كتاب صلاة الاستسقاء
 كتاب صلاة الاستسقاء

باب

أجمع العلماء على أن الاستسقاء سنة، واختلفوا هل تسن له صلاة أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لا تسن له صلاة بل يستسقى بالدعاء بلا صلاة. وقال سائر العلماء من السلف والخلف الصحابة والتابعون فمن بعدهم: تسن الصلاة ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة، واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للاستسقاء ركعتين. وأما الأحاديث التي ليس فيها ذكر الصلاة فبعضها محمول على نسيان الراوي وبعضها كان في الخطبة للجمعة ويتعقبه الصلاة للجمعة فاكتفى بها، ولو لم يصل أصلاً كان بياناً لجواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة ولا خلاف في جوازه، وتكون الأحاديث المثبتة للصلاة مقدمة لأنها زيادة علم ولا معارضة بينهما. قال أصحابنا: الاستسقاء ثلاثة أنوع: أحدها الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة. الثاني: الاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة وهو أفضل من النوع الذي قبله. والثالث: وهو أكملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة وإقبال على الخير ومجانبة الشر ونحو ذلك من طاعة الله تعالى
باب
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ سَمِعَ عَبّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيّ يَقُولُ: خَرجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلّىَ فَاسْتَسْقَىَ. وَحَوّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمّهِ. قَالَ: خَرَجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلّىَ. فَاسْتَسْقَىَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ..
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ عَبّادَ بْنَ تَمِيمٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيّ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمُصَلّىَ يَسْتَسْقِي. وَأَنّهُ لَمّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوّلَ رِدَاءَهُ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وحرمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيّ أَنّهُ سَمِعَ عَمّهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً يَسْتَسْقِي. فَجَعَلَ إِلَى النّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللّهَ. وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَحَوّلَ رِدَاءَهُ. ثمّ صَلّىَ رَكْعَتَيْنِ.
قوله: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة". وفي الرواية الأخرى: قوله: "وصلى ركعتين" فيه استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء لأنه أبلغ في إِلافتقار والتواضع ولأنها أوسع للناس لأنه يحضر الناس كلهم فلا يسعهم الجامع، وفيه استحباب تحويل الرداء في أثنائها للاستسقاء، قال أصحابنا: يحوله في نحو ثلث الخطبة الثانية وذلك حين يستقبل القبلة، قالوا: والتحويل شرع تفاؤلاً بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب ومن ضيق الحال إلى سعته، وفيه دليل للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء في استحباب تحويل الرداء ولم يستحبه أبو حنيفة، ويستحب عندنا أيضاً للمأمومين كما يستحب للإمام وبه قال مالك وغيره، وخالف فيه جماعة من العلماء وفيه إثبات صلاة الاستسقاء ورد على من أنكرها. وقوله: استسقى أي طلب السقي، وفيه أن صلاة الاستسقاء ركعتان وهو كذلك بإجماع المثبتين لها، واختلفوا هل هي قبل الخطبة أو بعدها؟ فذهب الشافعي والجماهير إلى أنها قبل الخطبة، وقال الليث بعد الخطبة، وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير، قال أصحابنا: ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها، وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز العيد والتأخير، واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، واختلف العلماء هل يكبر تكبيرات زائدة في أول صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد؟ فقال به الشافعي وابن جرير، وروي عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومكحول وقال الجمهور لا يكبر، واحتجوا للشافعي بأنه جاء في بعض الأحاديث صلى ركعتين كما يصلي في العيد، وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر والقراءة وفي كونها قبل الخطبة، واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك، وخيره داود بين التكبير وتركه، ولم يذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة وذكره البخاري وأجمعوا على استحبابه، وأجمعوا أن لا يؤذن لها ولا يقام لكن يستحب أن يقال الصلاة جامعة. قوله: "أخبرني عباد بن تميم المازني أنه سمع عمه" المراد بعمه عبد الله بن زيد بن عاصم المتكرر في الروايات السابقة. قوله: "وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة" فيه استحباب استقبالها للدعاء ويلحق به الوضوء والغسل والتيمم والقراءة والأذكار والأذان وسائر الطاعات إلا ما خرج بدليل كالخطبة ونحوها. قوله: "فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين" فيه دليل لمن يقول بتقديم الخطبة على صلاة الاستسقاء وأصحابنا يحملونه على الجواز كما سبق بيانه.
*2* باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدّعَاءِ. حَتّىَ يُرَىَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ وَ عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْدُعَائِهِ إِلاّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ. حَتّىَ يُرَىَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. غَيْرَ أَنّ عَبْدَ الأَعْلَىَ قَالَ: يُرَىَ بَيَاضُ إِبْطِهِ أَوْ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
م 2 وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ أَنّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدّثَهُمْ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَىَ. فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفّيْهِ إِلَى السّمَاءِ.
قوله: "عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه" هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلى الله عليه وسلم إلا في الاستسقاء وليس الأمر كذلك، بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء وهي أكثر من أن تحصر، وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثاً من الصحيحين أو أحدهما، وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب، ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء، أو أن المراد لم أره رفع وقد رآه غيره رفع، فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك ولا بد من تأويله لما ذكرناه والله أعلم. قوله: "عن قتادة عن أنس. وفي الطريق الثاني: عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم" فيه بيان أن قتادة قد سمعه من أنس، وقد تقدم أن قتادة مدلس، وأن المدلس لا يحتج بعنعنته حتى يثبت سماعه ذلك الحديث فبين مسلم ثبوته بالطريق الثاني.
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" قال جماعة من أصحابنا وغيرهم السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء احتجوا بهذا الحديث.
*2* باب الدعاء في الاستسقاء
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ. فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِماً. ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السّبُلُ. فَادْعُ اللّهَ يُغِثْنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "اللّهُمّ أَغِثْنَا. اللّهُمّ أَغِثْنَا اللّهُمّ أَغِثْنَا". قَالَ أَنَسٌ: وَلاَ وَاللّهِ مَا نَرَىَ فِي السّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ قَزَعَةٍ. وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ. قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التّرْسِ، فَلَمّا تَوَسّطَتِ السّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمّ أَمْطَرَتْ قَالَ: فَلاَ وَاللّهِ مَا رَأَيْنَا الشّمْسَ سَبْتاً. قَالَ: ثُمّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ. فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِماً. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السّبُلُ. فَادْعُ اللّهَ يُمْسِكْهَا عَنّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "اللّهُمّ حَوَلْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. اللّهُمّ عَلَى الاَكَامِ وَالظّرَاب، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشّجَرِ" فَانْقَلَعَتْ. وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشّمْسِ.
قَالَ شَرِيكٌ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرّجُلُ الأَوّلُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي.
وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيّ. حَدّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: أَصَابَتِ النّاسَ سَنَةٌ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ قَامَ أَعْرَابِيّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وَفِيهِ قَالَ: "اللّهُمّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا" قَالَ: فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَىَ نَاحِيَةٍ إِلاّ تَفَرّجَتْ. حَتّىَ رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ. وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْراً. وَلَمْ يَجِيءْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاّ أَخْبَرَ بِجَوْدٍ.
وحدّثني عَبْدُ الأَعْلَىَ بْنُ حَمّادٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. قَالا: حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةَ. فَقَامَ إِلَيْهِ النّاسُ فَصَاحُوا. وَقَالُوا: يا نَبِيّ اللّهِ قَحِطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرّ الشّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الأَعْلَىَ: فَتَقَشّعَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ. فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوَالَيْهَا. وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً. فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ.
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوِهِ. وَزَادَ: فَأَلّف اللّهُ بَيْنَ السّحَابِ. وَهَلّتْنَا حَتّىَ رَأَيْتُ الرّجُلَ الشّدِيدَ تُهِمّهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ.
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْليّ. عَنْ ابْنُ وَهْبٍ. عَنْ أُسَامَةَ أَنّ حَفْصَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَ أَعْرَابِيّ إِلىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ. وَزَادَ: فَرَأَيْتُ السّحَابَ يَتَمَزّقُ كَأَنّهُ الْمُلاَءُ حِينَ تُطْوَىَ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ. قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ حَتّىَ أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لأَنّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبّهِ تَعَالَىَ".
قوله: (دار القضاء) قال القاضي عياض: سميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتبه على نفسه وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله، فإن عجز ماله استعان ببني عدي ثم بقريش فباع ابنه داره هذه لمعاوية وماله بالغابة قضى دينه وكان ثمانية وعشرين ألفاً، وكان يقال لها دار قضاء دين عمر، ثم اقتصروا فقالوا دار القضاء وهي دار مروان، وقال بعضهم: هي دار إِلامارة وغلط لأنه بلغه أنها دار مروان فظن أن المراد بالقضاء إِلامارة والصواب ما قدمناه، هذا آخر كلام القاضي. قوله: "ان دينه كان ثمانية وعشرين ألفاً" غريب بل غلط، والصحيح المشهور أنه كان ستة وثمانين ألفاً أو نحوه. هكذا رواه البخاري في صحيحه، وكذا رواه غيره من أهل الحديث والسير والتواريخ وغيرهم. قوله: "ادع الله يغثنا". وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أغثنا" هكذا هو في جميع النسخ أغثنا بالألف ويغثنا بضم الياء من أغاث يغيث رباعي، والمشهور في كتب اللغة أنه إنما يقال في المطر غاث الله الناس والأرض يغيثهم بفتح الياء أي أنزل المطر. قال القاضي عياض: قال بعضهم هذا المذكور في الحديث من الإغاثة بمعنى المعونة وليس من طلب الغيث، إنما يقال في طلب الغيث اللهم غثنا، قال القاضي: ويحتمل أن يكون من طلب الغيث أي هب لنا غيثاً أو ارزقنا غيثاً، كما يقال: سقاه الله وأسقاه أي جعل له سقياً على لغة من فرق بينهما. قوله: "فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال اللهم أغثنا" فيه استحباب الاستسقاء في خطبة الجمعة وقد قدمنا بيانه في أول الباب، وفيه جواز الاستسقاء منفرداً عن تلك الصلاة المخصوصة، واغترت به الحنفية وقالوا: هذا هو الاستسقاء المشروع لا غير، وجعلوا الاستسقاء بالبروز إلى الصحراء والصلاة بدعة وليس كما قالوا بل هو سنة للأحاديث الصحيحة السابقة، وقد قدمنا في أول الباب أن الاستسقاء أنواع فلا يلزم من ذكر نوع إبطال نوع ثابت والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا" هكذا هو مكرر ثلاثاً ففيه استحباب تكرر الدعاء ثلاثاً. قوله: "ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة" هي بفتح القاف والزاي وهي القطعة من السحاب وجماعتها قزع كقصبة وقصب، قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون ذلك في الخريف. قوله: "وما بيننا وبين سلع من دار" هو بفتح السين المهملة وسكون اللام وهو جبل بقرب المدينة، ومراده بهذا إِلاخبار عن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظم كرامته على ربه سبحانه وتعالى بإنزال المطر سبعة أيام متوالية متصلاً بسؤاله من غير تقديم سحاب ولا قزع ولا سبب آخر لا ظاهر ولا باطن، وهذا معنى قوله: وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار أي نحن مشاهدون له وللسماء وليس هناك سبب للمطر أصلاً. قوله: (ثم أمطرت) هكذا هو في النسخ، وكذا جاء في البخاري أمطرت بالألف وهو صحيح، وهو دليل للمذهب المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من أهل اللغة أنه يقال مطرت وأمطرت لغتان في المطر، وقال بعض أهل اللغة: لا يقال أمطرت بالألف إلا في العذاب كقوله تعالى: {وأمطرنا عليهم حجارة} والمشهور الأول، ولفظة أمطرت تطلق في الخير والشر وتعرف بالقرينة، قال الله تعالى: {قالوا هذا عارض ممطرنا وهذا من أمطر} والمراد به في الخير لأنهم ظنوه خيراً فقال الله تعالى: {بل هو ما استعجلتم به} قوله: "ما رأينا الشمس سبتاً" هو بسين مهملة ثم باء موحدة ثم مثناة فوق أي قطعة من الزمان، وأصل السبت القطع. قوله صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه كثرة المطر وانقطاع السبل وهلاك الأموال من كثرة الأمطار: "اللهم حولنا" وفي بعض النسخ: (حوالينا) وهما صحيحان. "ولا علينا اللهم على الاَكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فانقطعت وخرجنا نمشي" في هذا الفصل فوائد منها المعجزة الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه متصلاً به حتى خرجوا في الشمس. وفيه أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل، وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور، قال أهل اللغة: إِلاكام بكسر الهمزة جمع أكمة، ويقال في جمعها آكام بالفتح والمد، ويقال أكم بفتح الهمزة والكاف وأكم بضمهما وهي دون الجبل وأعلى من الرابية، وقيل دون الرابية، وأما الظراب فبكسر الظاء المعجمة واحدة ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي الروابي الصغار، وفي هذا الحديث استحباب طلب انقطاع المطر على المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به ولكن لا تشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء. قوله: "فانقطعت وخرجنا نمشي" هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة، وفي أكثرها فانقلعت وهما بمعنى. قوله: "فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري" قد جاء في رواية للبخاري وغيره أنه الأول. قوله: "أصابت الناس سنة" أي قحط.
قوله: "فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفجرت" أي تقطع السحاب وزال عنها. قوله: "حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة" هي بفتح الجيم وإسكان الواو وبالباء الموحدة وهي الفجوة، ومعناه تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديراً حولها وهي خالية منه. قوله: "وسال وادي قناة شهراً" قناة بفتح القاف اسم لواد من أودية المدينة وعليه زروع لهم فأضافه هنا إلى نفسه. وفي رواية للبخاري: وسال الوادي قناة وهذا صحيح على البدل والأول صحيح وهو عند الكوفيين على ظاهره وعند البصريين يقدر فيه محذوف. وفي رواية للبخاري: وسال الوادي وادي قناة. قوله: "أخبر بجود" هو بفتح الجيم وإسكان الواو وهو المطر الكثير. قوله: "قحط المطر" هو بفتح القاف وفتح الحاء وكسرها أي أمسك. قوله: "واحمر الشجر" كناية عن يبس ورقها وظهور عوردها. قوله: (فتقشعت) أي زالت. قوله: "وما تمطر بالمدينة قطرة" هو بضم التاء من تمطر وبنصب قطرة. قوله: (مثل الإكليل) هو بكسر الهمزة، قال أهل اللغة: هي العصابة وتطلق على كل محيط بالشيء. قوله: "فألف الله بين السحاب ومكثنا حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله" هكذا ضبطناه ومكثنا، وكذا هو في نسخ بلادنا ومعناه ظاهر، وذكر القاضي فيه أنه روي في نسخ بلادهم على ثلاثة أوجه ليس منها هذا. ففي رواية لهم وبلتنا ومعناه أمطرتنا، قال الأزهري: يقال بل السحاب بالمطر بلاً والبلل المطر، ويقال انهلت أيضاً، وفي رواية لهم وملتنا بالميم مخففة اللام قال القاضي: ولعل معناه أوسعتنا مطراً، وفي رواية ملأتنا بالهمزة. وقوله: "تهمه نفسه" ضبطناه بوجهين: فتح التاء مع ضم الهاء وضم التاء مع كسر الهاء، يقال: همه الشيء وأهمه أي اهتم له، ومنهم من يقول همه أذابه وأهمه غمه. قوله: "فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى" هو بضم الميم وبالمد والواحدة ملاءة بالضم والمد وهي الريطة كالملحفة، ولا خلاف أنه ممدود في الجمع والمفرد، ورأيت في كتاب القاضي قال: هو مقصور وهو غلط من الناسخ، فإن كان من الأصل كذلك فهو خطأ بلا شك ومعناه تشبيه انقطاع السحاب وتجليله بالملاءة المنشورة إذا طويت.
قوله: "حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه" معنى حسر كشف أي كشف بعض بدنه، ومعنى حديث عهد بربه أي بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها. وفي هذا الحديث دليل لقول أصحابنا أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر واستدلوا بهذا، وفيه أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئاً لا يعرفه أن يسأله عنه ليعلمه فيعمل به ويعلمه غيره.
*2* باب التعوّذ عند رؤية الريح والغيم، والفرح بالمطر
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حدّثنا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ جَعْفَرٍ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمّدٍ) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الرّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: "إِنّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَاباً سُلّطَ عَلَىَ أُمّتِي". وَيَقُولُ، إِذَا رَأَىَ الْمَطَرَ "رَحْمَةٌ".
وحدّثني أَبُو الطاهِرِ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدّثُنَا عَنْ عَطاءِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرّيحُ قَالَ: "اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهَا، وَشَرّ مَا فِيهَا، وَشَرّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيّلَتِ السّمَاءُ، تَغَيّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ سُرّيَ عَنْهُ. فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: "لَعَلّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}" (الأحقاف الاَية: ).
وحدّثني هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ أَبَا النّضْرِ حَدّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعاً ضَاحِكاً. حَتّىَ أَرَىَ مِنْهُ لَهَوَاتِهِ. إِنّمَا كَانَ يَتَبَسّمُ. قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَىَ غَيْماً أَوْ رِيحاً، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَى النّاسَ، إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ، فَرِحُوا. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ. وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ، عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ. قَدْ عُذّبَ قَوْمٌ بِالرّيحِ. وَقَدْ رَأَىَ قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}.
قوله: "إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر فإذا مطرت سر به وذهب عنه ذلك، قالت عائشة: فسألته فقال: إني خشيت أن يكون عذاباً سلط على أمتي" فيه الاستعداد بالمراقبة لله وإِلالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه، وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة وسروره لزوال سبب الخوف. قوله: "ويقول إذا رأى المطر رحمة" أي هذه رحمة. قوله: "وإذا تخيلت السماء تغير لونه" قال أبو عبيد وغيره: تخيلت من المخيلة بفتح الميم وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة، ويقال أخالت إذا تغيمت. قولها: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم" والمستجمع المجد في الشيء القاصد له، واللهوات جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة على الحنك قاله الأصمعي.
*2* باب في ريح الصبا والدبور
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدّبُورِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِيّ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ). كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَسْعُودِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا" هي بفتح الصاد ومقصورة وهي الريح الشرقية، وأهلكت عاد بالدبور وهي بفتح الدال وهي الريح الغربية.