كتاب صلاة المسافرين وقصرها
 كتاب صلاة المسافرين وقصرها

باب صلاة المسافرين وقصرها

حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنّهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الْحَضَرِ وَالسّفَرِ. فَأُقِرّتْ صَلاَةُ السّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ و حرمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: حَدّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَرَضَ الله الصّلاَةَ، حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ أَتَمّهَا فِي الْحَضَرِ. فَأُقِرّتْ صَلاَةُ السّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الأُولَىَ.
وحدّثني عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ الصّلاَةَ أَوّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ. فَأُقِرّتْ صَلاَةُ السّفَرِ وَأُتِمّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ.
قَالَ الزّهْرِيّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمّ فِي السّفَرِ؟ قَالَ: إِنّهَا تَأَوّلَتْ كَمَا تَأَوّلَ عُثْمَانُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَىَ بْنِ أُمَيّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الّذِينَ كَفَرُوا} (النساء الاَية: 1) فَقَدْ أَمِنَ النّاسُ فَقَالَ: عَجِبْتُ مّا عَجِبْتَ مِنْهُ. فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدّقَ الله بِهَا عَلَيْكُمْ. فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ الرَحْمَنِ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي عَمّارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَابَيْهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: إنّ فَرَضَ اللّهُ الصّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَضَرِ أَرْبَعاً، وَفِي السّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. جَمِيعاً عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيّ حَدّثَنَا أَيّوبُ بْنُ عَائِذٍ الطّائِيّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: إِنّ الله فَرَضَ الصّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم. عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ، وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعاً، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَة الْهُذَلِيّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ: كَيْفَ أُصَلّي إِذَا كُنْتُ بِمَكّةَ، إِذَا لَمْ أُصَلّ مَعَ الإِمَامِ، فَقَالَ: رَكْعَتَيْنِ. سُنّةَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضّرِيرُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا أَبِي جَمِيعاً عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثنا عَبدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكّةَ. قَالَ فَصَلّى لَنَا الظّهْرَ رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ. حَتّى جَاءَ رَحْلَهُ. وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ. فَحَانَتْ مِنْهُ الْتَفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلّى. فَرَأَى نَاساً قِيَاماً. فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبّحُونَ. قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبّحاً لأَتْمَمْتُ صَلاَتِي. يَا ابْنَ أَخِي إِنّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السّفَرِ. فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ الله. وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ الله. وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ الله. ثُمّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتّى قَبَضَهُ الله. وَقَدْ قَالَ الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب الاَية: ).
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ) عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضاً. فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ يَعُودُنِي. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ السّبْحَةِ فِي السّفَرِ؟ فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السّفَرِ. فَمَا رَأَيْتُهُ يُسَبّحُ. وَلَوْ كُنْتُ مُسَبّحاً لأَتْمَمْتُ. وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب الاَية: ).
حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ). ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ يَعقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبةَ عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّى الظّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعاً. وَصَلّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا سُفْيَان. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ. سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الظّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعاً. وَصَلّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. كِلاَهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصّلاَةِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ، مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ (شُعْبَةُ الشّاكّ) صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَهْدِيَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً. فَصلّىَ رَكْعَتَيْنِ. فَقُلْتُ لَهُ. فَقَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ صَلّىَ بِذِي الْخلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. فَقُلْتُ لَهُ. فَقَالَ: إِنّمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: عَنِ ابْنِ السّمْطِ. وَلَمْ يُسَمّ شُرَحْبِيلَ. وَقَالَ: إِنّهُ أَتَىَ أَرْضَاً يُقَالُ لَهَا دُوْمِين مِنْ حِمْصَ. عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَىَ مَكّةَ. فَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. حَتّى رَجَعَ قُلْتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكّةَ؟ قَالَ: عَشْرَاً.
وحدّثناه قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَة. قَالَ حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَقَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحجّ. ثُمّ ذَكَرَ مِثْلَهُ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. جَمِيعاً عَنِ الثّوْرِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَجّ.
قولها: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرب صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" اختلف العلماء في القصر في السفر فقال الشافعي ومالك بن أنس وأكثر العلماء: يجوز القصر والإتمام والقصر أفضل، ولنا قول أن الإتمام أفضل ووجه أنهما سواء، والصحيح المشهور أن القصر أفضل، وقاله أبو حنيفة وكثيرون: القصر واجب ولا يجوز الإتمام ويحتجون بهذا الحديث، وبأن أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان القصر، واحتج الشافعي وموافقوه بالأحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم القاصر، ومنهم المتم، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان يتم وكذلك عائشة وغيرها وهو ظاهر قول الله عز وجل: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة. وأما حديث: "فرضت الصلاة ركعتين" فمعناه فرضت ركعتين لمن أراد الإقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الإقتصار وثبتت دلائل جواز الإتمام فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع. قوله: "فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر؟ فقال إنها تأولت كما تأول عثمان" اختلف العلماء في تأويلهما، فالصحيح الذي عليه المحققون أنهما رأيا القصر جائزاً والإتمام جائزاً فأخذا بأحد الجائزين وهو الإتمام. وقيل: لأن عثمان إمام المؤمنين وعائشة أمهم فكأنهما في منازلهما، وأبطله المحققون بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك منهما، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: لأن عثمان تأهل بمكة وأبطلوه بأن النبي صلى الله عليه وسلم سافر بأزواجه وقصر، وقيل: فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتان أبداً حضراً وسفراً، وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر مما كان، وقيل: لأن عثمان نوى الإقامة بمكة بعد الحج، وأبطلوه بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث، وقيل: كان لعثمان أرض بمنى وأبطلوه بأن ذلك لا يقتضي الإتمام والإقامة والصواب الأول، ثم مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وشرط بعض السلف كونه سفر خوف، وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو غزو، وبعضهم كونه سفر طاعة، قال الشافعي ومالك وأحمد والأكثرون: ولا يجوز في سفر المعصية، وجوزه أبو حنيفة والثوري. ثم قال الشافعي ومالك وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم: لا يجوز القصر إلا في مسيرة مرحلتين قاصدتين وهي ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية، والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربع وعشرون إصبعاً معترضة معتدلة، والإصبع ست شعيرات معترضات معتدلات. وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل. وروي عن عثمان وابن مسعود وحذيفة، وقال داود وأهل الظاهر: يجوز في السفر الطويل والقصير حتى لو كان ثلاثة أميال قصر.
قوله: (عن عبد الله بن بابيه) هو بباء موحدة ثم ألف ثم موحدة أخرى مفتوحة ثم مثناة تحت، ويقال فيه بن باباه وابن بابي بكسر الباء الثانية. قوله: (عجبت ما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته) هكذا هو في بعض الأصول ما عجبت، وفي بعضها عجبت مما عجبت وهو المشهور المعروف، وفيه جواز قول تصدق الله علينا، واللهم تصدق علينا، وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر، وقد أوضحته في واخر كتاب الأذكار، وفيه جواز القصر في غير الخوف، وفيه أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئاً يشكل عليه يسأله عنه والله أعلم.
قوله: "عن ابن عباس قال: فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة" هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن والضحاك وإسحاق بن راهويه. وقال الشافعي ومالك والجمهور: إن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، فإن كانت في الحضر وجب أربع ركعات، وإن كانت في السفر وجب ركعتان، ولا يجوز الإقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال، وتأولوا حديث ابن عباس هذا، على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفرداً كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف، وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة والله أعلم. قوله: "حدثنا أيوب بن عائذ" هو بالذال المعجمة.
قوله: "حتى جاء رحله" أي منزله. قوله: "فحانت منه التفاتة" أي حضرت وحصلت. قوله: "لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي" المسبح هنا المتنفل بالصلاة، والسبحة هنا صلاة النفل. وقوله: "لو كنت مسبحاً لأتممت" معناه لو اخترت التنفل لكان إتمام فريضتي أربعاً أحب إلي ولكني لا أرى واحداً منهما بل السنة القصر وترك التنفل، ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر وغيرها من المكتوبات. وأما النوافل المطلقة فقد كان ابن عمر يفعلها في السفر، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلها كما ثبت في مواضع من الصحيح عنه، وقد اتفق العلماء على استجحباب النوافل المطلقة في السفر، واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فكرهها ابن عمر وآخرون واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور، ودليله الأحاديث المطلقة في ندب الرواتب، وحديث: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى يوم الفتح بمكة" وركعتي الصبيح حين ناموا حتى طلعت الشمس، وأحاديث أخر صحيحة ذكرها أصحاب السنن، والقياس على لنوافل المطلقة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر فإن النافلة في البيت أفضل، أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيه على جواز تركها، وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أولى، فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها. وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف فالرفق أن تكون مشروعة، ويتخير إن شاء فعلها وحصل ثوابها وإن شاء تركها ولا شيء عليه. قوله في حديث حفص بن عاصم عن ابن عمر: "ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله" وذكر مسلم بعد هذا في حديث ابن عمر قال: ومع عثمان صدراً من خلافته ثم أتمها. وفيرواية ثمان سنين أو ست سنين، وهذا هو المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته، وتأول العلماء هذه الرواية، على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منى، والروايات المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة، وقد فسر عمران بن الحصين في روايته أن إتمام عثمان إنما كان بمنى، وكذا ظاهر الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا. واعلم أن القصر مشروع بعرفات ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها، ولا يجوز لأهل مكة ومن كان دون مسافة القصر، هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين. وقال مالك: يقصر أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفات، فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسك وعند الجمهور علته السفر والله أعلم.
قوله: "صلى الظهر بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين" وبين المدينة وذي الحليفة ستة أميال ويقال سبعة، هذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره، وقال الجمهور: لا يجوز القصر إلا في سفر يبلغ مرحلتين. وقال أبو حنيفة وطائفة: شرطه ثلاث مراحل، واعتمدوا في ذلك آثاراً عن الصحابة. وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر لأن المراد أنه حين سافر صلى الله عليه وسلم إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعاً، ثم سافر فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية سفره فلا دلالة فيه قطعاً، وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام، هذا جملة القول فيه وتفصيله مشهور في كتب الفقه، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا رواية ضعيفة عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال، وحكي عن عطاء وجمعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه. وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل، وهذه الروايات كلها منابذة للسنة وإجماع السلف والخلف.
قوله: (يحيى بن يزيد الهنائي) هم بضم الهاء وبعدها نون مخففة وبالمد المنسوب إلى هناء بن مالك بن فهم قاله السمعاني. قوله: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين" هذا ليس على سبيل إِلاشتراط، وإنما وقع بحسب الحاجة لأن الظاهر من أسفاره صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يسافر سفراً طويلاً، فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها، وإنما كان يسافر بعيداً من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصليها حينئذ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فإنه حينئذ يسمى مسافراً والله أعلم.
قوله: "وحدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلاً فصلى ركعتين فقلت له: رأيت عمر رضي الله عنه صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له: فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل" هذا الحديث فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض يزيد بن خمير فمن بعده، وتقدمت لهذه نظائر كثيرة، وسيأتي بيان باقيها في مواضعها إن شاء الله تعالى، ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة، ونفير بضم النون وفتح الفاء، والسمط بكسر السين وإسكان الميم ويقال السمط بفتح السين وكسر الميم، وهذا الحديث مما قد يتوهم أنه دليل لأهل الظاهر ولا دلالة فيه بحال، لأن الذي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه إنما هو القصر بذي الحليفة وليس فيه أنها غاية السفر. وأما قوله قصر شرحبيل على رأس سبعة عشر ميلاً أو ثمانية عشر ميلاً فلا حجة فيه لأنه تابعي فعل شيئاً يخالف الجمهور، أو يتأول على أنها كانت في أثناء سفره لا أنها غايته وهذا التأويل ظاهر وبه يصح احتجاجه بفعل عمر ونقله ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم. قوله: "أتى أرضاً يقال لها دومين من حمص على رأس ثمانية عشر ميلاً" هي بضم الدال وفتحها وجهان مشهوران والواو ساكنة والميم مكسورة وحمص لا ينصرف وإن كانت إسماً ثلاثياً ساكن الأوسط لأنها عجمية اجتمع فيها العجمة والعلمية والتأنيث كماه وجور ونظائرهما.
قوله: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع قلت كم أقام بمكة قال عشراً" هذا معناه أنه أقام في مكة وما حواليها لا في نفس مكة فقط، والمراد في سفره صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقدم مكة في اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع وخرج منها في الثامن إلى منى، وذهب إلى عرفات في التاسع وعاد إلى منى في العاشر فأقام بها الحادي عشر والثاني عشر ونفر في الثالث عشر إلى مكة وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر، فمدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة وحواليها عشرة أيام وكان يقصر الصلاة فيها كلها، ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج يقصر، وأن الثلاثة ليست إقامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام هو والمهاجرون ثلاثاً بمكة، فدل على أن الثلاثة ليست إقامة شرعية وأن يومي الدخول والخروج لا يحسبان منها، وبهذه الجملة قال الشافعي وجمهور العلماء وفيها خلاف منتشر للسلف.
*2* باب قصر الصلاة بمنى
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِث) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ صَلّىَ صَلاَةَ الْمُسَافِرِ، بِمَنًى وَغَيْرِهِا، رَكْعَتَيْنِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ رَكْعَتَيْنِ، صَدْراً مِنْ خِلاَفَتِهِ، ثُمّ أَتَمّهَا أَرْبَعاً.
وحدّثناه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيّ. ح وَحَدّثَنَاهُ إِسْحَقُ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. جَمِيعاً عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: بِمِنًى. وَلَمْ يَقُلْ: وَغَيْرِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ. وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ. وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُثْمَانُ صَدْراً مِنْ خِلاَفَتِهِ. ثُمّ إِنّ عُثْمَانَ صَلّىَ بَعْدُ أَرْبَعاً.
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلّىَ مَعَ الإِمَامِ صَلّىَ أَرْبَعاً. وَإِذَا صَلاّهَا وَحْدَهُ صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ.
وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). ح وَحَدّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. سَمِعَ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ عَمَرَ قَالَ: صَلّى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى صَلاَةَ الْمُسَافِرِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ ثَمَانِي سِنِينَ. أَوْ قَالَ سِتّ سِنِينَ. قَالَ حَفْصٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلّي بِمَنًى رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ يَأْتِي فِرَاشَهُ. فَقُلْتُ: أَيْ عَمّ لَوْ صليت بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لأَتْمَمْتُ الصّلاَةَ.
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الصّمَدِ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَقُولاَ فِي الْحَدِيثِ: بِمِنًى. وَلَكِنْ قَالاَ: صَلّى فِي السّفَرِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ عَنِ الأَعْمشِ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ: صَلّىَ بِنَا عُثْمَانُ بِمِنَىً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَاسْتَرْجَعَ. ثُمّ قَالَ: صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنَىً رَكْعَتَيْنِ. وَصَلّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِمِنَىً رَكْعَتَيْنِ. وَصَلّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِمِنَىً رَكْعَتَيْنِ. فَلَيْتَ حَظّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ مُتَقَبّلَتَانِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ وَ ابْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيَسىَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَهُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) عَنِ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنَىً، آمَنَ مَا كَانَ النّاسُ وَأَكْثَرَهُ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ. حَدّثَنِي حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الْخُزَاعِيّ قَالَ: صَلّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، والنّاسُ أَكْثَرُ مَا كَانُوا، فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ.
قَالَ مُسْلِمٌ): حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الْخُزَاعِيّ، هُوَ أَخُو عُبَيْدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، لأُمّهِ.
قوله: "بمنى وغيره" هكذا هو في الأصول وغيره وهو صحيح، لأن منى تذكر وتؤنث بحسب القصد، إن قصد الموضع فمذكر أو البقعة فمؤنثة، وإذا ذكر صرف وكتب بالألف، وإن أنث لم يصرف وكتب بالياء والمختار تذكيره وتنوينه، وسمي منى لما يمنى به من الدماء أي يراق. قوله: "خبيب بن عبد الرحمن" هو بالخاء المعجمة المضمومة، وسبق بيانه في أول الكتاب وغيره.
قوله: "فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان" معناه ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين في صدر خلافته يفعلون، ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه، ومع هذا فابن مسعود رضي الله عنه موافق على جواز الإتمام، ولهذا كان يصلي وراء عثمان رضي الله عنه متماً، ولو كان القصر عنده واجباً لما استجاز تركه وراء أحد. وأما قوله: "فذكر ذلك لابن مسعود رضي الله عنه فاسترجع" فمعناه كراهة المخالفة في الأفضل كما سبق.
قوله: "قال مسلم رحمه الله تعالى حارثة بن وهب الخزاعي هو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه" هكذا ضبطناه أخو عبيد الله بضم العين مصغر، ووقع في بعض الأصول أخو عبد الله بفتح العين زكبر وهو خطأ والصواب الأول، وكذا نقله القاضي رحمه الله تعالى عن أكثر رواة صحيح مسلم، وكذا ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم وابن عبد البر وخلائق لا يحصون كلهم يقولون بأنه أخو عبيد الله مصغر وأمه مليكة بنت جرول الخزاعي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأولدها ابنه عبيد الله، وأما عبد الله بن عمر وأخته حفصة فأمهما زينب بنت مظعون.
*2* باب الصلاة في الرحال في المطر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ أَذّنَ بِالصّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ. فَقَالَ: أَلاَ صَلّوا فِي الرّحَالِ. ثُمّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ الْمُؤَذّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: أَلاَ صَلّوا فِي الرّحَالِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ نَادَىَ بِالصّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ. فَقَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ: أَلاَ صَلّوا فِي رِحَالِكُمْ. أَلاَ صَلّوا فِي الرّحَالِ. ثُمّ قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ، فِي السّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: أَلاَ صَلّوا فِي رِحَالِكُمْ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ نَادَىَ بِالصّلاَةِ بِضَجْنَانَ ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: أَلاَ صَلّوا فِي رِحَالِكُمْ. وَلَمْ يُعِدْ، ثَانِيَةً: أَلاَ صَلّوا فِي الرّحَالِ، مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَمَرَ.
حدّثَنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَمُطِرْنَا. فَقَالَ: "لِيُصَلّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ".
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزّيَادِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ، لِمُؤَذّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ، فلاَ تَقُلْ: حَيّ عَلَى الصّلاَةِ. قُلْ: صَلّوا فِي بُيُوتِكُمْ.
قَالَ: فَكَأَنّ النّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي. إِنّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ. وَإِنّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطّينِ وَالدّحْضِ.
وحدّثنيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد اللّهِ بْنَ الحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ، فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمُعَةَ. وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي. يَعْنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدّثَنَا حَمّادٌ وعَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، بِنَحْوِهِ.
وحدّثنيهِ أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ (هُوَ الزّهْرَانِيّ) حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) حَدّثَنَا أَيّوبُ وَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزّيَادِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد اللّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: أَذّنَ مُؤَذّنُ ابْنِ عَبّاسٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ. وَقَالَ: وَكَرِهْتُ أَنْ تَمْشُوا فِي الدّحْضِ وَالزّلَلِ.
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنّ ابْنَ عَبّاس أَمَرَ مُؤَذّنهُ، فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ. وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي. يَعْنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَقَ الْحَضْرَمِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ (قَالَ وُهَيْبٌ: لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ) قَالَ: أَمَرَ ابْنُ عَبّاسٍ مُؤَذّنَهُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: ألا صلوا في رحالكم.
وفي رواية: "ليصل من شاء منكم في رحله".
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أنه قال لمؤذن في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذلك فقال: أتعجبون من ذا؟ فقد فعل هذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض". وفي رواية: "فعله من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم" هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة لقوله في الرواية الثانية: "ليصل من شاء في رحله" وأنها مشروعة في السفر، وأن الأذان مشروع في السفر، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن يقول: ألا صلوا في رحالكم في نفس الأذان. وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه: والأمران جائزان، نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في الأم في كتاب الأذان وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما، لكن قوله بعده أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد الفراغ وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولا منافاة بينه وبين الحديث الأول حديث ابن عمر رضي الله عنهما لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت وكلاهما صحيح، قال أهل اللغة: الرحال المنازل سواء كانت من حجر ومدر وخشب أو شعر وصوف ووبر وغيرها واحدها رحل. قوله: "نادى بالصلاة بضجنان" هو بضاد معجمة مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم نون وهو جبل على بريد من مكة. قوله: "إن الجمعة عزمة" بإسكان الزاي أي واجبة متحتمة، فلو قال المؤذن: حي على الصلاة لكلفتم المجيء إليها ولحقتكم المشقة. قوله: "كرهت أن أحرجكم" هو بالحاء المهملة من الحرج وهو المشقة هكذا ضبطانه وكذا نقله القاضي عياض عن رواياتهم. قوله: "في الطين والدحض" بإسكان الحاء المهملة وبعدها ضاد معجمة، وفي الرواية الأخيرة الدحض والزلل هكذا هو باللامين، والدحض والزلل والزلق والردغ بفتح الراء وإسكان الدال المهملة وبالغين المعجمة كله بمعنى واحد، ورواه بعض رواة مسلم رزغ بالزاي بدل الدال بفتحها وإسكانها وهو الصحيح وهو بمعنى الردغ، وقيل هو المطر الذي يبل وجه الأرض. قوله: (وحدثنيه أبو الربيع العتكي) هو الزهراني قال القاضي: كذا وقع هنا جمع بين العتكي والزهراني، وتارة يقول العتكي فقط، وتارة الزهراني، قال: ولا يجتمع العتك وزهران إلا في جدهما لأنهما ابنا عم، وليس أحدهما من بطن الاَخر لأن زهران بن الحجر بن عمران بن عمر، والعتك بن أحمد بن عمرو، وقد سبق التنبيه على هذا في أوائل الكتاب، وفي هذا الحديث دليل على سقوط الجمعة بعذر المطر ونحوه وهو مذهبنا ومذهب آخرين، وعن مالك رحمه الله تعالى خلافه والله تعالى أعلم بالصواب.
*2* باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي سُبْحَتَهُ. حَيْثُمَا تَوَجّهَتْ بِهِ نَاقَتُهُ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجّهَتْ بِهِ.
وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، عَلَىَ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ الله} (البقرة الاَية: 5).
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. كُلّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُبَارَكٍ وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ: ثُمّ تَلاَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ. وَقَالَ: فِي هَذَا نَزَلَتْ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي عَلَىَ حِمَارٍ، وَهُوَ مُوَجّهٌ إِلَى خَيْبَرَ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْد الرّحْمَنِ بْنِ عَبْد اللّهِ بْنِ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكّةَ. قَالَ سَعِيدٌ: فَلَمّا خَشِيتُ الصّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. ثُمّ أَدْرَكْتُهُ. فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: خَشِيتُ الْفَجْرَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِسْوَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَىَ. وَاللّهِ قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُمَا تَوَجّهَتْ بِهِ.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ دِينَارٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وحدّثني عِيسَى بْنُ حَمّادٍ الْمِصْرِيّ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. حَدّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْد اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبّحُ عَلَى الرّاحِلَةِ قِبَلَ أَيّ وَجْهٍ تَوَجّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا. غَيْرَ أَنّهُ لاَ يُصَلّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ.
وحدّثنا عَمْرُ بْنُ سَوّادٍ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنّهُ رَأَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي السّبْحَةَ بِاللّيْلِ، فِي السّفَرِ، عَلَىَ ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ تَوَجّهَتْ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: تَلَقّيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ الشّامَ. فَتَلَقّيْنَاهُ بِعَيْنِ التّمْرِ. فَرَأَيْتُهُ يُصَلّي عَلَىَ حِمَارٍ وَوَجْهُهُ ذَلِكَ الْجَانِبَ. (وَأَوْمَأَ هَمّامٌ عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ) فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْتُكَ تُصَلّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. قَالَ: لَوْلاَ أَنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ، لَمْ أَفْعَلْهُ.
قوله: "عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته". وفي رواية: "يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه وفيه نزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله}". وفي رواية: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو موجه إلى خيبر" وفي رواية. "كان يوتر على البعير". وفي رواية: "يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة". في هذه الأحاديث جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت وهذا جائز بإجماع المسلمين، وشرطه أن لا يكون سفر معصية، ولا يجوز الترخص بشيء من رخص السفر لعاص بسفره، وهو من سافر لقطع طريق أو لقتال بغير حق أو عاقاً والده أو آبقاً من سيده أو ناشزة على زوجها، ويستثنى المتيمم فيجب عليه إذا لم يجد الماء أن يتيمم ويصلي وتلزمه الإعادة على الصحيح سواء قصير السفر وطويله، فيجوز التنفل على الراحلة في الجميع عندنا وعند الجمهور، ولا يجوز في البلد، وعن مالك أنه لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة وهو قول غريب محكي عن الشافعي رحمه الله تعالى. وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا: يجوز التنفل على الدابة في البلد، وهو محكي عن أنس بن مالك وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وفيه دليل على أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة ولا على الدابة وهذا مجمع عليه إلا في شدة الخوف، فلو أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على الدابة واقفة عليها هودج أو نحوه جازت الفريضة على الصحيح في مذهبنا، فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي، وقيل تصح كالسفينة فإنها يصح فيها الفريضة بالإجماع، ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر قال أصحابنا: يصلي الفريضة على الدابة بحسب الإمكان وتلزمه إعادتها لأنه عذر نادر. قوله: "ويوتر على الراحلة" فيه دليل لمذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه يجوز الوتر على الراحلة في السفر حيث توجه وأنه سنة ليس بواجب. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: هو واجب ولا يجوز على الراحلة دليلنا هذه الأحاديث، فإن قيل: فمذهبكم أن الوتر واجب على النبي صلى الله عليه وسلم. قلنا: وإن كان واجباً عليه فقد صح فعله له على الراحلة فدل على صحبته منه على الراحلة، ولو كان واجباً على العموم لم يصح على الراحلة كالظهر، فإن قيل: الظهر فرض والوتر واجب وبينهما فرق. قلنا: هذا الفرق اصطلاح لكم لا يسلمه لكم الجمهور ولا يقتضيه شرع ولا لغة ولو سلم لم يحصل به معارضة والله أعلم. وأما تنفل راكب السفينة فمذهبنا أنه لا يجوز إلا إلى القبلة إلا ملاح السفينة فيجوز له إلى غيرها لحاجة، وعن مالك رواية كمذهبنا، ورواية بجوازه حيث توجهت لكل أحد. قوله: "يسبح على الراحلة ويصلي سبحته" أي يتنفل والسبحة بضم السين وإسكان الباء النافلة. قوله: "حيثما توجهت به راحلته" يعني في جهة مقصده قال أصحابنا: فلو توجه إلى غير المقصد فإن كان إلى القبلة جاز وإلا فلا. قوله: "وهو موجه إلى خيبر" هو بكسر الجيم أي متوجه ويقال قاصد ويقال مقابل. قوله: "يصلي على حمار" قال الدارقطني وغيره: هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني، قالوا: وإنما المعروف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو على البعير، والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس كما ذكره مسلم بعد هذا، ولهذا لم يذكر البخاري حديث عمرو هذا كلام الدارقطني ومتابعيه، وفي الحكم بتغليط رواية عمرو نظر لأنه ثقة نقل شيئاً محتملاً فلعله كان الحمار مرة والبعير مرة أو مرات، لكن قد يقال إنه شاذ فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعير والراحلة والشاذ مردود وهو المخالف للجماعة والله أعلم.
قوله: (تلقينا أنس بن مالك حين قدم الشام) هكذا هو في جميع نسخ مسلم، وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الروايات لصحيح مسلم قال: وقيل إنه وهم وصوابه قدم من الشام كما جاء في صحيح البخاري لأنهم خرجوا من البصرة للقائه حين قدم من الشام، قلت: ورواية مسلم صحيحة ومعناها تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام، وإنما حذف ذكر رجوعه للعلم به والله أعلم
*2* باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَجِلَ بِهِ السّيْرُ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَدّ بِهِ السّيْرُ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشّفَقُ. وَيَقُولُ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَدّ بِهِ السّيْرُ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، إِذَا جَدّ بِهِ السّيْرُ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيْىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ أَبَاهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَعْجَلَهُ السّيْرُ فِي السّفَرِ، يُؤَخّرُ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ حَتّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُفَضّلُ (يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ) عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشّمْسُ، أَخّرَ الظّهْرَ إِلَىَ أن يدخل وَقْتِ الْعَصْرِ. ثُمّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ زَالَتِ الشّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلّى الظّهْرَ ثُمّ رَكِبَ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوّارٍ الْمَدَاينِيّ. حَدّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ ابْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصّلاَتَيْنِ فِي السّفَرِ، أَخّرَ الظّهْرَ حَتّى يَدْخُلَ أَوّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ. ثُمّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدّثَنَا جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السّفَرُ، يُؤَخّرُ الظّهْرَ إِلَىَ أَوّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ. فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَيُؤَخّرُ الْمَغْرِبَ حَتّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حِينَ يَغِيبُ الشّفَقُ.
قال الشافعي والأكثرون: يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء، وبين المغرب والعشاء في وقت أيتهما شاء في السفر الطويل، وفي جوازه في السفر القصير قولان للشافعي أصحهما لا يجوز فيه القصر، والطويل ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية وهو مرحلتان معتدلتان كما سبق، والأفضل لمن هو في المنزل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إليها ولمن هو سائر في وقت الأولى ويعلم أنه ينزل قبل خروج وقت الثانية أن يؤخر الأولى إلى الثانية ولو خالف فيهما جاز وكان تاركاً للأفضل، وشرط الجمع في وقت الأولى أن يقدمها وينوي الجمع قبل فراغه من الأولى وأن لا يفرق بينهما، وإن أراد الجمع في وقت الثانية وجب أن ينويه في وقت الأولى، ويكون قبل ضيق وقتها بحيث يبقى من الوقت ما يسع تلك الصلاة فأكثر، فإن أخرها بلا نية عصى وصارت قضاء، وإذا أخرها بالنية استحب أن يصلي الأولى أولاً وأن ينوي الجمع وأن لا يفرق بينهما ولا يجب شيء من ذلك، هذا مختصر أحكام الجمع، وباقي فروعه معروفة في كتب الفقه، ويجوز الجمع بالمطر في وقت الأولى، ولا يجوز في وقت الثانية على الأصح لعدم الوثوق باستمراره إلى الثانية، وشرط وجوده عند الإحرام بالأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية، ويجوز ذلك لمن يمشي إلى الجماعة في غيركن بحيث يلحقه بلل المطر، والأصح أنه لا يجوز لغيره، هذا مذهبنا في الجمع بالمطر، وقال به جمهور العلماء في الظهر والعصر وفي المغرب والعشاء، وخصه مالك رحمه الله تعالى بالمغرب والعشاء، وأما المريض فالمشهور من مذهب الشافعي والأكثرين أنه لا يجوز له، وجوزه أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي وهو قوي في الدليل، كما سننبه عليه في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى. وقال أبو حنيفة: لا يجوز الجمع بين الصلاتين بسبب السفر ولا المطر ولا المرض ولا غيرها إلا بين الظهر والعصر بعرفات بسبب النسك، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بسبب النسك أيضاً، والأحاديث الصحيحة في الصحيحين وسنن أبي داود وغيره حجة عليه. قوله في حديث ابن عمر: قوله: "إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق" صريح في الجمع في وقت إحدى الصلاتين، وفيه إبطال تأويل الحنفية في قولهم: إن المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية إلى أول وقتها.
ومثله في حديث أنس: "إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، وهو صريح في الجمع في وقت الثانية، والرواية الأخرى أوضح دلالة وهي قوله: "إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما" وفي الرواية الأخرى: "ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق" وإنما اقتصر ابن عمر على ذكر الجمع بين المغرب والعشاء لأنه ذكره جواباً لقضية جرت له، فإنه استصرخ على زوجته فذهب مسرعاً وجمع بين المغرب والعشاء فذكر ذلك بياناً لأنه فعله على وفق السنة، فلا دلالة فيه لعدم الجمع بين الظهر والعصر، فقد رواه أنس وابن عباس وغيرهما من الصحابة. قوله: "وحدثني أبو الطاهر وعمرو بن سواد قالا: أخبرنا ابن وهب قال: حدثني جابر بن إسماعيل عن عقيل" هكذا ضبطناه، ووقع في رواياتنا وروايات أهل بلادنا جابر بن إسماعيل بالجيم والباء الموحدة، ووقع في بعض نسخ بلادنا حاتم بن إسماعيل، وكذا وقع لبعض رواة المغاربة وهو غلط والصواب باتفاقهم جابر بالجيم وهو جابر بن إسماعيل الحضرمي المصري. قوله في هذه الرواية: "إذا عجل عليه السفر" هكذا هو في الأصول عجل عليه وهو بمعنى عجل به في الروايات الباقية.
*2* باب الجمع بين الصلاتين في الحضر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الظّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً. وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً. فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَ عَوْنُ بْنُ سَلاّمٍ. جَمِيعاً عَنْ زُهَيْرٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الظّهْرَ والْعَصْرَ جَمِيعاً بِالْمَدِينَةِ. فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ.
قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيداً: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي. فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أَحَداً مِنْ أُمّتِهِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدّثَنَا قُرّةُ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. حَدّثَنَا ابْنُ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الصّلاَةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. جَمَعَ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَىَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمّتَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: صَلّيْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِياً جَمِيعاً. وَسَبْعاً جَمِيعاً.
قُلْتُ: يَا أَبَا الشّعْثَاءِ أَظُنّهُ أَخّرَ الظّهْرَ وَعَجّلَ الْعَصْرَ. وَأَخّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجّلَ الْعِشَاءَ. قَالَ: وَأَنَا أَظُنّ ذَلِكَ.
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ بِالْمَدِينَةِ سَبْعاً، وَثَمَانِياً. الظّهْرَ وَالْعَصْرَ. وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنِ الزّبَيْرِ بْنِ الْخِرّيتِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبّاسٍ يَوْماً بَعْدَ الْعَصْرِ حَتّى غَرَبَتِ الشّمْسُ وَبَدَتِ النّجُومُ. وَجَعَلَ النّاسُ يَقُولُونَ: الصّلاَةَ. الصّلاَةَ. قَالَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، لاَ يَفْتُرُ وَلاَ يَنْثَنِي: الصّلاَةَ. الصّلاَةَ. فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أَتُعَلّمُنِي بِالسّنّةِ؟ لاَ أُمّ لَكَ ثُمّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ شَقِيقٍ: فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. فَأَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَصَدّقَ مَقَالَتَهُ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبّاسٍ: الصّلاَةَ. فَسَكَتَ. ثُمّ قَالَ: الصّلاَةَ. فَسَكَتَ. ثُمّ قَالَ: الصّلاَةَ. فَسَكَتَ. ثُمّ قَالَ: لاَ أُمّ لَكَ أَتُعَلّمُنَا بِالصّلاَةِ؟ وَكُنّا نَجْمَعُ بَيْنَ الصّلاَتَيْنِ علَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ عَامِرٍ عَنْ مُعَاذٍ. قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَكَانَ يُصَلّي الظّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً. وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدّثَنَا قُرّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ. عَنْ عَمْرِو بْنِ وَاثِلَةَ أَبُو الطّفَيْلِ. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
قَالَ فَقُلْتُ: مَا حَمَلَهُ عَلَىَ ذَلِكَ؟ قَالَ فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمّتَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ (وَاللّفْظُ لاِءَبِي كُرَيْبٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ.
قوله في حديث ابن عباس: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر" وقال ابن عباس حين سئل لم فعل ذلك أراد أن لا يحرج أحداً من أمته.
وفي الرواية الأخرى: "عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال سعىد بن جبير: فقلت لابن عباس ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته".
وفي رواية معاذ بن جبل مثله سواء وأنه في غزوة تبوك وقال مثل كلام ابن عباس.
وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته". وفي رواية "عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد عن ابن عباس قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً، قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظن ذاك". وفي رواية: "عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، فجاء رجل من بني تيم فجعل لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته" هذه الروايات الثابتة في مسلم كما تراها وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب، وقد قال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه. وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر، ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها، وهذا أيضاً باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء، ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل، ومنهم من قال هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقة فيه أشد من المطر، وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم. قوله: (حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة قال حدثنا معاذ) هكذا ضبطناه عامر بن واثلة، وكذا هو في بعض نسخ بلادنا، وكذا نقله القاضي عياض عن جمهور رواة صحيح مسلم، ووقع لبعضهم عمرو بن واثلة، وكذا وقع في كثير من أصول بلادنا في هذه الرواية الثانية. وأما الرواية الأولى لمسلم عن أحمد بن عبد الله عن زهير عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عامر فهو عامر باتفاق الرواة هنا، وإنما إِلاختلاف في الرواية الثانية، والمشهور في أبي الطفيل عامر وقيل عمرو، وممن حكى الخلاف فيه البخاري في تاريخه وغيره من الأئمة والمعتمد المعروف عامر والله أعلم. قوله: (عن الزبير بن الخريب) هو بخاء معجمة وراء مكسورتين والراء مشددة ثم مثناة تحت ومن فوق. قوله: "فحاك في صدري من ذلك شيء" هو بالحاء والكاف أي وقع في نفسي نوع شك وتعجب واستبعاد، يقال: حاك يحيك وحك يحك واحتك وحكى لخليل أيضاً أحاك وأنكرها ابن دريد. قوله: (لا أم لك) هو كقولهم لا أب له، وقد سبق شرحه في كتاب الإيمان في حديث حذيفة في الفتنة التي تموج كموج البحر
*2* باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: لاَ يَجْعَلَنّ أَحَدُكُمْ لِلشّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءاً، لاَ يَرَىَ إِلاّ أَنّ حَقّاً عَلَيْهِ، أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاّ عَنْ يَمِينِهِ. أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَاه عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ. جَمِيعاً عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ السّدّيّ. قَالَ: سَأَلْتُ أَنَساً: كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلّيْتُ؟ عَنْ يَمِينِي أَوْ عَنْ يَسَارِي؟ قَالَ: أَمّا أَنَا فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ سُفْيَانَ، عَنُ السّدّيّ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ.
قوله: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا معاوية ووكيع عن الأعمش عن عمارة عن الأسود عن عبد الله" هذا الإسناد كله كوفيون، وفيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض: الأعمش وعمارة والأسود. قوله: "في حديث ابن مسعود لايجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً لا يرى إلا أن حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله".
وفي حديث أنس: "أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه". وفي رواية: "كان ينصرف عن يمينه" وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه فدل على جوازهما ولا كراهة في واحد منهما، وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل للانصراف عن اليمين أو الشمال، وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لا بد منه، فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ ولهذا قال: يرى أن حقاً عليه، فإنما ذم من رآه حقاً عليه، ومذهبنا أنه لا كراهة في واحد من الأمرين، لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته سواء كانت عن يمينه أو شماله، فإن استوى الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها. هذا صواب الكلام في هذين الحديثين وقد يقال فيهما خلاف الصواب والله أعلم
*2* باب استحباب يمين الإِمام
*وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْبَرَاءِ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنّا إِذَا صَلّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. قَالَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "رَبّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ (أَوْ تَجْمَعُ) عِبَادَكَ".
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ.
فيه حديث البراء: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه فسمعته يقول: رب قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك" قال القاضي: يحتمل أن يكون التيامن عند التسليم وهو الأظهر لأن عادته صلى الله عليه وسلم إذا انصرف أن يستقبل جميعهم بوجهه قال: وإقباله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بعد قيامه من الصلاة أو يكون حين ينفتل
*2* باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة
*وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاّ الْمَكْتُوبَةُ".
وحدّثنيهِ مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ ابْنُ رَافِعٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثني يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا عَمْرٌو بْنُ دِينَارٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ قَالَ "إِذَا أُقِيمَتِ الصّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إِلاّ الْمَكْتُوبَةُ".
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحَقَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. قَالَ حَمّادٌ: ثُمّ لَقِيتُ عَمْرواً فَحَدّثَنِي بِهِ. وَلَمْ يٍرْفَعْهُ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصٍ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِرَجُلٍ يُصَلّي. وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصّبْحِ. فَكَلّمَهُ بِشَيْءٍ، لاَ نَدْرِي مَا هُو. فَلَمّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: قَالَ لِي: "يُوشِكُ أَنْ يُصَلّيَ أَحَدُكُمْ الصّبْحَ أَرْبَعاً".
قَالَ الْقَعْنَبِيّ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَالِكٍ ابْنُ بُحَيْنَةَ عَنْ أَبِيهِ .
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعْدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصّبْحِ. فَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُصَلّي، وَالْمُؤَذّنُ يُقِيمُ. فَقَالَ: "أَتُصَلّي الصّبْحَ أَرْبَعاً"؟.
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). ح وَحَدّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. كُلّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنَ سَرْجِسَ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ. فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ. ثُمّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يَا فُلاَنُ بِأَيّ الصّلاَتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلاَتِكَ وَحْدَكَ، أَمْ بِصَلاَتِكَ مَعَنَا"؟.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
وفي الرواية الأخرى: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فقال: يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعاً" فيها النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر أو غيرها وهذا مذهب الشافعي والجمهور. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا لم يكن صلى ركعتين سنة الصبح صلاهما بعد الإقامة في المسجد ما لم يخش فوت الركعة الثانية. وقال الثوري: ما لم يخش فوت الركعة الأولى. وقالت طائفة: يصليهما خارج المسجد ولا يصليهما بعد الإقامة في السجد. قوله صلى الله عليه وسلم: "أتصلي الصبح أربعاً؟" هو استفهام إنكار ومعناه أنه لا يشرع بعد الإقامة للصبح إلا الفريضة، فإذا صلى ركعتين نافلة بعد الإقامة ثم صلى معهم الفريضة صار في معنى من صلى الصبح أربعاً لأنه صلى بعد الإقامة أربعاً. قال القاضي: والحكمة في النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة أن لا يتطاول عليها الزمان فيظن وجوبها وهذا ضعيف، بل الصحيح أن الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع الإمام وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها، قال القاضي: وفيه حكمة أخرى وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة. قوله: "قال حماد ثم لقيت عمراً فحدثني به ولم يرفعه" هذا الكلام لا يقدح في صحة الحديث ورفعه لأن أكثر الرواة رفعوه، قال الترمذي: ورواية الرفع أصح، وقد قدمنا في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب أن الرفع مقدم على الوقف على المذهب الصحيح وإن كان عدد الرفع أقل فكيف إذا كان أكثر؟ قوله: (عن عبد الله بن مالك ابن بحينة). ثم قال مسلم: "قال القعنبي عبد الله بن مالك ابن بحينة عن أبيه قال أبو الحسين قوله عن أبيه في هذا الحديث خطأ" أبو الحسين هو مسلم صاحب الكتاب وهذا الذي قاله مسلم هو الصواب عند الجمهور، وقوله عن أبيه خطأ وإنما هذا الحديث على رواية عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وبالشين المعجمة الساكنة بحينة أم عبد الله، والصواب في كتابته وقراءته عبد الله بن مالك ابن بحينة بتنوين مالك وكتابة ابن بالألف لأنه صفة لعبد الله، وقد سبق بيانه في سجود السهو وغيره والله أعلم. قوله: "فلما انصرفنا أحطنا يقول" هكذا هو في الأصول أحطنا يقول وهو صحيح وفيه محذوف تقديره أحطنا به.
قوله: "دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا فلان بأي الصلاتين اعتددت أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟" فيه دليل على أنه لا يصلي بعد الإقامة نافلة وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام، ورد على من قال إن علم أنه يدرك الركعة الأولى أو الثانية يصلي النافلة، وفيه دليل على إباحة تسمية الصبح غداة، وقد سبقت نظائره والله أعلم.
*2* باب ما يقول إِذا دخل المسجد
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلَكِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ (أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ".
قَالَ مُسْلِمٌ) سَمِعْتُ يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ يَقُولُ: كَتَبْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ كِتَابِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. قَالَ: بَلَغَنِي أَنّ يَحْيَىَ الْحَمّانِيّ يَقُولُ: وَأَبِي أُسَيْدٍ.
وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيّةَ عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِيّ، عَنْ أَبِي حِمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك" فيه استحباب هذا الذكر، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة غير هذا في سنن أبي داود وغيره، وقد جمعتها مفصلة في أول كتاب الأذكار ومختصر مجموعها: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله والحمد لله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وفي الخروج يقوله لكن يقول: اللهم إني أسألك من فضلك. قوله: (عن أبي أسيد) هو بضم الهمزة وفتح السين. قوله: (الحماني) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم قال السمعاني: هي نسبة إلى بني حمان قبيلة نزلت الكوفة
*2* باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ و قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزّرَقِيّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ عَنْ زَائِدَةَ قَالَ: حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَىَ الأَنْصَارِيّ. حَدّثَنِي مُحمّدُ بْنُ يَحْيَىَ بْنِ حَبّانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمِ بْنِ خَلْدَةَ الأَنْصَارِيّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النّاسِ. قَالَ فَجَلَسْتُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟" قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيْتُكَ جَالِساً وَالنّاسُ جُلُوسٌ. قَالَ: "فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، لاَ يَجْلِسْ حَتّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ جَوّاسٍ الْحَنَفِيّ أَبُو عَاصِمٍ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ الأَشْجَعِيّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ. فَقَضَانِي وَزَادَنِي. وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ. فَقَالَ لِي: "صَلّ رَكْعَتَيْنِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس". وفي الرواية الأخرى: "فلا يجلس حتى يركع ركعتين". فيه استحباب تحية المسجد بركعتين وهي سنة بإجماع المسلمين. وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبهما، وفيه التصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة وهي كراهة تنزيه، وفيه استحباب التحية في أي وقت دخل وهو مذهبنا وبه قال جماعة، وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي، وأجاب أصحابنا أن النهي إنما هو عما لا سبب له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر فخص وقت النهي وصلى به ذات السبب، ولم يترك التحية في حال من الأحوال، بل أمر الذي دخل المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين، مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية، فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت الاَن لأنه قعد وهي مشروعة قبل القعود ولأنه كان يجهل حكمها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته وكلمه وأمره أن يصلي التحية، فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم عليه السلام هذا الاهتمام، ولا يشترط أن ينوي التحية بل تكفيه ركعتان من فرض أو سنة راتبة أو غيرهما، ولو نوى بصلاته التحية والمكتوبة انعقدت صلاته وحصلتا له، ولو صلى على جنازة أو سجد شكراً أو للتلاوة أو صلى ركعة بنية التحية لم تحصل التحية على الصحيح من مذهبنا، وقال بعض أصحابنا تحصل وهو خلاف ظاهر الحديث، ودليله أن المراد إكرام المسجد ويحصل بذلك والصواب أنه لا يحصل، وأما المسجد الحرام فأول ما يدخله الحاج يبدأ بطواف القدوم فهو تحيته ويصلي بعده ركعتي الطواف
*2* باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: اشْتَرَىَ مِنّي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيراً فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ، فَأُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ) حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ. فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَىَ. ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلِي. وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ. فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. قَالَ: "الاَنَ حِينَ قَدِمْتَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَدَعْ جَمَلَكَ. وَادْخُلْ فَصَلّ رَكْعَتَيْنِ" قَالَ فَدَخَلْتُ فَصَلّيْتُ. ثُمّ رَجَعْتُ.
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ). ح وَحَدّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. قَالاَ جَمِيعَاً: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ، وَعَنْ عَمّهِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلاّ نَهَاراً، فِي الضّحَىَ. فَإِذَا قَدِمَ، بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ. فَصَلّىَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ جَلَسَ فِيهِ.
فيه حديث جابر قال: "اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين". وفي الرواية الأخرى: "قال جابر: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي وقدمت فوجدته على باب المسجد قال: الاَن جئت؟ قلت: نعم، قال: فدع جملك ثم ادخل فصل ركعتين فدخلت فصليت ثم رجعت".
وفيه حديث كعب بن مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه". في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد، والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته، وفيه استحباب القدوم أوائل النهار، وفيه أنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريباً من داره في موضع بارز سهل على زائريه إما المسجد وإما غيره. قوله: (حدثنا أحمد بن جواس) هو بجيم مفتوحة وواو مشددة مهملة وسين. قوله: (محارب بن دثار) بكسر الدال وبالثاء المثلثة. قوله: "كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني" فيه استحباب أداء الدين زائداً والله أعلم.
*2* باب استحباب صلاة الضحى، وأن أَقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي الضّحَىَ؟ قَالَتْ: لاَ. إِلاّ أَنْ يَجيءَ مِنْ مَغِيبِهِ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَيْسِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي الضّحَىَ؟ قَالَتْ: لاَ. إِلاّ أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي سُبْحَةَ الضّحَىَ قَطّ. وَإِنّي لأُسَبّحُهَا. وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النّاسُ، فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي الرّشْكَ) حَدّثَتْنِي مُعَاذَةُ أَنّهَا سَأَلْتْ عَائِشَةَ رَضِيّ اللّهُ عَنْهَا: كَمْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَليّ صَلاَةَ الضّحَىَ؟ قَالَتْ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَيَزِيدُ مَا شَاءَ.
م 1 حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ يَزِيدُ: مَا شَاءَ اللّهُ.
وحدّثني يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ أَنّ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيّةَ حَدّثَتْهُمْ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي الضّحَىَ أَرْبَعَاً. وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللّهُ.
م 3 وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ: مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنّهُ رَأَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي الضّحَىَ إِلاّ أُمّ هَانِيءٍ. فَإِنّهَا حَدّثَتْ، أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ. فَصَلّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. مَا رَأَيْتُهُ صَلّىَ صَلاَةً قَطّ أَخَفّ مِنْهَا. غَيْرَ أَنّهُ كَانَ يُتِمّ الرّكُوعَ وَالسّجُودَ.
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بَشّارٍ، فِي حَدِيثِهِ، قوله: قَطّ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحمّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيّ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: حَدّثَنِي ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنّ أَبَاهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ عَلَىَ أَنْ أَجِدَ أَحَداً مِنَ النّاسِ يُخْبِرُنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَبّحَ سُبْحَةَ الضّحَىَ. فَلَمْ أَجِدْ أَحَدَاً يْحَدّثُنِي ذَلِكَ. غَيْرَ أَنّ أُمّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَتْنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَىَ، بَعْدَمَا ارْتَفَعَ النّهَارُ، يَوْمَ الْفَتْحِ. فَأُتِيَ بِثَوْبٍ فَسُتِرَ عَلَيْهِ. فَاغْتَسَلَ. ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. لاَ أَدْرِي أَقِيَامُهُ فِيهَا أَطْوَلُ أَمْ رُكُوعُهُ أَمْ سُجُودُهُ. كُلّ ذَلِكَ مِنْهُ مُتَقَارِبٌ. قَالَتْ: فَلَمْ أَرَهُ سَبّحَهَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ.
قَالَ الْمُرَادِيّ: عَنْ يُونُسَ. وَلَمْ يَقُلْ: أَخْبَرَنِي.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النّضْرِ أَنّ أَبَا مُرّةَ مَوْلَىَ أُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أُمّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ. فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ. وَفَاطِمَةُ ابْنَتَهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ. قَالَتْ فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟" قُلْتُ: أُمّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: "مَرْحَباً بِأُمّ هَانِئٍ" فَلَمّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلّىَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. مُلْتَحِفاً فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَلَمّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمّي عَلِيّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً أَجَرْتُهُ، فُلاَنُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمّ هَانِئٍ" قَالَتْ أُمّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحَىً.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا مُعَلّى بْنُ أَسَدٍ. حَدّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرّةَ مَوْلَىَ عَقِيلٍ، عَنْ أُمّ هَانِئٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ فِي بَيْتِهَا عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضّبَعِيّ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ (وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ) حَدّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَىَ أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدّوءَلِيّ، عَنْ أَبِي ذَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ قَالَ: "يُصْبِحُ عَلَىَ كُلّ سُلاَمَىَ مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. فَكُلّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ. وَيُجَزِئُ، مِنْ ذَلِكَ، رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضّحَىَ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا أَبُو التّيّاحِ. حَدّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النّهْدِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ: بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ مِنْ كُلّ شَهْرٍ. وَرَكْعَتَيِ الضّحَىَ. وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبّاسٍ الْجُرَيْرِيّ، وَ أَبِي شِمْرٍ الضّبَعِيّ. قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا عُثْمَانَ النّهْدِيّ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
وحدّثني سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدّثَنَا مُعَلّى بْنُ أَسَدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيرِ بْنُ مُخْتَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ الدّانَاجِ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو رَافِعٍ الصّائِغُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي مُرّةَ مَوْلَىَ أُمّ هَانِيءٍ، عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ، قَالَ: أَوْصَانِي حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ لَنْ أَدْعَهُنّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ مِنْ كُلّ شَهْرٍ. وَصَلاَةِ الضّحَىَ. وَبِأَنْ لاَ أَنَامَ حَتّىَ أُوتِرَ.
في الباب "عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي الضحى إلا أن يجيء من مغيبه، وأنها ما رأته صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط، قالت: وإني لأسبحها وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم". وفي رواية عنها: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء" وفي رواية: (ما شاء الله) وفي حديث أم هانئ (أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات). وفي حديث أبي ذر وأبي هريرة وأبي الدرداء (ركعتان). هذه الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق، وحاصلها أن الضحى سنة مؤكدة وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وبينهما أربع أو ست كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان، وأما الجمع بين حديثي عائشة في نفي صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى وإثباتها فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعد الأوقات لفضلها، ويتركها في بعضها خشية أن تفرض كما ذكرته عائشة، ويتأول قولها: "ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه" على أن معناه ما رأيته، كما قالت في الرواية الثانية: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى" وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، فإنه قد يكون في ذلك مسافراً وقد يكون حاضراً، ولكنه في المسجد أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها: ما رأيته يصليها وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها. أو يقال قولها: ما كان يصليها أي ما يداوم عليها فيكون نفياً للمداومة لا لأصلها والله أعلم. وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة لا أن أصلها في البيوت ونحوها مذموم، أو يقال قوله بدعة أي المواظبة عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث أبي الدرداء وأبي ذر، أو يقال أن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمرها بها، وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود وابن عمر والله أعلم.
قوله: (سبحة الضحى) بضم السين أي نافلة الضحى. قولها: "ليدع العمل وهو يحب أن يعمل" ضبطناه بفتح الياء جي يعمله، وفيه بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته، وفيه أنه إذا تعارضت مصالح قدم أهمها.
قوله: (يزيد الرشك) بكسر الراء وإسكان الشين المعجمة قد تقدم بيانه مرات.
قوله: (أم هانئ) هو بهمزة بعد النون كنيت بابنها هانئ واسمها فاختة على المشهور وقيل هند.
قوله: "سألت وحرصت" هو بفتح الراء على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة بكسرها.
قوله: (أن أبا مرة مولى أم هانئ). وفي رواية: (مولى عقيل بن أبي طالب" قال العلماء: هو مولى أم هانئ حقيقة، ويضاف إلى عقيل مجازاً للزومه إياه وانتمائه إليه لكون مولى أخته. قولها: "سلمت" فيه سلام المرأة التي ليست بمحرم على الرجل بحضرة حارمه. قولها: "فقال من هذه؟ قلت: أم هانئ بنت أبي طالب" فيه أنه لا بأس أن يكنى الإنسان نفسه على سبيل التعريف إذا اشتهر بالكنية، وفيه أنه إذا استأذن أن يقول المستأذن عليه من هذا؟ فيقول المستأذن فلان باسمه الذي يعرفه به المخاطب. قوله صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بأم هانئ) فيه استحباب قول الإنسان لزائره والوارد عليه مرحباً ونحوه من ألفاظ الإكرام والملاطفة، ومعنى مرحباً صادفت رحباً أي سعة، وسبق بسط الكلام فيه في حديث وفد عبد القيس وفيه أنه لا بأس بالكلام في حال الاغتسال والوضوء ولا بالسلام عليه بخلاف البائل، وفيه جواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارمه إذا كان مستور العورة عنها، وجواز تستيرها إياه بثوب ونحوه. قوله: "فصلى ثمان ركعات ملتحفاً في ثوب واحد" فيه جواز الصلاة في الثوب الواحد والالتحاف به مخالفاً بين طرفه كما ذكره في الرواية الثانية. قولها: (فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) في هذه القطعة فوائد منها أن من قصد إنساناً لحاجة ومطلوب فوجده مشتغلاً بطهارة ونحوها لم يقطعها عليه حتى يفرغ ثم يسأل حاجته إلا أن يخاف فوتها، وقولها زعم معناه هنا ذكر أمراً لا أعتقد موافقته فيه، وإنما قالت ابن أمي مع أنه ابن أمها وأبها لتأكيد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن واحد وكثرة ملازمة الأم، وهو موافق لقول هارون صلى الله عليه وسلم: {يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي} واستدل بعض أصحابنا وجمهور العلماء بهذا الحديث على صحة أمان المرأة، قالوا: وتقدير الحديث حكم الشرع صحة جواز من أجرت، وقال بعضهم: لا حجة فيه لأنه محتمل لهذا ومحتمل لابتداء الأمان، ومثل هذا الخلاف اختلافهم في قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلاً فله سلبه" هل معناه أن هذا حكم الشرع في جميع الحروب إلى يوم القيامة أم هو إباحة رآها الإمام في تلك المرة بعينها، فإذا رآها الإمام اليوم عما بها وإلا فلا، وبالأول قال الشافعي وآخرون، وبالثاني أبو حنيفة ومالك، ويحتج للأكثرين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها الأمان ولا بين فساده، ولو كان فاسداً لبينه لئلا يغتر به. وقولها: (فلان بن هبيرة) وجاء في غير مسلم فر إلى رجلان من أحماي، وروينا في كتاب الزبير بن بكار أن فلان بن هبيرة هو الحارث ابن هشام المخزومي، وقال آخرون: هو عبد الله بن أبي ربيعة، وفي تاريخ مكة للأزرقي أنها أجارت رجلين أحدهما عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة والثاني الحارث بن هشام بن المغيرة وهما من بني مخزوم، وهذا الذي ذكره الأزرقي يوضح الإسمين ويجمع بين الأقوال في ذلك. قولها: "وذلك ضحى" استبدل به أصحابنا وجماهير العلماء على استحباب جعل الضحى ثمان ركعات، وتوقف فيه القاضي وغيره ومنعوا دلالته قالوا: لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته لا عن نيتها، فلعلها كانت صلاة شكر الله تعالى على الفتح، وهذا الذي قالوه فاسد، بل الصواب صحة الاستدلال به، فقد ثبت عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين، رواه أبو داود في سننه بهذا اللفظ بإسناد صحيح على شرط البخاري.
قوله: (عن يحيى بن عقيل) بضم العين. قوله: (عن أبي الأسود الدؤلي) في ضبطه خلاف وكلام طويل سبق مبسوطاً في كتاب الإيمان. قوله صلى الله عليه وسلم: "على كل سلامي من أحدكم صدقة" هو بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله، وسيأتي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل مفصل صدقة". قوله صلى الله عليه وسلم: "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" ضبطناه ويجزى بفتح أوله وضمه، فالضم من الإجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى، ومنه قوله تعالى: {لا تجزى نفس} وفي الحديث: "لا يجزى عن أحد بعدك" وفيه دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين.
قوله: (أوصاني خليلي) لا يخالف قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً" لأن الممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم غيره خليلاً، ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً. وفي هذا الحديث وحديث أبي الدرداء الحث على الضحى وصحتها ركعتين، والحث على صوم ثلاثة أيام من كل شهر وعلى الوتر وتقديمه على النوم لمن خاف أن لا يستيقظ آخر الليل، وعلى هذا يتأول هذا الحديثان لما ذكره مسلم بعد هذا كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: (عن أبي شمر) بفتح الشين وكسر الميم ويقال بكسر الشين وإسكان الميم، وهو معدود فيمن لا يعرف اسمه وإنما يعرف بكنيته. قوله: (عبد الله الداناج) هو بالدال المهملة والنون والجيم وهو العالم وسبق بيانه.
قوله: (عبد الله بن حنين) هو بالنون بعد الحاء.
*2* باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما. وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ حَفْصَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ، إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذّنُ مِنَ الأَذَانِ لِصَلاَةِ الصّبْحِ، وَبَدَا الصّبْحُ، صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصّلاَةُ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيّوبَ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ. بِهَذَا الاْسْنَادِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَكَمِ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحمّدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعَاً يُحَدّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لاَ يُصَلّي إِلاّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ، إِذَا أَضَاءَ لَهُ الْفَجْرُ، صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، إِذَا سَمِعَ الأَذَانَ، وَيُخَفّفُهُمَا.
وحدّثنيهِ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ (يَعْنِي ابْنَ مُسْهرٍ). ح وَحَدّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ نَبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ، بَيْنَ النّدَاءِ وَالإِقَامَةِ، مِنْ صَلاَةِ الصّبْحِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَىَ بْنَ سَعِيدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ عَمْرَةَ تُحَدّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا كَانَتْ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. فَيُخَفّفُ حَتّىَ إني أقول: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمّ الْقُرْآنِ أَمْ لاَ؟.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَنْصَارِيّ. سَمِعَ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ. أَقُولُ: هَلْ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: حَدّثَنَي عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النّوَافِلِ، أَشَدّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ، عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصّبْحِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيَاثٍ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا حَفْصٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي شَيْءٍ مِنَ النّوَافِلِ، أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ.
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَالَ: قَالَ أَبِي: حَدّثَنَا قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ، فِي شَأْنِ الرّكْعَتَيْنِ عَنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ "لَهُمَا أَحَبّ إِلَيّ مِنَ الدّنْيَا جَمِيعاً".
حدّثني مُحمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ (هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ}.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْفَزَارِيّ (يَعْنِي مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَنْصَارِيّ. قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: فِي الأُولَىَ مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنّا بِالله وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (البقرة الاَية: 6). الاَيَةَ الّتِي فِي الْبَقَرَةِ. وَفِي الاَخِرَةِ مِنْهُمَا: {آمَنّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران الاَية: ).
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَة. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ: {قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}. وَالّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: {تَعَالَوْا إِلَىَ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (آل عمران الاَية: ).
وحدّثني عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِي هَذَا الاْسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَرْوَانَ الْفَزَارِيّ.
قوله: (ركع ركعتين خفيفتين) فيه أنه يسن تخفيف سنة الصبح وأنهما ركعتان. قوله: (كان إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين) قد يستدل به من يقول تكره الصلاة من طلوع الفجر إلا سنة الصبح وما له سبب، ولأصحابنا في المسألة ثلاثة أوجه: أحدها هذا ونقله القاضي عن مالك والجمهور. والثاني: لا تدخل الكراهة حتى يصلي سنة الصبح. والثالث: لا تتدخل الكراهة حتى يصلي فريضة الصبح وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وليس في هذا الحديث دليل الكراهة حتى يصلي فريضة الصبح وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وليس في هذا الحديث دليل ظاهر على الكراهة إنما فيه الإخبار بأنه كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي غير ركعتي السنة ولم ينه عن غيرها.
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما). وفي رواية: (إذا طلع الفجر) فيه أن سنة الصبح لا يدخل وقتها إلا بطلوع الفجر واستحباب تقديمها في أول طلوع الفجر وتخفيفها وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور، وقال بعضف السلف: لا بأس بإطالتهما ولعله أراد أنها ليست محرمة، ولم يخالف في استحباب التخفيف، وقد بالغ قوم فقالوا لا قراءة فيهما أصلاً حكاه الطحاوي والقاضي وهو غلط بين، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بعد الفاتحة: ب{قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} وفي رواية: {قولوا آمنا بالله} و{قل يا أهل الكتاب تعالوا} وثبت في الأحاديث الصحيحة. "لا صلاة إلا بقراءة ولا صلاة إلا بأم القرآن" و" لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بالقرآن" واستدل بعض الحنفية بهذا الحديث على أنه لا يؤذن للصبح قبل طلوع الفجر للأحاديث الصحيحة "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، وهذا الحديث الذي في الباب المراد به الأذان الثاني. قولها: (يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن) هذا الحديث دليل على المبالغة في التخفيف، والمراد المبالغة بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من إطالة صلاة الليل وغيرها من نوافله، وليس فيه دلالة لمن قال لا تقرأ فيهما أصلاً لما قدمناه من الدلائل الصحيحة الصريحة. قولا: (لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح) فيه دليل على عظم فضلهما وأنهما سنة ليستا واجبتين وبه قال جمهور العلماء. وحكى القاضي عياض عن الحسن البصري رحمهما الله تعالى وجوبهما، والصواب عدم الوجوب لقولها: على شيء من النوافل، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات قال: هل علي غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع" وقد يستدل به لأحد القولين عندنا في ترجيح سنة الصبح على الوتر لكن لا دلالة فيه لأن الوتر كان واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتناوله هذا الحديث.
قوله صلى الله عليه وسلم: ("ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها") أي من متاع الدنيا.
قوله: (قرأ في ركعتي الفجر: قل يا أيها الكفارون وقل هو الله أحد).
وفي الرواية الأخرى (قرأ الاَيتين: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} و{قل يا أهل الكتاب تعالوا} هذا دليل لمذهبنا، ومذهب الجمهور أنه يستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة، ويستحب أن يكون هاتان السورتان أو الاَيتان كلاهماسنة. وقال مالك وجمهور أصحابه: لا يقرأ غير الفاتحة، وقال بعض السلف: لا يقرأ شيئاً كما سبق وكلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لها.
*2* باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن
*حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ (يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَحَيّانَ) عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. قَالَ: حَدّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فِي مَرَضِهِ الّذِي مَاتَ فِيهِ، بِحَدِيثٍ يَتَسَارّ إِلَيْهِ. قَالَ: سَمِعْتُ أُمّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنّ بَيْتٌ فِي الْجَنّةِ".
قَالَتْ أُمّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنّ مِنْ أُمّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنّ مِنْ عَنْبَسَةَ.
وَقَالَ النّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ.
حدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا دَاوُدُ عَنِ النّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ "مَنْ صَلّىَ فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً، تَطَوّعاً، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنّةِ".
وحدّثنا مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ النّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: سَمِعَتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلّي لله كُلّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوّعاً، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلاّ بَنَى الله لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ. أَوْ إِلاّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنّةِ".
قَالَتْ أُمّ حَبِيبَةَ: فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِيهِنّ بَعْدُ.
وقالَ عَمْرٌو: مَا بَرِحْتُ أُصَلّيهِنّ بَعْدُ. وَقَالَ النّعْمَانُ، مِثْلَ ذَلِكَ.
وحدّثني عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: النّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ أَخْبَرَنِي. قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ أَوْس يُحَدّثُ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ تَوَضّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمّ صَلّىَ لله كُلّ يَوْمٍ" فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الظّهْرِ سَجْدَتَيْنِ. وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ. وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ. وَبَعْدَ الْعِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ. وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ. فَأَمّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ. فَصَلّيْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ.
فيه حديث أم حبيبة: "صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة") وفي رواية: ("ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة").
وفي حديث ابن عمر: (قبل الظهر سجد سجدتين وكذا بعدها وبعد المغرب والعشاء والجمعة) وزاد في صحيح البخاري: قبل الصبح ركعتين وهذه اثنتا عشرة.
*2* باب جواز النافلة قائماً وقاعداً، وفعل بعض الركعة قائماً وبعضها قاعدا
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ تَطَوّعِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظّهْرِ أَرْبَعاً. ثُمّ يَخْرُجُ فَيُصَلّي بِالنّاسِ. ثُمّ يَدْخُلُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ يُصَلّي بِالنّاسِ الْمَغْرِبَ. ثُمّ يَدْخُلُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ. وَيُصَلّي بِالنّاسِ الْعِشَاءَ. وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ. فِيهِنّ الْوِتْرُ. وَكَانَ يُصَلّي لَيْلاً طَوِيلا قَائماً. وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً. وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ. وَإِذَا قَرَأَ قَاعِداً، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ. وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ بُدَيْلٍ وَ أَيّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي لَيْلاً طَوِيلاً. فَإِذَا صَلّى قَائِماً، رَكَعَ قَائِماً. وَإِذَا صَلّى قَاعِداً، رَكَعَ قَاعِداً.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُدَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ شَاكِياً بِفَارِسَ. فَكُنْتُ أُصَلِي قَاعِداً. فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَائِشَةَ؟ فَقَالْتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي لَيْلاً طَوْيلاً قَائِماً. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللّيْلِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِماً. وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً. وَكَانَ إِذَا قَرَأَ قَائِماً، رَكَعَ قَائِماً، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِداً، رَكَعَ قَاعِداً.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسّانَ، عَنْ مُحمّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيّ قَالَ: سَأَلْنَا عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الصّلاَةَ قَائماً وَقَاعِداً. فَإِذَا افْتَتَحَ الصّلاَةَ قَائِماً، رَكَعَ قَائِماً. وَإِذَا افْتَتَحَ الصّلاَةَ قَاعِداً رَكَعَ قَاعِداً.
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. أَخْبَرَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) ح قَالَ وَحَدّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ بْنُ مَيْمُونٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَةِ اللّيْلِ جَالِساً. حَتّىَ إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِساً. حَتّىَ إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السّورَةِ ثَلاَثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً. قَامَ فَقَرَأَهُنّ. ثُمّ رَكَعَ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ وَ أَبِي النّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي جَالِساً. فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ. فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَاتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلاَثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً. قَام فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ. ثُمّ رَكَعَ. ثُمّ سَجَدَ. ثُمّ يَفْعَلُ فِي الرّكْعَةِ الثّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحمّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ إِنْسَانٌ أَرْبَعِينَ آيَةً.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنِي مُحمّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرّكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا. فَإِذا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَرَكَعَ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. بَعْدَمَا حَطَمَهُ النّاسُ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ. فَذَكَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ
وحدّثني مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليهوسلم لَمْ يَمُتْ، حَتّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلاَتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ.
وحدّثني مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ زَيْدٍ. قَالَ: حَسَنٌ. حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدّثَنِي الضّحّاك بْنُ عُثْمَانَ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: لَمّا بَدّنَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ، كَانَ أَكْثَرُ صَلاَتِهِ جَالِساً.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السّهْمِيّ، عَنْ حَفْصَةَ أَنّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ فِي سُبْحَتِهِ قَاعِداً. حَتّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ. فَكَانَ يُصَلّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِداً. وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسّورَةِ فَيُرَتّلُهَا. حَتّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. جَمِيعاً عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّهُمَا قَالاَ: بِعَامٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمُتْ، حَتّىَ صَلّىَ قَاعِداً.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَىَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حُدّثْتُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاَةُ الرّجُلِ قَاعِداً نِصْفُ الصّلاَةِ" قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلّي جَالِساً. فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِي. فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبْدِ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو؟ قُلْتُ: حُدّثْتُ، يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّكَ قُلْتَ: "صَلاَةُ الرّجُلِ قَاعِداً عَلَى نِصْفِ الصّلاَةِ" وَأَنْتَ تُصَلِي قَاعِداً قَالَ: "أَجَلْ. وَلَكِنّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ مُحمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: عَنْ أَبِي يَحْيَىَ الأَعْرَجِ.
وفي حديث عائشة هنا: (أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها وبعد المغرب وبعد العشاء وإذا طلع الفجر صلى ركعتين) وهذه اثنتا عشرة أيضاً، وليس للعصر ذكر في الصحيحين، وجاء في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين" وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً". رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. وجاء في أربع بعد الظهر حديث صحيح عن أم حبيبة قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار". رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وفي صحيح البخاري عن ابن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا قبل المغرب قال في الثالثة لمن شاء" وفي الصحيحين عن ابن غفل أيضاً "عن النبي صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة". المراد بين الأذان والإقامة. فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة في السنن الراتبة مع الفرائض. قال أصحابنا وجمهور العلماء بهذه الأحاديث كلها واستحبوا جميع هذه النوافل المذكورة في الأحاديث السابقة، ولا خلاف في شيء منها عند أصحابنا إلا في الركعتين قبل المغرب ففيهما وجهان لأصحابنا أشهرهما لا يستحب، والصحيح عند المحققين استحبابهما بحديثي ابن مغفل وبحديث ابتدارهم السواري بها وهو في الصحيحين، قال أصحابنا وغيرهم: واختلاف الأحاديث في أعدادها محمول على توسعة الأمر فيها وأن لها أقل وأكمل فيحصل أصل السنة بالأقل ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل، وهذا كما سبق في اختلاف أحاديث الضحى وكما في أحاديث الوتر فجاءت فيها كلها أعدادها بالأقل والأكثر وما بينهما ليدل على أقل المجزئ في تحصيل أصل السنة وعلى الأكمل والأوسط والله أعلم. قوله: (حدثنا أبو خالد عن داود بن هند عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة) هذا الحديث فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم داود النعمان وعمرو وعنبسة وقد سبقت لهذا نظائر كثيرة. قوله: (بحديث يتسار إليه) هو بمثناة تحت مفتوحة ثم مثناة فوق وتشديد الراء المرفوعة أي يسر به من السرور لما فيه من البشارة مع سهولته وكان عنبسة محافظاً عليه كما ذكره في آخر الحديث، ورواه بعضهم بضم أوله على ما لم يسم فاعله وهو صحيح أيضاً. قوله صلى الله عليه وسلم: (تطوعاً غير فريضة") هو من باب التوكيد ورفع احتمال إرادة الاستعاذة ففيه استحباب استعمال التوكيد إذا احتيج إليه قوله: (قالت أم حبيبة فما تركتهن وكذا قال عنبسة وكذا قال عمرو بن أوس والنعمان بن سالم) فيه أنه يحسن من العالم ومن يقتدي به أن يقول مثل هذا ولا يقصد به تزكية نفسه بل يريد حث السامعين على التخلق بخلقه في ذلك وتحريضهم على المحافظة عليه وتنشيطهم لفعله. قوله: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين) أي ركعتين. قولها: (كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين) وذكرت مثله في المغرب والعشاء ونحوه في حديث ابن عمر فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كمايستحب فيه غيرها، ولا خلاف في هذا عندنا وبه قال الجمهور وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل، قال جماعة من السلف: الاختيار فعلها في المسجد كلها. وقال مالك والثوري: الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد وراتبة الليل في البيت، ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة وفيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم يصلي سنة الصبح والجمعة في بيته وهما صلاتا نهار، مع قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" وهذا عام صحيح صريح لا معارض له فليس لأحد العدول عنه والله أعلم. قال العلماء: والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها إن عرض فيها نقص كما ثبت في الحديث في سنن أبي داود وغيره، ولترتاض نفسه بتقديم النافلة ويتنشط بها ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة، ولهذا يستحب أن تفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين كما ذكره مسلم بعد هذا قريبا.
قولها: (وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً) فيه جواز النفل قاعداً مع القدرة على القيام وهو إجماع العلماء. قوله: (كنت شاكياً بفارس وكنت أصلي قاعداً فسألت عن ذلك عائشة رضي الله عنها) هكذا ضبطه جميع الرواة قال: وغلط بعضهم فقال: صوابه نقارس بالنون والقاف وهو وجع معروف لأن عائشة لم تدخل بلاد فارس قط فكيف يسألها فيها، وغلطه القاضي في هذا وقال ليس بلازم أن يكون سألها في بلاد فارس بل سألها بالمدينة بعد رجوعه من فارس وهذا ظاهر الحديث، وأنه إنما سألها عن أمر انقضى هل هو صحيح أم لا لقوله: وكنت أصلي قاعداً.
قولها: (قرأ جالساً حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع) فيه جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء، وسواء قام ثم قعد أو قعد ثم قام ومنعه بعض السلف وهو غلط. وحكى القاضي عن أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة في آخرين كراهة القعود بعد القيام، ولو نوى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عندنا وعند الجمهور، وجوزه من المالكية ابن القاسم ومنعه أشهب. قولها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام قدر ما قرأ الإنسان أربعين آية) هذا دليل على استحباب تطويل القيام في النافلة، وأنه أفضل من تكثير الركعات في ذلك الزمان، وقد تقدمت المسألة مبسوطة وذكرنا اختلاف العلماء فيهما، وأن مذهب الشافعي تفضيل القيام.
قولها: (قعد بعد ما حطمه الناس) قال الراوي في تفسيره: يقال حطم فلاناً أهله إذا كبر فيهم كأنه لما حمله من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيروه شيخاً محطوماً والحطم الشيء اليابس. قولها: (لما بدن رسول صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالساً) قال القاضي عياض رحمه الله: قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث: بدن الرجل بفتح الدال المشددة تبديناً إذا أسن، قال أبو عبيد: ومن رواه بدن بضم الدال المخففة فليس له معنى هنا لأن معناه كثر لحمه وهو خلاف صفته صلى الله عليه وسلم، يقال بدن بالضم وعن العذري بالتشديد وأراه إصلاحاً، قال: ولا ينكر اللفظان في حقه صلى الله عليه وسلم فقد قالت عائشة في صحيح مسلم بعد هذا بقريب: "فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع" وفي حديث آخر: "ولحم" وفي آخر: "أسن وكثر لحمه". وقول ابن أبي هالة في وصفه بادن متماسك هذا كلام القاضي، والذي ضبطناه ووقع في أكثر أصول بلادنا بالتشديد والله أعلم.
قوله: (عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة عن حفصة) هؤلاء ثلاة صحابيون يروي بعضهم عن بعض السائب والمطلب وحفظة.
قوله: (هلال بن يساف) بفتح الياء وكسرها ويقال فيه إساف بكسر الهمزة. قوله: (عن عبد الله بن عمرو أنه وجد النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالساً قال: فوضعت يدي على رأسه فقال: "ما لك يا عبد الله بن عمرو"؟ قلت: حدثت رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً، قال: "أجل ولكني لست كأحد منكم") معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم فيتضمن صحتها ونقصها أجرها، وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعداً مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعداً لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما، وأما الفرض فإن الصلاة قاعداً مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به، قال أصحابنا: وإن استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين، كما لو استحل الزنا والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم، وإن صلى الفرض قاعداً لعجزه عن القيام أو مضطجعاً لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائما لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعين حمل الحديث في تصنيف الثواب على من صلى النفل قاعداً مع قدرته على القيام هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث، وحكاه القاضي عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون، وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر، قال: وحمله بعضهم على من له عذر يرخص في القعود في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ("لست كأحد منكم") فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت نافلته قاعداً مع القدرة على القيام كنافلته قائماً تشريفاً له، كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات. وقال القاضي عياض: معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة من القيام لحطم الناس وللسن فكان أجره تاماً بخلاف غيره ممن لا عذر له، هذا كلامه وهو ضعيف أو باطل، لأن غيره صلى الله عليه وسلم إن كان معذوراً فثوابه أيضاً كامل، وإن كان قادراً على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير: "لست كأحد منكم" وإطلاق هذا القول، فالصواب ما قاله أصحابنا أن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعداً مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائماً وهو من الخصائص والله أعلم. واختلف العلماء في الأفضل من كيفية القعود موضع القيام في النافلة وكذا في الفريضة إذا عجز، وللشافعي قولان أظهرهما يقعد مفترشاً والثاني متربعاً، وقال بعض أصحابنا متوركاً، وبعض أصحابنا ناصباً ركبته، وكيف قعد جاز، لكن الخلاف في الأفضل والأصح عندنا جواز التنفل مضطجعاً للقادر على القيام والقعود للحديث الصحيح في البخاري: (ومن صلى قائماً له نصف أجر القاعد" وإذا صلى مضطجعاً فعلى يمينه فإن كان على يساره جاز وهو خلاف الأفضل، فإن استلقى مع مكان الاضطجاع لم يصح قيل الأفضل مستلقيا وأنه إذا اضطجع لا يصح والصواب الأول والله أعلم.
*2* باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي بِاللّيْلِ إِحْدَىَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ. فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَىَ شِقّهِ الأَيْمَنِ. حَتّىَ يَأْتِيَهُ الْمُؤَذّنُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ (وَهِيَ الّتِي يَدْعُو النّاسُ الْعَتَمَةَ) إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَىَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُسَلّمُ بَيْنَ كُلّ رَكْعَتَيْنِ. وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ. فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذّنُ مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذّنُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. ثُمّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقّهِ الأَيْمَنِ. حَتّىَ يَأْتِيَهُ الْمُؤَذّنُ لِلإِقَامَةِ.
وحدّثنيهِ حَرْمَلَةُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَسَاقَ حَرْمَلَةُ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَتَبَيّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُوءَذّنُ وَلَمْ يَذْكُرِ: الاْقَامَةَ. وَسَائِرُ الْحَدِيثِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرٍو، سَوَاءَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ. لاَ يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلاّ فِي آخِرِهَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ أَبُو أُسَامَةَ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ، عَلَى إِحْدَىَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُصَلّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنّ وَطُولِهِنّ. ثُمّ يُصَلّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عنْ حُسْنِهِنّ وَطُولِهِنّ. ثُمّ يُصَلّي ثَلاَثاً. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنّ عَيْنَيّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَىَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلّي ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُصَلّي ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ثُمّ يُوتِرُ. ثُمّ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ. ثُمّ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النّدَاءِ وَالإِقَامَةِ، مِنْ صَلاَةِ الصّبْحِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَىَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ. ح وَحَدّثَنِي يَحْيَىَ بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيريّ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (يَعْني ابْنَ سَلاّمٍ) عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيِثِهِمَا: تِسْعَ رَكَعَاتِ قَائِماً، يُوتِرُ مِنْهُنّ.
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ. سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَيْ أُمّهُ أَخْبِرينِي عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: كَانَتْ صَلاَتُهُ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِاللّيْلِ. مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ.
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا حَنْظَلَةُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحمّدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ. وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ. وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. فَتِلْكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ. قَالَ: سَأَلْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ عَمّا حَدّثَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوّلَهُ وَيُحْيَىَ آخِرَهُ. ثُمّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَىَ أَهْلِهِ قَضَىَ حَاجَتَهُ ثُمّ يَنَامُ. فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النّدَاءِ الأَوّلِ قَالَتْ وَثَبَ. (وَلاَ وَاللّهِ مَا قَالَتْ: قَامَ) فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. (وَلاَ وَاللّهِ مَا قَالَتِ: اغْتَسَلَ. وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تُريدُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُباً تَوَضّأَ وُضُوءَ الرّجُلِ لِلصّلاَةِ. ثُمّ صَلّى الرّكْعَتَيْنِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا عَمّارُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ. حَتّى يَكُونَ آخِرُ صَلاَتِهِ الْوِتْرَ.
حدّثني هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ عَمْلَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُحِبّ الدّائِمَ قَالَ قُلْتُ: أَيّ حِينٍ كَانَ يُصَلّي؟ فَقَالَتْ: كَانَ إِذَا سَمِعَ الصّارِخَ، قَامَ فَصَلّى.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ: مَا أَلْفَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم السّحَرُ الأَعْلَىَ فِي بَيْتِي، أَوْ عِنْدِي، إِلاّ نَائِماً.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ نَصْرُ بْنُ عَلِيَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة عَنْ أَبِي النّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلّىَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً، حَدّثَنِي وَإِلاّ اضْطَجَعَ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتّابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيْمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ: "قُومِي، فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ".
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْد الرّحْمَنِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي صَلاَتَهُ بِاللّيْلِ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَهَا فَأَوْتَرَتْ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ (وَاسْمُهُ وَاقِدٌ، وَلَقَبُهُ وَقْدَانُ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. كِلاَهُمَا عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: مِنْ كُلّ اللّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَانْتَهَىَ وِتْرُهُ إِلَى السّحَرِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ وَثّابٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: مِنْ كُلّ اللّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. مِنْ أَوّلِ الليل وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ. فَانْتَهَىَ وِتْرُهُ إِلَى السّحَرِ.
حدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا حَسّانُ (قَاضِي كِرْمَانَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضّحَىَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كُلّ اللّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَانْتَهَىَ وِتْرُهُ إلَىَ(آخِرِ اللّيْلِ).
قال القاضي عياض في حديث عائشة من رواية سعد بن هشام) (قام النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ركعات). وحديث عروة عن عائشة: (بأحدى عشرة منهن الوتر يسلم من كل ركعتين وكان يركع ركعتي الفجر إذا جاءه المؤذن)
ومن رواية هشام بن عروة وغيره عن عروة عنها: (ثلاث عشرة بركعتي الفجر).
وعنها: "كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة أربعاً أربعاً وثلاثاً" وعنها: "كان يصلي ثلاث عشرة ثمانياً ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس ثم يصلي ركعتي الفجر" وقد فسرتها في الحديث الاَخر منها ركعتا الفجر. وعنها في البجاري: "أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل سبع وتسع" وذكر البخاري ومسلم بعد هذا من حديث ابن عباس: "أن صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة وركعتين بعد الفجر سنة الصبح" وفي حديث زيد بن خالد (أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين خفيفتين ثم طويلتين) وذكر الحديث وقال في آخره: (فتلك ثلاث عشرة) قال القاضي: قال العلماء في هذه الأحاديث إخبار كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة بما شاهد. وأما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها، وقيل من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بأحد عشرة هو الأغلب، وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادراً في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله سبع، وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود، أو لنوم أو عذر مرض أو غيره أو في بعض الأوقات عند كبر السن كما قالت، فلما أسن صلى سبع ركعات أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل كما رواه زيد بن خالد وروتها عائشة بعدها هذا في مسلم، وتعد ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة أو تعد إحداهما، وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها تارة، قال القاضي: ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه والله أعلم. قوله: (ويوتر منها بواحدة) دليل على أن أقل الوتر ركعة وأن الركعة الفردة صلاة صحيحة وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصح الإيتار بواحدة ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط والأحاديث الصحيحة ترد عليه. قولها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين" قال القاضي عياض في هذا الحديث: أن إِلاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر. وفي الرواية الأخرى: "عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع بعد ركعتي الفجر". وفي حديث ابن عباس أن إِلاضطجاع كان بعد صلاة الليل قبل ركعتي الفجر. قال: وهذا فيه رد على الشافعي وأصحابه في قولهم إن الإضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة. قال: وذهب مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة إلى أنه بدعة، وأشار إلى أن رواية إِلاضطجاع بعد ركعتي الفجر مرجوحة، قال: فتقدم رواية إِلاضطجاع قبلهما، قال: ولم يقل أحد في إِلاضطجاع قبلهما أنه سنة فكذا بعدهما، قال: وقد ذكر مسلم عن عائشة: "فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع" فهذا يدل على أنه ليس بسنة، وأنه تارة كان يضطجع قبل، وتارة بعد، وتارة لا يضطجع، هذا كلام القاضي، والصحيح أو الصواب أن إِلاضطجاع بعد سنة الفجر لحديث أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه". رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح، فهذا حديث صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع. وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث ابن عباس قبلها فلا يخالف هذا فإنه لا يلزم من إِلاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعد، ولعله صلى الله عليه وسلم ترك إِلاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بياناً للجواز لو ثبت الترك ولم يثبت فلعله كان يضطجع قبل وبعد، وإذا صح الحديث في الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل الموافقة للأمر به تعين المصير إليه، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث فل يجزرد بعضها، وقد أمكن بطريقين أشرنا إليهما: أحدهما: أنه اضطجع قبل وبعد، والثاني: أنه تركه بعد في بعض الأوقات لبيان الجواز والله أعلم. قولها: "اضطجع على شقه الأيمن" دليل على استحباب إِلاضطجاع والنوم على الشق الأيمن، قال العلماء: وحكمته أنه لا يستغرق في النوم لأن القلب في جنبه اليسار فيعلق حينئذٍ فلا يستغرق، وإذا نام على اليسار كان في دعة واستراحة فيستغرق. قولها: (حتى يأتيه المؤذن) دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد، وفيه جواز إعلام المؤذن الإمام بحضور الصلاة وإقامتها واستدعائه لها، وقد صرح به أصحابنا وغيرهم. قولها: (فيصلي ركعتين خفيفتين) هما سنة الصبح وفيه دليل على تخفيفهما وقد سبق بيانه في بابه. قولها: (ليسلم بين كل ركعتين) دليل على استحباب السلام في كل ركعتين، والذي جاء في بعض الأحاديث لا يسلم إلا في الاَخرة محمول على بيان الجواز. قولها: (ويوتر بواحدة) صريح في صحة الركعة الواحدة وأن أقل الوتر ركعة وقد سبق قريباً. قولها: "يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها". وفي رواية أخرى: "يسلم من كل ركعتين". وفي رواية: "يصلي أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً".
وفي رواية: "ثمان ركعات ثم يوتر بركعة". وفي رواية: "عشر ركعات ويوتر بسجدة". وفي حديث ابن عباس: (فصلى ركعتين) إلى آخره. وفي حديث ابن عمر: (صلاة الليل مثنى مثنى) هذا كله دليل على أن الوتر ليس مختصاً بركعة ولا بإحدى عشرة ولا بثلاث عشرة، بل يجوز ذلك وما ينه وأنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة وهذا لبيان الجواز، وإِلا فالأفضل التسليم من كل ركعتين وهو المشهور من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بصلاة الليل مثنى مثنى. قولها: "كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" معناه هن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات بظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف، وفي هذا الحديث مع الأحاديث المذكورة بعده في تطويل القراءة والقيام دليل لمذهب الشافعي وغيره ممن قال تطويل القيام أفضل من تكثير الركوع والسجود، وقال: طائفة تكثير الركوع والسجود أفضل. وقال: طائفة تطويل القيام في الليل أفضل وتكثير الركوع والسجود في النهار أفضل. وقد سبقت المسألة مبسوطة بدلائلها في أبواب صفة الصلاة. قوله صلى الله عليه وسلم: "أن عيني تنامان ولا ينام قلبي" هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وسبق في حديث نومه صلى الله عليه وسلم في الوادي فلم يعلم بفوات وقت الصبح حتى طلعت الشمس، وأن طلوع الفجر والشمس متعلق بالعين لا بالقلب، وأما أمر الحدث ونحوه فمتعلق بالقلب وأنه قيل أنه في وقت ينام قلبه وفي وقت لا ينام فضادف الوادي نومه والصواب الأول. قولها: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح" هذا الحديث أخذ بظاهره الأوزاعي وأحمد فيما حكاه القاضي عنهما فأباحا ركعتين بعد الوتر جالساً، وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنع من فعله، قال: وأنكره مالك، قلت: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالساً لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالساً، ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة، ولا تغتر بقولها كان يصلي فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه مرة، فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع فاستعملت كان في مرة واحدة، ولا يقال لعلها طيبته في إحرامه بعمرة لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع، فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة كما قاله الأصوليون، وإنما تأولنا حديث الركعتين جالساً لأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة مع روايات خلائق من الصحابة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كان وتراً، وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر يجعل آخر صلاة الليل وتراً منها "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً وصلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة". وغير ذلك فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل، وإنما معناه ما قدمناه من بيان الجواز وهذا الجواب هو الصواب، وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين جالساً فليس بصواب، لأن الأحاديث إذا صحّت وأمكن الجمع بينها تعين وقد جمعنا بينها ولله الحمد. قوله: (حدثنا يحيى بن بشر الحريري) هو بفتح الحاء المهملة وسبق التنبيه عليه في مقدمة هذا الشرح. قوله: "غير أن في حديثهما تسع ركعات يوتر منهن" كذا في بعض الأصول منهن وفي بعضها فيهن وكلاهما صحيح. قوله: "منها ركعتي الفجر" كذا في أكثر الأصول وفي بعضها ركعتا وهو الوجه، ويتأول الأول على تقدير يصلي منها ركعتي الفجر. قولها: "ويوتر بسجدة" أي بركعة.
قوله: (وثب) أي قام بسرعة ففيه إِلاهتمام بالعبادة والإقبال عليها بنشاط وهو بعض معنى الحديث الصحيح المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. قولها: "ثم صلى الركعتين" أي سنة الصبح.
قوله: (عمار بن رزيق) براء ثم زاي. قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الوتر" فيه دليل لما قدمناه من أن السنة جعل آخر صلاة الليل وتراً، وبه قال العلماء كافة، وسبق تأويل الركعتين بعده جالساً.
قولها: (كان يحب العمل الدائم) فيه الحث على القصد في العبادة وأنه ينبغي للإنسان أن لا يحتمل من العبادة إلا ما يطيق الدوام عليه ثم يحافظ عليه. قولها: "كان إذا سمع الصارخ قام فصلى" الصارخ هنا هو الديك باتفاق العلماء، قالوا: وسمي بذلك لكثرة صياحه.
قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع" فيه دليل على إباحة الكلام بعد سنة الفجر وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال القاضي: وكرهه الكوفين. وروي عن ابن مسعود وبعض السلف لأنه وقت استغفار، والصواب الإباحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكونه وقت استحباب الاستغفار لا يمنع من الكلام.
قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة". وفي الرواية الأخرى: "إذا بقي الوتر أيقظها فأوترت". فيه أنه يستجب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره، وأن الأمر بالنوم على وتر إنما هو في حق من لم يثق كما سنوضحه قريباً إن شاء الله تعالى، وقد سبق التنبيه عليه في حديثي أبي هريرة وأبي الدرداء.
قوله في أبي يعفور: (واسمه واقد ويقال وقدان) هذا هو الأشهر وقيل عكسه وكلاهما باتفاق، وهذا أبو يعفور بالفاء والراء أبو يعفور الأصغر السامري الكوني التابعي واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن بسطاس، واتفقا في كنيتهما وبلدهما وتبعيتهما ويتميزان بالاسم والقبيلة، وأن الأول يقال فيه أبو يعفور الأكبر، والثاني الأصغر، وقد سبق إيضاحهما أيضاً في كتاب الإيمان في أي الأعمال أفضل. قولها: "من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر". وفي رواية أخرى: (إلى آخر الليل). فيه جواز الإيتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته، واختلفوا في أول وقته فالصحيح في مذهبنا والمشهور عن الشافعي والأصحاب أنه يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني، وفي وجه يدخل بدخول وقت العشاء، وفي وجه لا يصح الإيتار بركعة إلا بعد نفل بعد العشاء، وفي قول يمتد إلى صلاة الصبح وقيل إلى طلوع الشمس. وقولها: (وانتهى وتره إلى السحر) معناه كان آخر أمره الإيتار في السحر والمراد به آخر الليل كما قالت في الروايات الأخرى، ففيه استحباب الإيتار آخر الليل، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عليه. قوله: (قاضي كرمان) بفتح الكاف وكسرها.
*2* باب جامع صلاة اللّيل، ومن نام عنه أَو مرض
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ أَنّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللّهِ. فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَاراً لَهُ بِهَا فَيَجْعَلَهُ فِي السّلاَحِ وَالْكُرَاعِ وَيُجَاهِدَ الرّومَ حَتّى يَمُوتَ. فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، لَقِيَ أُنَاساً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ. وَأَخْبَرُوهُ، أَنّ رَهْطاً سِتّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَهَاهُمْ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ: "أَلَيْسَ لَكُمْ فِيّ أُسْوَةٌ؟" فَلَمّا حَدّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ. وَقَدْ كَانَ طَلّقَهَا. وَأَشْهَدَ عَلَى رِجْعَتِهَا. فَأَتَى ابْنَ عَبّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أَلاَ أَدُلّكَ عَلَىَ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا. ثُمّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدّهَا عَلَيْكَ. فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا. فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ. فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا. فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا. لأَنّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشّيعَتَيْنِ شَيْئاً فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلاّ مُضِيّاً. قَالَ فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ. فَجَاءَ. فَانْطَلَقْنَا إِلَىَ عَائِشَةَ. فَاسْتَأْذَنّا عَلَيْهَا. فَأَذِنَتْ لَنَا. فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَحَكِيمٌ؟ (فَعَرَفَتْهُ) فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ: ابْنُ عَامِرٍ. فَتَرَحّمَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ خَيْراً. (قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ) فَقُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَىَ. قَالَتْ: فَإِنّ خُلُقَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، وَلاَ أَسْأَلَ أَحَداً عن شيء حَتّىَ أَمُوتَ. ثُمّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: {يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ}؟ قُلْتُ: بَلَىَ. قَالَتْ: فَإِنّ الله عَزّ وَجَلّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللّيْلِ فِي أَوّلِ هَذِهِ السّورَةِ. فَقَامَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً. وَأَمْسَكَ الله خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً فِي السّمَاءِ. حَتّى أَنْزَلَ الله، فِي آخِرِ هَذِهِ السّورَةِ، التّخْفِيفَ. فَصَارَ قِيَامُ اللّيْلِ تَطَوّعاً بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: كُنّا نُعِدّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ. فَيَبْعَثُهُ الله مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللّيْلِ. فَيَتَسَوّكُ وَيَتَوَضّأُ وَيُصَلّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ. لاَ يُجْلِسُ فِيهَا إِلاّ فِي الثّامِنَةِ. فَيَذْكُرُ الله وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ. ثُمّ يَنْهَضُ وَلاَ يُسَلّمُ. ثُمّ يَقُومُ فَيُصَلّي التّاسِعَةَ. ثُمّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ الله وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ. ثُمّ يُسَلّمُ تَسْلِيماً يُسْمِعُنَا. ثُمّ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ. فَتِلْكَ إِحْدَىَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يَا بُنَيّ. فَلَمّا سَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَخَذَهُ اللّحْمُ، أَوْتَرَ بِسَبْعٍ. وَصَنَعَ فِي الرّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوّلِ. فَتِلْكَ تِسْعٌ، يَا بُنَيّ. وَكَانَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلّىَ صَلاَةً أَحَبّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا. وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللّيْلِ صَلّىَ من النّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَلاَ أَعْلَمُ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلّهُ فِي لَيْلَةٍ. وَلاَ صَلّى لَيْلَةً إِلَى الصّبْحِ. وَلاَ صَامَ شَهْراً كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ قَالَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبّاسٍ فَحَدّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا. فَقَالَ: صَدَقَتْ: لَوْ كُنْتُ أَقْرَبُهَا أَوْ أَدْخُلُ عَلَيْهَا لأَتيْتُهَا حَتّى تُشَافِهَنِي به. قَالَ: قُلْتُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنّكَ مَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَا حَدّثْتُكَ حَدِيثَهَا.
وحدّثنا مُحَمّدُبْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ. ثُمّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبِيعَ عَقَارَهُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنّهُ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ الوِتْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيث بِقِصّتِهِ. وَقَالَ فِيهِ: قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَامِرٍ. قَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْءِ كَانَ عَامِرٌ. أُصِيبَ يَوْمَ أُحِدٍ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ أَنّ سَعْدَ بْنَ هِشَامٍ كَانَ جَاراً لَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنّه طَلّقَ امْرَأَتَهُ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ سَعِيدٍ. وَفِيهِ: قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ ابْنُ عَامِرٍ. قَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ أُصِيبَ، مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ أُحُدٍ. وَفِيه: فَقَالَ حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ: أَمَا إِنّي لَوْ عَلِمْتُ أَنّكَ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَا أَنْبَأْتُكَ بِحَدِيثهَا.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصّلاَةُ مِنَ اللّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلّىَ مِنَ النّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
وحدّثنا عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيَسىَ (وَهْوَ ابْنُ يُونسَ) عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الأَنْصَارِيّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ. وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللّيْلِ أَو مَرِضَ، صَلّىَ مِنَ النّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيْلَةً حَتّى الصّبَاحِ. وَمَا صَامَ شَهْراً مُتَتَابِعاً إِلاّ رَمَضَانَ.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَوْنُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ عُمَر بْنِ الْخَطّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللّيْلِ".
قوله: "فيجعله في السلاح والكراع" الكراع اسم للخيل. قوله: "راجع امرأته وأشهد على رجعتها" هي بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح عند الأكثرين، وقال الأزهري: الكسر أفصح. قوله: "فأتى ابن عباس سأله فقال: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض؟" فيه أنه يستحب للعالم إذا سئل عن شيء ويعرف أن غيره أعلم منه به أن يرشد السائل إليه فإن الدين النصحية، ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع. قوله: "نهينا أن نقول في هاتين الشيعتين شيئاً فأبت فيهما إلا مضياً" الشيعتان الفرقتان والمراد تلك الحروف التي جرت. قولها: "فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن" معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه وإِلاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته. قولها: "فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة" هذا ظاهره أنه صار تطوعاً في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة، فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نسخه في حقه والأصح عندنا نسخه، وأما ما حكاه القاضي عياض من بعض السلف أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم ولو قدر حلب شاة فغلط ومردود بإجماع من قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس. قولها: "كنا نعد له سواكه وطهوره" فيه استحباب ذلك والتأهب بأسباب العبادة قبل وقتها والاعتناء بها. قولها: "فيتسوك ويتوضأ" فيه استحباب السواك عند القيام من النوم. قولها: "ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا قولها يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد" هذا قد سبق شرحه قريباً. قولها: "فلما سن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم" هكذا هو في معظم الأصول سن وفي بعضها أسن وهذا هو المشهور في اللغة. قولها: "وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" هذا دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضى.
قوله: "عن يونس عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله أخبراه عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول" وذكر الحديث. هذا الإسناد والحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وزعم أنه معلل بأن جماعة. رووه هكذا مرفوعاً وجماعة رووه موقوفاً، وهذا التعليل والحديث صحيح وإسناده صحيح أيضاً، وقد سبق بيان هذه القاعدة في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح ثم في مواضع بعد ذلك، وبينا أن الصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققوا المحدثين أنه إذا روي الحديث مرفوعاً وموقوفاً أو موصولاً ومرسلاً حكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة، وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد والله أعلم. وفي هذا الإسناد فائدة لطيفة وهي أن فيه رواية صحابي عن تابعي وهو السائب عن عبد الرحمن ويدخل في رواية الكبار عن الصغار. وقوله: (القاري) بتشديد الياء منسوب إلى القارة القبيلة المعروفة سبق بيانه مرات.
*2* باب صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال
*وحدّثنا زُهْيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيّةَ) عَنْ أَيّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ الشّيْبَانِيّ أَنّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَىَ قَوْماً يُصَلّونَ مِنَ الضّحَىَ. فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ الصّلاَةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السّاعَةِ أَفْضَلُ. إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاَةُ الأَوّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: حَدّثَنَا الْقَاسِمُ الشّيْبَانِيّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ قُبَاءٍ وَهُمْ يُصَلّونَ، فَقَالَ: "صَلاَةُ الأَوّابِينَ إِذَا رَمِضَتِ الْفِصَالُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" هو بفتح التاء والميم، يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس أي حين يحترق اخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الإبل جمع فصيل من شدة حر الرمل، والأواب المطيع وقيل الراجع إلى الطاعة، وفيه فضيلة الصلاة هذا الوقت، قال أصحابنا: هو أفضل وقت صلاة الضحى وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال.
*2* باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاَةِ اللّيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ اللّيْلِ مَثْنَىَ مَثْنَىَ. فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصّبْحَ، صَلّىَ رَكْعَةً وَاحِدَةً. تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلّىَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ زُهَيْرُ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ (وَاللّفْظ لَهُ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنَا عَمْرٌو عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنَا الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاَةِ اللّيْلِ؟ فَقَالَ "مَثْنَىَ مَثْنَىَ. فَإِذَا خَشِيتَ الصّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنّ ابْنَ شِهَابٍ حَدّثَهُ أَنّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ وَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدّثَاهُ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ أَنّهُ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ صَلاَةُ اللّيْلِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "صَلاَةُ اللّيْلِ مَثْنَىَ مَثْنَىَ. فَإِذَا خِفْتَ الصّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ".
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ وَ بُدَيْلٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّائِلِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ صَلاَةُ اللّيْلِ؟ قَالَ "مَثْنَىَ مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيتَ الصّبْحَ فَصَلّ رَكْعَةً. وَاجْعَلْ آخِرَ صَلاَتِكَ وِتْرَاً" ثُمّ سَأَلَهُ رَجُلٌ، عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلاَ أَدْرِي، هُوَ ذَلِكَ الرّجُلُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ. فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
وحدّثني أَبُو كَامِلٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ وَ بُدَيْلٌ وَ عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ وَالزّبَيْرُ بْنَ الْخِرّيتِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَا بِمِثْلِهِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا: ثُمّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، وَمَا بَعْدَهُ.
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ هَرُونُ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. أَخْبَرَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "بَادِرُوا الصّبْحَ بالْوِتْرِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَنْ صَلّىَ مِنَ اللّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلاَتِهِ وِتْراً. فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِذَلَكَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ الّنِبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللّيْلِ وِتْراً".
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مِنْ صَلّىَ مِنَ اللّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلاَتِهِ وِتْراً قَبْلَ الصّبْحِ. كَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُهُمْ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التّيّاحِ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو مِجْلزٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: سَألْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنِ الْوِتْرِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ". وَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "رَكْعَةٌ مِنْ آخِر اللّيْلِ".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالاَ: حَدّثَنَا أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيد بْنِ كَثِيرٍ. قَالَ: حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ ابْنَ عُمَرَ حَدّثَهُمْ أَنّ رَجُلاً نَادَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أُوتِرُ صَلاَةَ اللّيْلِ؟ فَفَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ صَلّىَ فَلْيُصَلّ مَثْنَىَ مَثْنَىَ. فَإِنْ أَحَسّ أَنْ يُصْبِحَ، سَجَدَ سَجْدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلّىَ".
قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. وَلَمْ يَقُلِ: ابْنِ عُمَرَ.
حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، قلْتُ: أَرَأَيْتَ الرّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ أَأُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ مَثْنَىَ مَثْنَىَ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. قَالَ قُلْتُ: إِنّي لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ قَالَ: إِنّكَ لَضَخْمٌ أَلاَ تَدَعُنِي أَسْتَقْرِيءُ لَكَ الْحَدِيثَ؟ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ مَثْنَىَ مَثْنَىَ. وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. وَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ. كَأَنّ الأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ.
قَالَ خَلَفٌ: أَرَأَيْتَ الرّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: صَلاَةِ.
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ. وَفِيهِ: فَقَالَ: بَهْ بَهْ. إِنّكَ لَضَخْمٌ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ ابْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "صَلاَةُ اللّيْلِ مَثْنَىَ مَثْنَىَ. فَإِذَا رَأَيْتَ أَنّ الصّبْحَ يُدْرِكَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ. فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: مَا مَثْنَىَ مَثْنَىَ؟ قَالَ أَنْ تُسَلّمَ فِي كُلّ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَىَ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو نَضْرَةَ الْعَوَقِيّ أَنّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُمْ أَنّهُمْ سَأَلُوا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِتْرِ؟ فَقَالَ "أَوْتِرُوا قَبْلَ الصّبْحِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى" هكذا هو في صحيح البخاري ومسلم. وروى أبو داود والترمذي بالإسناد الصحيح "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى". هذا الحديث محمول على بيان الأفضل وهو أن يسلم من كل ركعتين وسواء نوافل الليل والنهار يستحب أن سلم من كل ركعتين، فلو جمع ركعات بتسليمة أو تطوع بركعة واحدة جاز عندنا. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى". وفي الحديث الاَخر: (أوتروا قبل الصبح) هذا دليل على أن السنة جعل الوتر آخر صلاة الليل، وعلى أن وقته يخرج بطلوع الفجر وهو المشهور من مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء، وقيل يمتد بعد الفجر حتى يصلي الفرض.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الوتر ركعة من آخر الليل" دليل على صحة الإيتار بركعة وعلى استحبابه آخر الليل.
قوله: (إنك لضخم) إشارة إلى الغباوة والبلادة وقلة الأدب، قالوا: لأن هذا الوصف يكون للضخم غالباً، وإنما قال ذلك لأنه قطع عليه الكلام أجله قبل تمام حديثه. قوله: (استقرئ لك الحديث) هو بالهمزة من القراءة ومعناه اذكره وأت به على وجهه بكماله. قوله: "ويصلي ركعتين قبل الغداة كأن الأذان بأذنيه" قال القاضي: المراد بالأذان هنا الإقامة وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالسنة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم. قوله: "به به" هو بموحدة مفتوحة وهاء ساكنة مكررة، وقيل معناه مه مه زجر وكف، وقال ابن السكيت: هي لتفخيم الأمر بمعنى بخ بخ.
قوله: (أبو نضر العوقي) بعين مهملة وواو مفتوحتين وقاف منسوب إلى العوقة بطن من عبد القيس، وحكى صاحب المطالع فتح الواو وإسكانها والصواب المشهور المعروف الفتح لا غير
*2* باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفْصٌ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ الليْلِ فَلْيُوتِرْ أَوّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللّيْلِ. فَإِنّ صَلاَةَ آخِرِ اللّيْلِ مَشْهُودَةٌ. وَذَلِكَ أَفَضَلُ".
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَحْضُورَة.
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ (وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللّهِ) عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "أَيّكُمْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ فَلْيُوتِرْ. ثُمّ لْيَرْقُدْ. وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنَ اللّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ. فَإِنّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللّيْلِ مَحْضُورَةٌ. وَذَلِكَ أَفْضَلُ".
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل" فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل وهذا هو الصواب، ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث: "أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر" وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن صلاة آخر الليل مشهودة" وذلك أفضل أن يشهدها ملائكة الرحمة، وفيه دليلان صريحان على تفضيل صلاة الوتر وغيرها آخر الليل
*2* باب أفضل الصلاة طول القنوت
*حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصّلاَةِ طُولُ الْقُنُوتِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَيّ الصّلاَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ "طُولُ الْقُنُوتِ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة طول القنوت" المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت، وفيه دليل للشسافعي ومن يقول كقوله أن تطويل القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود وقد سبقت المسألة قريباً وأيضاً في أبواب صفة الصلاة
*2* باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء
*وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ فِي اللّيْلِ لَسَاعَةً، لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله خَيْراً مِنْ أَمْرِ الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ إِلاّ أَعْطَاهُ إِيّاهُ، وَذَلِكَ كُلّ لَيْلَةٍ".
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ مِنَ اللّيْلِ سَاعَةً، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللّهَ خَيْرَاً، إِلاّ أَعْطَاهُ إِيّاهُ".
قوله: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى من أمر الدنيا والاَخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة" فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة، ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها
*2* باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ الأَغَرّ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَنْزِلُ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ كُلّ لَيْلَةٍ إِلَىَ السّمَاءِ الدّنْيَا حِينَ يَبْقَىَ ثُلُثُ اللّيْلِ الاَخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَنْزِلُ الله إِلَىَ السّمَاءِ الدّنْيَا كُلّ لَيْلَةٍ. حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللّيْلِ الأوّلُ. فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَنَا الْمَلِكُ. مَنْ ذَا الّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ فَلاَ يَزَالُ كَذَلكَ حَتّى يُضِيءَ الْفَجْرُ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ. حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَة بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَضَىَ شَطْرُ اللّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ إِلَى السّمَاءِ الدّنْيَا. فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَىَ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتّى يَنْفَجِرَ الصّبْحُ".
حدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو الْمُوَرّعِ. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مَرْجَانَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ الله فِي السّمَاءِ الدّنْيَا لِشَطْرِ اللّيْلِ، أَوْ لِثُلُثِ اللّيْلِ الاَخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ثُمّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلاَ ظَلُومٍ".
قَالَ مُسْلِمٌ) ابْنُ مَرْجَانَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. وَمَرْجَانَةُ أُمّهُ.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ "ثُمّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلاَ ظَلُومٍ".
حدّثنا عُثْمَانُ وَ أَبُو بَكْرِ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ (وَاللّفْظ لاِبْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَاَل الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الأَغَرّ أَبِي مُسْلِمٍ. يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله يُمْهِلُ. حَتّىَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ الأَوّلُ نَزَلَ إِلَى السّمَاءِ الدّنْيَا. فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ".
م 6 وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ مَنْصُورٍ أَتَمّ وَأَكْثَرُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء فيقول من يدعوني فأستجيب له" هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان، ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى، وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق. والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين: أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما قال: فعل السلطان: كذا إذا فعله أتباعه بأمره. والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاَخر" وفي الرواية الثانية: "حين يمضي ثلث الليل الأول". وفي رواية: "إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه" قال القاضي عياض: الصحيح رواية حين يبقى ثلث الليل الاَخر، كذا قاله شيوخ الحديث، وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه، قال: ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول، وقوله من يدعوني بعد الثلث الأخير هذا كلام القاضي، قلت: ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم أعلم بالاَخر في وقت آخر فأعلم به، وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعاً، وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة وهذا ظاهر، وفيه رد لما أشار إليه القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول وكيف يضعفها، وقد رواها مسلم في صحيحه بإسناد لا مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة والله أعلم. قوله سبحانه وتعالى: {أنا الملك أنا الملك} هكذا هو في الأصول والروايات مكرر للتوكيد والتعظيم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلما يزال كذلك حتى يضيء الفجر" فيه دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى إضاءة الفجر، وفيه الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور إلى إضاءة الفجر، وفيه تنبيه على أن آخر الليل للصلاة والدعاء والاستغفار وغيرها من الطاعات أفضل من أوله والله أعلم. قوله: (حدثنا محاضر أبو المَوزع) هو محاضر بحاء مهملة وكسر الضاد المعجمة، والمورع بكسر الراء هكذا وقع في جميع النسخ أبو المورع، وأكثر ما يستعمل في كتب الحديث ابن المورع وكلاهما صحيح وهو ابن المورع وكنيته أبو المورع. قوله في حديث حجاج بن الشاعر عن محاضر: (ينزل الله في السماء) هكذا هو في جميع الأصول في السماء وهو صحيح. قوله سبحانه وتعالى: {من يقرض غير عديم ولا ظلوم}. وفي الرواية الأخرى: (غير عدوم) هكذا هو في الأصول، في الرواية الأولى عديم والثانية عدوم. وقال أهل اللغة: يقال أعدم الرجل إذا افتقر فهو معدم وعديم وعدوم، والمراد بالقرض والله أعلم عمل الطاعة سواء فيه الصدقة والصلاة والصوم والذكر وغيرها من الطاعات، وسماه سبحانه وتعالى قرضاً ملاطفة للعباد وتحريضاً لهم على المبادرة إلى الطاعة، فإن القرض إنما يكون ممن يعرفه المقترض وبينه وبينه مؤانسة ومحبة، فحين يتعرض للقرض يبادر المطلوب منه بإجابته لفرحه بتأهيله للاقتراض منه وإدلاله عليه وذكره له وبالله التوفيق. قوله: (ثم يبسط يديه سبحانه وتعالى) هو إشارة إل ى نشر رحمته وكثرة عطائه وإجابته وإسباغ نع مته. قوله: (عن الأغر أبي مسلم) الأغر لقب واسمه سلمان
*2* باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ. فَيَقُولُ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَاتَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَىَ ذَلِكَ. ثُمّ كَانَ الأَمْرُ علَىَ ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَدْراً مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ علَىَ ذَلِكَ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا (أُرَاهُ قَالَ) إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَصَلّىَ بِصَلاَتِهِ نَاسٌ. ثُمّ صَلّىَ مِنَ الْقَابِلَةِ. فَكَثُرَ النّاسُ. ثُمّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللّيْلَةِ الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الّذِي صَنَعْتُمْ. فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاّ أَنّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ".
قَالَ: وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونسُ بْنُ يزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَصَلّىَ فِي الْمَسْجِدِ. فَصَلّىَ رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ. فَأَصْبَحَ النّاسُ يَتَحَدّثُونَ بِذَلِكَ. فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللّيْلَةِ الثّانِيَةِ. فَصَلّوْا بِصَلاَتِهِ. فَأَصْبَحَ النّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِك. فَكَثُرُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللّيْلَةَ الثّالِثَةِ. فَخَرَجَ فَصَلّوْا بِصَلاَتِهِ. فَلَمّا كَانَتِ اللّيْلَةُ الرّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَطَفِقَ رِجَالٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الصّلاَةَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ. فَلَمّا قَضَىَ الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَىَ النّاسِ. ثُمّ تَشَهّدَ، فَقَالَ: "أَمّا بَعْدُ. فَإِنّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيّ شَأْنُكُمُ اللّيْلَةَ. وَلَكِنّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللّيْلِ. فَتَعْجِزُوا عَنْهَا".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرّازِيّ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ حَدّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ زِرَ. قَالَ: سَمِعْتُ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: (وَقِيلَ لَهُ: إِنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ قَامَ السّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ) فَقَالَ أُبَيّ: وَالله الّذِي لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ إِنّهَا لَفِي رَمَضَانَ (يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي) وَوَالله إِنّي لأَعْلَمُ أَيّ لَيْلَةٍ هِيَ. هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لاَ شُعَاعَ لَهَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مْحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَةَ ابْنَ أَبِي لُبَابَةَ يَحدّثُ عَنْ زِرّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبِيّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: قَالَ أُبَيّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالله. إِنّي لأَعْلَمُهَا. وَأَكْثَرُ عِلْمِي هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
وَإِنّمَا شَكّ شُعْبَةُ فِي هَذَا الْحَرْفِ: هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَحَدّثَنِي بِهَا صَاحِبٌ لِي عَنْهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً" معنى إيماناً تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها، واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفرداً في بيته أم في جماعة في المسجد؟ فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم: الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد. وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم: الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر له ما تقدم من ذنبه" المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، قال بعضهم: ويجوز أن يخفف من الكبائر ما لم يصادف صغيرة. قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" قوله: "من غير أن يأمرهم بعزيمة معناه لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم بل أمر ندب وترغيب، ثم فسره بقوله فيقول من قام رمضان وهذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب، واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب. قوله: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر" معناه استمر الأمر هذه المدة، على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفرداً حتى انقضى صدراً من خلافة عمر، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة واستمر العمل على فعلها جماعة، وقد جاءت هذه الزيادة في صحيح البخاري في كتاب الصيام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" هذا مع الحديث المتقدم (من قام رمضان) قد يقال إن أحدهما يغني عن الاَخر، وجوابه أن يقال قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذنوب، وقيام ليلة القدر لمن وافقها وعرفها سبب للغفران وإن لم يقم غيرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر فيوافقها" معناه يعلم أنها ليلة القدر.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس" وذكر الحديث، ففيه جواز النافلة جماعة، ولكن إِلاختيار فيها الانفراد إلا في نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح عند الجمهور كما سبق، وفيه جواز النافلة في المسجد وإن كان البيت أفضل، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز وأنه كان معتكفاً، وفيه جواز إِلاقتداء بمن لم ينو إمامته، وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء، ولكن إن نوى الإمام إمامتهم بعد اقتدائهم حصلت فضيلة الجماعة له ولهم، وإن لم ينوها حصلت لهم فضيلة الجماعة، ولا يحصل للإمام على الأصح لأنه لم ينوها والأعمال بالنيات، وأما المأمومون فقد نووها. وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر أهمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة لما ذكرناه، فلما عارضه خوفه إِلافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي تخاف من عجزهم وتركهم للفرض. وفيه أن الإمام وكبير القوم إذا فعل شيئاً خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان له فيه عذر يذكره لهم تطييباً لقلوبهم وإصلاحاً لذات البين لئلا يظنوا خلاف هذا وربما ظنوا ظن السوء والله أعلم. قوله: "فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة" في هذه الألفاظ فوائد: منها استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة، وفي حديث في سنن أبي داود: "الخطبة التي ليس فيها تشهد كاليد الجذماء". ومنها استحباب قول أما بعد في الخطب، وقد جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة، وقد ذكر البخاري في صحيحه باباً في البداءة في الخطبة بأما بعد، وذكر فيه جملة من الأحاديث. ومنها أن السنة في الخطبة والموعظة استقبال الجماعة. ومنها أنه يقال جرى الليلة كذا وإن كان بعد الصبح، وهكذا يقال الليلة إلى زوال الشمس، وبعد الزوال يقال البارحة، وقد سبقت هذه المسألة في أول الكتاب
*2* باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال إنها ليلة سبع وعشرين
*وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: إِنّمَا شَكّ شُعْبَةُ، وَمَا بَعْدَهُ.
فيه حديث أبي بن كعب أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين وهذا أحد المذاهب فيها، وأكثر العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الأواخر من رمضان وأرجاها أوتارها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين وثلاث وعشرين وإحدى وعشرين وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل، وقال المحققون: إنها تنتقل فتكون في سنة ليلة سبع وعشرين، وفي سنة ليلة ثلاث، وسنة ليلة إحدى، وليلة أخرى وهذا أظهر، وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها، وسيأتي زيادة بسط فيها إن شاء الله تعالى في آخر كتاب الصيام حيث ذكرها مسلم. قوله: "وأكثر علمي" ضبطناه بالمثلثة وبالموحدة والمثلثة أكثر
*2* باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه
*حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيّانَ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيَ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كهَيْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بِتّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللّيْلِ. فَأَتَىَ حَاجَتَهُ. ثُمّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ. ثُمّ نَامَ. ثُمّ قَامَ. فَأَتَىَ الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا. ثُمّ تَوَضّأَ وُضُوءاً بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ. وَلَمْ يُكْثِرْ. وَقَدْ أَبْلَغَ. ثُمّ قَامَ فَصَلّىَ. فَقُمْتُ فَتَمَطّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ. فَتَوَضّأْتُ. فَقَامَ فَصَلّىَ. فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ. فَتَتَامّتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. ثُمّ اضْطَجَعَ. فَنَامَ حَتّى نَفَخَ. وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ. فَأَتَاهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصّلاَةِ. فَقَامَ فَصَلّىَ وَلَمْ يَتَوَضّأْ. وَكَانَ فِي دُعَائِهِ: "اللّهُمّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ يَسَارِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَعَظّمْ لِي نُورَاً".
قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعاً فِي التّابُوتِ. فَلَقِيتُ بَعْضَ وَلَدِ الْعَبّاسِ فَحَدّثَنِي بِهِنّ. فَذَكَرَ عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي.. وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مَخْزَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ. وَهِيَ خَالَتُهُ. قَالَ: فَاضْطَجَعَتْ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ. وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا. فَنَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى انْتَصَفَ اللّيْلُ. أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ. أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ. اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلَ يَمْسَحُ النّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ. ثُمّ قَرَأَ الْعَشْرَ الاَيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. ثُمّ قَامَ إِلَى شَنَ مُعَلّقَةٍ. فَتَوَضّأَ مِنْهَا. فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ. ثُمّ قَامَ فَصَلّىَ.
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ. فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ الْيُمْنَىَ عَلَىَ رَأْسِي. وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَىَ يَفْتِلُهَا، فَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ أَوْتَرَ، ثُمّ اضْطَجَعَ، حَتّى جَاءَ الْمُؤَذّنُ فَقَامَ، فَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمّ خَرَجَ فَصَلّىَ الصّبْحَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْفِهْرِيّ، عَنْ مَخْزَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمّ عَمَدَ إِلَى شَجْبٍ مِنْ مَاءٍ. فَتَسَوّكَ وَتَوَضّأَ. وَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُهْرِقْ مِنَ الْمَاءِ إِلاّ قَلِيلاً. ثُمّ حَرّكَنِي فَقُمْتُ. وَسَائرُ الْحَدِيثِ نَحْوُ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَخْزَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا تِلْكَ اللّيْلَةَ. فَتَوَضّأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَامَ فَصَلّىَ. فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. فَأْخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ. فَصَلّىَ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. ثُمّ نَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى نَفَخَ. وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ. ثُمّ أَتَاهُ الْمُؤَذّنُ فَخَرَجَ فَصَلّىَ. وَلَمْ يَتَوَضّأْ.
قَالَ عَمْرٌو: فَحَدّثْتُ بِهِ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجّ. فَقَالَ: حَدّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بِتّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. فَقُلْتُ لَهَا: إِذَا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَيْقِظِينِي. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ الأَيْسَرِ. فَأَخَذَ بِيَدِي. فَجَعَلَنِي مِنْ شِقّهِ الأَيْمَنِ. فَجَعَلْتُ إِذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي. قَالَ: فَصَلّىَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. ثُمّ احْتَبَىَ. حَتّى إِنّي لأَسْمَعُ نَفَسَهُ. رَاقِداً. فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ الْفَجْرُ صَلّىَ ركْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ بَاتَ عِنْدَ خَالتِهِ مَيْمُونَةَ. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللّيْلِ. فَتَوَضّأَ مِنْ شَنَ مُعَلّقٍ وُضُوءًا خَفِيفاً (قَالَ وَصَفَ وُضُوءَهُ. وَجَعَلَ يُخَفّفُهُ وَيُقَلّلُهُ) قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخْلَفَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ. فَصَلّىَ. ثُمّ اضْطَجَعَ فَنَامَ ثُمّ أَتَاهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصّلاَةِ. فَخَرَجَ فَصَلّى الصّبْحَ وَلَمْ يَتَوَضّأْ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَاصّةً. لأَنّهُ بَلَغَنَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بِتّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ. فَبَقَيْتُ كَيْفَ يُصَلّي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَقَامَ فَبَالَ. ثُمّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَكفّيهِ. ثُمّ نَامَ. ثُمّ قَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا. ثُمّ صَبّ فِي الْجَفْنَةِ أَوِ الْقَصْعَةِ. فَأَكَبّهُ بِيَدِهِ عَلَيْهَا. ثُمّ تَوَضّأَ وُضُوءاً حَسَناً بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ. ثُمّ قَامَ يُصَلّي. فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ. فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. قَالَ فَأَخَذَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَكَامَلَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. ثُمّ نَامَ حَتّىَ نَفَخَ. وَكُنّا نَعْرِفُهُ إِذَا نام بِنَفْخِهِ. ثُمّ خَرَجَ إِلَى الصّلاَةِ. فَصَلّىَ. فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلاَتِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ "اللّهُمّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُورَاً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَاجْعَلْ لِي نُوراً، أَوْ قَالَ وَاجْعَلْنِي نُوراً".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا سَلَمَةَ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
قَالَ سَلَمَةُ: فَلَقِيتُ كُرَيْباً فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كُنْتُ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمّ ذَكَرَ بِمثِلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. وَقَالَ. "وَاجْعَلْنِي نُوراً" وَلَمْ يَشُكّ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي رِشْدِينٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بِتّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الْوَجْهِ وَالْكَفّيْنِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: ثُمّ أَتَى الْقِرْبَةَ فَحَلّ شِنَاقَهَا. فَتَوَضّأَ وُضُوءاً بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ. ثُمّ أَتَىَ فِرَاشَهُ فَنَامَ. ثُمّ قَامَ قَوْمَةً أَخْرَىَ. فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَحَلّ شِنَاقَهَا. ثُمّ تَوَضّأَ وُضُوءاً هُوَ الْوُضُوءُ. وَقَالَ "أَعْظِمْ لِي نُوراً" وَلَمْ يَذْكُرْ: وَاجْعَلْنِي نُوراً.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَلْمَانَ الْحَجْرِيّ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ أَنّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ حَدّثَهُ أَنّ كُرَيْباً حَدّثَهُ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْقِرْبَةِ فَسَكَبَ مِنْهَا. فَتَوَضّأَ وَلَمْ يُكْثِرْ مِنَ الْمَاءِ وَلَمْ يُقَصّرْ فِي الْوُضُوءِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: قَالَ: وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَتَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً.
قَالَ سَلَمَةُ: حَدّثَنِيهَا كُرَيْبٌ. فَحَفِظْتُ مِنْهَا ثنْتَيْ عَشْرَةَ. وَنَسِيتُ مَا بَقِيَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اللّهُمّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي لِسَانِي نُوراً، وَفِي سمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَمِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيّ نُوراً، وَمِنْ خَلْفِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُوراً، وَأَعْظِمْ لِي نُوراً".
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: رَقَدْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةَ كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا. لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلاَةُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِاللّيْلِ. قَالَ فَتَحَدّثَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمّ رَقَدَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمّ قَامَ فَتَوَضّأَ وَاسْتَنّ.
حدّثنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُحمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاس أَنّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَاسْتَيْقَظَ. فَتَسَوّكَ وَتَوَضّأَ وَهُوَ يَقُولُ {إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لأُولي الأَلْبَابِ} (آل عمران الاَية 0) فَقَرَأَ هَؤُلاَءِ الاَيَاتِ حَتّى خَتَمَ السّورَةَ. ثُمّ قَامَ فَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ. فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرّكُوعَ وَالسّجُودَ. ثُمّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتّى نَفَخَ. ثُمّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ. سِتّ رَكَعَاتٍ. كُلّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلاَءِ الاَيَاتِ. ثُمّ أَوْتَرَ بِثَلاَثٍ. فَأَذّنَ الْمُؤَذّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَلاَةِ. وَهُوَ يَقُولُ "اللّهُمّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي لِسَانِي نُوراً، وَاجْعَل فِي سَمْعِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراً، وَمِنْ أَمَامِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً. اللّهُمّ أَعْطِنِي نُوراً".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بِتّ ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ. فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي مُتَطَوّعاً مِنَ اللّيْلِ فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْقِرْبَةِ فَتَوَضّأَ. فَقَامَ فَصَلّىَ. فَقُمْتُ، لَمّا رَأَيْتُهُ صَنَعَ ذَلِكَ، فَتَوَضّأْتُ مِنْ الْقِرْبَةِ. ثُمّ قُمْتُ إِلَى شِقّهِ الأَيْسَرِ. فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، يَعْدِلُنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إِلَى الشّقّ الأَيْمَنِ.
قُلْتُ: أَفِي التّطَوّعِ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعِ. قَالاَ حَدّثَنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي. قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدّثُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بَعَثَنِي الْعَبّاسُ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ. فَبِتّ مَعَهُ تِلْكَ اللّيْلَةَ. فَقَامَ يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ. فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. فَتَنَاوَلَنِي مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ. فَجَعَلَنِي عَلَى يَمِينِهِ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بِتّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ أَنّهُ قَالَ: لأَرْمُقَنّ صَلاَةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اللّيْلَةَ. فَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. ثُمّ صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ. طَوِيلَتَيْنِ. طَوِيلَتَيْنِ ثُمّ صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ. وَهُمَا دُونَ اللّتَيْنِ قَبْلَهُمَا. ثُمّ صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ. وَهُمَا دُونَ اللّتَيْنِ قَبْلَهُمَا. ثُمّ صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ. وَهُمَا دُونَ اللّتَيْنِ قَبْلَهُمَا. ثُمّ صَلَىَ رَكْعَتَينُ وَهُمَا دُونَ اللّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمّ أَوْتَرَ. فَذَلِكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنِي مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيّ أَبُو جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ مُحمّد بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَشْرَعَةٍ. فَقَالَ: "أَلاَ تُشْرِعُ؟ يَا جَابِرُ" قُلْتُ: بَلَىَ. قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَشْرَعْتُ. قَالَ ثُمّ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ. وَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءاً. قَالَ فَجَاءَ فَتَوَضّأَ. ثُمّ قَامَ فَصَلّىَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. فَقُمْتُ خَلْفَهُ. فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. جَمِيعاً عَنْ هُشَيْمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو حُرّةَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ لِيُصَلّيَ، افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ، إِذَا قَامَ إِلَى الصّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ: "اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ. أَنْتَ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَلَكَ الْحَمْدُ. أَنْتَ قَيّامُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَلَكَ الْحَمْدُ. أَنْتَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَمَنْ فِيهِنّ. أَنْتَ الْحَقّ. وَوَعْدُكَ الْحَقّ. وَقَوْلُكَ الْحَقّ وَلِقَاؤُكَ حَقّ وَالْجَنّةُ حَقّ. وَالنّارُ حَقّ. وَالسّاعَةُ حَقّ. اللّهُمّ لَكَ أَسْلَمْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ. وَعَلَيْكَ تَوَكّلْتُ. وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ. وَبِكَ خَاصَمْتُ. وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ. فَاغْفِرْ لِي. مَا قَدّمْتُ وَأَخّرْتُ. وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ. أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. كِلاَهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. أَمّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ فَاتّفَقَ لَفْظُهُ مَعْ حَدَيثِ مَالِكٍ. لَمْ يَخْتَلِفَا إِلاّ فِي حَرْفَيْنِ. قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، مَكَانَ قَيّامُ، قَيّمُ. وَقَالَ: "وَمَا أَسْرَرْتُ". وأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَفِيهِ بَعْضُ زِيَادَةٍ. وَيُخَالِفُ مَالِكاً وَابْنَ جُرَيْجٍ فِي أَحْرُفٍ.
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ (وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ) حَدّثَنَا عِمْرَانُ الْقَصِيرُ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الحَدِيثِ (وَاللّفْظُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفَاظِهُمْ).
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَ أَبُو مَعْنٍ الرّقَاشِيّ. قَالُوا: حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا عِكْرمَةُ بْنُ عَمّارٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ: بِأَيّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ: "اللّهُمّ رَبّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ. فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ. أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقّ بِإِذْنِكَ إِنّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدمِيّ. حَدّثَنَا يُوسُفُ الْمَاجِشُون. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْن أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصّلاَةِ قَالَ: "وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللّهُمّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ. أَنْتَ رَبّي وَأَنَا عَبْدُكَ. ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً. إِنّهُ لاَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ أَنْتَ. وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ. لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاّ أَنْتَ. وَاصْرِفْ عَنّي سَيّئَهَا. لاَ يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إِلاّ أَنْتَ. لَبّيْكَ. وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلّهُ فِي يَدَيْكَ. وَالشّرّ لَيْسَ إِلَيْكَ. أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ. تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ. أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللّهُمّ لَكَ رَكَعْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ. وَلَكَ أَسْلَمْتُ. خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي. وَمُخّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي". وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: "اللّهُمّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: "اللّهُمّ لَكَ سَجَدْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ. وَلَكَ أَسْلَمْتُ. سَجَدَ وَجْهِي لِلّذِي خَلَقَهُ وَصَوّرَهُ، وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ. تَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" ثُمّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التّشَهّدِ وَالتّسْلِيمِ "اللّهُمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وَمَا أَخّرْتُ. وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ. وَمَا أَسْرَفْتُ. وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي. أَنْتَ الْمُقَدّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخّرُ. لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ".
وحدّثناه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ . حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو النّضرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمّهِ الْمَاجِشُونِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ الأَعْرَجِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصّلاَةَ كَبّرَ ثُمّ قَالَ: "وَجّهْتُ وَجْهِي" وَقَالَ: "وَأَنَا أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ" وَقَالَ: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ قَالَ: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" وَقَالَ: "وَصَوّرَهُ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ" وَقَالَ: وَإِذَا سَلّمَ قَالَ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ" إِلَىَ آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ: بَيْنَ التّشَهّدِ وَالتّسْلِيمِ.
فيه حديث ابن عباس وهو مشتمل على جمل من الفوائد وغيره. قوله: "قام من الليل فأتى حاجته" يعني الحدث. قوله: "ثم غسل وجهه ويديه ثم قام" هذا الغسل للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره. قوله: "فأتى القربة فأطلق شناقها" بكسر الشين أي الخيط الذي تربط به في الوتد قاله أبو عبيدة وأبو عبيد وغيرهما وقيل الوكاء. قوله: "فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له" هكذا ضبطناه وهكذا هو في أصول بلادنا انتبه بنون ثم مثناة فوق ثم موحدة، ووقع في البخاري أبقية بموحدة ثم قاف ومعناه أرقبه وهو معنى أنتبه له. قوله: "فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه" فيه أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، وأنه إذا وقف عن يساره يتحول إلى يمينه، وأنه إذا لم يتحول حوله الإمام، وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن صلاة الصبي صحيحة، وأن له موثقاً من الإمام كالبالغ، وأن الجماعة في غير المكتوبات صحيحة. قوله: "ثم اضطجع فنام حتى نفخ فقام فصلى ولم يتوضأ" هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن نومه مضطجعاً لا ينقض الوضوء لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه، فلو خرج حدث لأحس به بخلاف غيره من الناس. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي نوراً" إلى آخره. قال العلماء: سأل النور في أعضائه وجهاته، والمراد به بيان الحق وضياؤه والهداية إليه، فسأل النور في جمع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عنه. قوله: "في هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس وذكر الدعاء: اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً إلى آخره. قال كريب: وسبعاً في التابوت فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن" قال العلماء معناه وذكر في الدعاء سبعاً أي سبع كلمات نسيتها، قالوا: والمراد بالتابوت الأضلاع وما يحويه من القلب وغيره تشيبهاً بالتابوت الذي كالصندوق يحرز فيه المتاع أي وسبعاً في قلبي ولكن نسيتها. وقوله: "فلقيت بعض ولد العباس" القائل لقيت هو سلمة بن كهيل. قوله: "فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها" هكذا ضبطناه عرض بفتح العين، وهكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين، قال: ورواه الداودي بالضم وهو الجانب والصحيح الفتح، والمراد بالوسادة الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤوس. ونقل القاضي عن الباجي والأصيلي وغيرهما أن الوسادة هنا الفراش لقوله: اضطجع في طولها وهذا ضعيف أو باطل، وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزاً. قال القاضي: وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس: بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضاً. قال: وهذه الكلمة وإن لم تصح طريقاً فهي حسنة المعنى جداً، إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة إلى أهله، ولا يرسله أبوه إلا إذا علم عدم حاجته إلى أهله، لأنه معلوم أنه لا يفعل حاجته مع حضرة ابن عباس معهما في الوسادة، مع أنه كان مراقباً لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم ينم أو نام قليلاً جداً. قوله: "فجعل يمسح النوم عن وجهه" معناه أثر النوم وفيه استحباب هذا واستعمال المجاز. قوله: "ثم قرأ العشر الاَيات الخواتم من سورة آل عمران" فيه جواز القراءة للمحدث وهذا إجماع المسلمين، وإنما تحرم القراءة على الجنب والحائض، وفيه استحباب قراءة هذه الاَيات عند القيام من النوم، وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة البقرة وسورة النساء ونحوها، وكرهه بعض المتقدمين وقال: إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران والتي يذكر فيها البقرة والصواب الأول، وبه قال عامة العلماء من السلف والخلف، وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة ولا لبس في ذلك. قوله: (شن معلقة) إنما أنثها على إرادة القربة، وفي رواية بعد هذه شن معلق على إرادة السقاء والوعاء، قال أهل اللغة: الشن القربة الخلق وجمعه شنان. قوله: (وأخذ بأذني اليمنى يفتلها) قيل إنما فتلها تنبيهاً له من النعاس، وقيل ليتنبه لهيئة الصلاة وموقف المأموم وغير ذلك، والأول أظهر لقوله في الرواية الأخرى: (فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني). قوله: "فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين حتى خرج فصلى الصبح" فيه أن الأفضل في الوتر وغيره من الصلوات أن يسلم من كل ركعتين، وإن أوتر يكون آخره ركعة مفصولة، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: ركعة موصولة بركعتين كالمغرب، وفيه جواز إتيان المؤذن إلى الإمام ليخرج إلى الصلاة وتخفيف سنة الصبح، وأن الإيتار بثلاث عشرة ركعة أكمل، وفيه خلاف لأصحابنا، قال بعضهم: أكثر الوتر ثلاث عشرة لظاهر هذا الحديث، وقال أكثرهم: أكثره إحدى عشرة، وتأولوا حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى منها ركعتي سنة العشاء وهو تأويل ضعيف مباعد للحديث.
قوله: (ثم عمد إلى شجب من ماء) هو بفتح الشين المعجمة وإسكان الجيم قالوا: وهو السقاء الخلق وهو بمعنى الرواية الأخرى شن معلقة، وقيل الأشجاب الأعواد التي تعلق عليها القربة. قوله: (ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقداً) معناه أنه احتبى أولاً ثم اضطجع كما سبق في الروايات الماضية: فاحتبى ثم اضطجع حتى سمع نفخه ونفسه بفتح الفاء. قوله: (فقمت عن يساره فأخلفني فجعلني عن يمينه) معنى أخلفني أدارني من خلفه.
قوله: "فبقيت كيف يصلي" هو بفتح الباء الموحدة والقاف أي رقبت ونظرت، يقال: بقيت وبقوت بمعنى رقبت ورمقت. قوله: "ثم توضأ وضوءاً حسناً بين الوضوءين" يعني لم يسرف ولم يقتر وكان بين ذلك قواماً. قوله: (عن أبي رشدين مولى ابن عباس) هو بكسر الراء وهو كريب ومولى ابن عباس كني بابنه رشدين. قوله: (عن عبد الرحمن بن سلمان الحجري) هو بحاء مهملة مفتوحة ثم جيم ساكنة منسوب إلى حجر رعين وهي قبيلة معروفة. قوله: "فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم نام" فيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء للحاجة والمصلحة، والذي ثبت في الحديث أنه كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها هو في حديث لا حاجة إليه ولا مصلحة فيه كما سبق بيانه في بابه. قوله: "ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات ثم أوتر بثلاث" هذه الرواية فيها مخالفة لباقي الروايات في تخليل النوم بين الركعات وفيعدد الركعات، فإنه لم يذكر في باقي الروايات تخلل النوم وذكر الركعات ثلاث عشرة. قال القاضي عياض: هذه الرواية وهي رواية حصين عن حبيب بن أبي ثابت مما استدركه الدارقطني على مسلم لاضطرابها واختلاف الرواة، قال الدارقطني: وروي عنه على سبعة أوجه وخالف فيه الجمهور، قلت: ولا يقدح هذا في مسلم فإنه لم يذكر هذه الرواية متأصلة مستقلة إنما ذكرها متابعة، والمتابعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الأصول كما سبق بيانه في مواضع. قال القاضي: ويحتمل أنه لم يعد في هذه الصلاة الركعتين الأوليين الخفيفتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاة الليل بهما كما صرحت الأحاديث بها في مسلم وغيره، ولهذا قال: صلى ركعتين فأطال فيهما، فدل على أنهما بعد الخفيفتين فتكون الخفيفتان ثم الطويلتان ثم الست المذكورات ثم ثلاث بعدها كما ذكر فصارت الجملة ثلاث عشرة كما في باقي الروايات والله أعلم.
قوله في حديث زيد بن خالد: "ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين" هكذا هو مكرر ثلاث مرات.
قوله: "فانتهينا إلى مشرعة فقال: ألا تشرع يا جابر؟" المشرعة بفتح الراء والشريعة هي الطريق إلى عبور الماء من حافة نهر أو بحر وغيره. وقوله: ألا تشرع بضم التاء وروي بفتحها والمشهور في الروايات الضم ولهذا قال بعده: وشرعت. قال أهل اللغة: شرعت في النهر وأشرعت ناقتي فيه. وقوله: ألا تشرع معناه ألا تشرع ناقتك أو نفسك. قوله: "فصلى في ثوب واحد خالف بين طرفيه" فيه صحة الصلاة في ثوب واحد وأنه تسن المخالفة بين طرفيه على عاتقيه وسبقت المسألة في موضعها. قوله: "فقمت خلفه فأخذ بأذني فجعلني عن يمينه" هو كحديث ابن عباس وقد سبق شرحه.
قوله: (حدثنا أبو حرة عن الحسن) هو أبو حرة بضم الحاء اسمه واصل بن عبد الرحمن كان يختم القرآن في كل ليلتين. قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين".
وفي حديث أبي هريرة الأمر بذلك. هذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت نور السموات والأرض" قال العلماء: معناه منورهما وخالق نورهما. وقال أبو عبيد: معناه بنورك يهتدي أهل السموات والأرض. قال الخطابي في تفسير اسمه سبحانه وتعالى النور ومعناه الذي بنوره يبصر ذو العماية، بهدايته يرشد ذو الغواية، قال: ومنه {الله نور السموات} أي منه نورهما. قال: ويحتمل أن يكون معناه ذو النور، ولا يصح أن يكون النور صفة ذات الله تعالى وإنما هو صفة فعل أي هو خالقه. وقال غيره: معنى نور السموات والأرض مدبر شمسها وقمرها ونجومها. قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت قيام السموات والأرض" وفي الرواية الثانية: قيم. قال العلماء: من صفاته القيام والقيم كما صرح به هذا الحديث، والقيوم بنص القرآن وقائم، ومنه قوله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس} قال الهروي: ويقال قوام. قال ابن عباس القيوم الذي لا يزول. وقال غيره: هو القائم على كل شيء ومعناه مدبر أمر خلقه وهما سائدان في تفسير الاَية. والحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت رب السموات والأرض ومن فيهن" قال العلماء: للرب ثلاث معان في اللغة السيد المطاع، فشرط المربوب أن يكون ممن يعقل وإليه أشار الخطابي بقوله: لا يصح أن يقال سيد الجبال والشجر. قال القاضي عياض: هذا الشرط فاسد بل الجميع مطيع له سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: {أتينا طائعين}. قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت الحق" قال العلماء: الحق في أسمائه سبحانه وتعالى معناه المتحقق وجوده، وكل شيء صح وجوده وتحقق فهو حق، ومنه الحاقة أي الكائنة حقاً بغير شك. ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق" أي كله متحقق لا شك فيه. وقيل معناه خبرك حق وصدق. وقيل أنت صاحب الحق. وقيل محق الحق. وقيل الإله الحق دون ما يقوله الملحدون، كما قال تعالى ذلك بأنه الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل. وقيل في قوله ووعدك الحق أي ومعنى صدق لقاؤك حق أي البعث. وقيل الموت وهذا القول باطل في هذا الموضع، وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به والصواب البعث فهو الذي يقتضيه سياق الكلام وما بعده، وهو الذي يرد به على إلى آخره. معنى أسلمت استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك، وبك آمنت أي صدقت بك وبكل ما أخبرت وأمرت ونهيت، وإليك أنبت أي أطعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها. وقيل معناه رجعت إليك في تدبيري أي فوضت إليك، وبك خاصمت أي بما أعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف، وإليك حاكمت أي كل من جحد الحق حاكمته إليك، وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها، فلا أرضى إلا بحكمك ولا أعتمد غيره. ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له أنه يسأل ذلك تواضعاً وخضوعاً وإشفاقاً وإجلالاً، وليقتدي به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين. وفي هذا الحديث وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض" قال العلماء: خصهم بالذكر وإن كان الله تعالى رب كل المخلوقات كما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير الشأن دون ما يستحقر ويستصغر، فيقال له سبحانه وتعالى: رب السموات والأرض، رب العرش الكريم، ورب الملائكة والروح، رب المشرقين ورب المغربين، رب الناس مالك الناس إله الناس، رب العالمين رب كل شيء رب النبيين، خالق السموات والأرض، فاطر السموات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً. فكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه بدلائل العظمة وعظيم القدرة والملك، ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر، فلا يقال: رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبه ذلك على الإفراد، وإنما يقال: خالق المخلوقات وخالق كل شيء، وحينئذٍ تدخل هذه في العموم والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "اهدني لما اختلف فيه من الحق" معناه ثبتني عليه كقوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.
(يتبع...)
*(تابع... 1): حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيّانَ الْعَبْدِيّ.... ...
قوله: (حدثنا يوسف الماجشون) هو بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وهو أبيض الوجه مورده لفظ أعجمي. قوله: "وجهت وجهي" أي قصدت بعبادتي للذي "فطر السموات والأرض" أي ابتدأ خلقها. قوله: "حنيفاً" قال الأكثرون: معناه مائلاً إلى الدين الحق وهو الإسلام، وأصل الحنف الميل ويكون في الخير والشر ويتصرف إلى ما تقتضيه القرينة، وقيل المراد بالحنيف هنا المستقيم قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وانتصب حنيفاً على الحال، أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي. وقوله: "وما أنا من المشركين" بيان للحنيف وإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم. قوله: "إن صلاتي ونسكي" قال أهل اللغة: النسك العبادة وأصله من النسيكة وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط، والنسيكة أيضاً كل ما يتقرب به إلى الله تعالى. قوله: "ومحياي ومماتي" أي حياتي وموتي ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانها والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي. قوله: (لله) قال العلماء: هذه لام الإضافة ولها معنيان الملك وإِلاختصاص وكلاهما مراد. قوله: "رب العالمين" في معنى رب أربعة أقوال حكاه الماوردي وغيره: المالك والسيد والمدبر والمربي، فإن وصف الله تعالى برب لأنه مالك أو سيد فهو من صفات الذات، وإن وصف لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله، ومتى دخلته الألف واللام فقيل الرب اختص بالله تعالى، وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره فيقال رب المال ورب الدار ونحو ذلك، والعالمون جمع عالم وليس للعالم واحد من لفظه، واختلف العلماء في حقيقته فقال المتكلمون من أصحابنا وغيرهم وجماعة من المفسرين وغيرهم: العالم كل المخلوقات. وقال جماعة: هم الملائكة والجن والإنس. وزاد أبو عبيدة والفراء: الشياطين، وقيل بنو آدم خاصة، قاله الحسين بن الفضل وأبو معاذ النحوي، وقال الاَخرون هو الدنيا وما فيها، ثم قيل هو مشتق من العلامة لأن كل مخلوق علامة على وجود صانعه، وقيل من العلم، فعلى هذا يختص بالعقلاء. قوله: "اللهم أنت الملك" أي القادر على كل شيء المالك الحقيقي لجميع المخلوقات. قوله: "وأنا عبدك" أي معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في. قوله: (ظلمت نفسي) أي اعترفت بالتقصير، قدمه على سؤال المغفرة أدباً كما قال آدم وحواء: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}. قوله: "اهدني لأحسن الأخلاق" أي ارشدني لصوابها ووفقني للتخلق به. قوله: "واصرف عني سيئها" أي قبيحها. قوله: (لبيك) قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، يقال لب بالمكان لباً وألب الباباً أي أقام به، وأصل لبيك لبين فحذفت النون للإضافة. قوله: (وسعديك) قال الأزهري وغيره: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة. قوله: "والخير كله في يديك والشر ليس إليك" قال الخطابي وغيره: فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب. وأما قوله: والشر ليس إليك فمما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها، وحينئذٍ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال: أحدها: معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم. والثاني: حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضاً معناه لا يضاف إليك على انفراده، لا يقال: يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا، وإن كان خالق كل شيء ورب كل شيء وحينئذٍ يدخل الشر في العموم. والثالث: معناه والشر لا يصعد إليك إنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح. والرابع: معناه والشر ليس شراً بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين. والخامس: حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو صفوه إليهم. قوله: (أنا بك وإليك) أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك. قوله: (تباركت) أي استحققت الثناء وقيل ثبت الخير عندك، وقال ابن الأنباري: تبارك العباد بتوحيدك والله أعلم. قوله: "ملء السموات وملء الأرض" هو بكسر الميم وبنصب الهمزة بعد اللام ورفعها، واختلف في الراجح منهما والأشهر النصب، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات بدلائله مضافاً إلى قائليه ومعناه حمداً لو كان أجساماً لملأ السموات والأرض لعظمه. قوله: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه" فيه دليل لمذهب الزهري أن الأذنين من الوجه، وقال جماعة من العلماء: هما من الرأس وآخرون أعلاهما من الرأس وأسفلهما من الوجه، وقال آخرون: ما أقبل على الوجه فمن الوجه وما أدبر فمن الرأس. وقال الشافعي والجمهور: هما عضوان مستقلان لا من الرأس ولا من الوجه بل يطهران بماء مستقل ومسحهما سنة خلافاً للشيعة.
وأجاب الجمهور عن احتجاج الزهر بجوابين: أحدهما: أن المراد بالوجه جملة الذات كقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} ويؤيد هذا أن السجود يقع بأعضاء أخر مع الوجه. والثاني: أن الشيء يضاف إلى ما يجاوره كما يقال بساتين البلد والله أعلم. قوله: "أحسن الخالقين" أي المقدرين والمصورين. قوله: "أنت المقدم وأنت المؤخر" معناه تقدم من شئت بطاعتك وغيرها، وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، وفي هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح بما في هذا الحديث إلا أن يكون إماماً لقوم لا يؤثرون التطويل، وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام. قوله: "وأنا أول المسلمين" أي من هذه الأمة. وفي الرواية الأولى: "وأنا من المسلمين"
*2* باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الأَحْنَفِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلّيْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمّ مَضَىَ. فَقُلْتُ: يُصَلّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ. فَمَضَىَ. فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا. ثُمّ افْتَتَحَ النّسَاءَ فَقَرَأَهَا. ثُمّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا. يَقْرَأُ مُتَرَسّلاً. إِذَا مَرّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبيحٌ سَبّحَ. وَإِذَا مَرّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ. وَإِذَا مَرّ بِتَعَوّذٍ تَعَوّذَ. ثُمّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبّيَ الْعَظِيمِ" فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْواً مِنْ قِيامِهِ. ثُمّ قَالَ: "سَمعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ" ثُمّ قَامَ طَوِيلاً. قَرِيباً مِمّا رَكَعَ. ثُمّ سَجَدَ فَقَالَ: "سُبْحَانَ رَبّيَ الأَعْلَىَ" فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيباً مِنْ قِيَامِهِ.
قَالَ) وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ الزّيَادَةِ: فَقَالَ: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ".
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ عُثْمَانُ حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ: صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَطَالَ حَتّىَ هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ. قَالَ قِيلَ: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ.
وحدّثناه إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
في حديث حذيفة وحديث ابن مسعود. وقوله: (حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد ابن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة) هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم الأعمش والثلاثة بعده. قوله: "صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح" إلى آخره. قوله: "فقلت يصلي بها في ركعة" معناه ظننت أنه يسلم بها فيقسمها على ركعتين، وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهي ركعتان ولا بد من هذا التأويل فينتظم الكلام بعده، وعلى هذا فقوله: ثم مضى معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة، فحينئذ قلت يركع الركعة الأولى بها فجاوز وافتتح النساء. وقوله: ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران قال القاضي عياض: فيه دليل من يقول أن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف وأنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وكله إلى أمته بعده، قال: وهذا قول مالك وجمهور العلماء واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني، قال ابن الباقلاني: هو أصح القولين مع احتمالهما، قال: والذي نقوله أن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين والتعليم، وأنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ولا حد تحرم مخالفته، ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان، قال: واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين، قال: وأما على قول من يقول من أهل العلم أن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان، وإنما اختلف المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير فيتأول قراءته صلى الله عليه وسلم النساء أولاً ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبي، قال: ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، وإنما يكره ذلك في ركعة ولمن يتلو في غير صلاة، قال: وقد أباحه بعضهم وتأول نهي السلف عن قراءة القرآن منكوساً على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها، قال: ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الاَن في المصحف، وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم. هذا آخر كلام القاضي عياض والله أعلم. قوله: "يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ" فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها، ومذهبنا استحبابه للإمام والمأموم والمنفرد. قوله: "ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، وقال في السجود: سبحان ربي الأعلى" فيه استحباب تكرير سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود، وهو مذهبنا ومذهب الأزاعي وأبي حنيفة والكوفيين وأحمد والجمهور، وقال مالك: لا يتعين ذكر الاستحباب. قوله: "ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلاً قريباً مما ركع ثم سجد" هذا فيه دليل لجواز تطويل الاعتدال عن الركوع، وأصحابنا يقولون لا يجوز ويبطلون به الصلاة.
قوله: (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن مسعود) هذا الإسناد كله كوفيون إلا إسحاق. قوله: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال حتى هممت بأمر سوء ثم قال هممت بأن أجلس وأدعه" فيه أنه ينبغي الأدب مع الأئمة والكبار، وأن لا يخالفوا بفعل ولا قول ما لم يكن حراماً، واتفق العلماء على أنه إذا شق على المقتدي في فريضة أو نافلة القيام وعجز عنه جاز له القعود، وإنما لم يقعد ابن مسعود للتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز إِلاقتداء في غير المكتوبات، وفيه استحباب تطويل صلاة الليل
*2* باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و إِسْحَقُ. قَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتّى أَصْبَحَ. قَالَ: "ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشّيْطَانُ فِي أُذُنِيْهِ" أَوْ قَالَ "فِي أُذُنِهِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيَ حَدّثَهُ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حَدّثَهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ. فَقَالَ: "أَلاَ تُصَلّونَ"؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللّهِ. فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ. ثُمّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُييْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "يَعْقِدُ الشّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاَثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ. بِكُلّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً. فَإِذَا اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ الله، انْحَلّتْ عُقْدَةٌ. وَإِذَا تَوَضّأَ، انْحَلّتْ عنْهُ عُقْدَتَانِ. فَإِذَا صَلّى انْحَلّتِ الْعُقَدُ. فَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيّبَ النّفْسِ. وَإِلاّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النّفْسِ كَسْلاَنَ".
قوله: (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله) يعني ابن مسعود، هذا الإسناد كله كوفيون إلا إسحاق. قوله: "ذكر عند النبي صلى اللهعليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنه أو قال في أذنيه" اختلفوا في معناه فقال ابن قتيبة: معناه أفسده، يقال بال في كذا إذا أفسده، وقال المهلب والطحاوي وآخرون: هو استعارة وإشارة إلى انقياده للشيطان وتحكمه فيه وعقده على قافية رأسه عليك ليل طويل وإذلاله له، وقيل معناه استخف به واحتقره واستعلى عليه، يقال لمن استخف بإنسان وخدعه بال في أذنه، وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد إذلالاً له. وقال الحربي معناه ظهر عليه وسخر منه، قال القاضي عياض: ولا يبعد أن يكون على ظاهره، قال: وخص الأذن لأنها حاسة إِلانتباه.
قوله: (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن حسين أن الحسين بن علي حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه) هكذا ضبطناه أن الحسين بن علي بضم الحاء على التصغير، وكذا في جميع نسخ بلادنا التي رأيتها مع كثرتها، وذكره الدارقطني في كتاب الاستدراكات وقال: إنه وقع في رواية مسلم أن الحسن بفتح الحاء على التكبير، قال الدارقطني: كذا رواه مسلم عن قتيبة أن الحسن بن علي وتابعه على ذلك إبراهيم بن نصر النهاوندي والجعفي وخالفهم النسائي والسراج وموسى بن هارون فرووه عن قتيبة أن الحسين يعني بالتصغير، قال: ورواه أبو صالح وحمزة بن زياد والوليد بن صالح عن ليث فقالوا فيه الحسن. وقال يونس المؤدب وأبو النضر وغيرهما عن ليث: الحسين يعني بالتصغير، قال: وكذلك قال أصحاب الزهري منهم صالح بن كيسان وابن أبي عقيق وابن جريح وإسحاق بن راشد وزيد بن أبي أنيسة وشعيب وحكيم بن حكم ويحيى بن أبي أنيسة وعقيل من رواية ابن لهيعة عنه وعبد الرحمن بن إسحاق وعبيد الله بن أبي زياد وغيرهم، وأما معمر فأرسله عن الزهري عن علي بن حسين، وقول من قال عن ليث الحسن بن علي وهم يعني من قاله بالتكبير فقد غلط، هذا كلام الدارقطني، وحاصله أنه يقول: إن الصواب من رواية ليث الحسين بالتصغير وقد بينا أنه الموجود في روايات بلادنا والله أعلم. قوله: "طرقه وفاطمة" أي أتاهما في الليل. قوله: "سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً" المختار في معناه أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الإعتذار بهذا ولهذا ضرب فخذه، وقيل قاله تسليماً لعذرهما وأنه لا عتب عليهما، وفي هذا الحديث الحث على صلاة الليل وأمر الإنسان صاحبه بها، وتعهد الإمام والكبير رعيته بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وأنه ينبغي للناصح إذا لم يقبل نصيحته أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يعنف إلا لمصلحة. قوله: "طرقه وفاطمة فقالوا ألا تصلون" هكذا هو في الأصول تصلون وجمع الاثنين صحيح لكن هل هو حقيقة أو مجاز؟ فيه الخلاف المشهور الأكثرون على أنه مجاز، وقال آخرون حقيقة قوله صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد" القافية آخر الرأس وقافية كل شيء آخره ومنه قافية الشرع.
قوله: "عليك ليلاً طويلاً" هكذا هو في معظم نسخ بلادنا بصحيح مسلم. وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين عليك ليلاً طولاً بالنصب على الإغراء، ورواه بعضهم عليك ليل طويل بالرفع أي بقي عليك ليل طويل، واختلف العلماء في هذه العقد فقيل هو عقد حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام، قال الله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} فعلى هذا هو قول يقوله ويؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر، وقيل يحتمل أن يكون فعلاً يفعله كفعل النفاثات في العقد، وقيل هو من عقد القلب وتصميمه فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليك ليلاً طويلاً فتأخر عن القيام، وقيل هو مجاز كني به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا استيقظ فذكر الله عز وجل انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) فيه فوائد منها الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ، وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في الصحيح وقد جمعتها وما يتعلق بها في باب من كتاب الأذكار، ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر لكن الأذكار المأثورة فيه أفضل. ومنها التحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وإن قلت: وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا توضأ انحلت عقدتان) معناه تمام عقدتين أي انحلت عقدة ثانية وتم بها عقدتان وهو بمعنى قول الله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين، إلى قوله: في أربعة} أي في تمام أربعة، ومعناه في يومين آخرين تمت الجملة بهما أربعة أيام، ومثله في الحديث الصحيح: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى توضع في القبر فقيراطان" هذا لفظ إحدى روايات مسلم. وروى البخاري ومسلم من طرق كثيرة بمعناه، والمراد قيراطان بالأول ومعناه أن بالصلاة يحصل قيراط وبالاتباع قيراط آخر يتم به الجملة قيراطان، ودليل أن الجملة قيراطان رواية مسلم في صحيحه: "من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد" وفي رواية للبخاري في أول صحيحه: "من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع منالأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط" وهذه الألفاظ كلها من رواية أبي هريرة، ومثله في صحيح مسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله" وقد سبق بيانه في موضعه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (فأصبح نشيطاً طيب النفس) معناه لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) معناه لما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه واستيلائه مع أنه لم يزل ذلك عنه، وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة وهي الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان، وليس في هذا الحديث مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم خبثت نفسي" فإن ذلك نهي للإنسان أن يقول هذا اللفظ عن نفسه، وهذا إخبار عن صفة غيره. واعلم أن البخاري بوب لهذا الحديث باب عقد الشيطان على رأس من لم يصل فأنكر عليه المازري وقال: الذي في الحديث أنه يعقد قافية رأسه وإن صلى بعده، وإنما ينحل عقده بالذكر والوضوء والصلاة، قال: ويتأول كلام البخاري أنه أراد أن استدامة العقد إنما تكون على من ترك الصلاة وجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره
*2* باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ. وَلاَ تَتّخِذُوهَا قُبُوراً".
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. أَخْبَرَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "صَلّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتّخِذُوهَا قُبُوراً".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَضَىَ أَحَدُكُمُ الصّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيباً مِنْ صَلاَتِهِ. فَإِنّ الله جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْراً".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ مُحمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَثَلُ الْبَيْتِ الّذِي يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الّذِي لاَ يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيّ وَالْمَيّتِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ. إِنّ الشّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النّضْرِ، مَوْلَىَ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي فِيهَا. قَالَ فَتَتَبّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاؤوا يُصَلّونَ بِصَلاَتِهِ. قَالَ ثُمّ جَاؤُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا. وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ. قَالَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ. فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَباً. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتّى ظَنَنْتُ أَنّهُ سَيُكْتَبُ علَيْكُمْ. فَعَلَيْكُمْ بِالصّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ. فَإِنّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ. إِلاّ الصّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ".
وحدّثني مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقَبَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا النّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اتّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ. فَصَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا لَيَالِيَ. حَتّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَزَادَ فِيهِ "وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ".
قوله: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) معناه صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، والمراد به صلاة النافلة أي صلوا النوافل في بيوتكم. وقال القاضي عياض: قيل هذا في الفريضة ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم. قال: وقال الجمهور بل هو في النافلة لإخفائها، وللحديث الاَخر: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" قلت: الصواب أن المراد النافلة وجميع أحاديث الباب تقتضيه، ولا يجوز حمله على الفريضة وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء في الحديث الاَخر، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً".
قوله: (بريد عن أبي بردة) قد سبق مرات أن بريد بضم الموحدة. قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت" فيه الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت وأنه لا يخلى من الذكر، وفيه جواز التمثيل، وفيه أن طول العمر في الطاعة فضيلة وإن كان الميت ينتقل إلى خير لأن الحي يستلحق به ويزيد عليه بما يفعله من الطاعات.
قوله صلى الله عليه وسلم: (سورة البقرة) دليل على جوازه بلا كراهة، وأما من كره قول سورة البقرة ونحوها فغالط وسبقت المسألة وسنعيدها قريباً إن شاء الله تعالى في أبواب فضائل القرآن. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ينفر من البيت" هكذا ضبطه الجمهور ينفر، ورواه بعض رواة مسلم يفر وكلاهما صحيح.
قوله: "احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فصلى فيها" فالحجيرة بضم الحاء تصغير حجرة، والخصفة والحصير بمعنى شك الراوي في المذكورة منهما، ومعنى احتجر حجرة أي حوط موضعاً من المسجد بحصير ليستره ليصلي فيه، ولا يمر بين يديه مار ولا يتهوش بغيره ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه، وفيه جواز مثل هذا إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها بالليل يصلي فيها وينحتها بالنهار ويبسطها كما ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه، ثم تركه النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار وعاد إلى الصلاة في البيت، وفيه جواز النافلة في المسجد، وفيه جواز الجماعة في غير المكتوبة، وجواز إِلاقتداء بمن لم ينو الإمامة، وفيه ترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك، وفيه بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته ومراعاة مصالحهم وأنه ينبغي لولاة الأمور وكبار الناس والمتبوعين في علم وغيره إِلاقتداء به صلى الله عليه وسلم في ذلك. قوله: "فتتبع إليه رجال" هكذا ضبطناه وكذا هو في النسخ وأصل التتبع الطلب ومعناه هنا طلبوا موضعه واجتمعوا إليه. قوله: (وحصبوا الباب) أي رموه بالحصباء وهي الحصى الصفار تنبيهاً له، وظنوا أنه نسي قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" هذا عام في جميع النوافل المرتبة مع الفرائض والمطلقة إلا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح فإنها مشروعة في جماعة في المسجد والاستسقاء في الصحراء، وكذا العيد إذا ضاق المسجد والله أعلم. قوله: "وكان يحجره من الليل ويبسطه بالنهار" وهكذا ضبطناه يحجر بضم الياء وفتح الحاء وكسر الجيم المشددة أي يتخذه حجرة كما في الرواية الأخرى. وفيه إشارة إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا والإعراض عنها والإثراء من متاعها بما لا بد منه. قوله: "فثابوا ذات ليلة" أي اجتمعوا وقيل رجعوا للصلاة
*2* باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ) حَدّثَنَا عُبَيْدُ الله عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَة، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَصِيرٌ. وَكَانَ يُحَجّرُهُ مِنَ اللّيْلِ فَيُصَلّي فِيهِ. فَجَعَلَ النّاسُ يُصَلّونَ بِصَلاَتِهِ. وَيَبْسُطُهُ بِالنّهَارِ. فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَقَالَ: "يَا أَيّهَا النّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ. فَإِنّ الله لاَ يَمَلّ حَتّى تَمَلّوا. وَإِنّ أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلّ". وَكَانَ آلُ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنّه سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيّ الْعَمَلِ أَحَبّ إِلَى الله؟ قَالَ: "أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ".
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَالَ: سَأَلْتُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ هَلُ كَانَ يَخصّ شَيْئاً مِنَ الأَيّامِ؟ قَالَتْ: لاَ. كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً. وَأَيّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَطِيعُ؟.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحمّدٍ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله تَعَالَىَ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلّ".
قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ. وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلّي. فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ: "حُلّوهُ. لِيُصَلّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ. فَإِذَا كَسَلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ". وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَقْعُدْ".
وحدّثناه شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحمّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ، أَنّ الْحَوْلاَءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى مَرّتْ بِهَا. وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: هَذِهِ الْحَوْلاَءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ. وَزَعَمُوا أَنّهَا لاَ تَنَامُ اللّيْلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَنَامُ اللّيْلَ خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ. فَوَالله لاَ يَسْأَمُ الله حَتّى تَسْأَمُوا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي امْرَأَةٌ. فَقَالَ "مَنْ هَذِهِ؟" فَقُلْتُ: امْرَأَةٌ. لاَ تَنَامُ. تُصَلّي. قَالَ "عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ. فَوَاللّهِ لاَ يَمَلّ اللّهُ حَتّى تَمَلّوا" وَكَانَ أَحَبّ الدّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ أَنّهَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم من الأعمال ما تطيقون" أي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، وفيه دليل على الحث على إِلاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق، وليس الحديث مختصاً بالصلاة بل هو عام في جميع أعمال البر. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله لا يمل حتى تملوا" هو بفتح الميم فيهما، وفي الرواية الأخرى: "لا يسأم حتى تسأموا" وهما بمعنى، قال العلماء: الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث، قال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم، وقيل معناه لا يمل إذا مللتم، وقاله ابن قتيبة وغيره، وحكاه الخطابي وغيره وأنشدوا فيه شعراً قالوا: ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه، ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره، وفي هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر، فتكون النفس أنشط والقلب منشرحاً فتتم العبادة، بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب فيفوته خير عظيم، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبارة ثم أفرط فقال تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخفيف العبادة ومجانبة التشديد. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل" هكذا ضبطناه دووم عليه، وكذا هو في معظم النسخ دووم بواوين، ووقع في بعضها دوم بواو واحدة والصواب الأول، وفيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيراً من الكثير المنقطع، لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة.
قوله: "وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً أثبتوه" أي لازموه وداوموا عليه، والظاهر أن المراد بالاَل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه وسلم من أزواجه وقرابته ونحوهم.
قولها: "كان علمه ديمة" هو بكسر الدال وإسكان الياء أي يدوم عليه ولا يقطعه.
قوله في الحبل الممدود بين ساريتين لزينب تصلي "فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال حلوه يصلي أحدكم نشاطه" كسلت بكسر السين وفيه الحث على إِلاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور، وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه، وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها.
قوله: (الحولاء بنت تويت) هو بتاء مثناة فوق في أوله وآخره. قوله: "وزعموا أنها لا تنام الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون" أراد صلى الله عليه وسلم بقوله لا تنام الليل الإنكار عليها وكراهة فعلها وتشديدها على نفسها، ويوضحه أن في موطأ مالك قال في هذا الحديث وكره ذلك حتى عرفت الكراهة في وجه، وفي هذا دليل لمذهبنا ومذهب جماعة أو الأكثرين أن صلاة جميع الليل مكروهة، وعن جماعة من السلف أنه لا بأس به وهو رواية عن مالك إذا لم ينم عن الصبح.
*2* باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عليه ذلك
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. جَمِيعاً عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصّلاَةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتّى يَذْهَبَ عَنْهُ النّوْمُ. فَإِنّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلّىَ وَهُوَ نَاعِسٌ، لَعَلّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبّ نَفْسَهُ".
وحدّثنا مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللّيْلِ، فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَىَ لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِعْ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم" إلى آخره نعس بفتح العين، وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، لكن لا يخرج فريضة عن وقتها. قال القاضي: وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالباً. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه" قال القاضي: معنى يستغفر هنا يدعو.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فاستعجم عليه القرآن" أي استغلق ولم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس.
*2* باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا، وجواز قول أنسيتها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ مِنَ اللّيْلِ. فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ الله. لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا. آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: "رَحِمَهُ الله. لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ قَرَأْتُ عَلَىَ مَالَكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ الْمُعَقّلَةِ. إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا. وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيُر. حَدّثَنَا أَبِي. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ) ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيّبِيّ. حَدّثَنَا أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) جَمِيعاً عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. كلّ هَؤُلاَءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَوَادَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ "وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ ذَكَرَهُ. وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ".
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و عُثْمَان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَمَا لأحدهم أن يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ. بَلْ هُوَ نُسّيَ. اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ. فَلَهُوَ أَشَدّ تَفَصّياً مِنْ صُدُورِ الرّجَالِ مِنَ النّعَمِ بِعُقُلِهَا".
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ: تَعَاهَدُوا هَذِهِ الْمَصَاحِفَ. وَرُبّمَا قَالَ الْقُرْآنَ. فَلَهُوَ أَشَدّ تَفَصّياً مِنْ صُدُورِ الرّجَالِ مِنَ النّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ. قَالع وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ. بَلْ هُوَ نَسّيَ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي عَبْدَة ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ ا بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بِئْسَمَا لِلرّجُلِ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ سُورَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ. أَوْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ. بَلْ هُوَ نُسّيَ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ. فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدّ تَفَلّتاً مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا" وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لاِبْنِ بَرّادٍ.
قوله: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ من الليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا". وفي رواية: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها". وفي الحديث بعد هذا: "بئسما لأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي" في هذه الألفاظ فوائد: منها جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحداً ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك. وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيراً وإن لم يقصده ذلك الإنسان. وفيه أن الاستماع للقراءة سنة. وفيه جواز قول سورة كذا كسورة البقرة ونحوها ولا التفات إلى من خالف في ذلك فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على استعماله وفيه كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قول أنسيتها وإنما نهى عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها، وقد قال الله تعالى: {أتتك آياتنا فنسيتها} وقال القاضي عياض: أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول، أي نسيت الحالة حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "بل هو نسي" ضبطناه بتشديد السين، وقال القاضي: ضبطناه بالتشديد والتخفيف. قوله صلى الله عليه وسلم: "كنت أنسيتها" دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما قد بلغه إلى الأمة، وقد تقدم في باب سجود السهو الكلام فيما يجوز من السهو عليه صلى الله عليه وسلم وما لا يجوز. قال القاضي عياض رحمه الله: جمهور المحققين جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم ابتداء فيما ليس طريقه البلاغ، واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم، ولكن منجوز قال: لا يقر عليه بل لا بد أن يتذكره أو يذكره، واختلفوا هل من شروط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم؟ قال: وأما نسيان ما بلغه في هذا الحديث فيجوز، قال: وقد سبق بيان سهوه في الصلاة، قال: وقال بعض الصوفية ومتابعيهم: لا يجوز السهو عليه أصلاً في شيء وإنما يقع منه صورته ليس إلا، وهذا تناقض مردود ولم يقل بهذا أحد ممن يقتدي به إلا الأستاذ أبو الظفر الإسفرايني من شيوخنا فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة" إلى آخره فيه الحث على تعاهد القرآن وتلاوته والحذر من تعريضه للنسيان، قال القاضي: ومعنى صاحب القرآن أي الذي ألفه والمصاحبة المؤالفة ومنه فلان صاحب فلان، وأصحاب الجنة، وأصحاب النار، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي، وأصحاب الصفة، وأصحاب إبل وغنم، وصاحب كنز، وصاحب عبادة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "آية كيت وكيت" أي آية كذا وكذا وهو بفتح التاء على المشهور، وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة. قوله: "استذكروا القرآن فلهو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم بعقلها" قال أهل اللغة: التفصي الانفصال وهو بمعنى الرواية الأخرى أشد تفلتاً. النعم أصلها الإبل والبقر والغنم، والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل والعقل بضم العين والقاف ويجوز إسكان القاف وهو كنظائره وهو جمع عقال ككتاب وكتب، والنعم تذكر وتؤنث ووقع في هذه الروايات بعقلها، وفي الرواية الثانية من عقله، وفي الثالثة في عقلها وكله صحيح، والمراد برواية الباء من كما في قول الله تعالى: {عيناً يشرب بها عباد الله} على أحد القولين في معناها. وقوله في هذه الرواية: "عقله" بتذكير النعم وهو صحيح كما ذكرناه.
*2* باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن
*حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا أَذِنَ الله لِشَيْءٍ، مَا أَذِنَ لِنَبِيَ يَتَغَنّى بِالْقُرْآنِ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ "كَمَا يَأْذَنُ لِنَبِيَ يَتَغَنّى بِالْقُرْآنِ".
حدّثنى بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ. حَدّثَنَا عَبْد الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (وَهُوَ ابْنُ الْهَادِ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا أَذِنَ الله لِشَيْءٍ، مَا أَذِنَ لِنَبِيَ حَسَنِ الصّوْتِ، يَتَغَنّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ".
وحدّثني ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمّي عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مَالِكٍ وَ حَيْوَةُ ابْنُ شُرَيْحٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعَ.
وحدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ هِقْلٌ عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا أَذِنَ اللّهُ لِشَيْـئٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيَ، يَتَغَنّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. غَيْرَ أَنّ ابْنَ أَيّوبَ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ "كَإِذْنِهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا مَالِكٌ (وَهُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ قَيْسٍ، أَوِ الأَشْعَرِيّ أُعْطِيَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ".
وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا طَلْحَةُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي مُوسَىَ: "لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن" هو بكسر الذال قال العلماء: معنى أذن في اللغة الاستماع ومنه قوله تعالى: {وأذنت لربها} قالوا: ولا يجوز أن تحمل هنا على الاستماع بمعنى الإصغاء فإنه يستحيل على الله تعالى بل هو مجاز، ومعناه الكناية عن تقريبه القارئ وإجزال ثوابه، لأن سماع الله تعالى لا يختلف فوجب تأويله. وقوله: (يتغنى بالقرآن) معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون يحسن صوته به، وعند سفيان بن عيينة يستغني به، قيل: يستغني به عن الناس، وقيل عن غيره من الأحاديث والكتب. قال القاضي عياض: القولان منقولان عن ابن عيينة، قال: يقال تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت، وقال الشافعي وموافقوه: معناه تحزين القراءة وترقيقها، واستدلوا بالحديث الاَخر: "زينوا القرآن بأصواتكم" قال الهروي: معنى يتغنى به يجهر به، وأنكر أبو جعفر الطبري تفسير من قال يستغني به وخطأه من حيث اللغة والمعنى، والخلاف جار في الحديث الاَخر: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" والصحيح أنه من تحسين الصوت، ويؤيده الرواية الأخرى يتغنى بالقرآن يجهر به. قوله في رواية حرملة: (كما يأذن لنبي) هو بفتح الذال. قوله: (حدثنا هقل) بكسر الهاء وإسكان القاف. قوله: (كأذنه) هو بفتح الهمزة والذال وهو مصدر أذن يأذن أذناً كفرح يفرح فرحاً. قوله: (غير أن ابن أيوب قال في روايته كإذنه) هكذا هو في رواية ابن أيوب بكسر الهمزة وإسكان الذال، قال القاضي: هو على هذه الرواية بمعنى الحث على ذلك والأمر به.
قوله صلى الله عليه وسلم في أبي موسى الأشعري: "أعطي مزماراً من مزامير آل داود" قال العلماء: المراد بالمزمار هنا الصوت الحسن، وأصل الزمر الغناء، وآل داود هو داود نفسه، وآل فلان قد يطلق على نفسه، وكان داود صلى الله عليه وسلم حسن الصوت جداً. قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: "لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" وفي الحديث الذي بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ورجع في قراءته، قال القاضي: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها، قال أبو عبيد: والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق، قال: واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم، وأباحهما أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث، ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه، قلت: قال الشافعي في موضع كره القراءة بالألحان، وقال في موضع: لا أكرهها، قال أصحابنا: ليس له فيها خلاف، وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وإدغام ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك، وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام والله أعلم.
*2* باب ذكر قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة
*حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَوَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرّةَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدُ اللّهِ بْنَ مُغَفّلٍ الْمُزَنِيّ يَقُولُ: قَرَأَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ، فِي مَسِيرٍ لَهُ، سُورَةَ الْفَتْحِ عَلَىَ رَاحِلَتِهِ. فَرَجّعَ فِي قِرَاءَتِهِ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلاَ أَنّي أَخَافُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيّ النّاسُ. لَحَكَيْتُ لَكُمْ قِرَاءَتَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قرّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مُغَفّلٍ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ، عَلَىَ نَاقَتِهِ، يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ. قَالَ فَقَرَأَ ابْنُ مُغَفّلٍ وَرَجّعَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلاَ النّاسُ لأَخَذْتُ لَكُمْ بِذَلِكَ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مُغَفّلٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ ابْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: عَلَىَ رَاحِلَةٍ يَسِيرُ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ.
*2* باب نزول السكينة لقراءة القرآن
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ. وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ. فَتَغَشّتْهُ سَحَابَةٌ. فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو. وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا. فَلَمّا أَصْبَحَ أَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: "تِلْكَ السّكِينَةُ. تَنَزّلَتْ لِلْقُرْآنِ".
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ. قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ. وَفِي الدّارِ دَابّةٌ. فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ. فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ. قَالَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "اقْرَأْ. فُلاَنٌ فَإِنّهَا السّكِينَةُ تَنَزّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ. أَوْ تَنَزّلَتْ لِلْقُرْآنِ".
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ وَ أَبُو دَاوُدَ. قَالاَ حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ. قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ، فَذَكَرَا نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنّهُمَا قَالاَ: تَنْقُزُ.
وحدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ (وَتَقَارَبَا فِي اللّفْظِ) قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ خَبّابٍ حَدّثَهُ أَنّ أَبا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ حَدّثَهُ أَنّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، بَيْنَمَا هُوَ، لَيْلَةً، يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ. إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ. فَقَرَأَ. ثُمّ جَالَتْ أُخْرَىَ. فَقَرَأَ. ثُمّ جَالَتْ أَيْضاً. قَالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَىَ. فَقُمْتُ إِلَيْهَا. فَإِذَا مِثْلُ الظّلّةِ فَوْقَ رَأْسِي. فِيهَا أَمْثَالُ السّرُجِ. عَرَجَتْ فِي الْجَوّ حَتّى مَا أَرَاهَا. قَالَ فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ أَقْرَأُ فِي مِرْبَدِي. إِذْ جَالَتْ فَرَسِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَإِ. ابْنَ حُضَيْرٍ" قَالَ: فَقَرَأْتُ. ثُمّ جَالَتْ أَيْضاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَإِ. ابْنَ حُضَيْرٍ" قَالَ: فَقَرَأْتُ. ثُمّ جَالَتْ أَيْضاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَإِ. ابْنَ حُضَيْرٍ" قَالَ فَانْصَرَفْتُ. وَكَانَ يَحْيَىَ قَرِيباً مِنْهَا. خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ. فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظّلّةِ. فِيهَا أَمْثَالُ السّرُجِ. عَرَجَتْ فِي الْجَوّ حَتّى مَا أَرَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ. وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النّاسُ، مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ".
قوله: "وعنده فرس مربوط بشطنين" هو بفتح الشين المعجمة والطاء وهما تثنية شطن وهو الحبل الطويل المضطرب. قوله: (وجعل فرسه ينفر) وفي الرواية الثانية: (فجعلت تنفر). وفي الثالثة: "غير أنهما قالا ينقز" أما الأوليان فالبفاء والراء بلا خلاف، وأما الثالثة فبالقاف المضمومة وبالزاي هذا هو المشهور، ووقع في بعض نسخ بلادنا في الثالثة ينفز بالفاء والزاي، وحكاه القاضي عياض عن بعضهم وغلطه، ومعنى ينقز بالقاف والزاي يثبت. قوله: "فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك السكينة نزلت للقرآن". وفي الرواية الأخيرة تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم. قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء المختار منها أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة والله أعلم. وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة، وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة، وفيه فضيلة استماع القرآن. قوله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ فلان" وفي الرواية الأخرى اقرأ ثلاث مرات معناه كان ينبغي أن تستمر على القرآن وتغتنم ماحصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائها.
قوله: (أن عبد الله ابن خباب حدثه) هو بالخاء المعجمة. قوله: (أسيد بن حضير) هو بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة.
قوله: (بينما هو) قد سبق أن معناه بين أوقاته. قوله: (في مربده) هو بكسر الميم وفتح الموحدة وهو الموضع الذي ييبس فيه التمر كالبيدر للحنطة ونحوها. قوله: (جالت فرسه) أي وثبت، وقال هنا جالت فأنث الفرس، وفي الرواية السابقة: وعنده فرس مربوط فذكره وهما صحيحان، والفرس يقع على الذكر والأنثى.
*2* باب فضيلة حافظ القرآن
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ الأَشْعَرِيّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجّةِ. رِيحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا طَيّبٌ. وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التّمْرَةِ. لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرّيْحَانَةِ. رِيحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا مُرّ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ. لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرّ".
وحدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. ح وحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. كلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ هَمّامٍ: (بَدَلَ الْمُنَافِقِ) الْفَاجِرِ.
قوله: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن" إلى آخره. فيه فضيلة حافظ القرآن واستحباب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد.
*2* باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ. وَالّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقّ، لَهُ أَجْرَانِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ عَدِيَ عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ وَكِيعِ "وَالّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَشْتَدّ عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران". وفي الرواية الأخرى: "وهو يشتد عليه له أجران" السفرة جميع سافر ككاتب وكتبة، والسافر الرسول، والسفرة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة الكتبة، والبررة المطيعون من البر وهو الطاعة، والماهر الحاذق الكامل احفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه وإتقانه. قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الاَخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى. قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم، وأما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة وأجر بتتعته في تلاوته ومشقته. قال القاضي وغيره من العلماء: وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة ولم يذكر هذه المنزلة لغيره، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه والله أعلم.
*2* باب استحباب قراءة القرآن على أَهل الفضل والحداق فيه، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأِبَيَ: "إِنّ الله أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ" قَالَ: اللّهُ سَمّانِي لَكَ؟ قَالَ: "اللّهُ سَمّاكَ لِي" قَالَ فَجَعَلَ أُبِيّ يَبْكِي.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَحَدّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأِبَيّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنّ الله أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ: وَسَمّانِي لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ فَبَكَىَ.
حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاِبِيَ بِمِثْلِهِ.
قال مسلم: "حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام، حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليك، قال: آلله سماني لك؟ قال: الله سماك لي، فجعل أبي يبكي. قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا} قال: وسماني لك؟ قال: نعم، قال: فبكى. قال مسلم: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد يعني ابن الحارث، حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنساً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بمثله" هذه الأسانيد الثلاثة رواتها كلهم بصريون، وهذا من المستطرفات أن يجتمع ثلاثة أسانيد متصلة مسلسلون بغير قصد، وقد سبق بيان مثله، وشعبة واسطي بصريسبق بيانه مرات، وفي الطريق الثالث فائدة حسنة وهي أن قتادة صرح بالسماع من أنس بخلاف الأوليين وقتادة مدلس فينتفي أن يخاف من تدليسه بتصريحه بالسماع، وقد سبق التنبيه على مثل هذا مرات، وفي الحديث فوائد كثيرة منها استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه. ومنها المنقبة الشريفة لأبي بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولا يعلم أحد من الناس شاركه في هذا. ومنها منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة. ومنها البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور. وأما قوله: "الله سماني لك" فيه أنه يجوز أن يكون الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على رجل من أمته ولم ينص على أبي، فأراد أبي أن يتحقق هل نص عليه أو قال على رجل فيؤخذ منه الاستثبات في المحتملات، واختلفوا في الحكمة في قراءته على أبي، والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل ويتعلموا آداب القراءة ولا يأنف أحد من ذلك. وقيل للتنبيه على جلالة أبي وأهليته لأخذ القرآن عنه، وكان بعده صلى الله عليه وسلم رأساً وإماماً في إقراء القرآن، وهو أجل ناشرته أو من أجلهم، ويتضمن معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تخصيص هذه السورة فلأنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه ومهماته والإخلاص وتطهير القلوب، وكان الوقت يقتضي الاختصار والله أعلم.
*2* باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ حَفْصٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ عَلَيّ الْقُرْآنَ" قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "إِنّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" فَقَرَأْتُ النّسَاءَ. حَتّىَ إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً} (النساء الاَية: ) رَفَعْتُ رَأْسِي. أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَىَ جَنْبِي فَرَفَعْتُ رَأْسِي. فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ.
حدّثنا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ وَ مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التّمِيمِيّ. جَمِيعاً عَنْ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ هَنّادٌ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، "اقْرَأْ عَلَيّ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدّثَنِي مِسْعَرٌ. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ "اقْرَأْ عَلَيّ" قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "إِنّي أُحِبّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" قَالَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ أَوّلِ سُورَةِ النّسَاءِ. إِلَى قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىَ هَؤُلاَءِ شَهِيداً}. فَبَكَىَ.
قَالَ مسْعَرٌ: فَحَدّثَنِي مَعْنٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "شَهِيداً عَلَيْهِمْ مَا دُمْتُ فِيهِمْ، أَوْ مَا كُنْتُ فِيهِمْ" (شَكّ مِسْعَرٌ).
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: كُنْتُ بِحِمْصَ. فَقَالَ لِي بَعْضُ الْقَوْمِ: اقْرَأْ عَلَيْنَا. فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ سُورَةَ يُوسُفَ. قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَالله مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ. قَالَ قُلْتُ: وَيْحَكَ. وَالله لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لِي: "أَحْسَنْتَ".
فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلّمُهُ إِذْ وَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ. قَالَ فَقُلْتُ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتُكَذّبُ بِالْكِتَابِ؟ لاَ تَبْرَحُ حَتّىَ أَجْلِدَكَ. قَالَ فَجَلَدْتُهُ الْحَدّ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة. جَمِيعاً عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: فَقَالَ لي "أَحْسَنْتَ".
قال مسلم: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعاً عن حفص، قال أبو بكر: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي القرآن إلى آخره. قال مسلم: حدثنا هناد بن السري ومنجاب بن الحارث عن علي بن مسهر عن الأعمش بهذا. قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال أبو أسامة: حدثني مسعر عن عمرو بن مرة عن إبراهيم".
قال مسلم: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله" هذه الأسانيد الأربعة كلهم كوفيون وهو من الطرق المستحسنة، وجرير رازي كوفي، وفيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض: الأعمش وإبراهيم النخعي وعبيدة السلماني بفتح العين وكسر الباء، وأيضاً الأعمش وإبراهيم وعلقمة. وفي حديث ابن مسعود هذا فوائد منها استحباب استماع القراءة والإصغاء لها والبكاء عندها وتدبرها واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه. وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم. قوله: "أن ابن مسعود وجد من الرجل ريح الخمر فحده" هذا محمول على أن ابن مسعود كان له ولاية إقامة الحدود لكونه نائباً للإمام عموماً، أو في إقامة الحدود، أو في تلك الناحية، أو استأذن من له إقامة الحد هناك في ذلك ففوضه إليه، ويحمل أيضاً على أن الرجل اعترف بشرب خمر بلا عذر، وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها لاحتمال النسيان والاشتباه والإكراه وغير ذلك، هذا مذهبنا ومذهب آخرين. قوله: (وتكذب بالكتاب) معناه تنكر بعضه جاهلاً، وليس المراد التكذيب الحقيقي فإنه لو كذب حقيقة لكفر وصار مرتداً يجب قتله، وقد أجمعوا على أن من جحد حرفاً مجمعاً عليه في القرآن فهو كافر تجري عليه أحكام المرتدين والله أعلم.
*2* باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُحِبّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَىَ أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاَثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟" قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: "فَثَلاَثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ. خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدّثُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الصّفّةِ. فَقَالَ: "أَيّكُمْ يُحِبّ أَنْ يَغْدُوَ كُلّ يَوْمٍ إِلَىَ بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِي مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ، فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ؟" فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ نُحِبّ ذَلِكَ. قَالَ: "أَفَلاَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَىَ الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ. وَثَلاَثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ. وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ. وَمِنْ أَعْدَادِهِنّ مِنَ الإِبِلِ؟".
"الخلفات" بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي عشار الواحدة خلفة وعشراء.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يغدو كل يوم إلى بطحان" هو بضم الباء وإسكان الطاء موضع بقرب المدينة، والكوما من الإبل بفتح الكاف العظيمة السنام.
*2* باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة
*حدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ (وَهُوَ الرّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ) حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلاّمٍ) عَنْ زَيْدٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاّمٍ يَقُولُ: حَدّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اقْرَأُوا الْقُرْآنَ. فَإِنّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ. اقْرَأُوا الزّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ. فَإِنّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنّهُمَا غَمَامَتَانِ. أَوْ كَأَنّهُمَا غَيَايَتَانِ. أَوْ كَأَنّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافّ. تُحَاجّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَأُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ. فَإِنّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ. وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ. وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ".
قَالَ مُعَاوِيةُ: بَلَغَنِي أَنّ الْبَطَلَةَ السّحَرَةُ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِي. أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ (يَعْنِي ابْنَ حسّانَ) حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "وَكَأَنّهُمَا" فِي كِلَيْهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُعَاوِيَةَ بَلَغَنِي.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبّهِ. حَدّثَنَا الْوَلِيد بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْجُرَشِيّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النّوّاسَ ابْنِ سِمْعَانَ الْكِلاَبِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُؤْتَىَ بِالْقُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةَ وَأَهْلِهِ الّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ. تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ" وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَةَ أَمْثَالٍ، مَا نَسِيتُهُنّ بَعْدُ. قَالَ: "كَأَنّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلّتَانِ سَوْدَاوَانِ. بَيْنَهُمَا شَرْقٌ. أَوْ كَأَنّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافّ تُحَاجّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران" قالوا: سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما، وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وشبهها، ولا كراهة في ذلك وكرهه بعض المتقدمين وقال: إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران والصواب الأول وبه قال الجمهور لأن المعنى معلوم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان" قال أهل اللغة: الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما. قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين. قوله صلى الله عليه وسلم: "أو كأنما فرقان من طير صواف". وفي الرواية الأخرى: كأنهما حزقان من طير صاف. الفرقان بكسر الفاء وإسكان الراء، والحزقان بكسر الحاء المهملة وإسكان الزاي ومعناهما واحد، وهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة.
قوله: "عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي" هو بضم الجيم "والنواس بن سمعان" يقال سمعان بكسر السين وفتحها. قوله: "أو ظلتان سوداوان بينهما شرق" هو بفتح الراء وإسكانها أي ضياء ونور، وممن حكى فتح الراء وإسكانها القاضي وآخرون والأشهر في الرواية واللغة الإسكان.
*2* باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الاَيتين من آخر البقرة
*حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ وَ أَحْمَدُ بْنُ جَوّاسٍ الْحَنَفِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَمّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عِيسَىَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. سَمِعَ نَقِيضاً مِنْ فَوْقِهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ. فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ. لَمْ يُفْتَحْ قَطّ إِلاّ الْيَوْمَ. فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ. فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ. لَمْ يَنْزِلْ قَطّ إِلاّ الْيَوْمَ. فَسَلّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيّ قَبْلَكَ. فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفِ مِنْهُمَا إِلاّ أُعْطِيتَهُ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْتِ. فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ فِي الاَيَتَيْنِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الاَيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيلَةٍ، كَفَتَاهُ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الاَيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ". قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُطُوفُ بِالْبَيْتِ. فَسَأَلْتُهُ. فَحَدّثَنِي بِهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَة وَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفَصٌ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
قوله: "أحمد بن جواس" بفتح الجيم وتشديد الواو. قوله: "عمار بن رزيق" براء ثم زاي. قوله: "سمع نقيضاً" هو بالقاف والضاد المعجمتين أي صوتاً كصوت الباب إذا فتح.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الاَيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه" قيل معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل من الشيطان، وقيل من الاَفات، ويحتمل من الجميع.
*2* باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَة، عَنْ سَالِمِ ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيّ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ، عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، عُصِمَ مِنَ الدّجّالِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. جَمِيعاً عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإِسْنَادِ. قَالَ شُعْبَةُ: مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ. وَقَالَ هَمّامٌ: مِنْ أَوّلِ الْكَهْفِ. كَمَا قَالَ هِشَامٌ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعَلَىَ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي السّلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيّ، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أَعْظَمُ؟" قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟" قَالَ قُلْتُ: الله لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "وَالله لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال". وفي رواية من آخر الكهف قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والاَيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال، وكذا في آخرها قوله تعالى: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا". قوله: "عن أبي السليل" هو بفتح السين المهملة واسمه ضريب بن نقير بالتصغير فيهما، ونقير بالقاف وقيل بالفاء وقيل نفيل بالفاء واللام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لأبي بن كعب ليهنك العلم أبا المنذر" فيه منقبة عظيمة لأبي، ودليل على كثرة علمه، وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم، وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف عليه إعجاب ونحوه لكمال نفسه ورسوخه في التقوى. قوله صلى الله عليه وسلم: "أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قال القاضي عياض: فيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وتفضيله على سائر كتب الله تعالى، قال: وفيه خلاف للعلماء فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة من الفقهاء والعلماء لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول وليس في كلام الله نقص به، وتأول هؤلاء ما ورد من إطلاق أعظم وأفضل في بعض الاَيات والسور بمعنى عظيم وفاضل، وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين قالوا: وهو راجع إلى عظم أجر قارئ ذلك وجزيل ثوابه، والمختار جواز قول هذه الاَية أو السورة أعظم أو أفضل، بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر وهو معنى الحديث والله أعلم. قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله أعلم
*2* باب فضل قل هو الله أَحد
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟" قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، يعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحمّدُ بْنُ بَكْرٍ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرْوبَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا أَبَانُ الْعَطّارُ. جَمِيعاً عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا مِنْ قَوْلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الله جَزّأَ الْقُرْآنَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ. فَجَعَلَ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} جُزْءاً مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ".
وحدّثني مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَىَ. قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ. حَدّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْشِدُوا. فَإِنّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ. ثُمّ خَرَجَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}. ثُمّ دَخَلَ. فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنّي أُرَىَ هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السّمَاءِ. فَذَاكَ الّذِي أَدْخَلَهُ. ثُمّ خَرَجَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنّي قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. أَلاَ إِنّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ".
وحدّثنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَشِيرٍ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقَرْآنِ" فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ. الله الصّمَدُ}. حَتّىَ خَتَمَهَا.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمّي عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ أَنّ أَبَا الرّجَالِ مُحمّدَ بْنَ عَبْدَ الرّحْمَنِ حَدّثَهُ عَنْ أُمّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً عَلَىَ سَرِيّةٍ. وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ ب {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}. فَلَمّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "سَلُوهُ. لأَيّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ". فَسَأَلُوهُ. فَقَالَ: لأَنّهَا صِفَةُ الرّحْمَنُ. فَأَنَا أُحِبّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَخْبِرُوهُ أَنّ الله يُحِبّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن". وفي الرواية الأخرى: "إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن" قال القاضي: قال المازري قيل معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص وأحكام وصفات لله تعالى، وقل هو الله أحد متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء، وقيل معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف.
قوله صلى الله عليه وسلم: "احشدوا" أي اجتمعوا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "في الذي قال في قل هو الله أحد لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها أخبروه أن الله يحبه" قال المازري: محبة الله تعالى لعباده إرادة ثوابهم وتنعيمهم، وقيل محبته لهم نفس الإثابة والتنعيم لا الإرادة. قال القاضي: وأما محبتهم له سبحانه فلا يبعد فيها الميل منهم إليه سبحانه وهو متقدس على الميل، قال: وقيل محبتهم له استقامتهم على طاعته، وقيل الاستقامة ثمرة المحبة، وحقيقة المحبة له ميلهم إليه لاستحقاقه سبحانه وتعالى المحبة من جميع وجوهها
*2* باب فضل قراءة المعوذتين
*وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنّ قَطّ؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ}".
وحدّثني مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنّ قَطّ: الْمُعَوّذَتَيْنِ".
م 2 وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ، وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} فيه بيان عظم فضل هاتين السورتين، وقد سبق قريباً الخلاف في إطلاق تفضيل بعض القرآن على بعض، وفيه دليل واضح على كونهما من القرآن ورد على من نسب إلى ابن مسعود خلاف هذا، وفيه أن لفظة قل من القرآن ثابتة من أول السورتين بعد البسملة، وقد أجمعت الأمة على هذا كله. قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "أنزل أو أنزلت على آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين" ضبطنا نر بالنون المفتوحة وبالياء المضمومة وكلاهما صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: (المعوذتين) هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وهو منصوب بفعل محذوف أي أعني المعوذتين وهو بكسر الواو
*2* باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "لاَ حَسَدَ إِلاّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللّهُ الْقُرْآنَ. فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ. وَآنَاءَ النّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللّهُ مَالاً. فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَارِ".
وحدّثني حَرْمَلَة بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ حَسَدَ إِلاّ عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللّهُ هَذَا الْكِتَابَ. فَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَارِ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللّهُ مَالاً. فَتَصَدّقَ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَارِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ حَسَدَ إِلاّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ الله مَالاً، فَسَلّطَهُ عَلَىَ هَلَكَتِهِ فِي الْحَقّ. وَرَجُلٌ آتَاهُ الله حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلّمُهَا".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوب بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَىَ مَكّةَ. فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَىَ أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَىَ؟ قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَىَ؟ قَالَ: مَوْلَى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ. وَإِنّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنّ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ "إِنّ الله يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ".
وحدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اليْمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيّ. قَالَ: حَدّثَنِي عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ الليْثِيّ أَنّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيّ لَقِي عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بِعُسْفَانَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزّهْرِيّ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين" قال العلماء: الحسد قسمان حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة. وأما المجازي فهو القبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة، والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما. قوله صلى الله عليه وسلم: "آناء الليل والنهار" أي ساعاته وواحده الاَن وانا واني وانو أربع لغات.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فسلطه على هلكته في الحق" أي إنفاقه في الطاعات. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها يعلمها" معناه يعمل بها ويعلمها احتساباً، والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح.
*2* باب بيان أن القرآن على سبعة أَحرف. وبيان معناه
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَر بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَىَ غَيْرِ مَا أَقْرَؤهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا. فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ. ثُمّ أَمْهَلْتُهُ حَتّى انْصَرَفَ. ثُمّ لَبّبْتُهُ بِرِدَائِهِ. فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَىَ غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ" فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمّ قَالَ لِيَ: "اقْرَأْ" فَقَرَأْتُ. فَقَالَ: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ. إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيّ أَخْبَرَاهُ أَنّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَسَاقَ الْحَدِيثِ. بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصّلاَةِ، فَتَصَبّرْتُ حَتّىَ سَلّمَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ. كَرِوَايَةِ يُونُسَ بِإِسْنَادِهِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتَبَةَ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلاَمُ عَلَىَ حَرْفٍ. فَرَاجَعْتُهُ. فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي. حَتّى انْتَهَىَ إِلَىَ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: بَلَغَنِي أَنّ تِلْكَ السّبْعَةَ الأَحْرُفَ إِنّمَا هِيَ فِي الأَمْرِ الّذِي يَكُونُ وَاحِداً، لاَ يَخْتَلِفُ فِي حَلاَلٍ وَلاَ حَرَامٍ.
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَيسَى بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ جَدّهِ، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ. فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلّي. فَقَرَأَ قِرَاءَةٍ أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ. ثُمّ دَخَلَ آخَرُ. فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَىَ قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ. فَلَمّا قَضَيْنَا الصّلاَةَ دَخَلْنَا جَمِيعاً عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: إِنّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ. وَدَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ سِوَىَ قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ. فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَآ. فَحَسّنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم شَأْنَهُمَا. فَسُقِطَ فِي نَفْسِي مِنَ التّكْذِيبِ. وَلاَ إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَلَمّا رَأَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي. فَفِضْتُ عَرَقاً. وَكَأَنّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَرَقاً. فَقَالَ لِي: "يَا أُبَيّ أُرْسِلَ إِلَيّ: أَنِ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَىَ حَرْفٍ. فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوّنْ عَلَىَ أُمّتِي. فَرَدّ إِلَيّ الثّانِيَةَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ. فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوّنْ عَلَىَ أُمّتِي. فَرَدّ إِلَيّ الثّالِثَةَ: اقْرَأْهُ عَلَىَ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَلَكَ بِكُلّ رَدّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا. فَقُلْتُ: اللّهُمّ اغْفِرْ لأُمّتِي. اللّهُمّ اغْفِرْ لأِمّتِي. وَأَخّرْتُ الثّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيّ الْخَلْقُ كُلّهُمْ. حَتّىَ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عِيسَىَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ. أَخْبَرَنِي أُبِيّ بْنُ كَعْبٍ أَنّهُ كَانَ جَالِسَاً فِي الْمَسَجْدِ. إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلّىَ. فَقَرَأَ قِرَاءَةً. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ. قَالَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلاَمُ. فَقَالَ: إِنّ الله يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَىَ حَرْفٍ. فَقَالَ: "أَسْأَلُ اللّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ. وَإِنّ أُمّتِي لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمّ أَتَاهُ الثّانِيَةَ. فَقَالَ: إِنّ الله يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَىَ حَرْفَيْنِ. فَقَالَ: "أَسْأَلُ الله مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ. وَإِنّ أُمّتِي لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمّ جَاءَهُ الثّالِثَةَ فَقَالَ: إِنّ الله يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَىَ ثَلاَثَةِ أَحْرُفٍ. فَقَالَ: "أَسْأَلُ الله مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنّ أُمّتِي لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمّ جَاءَهُ الرّابِعَةَ فَقَالَ: إِنّ الله يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَىَ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَأَيّمَا حَرْفٍ قَرَأُوا عَلَيْهِ، فَقَدْ أَصَابُوا.
وحدّثناه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله: "لببته بردائه" هو بتشديد الباء الأولى معناه أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجررته به، مأخوذ من اللبة بفتح اللام لأنه يقبض عليها، وفي هذا بيان ما كانوا عليه من إِلاعتناء بالقرآن والذب عنه والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما يجوزه العربية، وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بإرساله فلأنه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره، ولأن عمر إنما نسبه إلى مخالفته في القراءة، والنبي يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر، ولأنه إذا قرأ وهو يلبث لم يتمكن من حضور البال وتحقيق القراءة تمكن المطلق. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه" قال العلماء: سبب إنزاله على سبعة التخفيف والتسهيل ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هون على أمتي" كما صرح به في الرواية الأخرى واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف، قال القاضي عياض: قيل هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، قال: وقال الأكثرون هو حصر لعدد في سبعة، ثم قيل هي سبعة في المعاني، كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي، ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة. وقال آخرون: هي في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد، لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر الله تعالى عليه ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه. وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب، ثم اختلف هؤلاء فقيل سبع قراءات وأوجه. وقال أبو عبيد: سبع لغات العرب يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل بل السبعة كلها لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل بل هي مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى: {وعبد الطاغوت} و{نرتع ونلعب} و{باعد بين أسفارنا} و{بعذاب بئيس} وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الأمة وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواتراً، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى وليست متضاربة ولا متنافية. وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة، لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة. قال الداودي: وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها وهو أحد تلك السبعة بل تكون مفرقة فيها. وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة: هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف، وهذا ذكره النحاس وغيره. قال غيره: ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في الحديث في ختمة واحدة، ولا يدري أي هذه القراءات كان آخر الغرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ضبطها عنه الأمة وأضافت كل حرف منها إلى من أضف إليه من الصحابة، أي أنه كان أكثر قراءة به، كما أضيف كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم. قال المازري: وأما قول من قال المراد سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف، وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام. قال: وقول من قال المراد خواتيم الاَي فيجعل مكان غفور رحيم سميع بصير فاسد أيضاً للإجماع على منع تغيير القرآن للناس، هذا مختصرها نقله القاضي عياض في المسألة والله أعلم. قوله: (فكدت أساوره) بالسين المهملة أي أعاجله وأواثبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريلعلى حرف فراجعته فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" معناه لم أزل أطلب منه أن يطلب من الله الزيادة في الحرف للتوسعة والتخفيف، ويسأل جبريل ربه سبحانه وتعالى فيزيده حتى انتهى إلى السبعة.
قوله: "عن أبي بن كعب فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأن المختلفين في القراءة، قال: فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية" معناه وسوس لي الشيطان تكذيباً للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية، لأنه في الجاهلية كان غافلاً أو متشككاً فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب. قال القاضي عياض: معنى قوله سقط في نفسي أنه اعترته حيرة ودهشة، قال وقوله: ولا إذ كنت في الجاهلية معناه أن الشيطان نزغ في نفسه تكذيباً لم يعتقده، قال: وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لا يؤاخذ بها. قال القاضي: قال المازري معنى هذا أنه وقع في نفس أبي بن كعب نزغة من الشيطان غير مستقرة ثم زالت في الحال حين ضرب النبي بيده في صدره ففاض عرقاً. قوله: "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرف وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقاً" قال القاضي: ضربه صلى الله عليه وسلم في صدره تثبتاً له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم. قال: ويقال فضت عرقاً وفضت بالضاد المعجمة والصاد المهملة، قال: وروايتنا هنا بالمعجمة، قلت: وكذا هو في معظم أصول بلادنا وفي بعضها بالمهملة. قوله صلى الله عليه وسلم: "أرسل إلي أن أقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية أن اقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف" هكذا وقعت هذه الرواية الأولى في معظم الأصول، ووقع في بعضها زيادة قال: "أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف" ووقع في الطريق الذي بعد هذا من رواية ابن أبي شيبة أن قال: اقرأه على حرف، وفي المرة الثانية على حرفين، وفي الثالثة على ثلاثة، وفي الرابعة على سبعة. هذا مما يشكل معناه، والجمع بين الروايتين وأقرب ما يقال فيه أن قوله في الرواية الأولى فرد إلى الثالثة المراد بالثالثة الأخيرة وهي الرابعة فسماها ثالثة مجازاً، وحملنا على هذا التأويل تصريحه في الرواية الثانية أن الأحرف السبعة إنما كانت في المرة الرابعة وهو الأخيرة، ويكون قد حذف في الرواية الأولى أيضاً بعد المرات. قوله تعالى: ولك بكل ردة رددتها، وفي بعض النسخ رددتكها، هذا يدل على أنه سقط في الرواية الأولى ذكر بعض الردات الثلاث، وقد جاءت مبينة في الرواية الثانية. قوله سبحانه وتعالى: {ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها} معناه مسألة مجابة قطعاً، وأما باقي الدعوات فمرجوة ليست قطعية الإجابة، وقد سبق بيان هذا الشرح في كتاب الإيمان.
قوله: "عند أضاة بني غفار" هي بفتح الهمزة وبضاد معجمة مقصورة وهي الماء المستنقع كالغدير وجمعها أضا كحصاة وحصا وإضاء بكسر الهمزة والمد كأكمة واكام. قوله: "إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا" معناه لا يتجاوز أمتك سبعة أحرف ولهم الخيار في السبعة، ويجب عليهم نقل السبعة إلى من بعدهم بالتخير فيها وأنها لا تتجاوز والله أعلم
*2* باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ، وهو الإفراط في السرعة. وإباحة سورتين فأكثر في ركعة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنْ وَكِيعٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَىَ عَبْدِ اللّهِ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ. أَلِفاً تَجِدُهُ أَمْ يَاءً: مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ أَوْ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ؟ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: وَكُلّ الْقُرْآنِ قَدْ أَحْصَيْتَ غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ: إِنّي لأَقْرَأُ الْمُفَصّلَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: هَذّا كَهَذّ الشّعْرِ؟ إِنّ أَقْوَاماً يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ. وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ، نَفَعَ. إِنّ أَفْضَلَ الصّلاَةِ الرّكُوعُ وَالسّجُودُ. إِنّي لأَعْلم النّظَائِرَ الّتِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنّ. سُورَتَيْنِ فِي كُلّ رَكْعَةٍ. ثُمّ قَامَ عَبْدُ اللّهِ فَدَخَلَ عَلْقَمَةُ فِي إِثْرِهِ. ثُمّ خَرَجَ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرَنِي بِهَا.
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَجِيَلَةَ إِلَىَ عَبْدِ اللّهِ. وَلَمْ يَقُلْ: نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ عَبْدِ اللّهِ، يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَجَاءَ عَلْقَمَةُ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ. فَقُلْنَا لَهُ: سَلْهُ عَنِ النّظَائِرِ الّتِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فِي رَكْعَةٍ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ. ثُمّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصّلِ. فِي تَأْلِيفِ عَبْدِ اللّهِ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ فِي هَذَا الاْسْنَادِ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا. وَقَالَ: إِنّي لأَعْرِفُ النّظَائِرَ الّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. اثْنَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ. عِشْرينَ سُورَةً فِي عَشْرِ رَكَعَاتٍ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ بْنُ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: غَدَوْنَا عَلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَوْماً بَعْدَمَا صَلّيْنَا الْغَدَاةَ. فَسَلّمْنَا بِالْبَابِ. فَأَذِنَ لَنَا. قَالَ فَمَكَثْنَا بِالْبَابِ هُنَيّةً. قَالَ فَخَرَجَتِ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ: أَلاَ تَدْخُلُونَ؟ فَدَخَلْنَا. فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يُسَبّحُ. فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا وَقَدْ أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لاَ. إِلاّ أَنّا ظَنَنّا أَنّ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ. قَالَ ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمّ عَبْدٍ غَفْلَةً؟ قَالَ: ثُمّ أَقْبَلَ يُسَبّحُ حَتّىَ ظَنّ أَنّ الشّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ. فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ انْظُرِي. هَلْ طَلَعَتْ الشّمْسَ؟ قَالَ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَطْلُعْ. فَأَقْبَلَ يُسَبّحُ. حَتّىَ إِذَا ظَنّ أَنّ الشّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ قَالَ: يَا جَارِيَةُ انْظُرِي. هَلْ طَلَعَتْ؟ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ قَدْ طَلَعَتْ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لله الّذِي أَقَالَنَا يَوْمَنَا هَذَا. (فَقَالَ مَهْدِيّ وَأَحْسِبُهُ قَالَ) وَلَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا. قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: قَرَأْتُ الْمُفَصّلَ الْبَارِحَةَ كُلّهُ. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: هَذّا كَهَذّ الشّعْرِ؟ إِنّا لَقَدْ سَمِعْنَا الْقَرَائِنَ. وَإِنّي لأَحْفَظُ الْقَرَائِنَ الّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُفَصّلِ. وَسَورَتَيْنِ مِنْ آلِ حَم.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ الْجُعْفِيّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَجِيلَةَ، يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ، إلى عَبْدِ اللّهِ. فقَالَ: إِنّي أَقْرَأُ الْمُفَصّلَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: هَذَا كَهَذّ الشّعْرِ؟ لَقَدْ عَلِمْتُ النّظَائِرَ الّتِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِنّ. سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارِ. قَالَ ابْنُ الْمُثنّى: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مْرّةَ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يُحَدّثُ أَنّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنّي قَرَأَتُ الْمُفَصّلَ اللّيْلَةَ كُلّهُ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: هَذّا كَهَذّ الشّعْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: لَقَدْ عَرَفْتُ النّظَائِرَ الّتِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنّ. قَالَ فَذَكَرَ عِشْرينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصّلِ. سُورَتَيْنِ سُورَتَيْنِ فِي كُلّ رَكْعَةٍ.
ذكر في الإسناد الأول ابن أبي شيبة وابن نمير عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود. وفي الثاني أبا كريب عن أبي معاوية عن الأعمش هذان الإسنادان كوفيون. قوله للذي سأل ابن مسعود عن آسن: "كل القرآن قد أحصيت غير هذا الحرف" هذا محمول على أنه فهم منه أنه غير مسترشد في سؤاله، إذ لو كان مسترشداً لوجب جوابه وهذا ليس بجواب. قوله: "إني لأقرأ المفصل في ركعة فقال ابن مسعود: هذا كهذ الشعر" معناه أن الرجل أخبر بكثرة حفظه وإتقانه، فقال ابن مسعود: تهذه هذا وهو بتشديد الذال وهو شدة الإسراع والإفراط في العجلة، ففيه النهي عن الهذ والحث على الترتيب والتدبر، وبه قال جمهور العلماء. قال القاضي: وأباحت طائفة قليلة الهذ. قوله: (كهذ الشعر) معناه في تحفظه وروايته لا في إسناده وترنمه، لأنه يرتل في الإنشاد والترنم في العادة. قوله: "إن أقوام يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع" معناه إن قوماً ليس حظهم من القرآن: إلا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب. قوله: "إن أفضل الصلاة الركوع والسجود" هذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنه، وقد سبق في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة طول القنوت" وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكونالعبد من ربه وهو ساجد" بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة. قوله: "لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في ركعة" وفسرها فقال: "عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تأليف عبد الله" قال القاضي: هذا صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان إحدى عشرة ركعة بالوتر، وأن هذا كان قدر قراءته غالباً، وأن تطويله الوارد إنما كان في التدبر والترتيل، وما ورد من غير ذلك في قرائته البقرة والنساء وآل عمران كان في نادر من الأوقات، وقد جاء بيان هذه السورة العشرين في رواية في سنن أبي داود: الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، والواقعة ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعم والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة، وسمي مفصلاً لقصر سوره وقرب انفصال بعضهن من بعض. قوله في الرواية الأخرى: "ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم" دليل على أن المفصل ما بعد آل حم. وقوله في الرواية الأولى عشرون من المفصل، وقوله هنا ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم لا تعارض فيه، لأن مراده في الأولى معظم العشرين من المفصل، قال العلماء: أول القرآن السبع الطوال ثم ذوات المئين وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها، ثم المثاني ثم المفصل، وقد سبق بيان الخلاف في أول المفصل، فقيل من القتال، وقيل من الحجرات، وقيل من ق. قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن" هو بضم الراء وفيه جواز سورتين في ركعة. قوله: (فمكثنا بالباب هنية) هو بتشديد الياء غير مهموز، وقد سبق بيانه واضحاً في باب ما يقال في افتتاح الصلاة. قوله: "ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم فقلنا لا إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم فقال ظننتم بآل ابن أم عبد غفلة" معناه لا مانع لنا إلا أن توهمنا أن بعض أهل البيت نائم فنزعجه، ومعنى قولهم ظننا توهمنا وجوزنا لا أنهم أرادوا الظن المعروف للأصوليين وهو رجحان إِلاعتقاد، وفي هذا الحديث مراعاة الرجل لأهل بيته ورعيته في أمور دينهم. قوله: (انظري هل طلعت الشمس) فيه قبول خبر الواحد وخبر المرأة والعمل بالظن مع إمكان اليقين لأنه عمل بقولها، وهو مفيد للظن مع قدرته على رؤية الشمس. قوله: (ثمانية عشر من المفصل) هكذا هو في الأصول المشهورة ثمانية عشر، وفي نادر منها ثمان عشرة، والأول صحيح أيضاً على تقدير ثمانية عشر نظيراً. قوله: (وسورتين من آل حم) يعني من السور التي أولها حم كقولك فلان من آل فلان، قال القاضي: ويجوز أن يكون المراد حم نفسها كما قال في الحديث من مزامير آل داود أي داود نفسه.
*2* باب ما يتعلق بالقراءات
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ. قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً سَأَلَ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ، وَهُوَ يُعَلّمُ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الاَيَةَ؟ فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ؟ أَدَالاً أَمْ ذَالاً؟ قَالَ: بَلْ دَالاً: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مُدّكِرٍ" دَالاً.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ "فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو كُرَيْبٍ. (وَاللّفْظُ لاِءَبِي بَكْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَالَ: قَدِمْنَا الشّامَ. فَأَتَانَا أَبُو الدّرْدَاءِ فَقَالَ: أَفِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللّهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. أَنَا. قَالَ: فَكَيْفَ سَمِعْتَ عَبْدَ اللّهَ يَقْرَأُ هَذِهِ الاَيَةَ؟ وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ وَالذّكَرِ وَالأُثْنَىَ قَالَ: وَأَنَا وَالله هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤهَا. وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ يُرِيدُونَ أَنْ أَقْرَأَ: وَمَا خَلَقَ. فَلاَ أُتَابِعُهُمْ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: أَتَىَ عَلْقَمَةُ الشّامَ فَدَخَلَ مَسْجِداً فَصَلّىَ فِيهِ. ثُمّ قَامَ إِلَىَ حَلْقَةٍ فَجَلَسَ فِيهَا قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَعَرَفْتُ فِيهِ تَحَوّشَ الْقَوْمِ وَهَيْئَتَهُمْ. قَالَ: فَجَلَسَ إِلَىَ جَنْبِي. ثُمّ قَالَ: أَتَحْفَظُ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللّهِ يَقْرَأُ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
حدّثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا الدّرْدَاءِ. فَقَالَ لِي: مِمّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: مِنْ أَيّهِمْ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: هَلْ تَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْرَأْ: وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ. قَالَ فَقَرَأْتُ: وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ وَالنّهَارِ إِذَا تَجَلّىَ وَالذّكَرِ والأَنْثَىَ. قَالَ فَضَحِكَ ثُمّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَالَ: أَتْيْتُ الشّامَ فَلَقِيتُ أَبَا الدّرْدَاءِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ.
قوله: "يقول مدكر أدالاً" يعني بالمهملة وأصله مذتكر فأبدلت التاء دالاً مهملة ثم أدغمت المعجمة في المهملة فصار النطق بدال مهملة.
قوله: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة" هذا إسناد كوفي كله وفيه ثلاثة تابعيون: الأعمش وإبراهيم وعلقمة. قوله: "عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء أنهما قرآ والذكر والأنثى" قال القاضي: قال المازري يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن ذلك كان قرآناً ثم نسخ ولم يعلم من خالف النسخ فبقي على النسخ، قال: ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ، وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه. وأما ابن مسعود فرويت عنه روايات كثيرة، منها ما ليس بثابت عند أهل النقل، وما ثبت منها مخالفاً لما قلناه، فهو محمول على أنه كان يكتب في مصحفه بعض الأحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس بقرآن وكان لا يعتقد تحريم ذلك، وكان يراه كصحيفة يثبت فيها ما يشاء، وكان رأي عثمان والجماعة منع ذلك لئلا يتطاول الزمان ويظن ذلك قرآناً. قال المازري: فعاد الخلاف إلى مسألة فقهية وهي أنه هل يجوز إلحاق بعض التفاسير في أثناء المصحف؟ قال: ويحتمل ما روي من إسقاط المعوذتين من مصحف ابن مسعود أنه اعتقد أنه لا يلزمه كتب كل القرآن ما سواهما وتركهما لشهرتهما عنده وعند الناس والله أعلم. قوله: "فقام إلى حلقة" هي بإسكان اللام في اللغة المشهورة. قال الجوهري وغيره: ويقال في لغة رديئة بفتحها. قوله: "فعرفت فيه تحوش القوم" هو بمثناة في أوله مفتوحة وحاء مهملة وواو مشددة وشين معجمة أي انقباضهم، قال القاضي: ويحتمل أن يريد الفطنة والذكاء، يقال: رجل حوشي الفؤاد أي حديده.
*2* باب الأَوقات التي نهى عن الصلاة فيها
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ مُحمّدِ بْنِ يَحْيَىَ بْنِ حَبّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ. وَعَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الصّبْحِ، حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ.
وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. جَمِيعاً عَنْ هُشَيْمٍ. قَالَ دَاوُدُ: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ. وَكَانَ أَحَبّهُمْ إِلَيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ، حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ. وَبَعْدَ الْعَصْرِ. حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي. كُلّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ بَعْدَ الصّبْحِ حَتّىَ تَشْرُقَ الشّمْسُ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ: أَنّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللّيْثِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ. وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةَ الْفَجْرِ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأُتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَتَحَرّىَ أَحَدُكُمْ فَيُصَلّي عِنْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَمُحمّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالاَ: جَمِيعاً: حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحَرّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا. فَإِنّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيِ شَيْطَانٍ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ ابْنُ بِشْرٍ. قَالُوا جَمِيعاً: حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشّمْسِ، فَأَخّرُوا الصّلاَةَ حَتّىَ تَبْرُزَ. وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشّمْسِ، فَأَخّرُوا الصّلاَةَ حَتّىَ تَغِيبَ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيّ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الُجَيْشَانِيّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيّ قَالَ: صَلّىَ بِنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ بِالْمُخَمّصِ. فَقَالَ: "إِنّ هَذِهِ الصّلاَةَ عُرِضَتْ عَلَىَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيّعُوهَا. فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرّتَيْنِ. وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَهَا حَتّى يَطْلُعَ الشّاهِدُ" (وَالشّاهِدُ النّجْمُ).
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَقَ. قَالَ: حَدّثَنِي يِزِيدَ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السّبَائِيّ، (وَكَانَ ثِقَةً) عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيّ، عَنْ أَبِي بَصْرَة الْغِفَارِيّ قَالَ: صَلّىَ بِنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْب عَنْ مُوسَى بْنِ عُلِيَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ يَقُولُ: ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلّيَ فِيهِنّ. أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشّمْسُ بَازِغَةً حَتّىَ تَرْتَفِعَ. وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظّهِيرَةِ حَتّىَ تَمِيلَ الشّمْسُ. وَحِينَ تَضَيّفُ الشّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتّى تَغْرُبَ.
في أحاديث الباب نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع، وعند استوائها حتى تزول، وعند اصفرارها حتى تغرب. وأجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وفي صلاة الجنازة وقضاء الفوائت. ومذهب الشافعي وطائفة جواز ذلك كله بلا كراهة. ومذهب أبي حنيفة وآخرين أنه داخل في النهي لعموم الأحاديث. واحتج الشافعي وموافقوه بأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهذا صريح في قضاء السنة الفائتة، فالحاضرة أولى، والفريضة المقضية أولى، وكذا الجنازة، هذا مختصر ما يتعلق بجملة حكام الباب، وفيه فروع ودقائق سننبه على بعضها في واضعها من أحاديث الباب إن شاء الله تعالى.
قوله: "حتى تشرق الشمس" ضبطناه بضم التاء وكسر الراء، وهكذا أشار إليه القاضي عياض في شرح مسلم، وضبطناه أيضاً بفتح التاء وضم الراء وهو الذي ضبطه أكثر رواة بلادنا، وهو الذي ذكره القاضي عياض في المشارق، قال أهل اللغة: يقال شرقت الشمس تشرق أي طلعت على وزن طلعت تطلع وغربت تغرب، ويقال: شرقت تشرق أي ارتفعت وأضاءت، ومنه قوله تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها" أي أضاءت، فمن فتح التاء هنا احتج بأن باقي الروايات قبل هذه الرواية وبعدها حتى تطلع الشمس فوجب حمل هذه على موافقتها، ومن قال بضم التاء احتج له القاضي بالأحاديث الأخر في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، والنهي عن الصلاة إذا بدا حاجب الشمس حتى تبرز، وحديث ثلاث ساعات حتى تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. قال: وهذا كله يبين أن المراد بالطلوع في الروايات الأخر ارتفاعها وإشراقها وإضاءتها لا مجرد ظهور قرصها، وهذا الذي قاله القاضي صحيح متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بقرني شيطان" هكذا هو في الأصول بقرني شيطان في حديث ابن عمر. وفي حديث عمرو بن عبسة: بين قرني شيطان. قيل: المراد بقرني الشيطان حزبه. وأتباعه، وقيل: قوته وغلبته وانتشاره فساده، وقيل: القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره وهذا هو الأقوى، قالوا: ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة، وحينئذ يكون له ولبنيه تسلط ظاهر، وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم، فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها، كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان. وفي رواية لأبي داود والنسائي في حديث عمرو بن عبسة فإنها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار. وفي بعض أصول مسلم في حديث ابن عمر هنا بقرني الشيطان بالألف واللام، وسمي شيطاناً لتمرده وعتوه، وكل مارد عات شيطان، والأظهر أنه مشتق من شطن إذا بعد لبعده من الخير والرحمة، وقيل: مشتق من شاط إذا هلك واحترق.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز" لفظة بدا هنا غير مهموزة معناه ظهر، وحاجبها طرفها، وتبرز بالتاء المثناة فوق أي حتى تصير الشمس بارزة ظاهرة، والمراد ترتفع كما سبق تقريره.
قوله: (عن خير بن نعيم) هو بالخاء المجمة. قوله: "عن ابن هبيرة" هو عبد الله بن هبيرة الحضرمي المصري وقد سماه في الرواية الثانية. قوله: (عن أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة) أما بصرة فبالموحدة والصاد المهملة، والجيشاني بفتح الجيم وإسكان الياء وبالشين المعجمة منسوب إلى جيشان قبيلة معروفة من اليمن، واسم أبي تميم عبد الله بن مالك. قوله: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص" هو بميم مضمومة وخاء معجمة ثم بميم مفتوحة وهو موضع معروف. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة عرضت على من قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين" فيه فضيلة العضر وشدة الحث عليها.
قوله: (عن موسى بن علي) هو بضم العين على المشهور ويقال بفتحها وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي. قوله: "أو نقبر فيهن موتانا" هو بضم الموحدة وكسرها لغتان. قوله: "تضيف للغروب" هو بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء أي تميل. قوله: "حين يقوم قائم الظهيرة" الظهيرة حال استواء الشمس ومعناه حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب. قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا" قال بعضهم: إن المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع، بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات، كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين، كما سبق في الحديث الصحيح قام فنقرها أربعاً، فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره.
*2* باب إسلام عمرو بن عبسة
*حدّثني أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيّ. حَدّثَنَا النّضْرُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ. حَدّثَنَا شَدّادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَبُو عَمّارٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ (قَالَ عِكْرِمَة: وَلَقِيَ شَدّادٌ أَبَا أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ. وَصَحِبَ أَنَساً إِلَى الشّامِ. وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ فَضْلاً وَخَيْراً) عَنْ أَبِي أُمَامَة قَالَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السّلَمِيّ كُنْتُ، وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، أَظُنّ أَنّ النّاسَ عَلَىَ ضَلاَلَةٍ. وَأَنّهُمْ لَيْسُوا عَلَىَ شَيْءٍ. وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ. فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً. فَقَعَدْتُ عَلَىَ رَاحِلَتِي. فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ. فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِياً، جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ. فَتَلَطّفْتُ حَتّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكّةَ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: "أَنَا نَبِيّ" فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيّ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي الله" فَقُلْتُ: وَبِأَيّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحّدَ الله لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ" قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَىَ هَذَا؟ قَالَ: "حُرّ وَعَبْدٌ" (قَالَ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ مِمّنْ آمَنَ بِهِ) فَقُلْتُ: إِنّي مُتّبِعُكَ. قَالَ: "إِنّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا. أَلاَ تَرَىَ حَالِي وَحَالَ النّاسِ؟ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَىَ أَهْلِكَ. فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي" قَالَ فَذَهَبتُ إِلَىَ أَهْلِي. وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. وَكُنْتُ فِي أَهْلِي. فَجَعَلْتُ أَتَخَبّرُ الأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ النّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. حَتّى قَدِمَ عَلَيّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرّجُلُ الّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟ فَقَالُوا: النّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ. وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: "نَعَمْ. أَنْتَ الّذِي لَقِيتَنِي بِمَكّةَ؟" قَالَ فَقُلْتُ: بَلَىَ. فَقُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ أَخْبِرْنِي عَمّا عَلّمَكَ الله وَأَجْهَلُهُ. أَخْبِرْنِي عَنِ الصّلاَةِ؟ قَالَ: "صَلّ صَلاَةَ الصّبْحِ. ثُمّ أَقْصِرْ عَنِ الصّلاَةِ حَتّىَ تَطْلُعَ الشّمْسُ حَتّىَ تَرْتَفِعِ. فَإِنّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ. وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفّارُ. ثُمّ صَلّ. فَإِنّ الصّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حَتّىَ يَسْتَقِلّ الظّلّ بِالرّمْحِ. ثُمّ أَقْصِرْ عَنِ الصّلاَةِ. فَإِنّ حِينَئِذٍ، تُسْجَرُ جَهَنّمُ. فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلّ. فَإِنّ الصّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حَتّىَ تُصَلّيَ الْعَصْرَ. ثُمّ أَقْصِرْ عَنِ الصّلاَةِ. حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ. فَإِنّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ. وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفّارُ". قَالَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ فَالْوُضُوءُ؟ حَدّثْنِي عَنْهُ. قَالَ: "مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يَقُرّبُ وُضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلاّ خَرّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ. ثُمّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ الله إِلاّ خَرّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلاّ خَرّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلاّ خَرّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلاّ خَرّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلّىَ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ، وَمَجّدَهُ بِالّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرّغَ قَلْبَهُ لله، إِلاّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ" فَحَدّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرُو بْنَ عَبَسَةَ انْظُرْ مَا تَقُولُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يَعْطَىَ هَذَا الرّجُلُ؟
فَقَالَ عَمْرٌو. يَا أَبَا أُمَامَةَ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنّي، وَرَقّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللّهِ، وَلاَ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ. لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً (حَتّىَ عَدّ سَبْعَ مَرّاتٍ) مَا حَدّثْتُ بِهِ أَبْداً. وَلَكِنّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
قوله: (وحدثنا أحمد بن جعفر المعقري) هو بفتح الميم وإسكان العين المهملة وكسر القاف منسوب إلى معقر وهي ناحية باليمن. قوله: (جراء عليه قومه) هكذا هو في جميع الأصول جراء بالجيم المضمومة جمع جريء بالهمز من الجرأة وهي الإقدام والتسلط، وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين حراء بالحاء المهملة المكسورة ومعناه غضاب ذوو غم قد عيل صبرهم به حتى أثر في أجسامهم من قولهم حرى جسمه سحري كضرب يضرب إذا نقص من ألم وغيره، والصحيح أنه بالجيم. قوله: (فقلت له ما أنت) هكذا هو في الأصول ما أنت، وإنما قال ما أنت ولم يقل من أنت لأنه سأله عن صفته لا عن ذاته والصفات مما لا يعقل. قوله صلى الله عليه وسلم: "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء" هذا فيه دلالة ظاهرة على الحث على صلة الأرحام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرنها بالتوحيد ولم يذكر له حزبات الأمور وإنما ذكر مهما وبدأ بالصلة. وقوله: (ومعه يومئذ أبو بكر وبلال) دليل على فضلهما، وقد يحتج به من قال أنهما أول من أسلم. قوله: "فقلت إني متبعك قال إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني" معناه قلت له إني متبعك على إظهار الإسلام هنا وإقامتي معك، فقال لا تستطيع ذلك لضعف شوكة المسلمين، ونخاف عليك من أذى كفار قريش، ولكن قد حصل أجرك فابق على إسلامك وارجع إلى قومك واستمر على الإسلام في موضعك حتى تعلمني ظهرت فأتني، وفيه معجزة للنبوة وهي إعلامه بأنه سيظهر. قوله: "فقلت يا رسول الله أتعرفني؟ قال نعم أنت الذي لقيتني بمكة فقلت بلى" فيه صحة الجواب ببلى وإن لم يكن قبلها نفي وصحة الإقرار بها وهو الصحيح في مذهبنا وشرط بعض أصحابنا أن يتقدمها نفي. قوله: "فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله" هكذا هو عما علمك وهو صحيح ومعناه أخبرني عن حكمه وصفته وبينه لي. قوله صلى الله عليه وسلم: "صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع" فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس الطلوع بل لا بد من الارتفاع وقد سبق بيانه. قوله صلى الله عليه وسلم: قوله: "فإن الصلاة مشهودة محضورة" أي تحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القول وحصول الرحمة. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة" معنى يستقل الظل بالرمح أي يقوم مقابله في جهة الشمال ليس مائلاً إلى المغرب ولا إلى المشرق، وهذه حالة الاستواء، وفي الحديث التصريح بالنهي عن الصلاة حينئذ حتى تزول الشمس وهو مذهب الشافعي وجماهير العلماء، واستثنى الشافعي حالة الاستواء يوم الجمعة، وللقاضي عياض رحمه الله في هذا الموضع كلام عجيب في تفسير الحديث، ومذاهب العلماء نبهت عليه لئلا يغتر به، ومعنى تسجر جهنم توقد عليها إيقاداً بليغاً، واختلف أهل العربية هل جهنم اسم عربي أم عجمي؟ فقيل عربي مشتق من الجهومة وهي كراهة المنظر، وقيل من قولهم بئر جهام أي عميقة، فعلى هذا لم تصرف للعلمية والتأنيث، وقال الأكثرون: هي عجمية معربة وامتنع صرفها للعلمية والعجمة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة" معنى أقبل الفيء ظهر إلى جهة المشرق، والفيء مختص بما بعد الزوال، وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وبعده، وفيه كلام نفيس بسطته في تهذيب الأسماء. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى تصلي العصر" فيه دليل على أن النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير الإنسان، وإنما يكره لكل إنسان بعد صلاة العصر، حتى لو أخر عن أول الوقت لم يكره التنفل قبلها. قوله صلى الله عليه وسلم: "يقرب وضوءه" هو بضم الياء وفتح القاف وكسر الراء المشددة أي يدنيه، والوضوء هنا بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به. قوله صلى الله عليه وسلم: "ويستنشق فينتثر" أي يخرج الذي في أنفه قال نثر وانتثر واستنثر مشتق من النثرة وهي الأنف وقيل طرفه، وقد سبق بيانه في الطهارة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه" هكذا ضبطناه خرت بالخاء المعجمة، وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة إلا ابن أبي جعفر فرواه جرت بالجيم، ومعنى خرت بالخاء أي سقطت، ومعنى جرت ظاهر، والمراد بالخطايا الصغائر كما سبق في كتاب الطهارة ما اجتنبت الكبائر، والخياشيم جمع خيشوم وهو أقصى الأنف، وقيل الخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ، وقيل غير ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يغسل قدميه" فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن الواجب غسل الرجلين، وقال الشيعة: الواجب مسحهما، وقال ابن جرير: هو مخير، وقال بعض الظاهرية: يجب الغسل والمسح.
قوله: "لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى عد سبع مرات ما حدثت به أبداً ولكني سمعته أكثر من ذلك" هذا الكلام قد يستشكل من حيث أن ظاهره أنه لا يرى التحديث إلا بما سمعه أكثر من سبع مرات، ومعلوم أن من سمع مرة واحدة جاز له الرواية، بل تجب عليه إذا تعين لها، وجوابه أن معناه لو لم أتحققه وأجزم به لما حدثت به، وذكر المرات بياناً لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط والله أعلم.
*2* باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أنّهَا قَالَتْ: وَهِمَ عُمَرُ إِنّمَا نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَحَرّىَ طُلُوعُ الشّمْسِ وَغُرُوبُهَا.
وحدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة أَنّهَا قَالَتْ: لَمْ يَدَعْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَتَحَرّوْا طُلُوعَ الشّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا. فَتُصَلّوا عِنْدَ ذَلِكَ".
قولها: (وهم عمر) تعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في؟؟ رؤايته النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقاً وإنما نهى عن التحري قال القاضي: إنما قالت عائشة هذا لما روته من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر، قال: وما رواه عمر قد رواه أبو سعيد وأبو هريرة، وقد قال ابن عباس في مسلم أنه أخبره به غير واحد، قلت: ويجمع بين الروايتين، فرواية التحري محمولة على تأخير الفريضة إلى هذا الوقت، ورواية النهي مطلقاً محمولة على غير ذوات الأسباب.
*2* باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد العصر
*حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ و عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَة أَرْسَلُوهُ إِلَىَ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السّلاَمَ مِنّا جَمِيعاً وَسَلْهَا عَنِ الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَقُلْ: إِنّا أُخْبِرْنَا أَنّكِ تُصَلّينَهُمَا. وَقَدْ بَلَغَنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْهُمَا قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وَكُنْتُ أضرب مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ النّاسَ عَلَيْها. قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ. فَقَالَتْ: سَلْ أُمّ سَلَمَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَولِهَ. فَرَدّونِي إِلَىَ أُمّ سَلَمَةَ، بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَىَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَىَ عَنْهُمَا. ثُمّ رَأَيْتُهُ يُصَلّيهِمَا. أَمّا حِينَ صَلاّهُمَا فَإِنّهُ صَلّى الْعَصْرَ. ثُمّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَصَلاّهُمَا. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي أَسْمَعُكَ تَنْهَىَ عَنْ هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ. وَأَرَاكَ تُصَلّيهِمَا؟ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ. قَالَ فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ. فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ. فَلَمّا انْصَرَفَ قَالَ: "يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. إِنّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالإِسْلاَمِ مِنْ قَوْمِهِمْ. فَشَغَلُونِي عَنِ الرّكْعَتَيْنِ اللّتَيْنِ بَعْدَ الْظّهْرِ. فَهُمَا هَاتَانِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالَ ابْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ). أَخْبَرَنِي مُحَمّدٌ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ) قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السّجْدَتَيْنِ اللّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمّ إِنّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلاّهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ. ثُمّ أَثْبَتَهُمَا. وَكَانَ إِذَا صَلىَ صَلاَةً أثبتها.
قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُوبَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: تَعْنِي دَاوَمَ عَلْيْهَا).
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي جَمِيعاً عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطّ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) أَخَبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَقَ الشّيْبَانِيّ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلاَتَانِ مَا تَرَكَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي قَطّ، سِرّا وَلاَ عَلاَنِيَةَ. رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ.
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ. قَالاَ: نَشْهَدُ عَلَىَ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: مَا كَانَ يَوْمُهُ الّذِي كَانَ يَكُونُ عِنْدِي إِلاّ صَلاّهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي. تَعْنِي الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ.
قوله: "قال ابن عباس وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها" هكذا وقع في بعض الأصول أضرب الناس عليها، وفي بعض أصرف الناس عنها، وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما، وكان يضربهم عليها في وقت ويصرفهم عنها في وقت من غير ضرب أو يصرفهم مع الضرب، ولعله كان يضرب من بلغه النهي ويصرف من لم يبلغه من غير ضرب، وقد جاء في غير مسلم أنه كان يضرب عليها بالدرة وفيه احتياط الإمام لرعيته ومنعهم من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليها. قوله: "قال كريب فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة" هذا فيه أنه يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مهم ويعلم أن غيره أعلم به أو أعرف بأصله أن يرشد إليه إذا أمكنه، وفيه الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم، وفيه إشارة إلى أدب الرسول في حاجته، وأنه لا يستقل فيها بتصرف لم يؤذن له فيه، ولهذا لم يستقل كريب بالذهاب إلى أم سلمة، لأنهم إنما أرسلوه إلى عائشة فلما أرشدته عائشة إلى أم سلمة وكان رسولاً للجماعة لم يستقل بالذهاب حتى رجع إليهم فأخبرهم فأرسلوه إليها. قولها: (وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار) قد سبق مرات أن بني حرام بالراء وأن حراماً في الأنصار وحزاماً بالزاي في قريش. قولها: (فأرسلت إليه الجارية) فيه قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قولها: "فقولي له تقول أم سلمة" إنما قالت عن نفسها تقول أم سلمة فكنت نفسها ولم تقل هند باسمها لأنها معروفة بكنيتها، ولا بأس بذكر الإنسان نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالباً إلا بها، وكنيت بأبيها سلمة بن أبي سلمة وكان صحابياً، وقد ذكرت أحواله في ترجمتها من تهذيب الأسماء. قولها: "إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما" معنى أسمعك سمعتك في الماضي وهو من إطلاق لفظ المضارع لإرادة الماضي كقوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك} وفي هذا الكلام أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئاً يخالف المعروف من طريقته والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه، فإن كان ناسياً رجع عنه، وإن كان عامداً وله معنى مخصص عرفه التابع واستفاده، وإن كان مخصوصاً بحال يعلمها ولم يتجاوزها، وفيه مع هذه الفوائد فائدة أخرى وهي أنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن السيء بتعارض الأفعال أو الأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد. قولها: "فأشار بيده" فيه أن إشارة المصلي بيده ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان" فيه فوائد منها إثبات سنة الظهر بعدها. ومنها أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها وهو الصحيح عندنا. ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي وإنما يكره ما لا سبب لها، وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة، وليس لنا أصح دلالة منه ودلالته ظاهرة، فإن قيل: فقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولا يقولون بهذا. قلنا: لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره: أحدهما القول به فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهي كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت. والثاني وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحصل الدلالة بفعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول، فإن قيل: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. قلنا: الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به، بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص وهي أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي، وسكوته ظاهر في جواز إِلاقتداء، ومن فوائده أن صلاة النهار مثنى مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقد سبقت المسألة. ومنها أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بدئ بأهمها، ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بحديث القوم في الإسلام وترك سنة الظهر حتى فات وقتها، لأن الاشتغال بإرشادهم وهدايتهم وقومهم إلى الإسلام أهم. قولها: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر عندي قط" يعني بعد يوم وفد عبس القيس.
قوله: (سألت عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر) هذا الحديث ظاهر في أن المراد بالسجدتين ركعتان هما سنة العصر قبلها. وقال القاضي: ينبغي أن تحمل على سنة الظهر كما في حديث أم سلمة ليتفق الحديثان، وسنة الظهر تصح تسميتها أنها قبل العصر.
*2* باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ. قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ التّطَوّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الأَيْدِي علَى صَلاَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَكُنّا نُصَلّي عَلَىَ عَهْدِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ. قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ. فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاّهُمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلّيهِمَا. فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا.
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ حدّثنا عبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنّا بِالْمَدِينَةِ. فَإِذَا أَذّنَ الْمُؤَذّنُ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السّوَارِيَ. فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. حَتّىَ إِنّ الرّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنّ الصّلاَةَ قَدْ صُلّيَتْ، مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلّيهِمَا.
فيه حديث صلاتهم ركعتين بعد الغروب وقيل صلاة المغرب.
وفي رواية: "أنهم كانوا يصلونها بعد الأذان".
*2* باب بين كل أذانين صلاة
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَ وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ. قَالَ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ الْمُزَنِيّ، قَالَ: قَالَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ كُلّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ" قَالَهَا ثَلاَثاً. قَالَ فِي الثّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنِ الْجُريْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ. إِلاّ أَنّهُ قَالَ: فِي الرّابِعَةِ: "لِمَنْ شَاءَ".
وفي الحديث الاَخر: "بين كل أذانين صلاة" المراد بالأذانين الأذان والإقامة. وفي هذه الروايات استحباب ركعتين بين المغرب وصلاة المغرب. وفي المسألة وجهان لأصحابنا أشهرهما لا يستحب، وأصحهما عند المحققين يستحب لهذه الأحاديث، وفي المسألة مذهبان للسلف، واستحبهما جماعة من الصحابة والتابعين من المتأخرين أحمد وإسحاق ولم يستحبهما أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وآخرون من الصحابة ومالك وأكثر الفقهاء.
*2* باب صلاة الخوف
*حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْخَوْفِ. بِإِحْدَىَ الطّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً. وَالطّائِفَةُ الأُخْرَىَ مُوَاجِهَةُ الْعَدُوّ. ثُمّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ. مُقْبِلِينَ عَلَىَ الْعَدُوّ. وَجَاءَ أُولَئِكَ. ثُمّ صَلّىَ بِهِمْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً. ثُمّ سَلّمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَضَىَ هَؤُلاَءِ رَكْعَةً. وَهَؤُلاَءِ رَكْعَةً.
وحدّثنيهِ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِي. حَدّثَنَا فُلَيْحٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ كَانَ يُحَدّثُ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَوْفِ وَيَقُولُ: صَلّيْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْمَعْنَىَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيّامِهِ. فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوّ. فَصَلّىَ بِالّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمّ ذَهَبُوا. وَجَاءَ الاَخَرُونَ فَصَلّىَ بِهِمْ رَكْعَةً. ثُمّ قَضَتِ الطّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً. قَالَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَلّ رَاكِباً، أَوْ قَائِماً. تُومِئُ إِيماءً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْخَوْفِ. فَصَفّنَا صَفّيْنِ: صَفّ خَلْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَدُوّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. فَكَبّرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَكَبّرْنَا جَمِيعاً ثُمّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعاً. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعاً. ثُمّ انْحَدَرَ بِالسّجُودِ وَالصّفّ الّذِي يَلِيهِ. وَقَامَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوّ. فَلَمّا قَضَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم السّجودَ، وَقَامَ الصّفّ الّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ بِالسّجُودِ. وَقَامُوا. ثُمّ تَقَدّمَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ. وَتَأَخّرَ الصّفّ المُقَدّمُ. ثُمّ رَكَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَرَكعْنَا جَمِيعاً. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعاً. ثُمّ انْحَدَرَ بِالسّجُودِ وَالصّفّ الّذِي يَلِيهِ الّذِي كَانَ مُؤَخّراً فِي الرّكْعَةِ الأُولَىَ. وَقَامَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوّ. فَلَمّا قَضَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم السّجُودَ وَالصّفّ الّذِي يَلِيهِ. انْحَدَرَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ بِالسّجُودِ. فَسَجَدُوا. ثُمّ سَلّمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَسَلّمْنَا جَمِيعاً. قَالَ جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاَءِ بِأُمَرَائِهِمْ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْماً مِنْ جُهَيْنَةَ. فَقَاتَلُونَا قِتَالاً شَدِيداً. فَلَمّا صَلّيْنَا الظّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لاقْتَطَعْنَاهُمْ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَقَالُوا: إِنّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلاَةٌ هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنَ الأَوْلاَدِ. فَلَمّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَالَ صَفّنَا صَفّيْنِ. وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. قَالَ فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبّرْنَا. وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا. ثُمّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصّفّ الأَوّلُ. فَلَمّا قَامُوا سَجَدَ الصّفّ الثّانِي. ثُمّ تَأَخّرَ الصّفّ الأَوّلُ وَتَقَدّمَ الصّفّ الثّانِي. فَقَامُوا مَقَامَ الأَوّلِ. فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبّرْنَا. وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا. ثُمّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصّفّ الأَوّلُ. وَقَامَ الثّانِي. فَلَمّا سَجَدَ الصّفّ الثّاني، ثُمّ جَلَسُوا جَمِيعاً، سَلّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ: ثُمّ خَصّ جَابِرٌ أَنْ قَالَ: كَمَا يُصَلّي أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلاَءِ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِي. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ. فَصَفّهُمْ خَلْفَهُ صَفّيْنِ. فَصَلّىَ بِالّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً. ثُمّ قَامَ. فَلَمْ يَزَلْ قَائماً حَتّىَ صَلّىَ الّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً. ثُمّ تَقَدّمُوا وَتَأَخّرَ الّذِينَ كَانُوا قُدّامَهُمْ. فَصَلّىَ بِهِمْ رَكْعَةً. ثُمّ قَعَدَ حَتّىَ صَلّىَ الّذِينَ تَخَلّفُوا رَكْعَةً. ثُمّ سَلّمَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوّاتٍ، عَمّنْ صَلّىَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ ذَاتِ الرّقَاعِ، صَلاَةَ الْخَوْفِ، أَنّ طَائِفَةً صَفّتْ مَعَهُ. وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوّ. فَصَلّىَ بِالّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً. ثُمّ ثَبَتَ قَائِماً وَأَتَمّوا لأَنْفُسِهِمْ. ثُمّ انْصَرَفُوا فَصَفّوا وُجَاهَ الْعَدُوّ. وَجَاءَتِ الطّائِفَةُ الأُخْرَىَ فَصَلّىَ بِهِمْ الرّكْعَةَ الّتِي بَقِيَتْ. ثُمّ ثَبَتَ جَالِساً. وَأَتَمّوا لأَنْفُسِهِمْ. ثُمّ سَلّمَ بِهِمْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ إِذَا كُنّا بِذَاتِ الرّقَاعِ، قَالَ كُنّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَىَ شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَلّقٌ بِشَجَرَةٍ. فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرَطَهُ. فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: "لاَ" قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنّي؟ قَالَ: "الله يَمْنَعُنِي مِنْكَ" قَالَ فَتَهَدّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَغْمَدَ السّيْفَ وَعَلّقَهُ. قَالَ فَنُودِيَ بِالصّلاَةِ. فَصَلّىَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ تَأَخّرُوا. وَصَلّىَ بِالطّائِفَةِ الأُخْرَىَ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ(يَعْنِي ابْنَ حَسّانَ) حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ(وَهُوَ ابْنُ سَلاّمٍ). أَخْبَرَنِي يَحْيَىَ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ جَابِراً أَخْبَرَهُ أَنّهُ صَلّىَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْخَوْفِ. فَصَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ صَلّىَ بِالطّائِفَةِ الأُخْرَىَ رَكْعَتَيْنِ. فَصَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَصَلّىَ بِكُلّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
ذكر مسلم رحمه الله في الباب أربعة أحاديث: أحدها حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بإحدي الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة للعدو ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة" وبهذا الحديث أخذ الأوزاعي وأشهب مالكي وهو جائز عند الشافعي، ثم قيل: إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معاً، وقيل متفرقين وهو الصحيح. الثاني: حديث ابن أبي حثمة بنحوه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالطائفة الأولى ركعة وثبت قائماً فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاء الاَخرون فصلى بهم ركعة ثم ثبت جالساً حتى أتموا ركعتهم ثم سلم بهم. وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم. وذكر عنه أبو داود في سننه صفة أخرى أنه صفهم صفين فصلى بمن يليه ركعة ثم ثبت قائماً حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد حتى صلى الذي تخلفوا ركعة ثم سلم. وفي رواية: سلم بهم جميعاً.
الحديث الثالث حديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صفهم صفين خلفه والعدو بينهم وبين القبلة وركع بالجميع وسجد معه الصف المؤخر وقاموا ثم تقدموا وتأخر الذي يليه وقام المؤخر في نحر العدو فلما قضى السجود سجد الصف المقدم، وذكر في الركعة الثانية نحوه" وحديث ابن عباس نحو حديث جابر لكن ليس فيه تقدم الصف وتأخر الاَخر، وبهذا الحديث قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف إذا كان العدو في جهة القبلة، ويجوز عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في رواية جابر، ويجوز بقاؤهما على حالهما كما هو ظاهر حديث ابن عباس. الحديث الرابع: حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين". وفي سنن أبي داود وغيره من رواية أبي بكرة أنه صلى بكل طائفة ركعتين وسلم، فكانت الطائفة الثانية مفترضين خلف متنفل، وبهذا قال الشافعي وحكوه عن الحسن البصري، وادعى الطحاوي أنه منسوخ ولا تقبل دعواه. إذ لا دليل لنسخه، فهذه ستة أوجه في صلاة الخوف. وروى ابن مسعود وأبو هريرة وجهاً سابعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعة وانصرفوا ولم يسلموا ووقفوا بإزاء العدو وجاء الاَخرون فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعتهم ثم سلموا وذهبوا فقاموا مقام أولئك ورجع أولئك فصلوا لأنفسههم ركعة ثم سلم، وبهذا أخذ أبو حنيفة، وقد روى أبو داود وغيره وجوهاً أخرى في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجهاً. وذكر ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن، والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها. وفيها تفصيل وتفريع مشهور في كتب الفقه.
قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كل [؟؟] ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى.
ثم مذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت، إلا أبا يوسف والمزني فقالا: لا تشرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد بالاَية تخصيصه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي". قوله: "وقام الصف المؤخر في نحر العدو" أي في مقابلته، ونحر كل شيء أوله. قوله في رواية أبي الزبير عن جابر: "ثم سجد وسجد معه الصف الأول" هكذا وقع في بعض النسخ الصف الأول ولم ىقع في أكثرها ذكر الأول، والمراد الصف المقدم الاَن.
قوله: (صالح ابن خوات) هو بتفح الخاء المعجمة وتشديد الواو.
قوله: (ذات الرقاع) هي غزوة معروفة كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد، سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق، هذا هو الصحيح في سبب تسميتها، وقد ثبت هذا في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقيل: سميت لجبل هناك يقال له الرقاع لأن فيه بياضاً وحمرة وسواداً، وقيل: سميت بشجرة هنا يقال لها ذات الرقاع، وقيل: لأن المسلمين رقعوا راياتهم، ويحتمل أن هذه الأمور كلها وجدت فيها وشرعت صلاة الخوف في غزوة خلاف الرقاع، وقيل في غزوة بني النضر. قوله في حديث يحيى بن يحيى: "أن طائفة صفت معه" هكذا هو في أكثر النسخ، وفي بعضها صلت معه وهما صحيحان. قوله: "وطائفة وجاه العدو" هو بكسر الواو وضمها يقال وجاهه وتجاهه أي قبالته، والطائفة الفرقة والقطعة من الشيء تقع على القليل والكثير، لكن قال الشافعي: أكره أن تكون الطائفة في صلاة الخوف أقل من ثلاثة، فينبغي أن تكون الطائفة التي مع الإمام ثلاثة فأكثر، والذين في وجه العدو كذلك، واستدل بقول الله تعالى: {وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا} إلى آخر الاَية. فأعاد على كل طائفة ضمير الجمع وأقل الجمع ثلاثة على المشهور.
قوله: "شجرة ظليلة" أي ذات ظل. قوله: "فأخذ السيف فاخترطه" أي سله. قوله: "صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين" معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين وسلم وسلموا، وبالثانية كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم متنفلاً في الثانية وهم مفترضون، واستدل به الشافعي وأصحابه على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل والله أعلم.