كتاب الجمعة
 كتاب الجمعة

باب

يقال بضم الميم وإسكانها وفتحها حكاهن الفراء والواحدي وغيرهما، ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناس ويكثرون فيها كما يقال همزة ولمزة لكثرة الهمز واللمز ونحو ذلك، سميت جمعة لاجتماع الناس فيها، وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى العروبة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل". وفي رواية: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" وهذه الثانية محمولة على الأول معناها من أراد المجيء فليغتسل وفي الحديث الاَخر بعده: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" والمراد بالمحتلم البالغ وفي الحديث الاَخر: "حق لله على مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده". وفي الحديث الاَخر: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" وفي رواية: "لو اغتسلتم يوم الجمعة" واختلف العلماء في غسل الجمعة فحكى وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك، وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه سنة مستحبة ليس بواجب، قال القاضي: وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه، واحتج من أوجبه بظواهر هذه الأحاديث، واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة منها حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وقد ترك الغسل وقد ذكره مسلم، وهذا الرجل هو عثمان بن عفان جاء مبيناً في الرواية الأخرى، ووجه الدلالة أن عثمان فعله وأقره عمر وحاضروا الجمعة وهم أهل الحل والعقد، ولو كان واجباً لما تركه ولألزموه. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فيها ونعمت ومن تغتسل فالغسل أفضل" حديث حسن في السنن مشهورة، وفيه دليل على أنه ليس بواجب ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "لو اغتسلتم يوم الجمعة" وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب لأن تقديره لكان أفضل وأكمل ونحو هذا من العبادات، وأجابوا عن الأحاديث الواردة في الأمر به أنها محمولة على لندب جمعاً بين الأحاديث. وقوله صلى الله عليه وسلم: "واجب على كل محتلم" أي متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه: حقك واجب علي أي متأكد لا أن المراد الواجب المحتم المعاقب عليه. قوله: (وهو قائم على المنبر) فيه استحباب المنبر للخطبة فإن تعذر فليكن على موضع عال ليبلغ صوته جميعهم ولينفرد فيكون أوقع في النفوس، وفيه أن الخطيب يكون قائماً، وسمي منبراً لارتفاعه من النبر وهو الارتفاع. قوله: (أية ساعة هذه) قاله توبيخاً له وإنكاراً لتأخره إلى هذا الوقت، فيه تفقد الإمام رعيته وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة وإن كان كبير القدر، وفيه جواز الإنكار على الكبار في مجمع من الناس، وفيه جواز الكلام في الخطبة.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. التّمِيمِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْن الْمُهَاجِرِ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ ح وحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَ عَبْدِ اللّهِ ابْنَىْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثني حَرْمَلةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ النّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ. فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَىَ أَهْلِي حَتّىَ سَمِعْتُ النّدَاءَ. فَلَمْ أَزِدْ عَلَىَ أَنّ تَوَضّأْتُ. قَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضاً وَقَدْ عَلِمْتَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيّ. قَالَ: حَدّثَني يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِير. حَدّثَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ. حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَخْطُبُ النّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ فَعَرّضَ بِهِ عُمَرُ. فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخّرُونَ بَعْدَ النّدَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النّدَاءَ أَنْ تَوَضّأْتُ. ثُمّ أَقْبَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضاً أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَلْيَغْتَسِلْ".
قوله: (شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت) فيه إِلاعتذار إلى ولاة الأمور وغيرهم، وفيه إباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء، وفيه إشارة إلى أنه إنما ترك الغسل لأنه يستحب، فرأى اشتغاله بقصد الجمعة أولى من أن يجلس للغسل بعد النداء ولهذا لم يأمره عمر بالرجوع للغسل. قوله: (سمعت النداء) هو بكسر النون وضمها والكسر أشهر. قوله: (والوضوء أيضاً) هو منصوب أي وتوضأت الوضوء فقط قاله الأزهري وغيره.
قوله: (ينتابون الجمعة) أي يأتونها. قوله: (من العوالي) هي القرى التي حول المدينة.
*2* باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال. وبيان ما أمروا به
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مالِك عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْغُسْلُ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاجِبٌ عَلَىَ كُلّ مُحْتَلِمٍ".
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ اْلأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمرٌو عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ النّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ ومِنَ الْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ. وَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ، فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرّيحُ. فَأَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْسَانٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنّكُمْ تَطَهّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ . أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ النّاسُ أَهْلَ عَمَلٍ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ. فَكَانُوا يَكُونُ لَهُمْ تَفَلٌ. فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
قوله: "فيأتون في العباء" هو بالمد جمع عباءة بالمد وعباية بزيادة ياء لغتان مشهورتان. قوله: "ولم يكن لهم كفاة" هو بضم الكاف جمع كاف كقاض وقضاة وهم الخدم الذين يكفونهم العمل. قوله: (لهم تفل) هو بتاء مثناة فوق ثم فاء مفتوحتين أي رائحة كريهة. قوله صلى الله عليه وسلم للذين جاؤوا ولهم الريح الكريهة: "لو اغتسلتم" فيه أنه يندب لمن أراد المسجد أو مجالسة الناس أن يجتنب الريح الكريهة في بدنه وثوبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل وغسل الجمعة واجب على كل محتلم" فالحديث الأول ظاهر في أن الغسل مشروع لكل من أراد الجمعة من الرجال سواء البالغ والصبي المميز. والثاني: صريح في البالغ. وفي أحاديث أخر ألفاظ تقتضي دخول النساء كحديث "ومن اغتسل فالغسل أفضل" فيقال في الجمع بين الأحاديث أن الغسل يستحب لكل مريد الجمعة ومتأكد في حق الذكور أكثر من النساء لأنه في حقهن قريب من الطيب، ومتأكد في حق البالغين أكثر من الصبيان، ومذهبنا المشهور أنه يستحب لكل مريد لها، وفي وجه لأصحابنا يستحب للذكور خاص، وفي وجه يستحب لمن يلزمه الجمعة دون النساء والصبيان والعبيد والمسافرين، ووجه يستحب لكل أحد يوم الجمعة سواء أراد حضور الجمعة أم لا، كغسل يوم العيد يستحب لكل أحد والصحيح الأول والله أعلم.
*2* باب الطيب والسواك يوم الجمعة
*وحدّثنا عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ الْعَامِرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلاَلٍ وَ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجّ، حَدّثَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ عَمْرو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ واجب عَلَىَ كُلّ مُحْتَلِمٍ. وَسِوَاكٌ. وَيَمَسّ مِنَ الطّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ".
إِلاّ أَنّ بُكَيْراً لَمْ يَذْكُرْ: عَبْدَ الرّحْمَنِ. وَقَالَ فِي الطّيبِ: وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ.
حدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ ذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ طَاوُسٌ: فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبّاسٍ: وَيَمَسّ طِيباً أَوْ دُهْناً، إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ قَالَ: لاَ أَعْلَمِهُ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا الضّحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا، اْلإِسْنَادِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "حَقّ للّهِ ع 2 لَىَ كُلّ مُسْلِمٍ، أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلّ سَبْعَةِ أَيّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيما قُرئَ عَلَيْهِ، عَنْ سُمَىَ مَوْلَىَ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ السّمّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمّ رَاحَ. فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّانِيَةِ، فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَقَرَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ، فَكَأَنّمَا قَرّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ. وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الرّابِعَةِ، فَكَأَنّمَا قَرّبَ دَجَاجَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَيْضَةً. فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذّكْرَ".
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن سواد: "غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس طيباً من الطيب ما قدر عليه" هكذا وقع في جميع الأصول غسل يوم الجمعة على كل محتلم وليس فيه ذكر واجب. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وسواك ويمس من الطيب" معناه ويسن السواك ومس الطيب ويجوز يمس بفتح الميم وضمها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما قدر عليه" قال القاضي: محتمل لتكثيره، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه، ويؤيده قوله: "ولو من طيب المرأة" وهو المكروه للرجال، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره، وهذا يدل على تأكيده والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة" معناه غسلاً كغسل الجنابة في الصفات هذا هو المشهور في تفسيره، وقال بعض أصحابنا في كتب الفقه: المراد غسل الجنابة حقيقة، قالوا: ويستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض للبصر وأسكن لنفسه وهذا ضعيف أو باطل والصواب ما قدمناه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة" المراد بالرواح الذهاب أول النهار. وفي المسألة خلاف مشهور. مذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي حسين وإمام الحرمين من أصحابنا أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، والرواح عندهم بعد الزوال وادعوا أن هذا معناه في اللغة، ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وابن حبيب المالكي وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أول النهار، والساعات عندهم من أول النهار، والرواح يكون أول النهار وآخره، قال الأزهري: لغة العرب الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث، والمعنى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدي بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة، وفي رواية النسائي السادسة، فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحداً، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال وهو بعد انفصال السادسة، فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث في التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها وإِلاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال، ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذٍ ويحرم التخلف بعد النداء والله أعلم. واختلف أصحابنا هل تعيين الساعات من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس، والأصح عندهم من طلوع الفجر، ثم ان من جاء في أول ساعة من هذه الساعات ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة والبقرة والك، ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة، وبدنة المتوسط متوسطة، وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف، فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون درجة، ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون لكن درجات الأول أكمل، وأشباه هذا كثيرة معروفة، وفيما ذكرته جواب عن اعتراض ذكره القاضي عياض رحمه الله. قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" أما لغات هذا الفصل فمعنى قرب تصدق، وأما البدنة فقال جمهور أهل اللغة وجماعة من الفقهاء: يقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك لعظم بدنها وخصها جماعة بالإبل والمراد هنا الإبل بالاتفاق لتصريح الأحاديث بذلك، والبدنة والبقرة يقعان على الذكر والأنثى باتفاقهم، والهاء فيها للواحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس، وسميت بقرة لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة والبقر الشق ومنه قولهم: بقر بطنه، ومنه سمي محمد الباقر رضي الله عنه لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلاً بليغاً ووصل منه غاية مرضية. وقوله صلى الله عليه وسلم: "كبشاً أقرن" وصفه بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة ولأن قرنه ينتفع به. والدجاجة بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان ويقع على الذكر والأنثى، ويقال حضرت الملائكة وغيرهم بفتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان الفتح أفصح وأشهر وبه جاء القرآن قال الله تعالى: {وإذا حضر القسمة}.
وأما فقه الفصل ففيه الحث على التبكير إلى الجمعة وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم وهو من باب قول الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وفيه أن القربان والصدقة يقع على القليل والكثير، وقد جاء في رواية النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة، وفي رواية بعد الك دجاجة ثم عصفور ثم بيضة وإسنادا الروايتين صحيحان، وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الإبل وجعل البقرة في الدرجة الثانية، وقد أجمع العلماء على أن الإبل أفضل من البقر في الهدايا، واختلفوا في الأضحية فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم كما في الهدايا، ومذهب مالك أن أفضل الأضحية الغنم ثم البقر ثم الإبل، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وحجة الجمهور ظاهر هذا الحديث والقياس على الهدايا، وأما تضحيته صلى الله عليه وسلم فلا يلزم منها ترجيح الغنم لأنه محمول على أنه صلى الله عليه وسلم لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم أو فعله لبيان لجواز، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر. قوله صلى الله عليه وسلم: "حضرت الملائكة يستمعون" قالوا هؤلاء الملائكة غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة.
*2* باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة
*وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. قَالَ ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَيْتَ".
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ إِبْرَاهِيم بْنِ قَارِظٍ. وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُمَا حَدّثَاهُ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعاً. فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَارِظٍ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، والإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغِيتَ".
قَالَ أَبُو الزّنَادِ: هِي لُغَةُ أبِي هُرَيْرَةَ. وَإِنّمَا هُوَ فَقَدْ لَغَوْتَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت". وفي الرواية الأخرى: (فقد لغيت) قال أبو الزناد: هي لغة أبي هريرة وإنما هو فقد لغوت، قال أهل اللغة: يقال لغا يلغو كغزا يغزو، ويقال لغى يلغى كعمى يعمى لغتان الأولى أفصح، وظاهر القرآن يقتضي هذه الثانية التي هي لغة أبي هريرة. قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} وهذا من لغى يلغى، ولو كان من الأول لقال والغوا بضم الغين، قال ابن السكيت وغيره: مصدر الأول اللغو ومصدر الثاني اللغى، ومعنى فقد لغوت أي قلت اللغو وهو الكلام الملغى الساقط الباطل المردود، وقيل معناه قلت غير الصواب، وقيل تكلمت بما لا ينبغي ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماء لغواً فيسيره من الكلام أولى، وإنما طريقه إذا أراد نهي غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر. ولا يزيد على أقل ممكن، واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه وهما قولان للشافعي. قال القاضي: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة. وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن، قال: واختلفوا إذا لم يسمع الإماء هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه، فقال الجمهور: يلزمه، وقال النخعي وأحمد وأحد قولي الشافعي: لا يلزمه. قوله صلى الله عليه وسلم: "والإمام يخطب" دليل على أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام.
*2* باب في الساعة التي في يوم الجمعة
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ: "فِيهِ سَاعَةٌ. لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلّي، يَسْأَلُ الله شَيْئاً، إِلاّ أَعْطَاهُ إِيّاهُ".
زَادَ قُتَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلّلُهَا.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً. لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلّي، يَسْأَلُ اللّهَ خَيْراً، إِلاّ أَعْطَاهُ إِيّاهُ" وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلّلُهَا، يُزَهّدُهَا.
حدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ إِبْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
وحدّثني ابْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيّ. حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضّلٍ). حَدّثَنَا سَلَمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ) عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَلاّمٍ الْجُمَحِيّ. حَدّثَنَا الرّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ "إِنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً. لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله فِيهَا خَيْراً، إِلاّ أَعْطَاهُ إِيّاهُ" وَهْيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ رافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ الّنبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَقُلْ: وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ ح وحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا مَخْزَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ. قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم في شأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَىَ أَنْ تُقْضَى الصّلاَةُ".
قوله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه". وفي رواية: (قائم يصلي). وفي رواية: (وهي ساعة خفيفة). وفي رواية: وأشار بيده يقللها.
وفي رواية أبي موسى الأشعري أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة". قوله: "إلى أن تقضى الصلاة" هو بالتاء المثناة فوق المضمومة، قال القاضي: اختلف السلف في وقت هذه الساعة وفي معنى قائم يصلي، فقال بعضهم: هي من بعد العصر إلى الغروب، قالوا: ومعنى يصلي يدعو، ومعنى قائم ملازم ومواظب كقوله تعالى: {ما دمت عليه قائماً} وقال آخرون: هي من حين خروج الإمام إلى فراغ الصلاة. وقال آخرون: من حين تقام الصلاة حتى يفرغ والصلاة عندهم على ظاهرها. وقيل: من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة. وقيل: آخر ساعة من يوم الجمعة. قال القاضي: وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل هذا آثار مفسرة لهذه الأقوال قال: وقيل عند الزوال. وقيل: من الزوال إلى أن يصير الظل نحو ذراع. وقيل: هي مخفية في اليوم كله كليلة القدر. وقيل: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. قال القاضي: وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لها، بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله وأشار بيده يقللها هذا كلام القاضي، والصحيح بل الصواب ما رواه مسلم من حدث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة. قوله: (عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة، ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله: ومنهم من بلغ به أباه موسى ولم يرفعه، قال: والصواب أنه من قول أبي بردة كذلك رواه يحيى القطان عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة، وتابعه واصل الأحدب ومخالد روياه عن أبي بردة من قوله: وقال النعمان بن عبد السلام عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه، وقال أحمد بن حنبل عن حماد بن خالد قلت لمخرمة سمعت من أبيك شيئاً؟ قال: لا، هذا كلام الدارقطني وهذا الذي استدركه بناه على القاعدة المعروفة له، ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء، والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع وإِلاتصال لأنها زيادة ثقة، وقد سبق بيان هذه المسألة واضحاً في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب، وسبق التنبيه على مثل هذا في مواضع أخر بعدها، وقد روينا في سنن البيهقي عن أحمد بن سلمة قال: ذاكرت مسلم بن الحجاج حديث مخرمة هذا فقال مسلم: هو أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة.
*2* باب فضل يوم الجمعة
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ الأَعْرَجُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. فِيهِ خُلِقَ آدَمُ. وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنّةَ. وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَاميّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ. فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنّةَ. وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا. وَلاَ تَقُومُ السّاعَةُ إِلاّ فِي يَوْمِ الْجُمعَةِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة". قال القاضي عياض: الظاهر أن هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلته، لأن إخراج آدم وقيام الساعة لا يعد فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع نقمته، هذا كلام القاضي. وقال أبو بكر بن العزى في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي: الجميع من الفضائل، وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأولياء، ولم يخرج منها طرداً بل لقضاء أوطار ثم يعود إليها، وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم، وفي هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ومزيته على سائر الأيام، وفيه دليل المسألة غريبة حسنة وهي لو قال لزوجته: أنت طالق في أفضل الأيام، وفيها وجهان لأصحابنا أصحهما تطلق يوم عرفة. والثاني: يوم الجمعة لهذا الحديث وهذا إذا لم يكن له نية، فأما إن أراد أفضل أيام السنة فيتعين يوم عرفة، وإن أراد أفضل أيام الأسبوع فيتعين الجمعة، ولو قال أفضل ليلة تعينت ليلة القدر وهي عند أصحابنا والجمهور منحصرة في العشر الأواخر من شهر رمضان، فإن كان هذا القول قبل مضي أول ليلة من العشر طلقت في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر، وإن كان بعد مضي ليلة من العشر أو أكثر لم تطلق إلا في أول جزء من مثل تلك الليلة في السنة الثانية، وعلى قول من يقول هي منتقلة لا تطلق إلا في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر. والله أعلم.
*2* باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة
*وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الاَخِرُونَ وَنَحْنُ السّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. بَيْدَ أَنّ كُلّ أُمّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا. وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ. ثُمّ هَذَا الْيَوْمُ الّذِي كَتَبَهُ الله عَلَيْنَا. هَدَانَا الله لَهُ. فَالنّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ. الْيَهُودُ غَداً. وَالنّصَارَىَ بَعْدَ غَدٍ".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "نَحْنُ الاَخِرُونَ وَنَحْنُ السّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الاَخِرُونَ الأَوّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَنَحْنُ أَوّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنّةَ. بَيْدَ أَنّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ. فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا الله لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقّ. فَهَذَا يَوْمُهُمُ الّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ. هَدَانَا الله لَهُ (قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) فَالْيَوْمُ لَنَا. وَغَداً لِلْيَهُودِ. وَبَعْدَ غَدٍ لِلنّصَارَىَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "نَحْنُ الاَخِرُونَ السّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. بَيْدَ أَنّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَذَا يَوْمُهُمُ الّذي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. فَهَدَانَا اللّهُ لَهُ. فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ. فَالْيَهُودُ غَداً. والنّصَارَىَ بَعْدَ غَدٍ".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَ وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ. قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَضَلّ الله عَنِ الْجُمُعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا. فَكَانَ للْيَهُودِ يَوْمُ السّبْتِ. وَكَانَ لِلنّصَارَىَ يَوْمُ الأَحَدِ. فَجَاءَ الله بِنَا. فَهَدَانَا اللّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَجَعَلَ الْجُمُعَةِ وَالسّبْتَ وَالأَحَدَ. وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. نَحْنُ الاَخِرُونَ مِنْ أَهِلِ الدّنْيَا. وَالأَوّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الْمَقْضِيّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ". وَفِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ: الْمَقْضِيّ بَيْنَهُمْ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ. حَدّثَنِي رِبْعِيّ بْنُ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "هُدِينَا إِلَى الْجُمُعَةِ وَأَضَلّ اللّهُ عَنْهَا مَنْ كَانَ قَبْلَنَا" فَذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ فُضَيْلٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن الاَخرون ونحن السابقون يوم القيامة" قال العلماء معناه الاَخرون في الزمان والوجود السابقون بالفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم" هو بفتح الباء الموحدة وإسكان المثناة تحت، قال أبو عبيد: لفظه بيد تكون بمعنى غير، وبمعنى على، وبمعنى من أجل، وكله صحيح هنا، قال أهل اللغة: ويقال ميد بمعنى بيد. قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا الله له" فيه دليل لوجوب الجمعة وفيه فضيلة هذه الأمة. قوله صلى الله عليه وسلم: "اليهود غداً" أي عيد اليهود غداً لأن ظروف الزمان لا تكون إخباراً عن الجثث فيقدر فيه معنى يمكن تقديره خبراً. قوله صلى الله عليه وسلم: "فهذا يومهم أي الذي اختلفوا فيه هدانا الله له" قال القاضي: الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختلف اجتهادهم في تعيينه ولم يهدهم الله له وفرضه على هذه الأمة مبيناً ولم يكله إلى اجتهادهم ففازوا بتفضيله، قال: وقد جاء أن موسى عليه السلام أمرهم بالجمعة وأعلمهم بفضلها فناظروه أن السبت أفضل فقيل له دعهم. قال القاضي: ولو كان منصوصاً لم يصح اختلافهم فيه بل كان يقول خالفوا فيه. قلت: ويمكن أن يكون أمروا به صريحاً ونص على عينه فاختلفوا فيه هل يلزم تعيينه. أم لهم إبداله وأبدلوه وغلطوا في إبداله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا" فيه دلالة لمذهب أهل السنة الهدي والإضلال والخير والشر كله بإرداة الله تعالى وهو فعله خلافاً للمعتزلة.
*2* باب فضل التهجير يوم الجمعة
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ وَ عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ الْعَامِرِيّ (قَالَ أَبُو الطّاهِرِ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ الأَغَرّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَىَ كُلّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوّلَ فَالأَوّلَ. فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصّحُفَ وَجَاؤوا يَسْتَمِعُونَ الذّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجّرِ كَمَثَلِ الّذِي يُهْدِي بَدَنَةً. ثُمّ كَالّذِي يُهْدِي بَقَرَةً. ثُمّ كَالّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ. ثُمّ كَالّذِي يُهْدِي الدّجَاجَةَ. ثُمّ كَالّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "عَلَىَ كُلّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكٌ يَكْتُبُ الأَوّلَ فَالأَوّلَ (مَثّلَ الْجَزُورَ ثُمّ نَزّلَهُمْ حَتّىَ صَغّرَ إِلَىَ مَثَلِ الْبَيْضَةِ) فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طُوِيَتِ الصّحُفُ وَحَضَرُوا الذّكْرَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة" قال الخليل بن أحمد وغيره من أهل اللغة وغيرهم: التهجير التكبير، ومنه الحديث: "لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه"أي التبكير إلى كل صلاة هكذا فسروه. قال القاضي: وقال الحربي عن أبي زيد عن الفراء وغيره: التهجير السير في الهاجرة والصحيح هنا أن التهجير التبكير، وسبق شرح تمام الحديث قريباً. قوله: "مثل الجزور ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة" هكذا ضبطناه الأول مثل بتشديد الثاء وفتح الميم، ونزلهم أي ذكر منازلهم في السبق والفضيلة. وقوله صغر بتشديد الغين. وقوله مثل البيضة هو بفتح الميم والثاء المخففة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا جلس الإمام طووا الصحف" وسبق في الحديث الاَخر: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" ولا تعارض بينهما، بل ظاهر الحديثين أن بخروج الإمام يحضرون ولا يطوون الصحف فإذا جلس على المنبر طووها، وفيه استحبابه الجلوس للخطبة أول صعوده حتى يؤذن المؤذن، وهو مستحب عند الشافعي ومالك والجمهور، وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه: لا يستحب، ودليل الجمهور هذا الحديث مع أحاديث كثيرة في الصحيح، والدليل على أنه ليس بواجب أنه ليس من الخطبة
*2* باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة
*حدّثنا أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعِ). حَدّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلّىَ مَا قُدّرَ لَهُ. ثُمّ أَنْصَتَ حَتّىَ يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ. ثُمّ يُصَلّيَ مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَىَ، وَفَضْلُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ. ثُمّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ. غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ. وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ. وَمَنْ مَسّ الْحَصَىَ فَقَدْ لَغَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام" وفي الرواية الأخرى: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام" فيه فضيلة الغسل وأنه ليس بواجب للرواية الثانية. وفيه استحباب وتحسين الوضوء ومعنى إحسانه الإتيان به ثلاثاً ثلاثاً ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والإتيان بسننه المشهورة. وفيه أن التنفل قلب خروج الإمام يوم الجمعة مستحب وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. وفيه أن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله صلى الله عليه وسلم: "فصلى ما قدر له" وفيه الإنصات للخطبة. وفيه أن الكلام بعد الخطبة قبل الإحرام بالصلاة لا بأس به. قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى: "ث أنصت" هكذا هو في أكثر النسخ المحققة المعتمدة ببلادنا، وكذا نقله القاضي عياض عن الجمهور، ووقع في بعض الأصول المعتمدة ببلادنا انتصت، وكذا نقله القاضي عن الباجي وآخرون انتصت بزيادة تاء مثناة فوق، قال: وهو وهم، قلت: ليس هو وهماً بل هي لغة صحيحة. قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: يقال أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فاستمع وأنصت" هما شيئان متمايزان وقد يجتمعان، فالاستماع الإصغاء والإنصات السكوت، ولهذا قال الله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} وقوله: "حتى يفرغ من خطبته" هكذا هو في الأصول من غير ذكر الإمام، وعاد الضمير إليه للعلم به وإن لم يكن مذكوراً. زقوله صلى الله عليه وسلم: "وفضل ثلاثة أيام" "وزيادة ثلاثة أيام" هو بنصب فضل وزيادة على الظرف، قال العلماء: معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها، وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها. قال بعض أصحابنا: والمراد بما بين الجمعتين من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل الوقت من الجمعة الثانية حتى تكون سبعة أيام بلا زيادة ولا نقصان ويضم إليها ثلاثة فتصير عشرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن مس الحصا لغا" فيه النهي عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة. وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود وقد سبق بيانه قريباً
*2* باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى ابْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدُ، عَن أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا نُصَلّي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا. قَالَ حَسَنٌ فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ: فِي أَيّ سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قَالَ: زَوَالَ الشّمْسِ.
وحدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ: مَتَىَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي الْجُمُعَة؟ قَالَ: كَانَ يُصَلّي ثُمّ نَذْهَبُ إِلَىَ جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا. زَادَ عَبْدُ اللّهِ فِي حَدِيثِهِ: حِينَ تَزُولُ الشّمْسُ، يَعْنِي النّوَاضِحَ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَعَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: مَا كُنّا نَقِيلُ وَلاَ نَتَغَدّى إِلاّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ زَادَ ابْنُ حِجْرٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ و إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثيّ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنّا نُجَمّعُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا زَالَتِ الشّمْسُ. ثُمّ نَرْجِعُ نَتَتَبّعُ الْفَيْءَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. حَدّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْحَارِثِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنّا نُصَلّي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ. فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئاً نَسْتَظِلّ بِهِ.
قوله في حديث جابر: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنريح نواضحنا" وفسر الوقت بزوال الشمس. وفي الرواية الأخرى: (حين تزول الشمس).
في حديث سهل: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة".
وفي حديث سلمة: "كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء". وفي رواية: "ما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" هذه الأحاديث ظاهره في تعجيل الجمعة، وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوزاها قبل الزوال. قال القاضي: وروى في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيء إلا ما عليه الجمهور، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها. وقوله: "نتتبع الفيء" إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانه، وفيه تصريح بأنه كان قد صار في يسير. وقوله: "وما نجد فيئاً نستظل به" موافق لهذا فإنه لم ينف الفيء من أصله وإنما نفى ما يستظل به، وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به. قوله: "نريح نواضحنا" هو جمع ناضح وهو البعير الذي يستقي به سمي بذلك لأنه ينضح الماء أي يصبه، ومعنى نريح أي نريحها من العمل وتعب السقي فنخليها منه، وأشار القاضي إلى أنه يجوز أن يكون أراد الرواح للرعي. قوله: "كنا نجمع" هو بتشديد الميم المكسورة أي نصلي الجمعة.
*2* باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة
*وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. جَمِيعاً عَنْ خَالِدٍ. قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِماً. ثُمّ يَجْلِسُ. ثُمّ يَقُومُ. قَالَ: كَمَا تَفْعَلُونَ الْيَوْمَ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَتْ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا. يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكّرُ النّاسَ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ سِمَاكٍ. قَالَ: أَنْبأَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِماً. ثُمّ يَجْلِسُ. ثُمّ يَقُومُ فَيَخطُبُ قَائِماً. فَمَنْ نَبّأَكَ أَنّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ. فَقَدْ، وَالله صَلّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلاَة.
قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يجلس ثم يقوم".
وفي حديث جابر بن سمرة: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس". وفي رواية: "كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب" وفي هذه الرواية دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام إلا قائماً في الخطبتين ولا يصح حتى يجلس بينهما وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين. قال القاضي: ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة. وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة. وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائماً لمن أطاقه. وقال أبو حنيفة: يصح قاعداً وليس القيام بواجب. وقال مالك: هو واجب لو تركه أساء وصحت الجمعة. وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور: الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط، ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط لصحة الخطبة. قال الطحاوي: لم يقل هذا غير الشافعي، ودليل الشافعي أنه ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وقوله: "يقرأ القرآن ويذكر الناس" فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن، قال الشافعي: لا يصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما والوعظ، وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما على الأصح، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح. وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور: يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية عنه: يكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة وهذا ضعيف لأنه لا يسمى خطبة ولا يحصل له مقصودها مع مخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" المراد الصلوات الخمس لا الجمعة
*2* باب في قوله تعالى: وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِماً يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشّامِ فَانْفَتَلَ النّاسُ إِلَيْهَا. حَتّىَ لَمْ يَبْقَ إِلاّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً. فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ الّتِي فِي الْجُمُعَةِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفضّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}. (الجمعة الاَية: ).
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ: وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ. وَلَمْ يَقُلْ: قَائِماً.
وحدّثنا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطّحّانَ) عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ وَ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَدِمَتْ سُوَيْقَةٌ. قَالَ: فَخَرَجَ النّاسُ إِلَيْهَا. ولَمْ يَبْقَ إِلاّ اثْنَا عَشَر رَجُلاً. أَنَا فِيهِمْ. قَالَ فَأَنْزَلَ الله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفضّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}. إِلَىَ آخِرِ الاَيَةِ.
وحدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: بَيْنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلاّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً. فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضّوا إِلَيْهَا}.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنُ أُمّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِداً. فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَىَ هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِداً. وَقَالَ اللّهُ تَعَالَىَ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُواً انْقَضّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}.
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً فأنزلت هذه الاَية التي في الجمعة: وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً". وفي الرواية: الأخرى: "اثنا عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر" وفي الأخرى: "أنا فيهم". فيه منقبة لأبي بكر وعمر وجابر، وفيه أن الخطبة تكون من قيام، وفيه دليل لمالك وغيره ممن قال: تنعقد الجمعة باثني عشر رجلاً، وأجاب أصحاب الشافعي وغيرهم ممن يشترط أربعين بأنه محمول على أنهم رجعوا أو رجع منهم تمام أربعين فأتم بهم الجمعة. ووقع في صحيح البخاري: "بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير" الحديث، والمراد بالصلاة انتظارها في حال الخطبة كما وقع في رواية مسلم هذه. قوله: "إذ أقبلت سويقة" هو تصغير سوق والمراد العير المذكورة في الرواية الأولى وهي الإبل التي تحمل الطعام أو التجارة لا تسمى عيراً إلا هكذا، وسميت سوقاً لأن البضائع تساق إليها، وقيل: لقيام الناس فيها على سوقهم. قال القاضي: وذكر أبو داود في مراسيله أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه التي انفضوا عنها إنما كانت بعد صلاة الجمعة وظنوا أنه لا شيء عليهم في إِلانفضاض عن الخطبة، وأنه قبل هذه القضية إنما كان يصلي قبل الخطبة. قال القاضي: هذا أشبه بحال الصحابة، والمظنون بهم أنهم ما كانوا يدعون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم ظنوا جواز إِلانصراف بعد انقضاء الصلاة، قال: وقد أنكر بعض العلماء كون النبي صلى الله عليه وسلم ما خطب قط بعد صلاة الجمعة لها.
قوله: "انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً، وقال الله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً} هذا الكلام يتضمن إنكار المنكر، والإنكار على ولاة الأمور إذا خالفوا السنة، ووجه استدلاله بالاَية أن الله تعالى أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً وقد قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة} مع قوله تعالى: {فاتبعوه} وقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} مع قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"
*2* باب التغليظ في ترك الجمعة
*وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (وَهُوَ ابْنُ سَلاّمٍ) عَنْ زَيْدٍ (يَعْنِي أَخَاهُ) أَنّه سَمِعَ أَبَا سَلاّمٍ قَالَ: حَدّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مِينَاءَ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ وَ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَاهُ أَنّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: عَلَىَ أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: "لَيَنْتَهِيَنّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ. أَوْ لَيَخْتِمَنّ الله عَلَىَ قُلُوبِهِمْ. ثُمّ لَيَكُونُنّ مِنَ الْغَافِلِينَ".
قوله: "سمعناه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم" فيه استحباب اتخاذ المنبر وهو سنة مجمع عليها. وقوله: (ودعهم) أي تركهم. وفيه أن الجمعة فرض عين، ومعنى الختم الطبع والتغطية. قالوا في قول الله تعالى: {ختم الله على قلوبهم" أي طبع، ومثله الرين فقيل الرين اليسير من الطبع والطبع اليسير من الأقفال والأقفال أشدها. قال القاضي: اختلف المتكلمون في هذا اختلافاً كثيراً فقيل: هو إعدام اللطف وأسباب الخير، وقيل: هو خلق الكفر في صدورهم وهو قول أكثر متكلمي أهل السنة. قال غيرهم: هو الشهادة عليهم، وقيل: هو علامة جعلها الله تعالى في قلوبهم لتعرف بها الملائكة من يمدح ومن يذم.
*2* باب تخفيف الصلاة والخطبة
*حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُصَلّي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَكَانَتْ صَلاَتُهُ قَصْداً. وَخُطْبَتُهُ قَصْداً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ. حَدّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِي مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الصّلَوَاتِ. فَكَانَتْ صَلاَتُهُ قَصْداً. وَخُطْبَتُهُ قَصْداً.
وَفِي رِوايَةِ أَبِي بَكْرٍ: زَكَرِيّاءُ عَنْ سِمَاكٍ .
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلاَ صَوْتُهُ، وَاشْتَدّ غَضَبُهُ. حَتّىَ كَأَنّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبّحَكُمْ وَمَسّاكُمْ. وَيَقُولُ: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ" وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السّبّابَةِ وَالْوُسْطَىَ. وَيَقُولُ: "أَمّا بَعْدُ. فَإِنّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ الله. وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَىَ مُحَمّدٍ. وَشَرّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ". ثُمّ يَقُولُ: "أَنَا أَوْلَىَ بِكُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ. مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ. وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضِيَاعاً فَإلَيّ وَإِلَيّ".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ. حَدّثَنَي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: كَانَتْ خُطْبَةُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ. يَحْمَدُ اللّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ. ثُمّ يَقُولُ عَلَىَ إِثْرِ ذَلِكَ، وَقَدَ عَلاَ صَوْتُهُ. ثُمّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ الناسَ. يَحْمَدُ اللّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمّ يَقُولُ: "مَنْ يَهْدِهِ الله فَلاَ مُضِلّ لَهُ. وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وَخَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ". ثُمّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الثّقَفِيّ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَىَ. قَالَ ابْنُ المْثُنّى: حَدّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى (وَهُوَ أَبُو هَمّامٍ) حَدّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ ضِمَاداً قَدِمَ مَكّةَ. وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ. وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرّيحِ. فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ يَقُولُونَ: إِنّ مُحَمّداً مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنّي رَأَيْتُ هَذَا الرّجُلَ لَعَلّ الله يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيّ. قَالَ فَلَقِيَهُ. فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إِنّي أَرْقِي مِنْ هذِهِ الرّيحِ. وَإِنّ اللّهَ يَشْفِي عَلَىَ يَدِي مَنْ شَاءَ. فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْحَمْدَ للّهِ. نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ. مَنْ يَهْدِهِ الله فَلاَ مُضِلّ لَهُ. وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. وَأَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمّا بَعْدُ". قَالَ فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ. فَأَعَادَهُنّ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثَلاَثَ مَرّاتٍ. قَالَ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السّحَرَةِ وَقَوْلَ الشّعَرَاءِ. فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ. وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ. قَالَ فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ. قَالَ فَبَايَعَهُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَىَ قَوْمِكَ" قَالَ: وَعَلَىَ قَوْمِي. قَالَ فَبَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيّةً فَمَرّوا بِقَوْمِهِ. فَقَالَ صَاحِبُ السّرِيّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ شَيْئاً؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَالَ: رُدّوهَا. فَإِنّ هَؤُلاَءِ قَوْمُ ضِمَادٍ.
حدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبِيه، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيّانَ. قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ خَطَبَنَا عَمّارٌ، فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ. فَلَمّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ. فَلَوْ كُنْتُ تَنَفّسْتَ فَقَالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ طُولَ صَلاَةِ الرّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنّةٌ مِنْ فِقْهِهِ. فَأَطِيلُوا الصّلاَةَ وَأَقْصُرُوا الْخُطْبَةَ. وَإِنّ من الْبَيَانِ سِحْراً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ تَميمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ أَنّ رَجُلاً خَطَبَ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشِدَ. وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَىَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ. قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ".
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَقَدْ غَوِيَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ الْحَنْظَلِيّ. جَمِيعَاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَىَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ.
وحدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ قَالَتْ: أَخَذْتُ {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} مِنْ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ يَقْرَأُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فِي كُلّ جُمُعَةٍ.
وحدّثنيهِ أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْن أَيّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا. بِمِثْلِ حَدِيثِ سْلَيمَانَ بْنِ بِلاَلٍ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَعْنٍ عَنْ بِنْتٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النّعْمَانِ قَالَتْ: مَا حَفِظْتُ {قَ} إِلاّ مِنْ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. يَخْطُبُ بِهَا كُلّ جُمُعَةٍ قَالَتْ: وَكَانَ تَنّورُنَا وَتَنّورُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم واحِداً.
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِسْحَقَ. حَدّثَنَي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم الأَنْصَاريّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أُمّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النّعَمَانِ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ تَنّورُنَا وَتَنّورُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِداً. سَنَتَينِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ. وَمَا أَخَذْتُ {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلاّ عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. يَقْرَؤُهَا كُلّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ. إِذَا خَطَبَ النّاسَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ. قَالَ: رأَىَ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعاً يَدَيْهِ. فَقَالَ: قَبّحَ اللّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ. لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِيدُ عَلَىَ أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا. وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبّحَةِ.
م 1 وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، يَرْفَعَ يَدَيْهِ. فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قوله: "فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً" أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق.
قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي" في هذا الحديث جمل من الفوائد ومهمات من القواعد، فالضمير في قوله: يقول صبحكم مساكم عائد على منذر جيد. قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة" روي بنصبها ورفعها والمشهور نصبها على المفعول معه. وقوله: "يقرن" هو بضم الراء على المشهور الفصيح وحكي كسرها. وقوله: "السبابة" سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب. وقوله: "خير الهدى هدى محمد" هو بضم الهاء وفتح الدال فيهما وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضاً ضبطناه بالوجهين، وكذا ذكره جماعة بالوجهين. وقال القاضي عياض: رويناه في مسلم بالضم وفي غيره بالفتح، وبالفتح ذكره الهروي، وفسره الهروي على رواية الفتح بالطريق أي أحسن الطرق طريق محمد، يقال: فلان حسن الهدى أي الطريقة والمذهب اهتدوا بهدي عمار، وأما على رواية الضم فمعناه الدلالة والإرشاد، قال العلماء: لفظ الهدى له معنيان: أحدهما بمعنى الدلالة والإرشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد، وقال الله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} {هدى للمتقين}. ومنه قوله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم} أي بينا لهم الطريق. ومنه قوله تعالى: {إنا هديناه السبيل} {وهديناه النجدين}. والثاني: بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو الذي تفرد الله به. ومنه قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} وقالت القدرية: حيث جاء الهدى فهو للبيان بناء على أصلهم الفاسد في إنكار القدر، ورد عليهم أصحابنا وغيرهم من أهل الحق مثبتي القدر لله تعالى بقوله تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} ففرق بين الدعاء والهداية. قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة" هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع. قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك، ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك، ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك، والحرام والمكروه ظاهران، وقد أوضحت المسألة بأدلتها المبسوطة في تهذيب الأسماء واللغات، فإذا عرف ما ذكرته علم أن الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة، ولا يمنع من كون الحديث عاماً مخصوصاً. قوله: "كل بدعة" مؤكداً بكل بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى: {تدمر كل شيء}. قول صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه" هو موافق لقول الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} أي أحق، قال أصحابنا: فكأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اضطر إلى طعام غيره وهو مضطر إليه لنفسه كان للنبي صلى الله عليه وسلم أخذه من مالكه المضطر ووجب على مالكه بذله له صلى الله عليه وسلم، قالوا: ولكن هذا وإن كان جائزاً فما وقع. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي" هذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه" قال أهل اللغة: الضياع بفتح الضاد العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يضيع ضياعاً، المراد من ترك أطفالاً وعيالاً ذوي ضياع فأوقع المصدر موضع الاسم. قال أصحابنا: وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات وعليه دين لم يخلف به وفاء لئلا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح الله على المسلمين مبادي الفتوح قال صلى الله عليه وسلم: "من ترك ديناً فعلي" أي قضاؤه فكان يقضيه. واختلف أصحابنا هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه قضاء ذلك الدين أم كان يقضيه تكرماً؟ والأصح عندهم أنه كان واجباً عليه صلى الله عليه وسلم. واختلف أصحابنا هل هذه من الخصائص أم لا؟ فقال بعضهم: هو من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلزم الإمام أن يقضي من بيت المال دين من مات وعليه دين إذا لم يخلف وفاء وكان في بيت المال سعة ولم يكن هناك أهم منه. قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" قال القاضي: يحتلم أنه تمثيل لمقاربتها وأنه ليس بينهما إصبع أخرى كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة، ويحتمل أنه لتقريب ما بينهما من المدة وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الإصبعين تقريباً لا تحديداً.
قوله: "إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جي 5" يستدل به على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقاً للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمراً عظيماً وتحديده خطباً جسيماً. قوله: "ويقول أما بعد" فيه استحباب قول أما بعد في خطب الوعظ والجمعة والعيد وغيرهما، وكذا في خطب الكتب المصنفة، وقد عقد البخاري باباً في استحبابه وذكر فيه جملة من الأحاديث، واختلف العلماء في أول من تكلم به فقيل داود عليه السلام، وقيل يعرب بن قحطان، وقيل قس بن ساعدة، وقال بعض المفسرين أو كثير منهم أنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود، قال المحققون: فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل. قوله: "كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول" إلى آخره فيه دليل للشافعي رضي الله عنه أنه يجب حمد الله تعالى في الخطبة ويتعين لفظه ولا يقوم غيره مقامه.
قوله: "أن ضماداً قدم مكة وكان من أزدشنوءة وكان يرقي من هذه الريح" أما ضماد فبكسر الضاد المعجمة، وشنوءة بفتح الشين وضم النون وبعدها مدة، ويرقي بكسر القاف، والمراد بالريح هنا الجنون، ومس الجن في غير رواية مسلم يرقى من الأرواح أي الجن، سموا بذلك لأنهم لا يبصرهم الناس فهم كالروح والريح. قوله: "فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر" ضبطناه بوجهين: أشهرهما ناعوس بالنون والعين هذا هو الموجود في أكثر نسخ بلادنا. والثاني قاموس بالقاف والميم وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير صحيح مسلم. وقال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها قاعوس بالقاف والعين، قال: ووقع عند أبي محمد بن سعيد تاعوس بالتاء المثناة فوق، قال: ورواه بعضهم ناعوس بالنون والعين، قال: وذكره أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين والحميدي في الجمع بين الصحيحين قاموس بالقاف والميم، قال بعضهم: هو الصواب، قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه، وقال ابن دريد: لجته، وقال صاحب كتاب العين: قعره الأقصى، وقال الحربي: قاموس البحر قعره، وقال أبو مروان بن سراج: قاموس فاعول من قمسته إذا غمسته فقاموس البحر لجته التي تضطرب أمواجها ولا تستقر مياهها وهي لفظة عربية صحيحة. وقال أبو علي الجياني: لم أجد في هذه اللفظة ثلجاً. وقال شيخنا أبو الحسين: قاعوس البحر بالقاف والعين صحيح بمعنى قاموس كأنه من القعس وهو تطامن الظهر وتعمقه فيرجع إلى عمق البحر ولجته، هذا آخر كلام القاضي رضي الله عنه. وقال أبو موسى الأصفهاني: وقع في صحيح مسلم ناعوس البحر بالنون والعين، قال: وفي سائر الروايات قاموس وهو وسطه ولجته، قال: وليست هذه اللفظة موجودة في مسند إسحاق بن راهويه الذي روى مسلم هذتا الحديث عنه لكنه قرنه بأبي موسى فلعله في رواية أبي موسى، قال: وإنما أورد مثل هذه الألفاظ لأن الإنسان قد يطلبها فلا يجدها في شيء من الكتب فيتحير فإذا نظر في كتابي عرف أصلها ومعناه. قوله: "هات" هو بكسر التاء. قوله: "أصبت مطهرة" هي بكسر الميم وفتحها حكاها ابن السكيت وغيره الكسر أشهر.
قوله: (عبد الملك بن أبجر) بالجيم. قوله: (واصل بن حيان) بالمثناة. قوله: "لو كنت تنفست" أي أطلت قليلاً. قوله صلى الله عليه وسلم: (مئنة من فقهه) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة، قال الأزهري والأكثرون: الميم فيها زائدة وهي مفعله. قال الهروي: قال الأزهري غلط أبو عبيد في جعله الميم أصلية. قال القاضي عياض: قال شيخنا ابن سراج هي أصلية. قوله صلى الله عليه وسلم: "واقصروا الخطبة" الهمزة في واقصروا همزة وصل، وليس هذا الحديث مخالفاً للأحاديث المشهورة في الأمر بتخفيف الصلاة لقوله في الرواية الأخرى: "وكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً" لأن المراد بالحديث الذي نحن فيه أن الصلاة تكن طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلاً يشق على المأمومين، وهي حينئذ قصد أي معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن من البيان سحراً" قال أبو عبيد: هو من الفهم وذكاء القلب. قال القاضي: فيه تأويلان أحدهما أنه ذم لأنه إمالة القلوب وصرفها بمقاطع الكلام إليه حتى يكسب من الإثم به كما يكسب بالسحر، وأدخله مالك في الموطأ في باب ما يكره من الكلام وهو مذهبه في تأويل الحديث. والثاني أنه مدح لأن الله تعالى متن على عباده بتعليمهم البيان وشبهه بالسحر لميل القلوب إليه، وأصل السحر الصرف، فالبيان يصرف القلوب ويميلها إلى ما تدعو إليه، هذا كلام القاضي، وهذا التأويل الثاني هو الصحيح المختار. قوله: (عن ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل قال خطبنا عمار) هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني وقال تفرد به ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل وخالفه الأعمش وهو أحفظ بحديث أبي وائل فحدث به عن أبي وائل عن ابن مسعود هذا كلام الدارقطني، وقد قدمنا أن مثل هذا الاستدراك مردود لأن ابن أبجر ثقة يوجب قبول روايته.
قوله: "فقد رشد" بكسر الشين وفتحها. قوله: "أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب أنت قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوي" قال القاضي وجماعة من العلماء: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية وأمره بالعطف تعظيماً لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر: "لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان" والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز، ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً ليفهم، وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله صلى الله عليه وسلم: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" وغيره من الأحاديث، وإنما ثنى الضمير ههنا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم، فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه، بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظه وإنما يراد إِلاتعاظ بها، ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً" والله أعلم. قوله: (قال ابن نمير فقد غوي) هكذا وقع في النسخ غوي بكسر الواو، قال القاضي: وقع في روايتي مسلم بفتح الواو وكسرها والصواب الفتح وهو من الغي وهو الانهماك في الشر.
قوله: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك" فيه القراءة في الخطبة وهي مشروعة بلا خلاف واختلفوا في وجوبها والصحيح عندنا وجوبها وأقلها آية.
قوله: "ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة" قال العلماء: سبب اختيار ق أنها مشتملة على البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة، وفيه دليل للقراءة في الخطبة كما سبق، وفيه استحباب قراءة ق أو بعضها في كل خطبة. قوله: (عن أخت لعمرة) هذا صحيح يحتج به ولا يضر عدم تسميتها لأنها صحابية والصحابة كلهم عدول. قوله: (حارثة بن النعمان) هو بالحاء المهملة. قوله: (سعيد عن خبيب) هو بضم الخاء المعجمة وهو خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب يساف الأنصاري سبق بيانه مرات. قولها: "وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً" إشارة إلى حفظها ومعرفتها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وقربها من منزله. قوله: "عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة" هكذا هو في جميع النسخ سعد بن زرارة وهو الصواب، وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ وروايات جميع شيوخهم، قال: وهو الصواب، قال: وزعم بعضهم أن صوابه أسعد وغلظ في زعمه، وإنما أوقعه في الغلط اغتراره بما في كتاب الحاكم أبي عبد الله بن البيع فإنه قال: صوابه أسعد، ومنهم من قال: سعد، وحكى ما ذكره عن البخاري، والذي في تاريخ البخاري ضد ما قال فإنه قال في تاريخه سعد وقيل أسعد وهو وهم فانقلب الكلام على الحكم، وأسعد بن زرارة سيد الخزرج وأخوه هذا سعد بن زرارة جد يحيى، وعمرة أدرك الإسلام ولم يذكره كثيرون في الصحابة لأنه ذكر في المنافقين.
قوله: "عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه حين رفع بشر بن مروان يديه في الخطبة قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة" هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم، وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى، وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض.
*2* باب التحية والإِمام يخطب
*وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: بَيْنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَصَلّيْتَ؟ يَا فُلاَنُ" قَالَ: لاَ. قَالَ: "قُمْ فَارْكَعْ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ، عَنْ أَيْوبَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. كَمَا قَالَ حَمّادٌ. وَلَمْ يَذْكُرِ الرّكْعَتَيْنِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطبُ، يَوْمَ الْجُمْعَةِ. فَقَالَ "أَصَلّيْتَ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ "قُمْ فَصَلّ الرّكْعَتَيْنِ". وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قَالَ "صَلّ رَكْعَتَيْنِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ جَابِر بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، يَوْمَ الْجُمْعَةِ، يَخْطُبُ. فَقَالَ لَهُ: "أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ؟" قَالَ: لاَ. فَقَالَ "ارْكَعْ".
حدّثنا مُحَمّدٌ بْنِ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقَالَ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ، فَلُيُصَلّ رَكْعَتَيْنِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّهُ قَالَ: "جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "قُمْ فَارْكَعْهُمَا".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. كِلاَهُمَا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. قَالَ: ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَىَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: "جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَجَلَسَ. فَقَالَ لَهُ "يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ. "وَتَجَوّزْ فِيهِمَا". ثُمّ قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ،وَلْيَتَجَوّزْ فِيهِمَا".
قوله: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت يا فلان؟ قال لا، قال: قم فاركع". وفي رواية: "قم فصل الركعتين". وفي رواية: "صل ركعتين". وفي رواية: "أركعت ركعتين؟ قال لا، قال: اركع". وفي رواية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة قد خرج الإمام ليصل ركعتين". وفي رواية قال: "جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال: يا سليك قم واركع ركعتين وتجوز فيهما، ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما، وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة، وحكي هذا المذهب أيضاً عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين. قال القاضي: وقال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين لا يصليهما، وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وحجتهم الأمر بالإنصات للإمام، وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان عرياناً فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه، وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه. وفي هذه الأحاديث أيضاً جواز الكلام في الخطبة لحاجة، وفيها جوازه للخطيب وغيره، وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد على المصالح في كل حال وموطن، وفيها جوازه للخطيب وغيره، وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن، وفيها أن تحية المسجد ركعتان، وأن نوافل النهار ركعتان، وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل حكمها وقد أطلق أصحابنا فواتها بالجلوس، وهو محمول على العالم بأنها سنة، أما الجاهل فيتداركها على قرب لهذا الحديث، والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن الصلاة، وأنها ذات سبب تباح في كل وقت، ويلحق بها كل ذوات الأسباب كقضاء الفائتة ونحوها، لأنها لو سقطت في حال لكان هذا الحال أولى بها فإنه مأمور باستماع الخطبة، فلما ترك لها استماع الخطبة وقطع النبي صلى الله عليه وسلم لها الخطبة وأمره بها بعد أن قعد وكان هذا الجالس جاهلاً حكمها دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال ولا في وقت من الأوقات والله أعلم
*2* باب حديث التعليم في الخطبة
*وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ. قَالَ: قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ. قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ. جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ. لاَ يَدْرِي مَا دِينُهُ. قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتّى انْتَهَىَ إِلَيّ. فَأُتِيَ بِكُرْسِيَ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيداً. قَالَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَجَعَلَ يُعَلّمُنِي مِمّا عَلّمَهُ الله. ثُمّ أَتَىَ خُطْبَتَهُ فَأَتَمّ آخِرَهَا.
قوله: "انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت: يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه، قال: فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديداً قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها" هكذا هو في جميع النسخ حسبت، ورواه ابن أبي خيثمة في غير صحيح مسلم خلت بكسر الخاء وسكون اللام وهو بمعنى حسبت، قال القاضي: ووقع في نسخة ابن الحذاء خشب بالخاء والشين المعجمتين، وفي كتاب ابن قتيبة خلب بضم الخاء وآخره باء موحدة وفسره بالليف وكلاهما تصحيف، والصواب حسبت بمعنى ظننت كما هو في نسخ مسلم وغيره من الكتب المعتمدة. وقوله: (رجل غريب يسأل عن دينه لا يدري ما دينه) فيه استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم، وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم وخفض جناحه لهم، وفيه المبادرة إلى جواب المستفتي وتقديم أهم الأمور فأهمها، ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده المهمة، وقد اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الإيمان وكيفية الدخول في الإسلام وجب إجابته وتعليمه على الفور، وقعوده صلى الله عليه وسلم على الكرسي ليسمع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم، ويقال كرسي بضم الكاف وكسرها والضم أشهر، ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها خطبة أمر غير الجمعة ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل، ويحتمل أنها كانت الجمعة واستأنفها، ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل، ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقاً بالخطبة فيكون منها ولا يضر المشي في أثنائها
*2* باب ما يقرأ في صلاة الجمعة
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ) عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَخَرَجَ إلَىَ مَكّةَ. فَصَلّىَ لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمْعَةَ. فَقَرأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرّكْعَةِ الاَخِرَةِ. إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ. قَالَ فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الجُمُعَة.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَدِيّ). كِلاَهُمَا عَنْ جَعْفَرٍ. عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ. قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ. فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، فِي السّجْدَةِ الأُولَىَ. وَفِي الاَخِرَةِ، إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ.
وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ .
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ. جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ مَوْلَى النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ، فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ، {سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأَعْلَىَ} و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
قَالَ: وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضاً فِي الصّلاَتَيْنِ.
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنَتَشِرِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: كتَبَ الضّحّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: يَسْأَلُهُ: أَيّ شَيْءٍ قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، سِوَىَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ: هَلْ أَتَاكَ.
قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية المنافقين" فيه استحباب قراءتهما بكمالهما فيهما وهو مذهبنا ومذهب آخرين. قال العلماء: والحكمة في قراءة الجمعة اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها وغير ذلك مما فيها من القواعد، والحث على التوكل والذكر وغير ذلك، وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة، وغير ذلك مما فيها من القواعد لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها.
قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية" فيه استحباب القراءة فيما بهما. وفي الحديث الاَخر القراءة في العيد بقاف واقتربت وكلاهما صحيح، فكان صلى الله عليه وسلم في وقت يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين، وفي وقت سبح وهل أتاك، وفي وقت يقرأ في العيد قاف واقتربت، وفي وقت سبح وهل أتاك
*2* باب ما يقرأ في يوم الجمعة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَوّلِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: {آلم تَنْزِيلُ} السّجْدَةِ وَ {هَلْ أَتَىَ عَلَىَ الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ}. وَأَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ، فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُخَوّلٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. فِي الصّلاَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. كَمَا قَالَ سُفْيَانُ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: {الم تَنْزِيلُ} و {هَلْ أَتَىَ}.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الصّبْحِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، بِ {آلم تَنْزِيِلُ}، فِي الرّكْعَةِ الأُولَىَ. وَفِي الثّانِيَةِ: {هَلْ أَتَىَ عَلَىَ الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}.
قوله: (عن مخول عن مسلم البطين) أما مخول فبضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة هذا هو المشهور الأصوب. وحكى صاحب المطالع هذا عن الجمهور قال: وضبطه بعضهم بكسر الميم وإسكان الخاء، وأما البطين فبفتح الباء وسكر الطاء. قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح يوم الجمعة في الأولى ألم تنزيل السجدة، وفي الثانية هل أتى على الإنسان حين من الدهر" فيه دليل لمذهبنا ومذهب موافقينا في استحبابهما في صبح الجمعة، وأنه لا تكره قراءة آية السجدة في الصلاة ولا السجود، ذكر مالك وآخرون ذلك، وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المروية من طرق عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم
*2* باب الصلاة بعد الجمعة
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلّىَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلّ بَعْدَهَا أَرْبَعاً".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ سُهيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا صَلّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلّوا أَرْبَعاً" (زَادَ عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ. قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: قَالَ سُهَيْلٌ) فَإِنْ عَجِلَ بِكَ شَيْءٌ فَصَلّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَيْنِ إِذَا رَجَعْتَ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. كِلاَهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ. عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلّياً بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلّ أَرْبَعاً". وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ "مِنْكُمْ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ كَانَ، إِذَا صَلّى الْجُمُعَةَ، انْصَرَفَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ. ثُمّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ يَصْنَعُ ذَلِكَ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ وَصَفَ تَطَوّعَ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَكَانَ لاَ يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتّىَ يَنْصَرِفَ. فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ. قَالَ يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ: أَظَنّهُ قَرَأْتُ فَيُصَلّي أَوْ أَلْبَتّةَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة. حَدّثَنَا عَمْرٌو عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ أَنّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السّائِبِ، ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ، يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصّلاَةِ. فَقَالَ: نَعَمْ. صَلّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ. فَلمّا سَلّمَ الاْمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي. فَصَلّيْتُ. فَلَمّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيّ فَقَالَ: لاَ تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ. إِذَا صَلّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلاَ تَصِلْهَا بِصَلاَةٍ حَتّىَ تَكَلّمَ أَوْ تَخْرُجَ. فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ. أَنْ لاَ تُوصَلَ صَلاَةٌ بِصَلاَةٍ حَتّىَ نَتَكَلّمَ أَوْ نَخْرُجَ.
وحدّثنا هَرونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ أَنّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَلَمّا سَلّمَ قُمْتُ فِي مَقَامِي. وَلَمْ يَذْكُرِ: الاْمَامَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً". وفي رواية: "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً". وفي رواية: "من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً". وفي رواية: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعدها ركعتين" في هذه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها والحث عليها، وأن أقلها ركعتان وأكملها أربع، فنبه صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا صلى أحدكم بعد الجمعة فليصل بعدها أربع" على الحث عليها فأتى بصيغة الأمر، ونبه بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم مصلياً" على أنها سنة ليست واجبة، وذكر الأربع لفضيلتها، وفعل الركعتين في أوقات بياناً لأن أقلها ركعتان، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به.
قوله: (قال يحيى أظنني قرأت فيصلي أو ألبتة) معناه أظن أني قرأت على مالك في روايتي عنه فيصلي أو أجزم بذلك، فحاصله أنه قال أظن هذه اللفظة أو أجزم بها.
قوله: (ابن أبي الخوار) هو بضم الخاء المعجمة. قوله: "صليت معه الجمعة في المقصورة" فيه دليل على جواز اتخاذها في المسجد إذا رآها ولي الأمر مصلحة، قالوا: وأول من عملها معاوية بن أبي سفيان حين ضربه الخارجي، إذا رآها ولي الأمر مصلحة، قالوا: وأول من عملها معاوية ابن أبي سفيان حين ضربه الخارجي، قال القاضي: واختلفوا في المقصورة فأجازها كثيرون من السلف وصلوا فيها منهم الحسن والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم، وكرهها ابن عمر والشعبي وأحمد وإسحاق، وكان ابن عمر إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج منها إلى المسجد، قال القاضي: وقيل إنما يصح فيها الجمعة إذا كانت مباحة لكل أحد، فإن كانت مخصوصة ببعض الناس ممنوعة من غيرهم لم تصح فيها الجمعة لخروجها عن حكام الجامع. قوله: "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج" فيه دليل لما قاله أصحابنا أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر وأفضله التحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره ليكثره مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة. وقوله: "حتى نتكلم" دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضاً ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه والله أعلم.