كتاب الكسوف
 كتاب الكسوف

باب صلاة الكسوف

وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدِ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَسَفَتِ الشّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي. فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدّا. ثُمّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرّكُوعَ جِدّا. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدّا. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوّلِ. ثُمّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرّكُوعَ جِدّا. وَهُوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوّلِ. ثُمّ سَجَدَ. ثُمّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوّلِ. ثُمّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرّكُوعَ. وَهُوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوّلِ. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ. فَأَطَالَ الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوّلِ. ثُمّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرّكُوعَ. وَهُوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوّلِ. ثُمّ سَجَدَ. ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلّتِ الشّمْسُ. فَخَطَبَ النّاسَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. وَإِنّهُمَا لاَ يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبّرُوا. وَادْعُوا اللّهَ وَصَلّوا وَتَصَدّقُوا. يَا أُمّةَ مُحَمّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ. يَا أُمّةَ مُحَمّدٍ وَاللّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً. أَلاَ هَلْ بَلّغْتُ؟". وَفِي رِوَايَةِ: "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ"
حدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمّ قَالَ "أَمّا بَعْدُ. فَإِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ" وَزَادَ أَيْضاً: ثُمّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللّهُمّ هَلْ بَلّغْتُ".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونسُ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ وَ مُحَمّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: خَسَفَتِ الشّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ الْمَسْجِدِ. فَقَامَ وَكَبّرَ وَصَفّ النّاسُ وَرَاءَهُ. فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءةً طَوِيلَةً. ثُمّ كَبّرَ فَرَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". ثُمّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً. هِيَ أَدْنَىَ مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَىَ. ثُمّ كَبّرَ فَرَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً. هُوَ أَدْنَىَ مِنَ الرّكُوعِ الأَوّلِ. ثُمّ قَالَ: "سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ثُمّ سَجَدَ (وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطّاهِرِ: ثُمّ سَجَدَ) ثُمّ فَعَلَ فِي الرّكْعَةِ الأُخْرَىَ مِثْلَ ذَلِكَ. حَتّىَ اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. وَانْجَلَتِ الشّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ. ثُمّ قَامَ فَخَطَبَ النّاسَ. فَأَثْنَىَ عَلَىَ اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمّ قَالَ: "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا لِلصّلاَةِ". وَقَالَ أَيْضاً: "فَصَلّوا حَتّىَ يُفَرّجَ اللّهُ عَنْكُمْ". وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ حَتّىَ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفَاً مِنَ الْجَنّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدّمُ. (وَقَالَ الْمُزَادِيّ: أَتَقَدّمُ) وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخّرْتُ. وَرَأَيْتُ فِيهَا بْنَ لُحَيَ، وَهُوَ الّذِي سَيّبَ السّوَائِبَ" وَانْتَهَىَ حَدِيثُ أَبِي الطّاهِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ "فَافْزَعُوا لِلصّلاَةِ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرّازِيّ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيّ أَبُو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ يُخْبِرُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ الشّمْسَ خَسَفَتْ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَعَثَ مُنَادِياً "الصّلاَةُ جَامِعَةٌ" فَاجْتَمَعُوا. وَتَقَدّمَ فَكَبّرَ. وَصَلّىَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. فِي رَكْعَتَيْنِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُخْبِرُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ فِي صَلاَةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ. فَصَلّىَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. فِي رَكْعَتَيْنِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
قَالَ الزّهْرِيّ: وَأَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ صَلّىَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. فِي رَكْعَتَيْنِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
وحدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزّبَيْدِيّ عَنِ الزّهْرِيّ. قَالَ: كَانَ كَثِيرُ بْنُ عَبّاسٍ يُحَدّثُ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ كَانَ يُحَدّثُ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ كَسَفَتِ الشّمْسُ. بِمِثْلِ مَا حَدّثَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: حَدّثَنِي مَنْ أُصَدّقُ (حَسِبْتُهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ) أَنّ الشّمْسَ انْكَسَفَتْ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ قِيَاماً شَدِيداً. يَقُومُ قَائِماً ثُمّ يَرْكَعُ. ثُمّ يَقُومُ ثُمّ يَرْكَعُ. ثُمّ يَقُومُ ثُمّ يَرْكَعُ. رَكْعَتَيْنِ فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. فَانْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلّتِ الشّمْسُ. وَكَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ "اللّهُ أَكْبَرُ" ثمّ يَرْكَعُ. وَإِذَا رَفَعَ رأْسَهُ قَالَ "سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فَقَامَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ. وَلَكِنّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللّهِ يُخَوّفُ اللّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفاً، فَاذْكُرُوا اللّهَ حَتّىَ يَنْجَلِيَا".
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ) حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ سِتّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.
يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف وكسفا بضمها وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا بمعنى، وقيل: كسف الشمس بالكاف وخسف القمر بالخاء. وحكى القاضي عياض عكسه عن بعض أهل اللغة والمتقدمين وهو باطل مردود بقول الله تعالى: {وخسف القمر} ثم جمهور أهل العلم وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه. وقال جماعة منهم الإمام الليث بن سعد: الخسوف في الجميع والكسوف في بعض، وقيل الخسوف ذهاب لونهما والكسوف تغيره. واعلم أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة ذكر مسلم منها جملة وأبو داود أخرى وغيرهما أخرى، وأجمع العلماء على أنها سنة، ومذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أنه يسن فعلها جماعة. وقال العراقيون فرادى. وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره واختلفوا في صفتها، فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان، وأما السجود فسجدتان كغيرهما، وسواء تمادى الكسوف أم لا، وبهذا قال مالك والليث وأحمد وأبو ثور وجمهور علماء الحجاز وغيرهم. وقال الكوفيون: هما ركعتان كسائر النوافل عملاً بظاهر حديث جابر بن سمرة وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة، وحديث جابر وابن عباس وابن عمرو بن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان، قال ابن عبد البر: وهذا أصح ما في هذا الباب، قال: وباقي الروايات المخالفة معالة ضعيفة، وحملوا حديث ابن سمرة بأنه مطلق، وهذه الأحاديث تبين المراد به، وذكر مسلم في رواية عن عائشة وعن ابن عباس وعن جابر ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات، ومن رواية ابن عباس وعلى ركعتين في كل ركعة أربع ركعات، قال الحفاظ: الروايات الأول أصح ورواتها أحفظ وأضبط. وفي رواية لأبي داود من رواية أبي بن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركعات وقد قال بكل نوع بعض الصحابة. وقال جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين وجماعة من غيرهم هذا إِلاختلاف في الروايات بحسب اختلاف حال الكسوف، ففي بعض الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع، وفي بعضها أسرع إِلانجلاء فاقتصر، وفي بعضها توسط بين الإسراع والتأخر فتوسط في عدده، واعترض الأولون على هذا بأن تأخر إِلانجلاء لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوي من أول الحال، وقال جماعة من العلماء منهم إسحاق بن راهوي وابن جرير وابن المنذر جرت صلاة الكسوف في أوقات، واختلاف صفاتها محمول على بيان جواز جميع ذلك فتجوز صلاتها على كل واحد من الأنواع الثابتة وهذا قوي والله أعلم. واتفق العلماء على أنه يقرأ الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة، واختلفوا في القيام الثاني، فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه، وقال محمد بن مسلمة من المالكية: لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني، واتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر من القيام الأول والركوع، وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منهما من الثانية، واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى، ويكون هذا معنى قوله في الحديث وهو دون القيام الأول ودون الركوع الأول أم يكونان سواء ويكون قوله دون القيام والركوع الأول أي أول قيام وأول ركوع، واتفقوا على استحباب إطالة القراءة والركوع فيهما كما جاءت الأحاديث، ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام وأدى طمأنينته في كل ركوع صحت صلاته وفاته الفضيلة، واختلفوا في استحباب إطالة السجود فقال جمهور أصحابنا: لا يطوله بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات. وقال المحققون منهم: يستحب إطالته نحو الركوع الذي قبله، وهذا هو المنصوص للشافعي في البويطي وهو الصحيح للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك، ويقول في كل رفع من ركوع سمع الله لمن حمده ثم يقول عقبه ربنا لك الحمد إلى آخره، والأصح استحباب التعوذ في ابتداء الفاتحة في كل قيام، وقيل يقتصر عليه في القيام الأول. واختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف فقال الشافعي وإسحاق وابن جرير وفقهاء أصحاب الحديث: يستحب بعدها خطبتان. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يستحب ذلك. ودليل الشافعي الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكفوس. قوله: "فأطال القيام جداً وأطال الركوع جداً ثم سجد ثم قام فأطال القيام" هذا مما يحتج به من يقول لا يطول السجود، وحجة الاَخرين الأحاديث المصرحة بتطويله، ويحمل هذا المطلق عليها. وقوله: "جداً" بكسر الجيم وهو منصوب على المصدر أي جد جداً. قوله: "بعد أن وصف الصلاة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس فخطب الناس" فيه دليل للشافعي وموافقيه في استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف كما سبق بيانه، وفيه أن الخطبة لا تفوت بالإنجلاء بخلاف الصلاة.
قوله: "فحمد الله وأثنى عليه" دليل على أن الخطبة يكون أولها الحمد لله والثناء عليه، ومذهب الشافعي أن لفظة الحمد لله متعينة فلو قال معناها لم تصح خطبته. قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته". وفي رواية أنهم قالوا: كسفت لموت إبراهيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام رداً عليهم. قال العلماء: والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجاهلية الضلال كانوا يعظمون الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما، وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقول لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو نحو ذلك، فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم لاسيما وقد صادف موت إبراهيم رضي الله عنه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا" فيه الحث على هذه الطاعات وهو أمر استحباب. قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أمة محمد إن من أحد أغير من الله تعالى" هو بكسر همزة أن وإسكان النون أي ما من أحد أغير من الله، قالوا معناه ليس أحداً منع من المعاصي من الله تعالى ولا أشد كراهة لها منه سبحانه. قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً" معناه لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة وما بعدها كما علمت وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لبكيتم كثيراً ولقل ضحككم لفكركم فيما علمتموه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا هل بلغت" معناه ما أمرت به من التحذير والإنذار وغير ذلك مما أرسل به، والمراد تحريضهم على تحفظه واعتنائهم به لأنه مأمور بإنذارهم. قوله: "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه" فيه إثبات صلاة الكسوف، وفيه إستحباب فعلها في المسجد الذي تصلي فيه الجمعة، قال أصحابنا: وإنما لم يخرج إلى المصلى لخوف فواتها بإِلانجلاء فالسنة المبادرة بها، وفيه استحبابها جماعة وتجوز فرادى، وتشرع للمرأة والعبد والمسافر وسائر من تصح صلاته. قولها: "ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وقال في الرفع من الركوع الثاني مثله" فيه دليل على استحباب الجمع بين هذين اللفظين وهو مذهب الشافعي ومن وافقه، وسبقت المسألة في صفة سائر الصلاة وهو مستحب عندنا للإمام والمأموم والمنفرد يستحب لكل أحد الجمع بينهما، وفي هذا الحديث دليل على استحباب الجمع بينهما في كل رفع من الركوع في الكسوف سواء الركوع الأول والثاني. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة". وفي رواية: "فصلوا حتى يفرج الله عنكم" معناه بادروا بالصلاة وأسرعوا إليها حتى يزول عنكم هذ العارض الذي يخاف كونه مقدمة عذاب. قوله صلى الله عليه وسلم: "حين رأيتموني جعلت أقدم" ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة ومعناه أقدم نفسي أو رجلي، وكذا صرح القاضي عياض بضبطه، وضبطه جماعة أقدم بفتح الهمزة وإسكان القاف وضم الدال وهو من الاقدام وكلاهما صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولقد رأيت جهنم" فيه أنها مخلوقة موجودة وهو مذهب أهل السنة، ومعنى يحطم بعضها بعضاً لشدة تلهيبها واضطرابها كأمواج البحر التي يحطم بعضها بعضاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورأيت فيها عمرو بن لحي" هو بضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء، وفيه دليل على أن بعض الناس معذب في نفس جهنم اليوم عافانا الله وسائر المسلمين. قوله صلى الله عليه وسلم: "حين رأيتموني تأخرت" فيه التأخر عن مواضع العذاب والهلاك. قوله: "فبعث منادياً بالصلاة جامعة لفظة جامعة" منصوبة على الحال وفيه دليل للشافعي ومن وافقه أنه يستحب أن ينادي لصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، وأجمعوا أنه لا يؤذن لها ولا يقام. قوله: "جهر في صلاة الخسوف" هذا عند أصحابنا والجمهور محمول على كسوف القمر لأن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وغيرهم: يجهر فيهما وتمسكوا بهذا الحديث، واحتج الاَخرون بأن الصحابة حزروا القراءة بقدر البقرة وغيرها ولو كان جهراً لعلم قدرها بلا حزر. وقال ابن جرير الطبري: الجهر والإسرار سواء. قوله: "حدثني من أصدق حسبته يريد عائشة" هكذا هو في نسخ بلادنا، وكذا نقله القاضي عن الجمهور وعن بعض رواتهم من أصدق حديثه يريد عائشة، ومعنى اللفظين متغاير، فعلى رواية الجمهور له حكم المرسل إن قلنا بمذهب الجمهور أن قوله أخبرني الثقة ليس بحجة قوله ركعتين في ثلاث ركعات أي في كل ركعة يركع ثلاث مرات. قوله ست ركعات وأربع سجدات أي صلى ركعتين في كل ركعتين ركوع ثلاث مرات وسجدتان.
*2* باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف
*وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ عَمْرَةَ أَنّ يَهُودِيّةً أَتَتْ عَائِشَةَ تَسْأَلُهَا. فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ يُعَذّبُ النّاسُ فِي الْقُبُورِ؟ قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "عَائِذاً بِاللّهِ". ثُمّ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَباً. فَخَسَفَتِ الشّمْسُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ بَيْنَ ظَهْرِي الْحُجَرِ فِي الْمَسْجِدِ. فَأَتَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَرْكَبِهِ. حَتّى انْتَهَىَ إِلَىَ مُصَلاّهُ الّذِي كَانَ يُصَلّي فِيهِ. فَقَامَ وَقَامَ النّاسُ وَرَاءَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ قِيَاماً طَويلاً ثُمّ رَكَعَ فَرَكَعَ رُكُوعاً طَويلاً ثُمّ رَفَعَ. فَقَامَ قِياماً طَويلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوّلِ. ثُمّ رَكَعَ فَرَكَعَ رُكُوعاً طَويلاً وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ الرّكُوعِ. ثُمّ رَفَعَ وَقَدْ تَجَلّتِ الشّمْسُ. فَقَالَ "إِنّي قَدْ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدّجّالِ".
قَالَتْ عَمْرَةُ: فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: فَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بَعْدَ ذَلِكَ، يَتَعَوّذُ مِنْ عَذَابِ النّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِ مَعْنَىَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ.
قوله: "بين ظهري الحجر" أي بينها. قولها: "حتى انتهى إلى مصلاه" تعني موقفه في المسجد فيه أن السنة في صلاة الكسوف أن تكون في الجامع وفي جماعة. قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيتكم تفتنون في القبور وفي آخره يتعوذ من عذاب القبر" فيه إثبات عذاب القبر وفتنته وهو مذهب أهل الحق، ومعنى تفتنون تمتحنون فيقال ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول المؤمن: هو رسول الله. ويقول المنافق: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته هكذا جاء مفسراً في الصحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: "كفتنة الدجال" أي فتنة شديدة جداً وامتحاناً هائلاً ولكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت.
*2* باب ما عرض على النبيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار
*وحدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كَسَفَتِ الشّمْسُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرّ. فَصَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ. فَأَطَالَ الْقِيَامَ. حَتّىَ جَعَلُوا يَخِرّونَ. ثُمّ رَكَعَ فَأَطَالَ. ثُمّ رَفَعَ فَأَطَالَ. ثُمّ رَكَعَ فَأَطَالَ. ثُمّ رَفَعَ فَأَطَالَ. ثُمّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. ثُمّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْواً مِنْ ذَاكَ. فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. ثُمّ قَالَ: "إِنّهُ عُرِضَ عَلَيّ كُلّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ. فَعُرِضَتْ عَلَيّ الْجَنّةُ. حَتّىَ لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفاً أَخَذْتُهُ (أَوْ قَالَ: تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفاً) فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ. وَعُرِضَتْ عَلَيّ النّارُ. فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذّبُ فِي هِرّةٍ لَهَا. رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ. وَإِنّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ إِلاّ لِمَوْتِ عَظِيمٍ. وَإِنّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ يُرِيكُمُوهُمَا. فَإِذَا خَسَفَا فَصَلّوا حَتّىَ تَنْجَلِيَ".
وحدّثنيهِ أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصّبّاحِ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. إِلاّ أَنّهُ قَالَ (وَرَأَيْتُ فِي النّارِ امْرَأَةً حِمْيَرِيةً سَوْدَاءَ طَوِيلَةً". وَلَمْ يَقُلْ "مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. (وَتَقَارَبَا فِي اللّفْظِ) قَالَ: حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: انْكَسَفَتْ الشّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النّاسُ: إِنّمَا انْكَسَفَتِ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَصَلّىَ بِالنّاسِ سِتّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. بَدَأَ فَكَبّرَ. ثُمّ قَرَأَ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ. ثُمّ رَكَعَ نَحْواً مِمّا قَامَ. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ فَقَرَأَ قِرَاءَةً دُونَ الْقِرَاءَةِ الأُولَىَ. ثُمّ رَكَعَ نَحْواً مِمّا قَامَ. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ فَقَرَأَ قِرَاءَةً دُونَ الْقِرَاءَةِ الثّانِيَةِ. ثُمّ رَكَعَ نَحْواً مِمّا قَامَ. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ. ثُمّ انْحَدَرَ بِالسّجُودِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ أَيْضاً ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ. لَيْسَ فِيهَا رَكْعَةٌ إِلاّ الّتِي قَبْلَهَا أَطْوَلُ مِنَ الّتِي بَعْدَهَا. وَرُكُوعُهُ نَحْواً مِنْ سُجُودِهِ. ثُمّ تَأَخّرَ وَتَأَخّرَتِ الصّفُوفُ خَلْفَهُ. حَتّى انْتَهَيْنَا. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَتّى انْتَهَىَ إِلَى النّسَاءِ) ثُمّ تَقَدّمَ وَتَقَدّم النّاسُ مَعَهُ. حَتّىَ قَامَ فِي مَقَامِهِ. فَانْصَرَفَ حِينَ انْصَرَفَ، وَقَدْ آضَتِ الشّمْسُ. فَقَالَ: "يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّمَا الشّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. وَإِنّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النّاسِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِمَوتِ بَشَرٍ) فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَصَلّوا حَتّىَ تَنْجَلِيَ. مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلاّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلاَتِي هَذِهِ. لَقَدْ جِيءَ بِالنّارِ. وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا. وَحَتّىَ رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ. كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنّمَا تَعَلّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ. وَحَتّىَ رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرّةِ الّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، حَتّىَ مَاتَتْ جُوعاً. ثُمّ جِيءِ بِالْجَنّةِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدّمْتُ حَتّىَ قُمْتُ فِي مَقَامِي، وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، ثُمّ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَفْعَلَ. فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلاّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلاَتِي هَذهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمدَانِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: خَسَفَتِ الشّمْسُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدَخَلْتُ عَلَىَ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلّي. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النّاسِ يُصَلّونَ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السّمَاءِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَطَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِيَامَ جِدّا. حَتّىَ تَجَلاّنِي الْغَشْيُ. فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَىَ جَنْبِي. فَجَعَلْتُ أَصُبّ عَلَىَ رَأْسِي أَوْ عَلَىَ وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ. قَالَتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلّتِ الشّمْسُ. فَخَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم النّاسَ. فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ. مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُهُ إِلاّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا. حَتّى الْجَنّةَ وَالنّارَ. وَإِنّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيّ أَنّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيباً أَوْ مِثْلَ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدّجّالِ. (لاَ أَدْرِي أَيّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيُؤْتَىَ أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرّجُلِ؟ فَأَمّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ. (لاَ أَدْري أَيّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمّدٌ، هُوَ رَسُولُ اللّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَالْهُدَىَ. فَأَجَبْنَا وَأَطَعْنَا. ثَلاَثَ مِرَارٍ. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ. قَدْ كُنّا نَعْلَمُ إِنّكَ لَتُؤْمِنُ بِهِ. فَنَمْ صَالِحاً. وَأَمّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ (لاَ أَدْرِي أَيّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي. سَمِعْتُ النّاسَ يَقُولُونَ شَيْئَاً فَقُلْتُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ. قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَإِذَا النّاسُ قِيَامٌ. وَإِذَا هِيَ تُصَلّي. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النّاسِ؟ وَاقْتَصّ الّحَدِيثَ بَنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ نِمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ. قَالَ: لاَ تَقُلْ: كَسَفَتِ الشّمْسُ. وَلَكِنْ قُلْ: خَسَفَتِ الشّمْسُ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أُمّهِ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا قَالَتْ: فَزِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً. (قَالَتْ تَعْنِي يَوْمَ كَسَفَتِ الشّمْسُ) فَأَخَذَ دِرْعاً حَتّىَ أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ. فَقَامَ لِلنّاسِ قِيَاماً طَوِيلاً. لَوْ أَنّ إِنْسَاناً أَتَىَ لَمْ يَشْعُرْ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَكَعَ مَا حَدّثَ أَنّهُ رَكَعَ، مِنْ طُولِ الْقِيَامِ.
وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَىَ الأُمَوِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: قِيَاماً طَوِيلاً، يَقُومُ ثُمّ يَرْكَعُ، وَزَادَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ أَسَنّ مِنّي. وَإِلَى الأُخْرَىَ هِيَ أَسْقَمُ مِنّي.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا حَبّانُ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: كَسَفَتِ الشّمْسُ عَلَىَ عَهْدِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَفَزِعَ، فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ، حَتّىَ أُدْرِكَ بِردَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَقَضَيْتُ حَاجَتِي ثُمّ جِئْتُ وَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ. فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِماً. فَقُمْتُ مَعَهُ. فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتّىَ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ. ثُمّ أَلْتَفِتُ إِلَى الْمَرْأَةِ الضّعِيفَةِ، فَأَقُولُ هَذِهِ أَضْعَفُ مِنّي، فَأَقُومُ. فَرَكَعَ فَأَطَالَ الرّكُوعَ. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ. حَتّىَ لَوْ أَنّ رَجُلاً جَاءَ خُيّلَ إِلَيْهِ أَنّهُ لَمْ يَرْكَعْ.
حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ. حَدّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: انْكَسَفَتِ الشّمْسُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنّاسُ مَعَهُ. فَقَامَ قِيَاماً طَوِيلاً قَدْرَ نَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. ثُمّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً. ثُمّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَاماً طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوّلِ. ثُمّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوّلِ. ثُمّ سَجَدَ. ثُمّ قَامَ قِيَاماً طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوّلِ. ثُمّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوّلِ. ثُمّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَاماً طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامَ الأَوّلِ. ثُمّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً، وَهُوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوّلِ. ثُمّ سَجَدَ. ثُمّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتِ الشّمْسُ. فَقَالَ: "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللّهَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئاً فِي مَقَامِكَ هَذَا. ثُمّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ فَقَالَ: "إِنّي رَأَيْتُ الْجَنّةَ. فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُوداً. وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدّنْيَا. وَرَأَيْتُ النّارَ. فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَراً قَطّ. وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءَ" قَالُوا: بِمَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "بِكُفْرِهِنّ" قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللّهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرِ. وَبِكفْرِ الإِحْسَانِ. لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَىَ إِحْدَاهُنّ الدّهْرَ، ثُمّ رَأَتْ مِنْكَ شَيئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطّ".
م 1 وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ (يَعْنِي ابْنَ عِيسَىَ). أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي هَذَا الاْسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: ثُمّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ.
قوله: "في رواية أبي الزبير عن جابر ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد سجدتين" هذا ظاهره أنه طول إِلاعتدال الذي يلي السجود، ولا ذكر له في باقي الروايات ولا في رواية جابر من أبي الزبير. وقد نقل القاضي إجماع العلماء أنه لا يطول إِلاعتدال الذي يلي السجود، وحينئذٍ يجاب عن هذه الرواية بجوابين: أحدهما أنها شاذة مخالفة لرواية الأكثرين فلا يعمل بها. والثاني: أن المراد بالإطالة تنفيس الاعتدال ومده قليلاً وليس المراد إطالته نحو الركوع. قوله صلى الله عليه وسلم: "عرض على كل شيء تولجونه" أي تدخلونه من جنة ونار وقبر ومحشر وغيرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فعرضت علي الجنة وعرضت علي النار" قال القاضي عياض قال العلماء: تحتمل أنه رآهما رؤية عين كشف الله تعالى عنهما وأزال الحجب بينه وبينهما كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم في عرض هذا الحائط أي في جهته وناحيته أو في التمثيل لقرب المشاهدة. قالوا: ويحتمل أن يكون رؤية علم وعرض وحي باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلاً ما لم يعرفه قبل ذلك، ومن عظيم شأنهما ما زاده علماً بأمرهما وخشية وتحذيراً ودوام ذكر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً" قال القاضي: والتأويل الأول أولى وأشبه بألفاظ الحديث لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين كتناوله صلى الله عليه وسلم العنقود وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار. قوله صلى الله عليه وسلم: "فعرضت علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفاً أخذته" معنى تناولت مددت يدي لأخذه، والقطف بكسر القاف العنقود وهو فعل بمعنى مفعول كالذبح بمعنى المذبوح، وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم، وأن في الجنة ثماراً، وهذا كله مذهب أصحابنا وسائر أهل السنة خلافاً للمعتزلة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فرأيت فيها امرأة تعذب في هرة لها ربطتها" أي بسبب هرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "تأكل من خشاش الأرض" بفتح الخاء المعجمة وهي هوامها وحشراتها، وقيل صغار الطير. وحكى القاضي في فتح الخاء وكسرها وضمها والفتح هو المشهور. قال القاضي في هذا الحديث المؤاخذة بالصغائر، قال: وليس فيه أنها عذبت عليها بالنار، قال: ويحتمل أنها كانت كافرة فزيد في عذابها بذلك، هذا كلامه وليس بصواب، بل الصواب المصرح به في الحديث أنها عذبت بسبب الهرة وهو كبيرة لأنها ربطتها وأصرت على ذلك حتى ماتت، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة كما هو مقرر في كتب الفقه وغيرها، وليس في الحديث ما يقتضي كفر هذه المرأة. قوله صلى الله عليه وسلم: "يجر قصبه في النار" هو بضم القاف وإسكان الصاد وهي الأمعاء. قوله: "ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا إلى النساء ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه" فيه أن العمل القليل لا يبطل الصلاة، وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات متتابعات وقالوا: الثلاث متتابعات تبطلها، ويتأولون هذا الحديث على أن الخطوات كانت متفرقة لا متوالية، ولا يصح تأويله على أنه كان خطوتين لأن قوله انتهينا إلى النساء يخالفه، وفيه استحباب صلاة الكسوف للنساء وفيه حضورهن وراء الرجال. قوله: "آضت الشمس" هو بهمزة ممدودة هكذا ضبطه جميع الرواة ببلادنا وكذا أشار إليه القاضي، قالوا ومعناه رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف وهون من آض يئيض إذا رجع ومنه قولهم أيضاً وهو مصدر منه. قوله صلى الله عليه وسلم: "مخافة أن يصيبني من لفحها" أي من ضرب لهبها، ومنه قوله تعالى: {تلفح وجوههم النار} أي يضربها لهبها، قالوا: والنفخ دون اللفح، قال الله: {ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك} أي أدنى شيء منه، قاله الهروي وغيره. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورأيت فيها صاحب المحجن" هو بكسر الميم وهو عصا مغففة الطرف.
قولها: "فأشارت برأسها إلى السماء" فيه امتناع الكلام بالصلاة وجواز الإشارة ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة. قولها: "تجلاني الغشي" هو بفتح الغين وإسكان الشين، وروي أيضاً بكسر الشين وتشديد الياء وهما بمعنى الغشاوة وهو معروف يحصل بطول القيام في الحر وفي غير ذلك من الأحوال ولهذا جعلت تصب عليها الماء، وفيه أن الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل ثابتاً. قولها: "فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء" هذا محمول على أنه لم تكثر أفعالها متوالية لأن الأفعال إذا كثرت متوالية أبطلت الصلاة. قوله: "ما علمك بهذا الرجل إنما يقول له الملكان السائلان ما علمك بهذا الرجل" ولا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم امتحاناً له وإغراباً عليه لئلا يتلقن منهما إكرام النبي صلى الله عليه وسلم ورفع مرتبته فيعظمه هو تقليداً لهما لا اعتقاداً، ولهذا يقول المؤمن: هو رسول الله، ويقول المنافق: لا أدري، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاَخرة. قوله: "عن عروة قال: لا تقل كسفت الشمس ولكن قل خسفت الشمس" هذا قول له انفرد به والمشهور ما قدمناه في أول الباب.
قوله: (ففزع) قال القاضي: يحتمل أن يكون معناه الفزع الذي هو الخوف كما في الرواية الأخرى يخشى أن تكون الساعة. ويحتمل أن يكون معناه الفزع الذي هو المبادرة إلى الشيء. "فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه" معناه أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ درع بعض أهل البيت سهراً ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان.
قوله في الرواية الأولى من حديث ابن عباس: "فقام قياماً طويلاً قدر نحو سورة البقرة" هكذا هو في النسخ قدر نحو وهو صحيح، ولو اقتصر على أحد اللفظين لكان صحيحاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "بكفرهن قيل أيكفرن بالله قال بكفر العشر وبكفر الإحسان" هكذا ضبطناه بكفر بالباء الموحدة الجارة وضم الكاف وإسكان الفاء، وفيه جواز إطلاق الكفر على كفران الحقوق وإن لم يكن ذلك الشخص كافراً بالله تعالى، وقد سبق شرح هذا اللفظ مرات، والعشير المعاشر كالزوج وغيره فيه ذم كفران الحقوق لأصحابها. قوله: "تكعكعت" أي توقفت وأحجمت قال الهروي وغيره: يقال تكعكع الرجل وتكاعى وكع وكوعاً إذا أحجم وجبن
*2* باب ذكر من قال إنه ركع ثمان ركعات في أربع سجدات
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنِ عُلَيّةَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ كَسَفَتِ الشّمْسُ، ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. وَعَنْ عَلِيَ، مِثْلُ ذَلِكَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاّدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَى الْقَطّانِ. قَالَ: ابْنُ الْمُثَنّىَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ حَدّثَنَا حَبِيبٌ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ صَلّىَ فِي كُسُوفٍ. قَرَأَ ثُمّ رَكَعَ. ثُمّ قَرَأَ ثُمّ رَكَعَ. ثُمّ قَرَأَ ثُمّ رَكَعَ. ثُمّ قَرَأَ ثُمّ رَكَعَ. ثُمّ سَجَدَ. قَالَ: وَالأُخْرَىَ مِثْلُهَا.
قوله: "ثمان ركعات في أربع سجدات" أي ركع ثمان مرات كل أربع في ركعة وسجد سجدتين في كل ركعة، وقد صرح بهذا في الكتاب في الرواية الثانية.
*2* باب ذكر النداء بصلاة الكسوف "الصلاة جامعة"
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو النّضْرِ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ (وَهُوَ شَيْبَانُ النّحْوِيّ) عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. حَدّثَنَا مَعَاوِيَةُ بْنُ سَلاّمٍ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ خَبَرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّهُ قَالَ: لَمّا انْكَسَفَتِ الشّمْسُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، نُودِيَ ب (الصّلاَةَ جَامِعَةً). فَرَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمّ جُلّيَ عَنِ الشّمْسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَكَعْتُ رُكُوعاً قَطّ، وَلاَ سَجَدْتُ سُجُوداً قَطّ، كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. يُخَوّفُ اللّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ. وَإِنّهُمَا لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النّاسِ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَصَلّوا وَادْعُوا اللّهِ. حَتّىَ يُكْشَفَ مَا بِكُمْ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ وَ يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيْسَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النّاس. وَلَكِنّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَقُومُوا فَصَلّوا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ أَبُو أُسَامَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ وَ مَرْوَانُ. كُلّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَوَكِيعٍ: انْكَسَفَتِ الشّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ. فَقَالَ النّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ.
حدّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: خَسَفَتِ الشّمْسُ فِي زَمَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ فَزِعاً يَخْشَىَ أَنْ تَكُونَ السّاعَةُ. حَتّىَ أَتَى الْمَسْجِدَ. فَقَامَ يُصَلّي بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ. مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلاَةٍ قَطّ. ثُمّ قَالَ: "إِنّ هَذِهِ الاَيَاتِ الّتِي يُرْسِلُ اللّهُ، لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ. وَلَكِنّ اللّهَ يُرْسِلُهَا يُخَوّفُ بِهَا عِبَادَهُ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَافْزَعُوا إِلَىَ ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ" وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْعَلاَءِ: كَسَفَتِ الشّمْسُ. وَقَالَ "يُخَوّفُ عِبَادَهُ".
وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيريّ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ حَيّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ. قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَرْمِي بِأَسْهُمِي فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذِ انْكَسَفَتِ الشّمْسُ. فَنَبَذْتُهُنّ. وَقُلْتُ: لأَنْظُرَنّ إِلَىَ مَا يَحْدُثُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي انْكِسَافِ الشّمْسِ، الْيَوْمَ. فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، يَدْعُو وَيُكَبّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلّلُ. حَتّىَ جُلّيَ عَنِ الشّمْسِ. فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ، عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ حَيّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ. وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: كُنْتُ أَرْتَمِي بِأَسْهُمٍ لِي بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. إِذْ كَسَفَتِ الشّمْسُ. فَنَبَذْتُهَا. فَقُلْتُ: وَاللّهِ لأَنْظُرَنّ إِلَىَ مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُسُوفِ الشّمْسِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصّلاَةِ. رَافِعٌ يَدَيْهِ. فَجَعَلَ يُسَبّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلّلُ، وَيُكَبّرُ وَيَدْعُو. حَتّىَ حُسِرَ عَنْهَا. قَالَ: فَلَمّا حُسِرَ عَنْهَا، قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا سَالِمُ بْنَ نُوحٍ. أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيّ عَنْ حَيّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ. قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَتَرَمّى بِأَسْهُمٍ لِي عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ خَسَفَتِ الشّمْسُ. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِما.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدّثَهُ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ. وَلَكِنّهُمَا آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلّوا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُصْعَبٌ (وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ) حَدّثَنَا زَائِدَةُ. حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ) سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتِ الشّمْسُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللّهَ وَصَلّوا حَتّىَ تَنْكَشِفَ".
قوله: (في حديث ابن عمرو فركع ركعتين في سجدة) أي ركوعين في ركعة والمراد بالسجدة ركعة، وقد سبق أحاديث كثيرة بإطلاق السجدة على ركعة. قولها: "ما ركعت ركوعاً قط ولا سجدت سجوداً قط كان أطول منه". وفي رواية أبي موسى الأشعري: "فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود وما رأيته يفعله في صلاة قط". فيهما دليل للمختار وهو استحباب تطويل السجود في صلاة الكسوف، ولا يضر كون أكثر الروايات ليس فيهما تطويل السجود لأن الزيادة من الثقة مقبولة مع أن تطويل السجود ثابت من رواية جماعة كثيرة من الصحابة، وذكره مسلم من روايتي عائشة وأبي موسى، ورواه البخاري من رواية جماعة آخرين وأبو داود من طريق غيرهم فتكاثرت طرقه وتعاضدت فتعين العمل به.
قوله: "فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة" هذا قد يستشكل من حيث أن الساعة لها مقدمات كثيرة لا بد من وقوعها ولم تكن وقعت، كطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة والنار والدجال وقتال الترك، وأشياء أخر لا بد من وقوعها قبل الساعة كفتوح الشام والعراق ومصر وغيرهما، وإنفاق كنوز كسرى في سبيل الله تعالى، وقتال الخوارج وغير ذلك من الأمور المشهورة في الأحاديث الصحيحة، ويجاب عنه بأجوبة أحدها لعل هذا الكسوف كان قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور. الثاني: لعله خشي أن تكون بعض مقدماتها. الثالث: أن الراوي ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة وليس يلزم من ظنه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خشي ذلك حقيقة بل خرج النبي صلى الله عليه وسلم مستعجلاً مهتماً بالصلاة وغيرها من أمر الكسوف مبادراً إلى ذلك، وربما خاف أن يكون نوع عقوبة كما كان صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح تعرف الكراهة في وجهه، ويخاف أن يكون عذاباً كما سبق في آخر كتاب الاستسقاء فظن الراوي خلاف ذلك ولا اعتبار بظنه.
قوله: "فانتهيت إليه وهو رافع يديه يدعو ويكبر ويحمد ويهلل حتى جلى عن الشمس فقرأ سورتين وركع ركعتين". وفي الرواية الأخرى: "فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويهلل ويكبر ويحمد ويدعو حتى حسر، قال: فلما حسر عنها قرأ سورتين فصلى ركعتين" هذا مما يستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتدأ صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس وليس كذلك، فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد إِلانجلاء، وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرح به في الرواية الثانية، ثم جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد وقراءة سورتين في القيامين الاَخرين للركعة الثانية، وكانت السورتان بعد إِلانجلاء تتميماً للصلاة، فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف وآخرها بعد إِلانجلاء، وهذا الذي ذكرته من تقديره لا بد منه لأنه مطابق للرواية الثانية ولقواعد الفقه ولروايات باقي الصحابة، والرواية الأولى محمولة عليه أيضاً ليتفق الروايتان. ونقل القاضي عن المازري أنه تأوله على صلاة ركعتين تطوعاً مستقلاً بعد انجلاء الكسوف لأنها صلاة كسوف، وهذا ضعيف مخالف لظاهر الرواية الثانية والله أعلم. قوله: "وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح إلى قوله ويدعو" فيه دليل لأصحابنا في رفع اليدين في القنوت ورد على من يقول لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة. قوله: "حسر عنها" أي كشف وهو بمعنى قوله في الرواية الأولى: جلى عنها. قوله: "كنت أرتمي بأسهم" أي أرمي كما قاله في الرواية الأولى، يقال: أرمى وارتمى وترامى وترمى كما قاله في الرواية الأخيرة.
قوله: (زياد بن علاقة) بكسر العين. قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب: "إن الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموها فصلوا" فيه دليل للشافعي وجميع فقهاء أصحاب الحديث في استحباب الصلاة لكسوف القمر على هيئة صلاة كسوف الشمس. وروي عن جماعة من الصحابة وغيرهم. وقال مالك وأبو حنيفة: لا تسن لكسوف القمر هكذا وإنما تسن ركعتان كسائر الصلوات فرادى والله أعلم.