كتاب الصيام
 كتاب الصيام

باب فضل شهر رمضان

حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضي اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنّةِ، وَغُلّقَتْ أَبْوابُ النّارِ، وَصُفّدَتِ الشّيَاطِينُ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَنَسٍ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتّحَتْ أَبْوابُ الرّحْمَةِ، وَغُلّقَتْ أَبْوابُ جَهَنّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشّياطِينُ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ الْحُلْوَانِيّ قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي نَافِعُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ" بِمِثْلِهِ.
هو في اللغة الإمساك وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص بشرطه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين". وفي الرواية الأخرى: "إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين". وفي رواية: "إذا دخل رمضان" فيه دليل للمذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه البخاري والمحققون أنه يجوز أن يقال رمضان من غير ذكر الشهر بلا كراهة، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب، قالت طائفة: لا يقال رمضان على انفراده بحال وإنما يقال شهر رمضان هذا قول أصحاب مالك، وزعم هؤلاء أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى فلا يطلق على غيره إلا بقيد. وقال أكثر أصحابنا وابن الباقلاني إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة وإلا فيكره، قالوا: فيقال صمنا رمضان قمنا رمضان ورمضان أفضل الأشهر، ويندب طلب ليلة القدر في أواخر رمضان وأشباه ذلك ولا كراهة في هذا كله، وإنما يكره أن يقال جاء رمضان ودخل رمضان وحضر رمضان وأحب رمضان ونحو ذلك. والمذهب الثالث مذهب البخاري والمحققين أنه لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة، وهذا المذهب هو الصواب والمذهبان الأولان فاسدان لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت فيه نهي. وقولهم أنه اسم من أسماء الله تعالى ليس بصحيح ولم يصح فيه شيء وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف، وأسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح، ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة، وهذا الحديث المذكور في الباب صريح في الرد على المذهبين، ولهذا الحديث نظائر كثيرة في الصحيح في إطلاق رمضان على الشهر من غير ذكر الشهر، وقد سبق التنبيه على كثير منها في كتاب الإيمان وغيره والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" فقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته، وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر وتعظيم لحرمته، ويكون التصفيد ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم، قال: ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم ليصيرون كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء ولناس دون ناس، ويؤيد هذه الرواية الثانية فتحت أبواب الرحمة، وجاء في حديث آخر صفدت مردة الشياطين، قال القاضي: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموماً كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات، وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذلك تغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات، ومعنى صفدت غللت والصفد بفتح الفاء الغل بضم الغين وهو معنى سلسلت في الرواية الأخرى، هذا كلام القاضي أو فيه أحرف بمعنى كلامه
*2* باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما
*حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: "لاَ تَصُومُوا حَتّىَ تَرَوُا الْهِلاَلَ. وَلاَ تُفْطِرُوا حَتّىَ تَرَوْهُ. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ. فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ: "الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا (ثُمّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثّالِثَةِ) فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ. وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ "فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَاقِدِرُوا ثَلاَثِينَ" نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ.
م 3 حع...) وحدّثنا عُبَيْدِ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدُ اللّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَقَالَ "الشّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا". وَقَالَ "فَاقْدِرُوا لَهُ" وَلَمْ يَقُلْ "ثَلاثِينَ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا الشّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتّىَ تَرَوْهُ. وَلاَ تُفْطِرُوا حَتّىَ تَرَوْهُ. فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ".
وحدّثني حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيّ. حَدّثَنَا بِشْرُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا سَلَمَة (وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الشّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. فَإِذَا رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدّثَنِي رج سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رضيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الشّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً. لاَ تُصُومُوا حَتّىَ تَرَوْهُ. وَلاَ تُفْطِرُوا حَتّىَ تَرَوْهُ إِلاّ أَنْ يُغَمّ عَلَيْكُمْ. فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ".
حدّثنا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا" وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ فِي الثّالِثَةِ.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا حَسَنٌ الأَشْيَبُ حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَىَ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الشّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ".
وحدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. عَشْراً وَعَشْراً وَتِسْعاً".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الشّهْرُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا" وَصَفّقَ بِيَدَيْهِ مَرّتَيْنِ بِكُلّ أَصَابِعِهِمَا. وَنَقَصَ، فِي الصّفْقَةِ الثّالِثَةِ، إِبْهَامَ الْيُمْنَىَ أَوِ الْيُسْرَىَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُقْبَةَ (وَهُوَ ابْنُ حُرَيْثٍ) قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الشّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" وَطَبّقَ شُعْبَةُ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ. وَكَسَرَ الإِبْهَامَ فِي الثّالِثَةِ.
قَالَ عُقْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ "الشّهْرُ ثَلاَثُونَ" وَطَبّقَ كَفّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّىَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّا أُمّةٌ أُمّيّةٌ. لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ. الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا" وعقد الإبهام في الثالثة "وأشهر هكذا وهكذا وهكذا" يَعْنِي تَمَامَ ثَلاَثِينَ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ لِلشّهْرِ الثّانِي: ثَلاَثِينَ.
حَدّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا رَجُلاً يَقُولُ: اللّيْلَةَ لَيْلَةُ النّصْفِ. فَقَالَ لَهُ: ما يُدْرِيكَ أَنّ اللّيْلَةَ النّصْفُ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا. (وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ مَرّتَيْنِ) وَهَكَذَا (فِي الثّالِثَةِ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ كُلّهَا وَحَبَسَ أَوْ خَنَسَ إِبْهَامهُ)".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمَ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْماً".
حدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَلاّمٍ الْجُمَحِيّ. حَدّثَنَا الرّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمّدٍ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ غُمّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ غُمّيَ عَلَيْكُمُ الشّهْرُ فَعُدّوا ثَلاَثِينَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْهِلاَلَ فَقَالَ "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ. فَعُدّوا ثَلاَثِينَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن أغمي عليكم فاقدروا له" وفي رواية: "فاقدروا له ثلاثين" وفي رواية: "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا فإن غم عليكم فاقدروا له". وفي رواية: "فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً". وفي رواية: "فإن غمي عليكم فاكملوا العدد" وفي رواية: "فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين". وفي رواية: "فإن أغمى عليكم فعدوا ثلاثين". هذه الروايات كلها في الكتاب على هذا الترتيب. وفي رواية للبخاري: "فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" واختلف العلماء في معنى فاقدروا له فقالت طائفة من العلماء معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم يوم ليلة الغيم عن رمضان كما سنذكره إن شاء الله تعالى. وقال ابن سريج وجماعة منهم مطرف بن عبد الله وابن قتيبة وآخرون معناه قدروه بحساب المنازل. وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوماً. قال أهل اللغة: يقال قدرت الشيء أقدره وأقدره وقدرته وأقدرته بمعنى واحد وهو من التقدير. قال الخطابي: ومنه قول الله تعالى: {فقدرنا فنعم القادرون} واحتج الجمهور بالروايات المذكورة: {فأكملوا العدة ثلاثين} وهو تفسير لا قدروا له ولهذا لم يجتمعا في رواية، بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا، ويؤكده الرواية السابقة: فاقدروا له ثلاثين. قال المازري: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر، قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم" فمعناه حال بينكم وبينه غيم، يقال غم وأغمى وغمى وغمى بتشديد الميم وتخفيفها والغين مضمومة فيهما، ويقال غبي بفتح الغين وكسر الباء وكلها صحيحة، وقد غامت السماء وغيمت وأغامت وتغيمت وأغمت، وفي هذه الأحاديث دلالة لمذهب مالك والشافعي والجمهور أنه لا يجوز صوم يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم. قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" المراد رؤية بعض المسلمين ولا يشترط رؤية كل إنسان بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين، وكذا عدل على الأصح هذا في الصوم، وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل. قوله صلى الله عليه وسلم: "الشهر هكذا وهكذا" وفي رواية: "الشهر تسع وعشرون". معناه أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين، وحاصله أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تاماً ثلاثين وقد يكون ناقصاً تسعاً وعشرين وقد لا يرى الهلال فيجب إكمال العدد ثلاثين، قالوا: وقد يقع النقص متوالياً في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع في أكثر من أربعة. وفي هذا الحديث جواز اعتماد الإشارة المفهمة في مثل هذا. قوله: (حدثنا زياد بن عبد الله البكائي) هو بفتح الباء وتشديد الكاف. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا" قال العلماء: أمية باقون على ما ولدتنا عليه الأمهات لا نكتب ولا نحسب، ومنه النبي الأمي، وقيل: هو نسبة إلى الأم وصفتها لأن هذه صفة النساء غالباً. قوله: (سمع ابن عمر رجلاً يقول الليلة النصف فقال له وما يدريك أن الليلة النصف) وذكر الحديث معناه أنك لا تدري أن الليلة النصف أم لا لأن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين وأنت أردت أن الليلة ليلة اليوم الذي بتمامه يتم النصف، وهذا إنما يصح على تقدير تمامه ولا تدري أنه تام أم لا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن غمي عليكم الشهر" هو بضم الغين وكسر الميم مشددة ومخففة
*2* باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا وَكيعٌ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهِ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَقَدّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ، إِلاّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً، فَلْيَصُمْهُ".
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيّ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلاّمٍ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدّثَنَا أَيّوبُ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله، فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام، هذا هو الصحيح في مذهبنا لهذا الحديث، وللحديث الاَخر في سنن أبي داود وغيره: "إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان" فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له فإن كانت عادته صوم يوم الاثنين ونحوه فصادفه فصامه تطوعاً بنية ذلك جاز لهذا الحديث، وسواء في النهي عندنا لمن لم يصادف عادته ولا وصله يوم الشك وغيره فيوم الشك داخل في النهي، وفيه مذاهب للسلف فيمن صامه تطوعاً، وأوجب صومه عن رمضان أحمد وجماعة بشرط أن يكون هناك غيم والله أعلم
*2* باب الشهر يكون تسعا وعشرين
*حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَقْسَمَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَىَ أَزْوَاجِهِ شَهْرَاً. قَالَ الزّهْرِيّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، أَعُدّهُنّ، دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. (قَالَتْ بَدَأَ بِي) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً. وَإِنّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَعُدّهُنّ. فَقَالَ "إِنّ الشّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَزَلَ نِسَاءَهُ شَهْراً. فَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقُلْنَا: إِنّمَا الْيَوْمُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. فَقَالَ: "إِنّما الشّهْرُ" وَصَفّقَ بِيَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ. وَحَبَسَ إِصْبَعاً وَاحِدَةً فِي الاَخِرَةِ.
حدّثني هَرُونَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قال: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِأَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: اعْتَزَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ شَهْرَاً. فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِنّمَا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِنّ الشّهْرَ يَكُونُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ" ثُمّ طَبّقَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ ثَلاثَاً: مَرّتَيْنِ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ كُلّهَا. وَالثّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا.
حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قال: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ صَيْفيَ أَنّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَىَ بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْراً. فَلَمّا مَضَىَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمَاً، غَدَا عَلَيْهِمْ (أَوْ رَاحَ). فَقِيلَ لَهُ: حَلَفْتَ، يَا نَبِيّ اللّهِ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً. قَالَ "إِنّ الشّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْماً".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ) جَمِيعاً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ عَلَى الأُخْرَىَ. فَقَالَ: "الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا" ثُمّ نَقَصَ فِي الثّالِثَةِ إِصْبْعَاً.
وحدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا حسينُ بْنُ عَلِيَ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الشّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا". عَشْراً وَعَشْراً وَتِسْعاً مَرّةَ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَ سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ (يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَىَ حَدِيثِهِما.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل على أزواجه شهراً ثم دخل لما مضت تسع وعشرون ليلة ثم قال الشهر تسع وعشرون".
وفي رواية (فخرج إلينا في تسعة وعشرين فقلنا له إنما اليوم تسعة وعشرون). وفي رواية: (فخرج إلينا صباح تسع وعشرين فقال إن الشهر يكون تسعاً وعشرين).
وفي رواية: (فلما مضى تسع وعشرون يوماً غدا عليهم أو راح) قال القاضي رحمه الله تعالى: معناه كله بعد تمام تسعة وعشرين يوماً يدل عليه رواية فلما مضى تسع وعشرون يوماً. وقوله: صباح تسع وعشرين أي صباح الليلة التي بعد تسعة وعشرين يوماً وهي صبيحة ثلاثين، ومعنى الشهر تسعة وعشرون أنه قد يكون تسعة وعشرين كما صرح به في بعض هذه الروايات والله أعلم
*2* باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ مُحَمّدٍ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرمْلَةَ) عَنْ كُرَيْبٍ أَنّ أُمّ الفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَىَ مُعَاوِيَةَ بِالشّامِ. قَالَ: فَقَدِمْتُ الشّامَ. فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا. وَاسْتُهِلّ عَلَيّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشّامِ. فَرَأَيْتُ الهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. ثُمّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشّهْرِ. فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ رضي اللّهِ عنهما. ثُمّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ: مَتَىَ رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. وَرَآهُ النّاسُ. وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: لَكِنّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السّبْتِ. فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتّىَ نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ. أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ. هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَشَكّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ فِي: نَكْتَفِي أَوْ تَكْتَفِي.
فيه حديث كريب عن ابن عباس وهو ظاهر الدلالة للترجمة، والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، وقيل: إن اتفق المطلع لزمهم. وقيل: إن اتفق الإقليم وإلا فلا. وقال بعض أصحابنا: تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض، فعلى هذا نقول إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنه شهادة فلا تثبت بواحد، لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا وإنما رده لأن الرؤية لم يثبت حكمها في حق البعيد. قوله: (واستهل على رمضان) هو بضم التاء من استهل
*2* باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وأن الله تعالى أمده للرؤية فإن غم فليكمل ثلاثون
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ. فَلَمّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ: تَرَاءَيْنَا الْهِلاَلَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: فَلَقِينَا ابْنَ عَبّاسٍ. فَقُلْنَا: إِنّا رَأَيْنَا الْهِلاَلَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمُ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ: أَيّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ اللّهَ مَدّهُ لِلرّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيّ قَالَ: أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِذَاتِ عِرْقٍ. فَأَرْسَلْنَا رَجُلاً إِلَىَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَسْأَلُهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِي اللّهَ عَنْهما: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ قَدْ أَمَدّهُ لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدّةَ".
فيه حديث أبي البختري عن ابن عباس وهو ظاهر الدلالة للترجمة. وقوله: (تراءينا الهلال) أي تكلفنا النظر إلى جهته لنراه. قوله: (عن ابن عباس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مده للرؤية) هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله مده للرؤية، وجميع النسخ متفقة على مده من غير ألف فيها. وفي الرواية الثانية فقال ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أمده لرؤيته). هكذا هو في جميع النسخ أمده بألف في أوله. قال القاضي: قال بعضهم الوجه أن يكون أمده بالتشديد من الإمداد ومده من الامتداد، قال القاضي: والصواب عندي بقاء الرواية على وجهها ومعناه أطال مدته إلى الرؤية، يقال منه مد وأمد، قال الله تعالى: {وإخوانهم يمدونهم في الغي} قرئ بالوجهين أي يطيلون لهم، قال: وقد يكون أمده من المدة التي جعلت له، قال صاحب الأفعال: أمددتكها أي أعطيتكها. قوله في الإسناد (عن أبي البختري) هو بفتح الموحدة وإسكان الخاء المعجمة وفتح التاء واسمه سعيد بن فيروز ويقال ابن عمران ويقال ابن أبي عمران الطائي توفي سنة ثلاث وثمانين عام الجماجم
*2* باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم "شهرا عيد لا ينقصان"
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ. رَمَضَانُ وَذُو الْحِجّةِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ سُوَيْدٍ وَ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ".
فِي حَدِيثِ خَالِدٍ "شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الحِجّةِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة" الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما، وقيل معناه لا ينقصان جميعاً في سنة واحدة غالباً، وقيل لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان لأن فيه المناسك، حكاه الخطابي وهو ضعيف، والأول هو الصواب المعتمد ومعناه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً" وغير ذلك، فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص والله أعلم
*2* باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ: {حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (2 البقرة الاَية: 1). قَالَ لَهُ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ: يَا رَسُولَ الله إِنّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ: عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ. أَعْرِفُ اللّيْلَ مِنَ النّهَارِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ وِسَادَتكَ لَعَرِيضٌ. إِنّمَا هُوَ سَوَادُ اللّيْلِ وَبَيَاضُ النّهَارِ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ. حَدّثَنَا أَبُو حَازِمٍ. حَدّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}، قَالَ: كَانَ الرّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطاً أَبْيَضَ وَخَيْطاً أَسْوَدَ. فَيَأْكُلُ حَتّىَ يَسْتَبْيِنَهُمَا. حَتّىَ أَنْزَلَ الله عَزّ وَجَلّ: {مِنَ الْفَجْرِ}: فَبَيّنَ ذَلِكَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو غَسّانَ. حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ. قال: فَكَانَ الرّجُلُ إِذَا أَرَادَ الصّوْمَ، رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الأَسْوَدَ وَالْخَيْطَ الأَبْيَضَ. فَلاَ يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتّىَ يَتَبَيّن لَهُ رِئْيُهُمَا. فَأَنْزَلَ الله بَعْدَ ذَلِكَ: مِنَ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنّمَا يَعْنِي، بِذَلِكَ، اللّيْلَ وَالنّهَارَ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ "إِنّ بِلاَلاً يُؤَذّنُ بِلَيْلٍ. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّىَ تَسْمَعُوا تَأْذِينَ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ".
حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنّ بِلاَلاً يُؤَذّنُ بِلَيْلٍ. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّىَ تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ".
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذّنَانِ: بِلاَلٌ وَابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ الأَعْمَىَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ بِلاَلاً يُؤَذّنُ بِلَيْلٍ. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّىَ يُؤَذّنَ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ". قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَىَ هَذَا.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ. أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِالإِسْنَادَيْنِ كِلَيْهِمَا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَمْنَعَنّ أَحَداً مِنْكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ (أَوْ قَالَ نِدَاءُ بِلاَلٍ) مِنْ سُحُورِهِ فَإِنّهُ يُؤَذّنُ (أَوْ قَالَ يُنَادِي) بِلَيْلٍ. لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ". وَقَالَ: "لَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَهَكَذَا (وَصَوّبَ يَدَهُ وَرَفَعَهَا) حَتّى يَقُولَ هَكَذَا" (وَفَرّجَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ).
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ (يَعْنِي الأَحْمَرَ) عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "إِنّ الْفَجْرَ لَيْسَ الّذِي يَقُولُ هَكَذَا (وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمّ نَكَسَهَا إِلَىَ الأَرْضِ) وَلَكِنِ الّذِي يَقُولُ هَكَذَا (وَوَضَعَ الْمُسَبّحَةَ عَلَىَ الْمَسَبّحَةِ وَمَدّ يَدَيْهِ)".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. كِلاَهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَانْتَهَىَ حَدِيثُ الْمُعْتَمِرِ عِنْد قَوْلِهِ "يُنَبّهُ نَائِمَكُمْ وَيَرْجِعُ قَائِمَكُمْ".
وَقَالَ إِسْحَقُ: قَالَ جَرِيرٌ فِي حَدِيثِهِ "وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا. وَلَكِنْ يَقُولُ هَكَذَ" (يَعْنِي الْفَجْرَ) هُوَ الْمُعْتَرِضُ وَلَيْسَ بِالْمُسْتَطِيلِ.
حع) حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِيّ. حَدّثَنِي وَالِدِي أَنّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ يَغُرّنّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ مِنَ السّحُورِ، وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ حَتّىَ يَسْتَطِيرَ".
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَوَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَغُرّنّكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ، وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ (لِعَمُودِ الصّبْحِ) حَتّىَ يَسْتَطِيرَ هَكَذَا".
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِيّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَغُرّنّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ، وَلاَ بَيَاضُ الأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هَكَذَا، حَتّىَ يَسْتَطِيرَ هَكَذَا".
وَحَكَاهُ حَمّادٌ بِيَدَيْهِ قَالَ: يَعْنِي مُعْتَرِضاً.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَوَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَخْطُبُ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ "لاَ يَغُرّنّكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ، وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ حَتّى يَبْدُوَ الْفَجْرُ (أَوْ قَالَ) حَتّىَ يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ".
وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنِي سَوَادَةُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْقُشَيْرِيّ قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ هَذا.
قوله: (عن عدي بن حاتم لما نزلت: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} قال له عدي: يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين عقالاً أبيض وعقالاً أسود أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وسادك لعريض إنما هو سواد الليل وبياض النهار) هكذا هو في كثير من النسخ أو أكثرها فقال له عدي، وفي بعضها قال عدي بحذف له وكلاهما صحيح، ومن أثبتها أعاد الضمير إلى معلوم أو متقدم الذكر عند المخاطب، وفي أكثر النسخ أو كثير منها: إن وسادك لعريض، وفي بعضها: إن وسادتك لعريض بزيادة تاء، وله وجه أيضاً مع قوله عريض، ويكون المراد بالوسادة الوساد كما في الرواية الأخرى فعاد الوصف على المعنى لا على اللفظ، وأما معنى الحديث فللعلماء فيه شروح أحسنها كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى قال: إنما أخذ العقالين وجعلهما تحت رأسه وتأول الاَية لكونه سبق إلى فهمه أن المراد بها هذا، وكذا وقع لغيره ممن فعل فعله حتى نزل قوله تعالى: {من الفجر} فعلموا أن المراد به بياض النهار وسواد الليل، وليس المراد أن هذا كان حكم الشرع أولاً ثم نسخ بقوله تعالى: {من الفجر} كما أشار إليه الطحاوي والداودي. قال القاضي: وإنما المراد أن ذلك فعله وتأوله من لم يكن مخالطاً للنبي صلى الله عليه وسلم بل هو من الأعراب ومن لا فقه عنده، أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عدي بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن وسادك لعريض إنما هو بياض النهار وسواد الليل" قال: وفيه أن الألفاظ المشتركة لا يصار إلى العمل بأظهر وجوهها وأكثر استعمالها إلا إذا عدم البيان وكان البيان حاصلاً بوجود النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عبيد: الخيط الأبيض الفجر الصادق، والخيط الأسود الليل والخيط اللون. وفي هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم: "سواد الليل وبياض النهار" دليل على أن ما بعد الفجر هو من النهار لا من الليل ولا فاضل بينهما، وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء، وحكى فيه شيء عن الأعمش وغيره لعله لا يصح عنهم. قوله صلى الله عليه وسلم: (إن وسادك لعريض) قال القاضي: معناه إن جعلت تحت وسادك الخيطين الذين أرادهما الله تعالى وهما الليل والنهار فوسادك يعلوهما ويغطيهما وحينئذ يكون عريضاً، وهو معنى الرواية الأخرى في صحيح البخاري إنك لعريض القفا لأن من يكون هذا وساده يكون عظم قفاه من نسبته بقدره وهو معنى الرواية الأخرى إنك لضخم. وأنكر القاضي قول من قال إنه كناية عن الغباوة أو عن السمن لكثرة أكله إلى بيان الخيطين. وقال بعضهم: المراد بالوساد النوم أي إن نومك كثير. وقيل أراد به الليل أي من لم يكن النهار عنده إلا إذا بان له العقالان طال ليله وكثر نومه، والصواب ما اختاره القاضي والله أعلم.
قوله: (ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رئيهما) هذه اللفظة ضبطت على ثلاثة أوجه: أحدها رئيهما براء مكسورة ثم همزة ساكنة ثم ياء ومعناه منظرهما ومنه قول الله تعالى: {أحسن أثاثاً ورئيا}. والثاني زيهما بزاي مكسورة وياء مشددة بلا همزة ومعناه لونهما. والثالث ريهما بفتح الراء وكسرها وتشديد الياء قال القاضي: هذا غلط هنا لأن الري التابع من الجن، قال: فإن صح رواية فمعناه مرى والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم" فيه جواز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر، وفيه جواز الأكل والشرب والجماع وسائر الأشياء إلى طلوع الفجر، وفيه جواز أذان الأعمى قال أصحابنا هو جائز، فإن كان معه بصير كابن أم مكتوم مع بلال فلا كراهة فيه، وإن لم يكن معه بصير كره للخوف من غلطه، وفيه استحباب أذانين للصبح أحدهما قبل الفجر والاَخر بعد طلوعه أول الطلوع، وفيه اعتماد صوت المؤذن، واستدل به مالك والمزني وسائر من يقبل شهادة الأعمى، وأجاب الجمهور عن هذا بأن الشهادة يشترط فيها العلم ولا يحصل علم بالصوت لأن الأصوات تشتبه، وأما الأذان ووقت الصلاة فيكفي فيها الظن، وفيه دليل لجواز الأكل بعد النية، ولا تفسد نية الصوم بالأكل بعدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الأكل إلى طلوع الفجر، ومعلوم أن النية لا تجوز بعد طلوع الفجر فدل على أنها سابقة وأن الأكل بعدها لا يضر، وهذا هو الصواب المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا، وقال بعض أصحابنا: متى أكل بعد النية أو جامع فسدت ووجب تجديدها وإلا فلا يصح صومه وهذا غلط صريح وفيه استحباب السحور وتأخيره، وفيه اتخاذ مؤذنين للمسجد الكبير، قال أصحابنا: وإن دعت الحاجة جاز اتخاذ أكثر منهما كما اتخذ عثمان أربعة، وإن احتاج إلى زيادة على أربعة فالأصح اتخاذهم بحسب الحاجة والمصلحة. قوله: (ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا) قال العلماء: معناه أن بلالاً كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال أو نداء بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم" فلفظة قائمكم منصوبة مفعول يرجع قال الله تعالى: {فإن رجعك الله} ومعناه أنه إنما يؤذن بليل ليعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد، فيرد القائم المتهجد إلى راحته لينام غفوة ليصبح نشيطاً، أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارة أخرى، أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ويوقظ نائمكم" أي ليتأهب للصبح أيضاً بفعل ما أراد من تهجد قليل أو إيتار إن لم يكن أوتر، أو سحور إن أراد الصوم، أو اغتسال أو وضوء أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر. قوله صلى الله عليه وسلم في صفة الفجر: "ليس أن يقول هكذا وهكذا وصوب يده ورفعها حتى يقول هكذا وفرج بين أصبعيه". وفي الرواية الأخرى: "إن الفجر ليس الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذي يقول هكذا ووضع المسبحة على المسبحة ومديده". وفي الرواية الأخرى: (هو المعترض وليس بالمستطيل). وفي الرواية الأخرى: "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا" قال الراوي: يعني معترضاً في هذه الأحاديث بيان الفجر الذي يتعلق به الأحكام وهو الفجر الثاني الصادق، والمستطير بالراء وقد سبق في ترجمة الباب بيان الفجرين وفيها أيضاً الإيضاح في البيان والإشارة لزيادة البيان في التعليم والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور" ضبطناه بفتح السين وضمها فالمفتوح اسم للمأكول والمضموم اسم للفعل وكلاهما صحيح هنا.
*2* باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُليّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَسَحّرُوا فَإِنّ فِي السّحُورِ بَرَكَةً".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَىَ عَمْرِو بْنِ الْعاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السّحَرِ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. جَمِيعاً عَنْ وَكِيعٍ. ح وَحَدّثَنِيهِ أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابتٍ رَضيَ الله عَنه قَالَ: تَسَحّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قُمْنَا إِلَىَ الصّلاَةِ.
قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُما؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً.
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا هَمّامٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضي الله عنه أَنّ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَزالُ النّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجّلُوا الْفِطْرَ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ سُفْيَانَ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللّهُ عنه، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. و أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَطِيّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَ مَسْرُوقٌ عَلىَ عَائِشَةَ. فَقُلْنَا: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم. أَحَدُهُمَا يُعَجّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجّلُ الصّلاَةَ. وَالاَخَرُ يُؤَخّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخّرُ الصّلاَةَ. قَالَتْ: أَيّهُمَا الّذِي يُعَجّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجّلُ الصّلاَةَ؟ قَالَ قُلْنَا: عَبْدُ الله (يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ) قَالَتْ: كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: والاَخَرُ أَبُو مُوسَى.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي عَطِيّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَ مَسْرُوقٌ عَلَىَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ: رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم. كِلاَهُمَا لاَ يَأْلُو عَنِ الْخَيْرِ. أَحَدُهُمَا يُعَجّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ. وَالاَخَرُ يُؤَخّرُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ. فَقَالَتْ: مَنْ يَعَجّلُ الْمَغْرِبَ والإِفْطَارَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللّهِ. فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" روي بفتح السين من السحور وضمها وسبق قريباً بيانهما. فيه الحث على السحور، وأجمع العلماء على استحبابه وأنه ليس بواجب، وأما البركة التي فيه فظاهرة لأنه يقوي على الصيام وينشط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر، فهذا هو الصواب المعتمد في معناه، وقيل لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف وقت تنزل الرحمة وقبول الدعاء والاستغفار، وربما توضأ صاحبه وصلى أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة أو التأهب لها حتى يطلع الفجر.
قوله: (عن موسى بن علي) هو بضم العين على المشهور وقيل بفتحها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" معناه الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور، وأكلة السحر هي السحور وهي بفتح الهمزة هكذا ضبطناه وهكذا ضبطه الجمهور وهو المشهور في روايات بلادنا، وهي عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة وإن كثر المأكول فيها، وأما الأكلة بالضم فهي اللقمة، وادعى القاضي عياض أن الرواية فيه بالضم ولعله أراد رواية أهل بلادهم فيها بالضم، قال: والصواب الفتح لأنه المقصود هنا.
قوله: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم بينهما؟ قال خمسين آية) معناه بينهما قدر قراءة خمسين آية أو أن يقرأ خمسين وفيه الحث على تأخير السحور إلى قبيل الفجر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس، ومعناه لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه.
قوله: (لا يألو عن الخير) أي لا يقصر عنه.
*2* باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو كُرَيْب وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. وَاتّفَقُوا فِي اللّفْظِ (قَالَ يَحْيَىَ: أخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) جَمِيعاً عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ رَضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْبَلَ اللّيْلُ، وَأَدْبَرَ النّهارُ، وَغَابَتِ الشّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصّائِمُ".
لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ نُمَيْرٍ "فَقَدْ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ الشّيْبَانِيّ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ أَبِي أَوْفَىَ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. فَلَمّا غَابَتِ الشّمْسُ قَالَ: "يَا فُلاَنُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنّ عَلَيْكَ نَهَاراً. قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" قَالَ: فَنَزَلَ فَجَدَحَ. فَأَتَاهُ بِهِ. فَشَرِبَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَالَ بِيَدِهِ: "إِذَا غَابَتِ الشّمْسُ مِنْ هَهُنَا، وَجَاءِ اللّيْلُ مِنْ هَهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصّائِمُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ وَ عَبّادُ بْنُ الْعَوّامِ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَىَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَلَمّا غَابَتِ الشّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ "انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ "انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" قَالَ: إِنّ عَلَيْنَا نَهَاراً. فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ. ثُمّ قَالَ "إِذَا رَأَيْتُمُ اللّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَهُنَا (وَأَشَار بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) فَقَدْ أَفْطَرَ الصّائِمُ".
وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ الشّيْبَانِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ أَبِي أَوْفَىَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ. فَلَمّا غَرَبَتِ الشّمْسُ قَالَ: "يَا فُلاَنُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَعَبّادِ بْنِ الْعَوّامِ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَىَ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَىَ رَضِيَ اللّهُ عنه، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَعَبّادٍ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَلاَ قَوْلُهُ "وَجَاءَ اللّيْلُ مِنْ هَهُنَا" إِلاّ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ وَحْدَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم" معناه انقضى صومه وتم ولا يوصف الاَن بأنه صائم، فإن بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل والليل ليس محلاً للصوم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس" قال العلماء: كل واحد من هذه الثلاثة يتضمن الاَخرين ويلازمهما، وإنما جمع بينها لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "انزل فاجدح لنا فنزل فجدح" هو بجيم ثم حاء مهملة وهو خلط الشيء بغيره، والمراد هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي، والمجدح بكسر الميم عود مجنح الرأس ليساط به الأشربة وقد يكون له ثلاث شعب. قوله: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما غابت الشمس قال لرجل: انزل فاجدح لنا فقال: يا رسول الله لو أمسيت، فقال: انزل فاجدح لنا، قال: إن علينا نهاراً فنزل فجدح فشرب ثم قال: إذا رأيتم الليل إلى آخره) معنى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا صياماً وكان ذلك في شهر رمضان كما صرح به في رواية يحيى بن يحيى، فلما غربت الشمس أمره النبيّ صلى الله عليه وسلم بالجدح ليفطروا فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك، واحتمل عنده أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه بذلك. ويؤيد هذا قوله: إن عليك نهاراً لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذي يجب صومه، وهو معنى لو أمسيت أي تأخرت حتى يدخل المساء، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده، على أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى ذلك الضوء نظراً تاماً فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء، وفي هذا الحديث جواز الصوم في السفر وتفضيله على الفطر لمن لا تلحقه بالصوم مشقة ظاهرة، وفيه بيان انقضاء الصوم بمجرد غروب الشمس واستحباب تعجيل الفطر وتذكير العالم ما يخاف أن يكون نسيه، وأن الفطر على التمر ليس بواجب. وإنما هو مستحب لو تركه جاز، وأن الأفضل بعده الفطر على الماء، وقد جاء هذا الترتيب في الحديث الاَخر في سنن أبي داود وغيره في الأمر بالفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء فإنه طهور.
*2* باب النهي عن الوصال في الصوم
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الْوِصَالِ. قَالُوا: إِنّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "إِنّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ. إِنّي أُطْعَمُ وَأُسْقَىَ"
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاصَلَ فِي رَمَضَانَ. فَوَاصَلَ النّاسُ. فَنَهاهُمْ. قِيلَ لَهُ: أَنْتَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ "إِنّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ. إِنّي أُطْعَمُ وَأُسْقَىَ".
وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما، عَنِ النّبِي صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: فِي رَمَضَانَ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنّكَ، يَا رَسُولَ اللّهِ تُوَاصِلُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَأَيّكُمْ مِثْلِي؟ إِنّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبّي وَيَسْقِينِي".
فَلَمّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْماً ثُمّ يَوْماً. ثُمّ رَأَوُا الْهِلاَلَ. فَقَالَ: لَوْ تَأَخّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ" كَالْمُنَكّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِيّاكُمْ وَالْوِصَالَ" قَالُوا: فَإِنّكَ تُوَاصِلُ، يَا رَسُولَ الله قَالَ: "إِنّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي. إِنّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبّي وَيَسْقِيني فَاكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرةُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه، عَنِ النّبِي صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "فَاكْلَفُوا مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ عَنِ الْوِصَالِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُمَارَةَ عَنِ أَبِي زُرْعَةَ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو النّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي فِي رَمَضَانَ. فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَىَ جَنْبِهِ. وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَامَ أَيْضاً. حَتّىَ كُنّا رَهْطاً. فَلَمّا حَسّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّا خَلْفَهُ، جَعَلَ يَتَجَوّزُ فِي الصّلاَةِ. ثُمّ دَخَلَ رَحْلَهُ فَصَلّىَ صَلاَةً لاَ يُصَلّيهَا عِنْدَنَا. قَالَ: قُلْنَا لَهُ، حِينَ أَصْبَحْنَا: أَفَطِنْتَ لَنَا اللّيْلَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: "نَعَمْ. ذَاكَ الّذِي حَمَلَنِي عَلَىَ الّذِي صَنَعْتُ".
قَالَ: فَأَخَذَ يُوَاصِلُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَذَاكَ فِي آخِرِ الشّهْرِ. فَأَخَذَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُوَاصِلُونَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ إِنّكُمْ لسْتُمْ مِثْلِي. أَمَا وَالله لَوْ تَمَادّ لِي الشّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً، يَدَعُ الْمُتَعَمّقُونَ تَعَمّقَهُمْ".
حدّثنا عَاصِمُ بْنُ النّضْرِ التّيْمِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: وَاصَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَوّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ. فَوَاصَلَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَبَلَغَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ "لَوْ مُدّ لَنَا الشّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً، يَدَعُ الْمُتمّقُونَ تَعَمّقَهُمْ. إِنّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي. (أَوْ قَالَ) إِنّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ. إِنّي أَظَلّ يُطْعِمُنِي رَبّي وَيَسْقِينِي".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدَةَ. قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: نَهَاهُمُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ. فَقَالُوا: إِنّكَ تُوَاصِلُ قَالَ: "إِنّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ. إِنّي يُطْعِمُنِي رَبّي وَيَسْقِيني".
اتفق أصحابنا على النهي عن الوصال وهو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما، ونص الشافعي وأصحابنا على كراهته، ولهم في هذه الكراهة وجهان: أصحهما أنها كراهة تحريم. والثاني كراهة تنزيه، وبالنهي عنه قال جمهور العلماء. وقال القاضي عياض: اختلف العلماء في أحاديث الوصال فقيل النهي عنه رحمة وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف الأيام، قال: وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق إلى السحر ثم حكى عن الأكثرين كراهته. وقال الخطابي وغيره من أصحابنا: الوصال من الخصائص التي أبيحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمت على الأمة، واحتج لمن أباحه بقوله في بعض طرق مسلم نهاهم عن الوصال رحمة لهم، وفي بعضها لما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم، وفي بعضها: لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم، واحتج الجمهور بعموم النهي وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تواصلوا" وأجابوا على قوله رحمة بأنه لا يمنع ذلك كونه منهياً عنه للتحريم، وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم، وأما الوصال بهم يوماً ثم يوماً فاحتمل للمصلحة في تأكيد زجرهم وبيان الحكمة في نهيهم والمفسدة المترتبة على الوصال وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين من إتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها وآدابها وملازمة الأذكار وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليله والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" معناه يجعل الله تعالى في قوة الطاعم الشارب، وقيل هو على ظاهره وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلاً، ومما يوضح هذا التأويل ويقطع كل نزاع قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذا: "إني أظل يطعمني ربي ويسقيني" ولفظة ظل لا يكون إلا في النهار كما سنوضحه قريباً إن شاء الله تعالى، ولا يجوز الأكل الحقيقي في النهار بلا شك والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون" هو بفتح اللام ومعناه خذوا وتحملوا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فلما حس النبي صلى الله عليه وسلم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة ثم دخل رحله" هكذا هو في جميع النسخ حس بغير ألف، ويقع في طرق بعض النسخ أحس بالألف وهذا هو الفصيح الذي جاء به القرآن. وأما حس بحذف الألف فلغة قليلة وهذه الرواية تصح على هذه اللغة، وقوله: (يتجوز) أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزي مع بعض المندوبات والتجوز هنا للمصلحة. وقوله: (دخل رحله) أي منزله، قال الأزهري: رحل الرجل عند العرب هو منزله سواء كان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر وغيرها قوله صلى الله عليه وسلم: "أما والله لو تماد لي الشهر" هكذا هو في معظم الأصول، وفي بعضها تمادى وكلاهما صحيح، وهو بمعنى مد في الرواية الأخرى. قوله صلى الله عليه وسلم: "يدع المتعمقون تعمقهم" هم المشددون في الأمور المجاوزون الحدود في قول أو فعل. قوله في حديث عاصم بن النضر: (واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان) كذا هو في كل النسخ ببلادنا، وكذا نقله، القاضي عن أكثر النسخ قال: وهو وهم من الراوي، وصوابه آخر شهر رمضان، وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم وهو الموافق للحديث الذي قبله ولباقي الأحاديث. قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أظل يطعمني ربي ويسقيني" قال أهل اللغة: يقال ظل يفعل كذا إذا عمله في النهار دون الليل، وبات يفعل كذا إذا عمله في الليل، ومنه قول عنترة: ولقد أبيت على الطوى وأظله. أي أظل عليه، فيستفاد من هذه الرواية دلالة للمذهب الصحيح الذي قدمناه في تأويل أبيت يطعمني ربي، لأن ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز أن يكون أكلاً حقيقياً في النهار والله أعلم.
*2* باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته
*حدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُ إِحْدَىَ نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. ثُمّ تَضْحَكُ.
حدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدّثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً. ثُمّ قَالَ: نَعَمْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ. وَأَيّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟.
حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها. ح وَحَدّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَلَكِنّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ.
حدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَ مَسْرُوقٌ إِلَىَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها. فَقُلْنَا لَهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. وَلَكِنّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ أَوْ مِنْ أَمْلَكِكُمْ لإِرْبِهِ. شَكّ أَبُو عَاصِمٍ.
وحدّثنيهِ يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأَسْوَدِ وَ مَسْرُوقٍ أَنّهُمَا دَخَلاَ عَلَىَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ لِيَسْأَلاَنِهَا. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنّ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها أَخْبَرَتْهُ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيّ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلاّمٍ) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ، وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُ فِي شَهْرِ الصّوْمِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ. حدّثنا أَبُو بَكْرٍ النّهْشَلِيّ. حَدّثَنَا زِيَادُ ابْنُ عِلاَقَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيِ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُ، فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ صَائِمٌ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبّلُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. أَيُقَبّلُ الصّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَلْ هَذِهِ" (لأُمّ سَلَمَةَ) فَأَخْبَرَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا وَالله إِنّي لأَتْقَاكُمْ لله، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ".
قال الشافعي والأصحاب: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها، ولا يقال إنها مكروهة له وإنما قالوا إنها خلاف الأولى في حقه مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمن في حقه مجاوزة حد القبلة ويخاف على غيره مجاوزتها كما قالت عائشة: كان أملككم لإربه. وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح عند أصحابنا، وقيل مكروهة كراهة تنزيه. قال القاضي: قد قال بإباحتها للصائم مطلقاً جماعة من الصحابة والتابعين وأحمد وإسحاق وداود، وكرهها على الإطلاق مالك. وقال ابن عباس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي: تكره للشاب دون الشيخ الكبير وهي رواية عن مالك. وروى ابن وهب عن مالك رحمه الله إباحتها في صوم النفل دون الفرض، ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا أن ينزل المني بالقبلة، واحتجوا له بالحديث المشهور في السنن وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو تمضمضت" ومعنى الحديث أن المضمضة مقدمة الشرب، وقد علمتم أنها لا تفطر، وكذا القبلة مقدمة للجماع فلا تفطر. وحكى الخطابي وغيره عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب أن من قبل قضى يوماً مكان يوم القبلة. قوله: (عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك) قال القاضي: قيل يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا، وقيل التعجب من نفسها حيث جاءت بمثل هذا الحديث الذي يستحى من ذكره لا سيما حديث المرأة به عن نفسها للرجال، لكنها اضطرت إلى ذكره لتبليغ الحديث والعلم، فتتعجب من ضرورة الحال المضطرة لها إلى ذلك، وقيل ضحكت سروراً بتذكر مكانها من النبي صلى الله عليه وسلم وحالها معه وملاطفته لها. قال القاضي: ويحتمل أنها ضحكت تنبيهاً على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بحديثها. قوله: (فسكت ساعة) أي ليتذكر قولها: (وأيكم يملك إربه) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه. هذه اللفظة رووها على وجهين أشهرهما رواية الأكثرين إربه بكسر الهمزة وإسكان الراء، وكذا نقله الخطابي والقاضي عن رواية الأكثرين. والثاني: بفتح الهمزة والراء ومعناه بالكسر الوطر والحاجة وكذا بالفتح ولكنه يطلق المفتوح أيضاً على العضو، قال الخطابي في معالم السنن: هذه اللفظة تروى على وجهين الفتح والكسر قال: ومعناهما واحد وهو حاجة النفس ووطرها، يقال لفلان على فلان إرب وأرب وأربة ومأربة أي حاجة، قال: والإرب أيضاً العضو. قال العلماء: معنى كلام عائشة رضي الله عنها أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي صلى الله عليه وسلم في استباحتها لأنه يملك نفسه ويأمن الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس ونحو ذلك وأنتم لا تأمنون ذلك فطريقكم الانكفاف عنها. وفيه جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة، وأما في غير حال الضرورة فمنهي عنه. قولها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم) معنى المباشرة هنا اللمس باليد وهو من التقاء البشرتين. قوله: (دخلا على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ليسألانها) كذا هو في كثير من الأصول ليسألانها والنون وهي لغة قليلة، وفي كثير من الأصول يسألانها بحذف اللام وهذا واضح وهو الجاري على المشهور في العربية. قوله: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته) هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم: يحيى وأبو سلمة وعمر وعروة رضي الله عنهم. قوله: (حدثنا يحيى بن بشر الحريري) هو بفتح الحاء المهملة. قوله: (عن زياد بن علاقة) هو بكسر العين المهملة وبالقاف. قولها: (يقبل في شهر الصوم) يعني في حال الصيام.
قوله: (عن شتير بن شكل) أما شتير فبشين معجمة مضمومة ثم مثناة من فوق مفتوحة، وأما شكل فبشين معجمة ثم كاف مفتوحتين ومنهم من سكن الكاف والمشهور فتحها.
قوله: (يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأتقاكم لله وأشدكم خشية له) سبب قول هذا القائل قد غفر الله لك أنه ظن أن جواز التقبيل للصائم من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا حرج عليه فيما يفعل لأنه مغفور له، فأنكر عليه صلى الله عليه وسلم هذا وقال: أنا أتقاكم لله تعالى وأشدكم خشية فكيف تظنون بي أو تجوزون علي ارتكاب منهى عنه ونحوه. وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين قال القائل هذا القول، وجاء في الموطأ فيه يحل الله لرسوله ما شاء والله أعلم
*2* باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب
*حع) حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ بْنُ هَمّامٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُصّ، يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُباً فَلاَ يَصُمْ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنِ الْحَارِثِ (لأَبِيهِ) فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. حَتّىَ دَخَلْنَا عَلَىَ عَائِشَةَ وَأُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُباً مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمّ يَصُومُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتّىَ دَخَلْنَا عَلَىَ مَرْوَانَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ. فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ علَيْكَ إِلاّ مَا ذَهَبْتَ إِلَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ. قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلّهِ. قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ. فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ.
ثُمّ رَدّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَىَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبّاسِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ. وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ.
قُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أَقَالَتَا: فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ كَذَلِكَ. كَانَ يُصْبِحُ جُنُباً مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمّ يَصُومُ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبْيرِ وَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ، مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنْ عَبْدِ رَبّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيّ أَنّ أَبَا بَكْرٍ حَدّثَهُ أَنّ مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إِلَىَ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها، يَسْأَلُ عَنِ الرّجُلِ يُصْبِحُ جُنُباً. أَيَصُومُ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُباً مِنْ جِمَاعٍ، لاَ مِنْ حُلُمٍ، ثُمّ لاَ يُفْطِرُ وَلاَ يَقْضِي.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ وَ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُمَا قَالتَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصْبِحُ جُنُباً مِنْ جِمَاعٍ، غَيْرِ احْتِلاَمٍ، فِي رَمَضَانَ، ثُمّ يَصُومُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالَ ابْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ (وَهُوَ ابْنُ مَعْمَرِ بْنِ خَزْمٍ الأَنْصَارِيّ أَبُو طُوَالَةَ) أَنّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَىَ عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها أَنّ رَجُلاً جَاءَ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِيهِ، وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ تُدْرِكُنِي الصّلاَةُ وَأَنَا جُنُبٌ. أَفَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصّلاَةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ" فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا. يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ. فَقَالَ: "وَاللّهِ إِنّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلّهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتّقِي".
حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنّهُ سَأَلَ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها: عَنِ الرّجُلِ يُصْبِحُ جُنُباً. أَيَصُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُباً، مِنْ غَيْرِ احْتِلاَمٍ، ثُمّ يَصُومُ.
قوله: (أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر قال: سمعت أبا هريرة يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنباً فلا يصم، قال: فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث لأبيه فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسألهما عبد الرحمن إلى آخره) هكذا هو في جميع النسخ فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث لأبيه وهو صحيح مليح، ومعناه ذكره أبو بكر لأبيه عبد الرحمن، فقوله لأبيه بدل من عبد الرحمن بإعادة حرف الجر، قال القاضي: ووقع في رواية ابن ماهان فذكر ذلك عبد الرحمن لأبيه وهذا غلط فاحش لأنه تصريح بأن الحارث والد عبد الرحمن هو المخاطب بذلك وهو باطل لأن هذه القصة كانت في ولاية مروان على المدينة في خلافة معاوية والحارث توفي في طاعون عمواس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ثمان عشرة والله أعلم. قوله: (عن أبي هريرة أنه قال من أدركه الفجر جنباً فلا يصم) ثم ذكر أنه حين بلغه قول عائشة وأم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً ويتم صومه رجع أبو هريرة عن قوله مع أنه كان رواه عن الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل سبب رجوعه أنه تعارض عنده الحديثان فجمع بينهما وتأول أحدهما وهو قوله: من أدركه الفجر جنباً فلا يصم. وفي رواية مالك أفطر، فتأوله ما سنذكره من الأوجه في تأويله إن شاء الله تعالى، فلما ثبت عنده أن حديث عائشة وأم سلمة على ظاهره وهذا متأول رجع عنه، وكان حديث عائشة وأم سلمة أولى بالاعتماد لأنهما أعلم بمثل هذا من غيرهما ولأنه موافق للقرآن، فإن الله تعالى أباح الأكل والمباشرة إلى طلوع الفجر، قال الله تعالى: {فالاَن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} والمراد بالمباشرة الجماع، ولهذا قال الله تعالى: {وابتغوا ما كتب الله لكم} ومعلوم أنه إذا جاز الجماع إلى طلوع الفجر لزم منه أن يصبح جنباً ويصح صومه لقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل) وإذا دل القرآن وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز الصوم لمن أصبح جنباً وجب الجواب عن حديث أبي هريرة عن الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه إرشاد إلى الأفضل فالأفضل أن يغتسل قبل الفجر فلو خالف جاز وهذا مذهب أصحابنا وجوابهم عن الحديث، فإن قيل: كيف يكون الاغتسال قبل الفجر أفضل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز ويكون في حقه حينئذٍ أفضل لأنه يتضمن البيان للناس وهو مأمور بالبيان، وهذا كما توضأ مرة مرة في بعض الأوقات بياناً للجواز، ومعلوم أن الثلاث أفضل وهو الذي واظب عليه وتظاهرت به الأحاديث. وطاف على البعير لبيان الجواز، ومعلوم أن الطواف ساعياً أفضل وهو الذي تكرر منه صلى الله عليه وسلم ونظائره كثيرة. والجواب الثاني لعله محمول على من أدركه الفجر مجامعاً فاستدام بعد طلوع الفجر عالماً فإنه يفطر ولا صوم له. والثالث: جواب ابن المنذر فيما رواه عن البيهقي أن حديث أبي هريرة منسوخ، وأنه كان في أول الأمر حين كان الجماع محرماً في الليل بعد النوم كما كان الطعام والشراب محرماً، ثم نسخ ذلك ولم يعلمه أبو هريرة فكان يفتي بما علمه حتى بلغه الناسخ فرجع إليه، قال ابن المنذر: هذا أحسن ما سمعت فيه. والله أعلم. قولها: (يصبح جنباً من غير حلم) هو بضم الحاء وبضم اللام وإسكانها، وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء، وفيه خلاف قدمناه الأشهر امتناعه، قالوا: لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه ويتأولون هذا الحديث، على أن المراد يصبح جنباً من جماع ولا يجنب من احتلام لامتناعه منه، ويكون قريباً من معنى قول الله تعالى: {ويقتلون النبيين بغير حق} ومعلوم أن قتلهم لا يكون بحق. قوله: (عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة) أي أمرتك أمراً جازماً عزيمة محتمة، وأمر ولاة الأمور تجب طاعته في غير معصية. قوله: (فرد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس) فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل. وفي رواية النسائي قال أبو هريرة: أخبرنيه أسامة بن زيد. وفي رواية: أخبرنيه فلان وفلان، فيحمل على أنه سمعه من الفضل وأسامة، أما حكم المسألة فقد أجمع أهل هذه الأمصار على صحة صوم الجنب سواء كان من احتلام أو جماع، وبه قال جماهير الصحابة والتابعين. وحكي عن الحسن بن صالح إبطاله وكان عليه أبو هريرة، والصحيح أنه رجع عنه كما صرح به هنا في رواية مسلم، وقيل لم يرجع عنه وليس بشيء. وحكي عن طاوس وعروة والنخعي أن علم بجنابته لم يصح وإلا فيصح، وحكي مثله عن أبي هريرة، وحكي أيضاً عن الحسن البصري والنخعي أنه يجزيه في صوم التطوع دون الفرض. وحكي عن سالم بن عبد الله والحسن البصري والحسن بن صالح يصومه ويقضيه ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته كما قدمناه، وفي صحة الإجماع بعد الخلاف خلاف مشهور لأهل الأصول، وحديث عائشة وأم سلمة حجة على كل مخالف والله أعلم.
وإذا انقطع دم الحائض والنفساء في الليل ثم طلع الفجر قبل اغتسالهما صح صومهما ووجب عليهما إتمامه، سواء تركت الغسل عمداً أو سهواً بعذر أم بغيره كالجنب، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا نعلم صح عنه أم لا.
قوله: (أبو طوالة) هو بضم الطاء المهملة
*2* باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: هَلَكْتُ. يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَكَ؟" قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: "هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتّينَ مِسْكِيناً؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: ثُمّ جَلَسَ. فَأُتِيَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: "تَصَدّقْ بِهَذَا" قَالَ: أَفْقَرَ مِنّا؟ فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنّا. فَضَحِكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثُمّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصِورٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَ رِوَايَة ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ: بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. وَهُوَ الزّنْبِيلُ.وَلَمْ يَذْكُرْ: فَضَحِكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ بَدَتْ أَنْيَابُهُ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ. فَاسْتَفْتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ "قَالَ: لاَ. قَالَ: "وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِيناً".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رافِعٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ عِيسَىَ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ، أَنّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَان. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكفّرَ بِعِتَقِ رَقَبَةٍ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَة.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنَي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَة حَدّثَهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصْومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينَاً.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: احْتَرَقْتُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِمَ؟" قَالَ: وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَاراً. قَالَ: "تَصَدّقْ. تَصَدّقْ". قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ. فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَصَدّقَ بِهِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَىَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَبّادَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ: أَتَىَ رَجُلٌ إِلىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَلَيْسَ فِي أَوّلِ الْحَدِيثِ "تَصَدّقْ تَصَدّقْ". وَلاَ قوله: نَهَاراً.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدّثَهُ أَنّ مُحَمّدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ حَدّثَهُ أَنّ عَبّاد بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: أَتىَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ احْتَرَقْتُ. احْتَرَقْتُ. فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا شَأْنُهُ؟" فَقَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي. قَالَ: "تَصَدّقْ" فَقَالَ: وَالله يَا نَبِيّ الله مَا لِي شَيْءٌ. وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ. فَبَيْنَا هُوَ عَلَىَ ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَاراً، عَلَيْهِ طَعَامٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفاً؟" فَقَامَ الرّجُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَدّقْ بِهَذَا" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَغَيْرَنَا؟ فَوَاللّهِ إِنّا لَجِيَاعٌ. مَا لَنَا شَيْءٌ. قَالَ: "فَكُلُوهُ".
في الباب حديث أبي هريرة في المجامع امرأته في نهار رمضان، ومذهبنا ومذهب العلماء كافة وجوب الكفارة عليه إذا جامع عامداً جماعاً أفسد به صوم يوم من رمضان، والكفارة عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تضر بالعمل إضراراً بيناً، فإن عجز عنها فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً كل مسكين مد من طعام وهو رطل وثلث بالبغدادي، فإن عجز عن الخصال الثلاث فللشافعي قولان: أحدهما: لا شيء عليه وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه، واحتج لهذا القول بأن حديث هذا المجامع ظاهر بأنه لم يستقر في ذمته شيء لأنه أخبر بعجزه ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكفارة ثابتة في ذمته، بل أذن له في إطعام عياله. والقول الثاني: وهو الصحيح عند أصحابنا وهو المختار أن الكفارة لا تسقط بل تستقر في ذمته حتى يمكن قياساً على سائر الديون والحقوق والمؤاخذات كجزاء الصيد وغيره. وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة، بل فيه دليل لاستقرارها، لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عاجز عن الخصال الثلاث، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق التمر فأمره بإخراجه في الكفارة، فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء ولم يأمره بإخراجه فدل على ثبوتها في ذمته، وإنما أذن له في إطعام عياله لأنه كان محتاجاً ومضطراً إلى الإنفاق على عياله في الحال والكفارة على التراخي فأذن له في أكله وإطعام عياله وبقيت الكفارة في ذمته، وإنما لم يبين له بقاءهما في ذمته لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عند جماهير الأصوليين، وهذا هو الصواب في معنى الحديث وحكم المسألة، وفيها أقوال وتأويلات أخر ضعيفة. وأما المجامع ناسياً فلا يفطر ولا كفارة عليه، هذا هو الصحيح من مذهبنا وبه قال جمهور العلماء، ولأصحاب مالك خلاف في وجوبها عليه، وقال أحمد يفطر وتجب به الكفارة، وقال عطاء وربيعة والأوزاعي والليث والثوري: يجب القضاء ولا كفارة. دليلنا أن الحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه. وأما الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع فإنما هي في جماع العامد، ولهذا قال في بعضها هلكت وفي بعضها احترقت احترقت، وهذا لا يكون إلا في عامد فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع. قوله صلى الله عليه وسلم: "هل تجد ما تعتق رقبة" رقبة منصوب بدل من ما. قوله: (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق) هو بفتح العين والراء هذا هو الصواب المشهور في الرواية واللغة، وكذا حكاه القاضي عن رواية الجمهور ثم قال: ورواه كثير من شيوخنا وغيرهم بإسكان الراء، قال: والصواب الفتح، ويقال للعرق الزبيل بفتح الزاي من غير نون، والزنبيل بكسر الزاي وزيادة نون، ويقال له القفة والمكتل بكسر الميم وفتح التاء المثناة فوق، والسفيفة بفتح السين المهملة وبالفائين، قال القاضي: قال ابن دريد سمي زبيلاً لأنه يحمل فيه الزبل، والعرق عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعاً وهي ستون مداً لستين مسكيناً لكل مسكين مد. قوله: (قال أفقر منا) كذا ضبطناه أفقر بالنصب، وكذا نقل القاضي أن الرواية فيه بالنصب على إضمار فعل تقديره أتجد أفقر منا أو أتعطي؟ قال: ويصح رفعه على تقدير هل أحد أفقر منا؟ كما قال في الحديث الاَخر بعده أغيرنا؟ كذا ضبطناه بالرفع ويصح النصب على ما سبق، هذا كلام القاضي، وقد ضبطنا الثاني بالنصب أيضاً فهما جائزان كما سبق توجيههما. قوله: (فما بين لابتيها) هما الحرتان والمدينة بين حرتين والحرة الأرض الملبسة حجارة سوداً، ويقال لابة ولوبة ونوبة بالنون، حكاهن أبو عبيد والجوهري ومن لا يحصى من أهل اللغة قالوا: ومنه قيل للأسود لوبى ونوبى باللام والنون، قالوا: وجمع اللابة لوب ولاب ولابات وهي غير مهموزة. قوله: (وهو الزنبيل) هكذا ضبطناه بكسر الزاي وبعدها نون وقد سبق بيانه قريباً. قوله: (أن رجلاً وقع بامرأته) كذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها واقع امرأته وكلاهما صحيح. قوله: (أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً) لفظة أو هنا للتقسيم لا للتخيير تقديره يعتق أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما. وتنبيه الروايات الباقية، وفي هذه الروايات دلالة لأبي حنيفة ومن يقول يجزي عتق كافر عن كفارة الجماع والظهار، وإنما يشترطون الرقبة المؤمنة في كفارة القتل لأنها منصوص على وصفها بالإيمان في القرآن، وقال الشافعي والجمهور: يشترط الإيمان في جميع الكفارات تنزيلاً للمطلق على المقيد والمسألة مبنية على ذلك، فالشافعي يحمل المطلق على المقيد وأبو حنيفة يخالفه.
قوله: (احترقت) فيه استعمال المجاز وأنه لا إنكار على مستعمله. قوله صلى الله عليه وسلم: "تصدق تصدق" هذا التصدق مطلق وجاء مقيداً في الروايات السابقة بإطعام ستين مسكيناً وذلك ستون مداً وهي خمسة عشر صاعاً.
قوله: (فجاءه عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق به) هذا أيضاً مطلق محمول على المقيد كما سبق. قوله صلى الله عليه وسلم: "هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" فيه حجة لمذهبنا ومذهب الجمهور وأجمع عليه في الأعصار المتأخرة، وهو اشتراط التتابع في صيام هذين الشهرين، حكى عن ابن أبي ليلى أنه لا يشترطه. قوله صلى الله عليه وسلم: "تطعم ستين مسكيناً" فيه حجة لنا وللجمهور وأجمع عليه العلماء في الأعصار المتأخرة وهو اشتراط إطعام ستين مسكيناً. وحكى عن الحسن البصري أنه إطعام أربعين مسكيناً عشرين صاعاً، ثم جمهور المشترطين ستين قالوا: لكل مسكين مد وهو ربع صاع، وقال أبو حنيفة والثوري: لكل مسكين نصف صاع.
*2* باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم، ولمن يشق عليه أن يفطر
*حدّثني يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ. فَصَامَ حَتّىَ بَلَغَ الْكَدِيدَ. فَأَفْطَرَ. وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَتّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قَالَ: يَحْيَىَ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: لاَ أَدْرِي مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ؟ يَعْنِي: وَكَانَ يُؤْخَذُ بِالاَخِرِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ. قَالَ الزّهْرِيّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ. وَإِنّمَا يُوءْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالاَخِرِ فَالاَخِرِ. قَالَ الزّهْرِيّ: فَصَبّحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكّةَ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ، مِنْ رَمَضَانَ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ اللّيْثِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانُوا يَتّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَرَوْنَهُ النّاسِخَ الْمُحْكَمَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ. فَصَامَ حَتّىَ بَلَغَ عُسْفَانَ. ثُمّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ. فَشَرِبَهُ نَهَاراً. لِيَرَاهُ النّاسُ. ثُمّ أَفْطَرَ. حَتّىَ دَخَلَ مَكّةَ.
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: فَصَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَفْطَرَ. فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لاَ تَعِبْ عَلَىَ مَنْ صَامَ وَلاَ عَلَىَ مَنْ أَفْطَرَ. قَدْ صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي السّفَرِ، وَأَفْطَرَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ) حَدّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَىَ مَكّةَ فِي رَمَضَانَ. فَصَامَ حَتّىَ بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيْمِ. فَصَامَ النّاسُ. ثُمّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ. حَتّىَ نَظَرَ النّاسُ إِلَيْهِ. ثُمّ شَرِبَ. فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنّ بَعْضَ النّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. أُولَئِكَ الْعُصَاةُ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَدِيّ) عَنْ جَعْفَرٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَزَادَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنّ النّاسَ قَدْ شَقّ عَلَيْهِمُ الصّيَامُ. وَإِنّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَرَأَىَ رَجُلاً قَدِ اجْتَمَعَ النّاسُ عَلَيْهِ. وَقَدْ ظُلّلَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "مَا لَهُ؟". قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ. فقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَ الْبِرّ أَنْ تَصُومُوا فِي السّفَرِ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمّدِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ يُحَدّثُ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: رَأَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً. بِمِثْلِهِ.
وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ: قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنّهُ كَانَ يَزِيدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَفِي هَذا الاْسْنَادِ أَنّهُ قَالَ "عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللّهِ الّذِي رَخّصَ لَكُمْ" قَالَ: فَلَمّا سَأَلْتُهُ، لَمْ يَحْفَظْهُ.
حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامُ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ. فَمِنّا مَنْ صَامَ وَمِنّا مَنْ أَفْطَرَ. فَلَمْ يَعِبِ الصّائِمُ علَى الْمُفْطِرِ. وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصّائِمِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ التّيْمِيّ. ح وَحَدّثَنَاهُ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. حَدّثَنَا عُمَرُ (يَعْنِي ابْن عَامِرٍ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ. كُلّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ هَمّامٍ.
غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ التّيْمِيّ وَعُمَرَ بْنِ عَامِرٍ وَهِشَامٍ: لِثَمَانَ عَشْرَةَ خَلَتْ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: فِي ثِنْثَيْ عَشْرَةَ. وَشُعْبَةَ: لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ.
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضّلٍ) عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كُنّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ. فَمَا يُعَابُ عَلَىَ الصّائِمِ صَوْمُهُ. وَلاَ عَلَىَ الْمُفْطِرِ إِفْطَارُهُ.
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كُنّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ. فَمِنّا الصّائِمُ وَمِنّا الْمُفْطِرُ. فَلاَ يَجِدُ الصّائِمُ عَلَىَ الْمُفْطِرِ. وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَىَ الصّائِمِ. يَرَوْنَ أَنّ مَنْ وَجَدَ قُوّةً فَصَامَ، فَإِنّ ذَلِكَ حَسَنٌ. وَيَرَوْنَ أَنّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفاً فَأَفْطَرَ، فَإِنّ ذَلِكَ حَسَنٌ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ، وَ سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَ حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ. كُلّهُمْ عَنْ مَرْوَانَ. قَالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُم قَالاَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيَصُومُ الصّائِمُ وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ. فَلاَ يَعِيبُ بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السّفَرِ؟ فَقَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ. فَلَمْ يَعِبِ الصّائِمُ عَلَىَ الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَىَ الصّائِمِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: خَرَجْتُ فَصُمْتُ. فَقَالُوا لِي: أَعِدْ. قَالَ فَقُلْتُ: إِنّ أَنَساً أَخْبَرَنِي أَنّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يُسَافِرُونَ. فَلاَ يَعِيبُ الصّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصّائِمِ.
فَلَقِيتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ فَأَخْبَرَنِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِمِثْلِهِ.
اختلف العلماء في صوم رمضان في السفر فقال بعض أهل الظاهر: لا يصح صوم رمضان في السفر فإن صامه لم ينعقد ويجب قضاؤه لظاهر الاَية ولحديث: "ليس من البر الصيام في السفر" وفي الحديث الاَخر: "أولئك العصاة". وقال جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه في السفر وينعقد ويجزيه، واختلفوا في أن الصوم أفضل أم الفطر أم هما سواء، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر فإن تضرر به فالفطر أفضل، واحتجوا بصوم النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة وغيرهما. وبغير ذلك من الأحاديث ولأنه يحصل به براءة الذمة في الحال. وقال سعيد بن المسيب والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم: الفطر أفضل مطلقاً، وحكاه بعض أصحابنا قولاً للشافعي وهو غريب، واحتجوا بما سبق لأهل الظاهر وبحديث حمزة بن عمرو الأسلمي المذكور في مسلم في آخر الباب وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" وظاهره ترجيح الفطر، وأجاب الأكثرون بأن هذا كله فيمن يخاف ضرراً أو يجد مشقة كما هو صريح في الأحاديث، واعتمدوا حديث أبي سعيد الخدري المذكور في الباب قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن، وهذا صريح في ترجيح مذهب الأكثرين وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة، وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء لتعادل الأحاديث والصحيح قول الأكثرين والله أعلم. قوله: (خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر) يعني بالفتح فتح مكة وكان سنة ثمان من الهجرة، والكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة وهي عين جارية بينها وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها، وبينها وبين مكة قريب من مرحلتين، وهي أقرب إلى المدينة من عسفان، قال القاضي عياض: الكديد عين جارية على اثنين وأربعين ميلاً من مكة، قال: وعسفان قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين ميلاً من مكة، قال: والكديد ما بينها وبين قديد. وفي الحديث الاَخر: (فصام حتى بلغ كراع الغميم) وهو بفتح الغين المعجمة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال يضاف إليه هذا الكراع وهو جبل أسود متصل به، والكراع كل أنف سال من جبل أو حرة. قال القاضي: وهذا كله في سفر واحد في غزاة الفتح، قال: وسميت هذه المواضع في هذه الأحاديث لتقاربها، وإن كانت عسفان متباعدة شيئاً عن هذه المواضع لكنها كلها مضافة إليها ومن عملها فاشتمل اسم عسفان عليها، قال: وقد يكون علم حال الناس ومشقتهم في بعضها فأفطر وأمرهم بالفطر في بعضها، هذا كلام القاضي وهو كما قال إلا في مسافة عسفان فإن المشهور أنها على أربعة برد من مكة وكل بريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال فالجملة ثمانية وأربعون ميلاً، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الجمهور. قوله: (فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر) فيه دليل لمذهب الجمهور أن الصوم والفطر جائزان، وفيه أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض ولا يلزمه بصوم بعضه إتمامه، وقد غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث، فتوهم أن الكديد وكراع الغميم قريب من المدينة، وأن قوله فصام حتى بلغ الكديد وكراع الغميم كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة فزعم أنه خرج من المدينة صائماً فلما بلغ كراع الغميم في يومه أفطر في نهار، واستدل به هذا القائل على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائماً له أن يفطر في يومه، ومذهب الشافعي والجمهور أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر، واستدلال هذا القائل بهذا الحديث من العجائب الغريبة لأن الكديد وكراع الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة والله أعلم. قوله: (وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم) هذا محمول على ما علموا منه النسخ أو رجحان الثاني مع جوازهما، وإلا فقد طاف صلى الله عليه وسلم على بعيره وتوضأ مرة مرة، ونظائر ذلك من الجائزات التي عملها مرة أو مرات قليلة لبيان جوازها وحافظ على الأفضل منها. قوله: (قال ابن عباس: فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر) فيه دلالة لمذهب الجمهور في جواز الصوم والفطر جميعاً.
قوله: (فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال أولئك العصاة أولئك العصاة) هكذا هو مكرر مرتين، وهذا محمول على من تضرر بالصوم، أو أنهم أمروا بالفطر أمراً جازماً لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب، وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصياً إذا لم يتضرر به، ويؤيد التأويل الأول قوله في الرواية الثانية: (إن الناس قد شق عليهم الصيام).
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رجلاً قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه فقال ما له قالوا رجل صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر أن تصوموا في السفر) معناه إذا شق عليكم وخفتم الضرر، وسياق الحديث يقتضي هذا التأويل، وهذه رواية مبينة للروايات المطلقة ليس من البر الصيام في السفر ومعنى الجميع فيمن تضرر بالصوم. قوله في حديث محمد بن رافع: (فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان).
ثم ذكر عن أبي سعيد قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان). وفي رواية: (لثمان عشرة خلت) وفي رواية: (في ثنتي عشرة). وفي رواية: (لسبع عشرة أو تسع عشرة) والمشهور في كتب المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان ودخلها لتسع عشرة خلت منه، ووجه الجمع بين هذه الروايات أن.
*2* باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُوَرّقٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي السّفَرِ. فَمِنّا الصّائِمُ وَمِنّا الْمُفْطِرُ. قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارَ. أَكْثَرُنَا ظِلاّ صَاحِبُ الْكِسَاءِ. وَمِنّا مَنْ يَتّقِي الشّمْسَ بِيَدِهِ. قَالَ: فَسَقَطَ الصّوّامُ. وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ. فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةِ وَسَقُوا الرّكَابَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرّقٍ، عَنْ أَنَس رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَصَامَ بَعْضٌ وَأَفْطَرَ بَعْضٌ. فَتَحَزّمَ الْمُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا. وَضَعُفَ الصّوّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ. قَالَ: فَقَالَ فِي ذَلِكَ: "ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَة. قال: حَدّثَنِي قَزَعَةُ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ. فَلَمّا تَفَرّقَ النّاسُ عَنْهُ، قُلْتُ: إِنّي لاَ أَسْأَلُكَ عَمّا يَسْأَلُكَ هَؤُلاَءِ عَنْهُ. سَأَلْتُهُ: عَنِ الصّوْمِ فِي السّفَرِ؟ فَقَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ مَكّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ. قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ. وَالْفِطْرُ أَقْوَىَ لَكُمْ". فَكَانَتْ رُخْصَةً. فَمِنّا مَنْ صَامَ وَمِنّا مَنْ أَفْطَرَ. ثُمّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ. فَقَالَ: "إِنّكُمْ مُصَبّحُو عَدُوّكُمْ. وَالْفِطْرُ أَقْوَىَ لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا" وَكَانَتْ عَزْمَةً. فَأَفْطَرْنَا. ثُمّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ، مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ، فِي السّفَرِ.
قوله: (فتحزم المفطرون) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا فتحزم بالحاء المهملة والزاي، وكذا نقله القاضي عن أكثر رواة صحيح مسلم قال: ووقع لبعضهم فتخدم بالخاء المعجمة والدال المهملة، قال: وادعوا أنه صواب الكلام لأنهم كانوا يخدمون، قال القاضي: والأول صحيح أيضاً ولصحته ثلاثة أوجه: أحدها: معناه شدوا أوساطهم للخدمة. والثاني: أنه استعارة للاجتهاد في الخدمة ومنه إذا دخل العشر اجتهد وشد المئزر. والثالث: أنه من الحزم وهو الاحتياط والأخذ بالقوة والاهتمام بالمصلحة.
قوله: (وهو مكثور عليه) أي عنده كثيرون من الناس
*2* باب التخيير في الصوم والفطر في السفر
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: سَأَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِيّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنِ الصّيَامِ فِي السّفَرِ؟ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ".
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ). حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيّ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصّوْمَ. أَفَأَصُومُ فِي السّفَرِ؟ قَالَ: "صُمْ إِنْ شِئْتَ. وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ".
وحدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ: إِنّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصّوْمَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ. كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ أَنّ حَمْزَةَ قَالَ: إِنّي رَجُلٌ أَصُومُ. أَفَأَصُومُ فِي السّفَرِ؟.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (قَالَ هَرُونُ: حَدّثَنَا. وقَالَ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَجِدُ بِي قُوّةً عَلَىَ الصّيَامِ فِي السّفَرِ. فَهَلْ عَلَيّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللّهِ. فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ. وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ".
قَالَ هَرُونُ فِي حَدِيثِهِ "هِيَ رُخْصةٌ" وَلَمْ يَذكُرْ: مِنَ اللّهِ.
حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ أُمّ الدّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي حَرَ شَدِيدٍ. حَتّىَ إِنْ كَانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ مِنْ شِدّةِ الْحَرّ. وَمَا فِينَا صَائِمٌ، إِلاّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيّانَ الدّمَشْقِيّ، عَنْ أُمّ الدّرْدَاءِ قَالَتْ: قَالَ أَبُو الدّرْدَاءِ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرّ. حَتّىَ إِنّ الرّجُلَ لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ مِنْ شِدّةِ الْحَرّ. وَمَا مِنّا أَحَدٌ صَائِمٌ، إِلاّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
قوله في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي: (يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ فقال: صم إن شئت وأفطر إن شئت) فيه دلالة لمذهب الجمهور أن الصوم والفطر جائزان، وأما الأفضل منهما فحكمه ما سبق في أول الباب، وفيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن صوم الدهر وسرده غير مكروه لمن لا يخاف منه ضرراً ولا يفوت به حقاً بشرط فطر يومي العيدين والتشريق لأنه أخبر بسرده ولم ينكر عليه بل أقره عليه وأذن له فيه في السفر ففي الحضر أولى، وهذا محمول على أن حمزة بن عمرو كان يطيق السرد بلا ضرر ولا تفويت حق كما قال في الرواية التي بعدها: أجد بي قوة على الصيام. وأما إنكاره صلى الله عليه وسلم على ابن عمرو بن العاص صوم الدهر فلأنه علم صلى الله عليه وسلم أنه سيضعف عنه وهكذا جرى فإنه ضعف في آخر عمره وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العمل الدائم وإن قل ويحثهم عليه. قوله: (عن أبي مراوح) هو بضم الميم وكسر الواو وبالحاء المهملة واسمه سعد
*2* باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُمّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنّ نَاساً تَمَارَوْا عِنْدَهَا، يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي صِيَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْه بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَىَ بَعِيرِهِ. بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي النّضْرِ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَىَ بَعِيرِهِ. وَقَالَ: عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَىَ أُمّ الْفَضْلِ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النّضْرِ بِهَذَا الاْسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وقَالَ: عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَىَ أُمّ الْفَضْلِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنّ أَبَا النّضْرِ حَدّثَهُ أَنّ عُمَيْراً مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أُمّ الْفَضْلِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ: شَكّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَنَحْنُ بِهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَعْبٍ فِيهِ لَبَنٌ، وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجّ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: إِنّ النّاسَ شَكّوا فِي صِيَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ مَيْمُونَةُ بِحِلاَبِ اللّبَنِ. وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ. فَشَرِبَ مِنْهُ. وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.
مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وجمهور العلماء استحباب فطر يوم عرفة بعرفة للحاج، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان بن عفان وابن عمر والثوري قال: وكان ابن الزبير وعائشة يصومانه. وروي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص وكان إسحاق يميل إليه، وكان عطاء يصومه في الشتاء دون الصيف، وقال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء. واحتج الجمهور بفطر النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولأنه أرفق بالحاج في آداب الوقوف ومهمات المناسك، واحتج الاَخرون بالأحاديث المطلقة أن صوم عرفة كفارة سنتين، وحمله الجمهور على من ليس هناك. قوله: (إن أم الفضل امرأة العباس أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن وهو واقف على بعير بعرفة فشربه) فيه فوائد منها استحباب الفطر للواقف بعرفة. ومنها استحباب الوقوف راكباً وهو الصحيح في مذهبنا، ولنا قول أن غير الركوب أفضل، وقيل أنهما سواء. ومنها جواز الشرب قائماً وراكباً. ومنها إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم. ومنها إباحة قبول هدية المرأة المزوجة الموثوق بدينها ولا يشترط أن يسأل هل هو من مالها أم من مال زوجها؟ أو أنه أذن فيه أم لا إذا كانت موثوقاً بدينها. ومنها أن تصرف المرأة في مالها جائز ولا يشترط إذن الزوج سواء تصرفت في الثلث أو أكثر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا تتصرف فيما فوق الثلث إلا بإذنه، وموضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا، ولو اختلف الحكم لسأل. قوله: (عن عمير مولى عبد الله بن عباس) وفي روايتين: مولى أم الفضل. وفي رواية: مولى ابن عباس، فالظاهر أنه مولى أم الفضل حقيقة، ويقال له مولى ابن عباس. وقال البخاري: وغيره من الأئمة: هو مولى أم الفضل حقيقة، ويقال له مولى ابن عباس لملازمته له وأخذه عنه وانتمائه إليه، كما قالوا في أبي مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب، يقولون أيضاً مولى عقيل بن أبي طالب، قالوا للزومه إياه وانتمائه إليه وقريب منه مقسم مولى ابن عباس ليس هو مولاه حقيقة وإنما قيل مولى ابن عباس للزومه إياه.
قوله: (فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبن) هو بكسر الحاء المهملة وهو الإناء الذي يحلب فيه ويقال له المحلب بكسر الميم.
*2* باب صوم يوم عاشوراء
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيّةِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ. فَلَمّا هَاجَرَ إِلَىَ الْمَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. فَلَمّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَوّلِ الْحَدِيثِ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ. وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ قَوْلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. كَرِوَايَةِ جَرِيرٍ.
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ يُصَامُ فِي الْجَاهِليّةِ. فَلَمّا جَاءَ الاْسْلاَمُ، مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِصِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ. فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ، كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعاً عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنّ عِرَاكاً أخْبَرَهُ أَنّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ قُرَيْشاً كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيّةِ. ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِصِيَامِهِ. حَتّىَ فُرِضَ رَمَضَانُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظ لَهُ) حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ أَهْلَ الْجَاهِلِيّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ. قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ. فَلَمّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيّامِ اللّهِ. فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) ح وحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِمِثْلِهِ. فِي هَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمُ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "كَانَ يَوْماً يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِليّةِ. فَمَنْ أَحَبّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ. وَمَنْ كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ) حَدّثَنِي نَافِعٌ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا حَدّثَه أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ "إِنّ هَذَا يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ. فَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ. وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ".
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لاَ يَصُومُهُ، إِلاّ أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا أَبُو مَالِكٍ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الأَخْنَسِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، سَوَاءَ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَسْقَلاَنِيّ. حَدّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمُ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ. فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللّهِ. وَهُوَ يَتَغَدّىَ. فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ ادْنُ إِلَىَ الْغَدَاءِ. فَقَالَ: أَوَ لَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاء؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمضَانَ. فَلّمَا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ.
وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: تَرَكَهُ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الاْسْنَادِ، وَقَالاَ: فَلَمّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنِي زُبَيْدٌ الْيَامِيّ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ أَنّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَىَ عَبْدِ اللّهِ، يَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَهُوَ يَأْكُلُ. فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ ادْنُ فَكُلْ. قَالَ: إِنّي صَائِمٌ. قَالَ: كُنّا نَصُومُهُ، ثُمّ ترِكَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. وَهُوَ يَأْكُلُ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ إِنّ الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ. فَلَمّا نَزَلَ رَمَضَانُ، تُرِكَ. فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرَاً فَاطْعَمْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ. أَخْبَرَنَا شَيْبَان عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَيَحُثّنَا عَلَيْهِ. وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ. فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ، لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، خَطِيباً بِالْمَدِينَةِ (يَعْنِي فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا) خَطَبَهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لِهَذَا الْيَوْمِ) "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَلَمْ يَكْتُبِ اللّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ. وَأَنَا صَائِمٌ. فَمَنْ أَحَبّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ. وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ في هَذَا الاْسْنَادِ، بِمْثلِهِ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ. سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ "إِنّي صَائِمٌ. فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ" وَلَمْ يَذْكُرْ بَاقِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَيُونُسَ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الّذِي أَظْهَرَ اللّهُ فِيهِ مُوسَىَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىَ فِرْعَوْنَ. فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيماً لَهُ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَىَ مِنْكُمْ". فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ.
وحدّثناه ابْنُ بَشّارٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. جَمِيعاً عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وقَالَ: فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
وحدّثني ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَاماً، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا هَذَا الْيَوْمُ الّذِي تَصُومُونَهُ؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ. أَنْجَىَ اللّهُ فِيهِ مُوسَىَ وَقَوْمَهُ. وَغَرّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ. فَصَامَهُ مُوسَىَ شُكْراً. فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَنَحْنُ أَحَقّ وَأَوْلَىَ بِمُوسَىَ مِنْكُمْ" فَصَامَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ بِهَذَا الاْسْنَادِ. إِلاّ أَنّهُ قَالَ: عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. لَمْ يُسَمّهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ وحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْماً تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ، وَتَتّخِذُهُ عِيداً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "صُومُوهُ أَنْتُمْ".
وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ أُسَامَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ. أَخْبَرَنِي قَيْسٌ. فَذَكَرَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: فَحَدّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. يَتّخِذُونَهُ عِيداً. وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيّهُمْ وَشَارَتَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَصُومُوهُ أَنْتُمْ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَ يَوْماً، يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَىَ الأَيّامِ، إِلاّ هَذَا الْيَوْمَ. وَلاَ شَهْراً إِلاّ هَذَا الشّهْرَ. يَعْنِي رَمَضَانَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ.
اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنة ليس بواجب، واختلفوا في حكمه في أول الإسلام حين شرع صومه قبل صوم رمضان، فقال أبو حنيفة: كان واجباً، واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين أشهرهما عندهم أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يكن واجباً قط في هذه الأمة ولكنه كان متأكد الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحباً دون ذلك الاستحباب. والثاني كان واجباً كقول أبي حنيفة، وتظهر فائدة الخلاف في اشتراط نية الصوم الواجب من الليل، فأبو حنيفة لا يشترطها ويقول: كان الناس مفطرين أول يوم عاشوراء ثم أمروا بصيامه بنية من النهار ولم يؤمروا بقضائه بعد صومه، وأصحاب الشافعي يقولون: كان مستحباً فصح بنية من النهار، ويتمسك أبو حنيفة بقوله أمر بصيامه والأمر للوجوب، وبقوله فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه. ويحتج الشافعية بقوله: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه، والمشهور في اللغة أن عاشوراء وتاسوعاء ممدودان وحكى قصرهما. قوله صلى الله عليه وسلم: "من شاء صامه ومن شاء تركه) معناه أنه ليس متحتماً، فأبو حنيفة يقدره ليس بواجب، والشافعية يقدرونه ليس متأكداً أكمل التأكيد، وعلى المذهبين فهو سنة مستحبة الاَن من حين قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام. قال القاضي عياض: وكان بعض السلف يقول: كان صوم عاشوراء فرض وهو باق على فرضيته لم ينسخ، قال: وانقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض وإنما هو مستحب. وروي عن ابن عمر كراهة قصد صومه وتعيينه بالصوم، والعلماء مجمعون على استحبابه وتعيينه للأحاديث. وأما قول ابن مسعود: كنا نصومه ثم ترك فمنعاه أنه لم يبق كما كان من الوجوب، وتأكد الندب قوله في حديث قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح: (أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فرض رمضان) ضبطوا أمر هنا بوجهين أظهرهما بفتح الهمزة والميم، والثاني بضم الهمزة وكسر الميم ولم يذكر القاضي عياض غيره.
وأما قول معاوية: (أين علماؤكم) إلى آخره فظاهره أنهسمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامه، وأنه ليس بواجب ولا محرم ولا مكروه، وخطب به في ذلك الجمع العظيم ولم ينكر عليه. قوله عن معاوية: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب منكم أن يفطر فليفطر) هذا كله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم هكذا جاء مبيناً في رواية النسائي.
قوله: (فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك) وفي رواية: فسألهم. المراد بالروايتين أمر من سألهم، والحاصل من مجموع الأحاديث أن يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش وغيرهم واليهود يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكد والله أعلم.
قوله: (ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم) الشارة بالشين المعجمة بلا همزة وهي الهيئة الحسنة والجمال أي يلبسونهن لباسهم الحسن الجميل، ويقال لها الشارة والشورة بضم الشين. وأما الحلي فقال أهل اللغة هو بفتح الحاء وإسكان اللام مفرد وجمعه حلى بضم الحاء وكسرها والضم أشهر وأكثر، وقد قرئ بهما في السبع، وأكثرهم على الضم واللام مكسورة والياء مشددة فيهما. قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء وقالوا إن موسى صامه وأنه اليوم الذي نجوا فيه من فرعون وغرق فرعون فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه وقال: نحن أحق بموسى منهم) قال المازري: خبر اليهود غير مقبول، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليهم بصدقهم فيما قالوه أو تواتر عنده النقل بذلك حتى حصل له العلم به، قال القاضي عياض رداً على المازري: قد روى مسلم أن قريشاً كانت تصومه فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صامه فلم يحدث له بقول اليهود حكم يحتاج إلى الكلام عليه وإنما هي صفة حال وجواب سؤال، فقوله صامه ليس فيه أنه ابتدأ صومه حينئذ بقولهم ولو كان هذا لحملناه على أنه أخبر به من أسلم من علمائهم كابن سلام وغيره، قال القاضي: وقد قال بعضهم يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب فيه فصامه، قال القاضي: وما ذكرناه أولى بلفظ الحديث، قلت: المختار قول المازري ومختصر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كما تصومه قريش في مكة ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضاً بوحي أو تواتر أو اجتهاد لا بمجرد أخبار آحادهم والله أعلم
*2* باب أيّ يوم يصام في عاشوراء
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرّاحِ عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَىَ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. وَهُوَ مُتَوَسّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ. فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلاَلَ الْمُحَرّمِ فَاعْدُدْ. وَأَصْبِحْ يَوْمَ التّاسِعِ صَائِماً. قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو. حَدّثَنِي الْحَكَمُ ابْنُ الأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُتَوَسّدٌ رِدَاءَهُ عِنْدَ زَمْزَمَ. عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ.
وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرّيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ: إِنّهُ يَوْمٌ تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ اللّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التّاسِعَ".
قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتّىَ تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. و أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرٍ (لَعَلّهُ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىَ قَابِلٍ لأَصُومَنّ التّاسِعَ".
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
قوله: (عن ابن عباس أن يوم عاشوراء هو تاسع المحرم وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع).
وفي الرواية الأخرى: (عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء فقالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل، فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعاً، وكذا باقي الأيام على هذه النسبة، فيكون التاسع عشر، وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وممن قال ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق وخلائق وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ، وأما تقدير أخذه من الإظماء فبعيد، ثم إن حديث ابن عباس الثاني يرد عليه لأنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء فذكروا أن اليهود والنصارى تصومه فقال: إنه في العام المقبل يصوم التاسع. وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه ليس هو التاسع فتعين كونه العاشر، وقال الشافعي وأصحابه أحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع، وقد سبق في صحيح مسلم في كتاب الصلاة من رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" قال بعض العلماء: ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر، وفي الحديث إشارة إلى هذا، وقيل للاحتياط في تحصيل عاشوراء والأول أولى والله أعلم
*2* باب من أكل في عاشوراء فليكفّ بقية يومه
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قال: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذّنَ فِي النّاسِ: "مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ، فَلْيَصُمْ. وَمَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيُتِمّ صِيَامَهُ إِلَىَ اللّيْلِ".
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ بْنِ لاَحِقٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَىَ قُرَىَ الأَنْصَارِ، الّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: "مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِماً، فَلْيُتِمّ صَوْمَهُ. وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِراً، فَلْيُتِمّ بَقِيّةَ يَوْمِهِ".
فَكُنّا، بَعْدَ ذَلِكَ، نَصُومُهُ. وَنُصَوّمُ صِبْيَانَنَا الصّغَارَ مِنْهُمْ، إِنْ شَاءَ اللّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ. فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ. فَإِذَا بَكَىَ أَحَدُهُمْ عَلَىَ الطّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ.
وحدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْعَطّارُ عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ قَالَ: سَأَلْتُ الرّبَيّعَ بِنْتَ مُعَوّذٍ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: رُسُلَهُ فِي قُرَى الأَنْصَارِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَنَصْنَعُ لَهُمُ اللّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ. فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا. فَإِذَا سَأَلُونَا الطّعَامَ، أَعْطَيْنَاهُمُ اللّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ. حَتّىَ يُتِمّوا صَوْمَهُمْ.
قوله: (من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل).
وفي رواية: (من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه). معنى الروايتين أن من كان نوى الصوم فليتم صومه، ومن كان لم ينو الصوم ولم يأكل أو أكل فليمسك بقية يومه حرمة لليوم، كما لو أصبح يوم الشك مفطراً ثم ثبت أنه من رمضان يجب إمساك بقية يومه حرمة لليوم، واحتج أبو حنيفة بهذا الحديث لمذهبه أن صوم رمضان وغيره من الفرض يجوز نيته في النهار ولا يشترط تبييتها قال: لأنهم نووا في النهار وأجزأهم، قال الجمهور: لا يجوز رمضان ولا غيره من الصوم الواجب إلا بنية من الليل، وأجابوا عن هذا الحديث بأن المراد إمساك بقية النهار لا حقيقة الصوم، والدليل على هذا أنهم أكلوا ثم أمروا بالإتمام، وقد وافق أبو حنيفة وغيره على أن شرط إجزاء النية في النهار في الفرض والنفل أن لا يتقدمها مفسد للصوم من أكل أو غيره، وجواب آخر أن صوم عاشوراء لم يكن واجباً عند الجمهور كما سبق في أول الباب، وإنما كان سنة متأكدة، وجواب ثالث أنه ليس فيه أنه يجزيهم ولا يقضونه بل لعلهم قضوه، وقد جاء في سنن أبي داود في هذا الحديث: "فأتموا بقية يوم واقضوه". قوله: (اللعبة من العهن) هو الصوف مطلقاً، وقيل الصوف المصبوغ. قوله: (فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار) هكذا هو في جميع النسخ عند الإفطار، قال القاضي: فيه محذوف وصوابه حتى يكون عند الإفطار فبهذا يتم الكلام، وكذا وقع في البخاري من رواية مسدد وهو معنى ما ذكره مسلم في الرواية الأخرى: (فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم) وفي هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ولكنهم ليسوا مكلفين. قال القاضي: وقد روي عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم" وفي رواية: "يبلغ" والله أعلم
*2* باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ.. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. فَجَاءَ فَصَلّىَ ثُمّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النّاسَ. فَقَالَ: إِنّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ. نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنْ صَومِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالاَخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مالكٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَىَ بْنِ حَبّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَىَ وَيَوْمِ الْفِطْرِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ (وَهُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ) عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثاً فَأَعْجَبَنِي. فَقُلْتُ لَهُ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَأَقُولُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ "لاَ يَصْلُحُ الصّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَىَ وَيَوْمِ الْفِطْرِ، مِنْ رَمَضَانَ".
وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَىَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النّحْرِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. فَقَالَ: إِنّي نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْماً. فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَىَ أَوْ فِطْرٍ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: أَمَرَ اللّهِ تَعَالَىَ بِوَفَاءِ النّذْرِ. وَنَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنْ صِيَام هَذَا الْيَوْمِ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَعْدُ أَخبَرَتْنِي عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَىَ.
فيه (عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى) وعن ابن عمر نحوه. وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينهما. قال الشافعي والجمهور: لاينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما. وقال أبو حنيفة: ينعقد ويلزمه قضاؤهما، قال: فإن صامهما أجزأه وخالف الناس كلهم في ذلك. قوله: (شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فجاء فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما) فيه تقديم صلاة العيد على خطبته، وقد سبق بيانه واضحاً في بابه، وفيه تعليم الإمام في خطبته ما يتعلق بذلك العيد من أحكام الشرع من مأمور به ومنهي عنه. قوله: (يوم فطركم) أي أحدهما يوم فطركم.
قوله: (جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إني نذرت أن أصوم يوماً فوافق يوم أضحى أو فطر، فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم) معناه أن ابن عمر توقف عن الجزم بجوابه لتعارض الأدلة عنده. وقد اختلف العلماء فيمن نذر صوم العيد معيناً كما قدمناه قريباً، وأما هذا الذي نذر صوم يوم الاثنين مثلاً فوافق يوم العيد فلا يجوز له صوم العيد بالإجماع، وهل يلزمه قضاؤه؟ فيه خلاف للعلماء، وفيه للشافعي قولان أصحهما لا يجب قضاؤه لأن لفظه لم يتناول القضاء، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصوليين، وكذلك لو صادف أيام التشريق لا يجب قضاؤه في الأصح والله أعلم. ويحتمل أن ابن عمر عرض له بأن الاحتياط لك القضاء لتجمع بين أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم
*2* باب تحريم صوم أيام التشريق
*وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيّامُ التّشْرِيقِ أَيّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ. حَدّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ قَالَ خَالِدٌ: فَلَقِيتُ أَبَا الْمَلِيحِ. فَسَأَلْتُهُ. فَحَدّثَنِي بِهِ. فَذَكَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ. وَزَادَ فِيهِ "وَذِكْرٍ لِلّهِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ سَابِقٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيّامَ التّشْرِيقِ. فَنَادَىَ "أَنّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنّةَ إِلاّ مُؤْمِنٌ. وَأَيّامُ مِنىً أَيّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ".
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَنَادَيَا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب". وفي رواية: "وذكر لله عز وجل".
وفي رواية: "أيام منى" وفيه دليل لمن قال لا يصح صومها بحال وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر وغيرهما. وقال جماعة من العلماء: يجوز صيامها لكل أحد تطوعاً وغيره، حكاه ابن المنذر عن الزبير بن العوام وابن عمر وابن سيرين. وقال مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولا يجوز لغيره، واحتج هؤلاء بحديث البخاري في صحيحه عن ابن عمر وعائشة قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر، سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها وهو تقديدها ونشرها في الشمس، وفي الحديث استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره. قوله: (عن نبيشة الهذلي) هو بضم النون وفتح الباء الموحدة وبالشين المعجمة وهو نبيشة بن عمرو ابن عوف بن سلمة
*2* باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا
*حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَنْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَرَبّ هَذَا الْبَيْتِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَة أَنّهُ أَخْبَرَهُ مُحَمّدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا بِمِثْلِهِ. عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَة. حَدّثَنَا حَفْصٌ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِلاّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ".وحدّثني أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا حُسَيْنٌ (يَعْنِي الْجُعْفِىّ) عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللّهُ عنه عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: "لاَ تَخْتَصّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِي. وَلاَ تَخُصّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيّامِ. إِلاّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ".
قوله: (سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ فقال: نعم ورب هذا البيت).
وفي رواية أبي هريرة: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده). وفي رواية: (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) هكذا وقع في الأصول تختصوا ليلة الجمعة ولا تخصوا يوم الجمعة بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد وبحذفها في الثاني وهما صحيحان، وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له، فإن وصله بيوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبداً فوافق يوم الجمعة لم يكره لهذه الأحاديث. وأما قول مالك في الموطأ: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه ومن به يقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه، فهذا الذي قاله هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة فيتعين القول به، ومالك معذور فإنه لم يبلغه، قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكاً هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه، قال العلماء: والحكمة في النهي عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً} وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة، فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى. فالجواب أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة، وقيل سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت، وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه، وقيل سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد وبيوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك فالصواب ما قدمنا والله أعلم. وفي هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي ويومها بصوم كما تقدم وهذا متفق على كراهيته، واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر والله أعلم
*2* باب بيان نسخ قوله تعالى: {وَعَلىَ الّذينَ يطيقونه فدية} بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَىَ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {وَعَلَىَ الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (2 البقرة الاَية: 1) كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ. حَتّىَ نَزَلَتِ الاَيَةُ الّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا.
حدّثني عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ الْعَامِرِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجّ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَىَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: كُنّا فِي رَمَضَانَ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ شَاءَ صَامَ. وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَىَ بِطَعَامِ مِسْكِينٍ. حَتّىَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2 البقرة الاَية: 1).
قوله: (عن سلمة لما نزلت هذه الاَية: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الاَية التي بعدها فنسختها). وفي رواية: (قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الاَية: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}) قال القاضي عياض: اختلف السلف في الأولى هل هي محكمة أو مخصوصة أو منسوخة كلها أو بعضها؟ فقال الجمهور منسوخة كقول سلمة، ثم اختلفوا هل بقي منها ما لم ينسخ؟ فروي عن ابن عمر والجمهور أن حكم الإطعام باق على من لم يطق الصوم لكبر. وقال جماعة من السلف ومالك وأبو ثور وداود: جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام واستحبه له مالك، وقال قتادة: كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق. وقال ابن عباس وغيره: نزلت في الكبير والمريض اللذين لا يقدران على الصوم فهي عنده محكمة، لكن المريض يقضي إذا برئ، وأكثر العلماء على أنه لا إطعام على المريض. وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك: هي محكمة ونزلت في المريض يفطر ثم يبرأ ولا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضي بعده ما أفطر ويطعم عن كل يوم مد من حنطة، فأما من اتصل مرضه برمضان الثاني فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط. وقال الحسن البصري وغيره: والضمير في يطيقونه عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ ذلك فهي عنده عامة ثم جمهور العلماء على أن الإطعام عن كل يوم مد، وقال أبو حنيفة مدان ووافقه صاحباه، وقال أشهب المالكي: مد وثلث لغير أهل المدينة، ثم جمهور العلماء أن المرض المبيح للفطر هو ما يشق معه الصوم وأباحه بعضهم لكل مريض، هذا آخر كلام القاضي
*2* باب قضاء رمضان في شعبان
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيّ الصّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ. فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاّ فِي شَعْبَانَ. الشّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: فَظَنَنْتُ أَنّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. يَحْيَىَ يَقُولُهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كلاهما عَنْ يَحْيَىَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا فِي الْحَدِيثِ: الشّغْل بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني مُحَمّدٍ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدُ الدّرَاوَرْدِيّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَمَا تَقْدِرُ عَلَىَ أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: حَتّىَ يَأْتِيَ شَعْبَانُ.
قوله عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو برسول الله). وفي رواية: (قالت: إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان) هكذا هو في النسخ الشغل بالألف واللام مرفوع أي يمنعني الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم وتعني بالشغل، وبقولها في الحديث الثاني فما تقدر على أن تقضيه أن كل واحدة منهن كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك ولا تدري متى يريده ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه وهذا من الأدب، وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه لحديث أبي هريرة السابق في صحيح مسلم في كتاب الزكاة، وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه، ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير السلف والخلف أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر كحيض وسفر يجب على التراخي، ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان، لكن قالوا لا يجوز تأخيره عن شعبان الاَتي لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا يقبله وهو رمضان الاَتي فصار كمن أخره إلى الموت. وقال داود: تجب المبادرة به في أول يوم بعد العيد من شوال، وحديث عائشة هذا يرد عليه. قال الجمهور: ويستحب المبادرة به للاحتياط فيه، فإن أخره فالصحيح عند المحققين من الفقهاء وأهل الأصول أنه يجب العزم على فعله، وكذلك القول في جميع الواجب الموسع، إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله حتى لو أخره بلا عزم عصى، وقيل لا يشترط العزم، وأجمعوا أنه لو مات قبل خروج شعبان لزمه الفدية في تركه عن كل يوم مد من طعام، هذا إذا كان تمكن من القضاء فلم يقض، فأما من أفطر في رمضان بعذر ثم اتصل عجزه فلم يتمكن من الصوم حتى مات فلا صوم عليه ولا يطعم عنه ولا يصام عنه، ومن أراد قضاء صوم رمضان ندب مرتباً متوالياً، فلو قضاه غير مرتب أو مفرقاً جاز عندنا وعند الجمهور لأن اسم الصوم يقع على الجميع، وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر: يجب تتابعه كما يجب الأداء
*2* باب قضاء الصيام عن الميت
*وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ، وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيَسىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: قالَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيّهُ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَتْ: إِنّ أُمّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْر. فَقَالَ: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ تَقْضِيْنَهُ؟" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَدَيْنُ اللّهُ أَحَقّ بِالْقَضَاءِ".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيّ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أُمّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ. أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: "أرأيت لَوْ كَانَ عَلَىَ أُمّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَدَيْنُ اللّهُ أَحَقّ أَنْ يُقْضَىَ".
قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ جَمِيعاً. وَنَحْنُ جُلُوسٌ حِينَ حَدّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ. فَقَالاَ: سَمِعْنَا مُجَاهِداً يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وحدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر وَ مُجَاهِدٍ وَ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ زَكَرِيّاءَ بْنِ عَدِيَ. قَالَ عَبْدٌ: حَدّثَنِي زَكَرِيّاءُ بْنُ عَدِيَ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ. حَدّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أُمّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ. أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَىَ أُمّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدّي ذَلِكَ عَنْهَا؟" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَصُومِي عَنْ أُمّكِ".
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ. فَقَالَتْ: إِنّي تَصَدّقْتُ عَلَىَ أُمّي بِجَارِيَةٍ. وَإِنّهَا مَاتَتْ. قَالَ: فَقَالَ: "وَجَبَ أَجْرُكِ. وَرَدّهَا عَلَيْكِ الْمِيْرَاثُ" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ. أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: "صُومِي عَنْهَا" قَالَتْ: إِنّهَا لَمْ تَحُجّ قَطّ. أَفَأَحُجّ عَنْهَا؟ قَالَ: "حُجّي عَنْهَا".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا الثّوْرِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ.
وحدّثنيهِ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.
وحدّثني ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ يُوسُفَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكّيّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).
وفي رواية ابن عباس: (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه؟ قالت نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء). وفي رواية عن ابن عباس: (جاء رجل) وذكر نحوه. وفي رواية أنها قالت: (إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدى ذلك عنها؟ قالت نعم، قال: فصومي عن أمك).
وفي حديث بريدة (قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال: وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها) وفي رواية: (صوم شهرين). اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضى عنه؟ وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلاً. والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. وأما الحديث الوارد من مات وعليه صيام أطعم عنه فليس بثابت ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين، فإن من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام، فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام وتجويز الإطعام والولي مخير بينهما، والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة أو وارثاً أو غيرهما، وقيل المراد الوارث، وقيل العصبة والصحيح الأول، ولو صام عنه أجنبي إن كان بإذن الولي صح وإلا فلا في الأصح، ولا يجب على الولي الصوم عنه لكن يستحب. هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وممن قال به من السلف طاوس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور، وبه قال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد في صوم النذر دون رمضان وغيره، وذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ورواية عن الحسن والزهري، وبه قال مالك وأبو حنيفة، قال القاضي عياض وغيره: هو قول جمهور العلماء، وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليه وهذا تأويل ضعيف بل باطل، وأي ضرورة إليه وأي مانع يمنع من العمل بظاهره مع تظاهر الأحاديث مع عدم المعارض لها. قال القاضي وأصحابنا، وأجمعوا على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته وإنما الخلاف في الميت والله أعلم. وأما قول ابن عباس أن السائل رجل، وفي رواية امرأة، وفي رواية صوم شهر، وفي رواية صوم شهرين فلا تعارض بينهما، فسأل تارة رجل وتارة امرأة وتارة عن شهر وتارة عن شهرين، وفي هذه الأحاديث جواز صوم الولي عن الميت كما ذكرنا، وجواز سماع كلام المرأة الأجنبية في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة، وصحة القياس لقوله صلى الله عليه وسلم: ("فدين الله أحق بالقضاء" وفيها قضاء الدين عن الميت وقد أجمعت الأمة عليه، ولا فرق بين أن يقضيه عنه وارث أو غيره فيبرأ به بلا خلاف، وفيه دليل لمن يقول: إذا مات وعليه دين لله تعالى ودين لاَدمي وضاق ماله قدم دين الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم: "فدين الله أحق بالقضاء". وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال للشافعي أصحها تقديم دين الله تعالى لما ذكرناه. والثاني تقديم دين الاَدمي لأنه مبني على الشح والمضايقة. والثالث هما سواء فيقسم بينهما، وفيه أنه يستحب للمفتي أن ينبه على وجه الدليل إذا كان مختصراً واضحاً وبالسائل إليه حاجة أو يترتب عليه مصلحة لأنه صلى الله عليه وسلم قاس على دين الاَدمي تنبيهاً على وجه الدليل، وفيه أن من تصدق بشيء ثم ورثه لم يكره له أخذه والتصرف فيه، بخلاف ما إذا أراد شراءه فإنه يكره لحديث فرس عمر رضي الله عنه. فيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي والجمهور أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الميئوس من برئه، واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه بأنه مضطرب وهذا عذر باطل وليس في الحديث اضطراب وإنما فيه اختلاف جمعنا بينه كما سبق، ويكفي في صحته احتجاج مسلم به في صحيحه والله أعلم. قوله: (عن مسلم البطين) هو بفتح الباء وكسر الطاء
*2* باب الصائم يدعى لطعام فليقل: إني صائم
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه (قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: رِوَايَةً. وَقَالَ عَمْرٌو: يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ زُهَيْرٌ: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَىَ طَعَامٍ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنّي صَائِمٌ".
فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم
*2* باب حفظ اللسان للصائم
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه رِوَايَةً قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ. فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنّي صَائِمٌ. إِنّي صَائِمٌ".
وفي رواية: (إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم) قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا دعي وهو صائم فليقل إني صائم محمول على أنه يقول له اعتذاراً له وإعلاماً بحاله، فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وإن لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور وليس الصوم عذراً في إجابة الدعوة، ولكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذراً في ترك الأكل، بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل على أصح الوجهين عندنا كما سيأتي واضحاً إن شاء الله تعالى في بابه، والفرق بين الصائم والمفطر منصوص عليه في الحديث الصحيح كما هو معروف في موضعه، وأما الأفضل للصائم فقال أصحابنا: إن كان يشق على صاحب الطعام صومه استحب له الفطر وإلا فلا هذا إذا كان صوم تطوع، فإن كان صوماً واجباً حرم الفطر، وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما إذا دعت إليه حاجة، والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة، وفيه الإشارة إلى حسن المعاشرة وإصلاح ذات البين وتأليف القلوب وحسن الإعتذار عند سببه. وأما الحديث الثاني ففيه نهي الصائم عن الرفث وهو السخف وفاحش الكلام، يقال رفث بفتح الفاء يرفث بضمها وكسرها ورفث بكسرها يرفث بفتحها رفثاً بسكون الفاء في المصدر ورفثاً بفتحها في الاسم ويقال أرفث رباعي حكاه القاضي، والجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن امرؤ شاتمه أو قاتله" معناه شتمه معترضاً لمشاتمته، ومعنى قاتله نازعه ودافعه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فليقل إني صائم إني صائم" هكذا هو مرتين، واختلفوا في معناه فقيل يقوله بلسانه جهراً يسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالباً، وقيل لا يقوله بلسانه بل يحدث به نفسه ليمنعها من مشاتمته ومقاتلته ومقابلته ويحرص صومه عن المكدرات ولو جمع بين الأمرين كان حسناً. واعلم أن نهي الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصاً به بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك لكن الصائم آكد والله أعلم
*2* باب فضل الصيام
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاّ الصَوْمُ. هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهُ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (وَهُوَ الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الصّيَامُ جُنّةٌ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزّيّاتِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهُ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاّ الصّيَامَ فَإِنّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصّيَامُ جُنّةٌ. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ. فَإِنْ سَابّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَلِلصّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُما. إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ. وَإِذَا لَقِيَ رَبّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ(وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىَ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: إِلاّ الصّوْمَ. فَإِنّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ: إِنّ الصّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. إِنّ لِلصّائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ. وَإِذَا لَقِيَ اللّهَ فَرِحَ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدُ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".
وحدّثنيهِ إِسْحَقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَلِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) حَدّثَنَا ضِرَارُ ابْنُ مَرّةَ (وَهُوَ أَبُو سِنَانٍ) بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: وَقَالَ "إِذَا لَقِيَ اللّهَ فَجَزَاهُ، فَرِحَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ (وَهُوَ الْقَطَوَانِيّ) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ فِي الْجَنّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرّيّانُ. يَدْخُلُ مِنْهُ الصّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. يُقَالُ: أَيْنَ الصّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ. فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".
قوله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به) اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به، فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداً لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك، وقيل لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة، وقيل لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ قاله الخطابي، قال: وقيل إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء، وقيل معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل هي إضافة تشريف كقوله تعالى: {ناقة الله} مع أن العالم كله لله تعالى. وفي هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث إليه. وقوله تعالى: {وأنا أجزي به} بيان لعظم فضله وكثرة ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة" وفي رواية: "لخلوف" هو بضم الخاء فيهما وهو تغير رائحة الفم، هذا هو الصواب فيه بضم الخاء كما ذكرناه، وهو الذي ذكره الخطابي وغيره من أهل الغريب وهو المعروف في كتب اللغة. وقال القاضي: الرواية الصحيحة بضم الخاء، قال: وكثير من الشيوخ يرويه بفتحها، قال الخطابي: وهو خطأ. قال القاضي: وحكي عن الفارسي فيه الفتح والضم. وقال أهل المشرق: يقولونه بالوجهين والصواب الضم، ويقال خلف فوه بفتح الخاء واللام يخلف بضم اللام وأخلف يخلف إذا تغير، وأما معنى الحديث فقال القاضي: قال المازري هذا مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه وتنفر من شيء فتستقذره والله تعالى متقدس عن ذلك، لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعبر ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى. قال القاضي: وقيل يجازيه الله تعالى به في الاَخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك، وقيل يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك، وقيل رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه، والأصح ما قاله الداوري من المغاربة، وقاله من قال من أصحابنا أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجال الحديث والذكر وسائر مجامع الخير، واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته، وإن كان السواك فيه فضل أيضاً لأن فضيلة الخلوف أعظم، وقالوا كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب، فإذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب فترك السواك الذي ليس هو واجباً للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة" هو بضم الجيم ومعناه سترة ومانع من الرفث والاَثام ومانع أيضاً من النار، ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يرفث يومئذ ولا يسخب" هكذا هو هنا بالسين ويقال بالسين والصاد وهو الصياح وهو بمعنى الرواية الأخرى ولا يجهل ولا يرفث. قال القاضي: ورواه الطبري ولا يسخر بالراء قال: ومعناه صحيح لأن السخرية تكون بالقول والفعل وكله من الجهل، قلت: وهذه الرواية تصحيف وإن كان لها معنى. قوله صلى الله عليه وسلم: "وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" قال العلماء: أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها. قوله: (حدثنا خالد بن مخلد القطواني) هو بفتح القاف والطاء، قال البخاري والكلاباذي: معناه البقال كأنهم نسبوه إلى بيع القطنية. قال القاضي: وقال الباجي هي قرية على باب الكوفة، قال: وقاله أبو ذر أيضاً، وفي تاريخ البخاري أن قطوان موضع.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد" هكذا وقع في بعض الأصول فإذا دخل آخرهم، وفي بعضها فإذا دخل أولهم، قال القاضي وغيره: وهو وهم والصواب آخرهم. وفي هذا الحديث فضيلة الصيام وكرامة الصائمين
*2* باب فضل الصيام في سبيل اللّهُ لمن يطيقه، بلا ضرر ولا تفويت حق
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنِي اللّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللّهِ. إِلاّ بَاعَدَ اللّهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَجْهَهُ عَنِ النّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ و عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ أَنّهُمَا سَمِعَا النّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيّاشٍ الزّرَقِيّ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللّهِ، بَاعَدَ اللّهُ وَجْهَهُ عَنِ النّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به ولا يفوت به حقاً ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه، ومعناه المباعدة عن النار والمعافاة منها، والخريف السنة والمراد سبعين سنة
*2* باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلا من غير عذر
*وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ. حَدّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَة عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟" قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ. قَالَ: "فَإِنّي صَائِمٌ" قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيّةٌ (أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ). قَالَتْ: فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيّةٌ (أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ) وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئاً. قَالَ: "مَا هُوَ؟" قُلْتُ: حَيْسٌ. قَالَ: "هَاتِيهِ" فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ. ثُمّ قَالَ: "قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِماً".
قَالَ طَلْحَةُ: فَحَدّثْتُ مُجَاهِداً بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرّجُلِ يُخْرِجُ الصّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بنِ يَحْيَىَ، عَنْ عَمّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟" فَقُلْنَا: لاَ. قَالَ: "فَإِنّي إِذَنْ صَائِمٌ" ثُمّ أَتَانَا يَوْماً آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ. فَقَالَ: "أَرِينِيهِ. فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِماً" فَأَكَلَ.
فيه حديث عائشة رضي الله عنها (قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: فإني صائم، قالت: فخرج صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية أو جاءنا زور فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زور وقد خبأت لك شيئاً قال: ما هو؟ قلت حيس، قال: هاتيه فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً). وفي الرواية الأخرى قالت: (دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا لا، قال: فإني إذاً صائم، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس قال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل) الحيس بفتح الحاء المهملة هو التمر مع السمن والأقط، وقال الهروي: ثريدة من أخلاط، والأول هو المشهور، والزور بفتح الزاي الزوار ويقع الزور على الواحد والجماعة القليلة والكثيرة، وقولها جاءنا زور وقد خبأت لك معناه جاءنا زائرون ومعهم هدية خبأت لك منها، أو يكون معناه جاءنا زور فأهدي لنا بسببهم هدية فخبأت لك منها، وهاتان الروايتان هما حديث واحد، والثانية مفسرة للأولى ومبينة أن القصة في الرواية الأولى كانت في يومين لا في يوم واحد، كذا قاله القاضي وغيره وهو ظاهر، وفيه دليل لمذهب الجمهور أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس ويتأوله الاَخرون على أن سؤاله صلى الله عليه وسلم هل عندكم شيء لكونه ضعف عن الصوم وكان نواه من الليل فأراد الفطر للضعف وهذا تأويل فاسد وتكلف بعيد. وفي الرواية الثانية التصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن صوم النافلة يجوز قطعه والأكل في أثناء النهار ويبطل الصوم لأنه نفل فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء وكذا في الدوام، وممن قال بهذا جماعة من الصحابة وأحمد وإسحاق وآخرون ولكنهم كلهم والشافعي معهم متفقون على استحباب إتمامه، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز قطعه ويأثم بذلك، وبه قال الحسن البصري ومكحول والنخعي وأوجبوا قضاءه على من أفطر بلا عذر، قال بن عبد البر: وأجمعوا على أن لا قضاء على من أفطره بعذر والله أعلم
*2* باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر
*وحدّثني عَمْرُو بْنُ مُحَمّدٍ النّاقِد. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ الْقُرْدُوسِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمّ صَوْمَهُ. فَإِنّمَا أَطْعَمَهُ اللّهُ وَسَقَاهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" فيه دلالة لمذهب الأكثرين أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسياً لا يفطر. وممن قال بهذا الشافعي وأبو حنيفة وداود وآخرون. وقال ربيعة ومالك: يفسد صومه وعليه القضاء دون الكفارة. وقال عطاء والأوزاعي والليث: يجب القضاء في الجماع دون الأكل. وقال أحمد: يجب في الجماع القضاء والكفارة ولا شيء في الأكل
*2* باب صيام النبيّ صلى الله عليه وسلم في غير رمضان واستحباب أن لا يخلى شهرا عن صوم
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيِ اللّهُ عَنْهَا: هَلْ كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: يَصُومُ شَهْراً مَعْلُوماً سِوَىَ رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: وَاللّهِ إِنْ صَامَ شَهْراً مَعْلُوماً سِوَىَ رَمَضَانَ. حَتّىَ مَضَىَ لِوَجْهِهِ. وَلاَ أَفْطَرَهُ حَتّىَ يُصِيبَ مِنْهُ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَصُومُ شَهْراً كُلّهُ؟ قَالَتْ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرَاً كُلّهُ إِلاّ رَمَضَانَ. وَلاَ أَفْطَرَهُ كُلّهُ حَتّىَ يَصُومَ مِنْهُ حَتّىَ مَضَىَ لِسَبِيلِهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ أَيّوبَ وَ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ (قَالَ حَمّادٌ: وَأَظُنّ أَيّوبَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ) قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ صَوْمِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتّىَ نَقُولَ: قَدْ صَامَ. قَدْ صَامَ. وَيُفْطِرُ حَتّىَ نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ. قَدْ أَفْطَرَ. قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْراً كَامِلاً، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلاّ يَكُونَ رَمَضَانَ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الإِسْنَادِ هِشَاماً وَلاَ مُحَمّداً.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النّضْرِ مَوْلَىَ عُمَرَ بْنِ عُبَيْد اللّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَصُومُ حَتّىَ نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتّىَ نَقُولَ: لاَ يَصُومُ. وَمَا رَأَيْتُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطّ إِلاّ رَمَضَانَ. وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَاماً فِي شَعْبَانَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتّىَ نَقُولَ: قَدْ صَامَ. وَيُفْطِرُ حَتّىَ نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ. وَلَمْ أَرَهُ صَائِماً مِنْ شَهْرٍ قَطّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ. كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلّهُ. كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاّ قَلِيلاً.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشّهْرِ مِنَ السّنَةِ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ في شَعْبَانَ. وَكَانَ يَقُولُ: "خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ. فَإِنّ اللّهَ لَنْ يَمَلّ حَتّىَ تَمَلّوا". وَكَانَ يَقُولُ: "أَحَبّ الْعَمَلِ إِلَىَ اللّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ قَلّ".
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْراً كَامِلاً قَطّ غَيْرَ رَمَضَانَ. وَكَانَ يَصُومُ، إِذَا صَامَ، حَتّىَ يَقُولَ الْقَائِلُ: لاَ، وَاللّهِ لاَ يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ، إِذَا أَفْطَرَ، حَتّىَ يَقُولَ الْقَائِلُ: لاَ، وَاللّهِ لاَ يَصُومُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ غُنْدَرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: شَهْراً مُتَتَابِعاً مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ؟ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي رَجَبٍ. فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ.
وحدّثنيهِ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَىَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ فِي هَذَا الاْسْنَادِ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. وَ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه. ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ حَتّىَ يُقَالَ: قَدْ صَامَ، قَدْ صَامَ. وَيُفْطِرُ حَتّىَ يُقَالَ: قَدْ أَفْطَرَ، قَدْ أَفْطَرَ.
فيه حديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً كله إلا رمضان، ولا أفطره كله حتى يصيب منه). وفي رواية (يصوم منه). وفي رواية: (كان يصوم حتى نقول قد صام قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر قد أفطر). وفي رواية: (يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان). وفي رواية: (كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً). في هذه الأحاديث أنه يستحب أن لا يخلى شهراً من صيام، وفيها أن صوم النفل غير مختص بزمان معين بل كل السنة صالحة له إلا رمضان والعيد والتشريق. وقولها كان يصوم شعبان كله كان يصومه إلا قليلاً الثاني تفسير للأول وبيان أن قولها كله أي غالبه، وقيل كان يصومه كله في وقت ويصوم بعضه في سنة أخرى، وقيل كان يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة بينهما وما يخلى منه شيئاً بلا صيام لكن في سنين، وقيل في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه أعمال العباد، وقيل غير ذلك، فإن قيل: سيأتي قريباً في الحديث الاَخر: إن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم؟ فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما. قال العلماء: وإنما لم يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا من الأعمال ما تطيقون" إلى آخر هذا الحديث تقدم شرحه وبيانه واضحاً في كتاب الصلاة قبيل كتاب القراءة وأحاديث القرآن.
قوله: (سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب فقال: سمعت ابن عباس يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم) الظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهي عنه ولا ندب فيه لعينه بل له حكم باقي الشهور، ولم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب لعينه ولكن أصل الصوم مندوب إليه. وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها والله أعلم
*2* باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ وَهْبٍ يُحَدّثُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدّثَنِي حرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ يَقُولُ: لأَقُومَنّ اللّيْلَ وَلأَصُومَنّ النّهَارَ، مَا عِشْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "آنْتَ الّذِي تَقُولُ ذَلِك؟" فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. فَصُمْ وَأَفْطِرْ. وَنَمْ وَقُمْ: وَصُمْ مِنَ الشّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ. فَإِنّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدّهْرِ" قَالَ: قُلْتُ: فَإِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِك. قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ" قَالَ قُلْتُ: فَإِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً. وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السّلاَمُ)، وَهُوَ أَعْدَلُ الصّيَامِ" قَالَ قُلْتُ: فَإِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ".
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثّلاَثَةَ الأَيّامَ الّتِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَحَبّ إِلَيّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدٍ الرّومِيّ. حَدّثَنَا النّضْرُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمّارٍ) حَدّثَنَا يَحْيَىَ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ حَتّىَ نَأْتِيَ أَبَا سَلَمَةَ. فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِ رَسُولاً. فَخَرَجَ عَلَيْنَا. وَإِذَا عِنْدَ بَابِ دَارِهِ مَسْجِدٌ. قَالَ: فَكُنّا فِي الْمَسْجِدِ حَتّىَ خَرَجَ إِلَيْنَا. فَقَالَ: إِنْ تَشَاؤُا، أَنْ تَدْخُلُوا، وَإِنْ تَشَاؤُا، أَنْ تَقْعُدُوا هَهُنَا. قَالَ: فَقُلْنَا: لاَ. بَلْ نَقْعُدُ هَهُنَا. فَحَدّثَنَا. قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. قَالَ: كُنْتُ أَصُومُ الدّهْرَ وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلّ لَيْلَةٍ. قَالَ: فَإِمّا ذُكِرْتُ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَإِمّا أَرْسَلَ إِلَيّ فَأَتَيْتُهُ. فَقَالَ لِي: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنّكَ تَصُومُ الدّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلّ لَيْلَةٍ؟" فَقُلْتُ: بَلَىَ. يَا نَبِيّ اللّهِ وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاّ الخَيْرَ. قَالَ: "فَإِنّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ" قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَإِنّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً. وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً. وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً" قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيّ اللّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَإِنّهُ كَانَ أَعْبَدَ النّاسِ" قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: "كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً" قَالَ: "وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلّ شَهْرٍ" قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِك. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلّ عِشْرِينَ" قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِك. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلّ عَشْرٍ" قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلّ سَبْعٍ، وَلاَ تَزِدْ عَلَىَ ذَلِكَ. فَإِنّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً. وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً. وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً".
قَالَ: فَشَدّدْتُ. فَشُدّدَ عَلَيّ.
قَالَ: وَقَالَ لِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ".
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَىَ الّذِي قَالَ لِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلّمُ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَزَادَ فِيهِ، بَعْدَ قوله: "مِنْ كُلّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ": "فَإِنّ لَكَ بِكُلّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا. فَذَلِكَ الدّهْرُ كُلّهُ".
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِيّ اللّهِ دَاوُدَ؟ قَالَ "نِصْفُ الدّهْرِ" وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْئاً. وَلَمْ يَقُلْ "وَإِنّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّا" وَلَكِنْ قَالَ "وَإِنّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً".
حدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ مَوْلَىَ بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: (وَأَحْسبُنِي قَدْ سَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهَ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلّ شَهْرٍ" قَالَ قُلْتُ: إِنّي أَجَدُ قُوّةً. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً" قَالَ قُلْتُ: إِنّي أَجِدُ قُوّةً. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَىَ ذَلِكَ".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزَدِيّ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيّ قِرَاءَةً. قال: حَدّثَنِي يَحْيَىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ. حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا عَبْدَ اللّهِ لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ. كَانَ يَقُومُ اللّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللّيْلِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَزْعُمُ أَنّ أَبَا الْعَبّاسِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: بَلَغَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّي أَصُومُ أَسْرُدُ، وَأُصَلّي اللّيْلَ. فَإِمّا أَرْسَلَ إِلَيّ وَإِمّا لَقِيتُهُ فَقَالَ: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنّكَ تَصُومُ وَلاَ تُفْطِرُ، وَتُصَلّي اللّيْلَ؟ فَلاَ تَفْعَلْ. فَإِنّ لِعَيْنِكَ حَظّاً. وَلِنَفْسِكَ حَظّاً. وَلأَهْلِكَ حَظّاً. فَصُمْ وَأَفْطِرْ. وَصَلّ وَنَمْ. وَصُمْ مِنْ كُلّ عَشْرَةِ أَيّامٍ يَوْماً. وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ" قَالَ: إِنّي أَجِدُنِي أَقْوَىَ مِنْ ذَلِكَ، يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ: "فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السّلاَمُ)": قَالَ: وَكَيْفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ؟ يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ: "كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً. وَلاَ يَفِرّ إِذَا لاَقَىَ" قَالَ: مَنْ لِي بِهَذِهِ؟ يَا نَبِيّ اللّهِ (قَالَ عَطَاءٌ: فَلاَ أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ) فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ.. لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ".
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وقَالَ: إِنّ أَبَا الْعَبّاسِ الشّاعِرَ أَخْبَرَهُ.
قَالَ مُسْلِمٌ): أَبُو الْعَبّاسِ السّائِبُ بْنُ فَرّوخَ، مِنْ أَهْلِ مَكّةَ، ثِقَةٌ عَدْلٌ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ سَمِعَ أَبَا الْعَبّاسِ. سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِي اللّهِ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو إِنّكَ لَتَصُومُ الدّهْرَ وَتَقُومُ اللّيْلَ. وَإِنّكَ، إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ. وَنَهِكَتْ. لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ مِنَ الشّهْرِ، صَوْمُ الشّهْرِ كُلّهِ" قُلْتُ: فَإِنّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ. كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً. وَلاَ يَفِرّ إِذَا لاَقَىَ".
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ. حَدّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ "وَنَفِهَتِ النّفْسُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَلَمْ أُخْبِرْ أَنّكَ تَقُومُ اللّيْلَ وَتَصُومُ النّهَارَ؟" قلْتُ: إِنّي أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: "فَإِنّكَ، إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، هَجَمَتْ عَيْنَاكَ. ونَفِهَتْ نَفْسُكَ. لِعَيْنِكَ حَقّ. وَلِنَفْسِكَ حَقّ. وَلأَهْلِكَ حَقّ. قُمْ وَنَمْ. وَصُمْ وَأَفْطِرْ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ أَحَبّ الصّيَامِ إِلَىَ اللّهِ صِيَامُ دَاوُدَ. وَأَحَبّ الصّلاَةِ إِلَى اللّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السّلاَمُ). كَانَ يَنَامَ نِصْفَ اللّيْلِ. وَيَقُومُ ثُلُثَهُ. وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "أَحَبّ الصّيَامِ إِلَىَ اللّهِ صِيَامُ دَاوُدَ. كَانَ يَصُومُ نِصْفَ الدّهْرِ. وَأَحَبّ الصّلاَةِ إِلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ صَلاَةُ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السّلاَمُ). كَانَ يَرْقُدُ شَطْرَ اللّيْلِ. ثُمّ يَقُومُ. ثُمّ يَرْقُدُ آخِرَهُ. يَقُومُ ثُلُثَ اللّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ".
قَالَ قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِيِنَارٍ: أَعْمْرُو بْنُ أَوْسٍ كَانَ يَقُولُ: يَقُومُ ثُلُثَ اللّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ؟ قَالَ: نَعْمَ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيحِ. قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. فَحَدّثَنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي. فَدَخَلَ عَلَيّ. فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ. وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَقَالَ لي "أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيّامٍ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "خَمْساً" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "سَبْعَاً" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "تِسْعاً" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "أَحَدَ عَشَرَ فِي كُلّ شَهْرٍ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ. شَطْرُ الدّهْرِ. صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيّاضٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ "صُمْ يَوْماً. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَالَ: إِنّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ "صُمْ يَوْمَيْنِ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَالَ: إِنّي أُطِيقُ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَالَ: إِنّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ "صُمْ أَرْبَعَةَ أَيّامٍ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَالَ: إِنّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "صُمْ أَفْضَلَ الصّيَامِ عِنْدَ اللّهِ. صَوْمَ دَاوُدَ (عَلَيِهِ السّلاَمُ) كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَهْدِيَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيّانَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ لي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو بَلَغَنِي أَنّكَ تَصُومُ النّهَارَ وَتَقُومُ اللّيْلَ. فَلاَ تَفْعَلْ. فَإِنّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَظّا. وَلِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظَا. وَإِنّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَظّا. صُمْ وَأَفْطِرْ. صُمْ مِنْ كُلّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ. فَذَلِكَ صَوْمُ الدّهْرِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ بِي قُوّةً. قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السّلامُ) صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً".
فَكَانَ يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي أَخَذْتُ بِالرّخْصَةِ.
فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد جمع مسلم رحمه الله طرقه فأتقنها. وحاصل الحديث بيان رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم وإرشادهم إلى مصالحهم، وحثهم على ما يطيقون الدوام عليه، ونهيهم عن التعمق والإكثار من العبادات التي يخاف عليهم الملل بسببها أو تركها أو ترك بعضها، وقد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا". وبقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب: "لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل" وفي الحديث الاَخر: "أحب العمل إليه ما داوم صاحبه عليه" وقد ذم الله تعالى قوماً أكثروا العبادة ثم فرطوا فيها فقال تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} وفي هذه الروايات المذكورة في الباب النهي عن صيام الدهر. واختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر نظراً لظواهر هذه الأحاديث. قال القاضي وغيره وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها وهي العيدان والتشريق، ومذهب الشافعي وأصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه، بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقاً، فإن تضرر أو فوت حقاً فمكروه، واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاري ومسلم أنه قال: (يا رسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ فقال: إن شئت فصم) ولفظ رواية مسلم: (فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام) ولو كان مكروهاً لم يقره لا سيما في السفر، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطاب أنه كان يسرد الصيام، وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف قد ذكرت منهم جماعة في شرح المهذب في باب صوم التطوع، وأجابوا عن حديث: "لا صام من صام الأبد" بأجوبة أحدها أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها. والثاني أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقاً، ويؤيده أن النهي كان خطاباً لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة، قالوا: فنهى ابن عمر وكان لعلمه بأنه سيعجز، وأقر حمزة ابن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر. والثالث أن معنى لا صام أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره فيكون خبراً لا دعاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنك لا تستطيع ذلك" فيه إشارة إلى ما قدمناه أنه صلى الله عليه وسلم علم من حال عبد الله بن عمرو أنه لا يستطيع الدوام عليه بخلاف حمزة بن عمرو. وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل كله فهو على إطلاقه وغير مختص به، بل قال أصحابنا: يكره صلاة كل الليل دائماً لكل أحد، وفرقوا بينه وبين صوم الدهر في حق من لا يتضرر به، ولا يفوت حقاً بأن في صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق لأنه إن لم يتم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نوماً ينجبر به سهره فوت بعض الحقوق، بخلاف من يصلي بعض الليل فإنه يستغني بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوت به حق، وكذا من قام ليلة كاملة كليلة العيد أو غيرها لا دائماً لا كراهة فيه لعدم الضرر والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم في صوم يوم وفطر يوم: "لا أفضل من ذلك" اختلف العلماء فيه فقال المتولي من أصحابنا وغيره من العلماء: هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث، وفي كلام غيره إشارة إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه وتقديره: لا أفضل من هذا في حقك. ويؤيد هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد وأرشده إلى يوم ويوم، ولو كان أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن بحسبك أن تصوم" معناه يكفيك أن تصوم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولزورك عليك حقاً" أي زائرك وقد سبق شرحه قريباً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "واقرأ القرآن في كل شهر ثم قال في كل عشرين ثم قال في كل سبع ولا تزد" هذا من نحو ما سبق من الإرشاد إلى الاقتصاد في العبادة والإرشاد إلى تدبر القرآن، وقد كانت للسلف عادات مختلفة فيما يقرؤون كل يوم بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم، فكان بعضهم يختم القرآن في كل شهر، وبعضهم في عشرين يوماً، وبعضهم في عشرة أيام، وبعضهم أو أكثرهم في سبعة، وكثير منهم في ثلاثة، وكثير في كل يوم وليلة، وبعضهم في كل ليلة، وبعضهم في اليوم والليلة ثلاث ختمات، وبعضهم ثمان ختمات وهو أكثر ما بلغنا، وقد أوضحت هذا كله مضافاً إلى فاعليه وناقليه في كتاب آداب القراء مع جمل من نفائس تتعلق بذلك، والمختار أنه يستكثر منه ما يمكنه الدوام عليه، ولا يعتاد إلا ما يغلب على ظنه الدوام عليه في حال نشاطه وغيره، هذا إذا لم تكن له وظائف عامة أو خاصة يتعطل بإكثار القرآن عنها، فإن كانت له وظيفة عامة كولاية وتعليم ونحو ذلك فليوظف لنفسه قراءة يمكنه المحافظة عليها مع نشاطه وغيره من غير إخلال بشيء من كمال تلك الوظيفة، وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف والله أعلم. قوله: (وددت أني كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم) معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله ولا يمكنه تركه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل. وفي هذا الحديث وكلام ابن عمرو أنه ينبغي الدوام على ما صار عادة من الخير ولا يفرط فيه. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن لولدك عليك حقاً" فيه أن على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين، وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية، نص عليه الشافعي وأصحابه، قال الشافعي وأصحابه: وعلى الأمهات أيضاً هذا التعليم إذا لم يكن أب لأنه من باب التربية، ولهن مدخل في ذلك وأجرة هذا التعليم في مال الصبي، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته لأنه مما يحتاج إليه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم في وصف داود صلى الله عليه وسلم: "كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى قال من لي بهذه يا نبي الله" معناه هذه الخصلة الأخيرة وهي عدم الفرار صعبة علي كيف لي بتحصيلها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد لا صام من صام الأبد" سبق شرحه في هذا الباب، وهكذا هو في النسخ مكرر مرتين وفي بعضها ثلاث مرات. قوله صلى الله عليه وسلم: "هجمت له العين ونهكت" معنى هجمت غارت، ونهكت بفتح النون وبفتح الهاء وكسرها والتاء ساكنة نهكت العين أي ضعفت، وضبطه بعضهم نهكت بضم النون وكسر الهاء وفتح التاء أي نهكت أنت أي ضنيت، وهذا ظاهر كلام القاضي.
قوله: (ونفهت النفس) بفتح النون وكسر الفاء أي أعيت. قوله: (حدثنا سفيان ابن عيينة عن عمرو عن عمرو بن أوس) عمرو الأول هو ابن دينار كما بينه في الرواية الثانية. قوله: (فألقيت له وسادة) فيه إكرام الضيف والكبار وأهل الفضل. قوله: (فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه) فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع ومجانبة الاستئثار على صاحبه وجليسه. قوله: (حدثنا سليم بن حيان) بفتح السين وكسر اللام وقد سبق في مقدمة الكتاب أنه ليس في الصحيح سليم بفتح السين غيره. قوله: (سعيد بن ميناء) هو بالمد والقصر والقصر أشهر
*2* باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس
*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ يَزِيدَ الرّشْكِ. قَالَ: حَدّثَتْنِي مُعَاذَةُ الْعَدَوِيّةُ أَنّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ زوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ مِنْ كُلّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيّ أَيّامِ الشّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيّ أَيّامِ الشّهْرِ يَصُومُ.
وحدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضّبَعِيّ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ (وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ) حَدّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ (أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ): "يَا فُلاَنُ أَصُمْتَ مِنْ سُرّةِ هَذَا الشّهْرِ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ قُتَيّبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادٍ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزّمّانِيّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: رَجُلٌ أَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا رَأَىَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ قَالَ: رَضِينَا بِاللّهِ رَبّاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمّدٍ نَبِيّاً. نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ غَضَبِ اللّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ. فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُرَدّدُ هَذَا الْكَلاَمَ حَتّىَ سَكَنَ غَضَبُهُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدّهْرَ كُلّهُ؟ قَالَ: "لاَ صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ" (أَوْ قَالَ): "لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ" قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْماً؟ قَالَ: "وَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟" قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً؟ قَالَ: "ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السّلاَمُ)" قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: "وَدِدْتُ أَنّي طُوّقْتُ ذَلِك" ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثٌ مِنْ كُلّ شَهْرٍ. وَرَمَضَانُ إِلَىَ رَمَضَانَ. فَهَذَا صِيَامُ الدّهْرِ كُلّهِ. صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَىَ اللّهِ أَنْ يُكَفّرَ السّنةَ الّتِي قَبْلَهُ. وَالسّنةَ الّتِي بَعْدَهُ. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَىَ اللّهِ أَنْ يُكَفّرَ السّنةَ الّتِي قَبْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزّمّانِيّ عَنْ أَ بِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: رَضِينَا بِاللّهِ رَبَا، وَبِالاْسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمّدٍ رَسُولاً، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً.
قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدّهْرِ؟ فَقَالَ: "لاَ صَامَ وَلا أَفْطَرَ أَوْ مَا صَامَ وَمَا أفْطَرَ)" قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ "وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟" قَالَ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ "لَيْتَ أَنّ اللّهَ قَوّانَا لِذَلِكَ" قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: "ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ (عَلَيْهِ السّلاَمُ)" قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ؟ قَالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ. وَيَوْمٌ بُعِثْتُ (أَوْ أُنْزِلَ عَلَيّ فِيهِ)" قَالَ: فَقَالَ: "صَوْمُ ثَلاَثَةٍ مِنْ كُلّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَىَ رَمَضَانَ، صَوْمُ الدّهْرِ" قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: "يُكَفّرُ السّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ" قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: "يُكَفّرُ السّنَةَ الْمَاضِيةَ".
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ: وسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ لَمّا نَرَاهُ وَهْماً.
وحدّثناه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا حَبّانُ بْنُ هِلاَلٍ. حَدّثَنَا أَبَانٌ الْعَطّارُ. حَدّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ فِي هَذَا الاْسْنَادِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ. غَيْرَ أَنّهُ ذَكَرَ فِيهِ الاِثْنَيْنِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَمِيسَ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزّمّانِيّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاِثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: "فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيّ".
فيه حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ولم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم).
وحديث عمران بن حصين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو قال لرجل وهو يسمع: يا فلان أصمت من سرة هذا الشهر؟ قال لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين) هكذا هو في جميع النسخ من سرة هذا الشهر بالهاء بعد الراء، وذكر مسلم بعده حديث أبي قتادة ثم حديث عمران أيضاً في سرر شعبان، وهذا تصريح من مسلم بأن رواية عمران الأولى بالهاء والثانية بالراء، ولهذا فرق بينهما، وأدخل الأولى مع حديث عائشة كالتفسير له فكأنه يقول: يستحب أن تكون الأيام الثلاثة من سرة الشهر وهي وسطه وهذا متفق على استحبابه، وهو استحباب كون الثلاثة هي أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وقد جاء فيها حديث في كتاب الترمذي وغيره، وقيل هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر، قال العلماء: ولعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب على ثلاثة معينة لئلا يظن تعينها ونبه بسرة الشهر وبحديث الترمذي في أيام البيض على فضيلتها.
قوله: (عن عبد الله بن معبد الزماني) هو بزاي مكسورة ثم ميم مشددة. قوله: (عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف تصوم) هكذا هو في معظم النسخ عن أبي قتادة رجل أتى، وعلى هذا يقرأ رجل بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الشان والأمر رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، وقد أصلح في بعض النسخ أن رجلاً أتى، وكان موجب هذا الإصلاح جهالة انتظام الأول وهو منتظم كما ذكرته فلا يجوز تغييره والله أعلم. قوله: (رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء: سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه وكان يقتضي حاله أكثر منه، وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين إليه لئلا يقتدي به كل أحد فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم، وكان حق السائل أن يقول: كم أصوم أو كيف أصوم؟ فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما تقتضيه حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم والله أعلم. قوله: (كيف من يصوم يوماً ويفطر يومين قال وددت أني طوقت ذاك) قال القاضي: قيل معناه وددت أن أمتي تطوقه لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيقه وأكثر منه وكان يواصل ويقول: إني لست كأحدكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني. قلت: ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية: "ليت أن الله قوانا لذلك" أو يقال: إنما قاله لحقوق نسائه وغيرهن من المسلمين المتعلقين به والقاصدين إليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وسبق بيان مثل هذا في تكفير الخطايا بالوضوء، وذكرنا هناك أنه إن لم تكن صغائر يرجى التخفيف من الكبائر فإن لم يكن رفعت درجات. قوله صلى الله عليه وسلم في صيام الدهر: "لا صام ولا أفطر" قد سبق بيانه. قوله في هذا الحديث من رواية شعبة: (قال وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهماً) ضبطوا نراه بفتح النون وضمها وهما صحيحان، قال القاضي عياض رحمه الله: إنما تركه وسكت عنه لقوله: (فيه ولدت وفيه بعثت أو أنزل علي) وهذا إنما هو في يوم الاثنين كما جاء في الروايات الباقيات يوم الاثنين دون ذكر الخميس، فلما كان في رواية شعبة ذكر الخميس تركه مسلم لأنه رآه وهماً، قال القاضي: ويحتمل صحة رواية شعبة، ويرجع الوصف بالولادة والإنزال إلى الاثنين دون الخميس وهذا الذي قاله القاضي متعين والله أعلم. قال القاضي: واختلفوا في تعيين هذه الأيام الثلاثة المستحبة من كل شهر، ففسره جماعة من الصحابة والتابعين بأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر منهم عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبو ذر، وبه قال أصحاب الشافعي، واختار النخعي وآخرون آخر الشهر، واختار آخرون ثلاثة من أوله منهم الحسن، واختارت عائشة وآخرون صيام السبت والأحد والاثنين من شهر، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من الشهر الذي بعده، واختار آخرون الاثنين والخميس، وفي حديث رفعه ابن عمر أول اثنين في الشهر وخميسان بعده، وعن أم سلمة: أول خميس والاثنين بعده ثم الاثنين، وقيل: أول يوم من الشهر والعاشر والعشرين، وقيل: أنه صيام مالك بن أنس وروي عنه كراهة صوم أيام البيض، وقال ابن شعبان المالكي: أول يوم من الشهر والحادي عشر والحادي وعشرون والله أعلم
*2* باب صوم سرر شعبان
*حَدّثَنَا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرّفٍ (وَلَمْ أَفْهَمْ مُطَرّفاً مِنْ هَدّابٍ) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ (أَوْ لاَِخَرَ): "أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ، عَنْ مُطَرّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ "هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ هَذَا الشّهْرِ شَيْئاً؟" قَالَ: لا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ أَخِي مُطَرّفٍ بْنِ الشّخّيرِ قَالَ: سَمِعْتُ مُطْرّفَاً يُحَدّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ "هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشّهْرِ شَيْئاً؟" يَعْنِي شَعْبَانَ. قَالَ: لاَ. قَالَ فَقَالَ لَهُ "إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ" (شُعْبَةُ الّذِي شَكّ فِيهِ) قَالَ: وَأَظنّهُ قَالَ يَوْمَيْنِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ وَ يَحْيَى اللّوءْلُؤِيّ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا النّضْرُ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَانِئِ ابْنِ أَخِي مُطَرّفٍ فِي هَذَا الاْسْنَادِ، بِمِثْلِهِ.
فيه (عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أو لاَخر: أصمت من سرر شعبان؟ قال لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين) وفي رواية: (فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه) ضبطوا سرر بفتح السين وكسرها، وحكى القاضي ضمها قال: وهو جمع سرة، ويقال أيضاً سرار وسرار بفتح السين وكسرها وكله من الاستسرار، قال الأوزاعي وأبو عبيد وجمهور العلماء من أهل اللغة والحديث: والغريب المراد بالسرر آخر الشهر سميت بذلك لاستسرار القمر فيها. قال القاضي: قال أبو عبيد أو أهل اللغة السرر آخر الشهر، قال: وأنكر بعضهم هذا وقال المراد وسط الشهر، قال: وسرار كل شيء وسطه، قال: هذا القائل لم يأت في صيام آخر الشهر ندب فلا يحمل الحديث عليه بخلاف وسطه فإنها أيام البيض. وروى أبو داود عن الأوزاعي سرره أوله. ونقل الخطابي عن الأوزاعي سرره آخره. قال البيهقي في السنن الكبير بعد أن روى الروايتين عن الأوزاعي: الصحيح آخره ولم يعرف الأزهري أن سرره أوله. قال الهروي: والذي يعرفه الناس أن سرره آخره، ويعضد من فسره بوسطه الرواية السابقة في الباب قبله سرة هذا الشهر، وسرارة الوادي وسطه وخياره. وقال ابن السكيت: سرار الأرض أكرمها ووسطها، وسرار كل شيء وسطه وأفضله، فقد يكون سرار الشهر من هذا. قال القاضي: والأشهر أن المراد آخر الشهر كما قال أبو عبيد والأكثرون، وعلى هذا يقال هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة في النهي عن تقديم رمضان بصوم يوم ويومين، ويجاب عنه بما أجاب المازري وغيره وهو أن هذا الرجل كان معتاد الصيام آخر الشهر أو نذره فتركه بخوفه من الدخول في النهي عن تقدم رمضان فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي وإنما ننهي عن غير المعتاد والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم في رواية محمد بن مثنى: "إذا أفطرت رمضان" هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح أي أفطرت من رمضان كما في الرواية التي قبلها، وحذف لفظة من في هذه الرواية وهي مراده كقوله تعالى: {واختار موسى قومه} أي من قومه والله أعلم
*2* باب فضل صوم المحرم
*حدّثني قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِمْيَرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللّهِ الْمُحَرّمُ. وَأَفْضَلُ الصّلاَةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاَةُ اللّيْلِ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه يَرْفَعُهُ. قَالَ: سُئِلَ: أَيّ الصّلاَةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيّ الصّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: "أَفْضَلُ الصّلاَةِ، بَعْدَ الصّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصّلاَةُ فِي جَوْفِ اللّيْلِ. وَأَفْضَلُ الصّيَامِ، بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللّهِ الْمُحَرّمِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ عنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، فِي ذِكْرِ الصّيَامِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
قوله: (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة) أعلم أن أبا هريرة يروي عنه اثنان كل واحد منهما حميد بن عبد الرحمن، أحدهما هذا الحميري والثاني حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: كل ما في البخاري ومسلم حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة فهو الزهري إلا في هذا الحديث خاصة حديث: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" فإن راويه حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة، وهذا الحديث لم يذكره البخاري في صحيحه، ولا ذكر للحميري في البخاري أصلاً ولا في مسلم إلا في هذا الحديث. قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم وذكرنا فيه جوابين: أحدهما لعله إنما علم فضله في آخر حياته. والثاني لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار، وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة. وقال أكثر أصحابنا: الرواتب أفضل لأنها تشبه الفرائض، والأول أقوى وأوفق للحديث والله أعلم
*2* باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. جَمِيعاً عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ ابْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيّ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوّالٍ. كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخُو يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. يَقُولُ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيّوبَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة. وقال مالك وأبو حنيفة: يكره ذلك. قال مالك في الموطأ: ما رأيت أحداً من أهل العلم يصومها، قالوا: فيكره لئلا يظن وجوبه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب، قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ستاً ممن شال" صحيح ولو قال ستة بالهاء جاز أيضاً. قال أهل اللغة: يقال صمنا خمساً وستاً وخمسة وستة، وإنما يلتزمون الهاء في المذكر إذا ذكروه بلفظه صريحاً فيقولون: صمنا ستة أيام ولا يجوز ست أيام، فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان، ومما جاء حذف الهاء فيه من المذكر إذا لم يذكر بلفظه قوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} أي عشرة أيام، وقد بسطت إيضاح هذه المسألة في تهذيب الأسماء واللغات وفي شرح المهذب والله أعلم
*2* باب فضل ليلة القدر، والحثّ على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهما أَنّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ. فِي السّبْعِ الأَوَاخِرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرَىَ رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السّبْعِ الأَوَاخِرِ. فَمَنْ كَانَ مُتَحَرّيَهَا، فَلْيَتَحَرّهَا فِي السّبْعِ الأَوَاخِرِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "تَحَرّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السّبْعِ الأَوَاخِرِ".
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانٌ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: رَأَىَ رَجُلٌ أَنّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَرَىَ رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ أَبَاهُ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ: "إِنّ نَاساً مِنْكُمْ قَدْ أُرُوْا أَنّها فِي السّبْعِ الأَوَلِ. وَأُرِيَ نَاسٌ مِنْكُمْ أَنّهَا فِي السّبْعِ الْغَوَابِرِ. فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُقْبَةَ (وَهُوَ ابْنُ حُرَيْثٍ) قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ (يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ) فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلاَ يُغْلَبَنّ عَلَىَ السّبْعِ الْبَوَاقِي".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ "مَنْ كَانَ مُلْتَمِسَهَا فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ جَبَلَةَ وَ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَحَيّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ" أَوْ قَالَ "فِي التّسْعِ الأَوَاخِر".
حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. ثُمّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي. فَأُنْسِيتُهَا". فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ "فَنَسِيْتُهَا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا بَكْرٌ (وَهُوَ ابْنُ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الّتِي فِي وَسَطِ الشّهْرِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ حِينِ تَمْضِي عِشْرُونَ لَيْلَةً، وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَىَ وَعِشْرِينَ، يَرْجِعُ إِلَىَ مَسْكَنِهِ. وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ. ثُمّ إِنّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ، جَاوَرَ فِيهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ الّتِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا. فَخَطَبَ النّاسَ. فَأَمَرَهُمْ بِمَا شَاءَ اللّهُ. ثُمّ قَالَ: "إِنّي كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ. ثُمّ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ. فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَبتْ فِي مُعْتَكَفِهِ. وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللّيْلَةَ فَأُنْسِيتُها. فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فِي كُلّ وِتْرٍ. وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: مُطِرْنَا لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلّىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةِ الصّبْحِ. وَوَجْهُهُ مُبْتَلّ طِيناً وَمَاءً.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ، فِي رَمَضَانَ، الْعَشْرَ الّتِي فِي وَسَطِ الشّهْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ". وَقَالَ: وَجَبِينُهُ مُمْتَلِئاً طِيناً وَمَاءً.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيّةَ الأَنْصَاريّ. قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوّلَ مِنْ رَمَضَانَ. ثُمّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ. فِي قُبّةٍ تُرْكِيّةٍ عَلَىَ سُدّتِهَا حَصِيرٌ. قَالَ: فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحّاها فِي نَاحِيةِ الْقُبّةِ. ثُمّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلّمَ النّاسَ. فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ: "إِنّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوّلَ. أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللّيْلَةَ. ثُمّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ. ثُمّ أُتِيتُ. فَقِيلَ لِي: إِنّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فَمَنْ أَحَبّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ" فَاعْتَكَفَ النّاسُ مَعَهُ. قَالَ: "وَإِنّي أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ، وَأَنّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ" فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَىَ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ قَامَ إِلَىَ الصّبْحِ. فَمَطَرَتِ السّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ. فَأَبْصَرْتُ الطّينَ وَالْمَاءَ. فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاَةِ الصّبْحِ، وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطّينُ وَالْمَاءُ. وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَىَ وَعِشْرِينَ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدّثَنَا هِشامٌ عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ. فَأَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَانَ لِي صَدِيقاً. فَقُلْتُ: أَلاَ تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النّخْلِ؟ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ. فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الْوُسْطَىَ مِنْ رَمَضَانَ. فَخَرَجْنَا صَبْيحَةَ عِشْرِينَ. فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "إِنّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَإِنّي نَسِيتُهَا (أَوْ أُنْسِيتُهَا) فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ كُلّ وِتْرٍ. وَإِنّي أُرِيتُ أَنْ أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَلْيَرْجِعْ" قَالَ: فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَىَ فِي السّمَاءِ قَزَعَةً. قَالَ: وَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمُطِرْنَا. حَتّىَ سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ. وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النّخْلِ. وَأُقِيمَتِ الصّلاَةُ. فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطّينِ. قَالَ: حَتّىَ رَأَيْتُ أَثَرَ الطّينِ فِي جَبْهَتِهِ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ انْصَرَفَ، وعَلَىَ جَبْهَتِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرُ الطّينِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاّدٍ. قالا: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ. يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ. فَلَمّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبَنَاءِ فَقُوّضَ. ثُمّ أُبِينَتْ لَهُ أَنّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فَأَمَرَ بِالْبَنَاءِ فَأُعِيْدَ. ثُمّ خَرَجَ عَلَىَ النّاسِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّها كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَإِنّي خَرَجْتُ لأِخْبِرَكُمْ بِهَا. فَجَاءَ رَجُلاَنِ يَحْتَقّانِ مَعَهُمَا الشّيْطَانُ. فَنُسّيتُهَا. فَالْتَمِسُوها فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. الْتَمِسُوهَا فِي التّاسِعَةِ وَالسّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ" قَالَ قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ: إِنّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنّا. قَالَ: أَجْلَ. نَحْنُ أَحَقّ بِذَلِكَ مِنْكُمْ. قَالَ قُلْتُ: مَا التّاسِعَةُ وَالسّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ؟ قَالَ: إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرِين فَالّتِي تَلِيهَا ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَهِيَ التّاسِعَةُ. فَإِذَا مَضَتْ ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ فَالّتِي تَلِيهَا السّابِعَةُ. فَإِذَا مَضَىَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ.
وَقَالَ ابْنُ خَلاّدٍ (مَكَانَ يَحْتَقّانِ): يَخْتَصِمَانِ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْس الْكَنْدِيّ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قالا: حَدّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ. حَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ (وَقَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: عَنِ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ) عَنْ أَبِي النّضْرِ مَوْلَىَ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمّ أُنْسِيتُهَا. وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ" قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ. فَصَلّىَ بِنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَانْصَرَفَ وَإِنّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطّينِ عَلَىَ جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ.
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: يَقُولُ: ثَلاَثَ وعِشْرِينَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَ وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضَيَ اللّهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ) "الْتَمِسُوا (وَقَالَ وَكِيعٌ) تَحَرّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدَةَ و عَاصِمِ بْنِ أَبِي النّجُودِ سَمِعَا زِرّ بْنَ حُبَيْشٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. فَقُلْتُ: إِنّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. فَقَالَ: رَحِمَهُ اللّهِ أَرَادَ أَنْ لاَ يَتّكِلَ النّاسُ. أَمَا إِنّهُ قَدْ عَلِمَ أَنّهَا فِي رَمَضَانَ. وَأَنّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. وَأَنّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. ثُمّ حَلَفَ لاَ يَسْتَثْنِي. أَنّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقُلْتُ: بِأَيّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ؟ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ قَالَ: بِالْعَلاَمَةِ، أَوْ بِالاَيَةِ الّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ، لاَ شُعَاعَ لَهَا.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَةَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ يُحَدّثُ عَنْ زِرّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ أُبَيّ، فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: وَاللّهِ إِنّي لأَعْلَمُهَا. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ عِلْمِي هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
وَإِنّمَا شَكّ شُعْبَةُ فِي هَذَا الْحَرْفِ: هِيَ اللّيْلَةُ الّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَحَدّثَنِي بِهَا صَاحِبٌ لِي عَنْهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قالا: حَدّثَنَا مَرْوَانُ (وَهُوَ الْفَزَارِيّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "أَيّكُمْ يَذْكُرُ، حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقّ جَفْنَةٍ؟".
قال العلماء: وسميت ليلة القدر لما يكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والاَجال التي تكون في تلك السنة كقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} وقوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له. وقيل: سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها، وأجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة، قال القاضي: واختلفوا في محلها فقال جماعة هي منتقلة تكون في سنة في ليلة، وفي سنة أخرى في ليلة أخرى وهكذا، وبهذا يجمع بين الأحاديث، ويقال كل حديث جاء بأحد أوقاتها ولا تعارض فيها، قال: ونحو هذا قول مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وغيرهم قالوا: وإنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وقيل بل في كله، وقيل إنها معينة فلا تنتقل أبداً بل هي ليلة معينة في جميع السنين لا تفارقها، وعلى هذا قيل في السنة كلها وهو قول ابن مسعود وأبي حنيفة وصاحبيه، وقيل بل في شهر رمضان كله وهو قول ابن عمر وجماعة من الصحابة. وقيل بل في العشر الوسط والأواخر. وقيل في العشر الأواخر، وقيل تختص بأوتار العشر، وقيل بأشفاعها كما في حديث أبي سعيد، وقيل بل في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين وهو قول ابن عباس، وقيل تطلب في ليلة سبع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وحكى عن علي وابن مسعود، وقيل ليلة ثلاث وعشرين وهو قول كثيرين من الصحابة وغيرهم، وقيل ليلة أربع وعشرين وهو محكي عن بلال وابن عباس والحسن وقتادة، وقيل ليلة سبع وعشرين وهو قول جماعة من الصحابة، وقيل سبع عشرة وهو محكي عن زيد بن أرقم وابن مسعود أيضاً، وقيل تسع عشرة وحكي عن ابن مسعود أيضاً وحكي عن علي أيضاً، وقيل آخر ليلة من الشهر، قال القاضي: وشذ قوم فقالوا رفعت لقوله صلى الله عليه وسلم حين تلاحا الرجلان فرفعت وهذا غلط من هؤلاء الشاذين لأن آخر الحديث يرد عليهم فإنه صلى الله عليه وسلم قال فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في السبع والتسع هكذا هو في أول صحيح البخاري، وفيه تصريح بأن المراد برفعها رفع بيان علم عينها، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها. قوله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطت" أي توافقت، وهكذا هو في النسخ بطاء ثم تاء وهو مهموز، وكان ينبغي أن يكتب بألف بين الطاء والتاء صورة للهمزة ولا بد من قراءته مهموزاً، قال الله تعالى: {ليواطئوا عدة ما حرم الله}. قوله صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر" أي احرصوا على طلبها واجتهدوا فيه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فالتمسوها في العشر الغوابر" يعني البواقي وهي الأواخر. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يغلبن على السبع البواقي". وفي بعض النسخ عن السبع بدل على وكلاهما صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: "تحينوا ليلة القدر" أي اطلبوا حينها وهو زمانها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أيقظني بعض أهلي فنسيتها، وقال حرملة: فنسيتها" الأول بضم النون وتشديد السين، والثاني بفتح النون وتخفيف السين.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه) هكذا هو في أكثر النسخ فليبت من المبيت، وفي بعضها فليثبت من الثبوت، وفي بعضها فليلبث من اللبث وكله صحيح. وقوله في الرواية الثانية: (غير أنه قال فليثبت) هو في أكثر النسخ بالثاء المثلثة من الثبوت، وفي بعضها فليبت من المبيت، ومعتكفه بفتح الكاف وهو موضع الاعتكاف. قوله: (فوكف المسجد) أي قطر ماء المطر من سقفه. قوله: (فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتل طيناً وماء) قال البخاري: وكان الحميدي يحتج بهذا الحديث على أن السنة للمصلي أن لا يمسح جبهته في الصلاة، وكذا قال العلماء يستحب أن لا يمسحها في الصلاة، وهذا محمول على أنه كان شيئاً يسيراً لا يمنع مباشرة بشرة الجبهة للأرض، فإنه لو كان كثيراً بحيث يمنع ذلك لم يصح سجوده بعده عند الشافعي وموافقيه في منع السجود على حائل متصل به. قوله في الرواية الثانية: (وجبينه ممتلئاً طيناً وماء) لا يخالف ما تأولناه لأن الجبين غير الجبهة، فالجبين في جانب الجبهة وللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة ولا يلزم من امتلاء الجبين امتلاء الجبهة والله أعلم. قوله: (ممتلئاً) كذا هو في معظم النسخ ممتلئاً بالنصب وفي بعضها ممتلئ، ويقدر للمنصوب فعل محذوف أي وجبينه رأيته ممتلئاً. قوله في حديث محمد بن عبد الأعلى: (ثم اعتكفت العشر الأوسط) هكذا هو في جميع النسخ، والمشهور في الاستعمال تأنيث العشر كما قال في أكثر الأحاديث العشر الأواخر، وتذكيره أيضاً لغة صحيحة باعتبار الأيام أو باعتبار الوقت والزمان، ويكفي في صحتها ثبوت استعمالها في هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "قبة تركية" أي قبة صغيرة من لبود. قوله: (وروثة أنفه) هي بالثاء المثلثة وهي طرفه، ويقال لها أيضاً أرنبة الأنف كما جاء في الرواية الأخرى. قوله: (وما نرى في السماء قزعة) أي قطعة سحاب. قوله: (أمر بالبناء فقوض) هو بقاف مضمومة وواو مكسورة مشددة وضاد معجمة ومعناه أزيل، يقال قاض البناء وانقاض أي انهدم وقوضته أنا. قوله صلى الله عليه وسلم: "رجلان يحتان" هو بالقاف ومعناه يطلب كل واحد منهما حقه ويدعي أنه المحق، وفيه أن المخاصمة والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة المعنوية. قوله: (فإذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتين وعشرين فهي التاسعة) هكذا هو في أكثر النسخ ثنتين وعشرين بالياء، وفي بعضها ثنتان وعشرون بالألف والواو والأول أصوب وهو منصوب بفعل محذوف تقديره أعني ثنتين وعشرين.
قوله: (وكان عبد الله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين) هكذا هو في معظم النسخ. وفي بعضها ثلاث وعشرون وهذا ظاهر، والأول جار على لغة شاذة أنه يجوز حذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجروراً أي ليلة ثلاث وعشرين.
قوله: (أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها) هكذا هو في جميع النسخ أنها تطلع من غير ذكر الشمس، وحذفت للعلم بها فعاد الضمير إلى معلوم كقوله تعالى: {توارت بالحجاب} ونظائره، والشعاع بضم الشين قال أهل اللغة: هو ما يرى من ضوئها عند بروزها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك إذا نظرت إليها، قال صاحب المحكم بعد أن ذكر هذا المشهور: وقيل هو الذي تراه ممتداً بعد الطلوع، قال: وقيل هو انتشار ضوئها وجمعه أشعة وشعع بضم الشين والعين، وأشعت الشمس نشرت شعاعها. قال القاضي عياض: قيل معنى لا شعاع لها أنها علامة جعلها الله تعالى لها، قال: وقيل بل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الأرض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها والله أعلم.
قوله: (تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة) بكسر الشين وهو النصف والجفنة بفتح الجيم معروفة، قال القاضي: فيه إشارة إلى أنها إنما تكون في أواخر الشهر لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في أواخر الشهر والله أعلم. واعلم أن ليلة القدر موجودة كما سبق بيانه في أول الباب فإنها ترى ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان كما تظاهرت عليه هذه الأحاديث السابقة في الباب وأخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصر، وأما قول القاضي عياض عن المهلب بن أبي صفرة لا يمكن رؤيتها حقيقة فغلط فاحش نبهت عليه لئلا يغتر به والله أعلم.