كتاب صلاة العيدين
 كتاب صلاة العيدين

باب

هي عند الشافعي وجمهور أصحابه وجماهير العلماء سنة مؤكدة. وقال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: هي فرض كفاية. وقال أبو حنيفة: هي واجبة. فإذا قلنا فرض كفاية فامتنع أهل موضع من إقامتها قوتلوا عليها كسائر فروض الكفاية. وإذا قلنا أنها سنة لم يقاتلوا بتركها كسنة الظهر وغيرها. وقيل: يقاتلون لأنها شعار ظاهر. قالوا: وسمي عيداً لعوده وتكرره. وقيل: لعود السرور فيه. وقيل: تفاؤلاً بعوده على من أدركه، كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلاً لقفولها سالمة وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنَي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: شَهِدْتُ صَلاَةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. فَكُلّهُمْ يُصَلّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ. ثُمّ يَخْطُبُ. قَالَ فَنَزَلَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلّسُ الرّجَالَ بِيَدِهِ. ثُمّ أَقْبَلَ يَشُقّهُمْ. حَتّىَ جَاءَ النّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ. فَقَالَ: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىَ أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئاً} (الممتحنة الاَية: ) فَتَلاَ هَذِهِ الاَيَةَ حَتّىَ فَرَغَ مِنْهَا. ثُمّ قَالَ، حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: "أَنْتُنّ عَلَىَ ذَلِكِ؟" فَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا مِنْهُنّ: نَعَمْ. يَا نَبِيّ اللّهِ لاَ يُدْرَىَ حِينَئِذٍ مَنْ هِيَ. قَالَ: "فَتَصَدّقْنَ" فَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ ثُمّ قَالَ: هَلُمّ فِدًى لَكُنّ أَبِي وَأُمّي فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا أَيّوبُ. قَالَ: سَمِعْتُ عطاءً. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَصَلّىَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. قَالَ ثُمّ خَطَبَ. فَرَأَىَ أَنّهُ لَمْ يُسْمِعِ النّسَاءَ. فَأَتَاهُنّ. فَذَكّرَهُنّ. وَوَعَظَهُنّ. وَأَمَرَهُنّ بِالصّدَقَةِ. وَبِلاَلٌ قَائِلٌ بِثوبه. فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْخَاتَمَ وَالْخُرْصَ وَالشّيْءَ.
وحدّثنيهِ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. ح وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلّىَ. فَبَدَأَ بِالصّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. ثُمّ خَطَبَ النّاسَ. فَلَمّا فَرَغَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ. وَأَتَى النّسَاءَ. فَذَكّرَهُنّ. وَهُوَ يَتَوَكّأُ عَلَىَ يَدِ بِلاَلٍ. وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ. يُلْقِينَ النّسَاءُ صَدَقَةً.
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: لاَ. وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدّقْنَ بِهَا حِينَئِذٍ. تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَتَخَهَا. وَيُلْقِينَ وَيُلْقِينَ.
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَحَقّا عَلَى الإِمَامِ الاَنَ أَنْ يَأْتِيَ النّسَاءَ حِينَ يَفْرُغُ فَيُذَكّرَهُنّ؟ قَالَ: إِي. لَعَمْرِي إِنّ ذَلِكَ لَحَقّ عَلَيْهِمْ. وَمَا لَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الصّلاَةَ يَوْمَ الْعِيدِ. فَبَدَأَ بِالصّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ. ثُمّ قَامَ مُتَوَكّئاً عَلَىَ بِلاَلٍ. فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللّهِ. وَحَثّ عَلَىَ طَاعَتِهِ. وَوَعَظَ النّاسَ. وَذَكّرَهُمْ. ثُمّ مَضَىَ. حَتّىَ أَتَى النّسَاءَ. فَوَعَظَهُنّ وَذَكّرَهُنّ. فَقَالَ: "تَصَدّقْنَ. فَإِنّ أَكْثَرَكُنّ حَطَبُ جَهَنّمَ" فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدّيْنِ. فَقَالَتْ: لِمَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "لأَنّكُنّ تُكْثِرْنَ الشّكَاةَ. وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ" قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدّقْنَ مِنْ حُلِيّهِنّ. يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنّ وَخَوَاتِمِهِنّ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ. قَالاَ: لَمْ يَكُنْ يُؤَذّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلاَ يَوْمَ الأَضْحَىَ. ثُمّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ حِينٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَنِي. قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ أَنْ لاَ أَذَانَ لِلصّلاَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ. حِينَ يَخْرُجُ الاْمَامُ وَلاَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ. وَلاَ إِقَامَةَ. وَلاَ نِدَاءَ. وَلاَ شَيْءَ. لاَ نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلاَ إِقَامَةَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزّبَيْرِ أَوّلَ مَا بُويِعَ لَهُ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذّنُ لِلصّلاَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ. فَلاَ تُؤَذّنْ لَهَا. قَالَ فَلَمْ يُؤَذّنْ لَهَا ابْنُ الزّبَيْرِ يَوْمَهُ. وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ: إِنّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصّلاَةِ. وَإِنّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يُفْعَلُ. قَالَ: فَصَلّى ابْنُ الزّبَيْرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَيْنِ. غَيْرَ مَرّةٍ وَلاَ مَرّتَيْنِ. بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُليْمَانَ وَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدُ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَانُوا يُصَلّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأَضْحَىَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ. فَيَبْدَأُ بِالصّلاَةِ. فَإِذَا صَلّىَ صَلاَتَهُ وَسَلّمَ، قَامَ فَأَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلاّهُمْ. فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنّاسِ. أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَرَهُمْ بِهَا. وَكَانَ يَقُولُ: "تَصَدّقُوا تَصَدّقُوا تَصَدّقُوا" وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدّقُ النّسَاءُ. ثُمّ يَنْصَرِفُ. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى كَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. فَخَرَجْتُ مُخَاصِراً مَرْوَانَ. حَتّىَ أَتَيْنَا الْمُصَلّىَ. فَإِذَا كَثِيرُ بْنُ الصّلْتِ قَدْ بَنَىَ مِنْبَراً مِنْ طِينٍ وَلَبَنٍ. فَإِذَا مَرْوَانُ يُنَازِعُنِي يَدُهُ. كَأَنّهُ يَجُرّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ. وَأَنَا أَجُرّهُ نَحْوَ الصّلاَةِ. فَلَمّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ: أَيْنَ الإِبْتِدَاءُ بِالصّلاَةِ؟ فَقَالَ: لاَ. يَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ. قُلْتُ: كَلاّ. وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمّا أَعْلَمُ (ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمّ انْصَرَفَ).
قوله: "شهدت صلاة الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب" فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن خطبة العيد بعد الصلاة، قال القاضي: هذا هو المتفق عليه من مذاهب علماء الأمصار وأئمة الفتوى، ولا خلاف بين أئمتهم فيه، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده، إلا ما روي أن عثمان في شطر خلافته الأخير قدم الخطبة لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة، وروي مثله عن عمر وليس بصحيح، وقيل: إن أول من قدمها معاوية، وقيل مروان بالمدينة في خلافة معاوية، وقيل زياد بالبصرة في خلافة معاوية، وقيل فعله ابن الزهري في آخر أيامه. قوله: (يجلس الرجال بيده) هو بكسر اللام المشددة أي يأمرهم بالجلوس. قوله: "فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن يا نبي الله لا يدري حينئذ من هي" هكذا وقع في جميع نسخ مسلم حينئذ، وكذا نقله عن جميع النسخ قال هو وغيره وهو تصحيف، وصوابه لا يدري حسن من هي وهو حسن بن مسلم رواية عن طاوس عن ابن عباس، ووقع في البخاري على الصواب من رواية إسحاق نصر عن عبد الرزاق لا يدري حسن قلت، ويحتمل تصحيح حينئذ، ويكون معناه لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن لا يدري من هي. قوله: "فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء النساء ومعه بلال" قال القاضي: هذا النزول كان في أثناء الخطبة وليس كما قال إنما نزل إليهن بعد فراغ خطبة العيد وبعد انقضاء وعظ الرجال، وقد ذكره مسلم صريحاً في حديث جابر قال: فصلى ثم خطب الناس فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن، فهذا صريح في أنه أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال، وفي هذه الأحاديث استحباب وعظ النساء وتذكيرهن الاَخرة وأحكام الإسلام وحثهن على الصدقة، وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما. وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم خوفاً من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه. وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول، بل تكفي فيها المعاطاة لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره وهذا هو الصحيح في مذهبنا. وقال أكثر أصحابنا العراقيين: تفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة والصحيح الأول وبه جزم المحققون. قوله: "فدى لكن أبي وأمي" هو مقصور بكسر الفاء وفتحها والظاهر أنه من كلام بلال. قوله: "فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال" هو بفتح الفاء والتاء المثناة فوق وبالخاء المعجة واحدها فتخة كقصبة وقصب، واختلف في تفسيرها ففي صحيح البخاري عن عبد الرزاق قال: هي الخواتيم العظام وقال الأصمعي: هي خواتيم لا نصوص لها. وقال ابن السكيت: خواتيم تلبس في أصابع اليد. وقال ثعلب: وقديكون في أصابع الواحد من الرجال. وقال ابن دريد: وقد يكون لها فصوص، وتجمع أيضاً فتخات وأفتاخ، والخواتيم جمع خاتم، وفيه أربع لغات: فتح التاء وكسرها وخاتام وخيتام. وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال مالك: لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضاء زوجها، ودليلنا من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألهن استأذن أزواجهن في ذلك أم لا، وهل هو خارج من الثلث أم لا، ولو اختلف الحكم بذلك لسأل. وأشار القاضي إلى الجواب عن مذهبهم بأن الغالب حضور أزواجهن فتركهم الإنكار يكون رضاء بفعلهن، وهذا الجواب ضعيف أو باطل، لأنهن كن معتزلات لا يعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها ولا قدر ما يتصدق به، ولو علموا فسكوتهم ليس إذناً. قوله: "وبلال قائل بثوبه" هو بهمزة قبل اللام يكتب بالياء أي فاتحاً ثوبه للأخذ فيه. وفي الرواية الأخرى: وبلال باسط ثوبه معناه أنه بسطه ليجمع الصدقة فيه ثم يفرقها النبي صلى الله عليه وسلم على المحتاجين كما كانت عادته صلى الله عليه وسلم في الصدقات المتطوع بها والزكوات، وفيه دليل على أن الصدقات العامة إنما يصرفها في مصارفها الإمام.
قوله: "يلقين النساء صدقة" هكذا هو في النسخ يلقين وهو جائز على تلك اللغة القليلة الاستعمال منها يتعاقبون فيكم ملائكة. وقوله: أكلوني البراغيث. قوله: "تلقي المرأة فتخها ويلقين ويلقين" هكذا هو في النسخ مكرر وهو صحيح، ومعناه ويلقين كذا ويلقين كذا كما ذكره في باقي الروايات. قوله: "لعطاء أحقاً على الإمام الاَن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: أي لعمري إن ذلك لحق وما لهم لا يفعلون ذلك" قال القاضي: هذا الذي قاله عطاء غير موافق عليه وليس كما قال القاضي، بل يستحب إذا لم يسمعهن أن يأتيهن بعد فراغه ويعظهن ويذكرهن إذا لم يترتب الاَن وفي كل الأزمان بالشروط المذكورة، وأي دافع يدفعنا عن هذه السنة الصحيحة والله أعلم. قوله: "فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة" هذا دليل على أنه لا أذان ولا إقامة للعيد، وهو إجماع العلماء اليوم، وهو المعروف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ونقل عن بعض السلف فيه شيء خلاف إجماع من قبله وبعده، ويستحب أن يقال فيها الصلاة جامعة بنصبها الأول على الإغراء والثاني على الحال. قوله: "فقالت امرأة من سطة النساء" هكذا هو في النسخ سطة بكسر السين وفتح الطاء المخففة، وفي بعض النسخ واسطة النساء، قال القاضي: معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار، قال: وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه من سفلة النساء، وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده والنسائي في سننه، وفي رواية لابن أبي شيبة امرأة ليست من علية النساء وهذا ضد التفسير الأول، ويعضده قوله بعده سفعاء الخدين، هذا كلام القاضي، وهذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة، وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن، قال الجوهري غيره من أهل اللغة: يقال وسطت القوم أسطهم وسطاً وسطة أي توسطتهم. قوله: "سفعاء الخدين" بفتح السين المهملة أي فيها تغير وسواد، قوله صلى الله عليه وسلم: "تكثرن الشكاء" هو بفتح الشين أي الشكوى. قوله صلى الله عليه وسلم: "وتكفرن العشير" قال أهل اللغة: العشير المعاشر والمخالط، وحمله الأكثرون هنا على الزوج، وقال آخرون: هو كل مخالط، قال الخليل: يقال هو الشعير والشعير على القلب، ومعنى الحديث أنهن يجحدن الإحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن، فيستدل به على دم من يجحد إحسان ذي إحسان. قوله: (من أقرطتهن) هو جمع قرط، قال ابن دريد: كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز. وأما الخرص فهو الحلقة الصغيرة من الحلي. قال القاضي: قيل الصواب قرطتهن بحذف الألف وهو المعروف في جمع قرط كخرج وخرجة، ويقال في جمعه قراط كرمح ورماح، قال القاضي: لا يبعد صحة أقرطه ويكون جمع جمع أي جمع قراط لا سيما وقد صح في الحديث.
قوله: "عن جابر رضي الله عنه لا أذان يوم الفطر ولا إقامة ولا نداء أو لا شيء" هذا ظاهره مخالف لما يقوله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب أن يقال الصلاة جامعة كما قدمنا، فيتأول على أن المراد لا أذان ولا إقامة ولا نداء في معناهما ولا شيء من ذلك.
قوله: "أنرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة" هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى، وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار. وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول، ولأصحابنا وجهان: أحدهما الصحراء أفضل لهذا الحديث. والثاني وهو الأصح عند أكثرهم المسجد أفضل إلا أن يضيق، قالوا: وإنما صلى أهل مكة في المسجد لسعته، وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى لضيق المسجد، فدل على أن المسجد أفضل إذا اتسع. قوله: "فخرجت مخاصراً مروان" أي مماشياً له في يدي هكذا فسروه. قوله: "فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة" فيه أن الخطبة للعيد بعد الصلاة. وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان المنكر عليه والياً. وفيه أن الإنكار عليه يكون باليد لمن أمكنه، ولا يجزي عن اليد اللسان مع إمكان اليد. قوله: "أين الابتداء بالصلاة" هكذا ضبطناه على الأكثر، وفي بعض الأصول إلا ابتداء بإلا التي هي للاستفتاح وبعدها نون ثم باء موحدة وكلاهما صحيح، والأول أجود في هذا الموطن لأنه ساقه للإنكار عليه. قوله: "لا تأتون بخير مما أعلم" هو كما قال لأن الذي يعلم هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يكون غيره خيراً منه. قوله: "ثم انصرف" قال القاضي: عن جهة المنبر إلى جهة الصلاة، وليس معناه أنه انصرف من المصلى وترك الصلاة معه، بل في رواية البخاري أنه صلى معه وكلمه في ذلك بعد الصلاة، وهذا يدل على صحة الصلاة بعد الخطبة، ولولا صحتها كذلك لما صلاها معه، واتفق أصحابنا على أنه لو قدمها على الصلاة صحت ولكنه يكون تاركاً للسنة مفوتاً للفضيلة، بخلاف خطبة الجمعة فإنه يشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتها عليها، لأن خطبة الجمعة واجبة وخطبة العيد مندوبة.
*2* باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، مفارقات للرجال
*حدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ. قَالَتْ: أَمرَنَا (تَعْنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم) أَنْ نُخْرِجَ، فِي الْعِيدَيْنِ، الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. وَأَمَرَ الْحُيّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلّى الْمُسْلِمِينَ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ، قَالَتْ: كُنّا نُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ فِي الْعِيدَيْنِ. وَالْمُخَبّأةُ وَالْبِكْرُ. قَالَتِ: الْحُيّضُ يَخْرُجْنَ فَيَكُنّ خَلْفَ النّاسِ. يُكَبّرْنَ مَعَ النّاسِ.
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ. قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ نُخْرِجَهُنّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى. الْعَوَاتِقَ وَالْحُيّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. فَأَمّا الْحُيّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصّلاَةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لِهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا".
قولها: "أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور" قال أهل اللغة: العواتق جمع عاتق وهي الجارية البالغة، وقال ابن دريد: هي التي قاربت البلوغ. قال ابن السكيت: هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج، والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن، قالوا: سميت عاتقاً لأنها عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج من الحوائج، وقيل: قاربت أن تتزوج فتعتق من قهر أبويها وأهلها وتستقل في بيت زوجها، والخدور البيوت، وقيل: الخدر ستر يكون في ناحية البيت. وقولها في الرواية الأخرى والمخبأة هي بمعنى ذات الخدر، قال أصحابنا: يستحب إخراج النساء غير ذوات الهيئات والمستحسنات في العيدين دون غيرهن، وأجابوا عن إخراج ذوات الخدور والمخبأة بأن المفسدة في ذلك الزمن كانت مأمونة بخلاف اليوم، ولهذا صح عن عائشة رضي الله عنها: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل" قال القاضي عياض: واختلف السلف في خروجهن للعيدين، فرأى جماعة ذلك حقاً عليهن منهم أبو بكر وعلي وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم، ومنهم من منعهن ذلك منهم عروة والقاسم ويحيى الأنصاري ومالك وأبو يوسف، وأجاز أبو حنيفة مرة ومنعه مرة. قولها: "وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلين" هو بفتح الهمزة والميم في أمر. فيه منع الحيض من المصلي. واختلف أصحابنا في هذا المنع فقال الجمهور: هو منع تنزيه لا تحريم، وسببه الصيانة وإِلاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما لم يحرم لأنه ليس مسجداً. وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه قال: يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنه موضع للصلاة فأشبه المسجد والصواب الأول. قولها في الحيض: "يكبرن مع النساء" فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب وإنما يحرم عليها القرآن. وقولها: يكبرن مع الناس دليل على استحباب التكبير لكل أحد في العيدين وهو مجمع عليه، قال أصحابنا: يستحب التكبير ليلتي العيدين وحال الخروج إلى الصلاة، قال القاضي: التكبير في العيدين أربعة مواطن: في السعي إلى الصلاة إلى حين يخرج الإمام والتكبير في الصلاة وفي الخطبة وبعد الصلاة. أما الأول فاختلفوا فيه فاستحبه جماعة من الصحابة والسلف فكانوا يكبرون إذا خرجوا حتى يبلغوا المصلى يرفعون أصواتهم، وقال الأوزاعي ومالك والشافعي وزاد استحبابه ليلة العيدين، وقال أبو حنيفة: يكبر في الخروج للأضحى دون الفطر، وخالفه أصحابنا فقالوا بقول الجمهور، وأما التكبير بتكبير الإمام في الخطبة فمالك يراه وغيره يأباه، وأما التكبير المشروع في أول صلاة العيد فقال الشافعي: هو سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام، وقال مالك وأحمد وأبو ثور كذلك لكن سبع في الأول إحداهن تكبيرة الإحرام، وقال الثوري وأبو حنيفة: خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكيرة الإحرام والقيام، وجمهور العلماء يرى هذه التكبيرات متوالية متصلة، وقال عطاء والشافعي وأحمد: يستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى، وروي هذا أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه. وأما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشر مذاهب هل ابتداؤه من صبح يوم عرفة أو ظهره، أو صبح يوم النحر أو ظهره؟ وهل انتهاؤه في ظهر يوم النحر أو ظهر أول أيام النفر؟ أو في صبح أيام التشريق أو ظهره أو عصره؟ واختار مالك والشافعي وجماعة ابتداءه من ظهر يوم النحر وانتهاءه صبح آخر أيام التشريق. وللشافعي قول إلى العصر من آخر أيام التشريق، وقول أنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار. قولها: "ويشهدن الخير ودعوة المسلمين" فيه استحباب حضور مجامع الخير ودعاء المسلمين وحلق الذكر والعلم ونحو ذلك. قوله: "لا يكون لها جلباب" قال النضر بن شميل: هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار وهي المنقعة تغطي به المرأة رأسها، وقيل هو ثوب واسع دون الرداء تغطي به صدرها وظهرها، وقيل هو كالملاءة والملحفة، وقيل هو الإزار وقيل الخمار. قوله صلى الله عليه وسلم: "لتلبسها أختها من جلبابها" الصحيح أن معناه لتلبسها جلباباً لا يحتاج إلى عارية، وفيه الحث على حضور العيد لكل أحد وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى
*2* باب ترك الصلاة، قبل العيد وبعدها، في المصلى
*وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ. فَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ. لَمْ يُصَلّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا. ثُمّ أَتَى النّسَاءِ وَمعَهُ بِلاَلٌ. فَأَمَرَهُنّ بِالصّدَقَةِ. فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَتُلْقِي سِخَابَهَا.
وحدّثنيهِ عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ غُنْدَرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله: "فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها" فيه أنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها، واستدل به مالك في أنه يكره الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين، قال الشافعي وجماعة من السلف: لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها، وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والكوفيون: لا يكره بعدها وتكره قبلها، ولا حجة في الحديث لمن كرهها لأنه لا يلزم من ترك الصلاة كراهتها والأصل أن لا منع حتى يثبت. قوله: "وتلقي سخابها" هو بكسر السين وبالخاء المعجمة وهو قلادة من طيب معجون على هيئة الخرز يكون من مسك أو قرنفل أو غيرهما من الطيب ليس فيه شيء من الجوهر وجمعه سخب ككتاب وكتب
*2* باب ما يقرأ في صلاة العيدين
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللّيْثِيّ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَضْحىَ وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِ {ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ الْقَمَرُ}.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. حَدّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللّيْثِيّ قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: عَمّا قَرَأَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ الْعِيدِ؟ فَقُلْتُ: ب {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ} و {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}.
قوله: "عن عبيد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد رضي الله عنه" وفي الرواية الأخرى عن عبيد الله عن أبي واقد قال: "سألني عمر بن الخطاب" هكذا في جميع النسخ، فالرواية الأولى لأم سلمة لأن عبيد الله لم يدرك عمر، ولكن الحديث صحيح بلا شك متصل من الرواية الثانية فإنه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف، فلا عتب على مسلم حينئذ في روايته فإنه صحيح متصل والله أعلم. قوله: "عن أبي واقد سألني عمر" قالوا: يحتمل أن عمر رضي الله عنه شك في ذلك فاستثبته أو أراد إعلام الناس بذلك أو نحو هذا من المقاصد، قالوا: ويبعد أن عمر لم يكن يعلم ذلك مع شهوده صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات وقربه منه، ففيه دليل للشافعي وموافقيه أنه تسن القراءة بهما في العيدين، قال العلماء: والحكمة في قراءتهما لما اشتملتا عليه من الأخبار بالبعث وإِلاخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر والله أعلم
*2* باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، في أيام العيد
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ. تُغَنّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ، يَوْمَ بُعَاثٍ. قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنّيَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبِمُزْمُورِ الشّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا بَكْرٍ إِنّ لِكُلّ قَوْمٍ عِيداً. وَهَذَا عِيدُنَا".
وحدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِيهِ: جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفَ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنّ ابْنَ شِهَابٍ حَدّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا. وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيّامِ مِنىً. تُغَنّيَانِ وَتَضْرِبَانِ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُسَجّى بِثَوْبِهِ. فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. وَقَالَ: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنّهَا أَيّامُ عِيدٍ" وَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ. وَأَنَا جَارِيَةٌ. فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السّنّ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَىَ بَابِ حُجْرَتِي. وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ. فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ. لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَىَ لَعِبِهِمْ. ثُمّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي. حَتّىَ أَكُونَ أَنَا الّتِي أَنْصَرِفُ. فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السّنّ، حَرِيصَةً عَلَى اللّهْوِ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ (وَاللّفْظُ لِهَرُونَ) قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرٌو: أَنّ مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ حَدّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيتَانِ تُغَنّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ. فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِراشِ. وَحَوّلَ وَجْهَهُ. فَدَخَل أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي. وَقَالَ: مِزْمَارُ الشّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "دَعْهُمَا" فَلَمّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا. وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السّودَانُ بالدّرَقِ وَالْحِرَابِ. فَإِمّا سَأَلْتُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِمّا قَالَ "تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ. خَدّي عَلَىَ خَدّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ" حَتّىَ إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: "حَسْبُكِ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاذْهَبِي".
حدّثنا زُهْيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَدَعَانِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَوَضَعْتُ رَأْسِي. عَلَىَ مَنْكِبِهِ. فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَىَ لَعِبِهِمْ. حَتّىَ كُنْتُ أَنَا الّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النّظَرِ إِلَيْهِمْ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا: فِي الْمَسْجِدِ.
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَ عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كُلّهُمْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ (وَاللّفْظُ لِعُقْبَةَ) قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ ابْنُ عُمَيْرٍ. أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنّها قَالَتْ، لِلَعّابِينَ: وَدِدْتُ أَنّي أَرَاهُمْ. قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقُمْتُ عَلَى البَابِ أَنْظُرُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ.
قَالَ عَطَاءٌ: فُرْسٌ أَوْ حَبَشٌ. قَالَ: وَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ: بَلْ حَبَشٌ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِرَابِهِمْ، إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَأَهْوَىَ إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعْهُمْ. يَا عُمَرُ".
قولها: "وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين" أما بعاث فبضم الباء الموحدة وبالعين المهملة ويجوز صرفه وترك صرفه وهو الأشهر وهو يوم جرت فيه بين قبيلتي الأنصار الأوس والخزرج في الجاهلية حرب وكان الظهور فيه للأوس، قال القاضي: قال الأكثرون من أهل اللغة وغيرهم هو بالعين المهملة، وقال أبو عبيدة: بالغين المعجمة والمشهور المهملة كما قدمناه. وقولها: وليستا بمغنيتين معناه ليس الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به. واختلف العلماء في الغناء فأباحه جماعة من أهل الحجاز وهي رواية عن مالك، وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق، ومذهب الشافعي كراهته وهو المشهور من مذهب مالك واحتج المجوزون بهذا الحديث، وأجاب الاَخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح. قال القاضي: إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد ولهذا قالت: وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل: الغنا فيه الزنا، وليستا أيضاً ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسباً، والعرب تسمي الإنشاد غناء وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه، وهذا ومثله ليس بحرام ولا يخرج الشاهد. قوله: "أبمزمور الشيطان" هو بضم الميم الأولى وفتحها والضم أشهر ولم يذكر القاضي غيره، ويقال أيضاً مزمار بكسر الميم وأصله صوت بصفير، والزمير الصوت الحسن ويطلق على الغناء أيضاً. قوله: "أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم، وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتاً على الكبير، بل هو أدب ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه، وإنما سكت النبي صلى الله عليه وسلم عنهن لأنه مباح لهن وتسجى بثوبه وحول وجهه إعراضاً عن اللهو ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن، وكان هذا من رأفته صلى الله عليه وسلم وحلمه وحسن خلقه. قوله: (جاريتان تلعبان بدف) هو بضم الدال وفتحها والضم أفصح وأشهر، ففيه مع قوله صلى الله عليه وسلم: هذا عيدنا أن ضرب دف العرب مباح في يوم السرور والظاهر وهو العيد والعرس والختان. قوله: (في أيام منى) يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق، ففيه أن هذه الأيام داخلة في أيام العيد، وحكمه جار عليه في كثير من الأحكام لجواز التضحية وتحريم الصوم واستحباب التكبير وغير ذلك. قولها: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية" وفي الرواية الأخرى: "يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر، وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن، وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق، وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان: لأصحابنا أصحهما تحريمه لقوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغن من أبصارهن} ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة: "احتجبا عنه أي عن ابن أم مكتوم فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: العمياوان أنتما أليس تبصرانه؟" وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره وقال هو حديث حسن. وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجوابين وأقواهما أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم، ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن، وإن وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال. والثاني لعل هذا كان قبل نزول الاَية في تحريم النظر، وأنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول: إن للصغير المراهق النظر والله أعلم. وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم. قولها: "وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربة حديثة السن" معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حباً بليغاً، وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعذر من تطويل.
وقولها: فاقدروا هو بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره وهو من التقدير أي قدروا رغبتنا في ذلك إلى أن تنتهي. وقولها: العربة هو بفتح العين وكسر الراء والباء الموحدة ومعناها المشتهية للعب المحبة له. قوله صلى الله عليه وسلم: "دونكم يا بني أرفدة" هو بفتح الهمزة وإسكان الراء، ويقال بفتح الفاء وكسرها وجهان حكاهما القاضي عياض وغيره والكسر أشهر هو لقب للحبشة، ولفظة دونكم من ألفاظ الإغراء وحذف المغرى به تقديره عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه، قال الخطابي وغيره: وشأنها أن يتقدم الاسم كما في هذا الحديث وقد جاء تأخيرها شاذاً كقوله: يا أيها المائح دلوي دونكا. قوله صلى الله عليه وسلم: "حسبك" هو استفهام بدليل قولها قلت نعم تقديره حسبك أي هل يكفيك هذا القدر. قولها: "جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد" هو بفتح الياء وإسكان الزاي وكسر الفاء ومعناه يرقصون، وحمله العلماء على التوثب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من هيئة الراقص، لأن معظم الروايات إنما فيها لعبهم بحرابهم فيتأول هذه اللفظة على موافقة سائر الروايات. قوله: (عقبة بن مكرم) بفتح الراء. قوله: "قال عطاء فرس أو ح قال وقال ابن عتيق بل حبش" هكذا هو في كل النسخ، ومعناه أن عطاء شك هل قال هم فرس أو حبش؟ بمعنى هل هم من الفرش أو من الحبشة؟ وأما ابن عتيق فجزم بأنهم ح وهو الصواب. قال القاضي عياض: وقوله قال ابن عتيق هكذا هو عند شيوخنا وعند الباجي، وقال لي ابن عمير قال وفي نسخة أخرى قال لي ابن أبي عتيق قال صاحب المشارق والمطالع الصحيح ابن عمير وهو عبيد بن عمير المذكور في السند والصواب.
قوله: "دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأهوى بيده إلى الحصباء يحصبهم" الحصباء ممدود هي الحصى الصغار، ويحصبهم بكسر الصاد أي يرميهم بها، وهو محمول على أن هذا لا يليق بالمسجد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به والله أعلم.