كتاب الجنائز
 كتاب الجنائز
باب تلقين الموتى: لا إله إلا الله

وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ بِشْرٍ. قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيّةَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقّنُوا مَوْتَاكُمْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ. جَمِيعاً، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ وَ عُثْمَان ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ. ح وَحَدّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ. قَالُوا جَمِيعاً: حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَقّنُوا مَوْتَاكُمْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ".
الجنازة مشتقة من جنز إذا ستر، ذكره ابن فارس وغيره، والمضارع يجنز بكسر النون، والجنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح، ويقال بالفتح للميت، وبالكسر للنعش عليه ميت، ويقال عكسه حكاه صاحب المطالع والجمع جنائز بالفتح لا غير. قوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إلَه إلا الله" معناه من حضره الموت، والمراد ذكروه لا إلَه إلا الله لتكون آخر كلامه كما في الحديث: "من كان آخر كلامه لا إلَه إلا الله دخل الجنة". والأزق 7 هذا التلقين أمر ندب، وأجمع العلماء على هذا التلقين وكرهوا الإكثار عليه والموالاة لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق، قالوا: وإذا قاله مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر فيعاد التعريض به ليكون آخر كلامه، ويتضمن الحديث الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه وإغماض عينيه والقيام بحقوقه وهذا مجمع عليه. قوله: "وحدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز الدراوردي وروح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا خالد بن مخلد أخبرنا سليمان بن بلال جميعاً بهذا الإسناد" هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح، قال أبو علي الغساني وغيره: معناه عن عمار بن غزية الذي سبق فيه الإسناد الأول، ومعناه روى عنه الدراوردي وسليمان بن بلال وهو كما قاله أبو علي، ولو قال مسلم جميعاً عن عمارة بن غزية بهذا الإسناد لكان أحسن وأوضح وهو المعروف من عادته في الكتاب لكنه حذفه هنا لوضوحه عند أهل هذه الصنعة.
*2* باب ما يقال عند المصيبة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعاً عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قالَ ابْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنِ ابْنِ سَفِينَةَ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: مَا أَمَرَهُ اللّهُ: إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. اللّهُمّ اؤجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا إِلاّ أَخْلَفَ اللّهُ لَهُ خَيْراً مِنْهَا".
قَالَتْ: فَلَمّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ إِنّي قُلْتُهَا. فَأَخْلَفَ اللّهُ لِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ. فَقُلْتُ: إِنّ لِي بِنْتاً وَأَنَا غَيُورٌ. فَقَالَ: "أَمّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا. وَأَدْعُو اللّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يُحَدّثُ أَنّهُ سَمِعَ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيقُولُ: إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. اللّهُمّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا إِلاّ أَجَرَهُ اللّهُ فِي مُصِيبَتِهِ. وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا".
قَالَتْ: فَلَمّا تُوُفّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخْلَفَ اللّهُ لِي خَيْراً مِنْهُ. رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ) عَنِ ابْنِ سَفِينَةَ، مَوْلَىَ أُمّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَزَادَ: قَالَتْ: فَلَمّا تُوُفّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ثُمّ عَزَمَ اللّهُ لِي فَقُلْتُهَا. قَالَتْ: فَتَزَوّجْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل إنا لله وإنا إليه راجعون" فيه فضيلة هذا القول، وفيه دليل للمذهب المختار في الأصول أن المندوب مأمور به لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور به مع أن الاَية الكريمة تقتضي ندبه وإجماع المسلمين منعقد عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها" قال القاضي: أجرني بالقصر والمد حكاهما صاحب الأفعال. وقال الأصمعي وأكثر أهل اللغة: هو مقصور لا يمد، ومعنى أجره الله أعطاه أجره وجزاء صبره وهمه في مصيبته. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأخلف لي" هو بقطع الهمزة وكسر اللام قال أهل اللغة: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد عليك مثله، فإن ذهب ما لا يتوقع مثله بأن ذهب والد أو عم أو أخ لمن لا جد له ولا والد له قيل: خلف الله عليك بغير ألف أي كان الله خليفة منه عليك. وقولها: (وأنا غيور) يقال امرأة غيري وغيور ورجل غيور وغيران قد جاء فعول في صفات المؤنث كثيراً كقولهم: امرأة عروس وعروب وضحوك لكثيرة الضحك، وعقبة كؤد وأدض صعود وهبوط وحدود وأشباهها. قوله صلى الله عليه وسلم: "وادعو الله أن يذهب بالغيرة" هي بفتح الغين ويقال أذهب الله الشيء وذهب به كقوله تعالى: {ذهب الله بنورهم}. قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أجره الله" هو بصر الهمزة ومدها والقصر أفصح وأشهر كما سبق. قولها: "ثم عزم الله لي فقلتها" أي خلق في عزماً، وقد سبق في شرح أول خطبة مسلم أن فعل الله تعالى لا يسمى عزماً من حيث أن حقيقة العزم حدوث رأي لم يكن والله منزه عن هذا، فتأولوا قول أم سلمة، على أن معناه خلق لي أو في عزماً.
*2* باب ما يقال عند المريض والميت
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ، أَوِ الْمَيّتَ، فَقُولُوا خَيْراً. فَإِنّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمّنُونَ عَلَىَ مَا تَقُولُونَ" قَالَتْ: فَلَمّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ. قَالَ: "قُولِي: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ. وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَىَ حَسَنَةً" قَالَتْ: فَقُلْتُ. فَأَعْقَبَنِي الله مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ. مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" فيه الندب إلى قول الخير حينئذٍ من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه، وفيه حضور الملائكة حينئذٍ وتأمينهم.
*2* باب في إغماض الميت والدعاء له، إذا حُضر
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ الْفَزَارِيّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ. قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقّ بَصَرُهُ. فَأَغْمَضَهُ. ثُمّ قَالَ: "إِنّ الرّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ". فَضَجّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ. فَقَالَ: "لاَ تَدْعُوا عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ إِلاّ بِخَيْرٍ. فَإِنّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمّنُونَ عَلَىَ مَا تَقُولُونَ". ثُمّ قَالَ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ. وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبّ الْعَالَمِينَ. وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَنَوّرْ لَهُ فِيهِ"
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطّانُ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا الْمُثَنّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الْحَسَنِ. حَدّثَنَا خَالِدٌ الْحَذّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "وَاخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ" وَقَالَ "اللّهُمّ أَوْسِعْ لَهُ فِي قَبْرِهِ" وَلَمْ يَقُلِ "افْسَحْ لَهُ". وَزَادَ: قَالَ خَالِدٌ الْحَذّاءُ: وَدَعْوَةٌ أُخْرَىَ سَابِعَةٌ نَسِيتُهَا.
قوله: "وقد شق بصره" هو بفتح الشين ورفع بصره وهو فاعل شق هكذا ضبطناه وهو المشهور، وضبطه بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضاً والشين مفتوحة بلا خلاف. قال القاضي: قال صاحب الأفعال يقال شق بصر الميت وشق الميت بصره ومعناه شخص كما في الرواية الأخرى. وقال ابن السكيت في الإصلاح والجوهري حكاية عن ابن السكيت يقال شق بصر الميت ولا تقل شق الميت بصره وهو الذي حضره الموت صار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه. قولها: "فأغمضه" دليل على استحباب إغماض الميت وأجمع المسلمون على ذلك، قالوا: والحكمة فيه أن لا يقبح بمنظره لو ترك إغماضه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر" معناه إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظراً أين يذهب. وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث، وهذا الحديث دليل للتذكير، وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن، وتذهب الحياة من الجسد بذهابها، وليس عرضاً كما قاله آخرون ولا دماً كما قاله آخرون وفيها كلام متشعب للمتكلمين. قولها: (ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة) إلى آخره فيه استحباب الدعاء للميت عند موته ولأهله وذريته بأمور الاَخرة والدنيا. قوله صلى الله عليه وسلم: "واخلفه في عقبه في الغابرين" أي الباقين كقوله تعالى: {إلا امرأته كانت من الغابرين}.
*2* باب في شخوص بصر الميت يتبع نفسه
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ يَعْقُوبَ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ تَرَوُا الإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ؟" قَالُوا: بَلَىَ. قَالَ: "فَذَلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنِ الْعَلاَءِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "شخص بصره" بفتح الخاء أي ارتفع ولم يرتد. قوله صلى الله عليه وسلم: "يتبع بصره نفسه" المراد بالنفس هنا الروح، قال القاضي: وفيه أن الموت ليس بإفناء وإعدام وإنما هو انتقال وتغير حال وإعدام الجسد دون الروح. إلا ما استثنى من عجب الذنب، قال: وفيه حجة لمن يقول الروح والنفس بمعنى.
*2* باب البكاء على الميت
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ: قَالَتْ أُمّ سَلَمَة: لَمّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ. لأَبْكِيَنّهُ بُكَاءً يُتَحَدّثُ عَنْهُ. فَكُنْتُ قَدْ تَهَيّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ. إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصّعِيدِ ترِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِي، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلِي الشّيْطَانَ بَيْتاً أَخْرَجَهُ اللّهُ مِنْهُ؟" مَرّتَيْنِ. فَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ.
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنّا عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَىَ بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ. وَتُخْبِرُهُ أَنّ صَبِيّا لَهَا، أَوِ ابْناً لَهَا، فِي الْمَوْتِ. فَقَالَ لِلرّسُولِ: "ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَأَخْبِرْهَا: إِنّ للّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَىَ. وَكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمى. فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ" فَعَادَ الرّسُولُ فَقَالَ: إِنّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنّهَا. قَالَ فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ. فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصّبِيّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنّهَا فِي شَنّةٍ. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ. جَعَلَهَا اللّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ. وَإِنّمَا يَرْحَمُ اللّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرّحَمَاءَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. جَمِيعَاً عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ حَمّادٍ أَتّمَ وَأَطْوَلُ.
حدّثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصّدَفِيّ وَ عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ الْعَامِرِيّ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: اشْتَكَىَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَىَ لَهُ. فَأَتَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيّةٍ. فَقَالَ: "أَقَدْ قَضَىَ؟" قَالُوا: لاَ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَبَكَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَكَوْا. فَقَالَ: "أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ إِنّ اللّهَ لاَ يُعَذّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذّبُ بِهَذَا (وَأَشَارَ إِلَىَ لِسَانِهِ) أَوْ يَرْحَمُ".
قولها: "غريب وفي أرض غربة" معناه أنه من أهل مكة ومات بالمدينة. قولها: "أقبلت امرأة من الصعيد" المراد بالصعيد هنا عوالي المدينة، وأصل الصعيد ما كان على وجه الأرض. قولها: (تسعدني) أي تساعدني في البكاء والنوح.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى" معناه الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله تعالى، وتقديره أن هذا الذي أخذ منكم كان له لا لكم فلم يأخذ إلا ما هو له، فينبغي أن لا تجزعوا كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وله ما أعطى" معناه أن ما وهبه لكم ليس خارجاً عن ملكه بل هو سبحانه وتعالى يفعل فيه ما يشاء. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وكل شيء عنده بأجل مسمى" معناه اصبروا ولا تجزعوا فإن كل من يأت قد انقضى أجله المسمى فمحال تقدمه أو تأخره عنه، فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم والله أعلم. وهذا الحديث من قواعد الإسلام المشتملة على جمل من أصول الدين وفروعه والاَداب. قوله: "ونفسه تقعقع كأنها في شنة" هو بفتح التاء والقافين، والشنة القربة للبالية ومعناه لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقي في القربة البالية. قوله: "ففاضت عيناه فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" معناه أن سعداً ظن أن جميع أنواع البكاء حرام، وأن دمع العين حرام، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نسي فذكره فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة، وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما كما سيأتي في الأحاديث. "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه". وفي الحديث الاَخر: "العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما يسخط الله". وفي الحديث الاَخر ما لم يكن لقع أو لقلقة.
قوله: (وجده في غيشة) هو بفتح الغين وكسر الشين وتشديد الياء قال القاضي: هكذا رواية الأكثرين، قال: وضبطه بعضهم بإسكن الشين وتخفيف الياء، وفي رواية البخاري في غاشية وكاء صحيح، وفيه قولان: أحدهما من يغشاه من أهله، والثاني ما يغشاه من كرب الموت. قوله: "فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود" فيه استحباب عيادة المريض وعيادة الفاضل المفضول وعيادة الإمام والقاضي والعالم أتباعه
*2* باب في عيادة المرضى
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزَيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَهْضَمٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عُمَارَةَ (يَعْنِي ابْنَ غَزِيّةَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَلّىَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ: كُنّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلّمَ عَلَيْهِ. ثُمّ أَدْبَرَ الأَنْصَارِيّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَخَا الأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟" فَقَالَ: صَالِحٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟" فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ، مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلاَ خِفَافٌ وَلاَ قَلاَنِسُ وَلاَ قُمُصٌ. نَمْشِي فِي تِلْكَ السّبَاخِ حَتّىَ جِئْنَاهُ. فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ. حَتّىَ دَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ الّذِينَ مَعَهُ.
قوله: "ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص" فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم من الزهد في الدنيا والتقلل منها واطراح فضولها وعدم إِلاهتمام بفاخر اللباس ونحوه، وفيه جواز المشي حافياً، وعيادة الإمام والعالم المريض مع أصحابه.
*2* باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الصّبْرَ عِنْدَ الصّدْمَةِ الأُولَىَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانّي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَىَ عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَىَ صَبِيَ لَهَا. فَقَالَ لَهَا: "اتّقِي اللّهَ وَاصْبِرِي" فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي؟ فَلَمّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنّهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ. فَأَتَتْ بَابَهُ. فَلَمْ تَجِدْ عَلَىَ بَابِهِ بَوّابِينَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: "إِنّمَا الصّبْرُ عِنْدَ أَوّلِ صَدْمَةٍ" أَوْ قَالَ: "عِنْدَ أَوّلِ الصّدْمَةِ".
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. ح وَحَدّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمْدِ. قَالُوا جَمِيعاً: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، بِقِصّتِهِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الصّمَدِ: مَرّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الصبر عند الصدمة الأولى". وفي الرواية الأخرى: (إنما الصبر) معناه الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه، وأصل الصدم الضرب في شيء صلب، ثم استعمل مجازاً في كل مكروه حصل بغتة. قوله: "أتى على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها: اتقي الله واصبري" فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كل أحد. قولها: "وما تبالي بمصيبتي" ثم قالت في آخره: لم أعرفك. فيه إِلاعتذار إلى أهل الفضل إذا أساء الإنسان أدبه معهم، وفيه صحة قول الإنسان ما أبالي بكذا، والرد على من زعم أنه لا يجوز إثبات الباء إنما يقال ما باليت كذا وهذا غلط بل الصواب جواز إثبات الباء وحذفها وقد كثر ذلك في الأحاديث. قوله: "فلم تجد على بابه بوابين" فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع، وأنه ينبغي للإمام والقاضي إذا لم يحتج إلى بواب أن لا يتخذه وهكذا قال أصحابنا.
*2* باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنْ ابْنِ بِشْرٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَنّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَىَ عُمَرَ. فَقَالَ: مَهْلاً يَا بُنَيّةُ أَلَمْ تَعْلَمِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الْمَيّتَ يُعَذّبُ بِبُكَاءِ أَهلِهِ عَلَيْهِ؟".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ"الْمَيّتُ يُعَذّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ "الْمَيّتُ يُعَذّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ".
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمّا طُعِنَ عُمَرُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ. فَصِيحَ عَلَيْهِ. فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ: أَمَا عَلِمْتُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الْمَيّتَ لَيُعَذّبُ بِبُكَاءِ الْحَيّ"؟.
حدّثني عَلَيّ بْنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمّا أُصِيبَ عُمَرُ، جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَمَا عَلِمْتَ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الْمَيّتَ لَيُعَذّبُ بِبُكَاءِ الْحَيّ"؟.
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ أَبُو يَحْيَىَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَىَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: لَمّا أُصِيبَ عُمَرُ أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مِنْ مَنْزِلِهِ. حَتّىَ دَخَلَ عَلَىَ عُمَرَ. فَقَامَ بِحِيَالِهِ يَبْكِي. فَقَالَ عُمَرُ: عَلاَمَ تَبْكِي؟ أَعَلَيّ تَبْكِي؟ قَالَ: إِي. وَاللّهِ لَعَلَيْكَ أَبْكِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: وَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ يُبْكَىَ عَلَيْهِ يُعَذّبُ".
قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ. فَقَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنّمَا كَانَ أُولَئِكَ الْيَهُودَ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، لَمّا طُعِنَ، عَوّلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ. فَقَالَ: يَا حَفْصَةُ أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْمُعَوّلُ عَلَيْهِ يُعَذّبُ؟" وَعَوّلَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَمَا عَلِمْتَ "أَنّ الْمُعَوّلَ عَلَيْهِ يُعَذّبُ"؟.
حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ: كُنْتُ جَالِساً إِلَىَ جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ. وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جَنَازَةَ أُمّ أَبَانٍ بِنْتِ عُثْمَانَ. وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ. فَجَاءَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدٌ. فَأُرَاهُ أَخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عُمَرَ. فَجَاءَ حَتّىَ جَلَسَ إِلَىَ جَنْبِي. فَكُنْتُ بَيْنَهُمَا. فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدّارِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ (كَأَنّهُ يَعْرِضُ عَلَىَ عَمْرٍو أَنْ يَقُومَ فَيَنْهَاهُمْ): سمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنّ الْمَيّتَ لَيُعَذّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ" قَالَ: فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ اللّهِ مُرْسَلَةً.
فقالَ ابْنُ عبّاسٍ كُنّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ حَتّىَ إِذَا كُنّا بِالْبَيْدَاءِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ نَازِلٍ فِي شَجَرَةٍ. فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَاعْلَمْ لِي مَنْ ذَاكَ الرّجُلُ. فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: إِنّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَعْلَمَ لَكَ مَنْ ذَاكَ. وَإِنّهُ صُهَيْبٌ. قَالَ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا. فَقُلْتُ: إِنّ مَعَهُ أَهْلَهُ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ (وَرُبّمَا قَالَ أَيّوبُ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا). فَلَمّا قَدِمْنَا لَمْ يَلْبَثْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أُصِيبَ. فَجَاءَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهْ وَاصَاحِبَاهْ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ تَعْلَمْ، أَوْ لَمْ تَسْمَعْ (قَالَ أَيّوبُ: أَوْ قَالَ: أَوَ لَمْ تَعْلَمْ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ) أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الْمَيّتَ لَيُعَذّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ".
قَالَ: فَأَمّا عَبْدُ اللّهِ فَأَرْسَلَهَا مُرْسَلَةً. وَأَمّا رج عُمَرُ فَقَالَ: بِبَعْضِ.
فَقُمْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَحَدّثْتُهَا بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَتْ: لاَ. وَاللّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَطّ: "إِنّ الْمَيّتَ يُعَذّبُ بِبِكُاءِ أَحدٍ". وَلَكِنّهُ قَالَ: "إِنّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللّهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَاباً. وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىَ. {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ}".
قَالَ أَيّوبُ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: حَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمّدٍ قَالَ: لَمّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَتْ: إِنّكُمْ لَتُحَدّثُونّي عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلاَ مُكَذّبَيْنِ. وَلَكِنّ السّمْعَ يُخْطِئُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنّي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ: تُوُفّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ بِمَكّةَ. قَالَ فَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا. قَالَ: فَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبّاسٍ. قَالَ: وَإِنّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا. قَالَ: جَلَسْتُ إِلَىَ أَحَدِهِمَا ثُمّ جَاءَ الاَخَرُ فَجَلَسَ إِلَىَ جَنْبِي. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ مُوَاجِهُهُ: أَلا تَنْهَىَ عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الْمَيّتَ لَيُعَذّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ".
فقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قَدْ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ. ثُمّ حَدّثَ فَقَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ مِنْ مَكّةَ حَتّىَ إِذَا كُنّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلّ شَجَرَةٍ. فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاَءِ الرّكْبُ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ. قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: ادْعُهُ لِي. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَىَ صُهَيْبٍ. فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمّا أَنْ أُصِيبَ عُمَرُ، دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَاأَخَاهْ وَاصَاحِبَاهْ فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيّ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ الْمَيّتَ يُعَذّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ".
فقالَ ابنُ عبّاسٍ: فَلَمّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ. فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللّهُ عُمَرَ. لا وَاللّهِ مَا حَدّثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ اللّهَ يُعَذّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ" وَلَكِنْ قَالَ "إِنّ اللّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَاباً بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ} (فاطر الاَية: ). قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَىَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَوَاللّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ شَيْءٍ.
وحدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ عَمْرٌو عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: كُنّا فِي جَنَازَةِ أُمّ أَبَانٍ بِنْتِ عُثْمَانَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَنُصّ رَفْعَ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كَمَا نَصّهُ أَيّوبُ وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَحَدِيثُهُمَا أَتَمّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ أَنّ سَالِماً حَدّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنّ الْمَيّتَ يُعَذّبُ بِبُكَاءٍ الْحَيّ".
وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادٍ. قَالَ خَلَفٌ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: الْمَيّتُ يُعَذّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ: رَحِمَ اللّهُ أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ. سَمِعَ شَيْئاً فَلَمْ يَحْفْظَه. إِنّمَا مَرّتْ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جِنَازَةُ يَهُودِيَ. وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ. فَقَالَ "أَنْتُمْ تَبْكُونَ. وَإِنّهُ لَيُعَذّبُ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنّ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْمَيّتَ يُعَذّبُ فِي قَبْرِهِ بِبِكُاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". فَقَالَتْ: وَهِلَ. إِنّما قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّهُ لَيُعَذّبُ بِخَطِيئَتِهِ أَوْ بِذَنْبِهِ. وَإِنّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الاَنَ". وَذَاكَ مِثْلُ قوله: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَىَ الْقَلِيبِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَفِيهِ قَتْلَىَ بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ "إِنّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ" وَقَدْ وَهِلَ. إِنّمَا قَالَ: "إِنّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقّ" ثُمّ قَرَأَتْ: {إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ} (النمل الاَية: ). {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (فاطر الاَية: ). يَقُولُ: حِينَ تَبَوّؤُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النّارِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَحَدِيثُ أَبِي أُسَامَةَ أَتَمّ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيما قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ، وَذُكِرَ لَهَا أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنّ الْمَيّتَ لَيُعَذّبُ بِبُكَاءِ الْحَيّ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللّهُ لاِءَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ. أَمَا إِنّهُ لَمْ يَكْذِبْ. وَلَكِنّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ. إِنّمَا مَرّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ يَهُودِيّةٍ يُبْكَىَ عَلَيْهَا. فَقَالَ "إِنّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا. وَإِنّهَا لَتُعَذّبُ فِي قَبْرِهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطّائِيّ وَ مُحَمّدِ ابْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَلِيّ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ: أَوّلُ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنّهُ يُعَذّبُ، بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسْدِيّ عَنْ عَلِيّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسْدِيّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَرْوَان (يَعْنِي الْفَزَارِيّ). حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطّائِيّ عَنْ عَلِيّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه". وفي رواية: "ببعض بكاء أهله عليه". وفي رواية: "ببكاء الحي". وفي رواية: "يعذب في قبره بما نيح عليه". وفي رواية: "من يبك عليه يعذب" وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما، وأنكرت عائشة ونسبتها إلى النسيان والاشتباه عليهما، وأنكرت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، واحتجت بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} قالت: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يهودية أنها تعذب وهم يبكون عليها يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها لا بسبب البكاء. واختلف العلماء في هذه الأحاديث فتأولها الجمهور على من وصى بأن يبكي عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه. قالوا: فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} قالوا: وكان من عادة العرب الوصية بذلك، ومنه قول طرفة بن العبد:
إذا مت فانعيني بما أنا أهلهوشقي علي الجيب يا ابنة معبد
قالوا: فخرج الحديث مطلقاً حملاً على ما كان معتاداً لهم. وقالت طائفة: هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوص بتركهما، فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما، فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه، وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما ومن أهملهما عذب بهما. وقالت طائفة: معنى الأحاديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم، وتلك الشمائل قبائح في الشرع يعذب بها، كما كانوا يقولون: يا مؤيد النسوان ومؤتم الولدان ومخرب العمران ومفرق الأخدان، ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخراً وهو حرام شرعاً. وقالت طائفة: معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم، وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره. وقال القاضي عياض: وهو أولى الأقوال، واحتجوا بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال: إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم. وقالت عائشة رضي الله عنها: معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم، والصحيح من هذه الأقوال ما قدمناه عن الجمهور وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم، على أن المراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث محمد بن بشار: "يعذب في قبره بما نيح عليه" وما نيح عليه بإثبات الباء وحذفها وهما صحيحان، وفي رواية بإثبات في قبره، وفي رواية بحذفه. قوله: "فقام بحايله يبكي" أي حذاءه وعنده. قوله صلى الله عليه وسلم: "من يبكي عليه يعذب" هكذا هو في الأصول يبكي بالياء وهو صحيح ويكون من بمعنى الذي، ويجوز على لغة أن تكون شرطية وتثبيت الياء، ومنه قول الشاعر:
م يأتيك والأنباء تنمى
قوله: (فذكرت ذلك لموسى بن طلحة) القائل فذكرت ذلك هو عبد الملك بن عمير. قوله: "عولت عليه حفصة فقال: يا حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المعول عليه يعذب" قال محققوا أهل اللغة: يقال عول عليه وأعول لغتان وهو البكاء بصوت، وقال بعضهم: لا يقال إلا أعول، وهذا الحديث يرد عليه.
قوله: "عن ابن أبي مليكة كنت جالساً إلى جنب ابن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان ابنة عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء ابن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما" فيه دليل لجواز الجلوس والاجتماع لانتظاره الجنازة واستحبابه، وأما جلوسه بين ابن عمر وابن عباس وهما أفضل بالصحبة والعلم والفضل والصلاح والنسب والسن وغير ذلك، مع أن الأدب أن المفضول لا يجلس بين الفاضلين إلا لعذر فمحمول على عذر، إما لأن ذلك الموضع أرفق بابن عباس وإما لغير ذلك. قوله: "عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببكاء أهله فأرسلها عبد الله مرسلة" معناه أن ابن عمر أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحي ولم يقيده بيهودي كما قيدته عائشة ولا بوصية كما قيده آخرون، ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبوه عمر.
قوله: "عن عائشة فقالت: لا والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد" في هذه جواز الحلف بغلبة الظن بقرائن وإن لم يقطع الإنسان وهذا مذهبنا، ومن هذا قالوا له الحلف بدين رآه بخط أبيه الميت على فلان إذا ظنه، فإن قيل: فلعل عائشة لم تحلف على ظن بل على علم وتكون سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أجزاء حياته. قلنا: هذا بعيد من وجهين: أحدهما أن عمر وابن عمر سمعاه صلى الله عليه وسلم يقول فيعذب ببكاء أهله. والثاني: لو كان كذلك لاحتجت به عائشة وقالت سمعته في آخر حياته صلى الله عليه وسلم ولم تحتج به إنما احتجت بالاَية والله أعلم.
قولها: (وهل) هو بفتح الواو وكسر الهاء وفتحها أي غلط ونسي، وأما قولها في إنكارها سماع الموتى فسيأتي بسط الكلام فيه في آخر الكتاب حيث ذكر مسلم أحاديثه
*2* باب التشديد في النياحة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. ح وَحَدّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا حَبّانُ بْنُ هِلاَلٍ. حَدّثَنَا أَبَانٌ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ أَنّ زَيْداً حَدّثَهُ أَنّ أَبَا سَلاّمٍ حَدّثَهُ أَنّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيّ حَدّثَهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَرْبَعٌ فِي أُمّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ لا يَتْرُكُونَهُنّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنّجُومِ، وَالنّيَاحَةُ". وَقَالَ: "النّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَب".
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ أَنّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمّا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَتْلُ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ. قَالَتْ: وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ (شَقّ الْبَابِ) فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ. وَذَكَرَ بُكَاءَهُنّ. فَأَمَرَهُ أن وَأَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنّ. فَذَهَبَ. فَأَتَاهُ فَذَكَرَ أَنّهُنّ لَمْ يُطِعْنَهُ. فَأَمَرَهُ الثّانِيَةَ أَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنّ. فَذَهَبَ. ثُمّ أَتَاهُ فَقَالَ: وَاللّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَتْ فَزَعَمَتْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اذْهَبْ فَاحْثِ فِي أَفْوَاهِهِنّ مِنَ التّرَابِ" قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللّهُ أَنْفَكَ. وَاللّهِ مَا تَفْعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَنَاءِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْب عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. ح وَحَدّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ عَبْد الْعَزِيزِ: وَمَا تَرَكْتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعِيّ.
حدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَيْعَةِ، أَلاّ نَنُوحَ. فَمَا وَفَتْ مِنّا امْرَأَةٌ. إِلاّ خَمْسٌ: أُمّ سُلَيْمٍ، وَأُمّ الْعَلاَءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ. قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَيْعَةِ، أَلاّ تَنُحْنَ. فَمَا وَفَتْ مِنّا غَيْرُ خَمْسٍ. مِنْهُنّ أُمّ سُلَيْمٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعَاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَازِمٍ. حَدّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ. قَالَتْ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {يُبَايِعْنَكَ عَلَىَ أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (الممتحنة الاَية: ) قَالَتْ: كَانَ مِنْهُ النّيَاحَةُ. قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِلاّ آلَ فُلاَنٍ. فَإِنّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَلاَ بُدّ مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِلاّ آلَ فُلاَنٍ".
قوله: "والاستسقاء بالنجوم" قد سبق بيانه في كتاب الإيمان في حديثه مطرنا بنوء كذا. قوله صلى الله عليه وسلم: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها" إلى آخره فيه دليل على تحريم النياحة وهو مجمع عليه، وفيه صحة التوبة ما لم يمت المكلف ولم يصل إلى الغرغرة.
قولها: "أنظر من صائر الباب شق الباب" هكذا هو في روايات البخاري ومسلم صائر الباب شق الباب، وشق الباب تفسير للصائر وهو بفتح الشين، وقال بعضهم: لا يقال صائر وإنما يقال صير بكسر الصاد وإسكان الياء. قوله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاحث في أفواههن من التراب" هو بضم الثاء وكسرها يقال: حثا يحثو وحثى يحثي لغتان، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك مبالغة في إنكار البكاء عليهم ومنعهن منه، ثم تأوله بعضهم على أنه كان بكاء بنوح وصياح ولهذا تأكد النهي، ولو كان مجرد مع العين لم ينه عنه لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وأخبر أنه ليس بحرام وأنه رحمة، وتأوله بعضهم على أنه كان بكاء من غير نياحة ولا صوت، وقال: ويبعد أن الصحابيات يتمادين بعد تكرار نهيهن على محرم وإنما كان بكاء مجرداً، والنهي عنه تنزيه وأدب لا للتحريم فلهذا أصررن عليه متأولات. قوله: "أرغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء" معناه أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك وتقصيرك، ولا تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء والعناء بالمد المشقة والتعب، وقولهم: أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب وهو إشارة إلى إذلاله وإهانته. قوله: "وفي حديث عبد العزيز وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العي)" هكذا هو معظم نسخ بلادنا هنا العي بكسر العين المهملة أي التعب، وهو بمعنى العناء السابق في الرواية الأولى. قال القاضي: ووقع عند بعضهم الغي بالمعجمة وهو تصحيف، قال: ووقع عند أكثرهم العناء بالمد وهو الذي نسبه إلى الأكثرين خلاف سياق مسلم لأن مسلماً روى الأول العناء ثم روى الرواية الثانية وقال: إنها بنحو الأولى إلا في هذا اللفظ فيتعين أن يكون خلافه.
قولها: "أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة أن لا ننوح" وفي الرواية الأخرى: (في البيعة) فيه تحريم النوح وعظيم قبحه وإِلاهتمام بإنكاره والزجر عنه لأنه مهيج للحزن ورافع للصبر. وفيه مخالفة التسليم للقضاء والإذعان لأمر الله تعالى. قولها: (فما وفت منا امرأة إلا خمس) قال القاضي معناه لم يف ممن بايع مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه من النسوة إلا خمس لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمس.
قوله: (عن أم عطية) حين نهين عن النياحة (فقلت يا رسول الله إلا آل فلان) هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر، ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح في الحديث، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء، فهذا صواب الحكم في هذا الحديث، واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالاً عجيبة، ومقصودي التحذير من الاغترار بها، حتى أن بعض المالكية قال: النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصة نساء جعفر، قال: وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية، والصواب ما ذكرناه أولاً وأن النياحة حرام مطلقاً وهو مذهب العلماء كافة، وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره والله أعلم.
*2* باب نهي النساء عن اتباع الجنائز
*حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. أَخْبَرَنَا أَيّوبُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ: قَالَتْ اُمّ عَطِيّةَ: كُنّا نُنْهَىَ عَنِ اتّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَم يُعَزَمْ عَلَيْنَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شِيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو اُسَامَةَ. ح وحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ. قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتّباعِ الْجَنَائِزِ وَلمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا.
قوله: (عن أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز ولا يعزم علينا) معناه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك نهي كراهة تنزيه لا نهي عزيمة تحريم، ومذهب أصحابنا أنه مكروه ليس بحرام لهذا الحديث، قال القاضي: قال جمهور العلماء بمنعهن من اتباعها، وأجازه علماء المدينة، وأجازه مالك وكرهه للشابة
*2* باب في غسل الميت
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ . قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ. فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثُلاثَاً، أَوْ خَمْساً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَاجْعَلْنَ فِي الاَخِرَةِ كَافُوراً، أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنّ فآذِنّنِي" فَلَمّا فَرَغْنَا آذَنّاهُ. فَأَلْقَىَ إلَيْنَا حِقْوَهُ. فَقَال: "أَشْعِرْنَهَا إيّاهُ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِين، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرينَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ . قَالَتْ: مَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ.
وحدّثنا قتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بْنِ أنسٍ. ح وحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ قْتَيْبَةُ بْنُ سَعيدٍ. قالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ.ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عَلَيّةَ. كُلّهُمْ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ . قَالَتْ: تُوُفّيَتْ إِحْدَىَ بَنَات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وفِي حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ قَالَتْ: أَتَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ. وَفِي حَدِيثِ مَال قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ لله صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفّيَتِ ابْنَتُهُ. بِمِثْلِ حَديِثِ يَزِيدَ بَنْ زُرَيْعٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ، بِنَحْوِه. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "ثَلاثَاً أَوْ خَمْسَاً أَوْ سَبْعَاً. أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنّ ذَلِكَ". فَقَالَتْ حَفْصَةُ عَنْ اُمّ عَطِيّةَ. وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلاثَةَ قُرُون.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. وَأَخْبَرَنَا أَيّوب. قَالَ: وَقَالتْ حَفُصَةُ: عَنْ اُمّ عَطِيّةَ، قَالَتِ: اغْسِلْنَها وَتْراً. ثَلاَثاً أَوْ خُمْساً أَوْ سَبْعاً. قَال: وَقَالَتْ اُمّ عَطِيّةَ: مَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ.
حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌ النّاقِدُ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ عَمْرٌو. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ قَالَتْ لَمّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلْنَهَا وِتْراً. ثَلاَثَا أَوْ خَمْساً. وَاجْعَلنَ فِي الخَامِسَةِ كَافُوراً. أَو شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ. فَإِذَا غَسَلْتُنّهَا فَاعْلِمْنَنِي" قَالَتْ: فَأَعْلَمْنَاهُ. فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ وَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيّاهُ"
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هرُونَ. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ . قَالَتْ: أَتَانَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ إحْدَىَ بَنَاتِهِ. فَقَالَ "اغْسِلْنَهَا وِتْراً. خَمْساً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ" بِنَحْوِ حَدِيثَ أَيّوبَ وَعَاصِمٍ. وَقَالَ فِي الْحَديِثِ: قَالَتْ: فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلاثَةَ أَثْلاَثٍ. قَرْنَيْها وَنَاصِيَتَهَا.
وحدّثنا يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ أَنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، حَيْثُ أَمرَهَا أَنْ تَغْسِلَ ابْنَتَهُ قَالَ لَهَا: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا ومَوَاضِعِ الُوضَوءِ مِنْهَا".
حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُلّيّةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ اُمّ عَطِيّةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُنّ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ "ابْدَأَنَ بِمَيَامِنَهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك". وفي رواية: "ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك" وفي رواية: "اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً"وفي رواية: (اغسلنها وتراً خمساً أو أكثر). هذه الروايات متفقة في المعنى وإن اختلفت ألفاظها، والمراد اغسلنها وتراً وليكن ثلاثاً، فإن احتجتن إلى زيادة عليها للانقاء فليكن خمساً، فإن احتجتن إلى زيادة الانقاء فليكن سبعاً وهكذا أبداً. وحاصله أن الإيتار مأمور به والثلاث مأمور بها ندباً، فإن حصل الإنقاء بثلاث لم تشرع الرابعة وإلا زيد حتى يحصل الإنقاء ويندب كونها وتراً، وأصل غسل الميت فرض كفاية وكذا حمله وكفنه والصلاة عليه ودفنه كلها فروض كفاية، والواجب في الغسل مرة واحدة عامة للبدن، هذا مختصر الكلام فيه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن رأيتن ذلك" بكسر الكاف خطاب لأم عطية ومعناه إن احتجن وليس معناه التخيير وتفويض ذلك إلى شهوتهن، وكانت أم عطية غاسلة للميتات وكانت من فاضلات الصحابيات الضارية واسمها نسيبة بضم النون وقيل بفتحها، وأما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه التي غسلتها فهي زينب رضي الله عنها هكذا قاله الجمهور، قال القاضي عياض: وقال بعض أهل السير إنها أم كلثوم، والصواب زينب كما صرح به مسلم في روايته التي بعد هذه. قوله صلى الله عليه وسلم: "بماء وسدر" فيه دليل على استحباب السدر في غسل الميت وهو متفق على استحبابه ويكون في المرة الواجبة وقيل يجوز فيهما. قوله صلى الله عليه وسلم: "واجعلن في الاَخرة كافوراً أو شيئاً من كافور" فيه استحباب شيء من الكافور في الاَخرة وهو متفق عليه عندنا وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة: لا يستحب وحجة الجمهور هذا الحديث ولأنه يطيب الميت ويصلب بدنه ويبرده ويمنع إسراع فساده أو يتضمن إكرامه. قولها: (فألقى إلينا حقوه فقال أشعرنها إياه) هو بكسر الحاء وفتحها لغتان يعني إزاره، وأصل الحقو معقد الإزار وجمعه أحق وحقى وسمي به الإزار مجازاً لأنه يشد فيه، ومعنى أشعرنها إياه اجعلنه شعاراً لها وهو الثوب الذي يلي الجسد سمي شعاراً لأنه يلي شعر الجسد والحكمة في إشعارها به تبريكها به، ففيه التبرك بآثار الصالحين ولباسهم، وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل. قولها: (فمشطناها ثلاثة قرون) أي ثلاث ضفائر جعلنا قرنيها ضفيرتين وناصيتها ضفيرة كما جاء مبيناً في غير هذه الرواية ومشطناها بتخفيف الشين. فيه استحباب مشط رأس الميت وضفره، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال الأوزاعي والكوفيون: "لا يستحب المشط ولا الضفر بل يرسل الشعر على جانبيها مفرقاً" وذليلنا عليه الحديث، والظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واستئذانه فيه كما في باقي صفة غسلها. قوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" فيه استحباب تقديم الميامن في غسل الميت وسائر الطهارات، ويلحق بها أنواع الفضائل، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة في الصحيح مشهورة، وفيه استحباب وضوء الميت وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يستحب ويكون الوضوء عندنا في أول الغسل كما في وضوء الجنب، وفي حديث أم عطية هذا دليل لأصح الوجهين عندنا أن النساء أحق بغسل الميتة من زوجها وقد تمنع دلالته حتى يتحقق أن زوج زينب كان حاضراً في وقت وفاتها لا مانع له من غسلها وأنه لم يفوض الأمر إلى النسوة، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن له غسل زوجته، وقال الشعبي والثوري وأبو حنيفة: لا يجوز له غسلها وأجمعوا أن لها غسل زوجها، واستدل بعضهم بهذا الحديث على أنه لا يجب الغسل على من غسل ميتاً، ووجه الدلالة أنه موضع تعليم فلو وجب لعلمه، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يجب الغسل من غسل الميت لكن يستحب، قال الخطابي: لا أعلم أحداً قال بوجوبه، وأوجب أحمد وإسحاق الوضوء منه والجمهور على استحبابه، ولنا وجه شاذ أنه واجب وليس بشيء، والحديث المروي فيه من رواية أبي هريرة: "من غسل ميتاً فليغتسل ومن مسه فليتوضأ" ضعيف بالاتفاق
*2* باب في كفن الميت
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَى التّمِيميّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبّابِ بْنِ الأَرَتّ. قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللهِ. نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ. فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ. فَمِنّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بَنْ عُمَيَرٍ. قُتِلَ يَوْمَ اُحُدٍ. فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيءٌ يُكَفّنُ فِيه إِلاّ نَمِرَةٌ. فَكُنّا، إِذَا وَضعْنَاهَا عَلَى رَأَسِهِ، خَرَجَتْ رِجْلاَهُ. وإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَىَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَ رَأْسُهُ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "ضَعُوهَا مِمّا يَلِي رَأْسَهُ. وَاجْعَلُوا عَلَىَ رِجْلَيْهِ الإذْخِرَ" وَمِنّا أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا.
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَة. حَدّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثُ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ج وَحَدّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحُوَهُ.
حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ: كُفّنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيّةٍ، مِنْ كُرْسُفٍ. لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. أَمّا الْحُلّةُ فَإِنّمَا شُبّهَ عَلَى النّاسِ فِيهَا، أَنّهَا اشْتُرِيْتَ لَهُ لِيُكَفّنَ فِيهَا. فَتُرِكَتِ الْحُلّةُ. وَكُفّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيّةٍ. فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ. فَقَالَ: لاََحْبِسَنّهَا حَتّى اُكَفّنَ فِيهَا نَفْسِي. ثُمّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللهُ عَزّ وَجَلّ لِنَبِيّهِ لَكَفّنَهُ فِيهَا، فَبَاعَهَا وَتَصَدّقَ بِثَمَنِهَا.
وحدّثني عَليّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهَرٍ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ: اُدْرِجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حُلّةٍ يَمَنِيّةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. ثُمّ نَزِعَتْ عَنْهُ، وَكُفّن فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولٍ يَمَانِيّةٍ. لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ وَلاَ قَميِصٌ. فَرَفَعَ عَبْدُ اللهِ الْحُلّةَ فَقَالَ: اُكَفّنُ فِيهَا. ثُمّ قَالَ: لَمْ يُكَفّنْ فِيهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَاُكَفّنُ فِيهَا! فَتَصَدّقَ بِهَا.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَ ابْنُ إِدْرِيسَ وَ عَبْدَةُ وَ وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ . بهَذَا الإسْنَادِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ قِصّةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
وحدّثني ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ لَهَا: فِي كَمْ كُفّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيّةٍ.
قوله:(فوجب أجرنا على الله) معناه وجوب إنجاز وعد بالشرع لا وجوب بالعقل كما تزعمه المعتزلة، وهو نحو ما في الحديث: "حق العباد على الله" وقد سبق شرحه في كتاب الإيمان. قوله: (فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً) معناه لم يوسع عليه الدنيا ولم يعجل له شيء من جزاء عمله. قوله: (فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة) هي كساء وفيه دليل على أن الكفن من رأس المال وأنه مقدم على الديون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفينه في نمرته ولم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا، ولا يبعد من حال من لا يكون عنده إلا نمرة أن يكون عليه دين، واستثنى أصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال فيقدم على الكفن، وذلك كالعبد الجاني والمرهون والمال الذي تعلقت به زكاة أو حق بائعه بالرجوع بإفلاس ونحو ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الأذخر" هو بكسر الهمزة والخاء وهو حشي 5 معروف طيب الرائحة، وفيه دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس وجعل النقص مما يلي الرجلين ويستر الرأس، فإن ضاق عن ذلك سترت العورة فإن فضل شيء جعل فوقها، فإن ضاق عن العورة سترت السوأتان لأنهما أهم وهما الأصل في العورة، وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط، ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن، فإن قيل: لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله لم يوجد له غيرها، فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملك الميت إلا نمرة، ولو كان ستر جميع البدن واجباً لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته، فإن كان وجب عليه فإن قيل كانوا عاجزين عن ذلك لأن القضية جرت يوم أحد، وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو وغير ذلك، فجوابه أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من توب ونحوها والله أعلم. قوله: (منا من أينعت له ثمرته) أي أدركت ونضجت. قوله: (فهو يهدبها) هو بفتح أوله وبضم الدال وكسرها أي يجتنيها، يقال ينع الثمر وأينع ينعاً وينوعاً فهو يانع، وهدبها يهدبها إذا جناها، وهذا استعارة لما فتح عليهم من الدنيا.
قولها: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) السحولية بفتح السين وضمها والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين، قال ابن الأعرابي وغيره: هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن، وقال ابن قتيبة: ثياب بيض ولم يخصها بالقطن، وقال آخرون: هي منسوبة إلى سحول قرية باليمن تعمل فيها، وقال الأزهري: السحولية بالفتح منسوبة إلى سحول مدينة باليمن يحمل منها هذه الثياب وبالضم ثياب بيض، وقيل إن القرية أيضاً بالضم حكاه ابن الأثير في النهاية في هذا الحديث وحديث مصعب بن عمير السابق وغيرهما وجوب تكفين الميت وهو إجماع المسلمين ويجب في ماله، فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته، فإن لم يكن ففي بيت المال، فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الإمام على أهل اليسار وعلى ما يراه، وفيه أن السنة في الكفن ثلاثة أثواب للرجل وهو مذهبنا ومذهب الجماهير، والواجب ثوب واحد كما سبق، والمستحب في المرأة خمسة أثواب، ويجوز أن يكفن الرجل في خمسة لكن المستحب أن لا يتجاوز الثلاثة، وأما الزيادة على خمسة فإسراف في حق الرجل والمرأة. قولها: (بيض) دليل لاستحباب التكفين في الأبيض وهو مجمع عليه، وفي الحديث الصحيح في الثياب البيض: "وكفنوا فيها موتاكم" ويكره المصبغات ونحوها من ثياب الزينة، وأما الحرير فقال أصحابنا يحرم تكفين الرجل فيه، ويجوز تكفين المرأة مع الكراهة، وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقاً، قال ابن المنذر: ولا أحفظ خلافه. وقولها: ليس فيها قميص ولا عمامة معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر، هكذا فسره الشافعي وجمهور العلماء وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث، قالوا: ويستحب أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة، وقال مالك وأبو حنيفة: يستحب قميص وعمامة، وتأولوا الحديث على أن معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة وإنما هما زائدان عليهما وهذا ضعيف فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كفن في قميص وعمامة، وهذا الحديث يتضمن أن القميص الذي غسل فيه النبي صلى الله عليه وسلم نزع عنه عند تكفينه وهذا هو الصواب الذي لا يتجه غيره لأنه لو بقي مع رطوبته لأفسد الأكفان، وأما الحديث الذي في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب الحلة ثوبان وقميصه الذي توفي فيه فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقاة. قوله: (من كرسف) هو القطن وفيه دليل على استحباب كفن القطن.
قولها: (أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها) هو بضم الشين وكسر الباء المشددة ومعناه اشتبه عليهم، قال أهل اللغة: ولا تكون الحلة إلا ثوبين إزاراً ورداء. قولها: (حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر) ضبطت هذه اللفظة في مسلم على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في النسخ، أحدها يمنية بفتح أوله منسوبة إلى اليمن. والثاني يمانية منسوبة إلى اليمن أيضاً. والثالث يمنة بضم الياء وإسكان الميم وهو أشهر. قال القاضي وغيره: وهي على هذا مضافة حلة يمنة، قال الخليل: هي ضرب من برود اليمن. قولها: (وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية) هكذا هو في جميع الأصول سحول، أما يمانية فبتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة في تشديدها، ووجه الأول أن الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية أو يمانية بالتخفيف. وأما قوله سحول فبضم السين وفتحها والضم أشهر، والسحول بضم السين جمع سحل وهو ثوب القطن.
*2* باب تسجية الميت
*وحدّثنا زُهْيَرُ بْنُ حَرْبٍ وَ حَسَنٌ الْحُلْوَانِي وَ عَبْدُ بْنُ حُميْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شَهَابِ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَائِشَةَ اُمّ الْمُؤْمِنينَ قَالَتْ: سُجّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ.
وحدّثناه إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاق. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيّ ، بِهَذَا الإسْنَادِ، سَوَاءٍ.
قولها: (سجي رسول الله حين مات بثوب حبرة) معناه غطي جميع بدنه والحبرة بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة وهي ضرب من برود اليمن، وفيه استحباب تسجية الميت وهو مجمع عليه وحكمته صيانته من الإنكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين، قال أصحابنا: ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الاَخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه، قالوا: تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها
*2* باب في تحسين كفن الميت
*حَدّثَنَا هرُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدّثُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْماً فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ قَبِضَ فَكُفّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ. وَقُبِرَ لَيْلاً. فَزَجَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْبَرَ الرّجُلُ بِاللّيْلِ حَتّىَ يُصَلّي عَلَيْهِ. إلاّ أَنْ يُضْطَرّ إنْسَانٌ إلَىَ ذَلِكَ. وَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَفّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسّنْ كَفَنَهُ".
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلاً، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) قوله: غير طائل أي حقير غير كامل الستر. وقوله صلى الله عليه وسلم: حتى يصلى عليه هو بفتح اللام، وأما النهي عن القبر ليلاً حتى يصلى عليه فقيل سببه أن الدفن نهاراً يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد، وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره، قال القاضي: العلتان صحيحتان، قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معاً، قال: وقد قيل هذا. قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" دليل أنه لا بأس به في وقت الضرورة. وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل له به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلاً من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلاً وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا: توفي ليلاً فدفناه في الليل، فقال: ألا آذنتموني؟ قالوا: كانت ظلمة ولم ينكر عليهم. وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما نهى لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق. وأما الدفن في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها والصلاة على الميت فيها فاختلف العلماء فيها فقال الشافعي وأصحابه: لا يكرهان إلا أن يتعمد التأخير إلى ذلك الوقت لغير سبب به. قال ابن عبد الحكم المالكي: وقال مالك لا يصلى عليها بعد الإسفار والإصفرار حتى تطلع الشمس أو تغيب إلا أن يخشى عليها. وقال أبو حنيفة: عند الطلوع والغروب ونصف النهار، وكره الليث الصلاة عليها في جميع أوقات النهي. وفي الحديث الأمر بإحسان الكفن. قال العلماء: وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته وإنما المراد نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه وكونه من جنس لباسه في الحياة غالباً لا أفخر منه ولا أحقر.
وقوله: (فليحسن كفنه) ضبطوه بوجهين فتح الفاء وإسكانها وكلاهما صحيح قال القاضي: والفتح أصوب وأظهر وأقرب إلى لفظ الحديث
*2* باب الإسراع بالجنازة
*حَدّثَنَا أَبْو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عْيَيْنَة عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَسْرعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحةً فَخَيْرٌ. (لَعَلّهُ قَالَ) تُقَدّمُونَها عَلَيْهِ. وَإنْ تَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابكُمْ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافَعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاق. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أبِي حَفْصَةَ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، غَيْرَ أَنّ فِي حَديثِ مَعْمَرٍ قَالَ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلاّ رَفَعَ الْحَدِيثَ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (قَالَ هَرُونِ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابِ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو اُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ للهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ. فَإنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرّبْتُمُوهَا إِلَى الْخَيْرِ. وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ شَرّاً تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "أسرعوا بالجنازة" فيه الأمر بالإسراع للحكمة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم. قال أصحابنا وغيرهم: يستحب الإسراع بالمشي بها ما لم ينته إلى حد يخاف انفجارها ونحوه، وإنما يستحب بشرط أن لا يخاف من شد به انفجارها أو نحوه وحمل الجنازة فرض كفاية، قال أصحابنا: ولا يجوز حملها على الهيئة المزرية، ولا هيئة يخاف معها سقوطها، قالوا: ولا يحملها إلا الرجال وإن كانت الميتة امرأة لأنهم أقوى لذلك والنساء ضعيفات، وربما انكشف من الحامل بعض بدنه، وهذا الذي ذكرناه من استحباب الإسراع بالمشي بها، وأنه مراد الحديث هو الصواب الذي عليه جماهير العلماء، ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد الإسراع بتجهيرها إذا استحق موتها، وهذا قول باطل مردود بقوله صلى الله عليه وسلم: "فشر تضعونه عن رقابكم" وجاء عن بعض السلف كراهة الإسراع، وهو محمول على الإسراع المفرط الذي يخاف معه انفجارها أو خروج شيء منها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فشر تضعونه عن رقابكم" معناه أنها بعيدة من الرحمة فلا مصلحة لكم في مصاحبتها، ويؤخذ منه ترك صحية أهل الباطلة غير الصالحين
*2* باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (وَاللّفْظُ لِهَرُونَ وَحَرْمَلَةَ) (قَالَ هَرُونِ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابِ. قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتّى يُصَلّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ. وَمَنْ شَهِدَهَا حَتّى تُدَفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ" وَمَا الْقِيرَطَانِ؟ قَالَ: "مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ".
انْتَهَىَ حَدِيثُ أَبِي الطّاهِرِ. وَزَادَ الاَخَرَانِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلّي عَلَيْهَا ثُمّ يَنْصَرِفُ فَلَمّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقَدْ ضَيّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً.
حَدّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدِ الأَعْلَىَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. كِلاَهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلَىَ قوله: الْجَبَلَيْنِ الْعَظِمَيْنِ. وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الأَعْلَىَ: حَتّى يَفْرَغَ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرّزّاقِ: حَتّىَ تُوضَعَ فِي اللّحْدِ.
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. قَالَ: حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ قَالَ: حَدّثَنِي رِجَالٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَقَالَ: "وَمَنِ اتّبَعَهَا حَتّى تُدْفَنَ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزّ. حَدّثَنَا وَهِيْبٌ. حَدّثَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلّىَ عَلَى جَنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيْرَاطٌ. فَإنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيْرَاطَانِ" قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ "أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ اُحُدٍ.
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيْدٍ عَنْ يَزِيْدَ بْنِ كَيْسَانَ. حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "مَنْ صَلّىَ عَلَىَ جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيْرَاطٌ. وَمَنِ اتّبَعَهَا حَتّىَ تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ" قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَمَا الْقِيرَاطُ؟ قَالَ "مِثْلُ اُحُدٍ".
حَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). حَدّثَنَا نَافِعٌ قَالَ: قِيلَ ل إبْنِ عُمَرَ: إنّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الاَْجْرِ" فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَكْثَرَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ. فَبَعَثَ إلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَها فَصَدّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ. لَقَدْ فَرّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ. حَدّثَنِي حَيْوَةُ. حَدّثَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيْدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، أَنّهُ حَدّثَهُ، أَنّ دَاوُدَ بْنَ عَامِرٍ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقّاصٍ حَدّثَهُ عَنْ أَبِيْهِ ، أَنّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. إذْ طَلَعَ خَبّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ إنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلّىَ عَلَيْهَا. ثُمّ تَبِعَهَا حَتّىَ تُدْفَنَ وَكَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ. كُلّ قِيرَاطٍ مِثْلُ اُحُدٍ. وَمَنْ صَلّىَ عَلَيْهَا رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الاَْجْرِ مِثْلُ اُحُدٍ"؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبّابّا إلَىَ عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. ثُمّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءٍ الْمَسْجِدِ يُقَلّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتّىَ رَجِعَ إلَيْهِ الرّسُولُ. فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ. فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الاَْرْضَ. ثُمّ قَالَ: لَقَدْ فَرّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ معْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلّىَ عَلَىَ جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَإنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ الْقِيرَاطُ مِثْلُ اُحُدٍ".
وحدّثني ابْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي. قَالَ: وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ حَدّثَنَا أَبَانٌ. كُلّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيْدٍ وَهِشَامٍ: سُئِلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِيرَاطِ فَقَالَ: "مِثْلُ اُحُدٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن" فيه الحث على الصلاة على الجنازة واتباعها ومصاحبتها حتى تدفن. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من شهدها حتى تدفن فله قيراطان" معناه بالأول فيحصل بالصلاة قيراط وبالاتباع مع حضور الدفن قيراط آخر فيكون الجميع قيراطين، تبينه رواية البخاري في أول صحيحه في كتاب الإيمان: {من شهد جنازة وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها رجع من الأجر بقيراطين} فهذا صريح في أن المجموع بالصلاة والاتباع وحضور الدفن قيراطان، وقد سبق بيان هذه المسألة ونظائرها والدلائل عليها في مواقيت الصلاة في حديث: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) وفي رواية البخاري هذه مع رواية مسلم التي ذكرها بعد هذا من حديث عبد الأعلى حتى يفرغ منها دليل، على أن القيراط الثاني لا يحصل إلا لمن دام معها من حين صلى إلى أن فرغ وقتها، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: يحصل القيراط الثاني إذا ستر الميت في القبر باللبن وإن لم يلق عليه التراب والصواب الأول، وقد يستدل بلفظ الاتباع في هذا الحديث وغيره من يقول المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها، وهو قول علي بن أبي طالب ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة. وقال جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء المشي قدامها أفضل. وقال الثوري وطائفة هما سواء. قال القاضي: وفي إطلاق هذا الحديث وغيره إشارة إلى أنه لا يحتاج المنصرف عن اتباع الجنازة بعد دفنها إلى استئذان، وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو المشهور عن مالك. وحكى ابن عبد الحكم عنه أنه لا ينصرف إلا بإذن وهو قول جماعة من الصحابة. قوله: (قيل وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) القيراط مقدار من الثواب معلوم عند الله تعالى، وهذا الحديث يدل على عظم مقداره في هذا الموضع، ولا يلزم من هذا أن يكون هذا هو القيراط المذكور فيمن اقتنى كلباً إلاّ كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط، وفي روايات قيراطان بل ذلك قدر معلوم، ويجوز أن يكون مثل هذا وأقل وأكثر. قوله: (عن ابن عمر لقد ضيعنا قراريط كثيرة) هكذا ضبطناه، وفي كثير من الأصول أو أكثرها ضيعنا في قراريط بزيادة في، والأول هو الظاهر والثاني صحيح، على أن ضيعنا بمعنى فرطنا كما في الرواية الأخرى، وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه. قوله: (وفي حديث عبد الأعلى حتى يفرغ منها) ضبطناه بضم الياى وفتح الراء عكسه والأول أحسن وأعم، وفيه دليل لمن يقول القيراط الثاني لا يحصل إلا بفراغ الدفن كما سبق بيانه. وقوله في حديث عبد الرزاق: (حتى توضع في اللحد) وفي رواية بعده: (حتى توضع في القبر). فيه دليل لمن يقول يحصل القيراط الثاني بمجرد الوضع في اللحد وإن لم يلق عليه التراب، وقد سبق أن الصحيح أنه لا يحصل إلا بالفراغ من إهالة التراب لظاهر الروايات الأخرى حتى يفرغ منها تتأول هذه الرواية على أن المراد يوضع في اللحد ويفرغ منها ويكون المراد الإشارة إلى أنه لا يرجع قبل وصولها القبر. قوله: (فقال ابن عمر أكثر علينا أبو هريرة) معناه أنه خاف لكثرة رواياته أنه اشتبه عليه الأمر في ذلك واختلط عليه حديث بحديث، لا أنه نسبه إلى رواية ما لم يسمع لأن مرتبة ابن عمر وأبي هريرة أجل من هذا. قوله: (عبد الله بن قسيط) هو بضم القاف وفتح السين المهملة وإسكان الياء. قوله: (وأخذ ابن عمر قيضة من حصباء المسجد يقلبها في يده). وقال في آخره: (فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض) هكذا ضبطناه الأول حصباء بالباء والثاني بالحصى مقصور جمع حصاة، وهكذا هو في معظم الأصول وفي بضعها عكسه وكلاهما صحيح، والحصباء هو الحصى، وفيه أنه لا بأس بمثل هذا الفعل، وإنما بعث ابن عمر إلى عائشة يسألها بعد إخبار أبي هريرة لأنه خاف على أبي هريرة النسيان والاشتباه كما قدمنا بيانه، فلما وافقته عائشة علم أنه حفظ وأتقن
*2* باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه
*حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيْسَىَ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا سَلاّمُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قَلاَبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيْدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ مَيّتٍ يُصَلّي عَلَيْهِ اُمّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مَائَةً. كُلّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ. إلاّ شُفّعُوا فِيهِ".
قَالَ: فَحَدّثْتُ بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ. فَقَالَ: حَدّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه". وفي رواية: "ما من رجل يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه". وفي حديث آخر: "ثلاثة صفوف" رواه أصحاب السنن، قال القاضي: قيل هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا عن ذلك، فأجاب كل واحد منهم عن سؤاله، هذا كلام القاضي، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به ثم بقبول شفاعة أربعين ثم ثلاث صفوف وإن قل عددهم فأخبر به، ويحتمل أيضاً أن يقال هذا مفهوم عدد ولا يحتج به جماهير الأصوليين فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك، وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف، وحينئذ كل الأحاديث معمول بها ويحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين قوله: (فحدثت به شعيب بن الحبحاب فقال: حدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم) القائل فحدثت به هو سلام بن أبي مطيع الراوي أولاً عن أيوب هكذا بينه النسائي في روايته، وهذا الحديث: "ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة) قال القاضي عياض: رواه سعيد بن منصور موقوفاً على عائشة فأشار إلى تعليله بذلك وليس معللاً لأن من رفعه ثقة وزيادة الثقة مقبولة، وقد قدمنا بيان هذه القاعدة في الفصول في مقدمة الكتاب ثم في مواضع
*2* باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه
*حَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الاَْيْلِيّ وَ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السّكُونِيّ (قَالَ الْوَلِيدُ: حَدّثَنِي. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ. فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ! انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النّاسِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَإذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ. فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: نَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَخْرِجُوهُ. فَإنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَىَ جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لاَ يُشْرِكُونَ بِاللّهِ شَيْئاً إلاّ شَفَعَهُمُ اللّهُ فِيهِ".
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَعْرُوفٍ: عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
*2* باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: مُرّ بِجَنَازَةٍ فَاُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرَاً. فَقَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ" وَمُرّ بِجَنَازَةٍ فَاُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرّا. فَقَالَ: نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَجَبَتْ وَجَبَتتْ وَجَبَتْ". قَالَ عُمَرُ: فِدَى لَكَ أَبي واُمّي! مُرّ بِجَنَازَةٍ فَاُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرّا فَقُلْتُ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. ومُرّ بِجَنَازَةٍ فَاُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرّا فَقُلْتُ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اُثْنِيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنّةُ. وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّا وَجَبَتْ لَهُ النّارُ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللّهِ فِي الاَْرْضِ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللّهِ فِي الاَْرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللّهِ فِيي الاَْرْضِ".
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ(يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). ح وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. كِلاَهِمَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ . قَالَ: مُرّ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِجَنَازَةَ. فَذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ. غَيْرَ أَنّ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَمّ.
قوله: (مر بجنازة فأثني عليها خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثني عليها شراً فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: فدى لك أبي وأمي، مر بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثني عليها شراً فقلت وجبت وجبت وجبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض) هكذا وقع هذا الحديث في الأصول وجبت وجبت وجبت ثلاث مرات في المواضع الأربعة، وأنتم شهداء الله في الأرض ثلاث مرات. وقوله: في أوله: (فأثني عليها خيراً فأثني عليها شراً) هكذا هو في بعض الأصول خيراً وشراً بالنصب وهو منصوب بإسقاط الجار أي فأثني بخير وبشر، وفي بعضها مرفوع، وفي هذا الحديث استحباب توكيد الكلام المهتم بتكراره ليحفظ وليكون أبلغ، وأما معناه ففيه قولان للعلماء: أحدهما أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل فكان ثناؤهم مطابقاً لأفعاله فيكون من أهل الجنة. فإن لم يكن كذلك فليس هو مراداً بالحديث. والثاني وهو الصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه، وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم بالثناء عليه كان ذلك دليلاً على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تحتم عليه العقوبة بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له وبهذا تظهر فائدة الثناء. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وأنتم شهداء الله" ولو كان لا ينفعه ذلك إلا أن تكون أعماله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم له فائدة، فإن قيل: كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟ فالجواب أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة، فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر للتحذير من طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم، وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شراً كان مشهوراً بنفاق أو نحوه مما ذكرنا، هذا هو الصواب في الجواب عنه وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب، وقد بسطت معناه بدلائله في كتاب الأذكار. قوله: (فأثني عليها شراً) قال أهل اللغة: الثناء بتقديم الثاء وبالمد يستعمل في الخير ولا يستعمل في الشر هذا هو المشهور، وفيه لغة شاذة أنه يستعمل في الشر أيضاً، وأما النثا بتقديم النون وبالقصر فيستعمل في الشر خاصة، وإنما استعمل الثناء الممدود هنا في الشر مجازاً لتجانس الكلام كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة} {ومكروا ومكر الله}. قوله: (فدى لك) مقصور بفتح الفاء وكسرها.
*2* باب ما جاء في مستريح ومستراح منه
*وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ مُحَمّدِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قُتَادَةَ بْنِ رِبْعِيّ أَنّهُ كَانَ يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُرّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ. فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! مَا الْمُسْتَريحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "الْعَبْدُ الْمُوْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِننْ نَصَبِ الدّنْيَا. وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشّجَرُ وَالدّوَابّ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا إسْحَقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْروٍ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ "يَسْتَرِيحُ مِنْ أَذَى الدّنْيَا ونَصَبِهَا إلَىَ رَحْمَةِ اللّهِ".
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح، ثم فسره بأن المؤمن يستريح من نصب الدنيا والفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) معنى الحديث أن الموتى قسمان: مستريح ومستراح منه ونصب الدنيا تعبها، وأما استراحة العباد من الفاجر معناه اندفاع أذاه عنهم، وأذاه يكون من وجوه: منها ظلمه لهم، ومنها ارتكابه للمنكرات، فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك وربما نالهم ضرره، وإن سكتوا عنه أثموا، واستراحة الدواب منه كذلك لأنه كان يؤذيها ويضربها ويحملها ما لا تطيقه ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك، واستراحة البلاد والشجر فقيل لأنها تمنع القطر بمصيبته قاله الداودي، وقال الباجي: لأنه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره
*2* باب في التكبير على الجنازة
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَىَ لِلنّاسِ النّجَاشِيّ فِي الْيَوْمِ الّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلّىَ. وَكَبّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. قَالَ: حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُمَا حَدّثَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: نَعَىَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم النّجَاشِيّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ. فِي الْيَوْمِ الّذِي مَاتَ فِيهِ. فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَفّ بِهِمْ بِالْمُصَلّىَ. فَصَلّىَ. فَكَبّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ كَرِوايَةِ عُقَيْلٍ، بِالاْسْنَادَيْنِ جَمِيعاً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرونَ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيّانٍ. قَالَ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ عَلَىَ أَصْحَمَةَ النّجَاشِي. فَكَبّر عَلَيْهِ أَرْبَعَاً.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَاتَ الْيَوْمَ عَبْدٌ لِلّهِ صَالِحٌ. أَصْحَمَةُ" فَقَامَ فَأَمّنَا وَصَلّىَ عَلَيْهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَخاً لَكُمْ قَدْ مَاتَ. فَقُومُوا فَصَلّوا عَلَيْهِ" قَالَ: فَقُمْنَا فَصَفّنَا صَفّيْنِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَخاً لَكُمْ قَدْ مَاتَ. فَقُومُوا فَصَلّوا عَلَيْهِ" يَعْنِي النّجَاشِيّ. وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: "إِنّ أَخَاكُمْ".
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات) فيه إثبات الصلاة على الميت وأجمعوا على أنها فرض كفاية، والصحيح عند أصحابنا أن فرضها يسقط بصلاة رجل واحد، وقيل يشترط اثنان، وقيل ثلاثة، وقيل أربعة، وفيه أن تكبيرات الجنازة أربع وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه دليل للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب، وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وفيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية بل مجرد إعلام. الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها، وقد يحتج أبو حنيفة في أن صلاة الجنازة لا تفعل في المسجد بقوله خرج إلى المصلى، ومذهبنا ومذهب الجمهور جوازها فيه، ويحتج بحديث سهل بن بيضا، ويتأول هذا على أن الخروج إلى المصلى أبلغ وإظهار أمره المشتمل على هذه المعجزة، وفيه أيضاً إكثار المصلين وليس فيه دلالة أصلاً لأن الممتنع عندهم إدخال الميت المسجد لا مجرد الصلاة. قوله: (عن سليم بن حيان) هو بفتح السين وكسر اللام وليس في الصحيحين سليم بفتح السين غيره ومن عداه بضمها مع فتح اللام.
قوله: (صلى على أصحمة النجاشي) هو بفتح الهمزة وإسكان الصاد وفتح الحاء المهملتين، وهذا الذي وقع في رواية مسلم هو الصواب المعروف فيه، وهكذا هو في كتب الحديث والمغازي وغيرها، ووقع في مسند ابن أبي شيبة في هذا الحديث تسميته صحمة بفتح الصاد وإسكان الحاء وقال: هكذا قال لنا يزيد وإنما هو صمحة يعني بتقديم الميم على الحاء وهذان شاذان والصواب أصحمه بالألف، قال ابن قتيبة وغيره: ومعناه بالعربية عطية. قال العلماء: والنجاشي لقب لكل من ملك الحبشة، وأما أصحمة فهو اسم علم لهذا الملك الصالح الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال المطرر وابن خالويه وآخرون من الأئمة كلاماً متداخلاً حاصله أن كل من ملك المسلمين يقال له أمير المؤمنين، ومن ملك الحبشة النجاشي، ومن ملك الروم قيصر، ومن ملك الفرس كسرى، ومن ملك الترك خاقان، ومن ملك القبط فرعون، ومن ملك مصر العزيز، ومن ملك اليمن تبع، ومن ملك حمير القيل بفتح القاف وقيل القيل أقل درجة من الملك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فقوموا فصلوا عليه" فيه وجوب الصلاة على الميت وهي فرض كفاية بالإجماع كما سبق قوله في حديث النجاشي. (وكبر أربع تكبيرات) وكذا في حديث ابن عباس كبر أربعاً وفي حديث زيد بن أرقم بعد هذا خمساً، قال القاضي: اختلف الاَثار في ذلك فجاء من رواية ابن أبي خيثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً وثمانياً حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعاً وثبت على ذلك حتى توفي صلى الله عليه وسلم، قال: واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع، وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر على أهل بدرستا وعلى سائر الصحابة خمساً وعلى غيرهم أربعاً، قال ابن عبد البر: وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه، قال: ولا نعلم أحداً من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى ولم يذكر في روايات مسلم السلام، وقد ذكره الدارقطني في سننه وأجمع العلماء عليه، ثم قال جمهورهم: يسلم تسليمة واحدة. وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وجماعة من السلف تسليمتين، واختلفوا هل يجهر الإمام بالتسليم أم يسر؟ وأبو حنيفة والشافعي يقولان يجهر، وعن مالك روايتان، واختلفوا في رفع الأيدي في هذه التكبيرات ومذهب الشافعي الرفع في جميعها، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء وسالم بن عبد الله وقيس بن أبي حازم والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق واختاره ابن المنذر، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي: لا يرفع إلا في التكبيرة الأولى، وعن مالك ثلاث روايات: الرفع في الجميع وفي الأولى فقط وعدمه في كلها
*2* باب الصلاة على القبر
*حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنِ الشّعْبِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ عَلَىَ قَبْرٍ بَعْدَمَا دُفِنَ. فَكَبّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً.
قَالَ الشّيْبَانِيّ. فَقُلْتُ للِشّعْبِيّ: مَنْ حَدّثَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: الثِقَةُ، عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ حَسَنٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: انْتَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَبْرٍ رَطْبٍ. فَصَلّىَ عَلَيْهِ. وَصَفّوا خَلْفَهُ. وَكَبّرَ أَرْبَعاً. قُلْتُ لِعَامِرٍ: مَنْ حَدّثَكَ؟ قَالَ: الثّقَةُ، مَنْ شَهِدَهُ، ابْنُ عَبّاسٍ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيادٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. كُلّ هَؤُلاءِ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَبّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. جَمِيعاً عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وحَدّثَنِي أَبُو غَسّانَ مُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو الرّازِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ الضّرَيْسِ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ. كِلاَهُمَا عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلاَتِهِ عَلَىَ الْقَبْرِ. نَحْوَ حَدِيثِ الشّيْبَانِيّ. لَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ: وَكَبّرَ أَرْبَعَاً.
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السّامِيّ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشّهِيدِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ عَلَىَ قَبْرٍ.
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ فضَيْلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيّ (وَاللّفْظُ لاِءَبِي كَامِلٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا حَمَادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمّ الْمَسْجِدَ (أَوْ شَابّاً) فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَ عَنْهَا (أَوْ عَنْهُ) فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: "أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي". قَالَ: فَكَأَنّهُمْ صَغّرُوا أَمْرَهَا (أَوْ أَمْرَهُ). فَقَالَ: "دُلّونِي عَلَىَ قَبْرِهِ" فَدَلّوهُ. فَصَلّىَ عَلَيْهَا. ثُمّ قَالَ: "إِنّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَىَ أَهْلِهَا. وَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يُنَوّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِي عَلَيْهِمْ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ قَالَ: كَانَ زَيْدٌ يُكَبّرُ عَلَىَ جَنَائِزِنَا أَرْبَعاً. وَإِنّهُ كَبّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْساً. فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبّرُهَا.
قوله: (انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه) يعني جديداً وترابه رطب بعد لم تطل مدته فيبس. فيه دليل لمذهب الشافعي وموافقيه في الصلاة على القبور. قوله: (من شهده ابن عباس) وابن عباس بدل من قوله تقم المسجد أي تكنسه، وفي حديث لسوداء هذه التي صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبرها، وحديث ابن عباس السابق، وحديث أنس دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت في قبره سواء كان صلى عليه أم لا، وتأوله أصحاب مالك حيث منعوا الصلاة على القبر بتأويلات باطلة لا فائدة في ذكرها لظهور فسادها والله أعلم. وفيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بأمته وتفقد أحوالهم والقيام بحقوقهم والاهتمام بمصالحهم في آخرتهم ودنياهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (أفلا كنتم آذنتموني) أي أعلمتموني وفيه دلالة لاستحباب الإعلام بالميت وسبق بيانه. قوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم).
قوله: (كان زيد يكبر على جنائزنا أربعاً وأنه كبر على جنازة خمساً فسألته فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها) زيد هذا هو زيد بن أرقم وجاء مبيناً في رواية أبي داود، وهذا الحديث عند العلماء منسوخ دل الإجماع على نسخه، وقد سبق أن ابن عبد البر وغيره نقلوا الإجماع على أنه لا يكبر اليوم إلا أربعاً، وهذا دليل على أنهم أجمعوا بعد زيد بن أرقم، والأصح أن الإجماع بعد الخلاف يصح والله أعلم
*2* باب القيام للجنازة
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا، حَتّىَ تُخَلّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. ح وحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَأَىَ أَحَدُكُمُ الْجِنَازَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِياً مَعَهَا، فَلْيَقُمْ حَتّىَ تُخَلّفَهُ، أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلّفَهُ".
وحدّثني أَبُو كَامِلٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. ح وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. جَمِيعاً عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنَ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِذَا رَأَىَ أَحَدُكُمُ الْجِنَازَةَ فَلْيَقُمْ حِينَ يَرَاهَا، حَتّىَ تُخْلّفَهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتّبِعِهَا".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا اتّبَعْتُمْ جِنَازَةً فَلاَ تَجْلِسُوا حَتّىَ تُوضَعَ".
وحدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ و عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيّةَ) عَنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا. فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَجْلِسْ حَتّىَ تُوضَعَ".
وحدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ و عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيّةَ) عَنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: مَرّتْ جِنَازَةٌ. فَقَامَ لَهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقُمْنَا مَعَهُ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِنّهَا يَهُودِيّةٌ. فَقَالَ "إِنّ الْمَوْتَ فَزَعٌ. فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: قَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِجَنَازَةٍ، مَرّتْ بِهِ، حَتّىَ تَوَارَتْ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَيْضاً أَنّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: قَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابُهُ، لِجِنَازَةِ يَهُودِيَ، حَتّىَ تَوَارَتْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ أَنّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ كَانَا بِالْقَادِسِيّةِ. فَمَرّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ. فَقَامَا. فَقِيلَ لَهُمَا: إِنّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. فَقَالا: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَرّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ. فَقِيلَ: إِنّهُ يَهُودِيّ. فَقَالَ "أَلَيْسَتْ نَفْساً".
وحدّثنيهِ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِيهِ: فَقَالا: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرّتْ عَلَيْنَا جِنَازَةٌ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع". وفي رواية: "إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه".
وفي رواية: "إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع" وفي رواية: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعهم فلا يجلس حتى توضع".
وفي رواية: (أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا لجنازة فقالوا يا رسول الله إنها يهودية فقال: إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) وفي رواية: (قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت) وفي رواية: (قيل إنه يهودي، فقال: أليست نفساً؟)وفي رواية علي رضي الله عنه: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد). وفي رواية: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا وقعد فقعدنا) قال القاضي: اختلف الناس في هذه المسألة فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: القيام منسوخ. وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون المالكيان: هو مخير. قال: واختلفوا في قيام من يشيعها عند القبر فقال جماعة من الصحابة والسلف: لا يقعد حتى توضع، قالوا: والنسخ إنما هو قيام من مرت به وبهذا قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، قال: واختلفوا في القيام على القبر حتى تدفن فكرهه قوم وعمل به آخرون روي ذلك عن عثمان وعلي ابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم، هذا كلام القاضي، والمشهور في مذهبنا أن القيام ليس مستحباً وقالوا: هو منسوخ بحديث علي واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحب وهذا هو المختار، فيكون الأمر به للندب والقعود بياناً للجواز، ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث ولم يتعذر والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى تخلفكم) بضم التاء وكسر اللام المشددة أي تصيرون وراءها غائبين عنها. قوله صلى الله عليه وسلم: (فليقم حين يراها) ظاهره أنه يقوم بمجرد الرؤية قبل أن تصل إليه.
قوله: (إنها من أهل الأرض) معناه جنازة كافر من أهل تلك الأرض
*2* باب نسخ القيام للجنازة
*وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنّهُ قَالَ: رَآنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَنَحْنُ فِي جِنَازَةٍ، قَائِماً. وَقَدْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ. فَقَالَ لي: مَا يُقِيمُكَ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ. لِمَا يُحَدّثُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. فَقَالَ نَافِعٌ: فإِنّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ حَدّثَنِي عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَعَدَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ الثَقَفِيّ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَىَ بْنَ سَعِيدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيّ أَنّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ، فِي شَأْنِ الْجَنَائِزِ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ ثُمّ قَعَدَ.
وَإِنّمَا حَدّثَ بِذَلِكَ لاِءَنّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ رَأَىَ وَاقِدَ بْنَ عَمْرٍو قَامَ، حَتّىَ وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ يُحَدّثُ عَنْ عَلِيَ قَالَ: رَأَيْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ، فَقُمْنَا. وَقَعَدَ، فَقَعَدْنَا، يَعْنِي فِي الْجِنَازَةِ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ القَطّانُ) عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
*2* باب الدعاء للميت في الصلاة
*وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مُعَاويَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ جِنَازَةٍ. فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ. وَاعْفُ عَنْهُ. وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ. وَوَسّعْ مُدْخَلَهُ. وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقّيْتَ الثّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدّنَسِ. وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ. وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجَاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ. وَأَدْخِلْهُ الْجَنّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (أَوْ مِنْ عَذَابِ النّارِ)". قَالَ: حَتّى تَمَنّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيّتَ.
م 1 حع...) قَالَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ. حَدّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضاً.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعاً، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ.
وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ، وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْحِمْصِيّ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (وَاللّفْظُ لاِءَبِي الطّاهِرِ) قَالا: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم (وَصَلّىَ عَلَىَ جِنَازَةٍ) يَقُولُ "اللّهُمّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسّعْ مَدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقّى الثّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النّارِ".
قَالَ عَوْفٌ فَتَمَنّيْتُ أَنْ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَيّتَ، لِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ ذَلِكَ الْمَيّتِ.
قوله: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه إلى آخره) فيه إثبات الدعاء في صلاة الجنازة وهو مقصودها ومعظمها، وفيه استحباب هذا الدعاء، وفيه إشارة إلى الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة، وقد اتفق أصحابنا على أنه إن صلى عليها بالنهار أسر بالقراءة، وإن صلى بالليل ففيه وجهان: الصحيح الذي عليه الجمهور يسر. والثاني يجهر. وأما الدعاء فيسر به بلا خلاف، وحينئذٍ يتأول هذا الحديث على أن قوله حفظت من دعائه أي علمنيه بعد الصلاة فحفظته. قوله: (وحدثني عبد الرحمن بن جبير) القائل وحدثني هو معاوية بن صالح الراوي في الإسناد الأول عن حبيب
*2* باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: صَلّيْتُ خَلْفَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَصَلّىَ عَلَىَ أُمّ كَعْبٍ، مَاتَتْ وَهِيَ نُفَسَاءُ، فَقامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِلصّلاَةِ عَلَيْهَا وَسْطَهَا.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَ يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. ح وَحَدّثَنِي عَلِيّ ابْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَىَ. كُلّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا: أُمّ كَعْبٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ. قَالا: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَب: لَقَدْ كُنْتُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غُلاَماً. فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ. فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ أَنّ هَهُنَا رِجَالاً هُمْ أَسَنّ مِنّي. وَقَدْ صَلّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصّلاَةِ وَسْطَهَا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنّى قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: فَقَامَ عَلَيْهَا لِلصّلاَةِ وَسَطَهَا.
قوله: (ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النفساء وقام وسطها) هو بإسكان السين وفيه إثبات الصلاة على النفساء، وأن السنة أن يقف الإمام عند عجيزة الميتة.
*2* باب ركوب المصلى على الجنازة إذا انصرف
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفظ لِيَحْيَىَ) (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ) عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: أُتِيَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِفَرَسٍ مُعْرَوْرىً. فَرَكِبَهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ جِنَازَةِ ابْنِ الدّحْدَاحِ. وَنَحْنُ نَمْشِي حَوْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنِ الدّحْدَاحِ. ثُمّ أُتِيَ بِفَرَسٍ عُرْيٍ. فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ. فَجَعَلَ يَتَوَقّصُ بِهِ. وَنَحْنُ نَتّبِعُهُ نَسْعَىَ خَلْفَهُ. قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلّقٍ (أَوْمُدَلّى) فِي الْجَنّةِ لاِبْنِ الدّحْدَاحِ" أَوْ قَالَ شُعْبَةُ "لأَبِي الدّحْدَاحِ".
قوله: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بفرس معرورى فركبه) معناه بفرس عرى وهو بضم الميم وفتح الراء، قال أهل اللغة: اعروريت الفرس إذا ركبته عرياً فهو معرورى، قالوا: ولم يأت أفعولى معدى إلا قولهم اعروريت الفرس واحلوليت الشيء. قوله: (فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح) فيه إباحة الركوب في الرجوع عن الجنازة، وإنما يكره الركوب في الذهاب معها، وابن الدحداح بدالين وحائين مهملات، ويقال أبو الدحداح، ويقال أبو الدحداحة، قال ابن عبد البر: لا يعرف اسمه. قوله: (ونحن نمشي حوله) فيه جواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب، وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن فيه مفسدة، وإنما كره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب ونحوه في حق التابع أو نحو ذلك من المفاسد. قوله: (فعقله رجل فركبه) معناه أمسكه له وحبسه وفيه إباحة ذلك وأنه لا بأس بخدمة التابع متبوعه برضاه. قوله: (فجعل يتوقص به) أي يتوثب قوله: (كم من عذق معلق) العذق هنا بكسر العين المهملة وهو الغصن من النخلة، وأما العذق بفتحها فهو النخلة بكمالها وليس مراداً هنا. قوله صلى الله عليه وسلم: "كم من عذق معلق في الجنة لأبي الدحداح" قالوا: سببه أن يتيماً خاصم أبا لبابة في نخلة فبكى الغلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: اعطه إياها ولك بها عذق في الجنة، فقال لا، فسمع بذلك أبو الدحداح فاشتراها من أبي لبابة بحديقة له، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم ألي بها عذق إن أعطيتها اليتيم؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كم من عذق معلق في الجنة لأبي الدحداح"
*2* باب في اللحد ونصب اللبن على الميت
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمِسْوَرِيّ عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الّذِي هَلَكَ فِيهِ: الْحَدُوا لِي لَحْداً. وَانْصِبُوا عَلَيّ اللّبِنَ نَصْباً. كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (الحدوا لي لحداً) بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطع الهمزة وكسر الحاء، يقال لحد يلحد كذهب يذهب، وألحد يلحد إذا حفر اللحد، واللحد بفتح اللام وضمها معروف وهو الشق تحت الجانب القبلي من القبر، وفيه دليل لمذهب الشافعي والأكثرين في أن الدفن في اللحد أفضل من الشق إذا أمكن اللحد وأجمعوا على جواز اللحد والشق. قوله: (الحدوا لي لحداً وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه استحباب اللحد ونصب اللبن وأنه فعل ذلك برسول الله باتفاق الصحابة رضي الله عنهم، وقد نقلوا أن عدد لبناته صلى الله عليه وسلم تسع
*2* باب جعل القطيفة في القبر
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ وَ وَكِيعٌ جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: جُعِلَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ.
قَالَ مُسْلِمٌ) أَبُو جَمْرَةَ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ. وَأَبُو التّيّاحِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ. مَاتَا بِسَرَخْسَ.
قوله: (جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء) هذه القطيفة ألقاها شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة ونحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا فقال في كتابه التهذيب لا بأس بذلك لهذا الحديث، والصواب كراهته كما قاله الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك لم يوافقه غيره من الصحابة ولا علموا ذلك، وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته أن يلبسها أحد بعد النبي صلى اللهعليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها ويفترشها فلم تطب نفس شقران أن يستبدلها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه غيره فروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره والله أعلم. والقطيفة كساء له خمل.
قوله: (قال مسلم: أبو جمرة اسمه نصر بن عمران الضبعي، وأبو التياح يزيد بن حميد ماتا بسرخس) وهو أبو جمرة بالجيم والضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة، وأما سرخس فمدينة معروفة بخراسان وهي بفتح السين والراء وإسكان الخاء المعجمة، ويقال أىضاً بإسكان الراء وفتح الخاء والأول أشهر، وإنما ذكر مسلم أبا جمرة وأبا التياح جميعاً مع أن أبا جمرة مذكور في الإسناد ولا ذكر لأبي التياح هنا لاشتراكهما في أشياء قل أن يشترك فيها اثنان من العلماء لأنهما جميعاً ضبعيان بصريان تابعيان ثقتان ماتا بسرخس في سنة واحدة سنة ثمان وعشرين ومائة، وذكر ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم الأصبهاني عمران والد أبي جمرة في كتبهم في معرفة الصحابة، قالوا: واختلف العلماء هل هو صحابي أم تابعي؟ قالوا: وكان قاضياً على البصرة روى عنه ابنه أبو جمرة وغيره. قال الحاكم أبو أحمد في كتابه في الكنى: ليس في الرواة من يكنى أبا جمرة بالجيم غير أبي جمرة هذا.
*2* باب الأمر بتسوية القبر
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ (فِي رِوَايةِ أَبِي الطّاهِرِ) أَنّ أَبَا عَلِيَ الْهَمْدَانِيّ حَدّثَهُ. (وَفِي رِوَايَةِ هَرُونَ) أَنّ ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيَ حَدّثَهُ قَالَ: كُنّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرّومِ. بِرُودِسَ. فَتُوُفّيَ صَاحِبٌ لَنَا. فَأَمَرَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوّيَ. ثُمّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ) عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الْهَيّاجِ الأَسْدِيّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلاّ أَبْعَثُكَ عَلَىَ مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَنْ لاَ تَدَعَ تِمثْالاً إِلاّ طَمَسْتَهُ. وَلاَ قَبْراً مُشْرِفاً إِلاّ سَوّيْتَهُ.
وحدّثنيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاّدٍ الْبَاهِليّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنِي حَبِيبٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: وَلاَ صُورَةً إِلاّ طَمَسْتَهَا.
قوله: (أن أبا علي الهمداني حدثه) وفي رواية هارون أن ثمامة بن شفي حدثه فأبو علي هو ثمامة بن شفي بضم الشين المعجمة وفتح الفاء وتشديد الياء والهمداني بإسكان الميم وبالدال المهملة. قوله: (كنا مع فضالة بأرض الروم برودس) هو براء مضمومة ثم واو ساكنة ثم دال مهملة مكسورة ثم سين مهملة هكذا ضبطناه في صحيح مسلم، وكذا نقله القاضي عياض في المشارق عن الأكثرين، ونقل عن بعضهم بفتح الراء، وعن بعضهم بفتح الدال، وعن بعضهم بالشين المعجمة، وفي رواية أبي داود في السنن بذال معجمة وسين مهملة وقال: هي جزيرة بأرض الرّوم. قال القاضي عياض رضي الله عنه: ذكر مسلم رضي الله عنه تكفين النبي صلى الله عليه وسلم وإقباره ولم يذكر غسله والصلاة عليه ولا خلاف أنه غسل، واختلف هل صلى عليه فقيل لم يصل عليه أحد أصلاً، وإنما كان الناس يدخلون أرسالاً يدعون وينصرفون، واختلف هؤلاء في علة ذلك فقيل لفضيلته فهو غني عن الصلاة عليه وهذا ينكسر بغسله، وقيل بل لأنه لم يكن هناك إمام وهذا غلط فإن إمامة الفرائض لم تتعطل، ولأن بيعة أبي بكر كانت قبل دفنه وكان إمام الناس قبل الدفن، والصحيح الذي عليه الجمهور أنهم صلوا عليه فرادى فكان يدخل فوج يصلون فرادى ثم يخرجون ثم يدخل فوج آخر فيصلون كذلك، ثم دخلت النساء بعد الرجال ثم الصبيان، وإنما أخروا دفنه صلى الله عليه وسلم من يوم الاثنين إلى ليلة الأربعاء أواخر نهار الثلاثاء للاشتغال بأمر البيعة ليكون لهم إمام يرجعون إلى قوله إن اختلفوا في شيء من أمور تجهيزه ودفنه ينقادون لأمره لئلا يؤدي إلى النزاع واختلاف الكلمة وكان هذا أهم الأمور والله أعلم. قوله: (يأمر بتسويتها). وفي الرواية الأخرى: ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعاً كثيراً ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه، ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها وهو مذهب مالك.
قوله: (أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته) فيه الأمر بتغيير صور ذوات الأرواح. قوله: (عن أبي الهياج) هو بفتح الهاء وتشديد الياء واسمه حيان بن حصين
النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ. وَأَنْ يُبْنَىَ عَلَيْهِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ.ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نهِيَ عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ.
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه). وفي الرواية الأخرى: (نهى عن تقصيص القبور) التقصيص بالقاف وصادين مهملتين هو التجصيص والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص، وفي هذا الحديث كراهة تجصيص القبر والبناء عليه وتحريم القعود والمراد بالقعود الجلوس عليه. هذا مذهب الشافعي وجمهور العلماء، وقال مالك في الموطأ: المراد بالقعود الجلوس، ومما يوضحه الرواية المذكورة بعد هذا: (لا تجلسوا على القبور)
النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَىَ جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَىَ جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَىَ قَبْرٍ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ). ح وَحَدّثَنِيهِ عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ وَاثِلَةَ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلاَ تُصَلّوا إِلَيْهَا".
وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ الْبَجَلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ تُصَلّوا إِلَى الْقُبُورِ. وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا".
وفي الرواية الأخرى: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) قال أصحابنا: تجصيص القبر مكروه والقعود عليه حرام وكذا الاستناد إليه والاتكاء عليه، وأما البناء عليه فإن كان في ملك الباني فمكروه وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام نص عليه الشافعي والأصحاب، قال الشافعي في الأم: ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى، ويؤيد الهدم قوله: (ولا قبراً مشرفاً إلا سويته).
قوله: (عن بسر بن عبيد الله) هو بضم الباء وبالسين المهملة. قوله: (عن أبي مرثد) هو بالمثلثة واسمه كناز بفتح الكاف وتشديد النون وآخره زاي. قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) فيه تصريح بالنهي عن الصلاة إلى قبر، قال الشافعي رحمه الله: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس.
*2* باب الصلاة على الجنازة في المسجد
*وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ (وَاللّفْظُ لإِسْحَقَ) (قَالَ عَلِيّ: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ) عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ أَمَرَتْ أَنْ يُمَرّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَتُصَلّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النّاسُ مَا صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلاّ فِي الْمَسْجِدِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ يُحَدّثُ عَنْ عَائِشَةَ أنّهَا لَمّا تُوُفّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمُرّوا بِجَنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ. فَيُصَلّينَ عَلَيْهِ. فَفَعَلُوا. فَوُقِفَ بِهِ عَلَىَ حُجَرِهُنّ يُصَلّينَ عَلَيْهِ. أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الّذِي كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ. فَبَلَغَهُنّ أَنّ النّاسَ عَابُوا ذَلِكَ. وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النّاسَ إِلَىَ أَنْ يَعِيبُوا مَا لا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرّ بِجَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلاّ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ) قَالا: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ) عَنْ أَبِي النّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أنْ عَائِشَةَ، لَمّا تُوُفّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، قَالَتِ: ادْخُلُوا بِهِ الْمَسْجِدَ حَتّىَ أُصَلّيَ عَلَيْهِ. فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: وَاللّهِ لَقَدْ صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ.
قَالَ مُسْلِمٌ): سُهَيْلُ بْنُ دَعْدٍ وَهُوَ ابْنُ الْبَيْضَاءِ. أُمّهُ بَيْضَاءُ.
قولها: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد). وفي الرواية الأخرى: (والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد). وفي الرواية الأخرى: (والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه) قال العلماء: بنو بيضاء ثلاثة إخوة: سهل وسهيل وصفوان، وأمهم البيضاء اسمها دعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري، وكان سهيل قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة رضي الله عنه. وفي هذا الحديث دليل للشافعي والأكثرين في جواز الصلاة على الميت في المسجد، وممن قال به أحمد وإسحاق. قال ابن عبد البر: ورواه المدنيون في الموطأ عن مالك وبه قال ابن حبيب المالكي. وقال ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك: على المشهور عنه لا تصح الصلاة عليه في المسجد بحديث في سنن أبي داود: "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له" ودليل الشافعي والجمهور حديث سهيل بن بيضاء، وأجابوا عن حديث سنن أبي داود بأجوبة، أحدها: أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به قال أحمد بن حنبل: هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف. والثاني: أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي داود: "ومن صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه" ولا حجة لهم حينئذ فيه. الثالث: أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه قال فلا شيء لوجب تأويله علي فلا شيء عليه ليجمع بين الروايتين وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء، وقد جاء له بمعنى عليه كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها}. الرابع: أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه والله أعلم. وفي حديث سهيل هذا دليل لطهارة الاَدمي الميت وهو الصحيح في مذهبنا. قوله: (وحدثني هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع قالا حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: خالف الضحاك حافظ إن مالك والماجشون فروياه عن أبي النضر عن عائشة مرسلاً، وقيل عن الضحاك عن أبي النضر عن أبي بكر بن عبد الرحمن ولا يصح إلا مرسلاً هذا كلام الدارقطني، وقد سبق الجواب عن مثل هذا الاستدراك في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح في مواضع منه، وهو أن هذه الزيادة التي زادها الضحاك زيادة ثقة وهي مقبولة لأنه حفظ ما نسيه غيره فلا تقدح فيه والله أعلم
*2* باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأَهلها
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَالَ يَحْيَى ابْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ شَرِيكٍ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي نَمِرٍ) عَنْ عَطَاءِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم (كُلّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم) يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ إِلَىَ الْبَقِيعِ. فَيَقُولُ: "السّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَداً. مُؤَجّلُونَ. وَإِنّا، إِنْ شَاءَ اللّهُ، بِكُمْ لاَحِقُونَ. اللّهُمّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ" (وَلَمْ يُقِمْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ "وَأَتَاكُمْ").
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ سَمِعَ مُحَمّدَ بْنَ قَيسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدّثُ فَقَالَتْ: أَلا أُحَدّثُكُمْ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَعَنّي قُلْنَا: بَلَىَ. ح وَحَدّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجّاجاً الأَعْوَرَ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ حَدّثَنا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. حدثنا ابْنِ جُرَيْجٍ حدثنا أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ (رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ قَيْسٍ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ قَالَ يَوْماً: أَلا أُحَدّثُكُمْ عَنّي وَعَنْ أُمّي قَالَ، فَظَنَنّا أَنّهُ يُرِيدُ أُمّة الّتِي وَلَدَتْهُ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلا أُحَدّثُكُمْ عَنّي وَعَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: بَلَىَ. قَالَ قَالَتْ: لَمّا كَانَتْ لَيْلَتِي الّتِي كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَىَ فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا رَيْثَمَا ظَنّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْداً، وَانْتَعَلَ رُوَيْداً، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ. ثُمّ أَجَافَهُ رُوَيْداً. فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنّعْتُ إِزَارِي. ثُمّ انْطَلَقْتُ عَلَىَ إِثْرِهِ. حَتّىَ جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ. فَأَطَالَ الْقِيَامَ. ثُمّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ. ثُمّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ. فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ. فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ. فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ. فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ. فَلَيْسَ إِلا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ. فَقَالَ: "مَالَكِ؟ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيةً" قَالَتْ: قُلْتُ: لاِءَي شَيْء. قَالَ: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنّي اللّطِيفُ الْخَبِيرُ" قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: "فَأَنْتِ السّوَادُ الّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟" قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي. ثُمّ قَالَ: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟" قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النّاسُ يَعْلَمْهُ اللّهُ، نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ. فَأَجَبْتُهُ. فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ. وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ. وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي. فَقَالَ: إِنّ رَبّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ". قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ؟ يا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "قُولِي: السّلاَمُ عَلَىَ أَهْلِ الدّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللّهِ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ. وَإِنّا، إِنْ شَاءَ اللّهُ، بِكُمْ لَلاَحِقُونَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الأَسَدِيّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ. فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: (فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ): السّلاَمُ عَلَىَ أَهْلِ الدّيَارِ، (وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ): السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدّيَارِ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ. وَإِنّا، إِنْ شَاءَ اللّهُ، لَلاَحِقُونَ. أَسْأَلُ اللّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" دار منصوب على النداء أي يا أهل دار فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقيل منصوب على الاختصاص، قال صاحب المطالع: ويجوز جره على البدل من الضمير في عليكم، قال الخطابي: وفيه أن اسم الدار يقع على المقابر، قال: وهو صحيح فإن الدار في اللغة يقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول وأنشد فيه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" التقييد بالمشيئة على سبيل التبرك وامتثال قول الله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} وقيل: المشيئة عائدة إلى تلك التربة بعينها، وقيل غير ذلك، وفي هذا الحديث دليل لاستحباب زيارة القبور والسلام على أهلها والدعاء لهم والترحم عليهم. قولها: (يخرج من آخر الليل إلى البقيع) فيه فضيلة زيارة قبور البقيع. قوله صلى الله عليه وسلم: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" قال الخطابي وغيره فيه أن السلام على الأموات والأحياء سواء في تقديم السلام على عليكم بخلاف ما كانت عليه الجاهلية من قولهم:
عليك سلام الله قيس بن عاصمورحمته ما شاء أن يترحما
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" البقيع هنا بالباء بلا خلاف وهو مدفن أهل المدينة، سمي بقيع الغرقد لغرقد كان فيه وهو ما عظم من العوسج، وفيه إطلاق لفظ الأهل على ساكن المكان من حي وميت. قوله: (حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول: سمعت عائشة تحدث فقالت: ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني؟ قلنا بلى ح وحدثني من سمع حجاجاً الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد بن جريج أخبرني عبد الله رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوماً ألا أحدثكم عني وعن أمي) إلى آخره. قال القاضي: هكذا وقع في مسلم في إسناد حديث حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله رجل من قريش. وكذا رواه أحمد بن حنبل. وقال النسائي وأبو نعيم الجرجاني وأبو بكر النيسابوري وأبو عبد الله الجرجاني كلهم عن يوسف بن سعيد المصيصي: حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي ملكية. وقال الدارقطني: هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة. قال أبو علي الغساني الجياني: هذا الحديث أحد الأحاديث المقطوعة في مسلم، قال: وهو أيضاً من الأحاديث التي وهم في رواتها، وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة أنه سمع عائشة، قال القاضي: قوله إن هذا مقطوع لا يوافق عليه بل هو مسند وإنما لم يسم رواته فهو من باب المجهول لا من باب المنقطع إذ المنقطع ما سقط من رواته راو قبل التابعي، قال القاضي: ووقع في سنده إشكال آخر وهو أن قول مسلم وحدثني من سمع حجاجاً الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد يوهم أن حجاجاً الأعور حدث به عن آخر يقال له حجاج بن محمد وليس كذا بل حجاج الأعور هو حجاج بن محمد بلا شك، وتقدير كلام مسلم حدثني من سمع حجاجاً الأعور قال هذا المحدث حدثني حجاج بن محمد فحكي لفظ المحدث هذا كلام القاضي. قلت: ولا يقدح رواية مسلم لهذا الحديث عن هذا المجهول الذي سمعه منه عن حجاج الأعور لأن مسلماً ذكره متابعة لا متأصلاً معتمداً عليه بل الاعتماد على الإسناد الصحيح قبله. قولها: (فلم يلبث إلا ريثما) هو بفتح الراء وإسكان الياء وبعدها ثاء مثلثة أي قدر ما. قولها: (فأخذ رداءه رويداً) أي قليلاً لطيفاً لئلا ينبهها. قولها: (ثم أجافه) بالجيم أي أغلقه وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها فربما لحقها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل. قولها: (وتقنعت إزاري) هكذا هو في الأصول إزاري بغير باء في أوله وكأنه بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه. قولها: (جاء البقيع فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات) فيه استحباب إطالة الدعاء وتكريره ورفع اليدين فيه، وفيه أن دعاء القائم أكمل من دعاء الجالس في القبور. قولها: (فأحضر فأحضرت) الإحضار العدو قولها: (فقال مالك يا عائش حشيا رابية) يجوز في عائش فتح الشين وضمها وهما وجهان جاريان في كل المرخمات، وفيه جواز ترخيم الاسم إذا لم يكن فيه إيذاء للمرخم، وحشيا بفتح الحاء المهملة وإسكان الشين المعجمة مقصور معناه وقد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره، يقال: امرأة حشياء وحشية ورجل حشيان وحشش قيل أصله من أصاب الربو حشاه، وقوله رابية أي مرتفعة البطن. قولها: (لا بي شيء) وقع في بعض الأصول لا بي شيء بباء الجر، وفي بعضها لأي شيء بتشديد الباء وحذف الباء على الاستفهام، وفي بعضها لا شيء، وحكاها القاضي قال: وهذا الثالث أصوبها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فأنت السواد" أي الشخص. قولها: (فلهدني) هو بفتح الهاء والدال المهملة وروي فلهزني بالزاي وهما متقاربان، قال أهل اللغة: لهده ولهده بتخفيف الهاء وتشديدها أي دفعه، ويقال لهزه إذا ضربه بجمع كفه في صدره ويقرب منهما لكزه ووكزه. قوله: (قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم) هكذا هو في الأصول وهو صحيح وكأنها لما قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله صدقت نفسها فقالت: نعم. قولها: (قلت كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين وإنا إن شاء الله تعالى بكم للاحقون) فيه استحباب هذا القول لزائر القبور، وفيه ترجيح لقول من قال في قوله: سلام عليكم دار قوم مؤمنين أن معناه أهل دار قوم مؤمنين، وفيه أن المسلم والمؤمن قد يكونان بمعنى واحد، وعطف أحدهما على الاَخر لاختلاف اللفظ وهو بمعنى قوله تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} ولا يجوز أن يكون المراد بالمسلم في هذا الحديث غير المؤمن، لأن المؤمن إن كان منافقاً لا يجوز السلام عليه والترحم، وفيه دليل لمن جوز للنساء زيارة القبور، وفيها خلاف للعلماء وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها تحريمها عليهن لحديث: "لعن الله زوارات القبور". والثاني: يكره.
والثالث: يباح، ويستدل له بهذا الحديث وبحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" ويجاب عن هذا بأن نهيتكم ضمير ذكور فلا يدخل فيه النساء على المذهب الصحيح المختار في الأصول والله أعلم
*2* باب استئذان النبيّ صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) قَالا: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ (يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ)عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَأْذَنْتُ رَبّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأِمّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي. وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَارَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمّهِ. فَبَكَىَ وَأَبْكَىَ مَنْ حَوْلَهُ. فَقَالَ: "اسْتَأْذَنْتُ رَبّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي. فَزُورُوا الْقُبُورَ. فَإِنّهَا تُذَكّرُ الْمَوْتَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى (وَاللّفْظُ لاِءَبِي بَكْرٍ وَابْنِ نُمَيْرٍ). قَالُوا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ (وَهُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرّةَ) عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا. وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيّ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ. وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النّبِيذِ إِلا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلّهَا، وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِراً".
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ(الشّكّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ) عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعِ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيّ قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كُلّهُمْ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي" فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة، لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى وقد قال الله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} وفيه النهي عن الاستغفار للكفار. قال القاضي عياض رحمه الله: سبب زيارته صلى الله عليه وسلم قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: "فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت"، قوله: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت) هذا الحديث وجد في رواية أبي العلاء بن ماهان لأهل المغرب، ولم يوجد في روايات بلادنا من جهة عبد الغافر الفارسي، ولكنه يوجد في كثير من الأصول في آخر كتاب الجنائز ويصيب عليه وربما كتب في الحاشية، رواه أبو داود وفي سننه عن محمد بن سليمان الأنباري عن محمد بن عبيد بهذا الإسناد، ورواه النسائي عن قتيبة عن محمد بن عبيد، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن عبيد وهؤلاء كلهم ثقات فهو حديث صحيح بلا شك. قوله: (فبكى وأبكى من حوله) قال القاضي: بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ما فاتها من إدراك أيامه والإيمان به.
قوله: (محارب بن دثار) هو بكسر الدال وتخفيف المثلثة. قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) هذا من الأحاديث التي تجمعالناسخ والمنسوخ، وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها وأجمعوا على أن زيارتها سنة لهم، وأما النساء ففيهن خلاف لأصحابنا قدمناه وقدمنا أن من منعهن قال: النساء لا يدخلن في خطاب الرجال وهو الصحيح عند الأصوليين، وأما الانتباذ في الأسقية فسبق بيانه في كتاب الإيمان في حديث وفد عبد القيس وستأتي بقيته في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى، وأما الأضاحي فسيأتي إيضاحها في بابها إن شاء الله تعالى
*2* باب ترك الصلاة على القاتل نفسه
*حدّثنا عَوْنُ بْنُ سَلاّمٍ الْكُوفِيّ. أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: أُتِيَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ. فَلَمْ يُصَلّ عَلَيْهِ.
قوله: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه) المشاقص سهام عراض واحدها مشقص بكسر الميم وفتح القاف، وفي هذا الحديث دليل لمن يقول لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله وصلت عليه الصحابة، وهذا كما ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجراً لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائه وأمر أصحابه بالصلاة عليه فقال صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم" قال القاضي: مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا. وعن مالك وغيره أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجراً لهم. وعن الزهري لا يصلى على مرحوم ويصلى على المقتول في قصاص. وقال أبو حنيفة: لا يصلى على محارب ولا على قتيل الفئة الباغية. وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنا. وعن الحسن لا يصلى على النفساء تموت من زنا ولا على ولدها، ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير. واختلفوا في الصلاة على السقط فقال بها فقهاء المحدثين وبعض السلف إذا مضى عليه أربعة أشهر، ومنعها جمهور الفقهاء حتى يستهل وتعرف حياته بغير ذلك، وأما الشهيد المقتول في حرب الكفار فقال مالك والشافعي والجمهور: لا يغسل ولا يصلى عليه. وقال أبو حنيفة: يغسل ولا يصلى عليه. وعن الحسن يغسل ويصلى عليه والله أعلم.