلاق الذات في الجملة انتهى والاعتراض أقوى من الجواب وأصل الاعتراض للشيخ تقي الدين السبكي فيما أخبرني به عنه شيخنا أبو الفضل الحافظ وقد ترجم البيهقي في الأسماء والصفات ما جاء في الذات وأورد حديث أبي هريرة المتفق عليه في ذكر إبراهيم عليه السلام الا ثلاث كذبات اثنتين في ذات الله وتقدم شرحه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وحديث أبي هريرة المذكور في الباب وحديث بن عباس تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله موقوف وسنده جيد وحديث أبي الدرداء لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ورجاله ثقات الا انه منقطع ولفظ ذات في الأحاديث المذكورة بمعنى من اجل أو بمعنى حق ومثله قول حسان وان أخا الأحقاف إذا قام فيهم يجاهد في ذات الإله ويعدل وهي كقوله تعالى حكاية عن قول القائل يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله فالذي يظهر ان المراد جواز إطلاق لفظ ذات لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلمون ولكنه غير مردود إذا عرف ان المراد به النفس لثبوت لفظ النفس في الكتاب العزيز ولهذه النكتة عقب المصنف بترجمة النفس وسيأتي في باب الوجه انه ورد بمعنى الرضا وقال بن دقيق العيد في العقيدة تقول في الصفات المشكلة انها حق وصدق على المعنى الذي اراده الله ومن تأولها نظرنا فان كان تاويله قريبا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه وان كان بعيدا توقفنا عنه ورجعنا الى التصديق مع التنزيه وما كان منها معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب حملناه عليه لقوله على ما فرطت في جنب الله فان المراد به في استعمالهم الشائع حق الله فلا يتوقف في حمله عليه وكذا قوله ان قلب بن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن فأن المراد به إرادة قلب بن آدم مصرفة بقدرة الله وما يوقعه فيه وكذا قوله تعالى فأتى الله بنيانهم من القواعد معناه خرب الله بنيانهم وقوله انما نطعمكم لوجه الله معناه لأجل الله وقس على ذلك وهو تفصيل بالغ قل من تيقظ له وقال غيره اتفق المحققون على ان حقيقة الله مخالفة لسائر الحقائق وذهب بعض أهل الكلام الى انها من حيث انها ذات مساوية لسائر الذوات وانما تمتاز عنها بالصفات التي تختص بها كوجوب الوجود والقدرة التامة والعلم التام وتعقب بأن الأشياء المتساوية في تمام الحقيقة يجب ان يصح على كل واحد منها ما يصح على الاخر فيلزم من دعوى التساوي المحال وبان أصل ما ذكروه قياس الغائب على الشاهد وهو أصل كل خبط والصواب الإمساك عن أمثال هذه المباحث والتفويض الى الله في جميعها والاكتفاء بالإيمان بكل ما أوجب الله في كتابه أو على لسان نبيه إثباته له أو تنزيهه عنه على طريق الإجمال وبالله التوفيق ولو لم يمكن في ترجيح التفويض على التأويل الا ان صاحب التأويل ليس جازما بتأويله بخلاف صاحب التفويض

قوله باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه وقول الله تعالى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك قال الراغب نفسه ذاته هذا وان كان يقتضي المغايرة من حيث أنه مضاف ومضاف اليه فلا شيء من حيث المعنى سوى واحد سبحانه وتعالى عن الاثنينية من كل وجه وقيل ان إضافة النفس هنا إضافة ملك والمراد بالنفس نفوس عباده انتهى ملخصا ولا يخفى بعد الأخير وتكلفه وترجم البيهقي في الأسماء والصفات النفس وذكر هاتين الآيتين وقوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة وقوله تعالى واصطنعتك لنفسي ومن الأحاديث الحديث الذي فيه أنت كما أثنيت على نفسك والحديث الذي فيه اني حرمت الظلم على نفسي وهما في صحيح مسلم قلت وفيه أيضا الحديث الذي فيه سبحان الله رضا نفسه ثم قال والنفس في كلام العرب على أوجه منها الحقيقة كما يقولون في نفس الأمر وليس للأمر نفس منفوسه ومنها الذات قال وقد قيل في قوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك أن معناه تعلم ما أكنه وما أسره ولا أعلم ما تسره عني وقيل ذكر النفس هنا للمقابلة والمشاكلة وتعقب بالآية التي في أول الباب فليس فيها مقابلة وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله تعالى ويحذركم الله نفسه أي إياه وحكى صاحب المطالع في قوله تعالى ولا أعلم ما في نفسك ثلاثة أقوال أحدها لا أعلم ذاتك ثانيها لا أعلم ما في غيبك ثالثا لا أعلم ما عندك وهو بمعنى قول غيره لا أعلم معلومك أو ارادتك أو سرك أو ما يكون منك ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث عبد الله وهو بن مسعود ما من أحد أغير من الله وفيه وما أحد أحب اليه المدح من الله كذا وقع هنا مختصرا وتقدم في تفسير سورة الأنعام من طريق أبي وائل وهو شقيق بن سلمة المذكور هنا أتم منه وهذا الحديث مداره في الصحيحين على أبي وائل وأخرجه مسلم فس رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن بن مسعود نحوه وزاد فيه ولا أحد أحب اليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل وهذه الزيادة عند المصنف في حديث المغيرة الآتي في باب لا شخص أغير من الله قال بن بطال في هذه الآيات والأحاديث اثبات النفس لله وللنفس معان والمراد بنفس الله ذاته وليس بأمر مزيد عليه فوجب ان يكون هو واما

[ 6968 ] قوله أغير من الله فسبق الكلام عليه في كتاب الكسوف وقيل غيره الله كراهة اتيان الفواحش أي عدم رضاه بها لا التقدير وقيل الغضب لازم الغيرة ولازم الغضب إرادة إيصال العقوبة وقال الكرماني ليس في حديث بن مسعود هذا ذكر النفس ولعله أقام استعمال أحد مقام النفس لتلازمهما في صحة استعمال كل واحد منهما مقام الآخر ثم قال والظاهر ان هذا الحديث كان قبل هذا الباب فنقله الناسخ الى هذا الباب انتهى وكل هذا غفلة عن مراد البخاري فان ذكر النفس ثابت في هذا الحديث الذي أورده وان كان لم يقع في هذه الطريق لكنه أشار الى ذلك كعادته فقد أورده في تفسير سورة الأنعام بلفظ لا شيء وفي تفسير سورة الأعراف بلفظ ولا أحد ثم اتفقا على احب اليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه وهذا القدر هو المطابق للترجمة وقد كثر منه ان يترجم ببعض ما ورد في طرق الحديث الذي يورده ولو لم يكن ذلك القدر موجودا في تلك الترجمة وقد سبق الكرماني الى نحو ذلك بن المنير فقال ترجم على ذكر النفس في حق الباري وليس في الحديث الأول للنفس ذكر فوجه مطابقته انه صدر الكلام بأحد واحد الواقع في النفي عبارة عن النفس على وجه مخصوص بخلاف أحد الواقع في قوله تعالى قل هو الله أحد انتهى وخفي عليه ما خفي على الكرماني مع انه تفطن لمثل ذلك في بعض المواضع ثم قال بن المنير قول القائل ما في الدار أحد لا يفهم منه الا نفي الأناسي ولهذا كان قولهم ما في الدار أحد الا زيدا استثناء من الجنس ومقتضى الحديث إطلاقه على الله لأنه لولا صحة الإطلاق ما انتظم الكلام كما ينتظم ما أحد اعلم من زيد فان زيدا من الأحدين بخلاف ما أحد أحسن من ثوبي فإنه ليس منتظما لأن الثوب ليس من الأحدين الحديث الثاني

[ 6969 ] قوله كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه كذا لأبي ذر وسقطت الواو لغيره وعلى الأول فالجملة حالية وعلى الثاني فيكتب على نفسه بيان لقوله كتب والمكتوب هو قوله ان رحمتي الخ وقوله وهو أي المكتوب وضع بفتح فسكون أي موضوع ووقع كذلك في الجمع للحميدي بلفظ موضوع وهي رواية الإسماعيلي فيما أخرجه من وجه آخر عن أبي حمزة المذكور في السند وهو بالمهملة والزاي واسمه محمد بن ميمون السكري وحكى عياض عن رواية أبي ذر وضع بالفتح على انه فعل ماض مبني للفاعل ورأيته في نسخة معتمدة بكسر الضاد مع التنوين وقد مضى شرح هذا الحديث في أوائل بدء الخلق ويأتي شيء من الكلام عليه في باب وكان عرشه على الماء وفي باب بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ أواخر الكتاب ان شاء الله تعالى واما قوله عنده فقال بن بطال عند في اللغة للمكان والله منزه عن الحلول في المواضع لأن الحلول عرض يفنى وهو حادث والحادث لا يليق بالله فعلى هذا قيل معناه انه سبق علمه باثابة من يعمل بطاعته وعقوبة من يعمل بمعصيته ويؤيده قوله في الحديث الذي بعده انا عند ظن عبدي بي ولا مكان هناك قطعا وقال الراغب عند لفظ موضوع للقرب ويستعمل في المكان وهو الأصل ويستعمل في الاعتقاد تقول عندي في كذا كذا أي اعتقده ويستعمل في المرتبة ومنه أحياء عند ربهم واما قوله ان كان هذا هو الحق من عندك فمعناه من حكمك وقال بن التين معنى العندية في هذا الحديث العلم بأنه موضوع على العرش وأما كتبه فليس للاستعانة لئلا ينساه فإنه منزه عن ذلك لا يخفى عنه شيء وانما كتبه من أجل الملائكة الموكلين بالمكلفين الحديث الثالث

[ 6970 ] قوله يقول الله تعالى انا عند ظن عبي بي أي قادر على ان اعمل به ما ظن أني عامل به وقال الكرماني وفي السياق إشارة الى ترجيح جانب الرجاء على الخوف وكأنه اخذه من جهة التسوية فان العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل الى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل الى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله وهو عند مسلم من حديث جابر وأما قبل ذلك ففي الأول أقوال ثالثها الاعتدال وقال بن أبي جمرة المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله وظنوا ان لا ملجا من الله الا اليه وقال القرطبي في المفهم قيل معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده قال ويؤيده قوله في الحديث الآخر ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة قال ولذلك ينبغي للمرء ان يجتهد في القيام بما عليه موقنا بان الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فان اعتقد أو ظن ان الله لا يقبلها وانها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر ومن مات على ذلك وكل الى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور فليظن بي عبدي ما شاء قال واما ظن المغفرة مع الاصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر الى مذهب المرجئة قوله وأنا معه إذا ذكرني أي بعلمي وهو كقوله انني معكما أسمع وأرى والمعية المذكورة أخص من المعية التي في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم الى قوله الا هو معهم اينما كانوا وقال بن أبي جمرة معناه فانا معه حسب ما قصد من ذكره لي قال ثم يحتمل ان يكون الذكر باللسان فقط أو بالقلب فقط أو بهما أو بامتثال الأمر واجتناب النهي قال والذي يدل عليه الاخبار ان الذكر على نوعين أحدهما مقطوع لصاحبه بما تضمنه هذا الخبر والثاني على خطر قال والأول يستفاد من قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره والثاني من الحديث الذي فيه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله الا بعدا لكن ان كان في حال المعصية يذكر الله بخوف ووجل مما هو فيه يرجى له قوله فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي أي ان ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرته بالثواب والرحمة سرا وقال بن أبي جمرة يحتمل ان يكون مثل قوله تعالى اذكروني أذكركم ومعناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالانعام وقال تعالى ولذكر الله أكبر أي أكبر العبادات فمن ذكره وهو خائف آمنه أو مستوحش آنسه قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب قوله وان ذكرني في ملأ بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة ذكرته في ملأ خير منهم قال بعض أهل العلم يستفاد منه ان الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير ان ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وان ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى وقال بن بطال هذا نص في ان الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى ذلك شواهد من القرآن مثل الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة ان صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس والذين ذهبوا الى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة وقليل من أهل السنة من أهل التصوف وبعض أهل الظاهر فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا حقيقة الملك أفضل من حقيقة الإنسان لأنها نورانية وخيرة ولطيفة مع سعة العلم والقوة وصفاء الجوهر وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء ومنهم من فضلهم على النبياء أيضا الا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أدلة تفضيل النبي على الملك أن الله أمر الملائة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس أرأيتك هذا الذي كرمت علي ومنها قوله تعالى لما خلقت بيدي لما فيه من الإشارة الى العناية به ولم يثبت ذلك للملائكة ومنها قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ومنها قوله تعالى وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض فدخل في عمومه الملائكة والمسخر له أفضل من المسخر ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة وطاعة البشر غالبا مع المجاهدة للنفس لما طبعت عليه من الشهوة والحرص والهوى والغضب فكانت عبادتهم أشق وأيضا فطاعة الملائكة بالأمر الوارد عليهم وطاعة البشر بالنص تارة وبالاجتهاد تارة والاستنباط تارة فكانت أشق ولأن الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين والقاء الشبه والإغواء الجائزة على البشر ولأن الملائكة تشاهد حقائق الملكوت والبشر لا يعرفون ذلك الا بالاعلام فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب وحركة الأفلاك الا الثابت على دينه ولا يتم ذلك الا بمشقة شديدة ومجاهدات كثيرة واما أدلة الآخرين فقد قيل ان حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه في ملأ خير منهم والمراد بهم الملائكة حتى قال بعض الغلاة في ذلك وكم من ذاكر لله في ملأ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملأ خير منهم وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبر المذكور ليس نصا ولا صريحا في المراد بل يطرقه احتمال ان يكون المراد بالملأ الذين هم خير من الملأ الذاكر الأنبياء والشهداء فانهم أحياء عند ربهم فلم ينحصر ذلك في الملائكة وأجاب آخر وهو أقوى من الأول بأن الخيرية انما حصلت بالذاكر والملأ معا فالجانب الذي فيه رب العزة خيرا من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا الجواب ظهر لي وظننت انه مبتكر ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى فقال ان الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه قوابل ذكر الاعبد في الملأ بذكره في الملأ فانما صار الذكر في الملأ الثاني خيرا من الذكر الأول لأن الله هو الذاكر فيهم والملأ الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملأ الذين يذكرون وليس الله فيهم ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائة في الذكر في قوله تعالى من كان عدوا لله وملائكته ورسله شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى كالتقديم بالزمان في مثل قوله ومنك ومن نوح وإبراهيم فقدم نوحا على إبراهيم لتقدم زمان نوح مع أن إبراهيم أفضل ومنها قوله تعالى لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون وبالغ الزمخشري فادعى ان دلالتها لهذا المطلوب قطعية بالنسبة لعلم المعاني فقال في قوله تعالى ولا الملائكة المقربون أي ولا من هو أعلى قدرا من المسيح وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل واسرافيل قال ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حيث أن الكلام انما سيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح فقيل لهم لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع درجة منه انتهى ملخصا وأجيب بأن الترقي لا يستلزم التفضيل المتنازع فيه وانما هو بحسب المقام وذلك ان كلا من الملائكة والمسيح عبد من دون الله فرد عليهم بأن المسيح الذي تشاهدونه لم يتكبر عن عبادة الله وكذلك من غاب عنكم من الملائكة لا يتكبر والنفوس لما غاب عنها أهيب ممن تشاهده ولأن الصفات التي عبدوا المسيح لأجلها من الزهد في الدنيا والاطلاع على المغيبات واحياء الموتى بإذن الله موجودة في الملائكة فان كانت توجب عبادته فهي موجبة لعبادتهم بطريق الأولى وهم مع ذلك لا يستنكفون عن عبادة اله تعالى ولا يلزم من هذا الترقي ثبوت الأفضلية المتنازع فيها وقال البيضاوي احتج بهذا العطف من زعم ان الملائكة أفضل من الأنبياء وقال هي مساقة للرد على النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضي ان يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه وجوابه أن الآية سيقت للرد على عبدة المسيح والملائكة فاريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل كقول القائل أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش بل من هو أعلى رتبة منهم على المسيح وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا وقال الطيبي لا تتم لهم الدلالة الا ان سلم أن الآية سيقت للرد على النصارى فقط فيصح لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع منه والذي يدعي ذلك يحتاج الى اثبات ان النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح وهم لا يعتقدون ذلك بل يعتقدون فيه الإلهية فلا يتم استدلال من استدل به قال وسياقه الآية من أسلوب التتميم والمبالغة لا للترقي وذلك انه قدم قوله انما الله اله واحد الى قوله وكيلا فقرر الوحدانية والمالكية والقدرة التامة ثم اتبعه بعدم الاستنكاف فالتقدير لا يستحق من اتصف بذلك ان يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى الها لاعتقادكم فيه الكمال ولا الملائكة الذين اتخذها غيركم الهة لاعتقادهم فيهم الكمال قلت وقد ذكر ذلك البغوي ملخصا ولفظه لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام عيسى بل ردا على الذين يدعون ان الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث ومنها قوله تعالى قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم اني ملك فنفى ان يكون ملكا فدل على انهم أفضل وتعقب بأنه انما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن وعلم الغيب وان يكون بصفة الملك من ترك الأكل والشرك والجماع وهو من نمط انكارهم ان يرسل الله بشرا مثلهم فنفى عنه أنه ملك ولا يستلزم ذلك التفضيل ومنها انه سبحانه لما وصف جبريل ومحمدا قال في جبريل انه لقول رسول كريم وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم وما صاحبكم بمجنون بون الوصفين دون بعيد وتعقب بأن ذلك انما سيق للرد على من زعم ان الذي يأتيه شيطان فكان وصف جبريل بذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم قي غير هذا المضع بمثل ما وصف به جبريل هنا وأعظم منه وقد أفرط الزمخشري في سوء الأدب هنا وقال كلاما يستلزم تنقيص المقام المحمدي وبالغ الأئمة في الرد عليه في ذلك وهو من زلاته الشنيعة قوله وان تقرب الي شبرا في رواية المستملي والسرخسي بشبر بزيادة موحدة في أوله وسيأتي شرحه في اواخر كتاب التوحيد في باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه

قوله باب قول الله عز وجل كل شيء هالك الا وجهه ذكر فيه حديث جابر في نزول قوله تعالى

[ 6971 ] قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا الآية وقد تقدم شرحه في تفسير سورة الأنعام وقوله في آخره هذا أيسر في رواية بن السكن هذه وسقك لفظ الإشارة من رواية الأصيلي والمراد منه قوله فيه أعوذ بوجهك قال بن بطال في هذه الآية والحديث دلالة على ان لله وجها وهو من صفة ذاته وليس بجارحة ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين كما نقول انه عالم ولا نقول انه كالعلماء الذين نشاهدهم وقال غيره دلت الآية على ان المراد بالترجمة الذات المقدسة ولو كانت صفة من صفات الفعل لشملها الهلاك كما شمل غيرها من الصفات وهو محال وقال الراغب أصل الوجه الجارحة المعروفة ولما كان الوجه أول ما يستقبل وهو أشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كل شيء وفي مبدئه وفي اشراقه فقيل وجه النار وقيل وجه كذا أي ظاهره وربما اطلق الوجه على الذات كقولهم كرم الله وجهه وكذا قوله تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقوله كل شيء هالك الا وجهه وقيل ان لفظ الوجه صلة والمعنى كل شيء هالك الا هو وكذا ويبقى وجه ربك وقيل المراد بالوجه القصد أي يبقى ما أريد به وجهه قلت وهذا الأخير نقل عن سفيان وغيره وقد تقدم ما ورد فيه في أول تفسير سورة القصص وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد أو الوجه الذي لا كالوجوه لاستحالة حمله على العضو المعروف فتعين التأويل أو التفويض وقال البيهقي تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة وهو في بعضها صفة ذات كقوله الا رداء الكبرياء على وجهه وهو ما في صحيح البخاري عن أبي موسى وفي بعضها بمعنى من أجل كقوله انما نطعمكم لوجه الله وفي بعضها بمعنى الرضا كقوله يريدون وجهه الا ابتغاء وجه ربه الأعلى وليس المراد الجارحة جزما والله اعلم

قوله باب قول الله تعالى ولتصنع على عيني تغذي كذا وقع في رواية المستملي والأصيلي بضم التاء وفتح الغين المعجمة بعدها معجمة ثقيلة من التغذية ووقع في نسخة الصغاني بالدال المهملة وليس بفتح أوله على حذف إحدى التاءين فإنه تفسير تصنع وقد تقدم في تفسير سورة طه قال بن التين هذا التفسير لقتادة ويقال صنعت الفرس إذا أحسنت القيام عليه قوله وقوله تعالى تجري بأعيننا أي بعلمنا وذكر فيه حديثي بن عمر ثم أنس في ذكر الدجال وقد تقدما مشروحين في كتاب الفتن وفيهما ان الله ليس بأعور وقوله

[ 6972 ] هنا وأشار بيده الى عينه كذا للأكثر عن موسى بن إسماعيل عن جويرية وذكره أبو مسعود في الأطراف عن مسدد بدل الموسى والأول هو الصواب وقد أخرجه عثمان الدارمي في كتاب الرد على بشر المرسي عن موسى بن إسماعيل مثله ورواه عبد الله بن محمد بن أسماء عن عمه جويرية بدون الزيادة التي في آخره أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عنه وأخرجه الإسماعيلي عنهما قال الراغب العين الجارحة ويقال للحافظ للشيء المراعي له عين ومنه فلان بعيني أي أحفظه ومنه قوله تعالى واصنع الفلك بأعيننا أي نحن نراك ونحفظك ومثله تجري بأعيننا وقوله ولتصنع على عيني أي بحفظي قال وتستعار العين لمعان أخرى كثيرة وقال بن بطال احتجت المجسمة بهذا الحديث وقالوا في قوله وأشار بيده الى عينه دلالة على ان عينه كسائر الأعين وتعقب باستحالة الجسمية عليه لأن الجسم حادث وهو قديم فدل على ان المراد نفي النقص عنه انتهى وقد تقدم شيء من هذا في باب قوله تعالى وكان الله سميعا بصيرا وقال البيهقي منهم من قال العين صفة ذات كما تقدم في الوجه ومنه من قال المراد بالعين الرؤية فعلى هذا فقوله ولتصنع على عيني أي لتكون بمرأى مني وكذا قوله واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا أي بمرأى منا والنون للتعظيم ومال الى ترجيح الأول لأنه مذهب السلف ويتأيد بما وقع في الحديث وأشار بيده فان فيه إيماء الى الرد على من يقول معناها القدرة صرح بذلك قول من قال انها صفة ذات وقال بن المنير وجه الاستدلال على اثبات العين لله من حديث الدجال من قوله ان الله ليس بأعور من جهة أن العور عرفا عدم العين وضد العور ثبوت العين فلما نزعت هذه النقيصة لزم ثبوت الكمال بضدها وهو وجود العين وهو على سبيل التمثيل والتقريب للفهم لا على معنى اثبات الجارحة قال ولأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال أحدها انها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدي إليها العقل والثاني ان العين كناية عن صفة البصر واليد كناية عن صفة القدرة والوجه كناية عن صفة الوجود والثالث امرارها على ما جاءت مفوضا معناها الى الله تعالى وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب العقيدة له أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل إذ لولا أخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل ان يحوم حول ذلك الحمى قال الطيبي هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح وقال غيره لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ولا المنع من ذكره ومن المحال ان يأمر الله نبيه بتبليغ ما أنزل اليه من ربه وينزل عليه اليوم أكملت لكم دينكم ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته اليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه بقوله ليبلغ الشاهد الغائب حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وصفاته وما فعل بحضرته فدل على انهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله منها ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات وقوله تعالى ليس كمثله شيء فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق وقد سئلت هل يجوز لقاريء هذا الحديث ان يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجبت وبالله التوفيق انه ان حضر عنده من يوافقه على معتقده وكان يعتقد تنزيه الله تعالى عن صفات الحدوث وأراد التأسي محضا جاز والأولى به الترك خشية ان يدخل على من يراه شبهة التشبيه تعالى الله عن ذلك ولم أر في كلام أحد من الشراح في حمل هذا الحديث على معنى خطر لي فيه اثبات التنزيه وحسم مادة التشبيه عنه وهو ان الإشارة الى عينه صلى الله عليه وسلم انما هي بالنسبة الي عين الدجال فانها كانت صحيحة مثل هذه ثم طرأ عليها العور لزيادة كذبه في دعوى الإلهية وهو انه كان صحيح العين مثل هذه فطرأ عليها النقص ولم يستطع دفع ذلك عن نفسه

قوله باب قول الله تعالى هو الخالق البارىء المصور كذا للأكثر والتلاوة هو الله الخالق الخ وثبت كذلك في بعض النسخ من رواية كريمة قال الطيبي قيل ان الألفاظ الثلاثة مترادفة وهو وهم فان الخالق من الخلق واصله التقدير المستقيم ويطلق على الابداع وهو ايجاد الشيء على غير مثال كقوله تعالى خلق السماوات والأرض على التكوين كقوله تعالى خلق الإنسان من نطفة والبارىء من البرء وأصله خلوص الشيء عن غيره اما على سبيل التقصي منه وعليه قولهم برأ فلان من مرضه والمديون من دينه ومنه استبرأت الجارية واما على سبيل الإنشاء ومنه برأ الله النسمة وقيل البارىء الخالق البريء من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام والمصور مبدع صور المخترعات ومرتبها بحسب مقتضى الحكمة فالله خالق كل شيء بمعنى انه موجده من أصل ومن غير أصل وبارئه بحسب ما اقتضته الحكمة من غير تفاوت ولا اختلال ومصوره في صورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله والثلاثة من صفات الفعل الا إذا أريد بالخالق المقدر فيكون من صفات الذات لأن مرجع التقدير الى الإرادة وعلى هذا فالتقدير يقع أولا ثم الاحداث على الوجه المقدر يقع ثانيا ثم التصوير بالتسوية يقع ثالثا انتهى وقال الحليمي الخالق معناه الذي جعل المبدعات أصنافا وجعل لكل صنف منها قدرا والبارىء معناه الموجد لما كان في معلومه واليه الإشارة بقوله من قبل أن نبرأها قال ويحتمل ان المراد به قالب الأعيان لأنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء ثم خلق منها الأجسام المختلفة والمصور معناه المهيء للأشياء على ما أراده من تشابه وتخالف وقال الراغب ليس الخلق بمعنى الابداع الا لله والى ذلك أشار الى بقوله تعالى أفمن يخلق كمن لا يخلق واما الذي يوجد بالاستحالة فقد وقع لغيره بتقديره سبحانه وتعالى مثل قوله لعيسى وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني والخلق في حق غير الله يقع بمعنى التقدير وبمعنى الكذب والبارىء أخص بوصف الله تعالى والبرية الخلق قيل أصله الهمز فهو من برأ وقيل أصله البري من بريت العود وقيل البرية من البري بالقصر وهو التراب فيحتمل ان يكون معناه موجد الخلق من البري وهو التراب والمصور معناه المهيء قال تعالى يصوركم في الأرحام كيف يشاء والصورة في الأصل ما يتميز به الشيء عن غيره ومنه محسوس كصورة الإنسان والفرس ومنه معقول كالذي اختص به الإنسان من العقل والروية والى كل منهما الإشارة بقوله تعالى خلقناكم ثم صورناكم وصوركم فأحسن صوركم هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء

[ 6974 ] قوله حدثنا إسحاق قال أبو علي الجياني هو بن منصور قلت ويؤيد ذلك وان كان قد يظن انه بن راهويه لكونه أيضا روى عن عفان ان بن راهويه لا يقول الا أخبرنا هنا ثبت في النسخ حدثنا فتأيد انه بن منصور وقد تقدم شرح حديث بن سعيد المذكور هنا في العزل في كتاب النكاح مستوفي قوله وقال مجاهد عن قزعة هو بن يحيى وهو من رواية الأقران لأن مجاهدا وهو بن جبر المفسر المشهور المكي في طبقة قزعة قوله سألت أبا سعيد فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وقع هنا بحذف المسئول عنه ووقع لغير أبي ذر سمعت بدل سألت وقد وصله مسلم وأصحاب السنن الثلاثة من رواية سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولم يفعل ذلك أحدكم ولم يقل فلا يفعل ذلك ثم ذكر بقية الحديث وهو القدر المذكور منه هنا قال بن بطال الخالق في هذا الباب يراد به المبدع المنشىء لأعيان المخلوقين وهو معنى لا يشارك الله فيه أحد قال ولم يزل الله مسميا نفسه خالقا على معنى انه سيخلق لاستحالة قدم الخلق وقال الكرماني معنى قوله في الحديث الا وهي مخلوقة أي مقدرة الخلق أو معلومة الخلق عند الله لا بد من ابرازها الى الوجود والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب

قوله باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي قال بن بطال في هذه الآية اثبات يدين لله وهما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين خلافا للمشبهة من المثبتة وللجهمية من المعطلة ويكفي في الرد على من زعم انهما بمعنى القدرة انهم اجمعوا على ان له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة له في قول النفاة لأنهم يقولون انه قادر لذاته ويدل على ان اليدين ليستا بمعنى القدرة ان في قوله تعالى لإبليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي إشارة الى المعنى الذي أوجب السجود فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وابليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهي قدرته ولقال إبليس وأي فضيلة له علي وانا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك فلما قال خلقتني من نار وخلقته من طين دل على اختصاص آدم بان الله خلقه بيديه قال ولا جائز ان يراد باليدين النعمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق لأن النعم مخلوقة ولا يلزم من كونهما صفتي ذات ان يكونا جارحتين وقال بن التين قوله وبيده الأخرى الميزان يدفع تأويل اليد هنا بالقدرة وكذا قوله في حديث بن عباس رفعه أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين الحديث وقال بن فورك قيل اليد بمعنى الذات وهذا يستقيم في مثل قوله تعالى مما عملت أيدينا بخلاف قوله لما خلقت بيدي فإنه سيق للرد على إبليس فلو حمل على الذات لما اتجه الرد وقال غيره هذا يساق مساق التمثيل للتقريب لأنه عهد ان من اعتنى بشيء واهتم به باشره بيديه فيستفاد من ذلك ان العناية بخلق آدم كانت أتم من العناية بخلق غيره واليد في اللغة تطلق لمعان كثيرة اجتمع لنا منها خمسة وعشرون معنى ما بين حقيقة ومجاز الأول الجارحة الثاني القوة نحو داود ذا الأيد الثالث الملك أن الفضل بيد الله الرابع العهد يد الله فوق أيديهم ومنه قوله هذي يدي لك بالوفاء الخامس الاستسلام والانقياد قال الشاعر أطاع يدا بالقول فهو ذلول السادس النعمة قال وكم لظلام الليل عندي من يد السابع الملك قل ان الفضل بيد الله الثامن الذل حتى يعطوا الجزية عن يد التاسع أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح العاشر السلطان الحادي عشر الطاعة الثاني عشر الجماعة الثالث عشر الطريق يقال اخذتهم يد الساحل الرابع عشر التفرق تفرقوا أيدي سبأ الخامس عشر الحفظ السادس عشر يد القوس أعلاها السابع عشر يد السيف مقبضه الثامن عشر يد الرحى عود القابض التاسع عشر جناح الطائر العشرون المدة يقال لا ألقاه يد الدهر الحادي والعشرون الابتداء يقال لقيته أول ذات يدي وأعطاه عن ظهر يد الثاني والعشرون يد الثوب ما فضل منه الثالث والعشرون يد الشيء أمامه الرابع والعشرون الطاقة الخامس والعشرون النقد نحو بعته يدا بيد ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث للثالث منها أربعة طرق وللرابع طريقان الحديث الأول حديث أنس في الشفاعة وقد تقدم شرحه مستوفى في اواخر كتاب الرقاق والغرض منه هنا قول أهل الموقف لآدم خلقك الله بيده

[ 6975 ] قوله حدثنا معاذ بن فضالة بفتح الفاء والضاد المعجمة وحكى بعضهم ضم الفاء وهشام شيخه هو الدستوائي وقوله عن أنس تقدمت الإشارة في الرقاق الى ما وقع في بعض طرقه بلفظ حدثنا أنس قوله يجمع المؤمنون يوم القيامة كذلك هكذا للجميع وأظن أول هذه الكلمة لام والإشارة ليوم القيامة أو لما يذكر بعد وقد وقع عند مسلم من رواية معاذ بن هشام عن أبيه يجمع الله المؤمنين يوم القيامة فيهتمون لذلك وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة يهتمون أو يلهمون لذلك بالشك وسيأتي في باب وجوه يومئذ ناضرة من رواية همام عن قتادة حتى يهموا بذلك وقوله هنا اشفع لنا الى ربك كذا للأكثر وهو المذكور في غير هذه الطريق ووقع لأبي ذر عن غير الكشميهني شفع بكسر الفاء الثقيلة قال الكرماني هو من التشفيع ومعناه قبول الشفاعة وليس هو المراد هنا فيحتمل أن يكون التثقيل للتكثير أو للمبالغة وقوله لست هناك كذا للأكثر في الموضعين ولأبي ذر عن السرخسي هنا كم وقوله فيؤذن لي في رواية أبي ذر عن الكشميهني ويؤذن لي بالواو وقوله قل يسمع كذا للأكثر بالتحتانية ولأبي ذر عن السرخسي والكشميهني بالفوقانية في الموضعين وقوله سل تعطه لأبي ذر عن المستملي تعط في الموضعين بلا هاء الحديث الثاني حديث أبي هريرة من طريق أبي الزناد عن الأعرج

[ 6976 ] قوله يد الله تقدم في تفسير سورة هود في أول هذا الحديث من الزيادة انفق أنفق عليك ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية همام لكن ساقها فيه مسلم وأفردها البخاري كما سيأتي في باب يريدون ان يبدلوا كلام الله ووقع فيها بدل يد الله يمين الله ويتعقب بها على من فسر اليد هنا بالنعمة وأبعد منه من فسرها بالخزائن وقال أطلق اليد على الخزائن لتصرفها فيها قوله ملأي بفتح الميم وسكون اللام وهمزة مع القصر تأنيث ملآن ووقع بلفظ ملآن في رواية لمسلم وقيل هي غلط ووجهها بعضهم بإرادة اليمين فانها تذكر وتؤنث وكذلك الكف والمراد من قوله ملأي أو ملآن لازمه وهو انه في غاية الغنى وعنده من الرزق مالا نهاية له في علم الخلائق قوله لا يغيضها بالمعجمتين بفتح أوله أي لا ينقصها يقال غاض الماء يغيض إذا نقص قوله سحاء بفتح المهملتين مثقل ممدود أي دائمة الصب يقال سح بفتح أوله مثقل يسح بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها وضبط في مسلم سحا بلفظ المصدر قوله الليل والنهار بالنصب على الظرف أي فيهما ويجوز الرفع ووقع في رواية لمسلم سح الليل والنهار بالإضافة وفتح الحاء ويجوز ضمها قوله أرأيتم ما انفق تنبيه على وضوح ذلك لمن له بصيرة قوله منذ خلق الله السماوات والأرض سقط لفظ الجلالة لغير أبي ذر وهو رواية همام قوله فانه لم يغض أي ينقص ووقع في رواية همام لم ينقص ما في يمينه قال الطيبي يجوز ان تكون ملأى ولا يغيضها وسحاء وأرأيت أخبارا مترادفة ليد الله ويجوز ان تكون الثلاثة اوصافا لملأى ويجوز ان يكون ارأيتم استئنافا فيه معنى الترقي كأنه لما قيل ملأى أو هم جواز النقصان فأزيل بقوله لا يغيضها شيء وقد يمتلىء الشيء ولا يغيض فقيل سحاء إشارة الى الغيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم اتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار بقوله أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب عام والهمزة فيه للتقرير قال وهذا الكلام إذا أخذته بجملته من غير نظر الى مفرداته أبان زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء قوله وقال عرشه على الماء سقط لفظ قال من رواية همام ومناسبة ذكر العرش هنا ان السامع يتطلع من قوله خلق السماوات والأرض ما كان قبل ذلك فذكر ما يدل على ان عرشه قبل خلق السماوات والأرض كان على الماء كما وقع في حديث عمران بن حصين الماضي في بدء الخلق بلفظ كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض قوله وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع أي يخفض الميزان ويرفعها قال الخطابي الميزان مثل والمراد القسمة بين الخلق واليه الإشارة بقوله يخفض ويرفع وقال الداودي معنى الميزان انه قدر الأشياء ووقتها وحددها فلا يملك أحد نفعا ولا ضرا الا منه وبه ووقع في رواية همام وبيده الأخرى الفيض أو القبض الأولى بفاء وتحتانية والثانية بقاف وموحدة كذا للبخاري بالشك ولمسلم بالقاف والموحدة بلا شك وعن بعض رواته فيما حكاه عياض بالفاء والتحتانية والأول أشهر قال عياض المراد بالقبض قبض الأرواح بالموت وبالفيض الإحسان بالعطاء وقد يكون بمعنى الموت يقال فاضت نفسه إذا مات ويقال بالضاد وبالظاء ا ه والأولى أن يفسر بمعنى الميزان ليوافق رواية الأعرج التي في هذا الباب فان الذي يوزن بالميزان يخف ويرجح فكذلك ما يقبض ويحتمل ان يكون المراد بالقبض المنع لأن الإعطاء قد ذكر في قوله قبل ذلك سحاء الليل والنهار فيكون مثل قوله تعالى والله يقبض ويبسط ووقع في حديث النواس بن سمعان عند مسلم وسيأتي التنبيه عليه في اواخر الباب الميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويضع آخرين وفي حديث أبي موسى عند مسلم وابن حبان ان الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه وظاهره ان المراد بالقسط الميزان وهو مما يؤيد ان الضمير المستتر في قوله يخفض ويرفع للميزان كما بدأت الكلام به قال المازري ذكر القبض والبسط وان كانت القدرة واحدة لتفهم العباد انه يفعل بها المختلفات وأشار بقوله بيده الأخرى الى ان عادة المخاطبين تعاطي الأشياء باليدين معا فعبر عن قدرته على التصرف بذكر اليدين لتفهيم المعنى المراد بما اعتادوه وتعقب بان لفظ البسط لم يقع في الحديث وأجيب بأنه فهمه من مقابله كما تقدم والله أعلم الحديث الثالث حديث بن عمر

[ 6977 ] قوله مقدم بن محمد تقدم ذكره وذكر عمه في تفسير سورة النور قوله ان الله يقبض يوم القيامة الأرض في حديث أبي هريرة الماضي في باب قوله ملك الناس يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه وفي رواية عمر بن حمزة التي يأتي التنبيه على من وصلها يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ويطوي الأرض ثم يأخذهن بشماله وعند أبي داود بدل قوله بشماله بيده الأخرى وزاد في رواية بن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع وأبي حازم عن بن عمر فيجعلهما في كفه ثم يرمي بهما كما يرمي الغلام بالكرة قوله ويقول انا الملك زاد في رواية عمر بن حمزة أين الجبارون أين المتكبرون قوله رواه سعيد عن مالك يعني عن نافع وصله الدارقطني في غرائب مالك وأبو القاسم اللالكائي في السنة من طريق أبي بكر الشافعي عن محمد بن خالد الآجري عن سعيد وهو بن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي وسكون النون بعدها موحدة مفتوحة ثم راء وهو مدني سكن بغداد وحدث بالري وكنيته أبو عثمان وما له في البخاري الا هذا الموضع وقد حدث عنه في كتاب الأدب المفرد وتكلم فيه جماعة وقال في روايته ان نافعا حدثه ان عبد الله بن عمر أخبره وقد روى عن مالك ممن اسمه سعيد أيضا سعيد بن كثير بن عفير وهو من شيوخ البخاري ولكن لم نجد هذا الحديث من روايته وصرح المزي وجماعة بأن الذي علق له البخاري هنا هو الزبيري قوله وقال عمر بن حمزة يعني بن عبد الله بن عمر الذي تقدم ذكره في الاستسقاء وشيخه سالم هو بن عبد الله بن عمر عم عمر المذكور وحديثه هذا وصله مسلم وأبو داود وغيرهما من رواية أبي أسامة عنه قال البيهقي تفرد بذكر الشمال فيه عمر بن حمزة وقد رواه عن بن عمر أيضا نافع وعبيد الله بن مقسم بدونها ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك وثبت عند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وكذا في حديث أبي هريرة قال آدم اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين وساق من طريق أبي يحيى القتات بقاف ومثناة ثقيلة وبعد الألف مثناة أيضا عن مجاهد في تفسير قوله تعالى والسموات مطويات بيمينه قال وكلتا يديه يمين وفي حديث بن عباس رفعه أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين وقال القرطبي في المفهم كذا جاءت هذه الرواية بإطلاق لفظ الشمال على يد الله تعالى على المقابلة المتعارفة في حقنا وفي أكثر الروايات وقع التحرز عن اطلاقها على الله حتى قال وكلتا يديه يمين لئلا يتوهم نقص في صفته سبحانه وتعالى لأن الشمال في حقنا أضعف من اليمين قال البيهقي ذهب بعض أهل النظر الى أن اليد صفة ليست جارحة وكل موضع جاء ذكرها في الكتاب أو السنة الصحيحة فالمراد تعلقها بالكائن المذكور معها كالطي والأخذ والقبض والبسط والقبول والشح والانفاق وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها من غير مماسة وليس في ذلك التشبيه بحال وذهب آخرون الى تأويل ذلك بما يليق به انتهى وسيأتي كلام الخطابي في ذلك في باب قوله تعالى تعرج الملائكة والروح اليه قوله وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب الخ تقدم الكلام عليه في باب قوله تعالى ملك الناس الحديث الرابع

[ 6978 ] قوله سفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر وسليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو وقد تابع سفيان الثوري عن منصور على قوله عبيدة شيبان بن عبد الرحمن عن منصور كما مضى في تفسير سورة الزمر وفضيل بن عياض المذكور بعده وجرير بن عبد الحميد عند مسلم وخالفه عن الأعمش في قوله عبيدة حفص بن غياث المذكور في الباب وجرير وأبو معاوية وعيسى بن يونس عند مسلم ومحمد بن فضيل عند الإسماعيلي فقالوا كلهم عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بدل عبيدة وتصرف الشيخين يقتضي انه عند الأعمش على الوجهين واما بن خزيمة فقال هو في رواية الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وفي رواية منصور عن إبراهيم عن عبيدة وهما صحيحان قوله قال يحيى هو بن سعيد القطان راويه عن الثوري قوله وزاد فيه فضيل بن عياض هو موصول ووهم من زعم انه معلق وقد وصله مسلم عن أحمد بن يونس عن فضيل قوله أن يهوديا جاء في رواية علقمة جاء رجل من أهل الكتاب وفي رواية فضيل بن عياض عند مسلم جاء حبر بمهملة وموحدة زاد شيبان في روايته من الأحبار قوله فقال يا محمد في رواية علقمة يا أبا القاسم وجمع بينهما في رواية فضيل قوله ان الله يمسك السماوات في رواية شيبان يجعل بدل يمسك وزاد فضيل يوم القيامة وفي رواية أبي معاوية عند الإسماعيلي ابلغك يا أبا القاسم ان الله يحمل الخلائق قوله والشجر على أصبع زاد في رواية علقمة والثرى وفي رواية شيبان الماء والثرى وفي رواية فضيل بن عياض الجبال والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع قوله والخلائق أي من لم يتقدم له ذكر ووقع في رواية فضيل وشيبان وسائر الخلق وزاد بن خزيمة عن محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش فذكر الحديث قال محمد عدها علينا يحيى بأصبعه وكذا أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب السنة عن يحيى بن سعيد وقال وجعل يحيى يشير بأصبعه يضع اصبعا على أصبع حتى اتى على آخرها ورواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أبي بكر المروزي عن أحمد وقال رأيت أبا عبد الله يشير بأصبع أصبع ووقع في حديث بن عباس عند الترمذي مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا يهودي حدثنا فقال كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه وأشار أبو جعفر يعني أحد رواته بخنصر أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام قال الترمذي حديث حسن غريب صحيح ووقع في مرسل مسروق عند الهروي مرفوعا نحو هذه الزيادة قوله ثم يقول انا الملك كررها علقمة في روايته وزاد فضيل في روايته قبلها ثم يهزهن قوله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية علقمة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك ومثله في رواية جرير ولفظه ولقد رأيت قوله حتى بدت نواجذه جمع ناجذ بنون وجيم مكسورة ثم ذال معجمة وهو ما يظهر عند الضحك من الأسنان وقيل هي الأنياب وقيل الأضراس وقيل الدواخل من الأضراس التي في أقصى الحلق زاد شيبان بن عبد الرحمن تصديقا لقول الحبر وفي رواية فضيل المذكورة هنا تعجبا وتصديقا له وعند مسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له وفي رواية جرير عنده وتصديقا له بزيادة واو وأخرجه بن خزيمة من رواية إسرائيل عن منصور حتى بدت نواجذه تصديقا لقوله وقال بن بطال لا يحمل ذكر الأصبع على الجارحة بل يحمل على انه صفة من صفات الذات لا تكيف ولا تحدد وهذا ينسب للأشعري وعن بن فورك يجوز ان يكون الأصبع خلقا يخلقه الله فيحمله الله ما يحمل الأصبع ويحتمل ان يراد به القدرة والسلطان كقول القائل ما فلان الا بين أصبعين إذا أراد الاخبار عن قدرته عليه وأيد بن التين الأول بأنه قال على أصبع ولم يقل على أصبعيه قال بن بطال وحاصل الخبر انه ذكر المخلوقات وأخبر عن قدرة الله على جميعها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا له وتعجبا من كونه يستعظم ذلك في قدرة الله تعالى وان ذلك ليس في جنب ما يقدر عليه بعظيم ولذلك قرأ قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره الآية أي ليس قدره في القدرة على ما يخلق على الحد الذي ينتهي اليه الوهم ويحيط به الحصر لأنه تعالى يقدر على امساك مخلوقاته على غير شيء كما هي اليوم قال تعالى ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا وقال رفع السماوات بغير عمد ترونها وقال الخطابي لم يقع ذكر الأصبع في القرآن ولا في حديث مقطوع به وقد تقرر ان اليد ليست بجارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهودي فان اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين واما ضحكه صلى الله عليه وسلم من قول الحبر فيحتمل الرضى والانكار واما قول الراوي تصديقا له فظن منه وحسبان وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة وعلى تقدير صحتها فقد يستدل بحمرة الوجه على الخجل وبصفرته على الوجل ويكون الأمر بخلاف ذلك فقد تكون الحمرة لأمر حدث في البدن كثوران الدم والصفرة لثوران خلط من مرار وغيره وعلى تقدير ان يكون ذلك محفوظا فهو محمول على تأويل قوله تعالى والسموات مطويات بيمينه أي قدرته على طيها وسهولة الأمر عليه في جمعها بمنزلة من جمع شيئا في كفه واستقل بحمله من غير ان يجمع كفه عليه بل يقله ببعض أصابعه وقد جرى في أمثالهم فلان يقل كذا بأصبعه ويعمله بخنصره انتهى ملخصا وقد تعقب بعضهم إنكار ورود الأصابع لوروده في عدة أحاديث كالحديث الذي أخرجه مسلم ان قلب بن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ولا يرد عليه لأنه انما نفى القطع وقال القرطبي في المفهم قوله ان الله يمسك الى آخر الحديث هذا كله قول اليهودي وهم يعتقدون التجسيم وان الله شخص ذو جوارح كما يعتقده غلاة المشبهة من هذه الأمة وضحك النبي صلى الله عليه وسلم انما هو للتعجب من جهل اليهودي ولهذا قرأ عند ذلك وما قدروا الله حق قدره أي ما عرفوه حق معرفته ولا عظموه حق تعظيمه فهذه الرواية هي الصحيحة المحققة واما من زاد وتصديقا له فليست بشيء فانها من قول الراوي وهي باطلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدق المحال وهذه الأوصاف في حق الله محال إذ لو كان ذا يد وأصابع وجوارح كان كواحد منا فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا ولو كان كذلك لاستحال أن يكون الها إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته لصحت للدجال وهو محال فالمفضي اليه كذب فقول اليهودي كذب ومحال ولذلك أنزل الله في الرد عليه وما قدروا الله حق قدره وانما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من جهله فظن الراوي ان ذلك التعجب تصديق وليس كذلك فان قيل قد صح حديث ان قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن فالجواب انه إذا جاءنا مثل هذا في الكلام الصادق تأولناه أو توقفنا فيه الى ان يتبين وجهه مع القطع باستحالة ظاهره لضرورة صدق من دلت المعجزة على صدقه واما إذا جاء على لسان من يجوز عليه الكذب بل على لسان من أخبر الصادق عن نوعه بالكذب والتحريف كذبناه وقبحناه ثم لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقا له في المعنى بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيه ونقطع بان ظاهره غير مراد انتهى ملخصا وهذا الذي نحا اليه اخيرا أولى مما ابتدأ به لما فيه من الطعن على ثقات الرواة ورد الأخبار الثابته ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظن للزم منه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل وسكوته عن الإنكار وحاشا لله من ذلك وقد اشتد إنكار بن خزيمة على من ادعى ان الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار فقال بعد ان اورد هذا الحديث في كتاب التوحيد من صحيحه بطريقه قد اجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن ان يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكا بل لا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف من يؤمن بنبوته وقد وقع الحديث الماضي في الرقاق عن أبي سعيد رفعه تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته الحديث وفيه ان يهوديا دخل فأخبر بمثل ذلك فنظر النبي صلى الله عليه وسلم الى أصحابه ثم ضحك

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا شخص أغير من الله كذا لهم ووقع عند بن بطال بلفظ أحد بدل شخص وكأنه من تغييره

[ 6980 ] قوله عبد الملك هو بن عمير والمغيرة هو بن شعيبة كما تقدم التنبيه عليه في اواخر الحدود والمحاربين فإنه ساق من الحديث هناك بهذا السند الى قوله والله أغير مني وتقدم شرح القول المذكور هناك وتقدم الكلام على غيرة الله في شرح حديث بن مسعود وان الكلام عليه تقدم في شرح حديث أسماء بنت أبي بكر في كتاب الكسوف قال بن دقيق العيد المنزهون لله اما ساكت عن التأويل واما مؤول والثاني يقول المراد بالغيرة المنع من الشيء والحماية وهما من لوازم الغيرة فاطلقت على سبيل المجاز كالملازمة وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب قوله ولا أحد احب اليه العذر من الله ومن اجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين يعني الرسل وقد وقع في رواية مسلم بعث المرسلين مبشرين ومنذرين وهي أوضح وله من حديث بن مسعود ولذلك انزل الكتب والرسل أي وأرسل الرسل قال بن بطال هو من قوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات فالعذر في هذا الحديث التوبة والانابة كذا قال وقال عياض المعنى بعث المرسلين للاعذار والانذار لخلقه قبل أخذه بالعقوبة وهو كقوله تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وحكى القرطبي في المفهم عن بعض أهل المعاني انما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا أحد احب اليه العذر من الله عقب قوله لا أحد أغير من الله منبها لسعد بن عبادة على ان الصواب خلاف ما ذهب اليه ورادعا له عن الاقدام على قتل من يجده مع امرأته فكأنه قال إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك يحب الاعذار ولا يؤاخذ الا بعد الحجة فكيف تقدم أنت على القتل في تلك الحالة قوله ولا أحد أحب اليه يجوز في احب الرفع والنصب كما تقدم في الحدود قوله المدحة من الله بكسر الميم مع هاء التأنيث وبفتحها مع حذف الهاء والمدح الثناء بذكر أوصاف الكمال والأفضال قاله القرطبي قوله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة كذا فيه بحذف أحد المفعولين للعلم به والمراد به من أطاعه وفي رواية مسلم وعد الجنة بإضمار الفاعل وهو الله قال بن بطال أراد به المدح من عباده بطاعته وتنزيهه عما لا يليق به والثناء عليه بنعمه ليجازيهم على ذلك وقال القرطبي ذكر المدح مقرونا بالغيرة والعذر تنبيها لسعد على ان لا يعمل بمقتضى غيرته ولا يعجل بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب فينال كمال الثناء والمدح والثواب لايثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها وهو نحو قوله الشديد من يملك نفسه عند الغضب وهو حديث صحيح متفق عليه وقال عياض معنى قوله وعد الجنة انه لما وعد بها ورغب فيها كثر السؤال له والطلب اليه والثناء عليه قال ولا يحتج بهذا على جواز استجلاب الإنسان الثناء على نفسه فإنه مذموم ومنهي عنه بخلاف حبه له في قلبه إذا لم يجد من ذلك بدا فإنه لا يذم بذلك فالله سبحانه وتعالى مستحق للمدح بكماله والنقص للعبد لازم ولو استحق المدح من جهة ما لكن المدح يفسد قلبه ويعظمه في نفسه حتى يحتقر غيره ولهذا جاء احثوا في وجوه المداحين التراب وهو حديث صحيح أخرجه مسلم قوله وقال عبيد الله بن عمرو هو الرقي الأسدي عن عبد الملك هو بن عمير قوله لا شخص أغير من الله يعني ان عبيد الله بن عمرو روى الحديث المذكور عن عبد الملك بالسند المذكور أولا فقال لا شخص بدل قوله لا أحد وقد وصله الدارمي عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن وراد مولى المغيرة عن المغيرة قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة يقول فذكره بطوله وساقه أبو عوانة يعقوب الاسفرايني في صحيحه عن محمد بن عيسى العطار عن زكريا بتمامه وقال في المواضع الثلاثة لا شخص قال الإسماعيلي بعد ان أخرجه من طريق عبيد الله بن عمر القواريري وأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثلاثتهم عن أبي عوانة الوضاح البصري بالسند الذي أخرجه البخاري لكن قال في المواضع الثلاثة لا شخص بدل لا أحد ثم ساقه من طريق زائدة بن قدامة عن عبد الملك كذلك فكأن هذه اللفظة لم تقع في رواية البخاري في حديث أبي عوانة عن عبد الملك فلذلك علقها عن عبيد الله بن عمرو قلت وقد أخرجه مسلم عن القواريري وأبي كامل كذلك ومن طريق زائدة أيضا قال بن بطال اجمعت الأمة على ان الله تعالى لا يجوز ان يوصف بأنه شخص لأن التوقيف لم يرد به وقد منعت منه المجسمة مع قولهم بأنه جسم لا كالاجسام كذا قال والمنقول عنهم خلاف ما قال وقال الإسماعيلي ليس في قوله لا شخص أغير من الله اثبات ان الله شخص بل هو كما جاء ما خلق الله أعظم من آية الكرسي فإنه ليس فيه اثبات ان آية الكرسي مخلوقة بل المراد انها أعظم من المخلوقات وهو كما يقول من يصف امرأة كاملة الفضل حسنة الخلق ما في الناس رجل يشبهها يريد تفضيلها على الرجال لا انها رجل وقال بن بطال اختلفت ألفاظ هذا الحديث فلم يختلف في حديث بن مسعود انه بلفظ لا أحد فظهر ان لفظ شخص جاء موضع أحد فكأنه من تصرف الراوي ثم قال على انه من باب المستثنى من غير جنسه قوله تعالى وما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن وليس الظن من نوع العلم قلت وهذا هو المعتمد وقد قرره بن فورك ومنه اخذه بن بطال فقال بعدما تقدم من التمثيل بقوله ان يتبعون الا الظن فالتقدير ان الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها وان تناهت غيرة الله تعالى وان لم يكن شخصا بوجه واما الخطابي فبنى على ان هذا التركيب يقتضى اثبات هذا الوصف لله تعالى فبالغ في الإنكار وتخطئة الراوي فقال إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز لأنة الشخص لا يكون الا جسما مؤلفا فخليق ان لا تكون هذه اللفظة صحيحة وان تكون تصحيفا من الراوي ودليل ذلك ان أبا عوانة روى هذا الخبر عن عبد الملك فلم يذكرها ووقع في حديث أبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر بلفظ شيء والشيء والشخص في الوزن سواء فمن لم يمعن في الاستماع لم يأمن الوهم وليس كل من الرواة يراعى لفظ الحديث حتى لا يتعداه بل كثير منهم يحدث بالمعنى وليس كلهم فهما بل في كلام بعضهم جفاء وتعجرف فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل ان لم يكن غلطا من قبيل التصحيف يعنى السمعى قال ثم ان عبيد الله بن عمرو انفرد عن عبد الملك فلم يتابع عليه واعتوره الفساد من هذة الأوجه وقد تلقى هذا عن الخطابي أبو بكر بن فورك فقال لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند فان صح فبيانه في الحديث الآخر وهو قوله لا أحد فاستعمل الراوي لفظ شخص موضع أحد ثم ذكر نحو ما تقدم عن بن بطال ومنه اخذ بن بطال ثم قال بن فورك وانما منعنا من إطلاق لفظ الشخص أمور أحدها ان اللفظ لم يثبت من طريق السمع والثاني الإجماع على المنع منه والثالث ان معناه الجسم المؤلف المركب ثم قال ومعنى الغيرة الزجر والتحريم فالمعنى ان سعدا الزجور عن المحارم وانا أشد زجرا منه والله ازجر من الجميع انتهى وطعن الخطابي ومن تبعه في السند مبني على تفرد عبيد الله بن عمرو به وليس كذلك كما تقدم وكلامه ظاهر في انه لم يراجع صحيح مسلم ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو ورد الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي اقدم عليها كثير من غير أهل الحديث وقد يقضى قصور فهم من فعل ذلك منهم ومن ثم قال الكرماني لا حاجة لتخطئة الرواة الثقاه بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات إما التفويض وإما التأويل وقال عياض بعد ان ذكر معنى قوله ولا أحد احب اليه العذر من الله انه قدم الاعذار والانذار قبل اخذهم بالعقوبة وعلى هذا لا يكون في ذكر الشخص ما يشكل كذا قال ولم يتجه اخذ نفي الأشكال مما ذكر ثم قال ويجوز ان يكون لفظ الشخص وقع تجوزا من شيء أو أحد كما يجوز إطلاق الشخص على غير الله تعالى وقد يكون المراد بالشخص المرتفع لأن الشخص هو ما ظهر وشخص وارتفع فيكون المعنى لا مرتفع ارفع من الله كقوله لا متعالي أعلى من الله قال ويحتمل ان يكون المعنى لا ينبغي لشخص ان يكون اغير من الله تعالى وهو مع ذلك لم يعجل ولا بادر بعقوبة عبده لارتكابه ما نهاه عنه بل حذره وانذره واعذر اليه وأمهله فينبغي ان يتأدب بأدبه ويقف عند امره ونهيه وبهذا تظهر مناسبة تعقيبه بقوله ولا أحد احب اليه العذر من الله وقال القرطبي أصل وضع الشخص يعنى في اللغة لجرم الإنسان وجسمه يقال شخص فلان وجثمانه واستعمل في كل شيء ظاهر يقال شخص الشيء إذا ظهر وهذا المعنى محال على الله تعالى فوجب تأويله فقيل معناه لا مرتفع وقيل لا شيء وهو اشبه من الأول واوضح منه لا موجود أو لا أحد وهو أحسنها وقد ثبت في الرواية الأخرى وكأن لفظ الشخص اطلق مبالغة في اثبات ايمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئا من الموجودات لئلا يفضى به ذلك الى النفي والتعطيل وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله قالت في السماء فحكم بإيمانها مخافة ان تقع في التعطيل لقصور فهمها عما ينبغي له من تنزيهه مما يقتضى التشبيه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا تنبيه لم يفصح المصنف لأطلاق الشخص على الله بل اورد ذلك على طريق الاحتمال وقد جزم في الذي بعده فتسميته شيئا لظهور ذلك فيما ذكره من الآيتين

قوله باب بالتنوين قل أي شيء أكبر شهادة قل الله وسمى الله تعالى نفسه شيئا كذا لأبي ذر والقابسى وسقط لفظ باب لغيرهما من رواية الفربري وسقطت الترجمة من رواية النسفي وذكر قوله قل اى شيء أكبر شهادة وحديث سهل بن سعد بعد اثرى أبي العالية ومجاهد في تفسير استوى على العرش ووقع عند الأصيلى وكريمه قل أي شيء أكبر شهادة سمى الله نفسه شيئا قل الله والأول أولى وتوجيه الترجمة ان لفظ أي إذا جاءت استفهامية اقتضى الظاهر ان يكون سمي باسم ما اضيف اليه فعلى هذا يصح ان يسمى الله شيئا وتكون الجلالة خبر مبتدأ محذوف أي ذلك الشيء هو الله ويجوز ان يكون مبتدأ محذوف الخبر والتقدير الله أكبر شهادة والله اعلم قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئا وهو صفة من صفات الله يشير الى الحديث الذي أورده من حديث سهل بن سعد وفيه امعك من القرآن شيء وهو مختصر من حديث طويل في قصة الواهبة تقدم بطوله مشروحا في كتاب النكاح وتوجيهه ان بعض القرآن قرآن وقد سماه الله شيئا قوله وقال كل شيء هالك الا وجهه الاستدلال بهذه الآية للمطلوب ينبني على ان الاستثناء فيها متصل فإنه يقتضى اندراج المستثنى في المستثنى منه وهو الراجح على ان لفظ شيء يطلق على الله تعالى وهو الراجح أيضا والمراد بالوجه الذات وتوجيهه انه عبر عن الجملة بأشهر ما فيها ويحتمل ان يراد بالوجه ما يعمل لأجل الله أو الجاه وقيل ان الاستثناء منقطع والتقدير لكن هو سبحانه لا يهلك والشيء يساوى الموجود لغة وعرفا واما قولهم فلان ليس بشيء فهو على طريق المبالغة في الذم فلذلك وصفه بصفة المعدوم وأشار بن بطال الى ان البخاري انتزع هذه الترجمة من كلام عبد العزيز بن يحيى المكي فإنه قال في كتاب الحيدة سمى الله تعالى نفسه شيئا اثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه وكذا أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شيء من أسمائه بل دل على نفسه أنه شيء تكذيبا للدهرية ومنكري الإلهية من الأمم وسبق في علمه أنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلامه من الأشياء المخلوقة فقال ليس كمثله شيء فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقة ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء وقال تعالى أو قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم ان كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئا بمعنى انها موجودة وحكى بن بطال أيضا أن في هذه الآيات والآثار ردا على من زعم انه لا يجوز ان يطلق على الله شيء كما صرح به عبد الله الناشىء المتكلم وغيره وردا على من زعم ان المعدوم شيء وقد اطبق العقلاء على ان لفظ شيء يقتضي اثبات موجود وعلى ان لفظ لا شيء يقتضي نفي موجود الا ما تقدم من اطلاقهم ليس بشيء في الذم فإنه بطريق المجاز

قوله باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم كذا ذكر قطعتين من آيتين وتلطف في ذكر الثانية عقب الأولى لرد من توهم من قوله في الحديث كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ان العرش لم يزل مع الله تعالى وهو مذهب باطل وكذا من زعم من الفلاسفة ان العرش هو الخالق الصانع وربما تمسك بعضهم وهو أبو إسحاق الهروي بما أخرجه من طريق سفيان الثوري حدثنا أبو هشام هو الرماني بالراء والتشديد عن مجاهد عن بن عباس قال ان الله كان على عرشه قبل ان يخلق شيئا فأول ما خلق الله القلم وهذه الأولية محمولة على خلق السماوات والأرض وما فيهما فقد أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وكان عرشه على الماء قال هذا بدأ خلقه قبل ان يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء فأردف المصنف بقوله رب العرش العظيم إشارة الى ان العرش مربوب وكل مربوب مخلوق وختم الباب بالحديث الذي فيه فإذا انا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فان في اثبات القوائم للعرش دلالة على انه جسم مركب له أبعاض وأجزاء والجسم المؤلف محدث مخلوق وقال البيهقي في الأسماء والصفات أنفقت أقاويل هذا التفسير على أن العرش هو السرير وانه جسم خلقه الله وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة وفي الآيات أي التي ذكرها والأحاديث والآثار دلالة على على صحة ما ذهبوا اليه قوله قال أبو العالية استوى الى السماء ارتفع فسوى خلق في رواية الكشميهني فسواهن خلقهن وهو الموافق للمنقول عن أبي العالية لكن بلفظ فقضاهن كما أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى ثم استوى الى السماء قال ارتفع وفي قوله فقضاهن خلقهن وهذا هو المعتمد والذي وقع فسواهن تغيير ووقع لفظ سوى أيضا في سورة النازعات في قوله تعالى رفع سمكها فسواها وليس المراد هنا وقد تقدم في تفسير سورة فصلت في حديث بن عباس الذي أجاب به عن الأسئلة التي قال السائل أنها اختلفت عليه في القرآن فان فيها انه خلق الأرض قبل السماء ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحى الأرض ثم ان في تفسير سوى بخلق نظرا لأن في التسوية قدرا زائدا على الخلق كما في قوله تعالى الذي خلق فسوى قوله وقال مجاهدا استوى علا على العرش وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عنه قال بن بطال اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق وقالت الجسمية معناه الاستقرار وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع وبعضهم معناه علا وبعضهم معناه الملك والقدرة ومنه استوت له الممالك يقال لمن أطاعه أهل البلاد وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء ومنه قوله تعالى ولما بلغ أشده واستوى فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء وقيل ان على في قوله على العرش بمعنى الى فالمراد على هذا انتهى الى العرش أي فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء ثم قال بن بطال فأما قول المعتزلة فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا وقوله ثم استوى يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد ان لم يكن ولازم تأوليهم انه كان مغالبا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه وهذا منتف عن الله سبحانه واما قول المجسمة ففاسد أيضا لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي وهو محال في حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات لقوله تعالى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك وقوله لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه قال واما تفسير استوى علا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول أهل السنة لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي وقال سبحانه وتعالى عما يشركون وهي صفة من صفات الذات واما من فسره أرتفع ففيه نظر لأنه لم يصف به نفسه قال واختلف أهل السنة على الاستواء صفة ذات أو صفة فعل فمن قال معناه علا قال هي صفة ذات ومن قال غير ذلك قال وهي صفة فعل وان الله فعل فعلا سماه استوى على عرشه لا ان ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به انتهى ملخصا وقد الزمه من فسره بالاستيلاء بمثل ما ألزم هو به من انه صار قاهرا بعد ان لم يكن فيلزم انه صار غالبا بعد ان لم يكن والانفصال عن ذلك للفريقين بالتسمك بقوله تعالى وكان الله عليما حكيما فان أهل العلم بالتفسير قالوا معناه لم يزل كذلك كما تقدم بيانه عن بن عباس في تفسير فصلت وبقى من معاني استوى ما نقل عن ثعلب استوى الوجه اتصل واستوى القمر امتلأ واستوى فلان وفلان تماثلا واستوى الى المكان أقبل واستوى القاعد قائما والنائم قاعدا ويمكن رد بعض هذه المعاني الى بعض وكذا ما تقدم عن بن بطال وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق بسنده الى داود بن علي بن خلف قال كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل الرحمن على العرش استوى فقال هو على العرش كما أخبر قال يا أبا عبد الله انما معناه استولى فقال اسكت لا يقال استولى على الشيء الا ان يكون له مضاد ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الأزدي سمعت بن الأعرابي يقول أرادني أحمد بن أبي داود ان أجد له في لغة العرب الرحمن على العرش استوى بمعنى استولى فقلت والله ما أصبت هذا وقال غيره لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش لأنه غالب على جميع المخلوقات ونقل محيي السنة البغوي في تفسيره عن بن عباس وأكثر المفسرين ان معناه ارتفع وقال أبو عبيد والفراء وغيرهما بنحوه واخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة انها قالت الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والاقرار به إيمان والجحود به كفر ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن انه سئل كيف استوى على العرش فقال الاستواء غير مجهول الكيف غير معقول وعلى الله الرسالة وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم واخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال كنا والتابعون متوافرون نقول ان الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي انه سئل عن قوله تعالى ثم استوى على العرش فقال هو كما وصف نفسه وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كما وصف به نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وما أراك الا صاحب بدعة أخرجوه ومن طريق يحيى بن يحيى عن مالك نحو المنقول عن أم سلمة لكن قال فيه والاقرار به واجب والسؤال عنه بدعة وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون كيف قال أبو داود وهو قولنا قال البيهقي وعلى هذا مضى أكابرنا وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال اتفق الفقهاء كلهم من المشرق الى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير فمن فسر شيئا منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفارق الجماعة لأنه وصف الرب بصفة لا شيء ومن طريق الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف وأخرج بن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر واما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأنه علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال ليس كمثله شيء وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه ومن طريق أبي بكر الضبعي قال مذهب أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى قال بلا كيف والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات وقال في باب فضل الصدقة قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال كيف كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك انهم أمروها بلا كيف وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فانكروها وقالوا هذا تشبيه وقال إسحاق بن راهويه انما يكون التشبيه لو قال يد كيد وسمع كسمع وقال في تفسير المائدة قال الأئمة نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير منهم الثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك وقال بن عبد البر أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها واما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقر بها فهو مشبه فسماهم من أقر بها معطلة وقال امام الحرمين في الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف الى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها الى الله تعالى الذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على ان إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذ انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع انتهى وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة وقسم بعضهم أقوال الناس في هذا الباب الى ستة أقوال قولان لمن يجريها على ظاهرها أحدهما من يعتقد انها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة ويتفرع من قولهم عدة آراء والثاني من ينفي عنها شبه صفة المخلوقين لأن ذات الله لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات فان صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته وقولان لمن يثبت كونها صفة ولكن لا يجريها على ظاهرها أحدهما يقول لا نؤول شيئا منها بل نقول الله أعلم بمراده والآخر يؤول فيقول مثلا معنى الاستواء الاستيلاء واليد القدرة ونحو ذلك وقولان لمن لا يجزم بأنها صفة أحدهما يقول يجوز ان تكون صفة وظاهرها غير مراد ويجوز أن لا تكون صفة والآخر يقول لا يخاض في شيء من هذا بل يجب الإيمان به لأنه من المتشابه الذي لا يدرك معناه قوله وقال بن عباس المجيد الكريم والودود الحبيب وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى ذو العرش المجيد قال المجيد الكريم وبه عن بن عباس في قوله تعالى وهو الغفور الودود قال الودود الحبيب وانما وقع تقديم المجيد قبل الودود هنا لأن المراد تفسير لفظ المجيد الواقع في قوله ذو العرش المجيد فلما فسره استطرد لتفسير الاسم الذي قبله إشارة الى أنه قرئ مرفوعا بالاتفاق وذو العرش بالرفع صفة له واختلفت القراء في المجيد بالرفع فيكون من صفات الله وبالكسر فيكون صفة العرش قال بن المنير جميع ما ذكره البخاري في هذا الباب يشتمل على ذكر العرش الا أثر بن عباس لكنه نبه به على لطيفة وهي ان المجيد في الآية على قراءة الكسر ليس صفة للعرش حتى لا يتخيل أنه قديم بل هي صفة الله بدليل قراءة الرفع وبدليل اقترانه بالودود فيكون الكسر على المجاورة لتجتمع القراءتان على معنى واحد انتهى ويؤيد انها عند البخاري صفة الله تعالى ما أردفه به وهو يقال حميد مجيد الخ ويؤيده حديث أبي هريرة الذي أخرجه الدارقطني بلفظ إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدني عبدي ذكره بن التين قال ويقال المجد في كلام العرب الشرف الواسع فالماجد من له آباء متقدمون في الشرف واما الحسب والكرم فيكونان في الرجل وان لم يكن له آباء شرفاء فالمجيد صيغة مبالغة من المجد وهو الشرف القديم وقال الراغب المجد السعة في الكرم والجلالة وأصله قولهم مجدت الإبل أي وقعت في مرعى كثير واسع وأمجدها الراعي ووصف القرآن بالمجيد لما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية انتهى ومع ذلك كله فلا يمتنع وصف العرش بذلك لجلالته وعظيم قدره كما أشار اليه الراغب ولذلك وصف بالكريم في سورة قد أفلح وأما تفسير الودود بالحبيب فإنه يأتي بمعنى المحب والمحبوب لأن أصل الود محبة الشيء قال الراغب الودود يتضمن ما دخل في قوله تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وقد تقدم معنى محبة الله تعالى لعباده ومحبتهم له قوله يقال حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد كذا لهم بغير ياء فعلا ماضيا ولغير أبي ذر عن الكشميهني محمود من حميد وأصل هذا قول أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله عليكم أهل البيت انه حميد مجيد أي محمود ماجد وقال الكرماني غرضه منه ان مجيدا بمعنى فاعل كقدير بمعنى قادر وحميدا بمعنى مفعول فلذلك قال مجيد من ماجد وحميد من محمود قال وفي بعض النسخ محمود من حميد وفي أخرى من حمد مبنى للفاعل والمفعول أيضا وذلك لاحتمال أن يكون حميد بمعنى حامد ومجيد بمعنى ممجد ثم قال وفي عبارة البخاري تعقيد قلت وهو في قوله محمود من حمد وقد اختلف الرواة فيه والأولى فيه ما وجد في أصله وهو كلام أبي عبيدة ثم ذكر في الباب تسعة أحاديث لبعضها طريق أخرى الأول حديث عمران بن حصين وقوله في السند أنبأنا أبو حمزة هو السكري وقد تقدم قريبا في باب ويحذركم الله نفسه ووقع في رواية الكشميهني عن أبي حمزة وقوله

[ 6982 ] عن جامع بن شداد تقدم في بدء الخلق في رواية حفص بن غياث عن الأعمش حدثنا جامع وجامع هذا يكنى أبا صخرة قوله اني عند النبي صلى الله عليه وسلم في رواية حفص دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم وهذا ظاهر في ان هذه القصة كانت بالمدينة ففيه تعقب على من وحد بين هذه القصة وبين القصة التي تقدمت في المغازي من حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال فأتاه أعرابي فقال الا تنجز لي ما وعدتني فقال له أبشر فقال قد أكثرت علي من أبشر فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال رد البشرى فاقبلا أنتما قالا قبلنا الحديث ففسر القائل من بني تميم بشرتنا فاعطنا بهذا الأعرابي وفسر أهل اليمن بأبي موسى ووجه التعقب التصريح في قصة أبي موسى بأن القصة كانت الجعرانة وظاهر قصة عمران انها كانت بالمدينة فافترقا وزعم بن الجوزي ان القائل أعطنا هو الأفرع بن حابس التميمي قوله اذا جاءه قوم من بني تميم في رواية أبي عاصم عن الثوري في المغازي جاءت بنو تميم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمول على إرادة بعضهم وفي رواية محمد بن كثير عنه في بدء الخلق جاء نفر من بني تميم والمراد وفد تميم كما جاء صريحا عند بن حبان من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان جاء وفد بني تميم قوله إقبلوا البشرى يا بني تميم في رواية أبي عاصم أبشروا يا بني تميم والمراد بهذه البشارة أن من أسلم نجا من الخلود في النار ثم بعد ذلك يترتب جزاؤه على وفق عملة الا ان يعفوا الله وقال الكرماني بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يقتضي دخول الجنة حيث عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما كذا قال وانما وقع التعريف هنا لأهل اليمن وذلك ظاهر من سياق الحديث ونقل بن التين عن الداودي قال في قول بني تميم جئناك لننفقه في الدين دليل على إجماع الصحابة لا ينعقد بأهل المدينة وحدها وتعقبه بان الصواب انه قول أهل اليمن لا بني تميم وهو كما قال بن التين لكن وقع عند بن حبان من طريق أبي عبيدة بن معن عن الأعمش بهذا السند ما نصه دخل عليه نفر من بني تميم فقالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر ولم يذكر أهل اليمن وهو خطأ من هذا الراوي كأنه اختصر الحديث فوقع في هذا الوهم قوله قالوا بشرتنا فاعطنا زاد في رواية حفص مرتين وزاد في رواية الثوري عن جامع في المغازي فقالوا اما إذا بشرتنا فاعطنا وفيها فتغير وجهه وفي رواية أبي عوانة عن الأعمش عند أبي نعيم في المستخرج فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك وفي أخرى في المغازي من طريق سفيان أيضا فرؤي ذلك في وجهه وفيها فقالوا يا رسول الله بشرتنا وهو دال على اسلامهم وانما راموا العاجل وسبب غضبه صلى الله عليه وسلم استشعاره بقلة علمهم لكونهم علقوا آمالهم بعاجل الدنيا الفانية وقدموا ذلك على التفقه في الدين الذي يحصل لهم ثواب الآخرة الباقية قال الكرماني دل قولهم بشرتنا على انهم قبلوا في الجملة لكن طلبوا مع ذلك شيئا من الدنيا وانما نفى عنهم القبول المطلوب لا مطلق القبول وغضب حيث لم يهتموا بالسؤال عن حقائق كلمة التوحيد والمبدأ والمعاد ولم يعتنوا بضبطها ولم يسألوا عن موجباتها والموصلات إليها قال الطيبي لما لم يكن جل اهتمامهم الا بشأن الدنيا قالوا بشرتنا فاعطنا فمن ثم قال إذ لم يقبلها بنو تميم قوله فدخل ناس من أهل اليمن في رواية حفص ثم دخل عليه وفي رواية أبي عاصم فجاءه ناس من أهل اليمن قوله قالوا قبلنا زاد أبو عاصم وأبو نعيم يا رسول الله وكذا عند بن حبان من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن جامع قوله جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان هذه الرواية أتم الروايات الواقعة عند المصنف وحذف ذلك كله في بعضها أو بعضه ووقع في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند الإسماعيلي قالوا قد بشرتنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ولم أعرف اسم قائل ذلك من أهل اليمن والمراد بالأمر في قولهم هذا الأمر تقدم بيانه في بدء الخلق قوله كان الله ولم يكن شيء قبله تقدم في بدء الخلق بلفظ ولم يكن شيء غيره وفي رواية أبي معاوية كان الله قبل كل شيء وهو بمعنى كان الله ولا شيء معه وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها مع ان قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه على التي في بدء الخلق لا العكس والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق قال الطيبي قوله ولم يكن شيء قبله حال وفي المذهب الكوفي خبر والمعنى يساعده إذ التقدير كان الله منفردا وقد جوز الأخفش دخول الواو في خبر كان واخواتها نحو كان زيد وأبوه قائم على جعل الجملة خبرا مع الواو تشبيها للخبر بالحال ومال التوربشتي الى أنهما جملتان مستقلتان وقد تقدم تقريره في بدء الخلق وقال الطيبي لفظة كان في الموضعين بحسب حال مدخولها فالمراد بالأول الأزلية والقدم وبالثاني الحدوث بعد العدم ثم قال فالحاصل ان عطف قوله وكان عرشه على الماء على قوله كان الله من باب الاخبار عن حصول الجملتين في الوجود وتفويض الترتيب الى الذهن قالوا وفيه بمنزلة ثم وقال الكرماني قوله وكان عرشه على الماء معطوف على قوله كان الله ولا يلزم منه المعية إذ اللازم من الواو العاطفة الاجتماع في أصل الثبوت وان كان هناك تقديم وتأخير قال غيره ومن ثم جاء شيء غيره ومن ثم جاء قوله ولم يكن شيء غيره لنفي توهم المعية قال الراغب كان عبارة عما مضى من الزمان لكنها في كثير من وصف الله تعالى تنبىء عن معنى الأزلية كقوله تعالى وكان الله بكل شيء عليما قال وما استعمل منه في وصف شيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه فللتنبيه على ان ذلك الوصف لازم له أو قليل الانفكاك عنه كقوله تعالى وكان الشيطان لربه كفورا وقوله وكان الإنسان كفورا وإذا استعمل في الزمن الماضي جاز ان يكون المستعمل على حاله وجاز ان يكون قد تغير نحو كان فلان كذا ثم صار كذا واستدل به على ان العالم حادث لأن قوله ولم يكن شيء غيره ظاهر في ذلك فان كل شيء سوى الله وجد بعد ان لم يكن موجودا قوله أدرك ناقتك فقد ذهبت في رواية أبي معاوية انحلت ناقتك من عقالها وزاد في آخر الحديث فلا أدري ما كان بعد ذلك أي مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم تكملة لذلك الحديث قلت ولم أقف في شيء من المسانيد عن أحد من الصحابة على نظير هذه القصة التي ذكرها عمران ولو وجد ذلك لأمكن ان يعرف منه ما أشار اليه عمران ويحتمل ان يكون اتفق ان الحديث انتهى عند قيامه قوله وأيم الله تقدم شرحها في كتاب الأيمان والنذور قوله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم الود المذكور تسلط على مجموع ذهابها وعدم قيامه لا على أحدهما فقط لأن ذهابها كان قد تحقق بانفلاتها والمراد بالذهاب الفقد الكلي الحديث الثاني حديث أبي هريرة ان يمين الله ملأى وقد تقدم شرحه قبل بابين وقوله هنا وعرشه على الماء وقع في رواية إسحاق بن راهويه والعرش على الماء وظاهره انه كذلك حين التحريث بذلك وظاهر الحديث الذي قبله أن العرش كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض ويجمع بأنه لم يزل على الماء وليس المراد بالماء ماء البحر بل هو ماء تحت العرش كما شاء الله تعالى وقد جاء بيان ذلك في حديث ذكرته في أوائل الباب ويحتمل ان يكون على البحر بمعنى ان أرجل حملته في البحر كما ورد في بعض الآثار مما أخرجه الطبري والبيهقي من طريق السدي عن أبي مالك في قوله تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض قال ان الصخرة التي الأرض السابعة عليها وهي منتهى الخلق على أرجائها أربعة من الملائكة لكل أحد منهم أربعة أوجه وجه انسان وأسد وثور ونسر فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات رءوسهم تحت الكرسي والكرسي تحت العرش وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه بن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي الا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح عنه الحديث الثالث

[ 6984 ] قوله حدثنا أحمد كذا للجميع غير منسوب وذكر أبو نصر الكلاباذي انه أحمد بن سيار المروزي وقال الحاكم هو أحمد بن نصر النيسابوري يعني المذكور في سورة الانفال وشيخه فيه محمد بن أبي بكر المقدمي قد أخرج عنه البخاري في كتاب الصلاة بغير واسطة وجزم أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري اخرج هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولم يذكر واسطة والأول هو المعتمد وقد اخرج البخاري طرفا منه في تفسير سورة الأحزاب من وجه آخر عن حماد بن زيد وتقدم الكلام على قصة زينب بنت جحش وزيد بن حارثة هناك مبسوطا قوله قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه ظاهره انه موصول بالسند المذكور لكن أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والإسماعيلي عنه نزلت وتخفي في نفسك ما الله مبديه في شأن زينب بنت جحش وكان زيد يشكو وهم بطلاقها يستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له امسك عليك زوجك واتق الله وهذا القدر هو المذكور في آخر الحديث هنا بلفظ وعن ثابت وتخفي في نفسك الخ ويستفاد منه موصول انه بالسند المذكور وليس بمعلق وأما قوله لو كان كاتما الخ فلم أره في غير هذا الموضع موصولا عن أنس وذكر بن التين عن الداودي انه نسب قوله لو كان كاتما لكتم قصة زينب الى عائشة قال وعن غيرها لكتم عبس وتولى قلت قد ذكرت في تفسير سورة الأحزاب حديث عائشة قالت لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي الحديث وانه أخرجه مسلم والترمذي ثم وجدته في مسند الفردوس من وجه لآخر عن عائشة من لفظه صلى الله عليه وسلم لو كنت كاتما شيئا من الوحي الحديث واقتصر عياض في الشفاء على نسبتها الى عائشة والحسن البصري وأغفل حديث أنس هذا وهو عند البخاري وقد قال الترمذي بعد تخريج حديث عائشة وفي الباب عن بن عباس وأشار الى ما أخرجه واما الرواية الأخرى في عبس وتولى فلم أرها الا عند عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد الضعفاء أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عنه قال كان يقال لو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي لكتم هذا عن نفسه وذكر قصة بن أم مكتوم ونزول عبس وتولى انتهى وقد اخرج القصة الترمذي وأبو يعلى والطبري والحاكم موصولة عن عائشة وليس فيها هذه الزيادة وأخرجها مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلة وهو المحفوظ عن هشام وتفرد يحيى بن سعيد الأموي بوصله عن هشام وأخرجها بن مردويه من وجه آخر عن عائشة كذلك بدونها وكذا من حديث أبي امامة وأوردها عبد بن حميد والطبراني وابن أبي حاتم من مرسل قتادة ومجاهد وعكرمة وأبي مالك الغفاري والضحاك والحكم وغيرهم وليس في رواية أحد منهم هذه الزيادة والله تعالى أعلم قوله قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الى قولها وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سماوات أخرجه الإسماعيلي من طريق عارم بن الفضل عن حماد بهذا السند بلفظ نزلت في زينب بنت جحش فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الآية وكانت تفخر الخ ثم ذكر رواية عيسى بن طهمان عن أنس في ذلك وهو آخر ما وقع في الصحيح من ثلاثيات البخاري وقد تقدم لعيسى حديث آخر في اللباس لكنه ليس ثلاثيا ولفظه هنا وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تقول ان الله أنكحني في السماء وزاد الإسماعيلي من طريق الفريابي وأبي قتيبة عن عيسى أنتن انكحكن آباؤكن وهذا الإطلاق محمول على البعض والا فالمحقق ان التي زوجها أبوها منهن عائشة وحفصة فقط وفي سودة وزينب بنت خزيمة وجويرية احتمال واما أم سلمة وأم حبيبة وصفية وميمونة فلم يزوج واحدة منهن أبوها ووقع عند بن سعد من وجه آخر عن أنس بلفظ قالت زينب يا رسول الله اني لست كأحد من نسائك ليست منهم امرأة الا زوجها أبوها أو اخوها أو أهلها غيري وسنده ضعيف ومن وجه آخر موصول عن أم سلمة قالت زينب ما انا كأحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم انهن زوجن بالمهور زوجهن الأولياء وانا زوجني الله رسوله صلى الله عليه وسلم وانزل الله في الكتاب وفي مرسل الشعبي قالت زينب يا رسول الله انا أعظم نسائك عليك حقا انا خيرهن منكحا وأكرمهن سفيرا وأقربهن رحما فزوجنيك الرحمن من فوق عرشه وكان جبريل هو السفير بذلك وانا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في كتاب الحجة والتبيان له قوله من فوق سبع سماوات في رواية عيسى بن طهمان عن أنس المذكورة عقب هذا وكانت تقول ان الله عز وجل انكحني في السماء وسنده هذه آخر الثلاثيات التي ذكرت في البخاري وتقدم لعيسى بن طهمان حديث آخر غير ثلاثي تكلم فيه بن حبان بكلام لم يقبلوه منه وقوله في هذه الرواية وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما يعني في وليمتها وقد تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الأحزاب قوله في رواية حماد بن زيد بعد قوله سبع سماوات وعن ثابت وتخفي في نفسك الخ كذا وقع مرسلا ليس فيه أنس وقد تقدم من رواية يعلي بن منصور عن حماد بن زيد موصولا بذكر أنس فيه وكذلك وقع في رواية أحمد بن عبدة موصولا وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سليمان لوين عن حماد موصولا أيضا وقد بين سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس كيفية تزويج زينب قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذكرها علي فذكر الحديث وقد أورده في تفسير سورة الأحزاب قال الكرماني

[ 6985 ] قوله في السماء ظاهره غير مراد إذ الله منزه عن الحلول في المكان لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها اليه إشارة الى علو الذات والصفات وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها قال الراغب فوق يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر فالأول باعتبار العلو ويقابله تحت نحو قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت ارجلكم والثاني باعتبار الصعود والانحدار نحو إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم والثالث في العدد نحو فان كن نساء فوق اثنتين والرابع في الكبر والصغر كقوله بعوضة فما فوقها والخامس يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية نحو ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات أو الأخروية نحو والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والسادس نحو قوله وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم انتهى ملخصا الحديث الرابع حديث أبي هريرة ان الله تعالى لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه ان رحمتي غلبت غضبي وقد تقدم في باب ويحذركم الله نفسه ويأتي بعض الكلام عليه في باب قوله تعالى في لوح محفوظ قال الخطابي المراد بالكتاب أحد شيئين اما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى كتب الله لأغلبن انا ورسلي أي قضى ذلك قال ويكون معنى قوله فوق العرش أي عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله كقوله تعالى في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى واما اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق وبيان امورهم وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم ويكون معنى فهو عنده فوق العرش أي ذكره وعلمه وكل ذلك جائز في التخريج على ان العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة فلا يستحيل ان يماسوا العرش إذا حملوه وان كان حامل العرش وحامل حملته هو الله وليس قولنا ان الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف فقلنا له به ونفينا عنه التكييف إذ ليس كمثله شيء وبالله التوفيق وقوله فوق عرشه صفة الكتاب وقيل ان فوق هنا بمعنى دون كما جاء في قوله تعالى بعوضة فما فوقها وهو بعيد وقال بن أبي جمرة يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش ان الحكمة اقتضت ان يكون العرش حاملا لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته وغامض غيبه ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والاحاطة فيكون من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب قال وقد يكون ذلك تفسيرا لقوله الرحمن على العرش استوى أي ما شاءه من قدرته وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش الحديث الخامس حديث أبي هريرة الذي فيه ان في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين وقد تقدم شرحه في الجهاد مع الكلام على

[ 6987 ] قوله كان حقا على الله وان معناه معنى قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة وليس معناه ان ذلك لازم له لأنه لا آمر له ولا ناهي يوجب عليه ما يلزمه المطالبة به وانما معناه انجاز ما وعد به من الثواب وهو لا يخلف الميعاد واما قوله مائة درجة فليس في سياقه التصريح بان العدد المذكور هو جميع درج الجنة من غير زيادة إذ ليس فيه ما ينفيها ويؤيد ذلك أن في حديث أبي سعيد المرفوع الذي أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان ويقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فان منزلك عند آخر آية تقرأها وعدد أي القرآن أكثر من ستة آلاف ومائتين والخلف فيما زاد على ذلك من الكسور وقوله فيه كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض وذكر هناك ما ورد في الترمذي انها مائة عام وفي الطبراني خمسمائة ويزاد هنا ما أخرجه بن خزيمة في التوحيد من صحيحه وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن بن مسعود قال بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة علم وبين كل سماء خمسمائة عام وفي رواية وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام والعرش فوق الماء والله فوق العرش ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأخرجه البيهقي من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه دون قوله وبين السابعة والكرسي الخ وزاد فيه وما بين السماء السابعة الى العرش مثل جميع ذلك وفي حديث العباس بن عبد المطلب عند أبي داود وصححه بن حزيمة والحاكم مرفوعا هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض قلنا لا قال إحدى أو اثنتان أو ثلاث وسبعون قال وما فوقها مثل ذلك حتى عد سبع سماوات ثم فوق السماء السابعة البحر أسفله من أعلاه مثل ما بين سماء الى سماء ثم فوقه ثمانية أوعال ما بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء الى سماء ثم العرش فوق ذلك بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء الى سماء ثم الله فوق ذلك والجمع بين اختلاف هذا العدد في هاتين الروايتين ان تحمل الخمسمائة على السير البطيء كسير الماشي على هينته وتحمل السبعين على السير السريع كسير السعاة ولولا التحديد بالزيادة على السبعين لحملنا السبعين على المبالغة فلا تنافي الخمسمائة وقد تقدم الجواب عن الفوقية في الذي قبله وقوله فيه وفوقه عرش الرحمن كذا للأكثر بنصب فوق على الظرفية ويؤيده الأحاديث التي قبل هذا وحكي في المشارق ان الأصيلي ضبطه بالرفع بمعنى أعلاه وأنكر ذلك في المطالع وقال انما قيده الأصيلي بالنصب كغيره والضمير في قوله فوقه للفردوس وقال بن التين بل هو راجع الى الجنة كلها وتعقب بما في آخر الحديث هنا ومنه تفجر انهار الجنة فان الضمير للفردوس جزما ولا يستقيم أن يكون للجنان كلها وان كان وقع في رواية الكشميهني ومنها تفجر لأنها خطأ فقد أخرج الإسماعيلي عن الحسن وسفيان عن إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري فيه بلفظ ومنه بالضمير المذكر الحديث السادس حديث أبي ذر وقد تقدم شرحه في بدء الخلق وفي تفسير سورة يس والمراد منه هنا اثبات ان العرش مخلوق لأنه ثبت ان له فوقا وتحتا وهما من صفات المخلوقات وقد تقدم صفة طلوع الشمس من المغرب في باب قول النبي قوله بعثت انا والساعة كهاتين من كتاب الرقاق قال بن بطال استئذان الشمس معناه أن الله يخلق فيها حياة يوجد القول عندها لأن الله قادر على احياء الجماد والموات وقال غيره يحتمل ان يكون الاستئذان اسند إليها مجازا والمراد من هو موكل بها من الملائكة الحديث السابع حديث زيد بن ثابت في جمع القرآن وقد تقدم شرحه في فضائل القرآن والمراد منه آخر سورة براءة المشار اليه بقوله تعالى

[ 6989 ] لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى قوله وهو رب العرش العظيم لأنه أثبت ان للعرش ربا فهو مربوب وكل مربوب مخلوق وموسى شيخه فيه هو بن إسماعيل وإبراهيم شيخ شيخه في السند الأول هو بن سعد ورواية الليث المعلقة تقدم ذكر من وصلها في تفسير سورة براءة وروايته المسندة تقدم سياقها في فضائل القرآن مع شرح الحديث الحديث الثامن حديث بن عباس في دعاء الكرب وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات وسعيد في سنده هو بن أبي عروبة وأبو العالية هو الرياحي بكسر ثم تحتانية خفيفة واسمه رفيع بفاء مصغر واما أبو العالية البراء بفتح الموحدة وتشديد الراء فاسمه زياد بن فيروز وروايته عن بن عباس في أبواب تقصير الصلاة الحديث التاسع حديث أبي سعيد ذكره مختصرا وتقدم بهذا السند الذي هنا تاما في كتاب الأشخاص وقوله

[ 6991 ] وقال الماجشون بكسر الجيم وضم المعجمة هو عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد الله بن الفضل أي بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي قوله عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف قال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف وتبعه جماعة من المحدثين انما روى الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج لا عن أبي سلمة وحكموا على البخاري بالوهم في قوله عن أبي سلمة وحديث الأعرج الذي أشير اليه تقدم في أحاديث الأنبياء من رواية عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون كما قالوا وكذا أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في التفسير من طريقه ولكن تحرر لي ان لعبد الله بن الفضل في هذا الحديث شيخين فقد أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة طرفا من هذا الحديث وظهر لي ان قول من قال عن الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج أرجح ومن ثم وصلها البخاري وعلق الأخرى فان سلكنا سبيل الجمع استغني عن الترجيح والا فلا استدراك على البخاري في الحالين وكذا لا تعقب على بن الصلاح في تفرقته بين ما يقول فيه البخاري قال فلان جازما فيكون محكوما بصحته بخلاف ما لا يجزم به فإنه لا يكون جازما بصحته وقد تمسك بعض من اعترض عليه بهذا المثال فقال جزم بهذه الرواية وهي وهم وقد عرف مما حررته الجواب عن هذا الاعتراض وتقدم شرح المتن في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وقد ساقه هناك بتمامه بسند الحديث هنا تكلمة وقع في مرسل قتادة ان العرش من ياقوتة حمراء أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه في قوله وكان عرشه على الماء قال هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء وله شاهد عن سهل بن سعد مرفوع لكن سنده ضعيف

قوله باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح اليه وقوله تعالى اليه يصعد الكلم الطيب وقال أبو جمرة بالجيم والراء عن بن عباس بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وقال مجاهد العمل الصالح يرفع الكلم الطيب يقال ذي المعارج الملائكة تعرج الى الله أما الآية الأولى فأشار الى ما جاء في تفسيرها في الكلام الأخير وهو قول الفراء والمعارج من نعت الله وصف بذلك نفسه لأن الملائكة تعرج اليه وحكى غيره ان معنى قوله ذي المعارج أي فواضل العالية وأما الآية الثانية فأشار الى تفسير مجاهد لها في الأثر الذي قبله وقد وصله الفريابي من رواية بن أبي نجيح عن مجاهد وأخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في تفسيرها الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائض الله فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه وقال الفراء معناه أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب أي يتقبل الكلام الطيب إذا كان معه عمل صالح وأما التعليق عن أبي جمرة فمضى موصولا في باب إسلام أبي ذر وساقه هناك بطوله والغرض منه قول أبي ذر لأخيه اعلم لي علم هذا الذي يأتيه الخبر من السماء وتقدم شرحه ثمة قال الراغب العروج ذهاب في صعود وقال أبو علي القالي في كتابه البارع المعارج جمع معرج بفتحتين كالمصاعد جمع مصعد والعروج الارتقاء يقال عرج بفتح الراء يعرج بضمها عروجا ومعرجا والمعرج المصعد والطريق التي تعرج فيها الملائكة الى السماء والمعراج شبيه السلم أو درج تعرج فيه الأرواح إذا قبضت وحيث تصعد أعمال بني آدم وقال بن دريد هو الذي يعاينه المريض عند الموت فيشخص فيما زعم أهل التفسير ويقال أنه بالغ في الحسن بحيث أن النفس إذا رأته لا تتمالك ان تخرج قال البيهقي صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول وعروج الملائكة هو الى منازلهم في السماء وأما ما وقع من التعبير في ذلك بقوله الى الله فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض وعن الأئمة بعدهم في التأويل وقال بن بطال غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر وقد تقرر ان الله ليس بجسم فلا يحتاج الى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان وانما أضاف المعارج اليه إضافة تشريف ومعنى الارتفاع اليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان انتهى وخلطه المجسمة بالجهمية من أعجب ما يسمع ثم ذكر فيه أربعة أحاديث لبعضها زيادة على الطريق الواحدة الحديث الأول عن أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الصلاة وإسماعيل شيخه هو بن أبي أويس والمراد منه

[ 6992 ] قوله فيه ثم يعرج الذين باتوا فيكم وقد تمسك بظواهر أحاديث الباب من زعم ان الحق سبحانه وتعالى في جهة العلو وقد ذكرت معنى العلو في حقه جل وعلا في الباب الذي قبله الحديث الثاني

[ 6993 ] قوله وقال خالد بن مخلد كذا للجميع ووقع عند الخطابي في شرحه قال أبو عبد الله البخاري حدثنا خالد بن مخلد قوله حدثنا سليمان هو بن بلال المندي المشهور وقد وصله أبو بكر الجوزقي في الجمع بين الصحيحين قال حدثنا أبو العباس الدغولي حدثنا محمد بن معاذ السلمي قال حدثنا خالد بن مخلد فذكره مثل رواية البخاري سواء وكان أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن معاذ وبيض له أبو نعيم في المستخرج ثم قال رواه فقال وقال خالد بن مخلد وأخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال لكن خالف في شيخ سليمان فقال عند سهيل بن أبي صالح عن أبيه كما أوضحت ذلك في أوائل الزكاة وقد ضاق مخرجه عن الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما فأخرجاه من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح وهذه الرواية هي التي تقدمت للبخاري في كتاب الزكاة ودلت الرواية المعلقة وموافقة الجوزقي لها على ان لخالد فيه شيخين كما ان لعبد الله بن دينار فيه شيخين على ما دل عليه التعليق الذي بعده قوله وقال ورقاء يعني بن عمر عن عبد الله عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصعد الى الله الا الطيب يريد ان رواية ورقاء موافقة لرواية سليمان الا في شيخ شيخهما فعند سليمان أنه عن أبي صالح وعند ورقاء انه عن سعيد بن يسار هذا في السند واما في المتن فظاهره انهما سواء الا في قوله الطيب فإنه في رواية ورقاء الطيب بغير ألف ولام وقد وصلها البيهقي من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم عن ورقاء فوقع عنده الطيب وقال في آخره مثل أحد عوض قوله في الرواية المعلقة مثل الجبل وقوله في الرواية المعلقة يتقبلها وقع في رواية الكشميهني يقبلها مخففا من غير مثناة وهي رواية البيهقي وقوله يربيها لصاحبه وقع في رواية المستملي يربيها لصاحبها وهي رواية البيهقي والباقي سواء وقد ذكرت في الزكاة اني لم أقف على رواية ورقاء هذه المعلقة ثم وجدتها بعد ذلك عند كتابتي هنا وقد تقدم شرح المتن في كتاب الزكاة ولله الحمد قال الخطابي ذكر اليمين في هذا الحديث معناه حسن القبول فان العادة قد جرت من ذوي الأدب بأن تصان اليمين عن مس الأشياء الدنيئة وانما تباشر بها الأشياء التي لها قدر ومزية وليس فيما يضاف الى الله تعالى من صفة اليدين شمال لأن الشمال لمحل النقص في الضعف وقد روى كلتا يديه يمين وليس اليد عندنا الجارحة انما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها وهذا مذهب أهل السنة والجماعة انتهى وقد مضى بعض ما يتعقب به كلامه في باب قوله لما خلقت بيدي الحديث الثالث حديث بن عباس في دعاء الكرب وقد تقدمت الإشارة اليه في الباب الذي قبله الحديث الرابع حديث أبي سعيد ذكره من وجهين عن سفيان وهو الثوري وأبوه هو سعيد بن مسروق وابن أبي نعم هو بضم النون وسكون المهملة اسمه عبد الرحمن والذي وقع عند قبيصة شيخ البخاري فيه من الشك هل هو أبو نعم أو بن أبي نعم لم يتابع عليه قبيصة وانما أورد طريق عبد الرزاق عقب رواية قبيصة مع نزولها وعلو رواية قبيصة لخلو رواية عبد الرزاق من الشك وقد مضى في أحاديث الأنبياء عن محمد بن كثير عن سفيان بالجزم ومضى شرح الحديث مستوفى في كتاب الفتن وقوله

[ 6995 ] بعث الى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة كذا فيه بعث على البناء للمجهول وبينه في رواية عبد الرزاق بقوله بعث علي وهو بن أبي طالب وهو في اليمن وفي رواية الكشميهني باليمن وقوله فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع بجيم خفيفة وشين معجمة مكسورة وبين عيينة بمهملة ونون مصغر بن بدر الفزاري وبين علقمة بن علاثة بضم المهملة وتخفيف اللام بعدها مثلثة العامري ثم أحد بني كلاب وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان وهؤلاء الأربعة كانوا من المؤلفة وكل منهم رئيس قومه فاما الأقرع فهو بن حابس بمهملتين وبموحدة بن عقال بكسر المهملة وقاف خفيفة وقد تقدم نسبه في تفسير سورة الحجرات وله ذكر في قسم الغنيمة يوم حنين قال المبرد كان في صدر الإسلام رئيس خندق وكان محله فيها محل عيينة بن حصن في قيس وقال المرزباني هو أول من حرم القمار وقيل كان سنوطا أعرج مع قرعه وعوره وكان يحكم في المواسم وهو آخر الحكام من بني تميم ويقال انه كان من دخل ممن العرب في المجوسية ثم أسلم وشهد الفتوح واستشهد باليرموك وقيل بل عاش الى خلافة عثمان فاصيب بالجوزجان واما عيينة بن بدر فنسب الى جد أبيه وهو عيينة بن حصن بن حذيفه بن بدر بن عمرو بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة وكان رئيس قيس في أول الإسلام وكنيته أبو مالك وقد مضى له ذكر في أوائل الاعتصام وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع وارتد مع طليحة ثم عاد الى الإسلام وأما علقمة فهو بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وكان رئيس بني كلاب مع عامر بن الطفيل وكانا يتنازعان الشرف فيهم ويتفاخران ولهما في ذلك أخبار شهيرة وقد مضى في باب بعث علي رضي الله عنه على اليمن من كتاب المغازي بلفظ والرابع اما قال علقمة بن علاثة واما قال عامر بن الطفيل وكان علقمة حكيما عاقلا لكن كان عامر أكثر منه عطاء وارتد علقمة مع من ارتد ثم عاد ومات في خلافة عمر بحوران ومات عامر بن الطفيل على شركه في الحياة النبوية واما زيد الخيل فهو بن مهلهل بن زيد بن منهب بن عبد بن رضى بضم الراء وتخفيف المعجمة وقيل له زيد الخيل لعنايته بها ويقال لم يكن في العرب أكثر خيلا منه وكان شاعرا خطيبا شجاعا جوادا وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير بالراء بدل اللام لما كان فيه من الخير وقد ظهر أثر ذلك فإنه مات على الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويقال بل توفي في خلافة عمر قال بن دريد كان من الخطاطين يعني من طوله وكان على صدقات بني أسد فلم يرتد مع من ارتد قوله فتغيظت قريش كذا للأكثر من الغيظ وفي رواية أبي ذر عن الحموي فتغضبت بضاد معجمة بغير ألف بعدها موحدة من الغضب وكذا للنسفي وقد مضى في قصة عاد من وجه آخر عن سفيان بلفظ فغضبت قريش والأنصار قوله إنما أتألفهم في الرواية التي في المغازي الا تأمنوني وأنا امين من في السماء وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة لكنه جرى على عادته في إدخال الحديث في الباب للفظة تكون في بعض طرقه هي المناسبة لذلك الباب يشير إليها ويريد بذلك شحذ الأذهان والبعث على كثرة الاستحضار وقد حكى البيهقي عن أبي بكر الضبعي قال العرب تضع في موضع على كقوله فسيحوا في الأرض وقوله ولأصلبنكم في جذوع النخل فكذلك قوله من في السماء أي على العرش فوق السماء كما صحت الأخبار بذلك الحديث الخامس حديث أبي ذر في قوله تعالى

[ 6996 ] والشمس تجري لمستقر لها أورده مختصرا وقد تقدمت الإشارة اليه في الباب الذي قبله قال بن المنير جميع الأحاديث في هذه الترجمة مطابقة لها الا حديث بن عباس فليس فيه الا قوله رب العرش ومطابقته والله أعلم من جهة انه نبه على بطلان قول من أثبت الجهة آخذا من قوله ذي المعارج ففهم ان العلو الفوقي مضاف الى الله تعالى فبين المصنف ان الجهة التي يصدق عليها انها سماء والجهة التي يصدق عليها انها عرش كل منهما مخلوق مربوب محدث وقد كان الله قبل ذلك وغيره فحدثت هذه الأمكنة وقدمه يحيل وصفه بالتحيز فيها والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة كأنه يشير الى ما أخرجه عبد بن حميد والترمذي والطبري وغيرهم وصححه الحاكم من طريق ثوير بن أبي فاختة عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه ألف سنة وان أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه ربه عز وجل في كل يوم مرتين قال ثم تلي وجوه يومئذ ناضرة قال بالبياض والصفاء الى ربها ناظرة قال تنظر كل يوم في وجه الله لفظه الطبري من طريق مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن ثوير وأخرجه عبد عن شبابه عن إسرائيل ولفظه لمن ينظر الى جنانه وأزواجه وخدمه ونعيمه وسروره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله تعالى من ينظر الى وجهه غدوة وعشية وكذا أخرجه الترمذي عن عبد وقال غريب رواه غير واحد عن إسرائيل مرفوعا ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن بن عمر موقوفا ورواه الثوري عن ثوير عن مجاهد عن بن عمر موقوفا أيضا قال ولا نعلم أحدا ذكر فيه مجاهدا غير الثوري بالعنعنة قلت أخرجه بن مردويه من أربعة طرق عن اسرائيل عن ثوير قال سمعت بن عمر ومن طريق عبد الملك بن أبجر عن ثوير مرفوعا وقال الحاكم بعد تخريجه ثوير لم ينقم عليه الا التشيع قلت لا أعلم أحدا صرح بتوثيقه بل أطبقوا على تضعيفه وقال بن عدي الضعف على أحاديثه بين وأقوى ما رأيت فيه قول أحمد بن حنبل فيه وفي ليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زياد ما أقرب بعضهم من بعض وأخرج الطبري من طريق أبي الصهباء موقوفا نحو حديث بن عمر وأخرج بسند صحيح الى يزيد النحوي عن عكرمة في هذه الآية قال تنظر الى ربها نظرا وأخرج عن البخاري عن آدم عن المبارك عن الحسن قال تنظر الى الخالق وحق لها ان تنظر وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة انظروا ماذا أعطى الله عبده من النور في عينه من النظر الى وجه ربه الكريم عيانا يعني في الجنة ثم قال لو جعل نور جميع الخلق في عيني عبد ثم كشف عن الشمس ستر واحد ودونها سبعون سترا ما قدر على ان ينظر إليها ونور الشمس جزء من سبعين جزأ من نور الكرسي ونور الكرسي جزء من سبعين جزأ من نور العرش ونور العرش جزء من سبعين جزأ من نور الستر وإبراهيم فيه ضعف وقد أخرج عبد بن حميد عن عكرمة من وجه آخر إنكار الرؤية ويمكن الجمع بالحمل على غير أهل الجنة وأخرج بسند صحيح عن مجاهد ناظرة تنظر الثواب وعن أبي صالح نحوه وأورد الطبري الاختلاف فقال الأولى عندي بالصواب ما ذكرناه عن الحسن البصري وعكرمة وهو ثبوت الرؤية لموافقته الأحاديث الصحيحة وبالغ بن عبد البر في رد الذي نقل عن مجاهد وقال هو شذوذ وقد تمسك به بعض المعتزلة وتمسكوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل عن الإسلام والايمان والإحسان وفيه أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك قال بعضهم فيه إشارة الى انتفاء الرؤية وتعقب بأن المنفي فيه رؤيته في الدنيا لأن العبادة خاصة بها فلو قال قائل ان فيه إشارة الى جواز الرؤية في الآخرة لما أبعد وزعمت طائفة من المتكلمين كالسالمية من أهل البصرة ان في الخبر دليلا على ان الكفار يرون الله في القيامة من عموم اللقاء والخطاب وقال بعضهم يراه بعض دون بعض وأحتجوا بحديث أبي سعيد حيث جاء فيه أن الكفار يتساقطون في النار إذا قيل لهم الا تردون ويبقى المؤمنون وفيهم المنافقون فيرونه لما ينصب الجسر ويتبعونه ويعطي كل انسان منهم نوره ثم يطفأ نور المنافقين وأجابوا عن قوله انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون انه بعد دخول الجنة وهو احتجاج مردود فان بعد هذه الآية ثم أنهم لصالو الجحيم فدل على ان الحجب وقع قبل ذلك وأجاب بعضهم بأن الحجب يقع عند اطفاء النور ولا يلزم من كونه يتجلى للمؤمنين ومن معهم ممن أدخل نفسه فيهم ان تعمهم الرؤية لأنه أعلم بهم فينعم على المؤمنين برؤيته دون المنافقين كما يمنعهم من السجود والعلم عند الله تعالى قال البيهقي وجه الدليل من الآية أن لفظ ناضرة الأول بالضاد المعجمة الساقطة من النضرة بمعنى السرور ولفظ ناظرة بالظاء المعجمة المشالة يحتمل في كلام العرب أربعة أشياء نظر التفكر والاعتبار كقوله تعالى أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت ونظر الانتظار كقوله تعالى ما ينظرون الا صيحة واحدة ونظر التعطف والرحمة كقوله تعالى لا ينظر الله إليهم ونظر الرؤية كقوله تعالى ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت والثلاثة الأول غير مرادة اما الأول فلأن الآخرة ليست بدار استدلال وأما الثاني فلأن في الانتظار تنغيصا وتكديرا والآية خرجت مخرج الامتنان والبشارة وأهل الجنة لا ينظرون شيئا لأنه مهما خطر لهم أتوابه وأما الثالث فلا يجوز لأن المخلوق لا يتعطف على خالقه فلم يبق الا نظر الرؤية وأنضم الى ذلك ان النظر إذا ذكر مع الوجه انصرف الى نظر العينين اللتين في الوجه ولأنه هو الذي يتعدى بالى قوله تعالى ينظرون إليك وإذا ثبت ان ناظرة هنا بمعنى رائية اندفع قول من زعم ان المعنى ناظرة الى ثوابها لأن الأصل عدم التقدير وايد منطوق الآية في حق المؤمنين بمفهوم الآية الأخرى في حق الكافرين انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقيدها بالقيامة في الآيتين إشارة الى ان الرؤية تحصل للمؤمنين في الآخرة دون الدنيا انتهى ملخصا موضحا وقد أخرج أبو العباس السراج في تاريخه عن الحسن بن عبد العزيز الجروي وهو من شيوخ البخاري سمعت عمرو بن أبي سلمة سمعت يقول مالك بن أنس وقيل له يا أبا عبد الله قول الله تعالى الى ربها ناظرة يقول قوم الى ثوابه فقال كذبوا فأين هم عن قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ومن حيث النظر ان كل موجود يصح ان يرى وهذا على سبيل التنزل والا فصفات الخالق لا تقاس على صفات المخلوقين وأدلة السمع طافحة بوقوع ذلك في الآخرة لأهل الإيمان دون غيرهم ومنع ذلك في الدنيا الا انه اختلف في نبينا صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من الفرق بين الدنيا والآخرة ان أبصار أهل الدنيا فانية وأبصارهم في الآخرة باقية جيد ولكن لم يمنع تخصيص ذلك بمن ثبت وقوعه له ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية متمسكين بان من شرط المرئي ان يكون في جهة والله منزه عن الجهة واتفقوا على انه يرى عباده فهو راء لا من جهة واختلف من اثبت الرؤية في معناها فقال قوم يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات وهو على وفق قوله في حديث الباب كما ترون القمر الا أنه منزه عن الجهة والكيفية وذلك أمر زائد على العلم وقال بعضهم ان المراد بالرؤية العلم وعبر عنها بعضهم بأنها حصول حالة في الإنسان نسبتها الى ذاته المخصوصة نسبة الابصار الى المرئيات وقال بعضهم رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم الا انه أتم واوضح من العلم وهذا أقرب الى الصواب من الأول وتعقب الأول بأنه حينئذ لا اختصاص لبعض دون بعض لأن العلم لا يتفاوت وتعقبه بن التين بأن الرؤية بمعنى العلم تتعدى لمفعولين تقول رأيت زيدا فقيها أي علمته فان قلت رأيت زيدا منطلقا لم يفهم منه الا رؤية البصر ويزيده تحقيقا قوله في الخبر أنكم سترون ربكم عيانا لأن اقتران الرؤية بالعيان لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم وقال بن بطال ذهب أهل السنة وجمهور الأمة الى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثا وحالا في مكان وأولوا قوله ناظرة بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بالى ثم ذكر نحو ما تقدم ثم قال وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئي قال وتعلقوا بقوله تعالى لا تدركه الأبصار وبقوله تعالى لموسى لن تراني والجواب عن الأول أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير احاطة بحقيقته وعن الثاني المراد لن تراني في الدنيا جمعا أيضا ولأن نفي الشيء لا يقتضي احالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف وقال القرطبي اشترط النفاة في الرؤية شروطا عقلية كالبنية المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في خبط لهم وتحكم وأهل السنة لا يشترطون شيئا من ذلك سوى وجود المرئي وان الرؤية إدراك يخلقه الله للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى ثم ذكر المؤلف في باب أحد عشر حديثا الحديث الأول حديث جرير ذكره مطولا ومختصرا من ثلاثة أوجه

[ 6997 ] قوله خالد أو هشيم كذا في نسخة من رواية أبي ذر عن المستملي بالشك وفي أخرى بالواو وكذا للباقين قوله عن إسماعيل وهو بن أبي خالد قوله عن قيس هو بن أبي حازم ونسب في رواية مروان بن معاوية عن إسماعيل المشار إليها قوله عن جرير في رواية مروان المذكورة سمعت جرير بن عبد الله وفي رواية بيان في الباب عن قيس حدثنا جرير قوله كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في رواية جرير عن إسماعيل في تفسير سورة ق كنا جلوسا ليلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ليلة البدر في رواية إسحاق ليلة أربع عشرة ووقع في رواية بيان المذكورة خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر فقال ويجمع بينهما بان القول لهم صدر منه بعد ان جلسوا عنده قوله إنكم سترون ربكم في رواية عبد الله بن نمير وأبي أسامة ووكيع عن إسماعيل عند مسلم أنكم ستعرضون على ربكم فترونه وفي رواية أبي شهاب أنكم سترون ربكم عيانا هكذا اقتصر أبو شهاب على هذا القدر من الحديث للأكثر ووقع في رواية المستملي في أوله خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر فقال وأخرجه الإسماعيلي من طريق خلف بن هشام عن أبي شهاب كالأكثر ومن طريق محمد بن زياد البلدي عن أبي شهاب مطولا واسم أبي شهاب هذا عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون واسم الراوي عنه عاصم بن يوسف كان خياطا بالخاء المعجمة والتحتانية قال الطبري تفرد أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد بقوله عيانا وهو حافظ متقن من ثقات المسلمين انتهى وذكر شيخ الإسلام الهروي في كتابه الفاروق ان زيد بن أبي أنيسة رواه أيضا عن إسماعيل بهذا اللفظ وساقه من رواية أكثر من ستين نفسا عن إسماعيل بلفظ واحد كالأول قوله لا تضامون بضم أوله وتخفيف الميم للأكثر وفيه روايات أخرى تقدم بيانها في باب الصراط جسر جهنم من كتاب الرقاق وقال البيهقي سمعت الشيخ الامام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في املائه في قوله لا تضامون في رؤيته بالضم والتشديد معناه لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم الى بعض ومعناه بفتح التاء كذلك والأصل لا تتضامون في رؤيته باجتماع في جهة وبالتخفيف من الضيم ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فانكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة والتشبيه برؤية القمر للرؤية دون تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك الحديث الثاني حديث أبي هريرة ان الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب الحديث بطوله وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الرقاق ووقع هنا في

[ 7000 ] قوله فإذا جاء ربنا عرفناه في رواية أبي ذر عن الكشميهني فإذا جاءنا ويحتاج الى تأمل وفي قوله أول من يجيز في رواية المستملي يجيء من المجيء وفي قوله ويعطي ربه في رواية الكشميهني ويعطي الله وفي قوله أي رب لا أكون في رواية المستملي لا أكونن وقد تقدمت الإشارة لذلك وغيره في شرح الحديث الحديث الثالث حديث أبي سعيد في معنى حديث أبي هريرة بطوله وتقدم شرحه أيضا هناك وقوله

[ 7001 ] في سنده عن زيد هو بن أسلم وعطاء هو بن يسار وقوله فيه وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم في رواية الكشميهني الههم بالافراد وقوله ما يجلسكم بالجيم واللام من الجلوس أي يقعدكم عن الذهاب وفي رواية الكشميهني ما يحبسكم بالحاء والموحدة من الحبس أي يمنعكم وهو بمعناه وقوله فيه فيأتيهم الله في صورة استدل بن قتيبة بذكر الصورة على ان لله صورة لا كالصور كما ثبت أنه شيء لا كالأشياء وتعقبوه وقال بن بطال تمسك به المجسمة فاثبتوا لله صورة ولا حجة لهم فيه لاحتمال ان يكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول صورة حديثك كذا وصورة الأمر كذا والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة وأجاز غيره ان المراد بالصورة الصفة واليه ميل البيهقي ونقل بن التين ان معناه صورة الاعتقاد وأجاز الخطابي أن يكون الكلام خرج على وجه المشاكلة لما تقدم من ذكر الشمس والقمر والطواغيت وقد تقدم بسط هذا هناك وكذا قوله نعوذ بك وقال غيره في قوله في الصورة التي يعرفونها يحتمل ان يشير بذلك الى ما عرفوه حين أخرج ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ثم يذكرهم بها في الآخرة وقوله فإذا رأينا ربنا عرفناه قال بن بطال عن المهلب ان الله يبعث لهم ملكا ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء فإذا قال لهم أنا ربكم ردوا عليه لما رأوا عليه من صفة المخلوق فقوله فإذا جاء ربنا عرفناه أي إذا ظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره وعظمة لا تشبه شيئا من مخلوقاته فحينئذ يقولون أنت ربنا قال واما قوله هل بينكم وبينه علامة تعرفونها فيقولون الساق فهذا يحتمل ان الله عرفهم على ألسنة الرسل من الملائكة أو الأنبياء ان الله جعل لهم علامة تجليه الساق وذلك انه يمتحنهم بإرسال من يقول لهم انا ربكم والى ذلك الإشارة بقوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت وهي وان ورد انها في عذاب القبر فلا يبعد ان تتناول يوم الموقف أيضا قال واما الساق فجاء عن بن عباس في قوله تعالى يوم يكشف عن ساق قال عن شدة من الأمر والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت ومنه قد سن أصحابك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق وجاء عن أبي موسى الأشعري في تفسيرها عن نور عظيم قال بن فورك معناه ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف وقال المهلب كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة وقال الخطابي تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق ومعنى قول بن عباس ان الله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة وأسند البيهقي الأثر المذكور عن بن عباس بسندين كل منهما حسن وزاد إذا خفي عليكم شيء من القرآن فاتبعوه من الشعر وذكر الرجز المشار اليه وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد في سنة قد كشفت عن ساقها وأسند البيهقي من وجه آخر صحيح عن بن عباس قال يريد يوم القيامة قال الخطابي وقد يطلق ويراد النفس وقوله فيه ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعه فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ذكر العلامة جمال الدين بن هشام في المغني أنه وقع في البخاري في هذا الموضع كيما مجردة وليس بعدها لفظ يسجد فقال بعد ان حكى عن الكوفيين ان كي ناصبة دائما قال ويرده قولهم كيمه كما يقولون لمه وأجابوا بأن التقدير كي تفعل ماذا ويلزمهم كثرة الحذف واخراج ما الاستفهامية عن الصدر وحذف ألفها في غير الجر وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب وكل ذلك لم يثبت نعم وقع في صحيح البخاري في تفسير وجوه يومئذ ناضرة فيذهب كيما فيعود ظهره طبقا واحدا أي كيما يسجد وهو غريب جدا لا يحتمل القياس عليه انتهى كلامه وكأنه وقعت له نسخة سقطت منها هذه اللفظة لكنها ثابتة في جميع النسخ التي وقفت عليها حتى ان بن بطال ذكرها بلفظ كي يسجد بحذف ما وكلام بن هشام يوهم أن البخاري أورده في التفسير وليس كذلك بل ذكرها هنا فقط وقوله فيه فيعود ظهره طبقا واحدا قال بن بطال تمسك به من أجاز تكليف ما لا يطاق من الأشاعرة واحتجوا أيضا بقصة أبي لهب وان الله كلفه الإيمان به مع اعلامه بأنه يموت على الكفر ويصلى نارا ذات لهب قال ومنع الفقهاء من ذلك وتمسكوا بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها وأجابوا عن السجود بأنهم يدعون اليه تبكيتا إذ ادخلوا أنفسهم في المؤمنين الساجدين في الدنيا فدعوا مع المؤمنين الى السجود فتعذر عليهم فاظهر الله بذلك نفاقهم وأخزاهم قال ومثله من التبكيت ما يقال لهم بعد ذلك ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا وليس في هذا تكليف ما لا يطاق بل إظهار خزيهم ومثله كلف أن يعقد شعيرة فانها للزيادة في التوبيخ والعقوبة انتهى ولم يجب عن قصة أبي لهب وقد ادعى بعضهم ان مسألة تكليف ما لا يطاق لم تقع الا بالإيمان فقط وهي مسألة طويلة الذيل ليس هذا موضع ذكرها وقوله قال مدحضة مزلة بفتح الميم وكسر الزاي ويجوز فتحها وتشديد اللام قال أي موضع الزلل ويقال بالكسر في المكان وبالفتح في المقال ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني هنا الدحض الزلق ليدحضوا ليزلقوا زلقا لا يثبت فيه قدم وهذا قد تقدم لهم في تفسير سورة الكهف وتقدم هناك الكلام عليه وقوله عليه خطا طيف وكلاليب تقدم بيانه وقوله وحسكة بفتح الحاء والسين المهملتين قال صاحب التهذيب وغيره الحسك نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ مثله من حديد وهو من آلات الحرب وقوله مفلطحة بضم الميم وفتح الفاء وسكون اللام بعدها طاء ثم حاء مهملتان كذا وقع عند الأكثر وفي رواية الكشميهني مطلفحة بتقديم الطاء وتأخير الفاء واللام قبلها ولبعضهم كالأول لكن بتقديم الحاء على الطاء والأول هو المعروف في اللغة وهو الذي فيه اتساع وهو عريض يقال فلطح القرص بسطه وعرضه وقوله شوكة عقيفة بالقاف ثم الفاء وزن عظيمة ولبعضهم عقيفاء بصيغة التصغير ممدود تنبيه قرأت في تنقيح الزركشي وقع هنا في حديث أبي سعيد بعد شفاعة الأنبياء فيقول الله بقيت شفاعتي فيخرج من النار من لم يعمل خيرا وتمسك به بعضهم في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار ورد بوجهين أحدهما أن هذه الزيادة ضعيفة لأنها غير متصلة كما قال عبد الحق في الجمع والثاني ان المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين كما تدل عليه بقية الأحاديث هكذا قال والوجه الأول غلط منه فان الرواية متصلة هنا وأما نسبة ذلك لعبد الحق فغلط على غلط لأنه لم يقله الا في طريق أخرى وقع فيها أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من خير قال هذه الرواية غير متصلة ولما ساق حديث أبي سعيد الذي في هذا الباب ساقه بلفظ البخاري ولم يتعقبه بأنه غير متصل ولو قال ذلك لتعقبناه عليه فإنه لا انقطاع في السند أصلا ثم ان لفظ حديث أبي سعيد هنا ليس كما ساقه الزركشي وانما فيه فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيخرج أقواما قد امتحشوا ثم قال في آخره فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن ادخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيجوز ان يكون الزركشي ذكره بالمعنى الحديث الرابع حديث أنس في الشفاعة وقد مضى شرحه مستوفى في باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق وقوله

[ 7002 ] هنا وقال حجاج بن منهال حدثنا همام كذا عند الجميع الا في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري فقال فيها حدثنا حجاج وقد وصله الإسماعيلي من طريق إسحاق بن إبراهيم وأبو نعيم من طريق محمد بن أسلم الطوسي قالا حدثنا حجاج بن منهال فذكره بطوله وساقوا الحديث كله الا النسفي فساق منه الى قوله خلقك الله بيده ثم قال فذكر الحديث ووقع لأبي ذر عن الحموي نحوه لكن قال وذكر الحديث بطوله بعد قوله حتى يهموا بذلك ونحوه للكشميهني وقوله فيه ثلاث كذبات في رواية المستملي ثلاث كلمات وقوله فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه قال الخطابي هذا يوهم المكان والله منزه عن ذلك وانما معناه في داره الذي اتخذها لأوليائه وهي الجنة وهي دار السلام وأضيفت اليه إضافة تشريف مثل بيت الله وحرم الله وقوله فيه قال قتادة سمعته يقول فأخرجهم هو موصول بالسند المذكور ووقع للكشميهني وسمعته أيضا يقول وللمستملي وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم الأول بفتح الهمزة وضم الراء والثاني بضم الهمزة وكسر الراء الحديث الخامس حديث أنس اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فاني على الحوض

[ 7003 ] قوله في السند حدثني عمي هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبوه هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وليعقوب فيه شيخ آخر أخرجه مسلم من طريقه أيضا عن بن أخي بن شهلب عن عمه وهي أعلى من روايته إياه عن أبيه عن صالح وهو بن كيسان عن بن شهاب الزهري قوله أرسل الى الأنصار فجمعهم في قبة كذا أورده مختصرا وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه وقال في أوله لما أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن ثم أحال ببقيته على الرواية التي قبلها من طريق يونس عن الزهري فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش فذكر الحديث في معاتبتهم وفي آخره فقالوا بلى يا رسول الله رضينا قال فانكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فاني على الحوض وقد تقدم من وجه آخر في غزوة حنين وساقه من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أتم منه وتقدم شرحه مستوفى هناك بحمد الله تعالى والغرض منه هنا قوله حتى تلقوا الله ورسوله فانها زيادة لم تقع في بقية الطرق وقد تقدم في أوائل الفتن من رواية أنس عن أسيد بن الحضير في قصة فيها فسترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني وترجم له في مناقب الأنصار باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعني للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض قال الراغب اللقاء مقابلة الشيء ومصادفته لقيه يلقاه ويقال أيضا في الأدراك بالحس وبالبصيرة ومنه ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه وملاقاة الله يعبر بها عن الموت وعن يوم القيامة وقيل ليوم القيامة يوم التلاق لالتقاء الأولين والآخرين فيه الحديث السادس عن بن عباس في الدعاء عند قيام الليل وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب التهجد مستوفى والغرض منه

[ 7004 ] قوله ولقاؤك حق وقد ذكرت ما يتعلق باللقاء في الذي قبله وسفيان في سنده هو الثوري وسليمان هو بن أبي مسلم وقوله فيه وقال قيس بن سعد وأبو الزبير عن طاوس قيام يريد أن قيس بن سعد روى هذا الحديث عن طاوس عن بن عباس فوقع عنده بدل قوله أنت قيم السماوات والأرض أنت قيام السماوات والأرض وكذلك أبو الزبير عن طاوس وطريق قيس وصلها مسلم وأبو داود من طريق عمران بن مسلم عن قيس ولم يسوقا لفظه وساقها النسائي كذلك وأبو نعيم في المستخرج ورواية أبي الزبير وصلها مالك في الموطأ عنه وأخرجها مسلم من طريقه ولفظه قيام السماوات والأرض قوله وقال مجاهد القيوم القائم على كل شيء وصله الفريابي وتفسيره عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد بهذا قال الحليمي القيوم القائم على كل شيء من خلقه يدبره بما يريد وقال أبو عبيدة بن المثنى القيوم فيعول وهو القائم الذي لا يزول وقال الخطابي القيوم نعت للمبالغة في القيام على كل شيء فهو القيم على كل شيء بالرعاية له قوله وقرأ عمر القيام قلت تقدم ذكر من وصله عن عمر في تفسير سورة نوح قوله وكلاهما مدح أي القيوم والقيام لأنهما من صيغ المبالغة الحديث السابع حديث عدي بن حاتم ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان وقوله

[ 7005 ] في سنده عن خيثمة في رواية حفص بن غياث عن الأعمش حدثني خيثمة بن عبد الرحمن كما تقدم في كتاب الرقاق وسياقه هناك أتم وسيأتي أيضا من وجه آخر عن الأعمش وقوله ولا حجاب يحجبه في رواية الكشميهني ولا حاجب قال بن بطال معنى رفع الحجاب إزالة الآفة من أبصار المؤمنين المانعة لهم من الرؤية فيرونه لارتفاعها عنهم بخلق ضدها فيهم ويشير اليه قوله تعالى في حق الكفار كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في شرح قوله في قصة معاذ واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب المراد بالحاجب والحجاب نفي المانع من الرؤية كما نفى عدم إجابة دعاء المظلوم ثم استعار الحجاب للرد فكان نفيه دليلا على ثبوت الإجابة والتعبير بنفي الحجاب أبلغ من التعبير بالقبول لأن الحجاب من شأنه المنع من الوصول الى المقصود فاستعير نفيه لعدم المنع ويتخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخييلية وهي ان يشترك شيئان في وصف ثم يعتمد لوازم أحدهما حيث تكون جهة الاشتراك وصفا فيثبت كماله في المستعار بواسطة شيء آخر فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في اثبات المشترك قال وبالحمل على هذه الاستعارة التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجسم قال ويحتمل ان يراد بالحجاب استعارة محسوس لمعقول لأن الحجاب حسي والمنع عقلي قال وقد ورد ذكر الحجاب في عدة أحاديث صحيحة والله سبحانه وتعالى منزه عما يحجبه إذ الحجاب انما يحيط بمقدر محسوس ولكن المراد بحجابه منعه أبصار خلقه وبصائرهم بما شاء متى شاء كيف شاء وإذا شاء كشف ذلك عنهم ويؤيده

[ 7006 ] قوله في الحديث الذي بعده وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه فان ظاهره ليس مرادا قطعا فهي استعارة جزما وقد يكون المراد بالحجاب في بعض الأحاديث الحجاب الحسي لكنه بالنسبة للمخلوقين والعلم عند الله تعالى ونقل الطيبي في شرح حديث أبي موسى عند مسلم حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره أن فيه إشارة الى ان حجابه خلاف الحجب المعهودة فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله وأشعة عظمته وكبريائه وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتبهت الأبصار وتتحير البصائر فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق الا احترق ولا منظور الا اضمحل وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له بما ذكر فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل فعبر به عنه وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة ان الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار الآخرة المعدة للبقاء والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع الى الخلق لأنهم هم المحجوبون عنه وقال النووي أصل الحجاب المنع من الرؤية والحجاب في حقيقة اللغة الستر وانما يكون في الأجسام والله سبحانه منزه عن ذلك فعرف أن المراد المنع من رؤيته وذكر النور لأنه يمنع من الإدراك في العادة لشعاعه والمراد بالوجه الذات وبما انتهى اليه بصره جميع المخلوقات لأنه سبحانه محيط بجميع الكائنات الحديث الثامن حديث أبي موسى وعبد العزيز بن عبد الصمد هو بن عبد الصمد العمي بفتح المهملة وتشديد الميم وأبو عمران هو عبد الملك بن حبيب الجوني وأبو بكر هو بن أبي موسى الأشعري وقد تقدم ذلك في تفسير سورة الرحمن قوله جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما في رواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد لا أعلمه الا قد رفعه قال جنتان من ذهب للمقربين ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين أخرجه الطبري وابن أبي حاتم ورجاله ثقات وفيه رد على ما حكيته عن الترمذي الحكيم ان المراد بقوله تعالى ومن دونهما جنتان الدنو بمعنى القرب لا انهما دون الجنتين المذكورتين قبلهما وصرح جماعة بأن الأوليين أفضل من الأخريين وعكس بعض المفسرين والحديث حجة للأولين قال الطبري اختلف في قوله ومن دونهما جنتان فقال بعضهم معناه في الدرجة وقال آخرون معناه في الفضل وقوله جنتان إشارة الى قوله تعالى ومن دونهما جنتان وتفسير له وهو خبر مبتدأ محذوف أي هما جنتان وآنيتهما مبتدأ ومن فضة خبره قاله الكرماني قال ويحتمل ان يكون فاعل فضة كما قال بن مالك مررت بواد ابل كله ان كله فاعل أي جنتان مفضض آنيتهما انتهى ويحتمل ان يكون بدل اشتمال وظاهر الأول أن الجنتين من ذهب لا فضة فيهما وبالعكس ويعارضه حديث أبي هريرة قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة الحديث أخرجه أحمد والترمذي وصححه بن حبان وله شاهد عن بن عمر أخرجه الطبراني وسنده حسن وآخر عن أبي سعيد أخرجه البزار ولفظه خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة الحديث ويجمع بأن الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنان كلها ويؤيده انه وقع عند البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وعلى هذا فقوله آنيتهما وما فيهما بدل من قوله من ذهب ويترجح الاحتمال الثاني قوله وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه قال المازري كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب العرب بما تفهم ويخرج لهم الأشياء المعنوية الى الحس ليقرب تناولهم لها فعبر عن زوال الموانع ورفعه عن الابصار بذلك وقال عياض كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرا وهو أرفع ادوات بديع فصاحتها وايجازها ومنه قوله تعالى جناح الذل فمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى ومن لم يفهم ذلك تاه فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر الى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم ان الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها اما ان يكذب نقلتها واما ان يؤولها كأن يقول استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته انتهى ملخصا وقال الطيبي قوله على وجهه حال من رداء الكبرياء وقال الكرماني هذا الحديث من المتشابهات فاما مفوض واما متأول بأن المراد بالوجه الذات والرداء صفة من صفة الذات اللازمة المنزهة عما يشبه المخلوقات ثم استشكل ظاهره بأنه يقتضي ان رؤية الله غير واقعة وأجاب بأن مفهومه بيان قرب النظر إذ رداء الكبرياء لا يكون مانعا من الرؤية فعبر عن زوال المانع عن الابصار بإزالة المراد انتهى وحاصله ان رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكأن في الكلام حذفا تقديره بعد قوله الا رداء الكبرياء فإنه يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر اليه فكأن المراد ان المؤمنين إذا تبوؤا مقاعدهم من الجنة لولا ما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل فإذا أراد أكرامهم حفهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر اليه سبحانه ثم وجدت في حديث صهيب في تفسير قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ما يدل على ان المراد برداء الكبرياء في حديث أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب وانه سبحانه يكشف لأهل الجنة اكراما لهم والحديث عند مسلم والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة قال فيكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم منه ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أخرجه مسلم عقب حديث أبي موسى ولعله أشار الى تأويله به وقال القرطبي في المفهم الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الآخر الكبرياء ردائي والعظمة ازاري وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة ان الرداء والازار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر العظمة والكبرياء بهما ومعنى حديث الباب ان مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالا للنعمة فإذا زال المانع فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء فكأنه رفع عنهم حجابا كان يمنعهم ونقل الطبري عن علي وغيره في قوله تعالى ولدينا مزيد قال هو النظر الى وجه الله قوله في جنة عدن قال بن بطال لا تعلق للمجسمة في اثبات المكان لما ثبت من استحالة أن يكون سبحانه جسما أو حالا في مكان فيكون تأويل الرداء الآفة الموجودة لأبصارهم المانعة لهم من رؤيته وإزالتها فعل من أفعاله يفعله في محل رؤيتهم فلا يرونه ما دام ذلك المانع موجودا فإذا فعل الرؤية زال ذلك المانع وسماه رداء لتنزله في المنع منزلة الرداء الذي يحجب الوجه عن رؤيته فأطلق عليه الرداء مجازا وقوله في جنة عدن راجع الى القوم وقال عياض معناه راجع الى النظرين أي وهم في جنة عدن لا الى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه وقال القرطبي يتعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل كائنين في جنة عدن وقال الطيبي قوله في جنة عدن متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف فيقيد بالمفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة واليه أشار التوربشتي بقوله يشير الى ان المؤمن إذا تبوأ مقعده والحجب مرتفعة والموانع التي تحجب عن النظر الى ربه مضمحلة الا ما يصدهم من الهيبة كما قيل أشتاقه فإذا بدا أطرقت من اجلاله فإذا حفهم برأفته ورحمته رفع ذلك عنهم تفضلا منه عليهم الحديث التاسع عن عبد الله وهو بن مسعود

[ 7007 ] قوله قال عبد الله وهو بن مسعود راويه وهو موصول بالسند المذكور قوله مصداقه أي الحديث ومصداق بكسر أوله مفعال من الصدق بمعنى الموافقة قوله ان الذين يشترون الى أن قال ولا يكلمهم الله الآية كذا لأبي ذر وغيره والمراد هنا من هذه الآية قوله بعده ولا ينظر إليهم ويؤخذ منه تفسير قوله لقي الله وهو عليه غضبان ومقتضاه أن الغضب سبب لمنع الكلام والرؤية والرضا سبب لوجودهما وقد تقدم في شرح هذا الحديث في كتاب الأيمان والنذور الحديث العاشر حديث أبي هريرة

[ 7008 ] قوله عن عمرو هو بن دينار المكي وقد تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في كتاب الشرب وتقدم شرحه مستوفى في أواخر الأحكام الحديث الحادي عشر حديث أبي بكرة وعبد الوهاب في سنده هو بن عبد المجيد الثقفي وأيوب هو السختياني ومحمد هو بن سيرين وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن كما وقع التصريح به في كتاب الحج والسند كله بصريون وقد تقدم بعينه في بدء الخلق وفي المغازي وأغفل المزي ذكر هذا السند في التوحيد وفي المغازي وهو ثابت فيهما وزعم انه أخرجه في التفسير عن أبي موسى ولم أره في التفسير مع انه لم يذكر منه في بدء الخلق الا قطعة يسيرة الى

[ 7009 ] قوله وشعبان وساقه بتمامه في المغازي وهنا الا أنه سقط من وسطه هنا عند أبي ذر عن السرخسي قوله قال فأي يوم هذا الى قوله قال فان دماءكم وقد تقدم شرحه مفرقا اما ما يتعلق بأوله وهو ان الزمان قد استدار كهيئته ففي تفسير سورة براءة وأما ما يتعلق بالشهر الحرام والبلد الحرام ففي باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج واما ما يتعلق بالنهي عن ضرب بعضهم رقاب بعض ففي كتاب الفتن واما ما يتعلق بالحث على التبليغ ففي كتاب العلم والمراد منه هنا قوله وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد ذكرت ما فسر به اللقاء في الحديث الخامس وبالله التوفيق تكملة جمع الدارقطني طرق الأحاديث الواردة في رؤية الله تعالى في الآخرة فزادت على العشرين وتتبعها بن القيم في حادي الأرواح فبلغت الثلاثين وأكثرها جياد وأسند الدارقطني عن يحيى بن معين قال عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية صحاح

قوله باب ما جاء في قول الله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين قال بن بطال الرحمة تنقسم الى صفة ذات والى صفة فعل وهنا يحتمل ان تكون صفة ذات فيكون معناها إرادة اثابة الطائعين ويحتمل ان تكون صفة فعل فيكون معناها أن فضل الله بسوق السحاب وانزال المطر قريب من المحسنين فكان ذلك رحمة لهم لكونه بقدرته وارادته ونحو تسمية الجنة رحمة لكونها فعلا من أفعاله حادثة بقدرته وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات باب الأسماء التي تتبع اثبات التدبير لله دون من سواه فمن ذلك الرحمن الرحيم قال الخطابي معنى الرحمن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم واسباب معايشهم ومصالحهم قال والرحيم خاص بالمؤمنين كما قال سبحانه وكان بالمؤمنين رحيما وقال غيره الرحمن خاص في التسمية عام في الفعل والرحيم عام في التسمية خاص في الفعل انتهى وقد تقدم شيء من هذا في أوائل التوحيد في باب قل أدعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وتكلم أهل العربية على الحكمة في تذكير قريب مع انه وصف الرحمة فقال الفراء قريبة وبعيدة ان أريد بها النسب ثبوتا ونفيا فتؤنث جزما فتقول فلانة قريبة أو ليست قريبة لي فان أريد المكان جاز الوجهان لأن صفة المكان فتقول فلانة قريبة وقريب إذا كانت في مكان غير بعيد ومنه قوله عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد ومنه قول امرؤ القيس له الويل ان أمسى ولا أم سالم قريب البيت وأما قول بعضهم سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما فمردود لأنه ود الجائز بالمشهور وقال تعالى وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا وقال أبو عبيدة قريب من قوله تعالى قريب من المحسنين ليس وصفا للرحمة انما هو ظرف لها فجاز في التأنيث والتذكير ويصلح للجمع والمثنى والمفرد ولو أريد بها الصفة لوجبت المطابقة وتعقبه الأخفش بأنها لو كانت ظرفا لنصبت وأجيب بأنه يتسع في الظرف ووراء ذلك أجوبة أخرى متقاربة ويقال ان أقواها قول أبي عبيدة فقيل هي صفة لموصوف محذوف أي شيء قريب وقيل لما كانت بمعنى الغفران أو العفو أو المطر أو الإحسان حملت عليه وقيل الرحم بالضمة والرحمة بمعنى واحد فذكر باعتبار الرحم وقيل المعنى انها ذات قرب كقولهم حائض لأنها ذات حيض وقيل هو مصدر جاء على فعيل كنقيق لصوت الضفدع وقيل لما كان وزنه وزن المصدر نحو زفير وشهيق أعطى حكمة في استواء التذكير والتأنيث وقيل أن الرحمة بمعنى مفعلة فتكون بمعنى مفعول وفعيل بمعنى مفعول كثير وقيل أعطى فعيل بمعنى فاعل حكم فعيل بمعنى مفعول وقيل هو من التأنيث المجازي كطلع الشمس وبهذا جزم بن التين وتعقبوه بأن شرطه تقدم الفعل وهنا جاء الفعل متأخرا فلا يجوز الا في ضرورة الشعر وأجيب بأن بعضهم حكى الجواز مطلقا والله أعلم ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث أسامة بن زيد وقد تقدم التنبيه عليه في أوائل كتاب التوحيد وقوله

[ 7010 ] انما يرحم الله فيه اثبات صفة الرحمة له وهو مقصود الترجمة ثانيها حديث أبي هريرة اختصمت الجنة والنار ويعقوب في سنده هو بن إبراهيم بن سعد الذي تقدم في الحديث الخامس من الباب قبله والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وليس لصالح بن كيسان عنه في الصحيحين الا هذا الحديث

[ 7011 ] قوله اختصمت في رواية همام عن أبي هريرة المتقدمة في سورة ق تحاجت ولمسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج احتجت وكذا له من طريق بن سيرين عن أبي هريرة وكذا في حديث أبي سعيد عنده قال الطيبي تحاجت أصله تحاججت وهو مفاعلة من الحجاج وهو الخصام وزنه ومعناه يقال حاججته محاججة ومحاجة وحجاجا أي غالبته بالحجة ومنه فحج آدم موسى لكن حديث الباب لم يظهر فيه غلبة واحد منهما قلت انما وزان فحج آدم موسى لو جاء تحاجت الجنة والنار فحاجت الجنة النار والا فلا يلزم من وقوع الخصام الغلبة قال بن بطال عن المهلب يجوز ان يكون هذا الخصام حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهما وكلاما والله قادر على كل شيء ويجوز ان يكون هذا مجازا كقولهم امتلأ الحوض وقال قطني والحوض لا يتكلم وانما ذلك عبارة عن امتلائه وانه لو كان ممن ينطق لقال ذلك وكذا في قول النار هل من مزيد قال وحاصل اختصاصهما افتخار أحدهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار انها بمن ألقي فيها من عظماء الدنيا أبر عند الله من الجنة وتظن الجنة أنها بمن أسكنها من أولياء الله تعالى أبر عند الله فأجيبتا بأنه لا فضل لإحداهما على الأخرى من طريق من يسكنهما وفي كلاهما شائبة شكاية الى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما الا ما اختصت به وقد رد الله الأمر في ذلك الى مشيئته وقد تقدم كلام النووي في هذا في تفسير ق وقال صاحب المفهم يجوز ان يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنة والنار لأنه لا يشترط عقلا في الأصوات ان يكون محلها حيا على الراجح ولو سلمنا الشرط لجاز ان يخلق الله في بعض أجزائهما الجمادية حياة لا سيما وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى وان الدار الآخرة لهي الحيوان ان كل ما في الجنة حي ويحتمل ان يكون ذلك بلسان الحال والأول أولى قوله فقالت الجنة يا رب ما لها فيه التفات لأن نسق الكلام ان تقول ما لي وقد وقع كذلك في رواية همام ما لي وكذا المسلم عن أبي الزناد قوله إلا ضعفاء الناس وسقطهم زاد مسلم وعجزهم وفي رواية له وغرثهم وقد تقدم بيان المراد بالضعفاء في تفسير ق وسقطهم بفتحتين جمع الساقط وهو النازل القدر الذي لا يؤبه له وسقط المتاع رديئه وعجزهم بفتحتين أيضا جمع عاجز ضبطه عياض وتعقبه القرطبي بأنه يلزم ان يكون بتاء التأنيث ككاتب وكتبه وسقوط التاء في هذا الجمع نادر قال والصواب بضم أوله وتشديد الجيم مثل شاهد وشهد وأما غرثهم فهو بمعجمة ومثلثه جمع غرثان أي جيعان ووقع في رواية الطبري بكسر أوله وتشديد الراء ثم مثناة أي غفلتهم والمراد به أهل الإيمان الذين لم يتفطنوا للشبه ولم توسوس لهم الشياطين بشيء من ذلك فهم أهل عقائد صحيحة وايمان ثابت وهم الجمهور وأما أهل العلم والمعرفة فهم بالنسبة إليهم قليل قوله وقالت النار فقال للجنة كذا وقع هنا مختصرا قال بن بطال سقط قول النار هنا من جميع النسخ وهو محفوظ في الحديث رواه بن وهب عن مالك بلفظ أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين قلت هو في غرائب مالك للدارقطني وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء عن أبي الزناد وله من رواية سفيان عن أبي الزناد يدخلني الجبارون والمتكبرون وفي رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة ما لي لا يدخلني الا أخرجه النسائي وفي حديث أبي سعيد فقالت النار في أخرجه أبو يعلى وساق مسلم سنده قوله فقال الله تعالى للجنة أنت رحمتي زاد أبو الزناد في روايته ارحم بك من أشاء من عبادي وكذا لهمام قوله وقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء زاد أبو الزناد من عبادي قوله ملؤها بكسر أوله وسكون اللام بعدها همزة قوله فأما الجنة فان الله لا يظلم من خلقه أحدا وانه ينشىء للنار من يشاء قال أبو الحسن القابسي المعروف في هذا الموضع ان الله ينشىء للجنة خلقا واما النار فيضع فيها قدمه قال ولا اعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشىء للنار خلقا الا هذا انتهى وقد مضى في تفسير سورة ق من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد فيضع الرب عليها قدمه فتقول قط قط ومن طريق همام بلفظ فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتلىء ويزوى بعضها الى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وتقدم هناك بيان اختلافهم في المراد بالقدم مستوفى وأجاب عياض بأن أحد ما قيل في تأويل القدم انهم قوم تقدم في علم الله انه يخلقهم قال فهذا مطابق للإنشاء وذكر القدم بعد الإنشاء يرجح أن يكونا متغايرين وعن المهلب قال في هذه الزيادة حجة لأهل السنة في قولهم ان لله ان يعذب من لم يكلفه لعبادته في الدنيا لأن كل شيء ملكه فلو عذبهم لكان غير ظالم انتهى وأهل السنة انما تمسكوا في ذلك بقوله تعالى لا يسئل عما يفعل و يفعل ما يشاء وغير ذلك وهو عندهم من جهة الجواز واما الوقوع ففيه نظر وليس في الحديث حجة للاختلاف في لفظه ولقبوله التأويل وقد قال جماعة من الأئمة ان هذا الموضع مقلوب وجزم بن القيم بأنه غلط واحتج بأن الله تعالى أخبر بان جهنم تمتلىء من إبليس واتباعه وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله ولا يظلم ربك أحد ثم قال وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب انتهى ويمكن التزام ان يكونوا من ذوي الأرواح ولكن لا يعذبون كما في الخزنة ويحتمل ان يراد بالانشاء ابتداء إدخال الكفار النار وعبر عن ابتداء الادخال بالانشاء فهو إنشاء الادخال لا الإنشاء بمعنى ابتداء الخلق بدليل قوله فيلقون فيها وتقول هل من مزيد وأعادها ثلاث مرات ثم قال حتى يضع فيها قدمه فحينئذ تمتلىء فالذي يملؤها حتى تقول حسبي هو القدم كما هو صريح الخبر وتأويل القدم قد تقدم والله أعلم وقد أيد بن أبي جمرة حمله على غير ظاهره بقوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون إذ لو كان على ظاهره لكان أهل النار في نعيم المشاهدة كما يتنعم أهل الجنة برؤية ربهم لأن مشاهدة الحق لا يكون معها عذاب وقال عياض يحتمل ان يكون معنى قوله عند ذكر الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا انه يعذب من يشاء غير ظالم له كما قال أعذب بك من أشاء ويحتمل ان يكون راجعا الى تخاصم أهل الجنة والنار فان الذي جعل لكل منهما عدل وحكمة وباستحقاق كل منهم من غير أن يظلم أحدا وقال غيره يحتمل أن يكون ذلك على سبيل التلميح بقوله تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع أجر من أحسن عملا فعبر عن ترك تضييع الأجر بترك الظلم والمراد أنه يدخل من أحسن الجنة التي وعد المتقين برحمته وقد قال للجنة أنت رحمتي وقال ان رحمة الله قريب من المحسنين وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة والعلم عند الله تعالى وفي الحديث دلالة على اتساع الجنة والنار بحيث تسع كل من كان ومن يكون الى يوم القيامة وتحتاج الى زيادة وقد تقدم في آخر الرقاق ان آخر من يدخل الجنة يعطى مثل الدنيا عشرة أمثالها وقال الداودي يؤخذ من الحديث أن الأشياء توصف بغالبها لأن الجنة قد يدخلها غير الضعفاء والنار قد يدخلها غير المتكبرين وفيه رد على من حمل قول النار هل من مزيد على أنه استفهام إنكار وانها لا تحتاج الى زيادة الحديث الثالث حديث أنس قوله سفع بفتح المهملة وسكون الفاء ثم مهملة هو أثر تغير البشرة فيبقى فيها بعض سواد قوله وقال همام حدثنا قتادة حدثنا أنس تقدم موصولا في كتاب الرقاق مع شرحه وأراد به هنا ان العنعنة التي في طريق هشام محمولة على السماع بدليل رواية همام والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى ان الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا وقع لبعضهم يمسك السماوات على أصبع وهو خطأ ذكر فيه حديث بن مسعود قال المهلب الآية تقتضي انهما ممسكتان بغير آلة والحديث يقتضي انهما ممسكتان بالأصبع والجواب ان الإمساك بالأصبع محال لأنه يفتقر الى ممسك وأجاب غيره بأن الإمساك في الآية يتعلق بالدنيا وفي الحديث بيوم القيامة وقد مضى توجيه الأصبع من كلام أهل السنة مع شرحه في باب قوله لما خلقت بيدي قال الراغب امساك الشيء التعلق به وحفظه ومن الثاني قوله تعالى ويمسك السماء أن تقع على الأرض الآية ويقال أمسكت عن كذا امتنعت عنه ومنه هل هن ممسكات رحمته قوله ان الله يضع السماوات على أصبع الحديث ومضى هناك بلفظ ان الله يمسك وهو المطابق للترجمة لكن جرى على عادته في الإشارة وذكر فيه من وجه آخر عن الأعمش وفيه تصريحه بسماعه له من إبراهيم وهو النخعي وموسى شيخ البخاري فيه هو بن إسماعيل كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وقوله جاء حبر بفتح المهملة ويجوز كسرها بعدها موحدة ساكنة ثم راء واحد الأحبار وذكر صاحب المشارق انه وقع في بعض الروايات جاء جبريل قال وهو تصحيف فاحش وهو كما قال فقد مضى في الباب المشار اليه جاء رجل وفي الرواية التي قبلها أن يهوديا جاء ولمسلم جاء حبر من اليهود فعرف ان من قال جبريل فقد صحف

قوله باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرها من الخلائق كذا للأكثر تخليق وفي رواية الكشمهيني خلق السماوات وعليها شرح بن بطال وهو المطابق للآية وأما التخليق فإنه من خلق بالتشديد وقد استعمل في مثل قوله تعالى مخلقة وغير مخلقة وتقدمت الإشارة الى تفسيره في كتاب الحيض قوله وهو فعل الرب وأمره المراد بالأمر هنا قوله كن والأمر يطلق بإزاء معان منها صيغة افعل ومنها الصفة والشأن والأول المراد هنا قوله فالرب بصفاته وفعله وأمره كذا ثبت للجميع وزاد أبو ذر في روايته وكلامه قوله هو الخالق المكون غير مخلوق المكون بتشديد الواو المكسورة لم يرد في الأسماء الحسنى ولكن ورد معناه وهو المصور وقوله وكلامه بعد قوله وأمره من عطف الخاص على العام لأن المراد بالأمر هنا قوله كن وهو من جملة كلامه وسقط قوله من هذا الموضع وفعله في بعض النسخ قال الكرماني وهو أولى ليصح لفظ غير مخلوق كذا قال وسياق المصنف يقتضي التفرقة بين الفعل وما ينشأ عن الفعل فالأول من صفة الفاعل والباري غير مخلوق فصفاته غير مخلوقة وأما مفعوله وهو ما ينشأ عن فعله فهو مخلوق ومن ثم عقبه بقوله وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون بفتح الواو والمراد بالأمر هنا المأمور به وهو المراد بقوله تعالى وكان أمر الله مفعولا وبقوله تعالى والله غالب على امره ان قلنا الضمير لله وبقوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا بقوله تعالى قل الروح من أمر ربي وفي الحديث الصحيح أن الله يحدث من أمره ما يشاء وفيه سبوح قدوس رب الملائكة والروح وأما قوله تعالى الا له الخلق والأمر فسيأتي في آخر كتاب التوحيد احتجاج بن عيينة وغيره به على ان القرآن غير مخلوق لأن المراد بالأمر قوله تعالى كن وقد عطف على الخلق والعطف يقتضي المغايرة وكن من كلامه فصح الاستدلال ووهم من ظن ان المراد بالأمر هنا هو المراد بقوله تعالى وكان أمر الله مفعولا لأن المراد به في هذه الآية المأمور فهو الذي يوجد بكن وكن صيغة الأمر وهي من كلام الله وهو غير مخلوق والذي يوجد بها هو المخلوق وأطلق عليه الأمر لأنه نشأ عنه ثم وجدت بيان مراده في كتابه الذي أفرده في خلق أفعال العباد فقال اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد ولذلك قالوا كن مخلوق وقال السلف التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات انتهى ومسئلة التكوين مشهورة بين المتكلمين وأصلها أنهم اختلفوا هل صفة الفعل قديمة أو حادثة فقال جمع من السلف منهم أبو حنيفة هي قديمة وقال آخرون منهم بن كلاب والأشعري هي حادثة لئلا يلزم ان يكون المخلوق قديما وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق وأجاب الأشعري بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضارب ولا مضروب فألزموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث بالله فأجاب بأن هذه الصفات لا تحدث في الذات شيئا جديدا فتعقبوه بأنه يلزم ان لا يسمى في الأزل خالقا ولا رازقا وكلام الله قديم وقد ثبت انه فيه الخالق الرزاق فانفصل بعض الأشعرية بأن إطلاق ذلك انما هو بطريق المجاز وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة ولم يرتض هذا بعضهم بل قال وهو المنقول عن الأشعري نفسه ان الأسامي جارية مجرى الأعلام والعلم ليس بحقيقة ولا مجاز في اللغة واما في الشرع فلفظ الخالق الرازق صادق عليه تعالى بالحقيقة الشرعية والبحث انما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية فالزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل فأجاب ان الإطلاق هنا شرعي لا لغوي انتهى وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة القول الأول والصائر اليه يسلم من الوقوع في مسألة حوادث لا أول لها وبالله التوفيق واما بن بطال فقال غرضه بيان أن جميع السماوات والأرض وما بينهما مخلوق لقيام دلائل الحدوث عليها ولقيام البرهان على انه لا خالق غير الله وبطلان قول من يقول ان الطبائع خالقة أو الأفلاك أو النور أو الظلمة أو العرش فلما فسدت جميع هذه المقالات لقيام الدليل على حدوث ذلك كله وافتقاره الى محدث لاستحالة وجود محدث لا محدث له وكتاب الله شاهد بذلك كآية الباب استدل بآيات السماوات والأرض على وحدانيته وقدرته وأنه الخلاق العظيم وأنه خلاق سائر المخلوقات لانتفاء الحوادث عنه الدالة على حدوث من يقوم به وان ذاته وصفاته غير مخلوقة والقرآن صفة له فهو غير مخلوق ولزم من ذلك أن كل ما سواه كان عن أمره وفعله وتكوينه وكل ذلك مخلوق له انتهى ولم يعرج على ما أشار اليه البخاري فلله الحمد على ما انعم

[ 7014 ] قوله في الحديث فلما كان ثلث الليل الأخير أو بعضه في رواية الكشميهني أو نصفه بنون ومهملة وفاء وقد تقدم في تفسير آل عمران بهذا السند والمتن لكن لم يذكر فيه هذه اللفظة

قوله باب قوله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ذكر فيه ستة أحاديث أولها حديث أبي هريرة ان رحمتي سبقت غضبي وقد تقدم شرحه في باب قوله تعالى ويحذركم الله نفسه وأشار به الى ترجيح القول بأن الرحمة من صفات الذات لكون الكلمة من صفات الذات فمهما استشكل في إطلاق السبق في صفة الرحمة جاء مثله في صفة الكلمة ومهما أجيب به عن قوله سبقت كلمتنا حصل به الجواب عن قوله سبقت رحمتي وقد غفل عن مراده من قال دل وصف الرحمة بالسبق على انها من صفات الفعل وقد سبق في شرح الحديث قول من قال المراد بالرحمة إرادة إيصال الثواب وبالغضب إرادة إيصال العقوبة فالسبق حينئذ بين متعلقي الإرادة فلا اشكال وقوله

[ 7015 ] في أول الحديث لما قضى الله الخلق أي خلقهم وكل صنعة محكمة متقنة فهي قضاء ومنه قوله تعالى إذا قضى أمرا الحديث الثاني حديث بن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب القدر والمراد منه هنا

[ 7016 ] قوله فيسبق عليه الكتاب وفيه من البحث ما تقدم في الذي قبله ونقل بن التين عن الداودي انه قال في هذا الحديث رد على من قال ان الله لم يزل متكلما بجميع كلامه لقوله فيؤمر بأربع كلمات لأن الأمر بالكلمات انما يقع عند التخليق وكذا قوله ثم ينفخ فيه الروح وهو انما يقع بقوله كن وهو من كلامه سبحانه وقال ويزد قول من قال انه لو شاء لعذب أهل الطاعة ووجه الرد انه ليس من صفة الحكيم ان يتبدل علمه وقد علم في الأزل من يرحم ومن يعذب وتعقبه بن التين بأنهما كلام أهل السنة ولن يحتج لهم ووجه الرد على ما ادعاه الداودي أما الأول فالآمر انما هو الملك ويحمل على انه يتلقاه من اللوح المحفوظ واما الثاني فالمراد لو قدر ذلك في الأزل لوقع فلا يلزم ما قال الحديث الثالث حديث بن عباس في نزول قوله تعالى

[ 7017 ] وما نتنزل الا بأمر ربك وقد تقدم شرحه في تفسير سورة مريم وزاد هنا قال كان هذا الجواب لمحمد وللكشميهني هذا كان الجواب لمحمد والأمر في قوله هنا بأمر ربك بمعنى الإذن أي ما نتنزل الى الأرض الا بإذنه ويحتمل ان يكون المراد بالوحي والباء للمصاحبة ويجيء في قول جبريل عليه السلام بأمر ربك البحث الذي تقدم قبله عن الداودي وجوابه الحديث الرابع حديث بن مسعود في نزول قوله تعالى

[ 7018 ] ويسألونك عن الروح و يحيي شيخه فيه هو بن جعفر وقد تقدم شرحه في التفسير ويأتي شيء منه في الباب الذي بعده وقوله فظننت أنه يوحي اليه يأتي في الذي بعده بلفظ فعلمت فقيل أطلق العلم وأراد الظن وقيل بالعكس وقيل ظن أولا ثم تحقق آخرا فاطلاق الظن باعتبار أول ما رآه وإطلاق العلم باعتبار آخر الحال الحديث الخامس حديث أبي هريرة تكفل الله لمن جاهد في سبيله والمراد منه هنا

[ 7019 ] قوله وتصديق كلماته أي الواردة القرآن بالحث على الجهاد وما وعد فيه من الثواب وشيخه إسماعيل فيه هو بن أبي أويس وتقدم بهذا السند في فرض الخمس وتقدم شرحه في كتاب الجهاد وستأتى الإشارة اليه أيضا بعد باب الحديث السادس حديث أبي موسى من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو في سبيل الله وقد تقدم شرحه في الجهاد والمراد هنا بقوله كلمة الله هي العليا كلمة التوحيد أي كلمة توحيد الله وهي المراد بقوله تعالى قل تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الآية ويحتمل ان يكون المراد بالكلمة القضية قال الراغب كل قضية تسمى كلمة سواء كانت قولا أو فعلا والمراد هنا حكمه وشرعه

قوله باب قول الله تعالى انما أمرنا لشيء إذا اردناه زاد غير أبي ذر ان نقول له كن فيكون ونقص إذا اردناه من رواية أبي زيد المروزي قال عياض كذا وقع لجميع الرواة عن الفربري من طريق أبي ذر والأصيلى والقابسي وغيرهم وكذا وقع في روايه النسفي وصواب التلاوة انما قولنا وكأنه أراد ان يترجم بالآية الأخرى وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر وسبق القلم الى هذه قلت وقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر انما قولنا على وفق التلاوة وعليها شرح بن التين فان لم يكن من إصلاح من تأخر عنه والا فالقول ما قاله القاضى عياض قال بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية حدثنا أبي قال قال أحمد بن حنبل دل على ان القرآن غير مخلوق حديث عبادة أول ما خلق الله القلم فقال اكتب الحديث قال وانما نطق القلم بكلامه لقوله انما قولنا لشيء إذا اردناه ان نقول له كن فيكون قال فكلام الله سابق على أول خلقه فهو غير مخلوق عن الربيع بن سليمان سمعت البويطى يقول خلق الله الخلق كله بقوله كن فلو كان كن مخلوقا لكان قد خلق الخلق بمخلوق وليس كذلك ثم ذكر فيه خمسة أحاديث الأول حديث المغيرة وقوله

[ 7021 ] فيه عن إسماعيل هو بن أبي خالد وقيس هو بن أبي حازم والغرض منه ومن الذي بعده قوله حتى يأتيهم أمر الله وقد تقدم بيان المراد به عند شرحه في كتاب الاعتصام وقال بن بطال المراد بأمر الله في هذا الحديث الساعة والصواب أمر الله بقيام الساعة فيرجع الى حكمه وقضائه والثاني والثالث حديث معاوية في ذلك وفيه رواية مالك بن يخامر بضم التحتانية وتخفيف الخاء المعجمة وكسر الميم عن معاذ وهم بالشام وذكر معاوية عنه ذلك وقوله

[ 7022 ] فيه ولا من خذلهم وقع في رواية الاصيلى حذاهم بكسر المهملة ثم دال معجمة بعدها الف لينة قال ولها وجه يعنى من جاورهم ممن لا يوافقهم قال ولكن الصواب بفتح الخاء المعجمة وباللام من الخذلان وابن جابر المذكور فيه هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نسب لجده الحديث الرابع حديث بن عباس في شأن مسيلمة ذكر منه طرفا وقد تقدم بتمامه في اواخر المغازي مع شرحه والغرض منه

[ 7023 ] قوله ولن يعدوا أمر الله فيك أي ما قدره عليك من الشقاء أو السعادة الحديث الخامس حديث بن مسعود في سؤال اليهود عن الروح وقوله

[ 7024 ] قل الروح من أمر ربي تمسك به من زعم ان الروح قديمة زعما ان المراد بالأمر هنا الأمر الذي في قوله تعالى الا له الخلق والأمر وهو فاسد فان الأمر ورد في القرآن لمعان بتبين المراد بكل منها من سياق الكلام وسيأتى في باب والله خلقكم وما تعملون ما يتعلق بالأمر الذي في قوله تعالى الا له الخلق والأمر وانه بمعنى الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام واما الأمر في حديث بن مسعود هذا فان المراد به المأمور كما يقال الخلق ويراد به المخلوق وقد وقع التصريح في بعض طرق الحديث ففي تفسير السدي عن أبي مالك عن بن عباس وعن غيره في قوله تعالى قل الروح من أمر ربي يقول هو خلق من خلق الله ليس هو شيء من أمر الله وقد اختلف في المراد بالروح المسؤل عنها هل هي الروح التي تقوم بها الحياة أو الروح المذكور في قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا وفي قوله تعالى تنزل الملائكة والروح فيها وتمسك من قال بالثاني بأن السؤال انما يقع في العادة عما لا يعرف الا بالوحي والروح التي بها الحياة قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا بخلاف الروح المذكور فان أكثر الناس لا علم لهم به بل هي من علم الغيب بخلاف الأولى وقد اطلق الله لفظ الروح على الوحي في قوله تعالى وكذلك اوحينا إليك روحا من أمرنا وفي قوله يلقي الروح من امره على من يشاء وعلى القوة والثبات والنصر في قوله تعالى وأيدهم بروح منه وعلى جبريل في عدة آيات وعلى عيسى بن مريم ولم يقع في القرآن تسمية روح بنى آدم روحا بل سماها نفسا في قوله النفس المطمئنة والنفس الامارة بالسوء والنفس اللوامة واخرجوا أنفسكم ونفس وما سواها كل نفس ذائقة الموت وتمسك من زعم بأنها قديمه باضافتها الى الله تعالى في قوله تعالى ونفخت فيه من روحي ولا حجة فيه لأن الإضافة تقع على صفه تقوم بالموصوف كالعلم والقدرة وعلى ما ينفصل عنه كبيت الله وناقة الله فقوله روح الله من هذا القبيل الثاني وهي إضافة تخصيص وتشريف وهي فوق الإضافة العامة التي بمعنى الإيجاد فالإضافة على ثلاث مراتب إضافة ايجاد واضافة تشريف واضافة صفة والذي يدل على ان الروح مخلوقة عموم قوله تعالى الله خالق كل شيء وهو رب كل شيء ربكم ورب آبائكم الأولين والارواح مربوبة وكل مربوب مخلوق رب العالمين وقوله تعالى لزكريا وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا وهذا الخطاب لجسده وروحه معا ومنه قوله هل اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وقوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم سواء قلنا ان قوله خلقنا يتناول الأرواح والأجساد معا أو الأرواح فقط ومن الأحاديث الصحيحة حديث عمران بن حصين كان الله ولم يكن شيء غيره وقد تقدم التنبيه عليه في كتاب بدء الخلق وقد وقع الاتفاق على ان الملائكة مخلوقون وهم أرواح وحديث الأرواح جنود مجندة والجنود المجندة لا تكون الا مخلوقة وقد تقدم هذا الحديث وشرحه في كتاب الأدب وحديثه أبي قتادة ان بلالا قال لما ناموا في الوادي يا رسول الله اخذ بنفسي الذي اخذ بنفسك والمراد بالنفس الروح قطعا لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ان الله قبض ارواحكم حين شاء الحديث كما في قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية وقد تقدم الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في سورة سبحان وقوله في آخره وما اوتوا من العلم الا قليلا كذا للأكثر ووقع في رواية الكشميهني وما اوتيتم على وفق القراءة المشهورة ويؤيد الأول قوله في بقيته قال الأعمش هكذا في قراءتنا قال بن بطال غرضه الرد على المعتزلة في زعمهم ان أمر الله مخلوق فتبين ان الأمر هو قوله تعالى للشيء كن فيكون بامره له وان امره وقوله بمعنى واحد وانه يقول كن حقيقة وان الأمر غير الخلق لعطفه عليه بالواو انتهى وسيأتي مزيد لهذا في باب والله خلقكم وما تعملون

قوله باب قول الله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الى قوله جئنا بمثله مددا في رواية أبي زيد المروزي الى آخر الآية وساق في رواية كريمة الآية كلها قوله وقوله ولو ان ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله جاء في سبب نزولها ما أخرجه بن أبي حاتم بسند صحيح عن بن عباس في قصة سؤال اليهود عن الروح ونزول قوله تعالى قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم الا قليلا قالوا كيف وقد أوتينا التوراة فنزلت قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الآية فأخرج عبد الرزاق في تفسيره من طريق أبي الجوزاء قال لو كان كل شجرة في الأرض اقلاما والبحر مدادا لنفد الماء وتكسرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله وعن معمر عن قتادة ان المشركين قالوا في هذا القرآن يوشك ان ينفد فنزلت وأخرج بن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه وفيه فأنزل الله لو كان شجر الأرض أقلاما ومع البحر سبعة أبحر مدادا لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحار قبل أن تنفد قال بن أبي حاتم حدثنا أبي سمعت بعض أهل العلم يقول قول الله عز وجل انا كل شيء خلقناه بقدر وقوله قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر الآية يدل على ان القرآن غير مخلوق لأنه لو كان مخلوقا لكان له قدر وكانت له عناية ولنفد كنفاد المخلوقين وتلا قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي الى آخر الآية قوله ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار سخر ذلل كذا لأبي ذر عن المستملي وحده وفي رواية أبي زيد المروزي وقوله ان ربكم الله وساق الى ان قال بعد قوله على العرش الى قوله تبارك الله رب العالمين وساق في رواية كريمة الآية كلها وذكر فيه حديث أبي هريرة المشار اليه قريبا تكفل الله لمن جاهد في سبيله والمراد منه قوله وتصديق كلمته ووقع في نسخة من طريق أبي ذر وكلمات بصيغة الجمع قال بن التين يحتمل ان يكون المراد بكلماته الأوامر الواردة بالجهاد وما وعد عليه من الثواب ويحتمل ان يراد بها ألفاظ الشهادتين وأن تصديقه بها يثبت في نفسه عداوة من كذبهما والحرص على قتله وقوله خلق السماوات والأرض في ستة أيام تقدم بيان السنة في الكلام على حديث بن عباس في تفسير حم فصلت وقوله يغشي الليل النهار أي ويغشي النهار الليل فحذف لدلالة السياق عليه وهو قوله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل والغرض من الآية قوله الا له الخلق والأمر وسيأتي بسط القول فيه في أواخر هذا الكتاب في باب والله خلقكم وما تعملون ان شاء الله تعالى وحذف بن بطال هذ الباب وما فيه

قوله باب في المشيئة والإرادة قال الراغب المشيئة عند الأكثر كالارادة سواء وعند بعضهم ان المشيئة في الأصل ايجاد الشيء واصابته فمن الله الإيجاد ومن الناس الإصابة وفي العرف تستعمل موضع الإرادة قوله وقول الله تعالى تؤتي الملك من تشاء وقوله وما تشاؤن الا ان يشاء الله وقوله ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله وقوله انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال البيهقي بعد ان ساق بسنده الى الربيع بن سليمان قال الشافعي المشيئة إرادة الله وقد اعلم الله خلقه ان المشيئة له دونهم فقال وما تشاؤن الا ان يشاء الله فليست للخلق مشيئة الا ان يشاء الله وبه الى الربيع قال سئل الشافعي عن القدر فقال ما شئت كان وان لم أشأ وما شئت ان لم تشأ لم يكن الأبيات ثم ساق مما تكرر من ذكر المشيئة في الكتاب العزيز أكثر من أربعين موضعا منها غير ما ذكر في الترجمة قوله تعالى في البقرة ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم وقوله يختص برحمته من يشاء وقوله ولو شاء الله لأعنتكم وقوله وعلمه مما يشاء وقوله في آل عمران قل ان الفضل بيد الله يؤته من يشاء وقوله ويجتبي من رسله من يشاء وقوله في النساء ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء واما قوله في الأنعام سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا الآية فقد تمسك بها المعتزلة وقالوا ان فيها ردا على أهل السنة والجواب ان أهل السنة تمسكوا بأصل قامت عليه البراهين وهو ان الله خالق كل مخلوق ويستحيل ان يخلق المخلوق شيئا والإرادة شرط في الخلق ويستحيل ثبوت المشروط بدون شرطه فلما عاند المشركون المعقول وكذبوا المنقول الذي جاءتهم به الرسل وألزموا الحجة بذلك تمسكوا بالمشيئة والقدر السابق وهي حجة مردودة لأن القدر لا تبطل به الشريعة وجريان الأحكام على العباد بأكسابهم فمن قدر عليه بالمعصية كان ذلك علامة على انه قدر عليه العقاب الا ان يشاء أن يغفر له من غير المشركين ومن قدر عليه بالطاعة كان ذلك علامة على انه قدر عليه بالثواب وحرف المسئلة ان المعتزلة قاسوا الخالق على المخلوق وهو باطل لأن المخلوق لو عاقب من يطيعه من اتباعه عد ظالما لكونه ليس مالكا له بالحقيقة والخالق لو عذب من يطيعه لم يعد ظالما لأن الجميع ملكه فله الأمر كله يفعل ما يشاء ولا يسئل عما يفعل وقال الراغب يدل على ان الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله وان أفعال العباد متعلقة بها وموقوفة عليها ما اجتمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع الأفعال وأخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة الزهري من طريق بن أخي الزهري عن عمه قال كان عمر بن الخطاب يأمر برواية قصيدة لبيد التي يقول فيها ان تقوى ربنا خير نفل وباذن الله ريثى وعجل احمد الله فلا ند له بيديه الخير ما شاء فعل من هداه سبل الخير اهتدى ناعم البال ومن شاء أضل وحرف النزاع بين المعتزلة وأهل السنة ان الإرادة عند أهل السنة تابعة للعلم وعندهم تابعة للأمر ويدل لأهل السنة قوله تعالى يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة وقال بن بطال غرض البخاري اثبات المشيئة والإرادة وهما بمعنى واحد وارادته صفة من صفات ذاته وزعم المعتزلة أنها صفة من صفات فعله وهو فاسد لأن ارادته لو كانت محدثة لم يخل ان يحدثها في نفسه أو في غيره أو في كل منهما أو لا في شيء منها والثاني والثالث محال لأنه ليس محلا للحوادث والثاني فاسد أيضا لأنه يلزم ان يكون الغير مريدا لها وبطل ان يكون الباري مريدا إذ المريد من صدرت منه الإرادة وهو الغير كما بطل ان يكون عالما إذا أحدث العلم في غيره وحقيقة المريد ان تكون الإرادة منه دون غيره والرابع باطل لأنه يستلزم قيامها بنفسها وإذا فسدت هذه الأقسام صح انه مريد بإرادة قديمة هي صفة قائمة بذاته ويكون تعلقها بما يصح كونه مرادا فما وقع بإرادته قال وهذه المسئلة مبنية على القول بأنه سبحانه خالق أفعال العباد وانهم لا يفعلون الا ما يشاء وقد دل على ذلك قوله وما تشاءون الا ان يشاء الله وغيرها من الآيات وقال ولو شاء الله ما اقتتلوا ثم اكد ذلك بقوله تعالى ولكن الله يفعل ما يريد فدل على انه فعل اقتتالهم الواقع منهم لكونه مريدا له وإذا كان هو الفاعل لاقتتالهم فهو المريد لمشيئتهم والفاعل فثبت بهذه الآية ان كسب العباد انما هو بمشيئة الله وارادته ولو لم يرد وقوعه ما وقع وقال بعضهم الإرادة على قسمين إرادة أمر وتشريع وإرادة قضاء وتقدير فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية والى الأول الإشارة بقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر والى الثاني الإشارة بقوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا وفرق بعضهم بين الإرادة والرضا فقالوا يريد وقوع المعصية ولا يرضاها لقوله تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها الآية وقوله ولا يرضى لعباده الكفر وتمسكوا أيضا بقوله ولا يرضى لعباده الكفر وأجاب أهل السنة بما أخرجه الطبري وغيره بسند رجاله ثقات عن بن عباس في قوله تعالى ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر يعني بعباده الكفار الذين أراد الله ان يطهر قلوبهم بقولهم لا إله إلا الله فأراد عباده المخلصين الذين قال فيهم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فحبب إليهم الإيمان وألزمهم كلمة التقوى شهادة ان لا إله إلا الله وقالت المعتزلة في قوله تعالى وما تشاءون الا أن يشاء الله معناه وما تشاءون الطاعة الا ان يشاء الله فسركم عليها وتعقب بأنه لو كان كذلك لما قال الا ان يشاء في موضع ما شاء لأن حرف الشرط للاستقبال وصرف المشيئة الى القسر تحريف لا اشعار للآية بشيء منه وانما المذكور في الآية مشيئة الاستقامة كسبا وهو المطلوب من العباد وقالوا في قوله تعالى تؤتي الملك من تشاء أي يعطي من اقتضته الحكمة الملك يريدون ان الحكمة تقتضي رعاية المصلحة ويدعون وجوب ذلك على الله تعالى الله عن قولهم وظاهر الآية ان يعطي الملك من يشاء سواء كان متصفا بصفات من يصلح للملك أم لا من غير رعاية استحقاق ولا وجوب ولا أصلح بل يؤتي الملك من يكفر به ويكفر نعمته حتى يهلكه ككثير من الكفار مثل نمرود والفراعنة ويؤته ان شاء من يؤمن به ويدعو الى دينه ويرحم به الخلق مثل يوسف وداود وسليمان وحكمته في كلا الأمرين علمه واحكامه بإرادته تخصيص مقدوراته قوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال سعيد بن المسيب عن أبيه نزلت في أبي طالب تقدم موصولا بتمامه في تفسير سورة القصص وتقدم هناك شرحه مستوفى وبعضه في الجنائز وقالت المعتزلة في هذه الآية معنى لا تهدي من أحببت لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه فيقرن به اللطف حتى يدعوه الى القبول والله اعلم بالمهتدين القابلين لذلك وتعقب بان اللطف الذي يستندون اليه لا دليل عليه ومرادهم بمن يقبل ممن لا يقبل من يقع ذلك منه لذاته لا بحكم الله وانما المراد بقوله تعالى وهو أعلم بالمهتدين أي الذين خصصهم بذلك في الأزل قوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر هذه الآية مما تمسك بها المعتزلة لقولهم فقالوا هذا يدل على انه لا يريد المعصية وتعقب بأن معنى إرادة اليسر التخيير بين الصوم في السفر ومع المرض والافطار بشرطه وارادت العسر المنفية الالزام بالصوم في السفر في جميع الحالات فالإلزام الذي لا يقع لأنه لا يريده وبهذا تظهر الحكمة في تأخيرها عن الحديث المذكور والفصل بين آيات المشيئة وآيات الإرادة وقد تكرر ذكر الإرادة في القرآن في مواضع كثيرة أيضا وقد اتفق أهل السنة على انه لا يقع الا ما يريده الله تعالى وانه مريد لجميع الكائنات وان لم يكن آمرا بها وقالت المعتزلة لا يريد الشر لأنه لو أراده لطلبه وزعموا ان الأمر نفس الإرادة وشنعوا على أهل السنة أنه يلزمهم ان يقولوا ان الفحشاء مرادة لله وينبغي ان ينزه عنها وانفصل أهل السنة عن ذلك بأن الله تعالى قد يريد الشيء ليعاقب عليه ولثبوت انه خلق النار وخلق لها أهلا وخلق الجنة وخلق لها أهلا وألزموا المعتزلة بأنهم جعلوا انه يقع في ملكه ما لا يريد ويقال ان بعض أئمة السنة أحضر للمناظرة مع بعض أئمة المعتزلة فلما جلس المعتزلي قال سبحان من تنزه عن الفحشاء فقال السني سبحان من لا يقع في ملكه الا ما يشاء فقال المعتزلي أيشاء ربنا أن يعصي فقال السني أفيعصى ربنا قهرا فقال المعتزلي أرأيت أن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن الي أو أساء فقال السني ان كان منعك ما هو لك فقد أساء وان كان منعك ما هو له فإنه يختص برحمته من يشاء فانقطع ثم ذكر البخاري بعد الحديث المعلق فيه سبعة عشر حديثا فيها كلها ذكر المشيئة وتقدمت كلها في أبواب متفرقة كما سأبينه الحديث الأول حديث أنس إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء أي اجزموا ولا ترددوا من عزمت على شيء إذا صممت على فعله وقيل عزم المسئلة الجزم بها من غير ضعف في الطلب وقيل هو حسن الظن بالله في الإجابة والحكمة فيه أن في التعليق سورة الاستغناء عن المطلوب منه وعن المطلوب وقوله

[ 7026 ] لا مستكره له أي لأن التعليق يوهم إمكان اعطاءه على غير المشيئة وليس بعد المشيئة الا الإكراه والله لا مكره له وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات الحديث الثاني حديث علي وقد تقدم شرحه في كتاب التهجد وموضع الدلالة منه قول علي انما أنفسنا بيد الله فإذا شاء ان يبعثنا بعثنا وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقوله

[ 7027 ] فقال لهم وكذا قول علي يبعثنا إشارة الى نفسه والى من عنده وقوله فيه حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس وأخوه عبد الحميد هو أبو بكر مشهور بكنيته أكثر من اسمه وسليمان هو بن بلال وقد سمع إسماعيل بن سليمان بلا واسطة كما تقدم في عدة مواضع الحديث الثالث حديث أبي هريرة مثل المؤمن كمثل خامة الزرع وقد تقدم شرحه في الرقاق والمراد منه

[ 7028 ] قوله في آخره يقصمها الله إذا شاء أي في الوقت الذي سبقت ارادته أن يقصمه فيه الحديث الرابع حديث بن عمر انما بقاؤكم فيما سلف من قبلكم من الأمم بطوله وقد تقدم شرحه في الصلاة وذكر لقوله في آخره

[ 7029 ] ذلك فضلي أوتيه من أشاء وللاشارة بقوله ذلك الى جميع الثواب لا الى القدر الذي يقابل العمل كما يزعم أهل الاعتزال الحديث الخامس حديث عبادة بن الصامت في المبايعة وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان أوائل الكتاب والمراد منه هنا

[ 7030 ] قوله ومن ستره الله فذلك الى الله ان شاء عذبه وان شاء غفر له الحديث السادس حديث أبي هريرة في قول سليمان عليه السلام لأطوفن الليلة على نسائي وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء وبيان الاختلاف في عدد نسائه وذكره هنا بلفظ لو كان سليمان استثنى لحملت كل امرأة منهن أي لو قال ان شاء الله كما في الرواية الأخرى وإطلاق الاستثناء على قول ان شاء الله بحسب اللغة الحديث السابع حديث بن عباس في الأعرابي الذي قال بل هي حمى تفور وقد تقدم شرحه في الطب وذكره لقوله طهور ان شاء الله الحديث الثامن حديث أبي قتادة حين ناموا عن الصلاة ان الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء ذكره هنا مختصرا وتقدم بأتم منه في باب الأذان بعد ذهاب الوقت من كتاب الصلاة الحديث التاسع حديث أبي هريرة في قصة المسلم الذي لطم اليهودي أورده من وجهين وذكره لقوله فيه أو كان ممن استثنى الله وأشار بذلك الى قوله تعالى

[ 7034 ] فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله وقد تقدم الحديث العاشر حديث أنس في المدينة وفيه ولا الطاعون ان شاء الله وقد تقدم شرحه في كتاب الفتن وشيخه إسحاق بن أبي عيسى ليس له الا هذه الرواية الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة لكل نبي دعوة وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الدعوات الحديث الثاني عشر حديثه بينا أنا نائم رأيتني على قليب فنزعت ما شاء الله الحديث وقد تقدم شرحه في مناقب عمر وفي الفتن ويسرة شيخه بفتح التحتانية والمهملة بوزن بشرة بموحدة ومعجمة وقوله

[ 7037 ] في السند حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري وخالفه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه فقال عن صالح بن كيسان عن الزهري زاد بين إبراهيم والزهري صالحا أخرجه مسلم نبه على ذلك أبو مسعود وقد تعقبه قبله الإسماعيلي فقال انما يعرف عن إبراهيم عن صالح عن الزهري ثم ساقه من رواية جماعة عن إبراهيم بن سعد كذلك وقال يبعد تواطؤهم على الغلط وقال البرقاني في كل من رواه عن إبراهيم ادخل بينه وبين الزهري صالحا الحديث الثالث عشر حديث أبي موسى اشفعوا فلتؤجروا وقد تقدم بهذا السند والمتن في كتاب الأدب وشرح هناك والغرض منه

[ 7038 ] قوله ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء أي يظهر الله على لسان رسوله بالوحي أو الالهام ما قدره في علمه بأنه سيقع الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي ان شئت وقد تقدم شرحه في كتاب الدعوات مع حديث أنس المبدأ بذكره في هذا الباب الحديث الخامس عشر حديث بن عباس عن أبي بن كعب في صاحب موسى والخضر وقد تقدم شرحه مستوفى في التفسير وتقدم شيء منه في كتاب العلم وشيخه عبد الله بن محمد هو المسندي وشيخ المسندي أبو حفص عمرو بفتح العين هو بن أبي سلمة التنيسي بمثناة ونون ثقيلة مكسورة وأبو سلمة أبوه لم أقف على اسمه والمراد منه

[ 7040 ] قوله فيه حكاية عن موسى ستجدني ان شاء الله صابرا وفيه إشارة الى ان قول ذلك يرجى فيه النجح ووقوع المطلوب غالبا وقد يتخلف ذلك إذا لم يقدر الله وقوعه كما سيأتي مثاله في الحديث الآخر الحديث السادس عشر حديث أبي هريرة ننزل غدا ان شاء الله بخيف بني كنانة وقد تقدم بأتم من هذا في كتاب الحج وتقدم شرحه أيضا الحديث السابع عشر حديث عبد الله بن عمر حاصر النبي صلى الله عليه وسلم الطائف الحديث وقد تقدم شرحه في الغزوات وبيان الاختلاف على أبي العباس تابعيه هل هو عن عبد الله بن عمر بضم العين أو بفتحها وبيان الصواب من ذلك وذكر هنا لقوله انا قافلون غدا ان شاء الله مرتين فما قفلوا في الأولى وقفلوا في الثانية

قوله باب قول الله تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن أذن له وساق الى آخر الآية ثم قال ولم يقل ماذا خلق ربكم قال بن بطال استدل البخاري بهذا على ان قول الله قديم لذاته قائم بصفاته لم يزل موجودا به ولا يزال كلامه لا يشبه المخلوقين خلافا للمعتزلة التي نفت كلام الله وللكلابيه في قولهم هو كناية عن الفعل والتكوين وتمسكوا بقول العرب قلت بيدي هذا أي حركتها واحتجوا بأن الكلام لا يعقل الا بأعضاء ولسان والباري منزه عن ذلك فرد عليهم البخاري بحديث الباب والآية وفيه انهم إذا ذهب عنهم الفزع قالوا لمن فوقهم ماذا قال ربكم فدل ذلك على انهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم فقالوا ماذا قال ولم يقولوا ماذا خلق وكذا أجابهم من فوقه من الملائكة بقولهم قالوا الحق والحق أحد صفتي الذات التي لا يجوز عليها غيره لأنه لا يجوز على كلامه الباطل فلو كان خلقا أو فعلا لقالوا خلق خلقا انسانا أو غيره فلما وصفوه بما يوصف به الكلام لم يجز ان يكون القول بمعنى التكوين انتهى وهذا الذي نسبه للكلابية بعيد من كلامهم وانما هو كلام بعض المعتزلة فقد ذكر البخاري في خلق أفعال العباد عن أبي عبيد القاسم بن سلام ان المريسي قال في قوله تعالى انما قولنا لشيء إذا أردناه ان نقول له كن فيكون هو كقول العرب قالت السماء فأمطرت وقال الجدار هكذا إذا مال فمعناه قوله إذا أردناه إذا كوناه وتعقبه أبو عبيد بأنه أغلوطة لأن القائل إذا قال قالت السماء لم يكن كلاما صحيحا حتى يقول فأمطرت بخلاف من يقول قال الإنسان فإنه يفهم منه انه قال كلاما فلولا قوله فأمطرت لكان الكلام باطلا لأن السماء لا قول لها فالى هذا أشار البخاري وهذا أول باب تكلم فيه البخاري على مسألة الكلام وهي طويلة الذيل قد أكثر أئمة الفرق فيها القول وملخص ذلك فال البيهقي في كتاب الاعتقاد القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفات ذاته وليس شيء من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا قال تعالى انما قولنا لشيء إذا أردنا ان نقول له كن فيكون فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا يكن ويستحيل ان يكون قول الله للشيء بقول لأنه يوجب قولا ثانيا وثالثا فيتسلسل وهو فاسد وقال الله تعالى الرحمن علم القرآن خلق الإنسان فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته وخص الإنسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ولولا ذلك لقال خلق القرآن والانسان وقال الله تعالى وكلم الله موسى تكليما ولا يجوز ان يكون كلام المتكلم قائما بغيره وقال الله تعالى وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا الآية فلو كان لا يوجد الا مخلوقا في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط الوجوه المذكورة في الآية معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه عن غير الله فبطل قول الجهمية انه مخلوق في غير الله ويلزمهم في قولهم ان الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى ان يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى ويلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر الله انه كلم به موسى وهو قوله انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وقد أنكر الله تعالى قول المشركين ان هذا الا قول البشر ولا يعترض بقوله تعالى انه لقول رسول كريم لأن معناه قول تلقاه عن رسول كريم كقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله ولا بقوله انا جعلناه قرآنا عربيا لأن معناه سميناه قرآنا وهو كقوله وتجعلون رزقكم انكم تكذبون وقوله ويجعلون لله ما يكرهون وقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه وبهذا احتج الامام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية بن مكرم ان أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا هذا كلامك أو كلام صاحبك قال ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا وعن علي بن أبي طالب ما حكمت مخلوقا ما حكمت الا القرآن ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق وقال بن حزم في الملل والنحل أجمع أهل الإسلام على ان الله تعالى كلم موسى وعلى ان القرآن كلام الله وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف ثم اختلفوا فقالت المعتزلة ان كلام الله صفة فعل مخلوقة وانه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة وقال أحمد ومن تبعه كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق وقالت الأشعرية كلام الله صفة ذات لم يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس الله الا كلام واحد واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على ان الله لا يشبهه شيء من خلقه بوجه من الوجوه فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا وجب ان يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا وأطال في الرد على المخالفين لذلك وقال غيره اختلفوا فقالت الجهمية والمعتزلة وبعض الزيدية والامامية وبعض الخوارج كلام الله مخلوق خلقه بمشيئته وقدرته في بعض الأجسام كالشجرة حين كلم موسى وحقيقته قولهم ان الله لا يتكلم وان نسب اليه ذلك فبطريق المجاز وقالت المعتزلة يتكلم حقيقة لكن يخلق ذلك الكلام في غيره وقالت الكلابية الكلام صفة واحدة قديمة العين لازمة لذات الله كالحياة وانه لا يتكلم بمشيئته وقدرته وتكليمه لمن كلمه انما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام ونداءه لموسى لم يزل لكنه اسمعه ذلك النداء حين ناجاه ويحكى عن أبي منصور الماتريدي من الحنفية نحوه لكن قال خلق صوتا حين ناداه فأسمعه كلامه وزعم بعضهم ان هذا هو مراد السلف الذين قالوا ان القرآن ليس بمخلوق وأخذ بقول بن كلاب القابسي والأشعري وأتباعهما وقالوا إذا كان الكلام قديما لعينه لازما لذات الرب وثبت أنه ليس بمخلوق فالحروف ليست قديمة لأنها متعاقبة وما كان مسبوقا بغيره لم يكن قديما والكلام القديم معنى قائم بالذات لا يتعدد ولا يتجزأ بل هو معنى واحد ان عبر عنه بالعربية فهو قرآن أو بالعبرانية فهو توراة مثلا وذهب بعض الحنابلة وغيرهم الى ان القرآن العربي كلام الله وكذا التوراة وان الله لم يزل متكلما إذا شاء وانه تكلم بحروف القرآن وأسمع من شاء من الملائكة والأنبياء صوته وقالوا ان هذه الحروف والأصوات قديمة العين لازمة الذات ليس متعاقبا بل لم تزل قائمة بذاته مقترنة لا تسبق والتعاقب انما يكون في حق المخلوق بخلاف الخالق وذهب أكثر هؤلاء الى ان الأصوات والحروف هي المسموعة من القارئين وأبي ذلك كثير منهم فقالوا ليست هي المسموعة من القارئين وذهب بعضهم الى انه متكلم بالقرآن العربي بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بذاته وهو غير مخلوق لكنه في الأزل لم يتكلم لامتناع وجود الحادث في الأزل فكلامه حادث في ذاته لا محدث وذهب الكرامية الى انه حادث في ذاته ومحدث وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال انه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا وأطال في تقرير ذلك والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وانه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك وسيأتي الكلام على مسألة اللفظ حيث ذكره المصنف بعد إن شاء الله تعالى قوله وقال جل ذكره من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه زعم بن بطال الى انه أشار بذلك الى سبب النزول لنه جاء انهم لما قالوا شفعاؤنا عند الله الأصنام نزلت فأعلم الله ان الذين يشفعون عنده من الملائكة والأنبياء انما يشفعون فيمن يشفعون فيه بعد اذنه لهم في ذلك انتهى ولم أقف على نقل في هذه الآية بخصوصها وأظن البخاري أشار بهذا الى ترجيح قول من قال ان الضمير في قوله عن قلوبهم للملائكة وان فاعل الشفاعة في قوله ولا تنفع الشفاعة هم الملائكة بدليل قوله بعد وصف الملائكة ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون بخلاف قول من زعم ان الضمير للكفار المذكورين في قوله تعالى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه كما نقله بعض المفسرين وزعم ان المراد بالتفزيع حالة مفارقة الحياة ويكون اتباعهم إياه مستصحبا الى يوم القيامة على طريق المجاز والجملة من قوله قل ادعوا الى آخره معترضة وحمل هذا القائل على هذا الزعم ان قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم غاية لا بد لها من مغيا فادعى انه ما ذكره وقال بعض المفسرين في المعتزلة المراد بالزعم الكفر في قوله تعالى زعمتم أي تماديتم في الكفر الى غاية التفزيع ثم تركتم زعمكم وقلتم قال الحق وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة ويفهم من سياق الكلام ان هناك فزعا ممن يرجو الشفاعة هل يؤذن له بالشفاعة اولا فكأنه قال يتربصون زمانا فزعين حتى إذا كشف الفزع عن الجميع بكلام يقول الله في إطلاق الإذن تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم قالوا الحق أي القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى قلت وجميع ذلك مخالف لهذا الحديث الصحيح والأحاديث كثيرة تؤيده قد ذكرت بعضها في تفسير سورة سبأ وسأشير إليها هنا بعد والصحيح في اعرابها ما قاله بن عطية وهو ان المغيا محذوف كأنه قيل ولا هم شفعاء كما تزعمون بل هم عنده ممتثلون لأمره الى ان يزول الفزع عن قلوبهم والمراد بهم الملائكة وهو المطابق للأحاديث الواردة في ذلك فهو المعتمد واما اعتراض من تعقبه بأنهم لم يزالوا منقادين فلا يلزم منه دفع ما تأوله لكن حق العبارة ان يقول بل هم خاضعون لأمره مرتقبون لما يأتيهم من قبله خائفون ان يكون ذلك من أمر الساعة الى ان يكشف عنهم ذلك بأخبار جبريل بما أمر به من ابلاغ الوحي للرسل وبالله التوفيق ثم ذكر فيه ستة أحاديث الحديث الأول قوله وقال مسروق عن بن مسعود إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع أهل السماوات فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا انه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق ووقع في رواية الكشميهني وثبت بمثلثه وموحدة مفتوحتين بدل وسكن هكذا ذكر هذا التعليق مختصرا وقد وصله البيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح وهو أبو الضحى عن مسروق وهكذا أخرجه أحمد عن أبي معاوية ولفظه ان الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاء فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال ويقولون يا جبريل ماذا قال ربكم قال فيقول الحق قال فينادون الحق الحق قال البيهقي رواه أحمد بن شريح الرازي وعلي بن أشكاب وعلي بن مسلم ثلاثتهم عن أبي معاوية مرفوعا أخرجه أبو داود في السنن عنهم ولفظه مثله الا انه قال فيقولون ماذا قال ربك قال ورواه شعبة عن الأعمش موقوفا وجاء عنه مرفوعا أيضا قلت وهكذا رواه الحسن بن محمد الزعفراني عن أبي معاوية مرفوعا وأخرجه البخاري في كتاب خلق افعال العباد من روايه أبي حمزة السكري عن الأعمش بهذا السند الى مسروق قال من كان يحدثنا بتفسير هذه الآية لولا بن مسعود سألناه عنه فذكره موقوفا باللفظ المذكور في الصحيح ثم ساقه من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال بهذا وأخرجه بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن علي بن أشكاب مرفوعا وقال هكذا حدث به أبو معاوية مسندا ووجدته بالكوفة موقوفا ثم أخرجه من رواية عبد الله بن نمير وشعبة كلاهما عن الأعمش موقوفا ومن رواية شعبة عن منصور والأعمش معا ومن رواية الثوري عن منصور كذلك وهكذا رواه عبد الرحمن بن محمد المحاربي وجرير عن الأعمش موقوفا ورواه فضيل بن عياض عن منصور عن أبي الضحى ورواه الحسن بن عبيد الله النخعي عن أبي الضحى مرفوعا وأخرجه بن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن مسروق كذلك واغفل أبو الحسن بن الفضل في الجزء الذي جمعه في الكلام على أحاديث الصوت هذه الطرق كلها وأقتصر على طريق البخاري فنقل كلام من تكلم فيه وأسند الى ان الجرح مقدم على التعديل وفيه نظر لأنه ثقة مخرج حديثه في الصحيحين ولم ينفرد به وقد نقل بن دقيق العيد عن بن المفضل وكان شيخ والده انه كان يقول فيمن خرج له في الصحيحين هذا جاز القنطرة وقرر بن دقيق العيد ذلك بأن من اتفق الشيخان على التخريج لهم ثبتت عدالتهم بالاتفاق بطريق الاستلزام لاتفاق العلماء على تصحيح ما أخرجاه ومن لازمه عدالة رواته الى ان تتبين العلة القادحة بان تكون مفسرة ولا تقبل التأويل قوله سمع أهل السماوات في رواية أبي داود وغيره سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ولبعضهم الصفوان بدل الصفا وفي رواية الثوري الحديد بدل السلسلة وفي رواية شيبان بن عبد الرحمن عن منصور عند بن أبي حاتم مثل صوت السلسلة وعنده من رواية عامر الشعبي عن بن مسعود سمع من دونه صوتا كجر السلسلة ووقع في حديث النواس بن سمعان عند بن أبي حاتم إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة من خوف الله فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا وكذا وقع قوله ويخرون سجدا في رواية أبي مالك وكذا في رواية سفيان وابن نمير المشار إليها ووقع في رواية شعبة فيرون انه من أمر الساعة فيفزعون الحديث الثاني قوله ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس بنون ومهملة مصغر هو الجهني كما تقدم في كتاب العلم وان الحديث الموقوف هناك طرف من هذا الحديث المرفوع وتقدم بيان الحكمة في إيراده هناك بصيغة الجزم وهنا بضيغة التمريض وساق هنا من الحديث بعضه وأخرجه بتمامه في الأدب المفرد وكذا أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني كلهم من طريق همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل انه سمع جابر بن عبد الله يقول فذكر القصة وأول المتن المرفوع يحشر الله الناس يوم القيامة أو قال العباد عراة غرلا بهما قال قلنا وما بهما قال ليس معهم شيء ثم يناديهم فذكره وزاد بعد قوله الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار ان يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة ان يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف وانا انما نأتي عراة بهما قال الحسنات والسيئات لفظ أحمد عن يزيد بن هارون عن همام وعبيد الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج به وقد أشرت الى ذكر من تابعه في كتاب العلم وقوله غرلا بضم المعجمة وسكون الراء وقد تقدم بيانه في الرقاق في شرح حديث بن عباس وفيه حفاة بدل قوله بهما وهو بضم الموحدة وسكون الهاء وقيل معناه الذين لا شيء معهم وقيل المجهولون وقيل المتشابه و الألوان والأول الموافق لما هنا قوله فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة الى انه ليس من المخلوقات لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا كما سيأتي في الكلام على الحديث الذي بعده وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا قال فعلى هذا فصفاته صفة من صفات ذاته لا تشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شيء من صفاته من صفات المخلوقين هكذا قرره المصنف في كتاب خلق أفعال العباد وقال غيره معنى يناديهم يقول وقوله بصوت أي مخلوق غير قائم بذاته والحكمة في كونه خارقا لعادة الأصوات المخلوقة المعتادة التي يظهر التفاوت في سماعها بين البعيد والقريب هي أن يعلم ان المسموع كلام الله كما ان موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات وقال البيهقي الكلام ما ينطق به المتكلم وهو مستقر في نفسه كما جاء في حديث عمر يعني في قصة السقيفة وقد تقدم سياقه في كتاب الحدود وفيه وكنت زورت في نفسي مقالة وفي رواية هيأت في نفسي كلاما قال فسماه كلاما قبل التكلم به قال فان كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات وان كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك والباري عز وجل ليس بذي مخارج فلا يكون كلامه بحروف وأصوات فإذا فهمه السامع تلاه بحروف وأصوات ثم ذكر حديث جابر عن عبد الله بن أنيس وقال اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات بن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه فان كان ثابتا فإنه يرجع الى غيره كما في حديث بن مسعود يعني الذي قبله وفي حديث أبي هريرة يعني الذي بعده ان الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتا فيحتمل ان يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة وإذا احتمل ذلك لم يكن نصا في المسئلة وأشار في موضع آخر ان الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بقوله بصوت انتهى وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ويلزم منه ان الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع الى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما ان الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا لكن تمنع القياس المذكور وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به ثم اما التفويض واما التأويل وبالله التوفيق قوله الديان قال الحليمي هو ماخوذ من قوله ملك يوم الدين وهو المحاسب المجازي لا يضيع عمل عامل انتهى ووقع مرسل أبي قلابة البر لا يبلى والاثم لا ينسى والديان لا يموت وكن كما شئت كما تدين تدان ورجاله ثقات أخرجه البيهقي في الزهد وقد تقدمت الإشارة اليه في تفسير سورة الفاتحة وقال الكرماني المعنى لا ملك الا انا ولا مجازي الا انا وهو من حصر المبتدأ في الخبر وفي هذا اللفظ إشارة الى صفة الحياة والعلم والإرادة والقدرة وغيرها من الصفات المتفق عليها عند أهل السنة وقوله في آخر الحديث قال الحسنات والسيئات يعني ان القصاص بين المتظالمين انما يقع بالحسنات والسيئات وقد تقدم بيان ذلك في الرقاق وتقدم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا قبل أخيه مظلمة الحديث الثالث

[ 7043 ] حدثنا علي بن عبد الله هو المديني وسفيان هو بن عيينة وقد تقدم بهذا السند والمتن في تفسير سورة الحجر وسياقه هناك أتم وتقدم معظم شرحه هناك قوله يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الحميدي عن سفيان كما تقدم في تفسير سورة سبأ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قوله اذا قضي الله الأمر في السماء وقع في حديث بن مسعود المذكور اولا إذا تكلم الله بالوحي وكذا في حديث النواس بن سمعان عند الطبراني قوله ضربت الملائكة بأجنحتها في حديث بن مسعود سمع أهل السماء الصلصلة قوله خضعانا مصدر كقوله غفرانا قاله الخطابي وقال غيره هو جمع خاضع قوله قال علي هو بن المديني وقال غيره صفوان ينفذهم قال عياض ضبطوه بفتح الفاء من صفوان وليس له معنى وانما أراد لغير المبهم قوله ينفذهم وهو بفتح أوله وضم الفاء أي يعمهم قلت وكذا أخرجه بن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن زيد عن سفيان بن عيينة بهذه الزيادة ولكن لا يفسر به الغير المذكور لأن المراد به غير سفيان وذكره الكرماني بلفظ صفوان ينفذ فيهم ذلك بزيادة لفظ الانفاذ أي ينفذ الله ذلك القول الى الملائكة أو من النفوذ أي ينفذ ذلك إليهم أو عليهم ثم قال ويحتمل ان يراد غير سفيان قال ان صفوان بفتح الفاء فالاختلاف في الفتح والسكون وينفذهم غير مختص بالغير بل مشترك بين سفيان وغيره انتهى وسياق علي في هذا الرواية يخالف هذا الاحتمال لكن قد وقعت زيادة ينفذهم في الرواية التي ذكرتها وهي عن سفيان فيوقوي ما قال قوله قال علي وحدثنا سفيان الى قوله قال نعم علي هو بن المديني المذكور ومراده ان بن عيينة كان يسوق السند مرة بالعنعنة ومرة بالتحديث والسماع فاستثبته علي من ذلك فقال نعم وقد تقدم عن علي بن عبد الله المذكور في تفسير سورة الحجر بصيغة التصريح في جميع السند وكذا عن الحميدي عن سفيان في تفسير سبأ قوله قال علي هو بن المديني أيضا قوله ان انسانا روى عن عمرو بن دينار الى ان قال انه فرغ هو بالراء المهملة والغين المعجمة وزن القراءة المشهورة وقد ذكرت في تفسير سورة سبأ من قرأها كذلك ووقع للأكثر هنا كالقراءة المشهورة والسياق يؤيد الأول وقوله قال سفيان هكذا قرأ عمرو يعني بن دينار قوله فلا أدري سمعه هكذا أم لا أي سمعه من عكرمة أو قرأها كذلك من قبل نفسه بناء على انها قراءته وقول سفيان وهي قراءتنا يريد نفسه ومن تابعه تنبيه وقع في تفسير سورة الحجر بالسند المذكور هنا بعد قوله وهو العلي الكبير فسمعها مسترقوا السمع هكذا الى آخر ما ذكر من ذلك وهذا مما يبين ان التفزيع المذكور يقع للملائكة وان الضمير في قلوبهم للملائكة لا للكفار بخلاف ما جزم به من قدمت ذكره من المفسرين وقد وقع في حديث النواس بن سمعان الذي أشرت اليه ما نصه أخذت أهل السماوات منه رعدة خوفا من الله وخروا سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بما أراد فيمضي به على الملائكة من سماء الى سماء وفي حديث بن عباس عند بن خزيمة وابن مردويه كمر السلسلة على الصفوان فلا ينزل على أهل السماء الا صعقوا فإذا فزع عن قلوبهم الى آخر الآية ثم يقول يكون العام كذا فيسمعه الجن وعند بن مردويه من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لما نزل جبريل بالوحي فزع أهه السماء لانحطاطه وسمعوا صوت الوحي كأشد ما يكون من صوت الحديد على الصفا فيقولون يا جبريل بما أمرت الحديث وعنده وعند بن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس لم تكن قبيلة من الجن الا ولهم مقاعد للسمع فكان إذا نزل الوحي سمع الملائكة صوتا كصوت الحديدة القيتها على الصفا فإذا سمعت الملائكة ذلك خروا سجدا فلم يرفعوا حتى ينزل فإذا نزل قالوا ماذا قال ربكم فان كان مما يكون في السماء قالوا الحق وان كان مما يكون في الأرض من غيث أو موت تكلموا فيه فسمعت الشياطين فينزلون على اوليائهم من الانس وفي لفظ فيقولون يكون العام كذا فيسمعه الجن فتحدثه الكهنة وفي لفظ ينزل الأمر الى السماء الدنيا له وقعة كوقع السلسلة على الصخرة فيفزع له جميع أهل السماوات الحديث فهذه الأحاديث ظاهرة جدا في ان ذلك وقع في الدنيا بخلاف قول من ذكرنا من المفسرين الذين أقدموا على الجزم بان الضمير للكفار وان ذلك يقع يوم القيامة مخالفين لما صح من الحديث النبوي من أجل خفاء معنى الغاية في قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم وفي الحديث اثبات الشفاعة وانكرها الخوارج والمعتزلة وهي أنواع أثبتها أهل السنة منها الخلاص من هول الموقف وهي خاصة بمحمد رسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيان ذلك واضحا في الرقاق وهذه لا ينكرها أحد من فرق الأمة ومنها الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب وخص هذه المعتزلة بمن لا تبعة عليه ومنها الشفاعة في رفع الدرجات ولا خلاف في وقوعها ومنها الشفاعة في إخراج قوم من النار عصاة أدخلوها بذنوبهم وهذه التي أنكروها وقد ثبتت بها الأخبار الكثيرة وأطبق أهل السنة على قبولها وبالله التوفيق الحديث الرابع حديث أبي هريرة في التغني بالقرآن وقد مضى شرحه في فضائل القرآن وقوله

[ 7044 ] في آخره وقال صاحب له يجهر به في رواية الكشميهني يجهر بالقرآن وقد تقدم بيانه هناك وسيأتي بعد أبواب من وجه آخر مدرجا وأشار بإيراده هنا الى حديث فضالة بن عبيد الذي أخرجه بن ماجة من رواية ميسرة مولى فضالة عن فضالة بن عبيد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل أشد اذنا الى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة الى قينته وذكره البخاري في خلق أفعال العباد عن ميسرة وقوله اذنا بفتح الهمزة والمعجمة أي استماعا الحديث الخامس حديث أبي سعيد في بعث النار ذكره مختصرا وقد مضى شرحه مستوفى في أواخر الرقاق وقوله

[ 7045 ] يقول الله يا آدم في رواية التفسير يقول الله يوم القيامة يا آدم قوله فينادي بصوت ان الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا الى النار هذا آخر ما أورد منه من هذه الطريق وقد أخرجه بتمامه في تفسير سورة الحج بالسند المذكور هنا ووقع فينادي مضبوطا للأكثر بكسر الدال وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول ولا محذور في رواية الجمهور فان قرينة قوله ان الله يأمرك تدل ظاهرا على ان المنادي ملك يأمره الله بان ينادي بذلك وقد طعن أبو الحسن بن الفضل في صحة هذه الطريق وذكر كلامهم في حفص بن غياث وانه انفرد بهذا اللفظ عن الأعمش وليس كما قال فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة له عن أبيه عن المحاربي واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد على ان الله يتكلم كيف شاء وان أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا فيها التطريب بالهمز والترجيع بحديث أم سلمة ثم ساقه من طريق يعلي بن مملك بفتح الميم واللام بينهما ميم ساكنة ثم كاف انه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته فذكر الحديث وفيه ونعتت قراءته فإذا قراءته حرفا حرفا وهذا أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما واختلف أهل الكلام في أن كلام الله هل هو بحرف وصوت أو لا فقالت المعتزلة لا يكون الكلام الا بحرف وصوت والكلام المنسوب الى الله قائم بالشجرة وقالت الأشاعرة كلام الله ليس بحرف ولا صوت واثبتت الكلام النفسي وحقيقته معنى قائم بالنفس وان اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه واثبتت الحنابلة ان الله متكلم بحرف وصوت اما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن واما الصوت فمن منع قال ان الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وانه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال لي أبي بل تكلم بصوت هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث بن مسعود وغيره الحديث السادس حديث عائشة في فضل خديجة وفيه ولقد أمره الله في رواية المستملي والسرخسي ولقد امره ربه

[ 7046 ] قوله ببيت من الجنة في رواية الكشميهني ببيت في الجنة وقد مضى شرحه مستوفى في المناقب

قوله باب كلام الرب تعالى مع جبريل ونداء الله الملائكة ذكر فيه أثرا وثلاثة أحاديث في الحديث الأول نداء الله جبريل وفي الثاني سؤال الله الملائكة على عكس ما وقع في الترجمة وكأنه أشار الى ما ورد في بعض طرقه ووقع عند مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه في هذا الحديث أن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال اني أحب فلانا فأحبه وذكر في الأدب ان أحمد أخرجه من حديث ثوبان بلفظ حتى يقول يا جبريل ان عبدي فلانا يلتمس ان يرضيني الحديث قوله وقال معمر وانك لتلقى القرآن أي يلقى عليك وتلقاه أنت أي تاخذه عنهم ومثله فتلقى آدم من ربه كلمات معمر هذا قد يتبادر انه بن راشد شيخ عبد الرزاق وليس كذلك بل هو أبو عبيدة معمر بن المثني اللغوي قال أبو ذر الهروي وجدت ذلك في كتاب المجاز له فقال في تفسير سورة النمل في قوله عز وجل وانك لتلقى القرآن أي تأخذه عنهم ويلقى عليك وقال في تفسير سورة البقرة في قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات أي قبلها واخذها عنه قال أبو عبيدة وتلا علنا أبو مهدي آية فقال تلقيتها من عمي تلقاها عن أبي هريرة تلقاها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال في قوله تعالى ولا يلقاها الا الصابرون أي لا يوفق لها ولا يلقنها ولا يرزقها وحاصله انها تأتي بالمعاني الثلاثة وانها هنا صالحة لكل منها وأصله اللقاء وهو استقبال الشيء ومصادفته الحديث الأول

[ 7047 ] قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور وتردد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه وانما جزمت به لقوله حدثنا عبد الصمد فان إسحاق لا يقول الا أخبرنا وقد تقدم في الحديث الثاني من باب ما يكره من كثرة السؤال في كتاب الاعتصام نحو هذا وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وقد تقدم في هذا السند في كتاب الطهارة حديث آخر وقد جزم أبو نعيم في المستخرج بان إسحاق المذكور فيه هو بن منصور وتكلمت على سنده هناك وهو في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان قوله ان الله قد أحب فلانا كذا هنا بصيغة الفعل الماضي وفي رواية نافع عن أبي هريرة الماضية في الأدب ان الله يحب فلانا بصيغة المضارعة وفي الأول إشارة الى سبق المحبة على النداء وفي الثاني إشارة الى استمرار ذلك وقد تقدمت مباحثه في كتاب الأدب قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في تعبيره عن كثرة الإحسان بالحب تأنيس العباد وإدخال المسرة عليهم لأن العبد إذا سمع عن مولاه انه يحبه حصل على أعلى السرور عنده وتحقق بكل خير ثم قال وهذا انما يتأتى لمن في طبعه فتوة ومروءة وحسن انابة كما قال تعالى وما يتذكر الا من ينيب وأما من في نفسه رعونة وله شهوة غالبة فلا يرده الا الزجر بالتعنيف والضرب قال وفي تقديم الأمر بذلك لجبريل قبل غيره من الملائكة إظهار لرفيع منزلته عند الله تعالى على غيره منهم قال ويؤخذ من هذا الحديث الحث على توفية أعمال البر على اختلاف أنواعها فرضها وسنتها ويؤخذ منه أيضا كثرة التحذير عن المعاصي والبدع لأنها مظنة السخط وبالله التوفيق الحديث الثاني حديث أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل الحديث وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الصلاة والمراد منه

[ 7048 ] قوله فيه فيسألهم وهو أعلم بهم أي من الملائكة وليس في رواية مالك المذكورة هنا التصريح بتسمية الذي يسأل ووقع التصريح به في بعض طرقه في الصلاة بلفظ فيسألهم ربهم وهي من رواية مالك أيضا والمشهور عند جمهور رواة مالك حذفها ووقع عند بن خزيمة من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فيسألهم ربهم وقد ذكرت لفظه هناك وتقدم القول في العروج في باب تعرج الملائكة والروح اليه قريبا الحديث الثالث حديث أبي ذر

[ 7049 ] قوله عن واصل هو المعروف بالأحدب والمعرور بمهملات قوله أتاني جبريل فبشرني هو طرف من حديث تقدم بتمامه مشروحا في كتاب الرقاق قوله وان سرق وان زنى في رواية الكشميهني وان سرق وزنى في الموضعين وفي مناسبته للترجمة غموض وكأنه من جهة ان جبريل انما يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر يتلقاه عن ربه عز وجل فكأن الله سبحانه قال له بشر محمدا بان من مات من أمته لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فبشره بذلك

قوله باب قوله انزله بعلمه والملائكة يشهدون كذا للجميع ونقل في تفسير الطبري أنزله إليك بعلم منه انك خيرته من خلقه قال بن بطال المراد بالإنزال افهام العباد معاني الفروض التي في القرآن وليس انزاله له كإنزال الأجسام المخلوقة لأن القرآن ليس بجسم ولا مخلوق انتهى والكلام الثاني متفق عليه بين أهل السنة سلفا وخلفا وأما الأول فهو على طريقة أهل التأويل والمنقول عن السلف اتفاقهم على ان القرآن كلام الله غير مخلوق تلقاه جبريل عن الله وبلغه جبريل الى محمد عليه الصلاة والسلام وبلغه صلى الله عليه وسلم الى أمته قوله قال مجاهد يتنزل الأمر بينهن بين السماء السابعة والأرض السابعة في رواية أبي ذر عن السرخسي من بدل بين وقد وصله الفريابي والطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ من السماء السابعة الى الأرض السابعة وأخرج الطبري من وجه آخر عن مجاهد قال الكعبة بين أربعة عشر بين بيتا من السماوات السبع والأرضين السبع وعن قتادة نحو ذلك ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول حديث البراء في القول عند النوم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الأدعية والمراد منه

[ 7050 ] قوله فيه آمنت بكتابك الذي أنزلت الحديث الثاني حديث عبد الله بن أبي أوفى وقد تقدم شرحه في كتاب الجهاد والغرض منه هنا اللهم منزل الكتاب وقوله

[ 7051 ] في آخره وزلزلهم في رواية السرخسي وزلزل بهم قوله زاد الحميدي حدثنا سفيان الى آخر السند مراده بزيادة التصريح الواقع في رواية الحميدي لسفيان وإسماعيل وعبد الله بخلاف رواية قتيبة فانها بالعنعنة في الثلاثة وقد أخرجه الحميدي في مسنده هكذا وأبو نعيم في المستخرج من طريقه وقال أخرجه البخاري عن قتيبة والحميدي وظاهره ان البخاري جمع بينهما في سياقه وليس كذلك الحديث الثالث حديث بن عباس في قوله تعالى

[ 7052 ] ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة الحديث وقد تقدم شرحه في آخر تفسير سورة سبحان والمراد منه هنا قوله أنزلت والآيات المصرحة بلفظ الإنزال والتنزيل في القرآن كثيرة قال الراغب الفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة ان التنزيل يختص بالموضع الذي يشير الى انزاله متفرقا ومرة بعد أخرى والانزال أعم من ذلك ومنه قوله تعالى انا أنزلناه في ليلة القدر قال الراغب عبر بالإنزال دون التنزيل لأن القرآن نزل دفعة واحدة الى سماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك شيئا فشيئا ومنه قوله تعالى حم والكتاب المبين انا أنزلناه في ليلة مباركة ومن الثاني قوله تعالى وقرآنا وفرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ويؤيد التفصيل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل فان المراد بالكتاب الأول القرآن وبالثاني ما عداه والقرآن نزل نجوما الى الأرض بحسب الوقائع بخلاف غيره من الكتب ويرد على التفصيل المذكور قوله تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة وأجيب بأنه أطلق نزل موضع أنزل قال ولولا هذا التأويل لكان متدافعا لقوله جملة واحدة وهذا بناه هذا القائل على ان نزل بالتشديد يقتضي التفريق فاحتاج الى ادعاء ما ذكر والا فقد قال غيره ان التضعيف لا يستلزم حقيقة التكثير بل يرد للتعظيم وهو في حكم التكثير معنى فبهذا يدفع الاشكال

قوله باب قول الله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله كذا للجميع زاد أبو ذر الآية قال بن بطال أراد بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد في الأبواب قبلها ان كلام الله تعالى صفة قائمة به وانه لم يزل متكلما ولا يزال ثم أخذ في ذكر سبب نزول الآية والذي يظهر ان غرضه ان كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعا واحدا كما تقدم نقله عمن قاله وانه وان كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم وأحاديث الباب كالمصرحة بهذا المراد قوله إنه لقول فصل الحق وما هو بالهزل باللعب كذا لأبي ذر وسقط من أوله لفظ انه من رواية غيره وثبت لكل من عدا أبا ذر حق بغير الف ولام وسقطت من رواية أبي زيد المروزي والتفسير المذكور مأخوذ من كلام أبي عبيدة فإنه قال في كتاب المجاز قوله وما هو بالهزل أي ما هو باللعب والمراد بالحق الشيء الثابت الذي لا يزول وبهذا تظهر مناسبة هذا الآية للآية التي في الترجمة ثم ذكر فيه سبعة عشر حديثا معظمها من حديث أبي هريرة وأكثرها قد تكرر أولها حديث أبي هريرة

[ 7053 ] قوله قال الله يؤذيني بن آدم بسب الدهر الحديث والغرض منه هنا اثبات إسناد القول اليه سبحانه وتعالى وقوله يؤذيني أي ينسب الى ما لا يليق بي وتقدم له توجيه آخر في تفسير سورة الجاثية مع سائر مباحثه وهو من الأحاديث القدسية وكذا ما بعده الى آخر الخامس الثاني حديث أبي هريرة أيضا

[ 7054 ] قوله يقول الله تعالى الصوم لي وأنا اجزي به وفيه والصوم جنة وللصائم فرحتان وفيه ولخلوف فم الصائم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام وقوله في السند حدثنا أبو نعيم يريد الفضل بن دكين الكوفي الحافظ المشهور القديم وليس هو الحافظ المتاخر صاحب الحلية والمستخرج وقوله حدثنا الأعمش كذا للجميع الا لأبي علي بن السكن فوقع عنده حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان وهو الثوري حدثنا الأعمش زاد فيه الثوري قال أبو علي الجياني والصواب قول من خالفه من سائر الرواة ورأيت في رواية القابسي عن أبي زيد المروزي حدثنا أبو نعيم أراه حدثنا سفيان الثوري حدثنا محمد فحذف لفظ قال بين قوله أراه وحدثنا وأراه بضم الهمزة أي أظنه وأبو نعيم سمع من الأعمش ومن السفيانين عن الأعمش لكن سفيان المذكور هنا هو الثوري جزما وعلى تقدير ثبوت ذلك فقائل أراه يحتمل ان يكون البخاري ويحتمل ان يكون من دونه وهو الراجح وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية الحارث بن أبي أسامة عن أبي نعيم عن الأعمش بدون الواسطة وهذا من أعلى ما وقع لأبي نعيم من العوالي في هذا الجامع الصحيح الحديث الثالث حديث أبي هريرة أيضا في اغتسال أيوب عليه السلام عريانا وقد تقدم في كتاب الطهارة والغرض منه هنا

[ 7055 ] قوله فناداه ربه الى آخره الحديث الرابع حديث أبي هريرة أيضا

[ 7056 ] قوله يتنزل ربنا كذا للأكثر بمثناة وتشديد ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي ينزل بحذف التاء والتخفيف وقد تقدم شرحه في كتاب التهجد في باب الدعاء في الصلاة في آخر الليل وترجم له في الدعوات الدعاء نصف الليل وتقدم هناك مناسبة الترجمة لحديث الباب مع ان لفظه حين يبقى ثلث الليل ومضى بيان الاختلاف فيما يتعلق بأحاديث الصفات في أوائل كتاب التوحيد في باب وكان عرشه على الماء والغرض منه هنا قوله فيقول من يدعوني الى آخره وهو ظاهر في المراد سواء كان المنادى به ملكا بأمره أو لا لأن المراد اثبات نسبة القول اليه وهي حاصلة على كل من الحالتين وقد نبهت على من أخرج الزيادة المصرحة بأن الله يأمر ملكا فينادي في كتاب التهجد وتأول بن حزم النزول بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا كالفتح لقبول الدعاء وان تلك الساعة من مظان الإجابة وهو معهود في اللغة تقول فلان نزل لي عن حقه بمعنى وهبه قال والدليل على انها صفة فعل تعليقه بوقت محدود ومن لم يزل لا يتعلق بالزمان فصح انه فعل حادث وقد عقد شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي وهو من المبالغين في الاثبات حتى طعن فيه بعضهم بسبب ذلك في كتابه الفاروق بابا لهذا الحديث وأورده من طرق كثيرة ثم ذكره من طرق زعم انها لا تقبل التأوبل مثل حديث عطاء مولى أم ضبية عن أبي هريرة بلفظ إذا ذهب ثلث الليل وذكر الحديث وزاد فلا يزال بها حتى يطلع الفجر فيقول هل من داع يستجاب له أخرجه النسائي وابن خزيمة في صحيحه وهو من رواية محمد بن إسحاق وفيه اختلاف وحديث بن مسعود وفيه فإذا طلع الفجر صعد الى العرش أخرجه بن خزيمة وهو من رواية إبراهيم الهجري وفيه مقال وأخرجه أبو إسماعيل من طريق أخرى عن بن مسعود قال جاء رجل من بني سليم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني فذكر الحديث وفيه فإذا انفجر الفجر صعد وهو من رواية عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه ولم يسمع منه ومن حديث عبادة بن الصامت وفي آخره ثم يعلو ربنا على كرسيه وهو من رواية إسحاق بن يحيى عن عبادة ولم يسمع منه ومن حديث جابر وفيه ثم يعلو ربنا الى السماء العليا الى كرسيه وهو من رواية محمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد الله بن سلمة بن أسلم وفيهما مقال ومن حديث أبي الخطاب انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فذكر الوتر وفي آخره حتى إذا طلع الفجر ارتفع وهو من رواية ثوير بن أبي فاخته وهو ضعيف فهذه الطرق كلها ضعيفة وعلى تقدير ثبوتها لا يقبل قوله انها لا تقبل التأويل فان محصلها ذكر الصعود بعد النزول فكما قبل النزول التأويل لا يمنع قبول الصعود التأويل والتسليم اسلم كما تقدم والله اعلم وقد أجاد هو في قوله في آخر كتابه فأشار الى ما ورد من الصفات وكلها من التقريب لا من التمثيل وفي مذاهب العرب سعة يقولون أمر بين كالشمس وجواد كالريح وحق كالنهار ولا تريد تحقيق الاشتباه وانما تريد تحقيق الاثبات والتقريب على الأفهام فقد علم من عقل أن الماء أبعد الأشياء شبها بالصخر والله يقول في موج كالجبال فأراد العظم والعلو لا الشبه في الحقيقة والعرب تشبه الصورة بالشمس والقمر واللفظ بالسحر والمواعيد الكاذبة بالرياح ولا تعد شيئا من ذلك كذبا ولا توجب حقيقة وبالله التوفيق الحديث الخامس حديث أبي هريرة قوله انه سمع أبا هريرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وبهذا الإسناد قال الله أنفق انفق عليك تقدم القول في الحكمة في تصديره هذا الحديث بقوله نحن الآخرون السابقون في كتاب الديات في باب من أخذ حقه أو اقتص وحاصله انه أول حديث في النسخة فكان البخاري أحيانا إذا ساق منها حديثا ذكر طرفا من أول حديث فيها ثم ذكر الحديث الذي يريد إيراده وأحيانا لا يصنع ذلك وقد وقع له في هذا الحديث بعينه كل من الأمرين فان هذا القدر وهو

[ 7057 ] قوله أنفق أنفق عليك طرف من حديث طويل أورده بتمامه في تفسير سورة هود وفيه وقال يد الله ملأى لا يغيضها نفقة الحديث بتمامه واقتطع هذا القدر فساقه في باب قوله تعالى لما خلقت بيدي فذكر أوله يد الله ملأى ولم يذكر أوله نحن الآخرون السابقون ولا انفق أنفق عليك واقتصر منه هنا على هذا القدر ووقع في الأطراف للمزي في ترجمة شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة للبخاري في التفسير وفي التوحيد بجميعه عن أبي اليمان عن شعيب انتهى والمفهوم من إطلاقه أنه في التوحيد نظير ما في التفسير وليس كذلك والغرض من هذا الحديث نسبة هذا القول الى الله سبحانه وهو قوله أنفق أنفق عليك وهو من الأحاديث القدسية الحديث السادس حديث أبي هريرة

[ 7058 ] قوله ابن فضيل هو محمد قوله عمارة هو بن القعقاع بن شبرمة قوله عن أبي هريرة فقال هذه خديجة كذا أورده هنا مختصرا والقائل جبريل كما تقدم في باب تزويج خديجة أو أواخر المناقب عن قتيبة بن سعيد عن محمد بن فضيل بهذا السند عن أبي هريرة قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة الى آخره وبهذا يظهر ان جزم الكرماني بان هذا الحديث موقوف غير مرفوع مردود قوله أتتك في رواية المستملى هنا تأتيك بصيغة الفعل المضارع وتقدم هناك بلفظ أتت بغير ضمير قوله بإناء فيه طعام أو اناء أو شراب كذا للأصيلي وأبي ذر وفي رواية لأبي ذر أو اناء فيه شراب وكذا للباقين وتقدم هناك بلفظ ادام أو طعام أو شراب وقال الكرماني قوله بإناء فيه طعام أو اناء شك من الراوي هل قال فيه طعام أو قال اناء فقط لم يذكر ما فيه ويجوز في قوله أو شراب الرفع والجر قوله فأقرئها زاد في رواية قتيبة فإذا هي أتتك فاقرأ عليها وقد تقدمت مباحثه في الباب المذكور والغرض منه قوله فأقرئها من ربها السلام وتقدم هناك حديث عائشة وفيه وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وتقدم شرح المراد بالقصب ومطابقته للترجمة من جهة اقرأ السلام فإنه بمعنى التسليم عليها الحديث السابع حديث أبي هريرة قال الله أعددت لعبادي وهو من الأحاديث القدسية والإضافة في قوله تعالى لعبادي للتشريف وتقدم شرحه في تفسير سورة السجدة وسياقه هناك أتم الحديث الثامن حديث بن عباس في الدعاء في التهجد في الليل وقد تقدم قريبا في باب قوله تعالى خلق السماوات والأرض بالحق أورده من وجه آخر عن بن جريج والغرض منه هنا قوله وقولك الحق وقد تقدم أن المراد بالحق اللازم الثابت الحديث التاسع حديث عائشة في قصة الإفك ذكر منه طرفا وقد ذكر منه بهذا الإسناد قطعا يسيرة في ستة مواضع منها في الجهاد والشهادات والتفسير وساقه بتمامه في الشهادات وفي تفسير سورة النور وتقدم شرحه فيها والغرض منه هنا قولها والله ما كنت أظن أن الله عز وجل كان ينزل في براءتي وحيا يتلى ومناسبته للترجمة ظاهره من قولها يتكلم الله الحديث العاشر حديث أبي هريرة أيضا

[ 7062 ] قوله يقول الله تعالى إذا أراد عبدي ان يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها تقدم شرحه في الرقاق في باب من هم بحسنة أو سيئة وهو من الأحاديث القدسية أيضا وكذا الأربعة بعده ومناسبته للباب ظاهرة أيضا وقوله فإذا عملها في رواية الكشميهني فان وقوله في آخره الى سبعمائة زاد في رواية أبي ذر عن السرخسي ضعف وهي ثابتة للجميع في آخر حديث بن عباس في الرقاق واستدل بمفهوم الغاية في قوله لا تكتبوها حتى يعملها وبمفهوم الشرط في قوله فإذا عملها فاكتبوها له بمثلها من قال ان العزم على فعل المعصية لا يكتب سيئة حتى يقع العمل ولو بالشروع وقد تقدم بسط البحث فيه هناك الحديث الحادي عشر حديث أبي هريرة أيضا فيما يتعلق بالرحم وفيه قال الا ترضين ان أصل من وصلك وفيه قالت بلى يا رب وقد تقدم شرحه في أوائل كتاب الأدب وإسماعيل بن عبد الله شيخه هو بن أبي أويس وسليمان هو بن بلال وصرح إسماعيل بتحديثه له وقد تقدم له حديث في باب المشيئة والإرادة أدخل فيه أخاه بينه وبين سليمان المذكور قال النووي الرحم التي توصل وتقطع انما هي معنى من المعاني لا يتأتى منها الكلام إذ هي قرابة تجمعها رحم واحدة فيتصل بعضها ببعض فالمراد تعظيم شأنها وبيان فضيلة من وصلها واثم من قطعها فورد الكلام على عادة العرب في استعمال الاستعارات وقال غيره يجوز حمله على ظاهره وتجسد المعاني غير ممتنع في القدرة الحديث الثاني عشر حديث زيد بن خالد وهو الجهني ذكر فيه طرفا من حديث مضى بتمامه في آخر الاستسقاء مع شرحه وسفيان فيه هو بن عيينة وصالح هو بن كيسان وعبيد الله هو بن عبد الله بن عتبة وقد أخرجه النسائي عن قتيبة والإسماعيلي من رواية محمد بن عباد وأبو نعيم من رواية إسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن سفيان وذكرت ما في سياقه من فائدة هناك وقوله

[ 7064 ] هنا مطر النبي صلى الله عليه وسلم بضم الميم أي وقع المطر بدعائه أو نسب ذلك اليه لأن من عداه كان تبعا له يقال مطرت السماء وأمطرت بمعنى واحد وقيل مطرت في الرحمة وأمطرت العذاب وقيل مطرت في اللازم وأمطرت في المتعدي الحديث الثالث عشر حديث أبي هريرة أيضا

[ 7065 ] قوله إذا أحب عبدي لقائي تقدم الكلام عليه مستوفى في باب من احب لقاء الله من كتاب الرقاق بعون الله تعالى قال بن عبد البر بعد ان اورد الأحاديث الواردة في تخصيص ذلك بوقت الوفاة النبوية دلت هذه الآثار ان ذلك عند حضور الموت ومعاينة ما هنالك وذلك حين لا تقبل توبة التائب ان لم يتب قبل ذلك الحديث الرابع عشر حديث أبي هريرة أيضا

[ 7066 ] قوله قال الله انا عند ظن عبدي بي تقدم في أوائل التوحيد في باب ويحذركم الله نفسه من رواية أبي صالح عن أبي هريرة وأوله يقول الله وزاد وانا معه إذا ذكرني الحديث وتقدم شرحه هناك مستوفى الحديث الخامس عشر حديث أبي هريرة أيضا في قصة الذي أمر بأن يحرقوه إذا مات وقد تقدم شرحه في الرقاق ومن قبل ذلك في ذكر بني إسرائيل ويأتي شيء منه في آخر هذا الباب وقوله

[ 7067 ] في هذه الطريق قال رجل لم يعمل خيرا قط إذا مات فحرقوه فيه التفات ونسق الكلام ان يقول إذا مت فحرقوني وقوله فأمر الله البحر ليجمع في رواية المستملي والكشميهني فجمع الحديث السادس عشر

[ 7068 ] قوله حدثنا أحمد بن إسحاق هو السرماري بفتح المهملة وبكسرها وبسكون الراء تقدم بيانه في ذكر بني إسرائيل وعمرو بن عاصم هو الكلابي البصري يكنى أبا عثمان وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وغيرها فنزل البخاري في هذا السند بالنسبة لهمام درجة وقد وقع هذا الحديث لمسلم عاليا فإنه أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق نعم وأخرجه من طريق همام نازلا كالبخاري وإسحاق بن عبد الله هو بن أبي طلحة الأنصاري التابعي المشهور وعبد الرحمن بن أبي عمرة تابعي جليل من أهل المدينة له في البخاري عن أبي هريرة عشرة أحاديث غير هذا الحديث واسم أبيه كنيته وهو أنصاري صحابي ويقال ان لعبد الرحمن رؤية وقال بن أبي حاتم ليست له صحبة ولهم عبد الرحمن بن أبي عمرة آخر أدركه مالك وقال بن عبد البر هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمرة نسب لجده قلت فعلى هذا هو بن أخي الراوي عنه قوله ان عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا كذا تكرر هذا الشك في هذا الحديث من هذ الوجه ولم يقع في رواية حماد بن سلمة ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال أذنب عبد ذنبا وكذا في بقية المواضع قوله فقال ربه اعلم بهمزة استفهام والفعل الماضي قوله ويأخذ به أي يعاقب فاعله وفي رواية حماد ويأخذ بالذنب قوله ثم مكث ما شاء أي من الزمان وسقط هذا من رواية حماد قوله ثم أصاب ذنبا في رواية حماد ثم عاد فأذنب قوله في آخره غفرت لعبدي في رواية حماد اعمل ما شئت فقد غفرت لك قال بن بطال في هذا الحديث ان المصر على المعصية في مشيئة الله تعالى ان شاء عذبه وان شاء غفر له مغلبا الحسنة التي جاء بها وهي اعتقاده ان له ربا خالقا يعذبه ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ولا حسنة أعظم من التوحيد فان قيل ان استغفاره ربه توبة منه قلنا ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة وقد يطلبها المصر والتائب ولا دليل في الحديث على انه تائب مما سأل الغفران عنه لأن حد التوبة الرجوع عن الذنب والعزم ان لا يعود اليه والاقلاع عنه والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك انتهى وقال غيره شروط التوبة ثلاثة الاقلاع والندم والعزم على ان لا يعود والتعبير بالرجوع عن الذنب لا يفيد معنى الندم بل هو الى معنى الاقلاع أقرب وقال بعضهم يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الاقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه ومن ثم جاء الحديث الندم توبة وهو حديث حسن من حديث بن مسعود أخرجه بن ماجة وصححه الحاكم وأخرجه بن حبان من حديث أنس وصححه وقد تقدم البحث في ذلك في باب التوبة من أوائل كتاب الدعوات مستوفى وقال القرطبي في المفهم يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الاصرار ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة ويشهد له حديث خياركم كل مفت تواب ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد الى التوبة لا من قال استغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية فهذا الذي استغفاره يحتاج الى الاستغفار قلت ويشهد له ما أخرجه بن أبي الدنيا من حديث بن عباس مرفوعا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه والراجح ان قوله والمستغفر الى آخره موقوف وأوله عند بن ماجة والطبراني من حديث بن مسعود وسنده حسن وحديث خياركم كل مفت تواب ذكره في مسند الفردوس عن علي قال القرطبي وفائدة هذ الحديث ان العود الى الذنب وان كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف الى ملابسة الذنب نقض التوبة لكن العود الى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه ان ضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والالحاح في سؤاله والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه قال النووي في الحديث ان الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته وقوله اعمل ما شئت معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك وذكر في كتاب الأذكار عن الربيع بن خيثم انه قال لا تقل استغفر الله وأتوب اليه فيكون ذنبا وكذبا ان لم تفعل بل قل اللهم اغفر لي وتب علي قال النووي هذا حسن واما كراهية أستغفر الله وتسميته كذبا فلا يوافق عليه لأن معنى استغفر الله أطلب مغفرته وليس هذا كذبا قال ويكفي في رده حديث بن مسعود بلفظ من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه غفرت ذنوبه وان كان قد فر من الزحف أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم قلت هذا في لفظ أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأما أتوب اليه فهو الذي عنى الربيع رحمه الله انه كذب وهو كذلك إذا قاله ولم يفعل التوبة كما قال وفي الاستدلال للرد عليه بحديث بن مسعود نظر لجواز ان يكون المراد منه ما إذا قالها وفعل شروط التوبة ويحتمل ان يكون الربيع قصد مجموع اللفظين لا خصوص استغفر الله فيصح كلامه كله والله أعلم ورأيت في الحلبيات للسبكي الكبير الاستغفار طلب المغفرة اما باللسان أو بالقلب أو بهما فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه يعتاد قول الخير والثاني نافع جدا والثالث أبلغ منهما لكنهما لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة فان العاصي المصر يطلب المغفرة ولا يستلزم ذلك وجود التوبة منه الى ان قال والذي ذكرته من أن معنى الاستغفار هو غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ لكنه غلب عند كثير من الناس أن لفظ استغفر الله معناه التوبة فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوبة لا محاله ثم قال وذكر بعض العلماء ان التوبة لا تتم الا بالاستغفار لقوله تعالى وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه والمشهور انه لا يشترط الحديث السابع عشر حديث أبي سعيد في قصة الذي أمر ان يحرقوه وتقدم التنبيه عليه في الخامس عشر

[ 7069 ] قوله معتمر سمعت أبي هو سليمان بن طرخان التيمي والسند كله بصريون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق قوله عن عقبة بن عبد الغافر في رواية شعبة عن قتادة سمعت عقبة وقد تقدمت في الرقاق مع سائر شرحه وقوله انه ذكر رجلا فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم شك من الراوي ووقع عند الأصيلي قبلهم وقد مضى في الرقاق عن موسى بن إسماعيل عن معتمر بلفظ ذكر رجلا فيمن كان سلف قبلكم ولم يشك وقوله قال كلمة يعني أعطاه الله مالا في رواية موسى آتاه الله مالا وولدا وقوله أي أب كنت لكم قال أبو البقاء هو بنصب أي على انه خبر كنت وجاز تقديمه لكونه استفهاما ويجوز الرفع وجوابهم بقولهم خير أب الأجود النصب على تقدير كنت خير أب فيوافق ما هو جواب عنه ويجوز الرفع بتقدير أنت خير أب وقوله فإنه لم يبتئر أو لم يبتئز تقدم عزو هذا الشك انها بالراء أو بالزاي لرواية أبي زيد المروزي تبعا للقاضي عياض وقد وجدتها هنا فيما عندنا من رواية أبي ذر عن شيوخه وقوله فاسحقوني أو قال فاسحكوني في رواية موسى مثله لكن قال أو قال فاسهكوني بالهاء بدل الحاء المهملة والشك هل قالها بالقاف أو الكاف قال الخطابي في رواية أخرى فاسحلوني يعني باللام ثم قال معناه أبردوني بالسحل وهو المبرد ويقال للبرادة سحالة واما اسحكوني بالكاف فأصله السحق فأبدلت القاف كافا ومثله السهك بالهاء والكاف وقوله في آخره قال فحدثت به أبا عثمان القائل هو سليمان التيمي وذهل الكرماني فجزم بأنه قتادة وأبو عثمان هو النهدي وقوله سمعت هذا من سلمان الى آخره سلمان هو الفارسي وأبو عثمان معروف بالرواية عنه وقد أغفل المزي ذكر هذا الحديث من مسند سلمان في الأطراف وقد تقدم أيضا في الرقاق ونبهت على صفة تخريج الإسماعيلي له وقوله

[ 7070 ] حدثنا موسى حدثنا معتمر وقال لم يبتئر أي بالراء لم يشك وقد ساقه بتمامه في الرقاق عن موسى المذكور وهو بن إسماعيل التبوذكي وساق في آخر روايته حديث سلمان أيضا كذلك وقوله بعده وقال لي خليفة هو بن خياط وسقط للأكثر لفظ لي حدثنا معتمر لم يبتئر يعني بالحديث بكماله ولكنه قال لم يبتئز بالزاي وقوله فسره قتادة لم يدخر وقعت هذه الزيادة في رواية خليفة دون رواية موسى بن إسماعيل وعبد الله بن أبي الأسود وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ العنبري عن معتمر وذكر فيه تفسير قتادة هذا وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية إسحاق بن إبراهيم الشهيدي عن معتمر وقد استوعبت اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الخبر في هذه اللفظة في كتاب الرقاق بما يغني عن اعادته وبالله التوفيق

قوله باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم ذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول حديث أنس في الشفاعة أورده مختصرا جدا ثم مطولا وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الرقاق قوله حدثنا يوسف بن راشد هو يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي نزيل بغداد نسبه لجده وهو بالنسبة لأبيه أشهر ولهم شيخ آخر يقال له يوسف بن موسى التستري نزيل الري أصغر من القطان وشيخه أحمد بن عبد الله هو أحمد بن عبد الله بن يونس ينسب لجده كثيرا وأبو بكر بن عياش هو المقرىء وقد أخرج البخاري عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن أبي بكر بن عياش حديثا غير هذا بغير واسطة بينه وبين أحمد وتقدم في باب الغنى غنى النفس في كتاب الرقاق قوله إذا كان يوم القيامة شفعت كذا للأكثر بضم أوله مشددا وللكشميهني بفتحه مخففا قوله فقلت يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة هكذا في هذه الرواية وفي التي بعدها أن الله سبحانه هو الذي يقول ذلك وهو المعروف في سائر الأخبار قال بن التين هذا فيه كلام الأنبياء مع الرب ليس كلام الرب مع الأنبياء قوله ثم أقول ذكر بن التين أنه وقع عنده بلفظ ثم نقول بالنون قال ولا أعلم من رواه بالياء فان كان روي بالياء طابق التبويب أي ثم يقول الله ويكون جوابا عن اعتراض الداودي حيث قال قوله ثم أقول خلاف لسائر الروايات فان فيها ان الله امره أن يخرج قلت وفيه نظر والموجود عند أكثر الرواة ثم أقول بالهمزة كما لأبي ذر والذي أظن ان البخاري أشار الى ما ورد في بعض طرقه كعادته فقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي عاصم أحمد بن جواس بفتح الجيم والتشديد عن أبي بكر عن عياش ولفظه أشفع يوم القيامة فيقال لي لك من في قلبه شعيرة ولك من في قلبه خردلة ولك من في قلبه شيء فهذا من كلام الرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن التوفيق بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم يسأل عن ذلك اولا فيجاب الى ذلك ثانيا فوقع في إحدى الروايتين ذكر السؤال وفي البقية ذكر الإجابة وقوله في الأولى من كان في قلبه أدنى شيء قال الداودي هذا زائد على سائر الروايات وتعقب بأنه مفسر في الرواية الثانية حيث جاء فيها أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من ايمان قال الكرماني قوله أدنى أدنى التكرير للتأكيد ويحتمل أن يراد التوزيع على الحبة والخردل أي أقل حبة من أقل خردلة من الإيمان ويستفا منه صحة القول بتجزيء الإيمان وزيادته ونقصانه وقوله قال أنس كأني أنظر الى أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قوله أدنى شيء وكأنه يضم أصابعه ويشير بها وقوله فأخرجه من النار من النار من النار التكرير للتأكيد أيضا للمبالغة أو للنظر الى الأمور الثلاثة من الحبة والخردلة والايمان أو جعل أيضا للنار مراتب قلت سقط تكرير قوله من النار عند مسلم ومن ذكرت معه في رواية حماد بن زيد هذه والله تعالى أعلم وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق وقوله

[ 7072 ] فيه فذهبنا معنا بثابت البناني اليه يسأله في رواية الكشميهني فسأله بفاء وصيغة الفعل الماضي قال بن التين فيه تقديم الرجل الذي هو من خاصة العالم ليسأله وفي قوله وفادا هو في قصره قال بن التين فيه اتخاذ القصر لمن كثرت ذريته وقوله فوافقنا كذا لهم بحذف المفعول وللكشميهني فوافقناه وقوله ماج الناس أي اختلطوا يقال ماج البحر أي اضطربت أمواجه وقوله فإنه كليم الله كذا للأكثر وللكشميهني فإنه كلم الله بلفظ الفعل الماضي وقوله فيقال يا محمد في رواية الكشميهني فيقول في المواضع الثلاثة قوله وهو متوار في منزل أبي خليفة هو حجاج بن عتاب العبدي البصري والد عمر بن أبي خليفة سماه البخاري في تاريخه وتبعه الحاكم أبو أحمد في الكنى قوله وهو جميع أي وهو مجتمع العقل وهو إشارة الى انه كان حينئذ لم يدخل في الكبر الذي هو مظنة تفرق الذهن وحدوث اختلاط الحفظ وقوله فحدثناه بسكون المثلثة وحذف الضمير وقوله قلنا يا أبا سعيد في رواية الكشميهني فقلنا قال بن التين قال هنا لست لها وفي غيره لست هنا كم قال وأسقط هنا ذكر نوح وزاد فأقول أنا لها وزاد فيقول أمتي أمتي قال الداودي لا أراد محفوظا لأن الخلائق اجتمعوا واستشفعوا ولو كان المراد هذه الأمة خاصة لم تذهب الى غير نبيها فدل على ان المراد الجميع وإذا كانت الشفاعة لهم في فصل القضاء فكيف يخصها بقوله أمتي أمتي ثم قال وأول هذه الحديث ليس متصلا بآخره بل بقي بين طلبهم الشفاعة وبين قوله فاشفع أمور كثيرة من أمور القيامة قلت وقد بينت الجواب عن هذا الاشكال عند شرح الحديث بما يغني عن اعادته هنا وقد أجاب عنه القاضي عياض بأن معنى الكلام فيؤذن له في الشفاعة الموعود بها في فصل القضاء وقوله ويلهمني ابتداء كلام آخر وبيان للشفاعة الأخرى الخاصة بأمته وفي السياق اختصار وادعى المهلب ان قوله فأقول يا رب أمتي مما زاد سليمان بن حرب على سائر الرواة كذا قال وهو اجتراء على القول بالظن الذي لا يستند الى دليل فان سليمان بن حرب لم ينفرد بهذه الزيادة بل رواها معه سعيد بن منصور عند مسلم وكذا أبو الربيع الزهراني عند مسلم والإسماعيلي ولم يسق مسلم لفظه ويحيى بن حبيب بن عربي عند النسائي في التفسير ومحمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن سليمان لوين كلاهما عند الإسماعيلي كلهم عن حماد بن زيد شيخ سليمان بن حرب فيه بهذه الزيادة وكذا وقعت هذه الزيادة في هذا الموضع من حديث الشفاعة في رواية أبي هريرة الماضية في كتاب الرقاق وبالله التوفيق الحديث الثاني

[ 7073 ] قوله حدثنا محمد بن خالد في رواية الكشميهني محمد بن مخلد والأول الصواب ولم يذكر أحد ممن صنف في رجال البحاري ولا في رجال الكتب الستة أحدا اسمه محمد بن مخلد والمعروف محمد بن خالد وقد اختلف فيه فقيل هو الذهلي وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس نسب لجد أبيه وبذلك جزم الحاكم والكلاباذي وأبو مسعود وقيل محمد بن خالد بن جبلة الرافعي وبذلك جزم أبو أحمد بن عدي وخلف الواسطي في الأطراف وقد روى هنا عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بالواسطة وروى عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بلا واسطة عدة أحاديث منها في المغازي والتفسير والفرائض ومنصور في السند هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح أوله هو بن عمرو السلماني وعبد الله هو بن مسعود ورجال سند هذا الى عبيد الله بن موسى كوفيون قوله ان آخر أهل الجنة دخولا الجنة الحديث ذكره مختصرا جدا وقد مضى بتمامه مشروحا في الرقاق وقوله كل ذلك يعيد عليه الجنة في رواية الكشميهني فكل ذلك وقوله في أخره عشر مرار في رواية الكشميهني عشر مرات الحديث الثالث حديث عدي بن حاتم ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه وقد تقدم شرحه في كتاب الرقاق وقوله

[ 7074 ] قال الأعمش وحدثني عمرو بن مرة هو موصول بالسند الذي قبله اليه الحديث الرابع حديث عبد الله وهو بن مسعود قال جاء حبر من اليهود فذكر الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي وتقدم كلام الخطابي في إنكاره تارة وفي تأويله أخرى وقال أيضا الاستدلال بالتبسم والضحك في مثل هذا الأمر العظيم غير سائغ مع تكافىء وجهي الدلالة المتعارضين فيه ولو صح الخبر لكان ظاهر اللفظ منه متأولا على نوع من المجاز وضرب من التمثيل مما جرت عادة الكلام بين الناس في عرف تخاطبهم فيكون المعنى ان قدرته على طيها وسهولة الأمر في جمعها بمنزلة من جمع شيئا في كفه فاستخف حمله فلم يشتمل عليه بجميع كفه لكنه أقله ببعض أصابعه وقد يقول الإنسان في الأمر الشاق إذا أضيف الى القوي أنه يأتي عليه بأصبع أو أنه يقله بخنصره ثم قال والظاهر ان هذا من تخليط اليهود وتحريفهم وان ضحكه عليه الصلاة والسلام انما كان على معنى التعجب والنكير له والعلم عند الله تعالى الحديث الخامس حديث بن عمر في النجوى

[ 7076 ] قوله يدنو أحدكم من ربه قال بن التين يعني يقرب من رحمته وهو سائغ في اللغة يقال فلان قريب من فلان ويراد الرتبة ومثله ان رحمة الله قريب من المحسنين وقوله فيضع كنفه بفتح الكاف والنون بعدها فاء المراد بالكنف الستر وقد جاء مفسرا بذلك في رواية عبد الله بن المبارك عن محمد بن سواء عن قتادة فقال في آخر الحديث قال عبد الله بن المبارك كنفه ستره أخرجه المصنف في كتاب خلق أفعال العباد والمعنى أنه تحيط به عنايته التامة ومن رواه بالمثناة المكسورة فقد صحف على ما جزم به جمع من العلماء قوله وقال آدم حدثنا شيبان وهو بن عبد الرحمن الى آخره ذكر هذه الرواية لتصريح قتادة فيها بقوله حدثنا صفوان وهكذا ذكره عن آدم في كتاب خلق أفعال العباد تنبيهان أحدهما ليس في أحاديث الباب كلام الرب مع الأنبياء الا في حديث أنس وسائر أحاديث الباب في كلام الرب مع غير الأنبياء وإذا ثبت كلامه مع غير الأنبياء فوقوعه للأنبياء بطريق الأولى الثاني تقدم في الحديث الأول ما يتعلق بالترجمة وأما الثاني فيختص بالركن الثاني من الترجمة وهو قوله وغيرهم وأما سائرها فهو شامل للأنبياء ولغير الأنبياء على وفق الترجمة

قوله باب ما جاء في قوله عز وجل وكلم الله موسى تكليما كذا لأبي زيد المروزي ومثله لأبي ذر لكن بحذف لفظ قوله عز وجل ولغيرهما باب قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما قال الأئمة هذه الآية أقوى من ورد في الرد على المعتزلة قال النحاس أجمع النحويين على ان الفعل إذا أكد بالمصدر لم يكن مجازا فإذا قال تكليما وجب ان يكون كلاما على الحقيقة التي تعقل وأجاب بعضهم بأنه كلام على الحقيقة لكن محل الخلاف هل سمعه موسى من الله تعالى حقيقة أو من الشجرة فالتأكيد رفع المجاز عن كونه غير كلام اما المتكلم به فمسكوت عنه ورد بأنه لا بد من مراعاة المحدث عنه فهو لرفع المجاز عن النسبة لأنه قد نسب الكلام فيها الى الله فهو المتكلم حقيقة ويؤكده قوله في سورة الأعراف اني اصطفيتك عن الناس برسالاتي وبكلامي وأجمع السلف والخلف من أهل السنة وغيرهم على ان كلم هنا من الكلام ونقل الكشاف عن بدع بعض التفاسير انه من الكلم بمعنى الجرح وهو مردود بالإجماع المذكور قال بن التين اختلف المتكلمون في سماع كلام الله فقال الأشعري كلام الله القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تال وقراءة كل قارىء وقال الباقلاني انما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء وتقدم في باب يريدون ان يبدلوا كلام الله شيء من هذا وأورد البخاري في كتاب خلق أفعال العباد ان خالد بن عبد الله القسري قال اني مضح بالجعد بن درهم فإنه يزعم ان الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما وتقدم في أول التوحيد أن سلم بن أحوز قتل جهم بن صفوان لأنه أنكر ان الله كلم موسى تكليما ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث أحدها حديث أبي هريرة احتج آدم وموسى وقد مضى شرحه في كتاب القدر والمراد منه

[ 7077 ] قوله أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه وللكشميهني وبكلامه ثانيها حديث أنس في الشفاعة أورد منه طرفا من أوله الى قوله في ذكر آدم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب وقد مضى شرحه مستوفى في كتاب الرقاق قال الإسماعيلي أراد ذكر موسى قالوا له وكلمك الله فلم يذكره قلت جرى على عادته في الإشارة وقد مضى في تفسير البقرة عن مسلم بن إبراهيم شيخه هنا وساقه فيه بطوله وفيه ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة الحديث ومضى أيضا في كتاب التوحيد هذا في باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي عن معاذ بن فضالة عن هشام بهذا السند وساق الحديث بطوله أيضا وفيه ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما وكذا وقع في حديث أبي بكر الصديق في الشفاعة الذي أخرجه أحمد وغيره وصححه أبو عوانة وغيره فيأتون إبراهيم فيقول انطلقوا الى موسى فان الله كلمه تكليما وذكر البخاري في كتاب خلق أفعال العباد منه هذا القدر تعليقا ثالثها حديث أنس في المعراج أورده من رواية شريك بن عبد الله أي بن أبي نمر بفتح النون وكسر الميم وهو مدني تابعي يكنى أبا عبد الله وهو أكبر من شريك بن عبد الله النخعي القاضي وقد أورد بعض هذا الحديث في الترجمة النبوية وأورد حديث الإسراء من رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر في أوائل كتاب الصلاة وأورده من رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة في بدء الخلق وفي أوائل البعثة قبل الهجرة وشرحته هناك وأخرت ما يتعلق برواية شريك هذه هنا لما اختصت به من المخالفات

[ 7079 ] قوله ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى اليه في رواية الكشميهني إذ جاء بدل انه جاءه والأول أولى والنفر الثلاثة لم أقف على تسميتهم صريحا لكنهم من الملائكة وأخلق بهم أن يكونوا من ذكر في حديث جابر الماضي في أوائل الاعتصام بلفظ جاءت الملائكة الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم انه نائم وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقظان وبينت هناك أن منهم جبريل وميكائيل ثم وجدت التصريح بتسميتهما في رواية ميمون بن سياه عن أنس عند الطبراني ولفظه فأتاه جبريل وميكائيل فقالا أيهم وكانت قريش تنام حول الكعبة فقالا أمرنا بسيدهم ثم ذهبا ثم جاءا وهم ثلاثة فألقوه فقلبوه لظهره وقوله وقبل قبل أن يوحى اليه انكرها الخطابي وابن حزم وعبد الحق والقاضي عياض والنووي وعبارة النووي وقع في رواية شريك يعني هذه أوهام أنكرها العلماء أحدها قوله قبل أن يوحى اليه وهو غلط لم يوافق عليه وأجمع العلماء أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون قبل الوحي انتهى وصرح المذكورون بأن شريكا تفرد بذلك وفي دعوى التفرد نظر فقد وافقه كثير بن خنيس بمعجمه ونون مصغر عن أنس كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في كتاب المغازي من طريقه قوله وهو نائم في المسجد الحرام قد أكد هذا بقوله في آخر الحديث فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ونحوه ما وقع في حديث مالك بن صعصعة بين النائم واليقظان وقد قدمت وجه الجمع بين مختلف الروايات في شرح الحديث قوله فقال أولهم أيهم هو فيه اشعار بأنه كان نائما بين جماعة أقلهم اثنان وقد جاء أنه كان نائما معه حينئذ حمزة بن عبد المطلب عمه وجعفر بن أبي طالب بن عمه قوله فقال أحدهم خذوا خيرهم فكانت تلك الليلة الضمير المستتر في كانت لمحذوف وكذا خبر كان التقدير فكانت القصة الواقعة تلك الليلة ما ذكر هنا قوله فلم يرهم أي بعد ذلك حتى اتوه ليلة أخرى ولم يعين المدة التي بين المجيئين فيحمل على ان المجيء الثاني كان بعد أن أوحى اليه وحينئذ وقع الإسراء والمعراج وقد سبق بيان الاختلاف في ذلك عند شرحه وإذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق في ذلك بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين وبهذا يرتفع الاشكال عن رواية شريك ويحصل به الوفاق أن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة ويسقط تشنيع الخطابي وابن حزم وغيرهما بأن شريكا خالف الإجماع في دعواه ان المعراج كان قبل البعثة وبالله التوفيق وأما ما ذكره بعض الشراح انه كان بين الليلتين اللتين أتاه فيهما الملائكة سبع وقيل ثمان وقيل تسع وقيل عشر وقيل ثلاثة عشر فيحمل على إرادة السنين لا كما فهمه الشارح المذكور أنها ليال وبذلك جزم بن القيم في هذا الحديث نفسه وأقوى ما يستدل به ان المعراج بعد البعثة قوله في هذا الحديث نفسه ان جبريل قال لبواب السماء إذ قال له ابعث قال نعم فإنه ظاهر في ان المعراج كان بعد البعثة فيتعين ما ذكرته من التأويل وأقله قوله فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام فان حمل على ظاهره جاز ان يكون نام بعد ان هبط من السماء فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام وجاز أن يؤول قوله استيقظ أي أفاق مما كان فيه فإنه كان إذا اوحي اليه يستغرق فيه فإذا انتهى رجع الى حالته الأولى فكني عنه بالاستيقاظ قوله فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تقدم الكلام عليه في الترجمة النبوية قوله فلم يكلموه حتى احتملوه تقدم وجه الجمع بين هذا وبين قوله في حديث أبي ذر فرج سقف بيتي وقوله في حديث مالك بن صعصعة بأنه كان في الحطيم عند شرحه بناء على اتحاد قصة الإسراء أما ان قلنا ان الإسراء كان متعددا فلا اشكال أصلا قوله فشق جبريل ما بين نحره الى لبته بفتح اللام وتشديد الموحدة وهي موضع القلادة من الصدر ومن هناك تنحر الإبل وقد تقدم عند شرحه الرد على من أنكر شق الصدر عند الإسراء وزعم ان ذلك انما وقع وهو صغير وبينت انه ثبت كذلك في غير رواية شريك في الصحيحين من حديث أبي ذر وان شق الصدر وقع أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو نعيم والبيهقي بدلائل النبوة وذكر أبو بشر الدولابي بسنده انه صلى الله عليه وسلم رأى في المنام ان بطنه أخرج ثم أعيد فذكر ذلك لخديجة الحديث وتقدم بيان الحكمة في تعدد ذلك ووقع شق الصدر الكريم أيضا في حديث أبي هريرة حين كان بن عشر سنين وهو عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وتقدم الإلمام بشيء من ذلك في الترجمة النبوية ووقع في الشفاء ان جبريل قال لما غسل قلبه قلب سديد فيه عينان تبصران واذنان تسمعان قوله ثم اتى بطست محشوا كذا وقع بالنصب وأعرب بأنه حال من الضمير الجار والمجرور والتقدير بطست كائن من ذهب فنقل الضمير من اسم الفاعل الى الجار والمجرور وتقدم في كتاب الصلاة بلفظ محشو بالجر على الصفة لا اشكال فيه واما قوله ايمانا فمنصوب على التمييز وقوله وحكمة معطوف عليه قوله بطست من ذهب فيه تور من ذهب التور بمثناة تقدم بيانه في كتاب الوضوء وهذا يقتضي انه غير الطست وانه كان داخل الطست فقد تقدم في أوائل الصلاة في شرح حديث أبي ذر في الإسراء انهم غسلوه بماء زمزم فان كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل ان يكون أحدهما فيه ماء زمزم والآخر هو المحشو بالإيمان واحتمل ان يكون التور ظرف الماء وغيره والطست لما يصب فيه عند الغسل صيانة له عن التبدد في الأرض وجريا له على العادة في الطست وما يوضع فيه الماء قوله فحشى به صدره في رواية الكشميهني فحشا بفتح الحاء والشين وصدره بالنصب ولغيره بضم الحاء وكسر الشين وصدره بالرفع قوله ولغاديده بغين معجمة فسره في هذه الرواية بأنها عروق حلقه وقال أهل اللغة هي اللحمات التي بين الحنك وصفحة العنق واحدها لغدود ولغديد ويقال له أيضا لغد وجمعه ألغاد قوله ثم أطبقه ثم عرج به الى السماء الدنيا ان كانت القصة متعددة فلا اشكال وان كانت متحدة ففي هذا السياق حذف تقديره ثم أركبه البراق الى بيت المقدس ثم أتى بالمعراج كما في حديث مالك بن صعصعة فغسل به قلبي ثم حشى ثم أعيد ثم أتيت بدابة فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا وفي سياقه أيضا حذف تقديره حتى اتى بي بيت المقدس ثم أتى بالمعراج كما في رواية ثابت عن أنس رفعه أتيت بالبراق فركبته حتى أتى بي بيت المقدس فربطته ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم عرج بي الى السماء قوله فاستبشر به أهل السماء كأنهم كانوا أعلموا أنه سيعرج به فكانوا مترقبين ذلك قوله لا يعلم أهل السماء بما يريد في رواية الكشميهني ما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم أي على لسان من شاء كجبريل قوله فاذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان أي يجريان وظاهر هذا يخالف حديث مالك بن صعصعة فان فيه بعد ذكر سدرة المنتهى فإذا في أصلها أربعة أنهار ويجمع بأن أصل نبعهما من تحت سدرة المنتهى ومقرهما في السماء الدنيا ومنها ينزلان الى الأرض فوقع هنا النيل والفرات عنصرها والعنصر بضم العين والصاد المهملتين بينهما نون ساكنة هو الأصل قوله ثم مضى به في السماء الدنيا فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده أي في النهر فاذا هو أي طينه مسك اذفر قال ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي خبأ بفتح المعجمة والموحدة مهموز أي ادخر لك ربك وهذا مما يستشكل من رواية شريك فان الكوثر في الجنة والجنة في السماء السابعة وقد أخرج أحمد من حديث حميد الطويل عن أنس رفعه دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي في مجرى مائه فإذا مسك اذفر فقال جبريل هذا الكوثر الذي أعطاك الله تعالى وأصل هذا الحديث عند البخاري بنحوه وقد مضى في التفسير من طريق قتادة عن أنس لكن ليس فيه ذكر الجنة وأخرجه أبو داود والطبري من طريق سليمان التيمي عن قتادة ولفظه لما عرج بنبي الله صلى الله عليه وسلم عرض له في الجنة نهر الحديث ويمكن ان يكون بهذا الموضع شيء محذوف تقديره ثم مضى به في السماء الدنيا الى السابعة فإذا هو بنهر قوله كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة كذا في رواية شريك وفي حديث الزهري عن أنس عن أبي ذر قال أنس فذكر انه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلم غير انه ذكر انه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة انتهى وهذا موافق لرواية شريك في إبراهيم وهما مخالفان لرواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة وقد قدمت في شرحه ان الأكثر وافقوا قتادة وسياقه يدل على رجحان روايته فإنه ضبط اسم كل نبي والسماء التي هو فيها ووافقه ثابت عن أنس وجماعة ذكرتهم هناك فهو المعتمد لكن ان قلنا ان القصة تعددت فلا ترجيح ولا اشكال قوله وموسى في السابعة بفضل كلامه لله في رواية أبي ذر عن الكشميهني بتفضيل كلام الله وهي رواية الأكثر وهي مراد الترجمة والمطابق لقوله تعالى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وهذا التعليق يدل على ان شريكا ضبط كون موسى في السماء السابعة وقد قدمنا أن حديث أبي ذر يوافقه لكن المشهور في الروايات ان الذي في السابعة هو إبراهيم واكد ذلك في حديث مالك بن صعصعة بأنه كان مسندا ظهره الى البيت المعمور فمع التعدد لا اشكال ومع الاتحاد فقد جمع بأن موسى كان في حالة العروج في السادسة وإبراهيم في السابعة على ظاهر حديث مالك بن صعصعة وعند الهبوط كان موسى في السابعة لأنه لم يذكر في القصة أن إبراهيم كلمه في شيء مما يتعلق بما فرض الله على أمته من الصلاة كما كلمه موسى والسماء السابعة هي أول شيء انتهى اليه حالة الهبوط فناسب ان يكون موسى بها لأنه هو الذي خاطبه في ذلك كما ثبت في جميع الروايات ويحتمل ان يكون لقي موسى في السادسة فأصعد معه الى السابعة تفضيلا له على غيره من أجل كلام الله تعالى وظهرت فائدة ذلك في كلامه مع المصطفى فيما يتعلق بأمر أمته في الصلاة وقد أشار النووي الى شيء من ذلك والعلم عند الله تعالى قوله فقال موسى رب لم أظن أن ترفع علي أحدا كذا للأكثر بفتح المثناة ثم ترفع واحدا للنصب وفي رواية الكشميهني أن يرفع بضم التحتانية أوله واحد بالرفع قال بن بطال فهم موسى من اختصاصه بكلام الله تعالى له في الدنيا دون غيره من البشر لقوله اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ان المراد بالناس هنا البشر كلهم وأنه استحق بذلك ان لا يرفع أحد عليه فلما فضل الله محمدا عليه عليهما الصلاة والسلام بما أعطاه من المقام المحمود وغيره ارتفع على موسى وغيره بذلك ثم ذكر الاختلاف في ان الله سبحانه وتعالى في ليلة الإسراء كلم محمدا صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أو بواسطة والخلاف في وقوع الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم بعين رأسه أو بعين قلبه في اليقظة أو في المنام وقد مضى بيان الاختلاف في ذلك في تفسير سورة النجم بما يغني عن اعادته قوله ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله حتى جاء سدرة المنتهى كذا وقع في رواية شريك وهو مما خالف فيه غيره فان الجمهور على ان سدرة المنتهى في السابعة وعند بعضهم في السادسة وقد قدمت وجه الجمع بينهما عند شرحه ولعل في السياق تقديما وتأخيرا وكان ذكر سدرة المنتهى قبل ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله وقد وقع في حديث أبي ذر ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقد تقدم تفسير المستوى والصريف عند شرحه في أول باب كتاب الصلاة ووقع في رواية ميمون بن سياه عن أنس عند الطبري بعد ذكر إبراهيم في السابعة فإذا هو بنهر فذكر أمر الكوثر قال ثم خرج الى سدرة المنتهى وهذا موافق للجمهور ويحتمل ان يكون المراد بما تضمنته هذه الرواية من العلو البالغ لسدرة المنتهى صفة أعلاها وما تقدم صفة أصلها قوله ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى في رواية ميمون المذكورة فدنا ربك عز وجل فكان قاب قوسين أو أدنى قال الخطابي ليس في هذا الكتاب يعني صحيح البخاري حديث أشنع ظاهرا ولا أشنع مذاقا من هذا الفصل فأنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر وتمييز مكان كل واحد منهما هذا الى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي تعلق من فوق الى أسفل قال فمن لم يبلغه من هذا الحديث الا هذا القدر مقطوعا عن غيره ولم يعتبره بأول القصة وآخرها اشتبه عليه وجهه ومعناه وكان قصاراه ما رد الحديث من أصله واما الوقوع في التشبيه وهما خطتان مرغوب عنهما واما من اعتبر أول الحديث بآخره فإنه يزول عنه الاشكال فأنه مصرح فيهما بأنه كان رؤيا لقوله في أوله وهو نائم وفي آخره استيقظ وبعض الرؤيا مثل يضرب ليتأول على الوجه الذي يجب أن يصرف اليه معنى التعبير في مثله وبعض الرؤيا لا يحتاج الى ذلك بل يأتي كالمشاهدة قلت وهو كما قال ولا التفات الى من تعقب كلامه بقوله في الحديث الصحيح ان رؤيا الأنبياء وحي فلا يحتاج الى تعبير لأنه كلام من لم يمعن النظر في هذا المحل فقد تقدم في كتاب التعبير أن بعض مرأى الأنبياء يقبل التعبير وتقدم من أمثلة ذلك قول الصحابة له صلى الله عليه وسلم في رؤية القميص فما أولته يا رسول الله قال الدين وفي رؤية اللبن قال العلم الى غير ذلك لكن جزم الخطابي بأنه كان في المنام متعقب بما تقدم تقريره قبل ثم قال الخطابي مشيرا الى رفع الحديث من أصله بأن القصة بطولها انما هي حكاية يحكيها أنس من تلقاء نفسه لم يعزها الى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقلها عنه ولا أضافها الى قوله فحاصل الأمر في النقل انها من جهة الراوي اما من أنس واما من شريك فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ التي لا يتابعه عليها سائر الرواة انتهى وما نفاه من ان أنسا لم يسند هذه القصة الى النبي صلى الله عليه وسلم لا تأثير له فادنى أمره فيها ان يكون مرسل صحابي فاما ان يكون تلقاها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي تلقاها عنه ومثل ما اشتملت عليه لا يقال بالرأي فيكون لها حكم الرفع ولو كان لما ذكره تأثير لم يحمل حديث أحد روى مثل ذلك على الرفع أصلا وهو خلاف عمل المحدثين قاطبة فالتعليل بذلك مردود ثم قال الخطابي ان الذي وقع في هذه الرواية من نسبة التدلي للجبار عز وجل مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر قال والذي قيل فيه ثلاثة أقوال أحدها انه دنى جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى أي تقرب منه وقيل هو على التقديم والتأخير أي تدلى فلانا لأن التدلي بسبب الدنو الثاني تدلى له جبريل بعد الانتصاب والارتفاع حتى رآه متدليا كما رآه مرتفعا وذلك من آيات الله حيث أقدره على ان يتدلى في الهواء من غير اعتماد على شيء ولا تمسك بشيء الثالث دنا جبريل فتدلى محمد صلى الله عليه وسلم ساجدا لربه تعالى شكرا على ما أعطاه قال وقد روى هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك فلم يذكر فيه هذه الألفاظ الشنيعة وذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من جهة شريك انتهى وقد أخرج الأموي في مغازيه ومن طريقه البيهقي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن بن عباس في قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى قال دنا منه ربه وهذا سند حسن وهو شاهد قوي لرواية شريك ثم قال الخطابي وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضا لم يذكرها غيره وهي قوله فعلا به يعني جبريل الى الجبار تعالى فقال وهو مكانه يا رب خفف عنا قال والمكان لا يضاف الى الله تعالى انما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الأول الذي قام فيه قبل هبوطه انتهى وهذا الأخير متعين وليس في السياق تصريح بإضافة المكان الى الله تعالى وأما ما جزم به من مخالفة السلف والخلف لرواية شريك عن أنس في التدلي ففيه نظر فقد ذكرت من وافقه وقد نقل القرطبي عن بن عباس انه قال دنا الله سبحانه وتعالى قال والمعنى دنا أمره وحكمه وأصل التدلي النزول الى الشيء حتى يقرب منه قال وقيل تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى جلس عليه ثم دنا محمد من ربه انتهى وقد تقدم في تفسير سورة النجم ما ورد من الأحاديث في ان المراد بقوله رآه ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح ومضى بسط القول في ذلك هناك ونقل البيهقي نحو ذلك عن أبي هريرة قال فاتفقت روايات هؤلاء على ذلك ويعكر عليه قوله بعد ذلك فأوحى الى عبده ما أوحى ثم نقل عن الحسن أن الضمير في عبده لجبريل والتقدير فأوحى الله الى جبريل وعن الفراء التقدير فأوحى جبريل الى عبد الله محمد ما اوحى وقد أزال العلماء اشكاله فقال القاضي عياض في الشفاء إضافة الدنو والقرب الى الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ولا قرب زمان وانما هو بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وسلم ابانة لعظيم منزلته وشريف رتبته وبالنسبة الى الله عز وجل تأنيس لنبيه واكرام له ويتأول فيه ما قالوه في حديث ينزل ربنا الى السماء وكذا في حديث من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وقال غيره الدنو مجاز عن القرب المعنوي لإظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى والتدلي طلب زيادة القرب وقاب قوسين بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة وبالنسبة الى الله إجابة سؤاله ورفع درجته وقال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين زاد فيه يعني شريكا زيادة مجهولة واتى فيه بألفاظ غير معروفة وقد روى الإسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما اتى به شريك وشريك ليس بالحافظ وسبق الى ذلك أبو محمد بن حزم فيما حكاه الحافظ أبو الفضل بن طاهر في جزء جمعه سماه الانتصار لأيامي الأمصار فنقل فيه عن الحميدي عن بن حزم قال لم نجد للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا حديثين ثم غلبه في تخريجه الوهم مع اتقانهما وصحة معرفتهما فذكر هذا الحديث وقال فيه ألفاظ معجمة والآفة من شريك من ذلك قوله قبل ان يوحى اليه وانه حينئذ فرض عليه الصلاة قال وهذا لا خلاف بين أحد من أهل العلم انما كان قبل الهجرة بسنة وبعد ان أوحي اليه بنحو اثنتي عشرة سنة ثم قوله ان الجبار دنا فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وعائشة رضي الله عنها تقول ان الذي دنى فتدلى جبريل انتهى وقد تقدم الجواب عن ذلك وقال أبو الفضل بن طاهر تعليل الحديث بتفرد شريك ودعوى بن حزم ان الآفة منه شيء لم يسبق اليه فان شريكا قبله أئمة الجرح والتعديل ووثقوه ورووا عنه وادخلوا حديثه في تصانيفهم واحتجوا به وروى عبد الله بن أحمد الدورقي وعثمان الدارمي وعباس الدوري عن يحيى بن معين لا بأس به وقال بن عدي مشهور من أهل المدينة حدث عنه مالك وغيره من الثقات وحديثه إذا روى عنه ثقة لا بأس به الا ان يروي عنه ضعيف قال بن طاهر وحديثه هذا رواه عند ثقة وهو سليمان بن بلال قال وعلى تقدير تسليم تفرده قبل أن يوحى اليه لا يقتضي طرح حديثه فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور ولو ترك حديث من وهم في تاريخ لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين ولعله أراد ان يقول بعد أن اوحي اليه فقال قبل أن يوحى اليه انتهى وقد سبق الى التنبيه على ما في رواية شريك من المخالفة مسلم في صحيحه فإنه قال بعد ان ساق سنده وبعض المتن ثم قال فقدم وأخر وزاد ونقص وسبق بن حزم أيضا الى الكلام في شريك أبو سليمان الخطابي كما قدمته وقال فيه النسائي وأبو محمد بن الجارود ليس بالقوي وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه نعم قال محمد بن سعد وأبو داود ثقة فهو مختلف فيه فإذا تفرد عد ما ينفرد به شاذا وكذا منكرا على رأي من يقول المنكر والشاذ شيء واحد والأولى التزام ورود المواضع التي خالف فيها غيره والجواب عنها اما بدفع تفرده واما بتأويله على وفاق الجماعة ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك الأول امكنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماوات وقد أفصح بأنه لم يضبط منازلهم وقد وافقه الزهري في بعض ما ذكر كما سبق في أول كتاب الصلاة الثاني كون المعراج قبل البعثة وقد سبق الجواب عن ذلك وأجاب بعضهم عن قوله قبل أن يوحى بأن القبلية هنا في أمر مخصوص وليست مطلقة واحتمل ان يكون المعنى قبل ان يوحى اليه في شأن الإسراء والمعراج مثلا أي أن ذلك وقع بغتة قبل ان ينذر به ويؤيده قوله في حديث الزهري فرج سقف بيتي الثالث كونه مناما وقد سبق الجواب عنه أيضا بما فيه غنية الرابع مخالفته في محل سدرة المنتهى وانها فوق السماء السابعة بما لا يعلمه الا الله والمشهور انها في السابعة أو السادسة كما تقدم الخامس مخالفته في النهرين وهما النيل والفرات وان عنصرهما في السماء الدنيا والمشهور في غير روايته أنهما في السماء السابعة وانهما من تحت سدرة المنتهى السادس شق الصدر عند الإسراء وقد وافقته رواية غيره كما بينت ذلك في شرح رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة وقد أشرت اليه أيضا هنا السابع ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا والمشهور في الحديث انه في الجنة كما تقدم التنبيه عليه الثامن نسبة الدنو والتدلي الى الله عز وجل والمشهور في الحديث انه جبريل كما تقدم التنبيه عليه التاسع تصريحه بأن امتناعه صلى الله عليه وسلم من الرجوع الى سؤال ربه التخفيف كان عند الخامسة ومقتضى رواية ثابت عن أنس انه كان بعد التاسع العاشر قوله فعلا به الجبار فقال وهو مكانه وقد تقدم ما فيه الحادي عشر رجوعه بعد الخمس والمشهور في الأحاديث أن موسى عليه الصلاة والسلام امره بالرجوع بعد ان انتهى التخفيف الى الخمس فامتنع كما سأبينه الثاني عشر زيادة ذكر التور في الطست وقد تقدم ما فيه فهذه أكثر من عشرة مواضع في هذا الحديث لم أرها مجموعة في كلام أحد ممن تقدم وقد بينت في كل واحد اشكال من استشكله والجواب عنه ان أمكن وبالله التوفيق وقد جزم بن القيم في الهدى بأن في رواية شريك عشرة أوهام لكن عد مخالفته لمحال الأنبياء أربعة منها وانا جعلتها واحدة فعلى طريقته تزيد العدة ثلاثة وبالله التوفيق قوله ماذا عهد إليك ربك أي أمرك أو أوصاك قال عهد الى خمسين صلاة فيه حذف تقديره عهد الى ان أصلي وآمر أمتي أن يصلوا خمسين صلاة وقد تقدم بيان اختلاف الألفاظ في هذا الموضع في أول كتاب الصلاة قوله فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم الى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار اليه جبريل أي نعم في رواية أن نعم وان بالفتح والتخفيف مفسرة فهي في المعنى هنا مثل أي وهي بالتخفيف قوله ان شئت يقوي ما ذكرته في كتاب الصلاة انه صلى الله عليه وسلم فهم ان الأمر بالخمسين لم يكن على سبيل الحتم قوله فعلا به الى الجبار تقدم ما فيه عند شرح قوله فتدلى وقوله فقال وهو مكانه تقدم أيضا بحث الخطابي فيه وجوابه قوله والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذه أي الخمس وفي رواية الكشميهني من هذا أي القدر فضعفوا فتركوه اما قوله راودت فهو من الرود من راد يرود إذا طلب المرعى وهو الرائد ثم اشتهر فيما يريد الرجال من النساء واستعمل في كل مطلوب وأما قوله أدنى فالمراد به أقل وقد وقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس في تفسير بن مردويه تعيين ذلك ولفظه فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما قوله فأمتك في رواية الكشميهني وأمتك أضعف أجسادا أي من بني إسرائيل قوله أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا الأجسام والأجساد سواء والجسم والجسد جميع الشخص والأجسام أعم من الأبدان لأن البدن من الجسد ما سوى الرأس والأطراف وقيل البدن أعالي الجسد دون أسافله قوله كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم الى جبريل في رواية الكشميهني يتلفت بتقديم المثناة وتشديد الفاء قوله فرفعه في رواية المستملي يرفعه والأول أولى قوله عند الخامسة هذا التنصيص على الخامسة على انها الأخيرة يخالف من رواية ثابت عن أنس أنه وضع عنه في كل مرة خمسا وأن المراجعة كانت تسع مرات وقد تقدم بيان الحكمة في ذلك ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم بعد تقرير الخمس لطلب التخفيف مما وقع من تفردات شريك في هذه القصة والمحفوظ ما تقدم انه صلى الله عليه وسلم قال لموسى في الأخيرة استحييت من ربي وهذا أصرح بأنه راجع في الأخيرة وان الجبار سبحانه وتعالى قال له يا محمد قال لبيك وسعديك قال انه لا يبدل القول لدي وقد أنكر ذلك الداودي فيما نقله بن التين فقال الرجوع الأخير ليس بثابت والذي في الروايات أنه قال استحييت من ربي فنودي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وقوله هنا فقال موسى ارجع الى ربك قال الداودي كذا وقع في هذه الرواية ان موسى قال له ارجع الى ربك بعد ان قال لا يبدل القول لدي ولا يثبت لتواطىء الروايات على خلافه وما كان موسى ليأمره بالرجوع بعد ان يقول الله تعالى له ذلك انتهى وأغفل الكرماني رواية ثابت فقال إذا خففت في كل مرة عشرة كانت الأخيرة سادسة فيمكن ان يقال ليس فيه حصر لجواز لان يخفف بمرة واحدة خمس عشرة أو أقل أو أكثر قوله لا يبدل القول لدي تمسك من أنكر النسخ ورد بأن النسخ بيان انتهاء الحكم فلا يلزم منه تبديل القول قوله في الأخيرة قد والله راودت الخ راودت يتعلق بقد والقسم مقحم بينهما لإرادة التأكيد فقد تقدم بلفظ والله لقد راودت بني إسرائيل قوله قال فاهبط باسم الله ظاهر السياق ان موسى هو الذي قال له ذلك لأنه ذكره عقب قوله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف اليه قال فاهبط وليس كذلك بل الذي قال له فاهبط باسم الله هو جبريل وبذلك جزم الداودي قوله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام قال القرطبي يحتمل أن يكون استيقاظ من نومة نامها بعد الإسراء لأن اسراعه لم يكن طول ليلته وانما كان في بعضها ويحتمل ان يكون المعنى افقت مما كنت فيه مما خامر باطنه من مشاهدة الملأ الأعلى لقوله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى فلم يرجع الى حال بشريته صلى الله عليه وسلم الا وهو بالمسجد الحرام وأما قوله في أوله بينا انا نائم فمراده في أول القصة وذلك أنه كان قد ابتدأ نومه فأتاه الملك فأيقظه وفي قوله في الرواية الأخرى بينا انا بين النائم واليقظان أتاني الملك إشارة الى انه لم يكن استحكم في نومه انتهى وهذا كله ينبني على توحد القصة والا فمتى حملت على التعدد بأن كان المعراج مرة في المنام وأخرى في اليقظة فلا يحتاج لذلك تنبيه قيل اختص موسى عليه السلام بهذا دون غيره ممن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه أول من تلقاه عند الهبوط ولأن أمته أكثر من أمة غيره ولأن كتابه أكبر الكتب المنزلة قبل القرآن تشريعا وأحكاما أو لأن أمة موسى كانوا كلفوا من الصلاة ما ثقل عليهم فخاف موسى على أمة محمد مثل ذلك واليه الإشارة بقوله فاني بلوت بني إسرائيل قاله القرطبي وأما قول من قال انه أول من لاقاه بعد الهبوط فليس بصحيح لأن حديث مالك بن صعصعة أقوى من هذا وفيه أنه لقيه في السماء السادسة انتهى وإذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة وصعد موسى الى السابعة فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الاشكال وبطل الرد المذكور والله أعلم

قوله باب كلام الرب مع أهل الجنة أي بعد دخولهم الجنة ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له أحدهما حديث أبي سعيد ان الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة الحديث وفيه فيقول أحل عليكم رضواني وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الرقاق في باب صفة الجنة والنار قال بن بطال استشكل بعضهم هذا لأنه يوهم أن له ان يسخط على أهل الجنة وهو خلاف ظواهر القرآن كقوله خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وأجاب بان إخراج العباد من العدم الى الوجود من تفضله واحسانه وكذلك تنجيز ما وعدهم به من الجنة والنعيم من تفضله واحسانه وأما دوام ذلك فزيادة من فضله على المجازاة لو كانت لازمة ومعاذ الله أن يجب عليه شيء فلما كانت المجازاة لا تزيد في العادة على المدة ومدة الدنيا متناهية جاز ان تتناهى مدة المجازاة فتفضل عليهم بالدوام فارتفع الاشكال جملة انتهى ملخصا وقال غيره ظاهر الحديث ان الرضى أفضل من اللقاء وهو مشكل وأجيب بأنه ليس في الخبر أن الرضى أفضل من كل شيء وانما فيه ان الرضى أفضل من العطاء وعلى تقدير التسليم فاللقاء مستلزم للرضى فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كذا نقل الكرماني ويحتمل أن يقال المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء فلا اشكال قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه وان لم يكن في الأصل له فان الجنة ملك الله عز وجل وقد أضافها لساكنها بقوله يا أهل الجنة قال والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار انه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرا من باب علم اليقين فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين واليه الإشارة بقوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قال ويستفاد من هذا انه لا ينبغي ان يخاطب أحد بشيء حتى يكون عنده ما يستدل به عليه ولو على بعضه وكذا ينبغي للمرء أن لا يأخذ من الأمور الا قدر ما يحمله وفيه الأدب في السؤال لقولهم وأي شيء أفضل من ذلك لأنهم لم يعلموا شيئا أفضل مما هم فيه فاستفهموا عما لا علم لهم به فيه وان الخير كله والفضل والاغتباط انما هو في رضى الله سبحانه وتعالى وكل شيء ما عداه وان اختلفت أنواعه فهو من أثره وفيه دليل على رضى كل من أهل الجنة بحاله مع اختلاف منازلهم وتنويع درجاتهم لأن الكل أجابوا بلفظ واحد وهو أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك وبالله التوفيق ثانيهما حديث أبي هريرة ان رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في رواية السرخسي يستأذن ربه في الزرع

[ 7081 ] قوله فأحب ان أزرع فأسرع فيه حذف تقديره فأذن له فزرع فأسرع قوله فإنه لا يشبعك شيء كذا للأكثر بالمعجمة والموحدة من الشبع وللمستملي لا يسعك شيء بالمهملة بغير موحدة من الوسع قوله فقال الأعرابي يا رسول الله لا تجد هذا الا قرشيا أو أنصاريا فانهم أصحاب زرع قال الداودي قوله قرشيا وهم لأنه لم يكن لأكثرهم زرع قلت وتعليله يرد على نفيه المطلق فإذا ثبت ان لبعضهم زرعا صدق قوله ان الزارع المذكور منهم واستشكل قوله لا يشبعك شيء بقوله تعالى في صفة الجنة ان لك ان لا تجوع فيها ولا تعرى وأجيب بان نفي الشبع لا يوجب الجوع لأن بينهما واسطة وهي الكفاية واكل أهل الجنة للتنعم والاستلذاذ لا عن الجوع واختلف في الشبع فيها والصواب ان لا شبع فيها إذ لو كان لمنع دوام أكل المستلذ والمراد بقوله لا يشبعك شيء جنس الآدمي وما طبع عليه فهو في طلب الازدياد الا من شاء الله تعالى وقد تقدم شرح الحديث في اواخر كتاب المزارعة بعون الله تعالى

العظيم

قوله باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والبلاغ في رواية الكشميهني والابلاغ وعليها اقتصر بن التين قوله لقوله تعالى فاذكروني اذكركم قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بين بهذه الآية ان ذكر العبد غير ذكر الله عبده لأن ذكر العبد الدعاء والتضرع والثناء وذكر الله الإجابة ثم ذكر حديث عمر رفعه يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال بن بطال معنى قوله باب ذكر الله بالأمر ذكر الله عباده بأن أمرهم بطاعته ويكون من رحمته لهم وانعامه عليهم إذا أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه وذكر العباد لربهم ان يدعوه ويتضرعوا اليه ويبلغوا رسالاته الى الخلق قال بن عباس في قوله تعالى اذكروني أذكركم إذا ذكر العبد ربه وهو على طاعته ذكره برحمته وإذا ذكره وهو على معصيته ذكره بلعنته قال ومعنى قوله اذكروني أذكركم اذكروني بالطاعة أذكركم بالمعونة وعن سعيد بن جبير اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة وذكر الثعلبي في تفسير هذه الآية نحو أربعين عبارة أكثرها عن أهل الزهد ومرجعها الى معنى التوحيد والثواب أو المحبة والوصل أو الدعاء والاجابة واما قوله وذكر العباد بالدعاء الى آخرة فجميع ما ذكره واضح في حق الأنبياء ويشركهم في الدعاء والتضرع سائر العباد وحكى بن التين ان ذكر العبد باللسان وعندما يهم بالسيئة فيذكر مقام ربه فيكف ونقل عن الداودي قال قوم ان هذا الذكر أفضل قال وليس كذلك بل قوله بلسانه لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أعظم من ذكره بقلبه ووقوفه عن عمل السيئة قلت انما كان أعظم لأنه جمع بين ذكر القلب واللسان وانما يظهر التفاضل بصحة التقابل بذكر الله باللسان دون القلب فإنه لا يكون أفضل من ذكره بالقلب في تلك الصورة وأما وقوفه بسبب الذكر عن عمل السيئة فقدر زائد يزداد بسببه فضل الذكر فظهر صحة ما نقله عن القوم دون ما تخيله قوله واتل عليهم نبأ نوح الخ قال بن بطال أشار الى ان الله ذكر نوحا بما بلغ به من أمره وذكر بآيات ربه وكذلك فرض على كل نبي تبليغ كتابه وشريعته وقال الكرماني المقصود من ذكر هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم مذكور بأنه أمر بالتلاوة على الأمة والتبليغ إليهم ان نوحا كان يذكرهم بآيات الله وأحكامه قوله غمة هم وضيق هو تفسير قوله تعالى حكاية عن نوح ثم لا يكن أمركم عليكم غمة وهو بقية الآية المذكورة أولا وهي قوله تعالى واتل عليهم نبأ نوح وحكى بن التين أن معنى غمة شيء ليس ظاهرا يقال القوم في غمة إذا غطي عليهم أمرهم والتبس ومنه غم الهلال إذا غشيه شيء فغطاه والغم ما يغشى القلب من الكرب قوله قال مجاهد اقضوا الى ما في أنفسكم افرق اقض وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء بن عمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ثم اقضوا الي ولا تنظرون قال اقضوا الى ما في أنفسكم وحكى بن التين اقضوا الي افعلوا ما بدا لكم وقال غيره أظهروا الأمر وميزوه بحيث لا تبقى شبهة ثم اقضوا بما شئتم من قتل أو غيره من غير اهمال واما قوله أفرق اقض فمعناه أظهر الأمر وأفصله بحيث لا تبقى شبهة وفي بعض النسخ يقال افرق اقض فلا يكون من كلام مجاهد ويؤيده اعادة قوله بعده وقال مجاهد قوله وقال مجاهد وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله انسان يأتيه أي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيستمع ما يقوله وما انزل عليه فهو آمن حتى يأتيه في رواية الكشميهني حين يأتيه فيسمع كلام الله حتى يبلغ مأمنه حيث جاء وصله الفريابي بالسند المذكور الى مجاهد في هذه الآية وان أحد من المشركين استجارك انسان يأتيه فيسمع ما يقول وما ينزل عليه فهو آمن حتى يأتيه فيسمع كلام الله وحتى يبلغه مأمنه قال بن بطال ذكر هذه الآية من أجل أمر الله تعالى نبيه باجارة الذي يسمع الذكر حتى يسمعه فان امن فذاك والا فيبلغ مأمنه حتى يقضي الله فيه ما شاء قوله والنبأ العظيم القرآن هو تفسير مجاهد وصله الفريابي بالسند المذكور اليه قال بن بطال سمي نبأ لأنه ينبأ به والمعنى به إذا سألوا عن النبأ العظيم فأجبهم وبلغ القرآن إليهم قال الراغب النبأ الخبر ذو الفائدة الجليلة يحصل به علم أو ظن غالب وحق الخبر الذي يسمى نبأ ان يتعرى عن الكذب قوله صوابا حقا في الدنيا وعمل به قال بن بطال يريد قوله تعالى الا من أذن له الرحمن وقال صوابا أي حقا في الدنيا وعمل به فهو الذي يؤذن له في الكلام بين يدي الله بالشفاعة لمن أذن له قلت وهذا وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بالسند المذكور قال الكرماني عادة البخاري أنه إذا ذكر أية مناسبة للترجمة يذكر مها بعض ما يتعلق بتلك السورة التي فيها تلك الآية مما ثبت عنده في تفسيره ونحوه على سبيل التبعية انتهى وكأنه لم يظهر له وجع مناسبة هذه الآية الأخيرة بالترجمة والذي يظهر في مناسبتها ان تفسير قوله صوابا بقول الحق والعمل به في الدنيا يشمل ذكر الله باللسان والقلب مجتمعين ومنفردين فناسب قوله ذكر العباد بالدعاء والتضرع تنبيه لم يذكر في هذا الباب حديثا مرفوعا ولعله بيض له فأدمجه النساخ كغيره واللائق به الحديث القدسي من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وقد تقدم قريبا فإنه يصح في قوله من ذكرني في ملأ أي من الناس بالدعاء والتضرع ذكرته في ملأ أي من الملائكة بالرحمة والمغفرة ثم وجدته في كتاب خلق أفعال العباد قد أورد حديث أبي هريرة الذي فيه اقرؤا ان شئتم يقول العبد الحمد الله رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي الى ان قال يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل الحديث قال البخاري فيه بيان ان سؤال العبد غير ما يعطيه الله وان قول العبد غير كلام الله وهذا من العبد الدعاء والتضرع ومن الله الأمر والاجابة انتهى وحديث أبي هريرة أخرجه مالك ومسلم وأصحاب السنن وليس هو على شرط البخاري في صحيحه فاكتفى فيه بالإشارة اليه وفي كتابه من ذلك نظائر

قوله باب قول الله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وقوله وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين ثم ذكر آيات وآثارا الى ذكر حديث بن مسعود سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال ان تجعل الله ندا وهو خلقك الند بكسر النون وتشديد الدال يقال له النديد أيضا وهو نظير الشيء الذي يعارضه في أموره وقيل ند الشيء من يشاركه في جوهره وهو ضرب من المثل لكن المثل يقال في أي مشاركة كانت فكل ند مثل من غير عكس قاله الراغب قال والضد أحد المتقابيلن وهما الشيئان المختلفان اللذان لا يجتمعان في شيء واحد ففارق الند في المشاركة ووافقه في المعارضة قال بن بطال غرض البخاري في هذا الباب اثبات نسبة الأفعال كلها لله تعالى سواء كانت من المخلوقين خيرا أو شرا فهي لله تعالى خلق وللعباد كسب ولا ينسب شيء من الخلق لغير الله تعالى فيكون شريكا وندا ومساويا له في نسبة الفعل اليه وقد نبه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة وغيرها المصرحة بنفي الأنداد والآلهة المدعوة معه فتضمنت الرد على من يزعم انه يخلق أفعاله ومنها ما حذر به المؤمنين أو أثنى عليهم ومنها ما وبخ به الكافرين وحديث الباب ظاهر في ذلك وقال الكرماني الترجمة مشعرة بان المقصود اثبات نفي الشريك عن الله سبحانه وتعالى فكان المناسب ذكره في أوائل كتاب التوحيد لكن ليس المقصود هنا ذلك بل المراد بيان كون أفعال العباد بخلق الله تعالى إذ لو كانت أفعالهم بخلقهم لكانوا أندادا لله وشركاء له في الخلق ولهذا عطف ما ذكر عليه وتضمن الرد على الجهمية في قولهم لا قدرة للعبد أصلا وعلى المعتزلة حيث قالوا لا دخل لقدرة الله تعالى فيها والمذهب الحق ان لا جبر ولا قدر بل أمر بين أمرين فان قيل لا يخلو ان يكون فعل العبد بقدره منه أولا إذ لا واسطة بين النفي والاثبات فعلى الأول يثبت القدر الذي تدعيه المعتزلة والا ثبت الجبر الذي هو قول الجهمية فالجواب أن يقال بل للعبد قدرة يفرق بها بين النازل من المنارة والساقط منها ولكن لا تأثير لها بل فعله ذلك واقع بقدرة الله تعالى فتأثير قدرته بعد قدرة العبد عليه وهذا هو المسمى بالكسب وحاصل ما تعرف به قدرة العبد انها صفة يترتب عليها الفعل والترك عادة وتقع على وفق الإرادة انتهى وقد أطنب البخاري في كتاب خلق أفعال العباد في تقرير هذه المسألة واستظهر بالآيات والأحاديث والآثار الواردة عن السلف في ذلك وغرضه هنا الرد على من لم يفرق بين التلاوة والمتلو ولذلك أتبع هذا الباب بالتراجم المتعلقة بذلك مثل باب لا تحرك به لسانك لتعجل به وباب وأسروا قولكم أو اجهروا به وغيرهما وهذه المسألة هي المشهورة بمسألة اللفظ ويقال لأصحابها اللفظية واشتد إنكار الامام أحمد ومن تبعه على من قال لفظي بالقرآن مخلوق ويقال ان أول من قاله الحسين بن علي الكرابيسي أحد أصحاب الشافعي الناقلين لكتابه القديم فلما بلغ ذلك أحمد بدعه وهجره ثم قال بذلك داود بن علي الأصبهاني رأس الظاهرية وهو يومئذ بنيسابور فأنكر عليه إسحاق وبلغ ذلك أحمد فلما قدم بغداد لم يأذن له في الدخول عليه وجمع بن أبي حاتم أسماء من أطلق على اللفظية أنهم جهمية فبلغوا عددا كثيرا من الأئمة وأفرد لذلك بابا في كتابه الرد على الجهمية والذي يتحصل من كلام المحققين منهم أنهم أرادوا حسم المادة صونا للقرآن ان يوصف بكونه مخلوقا وإذا حقق الأمر عليهم لم يفصح أحد منهم بأن حركة لسانه إذا قرأ قديمة وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات مذهب السلف والخلف من أهل الحديث والسنة ان القرآن كلام الله وهو صفة من صفات ذاته وأما التلاوة فهم على طرقيتين منهم من فرق بين التلاوة والمتلو ومنهم من احب ترك القول فيه وأما ما نقل عن أحمد بن حنبل انه سوى بينهما فانما أراد حسم المادة لئلا يتدرع أحد الى القول بخلق القرآن ثم اسند من طريقين الى أحمد انه أنكر على من نقل عنه انه قال لفظي بالقرآن غير مخلوق وأنكر على من قال لفظي بالقرآن مخلوق وقال القرآن كيف تصرف غير مخلوق فأخذ بظاهر هذا الثاني من لم يفهم مراده وهو مبين في الأول وكذا نقل عن محمد بن أسلم الطوسي أنه قال الصوت من المصوت كلام الله وهي عبارة رديئة لم يرد ظاهرها وانما أراد نفي كون المتلو مخلوقا ووقع نحو ذلك لإمام الأئمة محمد بن خزيمة ثم رجع وله في ذلك مع تلامذته قصة مشهورة وقد أملى أبو بكر الضبعي الفقيه أحد الأئمة من تلامذته بن خزيمة اعتقاده وفيه لم يزل الله متكلما ولا مثل لكلامه لأنه نفى المثل عن صفاته كما نفى المثل عن ذاته ونفى النفاد عن كلامه كما نفى الهلاك عن نفسه فقال لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي وقال كل شيء هالك الا وجهه فاستصوب ذلك بن خزيمة ورضي به وقال غيره ظن بعضهم ان البخاري خالف أحمد وليس كذلك بل من تدبر كلامه لم يجد فيه خلافا معنويا لكن العالم من شأنه إذا ابتلي في رد بدعة يكون أكثر كلامه في ردها دون ما يقابلها فلما ابتلي أحمد ممن يقول القرآن مخلوق كان أكثر كلامه في الرد عليهم حتى بالغ فأنكر على من يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق وعلى من قال لفظي بالقرآن مخلوق لئلا يتدرع بذلك من يقول القرآن بلفظي مخلوق مع ان الفرق بينهما لا يخفى عليه لكنه قد يخفى على البعض وأما البخاري فابتلي بمن يقول أصوات العباد غير مخلوقة حتى بالغ بعضهم فقال والمداد والورق بعد الكتابة فكان أكثر كلامه في الرد عليهم وبالغ في الاستدلال بان أفعال العباد مخلوقة بالآيات والأحاديث واطنب في ذلك حتى نسب الى انه من اللفظية مع ان قول من قال ان الذي يسمع من القارىء هو الصوت القديم لا يعرف عن السلف ولا قاله أحمد ولا أئمة اصحابه وانما سبب نسبة ذلك لأحمد قوله من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي فظنوا انه سوى بين اللفظ والصوت ولم ينقل عن أحمد في الصوت ما نقل عنه في اللفظ بل صرح في مواضع بأن الصوت المسموع من القارىء هو صوت القارىء ويؤيده حديث زينوا القرآن بأصواتكم وسيأتي قريبا والفرق بينهما ان اللفظ يضاف الى المتكلم به ابتداء فيقال عمن روى الحديث بلفظه هذا لفظه ولمن رواه بغير لفظه هذا معناه ولفظه كذا ولا يقال في شيء من ذلك هذا صوته فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس هو كلام غيره واما قوله تعالى انه لقول رسول كريم واختلف هل المراد جبريل أو الرسول عليهما الصلاة والسلام فالمراد به التبليغ لأن جبريل مبلغ عن الله تعالى الى رسوله والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ للناس ولم ينقل عن أحمد قط ان فعل العبد قديم ولا صوته وانما أنكر إطلاق اللفظ وصرح البخاري بأن أصوات العباد مخلوقة وان أحمد لا يخالف ذلك فقال في كتاب خلق أفعال العباد ما يدعونه عن أحمد ليس الكثير منه بالبين ولكنهم لم يفهموا مراده ومذهبه والمعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق وما سواه مخلوق لكنهم كرهوا التنقيب عن الأشياء الغامضة وتجنبوا الخوض فيها والتنازع الا ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام ثم نقل عن بعض أهل عصره انه قال القرآن بألفاظنا وألفاظنا بالقرآن شيء واحد فالتلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء قال فقيل له ان التلاوة فعل التالي فقال ظننتها مصدرين قال فقيل له أرسل الي من كتب عنك ما قلت فاستدره فقال كيف وقد مضى انتهى ومحصل ما نقل عن أهل الكلام في هذا المسألة خمسة أقوال الأول قول المعتزلة انه مخلوق والثاني قول الكلابية انه قديم قائم بذات الرب ليس بحروف ولا أصوات والموجود بين الناس عبارة عنه لا عينه والثالث قول السالمية انه حروف وأصوات قديمة الأعين وهو عين هذه الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة والرابع قول الكرامية انه محدث لا مخلوق وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي بعده والخامس انه كلام الله غير مخلوق انه لم يزل يتكلم إذا شاء نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية وافترق أصحابه فرقتين منهم من قال هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة ويسمع كلامه من شاء وأكثرهم قالوا انه متكلم بما شاء متى شاء وانه نادى موسى عليه السلام حين كلمه ولم يكن ناداه من قبل والذي استقر عليه قول الأشعرية ان القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة قال الله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقال تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وفي الحديث المتفق عليه عن بن عمر كما تقدم في الجهاد لا تسافروا بالقرآن الى أرض العدو كراهية ان يناله العدو وليس المراد ما في الصدور بل ما في الصحف وأجمع السلف على ان الذي بين الدفتين كلام الله وقال بعضهم القرآن يطلق ويراد به المقروء وهو الصفة القديمة ويطلق ويراد به القرآءة وهي الألفاظ الدالة على ذلك وبسبب ذلك وقع الاختلاف واما قولهم انه منزه عن الحروف والأصوات فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة فهو من الصفات الموجودة القديمة واما الحروف فان كانت حركات ادوات كاللسان والشفتين فهي أعراض وان كانت كتابة فهي أجسام وقيام الأجسام والأعراض بذات الله تعالى محال ويلزم من أثبت ذلك ان يقول بخلق القرآن وهو يأبى ذلك ويفر منه فألجأ ذلك بعضهم الى ادعاء قدم الحروف كما التزمته السالمية ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي السلف عن الخوض فيها واكتفوا باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان قوله وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ووقع في بعض النسخ فلا تجعلوا له أندادا ذلك رب العالمين وهو غلط قوله ولقد أوحي إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك الى قوله بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ساق في رواية كريمة الآيتين بكمالهما قال الطبري هذا من الكلام الموجز الذي يراد به التقديم والمعنى ولقد أوحى إليك لئن أشركت الى قوله من الخاسرين وأوحي الى الذين من قبلك مثل ما أوحي إليك من ذلك ومعنى ليحبطن ليبطلن ثواب عملك انتهى والغرض هنا تشديد الوعيد على من أشرك بالله وان الشرك محذر منه في الشرائع كلها وان للإنسان عمل يثاب عليه إذا سلم من الشرك ويبطل ثوابه إذا أشرك قوله والذين لا يدعون مع الله الها آخر أشار بايرادها الى ما وقع في بعض طرق الحديث المرفوع في الباب كما تقدم في تفسير سورة الفرقان ففيه بعد

[ 7082 ] قوله أن تزاني بحليلة جارك ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لا يدعون مع الله الها آخر الآية وكأن المصنف أشار بها الى تفسير الجعل المذكور في الآيتين قبلها وان المراد الدعاء اما بمعنى النداء واما يمعنى العبادة واما بمعنى الاعتقاد وقد رد أحمد على من تمسك من القائلين بخلق القرآن بقوله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا وقال هي حجة في ان القرآن مخلوق لأن المجعول مخلوق فناقضه بنحو قوله تعالى فلا تجعلوا لله اندادا وذكر بن أبي حاتم في الرد على الجهمية ان أحمد رد عليه بقوله تعالى فجعلهم كعصف مأكول فليس المعنى فخلقهم ومثله احتجاج محمد بن أسلم الطوسي بقوله تعالى وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية قال أفخلقهم بعد ان أغرقهم وعن إسحاق بن راهويه انه احتج عليه بقوله تعالى وجعلوا لله شركاء الجن وعن نعيم بن حماد أنه احتج عليه بقوله تعالى جعلوا القرآن عضين وعن عبد العزيز بن يحيى المكي في مناظرته لبشر المريسي حين قال له ان قوله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا نص في انه مخلوق فناقضه بقوله تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وبقوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وحاصل ذلك ان الجعل جاء في القرآن وفي لغة العرب لمعان متعددة قال الراغب جعل لفظ عام في الأفعال كلها ويتصرف على خمسة أوجه الأول صار نحو جعل زيد يقول والثاني أوجد كقوله تعالى وجعل الظلمات والنور والثالث إخراج شيء من شيء كقوله تعالى وجعل لكم من أزواجكم بنين والرابع تصيير شيء على حالة مخصوصة كقوله تعالى جعل لكم الأرض فراشا والخامس الحكم بالشيء على الشيء فمثال ما كان منه حقا قوله تعالى انا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ومثال ما كان باطنا قوله تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا انتهى وأثبت بعضهم سادسا وهو الوصف ومثل بقوله تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وتقدم أنها تأتي بمعنى الدعاء والنداء والاعتقاد والعلم عند الله تعالى قوله وقال عكرمة الخ وصله الطبري عن هناد بن السرى عن أبي الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة في قوله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون قال يسألهم من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض فيقولون الله فذلك ايمانهم وهم يعبدون غيره ومن طريق يزيد بن الفضل الثماني عن عكرمة في هذه الآية وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون قال هو قول الله ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله فإذا سئلوا عن الله وعن صفته وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به وبأسانيد صحيحه عن عطاء وعن مجاهد نحوه وبسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال من ايمانهم إذا قيل لهم من خلق السماوات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال قالوا الله وهم به مشركون قوله وما ذكر في خلق أفعال العباد في رواية الكشميهني أعمال والأول أكثر قوله واكسابهم بالجر عطفا على أفعال وفي رواية واكتسابهم بزيادة مثناة وقد تقدم القول في الكسب ويأتي الإلمام به في شرح قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون قوله لقوله وخلق كل شيء فقدره تقديرا وجه الدلالة عموم قوله خلق كل شيء والكسب شيء فيكون مخلوقا لله تعالى قوله وقال مجاهد ما تنزل الملائكة الا بالحق يعني بالرسالة والعذاب وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد قوله ليسأل الصادقين عن صدقهم المبلغين المؤدين من الرسل هو في تفسير الفريابي أيضا بالسند المذكور قال الطبري معناه أخذت الميثاق من الأنبياء المذكورين كيما أسأل من أرسلتهم عما أجابتهم به أممهم قوله وإنا له لحافظون عندنا هو أيضا من قول مجاهد أخرجه الفريابي بالسند المذكور قوله والذي جاء بالصدق القرآن وصدق به المؤمن يقول يوم القيامة هذا الذي أعطيتني عملت بما فيه وصله الطبري من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهد قال الذي جاء بالصدق وصدق به هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون هذا الذي أعطيتمونا عملنا بما فيه ومن طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس الذي جاء بالصدق وصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا اله الا الله ومن طريق لين الى علي بن أبي طالب الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر ومن طريق قتادة بسند صحيح الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن والذي صدق به المؤمنون ومن طريق السدي الذي جاء بالصدق وصدق به هو محمد صلى الله عليه وسلم قال الطبري الأولى أن المراد بالذي جاء بالصدق كل من دعا الى توحيد الله والايمان برسوله وما جاء به والمصدق به المؤمنون ويؤيده أن ذلك ورد عقب قوله فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه الآية وأما حديث بن مسعود فتقدم شرحه في باب اثم الزناة من كتاب الحدود وذكرت ما في سنده من الاختلاف على أبي وائل والمراد هنا الإشارة الى أن من زعم أنه يخلق فعل نفسه يكون كمن جعل لله ندا وقد ورد فيه الوعيد الشديد فيكون اعتقاده حراما

قوله باب قوله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم الآية ساق في رواية كريمة الآية كلها ذكر فيه حديث عبد الله وهو بن مسعود اجتمع عند البيت وفيه يسمع ان جهرنا ولا يسمع أن أخفينا فأنزل الله تعالى وما كنتم تستترون وقد تقدم شرحه في تفسير فصلت قال بن بطال غرض البخاري في هذا الباب اثبات السمع لله وأطال في تقرير ذلك وقد تقدم في أوائل التوحيد في قوله وكان الله سميعا بصيرا والذي أقول ان غرضه في هذا الباب اثبات ما ذهب اليه أن الله يتكلم متى شاء وهذا الحديث من أمثلة إنزال الآية بعد الآية على السبب الذي يقع في الأرض وهذا ينفصل عنه من ذهب الى أن الكلام صفة قائمة بذاته أن الإنزال بحسب الوقائع من اللوح المحفوظ أو من السماء الدنيا كما ورد في حديث بن عباس رفعه نزل القرآن دفعة واحدة الى السماء الدنيا فوضع في بيت العزة ثم أنزل الى الأرض نجوما رواه أحمد في مسنده وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه قال بن بطال وفي هذا الحديث اثبات القياس الصحيح وابطال القياس الفاسد لأن الذي قال يسمع ان جهرنا ولا يسمع ان أخفينا قاس قياسا فاسدا لأنه شبه سمع الله تعالى بأسماع خلقه الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر والذي قال ان كان يسمع ان جهرنا فإنه يسمع ان أخفينا أصاب في قياسه حيث لم يشبه الله بخلقه ونزهه عن مماثلتهم وانما وصف الجميع بقلة الفقه لأن هذا الذي أصاب لم يعتقد حقيقة ما قال بل شك بقوله ان كان وقوله في وصفهم كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم وقع بالرفع على الصفة ويجوز النصب وانث الشحم والفقه لإضافتهما الى البطون والقلوب والتأنيث يسري من المضاف اليه الى المضاف أو أنث بتأويل شحم بشحوم وفقه بفهوم

قوله باب قول الله تعالى كل يوم هو في شأن تقدم ما جاء في تفسيرها في سورة الرحمن في التفسير قوله وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وان حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قال بن بطال غرض البخاري الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث اعتمادا على الآية وهذا قول بعض المعتزلة وأهل الظاهر وهو خطأ لأن الذكر الموصوف في الآية بالأحداث ليس هو نفس كلامه تعالى لقيام الدليل على ان محدثا ومنشأ ومخترعا ومخلوقا ألفاظ مترادفه على معنى واحد فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث وإذا كان كذلك فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول لأن الله تعالى قد سماه في قوله تعالى قد أنزل الله اليكم ذكرا رسولا فيكون المعنى ما يأتيهم من رسول محدث ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا وعظ الرسول إياهم وتحذيره من المعاصي فسماه ذكرا وأضافه اليه إذ هو فاعله ومقدر رسوله على اكتسابه وقال بعضهم في هذه الآية ان مرجع الأحداث الى الإتيان لا الى الذكر القديم لأن نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شيئا بعد شيء فكان نزوله يحدث حينا بعد حين كما أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل حدث عنده العلم ولم يكن احداثه عن التعلم احداث عين المعلم قلت والاحتمال الأخير أقرب الى مراد البخاري لما قدمت قبل أن مبنى هذه التراجم عنده على اثبات أن أفعال العباد مخلوقة ومراده هنا الحدث بالنسبة للإنزال وبذلك جزم بن المنير ومن تبعه وقال الكرماني صفات الله تعالى سلبية ووجودية واضافية فالأولى هي التنزيهات والثانية هي القديمة والثالثة الخلق والرزق وهي حادثة ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله ولا في صفاته الوجودية كما ان تعلق العلم وتعلق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادث وكذا جميع الصفات الفعلية فإذا تقرر ذلك فالإنزال حادث والمنزل قديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة فالمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث وأما ما نقله بن بطال عن المهلب ففيه نظر لأن البخاري لا يقصد ذلك ولا يرضى بما نسب اليه إذ لا فرق بين مخلوق وحادث لا عقلا ولا نقلا ولا عرفا وقال بن المنير قيل ويحتمل أن يكون مراده حمل لفظ محدث على الحديث فمعنى ذكر محدث أي متحدث به وأخرج بن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية فقال له هشام محدث إلينا محدث الى العباد وعن أحمد بن إبراهيم الدورقي نحوه ومن طريق نعيم بن حماد قال محدث عند الخلق لا عند الله قال وانما المراد انه محدث عند النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بعد ان كان لا يعلمه واما الله سبحانه فلم يزل عالما وقال في موضع آخر كلام الله ليس بمحدث لأنه لم يزل متكلما لا انه كان لا يتكلم حتى أحدث كلاما لنفسه فمن زعم ذلك فقد شبه الله بخلقه لأن الخلق كانوا لا يتكلمون حتى أحدث لهم كلاما فتكلموا به وقال الراغب المحدث ما أوجد بعد ان لم يكن وذلك اما في ذاته أو احداثه عند من حصل عنده ويقال لكل ما قرب عهده حدث فعالا كان أو مقالا وقال غيره في قوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وفي قوله لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا المعنى يحدث عندهم ما لم يكن يعلمونه فهو نظير الآية الأولى وقد نقل الهروي في الفاروق بسنده الى حرب الكرماني سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني بن راهويه عن قوله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث قال قديم من رب العزة محدث الى الأرض فهذا هو سلف البخاري في ذلك وقال بن التين احتج من قال بخلق القرآن بهذه الآية قالوا والمحدث هو المخلوق والجواب ان لفظ الذكر في القرآن يتصرف على وجوه الذكر بمعنى العلم ومنه فاسألوا أهل الذكر والذكر بمعنى العظة ومنه ص والقرآن ذي الذكر والذكر بمعنى الصلاة ومنه فاسعوا الى ذكر الله والذكر بمعنى الشرف ومنه وانه لذكر لك ولقومك ورفعنا لك ذكرك قال فإذا كان الذكر يتصرف الى هذه الأوجه وهي كلها محدثة كان حمله على احداها أولى ولأنه لم يقل ما يأتيهم من ذكر من ربهم الا كان محدثا ونحن لا ننكر ان يكون من الذكر ما هو محدث كما قلنا وقيل محدث عندهم ومن زائدة للتوكيد وقال الداودي الذكر في هذه الآية هو القرآن وهو محدث عندنا وهو من صفاته تعالى ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته قال بن التين وهذا منه أي من الداودي عظيم واستدلاله يرد عليه فإنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون صفته محدثه وهو لم يزل الا ان يريد أن المحدث غير المخلوق كما يقول البلخي ومن تبعه وهو ظاهر كلام البخاري حيث قال وان حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فاثبت انه محدث انتهى وما استعظمه من كلام الداودي هو بحسب ما تخيله والا فالذي يظهر ان مراد الداودي أن القرآن هو الكلام القديم الذي هو من صفات الله تعالى وهو غير محدث وانما يطلق الحدث بالنسبة الى انزاله الى المكلفين وبالنسبة الى قراءتهم له واقرائهم غيرهم ونحو ذلك وقد أعاد الداودي نحو هذا في شرح قول عائشة ولشأني في نفسي كان أحقر من ان يتكلم الله في بأمر يتلى قال الداودي فيه أن الله تكلم ببراءة عائشة حين أنزل براءتها بخلاف قول بعض الناس انه لم يتكلم فقال بن التين أيضا هذا من الداودي عظيم لأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى متكلما بكلام حادث فتحل فيه الحوادث تعالى الله عن ذلك وانما المراد بأنزل ان الإنزال هو المحدث ليس أن الكلام القديم نزل الآن انتهى وهذا مراد البخاري وقد قال في كتاب خلق أفعال العباد قال أبو عبيد يعني القاسم بن سلام احتج هؤلاء الجهمية بآيات وليس فيما احتجوا به أشد بأسا من ثلاث آيات قوله وخلق كل شيء فقدره تقدريا و انما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته و ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث قالوا ان قلتم ان القرآن لا شيء كفرتم وان قلتم أن المسيح كلمة الله فقد أقررتم أنه خلق وان قلتم ليس بمحدث رددتم القرآن قال أبو عبيد اما قوله وخلق كل شيء فقد قال في آية أخرى انما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فأخبر ان خلقه بقوله وأول خلقه هو من أول الشيء الذي قال وخلق كل شيء وقد أخبر انه خلقه بقوله فدل على ان كلامه قبل خلقه وأما المسيح فالمراد أن الله خلقه بكلمته لا انه هو الكلمة لقوله القاها الى مريم ولم يقل ألقاه ويدل عليه قوله تعالى ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن واما الآية الثالثة فانما حدث القرآن عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما علمه ما لم يعلم قال البخاري والقرآن كلام الله غير مخلوق ثم ساق الكلام على ذلك الى ان قال سمعت عبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون ان أفعال العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم واصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة فاما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق قال وقال إسحاق بن إبراهيم يعني بن راهويه فاما الأوعية فمن يشك في خلقها قال البخاري فالمداد والورق ونحوه خلق وأنت تكتب الله فالله في ذاته هو الخالق وخطك من فعلك وهو خلق لأن كل شيء دون الله هو بصنعه ثم ساق حديث حذيفة رفعه ان الله يصنع كل صانع وصنعته وهو حديث صحيح قوله وقال بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحدث من أمره ما يشاء وان مما أحدث ان لا تكلموا في الصلاة هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود واللفظ له وأحمد والنسائي وصححه بن حبان من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله قال كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد على السلام فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى صلاته قال ان الله يحدث من أمره ما يشاء وان الله قد أحدث ان لا تكلموا في الصلاة وفي رواية النسائي وان مما أحدث وأصل هذه القصة في الصحيحين من رواية علقمة عن بن مسعود لكن قال فيها ان في الصلاة لشغلا وقد مضى في أواخر الصلاة وفي هجرة الحبشة وتقدم شرحه في الصلاة وليس فيه مقصود الباب ثم ذكر حديث بن عباس موقوفا من وجهين

[ 7084 ] قوله كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم هذه رواية عكرمة عنه ورواية عبيد الله بن عبد الله وهو بن عتبة عنه يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء قوله وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله هذه رواية عكرمة ورواية عبيد الله وكتابكم الذي أنزل الله عليكم أحدث الأخبار بالله أي أقربها نزولا اليكم وأخبارا من الله سبحانه وتعالى وقد جرى البخاري على عادته في الإشارة الى اللفظ الذي يريد وايراده لفظا آخر غيره فإنه أورد أثر بن عباس بلفظ أقرب وهو عنده في الموضع الآخر بلفظ أحدث وهو أليق بمراده هنا وقد جاء نظير هذا الوصف من كلام كعب الأحبار منسوبا الى الله سبحانه وتعالى فأخرج بن أبي حاتم بسند حسن عن عاصم بن بهدلة عن مغيث بن سمي قال قال كعب عليكم بالقرآن فأنه أحدث الكتب عهدا بالرحمن زاد في رواية أخرى عن كعب وان الله تعالى قال في التوراة يا موسى اني منزل عليك توراة حديثة افتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا قوله تقرءونه محصنا لم يشب هذا آخر حديث عكرمة وقوله لم يشب بضم أوله وفتح الشين المعجمة وسكون الموحدة أي لم يخالطه غيره وزاد عبيد الله في روايته وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا الخ يشير الى قوله فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم الى يكسبون وقوله ليشتروا بذلك في رواية المستملي ليشتروا به وقوله عن الذي أنزل عليكم في رواية المستملي اليكم وقوله

[ 7085 ] جاءكم من العلم إسناد المجيء الى العلم كإسناد النهي اليه قوله فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم فيه تأكيد الخبر بالقسم وكأنه يقول لا يسألونكم عن شيء مع علمهم بان كتابكم لا تحريف فيه فكيف تسألونهم وقد علمتم أن كتابهم محرف

قوله باب قول الله تعالى لا تحرك به لسانك يعني الى آخر الآية قوله وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي قد بينه في حديث الباب بأنه كان يعالج شدة من أجل تحفظه فلما نزلت صار يستمع فإذا ذهب الملك قرأه كما سمعه قوله وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل انا مع عبدي إذا ذكرني في رواية الكشميهني ما ذكرني وتحركت بي شفتاه هذا طرف من حديث أخرجه أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والطبراني من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن كريمة بنت الحسحاس بمهملات عن أبي هريرة فذكره بلفظ إذا ذكرني وفي رواية لأحمد حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه يعني أم الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ربيعة بن يزيد الدمشقي عن إسماعيل بن عبيد الله قال دخلت على أم الدرداء فلما سلمت جلست فسمعت كريمة بنت الحسحاس وكانت من صواحب أبي الدرداء قالت سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وهو في بيت هذه تشير الى أم الدرداء سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول فذكره بلفظ ما ذكرني وأخرجه أحمد أيضا وابن ماجة والحاكم من رواية الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي هريرة ورواه بن حبان في صحيحه من رواية الأوزاعي عن إسماعيل عن كريمة عن أبي هريرة ورجح الحفاظ طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وربيعة بن يزيد ويحتمل ان يكون عند إسماعيل عن كريمة وعن أم الدرداء معا وهذا من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر من كتابه وبالله التوفيق قال بن بطال معنى الحديث أنا مع عبدي زمان ذكره لي أي أنا معه بالحفظ والكلاءة لا أنه معه بذاته حيث حل العبد ومعنى قوله تحركت بي شفتاه أي تحركت باسمي لا أن شفتيه ولسانه تتحرك بذاته تعالى لاستحالة ذلك انتهى ملخصا وقال الكرماني المعية هنا معية الرحمة واما في قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم فهي معية العلم يعني فهذه أخص من المعية التي في الآية ثم ذكر حديث بن عباس في قوله تعالى

[ 7086 ] لا تحرك به لسانك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة الحديث وهو من أوضح الأدلة على ان القرآن يطلق ويراد به القراءة فان المراد بقوله قرآنا في الآيتين القرآءة لا نفس القرآن وقد تقدم شرحه في بدء الوحي قال بن بطال غرضه في هذا الباب أن تحريك اللسان والشفتين بقراءة القرآن عمل له يؤجر عليه وقوله فإذا قرأناه فاتبع قرآنه فيه إضافة الفعل الى الله تعالى والفاعل له من يأمره بفعله فان القارىء لكلامه تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل ففيه بيان لكل ما أشكل من كل فعل ينسب الى الله تعالى مما لا يليق به فعله من المجيء والنزول ونحو ذلك انتهى والذي يظهر ان مراد البخاري بهذين الحديثين الموصول والمعلق الرد على من زعم أن قراءة القارىء قديمة فأبان أن حركة لسان القارىء بالقرآن من فعل القارىء بخلاف المقروء فإنه كلام الله القديم كما أن حركة لسان ذاكر الله حادثة من فعله والمذكور وهو الله سبحانه تعالى قديم والى ذلك أشار بالتراجم التي تأتي بعد هذا

قوله باب قول الله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به انه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير أشار بهذه الآية الى ان القول أعم من ان يكون بالقرآن أو بغيره فان كان بالقرآن فالقرآن كلام الله وهو من صفات ذاته فليس بمخلوق لقيام الدليل القاطع بذلك وان كان بغيره فهو مخلوق بدليل قوله تعالى الأ يعلم من خلق بعد قوله انه عليم بذات الصدور قال بن بطال مراده بهذا الباب اثبات العلم لله صفة ذاتية لاستواء علمه بالجهر من القول والسر وقد بينه بقوله في آية أخرى سواء منكم من أسر القول ومن جهر به وان اكتساب العبد من القول والفعل لله تعالى لقوله انه عليم بذات الصدور ثم قال عقب ذلك ألا يعلم من خلق فدل على انه عالم بما أسروه وما جهروا به وانه خالق لذلك فيهم فان قيل قوله من خلق راجع الى القائلين قيل له ان هذا الكلام خرج مخرج التمدح منه بعلمه بما أسر العبد وجهر وانه خلقه فإنه جعل خلقه دليلا على كونه عالما بقولهم فيتعين رجوع قوله خلق الى قولهم ليتم تمدحه بالأمرين المذكورين وليكون أحدهما دليلا على الآخر ولم يفرق أحد بين القول والفعل وقد دلت الآية على ان الأقوال خلق الله تعالى فوجب أن تكون الأفعال خلقا له سبحانه وتعالى وقال بن المنير ظن الشارح انه قصد بالترجمة اثبات العلم وليس كما ظن والا لتقاطعت المقاصد مما اشتملت عليه الترجمة لأنه لا مناسبة بين العلم وبين حديث ليس منا من لم يتغن بالقرآن وانما قصد البخاري الإشارة الى النكتة التي كانت سبب محنته بمسألة اللفظ فأشار بالترجمة الى ان تلاوة الخلق تتصف بالسر والجهر ويستلزم أن تكون مخلوقة وساق الكلام على ذلك وقد قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد ان ذكر عدة أحاديث دالة على ذلك فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أصوات الخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مختلفة بعضها أحسن وأزين وأحلى وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخفض وأغض وأخشع وأجهر وأخفى وأقصر وأمد وألين من بعض قوله يتخافتون يتسارون بتشديد الراء والسين مهملة وفي بعضها بشين معجمة وزيادة واو بغير تثقيل أي يتراجعون فيما بينهم سرا ثم ذكر حديث بن عباس في نزول قوله تعالى

[ 7087 ] ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وفي آخره فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك وحديث عائشة انها نزلت في الدعاء وقد تقدم شرحهما في تفسير سبحان وحديث أبي هريرة ليس منا من لم يتغن بالقرآن وزاد غيره يجهر به أورده من طريق بن جريج حدثنا بن شهاب وقد مضى في فضائل القرآن وفي باب قول الله تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن أذن له من طريق عقيل عن بن شهاب بلفظ ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن وقال صاحب له يجهر به وسيأتي قريبا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بلفظ ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به فيستفاد منه ان الغير المبهم في حديث الباب وهو الصاحب المبهم في رواية عقيل ومحمد بن إبراهيم هو محمد بن إبراهيم التيمي والحديث واحد الا ان بعضهم رواه بلفظ ما أذن الله وبعضهم رواه بلفظ ليس منا وإسحاق شيخه فيه هو بن منصور وقال الحاكم بن نصر ورجح الأول أبو علي الجياني وأبو عاصم هو النبيل وهو من شيوخ البخاري قد أكثر عنه بلا واسطة وأقرب ذلك في أول حديث من كتاب التوحيد

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار في رواية الكشميهني والنهار بحذف واناء الثانية

[ 7090 ] قوله ورجل يقول لو أوتيت مثل ما أوتي هذا فعلت كما يفعل قال الكرماني كذا أورد الترجمة مخرومة إذ ذكر من صاحب القرآن حال المحسود فقط ومن صاحب المال حال الحاسد فقط ولكن لا لبس في ذلك لأنه اقتصر على ذكر حالي حامل القرآن حاسدا ومحسودا وترك حال ذي المال قوله فبين ان قيامه بالكتاب هو فعله في رواية الكشميهني ان قراءته الكتاب هو فعله قوله ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقال وافعلوا الخير لعلكم تفلحون أما الآية الأولى فالمراد منها اختلاف السنتكم لأنها تشمل الكلام كله فتدخل القراءة وأما الآية الثانية فعموم فعل الخير يتناول قراءة القرآن والذكر والدعاء وغير ذلك فدل على ان القراءة فعل القارىء ثم ذكر حديث أبي هريرة لا تحاسد الا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يتلوه وحديث سالم عن أبيه وهو عبد الله بن عمر لا حسد الا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به وقد مضى شرح المتن في فضائل القرآن وقوله

[ 7091 ] سمعت من سفيان مرارا هو كلام علي بن عبد الله وهو بن المديني شيخ البخاري وقوله لم أسمعه يذكر الخبر أي ما سمعه منه الا بالعنعنة قوله وهو من صحيح حديثه قلت قد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة قال حدثنا سفيان هو بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم به قال بن المنير دلت أحاديث الباب الذي قبله على ان القراءة فعل القارىء وأنها تسمى تغنيا وهذا هو الحق اعتقادا لا اطلاقا حذرا من الايهام وفرارا من الابتداع بمخالفة السلف في الإطلاق وقد ثبت عن البخاري أنه قال من نقل عني أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب وانما قلت ان أفعال العباد مخلوقة قال وقد قارب الإفصاح في هذه الترجمة بما رمز اليه في التي قبلها

قوله باب قول الله عز وجل يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالاته كذا للجميع وظاهره اتحاد الشرط والجزاء لأن معنى ان لم تفعل لم تبلغ لكن المراد من الجزاء لازمه فهو كحديث ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها فهجرته الى ما هاجر اليه واختلف في المراد بهذا الأمر فقيل المراد بلغ كما أنزل وهو على ما فهمت عائشة وغيرها وقيل المراد بلغه ظاهرا ولا تخش من أحد فان الله يعصمك من الناس والثاني أخص من الأول وعلى هذا لا يتحد الشرط والجزاء لكن الأولى قول الأكثر لظهور العموم في قوله تعالى ما أنزل والأمر للوجوب فيجب عليه تبليغ كل ما أنزل اليه والله أعلم ورجح الأخير بن التين ونسبه لأكثر أهل اللغة وقد احتج أحمد بن حنبل بهذه الآية على ان القرآن غير مخلوق لأنه لم يرد في شيء من القرآن ولا من الأحاديث أنه مخلوق ولا ما يدل على انه مخلوق ثم ذكر عن الحسن البصري انه قال لو كان ما يقول الجعد حقا لبلغه النبي صلى الله عليه وسلم قوله وقال الزهري من الله الرسالة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم هذا وقع في قصة أخرجها الحميدي في النوادر ومن طريقه الخطيب قال الحميدي حدثنا سفيان قال قال رجل للزهري يا أبا بكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من شق الجيوب ما معناه فقال الزهري من الله العلم وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم وهذا الرجل هو الأوزاعي أخرجه بن أبي عاصم في كتاب الأدب وذكر بن أبي الدنيا عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال قلت للزهري فذكره قوله وقال الله تعالى ليعلم ان قد أبلغوا رسالات ربهم وقال ابلغكم رسالات ربي قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد ان ساق قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ الآية قال فذكر تبيلغ ما أنزل اليه ثم وصف فعل تبليغ الرسالة فقال وان لم تفعل فما بلغت قال فسمى تبليغه الرسالة وتركه فعلا ولا يمكن أحدا أن يقول ان الرسول لم يفعل ما أمر به من تبليغ الرسالة يعني فإذا بلغ فقد فعل ما أمر به وتلاوته ما أنزل اليه هو التبليغ وهو فعله وذكر حديث أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر القصة وفيها قال أتتني رسالة من ربي فضقت بها ذرعا ورأيت ان الناس سيكذبونني فقيل لي لتفعلن أو ليفعلن بك وأصله في السنن وصححه بن حبان والحاكم وحديث سمرة بن جندب في قصة الكسوف وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته انما انا بشر رسول فأذكركم بالله ان كنتم تعلمون اني قصرت عن تبليغ شيء من رسالات ربي يعني فقولوا فقالوا نشهد انك بلغت رسالات ربك وقضيت الذي عليك وأصله في السنن وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال في الكتاب المذكور أيضا قوله تعالى بلغ ما أنزل إليك من ربك هو مما أمر به وكذلك أقيموا الصلاة والصلاة بجملتها طاعة الله وقراءة القرآن من جملة الصلاة فالصلاة طاعة والأمر بها قرآن وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء على الألسنة فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة والمقروء والمحفوظ والمكتوب ليس بمخلوق ومن الدليل عليه انك تكتب الله وتحفظه وتدعوه فدعاؤك وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق والله هو الخالق قوله وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون قد تقدم هذا مسندا في تفسير براءة في حديثه الطويل وفي آخره قال الله تعالى يعتذرون اليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله الآية قال الكرماني ومناسبته للترجمة من جهة التفويض والانقياد والتسليم ولا ينبغي لأحد ان يزكي عمله بل يفوض الى الله سبحانه وتعالى قلت ومراد البخاري تسمية ذلك عملا كما تقدم من كلامه في الذي قبله قوله وقالت عائشة إذا اعجبك حسن عمل امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد قلت زعم مغلطاي ان عبد الله بن المبارك أخرج هذا الأثر في كتاب البر والصلة عن سفيان عن معاوية بن إسحاق عن عروة عن عائشة وقد وهم في ذلك وانما وقع هذا في قصة ذكرها البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عقيل عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت وذكرت الذي كان من شأن عثمان وددت أني كنت نسيا منسيا فوالله ما أحببت أن ينتهك من عثمان أمر قط الا انتهك مني مثله حتى والله لو أحببت قتله لقتلت يا عبيد الله بن عدي لا يغرنك أحد بعد الذين تعلم فوالله ما احتقرت من أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم النفر الذين طعنوا في عثمان فقالوا قولا لا يحسن مثله وقرءوا قراءة لا يحسن مثلها وصلوا صلاة لا يصلى مثلها فلما تدبرت الصنيع إذا هم والله ما يقاربون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن قول امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد وأخرجه بن أبي حاتم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني عروة ان عائشة كانت تقول احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نجم القراء الذين طعنوا على عثمان فذكر نحوه وفيه فوالله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن عمل امرئ منهم فقل اعملوا الخ والمراد بالقراء المذكورين الذين قاموا على عثمان وانكروا عليه أشياء اعتذر عن فعلها ثم كانوا مع علي ثم خرجوا بعد ذلك على علي وقد تقدمت أخبارهم مفصلة في كتاب الفتن ودل سياق القصة على ان المراد بالعمل ما أشارت اليه من القراءة والصلاة وغيرهما فسمت كل ذلك عملا وقولها في آخره ولا يتسخفنك أحد بالخاء المعجمة المكسورة والفاء المفتوحة والنون الثقيلة للتأكيد قال بن التين عن الداودي معناه لا تغتر بمدح أحد وحاسب نفسك والصواب ما قاله غيره أن المعنى لا يغرنك أحد بعلمه فتظن به الخير الا ان رأيته واقفا عند حدود الشريعة قوله قال معمر ذلك الكتاب هذا القرآن هدى للمتقين بيان ودلالة كقوله ذلكم حكم الله هذا حكم الله لا ريب فيه لا شك تلك آيات الله يعني هذه أعلام القرآن ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم يعني بكم معمر هذا هو بن المثنى اللغوي أبو عبيدة وهذا المنقول عنه ذكره في كتاب مجاز القرآن ووهم من قال انه معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق وقد اغتر مغلطاي بذلك فزعم ان عبد الرزاق أخرج ذلك في تفسيره عن معمر وليس ذلك في شيء من نسخ تفسير عبد الرزاق ولفظ أبي عبيدة ذلك الكتاب معناه هذا القرآن قال وقد تخاطب العرب الشاهد بمخاطبة الغائب وقد أنكر ثعلب هذه المقالة وقال استعمال أحد اللفظين موضع الآخر يقلب المعنى وانما المراد هذا القرآن هو ذلك الذي كانوا يستفتحون به عليكم وقال الكسائي لما كان القول والرسالة من السماء والكتاب والرسول في الأرض قيل ذلك يا محمد وقال الفراء هو كقولك للرجل وهو يحدثك وذلك والله الحق فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب وانما المعنى ذلك الذي سمعت به واستشهد أبو عبيدة بقوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة فلما جاز أن يخبر بضميرين مختلفين ضمير المخاطب للحاضر وضمير الغيبة عن الغائب في قصة واحدة فكذلك يجوز ان يخبر عن ضمير القريب بضمير البعيد وهو صنيع مشهور في كلام العرب يسميه أصحاب المعاني الالتفات وقيل الحكمة في هذا هنا ان كل من خوطب يجوز ان يركب الفلك لكن لما كان في العادة ان لا يركبها الا الأقل وقع الخطاب أولا للجميع ثم عدل الى الاخبار عن البعض الذين من شأنهم الركوب وقال أيضا لا ريب فيه لا شك فيه هدى للمتقين أي بيان للمتقين ومناسبة هذه الآية لما تقدم من جهة ان الهداية نوع من التبليغ وقال في تفسير سورة أخرى تلك آيات هذه آيات وقال في تفسير سورة أخرى الآيات الأعلام وهذا قد تقدم في تفسير سورة يونس التنبيه عليه وأما قوله ومثله حتى إذا كنتم فمراده انه نظير استعمال ذلك موضع هذا فلما ساغ استعمال ما هو للبعيد للقريب جاز استعمال ما هو للغائب للحاضر ولفظ مثله بكسر الميم وسكون المثلثة وضبطه بعضهم بضم الميم والمثلثة واللام وهو بعيد والأول هو الموجود في كتاب أبي عبيدة قاله في مقدمة كتابه المذكور فإنه قال ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم حول الى مخاطبة الغائب قوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم أي بكم ثم ذكر فيه أربعة أحاديث الحديث الأول قوله وقال أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم خاله حراما الى قوم وقال اتؤمنوني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الجهاد من طريق همام عن إسحاق بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم الى بني عامر في سبعين راكبا فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والا كنتم قريبا مني فتقدم فأمنوه فبينما هو يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر القصة ولفظه في المغازي عن أنس فانطلق حرام أخو أم سليم فذكره وفيه وان قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومؤا الى رجل منهم فأتاه فطعنه من خلفه الحديث وسياقه في المغازي أقرب الى اللفظ المعلق هنا وفي السياق حذف تقديره بعد قوله أتيتم أصحابكم فأتى المشركين فقال أتؤمنوني الحديث الثاني

[ 7092 ] قوله حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي كذا للأكثر ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد سعيد بن عبد الله بفتح العين وسكون الموحدة قال أبو علي الجياني وكذا كان في نسخة أبي محمد الأصيلي الا انه أصلحه عبيد الله بالتصغير وقال هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية قوله عن جبير بن حية بمهملة وتحتانية ثقيلة وجبير هو والد زياد بن جبير الراوي عنه قوله قال المغيرة هو بن شعبة قوله أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا انه من قتل منا صار الى الجنة هذا القدر هو المرفوع من الحديث وقد مضى بطوله وشواهده في كتاب الجزية وبيان الاختلاف في ضبط المعتمر بن سليمان المذكور في سنده بما أغنى عن اعادته الحديث الثالث

[ 7093 ] قوله حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت من حدثك ان محمد صلى الله عليه وسلم كتم شيئا وقال محمد حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا عن شعبة إسماعيل بن أبي خالد اما محمد بن يوسف فهو الفريابي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأما سفيان فهو الثوري واما إسماعيل فهو بن أبي خالد المذكور في الرواية الثانية واما محمد المذكور أول الرواية الثانية فيحتمل أن يكون هو محمد بن يوسف الفريابي المذكور في الرواية الأولى فيكون موصولا ويحتمل ان يكون غيره فيكون معلقا وهو مقتضى صنيع المزي واما أبو نعيم فقال في المستخرج رواه عن محمد عن أبي عامر ومقتضاه ان يكون وقع عنده حدثنا محمد أو قال لي محمد لأن عادته إذا وقع بصيغة قال مجردة أن يقول أخرجه بلا رواية يعني صيغة صريحة وأبو عامر العقدي هو عبد الملك بن عمرو وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أحمد بن ثابت عن أبي عامر العقدي مثل ما ساقه البخاري وزاد من حدثك ان الله رآه أحد من خلقه فلا تصدقه ان الله يقول لا تدركه الأبصار وقد تقدم هذا القدر مفردا في باب قول الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا في كتاب التوحيد هذا عن محمد بن يوسف بهذا السند وزاد من حدثك انه يعلم الغيب الحديث وأخرجه أحمد عن غندر عن شعبة كذلك وقد تقدم الكلام على قصة الرؤية والغيب هناك وكل ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فله بالنسبة اليه طرفان طرف الأخذ من جبريل عليه السلام وقد مضى في الباب السابق وطرف الأداء للأمة وهو المسمى بالتبليغ وهو المقصود هنا الحديث الرابع حديث عبد الله هو بن مسعود أي الذنب أكبر تقدم قريبا في باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وزاد في آخره هنا فأنزل الله تصديقها

[ 7094 ] والذين لا يدعون مع الله الها آخر الى آخر الآية ومناسبته للترجمة أن التبليغ على نوعين أحدهما وهو الأصل ان يبلغه بعينه وهو خاص بما يتعبد بتلاوته وهو القرآن وثانيهما أن يبلغ ما يستنبط من أصول ما تقدم انزاله فينزل عليه موافقته فيما استنبطه اما بنصه واما بما يدل على موافقته بطريق الأولى كهذه الآية فانها اشتملت على الوعيد الشديد في حق من أشرك وهي مطابقة للنص وفي حق من قتل النفس بغير حق وهي مطابقة للحديث بطريق الأولى لأن القتل بغير حق وان كان عظيما لكن قتل الولد أشد قبحا من قتل من ليس بولد وكذا القول في الزناة فان الزنا بحليلة الجار أعظم قبحا من مطلق الزنا ويحتمل ان يكون إنزال هذه الآية سابقا على اخباره صلى الله عليه وسلم بما أخبر به لكن لم يسمعها الصحابي الا بعد ذلك ويحتمل أن يكون كل من الأمور الثلاثة نزل تعظيم الإثم فيه سابقا ولكن اختصت هذه الآية بمجموع الثلاثة في سياق واحد مع الاقتصار عليها فيكون المراد بالتصديق الموافقة في الاقتصار عليها فعلى هذا فمطابقة الحديث للترجمة ظاهرة جدا والله أعلم واستدل أبو المظفر بن السمعاني بآيات الباب وأحاديثه على فساد طريق المتكلمين في تقسيم الأشياء الى جسم وجوهر وعرض قالوا فالجسم ما اجتمع من الافتراق والجوهر ما حمل العرض والعرض مالا يقوم بنفسه وجعلوا الروح من الأعراض وردوا الأخبار في خلق الروح قبل الجسد والعقل قبل الخلق واعتمدوا على حدسهم وما يؤدي اليه نظرهم ثم يعرضون عليه النصوص فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه ثم ساق هذه الآيات ونظائرها من الأمر بالتبليغ قال وكان مما أمر بتبليغه التوحيد بل هو أصل ما أمر به فلم يترك شيئا من أمور الدين أصوله وقواعده وشرائعه الا بلغه ثم لم يدع الا الاستدلال بما تمسكوا به من الجوهر والعرض ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرف واحد فما فوقه فعرف بذلك انهم ذهبوا خلاف مذهبهم وسلكوا غير سبيلهم بطريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم ويلزم من سلوكه العود على السلف بالطعن والقدح ونسبتهم الى قلة المعرفة واشتباه الطرق فالحذر من الاشتغال بكلامهم والاكتراث بمقالاتهم فانها سريعة التهافت كثيرة التناقض وما من كلام تسمعه لفرقة منهم الا وتجد لخصومهم عليه كلاما يوازنه أو يقاربه فكل بكل مقابل وبعض ببعض معارض وحسبك من قبيح ما يلزم من طريقتهم انا إذا جرينا على ما قالوه وألزمنا الناس بما ذكروه لزم من ذلك تكفير العوام جميعا لأنهم لا يعرفون الا الاتباع المجرد ولو عرض عليهم هذا الطريق ما فهمه أكثرهم فضلا عن أن يصير منهم صاحب نظر وانما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه أئمتهم في عقائد الدين والعض عليها بالنواجذ والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الأذكار بقلوب سليمة طاهرة عن الشبه والشكوك فتراهم لا يحيدون عما اعتقدوه ولو قطعوا اربا اربا فهنيئا لهم هذا اليقين وطوبى لهم هذه السلامة فإذا كفر هؤلاء وهم السواد الأعظم وجمهور الأمة فما هذا الا طي بساط الإسلام وهدم منار الدين والله المستعان

قوله باب قول الله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها مراده بهذه الترجمة أن يبين أن المراد بالتلاوة القراءة وقد فسرت التلاوة بالعمل والعمل من فعل العامل وقال في كتاب خلق أفعال العباد ذكر صلى الله عليه وسلم أن بعضهم يزيد على بعض في القراءة وبعضهم ينقص فهم يتفاضلون في التلاوة بالكثرة والقلة وأما المتلو وهو القرآن فإنه ليس فيه زيادة ولا نقصان ويقال فلان حسن القراءة ورديء القراءة ولا يقال حسن القرآن ولا رديء القرآن وانما يسند الى العبادة القراءة لا القرآن لأن القرآن كلام الرب سبحانه وتعالى والقراءة فعل العبد ولا يخفى هذا الا على من لم يوفق ثم قال تقول قرأت بقراءة عاصم وقراءتك على قراءة عاصم ولو ان عاصما حلف أن لا يقرأ اليوم ثم قرأت أنت على قراءته لم يحنث هو قال وقال أحمد لا تعجبني قراءة حمزة قال البخاري ولا يقال لا يعجبني القرآن فظهر افتراقهما قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم أعطي أهل التوراة التوراة الخ وصله في آخر هذا الباب بلفظ أوتي في الموضوعين وأوتيتم وقد مضى في اللفظ المعلق أعطي وأعطيتم في باب المشيئة والإرادة في أول كتاب التوحيد قوله وقال أبو رزين براء ثم زاي بوزن عظيم هو مسعود بن مالك الأسدي الكوفي من كبار التابعين قوله يتلونه حق تلاوته يعملون به حق عمله كذا لأبي ذر ولغيره يتلونه يتبعونه ويعملون به حق عمله وهذا وصله سفيان الثوري في تفسيره من رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عنه عن منصور بن المعتمر عن أبي رزين في قوله تعالى يتلونه حق تلاوته قال يتبعونه حق اتباعه ويعملون به حق عمله قال بن التين وافق أبا رزين عكرمة واستشهد بقوله تعالى والقمر إذا تلاها أي تبعها وقال الشاعر قد جعلت دلوي تستتليني وقال قتادة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا بكتاب الله وعملوا بما فيه قوله يقال يتلى يقرأ هو كلام أبي عبيدة في كتاب المجاز في قوله تعالى انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم يقرأ عليهم وفي قوله تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب ما كنت تقرأ كتابا قبل القرآن قوله حسن التلاوة حسن القرآءة للقرآن قال الراغب التلاوة الاتباع وهي تقع بالجسم تارة وتارة بالاقتداء في الحكم وتارة بالقراءة وتدبر المعنى والتلاوة في عرف الشرع تختص باتباع كتب الله تعالى المنزلة تارة بالقراءة وتارة بامتثال ما فيه من أمر ونهي وهي أعم من القراءة فكل قراءة تلاوة من غير عكس قوله لا يمسه لا يجد طعمه ونفعه الا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه الا الموقن وفي رواية المستملي المؤمن لقوله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا وحاصل هذا التفسير ان معنى لا يمس القرآن لا يجد طعمه ونفعه الا من آمن به وأيقن بأنه من عند الله فهو المطهر من الكفر ولا يحمله بحقه الا المطهر من الجهل والشك لا الغافل عنه الذي لا يعمل فيكون كالحمار الذي يحمل ما لا يدريه قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والايمان والصلاة عملا اما تسميته صلى الله عليه وسلم الإسلام عملا فاستنبطه المصنف من حديث سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ثم قال ما الإسلام قال تشهد ان لا إله إلا الله وأني رسول الله ثم ساقه من حديث بن عمر عن عمر بلفظ فقال يا رسول الله ما الإسلام قال أن تسلم وجهك لله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت الحديث وساقه من حديث أنس بنحوه قال فسمى الإيمان والإسلام والإحسان والصلاة بقراءتها وما فيها من حركات الركوع والسجود فعلا انتهى والحديث الأول أسنده في كتاب الإيمان عن أبي هريرة والثاني أخرجه مسلم وأما تسمية الإيمان عملا فهو في الحديث المعلق في الباب أي العمل أفضل قال ايمان بالله الحديث وقد أعاده في باب والله خلقكم وما تعملون وأما تسمية الصلاة عملا فهو في الباب الذي يليه كما سيأتي بيانه قوله وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال الخ تقدم موصولا مشروحا في مناقب بلال من مناقب الصحابة رضي الله عنهم ودخوله فيه ظاهر من حيث ان الصلاة لا بد فيها من القراءة قوله وسئل أي العمل أفضل قال ايمان بالله ورسوله ثم الجهاد ثم حج مبرور وهو حديث وصله في كتاب الإيمان وفي الحج من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأورده في كتاب خلق أفعال العباد من وجهين آخرين عن الزهري ومن وجهين آخرين عن إبراهيم بن سعد وأورده فيه من طريق أبي جعفر عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال عند الله ايمان لا شك فيه الحديث وهو أصرح في مراده لكن ليس سنده على شرطه في الصحيح وقد أخرجه أحمد والدارمي وصححه بن حبان وأخرج البخاري فيه أيضا من حديث عبد الله بن حبشي بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها معجمة وياء كياء النسب مثل حديث أبي جعفر عن أبي هريرة وهو عند أحمد والدارمي وأورد فيه حديث أبي ذر انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال خير قال ايمان بالله وجهاد في سبيله وقد تقدم في العتق وحديث عائشة نحو حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وهو عند أحمد بمعناه وحديث عبادة بن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل فقال ايمان بالله وتصديق بكتابه قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والتصديق والجهاد والحج عملا ثم أورد حديث معاذ قلت يا رسول الله أي الأعمال احب الى الله قال ان تموت ولسانك رطب من ذكر الله قال فبين ان ذكر الله وتعالى هو العمل ثم ذكر حديث انما بقاؤكم فيمن سلف من الأمم أي زمن بقاؤكم بالنسبة الى زمن الأمم السالفة وقد تقدم في مواقيت الصلاة مشروحا واحد طرفي التشبيه محذوف والمراد باقي النهار وعبدان شيخه هو عبد الله بن عثمان وعبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد وسالم هو بن عبد الله بن عمر وقوله

[ 7095 ] فيه حتى غربت الشمس في رواية الكشميهني حتى غروب الشمس وقوله هل وظلمتكم من حقكم من شيء في رواية الكشميهني شيئا قال بن بطال معنى هذا الباب كالذي قبله ان كل ما ينشئه الإنسان مما يؤمر به من صلاة أو حج أو جهاد وسائر الشرائع عمل يجازى على فعله ويعاقب على تركه أن انفذ الوعيد انتهى وليس غرض البخاري هنا بيان ما يتعلق بالوعيد بل ما أشرت اليه قبل وتشاغل بن التين ببعض ما يتعلق بلفظ حديث بن عمر فنقل عن الداودي انه أنكر قوله في الحديث انهم اعطوا قيراطا وتمسك بما في حديث أبي موسى انهم قالوا لا حاجة لنا في أجرك ثم قال لعل هذا في طائفة أخرى وهم من آمن بنبيه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الأخير هو المعتمد وقد أوضحته بشواهده في كتاب المواقيت وفي تشاغل من شرح هذا الكتاب بمثل هذا هنا اعراض عن مقصود المصنف هنا وحق الشارح بيان مقاصد المصنف تقريرا وانكارا وبالله المستعان

قوله باب كذا لهم بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله وهو ظاهر قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا وقال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب اما التعليق الأول فمذكور في حديث بن مسعود في الباب واما الثاني فمضى في كتاب الصلاة من حديث عبادة بن الصامت

[ 7096 ] قوله حدثني سليمان هو بن حرب قوله عن الوليد وحدثني عباد اما الوليد فهو بن العيزار المذكور في السند الثاني والقائل حدثني عباد هو البخاري وعباد هذا شيخه هنا مذكور بالرفض ولكنه موصوف بالصدق وليس له عند البخاري الا هذا الحديث الواحد وساقه على لفظه وقد تقدم لفظ شعبة في باب فضل الصلاة لوقتها في أبواب المواقيت من كتاب الصلاة وفيه ثم أي ثم أي في الموضعين وأوله سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل احب الى الله وعرف منه تسمية المبهم في هذه الرواية حيث قال فيها ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فيحتمل ان يكون الراوي حدث به بالمعنى فأبهم السائل ذهولا عن انه الراوي كما حدث من صورة السؤال الترتيب في قوله قلت ثم أي ويحتمل ان يكون بن مسعود حدث به على الوجهين والأول أقرب وأبو عمرو الشيباني شيخ الوليد بن العيزار هو سعد بن إياس أحد كبار التابعين والشيباني الراوي عن العيزار هو أبو إسحاق الكوفي واسمه سليمان وهو تابعي صغير وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق ورجال سنده كلهم كوفيون وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أحمد بن إبراهيم الموصلي عن عباد بن العوام فقال في روايته عن أبي إسحاق يعني الشيباني وقال فيه سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أو قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الأعمال أيها أفضل فهذا مما يؤيد الاحتمال الأول وان الراوي لم يضبط اللفظ وشعبه أتقن من الشيباني واضبط لألفاظ الحديث فروايته هي المعتمدة والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى ان الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا سقط لأبي ذر لفظ قول الله تعالى وزاد في روايته هلوعا ضجورا وهو تفسير أبي عبيدة قال خلق هلوعا أي ضجورا والهلاع مصدر وهو أشد الجزع

[ 7097 ] قوله عن الحسن هو البصري والسند كله بصريون وعمرو بن تغلب بالمثناة المفتوحة والمعجمة الساكنة واللام المكسورة بعدها موحدة هو النمري بفتح الميم والنون والتخفيف وقد تقدم شرح حديثه هذا في فرض الخمس والغرض منه قوله فيه لما في قلوبهم من الجزع والهلع قال بن بطال مراده في هذا الباب اثبات خلق الله تعالى للإنسان بأخلاقه من الهلع والصبر والمنع ولا عطاء وقد استثنى الله المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون لا يضجرون بتكررها عليهم ولا يمنعون حق الله في أموالهم لأنهم يحتسبون بها الثواب ويكسبون بها التجارة الرابحة في الآخرة وهذا يفهم منه أن من ادعى لنفسه قدرة وحولا بالإمساك والشح والضجر من الفقر وقلة الصبر لقدر الله تعالى ليس بعالم ولا عابد لأن من ادعى أن له قدرة على نفع نفسه أو دفع الضر عنها فقد افترى انتهى ملخصا وأوله كاف في المراد فان قصد البخاري أن الصفات المذكورة بخلق الله تعالى في الإنسان لا أن الإنسان يخلقها بفعله وفيه أن الرزق في الدنيا ليس على درجة المرزوق في الآخرة واما في الدنيا فانما تقع العطية والمنع بحسب السياسة الدنيوية فكان صلى الله عليه وسلم يعطي من يخشى عليه الجزع والهلع لو منع ويمنع من يثق بصبره واحتماله وقناعته بثواب الآخرة وفيه ان البشر جبلوا على حب العطاء وبغض المنع والاسراع الى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته الا من شاء الله وفيه أن المنع قد يكون خيرا للممنوع كما قال تعالى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ومن ثم قال الصحابي ما احب ان لي بتلك الكلمة حمر النعم والباء في قوله بتلك للبدلية أي ما أحب ان لي بدل كلمته النعم الحمر لأن الصفة المذكورة تدل على قوة ايمانه المفضي به لدخول الجنة وثواب الآخرة خير وأبقى وفيه استئلاف من يخشى جزعه أو يرجى بسبب اعطائه طاعة من يتبعه والاعتذار الى من ظن ظنا والأمر بخلافه

قوله باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه يحتمل ان تكون الجملة الأولى محذوفة المفعول والتقدير ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ويحتمل أن يكون ضمن الذكر معنى التحديث فعداه بعن فيكون قوله عن ربه متعلق بالذكر والرواية معا وقد ترجم هذا في كتاب خلق أفعال العباد بلفظ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ويروي عن ربه وهو أوضح وقد قال بن بطال معنى هذا الباب ان النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ربه السنة كما روى عنه القرآن انتهى والذي يظهر ان مراده تصحيح ما ذهب اليه كما تقدم التنبيه عليه في تفسير المراد في كلام الله سبحانه وتعالى وذكر فيه خمسة أحاديث الحديث الأول

[ 7098 ] قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم هو أبو يحيى البغدادي الملقب صاعقة وأبو زيد من شيوخ البخاري قد حدث عنه بلا واسطة في باب إذا رأى المحرمون صيدا في أواخر كتاب الحج وكذا في غزوة الحديبية قوله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه رواية قتادة وخالفه سليمان التيمي كما في الحديث الثاني فقال عن أنس عن أبي هريرة فالأول مرسل صحابي قوله يرويه عن ربه عز وجل في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن جعفر ومن طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال ربكم وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة ومن طريقه أخرجه أبو نعيم يقول الله قال الإسماعيلي قوله قال ربكم وقوله يرويه عن ربكم سواء أي في المعنى قوله اذا تقرب العبد الي شبرا في رواية الإسماعيلي مني وفي رواية الطيالسي ان تقرب مني عبدي والأصل هنا الإتيان بمن لكن يفيد استعمال الى بمعنى الانتهاء فهو أبلغ قوله تقربت اليه ذراعا وإذا تقرب الي في رواية الكشميهني مني وكذا للإسماعيلي والطيالسي قوله ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة لم يقع وإذا أتاني الخ في رواية الطيالسي قال بن بطال وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب الى عبده ووصف العبد بالتقرب اليه ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام وذلك في حقه تعالى محال فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب فيكون وصف العبد بالتقرب اليه شبرا وذراعا واتيانه ومشيه معناه التقرب اليه بطاعته واداء مفترضاته ونوافله ويكون تقربه سبحانه من عبده واتيانه والمشي عبارة عن إثابته على طاعته وتقربه من رحمته ويكون قوله أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعا ونقل عن الطبري انه انما مثل القليل من الطاعة بالشبر منه والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلا على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته ان ثواب عمله له على عمله الضعف وان الكرامة مجاوزة حده الى ما يثيبه الله تعالى وقال بن التين القرب هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى فكان قاب قوسين أو أدنى فان المراد به قرب الرتبة وتوفير الكرامة والهرولة كناية عن سرعة الرحمة اليه ورضى الله عن العبد وتضعيف الأجر قال والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو وقال صاحب المشارق المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته عليها وتمام هدايته وتوفيقه والله أعلم بمراده وقال الراغب قرب العبد من الله التخصيص بكثير من الصفات التي يصح ان يوصف الله بها وان لم تكن على الحد الذي يوصف به الله تعالى نحو الحكمة والعلم والحلم والرحمة وغيرها وذلك يحصل بإزالة القاذورات المعنوية من الجهل والطيش والغضب وغيرها بقدر طاقة البشر وهو قرب روحاني لا بدني وهو المراد بقوله إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منا ذراعا الحديث الثاني

[ 7099 ] قوله يحيى هو بن سعيد القطان و التيمي هو سليمان بن طرخان قوله ربما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تقرب العبد مني كذا للجميع ليس فيه الرواية عن الله تعالى وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى القطان وأخرجه من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى فقال فيه عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل وقال مسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى هو بن سعيد وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان فذكره بلفظ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل قوله واذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا أو بوعا كذا فيه بالشك وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي وقد تقدم في باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه بغير شك من رواية أبي صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي فذكر الحديث وفيه وان تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراعا وان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا ووقع ذكر الهرولة في حديث أبي ذر الذي أوله رفعه يقول الله تعالى من عمل حسنة فجزاؤه عشر أمثالها وفيه ومن تقرب اليه شبرا الحديث وفي آخره ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن أتاني بقراب الأرض خطيئة لم يشرك بي شيئا جعلتها له مغفرة أخرجه مسلم قال الخطابي الباع معروف وهو قدر مد اليدين واما البوع بفتح الموحدة فهو مصدر باع يبوع بوعا قال ويحتمل ان يكون بضم الباء جمع باع مثل دار ودور وأغرب النووي فقال الباع والبوع والبوع بالضم والفتح كله بمعنى فان أراد ما قال الخطابي والا لم يصرح أحد بأن البوع بالضم والباع بمعنى واحد وقال الباجي الباع طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره وذلك قدر أربعة أذرع وهو من الدواب قدر خطوها في المشي وهو ما بين قوائمها وزاد مسلم في روايته المذكورة وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة وفي رواية بن أبي عدي عن سليمان التيمي عند الإسماعيلي وإذا تقرب مني بوعا أتيته هرولة قوله وقال معتمر هو بن سليمان التيمي المذكور وأراد بهذا التعليق بيان التصريح بالرواية فيه عن الله عز وجل وقد وصله مسلم وغيره من رواية المعتمر كما سأنبه عليه قوله عن أبي هريرة عن ربه عز وجل كذا سقط من رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني لفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبتت للمستملي والباقين وقال عياض عن الأصيلي لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الفربري وقد ألحقها عبدوس قلت وثبتت عند مسلم عن محمد بن عبد الأعلى عن المعتمر ولم يسق لفظه لكنه أحال به على رواية محمد بن بشار وأخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن محمد بن عبد الأعلى فقال في سياقه عن أبيه حدثني أنس أن أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدثه عن ربه تعالى ووصلها الإسماعيلي أيضا من رواية عبيد الله بن معاذ حدثنا المعتمر قال حدث أبي عن أنس ان أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه حدثه عن ربه تبارك وتعالى ووصله أبو نعيم من طريق إسحاق بن إبراهيم الشهيد حدثنا المعتمر عن أبيه عن أنس عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل ووقع عند بن حبان في صحيحه من طريق الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا معتمر بن سليمان حدثني أبي أخبرني أنس بن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل إذا تقرب العبد مني شبرا فذكره وقال فيه باعا ولم يشك وفي آخره أتيته هرولة وزاد وان هرول سعيت اليه والله أسرع بالمغفرة قال البرقاني بعد أن أخرجه في مستخرجه من طريق الحسن بن سفيان لم أجد هذه الزيادة في حديث غيره يعني محمد بن المتوكل انتهى وهو صدوق عارف بالحديث عنده غرائب وأفراد وهو من شيوخ أبي داود في السنن والقول في معناه كما تقدم قال الخطابي في مثل مضاعفة الثواب يقبل من أقبل نحو آخر قدر شبر فاستقبله بقدر ذراع قال ويحتمل ان يكون معناه التوفيق له بالعمل الذي يقربه منه وقال الكرماني لما قامت البراهين على استحالة هذه الأشياء في حق الله تعالى وجب أن يكون المعنى من تقرب الي بطاعة قليلة جازيته بثواب كثير وكلما زاد في الطاعة أزيد في الثواب وان كانت كيفية اتيانه بالطاعة بطريق التأني يكون كيفية اتياني بالثواب بطريق الإسراع والحاصل ان الثواب راجح على العمل بطريق الكيف والكم ولفظ القرب والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو إرادة لوازمها الحديث الثالث حديث محمد بن زياد وهو الجمحي سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم قال لكل عمل كفارة والصوم لي وانا أجزي به في رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة يرويه عن ربه عز وجل لكل عمل كفارة الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أخرجه أحمد عنه وأورده الإسماعيلي من طريق غندر وأورده من طريق علي بن أبي الجعد ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة بلفظ لكل عمل كفارة وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام الحديث الرابع حديث أبي العالية وهو رفيع بفاء مصغر الرياحي بكسر الراء بعدها تحتانية ثم حاء مهملة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه وأورده من طريق شعبة ومن طريق سعيد وهو بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عنه وساقه على لفظ سعيد وقد تقدم في ترجمة يونس عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن حفص بن عمر بالسند المذكور هنا ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لعبد فذكره وأخرجه في تفسير سورة الأنعام من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة كذلك وصرح فيه بالتحديث عن بن عباس ولفظه عن أبي العالية حدثني بن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم يعني بن عباس قال أبو داود بعد ان أخرجه عن حفص بن عمر عن شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية الا ثلاثة أحاديث وفي موضع آخر أربعة أحاديث هذا أحدها قلت قد أخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ولم ار في شيء من الطرق عن شعبة فيه عن ربه ولا عن الله عز وجل وكذا تقدم في آخر تفسير النساء من حديث بن مسعود ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما ليس فيه عن ربه وحكى بن التين عن الداودي قال أكثر الروايات ليس فيها فيما يروي عن ربه فان كان هذا محفوظا فهو ممن سوى النبي صلى الله عليه وسلم وساق الكلام على ذلك كما مضى في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو وارد سواء كان في الرواية عن ربه أو لم يكن بخلاف ما يوهمه كلامه الحديث الخامس

[ 7102 ] قوله حدثنا أحمد بن أبي سريج وهو بمهملة ثم جيم وهو أحمد بن عمر فقيل هو اسم أبي سريج وقيل أبو سريج جد أحمد وأحمد يكنى أبا جعفر قوله عبد الله بن المغفل بالغين المعجمة وتشديد الفاء وفي رواية حجاج بن منهال عن شعبة أخبرني أبو إياس وهو معاوية بن قرة سمعت عبد الله بن المغفل تقدم في فضائل القرآن قوله سورة الفتح أو من سورة الفتح في رواية حجاج سورة الفتح ولم يشك قوله فرجع فيها بتشديد الجيم أي ردد الصوت في الحلق والجهر بالقول مكررا بعد خفائه ووقع في رواية آدم عن شعبة وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة لينة يرجع فيها أخرجه في فضائل القرآن أيضا قوله ثم قرأ معاوية بن قرة يحكى قراءة بن مغفل هو كلام شعبة وظاهره ان معاوية قرأ ورجع ووقع في رواية مسلم بن إبراهيم في تفسير سورة الفتح عن شعبة قال معاوية لو شئت ان أحكي لكم قراءته لفعلت وفي غزوة الفتح عن أبي الوليد عن شعبة لولا ان يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع وهذا ظاهره انه لم يرجع وهو المعتمد ويحمل الأول على انه حكى القراءة دون الترجيع بدليل قوله في آخره كيف كان ترجيعه وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن شعبة فقال فيه قال معاوية لولا ان أخشى ان يجتمع عليكم الناس لحكيت لكم عن عبد الله بن مغفل ما حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقلت لمعاوية أبي بن قرة والقائل شعبة قوله كيف كان ترجيعه قال آ آ آ ثلاث مرات قال بن بطال في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع والألحان الملذذة للقلوب بحسن الصوت وقول معاوية لولا ان يجتمع الناس يشير الى ان القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس الى الاصغاء وتستميلها بذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المهيمة وفي قوله آ بمد الهمزة والسكوت دلالة على انه صلى الله عليه وسلم كان يراعي في قراءته المد والوقف انتهى وقد تقدم شرح هذا كله في أواخر فضائل القرآن في باب الترجيع وقال القرطبي يحتمل ان يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب وبالله التوفيق قال بن بطال وجه دخول حديث عبد الله بن مغفل في هذا الباب انه صلى الله عليه وسلم كان أيضا يروي القرآن عن ربه كذا قال فقال الكرماني الرواية عن الرب أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بدون الواسطة وبالواسطة وان كان المتبادر هو ما كان بغير الواسطة والله اعلم

قوله باب ما يجوز من تفسير التوراة وكتب الله كذا لأبي ذر ولغيره من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله تعالى وكل منهما من عطف العام على الخاص لأن التوراة من كتب الله قوله بالعربية وغيرها أي من اللغات في رواية الكشميهني بالعبرانية وغيرها ولكن وجه والحاصل ان الذي بالعربية مثلا يجوز التعبير عنه بالعبرانية وبالعكس وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا الأول قول الأكثر قوله لقول الله تعالى قل فاتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين وجه الدلالة أن التوراة بالعبرانية وقد أمر الله تعالى أن تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية فقضية ذلك الإذن في التعبير عنها بالعربية ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول قوله وقال بن عباس أخبرني أبو سفيان بالحرب أن هرقل دعا ترجمانه في رواية الكشميهني بترجمانه ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله الى هرقل ويا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم هذا طرف من الحديث الطويل الذي تقدم موصولا في بدء الوحي وفي عدة مواضع وتقدم شرحه في أول الكتاب وفي تفسير سورة آل عمران ووجه الدلالة منه ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب الى هرقل باللسان العربي ولسان هرقل رومي ففيه اشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث اليه يفهمه والمترجم المذكور هو الترجمان وكذا وقع واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بقصة هرقل لمطلوبه ان القراءة فعل القارىء فقال قد كتب النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه الى قيصر بسم الله الرحمن الرحيم قرأه ترجمان قيصر على قيصر وأصحابه ولا يشك في قراءة الكفار انها أعمالهم واما المقروء فهو كلام الله تعالى ليس بمخلوق ومن حلف بأصوات الكفار ونداء المشركين لم يكن عليه يمين بخلاف ما لو حلف بالقرآن الحديث الثاني حديث أبي هريرة حدثنا محمد بن بشار ذكره بهذا الإسناد في تفسير البقرة وفي باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء من كتاب الاعتصام وهنا وهو من نوادر ما وقع له فإنه لا يكاد يخرج الحديث في مكانين فضلا عن ثلاثة بسياق واحد بل يتصرف في المتن بالاختصار والاقتصار وبالتمام وفي السند بالوصل والتعليق من جميع أوجه وفي الرواة بسياقه عن راو غير الآخر فبحسب ذلك لا يكون مكررا على الإطلاق ويندر له ما وقع هنا وانما وقع ذلك غالبا حيث يكون المتن قصيرا والسند فردا وقد سبق الكلام على بعضه في تفسير سورة البقرة قال بن بطال استدل بهذا الحديث من قال تجوز قراءة القرآن بالفارسية وأيد ذلك بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء عليهم السلام كنوح عليه السلام وغيره ممن ليس عربيا بلسان القرآن وهو عربي مبين وبقوله تعالى لأنذركم به ومن بلغ والانذار انما يكون بما يفهمونه من لسانهم فقراءة أهل كل لغة بلسانهم حتى يقع لهم الإنذار به قال وأجاب من منع بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما نطقوا الا بما حكى الله عنهم في القرآن سلمنا ولكن يجوز أن يحكي الله قولهم بلسان العرب ثم يتعبدنا بتلاوته على من أنزله ثم نقل الاختلاف في أجزاء صلاة من قرأ فيها بالفارسي ومن أجاز ذلك عند العجز دون الإمكان وعمم وأطال في ذلك والذي يظهر التفصيل فان كان القارىء قادرا على التلاوة باللسان العربي فلا يجوز له العدول عنه ولا تجزىء صلاته وان كان عاجزا وان كان خارج الصلاة فلا يمتنع عليه القراءة بلسانه لأنه معذور وبه حاجة الى حفظ ما يجب عليه فعلا وتركا وان كان داخل الصلاة فقد جعل الشارع له بدلا وهو الذكر وكل كلمة من الذكر لا يعجز عن النطق بها من ليس بعربي فيقولها ويكررها فتجزىء عن الذي يجب عليه قراءته في الصلاة حتى يتعلم وعلى هذا فمن دخل في الإسلام أو أراد الدخول فيه فقرىء عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يعرب له لتعريف أحكامه أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه واما الاستدلال لهذه المسئلة بهذا الحديث وهو قوله إذا حدثكم أهل الكتاب فهو وان كان ظاهره أن ذلك بلسانهم فيحتمل ان يكون بلسان العرب فلا يكون نصا في الدلالة ثم المراد بإيراد هذا الحديث في هذا الباب ليس ما تشاغل به بن بطال وانما المراد منه كما قال البيهقي فيه دليل على ان أهل الكتاب ان صدقوا فيما فسروا من كتابهم بالعربية كان ذلك مما أنزل إليهم على طريق التعبير عما أنزل وكلام الله واحد لا يختلف باختلاف اللغات فبأي لسان قرئ فهو كلام الله ثم اسند عن مجاهد في قوله تعالى لأنذركم به ومن بلغ يعني ومن أسلم من العجم وغيرهم قال البيهقي وقد يكون لا يعرف العربية فإذا بلغه معناه بلسانه فهو له نذير وقد تقدم الكلام على هذه الآية في أول الباب الذي قبل هذا بثلاثة أبواب الحديث الثالث حديث بن عمر في رجم اليهوديين وقد تقدم شرحه في كتاب الحدود وإسماعيل في السند هو بن إبراهيم بن مقسم المعروف بابن علية وأيوب هو السختياني وقوله

[ 7104 ] فيه فقالوا لرجل ممن يرضون أعور اقرأ كذا للكشميهني وهو مجرور بالفتحة صفة رجل وفي رواية غيره يا أعور وهو بالرفع وقوله فوضع يده عليها أي على آية الرجم وعند الكشميهني عليه أي على الموضع قوله قال ارفع يدك كذا أبهم القائل وتقدم انه عبد الله بن سلام والواضع هو عبد الله بن صوريا وقوله نتكاتمه أي الرجم وعند الكشميهني نتكاتمها أي الآية

قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الماهر أي الحاذق والمراد به هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ قوله مع سفرة الكرام البررة كذا لأبي ذر إلا عن الكشميهني فقال مع السفرة وهو كذلك للأكثر والأول من إضافة الموصوف الى صفته والمراد بالسفرة الكتبة جمع سافر مثل كاتب وزنه ومعناه وهم هنا الذين ينقلون من اللوح المحفوظ فوصفوا بالكرام أي المكرمين عند الله تعالى والبررة أي المطيعين المطهرين من الذنوب وأصل الحديث تقدم مسندا في التفسير لكن بلفظ مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة وأخرجه مسلم بلفظه من طريق زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة مرفوعا الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة قال القرطبي الماهر الحاذق وأصله الحذق بالسباحة قاله الهروي والمراد بالمهارة بالقرآن جودة الحفظ وجودة التلاوة من غير تردد فيه لكونه يسره الله تعالى عليه كما يسره على الملائكة فكان مثلها في الحفظ والدرجة قوله وزينوا القرآن بأصواتكم هذا الحديث من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر من كتابه وقد أخرجه في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بهذا وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من هذا الوجه وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه بن حبان في صحيحه وعن بن عباس أخرجه الدارقطني في الافراد بسند حسن وعن عبد الرحمن بن عوف أخرجه البزار بسند ضعيف وعن بن مسعود وقع لنا في الأول من فوائد عثمان بن المال ولكنه موقوف قال بن بطال المراد بقوله زينوا القرآن بأصواتكم المد والترتيل والمهارة في القرآن جودة التلاوة بجودة الحفظ فلا يتلعثم ولا يتشكك وتكون قراءته سهلة بتيسير الله تعالى كما يسره على الكرام البررة قال ولعل البخاري أشار بأحاديث هذا الباب الى ان الماهر بالقرآن هو الحافظ له مع حسن الصوت به والجهر به بصوت مطرب بحيث يلتذ سامعه انتهى والذي قصده البخاري اثبات كون التلاوة فعل العبد فانها يدخلها التزيين والتحسين والتطريب وقد يقع بأضداد ذلك وكل ذلك دال على المراد وقد أشار الى ذلك بن المنير فقال ظن الشارح أن غرض البخاري جواز قراءة القرآن بتحسين الصوت وليس كذلك وانما غرضه الإشارة الى ما تقدم من وصف التلاوة بالتحسين والترجيع والخفض والرفع ومقارنة الأحوال البشرية كقول عائشة يقرأ القرآن في حجري وأنا حائض فكل ذلك يحقق ان التلاوة فعل القارىء وتتصف بما تتصف به الأفعال ويتعلق بالظروف الزمانية والمكانية انتهى ويؤيده ما قال في كتاب خلق أفعال العباد بعد ان أخرج حديث زينوا القرآن بأصواتكم من حديث البراء وعلقه من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما وذكر حديث أبي موسى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا موسى لقد أوتيت من مزامير آل داود وأخرجه من حديث البراء بلفظ سمع أبا موسى يقرأ فقال كأن هذا من أصوات آل داود ثم قال ولا ريب في تخليق مزامير آل داود وندائهم لقوله تعالى وخلق كل شيء ثم ذكر حديث عائشة الماهر بالقرآن مع السفرة الحديث وحديث أنس أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مدا وحديث قطبة بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر والنخل باسقات لها طلع نضيد يمد بها صوته ثم قال فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أصوات الخلق وقراءتهم مختلفة بعضها أحسن من بعض وأزين وأحلى وأرتل وأمهر وأمد وغير ذلك ثم ذكر فيه ستة أحاديث الحديث الأول حديث أبي هريرة

[ 7105 ] قوله ابن أبي حازم هو عبد العزيز بن سلمة بن دينار ويزيد شيخه هو بن الهاد ومحمد بن إبراهيم هو التيمي وقد تقدمت الإشارة اليه في باب وأسروا قولكم أو اجهروا به من كتاب التوحيد الحديث الثاني حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك ذكر منه طرفا من رواية يحيى بن بكير عن الليث عن يونس هو بن يزيد عن بن شهاب عن مشايخه وفيه ولكن والله وفي رواية الكشميهني ولكني والله ما كنت أظن ان الله ينزل في شأني وحيا يتلى فأنزل الله

[ 7106 ] ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم العشر الآيات كلها هكذا اقتصر على هذا القدر منه وتقدم بطوله في تفسير سورة النور مع شرحه وقد أورد هذا القدر من هذا الحديث في باب قوله يريدون أن يبدلوا كلام الله من وجه آخر عن يونس وذكره في خلق أفعال العباد من طرق أخرى عن بن شهاب ثم قال فبينت رضي الله عنها ان الإنذار من الله وان الناس يتلونه ثم ذكر عدة آيات فيها ذكر التلاوة ثم قال فبين سبحانه وتعالى ان التلاوة من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأن الوحي من الله سبحانه وتعالى الحديث الثالث حديث البراء

[ 7107 ] قوله يقرأ في العشاء والتين في رواية الكشميهني بالتين فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه وقد تقدم شرحه في كتاب الصلاة ومراده منه هنا بيان اختلاف الأصوات بالقراءة من جهة النغم الحديث الرابع حديث بن عباس في نزول قوله تعالى

[ 7108 ] ولا تجهر بصلاتك وقد تقدم في تفسير سبحان وتقدم قريبا في باب قوله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به ومراده منه هنا بيان اختلاف الأصوات بالجهر والاسرار الحديث الخامس حديث أبي سعيد لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء الا شهد له الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الأذان ومراده منه هنا بيان اختلاف الأصوات بالرفع والخفض وقال الكرماني وجه مناسبته أن رفع الأصوات بالقرآن أحق بالشهادة له وأولى الحديث السادس حديث عائشة

[ 7110 ] قوله سفيان هو الثوري ومنصور هو بن عبد الرحمن الشيبي وأمه هي صفية بنت شيبة من صغار الصحابة قوله يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض تقدم شرحه في كتاب الحيض وتقدم بيان المراد به من كلام بن المنير ومنه يظهر وجه مناسبة ذكره في هذا الباب

قوله باب قول الله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه كذا للكشميهني وللباقين من القرآن وكل من اللفظين في السورة والمراد بالقراءة الصلاة لأن القراءة بعض أركانها ذكر فيه حديث عمر في قصته مع هشام بن حكيم في قراءة سورة الفرقان وقد تقدم شرحه مستوفى في فضائل القرآن وقوله

[ 7111 ] في آخره ان هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه الضمير للقرآن والمراد بالمتيسر منه في الحديث غير المراد به في الآية لأن المراد بالمتيسر في الآية بالنسبة للقلة والكثرة والمراد به في الحديث بالنسبة الى ما يستحضره القارىء من القرآن فالأول من الكمية والثاني من الكيفية ومناسبة هذه الترجمة وحديثها للأبواب التي قبلها من جهة التفاوت في الكيفية ومن جهة جواز نسبة القراءة للقارىء

قوله باب قول الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قيل المراد بالذكر الأذكار والاتعاظ وقيل الحفظ وهو مقتضى قول مجاهد قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم كل ميسر لما خلق له فذكره موصولا في الباب من حديث علي قوله وقال مجاهد يسرنا القرآن بلسانك هوناه عليك في رواية غير أبي ذر هونا قراءته عليك وهو بفتح الهاء والواو وتشديد النون من التهوين وقد وصله الفريابي عن ورقاء عن بن أبي نجيع عن مجاهد في قوله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر قال هوناه قال بن بطال تيسير القرآن تسهيله على لسان القارىء حتى يسارع الى قراءته فربما سبق لسانه في القراءة فيجاوز الحرف الى ما بعده ويحذف الكلمة حرصا على ما بعدها انتهى وفي دخول هذا في المراد نظر كبير قوله وقال مطر الورق ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قال هل من طالب علم فيعان عليه وقع هذا التعليق عند أبي ذر عن الكشميهني وحده وثبت أيضا للجرجاني عن الفربري ووصله الفرياني عن ضمرة بن زمعة عن عبد الله بن شوذب عن مطر وأخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق ضمرة ثم ذكر حديث عمران بن حصين قلت يا رسول الله فيما يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له وهو مختصر من حديث سبق في كتاب القدر فيه عن عمران قال قال رجل يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال فلم يعمد العاملون وقد تقدم شرحه هناك ويزيد شيخ عبد الوارث فيه هو المعروف بالرشك وتقدم هناك من رواية شعبة قال حدثنا يزيد الرشك فذكره وحديث علي رضي الله عنه وفيه وما منكم من أحد الا كتب مقعده من النار أومن الجنة وتقدم شرحه هناك أيضا وفيه وفي حديث عمران الذي قبله كل ميسر قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في شرح حديث أبي سعيد المذكور في باب كلام الله مع أهل الجنة فيه نداء الله تعالى لأهل الجنة لقرينة جوابهم بلبيك وسعديك والمراجعة بقوله هل رضيتم وقولهم وما لنا لا نرضى وقوله ألا أعطيكم أفضل وقولهم يا ربنا وأي شيء أفضل وقوله أحل عليكم رضواني فان ذلك كله يدل على انه سبحانه وتعالى هو الذي كلمهم وكلامه قديم أزلي ميسر بلغة العرب والنظر في كيفيته ممنوع ولا نقول بالحلول في المحدث وهي الحروف ولا انه دل عليه وليس بموجود بل الإيمان بأنه منزل حق ميسر باللغة العربية صدق وبالله التوفيق قال الكرماني حاصل الكلام انهم قالوا إذا كان الأمر مقدرا فلنترك المشقة في العمل الذي من أجلها سمي بالتكليف وحاصل الجواب ان كل من خلق لشيء يسر لعمله فلا مشقة مع التيسير وقال الخطابي أرادوا ان يتخذوا ما سبق حجة في ترك العمل فأخبره ان هنا امرين لا يبطل أحدهما الآخر باطن وهو ما اقتضاه حكم الربوبية وظاهر وهو السمة اللازمة بحق العبودية وهو امارة للعاقبة فبين لهم ان العمل في العاجل يظهر أثره في الآجل وان الظاهر لا يترك للباطن قلت وكأن مناسبة هذا الباب لما قبله من جهة الاشتراك في لفظ التيسير والله أعلم

قوله باب قول الله تعالى بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ قال البخاري في خلق أفعال العباد بعد ان ذكر هذه الآية والذي بعدها قد ذكر الله ان القرآن يحفظ ويسطر والقرآن الموعى في القلوب المستور في المصاحف المتلو بالألسنة كلام الله ليس بمخلوق واما المداد والورق والجلد فإنه مخلوق قوله والطور وكتاب مسطور قال قتادة مكتوب وصله البخاري في خلق أفعال العباد من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله والطور وكتاب مسطور قال المسطور المكتوب في رق منشور هو الكتاب وصله عبيد بن حميد من رواية شيبان بن عبد الرحمن وعبد الرزاق عن معمر كلاهما عن قتادة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وكتاب مسطور قال صحف مكتوبة في رق منشور قال في صحف قوله يسطرون يخطون أي يكتبون أورده عبد بن حميد من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة في قوله والقلم وما يسطرون قال وما يكتبون قوله في أم الكتاب جملة الكتاب وأصله وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ من طريق معمر عن قتادة في قوله يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قال جملة الكتاب وأصله وكذا أخرجه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة وعند بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وما يكتب وما يبدل قوله ما بلفظ من قول ما يتكلم من شيء الا كتب عليه وصله بن أبي حاتم من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن في قوله ما يلفظ من قول قال ما يتكلم به من شيء الا كتب عليه ومن طريق زائدة بن قدامة عن الأعمش عن مجمع قال الملك مداده ريقه وقلمه لسانه قوله وقال بن عباس يكتب الخير والشر وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى ما يلفظ من قول قال انما يكتب الخير والشر وأخرج أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد قال يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى انه ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر ما كان من خير أو شر وألقى سائره فذلك قوله يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وأخرج الطبري هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب بكسر الراء ثم ياء مهموزة وآخره موحدة والكلبي متروك وأبو صالح لم يدرك جابرا هذا وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن ما يلفظ من قول ما يتكلم به من شيء الا كتب عليه وكان عكرمة يقول انما ذلك في الخير والشر قلت ويجمع بينهما برواية علي بن أبي طلحة المذكورة قوله يحرفون يزيلون لم أر هذا موصولا من كلام بن عباس من وجه ثابت مع ان الذي قبله من كلامه وكذا الذي بعده وهو قوله دراستهم تلاوتهم وما بعده وأخرج جميع ذلك بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وقد تقدم في باب قوله كل يوم هو في شأن عن بن عباس ما يخالف ما ذكر هنا وهو تفسير يحرفون بقوله يزيلون نعم أخرجه بن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله يحرفون الكلم عن مواضعه قال يقلبون ويغيرون وقال الراغب التحريف الامالة وتحريف الكلام أن يجعله على حرف من الاحتمال بحيث يمكن حمله على وجهين فأكثر قوله وليس أحد يزيل لفظ كتاب الله من كتب الله عز وجل ولكنهم يحرفونه يتأولونه عن غير تأويله في رواية الكشميهني يتأولونه على غير تأويله قال شيخنا بن الملقن في شرحه هذا الذي قاله أحد القولين في تفسير هذه الآية وهو مختاره أي البخاري وقد صرح كثير من أصحابنا بأن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل وفرعوا على ذلك جواز امتهان اوراقهما وهو يخالف ما قاله البخاري هنا انتهى وهو كالصريح في أن قوله وليس أحد الى آخره من كلام البخاري ذيل به تفيسر بن عباس وهو يحتمل ان يكون بقية كلام بن عباس في تفسير الآية وقال بعض الشراح المتأخرين اختلف في هذه المسئلة على أقوال أحدها انها بدلت كلها وهو مقتضى القول المحكي بجواز الامتهان وهو افراط وينبغي حمل إطلاق من اطلقه على الأكثر والا فهي مكابرة والآيات والأخبار كثيرة في انه بقي منها أشياء كثيرة لم تبدل من ذلك قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل الآية ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم ويؤيده قوله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين ثانيها ان التبديل وقع ولكن في معظمها وادلته كثيرة وينبغي حمل الأول عليه ثالثها وقع في اليسير منها ومعظمها باق على حاله ونصره الشيخ تقي الدين بن تيمية في كتابه الرد الصحيح على من بدل دين المسيح رابعها انما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ وهو المذكور هنا وقد سئل بن تيمية عن هذه المسئلة مجردا فأجاب في فتاويه ان للعلماء في ذلك قولين واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها قوله تعالى لا مبدل لكلماته وهو معارض بقوله تعالى فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ولا يتعين الجمع بما ذكر من الحمل على اللفظ في النفي وعلى المعنى في الاثبات لجواز الحمل في النفي على الحكم وفي الاثبات على ما هو أعم من اللفظ والمعنى ومنها ان نسخ التوراة في الشرق والغرب والجنوب والشمال لا يختلف ومن المحال ان يقع التبديل فيتوارد النسخ بذلك على منهاج واحد وهذا استدلال عجيب لأنه إذا جاز وقوع التبديل جاز اعدام المبدل والنسخ الموجودة الآن هي التي استقر عليها الأمر عندهم عند التبديل والأخبار بذلك طافحة أما فيما يتعلق بالتوراة فلأن بختنصر لما غزا بيت المقدس وأهلك بني إسرائيل ومزقهم بين قتيل وأسير وأعدم كتبهم حتى جاء عزيرا فأملاها عليهم وأما فيما يتعلق بالإنجيل فان الروم لما دخلوا في النصرانية جمع ملكهم وأكابرهم على ما في الإنجيل الذي بأيديهم وتحريفهم المعاني لا ينكر بل هو موجود عندهم بكثرة وانما النزاع هل حرفت الألفاظ أو لا وقد وجد في الكتابين ما لا يجوز ان يكون بهذه الألفاظ من عند الله عز وجل أصلا وقد سرد أبو محمد بن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل أشياء كثيرة من هذا الجنس من ذلك أنه ذكر أن في أول فصل في أول ورقة من توراة اليهود التي عند رهبانهم وقرائهم وعاناتهم وعيسويهم حيث كانوا في المشارق والمغارب لا يختلفون فيها على صفة واحدة لو رام أحد ان يزيد فيها لفظة أو ينقص منها لفظة لافتضح عندهم متفقا عليها عندهم الى الأحبار الهارونية الذين كانوا قبل الخراب الثاني يذكرون انها مبلغة من أولئك الى عزرا الهاروني وان الله تعالى قال لما أكل آدم من الشجرة هذا آدم قد صار كواحد منا في معرفة الخير والشر وأن السحرة عملوا لفرعون نظير ما أرسل عليهم من الدم والضفادع وأنهم عجزوا عن البعوض وان ابنتي لوط بعد هلاك قومه ضاجعت كل منهما أباها بعد ان سقته الخمر فوطىء كلا منهما فحملتا منه الى غير ذلك من الأمور المنكرة المستبشعة وذكر في مواضع أخرى أن التبديل وقع فيها الى ان أعدمت فأملاها عزرا المذكور على ما هي عليه الآن ثم ساق أشياء من نص التوراة التي بأيديهم الآن الكذب فيها ظاهر جدا ثم قال وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون ان التوراة والإنجيل اللتين بأيدي اليهود والنصارى محرفان والحامل لهم على ذلك قلة مبالاتهم بنصوص القرآن والسنة وقد اشتملا على أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه و يقولون على الله الكذب وهم يعملون ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون ويقال لهؤلاء المنكرين قد قال الله تعالى في صفة الصحابة ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه الى آخر السورة وليس بأيدي اليهود والنصارى شيء من هذا ويقال لمن ادعى ان نقلهم نقل متواتر قد اتفقوا على أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتابين فان صدقتموهم فيما بأيديهم لكونه نقل نقل المتواتر فصدقوهم فيما زعموه ان لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه والا فلا يجوز تصديق بعض وتكذيب بعض مع مجيئهما مجيئا واحدا انتهى كلامه وفيه فوائد وقال الشيخ بدر الدين الزركشي اغتر بعض المتأخرين بهذا يعني بما قال البخاري فقال ان في تحريف التوراة خلافا هل هو في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط ومال الى الثاني ورأى جواز مطالعتها وهو قول باطل ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالإجماع وقد غضب صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي ولولا أنه معصية ما غضب فيه قلت ان ثبت الإجماع فلا كلام فيه وقد قيده بالاشتغال بكتابتها ونظرها فان أراد من يتشاغل بذلك دون غيره فلا يحصل المطلوب لأنه يفهم أنه لو تشاغل بذلك مع تشاغله بغيره جاز وان أراد مطلق التشاغل فهو محل النظر وفي وصفه القول المذكور بالبطلان مع ما تقدم نظر أيضا فقد نسب لوهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة ونسب أيضا لابن عباس ترجمان القرآن وكان ينبغي له ترك الدفع بالصدر والتشاغل برد أدلة المخالف التي حكيتها وفي استدلاله على عدم الجواز الذي ادعى الإجماع فيه بقصة عمر نظر أيضا سأذكره بعد تخريج الحديث المذكور وقد أخرجه أحمد والبزار واللفظ له من حديث جابر قال نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال له رجل من الأنصار ويحك يا بن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فانهم لن يهدوكم وقد ضلوا وانكم اما ان تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له الا ان يتبعني وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف ولأحمد أيضا وأبي يعلى من وجه آخر عن جابر ان عمر أتى بكتاب أصابه من بعض كتب أهل الكتاب فقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فذكر نحوه دون قول الأنصاري وفيه والذي نفسي بيده لو أن موسى حيا ما وسعه الا أن يتبعني وفي سنده مجالد بن سعيد وهو لين وأخرجه الطبراني بسند فيه مجهول ومختلف فيه عن أبي الدرداء جاء عمر بجوامع من التوراة فذكر بنحوه وسمى الأنصاري الذي خاطب عمر عبد الله بن زيد الذي رأى الأذان وفيه لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا وأخرجه أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن ثابت قال جاء عمر فقال يا رسول الله اني مررت بأخ لي من بني قريضة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه والذي نفس محمد بيده لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم وأخرج أبو يعلى من طريق خالد بن عرفطة قال كنت عند عمر فجاءه رجل من عبد القيس فضربه بعصا معه فقال ما لي يا أمير المؤمنين قال أنت الذي نسخت كتاب دانيال قال مرني بأمرك قال انطلق فامحه فلئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته لأنهكنك عقوبة ثم قال انطلقت فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا قلت كتاب انتسخته لنزداد به علما الى علمنا فغضب حتى احمرت وجنتاه فذكر قصة فيها يا أيها الناس اني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصارا ولقد آتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا وفي سنده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف وهذه جميع طرق هذا الحديث وهي وان لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلا والذي يظهر ان كراهية ذلك للتنزيه لا للتحريم والأولى في هذه المسئلة التفرقة بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك بخلاف الراسخ فيجوز له ولا سيما عند الاحتياج الى الرد على المخالف ويدل على ذلك نقل الأئمة قديما وحديثا من التوراة وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه واما استدلاله للتحريم بما ورد من الغضب ودعواه أنه لو لم يكن معصية ما غضب منه فهو معترض بأنه قد يغضب من فعل المكروه ومن فعل ما هو خلاف الأولى إذا صدر ممن لا يليق منه ذلك كغضبه من تطويل معاذ صلاة الصبح بالقراءة وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم الأمر الواضح مثل الذي سأل عن لقطة الإبل وقد تقدم في كتاب العلم الغضب في الموعظة ومضى في كتاب الأدب ما يجوز من الغضب قوله يتأولونه قال أبو عبيدة وطائفة في قوله تعالى وما يعلم تأويله الا الله تعالى التأويل التفسير وفرق بينهما آخرون فقال أبو عبيد الهروي التأويل رد أحد المحتملين الى ما يطابق الظاهر والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل وحكى صاحب النهاية أن التأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي الى مالا يحتاج الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ وقيل التأويل ابداء احتمال لفظ معتضد بدليل خارج عنه ومثل بعضهم بقوله تعالى لا ريب فيه قال من قال لا شك فيه فهو التفسير ومن قال لأنه حق في نفسه لا يقبل الشك فهو التأويل ومراد البخاري بقوله يتأولونه أنهم يحرفون المراد بضرب من التأويل كما لو كانت الكلمة بالعبرانية تحتمل معنيين قريب وبعيد وكان المراد القريب فانهم يحملونها على البعيد ونحو ذلك قوله دراستهم تلاوتهم وصله بن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس وكذا قوله تعالى وتعيها أذن واعية قال حافظة قيل النكتة في افراد الأذن الإشارة بقلة من يعي من الناس وورد في خبر ضعيف أن المراد بالأذن في هذه الآية خاص وهي أذن علي أخرجه الثعلبي من مرسل عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي وفي سنده أبو حمزة الثمالي بضم المثلثة وتخفيف الميم وأخرج سعيد بن منصور والطبري من مرسل مكحول نحوه قوله وأوحي الي هذا القرآن لأنذركم به يعني أهل مكة ومن بلغ هذا القرآن فهو له نذير وصله بن أبي حاتم بالسند المذكور الى بن عباس وقال بن التين قوله ومن بلغ أي بلغه فحذف الهاء وقيل المعنى ومن بلغ الحلم والأول هو المشهور وأخرج بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن داود الخريبي بخاء معجمة ثم راء ثم موحدة مصغر قال ما في القرآن آية أشد على أصحاب جهم من هذه الآية لأنذركم به ومن بلغ فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله تعالى

[ 7114 ] قوله سمعت أبي هو سليمان بن طرخان التيمي قوله عن قتادة عن أبي رافع كذا وقع بالعنعنة وفي السند الذي بعده التصريح بالتحديث من قتادة وأبي رافع عند مسلم وكذا بالسماع لأبي رافع وأبي هريرة قوله لما قضى الله الخلق في رواية الكشميهني لما خلق قوله غلبت أو قال سبقت كذا بالشك وفي التي بعدها بالجزم سبقت قوله فهو عنده فوق العرش تقدم الكلام على قوله عنده في باب ويحذركم الله نفسه وعلى قوله فوق العرش في باب وكان عرشه على الماء وتقدم شرح الحديث أيضا والغرض منه الإشارة الى ان اللوح المحفوظ فوق العرش

[ 7115 ] قوله حدثني محمد بن أبي غالب في رواية أبي ذر حدثنا وهو قومسي نزل بغداد ويقال له الطيالسي وكان حافظا من أقران البخاري كما تقدم ذكره في باب الأخذ باليد من كتاب الاستئذان وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجة بالنسبة لحديث معتمر فإنه أخرج عنه الكثير بواسطة واحد فعنده في العلم والجهاد والدعوات والأشربة والصلح واللباس عدة أحاديث أخرجها مسدد عن متعمر ودرجتين بالنسبة لحديث قتادة فإنه عنده الكثير من رواية شعبة عنه بواسطة واحد عن شعبة وقد سمع من محمد بن عبد الله الأنصاري والأنصاري سمع من سليمان التيمي ولكن لم يخرج البخاري هذه الترجمة في الجامع ومحمد بن إسماعيل شيخ محمد بن أبي غالب بصري يقال له بن أبي سمينة بمهملة ونون وزن عظيمة من الطبقة الثالثة من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه في التاريخ بلا واسطة ولم أر عنه في الجامع شيئا الا هذا الموضع وقد سمع منه من حدث عن البخاري مثل صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة بفتح الجيم والزاي وموسى بن هارون وغيرهما

قوله باب قول الله تعالى والله خلقكم وما تعملون ذكر بن بطال عن المهلب ان غرض البخاري بهذه الترجمة اثبات أن أفعال العباد وأقوالهم مخلوقة لله تعالى وفرق بين الأمر بقوله كن وبين الخلق بقوله والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره فجعل الأمر غير الخلق وتسخيرها الذي يدل على خلقها انما هو عن أمره ثم بين ان نطق الإنسان بالإيمان عمل من أعماله كما ذكر في قصة عبد القيس حيث سألوا عن عمل يدخلهم الجنة فأمرهم بالإيمان وفسره بالشهادة وما ذكر معها وفي حديث أبي موسى المذكور وانما الله الذي حملكم الرد على القدرية الذين يزعمون انهم يخلقون أعماله قوله إنا كل شيء خلقناه بقدر كذا لهم ولعله سقط منه وقوله تعالى وقد تقدم الكلام على هذه الآية في باب قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي قال الكرماني التقدير خلقنا كل شيء بقدر فيستفاد منه ان يكون الله خالق كل شيء كما صرح به في الآية الأخرى وأما قوله خلقكم وما تعملون فهو ظاهر في اثبات نسبة العمل الى العباد فقد يشكل على الأول والجواب ان العمل هنا غير الخلق وهو الكسب الذي يكون مسندا الى العبد حيث أثبت له فيه صنعا ويسند الى الله تعالى من حيث ان وجوده انما هو بتأثير قدرته وله جهتان جهة تنفي القدر وجهة تنفي الجبر فهو مسند الى الله حقيقة والى العبد عادة وهي صفة يترتب عليها الأمر والنهي والفعل والترك فكل ما أسند من أفعال العباد الى الله تعالى فهو بالنظر الى تأثير القدرة ويقال له الخلق وما أسند الى العبد انما يحصل بتقدير الله تعالى ويقال له الكسب وعليه يقع المدح والذم كما يذم المشوه الوجه ويمدح الجميل الصورة وأما الثواب والعقاب فهو علامة والعبد انما هو ملك الله تعالى يفعل فيه ما يشاء وقد تقدم تقرير هذا بأتم منه في باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وهذه طريقة سلكها في تأويل الآية ولم يتعرض لاعراب ما هل هي مصدرية أو موصولة وقد قال الطبري فيها وجهان فمن قال مصدرية قال المعنى والله خلقكم وخلق عملكم ومن قال موصولة قال خلقكم وخلق الذي تعملون أي تعملون منه الأصنام وهو الخشب والنحاس وغيرهما ثم أسند عن قتادة ما يرجح القول الثاني وهو قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون أي بأيديكم وأخرج بن أبي حاتم من طريق قتادة أيضا قال تعبدون ما تنحتون أي من الأصنام والله خلقكم وما تعملون أي بأيديكم وتمسك المعتزلة بهذا التأويل قال السهيلي في نتائج الفكر له اتفق العقلاء على أن أفعال العباد لا تتعلق بالجواهر والأجسام فلا تقول عملت حبلا ولا صنعت جملا ولا شجرا فإذا كان كذلك فمن قال أعجبني ما عملت فمعناه الحدث فعلى هذا لا يصح في تأويل والله خلقكم وما تعملون الا أنها مصدرية وهو قول أهل السنة ولا يصح قول المعتزلة أنها موصولة فانهم زعموا انها واقعة على الأصنام التي كانوا ينحتونها فقالوا التقدير خلقكم وخلق الأصنام وزعموا ان نظم الكلام يقتضي ما قالوه لتقدم قوله ما تنحتون لأنها واقعة على الحجارة المنحوتة فكذلك ما الثانية والتقدير عندهم أتعبدون حجارة تنحتونها والله خلقكم وخلق تلك الحجارة التي تعملونها هذه شبهتهم ولا يصح ذلك من جهة النحو إذا ما لا تكون مع الفعل الخاص الا مصدرية فعلى هذا فالآية ترد مذهبهم وتفسد قولهم والنظم على قول أهل السنة أبدع فان قيل قد تقول عملت الصحفة وصنعت الجفنة وكذا يصح عملت الصنم قلنا لا يتعلق ذلك الا بالصورة التي هي التأليف والتركيب وهي الفعل هو الاحداث دون الجواهر بالاتفاق ولأن الآية وردت في بيان استحقاق الخالق العبادة لانفراده بالخلق وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق وهم يخلقون فقال أتعبدون من لا يخلق وتدعون عبادة من خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون ولو كانوا كما زعموا لما قامت الحجة من نفس هذا الكلام لأنه لو جعلهم خالقين لأعمالهم وهو خالق للأجناس لشركهم معهم في الخلق تعالى الله عن إفكهم قال البيهقي في كتاب الاعتقاد قال الله تعالى ذلكم الله ربكم خالق كل شيء فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر وقال تعالى أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء فنفى ان يكون خالق غيره ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له لكان خالق بعض الأشياء لا خالق كل شيء وهو بخلاف الآية ومن المعلوم ان الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان والناس خالق الأفعال لكان مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله تعالى الله عن ذلك وقال الله تعالى والله خلقكم وما تعملون وقال مكي بن أبي طالب في اعراب القرآن له قالت المعتزلة ما في قوله تعالى وما تعملون موصولة فرارا من أن يقروا بعموم الخلق لله تعالى ويريدون انه خلق الأشياء التي تنحت منها الأصنام وأما الأعمال والحركات فانها غير داخلة في خلق الله وزعموا انهم أرادوا بذلك تنزيه الله تعالى عن خلق الشر ورد عليهم أهل السنة بأن الله تعالى خلق إبليس وهو الشر كله وقال تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق فأثبت أنه خلق الشر وأطبق القراء حتى أهل الشذوذ على إضافة شر الى ما الا عمرو بن عبيد رأس الاعتزال فقرأها بتنوين شر ليصحح مذهبه وهو محجوج بإجماع من قبله على قراءتها بالإضافة قال وإذا تقرر ان الله خالق كل شيء من خير وشر وجب ان تكون ما مصدرية والمعنى خلقكم وخلق عملكم انتهى وقوى صاحب الكشاف مذهبه بأن قوله وما تعملون ترجمة عن قوله قبلها ما تنحتون وما في قوله ما تنحتون موصولة اتفاقا فلا يعدل ما التي بعده عن أختها وأطال في تقرير ذلك ومن جملته فان قلت ما أنكرت أن تكون ما مصدرية والمعنى خلقكم وخلق عملكم كما تقول المجبرة يعنى أهل السنة قلت أقرب ما يبطل به ان معنى الآية يأباه اباء جليا لأن الله احتج عليهم بأن العابد والمعبود جميعا خلق الله فكيف يعبد المخلوق مع ان العابد هو الذي عمل صورة المعبود ولولاه لما قدر أن يشكل نفسه فلو كان التقدير خلقكم وخلق عملكم لم يكن فيه حجة عليهم ثم قال فان قلت هي موصولة لكن التقدير والله خلقكم وما تعملونه من أعمالكم قلت ولو كان كذلك لم يكن فيها حجة على المشركين وتعقبه بن خليل السكوني فقال في كلامه صرف للآية عن دلالتها الحقيقة الى ضرب من التأويل لغير ضرورة بل لنصرة مذهبه أن العباد يخلقون أكسابهم فإذا حملها على الأصنام لم تتناول الحركات وأما أهل السنة فيقولون القرآن نزل بلسان العرب وأئمة العربية على أن الفعل الوارد بعد ما يتأول بالمصدر نحو أعجبني ما صنعت أي صنعك وعلى هذا فمعنى الآية خلقكم وخلق أعمالكم والأعمال ليست هي جواهر الأصنام اتفاقا فمعنى الآية عندهم إذا كان الله خالق أعمالكم التي تتوهم القدرية أنهم خالقون لها فأولى أن يكون خالقا لما لم يدع فيه أحد الخلقية وهي الأصنام قال ومدار هذه المسئلة على أن الحقيقة مقدمة على المجاز ولا أثر للمرجوح مع الراجح وذلك أن الخشب التي منها الأصنام والصور التي للأصنام ليست بعمل لنا وانما عملنا ما أقدرنا الله عليه من المعاني المكسوبة التي عليها ثواب العباد وعقابهم فإذا قلت عمل النجار السرير فالمعنى عمل حركات في محل أظهر الله لنا عندها التشكل في السرير فلما قال تعالى والله خلقكم وما تعملون وجب حمله على الحقيقة وهي معمولكم وأما ما يطالب به المعتزلي من الرد على المشركين من الآية فهو من أبين شيء لأنه تعالى إذا أخبر انه خلقنا وخلق أعمالنا التي يظهر بها التأثير بين أشكال الأصنام وغيرها فأولى أن يكون خالقا للمتأثر الذي لم يدع فيه أحد لا سني ولا معتزلي ودلالة الموافقة أقوى في لسان العرب وأبلغ من غيرها وقد وافق الزمخشري على ذلك في قوله تعالى فلا تقل لهما أف فإنه أدل على نفي الضرب من أن لو قال ولا تضربهما وقال انها من نكت علم البيان ثم غفل عنها اتباعا لهواه وأما ادعاؤه فك النظم فلا يلزم منه بطلان الحجة لأن فكه لما هو أبلغ سائغ بل أكمل لمراعاة البلاغة ثم قال ولم لا تكون الآية مخبرة عن أن كل عمل للعبد فهو خلق للرب فيندرج فيه الرد على المشركين مع مراعاة النظم ومن قيد الآية بعمل العبد دون عمل فعليه الدليل والأصل عدمه وبالله التوفيق وأجاب البيضاوي بأن دعوى أنها مصدرية أبلغ لأن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فالمتوقف على فعلهم أولى بذلك ويترجح أيضا بأن غيره لا يخلو من حذف أو مجاز وهو سالم من ذلك والأصل عدمه وقال الطيبي وتكملة ذلك أن يقال تقرر عند علماء البيان أن الكناية أولى من التصريح فإذا نفى الحكم العام لينتفي الخاص كان أقوى في الحجة وقد سلك صاحب الكشاف هذا بعينه في تفسير قوله تعالى كيف تكفرون بالله الآية وقال بن المنير يتعين حمل ما على المصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام من حيث هي حجارة أو خشب عارية عن الصورة بل عبدوها لأشكالها وهي أثر عملهم ولو عملوا نفس الجواهر لما طابق توبيخهم بأن المعبود من صنعة العابد قال والمخالفون موافقون أن جواهر الأصنام ليست عملا لهم فلو كان كما ادعوه لاحتاج الى حذف أي والله خلقكم وما تعملون شكله وصورته والأصل عدم التقدير وقد جاء التصريح في الحديث الصحيح بمعنى الذي تقدمت الإشارة اليه في باب قوله كل يوم هو في شأن عن حذيفة رفعه أن الله خلق كل صانع وصنعته وقال غيره قول من ادعى أن المراد بقوله وما تعملون نفس العيدان والمعادن التي تعمل منها الأوثان باطل لأن أهل اللغة لا يقولون ان الإنسان يعمل العود أو الحجر بل يقيدون ذلك بالصنعة فيقولون عمل العود صنما والحجر وثنا فمعنى الآية أن الله خلق الإنسان وخلق شكل الصنم وأما الذي نحت أو صاغ فانما هو عمل النحت والصياغة وقد وصرحت الآية بذلك والذي عمله هو الذي وقع التصريح بأن الله تعالى هو الذي خلقه وقال التونسي في مختصر تفسير الفخر الرازي احتج الأصحاب بهذه الآية على ان عمل العبد مخلوق لله على اعراب ما مصدرية وأجاب المعتزلة بأن إضافة العبادة والنحت لهم إضافة الفعل للفاعل ولأنه وبخهم ولم لو تكن الأفعال لخلقهم لما وبخهم قالوا ولا نسلم انها مصدرية لأن الأخفش يمنع أعجبني ما قمت أي قيامك وقال انه خاص بالمتعدي سلمنا جوازه لكن لا يمنع ذلك من تقدير ما مفعولا للنحاتين ولموافقة ما ينحتون ولأن العرب تسمي محل العمل عملا فتقول في الباب هو عمل فلان ولأن القصد هو تزييف عبادتهم لا بيان أنهم لا يوجدون أعمال أنفسهم قال وهذه شبهة قوية فالأولى ان لا يستدل بهذه الآية لهذا المراد كذا قال وجرى على عادته في إيراد شبهه المخالفين وترك بذل الوسع في أجوبتها وقد أجاب الشمس الأصبهاني في تفسيره وهو ملخص من تفسير الفخر فقال وما تعملون أي عملكم وفيها دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله وعلى أنها مكتسبة للعباد حيث أثبت لهم عملا فأبطلت مذهب القدرية والجبرية معا وقد رجح بعض العلماء كونها مصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام الا لعملهم لا لجرم الصنم والا لكانوا يعبدونها قبل العمل فكأنهم عبدوا العمل فأنكر عليهم عبادة المنحوت الذي لم ينفك عن العمل المخلوق وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية في الرد على الرافضي لا نسلم أنها موصولة ولكن لا حجة فيها للمعتزلة لأن قوله تعالى والله خلقكم يدخل فيه ذاتهم وصفاتهم وعلى هذا إذا كان التقدير والله خلقكم وخلق الذي تعملونه ان كان المراد خلقه لها قبل النحت لزم أن يكون المعمول غير مخلوق وهو باطل فثبت أن المراد خلقه لها قبل النحت وبعده وان الله خلقها بما فيها من التصوير والنحت فثبت انه خالقه ما تولد عن فعلهم ففي الآية دلالة على انه تعالى خلق أفعالهم القائمة بهم وخلق ما تولد عنها ووافق على ترجيح انها موصولة من جهة ان السياق يقتضي انه انكر عليهم عبادة المنحوت فناسب ان ينكر ما يتعلق بالمنحوت وأنه مخلوق له فيكون التقدير الله خالق العابد والمعبود وتقدير خلقكم وخلق أعمالكم يعني إذا أعربت مصدرية ليس فيه ما يقتضي ذمهم على ترك عبادته والعلم عند الله تعالى وقد ارتضى الشيخ سعد الدين الثفتزاني هذه الطريق وأوضحها ونقحها فقال في شرح العقائد له بعد ان ذكر أصل المسئلة وأدلة الفريقين ومنها استدلال أهل السنة بالآية المذكورة والله خلقكم وما تعملون قالوا معناه وخلق عملكم على اعراب ما مصدرية ورجحوا ذلك لعدم احتياجه الى حذف الضمير قال فيجوز أن يكون المعنى وخلق معمولكم على اعرابها موصولة ويشمل أعمال العباد لأنا إذا قلنا انها مخلوقة لله أو للعبد لم يرد بالفعل المعنى المصدري الذي هو الايجاد بل الحاصل بالمصدر الذي هو متعلق الايجاد وهو ما يشاهده من الحركات والسكنات قال وللذهول عن هذه النكتة توهم من توهم أن الاستدلال بالآية موقوف على كون ما مصدرية وليس الأمر كذلك تكملة جوز من صنف في اعراب القرآن في اعراب ما تعملون زيادة على ما تقدم قالوا واللفظ للمنتخب في ما أوجه أحدها ان تكون مصدرية منصوبة المحل عطف على الكاف والميم في خلقكم الثاني أن تكون موصولة في موضع نصب أيضا عطفا على المذكور آنفا والتقدير خلقكم والذي تعملون أي تعملون منه الأصنام يعني الخشب والحجارة وغيرها الثالث أن تكون استفهامية منصوبة المحل بقوله تعملون توبيخا لهم وتحقيرا لعملهم الرابع أن تكون نكرة موصولة وحكمها حكم الموصولة الخامس أن تكون نافية على معنى وما تعملون ذلك لكن الله هو خلقه ثم قال البيهقي وقد قال تعالى خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم فامتدح بأنه خلق كل شيء وبأنه يعلم كل شيء فكما لا يخرج عن علمه شيء وكذا لا يخرج عن خلقه شيء وقال تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به انه عليم بذات الصدور الا يعلم من خلق فأخبر ان قولهم سرا وجهرا خلقه لأنه بجميع ذلك عليم وقال تعالى خلق الموت والحياة وقال وانه هو أمات وأحيا فأخبر أنه المحيي المميت وأنه خلق الموت والحياة فثبت ان الأفعال كلها خيرها وشرها صادرة عن خلقه واحداثه إياها وقال تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقال تعالى أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون فسلب عنهم هذه الأفعال وأثبتها لنفسه ليدل بذلك على أن المؤثر فيها حتى صارت موجودة بعد العدم هو خلقه وان الذي يقع من الناس انما هو مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها على ما أراد فهي من الله تعالى خلق بمعنى الاختراع بقدرته القديمة ومن العباد كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي كسبهم ووقوع هذه الأفعال على وجوده بخلاف فعل مكتسبها أحيانا من أعظم الدلالة على موقع أوقعها على ما أراد ثم ساق حديث حذيفة المشار اليه ثم قال وأما ما ورد في حديث دعاء الافتتاح في أول الصلاة والشر ليس إليك فمعناه كما قال النضر بن شميل والشر لا يتقرب به إليك وقال غيره أرشد الى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى بأن يضاف اليه محاسن الأمور دون مساويها وقد وقع في نفس هذا الحديث والمهدي من هديت فأخبر انه يهدي من شاء كما وقع التصريح به في القرآن وقال في حديث أبي سعيد الماضي في الأحكام الذي في أوله ان كل وال له بطانتان والمعصوم من عصم الله فدل على انه يعصم قوما دون قوم وقال غيره يستحيل ان يصلح قدرة العباد للإبراز من العدم الى الوجود وهو المعبر عنه بالاختراع وثبوته لله سبحانه وتعالى قطعي لأن قدرة الابراز من العدم الى الوجود تتوجه الى تحصيل ما ليس بحاصل فحال توجيهها لا بد من وجودها لاستحالة أن يحصل العدم شيئا فقدرته ثابتة وقدرة المخلوقين عرض لا بقاء له فيستحيل تقدمها وقد تواردت النقول السمعية والقرآن والأحاديث الصحيحة بانفراد الرب سبحانه وتعالى بالاختراع كقوله تعالى هل من خالق غير الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ومن الدليل على ان الله تعالى يحكم في خلقه بما يشاء ولا تتوقف أحكامه في ثوابهم وعقابهم على ان يكونوا خالقين لأفعالهم أنه نصب الثواب والعقاب على ما يقع مباينا لمحال قدرتهم واما اكتساب العباد فلا يقع الا في محل الكسب ومثال ذلك السهم الذي يرميه العبد لا تصرف له فيه بالرفع وكذلك لا تصرف له فيه بالوضع وأيضا فان إرادة الله سبحانه وتعالى تتعلق بما لا نهاية له على وجه النفوذ وعدم التعذر وإرادة العبد لا تتعلق بذلك مع تسميتها إرادة وكذلك علمه تعالى لا نهاية له على سبيل التفصيل وعلم العبد لا يتعلق بذلك مع تسميته علما فصل احتج بعض المبتدعة بقوله تعالى الله خالق كل شيء على ان القرآن مخلوق لأنه شيء وتعقب ذلك نعيم بن حماد وغيره من أهل الحديث بأن القرآن كلام الله وهو صفته فكما ان الله لم يدخل في عموم قوله كل شيء اتفاقا فكذلك صفاته ونظير ذلك قوله تعالى ويحذركم الله نفسه مع قوله تعالى كل نفس ذائقة الموت فكما لم تدخل نفس الله في هذا العموم اتفاقا فكذا لا يدخل القرآن قوله ويقال للمصورين احيوا ما خلقتم كذا للأكثر وهو المحفوظ ووقع في رواية الكشميهني ويقول أي الله سبحانه أو الملك بأمره وقال الكرماني لفظ الحديث الموصول في الباب ويقال لهم فأظهر البخاري مرجع الضمير انتهى وسيأتي الكلام على نسبة الخلق إليهم في آخر الباب قوله ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض الى تبارك الله رب العالمين ساق في رواية كريمة الآية كلها والمناسب منها لما تقدم قوله تعالى الا له الخلق والأمر فيصح به قول الله خالق كل شيء ولذلك عقبه بقوله قال بن عيينة بين الله الخلق من الأمر بقوله تعالى الا له الخلق والأمر وهذا الأثر وصله بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية من طريق بشار بن موسى قال كنا عند سفيان بن عيينة فقال الا له الخلق والأمر فالخلق هو المخلوقات والأمر هو الكلام ومن طريق حماد بن نعيم سمعت سفيان بن عيينة وسئل عن القرآن أمخلوق هو فقال يقول الله تعالى الا له الخلق والأمر ألا ترى كيف فرق بين الخلق والأمر فالأمر كلامه فلو كان كلامه مخلوقا لم يفرق قلت وسبق بن عيينة الى ذلك محمد بن كعب القرظي وتبعه الامام أحمد بن حنبل وعبد السلام بن عاصم وطائفة أخرج كل ذلك بن أبي حاتم عنهم وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد خلق الله الخلق بأمره لقوله تعالى لله الأمر من قبل ومن بعد ولقوله انما قولنا لشيء إذا أردناه ان نقول له كن فيكون ولقوله ومن آياته ان تقوم السماوات والأرض بأمره قال وتواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القرآن كلام الله وان أمر الله قبل مخلوقاته قال ولم يذكر عن أحد من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان خلاف ذلك وهم الذين ادوا إلينا الكتاب والسنة قرنا بعد قرن ولم يكن بين أحد من أهل العلم في ذلك خلاف الى زمان مالك والثوري وحماد وفقهاء الأمصار ومضى على ذلك من أدركنا من علماء الحرمين والعراقين والشام ومصر وخراسان وقال عبد العزيز بن يحيى المكي في مناظرته لبشر المريسي بعد ان تلا الآية المذكورة أخبر الله تعالى عن الخلق أنه مسخر بأمره فالأمر هو الذي كان الخلق مسخرا به فكيف يكون الأمر مخلوق وقال تعالى انما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فأخبر ان الأمر متقدم على الشيء المكون وقال لله الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل خلق الخلق ومن بعد خلقهم وموتهم بدأهم بأمره ويعيدهم بأمره وقال غيره لفظ الأمر يرد لمعان منها الطلب ومنها الحكم ومنها الحال والشأن ومنها المأمور كقوله تعالى فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك أي مأموره وهو اهلاكهم واستعمال المأمور بلفظ الأمر كاستعمال المخلوق بمعنى الخلق وقال الراغب الأمر لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ومنه قوله تعالى واليه يرجع الأمر كله ويقال للإبداع أمر نحو قوله تعالى ألا له الخلق والأمر وعلى ذلك حمل بعضهم قوله تعالى قل الروح من أمر ربي أي هو من ابداعه ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق وقوله انما أمرنا لشيء إذا أردناه إشارة الى ابداعه وعبر عنه بأقصر لفظ وأبلغ ما نتقدم به فيما بيننا بفعل الشيء ومنه وما أمرنا الا واحدة فعبر عن سرعة ايجاده بأسرع ما يدركه وهمنا والأمر التقدم بالشيء سواء كان ذلك بقول أفعل أو لتفعل أو بلفظ خبر نحو والمطلقات يتربصن أو بإشارة أو غير ذلك كتسميته ما رأى إبراهيم أمرا حيث قال ابنه يا أبت افعل ما تؤمر واما قوله وما أمر فرعون برشيد فعام في أقواله وأفعاله وقوله اتى أمر الله إشارة الى يوم القيامة فذكره بأعم الألفاظ وقوله بل سولت لكم أنفسكم أمرا أي ما تأمر به النفس الأمارة انتهى وفي بعض ما ذكره نظر لا سيما في تفسير الأمر في آية الباب بالإبداع والمعروف فيه ما نقل عن بن عيينة وعلى ما قال الراغب يكون الأمر في الآية من عطف الخاص على العام وقد قال بعض المفسرين المراد بالأمر بعد الخلق تصريف الأمور وقال بعضهم المراد بالخلق في الآية الدنيا وما فيها وبالأمر الآخرة وما فيها فهو كقوله أتى أمر الله قوله وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عملا تقدم بيان هذا في باب من قال الإيمان هو العمل من كتاب الإيمان أول الجامع قوله وقال أبو ذر وأبو هريرة سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال ايمان بالله وجهاد في سبيله تقدم الكلام عليهما وبيان من وصلهما وشواهدهما في باب قل فاتوا بالتوراة فاتلوها قبل أبواب قوله وقال جزاء بما كانوا يعملون أي من الإيمان والصلاة وسائر الطاعات فسمى الإيمان عملا حيث أدخله في جملة الأعمال قوله وقال وفد عبد القيس الى أن قال فجعل ذلك كله عملا سيأتي ذلك موصولا بعد حديث ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث مسندة الأول حديث أبي موسى الأشعري في قصة الذين طلبوا الحملان فقال صلى الله عليه وسلم لست أنا احملكم ولكن الله حملكم وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان وعبد الوهاب في السند هو بن عبد المجيد الثقفي وليس هو والد عبد الله بن عبد الوهاب العبدري الحجي الراوي عنه هنا والقاسم التميمي هو بن عاصم وزهدم هو بن مضرب بتشديد الراء وقوله

[ 7116 ] يأكل فقذرته زاد الكشميهني يأكل شيئا وقوله فحلفت لا آكله في رواية الكشميهني ان لا آكله وقوله فلأحدثك وقال لغير الكشميهني فلأحدثنك بالنون المؤكدة والمراد منه نسبة الحمل الى الله تعالى وان كان الذي باشر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فهو كقوله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقد تقدم توجيهه قريبا الحديث الثاني حديث وفد عبد القيس

[ 7117 ] قوله أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد البصري المعروف بالنبيل بنون وموحدة وزن عظيم وهو من شيوخ البخاري أخرج عنه بغير واسطة في كتاب الزكاة وغيره وهنا بواسطة وكذلك في عدة مواضع قوله حدثنا قرة بن خالد قال عياض سقط من رواية أبي زيد المروزي وثبت لغيره والحقه عبدوس في روايته يعني عن المروزي ونقل أبو علي الجياني ان أبا زيد قال لما حدث به اظن بينهما قرة بن خالد قال أبو علي وما هو بالظن ولكنه يقين وبه يتصل الإسناد قوله قلت لابن عباس فقال قدم وفد عبد القيس كذا في هذه الرواية لم يذكر مقول قلت وبينه الإسماعيلي من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي بفتح المهملة والقاف عن قرة بن خالد فقال في روايته حدثنا أبو حمزة قال قلت لابن عباس ان لي جرة انتبذ فيها فأشربه حلوا لو أكثرت منه فجالست القوم لخشيت ان أفتضح فقال قدم وفد عبد القيس وقد أخرج مسلم طريق أبي عامر لكن لم يسق لفظه ولم يقف الكرماني على هذا فقال التقدير قلت لابن عباس حدثنا اما مطلقا واما عن قصة وفد عبد القيس فجعل مقول قلت طلب التحديث وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الإيمان وما يتعلق منه بالأشربة في كتاب الأشربة وتقدم جواب الاشكال عن تفسير الإيمان بالأعمال البدنية مع أنه فعل القلب وعن الحكمة في قوله وان تعطوا الخمس ولم يقل واعطاء الخمس على نسق ما تقدم وعن سقوط ذكر الصوم في هذه الرواية مع كونه ثابتا في غيرها والتنبيه على انه وقع ذكر الحج في بعض طرق هذا الحديث من هذا الوجه من رواية قرة بن خالد الحديث الثالث والرابع والخامس عن عائشة وابن عمر وأبي هريرة في ذكر المصورين والأول من رواية الليث عن نافع عن عائشة والثاني من رواية أيوب عن نافع عن بن عمر ولفظهما واحد الا انه وقع في حديث عائشة ويقال لهم وفي حديث بن عمر يقال لهم بدون واو ومحمد بن العلاء في أول سند حديث أبي هريرة هو أبو كريب وهو بكنيته أشهر وابن فضيل هو محمد وعمارة هو بن القعقاع بن شبرمة وقد مضى في كتاب اللباس من وجه آخر عن عمارة وفيه قصة لأبي هريرة ومضى شرحه هناك وقوله

[ 7120 ] ومن ذهب أي قصد وقوله يخلق كخلقي نسب الخلق إليهم على سبيل الاستهزاء أو التشبيه في الصورة فقط وقوله فليخلقوا ذرة أو شعيرة أمر بمعنى التعجيز وهو على سبيل الترقي في الحقارة أو التنزل في الالزام والمراد بالذرة ان كان النملة فهو من تعذيبهم وتعجيزهم بخلق الحيوان تارة وبخلق الجماد أخرى وان كان بمعنى الهباء فهو بخلق ما ليس له جرم محسوس تارة وبماله جرم أخرى ويحتمل ان يكون أو شكا من الراوي قال بن بطال قوله في حديث عائشة وغيره يقال لهم احيوا ما خلقتم انما نسب خلقها إليهم تقريعا لهم بمضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكتهم بان قال إذا شابهتم بما صورتم مخلوقات الله تعالى فأحيوها كما احيا هو من خلق وقال الكرماني أسند الخلق إليهم صريحا وهو خلاف الترجمة لكن المراد كسبهم فاطلق لفظ الخلق عليهم استهزاء أو ضمن خلقتم معنى صورتم تشبيها بالخلق أو أطلق بناء على زعمهم فيه قلت والذي يظهر ان مناسبة ذكر حديث المصورين لترجمة هذا الباب من جهة ان من زعم انه يخلق فعل نفسه لو صحت دعواه لما وقع الإنكار على هؤلاء المصورين فلما كان أمرهم بنفخ الروح فيما صوروه أمر تعجيز ونسبة الخلق إليهم انما هي على سبيل التهكم والاستهزاء دل على فساد قول من نسب خلق فعله اليه استقلالا والعلم عند الله تعالى ثم قال الكرماني هذه الأحاديث تدل على ان العمل منسوب الى العبد لأن معنى الكسب اعتبار الجهتين فيستفاد المطلوب منها ولعل غرض البخاري في تكثير هذا النوع في الباب وغيره بيان جواز ما نقل عنه انه قال لفظي بالقرآن مخلوق ان صح عنه قلت قد صح عنه انه تبرأ من هذا الإطلاق فقال كل من نقل عني اني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب علي وانما قلت أفعال العباد مخلوقة أخرج ذلك غنجار في ترجمة البخاري من تاريخ بخارا بسند صحيح الى محمد بن نصر المروزي الامام المشهور انه سمع البخاري يقول ذلك ومن طريق أبي عمر وأحمد بن نصر النيسابوري الخفاف انه سمع البخاري يقول ذلك

قوله باب قراءة الفاجر والمنافق وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم قال الكرماني المراد بالفاجر المنافق بقرينة جعله قسيما للمؤمن في الحديث يعني الأول ومقابلا له فعطف المنافق عليه في الترجمة من باب العطف التفسيري قال وقوله وتلاوتهم مبتدأ وخبره لا يجاوز حناجرهم وانما جمع الضمير لأنه حكاية عن لفظ الحديث قال وزيد في بعضها وأصواتهم قلت هي ثابتة في جميع ما وقفنا عليه من نسخ البخاري ووقع في رواية أبي ذر قراءة الفاجر أو المنافق بالشك وهو يؤيد تأويل الكرماني ويحتمل ان يكون للتنويع والفاجر أعم من المنافق فيكون من عطف الخاص على العام وذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول حديث أبي موسى وهو الأشعري مثل المؤمن وقد تقدم شرحه في فضائل القرآن والسند كله بصريون ومطابقته للترجمة ظاهرة ومناسبتها لما قبلها من الأبواب ان التلاوة متفاوتة بتفاوت التالي فيدل على انها من عمله وقال بن بطال معنى هذا الباب ان قراءة الفاجر والمنافق لا ترتفع الى الله ولا تزكو عنده وانما يزكو عنده ما أريد به وجهه وكان عن نية التقرب اليه وشبهه بالريحانة حين لم ينتفع ببركة القرآن ولم يفز بحلاوة أجره فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق ولا اتصل بالقلب وهؤلاء هم الذين يمرقون من الدين الحديث الثاني

[ 7122 ] قوله علي هو بن عبد الله بن المديني وهشام هو بن يوسف الصنعاني ويونس في السند الثاني هو بن يزيد وابن شهاب فيه هو الزهري المذكور في الأول وقد تقدمت طريق علي بن عبد الله المديني في اواخر كتاب الطب في باب الكهانة ونسبه فيها ونسب شيخه كما ذكرت وساق المتن على لفظه هناك ووقع عنده أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير انه سمع عروة بن الزبير قوله سأل أناس في رواية معمر ناس وهما بمعنى وقوله هنا يحدثون بالشيء يكون حقا في رواية معمر انهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا قوله يخطفها في رواية الكشميهني يحفظها بحاء مهملة وطاء مشالة والفاء قبلها من الحفظ قوله فيقرقرها في رواية معمر فيقرها بتشديد الراء قوله كقرقرة الدجاجة في رواية المستملي الزجاجة بضم الزاي وتقدم شرحه مستوفى في الباب المذكور ومناسبته للترجمة تعرض له بن بطال ولخصه الكرماني فقال لمشابهة الكاهن بالمنافق من جهة انه لا ينتفع بالكلمة الصادقة لغلبة الكذب عليه ولفساد حاله كما ان المنافق لا ينتفع بقراءته لفساد عقيدته والذي يظهر لي من مراد البخاري ان تلفظ المنافق بالقرآن كما يتلفظ به المؤمن فتختلف تلاوتهما والمتلو واحد فلو كان المتلو عين التلاوة لم يقع فيه تخالف وكذلك الكاهن في تلفظه بالكلمة من الوحي التي يخبره بها الجني مما يختطفه من الملك تلفظه بها وتلفظ الجني مغاير لتلفظ الملك فتفاوتا الحديث الثالث

[ 7123 ] قوله عن معبد بن سيرين هو أخو محمد وهو أكبر منه والسند كله بصريون الا الصحابي وقد دخل البصرة قوله يخرج ناس من قبل المشرق تقدم في كتاب الفتن انهم الخوارج وبيان مبدا أمرهم وما ورد فيهم وكان ابتداء خروجهم في العراق وهي من جهة المشرق بالنسبة الى مكة المشرفة قوله لا يجاوز تراقيهم جمع ترقوة بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق وذكره في الترجمة بلفظ حناجرهم جمع حنجرة وهي الحلقوم وتقدم بيان الحلقوم في أواخر كتاب العلم وقد رواه عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد بلفظ حناجرهم وتقدم في باب قوله تعالى تعرج الملائكة والروح اليه من كتاب التوحيد قوله قيل ما سماهم بكسر المهملة وسكون التحتانية أي علامتهم والسائل عن ذلك لم أقف على تعيينه قوله التحليق أو قال التسبيد شك من الراوي وهو بالمهملة والموحدة بمعنى التحليق وقيل ابلغ منه وهو بمعنى الاستئصال وقيل ان نبت بعد أيام وقيل هو ترك دهن الشعر وغسله قال الكرماني فيه اشكال وهو انه يلزم من وجود العلامة وجود ذي العلامة فيستلزم ان كل من كان محلوق الرأس فهو من الخوارج والأمر بخلاف ذلك اتفاقا ثم أجاب بان السلف كانوا لا يحلقون رءوسهم الا للنسك أو في الحاجة والخوارج اتخذوه ديدنا فصار شعارا لهم وعرفوا به قال ويحتمل ان يراد به حلق الرأس واللحية وجميع شعورهم وان يراد به الافراط في القتل والمبالغة في المخالفة في أمر الديانة قلت الأول باطل لأنه لم يقع من الخوارج والثاني محتمل لكن طرق الحديث المتكاثرة كالصريحة في إرادة حلق الرأس والثالث كالثاني والله أعلم تنبيه وقع لابن بطال في وصف الخوارج خبط أردت التنبيه عليه لئلا يغتر به وذلك انه قال يمكن ان يكون هذا الحديث في قوم عرفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي أنهم خرجوا ببدعتهم عن الإسلام الى الكفر وهم الذين قتلهم علي بالنهروان حين قالوا انك ربنا فاغتاظ عليهم وأمر بهم فحرقوا بالنار فزادهم ذلك فتنة وقالوا الآن تيقنا انك ربنا إذ لا يعذب بالنار الا الله انتهى وقد تقدمت هذه القصة لعلي في الفتن وليست للخوارج وانما هي للزنادقة كما وقع مصرحا به في بعض طرقه ووقع في شرح الوجيز للرافعي عند ذكر الخوارج قال هم فرقة من المبتدعة خرجوا على علي حيث اعتقدوا انه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لرضاه بقتله ومواطأته إياهم ويعتقدون ان من اتى كبيرة فقد كفر واستحق الخلود في النار ويطعنون لذلك في الأئمة انتهى وليس الوصف الأول في كلامه وصف الخوارج المبتدعة وانما هو وصف النواصب اتباع معاوية بصفين واما الخوارج فمن معتقدهم تكفير عثمان وانه قتل بحق ولم يزالوا مع علي حتى وقع التحكيم بصفين فأنكروا التحكيم وخرجوا على علي وكفروه وقد تقدم القول فيهم مبسوطا في كتاب الفتن

قوله باب قول الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة كذا لأبي ذر وسقط لأكثرهم ليوم القيامة والموازين جمع ميزان وأصله موزان فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها واختلف في ذكره هنا بلفظ الجمع هل المراد ان لكل شخص ميزانا أو لكل عمل ميزان فيكون الجمع حقيقة أو ليس هناك الا ميزان واحد والجمع باعتبار تعدد الأعمال أو الأشخاص ويدل على تعدد الأعمال قوله تعالى ومن خفت موازينه ويحتمل أن يكون الجمع للتفخيم كما في قوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين مع انه لم يرسل إليهم الا واحد والذي يترجح انه ميزان واحد ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله لأن أحوال القيامة لا تكيف بأحوال الدنيا والقسط العدل وهو نعت الموازين وان كان مفردا وهي جمع لأنه مصدر قال الطبري القسط العدل وجعل وهو مفرد من نعت الموازين وهي جمع لأنه كقولك عدل ورضى وقال أبو إسحاق الزجاج المعنى ونضع الموازين ذوات القسط والقسط العدل وهو مصدر يوصف به يقال ميزان قسط وميزانان قسط وموازين قسط وقيل هو مفعول من أجله أي لأجل القسط واللام في قوله ليوم القيامة للتعليل مع حذف مضاف أي لحساب يوم القيامة وقيل هي بمعنى في كذا جزم به بن قتيبة واختاره بن مالك وقيل للتوقيت كقول النابغة توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع وحكى حنبل بن إسحاق في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل انه قال ردا على من أنكر الميزان ما معناه قال الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الميزان يوم القيامة فمن رد على النبي صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله عز وجل قوله وان أعمال بني آدم وقولهم يوزن كذا للأكثر وللقابسي وطائفة وأقوالهم بصيغة الجمع وهو المناسب للأعمال وظاهره التعميم لكن خص منه طائفتان فمن الكفار من لا ذنب له الا الكفر ولم يعمل حسنة فإنه يقع في النار من غير حساب ولا ميزان ومن المؤمنين من لا سيئة له وله حسنات كثيرة زائدة على محض الإيمان فهذا يدخل الجنة بغير حساب كما في قصة السبعين ألفا ومن شاء الله ان يلحقه بهم وهم الذين يمرون على السراط كالبرق الخاطف وكالريح وكأجاويد الخيل ومن عدا هذين من الكفار والمؤمنين يحاسبون وتعرض أعمالهم على الموازين ويدل على محاسبة الكفار ووزن اعمالهم قوله تعالى في سورة المؤمنين فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم الى قوله ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ونقل القرطبي عن بعض العلماء انه قال الكافر لا ثواب له وعمله مقابل بالعذاب فلا حسنة له توزن في موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو في النار واستدل بقوله تعالى فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وبحديث أبي هريرة وهو في الصحيح في الكافر لا يزن عند الله جناح بعوضة وتعقب انه مجاز عن حقارة قدره ولا يلزم منه عدم الوزن وحكى القرطبي في صفة وزن عمل الكافر وجهين أحدهما ان كفره يوضع في الكفة ولا يجد له حسنة يضعها في الأخرى فتطيش التي لا شيء فيها قال وهذا ظاهر الآية لأنه وصف الميزان بالخفة لا الموزون ثانيهما قد يقع منه العتق والبر والصلة وسائر أنواع الخير المالية مما لو فعلها المسلم لكانت له حسنات فمن كانت له حسنات جمعت ووضعت غير ان الكفر إذا قابلها رجح بها قلت ويحتمل ان يجازى بها عما يقع منه من ظلم العباد مثلا فان استوت عذب بكفره مثلا فقط والا زيد عذابه بكفره أو خفف عنه كما في قصة أبي طالب قال أبو إسحاق الزجاج اجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان وان أعمال العباد توزن يوم القيامة وان الميزان له لسان وكفتان ويميل بالأعمال وانكرت المعتزلة الميزان وقالوا هو عبارة عن العدل فخالفوا الكتاب والسنة لأن الله أخبر انه يضع الموازين لوزن الأعمال ليرى العباد أعمالهم ممثلة ليكونوا على أنفسهم شاهدين وقال بن فورك أنكرت المعتزلة الميزان بناء منهم على ان الاعراض يستحيل وزنها إذا لا تقوم بأنفسها قال وقد روى بعض المتكلمين عن بن عباس ان الله تعالى يقلب الأعراض اجساما فيزنها انتهى وقد ذهب بعض السلف الى ان الميزان بمعنى العدل والقضاء فأسند الطبري من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قال انما هو مثل كما يجوز وزن الأعمال كذلك يجوز الحط ومن طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال الموازين العدل والراجح ما ذهب اليه الجمهور وأخرج أبو القاسم اللالكائي في السنة عن سلمان قال يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السماوات والأرض ومن فيهن لوسعته ومن طريق عبد الملك بن أبي سليمان ذكر الميزان عند الحسن فقال له لسان وكفتان وقال الطيبي قيل انما توزن الصحف واما الأعمال فانها أعراض فلا توصف بثقل ولا خفة والحق عند أهل السنة ان الأعمال حينئذ تجسد أو تجعل في أجسام فتصير أعمال الطائعين في صورة حسنة وأعمال المسيئين في صورة قبيحة ثم توزن ورجح القرطبي ان الذي يوزن الصحائف التي تكتب فيها الأعمال ونقل عن بن عمر قال توزن صحائف الأعمال قال فإذا ثبت هذا فالصحف أجسام فيرتفع الاشكال ويقويه حديث البطاقة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وفيه فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة انتهى والصحيح ان الأعمال هي التي توزن وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه بن حبان عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن وفي حديث جابر رفعه توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال حبة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسانته مثقال حبة دخل النار قيل فمن استوت حسناته وسيئاته قال أولئك أصحاب الأعراف أخرجه خيثمة في فوائده وعند بن المبارك في الزهد عن بن مسعود نحوه موقوفا وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن حذيفة موقوفا ان صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السلام قوله وقال مجاهد القسطاس العدل بالرومية وصله الفريابي في تفسيره عن سفيان الثوري عن رجل عن مجاهد وعن ورقاء عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وزنوا بالقسطاس المستقيم قال هو العدل بالرومية وقال الطبري معنى قوله وزنوا بالقسطاس بالميزان وقال بن دريد مثله وزاد وهو رومي عرب ويقال قسطار بالراء آخره بدل السين وقال صاحب المشارق القسطاس أعدل الموازين وهو بكسر القاف وبضمها وقرىء بهما في المشهور قوله ويقال القسط مصدر المقسط وهو العادل واما القاسط فهو الجائر قال الفراء القاسطون الجائرون والمقسطون العادلون وقال الراغب القسط النصيب بالعدل كالنصف والنصفة والقسط بفتح القاف ان يأخذ قسط غيره وذلك جور والاقساط ان يعطي غيره قسطه وذلك انصاف ولذلك قيل قسط إذا جار وأقسط إذا عدل وقال صاحب المحكم القسط النصيب إذا تقاسموه بالسوية وقال الإسماعيلي متعقبا على قول البخاري القسط مصدر المقسط ما نصه القسط العدل ومصدر المقسط الاقساط يقال أقسط إذا عدل وقسط إذا جار ويرجعان الى معنى متقارب لأنه يقال عدل عن كذا إذا مال عنه وكذلك قسط إذ عدل عن الحق وأقسط كأنه لزم القسط وهو العدل قال الله تعالى وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وقال النبي صلى الله عليه وسلم المقسطون على منابر من نور انتهى وكان من حقه ان يستشهد للمعنى الثاني بالآية الأخرى وهي قوله تعالى ان الله يحب المقسطين وهي في المائدة وفي الحجرات والحديث الذي ذكره صحيح أخرجه مسلم وفي الصحيح عن أبي هريرة رفعه في ذكر عيسى بن مريم ينزل حكما مقسطا وفي الأسماء الحسنى المقسط قال الحليمي هو المعطي عباده القسط وهو العدل من نفسه وقد يكون معناه المعطي لكل منهم قسطا من خيره وقوله كأنه لزم القسط يشير الى ان الهمزة فيه للسلب وبذلك جزم صاحب النهاية وذكر بن القطاع ان قسط من الأضداد وقد أجاب بن بطال عن اعتراض من اعترض على قول البخاري مصدر المقسط فقال أراد بالمصدر ما حذفت زوائده كقول الشاعر وان أهلك فذلك حين قدري أي تقديري فرده الى أصله وانما تحذف العرب الزوائد لترد الكلمة الى أصلها واما المصدر المقسط الجاري على فعله فهو الاقساط وقال الكرماني المراد بالمصدر المحذوف الزوائد نظرا الى أصله فهو مصدر مصدره إذ لا خفاء ان المصدر الجاري على فعله هو الاقساط فان قيل المزيد لا بد أن يكون من جنس المزيد عليه قلت اما ان يكون من القسط بالكسر واما ان يكون من القسط بالفتح الذي هو بمعنى الجور والهمزة للسلب والازالة

[ 7124 ] قوله حدثنا أحمد بن أشكاب بكسر الهمزة وسكون المعجمة وآخره موحدة غير منصرف لأنه أعجمي وقيل بل عربي فينصرف وهو لقب واسمه مجمع وقيل معمر وقيل عبيد الله وكنية أحمد أبو عبد الله وهو الصفار الحضرمي نزيل مصر قال البخاري آخر ما لقيته بمصر سنة سبع عشرة وأرخ بن حبان وفاته فيها وقال بن يونس مات سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة قلت وليس بينه وبين علي بن أشكاب ولا محمد بن أشكاب قرابة قوله حدثنا محمد بن فضيل أي بن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي ولم أر هذه الحديث الا من طريقه بهذا الإسناد وقد تقدم في الدعوات وفي الإيمان والنذور وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان كلهم من طريقه قال الترمذي حسن صحيح غريب قلت وجه الغرابة فيه ما ذكرته من تفرد محمد بن فضيل وشيخه وشيخ شيخه وصحابيه قوله عن عمارة في رواية قتيبة عن بن فضيل حدثنا عمارة وقد تقدمت في الإيمان والنذور قوله كلمتان حبيبتان الى الرحمن كذا في هذه الرواية بتقديم حبيبتان وتأخير ثقيلتان وقد تقدم في الدعوات وفي الإيمان والنذور بتقديم خفيفتان وتأخير حبيبتان وهي رواية مسلم عن زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبي كريب ومحمد بن طريف وكذا عند الباقين ممن تقدم ذكره ومن سيأتي عن شيوخهم وفي قوله كلمتان إطلاق كلمة على الكلام وهو مثل كلمة الإخلاص وكلمة الشهادة وقوله كلمتان هو الخبر وحبيبتان وما بعدها صفة والمبتدأ سبحان الله الى آخره والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع الى المبتدأ وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقا وقوله حبيبتان أي محبوبتان والمعنى محبوب قائلهما ومحبة الله للعبد تقدم معناها في كتاب الرقاق وقوله ثقيلتان في الميزان هو موضع الترجمة لأنه ومطابقه لقوله وان أعمال بني آدم توزن قال الكرماني فان قيل فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا سيما إذا كان موصوفه معه فلم عدل عن التذكير الى التأنيث فالجواب ان ذلك جائز لا واجب وأيضا فهو في المفرد لا المثنى سلمنا لكن أنث لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين أو لأنها بمعنى الفاعل لا المفعول والتاء لنقل اللفظة من الوصفية الى الأسمية وقد يطلق على ما لم يقع لكنه متوقع كمن يقول خذ ذبيحتك للشاة التي لم تذبح فإذا وقع عليها الفعل فهي ذبيح حقيقة وخص لفظ الرحمن بالذكر لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الكثير قوله خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب وفي هذه الألفاظ الثلاثة سجع مستعذب وقد تقدم في الدعوات بيان الجائز منه والمنهي عنه وكذا في الحدود في حديث سجع كسجع الكهان والحاصل ان المنهي عنه ما كان متكلفا أو متضمنا لباطل لا ما جاء عفوا عن غيره قصد اليه وقوله خفيفتان فيه إشارة الى قلة كلامهما وأحرفهما ورشاقتهما قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة وشبه سهولة جريانها على اللسان بما خف على الحامل من بعض الأمتعة فلا تتعبه كالشيء الثقيل وفيه إشارة الى أن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة وهذه سهلة عليها مع أنها تثقل الميزان كثقل الشاق من التكاليف وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت فلا يحملنك خفتها على ارتكابها قوله سبحان الله تقدم معناه في باب فضل التسبيح من كتاب الدعوات قوله وبحمده قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسا بحمدي له من أجل توفيقه وقيل عاطفة والتقدير أسبح الله وأتلبس بحمده ويحتمل أن يكون الحمد مضافا للفاعل والمراد من الحمد لازمه أو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه ويحتمل ان تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم والتقدير واثنى عليه بحمده فيكون سبحان الله جملة مستقلة وبحمده جملة أخرى وقال الخطابي في حديث سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أي بقوتك التي هي نعمة توجب علي حمدك سبحتك لا بحولي وبقوتي كأنه يريد أن ذلك مما أقيم فيه السبب مقام المسبب واتفقت الروايات عن محمد بن فضيل على ثبوت وبحمده الا أن الإسماعيلي قال بعد أن أخرجه من رواية زهير بن حرب وأحمد بن عبدة وأبي بكر بن أبي شيبة والحسين بن علي بن الأسود عنه لم يقل أكثرهم وبحمده قلت وقد ثبت من رواية زهير بن حرب عند الشيخين وعند مسلم عن بقية من سميت من شيوخه والترمذي عن يوسف بن عيسى والنسائي عن محمد بن آدم وأحمد بن حرب وابن ماجة عن علي بن محمد وعلي بن المنذر وأبو عوانة عن محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي وابن حبان أيضا من رواية محمد بن عبد الله بن نمير كلهم عن محمد بن فضيل كأنها سقطت من رواية أبي بكر وأحمد بن عبدة والحسين قوله سبحان الله العظيم هكذا عند الأكثر بتقديم سبحان الله وبحمده على سبحان الله العظيم وتقدم في الدعوات عن زهير بن حرب بتقديم سبحان الله العظيم على سبحان الله وبحمده وكذا هو عند أحمد بن حنبل عن محمد بن فضيل وكذا عند جميع من سميته قبل وقد وقع لي بعلو في كتاب الدعاء لمحمد بن فضيل من رواية علي بن المنذر عنه بثبوت وبحمده وتقديم سبحان الله وبحمده قال بن بطال هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر انما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام فلا تظن ان من ادمن الذكر وأصر على ما شاءه من شهواته وانتهك دين الله وحرماته انه يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح قال الكرماني صفات الله وجودية كالعلم والقدرة وهي صفات الاكرام وعدمية كلا شريك له ولا مثله وهي صفات الجلال فالتسبيح إشارة الى صفات الجلال والتحميد إشارة الى صفات الاكرام وترك التقييد مشعر بالتعميم والمعنى أنزهه عن جميع النقائص واحمده بجميع الكمالات قال والنظم الطبيعي يقتضي تقديم التحلية على التخلية فقدم التسبيح الدال على التخلي على التحميد الدال على التحلي وقدم لفظ الله لأنه اسم الذات المقدسة الجامع لجميع الصفات والأسماء الحسنى ووصفه بالعظيم لأنه الشامل لسلب ما لا يليق به واثبات ما يليق به إذ العظمة الكاملة مستلزمة لعدم النظير والمثيل ونحو ذلك وكذا العلم بجميع المعلومات والقدرة على جميع المقدورات ونحو ذلك وذكر التسبيح متلبسا بالحمد ليعلم ثبوت الكمال له نفيا واثباتا وكرره تأكيدا ولأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثر من جهة كثرة المخالفين ولهذا جاء في القرآن بعبارات مختلفة نحو سبحان وسبح بلفظ الأمر وسبح بلفظ الماضي ويسبح بلفظ المضارع ولأن التنزيهات تدرك بالعقل بخلاف الكمالات فانها تقصر عن إدراك حقائقها كما قال بعض المحققين الحقائق الإلهية لا تعرف الا بطريق السلب كما في العلم لا يدرك منه الا انه ليس بجاهل واما معرفة حقيقة علمه فلا سبيل اليه وقال شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني في كلامه على مناسبة أبواب صحيح البخاري الذي نقلته عنه في أواخر المقدمة لما كان أصل العصمة أولا وآخرا هو توحيد الله فختم بكتاب التوحيد وكان آخر الأمور التي يظهر بها المفلح من الخاسر ثقل الموازين وخفتها فجعله آخر تراجم الكتاب فبدأ بحديث الأعمال بالنيات وذلك في الدنيا وختم بأن الأعمال توزن يوم القيامة وأشار الى انه انما يثقل منها ما كان بالنية الخالصة لله تعالى وفي الحديث الذي ذكره ترغيب وتخفيف وحث على الذكر المذكور لمحبة الرحمن له والخفة بالنسبة لما يتعلق بالعمل والثقل بالنسبة لإظهار الثواب وجاء ترتيب هذا الحديث على أسلوب عظيم وهو ان حب الرب سابق وذكر العبد وخفة الذكر على لسانه تال ثم بين ما فيهما من الثواب العظيم النافع يوم القيامة انتهى ملخصا وقال الكرماني تقدم في أول كتاب التوحيد بيان ترتيب أبواب الكتاب وان الختم بمباحث كلام الله لأنه مدار الوحي وبه تثبت الشرائع ولهذا افتتح ببدء الوحي والانتهاء الى ما منه الابتداء ونعم الختم بها ولكن ذكر هذا الباب ليس مقصودا بالذات بل هو لإرادة ان يكون آخر الكلام التسبيح والتحميد كما انه ذكر حديث الأعمال بالنيات في أول الكتاب لإرادة بيان اخلاصه فيه كذا قال والذي يظهر انه قصد ختم كتابه بما دل على وزن الأعمال لأنه آخر آثار التكليف فإنه ليس بعد الوزن الا الاستقرار في أحد الدارين الى ان يريد الله إخراج من قضى بتعذيبه من الموحدين فيخرجون من النار بالشفاعة كما تقدم بيانه قال الكرماني وأشار أيضا الى انه وضع كتابه قسطاسا وميزانا يرجع اليه وانه سهل على من يسره الله تعالى عليه وفيه اشعار بما كان عليه المؤلف في حالتيه أولا وآخرا تقبل الله تعالى منه وجزاه أفضل الجزاء قلت وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحث على ادامة هذا الذكر وقد تقدم في باب فضل التسبيح من وجه آخر عن أبي هريرة حديث آخر لفظه من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وإذا ثبت هذا في قول سبحان الله وبحمده وحدها فإذا انضمت إليها الكلمة الأخرى فالذي يظهر انها تفيد تحصيل الثواب الجزيل المناسب لها كما ان من قال الكلمة الأولى وليست له خطايا مثلا فإنه يحصل له من الثواب ما يوازن ذلك وفيه إيراد الحكم المرغب في فعله بلفظ الخبر لأن المقصود من سياق هذا الحديث الأمر بملازمة الذكر المذكور وفيه تقديم المبتدأ على الخبر كما مضى في قوله كلمتان وفيه من البديع المقابلة والمناسبة والموازنة في السجع لأنه قال حبيبتان الى الرحمن ولم يقل للرحمن لموازنة قوله على اللسان وعدى كلا من الثلاثة بما يليق به وفيه إشارة امتثال قوله تعالى وسبح بحمد ربك وقد أخبر الله تعالى عن الملائكة في عدة آيات انهم يسبحون بحمد ربهم وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أي الكلام أحب الى الله قال ما اصطفى الله لملائكته سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده وفي لفظ له ان احب الكلام الى الله سبحانه سبحان الله وبحمده خاتمة اشتمل كتاب التوحيد من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وخمسة وأربعين حديثا المعلق منها وما في معناه من المتابعة خمسة وخمسون طريقا والباقي موصول المكرر منها فيه وفيما مضى معظمها والخالص منها أحد عشر حديثا انفرد عن مسلم بأكثرها وأخرج مسلم منها حديث عائشة في أمر السرية في ذكر قل هو الله أحد وحديث أبي هريرة اذنب عبد من عبادي ذنبا وحديثه إذا تقرب العبد مني شبرا وحديثه يقول الله عز وجل انا عند ظن عبدي بي وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ستة وثلاثون أثرا فجميع ما في الجامع من الأحاديث بالمكرر موصولا ومعلقا وما في معناه من المتابعة تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثا وجميع ما فيه موصولا ومعلقا بغير تكرار الفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثا فمن ذلك المعلق وما في معناه من المتابعة مائة وستون حديثا والباقي موصول وافقه مسلم على تخريجها سوى ثمانمئة وعشرين حديثا وقد بينت ذلك مفصلا في آخر كل كتاب من كتب هذا الجامع وجمعت ذلك هنا تنبيها على وهم من زعم ان عدده بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا وان عدده بغير المكرر أربعة آلاف أو نحو أربعة آلاف وقد أوضحت ذلك مفصلا في أواخر المقدمة وذلك كله خارج عما أودعه في تراجم الأبواب من ألفاظ الحديث من غير تصريح بما يدل على انه حديث مرفوع كما نبهت على كل موضع من ذلك في بابه كقوله باب اثنان فما فوقهما جماعة فإنه لفظ حديث أخرجه بن ماجة وفيه من الآثار الموقوفة على أصحابه فمن بعدهم ألف وستمائة وثمانية آثار وقد ذكرت تفاصيلها أيضا عقب كل كتاب ولله الحمد في الكتاب آثار كثيرة لم يصرح بنسبتها لقائل مسمى ولا مبهم خصوصا في التفسير وفي التراجم فلم يدخل في هذه العدة وقد نبهت عليها أيضا في اماكنها ومما اتفق له من المناسبات التي لم أر من نبه عليها انه يعتني غالبا بأن يكون في الحديث الأخير من كل كتاب من كتب هذا الجامع مناسبة لختمه ولو كانت الكلمة في أثناء الحديث الأخير أو من الكلام عليه كقوله في آخر حديث بدء الوحي فكان ذلك آخر شأن هرقل وقوله في آخر كتاب الإيمان ثم استغفر ونزل وفي آخر كتاب العلم وليقطعهما حتى يكون تحت الكعبين وفي آخر كتاب الوضوء واجعلهن آخر ما تكلم به وفي آخر كتاب الغسل وذلك الأخير انما بيناه لاختلافهم وفي آخر كتاب التيمم عليك بالصعيد فإنه يكفيك وفي آخر كتاب الصلاة استئذان المرأة زوجها في الخروج وفي آخر كتاب الجمعة ثم تكون القائلة وفي آخر كتاب العيدين لم يصل قبلها ولا بعدها وفي آخر الاستسقاء بأي أرض تموت وفي آخر تقصير الصلاة وان كنت نائمة اضطجعي وفي آخر التهجد والتطوع وبعد العصر حتى تغرب وفي آخر العمل في الصلاة فأشار إليهم ان اجلسوا فلما انصرف وفي آخر كتاب الجنائز فنزلت تبت يدا أبي لهب وتب وهو من التباب ومعناه الهلاك وفي آخر الزكاة صدقة الفطر ولها دخول في الآخرية من جهة كونها تقع في آخر رمضان مكفرة لما مضى وفي آخر الحج واجعل موتي في بلد رسولك وفي آخر الصيام ومن لم يكن أكل فليصم وفي آخر الاعتكاف ما انا بمعتكف فرجع وفي آخر البيع والاجارة حتى أجلاهم عمر وفي آخر الحوالة فصلى عليه وفي آخر الكفالة من ترك مالا فلورثته وفي آخر المزارعة ما نسيت من مقالتي تلك الى يومي هذا شيئا وفي آخر الملازمة حتى أموت ثم ابعث وفي آخر الشرب فشرب حتى رضيت وفي آخر المظالم فكسروا صومعته وأنزلوه وفي آخر الشركة أفنذبح بالقصب وفي آخر الرهن أولئك لا خلاق لهم في الآخرة وفي آخر العتق الولاء لمن اعتق وفي آخر الهبة ولا تعد في صدقتك وفي آخر الشهادات لأتوهما ولو حبوا وفي آخر الصلح قم فاقضه وفي آخر الشروط لا تباع ولا توهب ولا تورث وفي آخر الجهاد قدمت فقال صل ركعتين وفي آخر فرض الخمس حرمها البتة وفي آخر الجزية والموادعة فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وفي آخر بدء الخلق وأحاديث الأنبياء قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها وفي آخر المناقب توفيت خديجة رضي الله عنها قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخر الهجرة فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام المغازي الوفاة النبوية وما يتعلق بها وفي آخر التفسير تفسير المعوذتين وفي آخر فضائل القرآن اختلفوا فأهلكوا وفي آخر النكاح فلا يمنعني من التحرك وفي آخر الطلاق وتعفو أثرة وفي آخر اللعان أبعد لك منها وفي آخر النفقات أعتقها أبو لهب وفي آخر الأطعمة وانزل الحجاب وفي آخر الذبائح والأضاحي حتى تنفر من منى وفي آخر الأشربة وتابعه سعيد بن المسيب عن جابر وفي آخر المرضى وانقل حماها وفي آخر الطب ثم ليطرحه وفي آخر اللباس إحدى رجليه على الأخرى وفي آخر الأدب فليرده ما استطاع وفي آخر الاستئذان منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخر الدعوات كراهية السآمة علينا وفي آخر الرقاق أن نرجع على أعقابنا وفي آخر القدر إذا أرادوا فتنة أبينا وفي آخر الإيمان والنذور إذا سهم غابر فقتله وفي آخر الكفارة وكفر عن يمينك وفي آخر الحدود ان شاء عذبه وان شاء غفر له وفي آخر المحاربين اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة وفي آخر الإكراه يحجزه عن الظلم وفي آخر تعبير الرؤيا تجاوز الله عنهم وفي آخر الفتن أنهلك وفينا الصالحون وفي آخر الاحكام فاعتمرت بعد أيام الحج وفي آخر الاعتصام سبحانك هذا بهتان عظيم والتسبيح مشروع في الختام فلذلك ختم به كتاب التوحيد والحمد لله بعد التسبيح آخر دعوى أهل الجنة قال الله تعالى دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين وقد ورد في حديث أبي هريرة في ختم المجلس ما أخرجه الترمذي في الجامع والنسائي في اليوم والليلة وابن حبان في صحيحه والطبراني في الدعاء والحاكم في المستدرك كلهم من رواية حجاج بن محمد عن بن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال أقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس وكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا أنت أستغفرك وأتوب إليك الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك هذا لفظ الترمذي وقال حسن صحيح غريب لا نعرفه من حديث سهيل الا من هذا الوجه وفي الباب عن أبي برزة وعائشة وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم الا ان البخاري أعله برواية وهيب عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن كعب الأحبار كذا قال في المستدرك ووهم في ذلك فليس في هذا السند ذكر لوالد سهيل ولا كعب والصواب عن سهيل عن عون وكذا ذكره على الصواب في علوم الحديث فإنه ساقه فيه من طريق البخاري عن محمد بن سلام عن مخلد بن يزيد عن بن جريج بسنده ثم قال قال البخاري هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الا انه معلول حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قوله قال البخاري هذا أولى فانا لا نذكر لموسى بن عقبة سماعا من سهيل انتهى وأخرجه البيهقي في المدخل عن الحاكم بسنده المذكور في علوم الحديث عن البخاري فقال عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين كلاهما عن حجاج بن محمد وساق كلام البخاري لكن قال لا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا غير هذا الحديث الا انه معلول وقوله لا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا هو المنقول عن البخاري لا قوله لا أعلم في الدنيا في هذا الباب فان في الباب عدة أحاديث لا تخفى على البخاري وقد ساق الخليل في الإرشاد هذه القصة عن غير الحاكم وذكر فيها ان مسلما قال للبخاري أتعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا فقال لا الا انه معلول ثم ذكره عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قوله وهو موافق لما في علوم الحديث في سند التعليل لا في قوله في هذا الباب فهو موافق لرواية البيهقي في قوله بهذا الإسناد وكأن الحاكم وهم في هذه اللفظة وهي قوله في هذا الباب وانما هي بهذا الإسناد وهو كما قال لأن هذا الإسناد وهو بن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل لا يوجد الا في هذا المتن ولهذا قال البخاري لا أعلم لموسى سماعا من سهيل يعني انه إذا لم يكن معروفا بالأخذ عنه وجاءت عنه رواية خالف راويها وهو بن جريج من هو أكثر ملازمة لموسى بن عقبة منه رجحت رواية الملازم فهذا يوجبه تعليل البخاري واما من صححه فإنه لا يرى هذا الاختلاف علة قادحه بل يجوز انه عند موسى بن عقبة على الوجهين وقد سبق البخاري الى تعليل هذه الرواية أحمد بن حنبل فذكر الدارقطني في العلل عنه انه قال حديث بن جريج وهم والصحيح قول وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله قال الدارقطني والقول قول أحمد وعلى ذلك جرى أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان قال بن أبي حاتم في العلل سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا هذا خطأ رواه وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله موقوفا وهذا أصح قال أبو حاتم يحتمل ان يكون الوهم من بن جريج ويحتمل ان يكون من سهيل انتهى وقد وجدناه من رواية أربعة عن سهيل غير موسى بن عقبة ففي الافراد للدارقطني من طريق عاصم بن عمرو وسليمان بن بلال وفي الذكر لجعفر الفريابي من طريق إسماعيل بن عياش وفي الدعاء للطبراني من طريق محمد بن أبي حميد أربعتهم عن سهيل والراوي عن عاصم وسليمان هو الواقدي وهو ضعيف وكذا محمد بن أبي حميد واما إسماعيل فان روايته عن غير الشاميين ضعيفة وهذا منها وقد قال أبو حاتم هذه الرواية ما أدري ما هي ولا أعلم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من طريق أبي هريرة الا من رواية موسى عن سهيل انتهى وقد أخرجه أبو داود في السنن وابن حبان في صحيحه والطبراني في الدعاء من طريق بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا وعن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد المقبري عن عبد الله بن عمرو موقوفا وذكر شيخنا شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الحافظ في النكت التي جمعها على علوم الحديث لابن الصلاح ان هذا الحديث ورد من رواية جماعة من الصحابة عدتهم سبعة زائدة على من ذكر الترمذي وأحال ببيان ذلك على تخريجه لأحاديث الاحياء وقد تتبعت طرقه فوجدته من رواية خمسة آخرين فكملوا خمسة عشر نفسا ومعهم صحابي لم يسم فلم أضفه الى العدد لاحتمال ان يكون أحدهم وقد خرجت طرقه فيما كتبته على علوم الحديث وأذكره هنا ملخصا وهم عبد الله بن عمرو بن العاص وحديثه عند الطبراني في المعجم الكبير أخرجه موقوفا وعند أبي داود أخرجه موقوفا كما تقدم التنبيه عليه وأبو برزة الأسلمي وحديثه عند أبي داود والنسائي والدارمي وسنده قوي وجبير بن مطعم وحديثه عند النسائي وابن أبي عاصم ورجاله ثقات والزبير بن العوام وحديثه عند الطبراني في المعجم الصغير وسنده ضعيف وعبد الله بن مسعود وحديثه عند بن عدي في الكامل وسنده ضعيف والسائب بن يزيد وحديثه عند الطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير وسنده صحيح وأنس بن مالك وحديثه عند الطحاوي والطبراني وسنده ضعيف وعائشة وحديثها عند النسائي وسنده قوي وأبو سعيد الخدري وحديثه في كتاب الذكر لجعفر الفريابي وسنده صحيح الا انه لم يصرح برفعه وأبو امامة وحديثه عند أبي يعلى وابن السني وسنده ضعيف ورافع بن خديج وحديثه عند الحاكم والطبراني في الصغير ورجاله موثوقون الا انه اختلف على راوية في سنده وأبي بن كعب ذكره أبو موسى المديني ولم أقف على سنده ومعاوية ذكره أبو موسى أيضا وأشار الى انه وقع في بعض رواته تصحيف وأبو أيوب الأنصاري وحديثه في الذكر للفريابي أيضا وفي سنده ضعف يسير وعلي بن أبي طالب وحديثه عند أبي علي بن الأشعث في السنن المروية عن أهل البيت وسنده واه وعبد الله بن عمر وحديثه في الدعوات من مستدرك الحاكم وحديث رجل من الصحابة لم يسم أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي معشر زياد بن كليب قال حدثنا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ورجاله ثقات ووقع لي مع ذلك من مراسيل جماعة من التابعين منهم الشعبي وروايته عند جعفر الفريابي في الذكر ويزيد الفقير وروايته في الكنى لأبي بشر الدولابي وجعفر أبو سلمة وروايته في الكنى للنسائي ومجاهد وعطاء ويحيى بن جعدة ورواياتهم في زيادات البر والصلة للحسين بن الحسن المروزي وحسان بن عطية وحديثه في ترجمته في الحلية لأبي نعيم وأسانيد هذه المراسيل جياد وفي بعض هذا ما يدل على ان للحديث أصلا وقد استوعبت طرقها وبينت اختلاف أسانيدها وألفاظ متونها فيما علقته على علوم الحديث لابن الصلاح في الكلام على الحديث المعلول ورأيت ختم هذا الفتح بطريق من طرق هذا الحديث مناسبة للختم أسوقها بالسند المتصل العالي بالسماع والاجازة الى منتهاه قرأت على الشيخ الامام العدل المسند المكثر الفقيه شهاب الدين أبي العباس أحمد بن الحسن بن محمد بن محمد بن زكريا القدسي الزينبي بمنزله ظاهر القاهرة أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر الأيوبي أنبأنا إسماعيل بن عبد المنعم بن الخيمي أنبأنا أبو بكر بن عبد العزيز بن أحمد بن باقا أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر أنبأنا عبد الرحمن بن حمد ح وقرأته عاليا على الشيخ الامام المقرىء المفتي العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن كامل عن أيوب بن نعمة النابلسي سماعا عليه أنبأنا إسماعيل بن أحمد العراقي عن عبد الرزاق بن إسماعيل القومسي أنبأنا عبد الرحمن بن حمد الدو أنبأنا أبو نصر أحمد بن الحيسن الكسار أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ المعروف بأن السني أنبأنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي أنبأنا محمد بن إسحاق هو الصغاني حدثنا أبو مسلم منصور بن سلمة الخزاعي حدثنا خلاد بن سليمان هو الحضرمي عن خالد بن أبي عمران عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات فسألته عن ذلك فقال ان تكلم بكلام خير كان طابعا عليه يعني خاتما عليه الى يوم القيامة وان تكلم بغير ذلك كانت كفارة له سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا أنت أستغفرك وأتوب إليك والله أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين لم بإحسان وسلم تسلميا كثير