كتاب الحج
 كتاب الحج

باب

الحج بفتح الحاء هو المصدر وبالفتح والكسر جميعاً هو الاسم منه وأصله القصد، ويطلق على العمل أيضاً، وعلى الإتيان مرة بعد أخرى، وأصل العمرة الزيارة. واعلم أن الحج فرض عين على كل مكلف حر مسلم مستطيع، واختلف العلماء في وجوب العمرة فقيل واجبة وقيل مستحبة، وللشافعي قولان أصحهما وجوبها، وأجمعوا على أنه لا يجب الحج ولا العمرة في عمر الإنسان إلا مرة واحدة إلا أن ينذر فيجب الوفاء بالنذر بشرطه، وإلا إذا دخل مكة أو حرمها لحاجة لا تتكرر من تجارة أو زيارة ونحوهما، ففي وجوب الإحرام بحج أو عمرة خلاف العلماء وهما قولان للشافعي أصحهما استحبابه. والثاني وجوبه بشرط أن لا يدخل لقتال ولا خائفاً من ظهوره وبروزه، واختلفوا في وجوب الحج هل هو على الفور أو التراخي؟ فقال الشافعي وأبو يوسف وطائفة: هو على التراخي إلا أن ينتهي إلى حال يظن فواته لو أخره عنها. وقال أبو حنيفة ومالك وآخرون: هو على الفور الله أعلم
*2* باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلاَ الْعَمَائِمَ، وَلاَ السّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْبَرَانِس، وَلاَ الْخِفَافَ. إِلاّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ النّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفّيْنِ. وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ. وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثّيَابِ شَيْئاً مَسّهُ الزّعْفَرَانُ وَلاَ الْوَرْسُ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. و عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سُئِلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: "لاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلاَ الْعِمَامَةَ، وَلاَ الْبُرْنُسَ، وَلاَ السّرَاوِيلَ، وَلاَ ثَوْباً مَسّهُ وَرْسٌ وَلاَ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْخُفّيْنِ. إِلاّ أَنْ لاَ يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا، حَتّىَ يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْباً مَصْبُوغاً بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ. وَقَالَ "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفّيْنِ. وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادٍ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: "السّرَاوِيلُ، لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ. وَالْخُفّانِ، لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النّعْلَيْنِ" يَعْنِي الْمُحْرِمَ.
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) ح وَحَدّثَنِي أَبُو غَسّانَ الرّازِيّ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيّوبَ. كُلّ هَؤُلاَءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ، غَيْرُ شُعْبَةَ وَحْدَهُ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفّيْنِ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَىَ بْنِ أُمَيّةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. عَلَيْهِ جُبّةٌ وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ. (أَوْ قَالَ أَثَرُ صُفْرَةٍ) فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَيه النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْوَحْيُ فَسُتِرَ بِثَوْبٍ. وَكَانَ يَعْلَىَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنّي أَرَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. قَالَ فَقَالَ: أَيَسُرّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ؟ قَالَ فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثّوْبِ. فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ. (قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ) كَغَطِيطِ الْبَكْرِ. قَالَ: فَلَمّا سُرّيَ عَنْهُ قَالَ: "أَيْنَ السّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصّفْرَةِ (أَوْ قَالَ أَثَرَ الْخَلُوقِ) وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبّتَكَ. وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجّكَ".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قال: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَىَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. وَأَنَا عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَعَلَيْهِ مُقَطّعَاتٌ (يَعْنِي جُبّةً). وَهُوَ مُتَضَمّخٌ بِالْخَلُوقِ. فَقَالَ: إِنّي أَحْرَمْتُ بِالْعُمْرَةِ وَعَلَيّ هَذَا. وَأَنَا مُتَضَمّخٌ بِالْخَلُوقِ. فَقَالَ لَهُ النَبِيّ صلى الله عليه وسلم "مَا كُنْتَ صَانِعاً فِي حَجّكَ؟" قَالَ: أَنْزِعُ عَنّي هَذِهِ الثّيَابَ. وَأَغْسِلُ عَنّي هَذَا الْخَلُوقَ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "مَا كُنْتَ صَانِعاً فِي حَجّكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. قالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا عِيسَىَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيّةَ أَخْبَرَهُ أَنّ يَعْلَىَ كَانَ يَقُولُ لِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: لَيْتَنِي أَرَىَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. فَلَمّا كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ. وَعَلىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبٌ قَدْ أُظِلّ بِهِ عَلَيْهِ. مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فِيهِمْ عُمَرُ. إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبّةُ صُوفٍ. مُتَضَمّخٌ بِطِيبٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ تَرَىَ فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبّةٍ بَعْدَمَا تَضَمّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً. ثُمّ سَكَتَ. فَجَاءَهُ الْوَحْيُ. فَأَشَارَ عُمَرُ بِيَدِهِ إِلَىَ يَعْلَىَ بْنِ أُمَيّةَ: تَعَالَ. فَجَاءَ يَعْلَىَ. فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ. فَإِذَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مُحَمرّ الْوَجْهِ. يَغِطّ سَاعَةً. ثُمّ سُرّيَ عَنْهُ. فَقَالَ: "أَيْنَ الّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفاً؟" فَالْتُمِسَ الرّجُلُ، فَجِيءَ بِهِ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَمّا الطّيبُ الّذِي بِكَ، فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرّاتٍ. وَأَمّا الْجُبّةُ، فَانْزِعْهَا. ثُمّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ، مَا تَصْنَعُ فِي حَجّكَ".
وحدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ) قالا: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. حَدّثَنَا أَبِي. قَالَ سَمِعْتُ قَيْساً يُحدّثُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيّةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَجُلاً أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. قَدْ أَهَلّ بِالْعُمْرَةِ. وَهُوَ مُصَفّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ. وَعَلَيْهِ جُبّةٌ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ. وَأَنَا كَمَا تَرَىَ. فَقَالَ: "انْزِعْ عَنْكَ الْجُبّةَ. وَاغْسِلْ عَنْكَ الصّفْرَةَ. وَمَا كُنْتَ صَانِعاً فِي حَجّكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيَ عُبَيْدُ اللّهِ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدّثَنَا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً قال: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَىَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبّةٌ. بِهَا أَثَرٌ مِنْ خَلُوقٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ. فَكَيْفَ أَفْعَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ. فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتُرُهُ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، يُظِلّهُ. فَقُلْتُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: إِنّي أُحِبّ، إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، أَنْ أُدْخِلَ رَأْسِي مَعَهُ فِي الثّوْبِ. فَلَمّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، خَمّرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِالثّوْبِ. فَجِئْتُهُ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي مَعَهُ فِي الثّوْبِ. فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ. فَلَمّا سُرّيَ عَنْهُ قَالَ "أَيْنَ السّائِلُ آنِفاً عَنِ الْعُمْرَةِ؟" فَقَامَ إِلَيْهِ الرّجُلُ. فَقَالَ "انْزِعْ عَنْكَ جُبّتَكَ. وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ الّذِي بِكَ. وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ، مَا كُنْتَ فَاعِلاً فِي حَجّكَ".
قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما يلبس المحرم: "لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس" قال العلماء: هذا من بديع الكلام وجزله، فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم فقال: لا يلبس كذا وكذا، فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات ويلبس ما سوى ذلك، وكان التصريح بما لا يلبس أولى لأنه منحصر، وأما الملبوس الجائز للمحرم فغير منحصر فضبط الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس كذا وكذا يعني ويلبس ما سواه. وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيء من هذه المذكورات، وأنه نبه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما وهو ما كان محيطاً أو مخيطاً معمولاً على قدر البدن أو قدر عضو منه كالجوشن والتبان والقفاز وغيرها، ونبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطاً كان أو غيره حتى العصابة فإنها حرام، فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدها ولزمته الفدية، ونبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وجمجم وجورب وغيرها، وهذا كله حكم الرجال، وأما المرأة فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر من مخيط وغيره إلا ستر وجهها فإنه حرام بكل ساتر، وفي ستر يديها بالقفازين خلاف للعلماء وهما قولان للشافعي أصحهما تحريمه، ونبه صلى الله عليه وسلم بالورس والزعفران على ما في معناهما وهو الطيب، فيحرم على الرجل والمرأة جميعاً في الإحرام جميع أنواع الطيب، والمراد ما يقصد به الطيب، وأما الفواكه كالأترج والتفاح وأزهار البراري كالشيح والقيصوم ونحوهما فليس بحرام لأنه لا يقصد للطيب، قال العلماء: والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم ولباسه الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه ويتصف بصفة الخاشع الذليل وليتذكر أنه محرم في كل وقت، فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته وامتناعه من ارتكاب المحظورات، وليتذكر به الموت ولباس الأكفان، ويتذكر البعث يوم القيامة والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي، والحكمة في تحريم الطيب والنساء أن يبعد عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها ويجتمع همه لمقاصد الاَخرة. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين" وذكر مسلم بعد هذا من رواية ابن عباس وجابر: (من لم يجد نعلين فليلبس خفين) ولم يذكر قطعهما. واختلف العلماء في هذين الحديثين فقال أحمد: يجوز لبس الخفين بحالهما ولا يجب قطعهما لحديث ابن عباس وجابر، وكان أصحابه يزعمون نسخ حديث ابن عمر المصرح بقطعهما، وزعموا أن قطعهما إضاعة مال. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين لحديث ابن عمر، قالوا: وحديث ابن عباس وجابر مطلقان فيجب حملهما على المقطوعين لحديث ابن عمر، فإن المطلق يحمل على المقيد والزيادة من الثقة مقبولة. وقولهم أنه إضاعة مال ليس بصحيح لأن الإضاعة إنما تكون فيما نهى عنه، وأما ما ورد الشرع به فليس بإضاعة بل حق يجب الإذعان له والله أعلم. ثم اختلف العلماء في لابس الخفين لعدم النعلين هل عليه فدية أم لا؟ فقال مالك والشافعي ومن وافقهما: لا شيء عليه لأنه لو وجبت فدية لبينها صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه الفدية كما إذا احتاج إلى حلق الرأس يحلقه ويفدي والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس" أجمعت الأمة على تحريم لباسهما لكونهما طيباً، وألحقوا بهما جميع أنواع ما يقصد به الطيب، وسبب تحريم الطيب أنه داعية إلى الجماع ولأنه ينافي تذلل الحاج، فإن الحاج أشعث أغبر، وسواء في تحريم الطيب الرجل والمرأة وكذا جميع محرمات الإحرام سوى اللباس كما سبق بيانه، ومحرمات الإحرام سبعة: اللباس بتفصيله السابق والطيب وإزالة الشعر والظفر ودهن الرأس واللحية وعقد النكاح والجماع وسائر الاستمتاع حتى الاستمناء والسابع إتلاف الصيد والله أعلم.
وإذا تطيب أو لبس ما نهى عنه لزمته الفدية إن كان عامداً بالإجماع، وإن كان ناسياً فلا فدية عند الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وأوجبها أبو حنيفة ومالك، ولا يحرم المعصفر عند مالك والشافعي، وحرمه الثوري وأبو حنيفة وجعلاه طيباً وأوجبا فيه الفدية، ويكره للمحرم لبس الثوب المصبوغ بغير طيب ولا يحرم والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "السروايل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين" يعني المحرم، هذا صريح في الدلالة للشافعي والجمهور في جواز لبس السراويل للمحرم إذا لم يجد إزاراً، ومنعه مالك لكونه لم يذكر. وفي حديث ابن عمر السابق والصواب إباحته بحديث ابن عباس هذا مع حديث جابر بعده، أما حديث ابن عمر فلا حجة فيه لأنه ذكر فيه حالة وجود الإزار، وذكر في حديث ابن عباس وجابر حالة العدم فلا منافاة والله أعلم.
قوله: (وهو بالجعرانة) فيها لغتان مشهورتان إحداهما إسكان العين وتخفيف الراء. والثانية كسر العين وتشديد الراء، والأولى أفصح، وبهما قال الشافعي وأكثر أهل اللغة، وهكذا اللغتان في تخفيف الحديبية وتشديدها والأفصح التخفيف، وبه قال الشافعي وموافقوه. قوله: (عليه جبة وعليها خلوق) هو بفتح الخاء وهو نوع من الطيب يعمل فيه زعفران. قوله: (له غطيط) هو كصوت النائم الذي يردده مع نفسه. قوله: (كغطيط البكر) هو بفتح الباء وهو الفتي من الإبل. قوله: (فلما سرى عنه) هو بضم السين وكسر الراء المشددة أي أزيل ما به وكشف عنه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عن العمرة. "اغسل عنك أثر الصفرة" فيه تحريم الطيب عن المحرم ابتداء ودواماً، لأنه إذا حرم دواماً فالابتداء أولى بالتحريم. وفيه أن العمرة يحرم فيها من الطيب واللباس وغيرهما منالمحرمات السبعة السابقة ما يحرم في الحج. وفيه أن من أصابه طيب ناسياً أو جاهلاً ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته. وفيه أن من أصابه في إحرامه طيب ناسياً أو جاهلاً لا كفارة عليه وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود، وقال مالك وأبو حنيفة والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه عليه الفدية، لكن الصحيح من مذهب مالك أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسياً أو جاهلاً إذا طال لبثه عليه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "واخلع عنك جبتك" دليل لمالك وأبي حنيفة والشافعي والجمهور أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه شقه. وقال الشعبي والنخعي: لا يجوز نزعه لئلا يصير مغطياً رأسه بل يلزمه شقه. وهذا مذهب ضعيف. قوله صلى الله عليه وسلم: "واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" معناه من اجتناب المحرمات، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد مع ذلك الطواف والسعي والحلق بصفاتها وهيئاتها وإظهار التلبية وغير ذلك مما يشترك فيه الحج والعمرة، ويخص من عمومه ما لا يدخل في العمرة من أفعال الحج كالوقوف والرمي والمبيت بمنى ومزدلفة وغير ذلك، وهذا الحديث ظاهر في أن هذا السائل كان عالماً بصفة الحج دون العمرة، فلهذا قال له صلى الله عليه وسلم: "واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" وفي هذا الحديث دليل للقاعدة المشهورة أن القاضي والمفتي إذا لم يعلم حكم المسألة أمسك عن جوابها حتى يعلمه أو يظنه بشرطه. وفيه أن من الأحكام التي ليست في القرآن ما هو بوحي لا يتلى، وقد يستدل به من يقول من أهل الأصول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له الاجتهاد وإنما كان يحكم بوحي ولا دلالة فيه لأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر له بالاجتهاد حكم ذلك، أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد والله أعلم. قوله: (وكان يعلى يقول: وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي، فقال: أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في جميع النسخ فقال: أيسرك، ولم يبين القائل من هو ولا سبق له ذكر، وهذا القائل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما بينه في الرواية التي بعد هذه. قوله: (وعليه مقطعات) هي بفتح الطاء المشددة وهي الثياب المخيطة وأوضحه بقوله يعني جبة. قوله: (متضمخ) هو بالضاد والخاء المعجمتين أي متلوث به مكثر منه. قوله: (محمر الوجه يغط) هو بكسر الغين وسبب ذلك شدة الوحي وهوله. قال الله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} قوله صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات" إنما أمر بالثلاث مبالغة في إزالة لونه وريحه والواجب الإزالة، فإن حصلت بمرة كفت ولم تجب الزيادة، ولعل الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيده قوله متضمخ، قال القاضي: ويحتمل أنه قال له ثلاث مرات اغسله فكرر القول ثلاثاً والصواب ما سبق والله أعلم. قوله: (عقبة بن مكرم) هو بفتح الراء. قوله في بعض هذه الرواية: (صفوان ابن يعلى بن أمية) وفي بعضها: (ابن منية) وهما صحيحان، فأمية أبو يعلى، ومنية أم يعلى، وقيل جدته، والمشهور الأول فنسب تارة إلى أبيه وتارة إلى أمه وهي منية بضم الميم بعدها نون ساكنة. قوله: (حدثنا رباح) هو بالباء الموحدة. قوله: (فسكت عنه فلم يرجع إليه) أي لم يرد جوابه. قوله: (خمره عمر بالثوب) أي غطاه، وأما إدخال يعلى رأسه ورؤيته النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال وإذن عمر له في ذلك فكله محمول على أنهم علموا من النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يكره الاطلاع عليه في ذلك الوقت وتلك الحال، لأن فيه تقوية الإيمان بمشاهدة حالة الوحي الكريم والله أعلم
*2* باب مواقيت الحج والعمرة
*ذكر مسلم في الباب ثلاثة أحاديث: حديث ابن عباس أكملها لأنه صرح فيه بنقله المواقيت الأربعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا ذكره مسلم في أول الباب. ثم حديث ابن عمر لأنه لم يحفظ ميقات أهل اليمن بل بلغه بلاغاً. ثم حديث جابر لأن أبا الزبير قال: أحسب جابراً رفعه وهذا لا يقتضي ثبوته مرفوعاً. فوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة بضم الحاء المهملة وبالفاء وهي أبعد المواقيت من مكة بينهما نحو عشر مراحل أو تسع وهي قريبة من المدينة على نحو ستة أميال منها، ولأهل الشام الجحفة وهي ميقات لهم، ولأهل مصر وهي بجيم مضمومة ثم حاء مهملة ساكنة قيل سميت بذلك لأن السيل أجحفها في وقت، ويقال لها مهيعة بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح المثناة تحت كما ذكره في بعض روايات مسلم، وحكى القاضي عياض عن بعضهم كسر الهاء والصحيح المشهور إسكانها، وهي على نحو ثلاث مراحل من مكة على طريق المدينة، ولأهل اليمن يلملم بفتح المثناة تحت واللامين، ويقال أيضاً ألملم بهمزة بدل الياء لغتان مشهورتان، وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة، ولأهل نجد قرن المنازل بفتح القاف وإسكان الراء بلا خلاف بين أهل العلم من أهل الحديث واللغة والتاريخ والأسماء وغيرهم، وغلط الجوهري في صحاحه فيه غلطين فاحشين فقال بفتح الراء وزعم أن أويساً القرني رضي الله عنه منسوب إليه، والصواب إسكان الراء وأن أويساً منسوب إلى قبيلة معروفة يقال لهم بنو قرن وهي بطن من مراد القبيلة المعروفة ينسب إليها المرادي، وقرن المنازل على نحو مرحلتين من مكة قالوا: وهو قرب المواقيت إلى مكة، وأما ذات عرق بكسر العين فهي ميقات أهل العراق، واختلف العلماء هل صارت ميقاتهم بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم أم باجتهاد عمر بن الخطاب؟ وفي المسألة وجهان: لأصحاب الشافعي أصحهما وهو نص الشافعي رضي الله عنه في الأم بتوقيت عمر رضي الله عنه وذلك صريح في صحيح البخاري، ودليل من قال بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم حديث جابر لكنه غير ثابت لعدم جزمه برفعه، وأما قول الدارقطني أنه حديث ضعيف لأن العراق لم تكن فتحت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكلامه في تضعيفه صحيح ودليله ما ذكرته، وأما استدلاله لضعفه بعدم فتح العراق ففاسد لأنه لا يمتنع أن يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم به لعلمه بأنه سيفتح ويكون ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم والإخبار بالمغيبات المستقبلات، كما أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل الشام الجحفة في جميع الأحاديث الصحيحة، ومعلوم أن الشام لم يكن فتح حينئذ، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بفتح الشام واليمن والعراق، وأنهم يأتون إليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه زويت له مشارق الأرض ومغاربها وقال: سيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها، وأنهم سيفتحون مصر وهي أرض يذكر فيها القيراط، وأن عيسى عليه السلام ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وكل هذه الأحاديث في الصحيح، وفي الصحيح من هذا القبيل ما يطول ذكره والله أعلم. وأجمع العلماء على أن هذه المواقيت مشروعة، ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور: هي واجبة لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم ولزمه دم وصح حجه. وقال عطاء والنخعي: لا شيء عليه. وقال سعيد بن جبير: لا يصح حجه. وفائدة المواقيت أن من أراد حجاً أو عمرة حرم عليه مجاوزتها بغير إحرام ولزمه الدم كما ذكرنا. قال أصحابنا: فإن عاد إلى الميقات قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم، وفي المراد بهذا النسك خلاف منتشر، وأما من لا يريد حجاً ولا عمرة فلا يلزمه الإحرام لدخول مكة على الصحيح من مذهبنا سواء دخل لحاجة تتكرر كحطاب وحشاش وصياد ونحوهم، أو لا تتكرر كتجارة وزيارة ونحوهما، وللشافعي قول ضعيف أنه يجب الإحرام بحج أو عمرة إن دخل مكة أو غيرها من الحرم لما يتكرر بشرط سبق بيانه في أول كتاب الحج، وأما من مر بالميقات غير مريد دخول الحرم بل لحاجة دونه ثم بدا له أن يحرم فيحرم من موضعه الذي بدا له فيه، فإن جاوزه بلا إحرام ثم أحرم أثم ولزمه الدم، وإن أحرم من الموضع الذي بدا له أجزأه ولا دم عليه ولا يكلف الرجوع إلى الميقات، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أحمد وإسحاق: يلزمه الرجوع إلى الميقات
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ وَ قُتَيْبَةُ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادٍ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِي اللّهُ عنهما قَالَ: وَقّتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، ذَا الْحُلَيْفَةِ. وَلأَهْلِ الشّامِ، الْجُحْفَةَ. وَلأَهْلِ نَجْدٍ، قَرْنَ الْمَنَازِلِ. وَلأَهْلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ. قَالَ: "فَهُنّ لَهُنّ. وَلِمَنْ أَتَىَ عَلَيْهِنّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنّ. مِمّنْ أَرَادَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ. فَمَنْ كَانَ دُونَهُنّ فَمِنْ أَهْلِهِ. وَكَذَا فَكَذَلِكَ. حَتّىَ أَهْلُ مَكّةَ يُهِلّونَ مِنْهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسِ رَضِيَ اللّهُ عنهما أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقّتَ لاِءَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ. وَلأَهْلِ الشّامِ، الْجُحْفَةَ. وَلاِءَهْلِ نَجْدٍ، قَرْنَ الْمَنَازِلِ. وَلاِءَهْلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ. وَقَالَ: "فَهُنّ لَهُمْ. وَلِكُلّ آتٍ وَلِمَنْ أَتَىَ عَلَيْهِنّ مِنْ غَيْرِهِنّ. مِمّنْ أَرَادَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتّىَ أَهْلُ مَكّةَ، مِنْ مَكّةَ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما أَنّ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "يُهِلّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَأَهْلَ الشّامِ، مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلَ نَجْدٍ، مِنْ قَرْنٍ".
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: وَبَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَيُهِلّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ.قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "يُهِلّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَيُهِلّ أَهْلُ الشّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ. وَيُهلّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنِ".
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: وَذُكِرَ لِي (وَلَمْ أَسْمَعْ) أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "وَيُهِلّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عنه، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ "مُهَلّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ. وَمُهَلّ أَهْلِ الشّامِ مَهْيَعَةُ، وَهِيَ الْجُحْفَةُ. وَمُهَلّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ".
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: وَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ) قَالَ "وَمُهَلّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَأَهْلَ الشّامِ، مِنَ الْجُحْفَةِ. وَأَهْلَ نَجْدٍ، مِنْ قَرْنٍ".
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: وَأُخْبِرْتُ أَنّهُ قَالَ "وَيُهِلّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلّ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ (ثُمّ انْتَهَىَ فَقَالَ: أَرَاهُ يَعْنِي) النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ بَكْرٍ. قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلّ؟ فَقَال: سَمِعْتُ (أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ "مُهَلّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَالطّرِيقُ الاَخَرُ الْجُحْفَةُ. وَمُهَلّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ. وَمُهَلّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ. وَمُهَلّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".
قوله: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن) هكذا وقع في أكثر النسخ قرن من غير ألف بعد النون، وفي بعضها قرناً بالألف وهو الأجود لأنه موضع واسم لجبل فوجب صرفه، والذي وقع بغير ألف يقرأ منوناً، وإنما حذفوا الألف كما جرت عادة بعض المحدثين يكتبون يقول: سمعت أنس بغير ألف ويقرأ بالتنوين، ويحتمل على بعد أن يقرأ قرن منصوباً بغير تنوين ويكون أراد به البقعة فيترك صرفه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فهن لهن ولمن أتى عليهم من غير أهلهن" قال القاضي: كذا جاءت الرواية في الصحيحين وغيرهما عند أكثر الرواة، قال: ووقع عند بعض رواة البخاري ومسلم فهن لهم، وكذا رواه أبو داود وغيره، وكذا ذكره مسلم من رواية ابن أبي شيبة وهو الوجه لأنه ضمير أهل هذه المواضع، قال: ووجه الرواية المشهورة أن الضمير في لهن عائد على المواضع والأقطار المذكورة وهي المدينة والشام واليمن ونجد أي هذه المواقيت لهذه الأقطار والمراد لأهلها فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" معناه أن الشامي مثلاً إذا مر بميقات المدينة في ذهابه لزمه أن يحرم من ميقات المدينة ولا يجوز له تأخيره إلى ميقات الشام الذي هو الجحفة، وكذا الباقي من المواقيت وهذا لا خلاف فيه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة" فيه دلالة للمذهب الصحيح فيمن مر بالميقات لا يريد حجاً ولا عمرة أنه لا يلزمه الإحرام لدخول مكة وقد سبقت المسألة واضحة، قال بعض العلماء: وفيه دلالة على أن الحج على التراخي لا على الفور، وقد سبقت المسألة واضحة في كتاب الحج. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان دونهن فمن أهله" هذا صريح في أن من كان مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه ولا يلزمه الذهاب إلى الميقات، ولا يجوز له مجاوزة مسكنه بغير إحرام، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مجاهداً فقال: ميقاته مكة بنفسها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان دونهن فمن أهله وكذا فكذلك حتى أهل مكة يهلون منها" هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح، ومعناه وهكذا فهكذا من جاوز مسكنه الميقات حتى أهل مكة يهلون منها، وأجمع العلماء على هذا كله، فمن كان في مكة من أهلها أو وارداً إليها وأراد الإحرام بالحج فميقاته نفس مكة، ولا يجوز له ترك مكة والإحرام بالحج من خارجها سواء الحرم والحل، هذا هو الصحيح عند أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يجوز له أن يحرم به من الحرم كما يجوز من مكة لأن حكم الحرم حكم مكة، والصحيح الأول لهذا الحديث. قال أصحابنا: ويجوز أن يحرم من جميع نواحي مكة بحيث لا يخرج عن نفس المدينة وسورها، وفي الأفضل قولان: أصحهما من باب داره. والثاني من المسجد الحرام تحت الميزاب والله أعلم. وهذا كله في إحرام المكي بالحج، والحديث إنما هو في إحرامه بالحج. وأما ميقات المكي للعمرة فأدنى الحل لحديث عائشة الاَتي: "أن النبي صلى الله عليه وسلمأمرها في العمرة أن تخرج إلى التنعيم وتحرم بالعمرة منه"، والتنعيم في طرف الحل والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "مهل أهل المدينة" هو بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام أي موضع إهلالهم. قوله: (قال عبد الله بن عمر وزعموا) أي قالوا، وقد سبق في أول الكتاب أن الزعم قد يكون بمعنى القول المحقق.
قوله: (أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال: سمعته ثم انتهى فقال: أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم) معنى هذا الكلام أن أبا الزبير قال: سمعت جابراً ثم انتهى أي وقف عن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أراه بضم الهمزة أي أظنه رفع الحديث فقال أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في الرواية الأخرى أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله أحسبه رفع لا يحتج بهذا الحديث مرفوعاً لكونه لم يجزم برفعه. قوله في حديث جابر: (ومهل أهل العراق من ذات عرق) هذا صريح في كونه ميقات أهل العراق لكن ليس رفع الحديث ثابتاً كما سبق، وقد سبق الإجماع على أن ذات عرق ميقات أهل العراق ومن في معناهم، قال الشافعي: ولو أهلوا من العقيق كان أفضل، والعقيق أبعد من ذات عرق بقليل فاستحبه الشافعي لأثر فيه، ولأنه قيل إن ذات عرق كانت أولاً في موضعه ثم حولت وقربت إلى مكة والله أعلم. واعلم أن للحج ميقات مكان وهو ما سبق في هذه الأحاديث، وميقات زمان وهو شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، ولا يجوز الإحرام بالحج في غير هذا الزمان، هذا مذهب الشافعي، ولو أحرم بالحج في غير هذا الزمان لم ينعقد حجاً وانعقد عمرة، وأما العمرة فيجوز الإحرام بها وفعلها في جميع السنة ولا يكره في شيء منها لكن شرطها أن لا يكون في الحج ولا مقيماً على شيء من أفعاله، ولا يكره تكرار العمرة في السنة بل يستحب عندنا وعند الجمهور، وكره تكرارها في السنة ابن سيرين ومالك، ويجوز الإحرام بالحج مما فوق الميقات أبعد من مكة سواء دويرة أهله وغيرها، وأيهما أفضل فيه قولان للشافعي أصحهما من الميقات أفضل للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
*2* باب التلبية وصفتها ووقتها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما أَنّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ. لَبّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ. إِنّ الْحَمْدَ وَالنّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ".
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهِ عَنْهُمَا يَزِيدُ فِيهَا: لَبّيْكَ لَبّيْكَ. وَسَعْدَيْكَ. وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبّيْكَ وَالرّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، وَ نَافِعٍ مَوْلَىَ عَبْدِ اللّهِ، وَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ، إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، أَهَلّ فَقَالَ: "لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ. لَبّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ. أَنّ الْحَمْدَ والنّعْمَةَ لَكَ والْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ".
قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: هَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَزِيدُ مَعَ هَذَا: لَبّيْكَ لَبّيْكَ. وَسَعْدَيْكَ. وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبّيْكَ. وَالرّغْبَاءُ إِليْكَ وَالْعَمَلُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيد) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما قَالَ: تَلَقّفْتُ التّلْبِيَةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَإِنّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلّ مُلَبّداً يَقُولُ: "لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ. لَبّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ. أَنّ الْحَمْدَ وَالنّعْمَةَ لَكَ. وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ" لاَ يَزِيدُ عَلَىَ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ.
وَإِنّ عَبْدِ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ الْحُلَيْفَةِ، أَهَلّ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُهِلّ بِإِهْلاَلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ. وَيَقُولُ: لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ. لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. لَبّيْكَ وَالرّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ.
وحدّثني عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا النّضْرُ بْنُ مُحَمّدٍ الْيَمَامِيّ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ (يَعْنِي ابْنَ عَمّارٍ) حَدّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِي اللّهُ عنهما قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ. قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيْلَكُمْ قَدْ. قَدْ" فَيَقُولُونَ: إِلاّ شَرِيكاً هُوَ لَكَ. تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ.
قال القاضي: قال المازري التلبية مثناة للتكثير والمبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة ولزوماً لطاعتك، فتثنى للتوكيد لا تثنية حقيقية بمنزلة قوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان} أي نعمتاه على تأويل اليد بالنعمة هنا ونعم الله تعالى لا تحصى. وقال يونس بن حبيب البصري: لبيك اسم مفرد لا مثنى، قال: وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى، وعلى مذهب سيبويه أنه مثنى بدليل قلبها ياء مع المظهر، وأكثر الناس على ما قاله سيبويه، قال ابن الأنباري ثنوا لبيك كما ثنوا حنانيك أي تحننا بعد تحنن، وأصل لبيك لببتك فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات فأبدلوا من الثالثة ياء كما قالوا من الظن تظنيت والأصل تظننت، واختلفوا في معنى لبيك واشتقاقها فقيل معناها اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها، وقيل معناها محبتي قولهم لك مأخوذ من قولهم امرأة لبة إذا كانت محبة لولدها عاطفة عليه، وقيل معناها إخلاص لك مأخوذ من قولهم حب لباب إذا كان خالصاً محضاً، ومن ذلك لب الطعام ولبابه، وقيل معناها أنا مقيم على طاعتك وإجابتك مأخوذ من قولهم لب الرجل بالمكان وألب إذا أقام فيه، قال ابن الأنباري: وبهذا قال الخليل. قال القاضي: قيل هذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وأذن في الناس بالحج} وقال إبراهيم الحربي في معنى لبيك أي قرباً منك وطاعة، والألباب القرب، وقال أبو نصر: معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع، هذا آخر كلام القاضي.
قوله: (لبيك إن الحمد والنعمة) يروى بكسر الهمزة من أن وفتحها وجهان مشهوران لأهل الحديث وأهل اللغة، قال الجمهور: الكسر أجود، قال الخطابي: الفتح رواية العامة، وقال ثعلب: الاختيار الكسر وهو الأجود في المعنى من الفتح لأن من كسر جعل معناه أن الحمد والنعمة لك على كل حال، ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب. قوله: (والنعمة لك) المشهور فيه نصب النعمة، قال القاضي: ويجوز رفعها على الابتداء ويكون الخبر محذوفاً، قال ابن الأنباري: وإن شئت جعلت خبر ان محذوفاً تقديره أن الحمد لك والنعمة مستقرة لك. وقوله: (وسعديك) قال القاضي: إعرابها وتثنيتها كما سبق في لبيك ومعناه مساعدة لطاعتك بعد مساعدة. قوله: (والخير بيديك) أي الخير كله بيد الله تعالى ومن فضله. قوله: (والرغباء إليك والعمل) قال القاضي: قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر ونظيره العلا والعلياء والنعمى والنعماء. قال القاضي: وحكى أبو علي فيه أيضاً الفتح مع القصر الرغبى مثل سكرى ومعناه هنا الطلب والمسألة إلى من بيده الخير وهو المقصود بالعمل المستحق للعبادة. قوله: (عن ابن عمر تلقفت التلبية) هو بقاف ثم فاء أي أخذتها بسرعة، قال القاضي: وروي تلقنت بالنون، قال: والأول رواية الجمهور، قال: وروي تلقيت بالياء ومعانيها متقاربة. قوله: (أهل فقال لبيك اللهم لبيك) قال العلماء: الإهلال رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام، وأصل الإهلال في اللغة رفع الصوت، ومنه استهل المولود أي صاح، ومنه قوله تعالى: {وما أهل به لغير الله} أي رفع الصوت عند ذبحه بغير ذكر الله تعالى، وسمي الهلال هلالاً لرفعهم الصوت عند رؤيته. قوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً) فيه استحباب تلبيد الرأس قبل الإحرام وقد نص عليه الشافعي وأصحابنا، وهو موافق للحديث الاَخر في الذي خر عن بعيره فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً، قال العلماء: التلبيد ضفر الرأس بالصمغ أو الخطمى وشبههما مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض ويمنعه التمعط والقمل فيستحب لكونه أرفق به.
قوله: (كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلكم قدقد إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت) فقوله صلى الله عليه وسلم: قدقد قال القاضي: روي بإسكان الدال وكسرها مع التنوين ومعناه كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدوا، وهنا انتهى كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد الراوي إلى حكاية كلام المشركين فقال إلا شريكاً هو لك إلى آخره معناه أنهم كانوا يقولون هذه الجملة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اقتصروا على قولكم لبيك لا شريك لك والله أعلم. وأما حكم التلبية فأجمع المسلمون على أنها مشروعة ثم اختلفوا في إيجابها فقال الشافعي وآخرون: هي سنة ليست بشرط لصحة حج ولا بواجبة، فلو تركها صح حجه ولا دم عليه لكن فاتته الفضيلة. وقال بعض أصحابنا: هي واجبة تجبر بالدم ويصح الحج بدونها. وقال بعض أصحابنا: هي شرط لصحة الإحرام قال: ولا يصح الإحرام ولا الحج إلا بها، والصحيح من مذهبنا ما قدمناه عن الشافعي، وقال مالك: ليست بواجبة ولكن لو تركها لزمه دم وصح حجه. قال الشافعي ومالك: ينعقد الحج بالنية بالقلب من غير لفظ كما ينعقد الصوم بالنية فقط. وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إلا بانضمام التلبية أو سوق الهدي إلى النية. قال أبو حنيفة: ويجزى عن التلبية ما في معناها من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار كما قال هو أن التسبيح وغيره يجزى في الإحرام بالصلاة عن التكبير والله أعلم. قال أصحابنا: ويستحب رفع الصوت بالتلبية بحيث لا يشق عليه، والمرأة ليس لها الرفع لأنه يخاف الفتنة بصوتها، ويستحب الإكثار منها لا سيما عند تغاير الأحوال كإقبال الليل والنهار والصعود والهبوط واجتماع الرفاق والقيام والقعود والركوب والنزول وأدبار الصلوات وفي المساجد كلها، والأصح أنه لا يلبي في الطواف والسعي لأن لهما أذكاراً مخصوصة. ويستحب أن يكرر التلبية كل مرة ثلاث مرات فأكثر ويواليها ولا يقطعها بكلام، فإن سلم عليه رد السلام باللفظ، ويكره السلام عليه في هذه الحال، وإذا لبى صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى ما شاء لنفسه ولمن أحبه وللمسلمين، وأفضله سؤال الرضوان والجنة والاستعاذة من النار، وإذا رأى شيئاً يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الاَخرة، ولا تزال التلبية مستحبة للحاج حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر أو يطوف طواف الإفاضة إن قدمه عليها أو الحلق عند من يقول الحلق نسك وهو الصحيح، وتستحب للعمرة حتى يشرع في الطواف، وتستحب التلبية للمحرم مطلقاً سواء الرجل والمرأة والمحدث والجنب والحائض لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي"
*2* باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَاهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: بَيْدَاؤُكُمْ هَذِه الّتِي تَكْذِبُونَ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا. مَا أَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ. يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ.
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا إِذا قِيلَ لَهُ: الإِحْرَامُ مِنَ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: الْبَيْدَاءُ الّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. مَا أَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مِنْ عِنْدِ الشّجَرَةِ. حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ.
قوله عن ابن عمر: (قال بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني ذا الحليفة). وفي الرواية الأخرى: (ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره) قال العلماء: هذه البيداء هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة وهي بقرب ذي الحليفة، وسميت بيداء لأنه ليس فيها بناء ولا أثر وكل مفازة تسمى بيداء، وأما هنا فالمراد بالبيداء ما ذكرناه. وقوله تكذبون فيها أي تقولون أنه صلى الله عليه وسلم أحرم منها ولم يحرم منها، وإنما أحرم قبلها من عند مسجد ذي الحليفة، ومن عند الشجرة التي كانت هناك وكانت عند المسجد، وسماهم ابن عمر كاذبين لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو. وقد سبق في أول هذا الشرح في مقدمة صحيح مسلم أن الكذب عند أهل السنة هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمده أم غلط فيه أو سها. وقالت المعتزلة: يشترط فيه العمدية، وعندنا أن العمدية شرط لكونه إثماً لا لكونه يسمى كذباً. فقول ابن عمر جار على قاعدتنا وفيه أنه لا بأس بإطلاق هذه اللفظة، وفيه دلالة على أن ميقات أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى البيداء، وبهذا قال جميع العلماء، وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الإحرام من مسجده مع كمال شرفه، فإن قيل: إنما أحرم من الميقات لبيان الجواز. قلنا: هذا غلط لوجهين أحدهما أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة في بيان المواقيت. والثاني أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يحمل على بيان الجواز في شيء يتكرر فعله كثيراً فيفعله مرة أو مرات على الوجه الجائز لبيان الجواز، ويواظب غالباً على فعله على أكمل وجوهه، وذلك كالوضوء مرة ومرتين وثلاثاً كله ثابت، والكثير أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً. وأما الإحرام بالحج فلم يتكرر وإنما جرى منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة فلا يفعله إلا على أكمل وجوهه والله أعلم. قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل) فيه استحباب صلاة الركعتين عند إرادة الإحرام ويصليهما قبل الإحرام ويكونان نافلة، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي وغيره من الحسن البصري أنه استحب كونهما بعد صلاة فرض قال: لأنه روى أن هاتين الركعتين كانتا صلاة الصبح، والصواب ما قاله الجمهور وهو ظاهر الحديث. قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: وهذه الصلاة سنة لو تركها فاتته الفضيلة ولا إثم عليه ولا دم. قال أصحابنا: فإن كان إحرامه في وقت من الأوقات المنهي فيها عن الصلاة لم يصلهما هذا هو المشهور، وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يصليهما فيه لأن سببهما إرادة الإحرام وقد وجد ذلك، وأما وقت الإحرام فسنذكره في الباب بعده إن شاء الله تعالى
*2* باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنِ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقَبُرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعاً لَمْ أَرَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُها. قَالَ: ما هُنّ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلاّ الْيَمَانِييْنِ. وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النّعَالَ السّبْتِيّةَ. وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصّفْرَةِ. وَرَأَيْتُكَ، إِذَا كُنْتَ بِمَكّةَ، أَهَلّ النّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ، وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حتّىَ يَكُونَ يَوْمُ التّرْوِيَةِ.
فقالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ أَمّا الأَرْكَانُ، فَإِنّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَمَسّ إِلاّ الْيَمَانِيَيْنِ. وَأَمّا النّعَالُ السّبْتِيّةُ، فَإِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النّعَالَ الّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ. وَيَتَوَضّأُ فِيهَا. فَأَنَا أُحِبّ أَنْ أَلْبَسَهَا. وَأَمّا الصّفْرَةُ، فَإِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا. فَأَنَا أُحِبّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا. وَأَمّا الإِهْلاَلُ فَإِنّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلّ حَتّىَ تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. بَيْنَ حَجَ وَعُمْرَةٍ. ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَرّةً. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ أَرْبَعَ خِصَالٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِهَذَا الْمَعْنَىَ. إِلاّ فِي قِصّةِ الإِهْلاَلِ فَإِنّهُ خَالَفَ رِوَايَةَ الْمَقْبُرِيّ. فَذَكَرَهُ بِمَعْنًى سِوَىَ ذِكْرِهِ إِيّاهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما أَنّهُ كَانَ يُخْبِرُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَهَلّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. ثُمّ يُهِلّ حِينَ تَسْتَوي بِهِ قَائِمَةً.
قوله في هذا الباب عن ابن عمر قال: (فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته). وقال في الحديث السابق: ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل، وفي الحديث الذي قبله: (كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل) وفي رواية: (حين قام به بعيره) وفي رواية: (يهل حين تستوي به راحلته قائمة). هذه الروايات كلها متفقة في المعنى وانبعاثها هو استواؤها قائمة، وفيها دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته. وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة وهو جالس قبل ركوب دابته وقبل قيامه وهو قول ضعيف للشافعي. وفيه حديث من رواية ابن عباس لكنه ضعيف. وفيه أن التلبية لا تقدم على الإحرام. قوله عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: (رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها) إلى آخره قال المازري: يحتمل أن مراده لا يصنعها غيرك مجتمعة وإن كان يصنع بعضها. قوله: (رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين) ثم ذكر ابن عمر في جوابه أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين هما بتخفيف الياء هذه اللغة الفصيحة المشهورة. وحكى سيبويه وغيره من الأئمة تشديدها في لغة قليلة والصحيح التخفيف قالوا: لأن نسبه إلى اليمن فحقه أن يقال اليمني وهو جائز، فلما قالوا اليماني أبدلوا من إحدى ياءي النسب ألفاً، فلو قالوا: اليماني بالتشديد لزم منه الجمع بين البدل والمبدل، والذين شددوها قالوا هذه الألف زائدة وقد تزاد في النسب كما قالوا في النسب إلى صنعا صنعاني فزادوا النون الثانية، وإلى الري رازي فزادوا الزاي، وإلى الرقبة رقباني فزادوا النون، والمراد بالركنين اليمانيين الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود، ويقال له العراقي لكونه إلى جهة العراق، وقيل للذي قبله اليماني لأنه إلى جهة اليمن، ويقال لهما اليمانيان تغليباً لأحد الإسمين، كما قالوا الأبوان للأب والأم، والقمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ونظائره مشهورة، فتارة يغلبون بالفضيلة كالأبوين، وتارة بالخفة كالعمرين، وتارة بغير ذلك، وقد بسطته في تهذيب الأسماء واللغات. قال العلماء: ويقال للركنين الاَخرين اللذين يليان الحجر بكسر الحاء الشاميان لكونهما بجهة الشام، قالوا: فاليمانيان باقيان على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم بخلاف الشاميين فلهذا لم يستلما، واستلم اليمانيان لبقائهما على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم. ثم إن العراقي من اليمانيين اختص بفضيلة أخرى وهي الحجر الأسود، فاختص لذلك مع الاستلام بتقبيله ووضع الجبهة عليه بخلاف اليماني والله أعلم. قال القاضي: وقد اتفق أئمة الأمصار والفقهاء اليوم على أن الركنين الشاميين لا يستلمان، وإنما كان الخلاف في ذلك العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين ثم ذهب. وقوله: (ورأيتك تلبس النعال السبتية) وقال ابن عمر في جوابه: (وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها وأنا أحب أن ألبسها) فقوله: ألبس وتلبس كله بفتح الباء، وأما السبتية فبكسر السين وإسكان الباء الموحدة، وقد أشار ابن عمر إلى تفسيرها بقوله: التي ليس فيها شعر، وهكذا قال جماهير أهل اللغة وأهل الغريب وأهل الحديث أنها التي لا شعر فيها، قالوا: وهي مشتقة من السبت بفتح السين وهو الحلق والإزالة، ومنه قولهم: سبت رأسه أي حلقه، قال الهروي: وقيل سميت بذلك لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت، يقال رطبة منسبتة أي لينة، قال أبو عمرو الشيباني: السبت كل جلد مدبوغ، وقال أبو زيد: السبت جلود البقر مدبوغة كانت أو غير مدبوغة، وقيل: هو نوع من الدباغ يقلع الشعر، وقال ابن وهب: النعال السبتية كانت سوداً لا شعر فيها، قال القاضي: وهذا ظاهر كلام ابن عمر في قوله النعال التي ليس فيها شعر، قال: وهذا لا يخالف ما سبق فقد تكون سوداً مدبوغة بالقرظ لا شعر فيها لأن بعض المدبوغات يبقى شعرها وبعضها لا يبقى، قال: وكانت عادة العرب لباس النعال بشعرها غير مدبوغة، وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره وإنما كان يلبسها أهل الرفاهية كما قال شاعرهم: تحذى نعال السبت ليس بتوءم. قال القاضي: والسين في جميع هذا مكسورة، قال: والأصح عندي أن يكون اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة لأن السين مكسورة في نسبتها، ولو كانت من السبت الذي هو الحلق كما قاله الأزهري وغيره لكانت النسبة سبتية بفتح السين، ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا في غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر، هذا كلام القاضي. وقوله: (ويتوضأ فيها) معناه يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان. قوله: (ورأيتك تصبغ بالصفرة) وقال ابن عمر في جوابه: (وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) فقوله: يصبغ وأصبغ بضم الباء وفتحها لغتان مشهورتان حكاهما الجوهري وغيره.
قال الإمام المازري: قيل المراد في هذا الحديث صبغ الشعر، وقيل صبغ الثوب، قال: والأشبه أن يكون صبغ الثياب لأنه أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم صبغ ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره. قال القاضي عياض: هذا أظهر الوجهين وإلا فقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران رواه أبو داود، وذكر أيضاً في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته. قوله: (ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يكون يوم التروية) وقال ابن عمر في جوابه: (وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) أما يوم التروية فبالتاء المثناة فوق وهو الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء أي يحملونه معهم من مكة إلى عرفات ليستعملوه في الشرب وغيره. وأما فقه المسألة فقال المازري: أجابه ابن عمر بضرب من القياس حيث لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسألة بعينها فاستدل بما في معناه، ووجه قياسه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحرم عند الشروع في أفعال الحج والذهاب إليه فأخر ابن عمر الإحرام إلى حال شروعه في الحج وتوجهه إليه وهو يوم التروية فإنهم حينئذ يخرجون من مكة إلى منى، ووافق ابن عمر على هذا الشافعي وأصحابه وبعض أصحاب مالك وغيرهم، وقال آخرون: الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة. ونقله القاضي عن أكثر الصحابة والعلماء والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع والله أعلم. قوله: (ابن قسيط) هو يزيد بن عبد الله بن قسيط بقاف مضمومة وسين مهملة مفتوحة وإسكان الياء. قوله: (وضع رجله في الغرز) هو بفتح الغين المعجمة ثم راء ساكنة ثم زاي وهو ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب، وقيل هو الكور مطلقاً كالركاب للسرج
*2* باب الصلاة في مسجد ذي الحليفة
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ (قَالَ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ عُبَيْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ قَالَ:: بَاتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ مُبْدَأَهُ. وَصَلّىَ فِي مَسْجِدِهَا.
قوله: (بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة مبدأه وصلى في مسجدها) قال القاضي: هو بفتح الميم وضمها والباء ساكنة فيهما أي ابتداء حجه ومبدأه منصوب على الظرف أي في ابتدائه، وهذا المبيت ليس من أعمال الحج ولا من سننه. قال القاضي: لكن من فعله تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم فحسن والله أعلم
*2* باب الطيب للمحرم عند الإحرام
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ. وَلِحِلّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ. وَلِحِلّهِ حِينَ أَحَلّ. قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها أَنّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيّبُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. وَلِحِلّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا. قَالَتْ: طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِحِلّهِ وَلِحُرْمِهِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ أَنّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَ الْقَاسِمَ يخْبِرَانِ عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ. فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ. لِلْحِلّ وَالإِحْرَامِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا: بِأَيّ شَيْءٍ طَيّبْتِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ حِرْمِهِ؟ قَالَتْ: بِأَطْيَبِ الطّيبِ.
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَة يُحَدّثُ عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا. قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيّبُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. ثُمّ يُحْرِمُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ عَنْ أَبِي الرّجَالِ، عَنْ أُمّهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها أَنّهَا قَالَتْ: طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، بِأَطْيَبِ مَا وَجَدْتُ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنِ يَحْيَىَ. وَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ وَ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ وَبِيصِ الطّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وَلَمْ يَقُلْ خَلَفٌ: وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَلَكِنّهُ قَالَ: وَذَاكَ طِيبُ إِحْرَامِهِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ أَبُو كُرَيْبٍ. (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: لَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ وَبِيصِ الطّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُهِلّ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضّحَىَ. عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ وَبِيصِ الطّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُلَبّي.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ. وَعَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قالَتْ: لَكَأَنّي أَنْظُرُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ. قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدّثُ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها أَنّهَا قَالَتْ: كَأَنّمَا أَنْظُرُ إِلَىَ وَبِيصِ الطّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: إِنْ كُنْتُ لأَنْظُرُ إِلَىَ وَبِيصِ الطّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنيِ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَهُوَ السّلُولِيّ) حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ (وَهُوَ ابْنُ إِسْحَقَ بْنِ أَبِي إِسْحَقَ السّبِيعِيّ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ. سَمِعَ ابْنَ الأَسْوَدِ يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، يَتَطَيّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ. ثُمّ أَرَىَ وَبِيصَ الدّهْنِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، بَعْدَ ذَلِكَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْودِ قَالَ: قَالَتْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْحَسَن بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَ يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَت: كُنْتُ أُطَيّبُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النّحْرِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بالْبَيْتِ، بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو كَامِلٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدُ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللّهُ عَنْهُمَا عَنِ الرّجُلِ يَتَطَيّبُ ثُمّ يُصْبِحُ مُحْرِماً؟ فَقَالَ: مَا أُحِبّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِماً أَنْضَخُ طِيباً. لأَنْ أَطّلِي بِقَطِرَانٍ أَحَبّ إِلَيّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَىَ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا فَأَخْبَرْتُهَا أَنّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَا أُحِبّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِماً أَنْضَخُ طِيباً. لأَنْ أَطّلِيَ بِقَطِرَانٍ أَحَبّ إِلَيّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إِحْرَامِهِ. ثُمّ طَافَ فِي نِسَائِهِ. ثُمّ أَصْبَحَ مُحْرِماً.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدّثُ عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيّبُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ يَطُوفُ عَلَىَ نِسَائِهِ. ثُمّ يُصْبِحُ مُحْرِماً يَنْضَخُ طِيباً.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ وَ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: لأَنْ أُصْبِحَ مُطّلِياً بِقَطِرَانٍ، أَحَبّ إِلَيّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِماً أَنْضَخُ طِيباً. قَالَ فَدَخَلتُ عَلَىَ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا. فَأَخْبَرْتُهَا بِقَوْلِهِ. فَقَالَتْ: طَيّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ فِي نِسَائِهِ. ثُمّ أَصْبَحَ مُحْرِماً.
قولها: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ضبطوا لحرمه بضم الحاء وكسرها، وقد سبق بيانه في شرح مقدمة مسلم والضم أكثر، ولم يذكر الهروي وآخرون غيره، وأنكر ثابت الضم على المحدثين وقال: الصواب الكسر، والمراد بحرمه الإحرام بالحج، وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهذا مذهبنا وبه قال خلائق من الصحابة والتابعين وجماهير المحدثين والفقهاء منهم سعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن الزبير ومعاوية وعائشة وأم حبيبة وأبو حنيفة والثوري وأبو يوسف وأحمد وداود وغيرهم. وقال آخرون بمنعه منهم الزهري ومالك ومحمد بن الحسن، وحكي أيضاً عن جماعة من الصحابة والتابعين. قال القاضي: وتأول هؤلاء حديث عائشة هذا على أنه تطيب ثم اغتسل بعده فذهب الطيب قبل الإحرام، ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرماً) فظاهره أنه إنما تطيب لمباشرة نسائه ثم زال بالغسل بعده، لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى ولا يبقى مع ذلك ويكون قولها: (ثم أصبح ينضخ طيباً) أي قبل غسله، وقد سبق في رواية لمسلم أن ذلك الطيب كان ذرة وهي مما يذهبه الغسل، قال: وقولها: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) المراد به أثره لا جرمه هذا كلام القاضي ولا يوافق عليه، بل الصواب ما قاله الجمهور أن الطيب مستحب للإحرام لقولها طيبته لحرمه، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا للنساء، ويعضده قولها: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب) والتأويل الذي قاله القاضي غير مقبول لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه، وأما قولها: (ولحله قبل أن يطوف) فالمراد به طواف الإفاضة، ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمي جمرة العقبة والحلق وقبل الطواف، وهذا مذهب الشافعي والعلماء كافة إلا مالكاً كرهه قبل طواف الإفاضة وهو محجوج بهذا الحديث. وقولها لحله دليل على أنه حصل له تخلل، وفي الحج تحللان يحصلان بثلاثة أشياء: رمي جمرة العقبة والحلق وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم، فإذا فعل الثلاثة حصل التحللان، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول أي اثنين كانا، ويحل بالتحلل الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع بالنساء فإنه لا يحل إلا بالثاني، وقيل يباح منهن غير الجماع بالتحلل الأول وهو قول بعض أصحابنا، وللشافعي قول أنه لا يحل بالأول إلا اللبس والحلق وقلم الأظفار والصواب ما سبق والله أعلم. وقولها في الرواية الأخرى: (ولحله حين حل قبل أن يطوف بالبيت) فيه تصريح بأن التحلل الأول يحصل بعد رمي جمرة العقبة والحلق قبل الطواف وهذا متفق عليه. قولها: (بذريرة) هي بفتح الذال المعجمة وهي قناب قصب طيب يجاء به من الهند.
قولها: (وبيص الطيب في مفرقه) الوبيص البريق واللمعان، والمفرق بفتح الميم وكسر الراء.
قوله: (عن ابن عمر ما أحب أن أصبح محرماً أنضرخ طيباً). وقولها: (ينضخ طيباً) كله بالخاء المعجمة أي يفور منه الطيب ومنه قوله تعالى: {عينان نضاختان} هذا هو المشهور أنه بالخاء المعجمة ولم يذكر القاضي غيره، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة وهما متقاربان في المعنى، قال القاضي: قيل النضخ بالمعجمة أقل من النضح بالمهملة وقيل عكسه وهو أشهر وأكثر. قولها: (ثم يطوف على نسائه) قد يقال قد قال الفقهاء أقل القسم ليلة لكل امرأة فكيف طاف على الجميع في ليلة واحدة؟ وجوابه من وجهين: أحدهما أن هذا كان برضاهن ولا خلاف في جوازه برضاهن كيف كان. والثاني أن القسم في حق النبي صلى الله عليه وسلم هل كان واجباً في الدوام فيه خلاف لأصحابنا، قال أبو سعيد الإصطخري: لم يكن واجباً وإنما كان يقسم بالسوية ويقرع بينهن تكرماً وتبرعاً لا وجوباً، وقال الأكثرون: كان واجباً، فعلى قول الاصطخري لا إشكال والله أعلم.
*2* باب تحريم الصيد للمحرم
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدُ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ الصّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ اللّيْثِيّ أَنّهُ أَهْدَىَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَاراً وَحْشِيّاً. وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ (أَوْ بِوَدّانَ) فَرَدّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: فَلَمّا أَنْ رَأَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا فِي وَجْهِي، قَالَ: "إِنّا لَمْ نَرُدّهُ عَلَيْكَ، إِلاّ أَنّا حُرُمٌ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ وَ قُتَيْبَةُ. جَمِيعاً عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَهْدَيْتُ لَهُ حِمَارَ وَحْشٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. وَفِي حَدِيثِ اللّيْثِ وَصَالِحٍ أَنّ الصّعْبَ بْنَ جَثّامَةَ أَخْبَرَهُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: أَهْدَيْتُ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَهْدَى الصّعْبُ بْنُ جَثّامَةَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَرَدّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ "لَوْلاَ أَنّا مُحْرِمُونَ، لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ".
وحدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُوراً يُحَدّثُ عَنِ الْحَكَمِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. جَمِيعاً عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا.
في رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ: أَهْدَى الصّعْبُ بْنُ جَثّامَةَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ.
وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ: عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَماً.
وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ: أُهْدِيَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم شِقّ حِمَارِ وَحْشٍ فَرَدّهُ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قال: أَخبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ يَسْتذْكِرُهُ: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أُهْدِيَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَحَرَامٌ؟ قَالَ قَالَ: أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدّهُ. فَقَالَ "إِنّا لاَ نَأْكُلُهُ. إِنّا حُرُمٌ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (واللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمّدٍ مَوْلَىَ أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ إِذَا كُنّا بِالْقَاحَةِ. فَمِنّا الْمُحْرِمُ وَمِنّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ. إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئاً. فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ. فَأَسْرَجْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي. ثُمّ رَكِبْتُ. فَسَقَطَ مِنّي سَوْطِي. فَقُلْتُ لأَصْحَابِي، وَكَانُوا مُحْرِمِينَ: نَاوِلُونِي السّوْطَ. فَقَالُوا: وَاللّهِ لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ. ثُمّ رَكِبْتُ. فَأَدْرَكْتُ الْحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ. فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي فَعَقَرْتُهُ. فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَأْكُلُوهُ. وَكَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَامَنا. فَحَرّكْتُ فَرَسِي فَأَدْرَكْتُهُ. فَقَالَ: "هُوَ حَلاَلٌ. فَكُلُوهُ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي النّضْرِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَىَ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكّةَ تَخَلّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ. فَرَأَىَ حِمَاراً وَحْشِيّاً، فَاسْتَوَىَ عَلَىَ فَرَسِهِ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ. فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ ثُمّ شَدّ عَلَىَ الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ. فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبَىَ بَعْضُهُمْ فَأَدْرَكُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "إِنّما هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللّهُ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النّضْرِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟".
وحدّثنا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ السّلَمِيّ. حَدّثَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيبِيَةِ. فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ. وَحُدّثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّ عَدُوَا بِغَيْقَةَ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ. يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ. إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ. فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتّهُ. فَاسْتَعنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي. فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ. وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ. فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُرَفّعُ فَرَسِي (أَرْفَعُ فَرَسِي) شَأْواً وَأَسِيرُ شَأْواً. فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللّيْلِ. فَقُلْتُ: أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ. وَهُوَ قَائِلٌ السّقْيَا. فَلَحِقْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أَصْحَابَكَ يَقْرؤونَ عَلَيْكَ السّلاَمَ وَرَحْمَةَ اللّهِ. وَإِنّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ. انْتَظِرْهُمْ. فَانْتَظَرَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِلْقَوْمِ "كُلُوا" وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
حدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجّا. وَخَرَجْنَا مَعَهُ. قَالَ: فَصَرَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ. فَقَالَ "خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتّىَ تَلْقَونِي" قَالَ: فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ. فَلَمّا انْصَرَفُوا قِبَلَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَحْرَمُوا كُلّهُمْ. إِلاّ أَبَا قَتَادَةَ. فَإِنّهُ لَمْ يُحْرِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ. فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ. فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَاناً. فَنزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا. قَالَ فَقَالُوا: أَكلْنَا لَحْماً وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ. قَالَ: فَحَمَلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الأَتَانِ. فَلَمّا أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا كُنّا أَحْرَمْنَا. وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ. فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ. فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ. فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَاناً. فَنَزلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا. فَقُلْنَا: نَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا. فَقَالَ "هَلْ مِنْكُمْ أَحْدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟" قَالَ قَالُوا: لاَ: قَالَ "فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ شَيْبَانَ. جَمِيعاً عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَوْهَبٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
فِي رِوَايةِ شَيْبَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ".
وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةُ قَالَ: "أَشَرْتُمْ أَوْ أَعنْتُمْ أَوْ أَصَدْتُمْ؟".
قَالَ شُعْبَةُ: لا أَدْرِي قَالَ "أَعَنْتُمْ" أَوْ أَصَدْتُمْ".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (وَهُوَ ابْنُ سَلاّمٍ) أَخْبَرَنِي يَحْيَىَ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ أَبَاهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ: فَأَهَلّوا بِعُمْرَةٍ، غَيْرِي. قَالَ: فَاصْطَدْتُ حِمَارَ وَحْشٍ. فَأَطْعَمْتُ أَصْحَابِي وَهُمْ مُحْرِمُونَ. ثُمّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْبَأْتُهُ أَنّ عِنْدَنَا مِنْ لَحْمِهِ فَاضِلَةً. فَقَالَ: "كُلُوهُ" وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ. حَدّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النّمَيْرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَقَالَ "هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْء" قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ. قَالَ: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَهَا.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ وَ إِسْحَقُ عَنْ جَرِيرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ أَبُو قَتَادَةَ فِي نَفَرٍ مُحْرِمِينَ. وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلّ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: قَالَ: "هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟" قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "فَكُلُوا".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ. فَأُهْدِيَ لَهُ طَيْرٌ. وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ. فَمِنّا مَنْ أَكَلَ. وَمِنّا مَنْ تَوَرّعَ. فَلَمّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفّقَ مَنْ أَكَلَهُ. وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (عن الصعب بن جثامة) هو بجيم مفتوحة ثم ثاء مثلثة مشددة. قوله: (وهو بالأبواء أو بودان) أما الأبواء فبفتح الهمزة وإسكان الموحدة وبالمد، وودان بفتح الواو وتشديد الدال المهملة وهما مكانان بين مكة والمدينة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" هو بفتح الهمزة من أنا حرم، وحرم بضم الحاء والراء أي محرمون، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: رواية المحدثين في هذا الحديث لم نرده بفتح الدال قال: وأنكره محققو شيوخنا من أهل العربية وقالوا هذا غلط من الرواة وصوابه ضم الدال، قال: ووجدته بخط بعض الأشياخ بضم الدال وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه في مثل هذا من المضاعف إذا دخلت عليه الهاء أن يضم ما قبلها في الأمر ونحوه من المجزوم مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكان ما قبلها ولى الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموماً هذا في المذكر، وأما المؤنث مثل ردها وجبها فمفتوح الدال ونظائرها مراعاة للألف، هذا آخر كلام القاضي، فأما ردها ونظائرها من المؤنث ففتحة الهاء لازمة بالاتفاق، وأما رده ونحوه للمذكر ففيه ثلاثة أوجه أفصحها وجوب الضم كما ذكره القاضي، والثاني الكسر وهو ضعيف، والثالث الفتح وهو أضعف منه، وممن ذكره ثعلب في الفصيح لكن غلطوه لكونه أوهم فصاحته ولم ينبه على ضعفه. قوله: (عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً). وفي رواية: (حمار وحش). وفي رواية: (من لحم حمار وحش).
وفي رواية: (عجز حمار وحش يقطر دماً)، وفي رواية: (شق حمار وحش). وفي رواية: (عضواً من لحم صيد)، هذه روايات مسلم، وترجم له البخاري باب إذا أهدي للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، ثم رواه بإسناده وقال في روايته حماراً وحشياً، وحكي هذا التأويل أيضاً عن مالك وغيره وهو تأويل باطل، وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح، وأنه إنما أهدي بعض لحم صيد لا كله، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد على المحرم، وقال الشافعي وآخرون: يحرم عليه تملك الصيد بالبيع والهبة ونحوهما وفي ملكه إياه بالإرث خلاف، وأما لحم الصيد فإن صاده أو صيد له فهو حرام سواء صيد له بإذنه أم بغير إذنه، فإن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ثم أهدى من لحمه للمحرم أو باعه لم يحرم عليه، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد وداود، وقال أبو حنيفة: لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منه، وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلاً سواء صاده أو صاده غيره له أو لم يقصده فيحرم مطلقاً، حكاه القاضي عياض عن علي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم لقوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} قالوا: المراد بالصيد المصيد، ولظاهر حديث الصعب بن جثامة فإن النبي صلى الله عليه وسلم رده وعلل رده بأنه محرم ولم يقل لأنك صدته لنا، واحتج الشافعي وموافقوه بحديث أبي قتادة المذكور في صحيح مسلم بعد هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصيد الذي صاده أبو قتادة وهو حلال قال للمحرمين: (هو حلال فكلوا) وفي الرواية الأخرى قال: (فهل معكم منه شيء؟ قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها). وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم" هكذا الرواية يصاد بالألف وهي جائزة على لغة، ومنه قول الشاعر: ألم يأتيك والأنباء تنمى. قال أصحابنا: يجب الجمع بين هذه الأحاديث، وحديث جابر هذا صريح في المفرق وهو ظاهر في الدلالة للشافعي وموافقيه ورد لما قاله أهل المذهبين الاَخرين، ويحمل حديث أبي قتادة على أنه لم يقصدهم باصطياده، وحديث الصعب أنه قصدهم باصطياده، وتحمل الاَية الكريمة على الاصطياد، وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المذكورة المبينة للمراد من الاَية، وأما قولهم في حديث الصعب أنه صلى الله عليه وسلم علل بأنه محرم فلا يمنع كونه صيد له لأنه إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له بشرط أنه محرم فبين الشرط الذي يحرم به. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" فيه جواز قبول الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الصدقة، وفيه أنه يستحب لمن امتنع من قبول هدية ونحوها لعذر أن يعتذر بذلك إلى المهدي تطييباً لقلبه.
قوله: (سمعت أبا قتادة يقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة فمنا المحرم ومنا غير المحرم) إلى آخره. القاحة بالقاف وبالحاء المهملة المخففة هذا هو الصواب المعروف في جميع الكتب والذي قاله العلماء من كل طائفة، قال القاضي: كذا قيدها الناس كلهم، قال: ورواه بعضهم عن البخاري بالفاء وهو وهم والصواب القاف وهو واد على نحو ميل من السقيا وعلى ثلاث مراحل من المدينة. (والسقيا) بضم السين المهملة وإسكان القاف وبعدها ياء مثناة من تحت وهي مقصورة وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة من أعمال الفرع بضم الفاء وإسكان الراء وبالعين المهملة، والأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع أيضاً. (وتعهن) المذكورة في هذا الحديث هي عين ماء هناك على ثلاثة أميال من السقيا وهي بتاء مثناة فوق مكسورة ومفتوحة ثم عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون، قال القاضي عياض: هي بكسر التاء وفتحها، قال: وروايتنا عن الأكثرين بالكسر، قال: وكذا قيدها البكري في معجمه، قال القاضي: وبلغني عن أبي ذر الهروي أنه قال: سمعت العرب تقولها بضم التاء وفتح العين وكسر الهاء وهذا ضعيف وأما (غيقة) فهي بغين معجمة مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم قاف مفتوحة وهي موضع من بلاد بني غفار بين مكة والمدينة، قال القاضي: وقيل هي بئر ماء لبني ثعلبة. قوله: (فمنا المحرم ومنا غير المحرم) قد يقال: كيف كان أبو قتادة وغيره منهم غير محرمين وقد جاوزوا ميقات المدينة وقد تقرر أن من أراد حجاً أو عمرة لا يجوز له مجاوزة الميقات غير محرم؟ قال القاضي في جواب هذا: قيل أن المواقيت لم تكن وقتت بعد، وقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما ذكره مسلم في الرواية الأخرى، وقيل أنه لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهل المدينة بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة، وقيل أنه خرج معهم ولكنه لم ينو حجاً ولا عمرة، قال القاضي: وهذا بعيد والله أعلم. قوله: (فسقط مني سوطي فقلت لأصحابي وكانوا محرمين ناولوني السوط فقالوا والله لا نعينك عليه بشيء). وقال في الرواية الأخرى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟ قالوا لا، قال: فكلوه) هذا ظاهر في الدلالة على تحريم الإشارة والإعانة من المحرم في قتل الصيد وكذلك الدلالة عليه وكل سبب، وفيه دليل للجمهور على أبي حنيفة في قوله لا تحل الإعانة من المحرم إلا إذا لم يمكن اصطياده بدونها. قوله: (فقال بعضهم كلوه وقال بعضهم لا تأكلوه) ثم قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو حلال فكلوه فيه دليل على جواز الاجتهاد في مسائل الفروع والاختلاف فيها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "هو حلال فكلوه" صريح في أن الحلال إذا صاد صيداً ولم يكن من المحرم إعانة ولا إشارة ولا دلالة عليه حل للمحرم أكله، وقد سبق أن هذا مذهب الشافعي والأكثرين. قوله: (إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئاً). وفي الرواية الأخرى: (يضحك بعضهم إلى إذ نظرت فإذا أنا بحمار وحش) هكذا وقع في جميع نسخ بلادنا يضحك إلى بتشديد الياء، قال القاضي: هذا خطأ وتصحيف، ووقع في رواية بعض الرواة عن مسلم والصواب يضحك إلى بعض فأسقط لفظة بعض والصواب إثباتها كما هو مشهور في باقي الروايات لأنهم لو ضحكوا إليه لكانت إشارة منهم وقد قالوا إنهم لم يشيروا إليه، قلت: لا يمكن رد هذه الرواية فقد صحت هي والرواية الأخرى وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة إلى الصيد فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة، قال العلماء: وإنما ضحكوا تعجباً من عروض الصيد ولا قدرة لهم عليه لمنعهم منه والله أعلم. قوله: (فإذا حمار وحش) وكذا ذكر في أكثر الروايات حمار وحش، وفي رواية أبي كامل الجحدري: (إذا رأوا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتاناً فأكلوا من لحمها) فهذه الرواية تبين أن الحمار في أكثر الروايات المراد به أنثى وهي الأتان وسميت حماراً مجازاً. قوله صلى الله عليه وسلم: (هل معكم من لحمه شيء). وفي الرواية الأخرى: (هل معكم منه شيء قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها) إنما أخذها وأكلها تطييباً لقلوبهم في إباحته ومبالغة في إزالة الشك والشبهة عنهم بحصول الاختلاف بينهم فيه قبل ذلك. قوله: (فقال إنما هي طعمة) هي بضم الطاء أي طعام. قوله: (أرفع فرسي شأواً وأسير شأواً) هو بالشين المعجمة مهموز، والشأو الطلق والغاية ومعناه أركضه شديداً وقتاً وأسوقه بسهولة وقتاً. قوله: (فقلت أين لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تركته بتعهن وهو قائل السقيا) أما غيقة والسقيا وتعهن فسبق ضبطهن وبيانهن، وقوله قائل روي بوجهين أصحهما وأشهرهما قائل بهمزة بين الألف واللام من القيلولة ومعناه تركته بتعهن وفي عزمه أن يقيل بالسقيا، ومعنى قائل سيقيل، ولم يذكر القاضي في شرح مسلم وصاحب المطالع والجمهور غير هذا بمعناه.
والوجه الثاني أنه قابل بالباء الموحدة وهو ضعيف وغريب وكأنه تصحيف وإن صح فمعناه تعهن موضع مقابل للسقيا. قوله: (قلت يا رسول الله إن أصحابك يقرؤون عليك السلام ورحمة الله) فيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب سواء كان أفضل من المرسل أم لا، لأنه إذا أرسله إلى من هو أفضل فمن دونه أولى، قال أصحابنا: ويجب على الرسول تبليغه، ويجب على المرسل إليه رد الجواب حين يبلغه على الفور. قوله: (يا رسول الله الله إني أصدت ومعي منه فاضلة) هكذا هو في بعض النسخ وهو بفتح الصاد المخففة والضمير في منه يعود على الصيد المحذوف الذي دل عليه أصدت، ويقال بتشديد الصاد، وفي بعض النسخ صدت، وفي بعضها اصطدت وكله صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: "أشرتم أو أعنتم أو أصدتم" روي بتشديد الصاد وتخفيفها، وروي صدتم قال القاضي رويناه بالتخفيف في أصدتم ومعناه أمرتم بالصيد أو جعلتم من يصيده، وقيل معناه أثرتم الصيد من موضعه، يقال أصدت الصيد مخفف أي أثرته، قال: وهو أولى من رواية من رواه صدتم أو أصدتم بالتشديد لأنه صلى الله عليه وسلم قد علم أنهم لم يصيدوا وإنما سألوه عما صاد غيرهم والله أعلم.
قوله: (فلما استيقظ طلحة وفق من أكله) معناه صوبه والله أعلم
*2* باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحلّ والحرم
*حدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللّهِ بْنَ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَرْبَعٌ كُلّهُنّ فَاسِقٌ. يُقْتَلْنَ فِي الْحِلّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
قَالَ فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَيّةَ؟ قَالَ: تُقْتَلُ بِصُغْرٍ لَهَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللّهُ عَنْهَا، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلّ وَالْحَرَمِ: الْحَيّةُ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيّا".
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْحُدَيّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهُرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَارَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحُدَيّا، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ. قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلّ وَالْحَرَمِ. ثُمّ ذَكَرَ بِمْثِلِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "خَمْسٌ مِنَ الدّوَابّ كُلّهَا فَوَاسِقُ. تُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللّهُ عنه، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَمْسٌ لاَ جُناحَ عَلَىَ مَنْ قَتَلَهُنّ فِي الْحَرَمِ وَالإِحْرَامِ: الْفَارَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ "فِي الْحُرُمِ وَالاْحْرَامِ".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَتْ حَفْصَةُ زَوْجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مِنَ الدّوَابّ كُلّهَا فَاسِقٌ. لاَ حَرَجَ عَلَىَ مَنْ قَتَلَهُنّ: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدّوَابّ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي إِحْدَىَ نِسْوَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ أَمَرَ أَوْ أُمِرَ أَنْ تُقْتَلَ الْفَارَةَ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ.
حدّثنا شَيْبَان بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الرّجُلُ مِنَ الدّوَابّ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: حَدّثَتْنِي إِحْدَىَ نِسْوَةِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَارَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيّا، وَالْغُرَابِ، وَالْحَيّةِ.
قَالَ: وَفِي الصّلاَةِ أَيْضاً.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "خَمْسٌ مِنَ الدّوَابّ، لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِ نَافِعٍ: مَاذَا سَمِعْتَ ابْنَ عُمَرَ يُحِلّ لِلْحَرَامِ قَتْلَهُ مِنَ الدّوَابّ؟ فَقَالَ لِي نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "خَمْسٌ مِنَ الدّوَابّ لاَ جُنَاحَ، عَلَىَ مَنْ قَتَلَهُنّ، فِي قَتْلِهِنّ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ) جَمِيعاً عَنْ نَافِعٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. جَمِيعاً عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو كَامِلٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. كُلّ هَولاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: عَنْ نَافِعٍ عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللّهُ عَنْهُما، سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. إِلاّ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحْدَهُ. وَقَدْ تَابَعَ ابْنَ جُرَيْجٍ، عَلَىَ ذَلِكَ، ابْنُ إِسْحَقُ.
وحدّثنيهِ فَضْلُ بْنُ سَهْلٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرونَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ نَافِعٍ وَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "خَمْسٌ لاَ جُنَاحَ فِي قَتْلِ مَا قُتِلَ مِنْهُنّ فِي الْحَرَمِ" فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "خَمْسٌ. مَنْ قَتَلَهُنّ وَهُوَ حَرَامٌ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيهِنّ: الْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحُدَيّا" (وَاللّفْظُ لِيَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ).
قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفارة والكلب العقور والحديا". وفي رواية: "الحدأة". وفي رواية: "العقرب" بدل الحية. وفي الرواية الأولى: أربع بحذف الحية والعقرب فالمنصوص عليه الست. واتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم اختلفوا في المعنى فيهن وما يكون في معناهن فقال الشافعي: المعنى في جواز قتلهن كونهن مما لا يؤكل وكل ما لا يؤكل ولا هو متولد من مأكول وغيره فقتله جائز للمحرم ولا فدية عليه. وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله وما لا فلا واختلف العلماء في المراد بالكلب العقور فقيل هو الكلب المعروف وقيل كل ما يفترس، لأن كل مفترس من السباع يسمى كلباً عقوراً في اللغة. وأما تسمية هذه المذكورات فواسق فصحيحة جارية على وفق اللغة، وأصل الفسق في كلام العرب الخروج، وسمي الرجل الفاسق لخروجه عن أمر الله تعالى وطاعته، فسميت هذه فواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد عن طرق معظم الدواب، وقيل لخروجها عن حكم الحيوان في تحريم قتله في الحرم والإحرام، وقيل فيها لأقوال أخر ضعيفة لا نعتنيها. وأما الغراب الأبقع فهو الذي في ظهره وبطنه بياض، وحكى الساجي عن النخعي أنه لا يجوز للمحرم قتل الفارة. وحكى غيره عن علي ومجاهد أنه لا يقتل الغراب ولكن يرمى وليس بصحيح عن علي، واتفق العلماء على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم، واختلفوا في المراد به فقيل هذا الكلب المعروف خاصة حكاه القاضي عن الأوزاعي وأبي حنيفة والحسن بن صالح وألحقوا به الذئب، وحمل زفر معنى الكلب على الذئب وحده، وقال جمهور العلماء: ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذا الكلب المعروف بل المراد هو كل عاد مفترس غالباً كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها، وهذا قول زيد بن أسلم وسفيان الثوري وابن عيينة والشافعي وأحمد وغيرهم، وحكاه القاضي عياض عنهم وعن جمهور العلماء، ومعنى العقور والعاقر الجارح، وأما الحدأة فمعروفة وهي بكسر الحاء مهموزة وجمعها حدأ بكسر الحاء مقصور مهموز كعنبة وعنب. وفي الرواية الأخرى الحديا بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء مقصور. قال القاضي: قال ثابت الوجه فيه الهمز على معنى التذكير وإلا فحقيقته حدية، وكذا قيده الأصيلي في صحيح البخاري في موضع أو الحدية على التسهيل والإدغام. وقوله في الحية: (تقتل بصغر لها) هو بضم الصاد أي بمذلة وإهانة. قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس فواسق" هو بتنوين خمس، وقوله بقتل خمس فواسق بإضافة خمس لا بتنوينه.
قوله صلى الله عليه وسلم في رواية زهير: "خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام" اختلفوا في ضبط الحرم هنا فضبطه جماعة من المحققين بفتح الحاء والراء أي الحرم المشهور وهو حرم مكة، والثاني بضم الحاء والراء، ولم يذكر القاضي عياض في المشارق غيره، قال: وهو جمع حرام كما قال الله تعالى: {وأنتم حرم} قال: والمراد به المواضع المحرمة والفتح أظهر والله أعلم. وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنا أو قتل في المحاربة وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة كل الحدود فيه سواء كان موجب القتل والحد جرى في الحرم أو خارجه ثم لجأ صاحبه إلى الحرم، وهذا مذهب مالك والشافعي وآخرين. وقال أبو حنيفة وطائفة: ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه، وما فعله خارجه ثم لجأ إليه إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه خارجه، وما كان دون النفس يقام فيه. قال القاضي: وروي عن ابن عباس وعطاء والشعبي والحكم ونحوه لكنهم لم يفرقوا بين النفس ودونها وحجتهم ظاهر قوله الله تعالى: {ومن دخله كان آمناً} وحجتنا عليهم هذه الأحاديث لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق بل فسقه أفحش لكونه مكلفاً، ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الاَية. قال القاضي: ومعنى الاَية عندنا وعند أكثر المفسرين أنه إخبار عما كان قبل الإسلام وعطفه على ما قبله من الاَيات، وقيل آمن من النار، وقالت طائفة يخرج ويقام عليه الحد وهو قول ابن الزبير والحسن ومجاهد وحماد والله أعلم.
*2* باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذىَ، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها
*وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الرّبِيعِ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِداً يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. قَالَ: أَتىَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ (قَالَ الْقَوَارِيرِيّ: قِدْرٍ لِي. وَقَالَ أَبُو الرّبِيعِ: بُرْمَةٍ لِي) وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَىَ وَجْهِي. فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامّ رَأْسِكَ؟" قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاحْلِقْ. وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ. أَوْ أَطْعِمْ سِتّةَ مَسَاكِينَ. أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً".
قَالَ أَيّوبُ: فَلاَ أَدْرِي بِأَيّ ذَلِكَ بَدَأَ.
حدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ، عَنْ أَيّوبَ فِي هَذَا الاْسْنَادِ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضيَ اللّهُ عنه قَالَ: فِيّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذَىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2 البقرة الاَية: 1). قَالَ: فَأَتَيْتُهُ. فَقَالَ: "ادْنُهْ" فَدَنَوْتُ. فَقَالَ: "ادْنُهْ" فَدَنَوْتُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامّكَ؟".
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَأَظُنّهُ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرَني بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أُوْ نُسُكٍ، مَا تَيَسّرَ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَيْفٌ. قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِداً يَقُولُ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَىَ. حَدّثَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلاً. فَقَالَ: "أَيُوءْذِيكَ هَوَامّكَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ" قَالَ: فَفِيّ نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأَسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (2 البقرة الاَية: 1) فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ. أَوْ تَصَدّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتّةِ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ مَا تَيَسّرَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَان عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَ أَيّوبَ وَ حُمَيْدٍ وَ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِهِ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يِوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَىَ وَجْهِهِ. فَقَالَ "أَيُوءْذِيكَ هَوَامّكَ هَذِهِ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ. وَأَطْعِمْ فَرَقاً بَيْنَ سِتّةِ مَسَاكِينَ. (وَالْفَرَقُ ثَلاَثَةُ آصُعٍ) أَوْ صُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ. أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً".
قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ "أَوِ اذْبَحْ شَاة".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ. فَقَالَ لَهُ "آذَاكَ هَوَامّ رَأْسِكَ؟" قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "احْلِقْ رَأْسَكَ. ثُمّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكاً. أَوْ صُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلاَثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَىَ سِتّةِ مَسَاكِينَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الاَيَةِ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}؟ فَقَالَ: كَعْبٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: نَزَلَتْ فِيّ. كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي. فَحُمِلْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَىَ وَجْهِي. فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أُرَىَ أَنّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَىَ. أَتَجِدُ شَاةً؟" فَقُلْتُ: لاَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. قَالَ: صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ، أَوْ إِطْعَامُ سِتّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ، طَعَاماً لِكُلّ مِسْكِينٍ. قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيّ خَاصّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامّةً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الأَصْبَهَانِيّ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَعْقْلٍ. حَدّثَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّهُ خَرَجَ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مُحْرِماً فَقَمِلَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ. فَدَعَا الْحَلاّقَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ. ثُمّ قَالَ لَهُ: "هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ؟" قَالَ: مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ، أَوْ يُطْعِمَ سِتّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلّ مِسْكِينٍ صَاعٌ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ خَاصّةً: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذَىً مِنْ رَأْسِهِ} (2 البقرة الاَية: 1). ثُمّ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامّةً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أتؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة". وفي رواية: "فأمرني بفدية من صيام أو صدقة أو نسك ما تيسر" وفي رواية: "صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق بين ستة أو انسك ما تيسر". وفي رواية: "وأطعم فرقاً بين ستة مساكين والفرق ثلاثة آصع أو صم ثلاثة أيام أو انسك نسيكة". وفي رواية: "أو اذبح شاة". وفي رواية: "أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين". وفي رواية قال: "صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعاماً لكل مسكين". وفي رواية: "قال هل عندك نسك؟ قال: ما أقدر عليه، فأمره أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكينين صاع" هذه روايات الباب وكلها متفقة في المعنى، ومقصودها أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الإحرام وعليه الفدية، قال الله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة وهي شاة تجزئ في الأضحية. ثم إن الاَية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة، وهكذا الحكم عند العلماء أنه مخير بين الثلاثة. وأما قوله في رواية: (هل عندك نسك؟ قال: ما أقدر عليه فأمره أن يصوم ثلاثة أيام) فليس المراد به أن الصوم لا يجزى إلا لعادم الهدي، بل هو محمول على أنه سأل عن النسك فإن وجده أخبره بأنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن عدمه فهو مخير بين الصيام والإطعام، واتفق العلماء على القول بظاهر هذا الحديث إلا ما حكي عن أبي حنيفة والثوري أن نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة، فأما التمر والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين، وهذا خلاف نصه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاثة آصع من تمر. وعن أحمد بن حنبل رواية أنه لكل مسكين مد من حنطة أو نصف صاع من غيره. وعن الحسن البصري وبعض السلف أنه يجب إطعام عشرة مساكين أو صوم عشرة أيام وهذا ضعيف منابذ للسنة مردود. قوله صلى الله عليه وسلم: "أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين" معناه مقسومة على ستة مساكين، والاَصع جمع صاع وفي الصاع لغتان التذكير والتأنيث وهو مكيال يسع خمسة أرطال وثلثاً بالبغدادي، هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء. وقال أبو حنيفة: يسع ثمانية أرطال وأجمعوا على أن الصاع أربعة أمداد، وهذا الذي قدمناه من أن الاَصع جمع صاع صحيح، وقد ثبت استعمال الاَصع في هذا الحديث الصحيح من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك هو مشهور في كلام الصحابة والعلماء بعدهم، وفي كتب اللغة وكتب النحو والتصريف، ولا خلاف في جوازه وصحته. وأما ما ذكره ابن مكي في كتابه تثقيف اللسان أن قولهم في جمع الصاع آصع لحن من خطأ العوام وأن صوابه أصوع فغلط منه وذهول وعجب قوله هذا مع اشتهار اللفظة في كتب الحديث واللغة والعربية وأجمعوا على صحتها وهو من باب المقلوب، قالوا: فيجوز في جمع صاع آصع، وفي دار آدر، وهو باب معروف في كتب العربية، لأن فاء الكلمة في آصع صاد وعينها واو فقلبت الواو همزة ونقلت إلى موضع الفاء ثم قلبت الهمزة ألفاً حين اجتمعت هي وهمزة الجمع فصار آصعاً ووزنه عندهم أعقل، وكذلك القول في آدر ونحوه. قوله صلى الله عليه وسلم: "هوام رأسك" أي القمل. قوله صلى الله عليه وسلم: "انسك نسيكة". وفي رواية: ما تيسر وفي رواية: شاة، الجميع بمعنى واحد وهو شاة وشرطها أن تجزئ في الأضحية، ويقال للشاة وغيرها مما يجزى في الأضحية نسيكة، ويقال نسك ينسك وينسك بضم السين وكسرها في المضارع والضم أشهر. قوله: (كعب بن عجرة) بضم العين وإسكان الجيم. قوله: (ورأسه يتهافت قملاً) أي يتساقط ويتناثر. قوله صلى الله عليه وسلم: "تصدق بفرق" هو بفتح الراء وإسكانها لغتان، وفسره في الرواية الثانية بثلاثة آصع وهكذا هو، وقد سبق بيانه واضحاً في كتاب الطهارة. قوله: (فقمل رأسه) هو بفتح القاف وكسر الميم أي كثر قمله.
*2* باب جواز الحجامة للمحرم
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِي اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا الْمُعَلّى بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَسَطَ رَأْسِهِ.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه) وسط الرأس بفتح السين قال أهل اللغة: كل ما كان يبين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والسبحة وحلقة الناس ونحو ذلك فهو وسط بالإسكان، وما كان مصمتاً لا يبين بعضه من بعض كالدار والساحة والرأس والراحة فهو وسط بفتح السين. قال الأزهري والجوهري وغيرهما: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح. وفي هذا الحديث دليل لجواز الحجامة للمحرم، وقد أجمع العلماء على جوازها له في الرأس وغيره إذا كان له عذر في ذلك وإن قطع الشعر حينئذ لكن عليه الفدية لقطع الشعر فإن لم يقطع فلا فدية عليه، ودليل المسألة قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية} الاَية، وهذا الحديث محمول على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان له عذر في الحجامة في وسط الرأس لأنه لا ينفك عن قطع شعر، أما إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قلع شعر فهي حرام لتحريم قطع الشعر، وإن لم تتضمن ذلك بأن كانت في موضع لا شعر فيه فهي جائزة عندنا وعند الجمهور ولا فدية فيها، وعن ابن عمر ومالك كراهتها، وعن الحسن البصري فيها الفدية دليلنا أن إخراج الدم ليس حراماً في الإحرام، وفي هذا الحديث بيان قاعدة من مسائل الإحرام وهي أن الحلق واللباس وقتل الصيد ونحو ذلك من المحرمات يباح للحاجة وعليه الفدية، كمن احتاج إلى حلق أو لباس لمرض أو حر أو برد أو قتل صيد للحاجة وغير ذلك والله أعلم
*2* باب جواز مداواة المحرم عينيه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و عَمْرٌو النّاقِدُ و زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جميعا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا أَيّوبُ بْنُ مُوسَىَ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبَان بْنِ عُثْمَانَ. حَتّىَ إِذَا كُنّا بِمَلَلٍ، اشْتَكَىَ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ عَيْنَيْهِ. فَلَمّا كُنّا بِالرّوْحَاءِ اشْتَدّ وَجَعُهُ. فَأَرْسَلَ إِلَىَ أَبَان بْنِ عُثْمَانَ يَسْأَلُهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنِ اضْمِدْهُمَا بِالصّبِرِ. فَإِنّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حَدّثَ عَنْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الرّجُلِ إِذَا اشْتَكَىَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، ضَمّدَهُمَا بِالصّبِرِ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا أَيّوبُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنِي نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مَعْمَرٍ رَمِدَتْ عَيْنُهُ. فَأَرَادَ أَنْ يَكْحُلَهَا فَنَهَاهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ. وَأَمَرَهُ أَنْ يُضَمّدَهَا بِالصّبرِ. وَحَدّثَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ.
قوله: (عن نبيه بن وهب) هو بنون مضمومة ثم باء مفتوحة موحدة ثم مثناة تحت ساكنة. قوله: (مع أبان بن عثمان) قد سبق في أول الكتاب أن في أبان وجهين الصرف وعدمه، والصحيح الأشهر الصرف، فمن صرفه قال وزنه فعال ومن منعه قال هو أفعل. قوله: (حتى إذا كنا بملل) هو بفتح الميم بلامين وهو موضع على ثمانية وعشرين ميلاً من المدينة، وقيل اثنان وعشرون، حكاهما القاضي عياض في المشارق. قوله: (أضمدهما بالصبر) هو بكسر الميم، وقوله بعده: (ضمدهما بالصبر) هو بتخفيف الميم وتشديدها يقال ضمد وضمد بالتخفيف والتشديد، وقوله: (اضمدها بالصبر) جاء على لغة التخفيف معناه اللطخ، وأما الصبر فبكسر الباء ويجوز إسكانها. واتفق العلماء على جواز تضميد العين وغيرها بالصبر ونحوه مما ليس بطيب ولا فدية في ذلك، فإن احتاج إلى ما فيه طيب جاز له فعله وعليه الفدية، واتفق العلماء على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه ولا فدية عليه فيه، وأما الاكتحال للزينة فمكروه عند الشافعي وآخرين، ومنعه جماعة منهم أحمد وإسحاق، وفي مذهب مالك قولان كالمذهبين، وفي إيجاب الفدية عندهم بذلك خلاف والله أعلم
*2* باب جواز غسل المحرم بدنه
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و عَمْرٌو النّاقِدُ و زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَهَذَا حَدِيثُهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنّهُمَا اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لاَ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبّاسٍ إِلَىَ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِك. فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ. وَهُوَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ. قَالَ: فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُنَيْنٍ. أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ. أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيّوبَ رَضِيَ اللّهُ عَنْه يَدَهُ علَىَ الثّوبِ فَطَأْطَأَهُ حَتّىَ بَدَا لِي رَأْسُهُ. ثُمّ فَقَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبّ: اصْبُبْ. فَصَبّ عَلَىَ رَأْسِهِ. ثُمّ حَرّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ. فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. ثُمّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. أَنّ الْمِسْوَر وَابْن عَبّاسٍ اخْتَلَفَا.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ و عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: فَأَمَرّ أَبُو أَيّوبَ بِيَدَيْهِ عَلَىَ رَأْسِهِ جَمِيعاً. عَلَىَ جَمِيعِ رَأْسِهِ. فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. فَقَالَ الْمِسْوَرُ لابْنِ عَبّاسٍ: لاَ أُمَارِيكَ أَبَداً.
ذكر في الباب حديث ابن حنين أن ابن عباس والمسور اختلفا فقال ابن عباس للمحرم غسل رأسه وخالفه المسور، وأن ابن عباس أرسله إلى أبي أيوب يسأله عن ذلك فوجده يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال: فسلمت عليه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل. قوله: (بين القرنين) هو بفتح القاف تثنية قرن، وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء وتمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به وتعلق عليها البكرة. وفي هذا الحديث فوائد منها جواز اغتسال المحرم وغسله رأسه وامرار اليد على شعره بحيث لا ينتف شعراً. ومنها قبول خبر الواحد وأن قبوله كان مشهوراً عند الصحابة رضي الله عنهم. ومنها الرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند وجود النص. ومنها السلام على المتطهر في وضوء وغسل بخلاف الجالس على الحدث. ومنها جواز الاستعانة في الطهارة ولكن الأولى تركها إلا لحاجة، واتفق العلماء على جواز غسل المحرم رأسه وجسده من الجنابة بل هو واجب عليه، وأما غسله تبرداً فمذهبنا ومذهب الجمهور جوازه بلا كراهة، ويجوز عندنا غسل رأسه بالسدر والخطمى بحيث لا ينتف شعراً فلا فدية عليه ما لم ينتف شعراً، وقال أبو حنيفة ومالك: هو حرام موجب للفدية
*2* باب ما يفعل بالمحرم إذا مات
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيُرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَرّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ، فَمَاتَ. فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَكَفّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ. وَلاَ تُخَمّرُوا رَأْسَهُ. فَإِنّ اللّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبّياً".
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَ أَيّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ. إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ. قَالَ أَيّوبُ: فَأَوْقَصَتْهُ (أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ) وَقَالَ عَمْرٌو: فَوَقَصَتْهُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَكَفّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ. وَلاَ تُحَنّطُوهُ. وَلاَ تُخَمّرُوا رَأْسَهُ. (قَالَ أَيّوبُ) فَإِنّ اللّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبّياً. (وَقَالَ عَمْرٌو) فَإِنّ اللّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبّي".
وحدّثنيهِ عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيّوبَ. قَالَ: نُبّئْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَجُلاً كَانَ وَاقِفاً مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهِوَ مُحْرِمٌ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَ حَمّادٌ عَنْ أَيّوبَ.
وحدّثنا عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَرَاماً مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَخَرّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ وَقْصاً، فَمَاتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَلْبِسُوهُ ثَوْبَيْهِ. وَلاَ تُخَمّرُوا رَأْسَهُ. فَإِنّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبّي".
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيُرْ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَرَامٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "فَإِنّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبّياً".
وزادَ: لَمْ يُسَمّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ حَيْثُ خَرّ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَجُلاً أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَكَفّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ. وَلاَ تُخَمّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ. فَإِنّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبّياً".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الصّبّاحِ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ. عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَجُلاً كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِماً. فَوَقَصَتْهُ نَاقتُهُ، فَمَاتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَكَفّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ. وَلاَ تُم 2 سّوهُ بِطِيبٍ. وَلاَ تُخَمّرُوا رَأْسَهُ. فَإِنّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبّداً".
وحدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَلاَ يُمَسّ طِيباً. وَلاَ يُخَمّرَ رَأْسُهُ. فَإِنّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبّداً.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ و أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بِشْرٍ يُحَدّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جِبَيْرٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يُحَدّثُ أَنّ رَجُلاً أَتىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَوَقَعَ مِنْ نَاقَتِهِ فَأَقْعَصَتْهُ. فَأَمَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَأَنْ يُكَفّنَ فِي ثَوْبَيْنِ. وَلاَ يُمَسّ طِيباً. خَارِجٌ رَأْسُهُ.
قَالَ شُعْبَةُ: ثُمّ حَدّثَنِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: خَارِجٌ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ، فَإِنّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبّداً.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِي اللّهُ عَنْهُمَا: وَقَصَتْ رَجُلاً رَاحِلتُهُ، وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَأَنْ يَكْشِفُوا وَجْهَهُ. (حَسِبْتُهُ قَالَ) وَرَأْسَهُ. فَإِنّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يُهِلّ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ. فَوَقَصَتْهُ نَاقَتْهُ، فَمَاتَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ وَلاَ تُقَرّبُوهُ طِيباً. وَلاَ تُغَطّوا وَجْهَهُ. فَإِنّهُ يُبْعَثُ يُلَبّي".
فيه حديث ابن عباس رضي الله عنه (أن رجلاً خر من بعيره وهو واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقص فمات فقال: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً). وفي رواية: (وقع من راحلته فأوقصته أو قال فأقعصته). وفي رواية: (فوقصته) وفي رواية: (وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة يلبي) وفي رواية: (ولا تخمروا وجهه ولا رأسه). وفي رواية: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً). في هذه الروايات دلالة بينة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وموافقيهم في أن المحرم إذا مات لا يجوز أن يلبس المخيط ولا تخمر رأسه ولا يمس طيباً، وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهم: يفعل به ما يفعل بالحي، وهذا الحديث راد لقولهم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "واغسلوه بماء وسدر" دليل على استحباب السدر في غسل الميت وأن المحرم في ذلك كغيره وهذا مذهبنا، وبه قال طاوس وعطاء ومجاهد وابن المنذر وآخرون، ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه" أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمع على تحريمه، وأما وجهه فقال مالك وأبو حنيفة هو كرأسه، وقال الشافعي والجمهور: لا إحرام في وجهه بل له تغطيته وإنما يجب كشف الوجه في حق المرأة، هذا حكم المحرم الحي. وأما الميت فمذهب الشافعي وموافقيه أنه يحرم تغطية رأسه كما سبق ولا يحرم تغطية وجهه بل يبقى كما كان في الحياة، ويتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكونه وجهاً إنما هو صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه، ولا بد من تأويله لأن مالكاً وأبا حنيفة وموافقيهما يقولون: لا يمنع من ستر رأس الميت ووجهه، والشافعي وموافقوه يقولون: يباح ستر الوجه، فتعين تأويل الحديث. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وكفنوه في ثوبيه" وفي رواية: (ثوبين) قال القاضي: أكثر الروايات ثوبيه، وفيه فوائد منها الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن حكم الإحرام باق فيه. ومنها أن التكفين في الثياب الملبوسة جائز وهو مجمع عليه. ومنها جواز التكفين في ثوبين والأفضل ثلاثة. ومنها أن الكفن مقدم على الدين وغيره لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا. ومنها أن التكفين واجب وهو إجماع في حق المسلم وكذلك غسله والصلاة عليه ودفنه. وقوله: (خر من بعيره) أي سقط. وقوله: (وقص) أي انكسر عنقه وقصته وأوقصته بمعناه. قوله: (فأقعصته) أي قتلته في الحال ومنه قعاص الغنم وهو موتها بداء يأخذها تموت فجأة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً وملبداً ويلبي" معناه على هيأته التي مات عليها ومعه علامة لحجه، وهي دلالة الفضيلة كما يجيء الشهيد يوم القيامة وأوداجه تشخب دماً، وفيه دليل على استحباب دوام التلبية في الإحرام وعلى استحباب التلبيد وسبق بيان هذا. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تحنطوه" هو بالحاء المهملة أي لا تمسوه حنوطاً والحنوط بفتح الحاء ويقال له الحناط بكسر الحاء وهو أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة لا تستعمل في غيره. قوله في رواية علي بن خشرم: (أقبل رجل حراماً) هكذا هو في معظم النسخ وفي بعضها حرام وهذا هو الوجه وللأول وجه ويكون حالاً وقد جاءت الحال من النكرة على قلة. قوله: (حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر، حدثنا سعيد بن جبير) أبو بشر هذا هو الغبري واسمه الوليد بن مسلم بن شهاب البصري وهو تابعي روى عن جندب بن عبد الله الصحابي رضي الله عنه، وانفرد مسلم بالرواية عن أبي بشر هذا واتفقوا على توثيقه. قوله: (حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) قال القاضي: هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: إنما سمعه منصور من الحكم، وكذا أخرجه البخاري عن منصور عن الحكم عن سعيد وهو الصواب، وقيل عن منصور عن سلمة ولا يصح والله أعلم
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيَ بِالْمَدِينَةِ مَالاً. وَكَانَ أَحَبّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَا. وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيّبٍ.
*2* باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمَدَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ. فَقَالَ لَهَا: "أَرَدْتِ الحَجّ؟" قَالَتْ: وَاللّهِ مَا أَجِدُنِي إِلاّ وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا: "حُجّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللّهُمّ مَحِلّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي أُرِيدُ الْحَجّ. وَأَنَا شَاكِيَةٌ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "حُجّي، وَاشْتَرِطِي أَنّ مَحِلّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ و أَبُو عَاصِمٍ و مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ طَاوُساً وَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: إِنّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ. وَإِنّي أُرِيدُ الْحَجّ. فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ "أَهِلّي بِالحَجّ، وَاشْتَرِطِي أَنّ مَحِلّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي".
قَالَ: فَأَدْرَكَتْ.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ. حَدّثَنَا حَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ و عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ ضُبَاعَةَ أَرَادَتِ الْحَجّ. فَأَمَرَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَشْتَرِطَ. فَفَعَلَتْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ و أَبُو أَيّوبَ الْغَيْلاَنِيّ و أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو). حَدّثَنَا رَبَاحٌ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ) عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِضُبَاعَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا "حُجّي، وَاشْتَرِطِي أَنّ مَحِلّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي".
وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَقَ: أَمَرَ ضُبَاعَةَ.
فيه حديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) ففيه دلالة لمن قال يجوز أن يشترط الحاج والمعتمر في إحرامه أنه إن مرض تحلل وهو قول عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وآخرين من الصحابة رضي الله عنهم وجماعة من التابعين وأحمد وإسحاق وأبي ثور وهو الصحيح من مذهب الشافعي وحجتهم هذا الحديث الصحيح الصريح. وقال أبو حنيفة ومالك وبعض التابعين: لا يصح الاشتراط وحملوا الحديث على أنها قضية عين وأنه مخصوص بضباعة، وأشار القاضي عياض إلى تضعيف الحديث فإنه قال: قال الأصيلي لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، قال النسائي: لا أعلم أحداً أسنده عن الزهري غير معمر وهذا الذي عرض به القاضي، وقال الأصيلي من تضعيف الحديث غلط فاحش جداً نبهت عليه لئلا يغتر به لأن هذا الحديث مشهور في صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وسائر كتب الحديث المعتمدة من طرق متعددة بأسانيد كثيرة عن جماعة من الصحابة، وفيما ذكره مسلم من تنويع طرقه أبلغ كفاية، وفي هذا الحديث دليل على أن المرض لا يبيح التحلل إذا لم يكن اشتراط في حال الإحرام والله أعلم. وأما ضباعة فبضاد معجمة مضمومة ثم موحدة مخففة وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب كما ذكره مسلم في الكتاب وهي بنت عم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأما قول صاحب الوسيط هي ضباعة الأسلمية فغلط فاحش والصواب الهاشمية.
قوله: (فأدركت) معناه أدركت الحج ولم تتحلل حتى فرغت منه.
*2* باب إِحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض
*حدّثنا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ و زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. كُلّهُمْ عَنْ عَبْدَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، بِالشّجَرَةِ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ، يَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلّ.
حدّثنا أَبُو غَسّانَ مُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِي اللّهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، حِينَ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْبَيْدَاءِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلّ.
فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه يأمرها أن تغتسل) قولها نفست أي ولدت وهي بكسر الفاء لا غير، وفي النون لغتان المشهورة ضمها، والثانية فتحها، سمي نفاساً لخروج النفس وهو المولود والدم أيضاً، قال القاضي: وتجري اللغتان في الحيض أيضاً، يقال: نفست أي حاضت بفتح النون وضمها، قال: ذكرهما صاحب الأفعال، قال: وأنكر جماعة الضم في الحيض وفيه صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما للإحرام وهو مجمع على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجب، والحائض والنفساء يصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي" وفيه أن ركعتي الإحرام سنة ليستا بشرط لصحة الحج لأن أسماء لم تصلهما: وقوله: (نفست بالشجرة).
وفي رواية: (بذي الحليفة) وفي رواية: (بالبيداء) هذه المواضع الثلاثة متقاربة فالشجرة بذي الحليفة، وأما البيداء فهي بطرف ذي الحليفة، قال القاضي: يحتمل أنها نزلت بطرف البيداء لتبعد عن الناس وكان منزل النبيّ صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حقيقة وهناك بات وأحرم فسمي منزل الناس كلهم باسم منزل إمامهم
*2* باب بيان وجوه الإِحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ. فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلّ بِالْحَجّ مَعَ الْعُمْرَةِ. ثُمّ لاَ يَحِلّ حَتّىَ يَحِلّ مِنْهُمَا جَمِيعاً" قَالَتْ: فَقَدِمْتُ مَكّةَ وَأَنَا حَائِضٌ. لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلاَ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي. وَأَهِلّي بِالْحَجّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ" قَالَتْ فَفَعَلْتُ. فَلَمّا قَضَيْنَا الْحَجّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَىَ التّنْعِيمِ. فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: "هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ" فَطَافَ، الّذِينَ أَهَلّوا بِالْعُمْرَةِ، بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ أَحَلّوا. ثُمّ طَافُوا طَوَافاً آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجّهِمْ. وَأَمّا الّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنّمَا طَافُوا طَوَافاً وَاحِداً.
وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ. فَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِحَجَ. حَتّىَ قَدِمْنَا مَكّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يُهْدِ، فَلْيَحْلِلْ. وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَأَهْدَىَ، فَلاَ يَحِلّ حَتّىَ يَنْحَرَ هَدْيَهُ. وَمَنْ أَهَلّ بِحَجَ، فَلْيُتِمّ حَجّهُ" قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: فَحِضْتُ. فَلَمْ أَزَلْ حَائِضاً حَتّىَ كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَلَمْ أُهْلِلْ إِلاّ بِعُمْرَةٍ. فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي، وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلّ بِحَجَ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِك. حَتّىَ إِذَا قَضَيْتُ حَجّتِي، بَعَثَ مَعِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ. وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مِنَ التّنْعِيمِ. مَكَانَ عُمْرَتِي، الّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجّ وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ. فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. وَلَمْ أَكُنْ سُقْتُ الْهَدْيَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجّ مَعَ عُمْرَتِهِ، ثُمّ لاَ يَحِلّ حَتّىَ يَحِلّ مِنْهُمَا جَمِيعاً". قَالَتْ: فَحِضْتُ. فَلَمّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجّتِي؟ قَالَ "انْقُضِي رَأْسَكِ. وَامْتَشِطِي. وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ. وَأَهِلّي بِالْحَجّ" قَالَتْ: فَلَمّا قَضَيْتُ حَجّتِي أَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي، فَأَعْمَرَنِي مِنَ التّنْعِيمِ. مَكَانَ عُمْرَتِي الّتِي أَمْسَكْتُ عَنْهَا.
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلّ بِحَجَ وَعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلّ بِحَجَ، فَلْيُهِلّ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلّ" قَالَتْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا: فَأَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجَ وَأَهَلّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ. وَأَهَلّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجّ وَأَهَلّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ. وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلّ بِالْعُمْرَةِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ. مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجّةِ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ. فَلَوْلاَ أَنّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ" قَالَتْ: فَكَانَ مِنَ الْقَومِ مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلّ بِالْحَجّ. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَنَا مِمّنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ. فَخَرَجْنَا حَتّىَ قَدِمْنَا مَكّةَ. فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَحِلّ مِنْ عُمْرَتِي. فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "دَعِي عُمْرَتَكِ. وَانْقُضِي رَأْسَكِ. وَامْتَشِطِي. وَأَهِلّي بِالْحَجّ" قَالَتْ: فَفَعَلْتُ: فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، وَقَدْ قَضَى اللّهُ حَجّنَا، أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي وَخَرَجَ بِي إِلَى التّنْعِيمِ. فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَضَى اللّهُ حَجّنَا وَعُمْرَتَنَا.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِهِلاَلِ ذِي الْحِجّةِ. لاَ نَرَىَ إِلاّ الْحَجّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحَبّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلّ بِعُمْرَةٍ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدَةَ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجّةِ. مِنّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ. وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِحَجّةٍ وَعُمْرَةٍ. وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِحَجّةٍ. فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا. وَقَالَ فِيهِ: قَالَ عُرْوَةُ فِي ذَلِكَ: إِنّهُ قَضَى اللّهُ حَجّهَا وَعُمْرَتَهَا. قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلاَ صِيَامٌ وَلاَ صَدَقَةٌ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ. فَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ. وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِحَجَ وَعُمْرَةٍ. وَمِنّا مَنْ أَهَلّ بِالْحَجّ. وَأَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجّ. فَأَمّا مَنْ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ فَحَلّ. وَأَمّا مَنْ أَهَلّ بِحَجَ أَوْ جَمَعَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلّوا، حَتّىَ كَانَ يَوْمُ النّحْرِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعَاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ نُرَىَ إِلاّ الْحَجّ. حَتّىَ إِذَا كُنّا بِسَرِفَ، أَوْ قَرِيباً مِنْهَا، حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَيّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقَالَ: "أَنَفِسْتِ" (يَعْنِي الْحَيْضَةَ قَالَتْ) قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "إِنّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللّهُ عَلَىَ بَنَاتِ آدَمَ. فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجّ. غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتّىَ تَغْتَسِلِي" قَالَتْ: وَضَحّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ.
حدّثني سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ أَبُو أَيّوبَ الْغَيْلاَنِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ نَذْكُرُ إِلاّ الْحَجّ. حَتّىَ جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ. فَدَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقَالَ "مَا يُبْكِيكِ؟" فَقُلْتُ: وَاللّهِ لَوَدِدْتُ أَنّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ الْعَامَ. قَالَ "مَا لَكِ؟ لَعَلّكِ نَفِسْتِ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ "هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللّهُ عَلَىَ بَنَاتِ آدَمِ. افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتّىَ تَطْهُرِي" قَالَتْ: فَلَمّا قَدِمْتُ مَكّةَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاِءَصْحَابِهِ "اجْعَلُوهَا عُمْرَةً" فَأَحَلّ النّاسُ إِلاّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. قَالَتْ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ. ثُمّ أَهَلّوا حِينَ رَاحُوا. قَالَتْ: فَلَمّا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ طَهَرْتُ. فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْتُ. قَالَتْ: فَأُتِينَا بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَهْدَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ نِسَائِهِ الْبَقَرَ. فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ يَرْجِعُ النّاسُ بِحَجّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجّةٍ؟ قَالَتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي عَلَىَ جَمَلِهِ. قَالَتْ: فَإِنّي لأَذْكُرُ، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السّنّ، أَنْعُسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةُ الرّحْلِ. حَتّىَ جِئْنَا إِلَى التّنْعِيمِ. فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النّاسِ الّتِي اعْتَمَرُوا.
وحدّثني أَبُو أَيّوبَ الْغيْلاَنِيّ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: لَبّيْنَا بِالْحَجّ. حَتّىَ إِذَا كُنّا بِسَرِفَ حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْمَاجِشُونِ. غَيْرَ أَنّ حَمّاداً لَيْسَ فِي حَدِيثهِ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمّ أَهلّوا حِينَ رَاحُوا. وَلاَ قَوْلُهَا: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السّنّ أَنْعُسُ فَتُصِيبُ وَجْهِي مُوءْخِرَةُ الرّحْلِ.
حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ. حَدّثَنِي خَالِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجّ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلّينَ بِالْحَجّ. فِي أَشْهُرِ الْحَجّ. وَفِي حُرُمِ الْحَجّ. وَلَيَالِي الْحَجّ. حَتّىَ نَزَلْنَا بِسَرِفَ. فَخَرَجَ إِلَىَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْكُمْ هَدْيٌ فَأَحَبّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلاَ" فَمِنْهُمُ الاَخِذُ بِهَا وَالتّارِكُ لَهَا. مِمّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ. فَأَمّا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. وَمَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُمْ قُوّةٌ. فَدَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقَالَ "مَا يُبْكِيكِ؟" قُلْتُ: سَمِعْتُ كَلاَمَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ فَسَمِعْتُ بِالْعُمْرَةِ (فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ) قَالَ "وَمَا لَكِ؟" قُلْتُ: لاَ أُصَلّي. قَالَ: "فَلاَ يَضُرّكِ. فَكُونِي فِي حَجّكِ. فَعَسَىَ اللّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا. وَإِنّما أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ. كَتَبَ اللّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنّ" قَالَتْ: فَخَرَجْتُ فِي حَجّتِي حَتّىَ نَزَلْنَا مِنىً فَتَطَهّرْتُ. ثُمّ طُفْنَا بِالْبَيْتِ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَصّبَ. فَدَعَا عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ "اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلّ بِعُمْرَةٍ. ثُمّ لْتَطُفْ بِالْبَيْتِ. فَإِنّي أَنْتَظِرُكُمَا هَهُنَا" قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فَأَهْلَلْتُ. ثُمّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَجِئْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ. فَقَالَ: "هَلْ فَرَغْتِ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. فَآذَنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرّحِيلِ. فَخَرَجَ فَمَرّ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلاَةِ الصّبْحِ. ثُمّ خَرَجَ إِلَىَ الْمَدِينَةِ.
حدّثني يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ الْمُهَلّبِيّ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أُمّ الْمُوءْمِنِينِ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مِنّا مَنْ أَهَلّ بِالْحَجّ مُفْرِدَاً. وَمِنّا مَنْ قَرَنَ. وَمِنّا مَنْ تَمَتّعَ.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ قَالَ: جَاءَتْ عَائِشَةُ حَاجّةً.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلا نُرَىَ إِلاّ أَنّهُ الْحَجّ. حَتّىَ إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَنْ يَحِلّ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْها: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ.
قَالَ يَحْيَىَ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ. فَقَالَ: أَتَتْكَ، وَاللّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَىَ وَجْهِهِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ أَنّهَا سَمِعَتْ عائشة رضي اللّهُ عنها. ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَىَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أُمّ الْمُوءْمِنِينَ. ح وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أُمّ الْمُوءْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ يَصْدُرُ النّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ "انْتَظِري. فَإِذَا طَهَرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التّنْعِيمِ. فَأَهِلّي مِنْهُ. ثُمّ الْقَيْنَا عَنْدَ كَذَا وَكَذَا (قَالَ أَظُنّهُ قَالَ غَداً) وَلَكِنّهَا عَلَىَ قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ (قَالَ) نَفَقَتِكَ".
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ وَ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: لاَ أَعْرِفُ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا مِنَ الاَخَرِ أَنّ أُمّ الْمُوءْمِنينَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُولُ اللّهِ يَصْدُرُ النّاسُ بِنُسُكَيْنِ. فَذَكَرَ الْحَدِيث.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ نَرَىَ إِلاّ أَنّهُ الْحَجّ. فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّةَ تَطَوّفْنَا بِالْبَيْتِ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلّ. قَالَتْ: فَحَلّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ. وَنِسَاوهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ. فَأَحْلَلْنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحِضْتُ. فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ. فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ يَرْجِعُ النّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجّةٍ؟ قَالَ: "أَوَ مَا كُنْتِ طفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكّةَ؟" قَالَتْ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: "فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَىَ التّنْعِيمِ. فَأَهِلّي بِعُمْرَةٍ. ثُمّ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا".
قَالَتْ صَفِيّةُ: مَا أُرَانِي إِلاّ حَابِسَتَكُمْ. قَالَ: "عَقْرَىَ حَلْقَىَ. أَوَ مَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النّحْرِ؟" قَالَتْ: بَلَىَ. قَالَ: "لاَ بَأْسَ. انْفِرِي".
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا. أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا.
وَقَالَ إِسْحَقُ: مُتَهَبّطَةٌ وَمُتَهَبّطٌ.
وحدّثناه سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسُوَدِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نُلَبّي. لاَ نَذْكُرُ حَجّاً وَلاَ عُمْرَةً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ غُنْدَرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجّةِ، أَوْ خَمْسٍ. فَدَخَلَ عَلَيّ وَهُوَ غَضْبَانُ. فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ، يَا رَسُولَ اللّهِ أَدْخَلَهُ اللّهُ النّارَ. قَالَ: "أَوَمَا شَعَرْتِ أَنّي أَمَرْتُ النّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدّدُونَ (قَالَ الْحَكَمُ: كَأَنّهُمْ يَتَرَدّدُونَ أَحْسِبُ) وَلَوْ أَنّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتّىَ أَشْتَرِيَهُ، ثُمّ أَحِلّ كَمَا حَلّوا".
وحدّثناه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ. سَمِعَ عَلِيّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها قَالَتْ: قَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لاِءَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجّةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشّكّ مِنَ الْحَكَم فِي قوله: يَتَرَدّدُونَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها أَنّها أَهَلّتْ بِعُمْرَةٍ. فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتّىَ حَاضَتْ. فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلّهَا. وَقَدْ أَهَلّتْ بِالْحَجّ. فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ النّفْرِ "يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجّكِ وَعُمْرَتِكِ" فَأَبَتْ. فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرّحْمَنِ إِلَىَ التّنْعِيمِ. فَاعْتمَرَتْ بَعْدَ الْحَجّ.
وحدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عائشة رضي اللّهُ عنها أَنّها حَاضَتْ بِسَرِفَ. فَتَطَهّرَتْ بِعَرَفَةَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ، عَنْ حَجّكِ وَعُمْرَتِكِ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنَا قُرّةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ. حَدّثَتْنَا صَفِيّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَرْجِعُ النّاسُ بِأَجْرَيْنِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَنْطَلِقَ بِهَا إِلَى التّنْعِيمِ. قَالَتْ: فَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ عَلَىَ جَمَلٍ لَهُ. قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ حِمَارِي أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِي. فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلّةِ الرّاحْلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَىَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. ثُمّ أَقْبَلْنَا حَتّى انْتَهَيْنَا إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو. أَخْبَرَهُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، فَيُعْمِرَهَا مِنَ التّنْعِيمِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعاً عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلّينَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجَ مُفْرَدٍ. وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِعُمْرَةٍ. حَتّىَ إِذَا كُنّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ. حَتّىَ إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحِلّ مِنّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ. قَالَ فَقُلْنَا: حِلّ مَاذَا؟ قَالَ: "الحِلّ كُلّهُ" فَوَاقَعْنَا النّسَاءَ. وَتَطَيّبْنَا بِالطّيبِ. وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا. وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلاّ أَرْبَعُ لَيَالٍ. ثُمّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التّرْوِيَةِ. ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. فَوَجَدَهَا تَبْكِي. فَقَالَ "مَا شَانُكِ؟" قَالَتْ: شَانِي أَنّي قَدْ حِضْتُ. وَقَدْ حَلّ النّاسُ. وَلَمْ أَحْلِلْ. وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ. وَالنّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجّ الاَنَ. فَقَالَ "إِنّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللّهُ عَلَىَ بَنَاتِ آدَمَ. فَاغْتَسِلِي ثُمّ أَهِلّي بِالْحَجّ" فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ. حَتّىَ إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ قَالَ "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعاً" فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتّىَ حَجَجْتُ. قَالَ "فَاذْهَبْ بِهَا، يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التّنْعِيمِ" وذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: دَخَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. وَهِيَ تَبْكِي. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللّيْثِ إِلَىَ آخِرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ اللّيْثِ.
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ) حَدّثَنِي أَبِي عَنْ مَطَرٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا، فِي حَجّةِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَهَلّتْ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ اللّيْثِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً سَهْلاً. إِذَا هَوِيَتِ الشّيْءِ تَابَعَهَا عَلَيْهِ. فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَهَلّتْ بِعُمْرِةٍ، مِنَ التّنْعِيمِ.
قَالَ مَطَرٌ: قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا حَجّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِي اللّهُ عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلّينَ بِالْحَجّ. مَعَنَا النّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ. فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ" قَالَ قُلْنَا: أَيّ الْحِلّ؟ قَالَ: "الْحِلّ كُلّهُ" قَالَ: فَأَتَيْنَا النّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثّيَابَ، وَمَسِسْنَا الطّيبَ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ التّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجّ. وَكَفَانَا الطّوَافُ الأَوّلُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ. كُلّ سَبْعَةٍ مِنّا فِي بَدَنَةٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، لَمّا أَحْلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجّهْنَا إِلَىَ مِنًى. قَالَ: وَأَهْلَلْنَا مِنَ الأَبْطَحِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، إِلاّ طَوَافاً وَاحِداً.
زَادَ فِي حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ بَكْرٍ: طَوَافَهُ الأَوّلَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، فِي نَاسٍ مَعِي. قَالَ: أَهْلَلْنَا، أَصْحَابَ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم، بِالْحَجّ خَالِصاً وَحْدَهُ. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجّةِ. فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلّ. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ: "حِلّوا وَأَصِيبُوا النّسَاءَ". قَالَ عَطَاءٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ. وَلَكِنْ أَحَلّهُنّ لَهُمْ. فَقُلْنَا: لَمّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلاّ خَمْسٌ، أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا. فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيّ قَالَ يَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ (كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ قَوْلِهِ بِيَدِهِ يُحَرّكُهَا) قَالَ فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِينَا. فَقَالَ: "قَدْ عَلِمْتُمْ أَنّي أَتْقَاكُمْ لِلّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرّكُمْ، وَلَوْلاَ الْهَدْيَ لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلّونَ. وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ. فَحِلّوا" فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِيّ مِنْ سِعَايَتِهِ. فَقَالَ: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟" قَالَ: بِمَا أَهَلّ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَاماً" قَالَ: "وَأَهْدَىَ لَهُ عَلِيّ هَدْياً. فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ؟ قَالَ: "لأَبَدٍ".
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجّ. فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّة أَمَرَنَا أَنْ نَحِلّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً. فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا. وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا. فَبَلَغَ ذلِكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَمَا نَدْرِي أَشَيْءٌ بَلَغَهُ مِنَ السّمَاءِ، أَمْ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ النّاسِفَقَالَ "أَيّهَا النّاسُ أَحِلّوا. فَلَوْلاَ الْهَدْيُ الّذِي مَعِي، فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ" قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتّىَ وَطِئْنَا النّسَاءَ. وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الْحَلاَلُ. حَتّىَ إِذَا كَانَ يَوْمُ التّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجّ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَدِمْتُ مَكّةَ مُتَمَتّعاً بِعُمْرَةٍ. قَبْلَ التّرْوِيَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيّامٍ. فَقَالَ النّاسُ: تَصِيرُ حَجّتُكَ الاَن مَكّيّةً. فَدَخَلْتُ عَلَىَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَاسْتَفْتَيْتُهُ. فَقَالَ عَطَاءٌ: حَدّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ حَجّ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ. وَقَدْ أَهَلّوا بِالْحَجّ مُفْرَداً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَحِلّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ. فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَصّرُوا. وأقِيمُوا حَلاَلاً حَتّىَ إِذَا كَانَ يَوْمُ التّرْوِيَةِ فَأَهِلّوا بِالْحَجّ. وَاجْعَلُوا الّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً". قَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمّيْنَا الْحَجّ؟ قَالَ: "افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ. فَإِنّي لَوْلاَ أَنّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَلَكِنْ لاَ يَحِلّ مِنّي حَرَامٌ. حَتّىَ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ" فَفَعَلُوا.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيَ الْقَيْسِيّ. حَدّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلّينَ بِالْحَجّ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً. وَنَحِلّ. قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً. فَشَبّكَ أَصَابِعَهُ وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ.
قولهم حجة الوداع سميت بذلك لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعد الهجرة غيرها وكانت سنة عشر من الهجرة. اعلم أن أحاديث الباب متظاهرة على جواز إفراد الحج عن العمرة وجواز التمتع والقران، وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة، وأما المنهي الوارد عن عمر وعثمان رضي الله عنهما فسنوضح معناه في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى، والإفراد أن يحرم بالحج في أشهره ويفرغ منه ثم يعتمر، والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منه ثم يحج من عامه، والقران أن يحرم بهما جميعاً، وكذا لو أحرم بالعمرة وأحرم بالحج قبل طوافها صح وصار قارناً، فلو أحرم بالحج ثم أحرم بالعمرة فقولان للشافعي أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح ويصير قارناً بشرط أن يكون قبل الشروع في أسباب التحلل من الحج، وقيل قبل الوقوف بعرفات، وقيل قبل فعل فرض، وقيل قبل طواف القدوم أو غيره. واختلف العلماء في هذه الأنواع الثلاثة أيها أفضل؟ فقال الشافعي ومالك وكثيرون: أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران. وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتع. وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القران، وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي، والصحيح تفضيل الإفراد ثم التمتع ثم القران. وأما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها هل كان مفرداً أم متمتعاً أم قارناً؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة، وكل طائفة رجحت نوعاً وادعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان أولاً مفرداً ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج فصار قارناً. وقد اختلفت روايات أصحابه رضي الله عنهم في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هل كان قارناً أم مفرداً أم متمتعاً؟ وقد ذكر البخاري ومسلم رواياتهم كذلك، وطريق الجمع بينها ما ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان أولاً مفرداً ثم صار قارناً، فمن روى الإفراد هو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتفق بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة في الاقتصار على فعل واحد، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها، وقد جمع بينها أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب صنفه في حجة الوداع خاصة وادعى أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً وتأول باقي الأحاديث والصحيح ما سبق، وقد أوضحت ذلك في شرح المهذب بأدلته وجميع طرق الحديث وكلام العلماء المتعلق بها، واحتج الشافعي وأصحابه في ترجيح الإفراد بأنه صح ذلك من رواية جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة وهؤلاء لهم مزية في حجة الوداع على غيرهم. فأما جابر فهو أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع فإنه ذكرها من حين خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى آخرها فهو أضبط لها من غيره. وأما ابن عمر فصح عنه أنه كان آخذاً بخطام ناقة النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأنكر على من رجح قول أنس على قوله وقال: كان أنس يدخل على النساء وهن مكشفات الرؤوس وإني كنت تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج. وأما عائشة فقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف، وكذلك اطلاعها على باطن أمره وظاهره وفعله في خلوته وعلانيته مع كثرة فقهها وعظم فطنتها. وأما ابن عباس فمحله من العلم والفقه في الدين والفهم الثاقب معروف مع كثرة بحثه وتحفظه أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يحفظها غيره وأخذه إياها من كبار الصحابة، ومن دلائل ترجيح الإفراد أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده، كذلك فعل أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، واختلف فعل علي رضي الله عنه. ولو لم يكن الإفراد أفضل وعلموا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حج مفرداً لم يواظبوا عليه مع أنهم الأئمة الأعلام وقادة الإسلام ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، فكيف يليق بهم المواظبة على خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأما الخلاف عن علي رضي الله عنه وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز، وقد ثبت في الصحيح ما يوضح ذلك. ومنها أن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع وذلك لكماله ويجب الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان ما لا يحتاج إلى جبر أفضل. ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الإفراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم التمتع والقران فكان الإفراد أفضل والله أعلم. فإن قيل: كيف وقع الاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في صفة حجته صلى الله عليه وسلم وهي حجة واحدة وكل واحد منهم يخبر عن مشاهدة في قضية واحدة؟ قال القاضي عياض: قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث، فمن مجيد منصف، ومن مقصر متكلف، ومن مطيل مكثر، ومن مقتصر مختصر.
(يتبع...)
*(تابع... 1): حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ... ...
قال: وأوسعهم في ذلك نفساً أبو جعفر الطحاوي الحنفي فإنه تكلم في ذلك في زيادة على ألف ورقة، وتكلم معه في ذلك أبو جعفر الطبري ثم أبو عبد الله بن أبي صفرة ثم المهلب والقاضي أبو عبد الله بن المرابط والقاضي أبو الحسن بن القصار البغدادي والحافظ أبو عمرو بن عبد البر وغيرهم. قال القاضي عياض: وأولى ما يقال في هذا على ما فحصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها، ولو أمر بواحد لكان غيره يظن أنه لا يجزى، فأضيف الجميع إليه وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إما لأمره به وإما لتأويله عليه. وأما إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذ بالأفضل فأحرم مفرداً للحج وبه تظاهرت الروايات الصحيحة، وأما الروايات بأنه كان متمتعاً فمعناها أمر به، وأما الروايات بأنه كان قارناً فأخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه بل أخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدي وكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه هدي في آخر إحرامهم قارنين بمعنى أنهم أدخلوا العمرة على الحج، وفعل ذلك مواساة لأصحابه وتأنيساً لهم في فعلها في أشهر الحج لكونها كانت منكرة عندهم في أشهر الحج ولم يمكنه التحلل معهم بسبب الهدي واعتذر إليهم بذلك في ترك مواساتهم فصار صلى الله عليه وسلم قارناً في آخر أمره. وقد اتفق جمهور العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه وقال: لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة، واختلفوا في إدخال العمرة على الحج فجوزه أصحاب الرأي وهو قول الشافعي لهذه الأحاديث، ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار حينئذ في أشهر الحج، قال: وكذلك يتأول قول من قال كان متمتعاً أي تمتع بفعل العمرة في أشهر الحج وفعلها مع الحج لأن لفظ التمتع يطلق على معان فانتظمت الأحاديث وإتفقت، قال: ولا يبعد رد ما ورد عن الصحابة من فعل مثل ذلك إلى مثل هذا مع الروايات الصحيحة أنهم أحرموا بالحج مفرداً، فيكون الإفراد إخباراً عن فعلهم أولاً والقران إخباراً عن إحرام الذين معهم هدي بالعمرة ثانياً والتمتع لفسخهم الحج إلى العمرة ثم إهلالهم بالحج بعد التحلل منها كما فعل كل من لم يكن معه هدي. قال القاضي: وقد قال بعض علمائنا أنه أحرم صلى الله عليه وسلم إحراماً مطلقاً منتظراً ما يؤمر به من إفراد أو تمتع أو قران، ثم أمر بالحج ثم أمر بالعمرة معه في وادي العقيق بقوله: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة. قال القاضي: والذي سبق أبين وأحسن في التأويل، هذا آخر كلام القاضي عياض. ثم قال القاضي في موضع آخر بعده: لا يصح قول من قال أحرم النبيّ صلى الله عليه وسلم إحراماً مطلقاً مبهماً، لأن رواية جابر وغيره من الصحابة في الأحاديث الصحيحة مصرحة بخلافه، قال الخطابي: قد أنعم الشافعي ببيان هذا في كتابه اختلاف الحديث وجود الكلام، قال الخطابي: وفي اقتصاص كل ما قاله تطويل، ولكن الوجيه والمختصر من جوامع ما قال أن معلوماً في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلى الأمر كجواز إضافته إلى الفاعل كقولك: بني فلان داراً إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلاناً إذا أمر بضربه، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً وقطع سارق رداء واصفوان وإنما أمر بذلك ومثله كثير في الكلام، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم المفرد والمتمتع والقارن كل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه، فجاز أن تضاف كلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى أنه أمر بها وأذن فيها. قال: ويحتمل أن بعضهم سمعه يقول: لبيك بحجة فحكى عنه أنه أفرد وخفي عليه قوله وعمرة فلم يحك إلا ما سمع، وسمع أنس وغيره الزيادة وهي لبيك بحجة وعمرة ولا ينكر قبول الزيادة وإنما يحصل التناقض لو كان الزائد نافياً لقول صاحبه، فأما إذا كان مثبتاً له وزائداً عليه فليس فيه تناقض، قال: ويحتمل أن الراوي سمعه يقول لغيره على وجه التعليم فيقول له لبيك بحجة وعمرة على سبيل التلقين، فهذه الروايات المختلفة ظاهراً ليس فيها تناقض، والجمع بينها سهل كما ذكرنا والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان معه هدي" يقال هدي بإسكان الدال وتخفيف الياء وهدي بكسر الدال وتشديد الياء لغتان مشهورتان الأولى أفصح وأشهر وهو اسم لما يهدى إلى الحرم من الأنعام، وسوق الهدي سنة لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة. قوله: (عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة).
وفي الرواية الأخرى قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج، قالت: ولم أهل إلا بعمرة) قال القاضي عياض: اختلفت الروايات عن عائشة فيما أحرمت به اختلافاً كثيراً، فذكر مسلم من ذلك ما قدمناه، وفي رواية لمسلم أيضاً عنها: (خرجنا لا نرى إلا الحج). وفي رواية القاسم عنها: (خرجنا مهلين بالحج). وفي رواية: (لا نذكر إلا الحج) وكل هذه الروايات صريحة في أنها أحرمت بالحج. وفي رواية الأسود عنها: (نلبي لا نذكر حجاً ولا عمرة) قال القاضي: واختلف العلماء في الكلام على حديث عائشة فقال مالك: ليس العمل على حديث عروة عن عائشة عندنا قديماً ولا حديثاً، وقال بعضهم: يترجح أنها كانت محرمة بحج لأنها رواية عمرة والأسود والقاسم وغلطوا عروة في العمرة، وممن ذهب إلى هذا القاضي إسماعيل ورجحوا رواية غير عروة على روايته، لأن عروة قال في رواية حماد بن زيد عن هشام عنه: حدثني غير واحد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: دعي عمرتك، فقد بان أنه لم يسمع الحديث منها. قال القاضي رحمه الله: وليس هذا بواضح لأنه يحتمل أنها ممن حدثه ذلك، قالوا أيضاً: ولأن رواية عمرة والقاسم نسقت عمل عائشة في الحج من أوله إلى آخره، ولهذا قال القاسم عن رواية عمرة: أنبأتك بالحديث على وجهه، قالوا: ولأن رواية عروة إنما أخبر عن إحرام عائشة، والجمع بين الروايات ممكن، فأحرمت أولاً بالحج كما صح عنها في رواية الأكثرين وكما هو الأصح من فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه، ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، وهكذا فسره القاسم في حديثه فأخبر عروة عنها باعتمارها في آخر الأمر ولم يذكر أول أمرها. قال القاضي: وقد تعارض هذا بما صح عنها في أخبارها عن فعل الصحابة واختلافهم في الإحرام وأنها أحرمت هي بعمرة، فالحاصل أنها أحرمت بحج ثم فسخته إلى عمرة حين أمر الناس بالفسخ، فلما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وإدراك الإحرام بالحج أمرها النبيّ صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحج فأحرمت فصارت مدخلة للحج على العمرة وقارنة. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ارفضي عمرتك" ليس معناه إبطالها بالكلية والخروج منها، فإن العمرة والحج لا يصح الخروج منهما بعد الإحرام بنية الخروج، وإنما يخرج منها بالتحلل بعد فراغها، بل معناه ارفضي العمل فيها وإتمام أفعالها التي هي الطواف والسعي وتقصير شعر الرأس فأمرها صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن أفعال العمرة وأن تحرم بالحج فتصير قارنة وتقف بعرفات وتفعل المناسك كلها إلا الطواف فتؤخره حتى تطهر وكذلك فعلت. قال العلماء: ومما يؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في رواية عبد بن حميد: "وامسكي عن العمرة" ومما يصرح بهذا التأويل رواية مسلم بعد هذا في آخر روايات عائشة عن محمد بن حاتم عن بهز عن وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها أهلت بعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم النفر: يسعك طوافك لحجك وعمرتك فأبت فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج هذا لفظه. فقوله صلى الله عليه وسلم: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك"، تصريح بأن عمرتها باقية صحيحة مجزئة وأنها لم تلغها وتخرج منها، فيتعين تأويل ارفضي عمرتك ودعي عمرتك على ما ذكرناه من رفض العمل فيها وإتمام أفعالها والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى لما مضت مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم: "هذه مكان عمرتك" فمعناه أنها أرادت أن يكون لها عمرة منفردة عن الحج كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية ثم أحرموا بالحج من مكة يوم التروية فحصل لهم عمرة منفردة وحجة منفردة. وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر: يسعك طوافك لحجك وعمرتك، أي وقد تما وحسبا لك جميعاً، فأبت وأرادت عمرة منفردة كما حصل لباقي الناس، فلما اعتمرت عمرة منفردة قال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: هذه مكان عمرتك أي التي كنت تريدين حصولها منفردة غير مندرجة فمنعك الحيض من ذلك، وهكذا يقال في قولها يرجع الناس بحج وعمرة وارجع بحج أي يرجعون بحج منفرد وعمرة منفردة وأرجح أنا وليس لي عمرة منفردة، وإنما حرصت على ذلك لتكثر أفعالها، وفي هذا تصريح بالرد على من يقول القران أفضل والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "انقضي رأسك وامتشطي" فلا يلزم منه إبطال العمرة لأن نقض الرأس والامتشاط جائزان عندنا في الإحرام بحيث لا ينتف شعراً ولكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وتأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة بأن كان في رأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى، وقيل ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل لإحرامهما بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلا يصح غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه والله أعلم. قولها: (وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً) هذا دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد عن طواف الركن، وأنه يقتصر على أفعال الحج، وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج، وبهذا قال الشافعي، وهو محكي عن ابن عمر وجابر وعائشة ومالك وأحمد وإسحاق وداود. وقال أبو حنيفة: يلزمه طوافان وسعيان، وهو محكي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود والشعبي والنخعي والله أعلم. قوله: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً) قال القاضي عياض رحمه الله: الذي تدل عليه نصوص الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما قال لهم هذا القول بعد إحرامهم بالحج في منتهى سفرهم ودنوهم من مكة بسرف كما جاء في رواية عائشة، أو بعد طوافه بالبيت وسعيه كما جاء في رواية جابر، ويحتمل تكراراً الأمر بذلك في الموضعين، وأن العزيمة كانت آخراً حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة. قولها: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحرم بعمرة ولم يهد فليتحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه، ومن أهل بحجة فليتم حجه) هذا الحديث ظاهر في الدلالة لمذهب أبي حنيفة وأحمد وموافقيهما في أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، ومذهب مالك والشافعي وموافقيهما أنه إذا طاف وسعى وحلق حل من عمرته وحل له كل شيء في الحال سواء كان ساق هدياً أم لا، واحتجوا بالقياس على من لم يسق الهدي وبأنه تحلل من نسكه فوجب أن يحل له كل شيء كما لو تحلل المحرم بالحج، وأجابوا عن هذه الرواية بأنها مختصرة من الروايات التي ذكرها مسلم بعدها، والتي ذكرها قبلها عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. فهذه الرواية مفسرة للمحذوف من الرواية التي احتج بها أبو حنيفة وتقديرها: ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه، ولا بد من هذا التأويل لأن القضية واحدة والراوي واحد، فيتعين الجمع بين الروايتين على ما ذكرناه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأمسكي عن العمرة" فيه دلالة ظاهرة على أنها لم تخرج منها وإنما أمسكت عن أعمالها وأحرمت بالحج فأدرجت أعمالها بالحج كما سبق بيانه، وهو مؤيد للتأويل الذي قدمناه في قوله صلى الله عليه وسلم: "ارفضي عمرتك ودعي عمرتك" أن المراد رفض إتمام أعمالها لا إبطال أصل العمرة. قولها: (فأردفني) فيه دليل على جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بذلك. وفيه جواز إرداف الرجل المرأة من محارمه والخلوة بها وهذا مجمع عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل" فيه دليل لجواز الأنواع الثلاثة، وقد أجمع المسلمون على ذلك وإنما اختلفوا في أفضلها كما سبق. قولها: (فلما كانت ليلة الحصبة) هي بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين وهي التي بعد أيام التشريق، وسميت بذلك لأنهم نفروا من منى فنزلوا في المحصب وباتوا به. قولها: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة) أي مقارنين لاستهلاله، وكان خروجهم قبله لخمس في ذي القعدة كما صرحت به في رواية عمرة التي ذكرها مسلم بعد هذا من حديث عبد الله بن سلمة عن سليمان بن بلال عن يحيى عن عمرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة" هذا مما يحتج به من يقول بتفضيل التمتع.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" ووجه الدلالة منهما أنه صلى الله عليه وسلم لا يتمنى إلا الأفضل، وأجاب القائلون بتفضيل الإفراد بأنه صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص لهم في تلك السنة خاصة لمخالفة الجاهلية، ولم يرد بذلك التمتع الذي فيه الخلاف وقال: هذا تطييباً لقلوب أصحابه وكانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إلى العمرة كما صرح به في الأحاديث التي بعد هذا، فقال لهم صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ومعناه ما يمنعني من موافقتكم فيما أمرتكم به إلا سوقي الهدي ولولاه لوافقتكم، ولو استقبلت هذا الرأي وهو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من أول أمري لم أسق الهدي، وفي هذه الرواية تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعاً. قولها: (فقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم) هذا محمول على أخبارها عن نفسها أي لم يكن علي في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم، ثم أنه مشكل من حيث أنها كانت قارنة والقارن يلزمه الدم وكذلك المتمتع، ويمكن أن يتأول هذا على أن المراد لم يجب علي دم ارتكاب شيء من محظورات الإحرام كالطيب وستر الوجه وقتل الصيد وإزالة شعر وظفر وغير ذلك، أي لم أرتكب محظوراً فيجب بسببه هدي أو صدقة أو صوم، هذا هو المختار في تأويله. وقال القاضي عياض: فيه دليل على أنها كانت في حج مفرد لا تمتع ولا قران، لأن العلماء مجمعون على وجوب الدم فيهما إلا داود الظاهري فقال: لا دم على القارن، هذا كلام القاضي، وهذا اللفظ وهو قوله ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم، ظاهره في الرواية الأولى أنه من كلام عائشة، ولكن صرح في الرواية التي بعدها بأنه من كلام هشام بن عروة فيحمل الأول عليه ويكون الأول في معنى المدرج. قولها: (خرجنا موافين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ذي الحجة لا نرى إلا بالحج) معناه لا نعتقد أنا نحرم إلا بالحج لأنا كنا نظن امتناع العمرة في أشهر الحج. قولها: (حتى إذا كنا بسرف) هو بفتح السين المهملة وكسر الراء وهو ما بين مكة والمدينة بقرب مكة على أميال منها، قيل ستة، وقيل سبعة، وقيل تسعة، وقيل عشرة، وقيل اثنا عشر ميلاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "أنفست" معناه أحضت وهو بفتح النون وضمها لغتان مشهورتان الفتح أفصح والفاء مكسورة فيهما. وأما النفاس الذي هو الولادة فيقال فيه نفست بالضم لا غير. قوله صلى الله عليه وسلم في الحيض: "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم" هذا تسلية لها وتخفيف لهمها ومعناه أنك لست مختصة به بل كل بنات آدم يكون منهن هذا، كما يكون منهن ومن الرجال البول والغائط وغيرهما، واستدل البخاري في صحيحه في كتاب الحيض بعموم هذا الحديث، على أن الحيض كان في جميع بنات آدم، وأنكر به على من قال إن الحيض أول ما أرسل ووقع في بني إسرائيل، قوله صلى الله عليه وسلم: "فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" معنى اقضي افعلي، كما قال في الرواية الأخرى: (فاصنعي) وفي هذا دليل على أن الحائض والنفساء والمحدث والجنب يصح منهم جميع أفعال الحج وأقواله وهيأته إلا الطواف وركعتيه فيصح الوقوف بعرفات وغيره كما ذكرنا، وكذلك الاغسال المشروعة في الحج تشرع للحائض وغيرها ممن ذكرنا، وفيه دليل على أن الطواف لا يصح من الحائض وهذا مجمع عليه، لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف، فقال مالك والشافعي وأحمد: هي شرط. وقال أبو حنيفة: ليست بشرط وبه قال داود. فمن شرط الطهارة قال: العلة في بطلان طواف الحائض عدم الطهارة، ومن لم يشترطها قال: العلة فيه كونها ممنوعة من اللبث في المسجد. قولها: (وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر) هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم استأذنهن في ذلك، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه، واستدل به مالك في أن التضحية بالبقر أفضل من بدنة ولا دلالة فيه لأنه ليس فيه ذكر تفضيل البقر ولا عموم لفظ، إنما هي قضية عين محتملة لأمور فلا حجة فيها لما قاله. وذهب الشافعي والأكثرون إلى أن التضحية بالبدنة أفضل من البقرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة" إلى آخره. قولها: (فطمثت) هو بفتح الطاء وكسر الميم أي حضت، يقال: حاضت المرأة وتحيضت وطمثت وعركت بفتح الراء ونفست وضحكت وأعصرت وأكبرت كله بمعنى واحد، والاسم منه الحيض والطمس والعراك والضحك والإكبار والإعصار وهي حائض وحائضة في لغة غريبة حكاها الفراء، وطامث وعارك ومكبر ومعصر، وفي هذه الأحاديث جواز حج الرجل بامرأته وهو مشروع بالإجماع، وأجمعوا على أن الحج يجب على المرأة إذا استطاعته، واختلف السلف هل المحرم لها من شروط الاستطاعة، وأجمعوا على أن لزوجها أن يمنعها من حج التطوع، وأما حج الفرض فقال جمهور العلماء: ليس له منعها منه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما لا يمنعها منه كما قال الجمهور، وأصحهما له منعها لأن حقه على الفور والحج على التراخي، قال أصحابنا: ويستحب له أن يحج بزوجته للأحاديث الصحيحة فيه. قولها: (ثم أهلوا حين راحوا) يعني الذين تحللوا بعمرة وأهلوا بالحج حين راحوا إلى منى، وذلك يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، وفيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن الأفضل فيمن هو بمكة أن يحرم بالحج يوم التروية ولا يقدمه عليه وقد سبقت المسألة. قولها: (أنعس) هو بضم العين. قولها: (فأهللت منها بعمرة جزاء لعمرة الناس) أي تقوم مقام عمرة الناس وتكفيني عنها. قولها: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج في أشهر الحج وفي حرم الحج وليالي الحج) قولها: حرم الحج هو بضم الحاء والراء كذا ضبطناه، وكذا نقله القاضي عياض في المشارق عن جمهور الرواة، قال: وضبطه الأصيلي بفتح الراء، قال: فعلى الضم كأنها تريد الأوقات والمواضع والأشياء والحالات، أما بالفتح فجمع حرمة أي ممنوعات الشرع ومحرماته، وكذلك قيل للمرأة المحرمة بنسب حرمة وجمعها حرم، وأما قولها في أشهر الحج فاختلف العلماء في المراد بأشهر الحج في قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات} فقال الشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: هي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة تمتد إلى الفجر ليلة النحر، وروي هذا عن مالك أيضاً والمشهور عنه شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله، وهو مروي أيضاً عن ابن عباس وابن عمر والمشهور عنهما ما قدمناه عن الجمهور. قولها: (فخرج إلى أصحابه فقال: من لم يكن معه منكم هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا فمنهم الاَخذ بها والتارك لها ممن لم يكن معه هدي) وفي الحديث الاَخر بعد هذا أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون" وفي حديث جابر: (فأمرنا أن نحل) يعني بعمرة، وقال في آخره: (قال: فحلوا، قال: فحللنا وسمعنا وأطعنا) وفي الرواية الأخرى: (أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة، قالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به). هذه الروايات صحيحة في أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة أمر عزيمة وتحتم، بخلاف الرواية الأولى وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل" قال العلماء: خيرهم أولاً بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناساً بالعمرة في أشهر الحج لأنهم كانوا يرونها من أفجر الفجور، ثم حتم عليهم بعد ذلك الفسخ وأمرهم به أمر عزيمة وألزمهم إياه وكره ترددهم في قبول ذلك ثم قبلوه وفعلوه إلا من كان معه هدي والله أعلم. قولها: (سمعت كلامك مع أصحابك فسمعت بالعمرة) كذا هو في النسخ فسمعت بالعمرة، قال القاضي: كذا رواه جمهور رواة مسلم، ورواه بعضهم فمنعت العمرة وهو الصواب. قولها: (قال ومالك قلت لا أصلي) فيه استحباب الكناية عن الحيض ونحوه مما يستحي منه ويستشنع لفظه إلا إذا كانت حاجة كإزالة وهم ونحو ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة) فيه دليل لما قاله العلماء أن من كان بمكة وأراد العمرة فميقاته لها أدنى الحل، ولا يجوز أن يحرم بها من الحرم، فإن خالف وأحرم بها من الحرم وخرج إلى الحل قبل الطواف أجزأه ولا دم عليه، وإن لم يخرج وطاف وسعى وحلق ففيه قولان: أحدهما لا تصح عمرته حتى يخرج إلى الحل ثم يطوف ويسعى ويحلق. والثاني: وهو الأصح يصح وعليه دم لتركه الميقات. قال العلماء: وإنما وجب الخروج إلى الحل ليجمع في نسكه بين الحل والحرم، كما أن الحاج يجمع بينهما فإنه يقف بعرفات وهي في الحل ثم يدخل مكة للطواف وغيره، هذا تفصيل مذهب الشافعي، وهكذا قال جمهور العلماء أنه يجب الخروج لإحرام العمرة إلى أدنى الحل، وأنه لو أحرم بها في الحرم ولم يخرج لزمه دم، وقال عطاء: لا شيء عليه، وقال مالك: لا يجزئه حتى يخرج إلى الحل، قال القاضي عياض: وقال مالك لا بد من إحرامه من التنعيم خاصة، قالوا: وهو ميقات المعتمرين من مكة وهذا شاذ مردود، والذي عليه الجماهير أن جميع جهات الحل سواء ولا تختص بالتنعيم والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك" هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة، والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة.
قولها: (قالت صفية: ما أراني إلا حابستكم، قال: عقري حلقي أو ما كنت طفت يوم النحر؟ قالت: بلى، قال: لا بأس انفري) معناه أن صفية أم المؤمنين رضي الله عنها حاضت قبل طواف الوداع، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى المدينة قالت: ما أظنني إلا حابستكم لانتظار طهري وطوافي للوداع فإني لم أطف للوداع وقد حضت ولا يمكنني الطواف الاَن، وظنت أن طواف الوداع لا يسقط عن الحائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما كنت طفت طواف الإفاضة يوم النحر؟ قالت: بلى، قال: يكفيك ذلك لأنه هو الطواف الذي هو ركن ولا بد لكل أحد منه، وأما طواف الوداع فلا يجب على الحائض. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (عقرى حلقى) فهكذا يرويه المحدثون بالألف التي هي ألف التأنيث ويكتبونه بالياء ولا ينونونه، وهكذا نقله جماعة لا يحصون من أئمة اللغة وغيرهم عن رواية المحدثين وهو صحيح فصيح، قال الأزهري في تهذيب اللغة: قال أبو عبيد معنى عقرى عقرها الله تعالى، وحلقى حلقها الله. قال: يعني عقر الله جسدها وأصابها بوجع في حلقها. قال أبو عبيد: أصحاب الحديث يروونه عقرى حلقى وإنما هو عقرا حلقا، قال: وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادة وقوعه، قال شمر: قلت لأبي عبيد: لم لا تجيز عقرى؟ فقال: لأن فعلي تجئ نعتاً ولم تجئ في الدعاء، فقلت: روى ابن شميل عن العرب مطبرى وعقرى أخف منها فلم ينكره، هذا آخر ما ذكره الأزهري. وقال صاحب المحكم: يقال للمرأة عقرى حلقى معناه عقرها الله وحلقها أي حلق شعرها أو أصابها بوجع في حلقها، قال: فعقرى ههنا مصدر كدعوى، وقيل معناه تعقر قومها تحلقهم بشؤمها، وقيل العقرى الحائض، وقيل عقرى حلقى أي عقرها الله وحلقها، هذا آخر كلام صاحب المحكم. وقيل معناه جعلها الله عاقراً لا تلد، وحلقى مشؤومة على أهلها، وعلى كل قول فهي كلمة كان أصلها ما ذكرناه ثم اتسعت العرب فيها فصارت تطلقها ولا تريد حقيقة ما وضعت له أولاً، ونظيره تربت يداه وقاتله الله ما أشجعه وما أشعره والله أعلم. وفي هذا الحديث دليل على أن طواف الوداع لا يجب على الحائض ولا يلزمها الصبر إلى طهرها لتأتي به، ولا دم عليها في تركه، وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عن بعض السلف وهو شاذ مردود. وقولها: (فدخل علي وهو غضبان فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار؟ قال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون) أما غضبه صلى الله عليه وسلم فلانتهاك حرمة الشرع وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} فغضب صلى الله عليه وسلم لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص إيمانهم بتوقفهم، وفيه دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين، وفيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون، قال الحكم: كأنهم يترددون أحسب" قال القاضي: كذا وقع هذا اللفظ وهو صحيح وإن كان فيه إشكال، قال: وزاد إشكاله تغيير فيه وهو قوله: قال الحكم كأنهم يترددون، وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحكم ومعناه أن الحكم شك في لفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا مع ضبطه لمعناه فشك هل قال يترددون أو نحوه من الكلام، ولهذا قال بعده: أحسب أي أظن أن هذا لفظه، ويؤيده قول مسلم بعده في حديث غندر ولم يذكر الشك من الحكم في قوله يترددون والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" هذا دليل على جواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع. وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان فمحمول على التأسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال لو في غير حظوظ الدنيا ونحوها فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك) فيه دلالة ظاهرة على أنها كانت قارنة ولم ترفض العمرة رفض إبطال، بل تركت الاستمرار في أعمال العمرة بانفرادها، وقد سبق تقرير هذا في أول هذا الباب، وسبق هناك الاستدلال أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك". قوله في حديث صفية بنت شيبة (عن عائشة فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضرب رجلي بعلة الراحلة، قلت له: وهل ترى من أحد؟ قالت: فأهللت بعمرة) أما قولها أحسره فبكسر السين وضمها لغتان أي أكشفه وأزيله، وأما قولها بعلة الراحلة فالمشهور في اللغة أنه بباء موحدة ثم عين مهملة مكسورتين ثم لام مشددة ثم هاء.
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وقع في بعض الروايات نعلة يعني بالنون، وفي بعضها بالباء، قال: وهو كلام مختل، قال: قال بعضهم صوابه ثغنة الراحلة أي فخذها يريد ما خشن من مواضع مباركها، قال أهل اللغة: كل ما ولى الأرض من كل ذي أربع إذا برك فهو ثغنة، قال القاضي: ومع هذا فلا يستقيم هذا الكلام ولا جوابها لأخيها بقولها وهل ترى من أحد، ولأن رجل الراكب قل ما تبلغ ثغنة الراحلة، قال: وكل هذا وهم، قال: والصواب فيضرب رجلي بنعلة السيف يعني أنها لما حسرت خمارها ضرب أخوها رجلها بنعلة السيف فقالت: وهل ترى من أحد، هذا كلام القاضي. قلت: ويحتمل أن المراد فيضرب رجلي بسبب الراحلة أي يضرب رجلي عامداً لها في صورة من يضرب الراحلة، ويكون قولها بعلة معناه بسبب، والمعنى أنه يضرب رجلها بسوط أو عصا أو غير ذلك حين تكشف خمارها عن عنقها غيرة عليها فتقول له هي: وهل ترى من أحد أي نحن في خلاء ليس هنا أجنبي أستتر منه، وهذا التأويل متعين أو كالمتعين لأنه مطابق للفظ الذي صحت به الرواية وللمعنى ولسياق الكلام فتعين اعتماده والله أعلم. قولها: (وهو بالحصبة) هو بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين أي بالمحصب. قولها: (فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها). وقالت في الرواية الأخرى: (فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله فقال: هل فرغت؟ فقلت: نعم، فأذن في أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف). وفي الرواية الأخرى: (فأقبلنا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة) وجه الجمع بين هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم بعث عائشة مع أخيها بعد نزوله المحصب وواعدها أن تلحقه بعد اعتمارها، ثم خرج هو صلى الله عليه وسلم بعد ذهابها فقصد البيت ليطوف طواف الوداع ثم رجع بعد فراغه من طواف الوداع، وكل هذا في الليل وهي الليلة التي تلي أيام التشريق، فلقيها صلى الله عليه وسلم وهو صادر بعد طواف الوداع وهي داخلة لطواف عمرتها ثم فرغت من عمرتها ولحقته صلى الله عليه وسلم وهو بعد في منزله بالمحصب. وأما قولها: (فأذن في أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف) فيتأول على أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، وأن طوافه صلى الله عليه وسلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها، وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة.
قوله في حديث جابر: (أن عائشة عركت) هو بفتح العين والراء ومعناه حاضت يقال عركت تعرك عروكاً كقعدت تقعد قعوداً. قوله: (أهللنا يوم التروية) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة وسبق بيانه، وفيه دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن من كان بمكة وأراد الإحرام بالحج استحب له أن يحرم يوم التروية ولا يقدمه عليه، وسبقت المسألة ومذاهب العلماء فيها في أوائل كتاب الحج. قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج" هذا الغسل هو الغسل للإحرام وقد سبق بيانه، وأنه يستحب لكل من أراد الإحرام بحج أو عمرة سواء الحائض وغيرها. قوله: (حتى إذا ظهرت) بفتح الطاء وضمها والفتح أفصح. قوله: (حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً) هذا صريح في أن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: "ارفضي عمرتك ودعي عمرتك" متأول كما سبق بيانه واضحاً في أوائل هذا الباب. قوله: (حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً) يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة: إحداها: أن عائشة رضي الله عنها كانت قارنة ولم تبطل عمرتها وأن الرفض المذكور متأول كما سبق. والثانية: أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد وهو مذهب الشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة وطائفة: يلزمه طوافان وسعيان. والثالثة: أن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح، وموضع الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت ولم تسع كما لم تطف، فلو لم يكن السعي متوقفاً على تقدم الطواف عليه لما أخرته، واعلم أن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع، وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضاً لثلاث خلون من ذي الحجة سنة عشر، ذكره أبو محمد بن حزم في كتاب حجة الوداع. قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً حتى إذا هويت الشيء تابعها عليه) معناه إذا هويت شيئاً لا نقص فيه في الدين مثل طلبها الاعتمار وغيره أجابها إليه، وقوله سهلاً أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفاً ميسراً في الخلق كما قال الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} وفيه حسن معاشرة الأزواج، قال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} لا سيما فيما كان من باب الطاعة والله أعلم. قوله: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج معناه النساء والولدان) الولدان هم الصبيان ففيه صحة حج الصبي والحج به، ومذهب مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أنه يصح حج الصبي ويثاب عليه ويترتب عليه أحكام حج البالغ إلا أنه لا يجزيه عن فرض الإسلام، فإذا بلغ بعد ذلك واستطاع لزمه فرض الإسلام. وخالف أبو حنيفة الجمهور فقال: لا يصح له إحرام ولا حج ولا ثواب فيه، ولا يترتب عليه شيء من أحكام الحج. قال: وإنما يحج به ليتمرن ويتعلم ويتجنب محظوراته للتعلم. قال: وكذلك لا تصح صلاته وإنما يؤمر بها لما ذكرناه وكذلك عنده سائر العبادات. والصواب مذهب الجمهور لحديث ابن عباس رضي الله عنه: (أن امرأة رفعت صبياً فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم) والله أعلم. قوله: (ومسسنا الطيب) هو بكسر السين الأولى هذه اللغة المشهورة وفي لغة قليلة بفتحها حكاها أبو عبيد والجوهري، قال الجوهري: يقال مسست الشيء بكسر السين أمسه بفتح الميم مساً فهذه اللغة الفصيحة، قال: وحكى أبو عبيدة مسست الشيء بالفتح أمسه بضم الميم، قال: وربما قالوا مست الشيء يحذفون منه السين الأولى ويحولون كسرتها إلى الميم، قال: ومنهم من لا يحول ويترك الميم على حالها مفتوحة. قوله: (وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة) يعني القارن منا، وأما المتمتع فلا بد له من السعي بين الصفا والمروة في الحج بعد رجوعه من عرفات وبعد طواف الإفاضة. قوله: (فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة) البدنة تطلق على البعير والبقرة والشاة لكن غالب استعمالها في البعير، والمراد بها ههنا البعير والبقرة، وهكذا قال العلماء تجزى البدنة من الإبل والبقر كل واحدة منهما عن سبعة، ففي هذا الحديث دلالة لإجزاء كل واحدة منهما عن سبعة أنفس وقيامها مقام سبع شياه، وفيه دلالة لجواز الاشتراك في الهدي والأضحية، وبه قال الشافعي وموافقوه، فيجوز عند الشافعي اشتراك السبعة في بدنة، سواء كانوا متفرقين أو مجتمعين، وسواء كانوا مفترضين أو متطوعين، وسواء كانوا متقربين كلهم أو كان بعضهم متقرباً وبعضهم يريد اللحم، روي هذا عن ابن عمر وأنس وبه قال أحمد، وقال مالك: يجوز إن كانوا متطوعين ولا يجوز إن كانوا مفترضين. وقال أبو حنيفة: إن كانوا متقربين جاز سواء اتفقت قربتهم أو اختلفت، وإن كان بعضهم متقرباً وبعضهم يريد اللحم لم يصح للاشتراك.
قوله: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال فأهللنا من الأبطح) الأبطح هو بطحاء مكة وهو متصل بالمحصب. وقوله: إذا توجهنا إلى منى يعني يوم التروية كما صرح به في الرواية السابقة، وفيه دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن الأفضل للمتمتع وكل من أراد الإحرام بالحج من مكة أن لا يحرم به إلا يوم التروية. وقال مالك وآخرون: يحرم من أول ذي الحجة وسبقت المسألة بأدلتها. أما قوله: فأهللنا من الأبطح فقد يستدل به من يجوز للمكي والمقيم بها الإحرام بالحج من الحرم، وفي المسألة وجهان: لأصحابنا أصحهما لا يجوز أن يحرم بالحج إلا من داخل مكة وأفضله من باب داره، وقيل من المسجد الحرام. والثاني: يجوز من مكة ومن سائر الحرم، وقد سبقت المسألة في باب المواقيت، فمن قال بالثاني احتج بحديث جابر هذا لأنهم أحرموا من الأبطح وهو خارج مكة لكنه من الحرم، ومن قال بالأول وهو الأصح قال إنما أحرموا من الأبطح لأنهم كانوا نازلين به، وكل من كان دون الميقات المحدود فميقاته منزله كما سبق في باب المواقيت والله أعلم.
قوله: (لم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً وهو طوافه الأول) يعني النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان من أصحابه قارناً فهؤلاء لم يسعوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة. وأما من كان متمتعاً فإنه سعى سعيين سعياً لعمرته ثم سعياً آخر لحجه يوم النحر. وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة للشافعي وموافقيه في أن القارن ليس عليه إلا طواف واحد للإفاضة وسعي واحد، وممن قال بهذا ابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة وطاوس وعطاء والحسن البصري ومجاهد ومالك وابن الماجشون وأحمد وإسحاق وداود وابن المنذر، وقالت طائفة: يلزمه طوافان وسعيان، وممن قاله الشعبي والنخعي وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة، وحكي ذلك عن علي وابن مسعود قال ابن المنذر: لا يثبت هذا عن علي رضي الله عنه.
(يتبع...)
*(تابع... 2): حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ... ...
قوله: (صبح رابعة) هو بضم الصاد وكسرها. قوله: (فأمرنا أن نحل، قال عطاء قال: حلوا وأصيبوا النساء، قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم) معناه لم يعزم عليهم في وطء النساء بل أباحه ولم يوجبه. وأما الإحلال فعزم فيه على من لم يكن معه هدي. قوله: (فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني) هو إشارة إلى قرب العهد بوطء النساء. قوله: (فقدم علي من سعايته فقال: بم أهللت؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأهد وامكث حراماً، قال: وأهدى له علي رضي الله عنه هدياً) السعاية بكسر السين، قال القاضي عياض: قوله من سعايته أي من عمله في السعي في الصدقات، قال: وقال بعض علمائنا الذي في غير هذا الحديث أنه إنما بعث علياً رضي الله عنه أميراً لا عاملاً على الصدقات، إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصدقات لقوله صلى الله عليه وسلم للفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة حين سألاه ذلك: "أن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاَل محمد" ولم يستعملهما. قال القاضي: يحتمل أن علياً رضي الله عنه ولي الصدقات وغيرها احتساباً، أو أعطى عمالته عليها من غير الصدقة، قال: وهذا أشبه لقوله من سعايته، والسعاية تختص بالصدقة. هذا كلام القاضي، وهذا الذي قاله حسن إلا قوله: إن السعاية تختص بالعمل على الصدقة فليس كذلك لأنها تستعمل في مطلق الولاية، وإن كان أكثر استعمالها في الولاية على الصدقة، ومما يدل لما ذكرته حديث حذيفة السابق في كتاب الإيمان من صحيح مسلم قال في حديث رفع الأمانة: ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ليردنه على دينه، ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه على ساعيه. يعني الوالي عليه والله أعلم. قوله: (فقدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال: بم أهللت؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فاهد وامكث حراماً، قال: وأهدى له علي هدياً) ثم ذكر مسلم بعد هذا بقليل حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي: حججت؟ فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟ قال قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قد أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل) وفي الرواية الأخرى عن أبي موسى أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: بم أهللت؟ قال: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هل سقت من هدي؟ قلت: لا، قال: طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل) هذان الحديثان متفقان على صحة الإحرام معلقاً وهو أن يحرم إحراماً كإحرام فلان فينعقد إحرامه ويصير محرماً بما أحرم به فلان، واختلف آخر الحديثين في التحلل فأمر علياً بالبقاء على إحرامه، وأمر أبا موسى بالتحلل، وإنما اختلف آخرهما لأنهما أحرما كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم الهدي فشاركه علي في أن معه الهدي، فلهذا أمره بالبقاء على إحرامه كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم على إحرامه بسبب الهدي وكان قارناً، وصار علي رضي الله عنه قارناً. وأما أبو موسى فلم يكن معه هدي فصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يكن معه هدي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لولا الهدي لجعلها عمرة وتحلل فأمر أبا موسى بذلك، فلذلك اختلف في أمره صلى الله عليه وسلم لهما فاعتمد ما ذكرته فهو الصواب، وقد تأولهما الخطابي والقاضي عياض تأويلين غير مرضيين والله أعلم. قوله: (وأهدى له علي هدياً) يعني هدياً اشتراه لا أنه من السعاية على الصدقة، وفي هذين الحديثين دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يصح الإحرام معلقاً بأن ينوي إحراماً كإحرام زيد فيصير هذا المعلق كزيد، فإن كان زيد محرماً بحج كان هذا بالحج أيضاً، وإن كان بعمرة فبعمرة، وإن كان بهما فبهما، وإن كان زيد أحرم مطلقاً صار هذا محرماً إحراماً مطلقاً، فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة ولا يلزمه موافقة زيد في الصرف. ولهذه المسألة فروع كثيرة مشهورة في كتب الفقه، وقد استقصيتها في شرح المهذب ولله الحمد. قوله: (فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ قال: لأبد) وفي الرواية الأخرى: (فقام سراقة بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد) واختلف العلماء في معناه على أقوال أصحها وبه قال جمهورهم معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود به بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني: معناه جواز القران وتقدير الكلام دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة. والثالث: تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة، قالوا: معناه سقوط العمرة، قالوا: ودخولها في الحج معناه سقوط وجوبها وهذا ضعيف أو باطل وسياق الحديث يقتضي بطلانه.
والرابع: تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة وهذا أيضاً ضعيف. قوله: (حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج) فيه دليل للشافعي وموافقيه أن المتمتع وكل من كان بمكة وأراد الإحرام بالحج فالسنة له أن يحرم يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة وقد سبقت المسألة مرات. وقوله: (جعلنا مكة بظهر) معناه أهللنا عند إرادتنا الذهاب إلى منى. قوله: (حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه وقد أهلوا بالحج مفرداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة) اعلم أن هذا الكلام فيه تقديم وتأخير، وتقديره وقد أهلوا بالحج مفرداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إحرامكم عمرة وتحللوا بعمل العمرة، وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة. وقد اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصاً بل هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها.وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، ومما يستدل به للجماهير حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي ذكره مسلم بعد هذا بقليل: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة يعني فسخ الحج إلى العمرة. وفي كتاب النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: "قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل لنا خاصة" وأما الذي في حديث سراقة: "ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: لأبد أبد" فمعناه جواز الاعتمار في أشهر الحج كما سبق تفسيره، فالحاصل من مجموع طرق الأحاديث أن العمرة في أشهر الحج جائزة إلى يوم القيامة وكذلك القران، وأن فسخ الحج إلى العمرة مختص بتلك السنة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: افعلوا ما آمركم به فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به" هذا دليل ظاهر لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما في ترجيح الإفراد وأن غالبهم كانوا محرمين بالحج، ويتأول رواية من روى متمتعين أنه أراد في آخر الأمر صاروا متمتعين كما سبق تقريره في أوائل هذا الباب، وفيه دليل للشافعي وموافقيه في أن من كان بمكة وأراد الحج إنما يحرم به من يوم التروية، وقد ذكرنا المسألة مرات
*2* باب في المتعة بالحج والعمرة
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ. وَكَانَ ابْنُ الزّبَيْرِ يَنْهَىَ عَنْهَا. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. فَقَالَ: عَلَىَ يَدَيّ دَارَ الْحَدِيثُ. تَمَتّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا قَامَ عُمَرُ قَالَ: إِنّ اللّهُ كَانَ يُحِلّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ. وَإِنّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ. فَأَتِمّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ. كَمَا أَمَرَكُمُ اللّهُ. وَأَبِتّوا نِكَاحَ هَذِهِ النّسَاءِ. فَلَنْ أُوتَىَ بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَىَ أَجَلٍ، إِلاّ رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَافْصِلُوا حَجّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ. فَإِنّهُ أَتَمّ لِحَجّكُمْ. وَأَتَمّ لِعُمْرَتِكُمْ.
وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ وَ قُتَيْبَةُ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادٍ. قَالَ خَلَفٌ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِداً يُحَدّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبّيْكَ بِالْحَجّ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً.
قوله: (كان ابن عباس يأمرنا بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال: إن الله يحل لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة) وفي الرواية الأخرى عن عمر رضي الله عنه: (فافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم) وذكر بعد هذا من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان يفتي بالمتعة ويحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك. وقول عمر رضي الله عنه أن نأخذ بكتاب الله فإن الله تعالى أمر بالإتمام. وذكر عن عثمان أنه كان ينهى عن المتعة أو العمرة. وأن علياً خالفه في ذلك وأهل بهما جميعاً. وذكر قول أبي ذر رضي الله عنه: "كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة" وفي رواية رخصة. وذكر قول عمران بن حصين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تفسخ ذلك" وفي رواية: "جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه" قال المازري: اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج فقيل هي فسخ الحج إلى العمرة، وقيل هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه، وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيباً في الإفراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها أو تحريمها. وقال القاضي عياض: ظاهر حديث جابر وعمران وأبي موسى أن المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخ الحج إلى العمرة، قال: ولهذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الناس عليها ولا يضربهم على مجرد التمتع في أشهر الحج، وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج إلى العمرة كان مخصوصاً في تلك السنة للحكمة التي قدمنا ذكرها، قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقول الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، قال: ومن التمتع أيضاً القران لأنه تمتع بسقوط سفره للنسك الاَخر من بلده، قال: ومن التمتع أيضاً فسخ الحج إلى العمرة. هذا كلام القاضي. قلت: والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه، ومرادهم نهي أولوية للترغيب في الإفراد لكونه أفضل، وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران من غير كراهة، وإنما اختلفوا في الأفضل منها، وقد سبقت هذه المسألة في أوائل هذا الباب مستوفاة والله أعلم. وأما قوله في متعة النكاح وهي نكاح المرأة إلى أجل فكان مباحاً ثم نسخ يوم خيبر ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في أيام الفتح، واستمر تحريمه إلى الاَن وإلى يوم القيامة، وقد كان فيه خلاف في العصر الأول ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه، وسيأتي بسط أحكامه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى
*2* باب حجة النبيّ صلى الله عليه وسلم
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ حَاتِمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتّىَ انْتَهَىَ إِلَيّ. فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ. فَأَهْوَىَ بِيَدِهِ إِلَىَ رَأْسِي فَنَزَعَ زِرّي الأَعْلَىَ. ثُمّ نَزَعَ زِرّي الأَسْفَلَ. ثُمّ وَضَعَ كَفّهُ بَيْنَ ثَدْيَيّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ شَابّ. فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ. يَا ابْنَ أَخِي سَلْ عَمّا شِئْتَ. فَسَأَلْتُهُ. وَهُوَ أَعْمَىَ. وَحَضَرَ وَقْتُ الصّلاَةِ. فَقَامَ فِي سَاجَةٍ مُلْتَحِفاً بِهَا. كُلّما وَضَعَهَا عَلَىَ مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا. وَرِدَاؤُهُ إِلَىَ جَنْبِهِ، عَلَىَ الْمِشْجَبِ. فَصَلّىَ بِنَا. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجّةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ بِيَدِهِ. فَعَقَدَ تِسْعاً. فَقَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجّ. ثُمّ آذنَ فِي النّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجّ. فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ. كُلّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمّ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَيَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ. فَخَرَجْنَا مَعَهُ. حَتّىَ أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ. فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ. فَأَرْسَلَتْ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: "اغْتَسِلِي. وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي" فَصَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ. ثُمّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ. حَتّىَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ. نَظَرْتُ إِلَىَ مَدّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ. مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ. وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا. وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ. وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ. وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ. فَأَهَلّ بِالتّوْحِيدِ: "لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ. لَبّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ. إِنّ الْحَمْدَ وَالنّعْمَةَ لَكَ. وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ". وَأَهَلّ النّاسُ بِهَذَا الّذِي يُهِلّونَ بِهِ. فَلَمْ يَرُدّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شَيْئاً مِنْهُ. وَلَزِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ. قَالَ جَابِرٌ رضيَ اللّهُ عَنْهُ: لَسْنَا نَنْوِي إِلاّ الْحَجّ. لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ. حَتّىَ إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثاً وَمَشَىَ أَرْبَعاً. ثُمّ نَفَذَ إِلَىَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلاَمُ. فَقَرَأَ {وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىَ} (2 البقرة الاَية: 1) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَكَانَ أَبِي يَقُولُ (وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم): كَانَ يَقْرَأُ في الرّكْعَتَيْنِ: {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} وَ{قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ}، ثُمّ رَجَعَ إِلَىَ الرّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ. ثُمّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَىَ الصّفَا. فَلَمّا دَنَا مِنَ الصّفَا قَرَأَ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ} (2 البقرة الاَية: 1) "أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللّهُ بِهِ" فَبَدَأَ بِالصّفَا. فَرَقِيَ عَلَيْهِ. حَتّىَ رَأَىَ الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. فَوَحّدَ اللّهَ، وَكَبّرَهُ. وَقالَ: "لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكَ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لاَ إِلهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ. أَنْجَزَ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ" ثُمّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ. قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرّاتٍ. ثُمّ نَزَلَ إِلَىَ الْمَرْوَةِ. حَتّىَ إِذَا انْصَبّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَىَ. حَتّىَ إِذَا صَعِدَنَا مَشَىَ. حَتّىَ أَتَىَ الْمَرْوَةَ. فَفَعَلَ عَلَىَ الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَىَ الصّفَا. حَتّىَ إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَىَ الْمَرْوَةِ فَقَالَ: "لَوْ أَنّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ. وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلّ. وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً". فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلِعَامِنا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ؟ فَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخْرَىَ. وَقَالَ: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجّ" مَرّتَيْنِ "لاَ بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ" وَقَدِمَ عَلِيّ مِنَ اليَمَنِ بِبُدْنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا مِمّنْ حَلّ. وَلَبِسَتْ ثِيَاباً صَبِيغاً. وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: إِنّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا. قَالَ: فَكَانَ عَلِيّ يَقُولُ، بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرّشاً عَلَىَ فَاطِمَةَ. لِلّذِي صَنَعَتْ. مُسْتَفْتِياً لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنّي أَنْكَرْتُ ذَلِك عَلَيْهَا. فَقَالَ: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجّ؟" قَالَ قُلْتُ: اللّهُمّ إِنّي أُهِلّ بِمَا أَهَلّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: "فَإِنّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلاَ تَحِلّ" قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدَي الّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيّ مِنَ الْيَمَنِ وَالّذِي أَتَىَ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً. قَالَ: فَحَلّ النّاسُ كُلّهُمْ وَقَصّرُوا. إِلاّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ التّرْوِيَةِ تَوَجّهُوا إِلَىَ مِنًى. فَأَهَلّوا بِالْحَجّ يَوْمَ التّرْوِيَةِ. وَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلّىَ بِهَا الظّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ. ثُمّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتّىَ طَلَعَتِ الشّمْسُ. وَأَمَرَ بِقُبّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ. فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَشُكّ قُرَيْشٌ إِلاّ أَنّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَأَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ أَتَىَ عَرَفَةَ. فَوَجَدَ القُبّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ. فَنَزَلَ بِهَا. حَتّىَ إِذَا زَاغَتِ الشّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ. فَرُحِلَتْ لَهُ. فَأَتَىَ بَطْنَ الْوَادِي. فَخَطَبَ النّاسَ وَقَالَ: "إِنّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلاَ كُلّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمَيّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنّ أَوّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا، رِبَا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. فَإِنّهُ مَوْضُوعٌ كُلّهُ. فَاتّقُوا اللّهِ فِي النّسَاءِ. فَإِنّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانِ اللّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَةِ اللّهِ. وَلَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ. كِتَابُ اللّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنّي. فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟" قَالُوا: نَشْهَدُ أَنّكَ قَدْ بَلّغْتَ وَأَدّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السّبّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَىَ السّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَىَ النّاسِ: "اللّهُمّ اشْهَدْ. اللّهُمّ اشْهَدْ" ثَلاَثَ مَرّاتٍ. ثُمّ أَذّنَ. ثُمّ أَقَامَ فَصَلّىَ الظّهْرَ. ثُمّ أَقَامَ فَصَلّىَ الْعَصْرَ. وَلَمْ يُصَلّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً. ثُمّ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ أَتَىَ الْمَوْقِفَ. فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَىَ الصّخَرَاتِ. وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتّىَ غَرَبَتِ الشّمْسُ. وَذَهَبَتِ الصّفْرَةُ قَلِيلاً حَتّىَ غَابَ الْقُرْصُ. وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ. وَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزّمَامَ. حَتّىَ إِنّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ. وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَىَ: "أَيّهَا النّاسُ السّكِينَةَ السّكِينَةَ" كُلّمَا أَتَىَ حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَىَ لَهَا قَليلاً. حَتّىَ تَصْعَدَ. حَتّىَ أَتَىَ الْمُزْدَلِفَةَ. فَصَلّىَ بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ. وَلَمْ يُسَبّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئاً. ثُمّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ طَلَعَ الْفَجْرُ.
وَصَلّىَ الْفَجْرَ، حِينَ تَبَيّنَ لَهُ الصّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. ثُمّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ. حَتّىَ أَتَىَ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ. فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. فَدَعَاهُ وَكَبّرَهُ وَهَلّلَهُ وَوَحّدَهُ. فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفَاً حَتّىَ أَسْفَرَ جِدّاً. فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ. وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبّاسٍ. وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيماً. فَلَمّا دَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَرّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ. فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنّ. فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَىَ وَجْهِ الْفَضْلِ. فَحَوّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَىَ الشّقّ الاَخَرِ يَنْظُرُ. فَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنَ الشّقّ الاَخَرِ عَلَىَ وَجْهِ الْفَضْلِ. يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشّقّ الاَخَرِ يَنْظُرُ. حَتّىَ أَتَىَ بَطْنَ مُحَسّرٍ. فَحَرّكَ قَلِيلاً. ثُمّ سَلَكَ الطّرِيقَ الْوُسْطَىَ الّتِي تَخْرُجُ عَلَىَ الْجَمْرَةِ الْكُبْرَىَ. حَتّىَ أَتَىَ الْجَمْرَةَ الّتِي عِنْدَ الشّجَرَةِ. فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. يُكَبّرُ مَعَ كُلّ حَصَاةٍ مِنْهَا. مِثْلِ حَصَىَ الْخَذْفِ. رَمَىَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. ثُمّ انْصَرَفَ إِلَىَ الْمَنْحَرِ. فَنَحَرَ ثَلاَثَاً وَسِتّينَ بِيَدِهِ. ثُمّ أَعْطَىَ عَلِيّاً. فَنَحَرَ مَا غَبَرَ. وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ. ثُمّ أَمَرَ مِنْ كُلّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ. فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ. فَطُبِخَتْ. فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا. ثُمّ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إِلَىَ الْبَيْتِ. فَصَلّىَ بِمَكّةَ الظّهْرَ. فَأَتَىَ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَسْقُونَ عَلَىَ زَمْزَمَ. فَقَالَ: "انْزِعُوا. بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمْ النّاسُ عَلَىَ سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ" فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ مِنْهُ.
وحدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنِي أَبِي قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَجّةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيّارَةَ عَلَىَ حِمَارٍ عُرْيٍ. فَلَمّا أَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. لَمْ تَشُكّ قُرَيْشٌ أَنّهُ سَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَيَكُونُ مَنْزِلُهُ ثَمّ. فَأَجَازَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ. حَتّىَ أَتَىَ عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ.
فيه حديث جابر رضي الله عنه وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ونفائس من مهمات القواعد وهو من افراد مسلم لم يروه البخاري في صحيحه، ورواه أبو داود كرواية مسلم، قال القاضي: وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا، وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءاً كبيراً، وخرج فيه من الفقه مائة ونيفاً وخمسين نوعاً، ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريب منه، وقد سبق الاحتجاج بنكت منه في أثناء شرح الأحاديث السابقة، وسنذكر ما يحتاج إلى التنبيه عليه على ترتيبه إن شاء الله تعالى. قوله: (عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذٍ غلام شاب فقال: مرحباً بك يا ابن أخي سل عما شئت، فسألته وهو أعمى فحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها ورداؤه إلى جنبه على المشجب فصلى بنا) هذه القطعة فيها فوائد منها أنه يستحب لمن ورد عليه زائرون أو ضيفان ونحوهم أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم" وفيه إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل جابر بمحمد بن علي. ومنها استحباب قوله للزائر والضيف ونحوهما مرحباً ومنها ملاطفة الزائر بما يليق به وتأنيسه وهذا سبب حل جابر زري محمد بن علي ووضع يده بين ثدييه. وقوله: وأنا يومئذٍ غلام شاب فيه تنبيه على أن سبب فعل جابر ذلك التأنيس لكونه صغيراً، وأما الرجل الكبير فلا يحسن إدخال اليد في جيبه والمسح بين ثدييه. ومنها جواز إمامة الأعمى البصراء ولا خلاف في جواز ذلك، لكن اختلفوا في الأفضل على ثلاثة مذاهب وهي ثلاثة أوجه: لأصحابنا أحدها إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير لأن الأعمى أكمل خشوعاً لعدم نظره إلى الملهيات. والثاني: البصير أفضل لأنه أكثر احترازاً من النجاسات. والثالث: هما سواء لتعادل فضيلتهما، وهذا الثالث هو الأصح عند أصحابنا وهو نص الشافعي. ومنها أن صاحب البيت أحق بالإمامة من غيره. ومنها جواز الصلاة في ثوب واحد مع التمكن من الزيادة عليه. ومنها جواز تسمية الثدي للرجل وفيه خلاف لأهل اللغة منهم من جوزه كالمرأة ومنهم من منعه وقال يختص الثدي بالمرأة ويقال في الرجل ثندؤة وقد سبق إيضاحه في أوائل كتاب الإيمان في حديث الرجل الذي قتل نفسه فقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من أهل النار. وقوله: (قام في نساجة) هي بكسر النون وتخفيف السين المهملة وبالجيم هذا هو المشهور في نسخ بلادنا ورواياتنا لصحيح مسلم وسنن أبي داود، ووقع في بعض النسخ في ساجة بحذف النون، ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور قال: وهو الصواب، قال: والساجة والساج جميعاً ثوب كالطيلسان وشبهه، قال: ورواية النون وقعت في رواية الفارسي، قال: ومعناه ثوب ملفق، قال: قال بعضهم النون خطأ وتصحيف، قلت: ليس كذلك بل كلاهما صحيح ويكون ثوباً ملفقاً على هيأة الطيلسان، قال القاضي في المشارق: الساج والساجة الطيلسان وجمعه سيجان، قال: وقيل هي الخضر منها خاصة. وقال الأزهري: هو طيلسان مقور ينسج كذلك، قال وقيل: هو الطيلسان الحسن، قال: ويقال الطيلسان بفتح اللام وكسرها وضمها وهي أقل. وقوله: (ورداؤه إلى جنبه على المشجب) هو بميم مكسورة ثم شين معجمة ساكنة ثم جيم ثم باء موحدة وهو اسم لأعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت. قوله: (أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) هي بكسر الحاء وفتحها والمراد حجة الوداع. قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج) يعني مكث بالمدينة بعد الهجرة. قوله: (ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج) معناه أعلمهم بذلك وأشاعه بينم ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام، ويشهدوا أقواله وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإسلام وتبلغ الرسالة القريب والبعيد، وفيه أنه يستحب للإمام إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها. قوله: (كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي: هذا مما يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج لأنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وهم لا يخالفونه ولهذا قال جابر: وما عمل من شيء عملنا به، ومثله توقفهم عن التحلل بالعمرة ما لم يتحلل حتى أغضبوه واعتذر إليهم، ومثله تعليق علي وأبي موسى إحرامهما على إحرام النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس وقد ولدت: "اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي" فيه استحباب غسل الإحرام للنفساء، وقد سبق بيانه في باب مستقبل فيه أمر الحائض والنفساء والمستحاضة بالاستثفار، وهو أن تشد في وسطها شيئاً وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها وهو شبيه بثفر الدابة بفتح الفاء، وفيه صحة إحرام النفساء وهو مجمع عليه والله أعلم. قوله: (فصلى ركعتين) فيه استحباب ركعتي الإحرام، وقد سبق الكلام فيه مبسوطاً. قوله: (ثم ركب القصواء) هي بفتح القاف وبالمد قال القاضي: ووقع في نسخة العذري القصوى بضم القاف والقصر، قال: وهو خطأ، قال القاضي: قال ابن قتيبة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نوق القصواء والجدعاء والعضباء، قال أبو عبيد: العضباء اسم لناقة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تسم بذلك لشيء أصابها، قال القاضي: قد ذكر هنا أنه ركب القصواء، وفي آخر هذا الحديث خطب على القصواء، وفي غير مسلم خطب على ناقته الجدعاء، وفي حديث آخر على ناقة خرماء، وفي آخر العضباء وفي حديث آخر: كانت له ناقة لا تسبق، وفي آخر تسمى مخضرمة، وهذا كله يدل على أنها ناقة واحدة خلاف ما قاله ابن قتيبة، وأن هذا كان اسمها أو وصفها لهذا الذي بها خلاف ما قال أبو عبيد، لكن يأتي في كتاب النذر أن القصواء غير العضباء كما سنبينه هناك، قال الحربي: العضب والجدع والخرم والقصو والخضرمة في الاَذان، قال ابن الأعرابي: القصواء التي قطع طرف أذنها والجدع أكثر منه، وقال الأصمعي: والقصو مثله قال: وكل قطع في الأذن جدع فإن جاوز الربع فهي عضباء، والمخضرم مقطوع الأذنين فإن اصطلمتا فهي صلماء، وقال أبو عبيد: القصواء المقطوعة الأذن عرضاً والمخضرمة المستأصلة والمقطوعة النصف فما فوقه. وقال الخليل: المخضرمة مقطوعة الواحدة والعضباء مشقوقة الأذن. قال الحربي: فالحديث يدل على أن العضباء اسم لها وإن كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها، هذا آخر كلام القاضي. وقال محمد بن إبراهيم التيمي التابعي وغيره: إن العضباء والقصواء والجدعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم. قوله: (نظرت إلى مد بصري) هكذا هو في جميع النسخ مد بصري وهو صحيح ومعناه منتهى بصري، وأنكر بعض أهل اللغة مد بصري وقال: الصواب مدى بصري وليس هو بمنكر بل هما لغتان المد أشهر. قوله: (بين يديه من راكب وماش) فيه جواز الحج راكباً وماشياً وهو مجمع عليه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر} واختلف العلماء في الأفضل منهما فقال مالك والشافعي وجمهور العلماء: الركوب أفضل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه أعون له على وظائف مناسكه ولأنه أكثر نفقة. وقال داود: ماشياً أفضل لمشقته وهذا فاسد لأن المشقة ليست مطلوبة. قوله: (وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله) معناه الحث على التمسك بما أخبركم عن فعله في حجته تلك. قوله: (فأهل بالتوحيد) يعني قوله: لبيك لا شريك لك، وفيه إشارة إلى مخالفة ما كانت الجاهلية تقوله في تلبيتها من لفظ الشرك، وقد سبق ذكر تلبيتهم في باب التلبية. قوله: (فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: فيه إشارة إلى ما روي من زيادة الناس في التلبية من الثناء والذكر كما روي في ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يزيد لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوباً منك ومرغوباً إليك. وعن ابن عمر رضي الله عنه: لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل. وعن أنس رضي الله عنه: لبيك حقاً تعبداً ورقاً. قال القاضي: قال أكثر العلماء: المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال مالك والشافعي والله أعلم. قوله: (قال جابر لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة) فيه دليل لمن قال بترجيح الإفراد، وقد سبقت المسألة مستقصاة في أول الباب السابق. قوله: (حتى أتينا البيت) فيه بيان أن السنة للحاج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف بعرفات ليطوفوا للقدوم وغير ذلك. قوله: (حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً) فيه أن المحرم إذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات يسن له طواف القدوم وهو مجمع عليه، وفيه أن الطواف سبع طوافات، وفيه أن السنة أيضاً الرمل في الثلاث الأول ويمشي على عادته في الأربع الأخيرة.
قال العلماء: الرمل هو أسرع المشي مع تقارب الخطا وهو الخبب، قال أصحابنا: ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج أو عمرة، أما إذا طاف في غير حج أو عمرة فلا رمل بلا خلاف، ولا يسرع أيضاً في كل طواف حج وإنما يسرع في واحد منها، وفيه قولان مشهوران للشافعي أصحهما طواف يعقبه سعي، ويتصور ذلك في طواف القدوم، ويتصور في طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع. والقول الثاني: أنه لا يسرع إلا في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا، ويسرع في طواف العمرة إذ ليس فيها إلا طواف واحد والله أعلم. قال أصحابنا: والاضطباع سنة في الطواف، وقد صح فيه الحديث في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما وهو أنه يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن ويجعل طرفيه على عاتقه الأيسر ويكون منكبه الأيمن مكشوفاً، قالوا: وإنما يسن الاضطباع في طواف يسن فيه الرمل على ما سبق تفصيله والله أعلم. وأما قوله استلم الركن فمعناه مسحه بيده وهو سنة في كل طواف، وسيأتي شرحه واضحاً حيث ذكره مسلم بعد هذا إن شاء الله تعالى. قوله: (ثم نفر إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فجعل المقام بينه وبين البيت) هذا دليل لما أجمع عليه العلماء أنه ينبغي لكل طائف إذا فرغ من طوافه أن يصلي خلف المقام ركعتي الطواف، واختلفوا هل هما واجبتان أم سنتان؟ وعندنا فيه خلاف حاصله ثلاثة أقوال: أصحها أنهما سنة. والثاني: أنهما واجبتان. والثالث: إن كان طوافاً واجباً فواجبتان وإلا فسنتان، وسواء قلنا واجبتان أو سنتان لو تركهما لم يبطل طوافه، والسنة أن يصليهما خلف المقام، فإن لم يفعلففي الحجر، وإلا ففي المسجد، وإلا ففي مكة وسائر الحرم، ولو صلاهما في وطنه وغيره من أقاصي الأرض جاز وفاتته الفضيلة، ولا تفوت هذه الصلاة ما دام حياً، ولو أراد أن يطوف أطوفة استحب أن يصلي عقب كل طواف ركعتيه، فلو أراد أن يطوف أطوفة بلا صلاة ثم يصلي بعد الأطوفة لكل طواف ركعتيه قال أصحابنا: يجوز ذلك وهو خلاف الأولى ولا يقال مكروه، وممن قال بهذا المسور بن مخرمة وعائشة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق وأبو يوسف، وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر، ونقله القاضي عن جمهور الفقهاء. قوله: (فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) معنى هذا الكلام أن جعفر بن محمد روى هذا الحديث عن أبيه عن جابر قال: كان أبي يعني محمداً يقول إنه قرأ هاتين السورتين، قال جعفر: ولا أعلم أبي ذكر تلك القراءة عن قراءة جابر في صلاة جابر بل عن جابر عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة هاتين الركعتين. قوله: (قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) معناه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية بعد الفاتحة قل هو الله أحد، وأما قوله: لا أعلم ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو شكاً في ذلك لأن لفظة العلم تنافي الشك بل جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكره البيهقي بإسناد صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود ثلاثاً ثم صلى ركعتين قرأ فيهما: قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد). قوله: (ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا) فيه دلالة لما قاله الشافعي وغيره من العلماء أنه يستحب للطائف طواف القدوم إذا فرغ من الطواف، وصلاته خلف المقام أن يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه ثم يخرج من باب الصفا ليسعى، واتفقوا على أن هذا الاستلام ليس بواجب وإنما هو سنة لو تركه لم يلزمه دم. قوله: (ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبر وقال: لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إلَه إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة) في هذا اللفظ أنواع من المناسك منها أن السعي يشترط فيه أن يبدأ من الصفا وبه قال الشافعي ومالك والجمهور، وقد ثبت في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابدؤوا بما بدأ الله به هكذا بصيغة الجمع.
ومنها أنه ينبغي أن يرقى على الصفا والمروة وفي هذا الرقي خلاف، قال جمهور أصحابنا: هو سنة ليس بشرط ولا واجب فلو تركه صح سعيه لكن فاتته الفضيلة، وقال أبو حفص بن الوكيل من أصحابنا: لا يصح سعيه حتى يصعد على شيء من الصفا والصواب الأول، قال أصحابنا: لكن يشترط أن لا يترك شيئاً من المسافة بين الصفا والمروة فليلصق عقبيه بدرج الصفا، وإذا وصل المروة ألصق أصابع رجليه بدرجها، وهكذا في المرات السبع يشترط في كل مرة أن يلصق عقبيه بما يبدأ منه وأصابعه بما ينتهي إليه. قال أصحابنا: يستحب أن يرقى على الصفا والمروة حتى يرى البيت إن أمكنه. ومنها أنه يسن أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة ويذكر الله تعالى بهذا الذكر المذكور ويدعو ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا. وقال جماعة من أصحابنا: يكرر الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين فقط والصواب الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "وهزم الأحزاب وحده" معناه هزمهم بغير قتال من الاَدميين ولا بسبب من جهتهم، والمراد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وكان الخندق في شوال سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس. قوله: (ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة) هكذا هو في النسخ، وكذا نقله القاضي عياض عن جميع النسخ قال: وفيه إسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي ولا بد منها، وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم، وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين وفي الموطأ حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى خرج منه وهو بمعنى رمل، هذا كلام القاضي، وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، كما وقع في الموطأ وغيره والله أعلم. وفي هذا الحديث استحباب السعي الشديد في بطن الوادي حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه، وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع، والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده، ولو مشى في الجميع أو سعى في الجميع أجزأه وفاتته الفضيلة، هذا مذهب الشافعي وموافقيه. وعن مالك فيمن ترك السعي الشديد في موضعه روايتان: إحداهما كما ذكر، والثانية تجب عليه إعادته. قوله: (ففعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) فيه أنه يسن عليها من الذكر والدعاء والرقي مثل ما يسن على الصفا وهذا متفق عليه. قوله: (حتى إذا كان آخر طواف على المروة) فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن الذهاب من الصفا إلى المروة يحسب مرة، والرجوع إلى الصفا ثانية والرجوع إلى المروة ثالثة، وهكذا فيكون ابتداء السبع من الصفا وآخرها بالمروة. وقال ابن بنت الشافعي وأبو بكر الصيرفي من أصحابنا: يحسب الذهاب إلى المروة والرجوع إلى الصفا مرة واحدة فيقع آخر السبع في الصفا، وهذا الحديث الصحيح يرد عليهما وكذلك عمل المسلمين على تعاقب الأزمان والله أعلم. قوله: (فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟) إلى آخره. هذا الحديث سبق شرحه واضحاً في آخر الباب الذي قبل هذا، وجعشم بضم الجيم وبضم الشين المعجمة وفتحها ذكره الجوهري وغيره. قوله: (فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت فأنكر ذلك عليها) فيه إنكار الرجل على زوجته ما رآه منها من نقص في دينها لأنه ظن أن ذلك لا يجوز فأنكره. قوله: (فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً على فاطمة) التحريش الإغراء والمراد هنا أن يذكر له ما يقتضي عتابها. قوله: (قلت إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا قد سبق شرحه في الباب قبله، وأنه يجوز تعليق الإحرام بإحرام كإحرام فلان. قوله: (فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي) هذا أيضاً تقدم شرحه في الباب السابق، وفيه إطلاق اللفظ العام وإرادة الخصوص لأن عائشة لم تحل ولم تكن ممن ساق الهدي، والمراد بقوله حل الناس كلهم أي معظهم، والهدي بإسكان الدال وكسرها وتشديد الياء مع الكسر وتخفف مع الإسكان. وأما قوله: وقصروا فإنما قصروا ولم يحلقوا مع أن الحلق أفضل لأنهم أرادوا أن يبقى شعر يحلق في الحج فلو حلقوا لم يبق شعر فكان التقصير هنا أحسن ليحصل في النسكين إزالة شعر والله أعلم. قوله: (فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج) يوم التروية هو الثامن من ذي الحجة سبق بيانه واشتقاقه مرات، وسبق أيضاً مرات أن الأفضل عند الشافعي وموافقيه أن من كان بمكة وأراد الإحرام بالحج أحرم يوم التروية عملاً بهذا الحديث، وسبق بيان مذاهب العلماء فيه، وفي هذا بيان أن السنة أن لا يتقدم أحد إلى منى قبل يوم التروية وقد كره مالك ذلك، وقال بعض السلف: لا بأس به، ومذهبنا أنه خلاف السنة.
قوله: (وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر) فيه بيان سنن إحداها أن الركوب في تلك المواطن أفضل من المشي، كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي، هذا هو الصحيح في الصورتين أن الركوب أفضل، وللشافعي قول آخر ضعيف أن المشي أفضل، وقال بعض أصحابنا الأفضل في جملة الحج الركوب إلا في مواطن المناسك وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينهما، والسنة الثانية أن يصلي بمنى هذه الصلوات الخمس، والثالثة أن يبيت بمنى هذه الليلة وهي ليلة التاسع من ذي الحجة، وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع. قوله: (ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس) فيه أن السنة أن لا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس وهذا متفق عليه. قوله: (وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة) فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى، لأن السنة أن لا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جمعاً، فالسنة أن ينزلوا بنمرة فمن كان له قبة ضربها ويغتسلون للوقوف قبل الزوال، فإذا زالت الشمس سار بهم الإمام إلى مسجد إبراهيم عليه السلام وخطب بهم خطبتين خفيفتين ويخفف الثانية جداً، فإذا فرغ منها صلى بهم الظهر والعصر جامعاً بينهما، فإذا فرغ من الصلاة سار إلى الموقف. وفي هذا الحديث جواز الاستظلال للمحرم بقبة وغيرها ولا خلاف في جوازه للنازل، واختلفوا في جوازه للراكب، فمذهبنا جوازه وبه قال كثيرون، وكرهه مالك وأحمد، وستأتي المسألة مبسوطة في موضعها إن شاء الله تعالى، وفيه جواز اتخاذ القباب وجوازها من شعر. وقوله: (بنمرة) هي بفتح النون وكسر الميم هذا أصلها، ويجوز فيها ما يجوز في نظيرها وهو إسكان الميم مع فتح النون وكسرها وهي موضع بجنب عرفات وليست من عرفات. قوله: (ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية) معنى هذا أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام وهو جبل في المزدلفة يقال له قزح، وقيل: إن المشعر الحرام كل المزدلفة وهو بفتح الميم على المشهور وبه جاء القرآن وقيل بكسرها، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه فتجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه. قوله: (فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس) أما أجاز فمعناه جاوز المزدلفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات. وأما قوله: حتى أتى عرفة فمجاز والمراد قارب عرفات لأنه فسره بقوله: وجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها، وقد سبق أن نمرة ليست من عرفات، وقد قدمنا أن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جميعاً خلاف السنة. قوله: (حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس) أما القصواء فتقدم ضبطها وبيانها واضحاً في أول هذا الباب. وقوله: فرحلت هو بتخفيف الحاء أي جعل عليها الرحل. وقوله: (بطن الوادي) هو وادي عرنة بضم العين وفتح الراء وبعدها نون وليست عرنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة إلا مالكاً فقال: هي من عرفات. وقوله: (فخطب الناس) فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع وهو سنة باتفاق جماهير العلماء، وخالف فيها المالكية ومذهب الشافعي أن في الحج أربع خطب مسنونة: إحداها: يوم السابع من ذي الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر. والثانية: هذه التي ببطن عرنة يوم عرفات. والثالثة: يوم النحر. والرابعة يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق. قال أصحابنا: وكل هذه الخطب أفراد وبعد صلاة الظهر إلا التي يوم عرفات فإنها خطبتان وقبل الصلاة، قال أصحابنا: ويعلمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا" معناه متأكدة التحريم شديدته، وفي هذا دليل لضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياساً. قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوعة وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله" في هذه الجملة إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي لم يتصل بها قبض وأنه لا قصاص في قتلها، وأن الإمام وغيره ممن يأمر بمعروف أو ينهي عن منكر ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهله فهو أقرب إلى قبول قوله وإلى طيب نفس من قرب عهده بالإسلام. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "تحت قدمي" فإشارة إلى إبطاله.
(يتبع...)
*(تابع... 1): حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ إِسْحَقُ بْنُ... ...
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة" فقال المحققون والجمهور: اسم هذا الابن إياس ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وقيل اسمه حارثة وقيل آدم، قال الدارقطني: وهو تصحيف وقيل اسمه تمام، وممن سماه آدم الزبير بن بكار، قال القاضي عياض: ورواه بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث قال: وكذا رواه أبو داود، قيل: هو وهم والصواب ابن ربيعة لأن ربيعة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن عمر بن الخطاب، وتأوله أبو عبيد فقال دم ربيعة لأنه ولي الدم فنسبه إليه، قالوا: وكان هذا الابن المقتول طفلاً صغيراً يحبو بين البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر قاله الزبير بن بكار. قوله صلى الله عليه وسلم في الربا: "أنه موضوع كله" معناه الزائد على رأس المال كما قال الله تعالى: {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} وهذا الذي ذكرته إيضاح وإلا فالمقصود مفهوم من نفس لفظ الحديث لأن الربا هو الزيادة، فإذا وضع الربا فمعناه وضع الزيادة، والمراد بالوضع الرد والإبطال. قوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله" فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن وبيان حقوقهن والتحذير من التقصير في ذلك، وقد جمعتها أو معظمها في رياض الصالحين. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أخذتموهن بأمان الله" هكذا هو في كثير من الأصول وفي بعضها بأمانة الله قوله صلى الله عليه وسلم: "واستحللتم فروجهن بكلمة الله" قيل معناه قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إلَه إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم، وقيل: المراد بإباحة الله والكلمة قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} وهذا الثالث هو الصحيح، وبالأول قال الخطابي والهروي وغيرهما، وقيل: المراد بالكلمة الإيجاب والقبول ومعناه على هذا بالكلمة التي أمر الله تعالى بها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح" قال المازري: قيل المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال ولم يرد زناها لأن ذلك يوجب جلدها ولأن ذلك حرام مع من يكرهه الزوج ومن لا يكرهه. وقال القاضي عياض: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء ولم يكن ذلك عيباً ولا ريبة عندهم، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك، هذا كلام القاضي، والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحداً من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه، لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن والله أعلم. وأما الضرب المبرح فهو الضرب الشديد الشاق ومعناه اضربوهن ضرباً ليس بشديد ولا شاق، والبرح المشقة والمبرح بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء، وفي هذا الحديث إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب، فإن ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وذلك ثابت بالإجماع. قوله: (فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم أشهد) هكذا ضبطناه ينكتها بعد الكاف تاء مثناة فوق، قال القاضي: كذا الرواية بالتاء المثناة فوق، قال: وهو بعيد المعنى، قال: قيل صوابه ينكبها بباء موحدة، قال: ورويناه في سنن أبي داود بالتاء المثناة من طريق ابن الأعرابي وبالموحدة من طريق أبي بكر التمار ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيراً إليهم، ومنه نكب كنانته إذا قلبها هذا كلام القاضي. قوله: (ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً) فيه أنه يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك في ذلك اليوم، وقد أجمعت الأمة عليه واختلفوا في سببه، فقيل بسبب النسك وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال أكثر أصحاب الشافعي هو بسبب السفر، فمن كان حاضراً أو مسافراً دون مرحلتين كأهل مكة لم يجز له الجمع كما لا يجوز له القصر، وفيه أن الجامع بين الصلاتين يصلي الأولى أولاً وأنه يؤذن للأولى وأنه يقيم لكل واحدة منهما وأنه لا يفرق بينهما وهذا كله متفق عليه عندنا.
قوله: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص) في هذا الفصل مسائل وآداب للوقوف منها أنه إذا فرغ من الصلاتين عجل الذهاب إلى الموقف. ومنها أن الوقوف راكباً أفضل. وفيه خلاف بين العلماء وفي مذهبنا ثلاثة أقوال أصحها أن الوقوف راكباً أفضل، والثاني: غير الراكب أفضل، والثالث: هما سواء. ومنها أنه يستحب أن يقف عند الصخرات المذكورات وهي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات فهذا هو الموقف المستحب، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات، وأن الفضيلة في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات، فإن عجز فليقرب منه بحسب الإمكان، وسيأتي في آخر الحديث بيان حدود عرفات إن شاء الله تعالى عند قوله صلى الله عليه وسلم: (وعرفة كلها موقف) ومنها استحباب استقبال الكعبة في الوقوف. ومنها أنه ينبغي أن يبقى في الوقوف حتى تغرب الشمس ويتحقق كمال غروبها ثم يفيض إلى مزدلفة، فلو أفاض قبل غروب الشمس صح وقوفه وحجه ويجبر ذلك بدم، وهل الدم واجب أم مستحب؟ فيه قولان للشافعي أصحهما أنه سنة، والثاني: واجب وهما مبنيان على أن الجمع بين الليل والنهار واجب على من وقف النهار أم لا، وفيه قولان أصحهما سنة، والثاني واجب، وأما وقت الوقوف فهو ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني يوم النحر، فمن حصل بعرفات في جزء من هذا الزمان صح وقوفه، ومن فاته ذلك فاته الحج، هذا مذهب الشافعي وجماهير العلماء. وقال مالك: لا يصح الوقوف في النهار منفرداً بل لا بد من الليل وحده، فإن اقتصر على الليل كفاه إن اقتصر على النهار لم يصح وقوفه. وقال أحمد: يدخل وقت الوقوف من الفجر يوم عرفة، وأجمعوا على أن أصل الوقوف ركن لا يصح الحج إلا به والله أعلم. وأما قوله: (وجعل حبل المشاة بين يديه) فروي حبل بالحاء المهملة وإسكان الباء، وروى جبل بالجيم وفتح الباء، قال القاضي عياض رحمه الله: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة أي مجتمعهم، وحبل الرمل ما طال منه وضخم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم وحيث تسلك الرجالة. وأما قوله: (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص) هكذا هو في جميع النسخ، وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ قال: قيل لعل صوابه حين غاب القرص هذا كلام القاضي، ويحتمل أن الكلام على ظاهره ويكون قوله حتى غاب القرص بياناً لقوله: غربت الشمس وذهبت الصفرة فإن هذه تطلق مجازاً على مغيب معظم القرص، فأزال ذلك الاحتمال بقوله حتى غاب القرص والله أعلم. قوله: (وأردف أسامة خلفه) فيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة وقد تظاهرت به الأحاديث. قوله: (وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله) معنى شنق ضم وضيق وهو بتخفيف النون ومورك الرحل، قال الجوهري: قال أبو عبيد المورك والموركة يعني بفتح الميم وكسر الراء هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرجل إذا مل من الركوب، وضبطه القاضي بفتح الراء قال: وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب تجعل في مقدم الرحل شبه المخدة الصغيرة، وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة. قوله: (ويقول بيده السكينة السكينة) مرتين منصوباً أي الزموا السكينة وهي الرفق والطمأنينة، ففيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة فإذا وجد فرجة يسرع كما ثبت في الحديث الاَخر. قوله: (كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة) الحبال هنا بالحاء المهملة المكسورة جمع حبل وهو التل اللطيف من الرمل الضخم. وقوله: (حتى تصعد) هو بفتح الياء المثناة فوق وضمها، يقال: صعد في الحبل وأصعد. ومنه قوله تعالى: {إذ تصعدون} وأما المزدلفة فمعروفة سميت بذلك من التزلف والإزدلاف وهو التقرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وترقبوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي ساعات، وتسمى جمعاً بفتح الجيم وإسكان الميم، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، وعلم أن المزدلفة كلها من الحرم، قال الأزدرقي في تاريخ مكة والماوردي وأصحابنا في كتب المذهب وغيرهم: حد مزدلفة ما بين مازمي عرفة ووادي محسر، وليس الحدان منها، ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب والحبال الداخلة في الحد المذكور.
قوله: (حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً) فيه فوائد منها أن السنة للدافع من عرفات أن يؤخر المغرب إلى وقت العشاء ويكون هذا التأخير بنية الجمع ثم يجمع بينهما في المزدلفة في وقت العشاء وهذا مجمع عليه، لكن مذهب أبي حنيفة وطائفة أنه يجمع بسبب النسك، ويجوز لأهل مكة والمزدلفة ومنى وغيرهم، والصحيح عند أصحابنا أنه جمع بسبب السفر، فلا يجوز إلا لمسافر سفراً يبلغ به مسافة القصر وهو مرحلتان قاصدتان، وللشافعي قول ضعيف أنه يجوز الجمع في كل سفر وإن كان قصيراً، وقال بعض أصحابنا: هذا الجمع بسبب النسك كما قال أبو حنيفة والله أعلم. قال أصحابنا: ولو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات أو في الطريق أو في موضع آخر وصلى كل واحدة في وقتها جاز جميع ذلك لكنه خلاف الأفضل هذا مذهبنا، وبه قال جماعات من الصحابة والتابعين، وقاله الأوزاعي وأبو يوسف وأشهب وفقهاء أصحاب الحديث. وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين: يشترط أن يصليهما بالمزدلفة ولا يجوز قبلها. وقال مالك: لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة إلا من به أو بدابته عذر، فله أن يصليهما قبل المزدلفة بشرط كونه بعد مغيب الشفق، ومنها أن يصلي الصلاتين في وقت الثانية بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وعبد الملك الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي، وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولى، ويؤذن ويقيم أيضاً للثانية، وهو محكي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: أذان واحد وإقامة واحدة. وللشافعي وأحمد قول أنه يصلي كل واحدة بإقامتها بلا أذان، وهو محكي عن القاسم بن محمدو سالم بن عبد الله بن عمر، وقال الثوري: يصليهما جميعاً بإقامة واحدة، وهو يحكي أيضاً عن ابن عمر والله أعلم. وأما قوله: (لم يسبح بينهما) فمعناه لم يصل بينهما نافلة، والنافلة تسمى سبحة لاشتمالها على التسبيح ففيه الموالاة بين الصلاتين المجموعتين ولا خلاف في هذا لكن اختلفوا هل هو شرط للجمع أم لا؟ والصحيح عندنا أنه ليس بشرط بل هو سنة مستحبة. وقال بعض أصحابنا: هو شرط. أما إذا جمع بينهما في وقت الأولى فالموالاة شرط بلا خلاف. قوله: (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة) في هذا الفصل مسائل: إحداها أن المبيت بمزدلفة ليلة النحر بعد الدفع من عرفات نسك وهذا مجمع عليه، لكن اختلف العلماء هل هو واجب أم ركن أم سنة؟ والصحيح من قولي الشافعي أنه واجب لو تركه أثم وصح حجه ولزمه دم. والثاني: أنه سنة لا إثم في تركه ولا يجب فيه دم ولكن يستحب، وقال جماعة من أصحابنا: هو ركن لا يصح الحج إلا به كالوقوف بعرفات، قاله من أصحابنا ابن بنت الشافعي وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وقاله خمسة من أئمة التابعين وهم: علقمة والأسود والشعبي والنخعي والحسن البصري والله أعلم. والسنة أن يبقى بالمزدلفة حتى يصلي بها الصبح إلا الضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، وفي أقل المجزى من هذا المبيت ثلاثة أقوال عندنا الصحيح ساعة في النصف الثاني من الليل، والثاني ساعة في النصف الثاني أو بعد الفجر قبل طلوع الشمس، والثالث معظم الليل والله أعلم. المسألة الثانية: السنة أن يبلغ بتقديم صلاة الصبح في هذا الموضع ويتأكد التبكير بها في هذا اليوم أكثر من تأكده في سائر السنة للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن وظائف هذا اليوم كثيرة فسن المبالغة بالتبكير بالصبح ليتسع الوقت للوظائف. الثالثة: يسن الأذان والإقامة لهذه الصلاة وكذلك غيرها من صلوات المسافر، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالأذان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر كما في الحضر والله أعلم. قوله: (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ودفع قبل أن تطلع الشمس) أما القصواء فسبق في أول الباب بيانها، وأما قوله ثم ركب ففيه أن السنة الركوب وأنه أفضل من المشي وقد سبق بيانه مرات وبيان الخلاف فيه، وأما المشعر الحرام فبفتح الميم هذا هو الصحيح وبه جاء القرآن وتظاهرت به روايات الحديث، ويقال أيضاً بكسر الميم، والمراد به هنا قزح بضم القاف وفتح الزاي وبحاء مهملة وهو جبل معروف في المزدلفة، وهذا الحديث حجة الفقهاء في أن المشعر الحرام هو قزح، وقال جماهير المفسرين وأهل السير والحديث: المشعر الحرام جميع المزدلفة. وأما قوله: فاستقبل القبلة يعني الكعبة فدعاه إلى آخره فيه أن الوقوف على قزح من مناسك الحج وهذا لا خلاف فيه، لكن اختلفوا في وقت الدفع منه فقال ابن مسعود وابن عمر وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: لا يزال واقفاً فيه يدعو ويذكر حتى يسفر الصبح جداً كما في هذا الحديث. وقال مالك: يدفع منه قبل الأسفار والله أعلم. وقوله: (أسفر جداً) الضمير في أسفر يعود إلى الفجر المذكور أولاً.
وقوله: (جداً) بكسر الجيم أي إسفاراً بليغاً. قوله في صفة الفضل بن عباس: (أبيض وسيماً) أي حسناً. قوله: (مرت به ظعن يجرين) الظُعْن بضم الظاء والعين ويجوز إسكان العين جمع ظعينة كسفينة وسفن وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة ثم تسمى به المرأة مجازاً لملابستها البعير، كما أن الرواية أصلها الجمل الذي يحمل الماء، ثم تسمى به القربة لما ذكرناه، وقوله يجرين بفتح الياء. قوله: (فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات وغضهن عن الرجال الأجانب، وهذا معنى قوله: وكان أبيض وسيماً حسن الشعر يعني أنه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه. وفي رواية الترمذي وغيره في هذا الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك قال: رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما". فهذا يدل على أن وضعه صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل كان لدفع الفتنة عنه وعنها، وفيه أن من رأى منكراً وأمكنه إزالته بيده لزمه إزالته، فإن قال بلسانه ولم ينكف المقول له وأمكنه بيده أثم ما دام مقتصراً على اللسان والله أعلم. قوله: (حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً) أما محسر فبضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعي وكل، ومنه قوله تعالى: {ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير} وأما قوله: فحرك قليلاً فهي سنة من سنن السير في ذلك الموضع، قال أصحابنا: يسرع الماشي ويحرك الراكب دابته في وادي محسر ويكون ذلك قدر رمية حجر والله أعلم. قوله: (ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف رمى من بطن الوادي) أما قوله سلك الطريق الوسطى ففيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة وهو غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات، وهذا معنى قول أصحابنا يذهب إلى عرفات في طريق ضب ويرجع في طريق المازمين ليخالف الطريق تفاؤلاً بغير الحال كما فعل صلى الله عليه وسلم في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق ورجع في طريق آخر وحول رداءه في الاستسقاء. وأما الجمرة الكبرى فهي جمرة العقبة وهي التي عند الشجرة، وفيه أن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة ولا يفعل شيئاً قبل رميها ويكون ذلك قبل نزوله. وفيه أن الرمي بسبع حصيات وإن قدرهن بقدر حصى الخذف وهو نحو حبة الباقلاء، وينبغي ألا يكون أكبر ولا أصغر، فإن كان أكبر أو أصغر أجزأه بشرط كونها حجراً، ولا يجوز عند الشافعي والجمهور الرمي بالكحل والزرنيخ والذهب والفضة وغير ذلك مما لا يسمى حجراً، وجوزه أبو حنيفة بكل ما كان من أجزاء الأرض، وفيه أنه يسن التكبير مع كل حصاة، وفيه أنه يجب التفريق بين الحصيات فيرميهن واحدة واحدة، فإن رمى السبعة رمية واحدة حسب ذلك كله حصاة واحدة عندنا وعند الأكثرين، وموضع الدلالة لهذه المسألة يكبر مع كل حصاة، فهذا تصريح بأنه رمى كل حصاة وحدها مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَتي بعد هذا في أحاديث الرمي: (لتأخذوا عني مناسككم) وفيه أن السنة أن يقف للرمي في بطن الوادي بحيث تكون منى وعرفات والمزدلفة عن يمينه ومكة عن يساره، وهذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، وقيل: يقف مستقبل الكعبة وكيفما رمى أجزأه بحيث يسمى رمياً بما يسمى حجراً والله أعلم. وأما حكم الرمي فالمشروع منه يوم النحر رمي جمرة العقبة لا غير بإجماع المسلمين وهو نسك بإجماعهم ومذهبنا أنه واجب ليس بركن، فإن تركه حتى فاتته أيام الرمي عصى ولزمه دم وصح حجه. وقال مالك: يفسد حجه ويجب رميها بسبع حصيات، فلو بقيت منهن واحدة لم تكفه الست. وأما قوله فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف فهكذا هو في النسخ وكذا نقله القاضي عياض عن معظم النسخ قال: وصوابه مثل حصى الخذف، قال: وكذلك رواه غير مسلم، وكذا رواه بعض رواة مسلم، هذا كلام القاضي. قلت: والذي في النسخ من غير لفظة مثل هو الصواب بل لا يتجه غيره ولا يتم الكلام إلا كذلك ويكون قوله حصى الخذف متعلقاً بحصيات أي رماها بسبع حصيات حصى الخذف يكبر مع كل حصاة، فحصى الخذف متصل بحصيات، واعترض بينهما يكبر مع كل حصاة وهذا هو الصواب والله أعلم. قوله: (ثم انصرف إلى النحر فنحر ثلاثاً وستين بيده ثم أعطى علياً فنحر ما غبر وأشركه في هديه) هكذا هو في النسخ ثلاثاً وستين بيده، وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة سوى ابن ماهان فإنه رواه بدنة قال: وكلامه صواب والأول أصوب، قلت: وكلاهما حري فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده.
قال القاضي: فيه دليل على أن المنحر موضع معين من منى وحيث ذبح منها أو من الحرم أجزأه، وفيه استحباب تكثير الهدي وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة مائة بدنة، وفيه استحباب ذبح المهدي هديه بنفسه وجواز الاستنابة فيه وذلك جائز بالإجماع إذا كان النائب مسلماً، ويجوز عندنا أن يكون النائب كافراً كتابياً بشرط أن ينوي صاحب الهدي عند دفعه إليه أو عند ذبحه. وقوله: ما غبر أي ما بقي، وفيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا وإن كانت كثيرة في يوم النحر، ولا يؤخر بعضها إلى أيام التشريق. وأما قوله: (وأشركه في هديه) فظاهره أنه شاركه في نفس الهدي، قال القاضي عياض: وعندي أنه لم يكن تشريكاً حقيقة بل أعطاه قدراً يذبحه، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثاً وستين كما جاء في رواية الترمذي، وأعطى علياً البدن التي جاءت معه من اليمن وهي تمام المائة والله أعلم. قوله: (أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها) البضعة بفتح الباء لا غير وهي القطعة من اللحم، وفيه استحباب الأكل من هدي التطوع وأضحيته، قال العلماء: لما كان الأكل من كل واحدة سنة وفي الأكل من كل واحدة من المائة منفردة كلفة جعلت في قدر ليكون آكلاً من مرق الجميع الذي فيه جزء من كل واحدة، ويأكل من اللحم المجتمع في المرق ما تيسر، وأجمع العلماء على أن الأكل من هدي التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب. قوله: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر) هذا الطواف هو طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين، وأول وقته عندنا من نصف ليلة النحر، وأفضله بعد رمي جمرة العقبة وذبح الهدي والحلق، ويكون ذلك ضحوة يوم النحر، ويجوز في جميع يوم النحر بلا كراهة ويكره تأخيره عنه بلا عذر، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة، ولا يحرم تأخيره سنين متطاولة ولا آخر لوقته بل يصح ما دام الإنسان حياً، وشرطه أن يكون بعد الوقوف بعرفات حتى لو طاف للإفاضة بعد نصف ليلة النحر قبل الوقوف ثم أسرع إلى عرفات فوقف قبل الفجر لم يصح طوافه لأنه قدمه على الوقوف، واتفق العلماء على أنه لا يشرع في طواف الإفاضة رمل ولا اضطباع إذا كان قد رمل واضطبع عقب طواف القدوم، ولو طاف بنية الوادع أو القدوم أو التطوع، وعليه، طواف إفاضة وقع عن طواف الإفاضة بلا خلاف عندنا، نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه، كما لو كان عليه حجة الإسلام فحج بنية قضاء أو نذر أو تطوع فإنه يقع عن حجة الإسلام. وقال أبو حنيفة وأكثر العلماء: لا يجزئ طواف الإفاضة بنية غيره، واعلم أن طواف الإفاضة له أسماء فيقال أيضاً طواف الزيارة وطواف الفرض والركن، وسماه بعض أصحابنا طواف الصدر وأنكره الجمهور. قالوا: وإنما طواف الصدر طواف الوداع والله أعلم. وفي هذا الحديث استحباب الركوب في الذهاب من منى إلى مكة ومن مكة إلى منى ونحو ذلك من مناسك الحج، وقد ذكرنا قبل هذا مرات المسألة وبينا أن الصحيح استحباب الركوب وأن من أصحابنا من استحب المشي هناك. وقوله: (فأفاض إلى البيت فصلى الظهر) فيه محذوف تقديره فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلى الظهر فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه. وأما قوله فصلى بمكة الظهر فقد ذكر مسلم بعد هذا في أحاديث طواف الإفاضة من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر فصلى الظهر بمنى، ووجه الجمع بينهما أنه صلى الله عليه وسلم طاف للإفاضة قبل الزوال ثم صلى الظهر بمكة في أول وقتها ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك، فيكون متنفلاً بالظهر الثانية التي بمنى، وهذا كما ثبت في الصحيحين في صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل أحد أنواع صلاة الخوف فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه الصلاة بكمالها وسلم بهم ثم صلى بالطائفة الأخرى تلك الصلاة مرة أخرى فكانت له صلاتان ولهم صلاة، وأما الحديث الوارد عن عائشة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الزيارة يوم النحر إلى الليل فمحمول على أنه عاد للزيارة مع نسائه لا لطواف الإفاضة، ولا بد من هذا التأويل للجمع بين الأحاديث، وقد بسطت إيضاح هذا لجواب في شرح المهذب والله أعلم. قوله: (فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلواً فشرب منه) أما قوله صلى الله عليه وسلم: انزعوا فبكسر الزاي ومعناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء. وأما قوله: فأعتى بني عبد المطلب فمعناه أتاهم بعد فراغه من طواف الإفاضة. وقوله: يسقون على زمزم معناه يغرفون بالدلاء ويصبونه في الحياض ونحوها ويسبلونه للناس.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن يغلبكم الناس لنزعت معكم" معناه لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك في مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء، وفيه فضيلة العمل في هذا الاستقاء واستحباب شرب ماء زمزم. وأما زمزم فهي البئر المشهورة في المسجد الحرام بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثون ذراعاً، قيل: سميت زمزم لكثرة مائها، يقال ماء زمزوم وزمزم وزمازم إذا كان كثيراً، وقيل لضم هاجر رضي الله عنها لمائها حين انفجرت وزمها إياه، وقيل لزمزمة جبريل عليه السلام وكلامه عند فجره إياها، وقيل إنها غير مشتقة، ولها أسماء أخر ذكرتها في تهذيب اللغات مع نفائس أخرى تتعلق بها منها أن علياً رضي الله عنه قال: خير بئر في الأرض زمزم، وشر بئر في الأرض برهوت والله أعلم. قوله: (وكانت العرب يدفع بهم أبو سيارة) هو بسين مهملة ثم ياء مثناة تحت مشددة أي كان يدفع بهم في الجاهلية. قوله: (فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة بالمشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه ويكون منزله ثم فأجاز ولم يعرض له حتى أتى عرفات فنزل) أما المشعر فسبق بيانه وأنه بفتح الميم على المشهور وقيل بكسرها، وأن قزح الجبل المعروف في المزدلفة، وقيل كل المزدلفة، وأوضحنا الخلاف فيه بدلائله، وهذا الحديث ظاهر الدلالة في أنه ليس كل المزدلفة. وقوله: أجاز أي جاوز وقوله: ولم يعرض هو بفتح الياء وكسر الراء، ومعنى الحديث أن قريشاً كانت قبل الإسلام تقف بالمزدلفة وهي من الحرم ولا يقفون بعرفات وكان سائر العرب يقفون بعرفات، وكانت قريش تقول: نحن أهل الحرم فلا نخرج منه، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم ووصل المزدلفة اعتقدوا أنه يقف بالمزدلفة على عادة قريش فجاوز إلى عرفات لقول الله عز وجل: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي جمهور الناس، فإن من سوى قريش كانوا يقفون بعرفات ويفيضون منها. وأما قوله: (فأجاز ولم يعرض له حتى أتى عرفات فنزل) ففيه مجاز تقديره فأجاز متوجهاً إلى عرفات حتى قاربها فضربت له القبة بنمرة قريب من عرفات فنزل هناك حتى زالت الشمس ثم خطب وصلى الظهر والعصر ثم دخل أرض عرفات حتى وصل الصخرات فوقف هناك، وقد سبق هذا واضحاً في الرواية الأولى
*2* باب ما جاء أن عرفة كلها موقف
*حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ جَعْفَرٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَحَرْتُ هَهُنَا. وَمِنًى كُلّهَا مَنْحَرٌ. فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ. وَوَقَفْتُ هَهُنَا. وَعَرَفَةُ كُلّهَا مَوْقِفٌ. وَوَقَفْتُ هَهُنَا. وَجَمْعٌ كُلّهَا مَوْقِفٌ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا قَدِمَ مَكّةَ أَتَىَ الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ. ثُمّ مَشَىَ عَلَىَ يَمِينِهِ. فَرَمَلَ ثَلاَثاً وَمَشَىَ أَرْبَعاً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف" في هذه الألفاظ بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم في تنبيههم على مصالح دينهم ودنياهم، فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الأكمل والجائز، فالأكمل موضع نحره ووقوفه، والجائز كل جزء من أجزاء المنحر، وجزء من أجزاء عرفات وخيرهن أجزاء المزدلفة، وهي جمع بفتح الجيم وإسكان الميم وسبق بيانها وبيان حدها وحد منى في هذا الباب، وأما عرفات فحدها ما جاوز وادي عرنة إلى الجبال القابلة مما يلي بساتين ابن عامر، هكذا نص عليه الشافعي وجميع أصحابه. ونقل الأزرقي عن ابن عباس أنه قال: حد عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفات إلى وصيقبفتح الواو وكسر الصاد المهملة وآخره قاف إلى ملتقى وصيق وادي عرنة، وقيل في حدها غير هذا مما هو متقارب له، وقد بسطت القول في إيضاحه في شرح المهذب وكتاب المناسك والله أعلم. قال الشافعي وأصحابنا: يجوز نحر الهدي ودماء الحيوانات في جميع الحرم لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى، وأفضل موضع منها للنحر موضع نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه، والأفضل في حق المعتمر أن ينحر في المروة لأنها موضع تحلله، كما أن منى موضع تحلل الحاج، قالوا: ويجوز الوقوف بعرفات في أي جزء كان منها، وكذا يجوز الوقوف على المشعر الحرام، وفي كل جزء من أجزاء المزدلفة لهذا الحديث والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم" فالمراد بالرحال المنازل، قال أهل اللغة: رحل الرجل منزله سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر، ومعنى الحديث منى كلها منحر يجوز النحر فيها فلا تتكلفوا النحر في موضع نحري، بل يجوز لكم النحر في منازلكم من منى. قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتي الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً) في هذا الحديث أن السنة للحاج أن يبدأ أول قدومه بطواف القدوم ويقدمه على كل شيء، وأن يستلم الحجر الأسود في أول طوافه، وأن يرمل في ثلاث طوفات من السبع ويمشي في الأربع الأخيرة، وسيأتي هذا كله واضحاً حيث ذكر مسلم أحاديثه والله أعلم
*2* باب في الوقوف وقوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ. وَكَانُوا يُسَمّوْنَ الْحُمْسَ. وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ. فَلَمّا جَاءَ الإِسْلاَمُ أَمَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ نَبِيّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَيَقِفَ بِهَا. ثُمّ يُفِيضَ مِنْهَا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ: {ثُمّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} (2 البقرة الاَية: 1).
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً. إِلاّ الْحُمْسَ. وَالْخُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ. كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً. إِلاّ أَنْ تُعْطِيَهُمُ الْحُمْسُ ثِيَاباً. فَيُعْطِي الرّجَالُ الرّجَالَ وَالنّسَاءُ النّسَاءَ. وَكَانَتِ الْحُمْسُ لاَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ. وَكَانَ النّاسُ كُلّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ. قَالَ هِشَامٌ: فَحَدّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: الْحُمْسُ هُمُ الّذِينَ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ: {ثُمّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} (2 البقرة الاَية: 1). قَالَتْ: كَانَ النّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ. وَكَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ. يَقُولُونَ: لاَ نُفِيضُ إِلاّ مِنَ الْحَرَمِ. فَلَمّا نَزَلَتْ: {أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ} رَجَعُوا إِلَىَ عَرَفَاتٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو. سَمِعَ مُحَمّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيراً لِي. فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ. فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفاً مَعَ النّاسِ بِعَرَفَةَ. فَقُلْتُ: وَاللّهِ إِنّ هَذَا لَمِنَ الْحُمْسِ. فَمَا شَأْنُهُ هَهُنَا؟ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدّ مِنَ الْحُمْسِ.
قوله: (كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس) إلى آخره. الحمس بضم الحاء المهملة وإسكان الميم وبسين مهملة قال أبو الهيثم: الحمس هم قريش ومن ولدته قريش وكنانة وجديلة قيس، سموا حمساً لأنهم تحمسوا في دينهم أي تشددوا، وقيل سموا حمساً بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد، وقد سبق قريباً شرح هذا الحديث وسبب وقوفهم بالمزدلفة. قوله: (كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس) هذا من الفواحش التي كانوا عليها في الجاهلية. وقيل: نزل فيه قوله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا} ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من الحجة التي حجها أبو بكر رضي الله عنه سنة تسع أن ينادي مناديه أن لا يطوف بالبيت عريان.
قوله: (عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيراً لي فذهبت أطلبه يوم عرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفاً مع الناس بعرفة فقلت: والله إن هذا لمن الحمس فما شأنه ههنا وكانت قريش تعد من الحمس) قال القاضي عياض: كان هذا في حجه قبل الهجرة وكان جبير حينئذ كافراً وأسلم يوم الفتح، وقيل يوم خيبر فتعجب من وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات والله أعلم
*2* باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَالَ لِي: "أَحَجَجْتَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟" قَالَ قُلْتُ: لَبّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "قَدْ أَحْسَنْتَ. طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَأَحِلّ" قَالَ: فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَيْسٍ. فَفَلَتْ رَأْسِي. ثُمّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجّ. قَالَ: فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النّاسَ. حَتّىَ كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُوسَىَ أَوْ: يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ قَيْسٍ رُوَيْدَكَ بَعْضَ فُتْيَاكَ. فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النّسُكِ بَعْدَكَ. فَقَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ مَنْ كُنّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيءٍ فَلْيَتّئِدْ. فَإِنّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ. فَبِهِ فَائْتَمّوا. قَالَ: فَقَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْه فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللّهِ فَإِنّ كِتَابَ اللّهِ يَأْمُرُ بِالتّمَامِ. وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلّ حَتّىَ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ.
وحدّثناه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا شُعْبَةُ فِي هَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيَ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي موسى رضي اللّهُ عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَالَ: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟" قَالَ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟" قُلْتُ: لاَ. قَالَ: "فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ حِلّ" فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي. فَكُنْتُ أُفْتِي النّاسَ بِذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ. فَإِنّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النّسُكِ. فَقُلْتُ: أَيّهَا النّاسُ مَنْ كُنّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتّئِدْ. فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ. فَبهِ فَائْتَمّوا. فَلَمّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النّسُكِ؟ قَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَالَ: {وَأَتِمّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} (2 البقرة الاَية: 1). وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنّةِ نَبِيّنَا عَلَيْهِ الصّلاَةُ وَالسّلاَمُ، فَإِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلّ حَتّىَ نَحَرَ الْهَدْيَ.
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي موسى رضي اللّهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي إِلَىَ الْيَمَنِ. قَالَ: فَوَافَقْتُهُ فِي الْعَامِ الّذِي حَجّ فِيهِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا مُوسَىَ كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ؟" قَالَ: قُلْتُ: "لَبّيْكَ إِهْلاَلاً كَإِهْلاَلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "هَلْ سُقْتَ هَدْياً؟" فَقُلْتُ: لاَ. قَالَ: "فَانْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ أَحِلّ" ثُمّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُوسَىَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ أَنّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: رُوَيْدَكَ بِبَعْضِ فُتَيَاكَ. فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النّسُكِ بَعْدُ.حَتّىَ لَقِيَهُ بَعْدُ. فَسَأَلَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَعَلَهُ، وَأَصْحَابُهُ. وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلّوا مُعْرِسِينَ بِهِنّ فِي الأَرَاكِ. ثُمّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجّ تَقْطُرُ رُؤُوسُهُمْ.
في الباب حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أحججت؟ قال فقلت نعم، فقال: بم أهللت؟ قال: قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قد أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل، قال: فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي ثم أهللت بالحج) في هذا الحديث فوائد منها جواز تعليق الإحرام، فإذا قال: أحرمت بإحرام كإحرام زيد صح إحرامه وكان إحرامه كإحرام زيد، فإن كان زيد محرماً بحج أو بعمرة أو قارناً كان المعلق مثله، وإن كان زيد أحرم مطلقاً كان المعلق مطلقاً، ولا يلزمه أن يصرف إحرامه إلى ما يصرف زيد إحرامه إليه، فلو صرف زيد إحرامه إلى حج كان للمعلق صرف إحرامه إلى عمرة وكذا عكسه. ومنها استحباب الثناء على من فعل فعلاً جميلاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحسنت" وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل" فمعناه أنه صار كالنبي صلى الله عليه وسلم وتكون وظيفته أن يفسخ حجه إلى عمرة فيأتي بأفعالها وهي الطواف والسعي والحلق، فإذا فعل ذلك صار حلالاً وتمت عمرته، وإنما لم يذكر الحلق هنا لأنه كان مشهوراً عندهم، ويحتمل أنه داخل في قوله وأحل. وقوله: (ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي) هذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرماً له. وقوله: (ثم أهللت بالحج) يعني أنه تحلل بالعمرة وأقام بمكة حلالاً إلى يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة ثم أحرم بالحج يوم التروية كما جاء مبيناً في غير هذه الرواية، فإن قيل: قد علق علي بن أبي طالب وأبو موسى رضي الله عنهما إحرامهما بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم فأمر علياً بالدوام على إحرامه قارناً وأمر أبا موسى بفسخه إلى عمرة، فالجواب أن علياً رضي الله عنه كان معه الهدي كما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم الهدي فبقي على إحرامه كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم وكل من معه هدي، وأبو موسى لم يكن معه هدي فتحلل بعمرة كمن لم يكن معه هدي، ولولا الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم لجعلها عمرة، وقد سبق إيضاح هذا الجواب في الباب الذي قبل هذا. قوله: ففلت رأسي هو بتخفيف اللام. قوله: (رويدك بعض فتياك) معنى رويدك ارفق قليلاً وأمسك عن الفتيا، ويقال فتيا وفتوى لغتان مشهورتان. قوله: أن عمر رضي الله عنه قال: (إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ظاهر كلام عمر هذا إنكار فسخ الحج إلى العمرة، وأن نهيه عن التمتع إنما هو من باب ترك الأولى لأنه منع ذلك منع تحريم وإبطال، ويؤيد هذا قوله بعد هذا: (قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه لكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك).
وقوله: (معرسين) هو بإسكان العين وتخفيف الراء، والضمير في بهن يعود إلى النساء للعلم بهن وإن لم يذكرن، ومعناه كرهت التمتع لأنه يقتضي التحلل ووطء النساء إلى حين الخروج إلى عرفات.
*2* باب جواز التمتّع
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ شَقِيقٍ: كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَىَ عَنِ الْمُتْعَةِ. وَكَانَ عَلِيّ يَأْمُرُ بِهَا. فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيَ كَلِمَةً. ثُمّ قَالَ عَلِيّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنّا قَدْ تَمَتّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: أَجَلْ. وَلَكِنّا كُنّا خَائِفِينَ.
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيّ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا بِعُسْفَانَ. فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَىَ عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ. فَقَالَ عَلِيّ: مَا تُرِيدُ إِلَىَ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، تَنْهَىَ عَنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْكَ. فَقَالَ: إِنّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ. فَلَمّا أَنْ رَأَىَ عَلِيّ ذَلِكَ، أَهَلّ بِهِمَا جَمِيعاً.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجّ لأَصْحَابِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاصّةً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَيّاشٍ الْعَامِرِيّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً. يَعْنِي الْمُتْعَةَ فِي الْحَجّ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: لاَ تَصْلُحُ الْمُتْعَتَانِ إِلاّ لَنَا خَاصّةً. يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجّ وَمُتْعَةَ النّسَاءِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ قَالَ: أَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ النَخَعِيّ وَإِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ. فَقُلْتُ: إِنّي أَهُمّ أَنْ أَجْمَعَ الْعُمْرَةَ وَالْحَجّ، الْعَامَ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النّخْعِيّ. لَكِنْ أَبُوكَ لَمْ يَكُنْ لِيَهُمّ بِذَلِكَ. قَالَ قُتَيْبَة: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ مَرّ بِأَبِي ذَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِالرّبَذَةِ. فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: إِنَمّا كَانَتْ لَنَا خَاصّةً دُونَكُمْ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ الْفَزَارِيّ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنِ الْمُتْعَةِ؟ فَقَالَ: فَعَلْنَاهَا. وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِي بُيُوتَ مَكّةَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: يَعْنِي مُعَاوِيَةَ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. جَمِيعاً عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: الْمُتْعَةُ فِي الْحَجّ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ، عَنْ مُطَرّفٍ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: إِنّي لأُحَدّثُكَ بِالْحَدِيثِ، الْيَوْمَ، يَنْفَعُكَ اللّهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ. وَاعْلَمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ. فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ نَنْسَخُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتّىَ مَضَىَ لِوَجْهِهِ. ارْتَأَىَ كُلّ امْرِئٍ، بَعْدُ، مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. كِلاَهُمَا عَنْ وَكِيعٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْجُرِيْرِيّ فِي هَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِي رِوَايَتِهِ: ارْتَأَىَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. يَعْنِي عُمَرَ.
وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ مُطَرّفٍ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أُحَدّثُكَ حَدِيثاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجّةٍ وَعُمْرَةٍ. ثُمّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتّىَ مَاتَ. وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرّمُهُ. وَقَدْ كَانَ يُسَلّمُ عَلَيّ حَتّىَ اكْتَوَيْتُ. فَتُرِكْتُ. ثُمّ تَرَكْتُ الْكَيّ فَعَادَ.
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرّفاً قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَان بْنُ حُصَيْنٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّىَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرّفٍ قَالَ: بَعَثَ إِلَيّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِي مَرَضِهِ الّذِي تُوُفّيَ فِيهِ. فَقَالَ: إِنّي كُنْتُ مُحَدّثَكَ بِأَحَادِيثَ. لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهَا بَعْدِي. فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنّي. وَإِنْ مُتّ فَحَدّثْ بِهَا إِنْ شِئْتَ: إِنّهُ قَدْ سُلّمَ عَلَيّ. وَاعْلَمْ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَ وَعُمْرَةٍ، ثُمّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابُ اللّهِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَبِيّ اللّه صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَجُلٌ فِيهَا بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرّفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الشّخّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: اعْلَمْ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجَ وَعُمْرَةٍ. ثُمّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابٌ. وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: تَمْتّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْقُرْآنُ. قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.
وحدّثنيهِ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ وَاسِعٍ عَنْ مُطَرّفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الشّخّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عنه بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ: تَمَتّعَ نَبِيّ اللّهُ صلى الله عليه وسلم وَتَمَتّعْنَا مَعَهُ.
حدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللّهِ (يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجّ). وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجّ. وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ مَاتَ. قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ، بَعْدُ، مَا شَاءَ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ. حَدّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَقُلْ: وَأَمَرَنَا بِهَا.
قوله: (كان عثمان رضي الله عنه ينهي عن المتعة وكان علي يأمر بها) المختار أن المتعة التي نهى فيها عثمان هي التمتع المعروف في الحج، وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم، وإنما نهيا عنها لأن الافراد أفضل فكان عمر وعثمان يأمران بالافراد لأنه أفضل، وينهيان عن التمتع نهي تنزيه لأنه مأمور بصلاح رعيته، وكان يرى الأمر بالافراد من جملة صلاحهم والله علم. قوله: (ثم قال علي لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجل ولكن كنا خائفين) فقوله أجل بإسكان اللام أي نعم، وقوله كنا خائفين لعله أراد بقوله خائفين يوم عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة، لكن لم يكن تلك السنة حقيقة تمتع إنما كان عمرة وحدها. قوله: (فقال عثمان دعنا عنك فقال يعني علياً إني لا أستطيع أن أدعك فلما أن رأى علي ذلك أهل بهما) ففيه إشاعة العلم وإظهاره ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه ووجوب مناصحة المسلم في ذلك، وهذا معنى قول علي: لا أستطيع أن أدعك. وأما إهلال علي بهما فقد يحتج به من يرجح القران، وأجاب عنه من رجح الافراد بأنه إنما أهل بهما ليبين جوازهما لئلا يظن الناس أو بعضهم أنه لا يجوز القران ولا التمتع وأنه يتعين الافراد والله أعلم.
قوله: (عن أبي ذر قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة).وفي الرواية الأخرى: (كانت لنا رخصة) يعني المتعة في الحج. وفي الرواية الأخرى: (قال أبو ذر: لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة يعني متعة النساء ومتعة الحج) وفي الرواية الأخرى: (إنما كانت لنا خاصة دونكم) قال العلماء: معنى هذه الروايات كلها أن فسخ الحج إلى العمرة كان للصحابة في تلك السنة وهي حجة الوداع ولا يجوز بعد ذلك، وليس مراد أبي ذر إبطال التمتع مطلقاً، بل مراده فسخ الحج كما ذكرنا، وحكمته إبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع العمرة في أشهر الحج. وقد سبق بيان هذا كله في الباب السابق والله أعلم. قوله: (لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة) معناه إنما صلحتا لنا خاصة في الوقت الذي فعلناهما فيه ثم صارتا حراماً بعد ذلك إلى يوم القيامة والله أعلم.
قوله: (سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة فقال: فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني بيوت مكة). وفي الرواية الأخرى: (يعني معاوية). وفي الرواية الأخرى: (المتعة في الحج) أما العرش فبضم العين والراء وهي بيوت مكة كما فسره في الرواية، قال أبو عبيد: سميت بيوت مكة عرشاً لأنها عيدان تنصب وتظلل، قال: ويقال لها أيضاً عروش بالراء وواحدها عرش كفلس وفلوس، ومن قال عرش فواحدها عريش كقليب وقلب، وفي حديث آخر أن عمر رضي الله عنه كان إذا نظر إلى عروش مكة قطع التلبية. وأما قوله: وهذا يومئذ كافر بالعرش فالإشارة بهذا إلى معاوية بن أبي سفيان، وفي المراد بالكفر هنا وجهان: أحدهما ما قاله المازري وغيره المراد وهو مقيم في بيوت مكة، قال ثعلب: يقال اكتفر الرجل إذا لزم الكفور وهي القرى، وفي الأثر عن عمر رضي عنه أهل الكفور هم أهل القبور، يعني القرى البعيدة عن الأمصار وعن العلماء. والوجه الثاني المراد الكفر بالله تعالى، والمراد أنا تمتعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية مقيم بمكة، وهذا اختيار القاضي عياض وغيره وهو الصحيح المختار، والمراد بالمتعة العمرة التي كانت سنة سبع من الهجرة وهي عمرة القضاء وكان معاوية يومئذ كافراً، وإنما أسلم بعد ذلك عام الفتح سنة ثمان، وقيل أنه أسلم بعد عمرة القضاء سنة سبع والصحيح الأول، وأما غير هذه العمرة من عمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن معاوية فيها كافراً ولا مقيماً بمكة بل كان معه صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: وقاله بعضهم كافر بالعرش بفتح العين وإسكان الراء، والمراد عرش الرحمن. قال القاضي: هذا تصحيف وفي هذا الحديث جواز المتعة في الحج.
قوله: (عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه). وفي الرواية الأخرى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه). وفي الرواية الأخرى نحوه ثم قال: (قال رجل برأيه ما شاء يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه). وفي الرواية الأخرى: (تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينزل فيه القرآن قال رجل برأيه ما شاء) وفي الرواية الأخرى: (تمتع وتمتعنا معه)وفي الرواية الأخرى: (نزلت آية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذه الروايات كلها متفقة، على أن مراد عمران أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز وكذلك القران، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع التمتع، وقد سبق تأويل فعل عمر أنه لم يرد إبطال التمتع بل ترجيح الافراد عليه. قوله: (وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد) فقوله يسلم علي هو بفتح اللام المشددة، وقوله فتركت هو بضم التاء أي انقطع السلام علي، ثم تركت بفتح التاء أي تركت الكي فعاد السلام علي، ومعنى الحديث أن عمران بن الحصين رضي الله عنه كانت به بواسير فكان يصبر على المهمات وكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوّى فانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه. قوله: (بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال: إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فإن عشت فاكتم عني وإن مت فحدث بها إن شئت أنه قد سلم علي، واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة) أما قوله: فإن عشت فاكتم عني فأراد به الإخبار بالسلام عليه لأنه كره أن يشاع عنه ذلك في حياته لما فيه من التعرض للفتنة بخلاف ما بعد الموت. وأما قوله: لعل الله أن ينفعك بها فمعناه تعمل بها وتعلمها غيرك. وأما قوله: أحاديث فظاهره أنها ثلاثة فصاعداً ولم يذكر منها إلا حديثاً واحداً وهو الجمع بين الحج والعمرة. وأما إخباره بالسلام فليس حديثاً فيكون باقي الأحاديث محذوفاً من الرواية. قوله: (حدثنا حامد بن عمر البكراوي) هو منسوب إلى جد جد أبيه أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه، فإنه حامد بن عمر بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه
*2* باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله
*حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ. وَأَهْدَىَ. فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَبَدَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلّ بِالْعُمْرَةِ. ثُمّ أَهَلّ بِالْحَجّ. وَتَمَتّعَ النّاسُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ. فَكَانَ مِنَ النّاسِ مَنْ أَهْدَىَ فَسَاقَ الْهَدْيَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ. فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكّةَ قَالَ لِلنّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَىَ، فَإِنّهُ لاَ يَحِلّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتّى يَقْضِيَ حَجّهُ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَىَ، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصّرْ وَلْيَحْلِلْ. ثُمّ لْيُهِلّ بِالْحَجّ وَلْيُهْدِ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً، فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ" وَطَافَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكّةَ. فَاسْتَلَمَ الرّكْنَ أَوّلَ شَيْءٍ. ثُمّ خَبّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السّبْعِ. وَمَشَىَ أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ. ثُمّ رَكَعَ، حِينَ قَضَىَ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ، رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ سَلّمَ فَانْصَرَفَ. فَأَتَى الصّفَا فَطافَ بِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ. ثُمّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتّىَ قَضَىَ حَجّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النّحْرِ، وَأَفَاضَ. فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمّ حَلّ مِنْ كُلّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ. وَفَعَلَ، مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، مَنْ أَهْدَىَ وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النّاسِ.
وحدّثنيهِ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتّعِهِ بِالْحَجّ إِلَى الْعُمْرَةِ. وَتَمَتّعِ النّاسِ مَعَهُ. بِمِثْلِ الّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (عن ابن عمر رضي الله عنه قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج) قال القاضي: قوله تمتع هو محمول على التمتع اللغوي وهو القران آخراً، ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولاً بالحج مفرداً ثم أحرم بالعمرة فصار قارناً في آخر أمره، والقارن هو متمتع من حيث اللغة ومن حيث المعنى لأنه ترفه باتحاد الميقات والإحرام والفعل، ويتعين هذا التأويل هنا لما قدمناه في الأبواب السابقة من الجمع بين الأحاديث في ذلك، وممن روى افراد النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر الراوي هنا، وقد ذكره مسلم بعد هذا. وأما قوله: (بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) فهو محمول على التلبية في أثناء الإحرام وليس المراد أنه أحرم في أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج لأنه يفضي إلى مخالفة الأحاديث السابقة، وقد سبق بيان الجمع بين الروايات، فوجب تأويل هذا على موافقتها، ويؤيد هذا التأويل قوله: (تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج) ومعلوم أن كثيراً منهم أو أكثرهم أحرموا بالحج أولاً مفرداً وإنما فسخوه إلى العمرة آخراً فصاروا متمتعين، فقوله: وتمتع الناس يعني في آخر الأمر والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله" أما قوله صلى الله عليه وسلم فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل فمعناه يفعل الطواف والسعي والتقصير وقد صار حلالاً، وهذا دليل على أن التقصير أو الحلق نسك من مناسك الحج، وهذا هو الصحيح في مذهبنا وبه قال جماهير العلماء. وقيل: إنه استباحة محظور وليس بنسك وهذا ضعيف وسيأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى. وإنما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقصير ولم يأمر بالحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج، فإن الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحلل العمرة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم وليحلل فمعناه وقد صار حلالاً فله فعل ما كان محظوراً عليه في الإحرام من الطيب واللباس والنساء والصيد وغير ذلك. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ثم ليهل بالحج فمعناه يحرم به في وقت الخروج إلى عرفات لا أنه يهل به عقب تحلل العمرة، ولهذا قال: ثم ليهل فأتى بثم التي هي للتراخي والمهلة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم وليهد فالمراد به هدي التمتع فهو واجب بشروط اتفق أصحابنا على أربعة منها واختلفوا في ثلاثة، أحد الأربعة أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج. الثاني أن يحج من عامه. الثالث أن يكون أفقياً لا من حاضري المسجد وحاضروه أهل الحرم ومن كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة. الرابع أن لا يعود إلى الميقات لإحرام الحج. وأما الثلاثة: فأحدها نية التمتع. والثاني كون الحج والعمرة في سنة في شهر واحد. الثالث كونهما عن شخص واحد، والأصح أن هذه الثلاثة لا تشترط والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فمن لم يجد هدياً فالمراد لم يجده هناك إما لعدم الهدي، وإما لعدم ثمنه، وإما لكونه يباع بأكثر من ثمن المثل، وإما لكونه موجوداً لكنه لا يبيعه صاحبه، ففي كل هذه الصور يكون عادماً للهدي فينتقل إلى الصوم سواء كان واجداً لثمنه في بلده أم لا. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فهو موافق لنص كتاب الله تعالى ويجب صوم هذه الثلاثة قبل يوم النحر، ويجوز صوم يوم عرفة منها، لكن الأولى أن يصوم الثلاثة قبله، والأفضل أن لا يصومها حتى يحرم بالحج بعد فراغه من العمرة، فإن صامها بعد فراغه من العمرة وقبل الإحرام بالحج أجزأه على المذهب الصحيح عندنا، وإن صامها بعد الإحرام بالعمرة وقبل فراغها لم يجزه على الصحيح، فإن لم يصمها قبل يوم النحر وأراد صومها في أيام التشريق ففي صحته قولان مشهوران للشافعي أشهرهما في المذهب أنه لا يجوز وأصحهما من حيث الدليل جوازه، هذا تفصيل مذهبنا، ووافقنا أصحاب مالك في أنه لا يجوز صوم الثلاثة قبل الفراغ من العمرة، وجوزه الثوري وأبو حنيفة، ولو ترك صيامها حتى مضى العيد والتشريق لزمه قضاؤها عندنا. وقال أبو حنيفة: يفوت صومها ويلزمه الهدي إذا استطاعه والله أعلم. وأما صوم السبعة فيجب إذا رجع، وفي المراد بالرجوع خلاف الصحيح في مذهبنا أنه إذا رجع إلى أهله، وهذا هو الصواب لهذا الحديث الصحيح الصريح.
والثاني إذا فرغ من الحج ورجع إلى مكة من منى، وهذان القولان للشافعي ومالك، وبالثاني قال أبو حنيفة، ولو لم يصم الثلاثة ولا السبعة حتى عاد إلى وطنه لزمه صوم عشرة أيام، وفي اشتراط التفريق بين الثلاثة والسبعة إذا أراد صومها خلاف قيل: لا يجب، والصحيح أنه يجب التفريق الواقع في الأداء وهو بأربعة أيام ومسافة الطريق بين مكة ووطنه والله أعلم. قوله: (وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة واستلم الركن أول شيء ثم حسب ثلاثة أطواف) من السبع ومشى أربعة أطواف إلى آخر الحديث، فيه إثبات طواف القدوم واستحباب الرمل فيه وأن الرمل هو الخبب وأنه يصلي ركعتي الطواف وأنهما يستحبان خلف المقام، وقد سبق بيان هذا كله، وسنذكره أيضاً حيث ذكره مسلم بعد هذا إن شاء الله تعالى
*2* باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاجّ المفرد
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَأْنُ النّاسِ حَلّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: "إِنّي لَبّدْتُ رَأْسِي. وَقَلّدْتُ هَدْيِي. فَلاَ أَحِلّ حَتّىَ أَنْحَرَ".
وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَكَ لَمْ تَحِلّ؟ بِنَحْوِهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. قال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَتْ: قُلْتُ للِنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مَا شَأْنُ النّاسِ حَلّوا وَلَمْ تَحِلّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ "إِنّي قَلّدْتُ هَدْيِي، وَلَبّدْتُ رَأْسِي، "فَلاَ أَحِلّ حَتّىَ أَحِلّ مِنَ الْحَجّ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ "فَلاَ أَحِلّ حَتّىَ أَنْحَرَ".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيّ وَ عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: حَدّثَتْنِي حَفْصَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ. قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلّ؟ قَالَ: "إِنّي لَبّدْتُ رَأْسِي، وَقَلّدْتُ هَدْيِي، فَلاَ أَحِلّ حَتّىَ أَنْحَرَ هَدْيِي".
فيه قول حفصة رضي الله عنها: (يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر) وهذا دليل للمذهب الصحيح المختار الذي قدمناه واضحاً بدلائله في الأبواب السابقة مرات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً في حجة الوداع، فقولها من عمرتك إلى العمرة المضمومة إلى الحج، وفيه أن القارن لا يتحلل بالطواف والسعي، ولا بد له في تحلله من الوقوف بعرفات والرمي والحلق والطواف كما في الحاج المفرد، وقد تأوله من يقول بالافراد تأويلات ضعيفة. منها: أنها أرادت بالعمرة الحج لأنهما يشتركان في كونهما قصداً، وقيل المراد بها الإحرام، وقيل إنها ظنت أنه معتمر، وقيل معنى من عمرتك أي بعمرتك بأن تفسخ حجك إلى عمرة كما فعل غيرك، وكل هذا ضعيف والصحيح ما سبق. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لبدت رأسي وقلدت هديي" فيه استحباب التلبيد وتقليد الهدي وهما سنتان بالاتفاق وقد سبق بيان هذا كله
*2* باب بيان جواز التحلل بالإِحصار وجواز القران
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِراً. وَقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَخَرَجَ فَأَهَلّ بِعُمْرَةٍ. وَسَارَ حَتّىَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَىَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاّ وَاحِدٌ. أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجّ مَعَ الْعُمْرَةِ. فَخَرَجَ حَتّىَ إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ سَبْعاً. وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، سَبْعاً. لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَرَأَىَ أَنّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ. وَأَهْدَىَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. حَدّثَنِي نَافِعٌ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ، وَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّه كَلّمَا عَبْدَ اللّه حِينَ نَزَلَ الْحَجّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزّبَيْرِ. قَالاَ: لاَ يَضُرّكَ أَنْ لاَ تَحُجّ الْعَامَ. فَإِنّا نَخْشَىَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النّاسِ قِتَالٌ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. قَالَ: فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ. حِينَ حَالَتْ كُفّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. فَانْطَلَقَ حَتّىَ أَتَىَ ذَا الْحُلَيْفَةِ فَلَبّىَ بِالْعُمْرَةِ. ثُمّ قَالَ: إِنْ خُلّيَ سَبِيلِي قَضَيْتُ عُمْرَتِي. وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ. ثُمّ تَلاَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب الاَية: ) ثُمّ سَارَ حَتّىَ إِذَا كَانَ بِظَهْرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاّ وَاحِدٌ. إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَجّ. أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجّةً مَعَ عُمْرَةٍ. فَانْطَلَقَ حَتّى ابْتَاعَ بِقُدَيْدٍ هَدْياً. ثُمّ طَافَ لَهُمَا طَوَافَاً وَاحِداً بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ لَمْ يَحِلّ مِنْهُمَا حَتّىَ حَلّ مِنْهُمَا بِحَجّةٍ، يَوْمَ النّحْرِ.
وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ. قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجّ حِينَ نَزَلَ الْحَجّاجُ بِابْنِ الزّبَيْرِ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصّةِ. وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَكَان يَقُولُ: مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ. وَلَمْ يَحِلّ حَتّىَ يَحِلّ مِنْهُمَا جَمِيعاً.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ الْحَجّ عَامَ نَزَلَ الْحَجّاجُ بِابْنِ الزّبَيْرِ. فِقِيلَ لَهُ: إِنّ النّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ. وَإِنّا نَخَافُ أَنْ يَصُدّوكَ. فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. إِنّي أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. ثُمّ خَرَجَ حَتّىَ إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ إِلاّ وَاحِدٌ. اشْهَدُوا (قَالَ ابْنُ رُمْحٍ: أُشْهِدُكُمْ) أَنّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجّاً مَعَ عُمْرَتِي. وَأَهْدَىَ هَدْياً اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ. ثُمّ انْطَلَقَ يُهِلّ بِهِمَا جَمِيعاً. حَتّىَ قَدِمَ مَكّة.فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَلَمْ يَزِدْ عَلَىَ ذَلِكَ. وَلَمْ يَنْحَرْ. وَلَمْ يَحْلِقْ. وَلَمْ يُقَصّرْ. وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ. حَتّىَ كَانَ يَوْمُ النّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ. وَرَأَىَ أَنْ قَدْ قَضَىَ طَوَافَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوّلِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ و أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ: ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ. كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهَذِهِ الْقِصّةِ. وَلَمْ يَذْكُرِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ فِي أَوّلِ الْحَدِيثِ. حِينَ قِيلَ لَهُ: يَصُدّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. قَالَ: إِذَنْ أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. كَمَا ذَكَرَهُ اللّيْثُ.
قوله: (عن نافع أن عبد الله بن عمر خرج في الفتنة معتمراً وقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فأهل بعمرة وسار حتى إذا ظهر على البيداء التفت إلى أصحابه فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة فخرج حتى إذا جاء البيت طاف سبعاً وبين الصفا والمروة سبعاً لم يزد ورأى أنه مجزئ عنه وأهدى) في هذا الحديث جواز القران وجواز إدخال الحج على العمرة قبل الطواف وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، وسبق بيان المسألة وفيه جواز التحلل بالإحصار. وأما قوله: (أشهدكم) فإنما قاله ليعلمه من أراد الاقتداء به فلهذا قال أشهدكم ولم يكتف بالنية مع أنها كافية في صحة الإحرام. وقوله: (ما أمرهما إلا واحد) يعني في جواز التحلل منهما بالإحصار وفيه صحة القياس والعمل به وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملونه، فلهذا قاس الحج على العمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تحلل من الإحصار عام الحديبية من إحرامه بالعمرة وحدها. وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد وسعي واحد هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وخالف فيه أبو حنيفة وطائفة وسبقت المسألة. وأما قوله: (صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فأهل بعمرة) فالصواب في معناه أنه أراد أن صددت وحصرت تحللت كما تحللنا عام الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال القاضي: يحتمل أنه أراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة في العام الذي أحصر. قال: ويحتمل أنه أراد الأمرين، قال: وهو الأظهر وليس هو بظاهر كما ادعاه بل الصحيح الذي يقتضيه سياق كلامه ما قدمناه والله أعلم. قوله: (حتى أهل منهما بحجة يوم النحر) معناه حتى أهل منهما يوم النحر بعمل حجة مفردة
*2* باب في الإِفراد والقران بالحج والعمرة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلاَلِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ الْمُهَلّبِيّ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ (فِي رِوَايَةِ يَحْيَىَ) قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجّ مُفْرَداً. (وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ) أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلّ بِالْحَجّ مُفْرَداً.
وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. حَدّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُلَبّي بِالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعاً.
قَالَ بَكْرٌ: فَحَدّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ. فَقَالَ: لَبّىَ بِالْحَجّ وَحْدَهُ. فَلَقِيتُ أَنَساً فَحَدّثْتُهُ بِقَولِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ: مَا تَعُدّونَنَا إِلاّ صِبْيَاناً سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَبّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّاً".
وحدّثني أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ) حَدّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشّهِيدِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّهُ رَأَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَهُمَا. بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ. قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ. فَقَالَ: أَهْلَلْنَا بِالْحَجّ. فَرَجَعْتُ إِلَىَ أَنَسٍ فَأَخْبَرْتُهُ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ. فَقَالَ: كَأَنّمَا كُنّا صِبْيَاناً.
قوله: (عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً) وفي رواية: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفرداً) هذا موافق للروايات السابقة عن جابر وعائشة وابن عباس وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مفرداً، وفيه بيان أن الرواية السابقة قريباً عن ابن عمر التي أخبر فيها بالقران متأولة وسبق بيان تأويلها.
قوله: (عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجاً) يحتج به من يقول بالقران، وقد قدمنا أن الصحيح المختار في حجة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في أول إحرامه مفرداً ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارناً، وجمعنا بين الأحاديث أحسن جمع، فحديث ابن عمر هنا محمول على أول إحرامه صلى الله عليه وسلم، وحديث أنس محمول على أواخره وأثنائه وكأنه لم يسمعه أولاً، ولا بد من هذا التأويل أو نحوه لتكون رواية أنس موافقة لرواية الأكثرين كما سبق والله أعلم.
*2* باب ما يلزم من أحرم بالحج، ثم قدم مكة، من الطواف والسعي
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ. فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: فَإِنّ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: لاَ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتّىَ تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ. فِبَقْولِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقّ أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً؟.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ. قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: أَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَقَدْ أَحْرَمْتُ بِالْحَجّ؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: إِنّي رَأَيْتُ ابْنَ فُلاَنٍ يَكْرَهُهُ وَأَنْتَ أَحَبّ إِلَيْنَا مِنْهُ. رَأَيْنَاهُ قَدِ افْتَتَنَتْهُ الدّنْيَا. فَقَالَ: وَأَيّنَا (أَوْ أَيّكُمْ) لَمْ تَفْتِنْهُ الدّنْيَا؟ ثُمّ قَالَ: رَأَيْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ بِالْحَجّ. وَطَافَ بِالْبَيْتِ. وَسَعَىَ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَسُنّةُ اللّهِ وَسُنّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقّ أَنْ تَتّبِعَ، مِنْ سُنّةِ فُلاَنٍ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ. فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً. وَصَلّىَ خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، سَبْعاً. وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. جَمِيعاً عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
قوله: (عن وبرة) هو بفتح الباء. قوله: (كنت جالساً عند ابن عمر فجاءه رجل فقال: أيصلح لي أن أطوف قبل أن آتي الموقف؟ فقال نعم، فقال: فإن ابن عباس يقول: لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف، فقال ابن عمر: فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تأخذ أو بقول ابن عباس إن كنت صادقاً) هذا الذي قاله ابن عمر هو إثبات طواف القدوم للحاج وهو مشروع قبل الوقوف بعرفات، وبهذا الذي قاله ابن عمر قال العلماء كافة سوى ابن عباس وكلهم يقولون إنه سنة ليس بواجب إلا بعض أصحابنا ومن وافقه فيقولون واجب يجبر تركه بالدم، والمشهور أنه سنة ليس بواجب ولا دم في تركه، فإن وقف بعرفات قبل طواف القدوم فات، فإن طاف بعد ذلك بنية طواف القدوم لم يقع عن طواف القدوم بل يقع عن طواف الإفاضة إن لم يكن طاف للإفاضة، فإن كان طاف للإفاضة وقع الثاني تطوعاً لا عن القدوم، ولطواف القدوم أسماء طواف القدوم والقادم والورود والوارد والتحية، وليس في العمرة طواف قدوم بل الطواف الذي يفعله فيها يقع ركناً لها حتى لو نوى به طواف القدوم وقع ركناً ولغت نيته، كما لو كان عليه حجة واجبة فنوى حجة تطوع فإنها تقع واجبة والله أعلم. وأما قوله: إن كنت صادقاً فمعناه إن كنت صادقاً في إسلامك واتباعك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعدل عن فعله وطريقته إلى قول ابن عباس وغيره والله أعلم. قوله: (رأيناه قد فتنته الدنيا) هكذا في كثير من الأصول فتنته الدنيا، وفي كثير منها أو أكثرها أفتنته، وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين وهما لغتان صحيحتان فتن وأفتن والأولى أصح وأشهر، وبها جاء القرآن، وأنكر الأصمعي أفتن، ومعنى قولهم فتنته الدنيا لأنه تولى البصرة والولايات محل الخطر والفتنة، وأما ابن عمر فلم يتول شيئاً، وأما قول ابن عمر: وأينا لم تفتنه الدنيا فهذا من زهده وتواضعه وإنصافه، وفي بعض النسخ: وأينا أو أيكم، وفي بعضها وأينا أو قال وأيكم وكله صحيح.
قوله: (سألنا ابن عمر رضي الله عنه عن رجل قدم بعمرة فطاف بالبيت ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين وبين الصفا والمروة سبعاً وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) معناه لا يحل له ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من عمرته حتى طاف وسعى فتجب متابعته والاقتداء به، وهذا الحكم الذي قاله ابن عمر هو مذهب العلماء كافة، وهو أن المعتمر لا يتحلل إلا بالطواف والسعي والحلق، إلا ما حكاه القاضي عياض عن ابن عباس وإسحاق بن راهويه أنه يتحلل بعد الطواف وإن لم يسع وهذا ضعيف مخالف للسنة.
*2* باب ما يلزم، من طاف بالبيت وسعى، من البقاء على الإحرام وترك التحلل
*حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ لَهُ: سَلْ لِي عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ يُهِلّ بِالْحَجّ. فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ أَيَحِلّ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ قَالَ لَكَ: لاَ يَحِلّ. فَقُلْ لَهُ: إِنّ رَجُلاً يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لاَ يَحِلّ مَنْ أَهَلّ بِالْحَجّ إِلاّ بِالْحَجّ. قُلْتُ: فَإِنّ رَجُلاً كَانَ يَقُولُ ذَلِك. قَالَ: بِئْسَ مَا قَالَ. فَتَصَدّانِي الرّجُلُ فَسَأَلَنِي فَحَدّثْتُهُ. فَقَالَ: فَقُلْ لَهُ: فَإِنّ رَجُلاً كَانَ يُخْبِرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَعَلَ ذَلِك. وَمَا شَأْنُ أَسْمَاءَ وَالزّبَيْرِ قَدْ فَعَلاَ ذَلِكَ. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي. قَالَ: فَمَا بَالُهُ لاَ يَأْتِينِي بِنَفْسِهِ يَسْأَلُنِي؟ أَظُنّهُ عِرَاقِيّاً. قُلْتُ: لاَ أَدْرِي. قَالَ: فَإِنّهُ قَدْ كَذَبَ. قَدْ حَجّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْها، أَنّ أَوّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكّةَ أَنّهُ تَوَضّأَ. ثُمّ طَافَ بِالْبَيْتِ. ثُمّ حَجّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطّوَافُ بِالْبَيْتِ. ثُمّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمّ عُمَرُ، مِثْلُ ذَلِكَ. ثُمّ حَجّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطّوَافُ بِالْبَيْتِ. ثُمّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ. ثُمّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي، الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ. فَكَانَ أَوّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطّوَافُ بِالْبَيْتِ. ثُمّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِك. ثُمّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ. ثُمّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. ثُمّ لَمْ يَنْقُضْهَا بِعُمْرَةٍ. وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ أَفَلاَ يَسْأَلُونَهُ؟ وَلاَ أَحَدٌ مِمّنْ مَضَىَ مَا كَانُوا يَبْدَأُونَ بِشَيْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوّلَ مِنَ الطّوَافِ بِالْبَيْتِ. ثُمّ لاَ يَحِلّونَ. وَقَدْ رَأَيْتُ أُمّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لاَ تَبْدَآنِ بِشَيْءٍ أَوّلَ مِنَ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ. ثُمّ لاَ تَحِلاّنِ. وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمّي أَنّهَا أَقْبَلَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ قَطّ. فَلَمّا مَسَحُوا الرّكْنَ حَلّوا. وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أُمّهِ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَقُمْ عَلَىَ إِحْرَامِهِ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَحْلِلْ" فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ: وَكَانَ مَعَ الزّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ.
قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي ثُمّ خَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الزّبَيْرِ، فَقَالَ: قُومِي عَنّي. فَقُلْتُ: أَتَخْشَىَ أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟.
وحدّثني عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمُغَيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أُمّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. قَالَتْ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلّينَ بِالْحَجّ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَقَالَ: اسْتَرْخِي عَنّي. اسْتَرْخِي عَنّي. فَقُلْتُ: أَتَخْشَىَ أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ مَوْلَىَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا حَدّثَهُ أَنّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ كُلّمَا مَرّتْ بِالْحَجُونِ تَقُولُ: صَلّى اللّهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَسَلّمَ. لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَهُنَا. وَنَحْنُ، يَوْمَئِذٍ، خِفَافُ الْحَقَائِبِ. قَلِيلٌ ظَهْرُنَا. قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا. فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ. فَلَمّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا. ثُمّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيّ بِالْحَجّ.
قَالَ هَرُونُ فِي رِوَايَتِهِ: أَنّ مَوْلَىَ أَسْمَاءَ. وَلَمْ يُسَمّ: عَبْدَ اللّهِ.
قوله: (فتصداني الرجل) أي تعرض لي هكذا هو في جميع النسخ تصداني بالنون والأشهر في اللغة تصدى لي. قوله: (أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت) فيه دليل لإثبات الوضوء للطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ثم قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا عني مناسككم" وقد أجمعت الأئمة على أنه يشرع الوضوء للطواف، ولكن اختلفوا في أنه واجب وشرط لصحته أم لا، فقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور: هو شرط لصحة الطواف. وقال أبو حنيفة: مستحب ليس بشرط، واحتج الجمهور بهذا الحديث، ووجه الدلالة أن هذا الحديث مع حديث: (خذوا عني مناسككم) يقتضيان أن الطواف واجب لأن كل ما فعله هو داخل في المناسك فقد أمرنا بأخذ المناسك. وفي حديث ابن عباس في الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام ولكن رفعه ضعيف والصحيح عند الحفاظ أنه موقوف على ابن عباس وتحصل به الدلالة مع أنه موقوف لأنه قول لصحابي انتشر، وإذا انتشر قول الصحابي بلا مخالفة كان حجة على الصحيح. قوله: (ثم لم يكن غيره) وكذا قال فيما بعده ولم يكن غيره هكذا هو في جميع النسخ غيره بالغين المعجمة والياء، قال القاضي عياض: كذا هو في جميع النسخ قال: وهو تصحيف وصوابه ثم لم تكن عمرة بضم العين المهملة وبالميم، وكان السائل لعروة إنما سأله عن نسخ الحج إلى العمرة على مذهب من رأى ذلك واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك في حجة الوداع فأعلمه عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بنفسه ولا من جاء بعده، هذا كلام القاضي. قلت: هذا الذي قاله من أن قول غيره تصحيف ليس كما قال بل هو صحيح في الرواية وصحيح في المعنى، لأن قوله غيره يتناول العمرة وغيرها، ويكون تقدير الكلام ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره أي لم يغير الحج ولم ينقله وينسخه إلى غيره لا عمرة ولا قران والله أعلم. قوله: (ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام) أي مع والده الزبير، فقوله الزبير بدل من أبي. قوله: (ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون شيئاً حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون) فيه أن المحرم بالحج إذا قدم مكة ينبغي له أن يبدأ بطواف القدوم ولا يفعل شيئاً قبله ولا يصلي تحية المسجد بل أول شيء يصنعه الطواف وهذا كله متفق عليه عندنا. وقوله يضعون أقدامهم يعني يصلون مكة. وقوله: ثم لا يحلون فيه التصريح بأنه لا يجوز التحلل بمجرد طواف القدوم كما سبق. قوله: (وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلوا) فقولها مسحوا المراد بالماسحين من سوى عائشة وإلا فعائشة لم تمسح الركن قبل الوقوف بعرفات في حجة الوداع بل كانت قارنة ومنعها الحيض من الطواف قبل يوم النحر، وهكذا قول أسماء بعد هذا: اعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا بالحج المراد به أيضاً من سوى عائشة، وهكذا تأوله القاضي عياض، والمراد الإخبار عن حجتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع على الصفة التي ذكرت في أول الحديث، وكان المذكورون سوى عائشة محرمين بالعمرة وهي عمرة الفسخ التي فسخوا الحج إليها، وإنما لم تستثن عائشة لشهرة قصتها. قال القاضي عياض: وقيل يحتمل أن أسماء أشارت إلى عمرة عائشة التي فعلتها بعد الحج مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم. قال القاضي: وأما قول من قال يحتمل أنها أرادت في غير حجة الوداع فخطأ لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع، هذا كلام القاضي. وذكر مسلم بعد هذه الرواية إسحاق بن إبراهيم وفيها أن أسماء قالت: (خرجنا محرمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحل) فهذا تصريح بأن الزبير لم يتحلل في حجة الوداع قبل يوم النحر فيجب استثناؤه مع عائشة، أو يكون إحرامه بالعمرة وتحلله منها في غير حجة الوداع والله أعلم. وقولها: (فلما مسحوا الركن حلوا) هذا متأول عن ظاهره لأن الركن هو الحجر الأسود ومسحه يكون في أول الطواف ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بإجماع المسلمين، وتقديره فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا أو قصروا أحلوا، ولا بد من تقدير هذا المحذوف، وإنما حذفته للعلم به، وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل إتمام الطواف، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا بد أيضاً من السعي بعده ثم الحلق أو التقصير، وشذ بعض السلف فقال: السعي ليس بواجب ولا حجة لهذا القائل في هذا الحديث لأن ظاهره غير مراد بالإجماع فيتعين تأويله كما ذكرنا ليكون موافقاً لباقي الأحاديث والله أعلم.
قولها: (عن الزبير فقال: قومي عني فقالت: أتخشى أن أثب عليك) إنما أمرها بالقيام مخافة من عارض قد يندر منه كلمس بشهوة أو نحوه، فإن اللمس بشهوة حرام في الإحرام فاحتاط لنفسه بمباعدتها من حيث أنها زوجة متحللة تطمع بها النفس. قوله: (استرخي عني استرخي عني) هكذا هو في النسخ مرتين أي تباعدي.
قوله: (مرت بالحجون) هو بفتجح الحاء وضم الجيم وهو من حرم مكة وهو الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة على يمينك وأنت مصعد عند المحصب. قولها: (خفاف الحقائب) جمع حقيبة وهو كل ما حمل في مؤخر الرحل والقتب ومنه احتقب فلان كذا.
*2* باب في متعة الحج
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرّيّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ مُتْعَةِ الْحَجّ؟ فَرَخّصَ فِيهَا. وَكَانَ ابْنُ الزّبَيْرِ يَنْهَىَ عَنْهَا. فَقَالَ: هَذِهِ أُمّ ابْنِ الزّبَيْرِ تُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَخّصَ فِيهَا. فَادْخلُوا عَلَيْهَا فَاسْأَلُوهَا. قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا. فَإِذَا امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ. فَقَالَتْ: قَدْ رَخّصَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا.
وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ. فَأَمّا عَبْدُ الرّحْمَنِ فَفِي حَدِيثِهِ الْمُتْعَةُ. وَلَمْ يَقُلْ: مُتْعَةُ الْحَجّ. وَأَمّا ابْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ مُسْلِمٌ: لاَ أَدْرِي مُتْعَةُ الْحَجّ أَوْ مُتْعَةُ النّسَاءِ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا مُسْلِمٌ الْقُرّيّ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: أَهَلّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِعُمْرَةٍ. وَأَهَلّ أَصْحَابُهُ بِالْحَجّ، فَلَمْ يَحِلّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ مَنْ سَاقَ مَعْهُ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَلّ بَقِيّتُهُمْ. فَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلّ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارِ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَكَانَ مِمّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ. وَرَجُلٌ آخَرُ. فَأَحَلاّ.
قوله: (عن مسلم القري) هو بقاف مضمومة ثم راء مشددة، قال السمعاني: هو منسوب إلى بني قرة حي من عبد القيس، قال: وقال ابن ماكولا هذا ثم قال: وقيل بل لأنه كان ينزل فنظره قرة.
*2* باب جواز العمرة في أشهر الحج
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ. وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرّمَ صَفَراً. وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. فَقَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ، مُهِلّينَ بِالْحَجّ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّ الْحِلّ؟ قَالَ: "الْحِلّ كُلّهُ".
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرّاءِ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: أَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجّ. فَقَدِمَ لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجّةِ. فَصَلّى الصّبْحَ. وَقَالَ، لَمّا صَلّى الصّبْحَ: "مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً".
وحدّثناه إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْمُبَارَكيّ. حَدّثَنَا أَبُو شِهَابٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةُ فِي هَذَا الاْسْنَادِ. أَمّا رَوْحٌ وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ فَقَالاَ كَمَا قَالَ نَصْرٌ: أَهَلّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجّ. وَأَمّا أَبُو شِهَابٍ فِفِي رِوَايَتِهِ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نُهِلّ بِالْحَجّ. وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعاً: فَصَلّى الصّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ. خَلاَ الْجَهْضَمِيّ فَإِنّهُ لَمْ يَقُلْهُ.
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْفَضْلِ السّدُوسِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. أَخْبَرَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرّاءِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنَ الْعَشْرِ. وَهُمْ يُلَبّونَ بِالْحَجّ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الصّبْحَ بِذِي طَوَىً. وَقَدِمَ لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجّةِ. وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحَوّلُوا إِحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ. إِلاّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ فَلْيَحِلّ الْحِلّ كُلّهُ، فَإِنّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجّ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ الضّبَعِيّ قَالَ: تَمَتّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ عَنْ ذَلِك. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا.
قَالَ: ثُمّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَنِمْتُ. فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: عُمْرَةٌ مُتَقَبّلَةٌ وَحَجّ مَبْرُورٌ. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِالّذِي رَأَيْتُ. فَقَالَ: اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ سُنّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض) الضمير في كانوا يعود إلى الجاهلية. قوله: (ويجعلون المحرم صفر) هكذا هو في النسخ صفر من غير ألف بعد الراء وهو منصوب مصروف بلا خلاف، وكان ينبغي أن يكتب بالألف، وسواء كتب بالألف أم بحذفها لا بد من قراءته هنا منصوباً لأنه مصروف. قال العلماء: المراد الإخبار عن النسيء الذي كانوا يفعلونه وكانوا يسمون المحرم صفراً ويحلونه وينسئون المحرم أي يؤخرن تحريمه إلى ما بعد صفر لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة تضيق عليهم أمورهم من الغارة وغيرها فأضلهم الله تعالى في ذلك فقال تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} الاَية. قوله: (ويقولون إذا برأ الدبر) يعنون دبر ظهور الإبل بعد انصرافها من الحج فإنها كانت تدبر بالسير عليها للحج. قوله: (وعفا الأثر) أي درس وامحى، والمراد أثر الإبل وغيرها في سيرها غفا أثرها لطول مرور الأيام هذا هو المشهور، وقال الخطابي: المراد أثر الدبر والله أعلم. وهذه الألفاظ تقرأ كلها ساكنة الاَخر ويوقف عليها لأن مرادهم السجع. قوله: (عن أبي العالية البراء) هو بتشديد الراء لأنه كان يبري النبل. قوله: (حدثنا أبو داود المباركي) هو سليمان بن محمد ويقال سليمان بن داود، وأبو محمد المباركي بفتح الراء منسوب إلى المبارك وهي بليدة بقرب واسط بينها وبين بغداد وهي على طرف دجلة. قوله: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصبح بذي طوى) هو بفتح الطاء وضمها وكسرها ثلاث لغات حكاهن القاضي وغيره الأصح الأشهر الفتح ولم يذكر الأصمعي وآخرون غيره وهو مقصور منون، وهو واد معروف بقرب مكة. قال القاضي: ووقع لبعض الرواة في البخاري بالمد وكذا ذكره ثابت. وفي هذا الحديث دليل لمن قال يستحب للمحرم دخول مكة نهاراً لا ليلاً وهو أصح الوجهين لأصحابنا، وبه قال ابن عمر وعطاء والنخعي وإسحاق بن راهويه وابن المنذر. والثاني دخولها ليلاً ونهاراً سواء لا فضيلة لأحدهما على الاَخر وهو قول القاضي أبي الطيب والماوردي وابن الصباغ والعبدري من أصحابنا، وبه قال طاوس والثوري، وقالت عائشة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز: يستحب دخولها ليلاً وهو أفضل من النهار والله أعلم.
*2* باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإِحرام
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيَ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسّانَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما قَالَ: صَلّى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الظّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. ثُمّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ. وَسَلَتَ الدّمَ. وَقَلّدَهَا نَعْلَيْنِ. ثُمّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ. فَلَمّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلّ بِالْحَجّ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذَا الاْسْنَادِ، بِمَعْنَىَ حَدِيثِ شُعْبَةَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: إِنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا أَتَىَ ذَا الْحُلَيْفَةِ. وَلَمْ يَقُلْ: صَلّىَ بِهَا الظّهْرَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشَارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قال: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَسّانَ الأَعْرَجَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْهُجَيْمِ لاِبْنِ عَبّاسٍ: مَا هَذَهِ الْفُتْيَا الّتِي قَدْ تَشَغّفَتْ أَوْ تَشَغّبَتْ بِالنّاسِ، أَنّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلّ؟ فَقَالَ: سُنّةُ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم. وَإِنْ رَغِمْتُمْ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا هَمّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسّانَ قَالَ: قِيلَ لاِبْنِ عَبّاسٍ: إِنّ هَذَا الأَمْرَ قَدْ تَفَشّغَ بِالنّاسِ، مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلّ. الطّوَافُ عُمْرَةٌ. فَقَالَ: سُنّةُ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم. وَإِنْ رَغِمْتُمْ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجّ وَلاَ غَيْرُ حَاجَ إِلاّ حَلّ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ يَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَىَ: {ثُمّ مَحِلّهَا إِلَىَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج الاَية: ) قَالَ: قُلْتُ: فَإِنّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرّفِ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلّوا فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ.
قوله: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج) أما بالإشعار فهو أن يجرحها في صفحة سنامها اليمنى بحربة أو سكين أو حديدة أو نحوها ثم يسلت الدم عنها، وأصل الإشعار والشعور الإعلام والعلامة وإشعار الهدي لكونه علامة له وهو مستحب ليعلم أنه هدي، فإن ضل رده واجده وإن اختلط بغيره تميز، ولأن فيه إظهار شعار وفيه تنبيه غير صاحبه على فعل مثل فعله، وأما صفحة السنام فهي جانبه، والصفحة مؤنثة فقوله الأيمن بلفظ التذكير يتأول على أنه وصف لمعنى الصفحة لا للفظها ويكون المراد بالصفحة الجانب، فكأنه قال جانب سنامها الأيمن. ففي هذا الحديث استحباب الإشعار والتقليد في الهدايا من الإبل، وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف. وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة لأنه مثلة وهذا يخالف الأحاديث الصحيحة المشهورة في الإشعار وأما قوله أنه مثلة فليس كذلك بل هذا كالفصد والحجامة والختان والكي والوسم، وأما محل الإشعار فمذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف أنه يستحب الإشعار في صفحة السنام اليمنى، وقال مالك: في اليسرى، وهذا الحديث يرد عليه. وأما تقليد الغنم فهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة من السلف والخلف إلا مالكاً فإنه لا يقول بتقليدها، قال القاضي عياض: ولعله لم يبلغه الحديث الثابت في ذلك. قلت: قد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة بالتقليد فهي حجة صريحة في الرد على من خالفها، واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها عن الجرح ولأنه يستتر بالصوف. وأما البقرة فيستحب عند الشافعي وموافقيه الجمع فيها بين الإشعار والتقليد كالإبل، وفي هذا الحديث استحباب تقليد الإبل بنعلين وهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة، فإن قلدها بغير ذلك من جلود أو خيوط مفتولة ونحوها فلا بأس. وأما قوله: ثم ركب راحلته فهي راحلة غير التي أشعرها وفيه استحباب الركوب في الحج وأنه أفضل من المشي وقد سبق بيانه مرات. وأما قوله: فلما استوت به على البيداء أهل بالحج فيه استحباب الإحرام عند استواء الراحلة لا قبله ولا بعده، وقد سبق بيانه واضحاً. وأما إحرامه صلى الله عليه وسلم بالحج فهو المختار وقد سبق بيان الخلاف في ذلك واضحاً والله أعلم.
وفي الرواية الأخرى: (إن هذا الأمر قد تفشع بالناس) أما اللفظة الأولى فبشين ثم غين معجمتين ثم فاء، والثانية كذلك لكن بدل الفاء باء موحدة، والثالثة بتقديم الفاء وبعدها شين ثم عين، ومعنى هذه الثالثة انتشرت وفشت بين الناس، وأما الأولى فمعناها علقت بالقلوب وشغفوا بها، وأما الثانية فرويت أيضاً بالعين المهملة، وممن ذكر الروايتين فيها المعجمة والمهملة أبو عبيد والقاضي عياض، ومعنى المهملة أنها فرقت مذاهب الناس وأوقعت الخلاف بينهم، ومعنى المعجمة خلطت عليهم أمرهم. قوله: (ما هذا الفتيا) هكذا هو في معظم النسخ هذا الفتيا وفي بعضها هذه وهو الأجود، ووجه الأول أنه أراد بالفتيا الإفتاء فوصفه مذكراً ويقال فتيا وفتوى. قوله: (عن ابن عباس أن من طاف بالبيت فقد حل فقال سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وإن رغمتم).
وفي الرواية الأخرى: (حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء قال كان ابن عباس يقول: لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل، قلت لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله عز وجل: {ثم محلها إلى البيت العتيق} قلت: فإن ذلك بعد المعرف، فقال: كان ابن عباس يقول هو بعد المعرف وقبله كان يأخذ ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع) هذا الذي ذكره ابن عباس هو مذهبه، وهو خلاف مذهب الجمهور من السلف والخلف، فإن الذي عليه العلماء كافة سوى ابن عباس أن الحاج لا يتحلل بمجرد طواف القدوم، بل لا يتحلل حتى يقف بعرفات ويرمي ويحلق ويطوف طواف الزيارة، فحينئذ يحصل التحللان ويحصل الأول باثنين من هذه الثلاثة التي هي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف، وأما احتجاج ابن عباس بالاَية فلا دلالة فيها لأن قوله تعالى: {محلها إلى البيت العتيق} معناه لا تنحر إلا في الحرم وليس فيه تعرض للتحلل من الإحرام، لأنه لو كان المراد به التحلل من الإحرام لكان ينبغي أن يتحلل بمجرد وصول الهدي إلى الحرم قبل أن يطوف، وأما احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم في حجة الوداع بأن يحلوا فلا دلالة فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة في تلك السنة فلايكون دليلاً في تحلل من هو ملتبس بإحرام الحج والله أعلم. قال القاضي: قال المازري وتأول بعض شيوخنا قول ابن عباس في هذه المسألة على من فاته الحج أنه يتحلل بالطواف والسعي، قال: وهذا تأويل بعيد لأنه قال بعده: وكان ابن عباس يقول لا يطوف بالبيت حاج ولا غيره إلا حل والله أعلم.
*2* باب التقصير في العمرة
*حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: أَعَلِمْتَ أَنّي قَصّرْتُ مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أَعْلَمُ هَذَا إِلاّ حُجّةً عَلَيْكَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ: قَصّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ. وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ. أَوْ رَأَيْتُهُ يُقَصّرُ عَنْهُ بِمِشْقَصٍ. وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ.
حدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَصْرُخُ بِالْحَجّ صُرَاخاً. فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً. إِلاّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ التّرْوِيَةِ، وَرُحْنَا إِلَىَ مِنًى، أَهْلَلْنَا بِالْحَجّ.
وحدّثنا حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا مُعَلّى بْنُ أَسَدٍ. حَدّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالاَ: قَدِمْنَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجّ صُرَاخاً.
حدّثني حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: إِنّ ابْنَ عَبّاسٍ وَابْنَ الزّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ. فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ. فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا.
قوله: (قال ابن عباس قال لي معاوية: أعلمت أني قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت: لا أعلم هذه إلا حجة عليك). وفي الرواية الأخرى: (قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة أو رأيته يقصر عنه بمشقص وهو على المروة) في هذا الحديث جواز الاقتصار على التقصير وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر، إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج ليقع الحلق في أكمل العبادتين وقد سبقت الأحاديث في هذا، وفيه أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة لأنها موضع تحلله، كما يستحب للحاج أن يكون حلقه أو تقصيره في منى لأنها موضع تحلله، وحيث حلقا أو قصرا من الحرم كله جاز، وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارناً كما سبق إيضاحه وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى وفرق أبو طلحة رضي الله عنه شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضاً على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلماً إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة السابقة في مسلم وغيره (أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي) وفي رواية: (حتى أحل من الحج) والله أعلم. قوله: (بمشقصٍ) هو بكسر الميم وإسكان الشين المعجمة وفتح القاف، قال أبو عبيد وغيره: هو نصل السهم إذا كان طويلاً ليس بعريض. وقال أبو حنيفة الدينوري: هو كل نصل فيه عترة وهو الناتئ وسط الحربة. وقال الخليل: هو سهم فيه نصل عريض يرمى به الوحش والله أعلم.
قوله: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج) فيه استحباب رفع الصوت بالتلبية، وهو متفق عليه بشرط أن يكون رفعاً مقتصداً بحيث لا يؤذي نفسه، والمرأة لا ترفع بل تسمع نفسها لأن صوتها محل فتنة، ورفع الرجل مندوب عند العلماء كافة، وقال أهل الظاهر: هو واجب ويرفع الرجل صوته بها في غير المساجد وفي مسجد مكة ومنى وعرفات، وأما سائر المساجد ففي رفعه فيها خلاف للعلماء وهما قولان للشافعي ومالك أصحهما استحباب الرفع كالمساجد الثلاثة، والثاني لا يرفع لئلا يهوش على الناس بخلاف المساجد الثلاثة لأنها محل المناسك، وفي هذا الحديث جواز العمرة في أشهر الحج وهو مجمع عليه، وفيه حجة للشافعي وموافقيه أن المستحب للمتمتع أن يكون إحرامه بالحج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة عند إرادته التوجه إلى منى وقد سبقت المسألة مرات. قوله: (ورحنا إلى منى) معناه أردنا الرواح، وقد سبق بيان الخلاف في أنه يستحب الرواح إلى منى يوم التروية من أول النهار أو بعد الزوال والله أعلم.
*2* باب إهلال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهديه
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنِي سَلْيمُ بْنُ حَيّانَ عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ (الأَصْغَرِ)، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ عَلِيّاً قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟" فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "لَوْلاَ أَنّ مَعِيَ الْهَدْيَ، لأَحْلَلْتُ".
وحدّثنيهِ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. قَالاَ: حَدّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيّانَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي رِوَايَةِ بَهْزٍ "لَحَلَلْتُ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ وَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْب و حُمَيْدٍ أَنّهُمْ سَمِعُوا أَنَساً رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلّ بِهِمَا جَمِيعاً "لَبّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّاً. لَبّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّاً".
وحدّثنيهِ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ وَ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ قَالَ يَحْيَىَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لَبّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّاً". وَقَالَ حُمَيْدٌ: قَالَ أَنَسٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لَبّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَ".
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ حَنْظَلَةَ الأَسْلَمِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلّنّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجّ الرّوْحَاءِ، حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً، أَوْ لَيَثْنِيَنّهُمَا".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. قَالَ "وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ".
وحدّثنيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيَ الأَسْلَمِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ" بِمِثْلِ حَدِيثهِمَا.
قوله: (حدثني سليم بن حيان) هو بفتح السين وكسر اللام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما" قوله صلى الله عليه وسلم: "ليثنينهما" هو بفتح الياء في أوله معناه يقرن بينهما، وهذا يكون بعد نزول عيسى عليه السلام من السماء في آخر الزمان، وأما فج الروحاء فبفتح الفاء وتشديد الجيم قال الحافظ أبو بكر الحارثي: هو بين مكة والمدينة، قال: وكان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ومكة عام الفتح وعام حجة الوداع
*2* باب بيان عدد عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وزمانهن
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ أَنّ أَنَساً رَضِيَ اللّهُ عَنْه أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ. كُلّهُنّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاّ الّتِي مَعَ حَجّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مَعَ حَجّتِهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَساً: كَمْ حَجّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: حَجّةً وَاحِدَةً. وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هَدّابٍ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىَ. أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. قَالَ: وَحَدّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ. وَأَنّهُ حَجّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجّةً وَاحِدَةً. حَجّةَ الْوَدَاعِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَقَ: وَبِمَكّةَ أُخْرَىَ.
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ مُسْتَنِدَيْنِ إِلَىَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ. وَإِنّا لَنَسْمَعُ ضَرْبَهَا بِالسّوَاكِ تَسْتَنّ. قَالَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ أَعْتَمَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَيْ أُمّتَاهُ، أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ؟ قَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْتَمَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ. فَقَالَتْ: يَغْفِرُ اللّهُ لأَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ. لَعَمْرِي مَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ. وَمَا اعْتَمَرَ مِنْ عُمْرَةٍ إِلاّ وَإِنّهُ لَمَعَهُ.
قَالَ: وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ. فَمَا قَالَ: لاَ، وَلاَ نَعَمْ. سَكَتَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ، أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ، الْمَسْجِدَ. فَإِذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَىَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ. وَالنّاسُ يُصَلّونَ الضّحَىَ فِي الْمَسْجِدِ. فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاَتِهِمْ؟ فَقَالَ: بِدْعَةٌ. فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَرْبَعَ عُمَرٍ. إِحْدَاهُنّ فِي رَجَبٍ. فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذّبَهُ وَنَرُدّ عَلَيْهِ. وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ فِي الْحُجْرَةِ. فَقَالَ عُرْوَةُ: أَلاَ تَسْمَعِينَ، يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَىَ مَا يَقُولُ أَبُو عبْدِ الرّحْمَنِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ يَقُولُ: اعْتَمَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنّ فِي رَجَبٍ. فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللّهُ أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ. مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ وَهُوَ مَعَهُ. وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطّ.
قوله: (اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته) وفي الرواية الأخرى: (حج حجة واحدة واعتمر أربع عمر) هذه رواية أنس. وفي رواية ابن عمر: (أربع عمر إحداهن في رجب) وأنكرت ذلك عائشة وقالت: لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قط في رجب. فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر وكانت إحداهن في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة. والثانية في ذي القعدة وهي سنة سبع وهي عمرة القضاء. والثالثة في ذي القعدة سنة ثمان وهي عام الفتح. والرابعة مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة. وأما قول ابن عمر أن إحداهن في رجب فقد أنكرته عائشة وسكت ابن عمر حين أنكرته، قال العلماء: هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك ولهذا سكت عن الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام، فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه. وأما القاضي عياض فقال: ذكر أنس أن العمرة الرابعة كانت مع حجته فيدل على أنه كان قارناً، قال: وقد رده كثير من الصحابة، قال: وقد قلنا أن الصحيح أن البني صلى الله عليه وسلم كان مفرداً، وهذا يرد قول أنس وردت عائشة قول ابن عمر، قال: فحصل أن الصحيح ثلاث عمر، قال: ولا يعلم للنبي صلى الله عليه وسلم اعتمار إلا ما ذكرناه، قال: واعتمد مالك في الموطأ على أنهن ثلاث عمر، هذا آخر كلام القاضي وهو قول ضعيف بل باطل. والصواب أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كما صرح به ابن عمر وأنس وجزما الرواية به فلا يجوز رد روايتهما بغير جازم. وأما قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع مفرداً لا قارناً فليس كما قال، بل الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً في أول إحرامه ثم أحرم بالعمرة فصار قارناً ولا بد من هذا التأويل والله أعلم. قال العلماء: وإنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العمر في ذي القعدة لفضيلة هذا الشهر ولمخالفة الجاهلية في ذلك فإنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور كما سبق، ففعله صلى الله عليه وسلم مرات في هذه الأشهر ليكون أبلغ في بيان جوازه فيها، وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه والله أعلم. وأما قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حج حجة واحدة) فمعناه بعد الهجرة لم يحج إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع سنة عشر من الهجرة. وقوله قال أبو إسحاق وبمكة أخرى يعني قبل الهجرة وقد روي في غير مسلم قبل الهجرة حجتان.
قوله: (عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة) معناه أنه غزا تسع عشرة وأنا معه أو أعلم له تسع عشرة غزوة، وكانت غزواته صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين وقيل سبعاً وعشرين وقيل غير ذلك وهو مشهور في كتب المغازي وغيرها.
قوله: (عن عائشة قالت لعمري ما اعتمر في رجب) هذا دليل على جواز قول الإنسان لعمري وكرهه مالك لأنه من تعظيم غير الله تعالى ومضاهاته بالحلف بغيره. قوله: (أنهم سألوا ابن عمر عن صلاة الذين كانوا يصلون الضحى في المسجد فقال بدعة) هذا قد حمله القاضي وغيره، على أن مراده أن إظهارها في المسجد والاجتماع لها هو البدعة لا أن أصل صلاة الضحى بدعة، وقد سبقت المسألة في كتاب الصلاة والله أعلم.
*2* باب فضل العمرة في رمضان
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يُحَدّثُنَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ (سَمّاهَا ابْنُ عَبّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا)"مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجّي مَعَنَا؟" قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلاّ نَاضِحَانِ فَحَجّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَىَ نَاضِحٍ. وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحاً نَنْضِحُ عَلَيْهِ. قَالَ: "فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي. فَإِنّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجّةً".
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ) حَدّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلّمُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاِمْرأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهَا أُمّ سِنَانٍ: "مَا مَنَعَكِ أَنْ تَكُونِي حَجَجْتِ مَعَنَا؟" قَالَتْ: نَاضِحَانِ كَانَا لأَبِي فُلاَنٍ (زَوْجِهَا) حَجّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَىَ أَحَدِهِمَا. وَكَانَ الاَخَرُ يَسْقِيَ عَلَيْهِ غُلاَمُنَا. قَالَ: "فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجّةً. أَوْ حَجّةً مَعِي".
قولها: "لم يكن لنا إلا ناضحان" أي بعيران نستقي بهما. قولها: "ننضح عليه" بكسر الضاد. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن عمرة فيه" أي في رمضان "تعدل حجة" وفي الرواية الأخرى: "تقضي حجة" أي تقوم مقامها في الثواب لا أنها تعدلها في كل شيء، فإنه لو كان عليه حجة فاغتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة. "ناضحان كانا لأبي فلان زوجها حج هو وابنه على أحدهما وكان الاَخر يسقي غلامنا" هكذا هو في نسخ بلادنا، وكذا نقله القاضي عياض عن رواية عبد الغافر الفارسي وغيره. قال: وفي رواية ابن ماهان يسقي عليه غلامنا. قال القاضي عياض: وأرى هذا كله تغييراً وصوابه نسقي عليه نخلاً لنا فتحصف منه غلامنا، وكذا جاء في البخاري على الصواب، ويدل على صحته قوله في الرواية الأولى: "ننضح عليه" وهو بمعنى نسقي عليه، هذا كلام القاضي، والمختار أن الرواية صحيحة وتكون الزيادة التي ذكرها القاضي محذوفة مقدرة وهذا كثير في الكلام والله أعلم
*2* باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى ودخول بلدة من طريق غير التي خرج منها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشّجَرَةِ، وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرّسِ. وَإِذَا دَخَلَ مَكّةَ، دَخَلَ مِنَ الثّنِيّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثّنِيّةِ السّفْلَى.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: الْعُلْيَا الّتِي بِالْبَطْحَاءِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمّا جَاءَ إِلَىَ مَكّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وَخَرَجَ مِنْ أسْفَلِهَا.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَىَ مَكّةَ.
قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ أَبِي يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا. وَكَانَ أَبِي أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ.
قوله: "عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس، وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى" قيل إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه المخالفة في طريقه داخلاً وخارجاً تفاؤلاً بتغير الحال إلى أكمل منه كما فعل في العيد، وليشهد له الطريقان وليتبرك به أهلهما، ومذهبنا أنه يستحب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من السفلى لهذا الحديث، ولا فرق بين أن تكون هذه الثنية على طريقه كالمدني والشامي أو لا تكون كاليمني، فيستحب لليمني وغيره أن يستدير ويدخل مكة من الثنية العليا، وقال بعض أصحابنا إنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كانت على طريقه ولا يستحب لمن ليست على طريقة كاليمني وهذا ضعيف والصواب الأول، وهكذا يستحب له أن يخرج من بلده من طريق ويرجع من أخرى لهذا الحديث، وقوله المعرس هو بضم الميم وفتح العين المهملة والراء المشددة وهو موضع معروف بقرب المدينة على ستة أميال منها. قوله: (العليا التي بالبطحاء) هي بالمد ويقال لها البطحاء والأبطح وهي بجنب المحصب، وهذه الثنية ينحدر منها إلى مقابر مكة.
قوله: "في حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء من أعلى مكة" هكذا ضبطناه بفتح الكاف وبالمد، وهكذا هو في نسخ بلادنا، وهذا نقله القاضي عياض عن رواية الجمهور، قال: وضبطه السمرقندي بفتح الكاف والقصر. قوله: "قال هشام يعني ابن عروة فكان أبي يدخل منهما كليهما وكان أبي أكثر ما يدخل من كداء" اختلفوا في ضبط كداء هذه قال جمهور العلماء بهذا الفن كداء بفتح الكاف وبالمد هي الثنية التي بأعلى مكة، وكذا بضم الكاف وبالقصر هي التي بأسفل مكة، وكان عروة يدخل من كليهما وأكثر دخوله من كداء بفتح الكاف فهذا أشهر وقيل بالضم، ولم يذكر القاضي عياض غيره، وأما كدي بضم الكاف وتشديد الياء فهو في طريق الخارج إلى اليمن وليس من هذين الطريقين في شيء، هذا قول الجمهور والله أعلم
*2* باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة، والاغتسال لدخولها، ودخولها نهارا
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَاتَ بِذِي طَوىً حَتّىَ أَصْبَحَ. ثُمّ دَخَلَ مَكّةَ.
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعِيدٍ: حَتّىَ صَلّى الصّبْحَ. قَالَ يَحْيَىَ: أَوْ قَالَ: حَتّىَ أَصْبَحَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيّبِيّ. حَدّثَنِي أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنّ عَبْدَ اللّهِ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طَوىً. وَيَبِيتُ بِهِ حَتّىَ يُصَلّيَ الصّبْحَ، حِينَ يَقْدَمُ مَكّةَ. وَمُصَلّىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَىَ أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ، لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ الّذِي بُنِيَ ثَمّ، وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَىَ أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيّبِيّ. حَدّثَنِي أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنّ عَبْدَ اللّهِ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطّوِيلِ، نَحْوَ الْكَعْبَةِ. يَجْعَلُ الْمَسْجِدَ، الّذِي بُنِيَ ثَمّ، يَسَارَ الْمَسْجِدِ الّذِي بِطَرَفِ الأَكَمَةِ. وَمُصَلّىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السّوْدَاءِ. يَدَعُ مِنَ الأَكَمَةِ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا. ثُمّ يُصَلّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الطّوِيلِ. الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعل ذلك" وفي رواية: "حتى صلى الصبح" وفي رواية عن نافع عن ابن عمر "كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله". في هذه الروايات فوائد منها الاغتسال لدخول مكة، وأنه يكون بذي طوى لمن كانت في طريقه ويكون بقدر بعدها لمن لم تكن في طريقه، قال أصحابنا: وهذا الغسل سنة فإن عجز عنه تيمم، ومنها المبيت بذي طوى وهو مستحب لمن هو على طريقه وهو موضع معروف بقرب مكة يقال بفتح الطاء وضمها وكسرها والفتح أفصح وأشهر ويصرف ولا يصرف. ومنها استحباب دخول مكة نهاراً وهذا هو الصحيح الذي عليه الأكثرون من أصحابنا وغيرهم أن دخولها نهاراً أفضل من الليل، وقال بعض أصحابنا وجماعة من السلف الليل والنهار في ذلك سواء ولا فضيلة لأحدهما على الاَخر، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها محرماً بعمرة الجعرانة ليلاً، ومن قال بالأول حمله على بيان الجواز والله أعلم.
قوله: (استقبل فرضتي الجبل) هو بفاء مضمومة ثم راء ساكنة ثم ضاد معجمة مفتوحة وهما تثنية فرضة وهي الثنية المرتفعة من الجبل. قوله: (عشرة أذرع) كذا في بعض النسخ وفي بعضها عشر بحذف الهاء وهما لغتان في الذراع التذكير والتأنيث وهو الأفصح الأشهر والله أعلم
*2* باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة، وفي الطواف الأول من الحج
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطّوَافَ الأَوّلَ، خَبّ ثَلاَثاً وَمَشَىَ أَرْبَعاً. وَكَانَ يَسْعَىَ بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَاطَافَ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ، أَوّلَ مَا يَقْدَمُ، فَإِنّهُ يَسْعَىَ ثلاَثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ. ثُمّ يَمْشِي أَرْبَعَةً. ثُمّ يُصَلّي سَجْدَتَيْنِ. ثُمّ يَطُوفُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَقْدَمُ مَكّةَ، إِذَا اسْتَلَمَ الرّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدَمُ، يَخُبّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السّبْعِ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاَثَاً. وَمَشَىَ أَرْبَعاً.
وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ. وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حَتّىَ انْتَهَىَ إِلَيْهِ. ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ الثّلاَثَةَ أَطْوَافٍ، مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ.
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدّثَنَا الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنَ عَبّاسٍ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرّمَلَ بِالْبَيْتِ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشْىَ أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ. أَسُنّةٌ هُوَ؟ فَإِنّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنّهُ سُنّةٌ. قَالَ فَقَالَ: صَدَقُوا. وَكَذَبُوا. قَالَ قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكّةَ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنّ مُحَمّداً وَأَصْحَابَهُ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنَ الْهُزَالِ. وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ. قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنُ يَرْمُلُوا ثَلاثاً. وَيَمْشُوا أَرْبَعاً. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الطّوَافِ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِباً. أَسُنّةٌ هُوَ؟ فَإِنّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنّهُ سُنّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قَالَ قُلْتُ: وَمَا قَوْلُكَ. صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَثُرَ عَلَيْهِ النّاسُ. يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمّدٌ. هَذَا مُحَمّدٌ. حَتّىَ خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُضْرَبُ النّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَلَمّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ. وَالْمَشْيُ وَالسّعِيُ أَفْضَلُ.
م 1 (...) وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَزِيدُ. أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ مَكّةَ قَوْمَ حَسَدٍ. وَلَمْ يَقُلْ: يَحْسُدُونَهُ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبّاسٍ: إِنّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ بِالْبَيْتِ. وَبَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَهِيَ سُنّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الأَبْجَرِ، عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبّاسٍ: أُرَانِي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَصِفْهُ لِي. قَالَ: قُلْتُ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ عَلَىَ نَاقَةٍ. وَقَدْ كَثُرَ النّاسُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. إِنّهُمْ كَانُوا لاَ يُدَعّونَ عَنْهُ وَلاَ يُكْهَرُونَ.
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَكّةَ. وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمّىَ يَثْرِبَ. قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَداً قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمّىَ. وَلَقُوا مِنْهَا شِدّةً. فَجَلَسُوا مِمّا يَلِي الْحِجْرَ. وَأَمَرَهُمُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرّكْنَيْنِ. لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلاَءِ الّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنّ الْحُمّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ. هَؤُلاَءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلّهَا، إِلاّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ: ابْنُ عَبْدَةَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: إِنّمَا سَعَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ، لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوّتَهُ.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً". قوله: (خب) هو الرمل بفتح الراء والميم، فالرمل والخبب بمعنى واحد وهو إسراع المشي مع تقارب الخطأ ولا يثب وثباً، والرمل مستحب في الطوفات الثلاث الأول من السبع، ولا يسن ذلك إلا في طواف العمرة وفي طواف واحد في الحج، واختلفوا في ذلك الطواف وهما قولان للشافعي أصحهما أنه إنما يشرع في طواف يعقبه سعي ويتصور ذلك في طواف القدوم، ويتصور في طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع، لأن شرط طواف الوداع أن يكون قد طاف للإفاضة، فعلى هذا القول إذا طاف للقدوم وفي نيته أنه يسعى بعده استحب الرمل فيه، وإن لم يكن هذا في نيته لم يرمل فيه بل يرمل في طواف الإفاضة. والقول الثاني أنه يرمل في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا والله أعلم. قال أصحابنا: فلو أخل بالرمل في الثلاث الأول من السبع لم يأت به في الأربع الأواخر لأن السنة في الأربع الأخيرة المشي على العادة فلا يغيره ولو لم يمكنه الرمل للزحمة أشار في هيئة مشيه إلى صفة الرمل، ولو لم يمكنه الرمل بقرب الكعبة للزحمة وأمكنه إذا تباعد عنها فالأولى أن يتباعد ويرمل لأن فضيلة الرمل هيئة للعبادة في نفسها، والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها، فكان تقديم ما تعلق بنفسها أولى والله أعلم. واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء، كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا والمروة، ولو ترك الرجل الرمل حيث شرع له فهو تارك سنة ولا شيء عليه هذا مذهبنا، واختلف أصحاب مالك فقال بعضهم عليه دم وقال بعضهم لا دم كمذهبنا. قوله: "وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة" هذا مجمع على استحبابه وهو أنه إذا سعى بين الصفا والمروة استحب أن يكون سعيه شديداً في بطن المسيل وهو قدر معروف وهو من قبل وصوله إلى الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد إلى أن يحاذي الميلين الأخضرين المتقابلين اللذين بفناء المسجد ودار العباس والله أعلم. قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ثم يمشي أربعاً ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة" أما قوله: "أول ما يقدم" فتصريح بأن الرمل أول ما يشرع في طواف العمرة أو في طواف القدوم في الحج. وأما قوله: "يسعى ثلاثة أطواف" فمراده يرمل وسماه سعياً مجازاً لكونه يشارك السعي في أصل الإسراع وإن اختلفت صفتهما. وأما قوله: "ثلاثة وأربعة" فمجمع عليه وهو أن الرمل لا يكون إلا في الثلاثة الأول من السبع. وأما قوله: "ثم يصلي سجدتين" فالمراد ركعتين وهما سنة على المشهور من مذهبنا. وفي قول واجبتان وسماهما سجدتين مجازاً كما سبق تقريره في كتاب الصلاة. وأما قوله: "ثم يطوف بين الصفا والمروة" ففيه دليل على وجوب الترتيب بين الطواف والسعي وأنه يشترط تقدم الطواف على السعي فلو قدم السعي لم يصح السعي وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه خلاف ضعيف لبعض السلف والله أعلم. قوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف" إلى آخره فيه استحباب استلام الحجر الأسود في ابتداء الطواف وهو سنة من سنن الطواف بلا خلاف، وقد استدل به القاضيأبو الطيب من أصحابنا في قوله أنه يستحب أن يستلم الحجر الأسود وأن يستلم معه الركن الذي هو فيه فيجمع في استلامه بين الحجر والركن جميعاً، واقتصر جمهور أصحابنا على أنه يستلم الحجر، وأما الاستلام فهو المسح باليد عليه وهو مأخوذ من السلام بكسر السين وهي الحجارة، وقيل من السلام بفتح السين الذي هو التحية.
قوله: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثاً ومشى أربعاً" فيه بيان أن الرمل يشرع في جميع المطاف من الحجر إلى الحجر، وأما حديث ابن عباس المذكور بعد هذا بقليل قال: وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين فمنسوخ بالحديث الأول، لأن حديث ابن عباس كان في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم، وإنما رملوا إظهاراً للقوة واحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الركنين اليمانيين، لأن المشركين كانوا جلوساً في الحجر وكانوا لا يرونهم بين هذين الركنين ويرونهم فيما سوى ذلك، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ بهذا المتأخر. قوله: (حدثنا سليم ابن الأخضر) هو بضم السين وأخضر بالخاء والضاد المعجمتين.
قوله في رواية أبي الطاهر بإسناده عن جابر: (رمل الثلاثة أطواف) هكذا هو في معظم النسخ المعتمدة وفي نادر منها الثلاثة الأطواف، وفي أندر منه ثلاثة أطواف، فأما ثلاثة أطواف فلا شك في جوازه وفصاحته، وأما الثلاثة الأطواف بالألف واللام فيهما ففيه خلاف مشهور بين النحويين منعه البصريون وجوزه الكوفيون، وأما الثلاثة أطواف بتعريف الأول وتنكير الثاني كما وقع في معظم النسخ فمنعه جمهور النحويين، وهذا الحديث يدل لمن جوزه، وقد سبق مثله في رواية سهل بن سعد في صفة منبر النبي صلى الله عليه وسلم قال فعمل هذه الثلاث درجات وقد رواه مسلم هكذا في كتاب الصلاة وقد سبق التنبيه عليه.
قوله: "قلت لابن عباس: أرأيت هذه الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أطواف أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة، فقال: صدقوا وكذبوا" إلى آخره يعني صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكذبوا في قولهم أنه سنة مقصودة متأكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله سنة مطلوبة دائماً على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار وقد زال ذلك المعنى، هذا معنى كلام ابن عباس، وهذا الذي قاله من كون الرمل ليس سنة مقصودة هو مذهبه، وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا هو سنة في الطوفات الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة ويصح طوافه ولا دم عليه. وقال عبد الله بن الزبير: يسن في الطوفات السبع. وقال الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن الماجشون المالكي: إذا ترك الرمل لزمه دم وكان مالك يقول به ثم رجع عنه. دليل الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع في الطوفات الثلاث الأول ومشى في الأربع ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "لتأخذوا مناسككم عني" والله أعلم. قوله: "قلت له أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكباً أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة قال صدقوا وكذبوا" إلى آخره، يعني صدقوا في أنه طاف راكباً، وكذبوا في أن الركوب أفضل بل المشي أفضل وإنما ركب النبي صلى الله عليه وسلم للعذر الذي ذكره، وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه، أجمعوا على أن الركوب في السعي بين الصفا والمروة جائز وأن المشي أفضل منه إلا لعذر والله أعلم. قوله: "لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزل" هكذا هو في معظم النسخ الهزل بضم الهاء وإسكان الزاي، وهكذا حكاه القاضي في المشارق وصاحب المطالع عن رواية بعضهم قالا وهو وهم والصواب الهزال بضم الهاء وزيادة الألف، قلت: وللأول وجه وهو أن يكون بفتح الهاء لأن الهزل بالفتح مصدر هزلته هزلاً كضربته ضرباً وتقديره لا يستطيعون يطوفون لأن الله تعالى هزلهم والله أعلم. قوله: "حتى خرج العواتق من البيوت" هو جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، وقيل التي تتزوج سميت بذلك لأنها عتقت من استخدام أبويها وابتذالها في الخروج والتصرف التي تفعله الطفلة الصغيرة، وقد سبق بيان هذا في صلاة العيد.
قوله: "إنهم كانوا لا يدعون عنه ولا يكرهون" أما يدعون فبضم الياء وفتح الدال وضم العين المشددة أي يدفعون ومنه قوله تعالى: {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} وقوله تعالى: {فذلك الذي يدع اليتيم}. وأما قوله يكرهون ففي بعض الأصول من صحيح مسلم يكرهون كما ذكرناه من الإكراه، وفي بعضها يكهرون بتقديم الهاء من الكهر وهو إِلانتهار قال القاضي هذا أصوب، وقال: وهو رواية الفارسي والأول رواية ابن ماهان والعذري.
قوله: "وهنتهم حمى يثرب" هو بتخفيف الهاء أي أضعفتهم، قال الفراء وغيره يقال وهنته الحمي وغيرها وأوهنته لغتان، وأما يثرب فهو الاسم الذي كان للمدينة في الجاهلية وسميت في الإسلام المدينة فطيبة فطابة، قال الله تعالى: {ما كان لأهل المدينة}. {ومن أهل المدينة}. {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة} وسيأتي بسط ذلك في آخر كتاب الحج حيث ذكر مسلم أحاديث المدينة وتسميتها إن شاء الله تعالى. قوله: "وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط" هذا تصريح بجواز تسمية الرمل شوطاً، وقد نقل أصحابنا أن مجاهداً والشافعي كرهاً تسميته شوطاً أو دوراً بل يسمى طوفة، وهذا الحديث ظاهر في أنه لا كراهة في تسميته شوطاً فالصحيح أنه لا كراهة. قوله: "ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم" الإبقاء بكسر الهمزة وبالباء والموحدة والمد أي الرفق بهم
*2* باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف، دون الركنين الاَخرين
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ، إِلاّ الرّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالَ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ إِلاّ الرّكْنَ الأَسْوَدَ وَالّذِي يَلِيهِ، مِنْ نَحْوِ دُورِ الْجُمَحِيّينَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ ذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَسْتَلِمُ إِلاّ الْحَجَرَ وَالرّكْنَ الْيَمَانِيَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَى الْقَطّانِ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. حَدّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرّكْنَيْنِ، الْيَمَانِيَ وَالْحَجَرَ، مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهُ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا، فِي شِدّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي خَالِدٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا أَبُو خالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ. ثُمّ قَبّلَ يَدَهُ. وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدّثَهُ أَنّ أَبَا الطّفَيْلِ الْبَكْرِيّ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.
قوله: "لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين" وفي الرواية الأخرى: قوله: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجمحيين" وفي الرواية الأخرى: (لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني" هذه الروايات متفقة، فالركنان اليمانيان هما الركن الأسود والركن اليماني وإنما قيل لهما اليمانيان للتغليب كما قيل في الأب والأم الأبوان، وفي الشمس والقمر القمران، وفي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما العمران، وفي الماء والتمر الأسودان، ونظائره مشهورة، واليمانيان بتخفيف الياء هذه اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما فيها لغة أخرى بالتشديد فمن خفف قال هذه نسبة إلى اليمن فالألف عوض من إحدى ياءي النسب فتبقى الياء الأخرى مخففة ولو شددناها لكان جمعاً بين العوض والمعوض وذلك ممتنع، ومن شدد قال الألف في اليماني زائدة وأصله اليمني فتبقى الياء مشددة وتكون الألف زائدة كما زيدت النون في صنعاني ورقباني ونظائر ذلك والله أعلم. وأما قوله: (يمسح) فمراده يستلم وسبق بيان الاستلام، واعلم أن للبيت أربعة أركان: الركن الأسود والركن اليماني ويقال لهما اليمانيان كما سبق، وأما الركنان الاَخران فيقال لهما الشاميان فالركن الأسود فيه فضيلتان إحداهما كونه على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم والثانية كونه فيه الحجر الأسود، وأما اليماني ففيه فضيلة واحدة وهي كونه على قواعد إبراهيم، وأما الركنان الاَخران فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين فلهذا خص الحجر الأسود بشيئين الاستلام والتقبيل للفضيلتين، وأما اليماني فيستلمه ولا يقبله لأن فيه فضيلة واحدة، وأما الركنان الاَخران فلا يقبلان ولا يستلمان والله أعلم. وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الركنين الاَخرين واستحبه بعض السلف، وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا علي وابن الزبير وجابر ابن عبد الله وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد رضي الله عنهم، قال القاضي أبو الطيب: أجمعت أئمة الأمصار والفقهاء على أنهما لا يستلمان قال: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين وانقرض الخلاف وأجمعوا على أنهما لا يستلمان والله أعلم. قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني" يحتج به الجمهور في أنه يقتصر بالاستلام في الحجر الأسود عليه دون الركن الذي هو فيه وقد سبق قريباً فيه خلاف القاضي أبي الطيب).
قوله: "رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله" فيه استحباب تقبيل اليد بعد استلام الحجر الأسود إذا عجز عن تقبيل الحجر، وهذا الحديث محمول على من عجز عن تقبيل الحجر وإلا فالقادر يقبل الحجر ولا يقتصر في اليد على الاستلام بها، وهذا الذي ذكرناه من استحباب تقبيل اليد بعد الاستلام للعاجز هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال القاسم بن محمد التابعي المشهور: لا يستحب التقبيل وبه قال مالك في أحد قوليه والله أعلم
*2* باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَ عَمْرٌو. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ أَنّ أَبَاهُ حَدّثهُ قَالَ: قَبّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الْحَجَرَ. ثُمّ قَالَ: أَمَ وَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنّكَ حَجَرٌ. وَلَوْلاَ أَنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُكَ مَا قَبّلْتُكَ.
زَادَ هَرُونُ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ عَمْرٌو: وَحَدّثَنِي بِمِثْلِهَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي أَسْلَمَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ عُمَرَ قَبّلَ الْحَجَرَ. وَقَالَ: إِنّي لأُقَبّلُكَ وَإِنّي لأُعْلَمُ أَنّكَ حَجَرٌ. وَلَكِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُكَ.
حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ الْمُقَدّمِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كُلّهُمْ عَنْ حَمّادٍ. قَالَ خَلَفٌ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: رَأَيْتُ الأَصْلَعَ (يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ) يُقَبّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: وَاللّهِ إِنّي لأُقَبّلُكَ، وَإِنّي أَعْلَمُ أَنّكَ حَجَرٌ، وَأَنّكَ لاَ تَضُرّ وَلاَ تَنْفَعُ. وَلَوْلاَ أَنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَبّلَكَ مَا قَبّلْتُكَ.
وَفِي رِوَايَةٍ الْمُقَدّمِيّ وَأَبِي كَامِلٍ: رَأَيْتُ الأُصَيْلِعَ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيةَ. قَالَ: يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يُقَبّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنّي لأُقَبّلُكَ. وَأَعْلَمُ أَنّكَ حَجَرٌ. وَلَوْلاَ أَنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُكَ لَمْ أُقَبّلْكَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنْ وَكِيعٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَىَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ قَبّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ. وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيّاً.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الاْسْنَادِ. قَالَ: وَلَكِنّي رَأَيْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيّاً. وَلَمْ يَقُلْ: وَالْتَزَمَهُ.
قوله: "قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أم والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" وفي الرواية الأخرى: (وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع). هذا الحديث فيه فوائد منها استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف بعد استلامه، وكذا يستحب السجود على الحجر أيضاً بأن يضع جبهته عليه، فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عليه هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد قال وبه أقول، قال: وقد روينا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وانفرد مالك عن العلماء فقال السجود عليه بدعة، واعترف القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك في هذه المسألة عن العلماء، وأما الركن اليماني فيستلمه ولا يقبله بل يقبل اليد بعد استلامه هذا مذهبنا وبه قال جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وقال أبو حنيفة لا يستلمه، وقال مالك وأحمد يستلمه ولا يقبل اليد بعده، وعن مالك رواية أنه يقبله، وعن أحمد رواية أنه يقبله والله أعلم. وما قول عمر رضي الله عنه: لقد علمت أنك حجر وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع، فأراد به بيان الحث على إِلاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في تقبيله ونبه على أنه لولا إِلاقتداء به لما فعله وإنما قال: وإنك لا تضر ولا تنفع لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار وتعظيماً ورجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها وكان العهد قريباً بذلك فخاف عمر رضي الله عنه أن يراه بعضهم يقبله ويعتني به فيشتبه عليه، فبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب فمعناه أنه لا قدرة له على نفع ولا ضر، وأنه حجر مخلوق كباقي المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع، وأشاع عمر هذا في الموسم ليشهد في البلدان ويحفظه عنه أهل الموسم المختلفوا الأوطان والله أعلم. قوله: (رأيت الأصلع) وفي رواية: (الأصيلع) يعني عمر رضي الله عنه فيه أنه لا بأس بذكر الإنسان بلقبه ووصفه الذي يكرهه وإن كان قد يكره غيره مثله.
قوله: "رأيت عمر رضي الله عنه قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفياً" يعني معتنياً وجمعه أحفياء. قوله: (والتزمه) فيه إشارة إلى ما قدمنا من استحباب السجود عليه والله أعلم
*2* باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ عَلَىَ بَعِيرٍ. يَسْتَلِمُ الرّكْنَ بِمِحْجَنٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ، فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، عَلَىَ رَاحِلَتِهِ. يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ. لأَنْ يَرَاهُ النّاسُ، وَلِيُشْرِفَ، وَلِيَسْأَلُوهُ. فَإِنّ النّاسَ غَشُوهُ.
وحدّثنا عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ بَكْرٍ) قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: طَافَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ عَلَىَ رَاحِلَتِهِ، بِالْبَيْتِ، وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. لِيَرَاهُ النّاسُ، وَلْيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ. فَإِنّ النّاسَ غَشُوهُ.
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ خَشْرَمٍ: وَلِيَسْأَلُوهُ. فَقَطْ.
حدّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرِيّ. حَدّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَافَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، حَوْلَ الْكَعْبَةِ، عَلَىَ بَعِيرِهِ. يَسْتَلِمُ الرّكْنَ. كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النّاسُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. حَدّثَنَا مَعْرُوفُ بْنُ خَرّبُوذَ سمعْتُ أَبَا الطّفَيْلِ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرّكُنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبّلُ الْمِحْجَنَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ،ط عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّي أَشْتَكِي. فَقَالَ: "طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ" قَالَتْ: فَطُفْتُ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ يُصَلّي إِلَىَ جَنْبِ الْبَيْتِ. وَهُوَ يَقْرَأُ: {بِالطّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن" المحجن بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الجيم وهو عصا معقفة يتناول بها الراكب ما سقط له ويحرك بطرفها بعيره للمشي، وفي هذا الحديث جواز الطواف راكباً واستحباب استلام الحجر، وأنه إذا عجز عن استلامه بيده استلمه بعود، وفيه جواز قول حجة الوداع، وقد قدمنا أن بعض العلماء كره أن يقال لها حجة الوداع وهو غلط والصواب جواز قول حجة الوداع والله أعلم. واستدل به أصحاب مالك وأحمد على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه لأنه لا يؤمن ذلك من البعير فلو كان نجساً لما عرض المسجد له، ومذهبنا مذهب أبي حنيفة وآخرين نجاسة ذلك، وهذا الحديث لا دلالة فيه لأنه ليس من ضرورته أن يبول أو يروث في حال الطواف وإنما هو محتمل، وعلى تقدير حصوله ينظف المسجد منه كما أنه صلى الله عليه وسلم أقر إدخاله الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم بل قد وجد ذلك ولأنه لو كان ذلك محققاً لنزه المسجد منه سواء كان نجساً أو طاهراً لأنه مستقذر.
قوله في طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً: (لأن يراه الناس ويشرف وليسألوه" هذا بيان لعلة ركوبه صلى الله عليه وسلم، وقيل أيضاً لبيان الجواز، وجاء في سنن أبي داود أنه كان صلى الله عليه وسلم في طوافه هذا مريضاً، وإلى هذا المعنى أشار البخاري وترجم عليه باب المريض يطوف راكباً فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم طاف راكباً لهذا كله. قوله: "فإن الناس غشوه" هو بتخفيف الشين أي ازدحموا عليه. قولها: (كراهية أن يضرب عنه الناس" هكذا هو في معظم النسخ يضرب بالباء، وفي بعضها يصرف بالصاد المهملة والفاء وكلاهما صحيح).
قوله: (حدثني الحكم بن موسى القنطري) هو بفتح القاف قال السمعاني: هو من قنطرة بردان وهي محلة من بغداد.
قوله: (وحدثنا معروف بن خربوذ) هو بخاء معجمة مفتوحة ومضمومة الفتح أشهر، وممن حكاهما القاضي عياض في المشارق والقائل بالضم هو أبو الوليد الباجي وقال الجمهور بالفتح وبعد الخاء راء مفتوحة مشددة ثم باء موحدة مضمومة ثم واو ثم ذال معجمة. قوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن" فيه دليل على استحباب استلام الحجر الأسود وأنه إذا عجز عن استلامه بيده بأن كان راكباً أو غيره استلمه بعضاً ونحوها ثم قبل ما استلم به وهذا مذهبنا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور" إنما أمرها صلى الله عليه وسلم بالطواف من وراء الناس لشيئين: أحدهما أن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف. والثاني أن قربها يخاف منه تأذى الناس بدابتها وكذا إذا طاف الرجل راكباً، وإنما طافت في حال صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أسترها وكانت هذه الصلاة صلاة الصبح والله أعلم
*2* باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ لَهَا: إِنّي لأَظُنّ رَجُلاً، لَوْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، مَا ضَرّهُ. قَالَتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لاِءَنّ اللّهَ تَعَالَىَ يَقُولُ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ} (2 البقرة الاَية: 8). إِلَىَ آخِرِ الاَيَةِ. فَقَالَتْ: مَا أَتَمّ اللّهُ حَجّ امْرِئٍ وَلاَ عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطّوّفَ بِهِمَا. وَهَلْ تَدْرِي فِيمَا كَانَ ذَاكَ؟ إِنّمَا كَانَ ذَاكَ أَنّ الأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلّونَ فِي الْجَاهِلِيّةِ لِصَنَمَيْنِ عَلَىَ شَطّ الْبَحْرِ. يُقَالُ لَهُمَا إِسَافٌ وَنَائِلَةٌ. ثُمّ يَجيئُونَ فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ يَحْلِقُونَ. فَلَمّا جَاءَ الإِسْلاَمُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا. لِلّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيّةِ. قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ}. إِلَىَ آخِرِهَا. قَالَتْ: فَطَافُوا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبُو شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبِي أُسَامَةَ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَىَ عَلَيّ جُنَاحاً أَنْ لاَ أَتَطَوّفَ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ} الاَيَةَ. فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَ: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطّوّفَ بِهِمَا. إِنّمَا أُنْزِلَ هَذَا فِي أُنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ. كَانُوا إِذَا أَهَلّوا، أَهَلّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَلاَ يَحِلّ لَهُمْ أَنْ يَطّوّفُوا بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَلَمّا قَدِمُوا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَجّ، ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى هَذِهِ الاَيَةَ. فَلَعَمْرِي مَا أَتَمّ اللّهُ حَجّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عْيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ: سَمِعْتُ الزّهْرِيّ يُحَدّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مَا أَرَىَ عَلَىَ أَحَدٍ، لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، شَيْئاً. وَمَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَطُوفَ بيْنَهُمَا. قَالْتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، يَا ابْنَ أُخْتِي طَافَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ. فَكَانَتْ سُنّةً. وَإِنّمَا كَانَ مَنْ أَهَلّ لِمَنَاةَ الطّاغِيَةِ، الّتِي بِالْمُشَلّلِ، لاَ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَلَمّا كَانَ الإِسْلاَمُ سَأَلْنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ. فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطّوّفَ بِهِمَا}. وَلَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَتْ: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطّوّفَ بِهِمَا.
قَالَ الزّهْرِيّ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِءَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ: إِنّ هَذَا الْعِلْمُ. وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنّمَا كَانَ مَنْ لاَ يَطُوفُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: إِنّ طَوَافَنَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ الأَنْصَارِ: إِنّمَا أُمِرْنَا بِالطّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرَ اللّهِ}.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ: فَأَرَاهَا قَدْ نَزَلَتْ فِي هَولاَءِ وَهَولاَءِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ: فَلَمّا سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا كُنّا نَتَحَرّجُ أَنْ نَطُوفَ بِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ منْ شَعَائِرِ اللّهِ. فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطّوّفَ بِهِمَا}.
قَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ سَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الطّوَافَ بَيْنَهُمَا. فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطّوَافَ بِهِمَا.
وحدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرَوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ الأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، هُمْ وَغَسّانُ، يُهِلّونَ لِمَنَاةَ. فَتَحَرّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَكَانَ ذَلِكَ سُنّةً فِي آبَائِهِمْ. مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصّفَا وَالْمرْوَةِ. وَإِنّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ حِينَ أَسْلَمُوا. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوّفّ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوّعَ خَيْراً فَإِنّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتِ الأَنْصَارِ يَكْرَهُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ. حَتّىَ نَزَلَتْ: {إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ. فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطّوّفَ بِهِمَا}.
مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج لا يصح إلا به ولا يجبر بدم ولا غيره، وممن قال بهذا مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال بعض السلف هو تطوع، وقال أبو حنيفة هو واجب فإن تركه عصى وجبره بالدم وصح حجه دليل الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى وقال: "خذوا عني مناسككم" والمشروع سعي واحد والأفضل أن يكون بعد طواف القدوم، ويجوز تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة. قوله: "عن عروة أنه قال ما معناه أن السعي ليس بواجب لأن الله تعالى قال: فلا جناح عليه أن يطوف بهما، وأن عائشة أنكرت عليه وقالت لا يتم الحج إلا به ولو كان كما تقول يا عروة لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما" قال العلماء: هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ، لأنالاَية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناح عمن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا على وجوبه، فأخبرته عائشة رضي الله عنها أن الاَية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه، وبينت السبب في نزولها والحكمة في نظمها، وأنها نزلت في الأنصار حين تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة في الإسلام، وأنها لو كانت كما يقول عروة لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، وقد يكون الفعل واجباً ويعتقد إنسان أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند غروب الشمس فسأل عن ذلك فيقال في جوابه لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت فيكون جواباً صحيحاً ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر. قولها: (وهل تدري فيما كان ذلك إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما إساف ونائلة" قال القاضي عياض: هكذا وقع في هذه الرواية قال وهو غلط والصواب ما جاء في الروايات الأخر في الباب يهلون لمناة. وفي الرواية الأخرى لمناة الطاغية التي بالمشلل، قال: وهذا هو المعروف، ومناة صنم كان نصبه عمرو بن لحي في جهة البحر بالمشلل مما يلي قديداً، وكذا جاء مفسراً في هذا الحديث في الموطأ وكانت الأزد وغسان تهل له بالحج. وقال ابن الكلبي: مناة صخرة لهذيل بقديد، وأما إساف ونائلة فلم يكونا قط في ناحية البحر وإنما كانا فيما يقال رجلاً وامرأة فالرجل اسمه إساف بن بقاء ويقال ابن عمرو والمرأة اسمها نائلة بنت ذئب ويقال بنت سهل قيل كانا من جرهم فزنيا داخل الكعبة فمسخهما الله حجرين فنصبا عند الكعبة وقيل على الصفا والمروة ليعتبر الناس بهما ويتعظوا، ثم حولهما قصي بن كلاب فجعل أحدهما ملاصق الكعبة والاَخر بزمزم، وقيل جعلهما بزمزم ونحر عندهما وأمر بعبادتهما فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة كسرهما، هذا آخر كلام القاضي عياض. قوله في حديث عمر والناقد وابن أبي عمر: (بئس ما قلت يا ابن أختي" هكذا هو في أكثر النسخ بالتاء، وفي بعضها أخي بحذف التاء وكلاهما صحيح، والأول أصح وأشهر وهو المعروف في غير هذه الرواية. قوله: "فأعجبه وقال إن هذا العلم" هكذا هو في جميع نسخ بلادنا قال القاضي: وروي أن هذا لعلم بالتنوين وكلاهما صحيح، ومعنى الأول أن هذا هو العلم المتقن ومعناه استحسان قول عائشة رضي الله عنها وبلاغتها في تفسير الاَية الكريمة. قوله: "فأراها قد نزلت في هؤلاء" ضبطوه بضم الهمزة من أراها وفتحها والضم أحسن وأشهر).
قولها: (قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما) يعني شرعه وجعله ركناً والله أعلم.
*2* باب بيان أن السعي لا يكرر
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ أَصْحَابُهُ، بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، إِلاّ طَوَافاً وَاحِداً.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: إِلاّ طَوَافاً وَاحِداً. طَوَافَهُ الأَوّلَ.
قوله: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً" طوافه الأول فيه دليل على أن السعي في الحج أو العمرة لا يكرر بل يقتصر منه على مرة واحدة ويكره تكراره لأنه بدعة، وفيه دليل لما قدمناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً وأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد، وقد سبق خلاف أبي حنيفة وغيره في المسألة والله أعلم
*2* باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَاتٍ. فَلَمَا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الشّعْبَ الأَيْسَرَ، الّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ، أَنَاخَ فَبَالَ. ثُمّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ، فَتَوَضّأَ وُضُوءاً خَفِيفاً. ثُمّ قُلْتُ: الصّلاَةَ، يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: "الصّلاَةُ أَمَامَكَ" فَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ أَتَىَ الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلّىَ، ثُمّ رَدِفَ الْفَضْلُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ جَمْعٍ.
قَالَ: كُرَيْبٌ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبّي حَتّىَ بَلَغَ الْجَمْرَةَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. كِلاَهُمَا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَىَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. أَخْبَرَني ابْنُ عَبّاسَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ جَمْعٍ. قَالَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبّاسٍ أَنّ الْفَضْلَ أَخْبَرَهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبّي حَتّىَ رَمَىَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنِي اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ قَالَ، فِي عَشِيّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جمعٍ، لِلناسِ حِينَ دَفَعُوا "عَلَيْكُمْ بِالسّكِينَةِ" وَهُوَ كَافّ نَاقَتَهُ. حَتّىَ دَخَلَ مُحَسّراً (وَهُوَ مِنْ مِنًى) قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الّذِي يُرْمَىَ بِهِ الْجَمْرَةُ".
وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبّي حَتّىَ بَلَغَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةَ رَمَى الْجَمْرَةَ.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ بِهَذَا الاْسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحدِيثِ: وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبّي حَتّىَ رَمَى الْجَمْرَةَ. وَزَادَ فِي حَدِيثِهِ: وَالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الإِنْسَانُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ، وَنَحْنُ بِجَمْعٍ: سَمِعْتُ الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، يَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ "لَبّيْكَ. اللّهُمّ لَبّيْكَ".
وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشْجَعِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنّ عَبْدَ اللّهِ لَبّىَ حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ. فَقِيلَ: أَعْرَابِيّ هَذَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: أَنَسِيَ النّاسُ أَمْ ضَلّوا؟ سَمِعْتُ الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، يَقُولُ فِي هَذَا الْمَكَانِ: "لَبّيْكَ. اللّهُمّ لَبّيْكَ".
وحدّثناه حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَامَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثنيهِ يُوسُفُ بْنُ حَمّادٍ الْمَعْنِيّ. حَدّثَنَا زِيَادٌ (يَعْنِي الْبَكّائِيّ) عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشّجَعِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالاَ: سَمِعْنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ، بِجَمْعٍ: سَمِعْتُ الّذِي أُنْزلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، هَهُنَا يَقُولُ: "لَبّيْكَ. اللّهُمّ لَبّيْكَ" ثُمّ لَبّىَ وَلَبّيْنَا مَعَهُ.
قوله في حديث أسامة: "ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات" هذا دليل على استحباب الركوب في الدفع من عرفات، وعلى جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، وعلى جواز الارتداف مع أهل الفضل ولا يكون ذلك خلاف الأدب. قوله: "فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءاً خفيفاً" فقوله فصببت عليه الوضوء. الوضوء هنا بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به وسبق فيه لغة أنه يقال بالضم وليست بشيء. وقوله: "فتوضأ وضوءاً خفيفاً" يعني توضأ وضوء الصلاة وخففه بأن توضأ مرة مرة أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى قوله في الرواية الأخرى: "فلم يسبغ الوضوء" أي لم يفعله على العادة، وفيه دليل على جواز الاستعانة في الوضوء، قال أصحابنا: الاستعانة فيه ثلاثة أقسام: أحدها أن يستعين في إحضار الماء من البئر والبيت ونحوهما وتقديمه إليه وهذا جائز ولا يقال أنه خلاف الأولى. والثاني أن يستعين بمن يغسل الأعضاء فهذا مكروه كراهة تنزيه إلا أن يكون معذوراً بمرض أو غيره. والثالث أن يستعين بمن يصب عليه فإن كان لعذر فلا بأس وإلا فهو خلاف الأولى، وهل يسمى مكروهاً فيه وجهان لأصحابنا أصحهما ليس بمكروه لأنه لم يثبت فيه نهي، وأما استعانة النبي صلى الله عليه وسلم بأسامة والمغيرة بن شعبة في غزوة تبوك وبالربيع بنت معوذ فلبيان الجواز ويكون أفضل في حقه حينئذ لأنه مأمور بالبيان والله أعلم. قوله: "قلت الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك" معناه أن أسامة ذكره بصلاة المغرب وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نسيها حيث أخرها عن العادة المعروفة في غير هذه الليلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة أمامك أي إن الصلاة في هذه الليلة مشروعة فيما بين يديك أي في المزدلفة. ففيه استحباب تذكير التابع المتبوع بما تركه خلاف العادة ليفعله أو يتعذر عنه أو يبين له وجه صوابه وأن مخالفته للعادة سببها كذا وكذا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: الصلاة أمامك ففيه أن السنة في هذا الموضع في هذه الليلة تأخير المغرب إلى العشاء والجمع بينهما في المزدلفة وهو كذلك بإجماع المسلمين وليس هو بواجب بل سنة فلو صلاهما في طريقه أو صلى كل واحدة في وقتها جاز، وقال بعض أصحاب مالك: إن صلى المغرب في وقتها لزمه إعادتها وهذا شاذ ضعيف.
قوله: "لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة" دليل على أنه يستديم التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة غداة يوم النحر، وهذا مذهب الشافعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأبي ثور وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ومن بعدهم، وقال الحسن البصري: يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة ثم يقطع. وحكى عن علي وابن عمر وعائشة ومالك وجمهور فقهاء المدينة أنه يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة ولا يلبي بعد الشروع في الوقوف. وقال أحمد وإسحاق وبعض السلف: يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة، ودليل الشافعي والجمهور هذا الحديث الصحيح مع الأحاديث بعده ولا حجة للاَخرين في مخالفتها فيتعين اتباع السنة. وأما قوله في الرواية الأخرى: "لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" فقد يحتج به أحمد وإسحاق لمذهبهما، ويجيب الجمهور عنه بأن المراد حتى شرع في الرمي ليجمع بين الروايتين.
قوله: "غداة جمع" هي بفتح الجيم وإسكان الميم وهي المزدلفة وسبق بيانها. قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسكينة" هذا إرشاد إلى الأدب والسنة في السير تلك الليلة ويلحق بها سائر مواضع الزحام. قوله: "وهو كاف ناقته" أي يمنعها الإسراع. قوله: "دخل محسراً وهو من منى" الخ، أما محسر فسبق ضبطه وبيانه في حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "بحصى الخذف" قال العلماء: هو نحو حبة الباقلا، قال أصحابنا: ولو رمي بأكبر منها أو أصغر جاز وكان مكروه. وأما قوله: "يشير بيده كما يخذف الإنسان" فالمراد به الإيضاح وزيادة البيان لحصى الخذف، وليس المراد أن الرمي يكون على هيئة الخذف، وإن كان بعض أصحابنا قد قال باستحباب ذلك لكنه غلط والصواب أنه لا يستحب كون الرمي على هيئة الخذف، فقد ثبت حديث عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخذف وإنما معنى هذه الإشارة ما قدمناه والله أعلم. قوله: "قال عبد الله ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام لبيك اللهم لبيك" فيه دليل على استحباب إدامة التلبية بعد الوقوف بعرفات وهو مذهب الجمهور كما سبق، وفيه دليل على جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وشبه ذلك، وكره ذلك بعض الأوائل وقال إنما يقال السورة التي تذكر فيها البقرة والسورة التي تذكر فيها النساء وشبه ذلك، والصواب جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وسورة المائدة وغيرها، وبهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم كحديث: "من قرأ الاَيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" والله أعلم. وأما قول عبد الله بن مسعود: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة فإنما خص البقرة لأن معظم أحكام المناسك فيها فكأنه قال: هذا مقام من أنزلت عليه المناسك وأخذ عنه الشرع وبين الأحكام فاعتمدوه، وأراد بذلك الرد على من يقول بقطع التلبية من الوقوف بعرفات، وهذا معنى قوله في الرواية الثانية: أن عبد الله لبى حين أفاض من جمع فقيل أعرابي هذا فقال ابن مسعود: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة فإنما خص البقرة لأن معظم أحكام المناسك فيها فكأنه قال: هذا مقام من أنزلت عليه المناسك وأخذ عنه الشرع وبين الأحكام فاعتمدوه، وأراد بذلك الرد على من يقول بقطع التلبية من الوقوف بعرفات، وهذا معنى قوله في الرواية الثانية: أن عبد الله لبى حين أفاض من جمع فقيل أعرابي هذا فقال ابن مسعود: ما قال إنكاراً على المعترض ورداً عليه والله أعلم
*2* باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات في يوم عرفة
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا يحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مِنًى إِلَىَ عَرَفَاتِ. مِنّا الْمُلَبّي، وَمِنّا الْمُكَبّرُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَدَاةِ عَرَفَةَ. فَمِنّا الْمُكَبّرُ وَمِنّا الْمُهَلّلُ. فَأَمّا نَحْنُ فَنُكَبّرُ. قَالَ قُلْتُ: وَاللّهِ لَعَجَبَاً مِنْكُمْ. كَيْفَ لَمْ تَقُولُوا لَهُ: مَاذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ؟.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأَتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثّقَفِيّ أَنّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَىَ عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: كَانَ يُهِلّ الْمُهِلّ مِنّا، فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ. وَيُكَبّرُ الْمُكَبّرُ مِنّا، فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ.
وحدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، غَدَاةَ عَرَفَةَ: مَا تَقُولُ فِي التّلْبِيَةِ هَذَا الْيَوْمَ؟ قَالَ: سِرْتُ هَذَا الْمَسِيرَ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ. فَمِنّا الْمُكَبّرُ وَمِنّا الْمُهَلّلُ. وَلاَ يَعِيبُ أَحَدُنَا عَلَىَ صَاحِبِهِ.
قوله: "غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر. وفي الرواية الأخرى: "يهلل المهلل فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه" فيه دليل على استحبابهما في الذهاب من منى إلى عرفات يوم عرفة والتلبية أفضل، وفيه رد على من قال بقطع التلبية بعد صبح يوم عرفة والله أعلم.
*2* باب الإِفاضة من عرفات إِلى المزدلفة، واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعاً بالمزدلفة في هذه الليلة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ. حَتّىَ إِذَا كَانَ بِالشّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ. ثُمّ تَوَضّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ. فَقُلْتُ لَهُ: الصّلاَةَ. قَالَ: "الصّلاَةُ أَمَامَكَ" فَرَكِبَ. فَلَمّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمّ أُقِيمَتِ الصّلاَةُ فَصَلّى الْمَغْرِبَ، ثُمّ أَنَاخَ كُلّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلاّهَا، وَلَمْ يُصَلّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزّبَيْرِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الدّفْعَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَىَ بَعْضِ تِلَكَ الشّعَابِ، لِحَاجَتِهِ. فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ. فَقُلْتُ: أَتُصَلّي؟ فَقَالَ "الْمُصَلّىَ أَمَامَكَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح وحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: أَفَاضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَاتٍ. فَلَمّا انْتَهَىَ إِلَى الشّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ. (وَلَمْ يَقُلْ أُسَامَةُ: أَرَاقَ الْمَاءَ) قَالَ: فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضّأَ وُضُوءًا لَيْسَ بِبَالِغٍ. قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ الصّلاَةَ. قَالَ "الصّلاَةُ أَمَامَكَ" قَالَ: ثُمّ سَارَ حَتّىَ بَلَغَ جَمْعاً. فَصَلّىَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ. أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ أَنّهُ سَأَلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: كَيْفَ صَنَعْتُمْ حِينَ رَدِفْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَشِيّةَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: جِئْنَا الشّعْبَ الّذِي يُنِيخُ النّاسُ فِيهِ للْمَغْرِبِ. فَأَنَاخَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَاقَتَهُ وَبَالَ (وَمَا قَالَ: أَهْرَاقَ الْمَاءَ) ثُمّ دَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضّأَ وُضُوءاً لَيْس بِالْبَالِغِ. فقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الصّلاَةَ. فَقَالَ: "الصّلاَةُ أَمَامَكَ" فَرَكِبَ حَتّىَ جِئْنَا الْمُزْدَلِفَةَ. فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ. ثُمّ أَنَاخَ النّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ. وَلَمْ يَحُلّوا حَتّىَ أَقَامَ الْعِشَاءَ الاَخِرَةَ. فَصَلّىَ. ثُمّ حَلّوا. قُلْتُ: فَكَيْفَ فَعَلْتُمْ حِينَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالَ: رَدِفَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ. وَانْطَلَقْتُ أَنَا فِي سُبّاقِ قُرَيْشٍ عَلَىَ رِجْلَيّ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا أَتَى النّقْبَ الّذِي يَنْزِلُهُ الأُمَرَاءُ نَزَلَ وَبَالَ. (وَمَا قَالَ: أَهَرَاقَ مَاءٍ) ثُمّ دَعَا بِوَضُوءُ فَتَوَضّأَ وُضُوءًا خَفِيفاً. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ الصّلاَةَ. فَقَالَ "الصّلاَةُ أَمَامكَ".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عَطَاءٍ مَوْلَىَ سِبَاعٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ. فَلَمّا جَاءَ الشّعْبَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ. ثُمّ ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ. فَلَمّا رَجَعَ صَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضّأَ. ثُمّ رَكِبَ. ثُمّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ. فَجَمَعَ بِهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ. وَأُسَامَةُ رِدْفُهُ. قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَىَ هَيْئَتِهِ حَتّىَ أَتَى جَمْعاً.
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الرّبِيعِ حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ، وَأَنَا شَاهِدٌ، أَوْ قَالَ: سَأَلْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهُ مِنْ عَرَفَاتٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَسِيرُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ. فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصّ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ: قَالَ: هِشَامٌ: وَالنّصّ فَوْقَ الْعَنَقِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي عَدِيّ بْنُ ثَابِتٍ أَن عَبْدَ اللّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخَطْمِيّ حَدّثَهُ أَنّ أَبَا أَيّوبَ أَخْبَرَهُ، أَنّهُ صَلّىَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ.
وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. قَالَ ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيّ. وَكَانَ أَمِيراً عَلَى الْكُوْفَةِ عَلَىَ عَهْدِ ابْنِ الزّبَيْرِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، جَمِيعاً.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ عُبَيْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَاهُ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا سَجْدَةٌ. وَصَلّى الْمَغْرِبَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ. وَصَلّىَ الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ.
فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ يُصَلّي بِجَمْعٍ كَذَلِك. حَتّىَ لَحِقَ بِاللّهِ تَعَالَىَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ وَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ صَلّى الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ، وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ. ثُمّ حَدّث عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ صَلّىَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَحَدّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: صَلاّهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا الثّوْرِيّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ. صَلّىَ الْمَغْرِبَ ثَلاَثاً، وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَفْضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ حَتّىَ أَتَيْنَا جَمْعَاً. فَصَلّىَ بِنَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمّ انْصَرَفَ. فَقَالَ: هَكَذَا صَلّىَ بِنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَكَانِ.
فيه حديث أسامة وسبق بيان شرحه في الباب الذي قبل هذا، وفيه الجمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء في هذه الليلة في المزدلفة وهذا مجمع عليه لكن اختلفوا في حكمه، فمذهبنا أنه على الاستحباب فلو صلاهما في وقت المغرب أو في الطريق أو كل واحدة في وقتها جاز وفاتته الفضيلة، وقد سبق بيان المسألة في الباب المذكور. قوله: "أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئاً. وفي الرواية الأخرى في آخر الباب أنه صلاهما بإقامة واحدة، وقد سبق في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، وهذه الرواية مقدمة على الروايتين الأوليين لأن مع جابر زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة، ولأن جابراً اعتنى الحديث ونقل حجة النبي صلى الله عليه وسلم مستقصاة فهو أولى بإِلاعتماد، وهذا هو الصحيح من مذهبنا أنه يستحب الأذان للأولى منهما ويقيم لكل واحدة إقامة فيصليهما بأذان وإقامتين، ويتأول حديث إقامة واحدة أن كل صلاة لها إقامة، ولا بد من هذا ليجمع بينه وبين الرواية الأولى وبينه أيضاً وبين رواية جابر، وقد سبق إيضاح المسألة في حديث جابر والله أعلم. قوله: "فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئاً" فيه دليل على استحباب المبادرة بصلاتي المغرب والعشاء أول قدومه المزدلفة، ويجوز تأخيرهما إلى قبيل طلوع الفجر، وفيه أنه لا يضر الفصل بين الصلاتين المجموعتين إذا كان الجمع في وقت الثانية لقوله: "ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله" وأما إذا جمع بينهما في وقت الأولى فلا يجوز الفصل بينهما، فإن فصل بطل الجمع ولم تصح الصلاة الثانية إلا في وقتها الأصلي. وأما قوله: "ولم يصل بينهما شيئاً" ففيه أنه لا يصلي بين المجموعتين شيئاً، ومذهبنا استحباب السنن الراتبة لكن يفعلها بعدهما لا بينهما، ويفعل سنة الظهر التي قبلها قبل الصلاتين والله أعلم. قوله: "نزل فبال" ولم يقل أسامة أراق الماء فيه أداء الرواية بحروفها، وفيه استعمال صرائح الألفاظ التي قد تستبشع، ولا يكنى عنها إذا دعت الحاجة إلى التصريح بأن خيف لبس المعنى أو اشتباه الألفاظ أو غير ذلك. قوله: "وما قال إهراق الماء" هو بفتح الهاء. قوله: "حتى أقام العشاء الاَخرة" فيه دليل لصحة إطلاق العشاء الاَخرة، وأما إنكار الأصمعي وغيره ذلك وقولهم أنه من لحن العوام ومحال كلامهم وأن صوابه العشاء فقط ولا يجوز وصفها بالاَخرة فغلط منهم بل الصواب جوازه، وهذا الحديث صريح فيه وقد تظاهرت به أحاديث كثيرة، وقد سبق بيانه واضحاً في مواضع كثيرة من كتاب الصلاة. قوله: "لما أتى النقب" هو بفتح النون وإسكان القاف وهو الطريق في الجبل وقيل الفرجة بين جبلين. قوله: "عن الزهري عن عطاء مولى سباع عن أسامة بن زيد" هكذا وقع في معظم النسخ عطاء مولى سباع، وفي بعض النسخ مولى أم سباع وكلاهما خلاف المعروف فيه وإنما المشهور عطاء مولى بني سباع، هكذا ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، وخلف الواسطي في الأطراف والحميدي في الجمع بين الصحيحين والسمعاني في الأنساب وغيرهم وهو عطاء بن يعقوب وقيل عطاء بن نافع، وممن ذكر الوجهين في اسم أبيه البخاري وخلف والحميدي، واقتصر ابن أبي حاتم والسمعاني وغيرهما على أنه عطاء ابن يعقوب قالوا كلهم وهو عطاء الكيخاراني بفتح الكاف وإسكان المثناة من تحت وبالخاء المعجمة ويقال فيه أيضاً الكوخاراني واتفقوا على أنها نسبة إلى موضع باليمن هكذا قاله الجمهور، قال أبو سعد السمعاني: هي قرية باليمن يقال لها كيخران، قال يحيى بن معين: عطاء هذا ثقة والله أعلم.
قوله: "فما زال يسير على هيئته" هو بهاء مفتوحة وبعد الياء همزة هكذا هو في معضم النسخ، وفي بعضها هينته بكسر الهاء وبالنون وكلاهما صحيح المعنى. قوله: "كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص. وفي الرواية الأخرى: (قال هشام والنص فوق العنق) أما العنق فبفتح العين والنون والنص بفتح النون وتشديد الصاد المهملة وهما نوعان من إسراع السير وفي العنق نوع من الرفق، والفجوة بفتح الفاء المكان المتسع، ورواه بعض الرواة في الموطأ فرجة بضم الفاء وفتحها وهي بمعنى الفجوة، وفيه من الفقه استحباب الرفق في السير في حال الزحام، فإذا وجد فرجة استحب الإسراع ليبادر إلى المناسك وليتسع له الوقت ليمكنه الرفق في حال الزحمة والله أعلم.
قوله: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة" يعني بالسجدة صلاة النافلة أي لم يصل بينهما نافلة، وقد جاءت السجدة بمعنى النافلة وبمعنى الصلاة. قوله: "وصلى المغرب ثلاث ركعات وصلى العشاء ركعتين" فيه دليل على أن المغرب لا يقصر بل يصلي ثلاثاً أبداً، وكذلك أجمع عليه المسلمون، وفيه أن القصر في العشاء وغيرها من الرباعيات أفضل والله أعلم. قوله: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق قال: قال سعيد بن جبير أفضنا مع ابن عمر إلى آخره" هذا من الأحاديث التي استدركها الدارقطني فقال هذا عندي وهم من إسماعيل، وقد خالفه جماعة منهم شعبة والثوري وإسرائيل وغيرهم فرووه عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك عن ابن عمر قال: وإسماعيل وإن كان ثقة فهؤلاء أقوم بحديث أبي إسحاق منه هذا كلامه، وجوابه ما سبق بيانه مرات في نظائره أنه يجوز أن أبا إسحاق سمعه بالطريقين فرواه بالوجهين، وكيف كان فالمتن صحيح لا مقدح فيه والله أعلم
*2* باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر بالمزدلفة، والمبالغة فيه بعد تحقق طلوع الفجر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ صَلاَةً إِلاّ لِمِيقَاتِهَا. إِلاّ صَلاَتَيْنِ: صَلاَةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ. وَصَلّىَ الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا.
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: قَبْلَ وَقْتِهَا بِغَلَسٍ.
قوله عن عبد الله بن مسعود: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها" معناه أنه صلى المغرب في وقت العشاء بجمع التي هي المزدلفة، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها المعتاد ولكن بعد تحقق طلوع الفجر. فقوله قبل وقتها المراد قبل وقتها المعتاد لا قبل طلوع الفجر، لأن ذلك ليس بجائز بإجماع المسلمين فيتعين تأويله على ما ذكرته، وقد ثبت في صحيح البخاري في هذا الحديث في بعض رواياته أن ابن مسعود صلى الفجر حين طلع الفجر بالمزدلفة ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر هذه الساعة. وفي رواية: فلما طلع الفجر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم والله أعلم. وفي هذه الروايات كلها حجة لأبي حنيفة في استحباب الصلاة في آخر الوقت في غير هذا اليوم، ومذهبنا ومذهب الجمهور استحباب الصلاة في أول الوقت في كل الأيام ولكن في هذا اليوم أشد استحباباً، وقد سبق في كتاب الصلاة إيضاح المسألة بدلائلها وتسن زيادة التبكير في هذا اليوم، وأجاب أصحابنا عن هذه الروايات بأن معناها أنه صلى الله عليه وسلم كان في غير هذا اليوم يتأخر عن أول طلوع الفجر لحظة إلى أن يأتيه بلال، وفي هذا اليوم لم يتأخر لكثرة المناسك فيه فيحتاج إلى المبالغة في التبكير ليتسع الوقت لفعل المناسك والله أعلم. وقد يحتج أصحاب أبي حنيفة بهذا الحديث على منع الجمع بين الصلاتين في السفر لأن ابن مسعود من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر ما رآه يجمع إلا في هذه المسألة، ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز الجمع في جميع الأسفار المباحة التي يجوز فيها القصر، وقد سبقت المسألة في كتاب الصلاة بأدلتها، والجواب عن هذا الحديث أنه مفهوم وهم لا يقولون به ونحن نقول بالمفهوم ولكن إذا عارضه منطوق قدمناه على المفهوم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بجواز الجمع، ثم هو متروك الظاهر بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات والله أعلم
*2* باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليالي قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة
*وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا أَفْلَحُ (يَعْني ابْنَ حُمَيْدٍ) عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ. تَدْفَعُ قَبْلَهُ. وَقَبْلَ حَطْمَةِ النّاسِ وَكَانَتِ امْرَأَةً ثِبَطَةً. (يَقُولُ الْقَاسِمُ: والثّبِطَةُ الثّقِيلَةُ) قَالَ: فَأَذِنَ لَهَا. فَخَرَجَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ. وَحَبَسَنَا حَتّىَ أَصْبَحْنَا فَدَفَعْنَا بِدَفْعِهِ0
وَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأَكُونَ أَدْفَعُ بِإِذْنِهِ، أَحَبّ إِلَيّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. جَمِيعاً عَنِ الثّقَفِيّ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً. فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. فَأَذِنَ لَهَا.
فقالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ لاَ تُفِيضُ إِلاّ مَعَ الإِمَامِ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَدِدْتُ أَنّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ. فَأُصَلّي الصّبْحَ بِمِنىً. فَأَرْمِي الْجَمْرَةَ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النّاسُ.
فَقِيلَ لِعَائِشَةَ: فَكَانَتْ سَوْدَةُ اسْتَاذَنَتْهُ؟ قَالَتْ: نَعْمَ. إِنّهَا كَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً ثَبِطَةً. فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ لَهَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ مَوْلَىَ أَسْمَاءَ قَالَ: قَالَتْ لِي أَسْمَاءُ، وَهِيَ عِنْدَ دَارِ الْمُزْدَلِفَةِ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قْلتُ: لاَ. فَصَلّتْ سَاعَةً. ثُمّ قَالَتْ: يَا بُنَيّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتِ: ارْحَلْ بِي. فَارْتَحَلْنَا حَتّىَ رَمَتِ الْجَمْرَةَ. ثُمّ صَلّتْ فِي مَنْزِلِهَا. فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ هَنْتَاهْ لَقْدَ غَلّسْنَا. قَالَتْ: كَلاّ. أَيْ بُنَيّ إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلْظُعُنِ.
وحدّثنيهِ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِي رِوَايَتِهِ: قَالَتْ: لاَ. أَيْ بُنَيّ إِنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِظُعُنِهِ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنّ ابْنَ شَوّالٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ دَخَلَ عَلَىَ أُمّ حَبِيبَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِيْنَارٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ شَوّالٍ، عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: كُنّا نَفْعَلُهُ عَلَىَ عَهْدِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. نُغَلّسُ مِنْ جَمْعٍ إِلَىَ مِنًى.
وَفِي رِوَايَةِ النّاقِدِ: نُغَلّسُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادٍ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الثّقَلِ (أَوْ قَالَ فِي الضّعَفَةِ) مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: أَنا مِمّنْ قَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: كُنْتُ فِيْمَنْ قَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ قَالَ: بَعَثَ بِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَحَرٍ مِنْ جَمْعٍ فِي ثَقَلِ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: أَبَلَغَكَ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ قَالَ: بَعَثَ بِي بِلَيْلٍ طَوِيلٍ؟ قَالَ: لاَ. إِلاّ كَذِلِكَ، بِسَحَرٍ. قُلْتُ لَهُ: فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَيْنَ صَلّى الْفَجْرَ؟ قَالَ: لاَ. إِلاّ كَذِلَكَ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدّمُ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. فَيَقفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِاللّيْلِ. فَيَذْكُرُونَ اللّهَ مَا بَدَا لَهُمْ. ثُمّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ. وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلاَةِ الْفَجْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "وكانت امرأة ثبطة" هي بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة وإسكانها، وفسره في الكتاب بأنها الثقيلة أي ثقيلة الحركة بطيئة من التشبيط وهو التعويق. قوله: (قبل حطمة الناس) بفتح الحاء أي زحمتهم. قوله: "أن سودة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها" فيه دليل لجواز الدفع من مزدلفة قبل الفجر، قال الشافعي وأصحابه: يجوز قبل نصف الليل ويجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل. واستدلوا بهذا الحديث، واختلف العلماء في مبيت الحاج بالمزدلفة ليلة النحر، والصحيح من مذهب الشافعي أنه واجب من تركه لزمه دم وصح حجه، وبه قال فقهاء الكوفة وأصحاب الحديث، وقالت طائفة هو سنة إن تركه فاتته الفضيلة ولا إثم عليه ولا دم ولا غيره وهو قول للشافعي وبه قال جماعة، وقالت طائفة لا يصح حجه وهو محكي عن النخعي وغيره، وبه قال إمامان كبيران من أصحابنا وهما أبو عبد الرحمن بن بنت الشافعي وأبو بكر بن خزيمة، وحكى عن عطاء والأوزاعي أن المبيت بالمزدلفة في هذه الليلة ليس بركن ولا واجب ولا سنة ولا فضيلة فيه، بل هو منزل كسائر المنازل إن شاء تركه وإن شاء لم يتركه ولا فضيلة فيه وهذا قول باطل، واختلفوا في قدر المبيت الواجب فالصحيح عند الشافعي أنه ساعة في النصف الثاني من الليل، وفي قول له ساعة من النصف الثاني أو ما بعده إلى طلوع الشمس، وفي قول ثالث له أنه معظم الليل. وعن مالك ثلاث روايات: إحداها كل الليل، والثاني معظمه، والثالث أقل زمان.
قوله: (اي هنتاه) أي يا هذه هو بفتح الهاء وبعدها نون ساكنة ومفتوحة وإسكانها أشهر ثم تاء مثناة من فوق، قال ابن الأثير: وتسكن الهاء التي في آخرها وتضم، وفي التثنية يا هنتان، وفي الجمع يا هنتان وهنوات، وفي المذكر هن وهنان وهنون. قوله: "لقد غلسنا قالت كلا" أي لقد تقدمنا على الوقت المشروع قالت لا. قولها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن" هو بضم الظاء والعين وبإسكان العين أيضاً وهن النساء الواحدة ظعينة كسفينة وسفن، وأصل الظعينة الهودج الذي تكون فيه المرأة على البعير فسميت المرأة به مجازاً، واشتهر هذا المجاز حتى غلب وخفيت الحقيقة، وظعينة الرجل امرأته.
قوله: (بعثني رسول لله صلى الله عليه وسلم في الثقل) هو بفتح الثاء والقاف وهو المتاع ونحوه.
قوله: "أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقدم ضعفة أهله فيقفون بالمزدلفة عند المشعر الحرام بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون" قد سبق بيان المشعر الحرام وذكر الخلاف فيه، وأن مذهب الفقهاء أنه اسم لقزح خاصة وهو جبل المزدلفة، ومذهب المفسرين ومذهب أهل السير أنه جميع المزدلفة، وقد جاء في الأحاديث ما يدل لكلا المذهبين، وهذا الحديث دليل لمذهب الفقهاء، وقد سبق أن المشهور فتح الميم من المشعر الحرام وقيل بكسرها، وفيه استحباب الوقوف عند المشعر الحرام بالدعاء والذكر. وقوله ما بدا لهم هو بلا همز أي ما أرادوا
*2* باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَمَىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. يُكَبّرُ مَعَ كُلّ حَصَاةٍ.
قَالَ فَقِيلَ لَهُ: إِنّ أُنَاساً يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا وَالّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.
وحدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجّاجَ بْنَ يِوسُفَ يَقُولُ، وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلّفُوا الْقُرْآنَ كَمَا أَلّفَهُ جِبِرِيلُ. السّورَةُ الّتيِ يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ. وَالسّورَةُ الّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النّسَاءُ. وَالسّورَةُ الّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ.
قَالَ: فَلَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهِ. فَسَبّهُ ثُمّ قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَأَتَىَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِي. فَاسْتَعْرَضَهَا. فَرَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. يُكَبّرُ مَعَ كُلّ حَصَاةٍ. قَالَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ إِنّ النّاسَ يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا. فَقَالَ: هَذَا، وَالّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.
وحدّثني يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجّاجَ يَقُولُ: لاَ تَقُولُوا سُورَةُ الْبَقْرَةِ. وَاقْتَصّا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنّهُ حَجّ مَعَ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: فَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ. وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ. وَقَالَ: هَذَا مَقَامُ الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الاْسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَلَمّا أَتَىَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الْمُحَيّاةِ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَىَ أَبُو الْمُحَيّاةِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللّهِ: إِنّ نَاساً يَرْمُونَ الْجَمْرَةَ مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ. قَالَ: فَرَمَاهَا عَبْدُ اللّهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. ثُمّ قَالَ: مِنْ هَهُنَا، وَالّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ رَمَاهَا الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.
قوله: "رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة قال فقيل له إن ناساً يرمونها من فوقها فقال عبد الله بن مسعود: هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" فيه فوائد منها إثبات رمي جمرة العقبة يوم النحر وهو مجمع عليه وهو واجب وهو أحد أسباب التحلل وهي ثلاثة: رمي جمرة العقبة يوم النحر، فطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعي، والثالث الحلق عند من يقول إنه نسك وهو الصحيح، فلو ترك رمي جمرة العقبة حتى فاتت أيام التشريق فحجه صحيح وعليه دم هذا قول الشافعي والجمهور، وقال بعض أصحاب مالك: الرمي ركن لا يصح الحج إلا به. وحكى ابن جرير عن بعض الناس أن رمي الجمار إنما شرع حفظاً للتكبير ولو تركه وكبر أجزأه، ونحوه عن عائشة رضي الله عنها والصحيح المشهور ما قدمناه، ومنها كون الرمي سبع حصيات وهو مجمع عليه، ومنها استحباب التكبير مع كل حصاة وهو مذهبنا ومذهب مالك والعلماء كافة، قال القاضي: وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه، ومنها استحباب كون الرمي من بطن الوادي فيستحب أن يقف تحتها في بطن الوادي فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل العقبة والجمرة ويرميها بالحصيات السبع وهذا هو الصحيح في مذهبنا وبه قال جمهور العلماء، وقال بعض أصحابنا: يستحب أن يقف مستقبل الجمرة مستدبراً مكة، وقال بعض أصحابنا: يستحب أن يقف مستقبل الكعبة وتكون الجمرة عن يمينه والصحيح الأول، وأجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو عن يساره أو رماها من فوقها أو أسفلها أو وقف في وسطها ورماها، وأما رمي باقي الجمرات في أيام التشريق فيستحب من فوقها، وأما قوله: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة فسبق شرحه قريباً والله أعلم. قوله: "عن الأعم سمعت الحجاج بن يوسف يقول وهو يخطب على المنبر: ألفوا القرآن كما ألفه جبريل السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها النساء والسورة التي يذكر فيها آل عمران فلقيت إبراهيم فأخبرته بقوله فسبه" قال القاضي عياض: إن كان الحجاج أراد بقوله كما ألفه جبريل تأليف الاَي في كل سورة ونظمها على ما هي عليه الاَن في المصحف فهو إجماع المسلمين وأجمعوا أن ذلك تأليف النبي صلى الله عليهوسلم، وإن كان يريد تأليف السورة بعضها في إثر بعض فهو قول بعض الفقهاء والقراء وخالفهم المحققون وقالوا بل هو اجتهاد من الأئمة وليس بتوقيف، قال القاضي: وتقديمه هنا النساء على آل عمران دليل على أنه لم يرد إلا نظم الاَي لأن الحجاج إنما كان يتبع مصحف عثمان رضي الله عنه ولا يخالفه، والظاهر أنه أراد ترتيب الاَي لا ترتيب السور. قوله: "وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه" هذا دليل للمذهب الصحيح الذي قدمناه في الموقف المستحب للرمي. قوله: (حدثنا أبو المحياة) هو بضم الميم. وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة تحت والله أعلم
*2* باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً. وبيان قوله صلى الله عليه وسلم "لتأخذوا مناسككم"
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. جَمِيعاً عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيِسَىَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: رَأَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلىَ رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النّحْرِ، وَيَقُولُ: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ. فَإِنّي لاَ أَدْرِي لَعَلّي لاَ أَحُجّ بَعْدَ حَجّتِي هَذِهِ".
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَجّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَىَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَىَ رَاحِلَتِهِ. وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَأُسَامَةُ. أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ. وَالاَخَرُ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ علىَ رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشّمْسِ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلاً كَثِيراً. ثُمّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ أُمّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدّعٌ (حَسِبْتُهَا قَالَتْ) أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللّهِ تَعَالَىَ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أُمّ الْحُصَيْنِ جَدّتِهِ قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَجّةَ الْوَدَاعِ. فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلاَلاً وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَالاَخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرّ. حَتّىَ رَمَىَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
قَالَ مُسْلِمٌ: وَاسْمُ أَبِي عَبْدِ الرّحِيمِ، خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ. وَهُوَ خَالُ مُحَمّدِ بْنِ سَلَمَةَ. رَوَىَ عَنْهُ وَكِيعٌ وَحَجّاجٌ الأَعْوَرُ.
قوله: "أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" فيه دلالة لما قاله الشافعي وموافقوه أنه يستحب لمن وصل منى راكباً أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً ولو رماها ماشياً جاز، وأما من وصلها ماشياً فيرميها ماشياً وهذا في يوم النحر، وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشياً وفي اليوم الثالث يرمي راكباً وينفر هذا كله مذهب مالك والشافعي وغيرهما، وقال أحمد وإسحاق: يستحب يوم النحر أن يرمي ماشياً، قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة، قال: وأجمعوا على أن الرمي يجزيه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مناسككم" فهذه اللام لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم وتقديره هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين وبهذا سميت حجة الوداع والله أعلم).
قولها: "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والاَخر يرفع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس" فيه جواز تسميتها حجة الوداع، وقد سبق أن من الناس من أنكر ذلك وكرهه وهو غلط، وسبق بيان إبطاله وفيه الرمي راكباً كما سبق، وفيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء سواء كان راكباً أو نازلاً، وقال مالك وأحمد: لا يجوز وإن فعل لزمته الفدية. وعن أحمد رواية أنه لا فدية، وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز، ووافقونا على أنه إذا كان الزمان يسيراً في المحمل لا فدية، وكذا لو استظل بيده، وقد يحتجون بحديث عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال: صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما رأيته مضرباً فسطاطاً حتى رجع، رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن. وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه أبصر رجلاً على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال: اضح لمن أحرمت له، رواه البيهقي بإسناد صحيح. وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من محرم يضحي للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه"، رواه البيهقي وضعفه، واحتج الجمهور بحديث أم الحصين، وهذا المذكور في مسلم ولأنه لا يسمى لبساً، وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا مع أنه ليس فيه نهي وكذا فعل عمر، وقول ابن عمر ليس فيه نهي ولو كان فحديث أم الحصين مقدم عليه والله أعلم. قولها: "سمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مجدع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا" المجدع بفتح الجيم والدال المهملة في العادة ثم سواده نقص آخر وجدعه نقص آخر، وفي الحديث الاَخر: كأن رأسه زبيبة، ومن هذه الصفات مجموعة فيه فهو في نهاية الخسة والعادة أن يكون ممتهناً في أرذل الأعمال، فأمر صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى، قال العلماء معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم ولا يشق عليهم العصا بل إذا ظهرت منهم المنكرات وعظوا وذكروا، فإن قيل: كيف يؤمر بالسمع والطاعة للعبد مع أن شرط الخليفة كونه قرشياً؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أن المراد بعض الولاة الذين يوليهم الخليفة ونوابه لا أن الخليفة يكون عبداً. والثاني أن المراد لو قهر عبد مسلم واستولى بالقهر نفذت أحكامه ووجبت طاعته ولم يجز شق العصا عليه والله أعلم
*2* باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: رَأَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَمَى الْجَمْرَةَ، بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ.
قوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف" فيه دليل على استحباب كون الحصى في هذا القدر وهو كقدر حبة الباقلا، ولو رمي بأكبر أو أصغر جاز مع الكراهة، وقد سبقت المسألة مستوفاة قريباً في باب استحباب إدامة التلبية إلى رمي الجمرة
*2* باب بيان وقت استحباب الرمي
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ وَ ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَمَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النّحْرِ ضُحًى. وَأَمّا بَعْدُ، فَإِذَا زَالَتِ الشّمْسُ.
وحدّثناه عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
قوله: "رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس" المراد بيوم النحر جمرة العقبة فإنه لا يشرع فيه غيرها بالإجماع، وأما أيام التشريق الثلاثة فيرمي كل يوم منها بعد الزوال، وهذا المذكور في جمرة يوم النحر سنة باتفاقهم، وعندنا يجوز تقديمه من نصف ليلة النحر، وأما أيام التشريق فمذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء أنه لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة إلا بعد الزوال لهذا الحديث الصحيح، وقال طاوس وعطاء: يجزئه في الأيام الثلاثة قبل الزوال، وقال أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه: يجوز في اليوم الثالث قبل الزوال دليلنا أنه صلى الله عليه وسلم رمى كما ذكرنا، وقال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مناسككم" واعلم أن رمي جمار أيام التشريق يشترط فيه الترتيب وهو أن يبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، ويستحب أن يقف عقب رمي الأولى عندها مستقبل القبلة زماناً طويلاً يدعو ويذكر الله ويقف كذلك عند الثانية ولا يقف عند الثالثة، ثبت معنى ذلك في صحيح البخاري من رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويستحب هذا في كل يوم من الأيام الثلاثة والله أعلم. ويستحب رفع اليدين في هذا الدعاء عندنا وبه قال جمهور العلماء، وثبت في صحيح البخاري من رواية ابن عمر في حديثه الذي قدمناه، واختلف قول مالك في ذلك وأجمعوا على أنه لو ترك هذا الوقوف للدعاء فلا شيء عليه إلا ما حكي عن الثوري أنه قال: يطعم شيئاً أو يهريق دماً
*2* باب بيان أن حصى الجمار سبع
*وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ (وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللّهِ الْجَزَرِيّ) عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الاستجْمَارُ تَوّ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَوّ، وَالسّعْيُ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ تَوّ، وَالطّوَافُ تَوّ، فَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الاستجمار تو، ورمي الجمار تو، والسعي بين الصفا والمروة تو، والطواف تو، وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو" التو بفتح التاء المثناة فوق وتشديد الواو وهو الوتر، والمراد بالاستجمار الاستنجاء. قال القاضي: وقوله في آخر الحديث: "وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو" ليس للتكرار بل المراد بالأول الفعل وبالثاني عدد الأحجار، والمراد بالتو في الجمار سبع سبع، وفي الطواف سبع، وفي السعي سبع، وفي الاستنجاء ثلاث، فإن لم يحصل الإنقاء بثلاث وجبت الزيادة حتى ينقى، فإن حصل الإنقاء بوتر فلا زيادة، وإن حصل بشفع استحب زيادة مسحه للإيتار، وفيه وجه أنه واجب قاله بعض أصحابنا وقال به جماعة من العلماء والمشهور الاستحباب والله علم
*2* باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَبَةُ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عن عَبْدَ اللّهِ قَالَ: حَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَصّرَ بَعْضُهُمْ.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَحِمَ اللّهِ الْمُحَلّقِينَ" مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ ثُمّ قَالَ: "وَالْمُقَصّرِينَ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "اللّهُمّ ارْحَمِ الْمُحَلّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "اللّهُمّ ارْحمَ الْمُحَلّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "وَالْمُقَصّرِينَ".
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجّاجِ قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَحِمَ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "رَحِمَ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "رَحِمَ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ" (كرّرَ ذلك ثَلاَثاً) قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَالْمُقَصّرِينَ".
وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَلمّا كَانَتِ الرّابِعَةُ، قَالَ "وَالْمُقَصّرِينَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ فُضَيُلٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. حَدّثَنَا عُمَارَةُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِلْمُحَلّقِينَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَلِلْمُقَصّرِينَ؟ قَالَ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِلْمُحَلّقِينَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَلِلْمُقَصّرِينَ؟ قَالَ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِلْمُحَلّقِينَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَلِلْمُقَصّرِينَ؟ قَالَ: "وَلِلْمُقَصّرِينَ".
وحدّثني أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَ رَوْحٌ عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَدّتِهِ أَنّهَا سَمِعَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، دَعَا لِلْمُحَلّقِينَ ثَلاَثاً. وَلِلْمُقَصّرِينَ مَرّةً. وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ: فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ). كِلاَهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ.
قوله: "حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم" وذكر الأحاديث في دعائه صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة بعد ذلك، هذا كله تصريح بجواز إِلاقتصار على أحد الأمرين إن شاء اقتصر على الحلق وإن شاء على التقصير وتصريح بتفضيل الحلق، وقد أجمع العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير وعلى أن التقصير يجزي، إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه كان يقول: يلزمه الحلق في أول حجة ولا يجزئه التقصير، وهذا إن صح عنه مردود بالنصوص وإجماع من قبله، ومذهبنا المشهور أن الحلق أو التقصير نسك من مناسك الحج والعمرة وركن من أركانهما لا يحصل واحد منهما إلا به، وبهذا قال العلماء كافة، وللشافعي قول شاذ ضعيف أنه استباحة محظور كالطيب واللباس وليس بنسك والصواب الأول، وأقل ما يجزي من الحلق والتقصير عند الشافعي ثلاث شعرات، وعند أبي حنيفة ربع الرأس، وعند أبي يوسف نصف الرأس، وعند مالك وأحمد أكثر الرأس، وعن مالك رواية أنه كل الرأس، وأجمعوا أن الأفضل حلق جميعه أو تقصير جميعه، ويستحب أن لا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة من أطراف الشعر، فإن قصر دونها جاز لحصول اسم التقصير والمشروع في حق النساء التقصير ويكره لهن الحلق فلو حلقن حصل النسك ويقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإحراق والقص وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر. واعلم أن قوله: حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم ودعاؤه صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً ثم للمقصرين مرة كل هذا كان في حجة الوداع هذا هو الصحيح المشهور، وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن هذا كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق فما فعله أحد لطمعهم بدخول مكة في ذلك الوقت، وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم المحلقين ثلاثاً، قيل يا رسول ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال: لأنهم لم يشكوا. قال ابن عبد البر: وكونه في الحديبية هو المحفوظ. قال القاضي: قد ذكر مسلم في الباب خلاف ما قالوه، وإن كانت أحاديثه جاءت مجملة غير مفسرة موطن ذلك لأنه ذكر من رواية ابن أبي شيبة ووكيع في حديث يحيى بن الحصين عن جدته أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم دعا في حجة الوداع للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة إلا أن وكيعاً لم يذكر حجة الوداع، وقد ذكر مسلم قبل هذا في رمي جمرة العقبة يوم النحر حديث يحيى بن الحصين عن جدته هذه أم الحصين قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقد جاء الأمر في حديثها مفسراً أنه في حجة الوداع، فلا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في الموضعين، ووجه فضيلة الحلق على التقصير أنه أبلغ في العبادة وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى، ولأن المقصر مبق على نفسه الشعر الذي هو زينة، والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر والله أعلم. واتفق العلماء على أن الأفضل في الحلق والتقصير أن يكون بعد رمي جمرة العقبة وبعد ذبح الهدي إن كان معه وقيل طواف الإفاضة وسواء كان قارناً أو مفرداً. وقال ابن الجهم المالكي: لا يحلق القارن حتى يطوف ويسعى وهذا باطل مردود بالنصوص وإجماع من قبله، وقد ثبتت الأحاديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق قبل طواف الإفاضة، وقد قدمنا أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً في آخر أمره ولو لبد المحرم رأسه، فالصحيح المشهور من مذهبنا أنه يستحب له حلقه في وقت الحلق ولا يلزمه ذلك وقال جمهور العلماء يلزمه حلقه.
فصل) قدمنا في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح أن إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم فاته من سماع هذا الكتاب من مسلم ثلاثة مواضع أولها في كتاب الحج وهذا موضعه، وقد سبق التنبيه على أوله وآخره هناك وأن إبراهيم يقول من هنا عن مسلم ولا يقول أخبرنا كما يقول في باقي الكتاب، وأول هذا قول الجلودي: حدثنا إبراهيم عن مسلم حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ إلى آخره.
*2* باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَىَ مِنًى. فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا. ثُمّ أَتَىَ مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ. ثُمّ قَالَ لِلْحَلاّقِ: "خُذْ" وَأَشَارَ إِلَىَ جَانِبِهِ الأَيْمَنِ. ثُمّ الأَيْسَرِ. ثُمّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النّاسَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. و ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُغِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. أَمّا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ، لِلْحَلاّقِ "هَا" وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَىَ الْجَانِبِ الأَيْمَنِ هَكَذَا. فَقَسَمَ شَعَرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ. قَالَ: ثُمّ أَشَارَ إِلَىَ الْحَلاّقِ وَإِلَى الْجَانِبِ الأَيْسَرِ. فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أُمّ سُلَيْمٍ.
وأما فِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ قَالَ: فَبَدَأَبِالشّقّ الأَيْمَنِ. فَوَزّعَهُ الشّعَرَةَ وَالشّعَرَتَيْنِ بَيْنَ النّاسِ. ثُمّ قَالَ بِالأَيْسَرِ فَصَنَعَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ: "هَهُنَا أَبُو طَلْحَةَ؟" فَدَفَعَهُ إِلَىَ أَبِي طَلْحَةَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَمَىَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. ثُمّ انْصَرَفَ إِلَىَ الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا. وَالْحَجّامُ جَالِسٌ. وَقَالَ بِيَدِهِ عَنْ رَأْسِهِ. فَحَلَقَ شِقّهُ الأَيْمَنَ فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ. ثُمّ قَالَ: "احْلِقِ الشّقّ الاَخَرَ" فَقَالَ: "أَيْنَ أَبُو طَلْحَةَ؟" فَأَعْطَاهُ إِيّاهُ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَسّانَ يُخْبِرُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمّا رَمَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ. وَنَحَرَ نُسْكَهُ وَحَلَقَ. نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ. ثُمّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيّ فَأَعْطَاهُ إِيّاهُ. ثُمّ نَاوَلَهُ الشّقّ الأَيْسَرَ. فَقَالَ: "احْلِقْ" فَحَلَقَهُ. فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَالَ: "اقْسِمْهُ بَيْنَ النّاسِ".
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس" هذا الحديث فيه فوائد كثيرة. منها بيان السنة في أعمال الحج يوم النحر بعد الدفع من مزدلفة وهي أربعة أعمال: رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم دخوله إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فإن كان سعى بعده كرهت إعادته، والسنة في هذه الأعمال الأربعة أن تكون مرتبة كما ذكرنا لهذا الحديث الصحيح، فإن خالف ترتيبها فقدم مؤخراً أو أخر مقدماً جاز للأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد هذا افعل ولا حرج. ومنها أنه يستحب إذا قدم منى أن لا يعرج على شيء قبل الرمي بل يأتي الجمرة راكباً كما هو فيرميها ثم يذهب فينزل حيث شاء من منى. ومنها استحباب نحر الهدي وأنه يكون بمنى ويجوز حيث شاء من بقاع الحرم. ومنها أن الحلق نسك وأنه أفضل من التقصير وأنه يستحب فيه البداءة بالجانب الأيمن من رأس المحلوق وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة: يبدأ بجانبه الأيسر. ومنها طهارة شعر الاَدمي وهو الصحيح من مذهبنا وبه قال جماهير العلماء، ومنها التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه للتبرك. ومنها مواساة الإمام والكبير بين أصحابه وأتباعه فيما يفرقه عليهم من عطاء وهدية ونحوها والله أعلم. واختلفوا في اسم هذا الرجل الذي حلق رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فالصحيح المشهور أنه معمر بن عبد الله العدوي، وفي صحيح البخاري قال: زعموا أنه معمر بن عبد الله، وقيل اسمه خراش بن أمية بن ربيعة الكلبي بضم الكاف منسوب إلى كليب بن حبشية والله أعلم
*2* باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، بِمِنًى، وَالنّاسُ يَسْأَلُونَهُ. فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ" ثُمّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ".
قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قُدّمَ وَلاَ أُخّرَ، إِلاّ قَالَ: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ التّيْمِيّ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ رَاحِلَتِهِ. وَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ. فَيَقُولُ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أَنّ الرّمْيَ قَبْلَ النّحْرِ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ الرّمْيِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَارْمِ وَلاَ حَرَجَ" قَالَ: وَطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ: إِنّي لَمْ أَشْعُرْ أَنّ النّحْرَ قَبْلَ الْحَلْقِ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. فَيَقُولُ: "انْحَرْ وَلاَ حَرَجَ" قَالَ: فَمَا سِمَعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ، مِمّا يَنْسَى الْمَرْءُ وَيَجْهَلُ، مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ، وَأَشْبَاهِهَا، إِلاّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "افْعَلُوا ذَلِكَ وَلاَ حَرَجَ".
حدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزّهْرِيّ إِلَىَ آخِرِهِ.
وحدّثنا عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بَيْنَا هُوَ وَاقِفٌ يَخْطُبُ يَوْمَ النّحْرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسِبُ، يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّ كَذَا وَكَذَا، قَبْلَ كَذَا وَكَذَا. ثُمّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ أَنّ كَذَا، قَبْلَ كَذَا وَكَذَا. لِهَؤُلاَءِ الثّلاَثِ. قَالَ: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ".
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. جَمِيعاً عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. أَمّا رِوَايَةُ ابْنِ بَكْرٍ فَكَرِوَايَةِ عِيسَىَ. إِلاّ قوله: لِهَولاَءِ الثّلاَثِ. فَإِنّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ. وَأَمّا يَحْيَى الأُمَوِيّ فَفِي رِوَايَتِهِ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: "فَاذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ" قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الاْسْنَادِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ نَاقَةٍ بِمَنًى. فَجَاءَهُ رَجُلٌ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزّهْرَيّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النّحْرِ، وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ" وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ" وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنّي أَفَضْتُ إِلَىَ الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ".
قَالَ: فَمَا رَأَيْتُهُ سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ، إِلاّ قَالَ: "افْعَلُوا وَلاَ حَرَجَ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: فِي الذّبْحِ، وَالْحَلْقِ، وَالرّمْيِ، وَالتّقْدِيمِ، وَالتّأْخِيرِ، فَقَالَ: "لاَ حَرَجَ".
قوله: "يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال: اذبح ولا حرج، ثم جاءه رجل آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج، فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج" وفي رواية: "فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعلوا ذلك ولا حرج" وفي رواية: "حلقت قبل أن أرمي قال ارم لا حرج" وفي رواية: "قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج. قد سبق في الباب قبله أن أفعاله يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق ثم طواف الإفاضة وأن السنة ترتيبها هكذا، فلو خالف وقدم بعضها على بعض جاز ولا فدية عليه لهذه الأحاديث، وبهذا قال جماعة من السلف وهو مذهبنا، وللشافعي قول ضعيف أنه إذا قدم الحلق على الرمي والطواف لزمه الدم بناءعلى قوله الضعيف أن الحلق ليس بنسك، وبهذا القول هنا قال أبو حنيفة ومالك. وعن سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وقتادة ورواية شاذة عن ابن عباس أنه من قدم بعضها على بعض لزمه دم وهم محجوجون بهذه الأحاديث، فإن تأولوها على أن المراد نفي الإثم وادعوا أن تأخير بيان الدم يجوز قلنا ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لا حرج أنه لا شيء عليك مطلقاً، وقد صرح في بعضها بتقديم الحلق على الرمي كما قدمناه، وأجمعوا على أنه لو نحر قبل الرمي لا شيء عليه، واتفقوا على أنه لا فرق بين العامد والساهي في ذلك في وجوب الفدية وعدمها وإنما يختلفان في الإثم عند من يمنع التقديم والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: اذبح ولا حرج ارم ولا حرج معناه افعل ما بقي عليك وقد أجزأك ما فعلته ولا حرج عليك في التقديم والتأخير. قوله: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فطفق ناس يسألونه" هذا دليل لجواز القعود على الراحلة للحاجة. قوله: "فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم أو أخر" يعني من هذه الأمور الأربعة. قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو يخطب يوم النحر فقام إليه رجل" وفي رواية: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل" وفي رواية: "وقف على راحلته فطفق ناس يسألونه" وفي رواية: "وهو واقف عند الجمرة" قال القاضي عياض: قال بعضهم الجمع بين هذه الروايات أنه موقف واحد ومعنى خطب علمهم، قال القاضي: ويحتمل أن ذلك في موضعين: أحدهما وقف على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب وإنما فيه أنه وقف وسئل. والثاني بعد صلاة الظهر يوم النحر وقف للخطبة فخطب وهي إحدى خطب الحج المشروعة يعلمهم فيها ما بين أيديهم من المناسك هذا كلام القاضي وهذا إِلاحتمال الثاني هو الصواب، وخطب الحج المشروعة عندنا أربع: أولها بمكة عند الكعبة في اليوم السابع من ذي الحجة. والثانية بنمرة يوم عرفة. والثالثة بمنى يوم النحر. والرابعة بمنى في الثاني من أيام التشريق، وكلها خطبة فردة وبعد صلاة الظهر إلا التي بنمرة فإنها خطبتان وقبل صلاة الظهر وبعد الزوال، وقد ذكرت أدلتها كلها من الأحاديث الصحيحة في شرح المهذب والله أعلم.
*2* باب استحباب طواف الإِفاضة يوم النحر
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ يَوْمَ النّحْرِ. ثُمّ رَجَعَ فَصَلّى الظّهْرَ بِمِنًى.
قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النّحْرِ. ثُمّ رَجِعَ فَصَلّى الظّهْرَ بِمِنًى. وَيَذْكُرُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. أَيْنَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ التّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلّىَ الْعَصْرَ يَوْمَ النّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ. ثُمّ قَالَ: افْعَلْ مَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى" هكذا صح هذا من رواية ابن عمر رضي الله عنه، وقد سبق في باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الطويل أنه صلى الله عليه وسلم أفاض إلى البيت يوم النحر فصلى بمكة الظهر، وذكرنا هناك الجمع بين الروايات والله أعلم. وفي هذا الحديث إثبات طواف الإفاضة وأنه يستحب فعله يوم النحر وأول النهار، وقد أجمع العلماء على أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق، فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم عليه بالإجماع، فإن أخره إلى ما بعد أيام التشريق وأتى به بعدها أجزأه ولا شيء عليه عندنا وبه قال جمهور العلماء، وقال مالك وأبو حنيفة: إذا تطاول لزمه معه دم والله أعلم
*2* باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرّازِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الأَبْطَحَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التّحْصِيبَ سُنّةً. وَكَانَ يُصَلّي الظّهْرَ يَوْمَ النّفْرِ بِالْحَصْبَةِ.
قَالَ نَافِعٌ: قَدْ حَصّبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نُزُولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنّةٍ. إِنّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لأَنّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدّثَنِيهِ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). ح وَحَدّثَنَاه أَبُو كَامِلٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلّمُ كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الأَبْطَحَ.
قَالَ الزّهْرِيّ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ. وَقَالَتْ: إِنّما نَزَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. لاِءَنّهُ كَانَ مَنْزِلاً أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ (وَاللّفْظ لاِءَبِي بَكْرٍ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَيْسَ التّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَنًى. وَلَكِنّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبّتَهُ. فَجَاءَ فَنَزَلَ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "نَنْزِلُ غَداً، إِنْ شَاءَ اللّهُ، بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ. حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَىَ الْكُفْرِ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنِي الأَوْزَاعِيّ. حَدّثَنِي الزّهْرِيّ. حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ. حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ بِمِنًى "نَحْنُ نَازِلُونَ غَداً بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ. حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ".
وَذَلِكَ إِنّ قُرَيْشاً وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَىَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ، أَنْ لاَ يُنَاكِحُوهُمْ، وَلاَ يُبَايِعُوهُمْ، حَتّىَ يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. يَعْنِي، بِذَلِكَ، الْمُحَصّبَ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْزِلُنَا، إِنْ شَاءَ اللّهُ، إِذَا فَتَحَ اللّهُ، الْخَيْفُ. حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَىَ الْكُفْرِ".
ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث في نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح يوم النفر وهو المحصب، وأن أبا بكر وعمر وابن عمر والخلفاء رضي الله عنهم كانوا يفعلونه، وأن عائشة وابن عباس كانا لا ينزلان به ويقولان هو منزل اتفاقي لا مقصود فحصل خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، ومذهب الشافعي ومالك والجمهور استحبابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وغيرهم وأجمعوا على أن من تركه لا شيء عليه، ويستحب أن يصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل أو كله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحصب بفتح الحاء والصاد المهملتين، والحصبة بفتح الحاء وإسكان الصاد، والأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة اسم لشيء واحد، وأصل الخيف كلما انحدر عن الجبل وارتفع عن الميل. قوله: "يوم التروية" هو الثامن من ذي الحجة وسبق بيانه مرات.
قوله: "أسمح لخروجه" أي أسهل لخروجه راجعاً إلى المدينة.
قوله: (حدثنا قتيبة وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعاً عن ابن عينية قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة عن صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار ثم قال: قال أبو بكر في رواية صالح قال سمعت سليمان بن يسار) كذا هو في معظم النسخ، ومعناه أن الرواية الأولى وهي رواية قتيبة وزهير قالا فيها عن ابن عيينة عن صالح عن سليمان، وأما رواية أبي بكر ففيها عن ابن عيينة عن صالح قال: سمعت سليمان، وهذه الرواية أكمل من رواية عن لأن السماع يحتج به بالإجماع، وفي العنعنة خلاف ضعيف وإن كان قائلها غير مدلس وقد سبقت المسألة ووقع في بعض النسخ، قال أبو بكر في رواية صالح، وفي بعضها قال أبو بكر في رواية عن صالح قال: سمعت سليمان والصواب الرواية الأولى، وكذا نقلها القاضي عن رواية الجمهور وقال هي الصواب. قوله: (وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) هو بفتح الثاء والقاف وهو متاع المسافر وما يحمله على دوابه ومنه قوله تعالى: {وتحمل أثقالكم}.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ننزل إن شاء الله غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر" أما الخيف فسبق بيانه وضبطه، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله امتثالاً لقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله}. ومعنى تقاسموا على الكفر تحالفوا وتعاهدوا عليه وهو تحالفهم على إخراج النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى هذا الشعب وهو خيف بني كنانة وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة وكتبوا فيها أنواعاً من الباطل وقطيعة الرحم والكفر، فأرسل الله تعالى عليها الأرضة فأكلت كل ما فيها من كفر وقطيعة رحم وباطل وتركت ما فيها من ذكر الله تعالى، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب فجاء إليهم أبو طالب فأخبرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فوجدوه كما أخبره والقصة مشهورة. قال بعض العلماء: وكان نزوله صلى الله عليه وسلم هنا شكراً لله تعالى على الظهور بعد إِلاختفاء وعلى إظهار دين الله تعالى والله أعلم
*2* باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، والترخيص في تركه لأهل السقاية
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَبِيتَ بِمَكّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ. فَأَذِنَ لَهُ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ مُحَمّدِ بْنِ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. كِلاَهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله: "وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبو أسامة قالا: حدثنا عبد الله عن نافع" هكذا هو في معظم النسخ ببلادنا أو كلها ووقع في بعض نسخ المغاربة، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زهير وأبو أسامة فجعل زهير أبدل ابن نمير، قال أبو علي الغساني والقاضي: وقع في رواية ابن ماهان عن ابن سفيان عن مسلم، قال: ووقع في رواية أبي أحمد الجلودي عن ابن سفيان عن زهير قالا: وهذا وهم والصواب ابن نمير، قالا: وكذا أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده هذا كلامهما، وإنما ذكر خلف الواسطي في كتابه الأطراف حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبو أسامة ولم يذكر زهيراً. قوله: "استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له" هذا يدل المسألتين: إحداهما أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به وهذا متفق عليه لكن اختلفوا هل هو واجب أم سنة؟ وللشافعي فيه قولان أصحهما واجب وبه قال مالك وأحمد. والثاني سنة وبه قال ابن عباس والحسن وأبو حنيفة، فمن أوجبه أوجب الدم في تركه، وإن قلنا سنة لم يجب الدم بتركه لكن يستحب، وفي قدر الواجب من هذا المبيت قولان للشافعي أصحهما الواجب معظم الليل والثاني ساعة. المسألة الثانية يجوز لأهل السقاية أن يتركوا هذا المبيت ويذهبوا إلى مكة ليستقوا بالليل الماء من زمزم ويجعلوه في الحياض مسبلاً للشاربين وغيرهم، ولا يختص ذلك عند الشافعي بآل العباس رضي الله عنه بل كان من تولى السقاية كان له هذا، وكذا لو أحدثت سقاية أخرى كان للقائم بشأنها ترك المبيت هذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: تختص الرخصة بسقاية العباس. وقال بعضهم: تختص بآل عباس. وقال بعضهم: تختص ببني هاشم من آل العباس وغيرهم، فهذه أربعة أوجه لأصحابنا أصحهما الأول والله أعلم. واعلم أن سقاية العباس حق لاَل العباس كانت للعباس في الجاهلية وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم له فهي لأل العباس أبداً
*2* باب فضل القيام بالسقاية والثناء على أهلها واستحباب الشرب منها
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضّرِيرُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ ابْنِ عَبّاسٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَأَتَاهُ أَعْرَابِيّ فَقَالَ: مَا لِي أَرَىَ بَنِي عَمّكُمْ يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللّبَنَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النّبِيذَ؟ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الْحَمْدُ لِلّهِ مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلاَ بُخْلٍ. قَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ. فَاسْتَسْقَىَ فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ. وَسَقَىَ فَضْلَهُ أُسَامَةَ. وَقَالَ: "أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ. كَذَا فَاصْنَعُوا" فَلاَ نُرِيدُ تَغْييرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال: أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا" هذا الحديث فيه دليل للمسائل التي ترجمت عليها، وقد اتفق أصحابنا على أنه يستحب أن يشرب الحاج وغيره من نبيذ سقاية العباس لهذا الحديث، وهذا النبيذ ماء محلى بزبيب أو غيره بحيث يطيب طعمه ولا يكون مسكراً، فأما إذا طال زمنه وصار مسكراً فهو حرام. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أحسنتم وأجملتم" معناه فعلتم الحسن الجميل فيؤخذ منه استحباب الثناء على أصحاب السقاية وكل صانع جميل والله أعلم
*2* باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ عَلِيَ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَىَ بُدْنِهِ. وَأَنْ أَتَصَدّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلّتِهَا. وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزّارَ مِنْهَا. قَالَ: "نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. وَقَالَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ عَلِيَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا أَجْرُ الْجَازِرِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَ مُحَمّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنّ مُجَاهِداً أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَىَ أَخْبَرَهُ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَىَ بُدْنِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلّهَا. لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلاَلَهَا. فِي الْمَسَاكِينِ، وَلاَ يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئاً.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ ابْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيّ أَنّ مُجَاهِداً أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَىَ أَخْبَرَهُ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ. بِمِثْلِهِ.
قوله: "عن علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها شيئاً وقال نحن نعطيه من عندنا" قال أهل اللغة: سميت البدنة لعظمها ويطلق على الذكر والأنثى، ويطلق على الإبل والبقر والغنم، هذا قول أكثر أهل اللغة، ولكن معظم استعمالها في الأحاديث وكتب الفقه في الإبل خاصة، وفي هذا الحديث فوائد كثيرة منها استحباب سوق الهدي وجواز النيابة في نحره والقيام عليه وتفرقته وأنه يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها وأنها تجلل، واستحبوا أن يكون جلاً حسناً، وأن لا يعطى الجزار منها، لأن عطيته عوض عن عمله فيكون في معنى بيع جزء منها وذلك لا يجوز، وفيه جواز الاستئجار على النحر ونحوه، ومذهبنا أنه لا يجوز بيع جلد الهدي ولا الأضحية ولا شيء من أجزائهما لأنها لا ينتفع بها في البيت ولا بغيره سواء كانا تطوعاً أو واجبتين، لكن إن كانا تطوعاً فله إِلانتفاع بالجلد وغيره باللبس وغيره، ولا يجوز إعطاء الجزار منها شيئاً بسبب جزارته، هذا مذهبنا وبه قال عطاء والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق، وحكى ابن المنذر عن ابن عمرو وأحمد وإسحاق أنه لا بأس ببيع جلد هديه ويتصدق بثمنه، قال: ورخص في بيعه أبو ثور، وقال النخعي والأوزاعي: لا بأس أن يشترى به الغربال والمنخل والفأس والميزان ونحوها. وقال الحسن البصري: يجوز أن يعطى الجزار جلدها وهذا منابذ للسنة والله أعلم. قال القاضي: التجليل سنة وهو عند العلماء مختص بالإبل وهو مما اشتهر من عمل السلف، قال: ومن رآه مالك والشافعي وأبو ثور وإسحاق قالوا: ويكون بعد الإشعار لئلا يتلطخ بالدم، قالوا: ويستحب أن تكون قيمتها ونفاستها بحسب حال المهدي، وكان بعض السلف يجلل بالوشي وبعضهم بالحبرة وبعضهم بالقباطي والملاحف والأزر، قال مالك: وتشق على الأسنمة إن كانت قليلة الثمن لئلا تسقط. قال مالك: وما علمت من ترك ذلك إلا ابن عمر استبقاء للثياب لأنه كان يجلل الجلال المرتفعة من الأنماط والبرود والحبر، قال: وكان لا يجلل حتى يغدو من منى إلى عرفات، قال: وروي عنه أنه كان يجلل من ذي الحليفة، وكان يعقد أطراف الجلال على أذنابها، فإذا مشى ليلة نزعها، فإذا كان يوم عرفة جللها، فإذا كان عند النحر نزعها لئلا يصيبها الدم، قال مالك: أما الجمل فينزع في الليل لئلا يخرقها الشوك، قال: واستحب إن كانت الجلال مرتفعة أن يترك شقها وأن لا يجللها حتى يغدو إلى عرفات، فإن كانت بثمن يسير فمن حين يحرم يشق ويجلل، قال القاضي: وفي شق الجلال على الأسنمة فائدة أخرى وهي إظهار الإشعار لئلا يستتر تحتها، وفي هذا الحديث الصدقة بالجلال وهكذا قاله العلماء، وكان ابن عمر أو لا يكسوها الكعبة فلما كسيت الكعبة تصدق بها والله أعلم
*2* باب الاشتراك في الهدي، وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلّينَ بِالْحَجّ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ. كُلّ سَبْعَةٍ مِنّا فِي بَدَنَةٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: اشْتَرَكْنَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ. كُلّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ. فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيُشْتَرَكُ فِي الْبَدَنَةِ مَا يُشْتَرَكُ فِي الْجَزُورِ؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلاّ مِنَ الْبُدْنِ.
وَحَضَرَ جَابِرٌ الْحُدَيْبِيَةَ. قَالَ: نَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً. اشْتَرَكْنَا كُلّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِع جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يُحَدّثُ عَنْ حَجّةِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَمَرَنَا إِذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ. وَيَجْتَمِعَ النّفَرُ مِنّا فِي الْهَدِيّةِ. وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلّوا مِنْ حَجّهِمْ. فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا نَتَمَتّعُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ. فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. نَشْتَرِكُ فِيهَا.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةً يَوْمَ النّحْرِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: نَحَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ: عَنْ عَائِشَةَ، بَقَرَةً فِي حَجّتِهِ.
قوله: "عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" وفي الرواية الأخرى: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة". 3 وفي الرواية الأخرى: "اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة في بدنة". في هذه الأحاديث دلالة لجواز إِلاشتراك في الهدي، وفي المسألة خلاف بين العلماء، فمذهب الشافعي جواز إِلاشتراك في الهدي سواء كان تطوعاً أو واجباً، وسواء كانوا كلهم متقربين أو بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم، ودليله هذه الأحاديث، وبهذا قال أحمد وجمهور العلماء، وقال داود وبعض المالكية: يجوز إِلاشتراك في هدي التطوع دون الواجب، وقال مالك: لا يجوز مطلقاً، وقال أبو حنيفة: يجوز إن كانوا كلهم متقربين وإلا فلا، وأجمعوا على أن الشاة لا يجوز إِلاشتراك فيها، وفي هذه الأحاديث أن البدنة تجزي عن سبعة والبقرة عن سبعة وتقوم كل واحدة مقام سبع شياه حتى لو كان على المحرم سبعة دماء بغير جزاء الصيد وذبح عنها بدنة أو بقرة أجزأه عن الجميع. قوله: "فقال رجل لجابر: أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور؟ قال: ما هي إلا من البدن" قال العلماء: الجزور بفتح الجيم وهي البعير، قال القاضي: وفرق هنا بين البدنة والجزور لأن البدنة والهدي ما ابتدى إهداؤه عند الإحرام، والجزور ما اشترى بعد ذلك لينحر مكانها، فتوهم السائل أن هذا أحق في إِلاشتراك فقال في جوابه الجزور لما اشتريت للنسك صار حكمها كالبدن. وقوله: "ما يشترك في الجزور" هكذا في النسخ ما يشترك وهو صحيح ويكون ما بمعنى من وقد جاز ذلك في القرآن وغيره، ويجوز أن تكون مصدرية أي اشتراكاً كالاشتراك في الجزور. قوله: "فأمرنا إذا حللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم" في هذا فوائد منها وجوب الهدي على المتمتع وجواز إِلاشتراك في البدنة الواجبة لأن دم التمتع واجب، وهذا الحديث صريح في إِلاشتراك في الواجب خلاف ما قاله مالك كما قدمناه عنه قريباً، وفيه دليل لجواز ذبح هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج، وفي المسألة خلاف وتفصيل، فمذهبنا أن دم التمتع إنما يجب إذا فرغ من العمرة ثم أحرم بالحج فبإحرام الحج يجب الدم، وفي وقت جوازه ثلاثة أوجه الصحيح الذي عليه الجمهور أنه يجوز بعد فراغ العمرة وقبل الإحرام بالحج. والثاني لا يجوز حتى يحرم بالحج. والثالث يجوز بعد الإحرام بالعمرة والله أعلم. قوله: "عن جابر بن عبد الله قال: كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة فنذبح البقرة عن سبعة" هذا فيه دليل للمذهب الصحيح عند الأصوليين أن لفظ كان لا يقتضي التكرار لأن إحرامهم بالتمتع بالعمرة إلى الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم إنما وجد مرة واحدة وهي حجة الوداع والله سبحانه وتعالى أعلم
*2* باب نحر البدن قياماً مقيدة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ يُونُسَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ أَتَىَ عَلَىَ رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً. فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيّدَةً، سُنّةَ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "ابعثها قياماً مقيدة سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم" أي المقيدة المعقولة فيستحب نحر الإبل وهي قائمة معقولة اليد اليسرى صح في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها" إسناده على شرط مسلم. أما البقر والغنم فيستحب أن تذبح مضجعة على جنبها الأيسر وتترك رجلها اليمنى وتشد قوائمها الثلاث، وهذا الذي ذكرنا من استحباب نحرها قياماً معقولة هو مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور، وقال أبو حنيفة والثوري: يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة. وحكى القاضي عن طاوس أن نحرها باركة أفضل وهذا مخالف للسنة والله أعلم
*2* باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريدالذهاب بنفسه، واستحباب تقليده وفتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شيء بذلك
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ.ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَة. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُهْدِي مِنَ الْمَدِينَةِ. فَأَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِهِ. ثُمّ لاَ يَجْتَنِبُ شَيْئاً مِمّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرمُ.
وحدّثنيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصِورٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَيّ، أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْوِهِ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدِيِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيّ هَاتَيْنِ. ثُمّ لاَ يَعْتَزِلُ شَيْئَاً وَلاَ يَتْرُكُهُ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا أَفْلَحُ عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلاَئِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِيّ. ثُمّ أَشْعَرَهَا وَقَلّدَهَا. ثُمّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ. وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ. فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلاّ.
وحدّثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ وَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ. قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيّوبَ، عَنِ القَاسِمِ وَ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ بِالْهَدِيِ. أَفْتِلُ قَلاَئِدَهَا بِيَدَيّ. ثُمّ لاَ يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ، لاَ يُمْسِكُ عَنْهُ الْحَلاَلُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ. حَدّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أُمّ الْمُوءْمِنِينَ قَالَتْ: أَنَا فَتَلْتُ تِلْكَ الْقَلاَئِدَ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا. فَأَصْبَحَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَلاَلاً. يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلاَلُ مِنْ أَهْلِهِ. أَوْ يَأْتِي مَا يَأْتِي الرّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْغَنَمِ. فَيَبْعَثُ بِهِ. ثُمّ يُقِيمُ فِينَا حَلاَلاً.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رُبّمَا فَتَلْتُ الْقَلاَئِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيُقَلّدُ هَدْيَهُ ثُمّ يَبْعَثُ بِهِ. ثُمّ يُقِيمُ. لاَ يَجْتَنِبُ شَيْئاً مِمّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْدَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، مَرّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَماً، فَقَلّدَهَا.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ عَنْ أَبِيهِ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنّا نُقَلّدُ الشّاءَ فَنُرْسِلُ بِهَا. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَلاَلٌ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنّ ابْنَ زِيَادٍ كَتَبَ إِلَىَ عَائِشَةَ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ قَالَ: مَنْ أَهْدَىَ هَدْياً حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجّ. حَتّىَ يُنْحَرَ الْهَدْيُ. وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيِي. فَاكْتُبِي إِلَيّ بِأَمْرِكِ. قَالَتْ عَمْرَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ. أَنَا فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيّ. ثُمّ قَلّدَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ. ثُمّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي. فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ أَحَلّهُ اللّهُ لَهُ. حَتّىَ نُحِرَ الْهَدْيُ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ تُصَفّقُ وَتَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيّ. ثُمّ يَبْعَثُ بِهَا. وَمَا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ مِمّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ. حَتّىَ يُنْحَرَ هَدْيُهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ. حَدّثَنَا دَاوُدُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا زَكَرُيّاءُ. كِلاَهُمَا عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنب المحرم" فيه دليل على استحباب الهدي إلى الحرم، وأن من لم يذهب إليه يستحب له بعثه مع غيره واستحباب تقليده وإشعاره كما جاء في الرواية الأخرى بعد هذه، وقد سبق ذكر الخلاف بين العلماء في الإشعار، ومذهبنا ومذهب الجمهور استحباب الإشعار والتقليد في الإبل والبقر، وأما الغنم فيستحب فيها التقليد وحده، وفيه استحباب فتل القلائد، وفيه أن من بعث هديه لا يصير محرماً ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا حكاية رويت عن ابن عباس وابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وحكاها الخطابي عن أهل الرأي أيضاً أنه إذا فعله لزمه اجتنابُ ما يجتنبه المحرم ولا يصير محرماً من غير نية الإحرام، والصحيح ما قاله الجمهور لهذه الأحاديث الصحيحة. قولها: "فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حلالاً" فيه دليل على استحباب الجميع بين الإشعار والتقليد في البدن وكذلك البقر، وفيه أنه إذا أرسل هديه أشعره وقلده من بلده، ولو أخذه معه أخر التقليد والإشعار إلى حين يحرم من الميقات أو من غيره. قولها: "أنا فتلت تلك القلائد من عهن" هو الصوف وقيل الصوف المصبوغ ألواناً. قولها: "أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنماً فقلدها" فيه دلالة لمذهبنا ومذهب الكثيرين أنه يستحب تقليد الغنم، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يستحب بل خصا التقليد بالإبل والبقر، وهذا الحديث صريح في الدلالة عليهما. قوله: (حدثنا محمد بن جحادة) هو بجيم مضمومة ثم جاء مهملة مخففة. قوله: (عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن ابن زياد كتب إلى عائشة أن عبد الله بن عباس قال: من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج) هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم أن ابن زياد قال: أبو علي الغساني والمازري والقاضي وجميع المتكلمين على صحيح مسلم، هذا غلط وصوابه أن زياد بن أبي سفيان وهو المعروف بزياد بن أبيه، وهكذا وقع على الصواب في صحيح البخاري والموطأ وسنن أبي داود وغيرها من الكتب المعتمدة ولأن ابن زياد لم يدرك عائشة والله أعلم
*2* باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَىَ رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهَا بَدَنَةٌ. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا. وَيْلَكَ" فِي الثّانِيَةِ أَوْ فِي الثّالِثَةِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِزَامِيّ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلّدَةً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمامِ بْنِ مُنْبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلّدَةً، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَيْلَكَ ارْكَبْهَا" فَقَالَ: بَدَنَةٌ. يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "وَيْلَكَ ارْكَبْهَا. وَيْلَكَ ارْكَبْهَا".
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. قَالاَ: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَأَظُنّنِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: مَرّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا" فَقَالَ: إِنّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكَبْهَا" مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مُرّ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِبَدَنَةٍ أَوْ هَدِيّةٍ. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا" قَالَ: إِنّهَا بَدَنَةٌ أَوْ هَدِيّةٌ. فَقَالَ: "وَإِنْ".
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ. حَدّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ الأَخْنَسِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: مُرّ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِبَدَنَةٍ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ. سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا. حَتّىَ تَجِدَ ظَهْراً".
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِراً عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ، حَتّىَ تَجِدَ ظَهْراً".
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال اركبها قال: يا رسول الله إنها بدنة، قال: اركبها ويلك في الثانية أو في الثالثة" وفي الرواية الأخرى: "ويلك اركبها ويلك اركبها" وفي رواية جابر: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً. هذا دليل على ركوب البدنة المهداة وفيه مذاهب، مذهب الشافعي أنه يركبها إذا احتاج ولا يركبها من غير حاجة وإنما يركبها بالمعروف من غير إضرار، وبهذا قال ابن المنذر وجماعة وهو رواية عن مالك، وقال عروة ابن الزبير ومالك في الرواية الأخرى وأحمد وإسحاق: له ركوبها من غير حاجة بحيث لا يضرها، وبه قال أهل الظاهر، وقال أبو حنيفة: لا يركبها إلا أن لا يجد منه أبداً. وحكى القاضي عن بعض العلماء أنه أوجب ركوبها المطلق لأمر ولمخالفة ما كانت الجاهلية عليه من إكرام البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وإهمالها بلا ركوب دليل الجمهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى ولم يركب هديه ولم يأمر الناس بركوب الهدايا، ودليلنا على عروة وموافقيه رواية جابر المذكورة والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ويلك اركبها" فهذه الكلمة أصلها لمن وقع في هلكة فقيل لأنه كان محتاجاً قد وقع في تعب وجهد، وقيل هي كلمة تجري على اللسان وتستعمل من غير قصد إلى ما وضعت له أو لا بل تدعم بها العرب كلامها كقولهم: لا أم له لا أب له تربت يداه قاتله الله ما أشجعه وعقري حلّقي وما أشبه ذلك، وقد سبقت هذه اللفظة مستوفاة في كتاب الطهارة في تربت يداك).
قوله: "حدثنا هشيم قال أخبرنا حميد عن ثابت عن أنس قال: وأظنني قد سمعته من أنس" القائل وأظنني قد سمعته من أنس هو حميد ووقع في أكثر النسخ وأظنني بنونين وفي بعضها وأظني بنون واحدة وهي لغة. قوله: "قال إنها بدنة أو هدية فقال وإن" هكذا هو في جميع النسخ وإن فقط أي وإن كانت بدنة والله أعلم
*2* باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي التّيّاحِ الضّبَعِيّ. حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِيّ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ مُعْتَمِرَيْنِ. قَالَ: وَانْطَلَقَ سِنَانٌ مَعَهُ بِبَدَنَةٍ يَسُوقُهَا. فَأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ بِالطّرِيقِ. فَعَيِيَ بِشَأْنِهَا. إِنْ هِيَ أُبْدِعَتْ كَيْفَ يَأْتِي بِهَا. فَقَالَ: لَئِنْ قَدِمْتُ الْبَلَدَ لأَسْتَحْفِيَنّ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَأَضْحَيْتُ. فَلَمّا نَزَلْنَا الْبَطْحَاءَ قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى ابْنِ عَبّاسٍ نَتَحْدّثْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ بَدَنَتِهِ. فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ. بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِسِتّ عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ وَأَمّرَهُ فِيهَا. قَالَ: فَمَضَىَ ثُمّ رَجَعَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَيّ مِنْهَا؟ قَالَ: "انْحَرْهَا. ثُمّ اصْبَغْ نَعْلَيْهَا فِي دَمِهَا. ثُمّ اجْعَلْهُ عَلَىَ صَفْحَتِهَا. وَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ".
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ) عَنْ أَبِي التّيّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِثَمَانَ عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَوّلَ الْحَدِيثِ.
حدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ ذُوءَيْبَاً أَبَا قَبِيصَةَ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمّ يَقُولُ "إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتاً، فَانْحَرْهَا. ثُمّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا. ثُمّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا. وَلاَ تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ".
قوله: (عن أبي التياح الضبعي) التياح بمثناة فوق ثم مثناة تحت وبحاء مهملة، والضبعي بضاد معجمة مضمومة وباء موحدة مفتوحة اسمه يزيد بن حميد البصري منسوب إلى بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن رعمي ابن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. قال السمعاني: نزل أكثر هذه القبيلة البصرة وكانت بها محلة تنسب إليهم. قوله: "وانطلق ببدنة يسوقها فأزخفت عليه" هو بفتح الهمزة وإسكان الزاي وفتح الحاء المهملة هذا رواية المحدثين لا خلاف بينهم فيه، قال الخطابي: كذا يقوله المحدثون قال: وصوابه والأجود فأزحفت بضم الهمزة يقال زحف البعير إذا قام وأزحفه، وقال الهروي وغيره: يقال أزحف البعير وأزحفه السير بالألف فيهما وكذا قال الجوهري وغيره، يقال: زحف البعير وأزحف لغتان وأزحفه السير وأزحف الرجل وقف بعيره، فحصل أن إنكار الخطابي ليس بمقبول بل الجميع جائز، ومعنى أزحف وقف من الكلال والإعياء. قوله: "فعيي بشأنها إن هي أبدعت كيف يأتي بها" أما قوله فعيي فذكر صاحب المشارق والمطالع أنه روي على ثلاثة أوجه: أحدها وهي رواية الجمهور فعيي بياءين من الإعياء وهو العجز ومعناه عجز عن معرفة حكمها لو عطبت عليه في الطريق كيف يعمل بها. والوجه الثاني فعي بياء واحدة مشددة وهي لغة بمعنى الأولى. والوجه الثالث فعني بضم العين وكسر النون من العناية بالشيء والاهتمام به. وأما قوله أبدعت فبضم الهمزة وكسر الدال وفتح العين وإسكان التاء ومعناه كلت وأعيت ووقفت، قال أبو عبيد: قال بعض الأعراب لا يكون الإبداع إلا بظلع. وأما قوله: "كيفّ يأتي لها" ففي بعض الأصول لها وفي بعضها بها وكلاهما صحيح. قوله: "لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك" وقع في معظم النسخ قدمت البلد وفي بعضها قدمت الليلة وكلاهما صحيح، وفي بعض النسخ عن ذلك، وفي بعضها عن ذاك بغير لام. وقوله: لأستحفين بالحاء المهملة وبالفاء ومعناه لأسألن سؤالاً بليغاً عن ذلك، يقال: أحفى في المسألة إذا ألح فيها وأكثر منها. قوله: (فأضحيت) هو بالضاد المعجمة وبعد الحاء ياء مثناة تحت، قال صاحب المطالع: معناه صرت في وقت الضحى. قوله أن ابن عباس حين سألوه (قال على الخبير سقطت) فيه دليل لجواز ذكر الإنسان بعض ممادحته للحاجة، وإنما ذكر ابن عباس ذلك ترغيباً للسامع في إِلاعتناء بخبره وحثاً له على الاستماع له وأنه علم محقق. قوله: "يا رسول الله كيف أصنع بما أبدع علي منها؟ قال: انحرها ثم اصبغ نعليها في دمها ثم اجعله على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك" فيه فوائد منها أنه إذا عطب الهدي وجب ذبحه وتخليته للمساكين ويحرم الأكل منها عليه وعلى رفقته الذين معه في الركب سواء كان الرفيق مخالطاً له أو في جملة الناس من غير مخالطة، والسبب في نهيهم قطع الذريعة لئلا يتوصل بعض الناس إلى نحره أو تعييبه قبل أوانه، واختلف العلماء في الأكل من الهدي إذا عطب فنحره فقال الشافعي: إن كان هدي تطوع كان له أن يفعل فيه ما شاء من بيع وذبح وأكل وإطعام وغير ذلك وله تركه، ولا شيء عليه في كل ذلك لأنه ملكه، وإن كان هدياً منذوراً لزمه ذبحه، فإن تركه حتى هلك لزمه ضمانه كما لو فرط في حفظ الوديعة حتى تلفت، فإذا ذبحه غمس نعله التي قلده إياها في دمه وضرب بها صفحة سنامه وتركه موضعه ليعلم من مر به أنه هدي فيأكله، ولا يجوز للمهدي ولا لسائق هذا الهدي وقائده الأكل منه، ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقاً، لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم، ويجوز للفقراء من غير أهل هذه الرفقة ولا يجوز لفقراء الرفقة، وفي المراد بالرفقة وجهان لأصحابنا أحدهما أنهم الذين يخالطون المهدي في الأكل وغيره دون باقي القافلة. والثاني وهو الأصح وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، وظاهر نص الشافعي وكلام جمهور أصحابنا أن المراد بالرفقة جميع القافلة لأن السبب الذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة، فإن قيل إذا لم تجوزوا لأهل القافلة أكله وترك في البرية كان طعمة للسباع وهذا إضاعة مال، قلنا ليس فيه إضاعة بل العادة الغالبة أن سكان البوادي وغيرهم يتبعون منازل الحج لالتقاط ساقطة ونحوه، وقد تأتي قافلة في إثر قافلة والله أعلم. والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان. قوله في حديث ابن عباس رضي الله عنه: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة" وفي الرواية الأخرى: "بثمان عشرة بدنة" يجوز أنهما قضيتان ويجوز أن تكون قضية واحدة والمراد ثمان عشرة، وليس في قوله ست عشرة نفي الزيادة لأنه مفهوم عدد ولا عمل عليه والله أعلم.
*2* باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: كَانَ النّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَنْفِرَنّ أَحَدٌ حَتّىَ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ".
قَالَ زُهَيْرٌ: يَنْصَرِفُونَ كُلّ وَجْهٍ. وَلَمْ يَقُلْ: فِي.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لِسَعِيدٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: أُمِرَ النّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ. إِلاّ أَنّهُ خُفّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبّاسٍ. إِذْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: إِمّا لاَ. فَسَلْ فُلاَنَةَ الأَنْصَارِيّةَ. هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَرَجِعَ زَيَدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى ابْنِ عَبّاسٍ يَضْحَكُ. وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَرَاكَ إِلاّ قَدْ صَدَقْتَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيَ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَذَكَرْتُ حِيضَتَهَا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟" قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ. ثُمّ حَاضَتْ بَعْدَ الإِفَاضَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلْتَنْفِرْ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَة بْنُ يَحْيَىَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ (قَالَ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. قَالَتْ: طَمِثَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيَ، زَوْجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ. بَعْدَمَا أَفَاضَتْ طَاهِراً. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللّيْثِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. حَدّثَنَا أَيّوبُ. كُلّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّها ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّ صَفِيّةَ قَدْ حَاضَتْ. بِمَعْنىَ حَدِيثِ الزّهْرِيّ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنّا نَتَخَوّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيّةُ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ. قَالَتْ: فَجَاءَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "أَحَابِسَتُنَا صَفِيّةُ؟" قُلْنَا: قَدْ أَفَاضَتْ. قَالَ "فَلاَ. إِذَنْ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيَ قَدْ حَاضَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَعَلّهَا تَحْبِسُنَا. أَلَمْ تَكُنْ قَدْ طَافَتْ مَعَكُنّ بِالْبَيْتِ؟" قَالُوا: بَلَىَ. قَالَ: "فَاخْرُجْنَ".
حدّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيّ (لَعَلّهُ قَالَ) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ مِنْ صَفِيّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ. فَقَالُوا: إِنّهَا حَائِضٌ. يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "وَإِنّهَا لَحَابِسَتُنَا؟" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النّحْرِ. قَالَ: "فَلْتَنْفِرْ مَعَكُمْ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا أَرَادَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْفِرَ، إِذَا صَفِيّةُ عَلَىَ بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً. فَقَالَ: "عَقْرَىَ حَلْقَىَ إِنّكِ لَحَابِسَتُنَا" ثُمّ قَالَ لَهَا: "أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النّحْرِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَانْفِرِي".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. جَمِيعاً عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ الْحَكَمِ. غَيْرَ أَنّهُمَا لاَ يَذْكُرَانِ: كَئِيبَةً حَزِينَةً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" فيه دلالة لمن قال بوجوب طواف الوداع وأنه إذا تركه لزمه دم وهو الصحيح في مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء منهم الحسن البصري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال مالك وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين.
قوله: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" هذا دليل لوجوب طواف الوداع على غير الحائض وسقوطه عنها ولا يلزمها دم بتركه، هذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكاه ابن المنذر عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم أمروها بالمقام لطواف الوداع دليل الجمهور هذا الحديث وحديث صفية المذكور بعده. قوله: "فقال ابن عباس: إما لا فسل فلانة الأنصارية" هو بكسر الهمزة وفتح اللام وبالإمالة الخفيفة هذا هو الصواب المشهور، وقال القاضي: ضبطه الطبري والأصيلي أمالي بكسر اللام قال: والمعروف في كلام العرب فتحها إلا أن تكون على لغة من يميل، قال المازري: قال ابن الأنباري قولهم افعل هذا أما لا فمعناه أفعله إن كنت لا تفعل غيره فدخلت ما زائدة لأن كما قال الله تعالى: {فإما ترين من البشر أحداً} فاكتفوا بلا عن الفعل كما تقول العرب: إن زارك فزره وإلا فلا، هذا ما ذكره القاضي. وقال ابن الأثير في نهاية الغريب: أصل هذه الكلمة أن وما فأدغمت النون في الميم وما زائدة في اللفظ لا حكم لها وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة قال: والعوام يشبعون أمالتها فتصير ألفها ياء وهو خطأ ومعناه إن لم تفعل هذا فليكن هذا والله أعلم.
قولها: (صفية بنت حيي) بضم الحاء وكسرها الضم أشهر، وفي حديثها دليل لسقوط طواف الوداع عن الحائض، وأن طواف الإفاضة ركن لا بد منه، وأنه لا يسقط عن الحائض ولا غيرها، وأن الحائض تقيم له حتى تطهر، فإن ذهبت إلى وطنها قبل طواف الإفاضة بقيت محرمة، وقد سبق حديث صفية هذا وبيان إحرامه وضبطه ومعناه وفقه في أوائل كتاب الحج في باب بيان وجوه الإحرام بالحج. قوله: (حدثني الحكم بن موسى حدثنا يحيى بن حمزة عن الأوزاعي لعله قال عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن عائشة) هكذا وقع في معظم النسخ، وكذا نقله القاضي عن معظم النسخ قال: وسقط عند الطبري. قوله: لعله قال عن يحيى بن أبي كثير قال: وسقط لعله قال فقط لابن الحذاء، قال القاضي: وأظن أن الاسم كله سقط من كتب بعضهم أوشك فيه فألحقه على المحفوظ الصواب ونبه على إلحاقه بقوله لعله. قوله: "قالوا يا رسول الله إنها قد زارت يوم النحر" فيه دليل لمذهب الشافعي وأبي حنيفة وأهل العراق أنه لا يكره أن يقال لطواف الإفاضة طواف الزيارة، وقال مالك يكره وليس للكراهة حجة تعتمد. قولها: (تنفر) بكسر الفاء وضمها الكسر أفصح وبه جاء القرآن والله أعلم
*2* باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيّ. فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ. ثُمّ مَكَثَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلاَلاً، حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ. وَعَمُوداً عَنْ يَمِينِهِ. وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ. وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَىَ سِتّةِ أَعْمِدَةٍ. ثُمّ صَلّىَ.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. كُلّهُمْ عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو كَامِلٍ: حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ. فَنَزَلَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ. وَأَرْسَلَ إِلَىَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. فَجَاءَ بِالْمِفْتَحِ. فَفَتَحَ الْبَابَ. قَالَ: ثُمّ دَخَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَبِلاَلٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ. وَأَمَرَ بِالْبَابِ فَأُغْلِقَ. فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيّاً. ثُمّ فَتَحَ الْبَابَ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَبَادَرْتُ النّاسَ. فَتَلَقّيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَارِجاً. وَبِلاَلٌ عَلَىَ إِثْرِهِ. فَقُلْتُ لِبِلاَلٍ: هَلْ صَلّىَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ. تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلّىَ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيّوبَ السّخْتِيَانِيّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفَتْحِ، عَلَى نَاقَةٍ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. حَتّىَ أَنَاخَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ. ثُمّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَقَالَ "ائْتِنِي بِالْمِفْتَاحِ" فَذَهَبَ إِلَىَ أُمّهِ. فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ. فَقَالَ: وَاللّهِ لَتُعْطِينِيهِ أَوْ لَيَخْرُجنّ هَذَا السّيْفُ مِنْ صُلْبِي. قَالَ: فَأَعْطَتْهُ إِيّاهُ. فَجَاءَ بِهِ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. فَفَتَحَ الْبَابَ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ. فَأَجَافُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ طَوِيلاً. ثُمّ فُتِحَ. فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ. فَلَقِيتُ بِلاَلاً. فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدّمَيْنِ. فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟.
وحدّثني حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ انْتَهَىَ إِلَىَ الْكَعْبَةِ. وَقَدْ دَخَلَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَبِلاَلٌ وَأُسَامَةُ. وَأَجَافَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْبَابَ. قَالَ: فَمَكَثُوا فِيهِ مَلِيّاً. ثُمّ فُتِحَ الْبَابُ. فَخَرَجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَرَقِيتُ الدّرَجَةَ. فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ. فُقُلْتُ: أَيْنَ صَلّىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا: هَهُنَا. قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُمْ: كَمْ صَلّىَ؟.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ. فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ. فَلمّا فَتَحُوا كُنْتُ فِي أَوّلِ مَنْ وَلجَ. فَلَقِيتُ بِلاَلاً فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلّىَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. صَلّىَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ. وَلَمْ يَدْخُلْهَا مَعَهُمْ أَحَدٌ. ثُمّ أُغْلِقَتْ عَلَيْهِمْ.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرَنِي بِلاَلٌ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ بَكْرٍ. قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِ عَطَاءٍ: أَسَمِعْتَ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: إِنّمَا أُمِرْتُمْ بِالطّوَافِ وَلَمْ تُوءْمَرُوا بِدُخُولِهِ. قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَنْهَىَ عَنْ دُخُولِهِ. وَلَكِنّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَواحِيهِ كُلّهَا. وَلَمْ يُصَلّ فِيهِ. حَتّىَ خَرَجَ. فَلَمّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ" قُلْتُ لَهُ: مَا نَوَاحِيهَا؟ أَفِي زَوَايَاهَا؟ قَالَ: بَلْ فِي كُلّ قِبْلَةٍ مِنَ الْبَيْتِ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَفِيهَا سِتّ سَوَارٍ. فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ فَدَعَا وَلَمْ يُصَلّ.
وحدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنِي هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَىَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَدَخَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ؟ قَالَ: لاَ.
ذكر مسلم رحمه الله في الباب بأسانيده عن بلال رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها بين العمودين" وبإسناده عن أسامة رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وسلم دعا في نواحيها ولم يصل" وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت فمعه زيادة علم فواجب ترجيحه، والمراد الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود ولهذا قال ابن عمر: ونسيت أن أسأله كم صلى، وأما نفي أسامة فسببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى وبلال قريب منه ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله وكانت صلاة خفيفة فلم يرها أسامة لإغلاق الباب مع بعده واشتغاله بالدعاء وجاز له نفيها عملاً بظنه وأما بلال فحققها فأخبر بها والله أعلم. واختلف العلماء في الصلاة في الكعبة إذا صلى متوجهاً إلى جدار منها أو إلى الباب وهو مردود، فقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور: تصح فيها صلاة النفل وصلاة الفرض. وقال مالك: تصح فيها صلاة النفل المطلق ولا يصح الفرض ولا الوتر ولا ركعتا الفجر ولا ركعتا الطواف. وقال محمد بن جرير وأصبغ المالكي وبعض أهل الظاهر: لا تصح فيها صلاة أبداً لا فريضة ولا نافلة، وحكاه القاضي عن ابن عباس أيضاً، ودليل الجمهور حديث بلال، وإذا صحت النافلة صحت الفريضة لأنهما في الموضع سواء في الاستقبال في حال النزول، وإنما يختلفان في الاستقبال في حال السير في السفر والله أعلم. قوله: (وعثمان بن طلحة الحجبي) هو بفتح الحاء والجيم منسوب إلى حجابة الكعبة وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها، ويقال له ولأقاربه الحجبيون وهو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان ابن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية وشهد فتح مكة ودفع النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إليه وأبي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، ثم نزل المدينة فأقام بها إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى مكة فأقام بها حتى توفي سنة اثنتين وأربعين، وقيل أنه استشهد يوم أجنادين بفتح الدال وكسرها وهي موضع بقرب بيت المقدس كانت غزوته في أوائل خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت" قال القاضي عياض: قال العلماء: لا يجوز لأحد أن ينزعها منهم، قال: وهي ولاية لهم عليها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبقى دائمة ولذرياتهم أبداً ولا ينازعون فيها ولا يشاركون ما داموا موجودين صالحين لذلك والله أعلم. قوله: "دخل الكعبة فأغلقها عليه" إنما أغلقها عليه صلى الله عليه وسلم ليكون أسكن لقلبه وأجمع لخشوعه ولئلا يجتمع الناس ويدخلوا ويزدحموا فينالهم ضرر ويتهوش عليه الحال بسبب لغطهم والله أعلم. قوله: "جعل عمودين عن يساره وعموداً عن يمينه" هكذا هو هنا. وفي رواية للبخاري: "عمودين عن يمينه وعموداً عن يساره" وهكذا هو في الموطأ، وفي سنن أبي داود وكله من رواية مالك، وفي رواية للبخاري: "عموداً عن يمينه وعموداً عن يساره). قوله: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فنزل بفناء الكعبة" هذا دليل على أن هذا المذكور في أحاديث الباب من دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلاته فيها كان يوم الفتح وهذا لا خلاف فيه ولم يكن يوم حجة الوداع، وفناء الكعبة بكسر الفاء وبالمد جانبها وحريمها والله أعلم. قوله: "فجاء بالمفتح" هو بكسر الميم، وفي الرواية الأخرى: (المفتاح) وهما لغتان. قوله: (فلبثوا فيه ملياً) أي طويلاً. قوله: "ونسيت أن أسأله كم صلى" هكذا ثبت في الصحيحين من رواية ابن عمر، وجاء في سنن أبي داود بإسناد فيه ضعف عن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخول الكعبة؟ قال: صلى ركعتين. قوله: (فأجافوا عليهم الباب) أي أغلقوه.
قوله: "وحدثني حميد بن مسعدة حدثنا خالد يعني ابن الحرث حدثنا عبد الله بن عون عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه انتهى إلى الكعبة وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة وأجاف عليهم عثمان بن طلحة الباب قال: ومكثوا فيه ملياً ثم فتح الباب فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فرقيت الدرجة فدخلت البيت فقلت أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالوا ههنا ونسيت أن أسألهم كم صلى" هكذا وقعت هذه الرواية هنا، وظاهره أن ابن عمر سأل بلالاً وأسامة وعثمان جميعهم، قال القاضي عياض: ولكن أهل الحديث وهنوا هذه الرواية فقال الدارقطني: وهم ابن عون هنا وخالفه غيره فأسندوه عن بلال وحده، قال القاضي: وهذا هو الذي ذكره مسلم في باقي الطرق فسألت بلالاً فقال: إلا أنه وقع في رواية حرملة عن ابن وهب فأخبرني بلال وعثمان بن طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة هكذا هو عند عامة شيوخنا، وفي بعض النسخ وعثمان بن أبي طلحة، قال: وهذا يعضد رواية بن عون والمشهور انفراد بلال برواية ذلك والله أعلم.
قوله: "فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين وقال هذه القبلة" قوله قبل البيت هو بضم القاف والباء ويجوز إسكان الباء كما في نظائره، قيل معناه ما استقبلك منها وقيل مقابلها، وفي رواية في الصحيح: "فصلى ركعتين في وجه الكعبة" وهذا هو المراد بقبلها ومعناه عند بابها. وأما قوله: "ركع في قبل البيت" فمعناه صلى. وقوله: "ركعتين" دليل لمذهب الشافعي، والجمهور أن تطوع النهار يستحب أن يكون مثنى، وقال أبو حنيفة أربعاً، وسبقت المسألة في كتاب الصلاة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: هذه القبلة فقال الخطابي معناه أن أمر القبلة قد استقر على استقبال هذا البيت فلا ينسخ بعد اليوم فصلوا إليه أبداً. قال: ويحتمل أنه علمهم سنة موقف الإمام وأنه يقف في وجهها دون أركانها وجوانبها وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزئة هذا كلام الخطابي، ويحتمل معنى ثالثاً وهو أن معناه هذه الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله لا كل الحرم ولا مكة ولا كل المسجد الذي حول الكعبة بل هي الكعبة نفسها فقط والله أعلم.
قوله: "أدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت في عمرته؟ قال: لا" هذا مما اتفقوا عليه، قال العلماء: والمراد به عمرة القضاء التي كانت سنة سبع من الهجرة قبل فتح مكة، قال العلماء: وسبب عدم دخوله صلى الله عليه وسلم ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه لتغييرها فلما فتح الله تعالى عليه مكة دخل البيت وصلى فيه وأزال الصور قبل دخوله والله أعلم
*2* باب نقض الكعبة وبنائها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلاَ حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَىَ أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ. فَإِنّ قُرَيْشاً، حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ، اسْتَقْصَرَتْ. وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفاً".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَخْبَر عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلَمْ تَرَيْ أَنّ قَوْمَكِ، حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ، اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟" قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلاَ تَرُدّهَا عَلَىَ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ. ح وَحَدّثَنِي هَرُون بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعاً مَوْلَىَ ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، يُحَدّثُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْلاَ أَنّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيّةٍ (أَوْ قَالَ بِكُفْرٍ) لأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالأَرْضِ، وَلأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنِي ابْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيّانَ عَنْ سَعِيدٍ (يَعْنِي ابْنَ مِينَاءَ) قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الزّبَيْرِ يَقُولُ: حَدّثَتْنِي خَالَتِي (يَعْنِي عَائِشَةَ) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ أَنّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ. فَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ. وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَاباً شَرْقِيّاً وَبَاباً غَرْبِيّاً. وَزِدْتُ فِيهَا سِتّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ. فَإِنّ قُرَيْشاً اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ".
حدّثنا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَمّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حِينَ غَزَاهُ أَهْلُ الشّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزّبَيْرِ. حَتّىَ قَدِمَ النّاسُ الْمَوْسِمَ. يُرِيدُ أَنْ يُجَرّئَهُمْ (أَوْ يُحَرّبَهُمْ) عَلَىَ أَهْلِ الشّامِ. فَلَمّا صَدَرَ النّاسُ قَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ أَشِيرُوا عَلَيّ فِي الْكَعْبَةِ. أَنْقُضُهَا ثُمّ أَبْنِي بِنَاءَهَا. أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَىَ مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَإِنّي قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا. أَرَىَ أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَىَ مِنْهَا. وَتَدَعَ بَيْتاً أَسْلَمَ النّاسُ عَلَيْهِ. وَأَحْجَاراً أَسْلَمَ النّاسُ عَلَيْهَا وَبُعِثَ عَلَيْهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ ابْنُ الزّبَيْرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ، مَا رَضِيَ حَتّى يُجِدّهُ. فَكَيْفَ بَيْتُ رَبّكُمْ؟ إِنّي مُسْتَخِيرٌ رَبّي ثَلاَثاً. ثُمّ عَازِمٌ عَلَىَ أَمْرِي. فَلَمّا مَضَى الثّلاَثُ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَىَ أَنْ يَنْقُضَهَا. فَتَحَامَاهُ النّاسُ أَنْ يَنْزِلَ، بِأَوّلِ النّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ، أَمْرٌ مِنَ السّمَاءِ. حَتّىَ صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَىَ مِنْهُ حِجَارَةً. فَلَمّا لَمْ يَرَهُ النّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا. فَنَقَضُوهُ حَتّىَ بَلَغَ بِهِ الأَرْضَ. فَجَعَلَ ابْنُ الزّبَيْرِ أَعْمِدَةً. فَسَتّرَ عَلَيْهَا السّتُورَ. حَتّىَ ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الزّبَيْرِ: إِنّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْلاَ أَنّ النّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ عِنْدِي مِنَ النّفَقَةِ مَا يُقَوّي عَلَىَ بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَاباً يَدْخُلُ النّاسُ مِنْهُ، وَبَاباً يَخْرُجُونَ مِنْهُ".
قَالَ: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ. وَلَسْتُ أَخَافُ النّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ. حَتّىَ أَبْدَىَ أُسّاً نَظَرَ النّاسُ إِلَيْهِ. فَبَنَىَ عَلَيْهِ الْبِنَاءَ. وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعاً. فَلَمّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ. فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ. وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالاَخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ. فَلَمّا قُتِلَ ابْنُ الزّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجّاجُ إِلَىَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ. وَيُخْبِرُهُ أَنّ ابْنَ الزّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَىَ أُسَ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزّبَيْرِ فِي شَيْءٍ. أَمّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرّهُ. وَأَمّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدّهُ إِلَىَ بِنَائِهِ. وَسُدّ الْبَابَ الّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَىَ بِنَائِهِ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَ الْوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ يُحَدّثَانِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُبَيْدٍ. وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَلَىَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي خِلاَفَتِهِ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَظُنّ أَبَا خُبَيْبٍ (يَعْنِي ابْنَ الزّبَيْرِ) سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا. قَالَ الْحَارِثُ: بَلَىَ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا. قَالَ: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ. وَلَوْلاَ حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشّرْكِ أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ. فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ، مِنْ بَعْدِي، أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمّي لأَرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ". فَأَرَاهَا قَرِيباً مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَزَادَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءٍ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ فِي الأَرْضِ شَرْقِيّاً وَغَرْبِيّاً. وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟" قَالَتْ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: "تَعَزّزاً أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا إِلاّ مَنْ أَرَادُوا. فَكَانَ الرّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي. حَتّىَ إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ".
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِلْحَارِثِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ ثُمّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنّي تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمّلَ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَكْرٍ السّهْمِيّ. حَدّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ أَنّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ: قَاتَلَ اللّهُ ابْنَ الزّبَيْرِ حَيْثُ يكْذِبُ عَلَىَ أُمّ الْمُوءْمِنِينَ. يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ حَتّىَ أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ. فَإِنّ قَوْمَكِ قَصّرُوا فِي الْبِنَاءِ" فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: لاَ تَقُلْ هَذَا. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا سَمِعْتُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدّثُ هَذَا.
قَالَ: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ، لَتَرَكْتُهُ عَلَىَ مَا بَنَى ابْنُ الزّبَيْرِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم فإن قريشاً حين بنت البيت استقصرت ولجعلت لها خلفاً" وفي الرواية الأخرى: "اقتصروا عن قواعد إبراهيم" وفي الأخرى: "فإن قريشاً اقتصرتها" وفي الأخرى: "استقصروا من بنيان البيت" وفي الأخرى: "قصروا في البناء" وفي الأخرى: "قصرت بهم النفقة. قال العلماء: هذه الروايات كلها بمعنى واحد، ومعنى استقصرت قصرت عن تمام بنائها واقتصرت على هذا القدر لقصور النفقة بهم عن تمامها. وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام: منها إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيماً فتركها صلى الله عليه وسلم. ومنها فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك. ومنها تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وأن لا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي كما سبق، قال العلماء: بني البيت خمس مرات: بنته الملائكة ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم قري في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون، وفيه سقط على الأرض حين وقع إزاره، ثم بناه ابن الزبير ثم الحجاج بن يوسف، واستمر إلى الاَن على بناء الحجاج، وقيل بني مرتين أخريين أو ثلاثاً، وقد أوضحته في كتاب إيضاح المناسك الكبير. قال العلماء: ولا يغير عن هذا البناء، وقد ذكروا أن هارون الرشيد سأل مالك بن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب فقال مالك: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تجعل هذا البيت لعبة للملوك لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس وبالله التوفيق. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولجعلت لها خلفاً" هو بفتح الخاء المعجمة وإسكان اللام وبالفاء هذا هو الصحيح المشهور والمراد به باب من خلفها، وقد جاء مفسراً في الرواية الأخرى ولجعلت لها باباً شرقياً وباباً غربياً، وفي صحيح البخاري قال هشام: خلفاً يعني باباً، وفي الرواية الأخرى لمسلم بابين أحدهما يدخل منه والاَخر يخرج منه، وفي رواية البخاري: ولجعلت لها خلفين، قال القاضي: وقد ذكر الحربي هذا الحديث هكذا وضبطه خلفين بكسر الخاء وقال الخالفة عمود في مؤخر البيت، وقال الهروي خلفين بفتح الخاء قال القاضي: وكذا ضبطناه على شيخنا أبي الحسين، قال: وذكر الهروي عن ابن الأعرابي أن الخلف الظهر، وهذا يفسر أن المراد الباب كما فسرته الأحاديث الباقية والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا حدثان قومك" هو بكسر الحاء وإسكان الدال أي قرب عهدهم بالكفر والله أعلم. قوله: "فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عا ئشة سمعت هذا" قال القاضي: ليس هذا اللفظ من ابن عمر على سبيل التضعيف لروايتها والتشكيك في صدقها وحفظها، فقد كانت من الحفظ والضبط بحيث لا يستراب في حديثها ولا فيما تنقله، ولكن كثيراً ما يقع في كلام العرب صورة التشكيك والتقرير والمراد به اليقين كقوله تعالى: {وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} وقوله تعالى: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت} الاَية. قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية أو قال بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله" فيه دليل لتقديم أهم المصالح عند تعذر جميعها كما سبق إيضاحه في أول الحديث، وفيه دليل لجواز إنفاق كنز الكعبة ونذورها الفاضلة عن مصالحها في سبيل الله، لكن جاء في رواية: لأنفقت كنز الكعبة في بنائها وبناؤها من سبيل الله، فلعله المراد بقوله في الرواية الأولى في سبيل الله والله أعلم. ومذهبنا أن الفاضل من وقف مسجد أو غيره لا يصرف في مصالح مسجد آخر ولا غيره بل يحفظ دائماً للمكان الموقوف عليه الذي فضل منه فربما احتاج إليه والله علم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولأدخلت فيها من الحجر" وفي رواية: "وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشاً اقتصرتها حين بنت الكعبة" وفي رواية: "خمس أذرع" وفي رواية: "قريباً من سبع أذرع" وفي رواية: "قالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدار أمن البيت هو؟ قال نعم" وفي رواية: "لولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكره قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت" قال أصحابنا: ست أذرع من الحجر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف وفي الزائد خلاف، فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لأصحابنا أحدهما يجوز لظواهر هذه الأحاديث وهذا هو الذي رجحه جماعات من أصحابنا الخراسانيين.
والثاني لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على جداره ولا يصح حتى يطوف خارجاً من جميع الحجر، وهذا هو الصحيح وهو الذي نص عليه الشافعي وقطع به جماهير أصحابنا العراقيين ورجحه جمهور الأصحاب، وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبي حنيفة فإنه قال: إن طاف في الحجر وبقي في مكة أعاده، وإن رجع من مكة بلا إعادة أراق دماً وأجزأه طوافه. واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر وقال: "لتأخذوا مناسككم" ثم أطبق المسلمون عليه من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الاَن، وسواء كان كله من البيت أم بعضه فالطواف يكون من ورائه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم. ووقع في رواية ستة أذرع بالهاء. وفي رواية خمس. وفي رواية قريباً من سبع بحذف الهاء وكلاهما صحيح، ففي الذراع لغتان مشهورتان التأنيث والتذكير والتأنيث أفصح. قوله: "لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاه أهل الشام تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام" أما الحرف الأول فهو يجرئهم بالجيم والراء بعدهما همزة من الجراءة أي يشجعهم على قتالهم بإظهار قبح فعالهم هذا هو المشهور في ضبطه. قال لقاضي: ورواه العذري يجربهم بالجيم والباء الموحدة ومعناه يختبرهم وينظر ما عندهم في ذلك من حمية وغضب لله تعالى ولبيته. وأما الثاني وهو قوله أو يحربهم فهو بالحاء المهملة والراء والباء الموحدة وأوله مفتوح ومعناه يغيظهم بما يرونه قد فعل بالبيت من قولهم حربت الأسد إذا أغضبته، قال القاضي: وقد يكون معناه يحملهم على الحرب ويحرضهم عليهم ويؤكد عزائمهم لذلك، قال: ورواه آخرون يحزبهم بالحاء والزاي يشد قوتهم ويميلهم إليه ويجعلهم حزباً له وناصرين له على مخالفيه، وحزب الرجل من مال إليه وتحازب القوم تمالوا. قوله: "يا أيها الناس أشيروا علي في الكعبة" فيه دليل لاستحباب مشاورة الإمام أهل الفضل والمعرفة في الأمور المهمة. قوله: (قال ابن عباس فإني قد فرق لي فيها رأي) هو بضم الفاء وكسر الراء أي كشف وبين، قال الله تعالى: {وقرآنا فرقناه} أي فصلناه وبيناه، هذا هو الصواب في ضبط هذه اللفظة ومعناها، وهكذا ضبطه القاضي والمحققون، وقد جعله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين في كتابه غريب الصحيحين فرق بفتح الفاء بمعنى خاف وأنكروه عليه وغلطوا الحميدي في ضبطه وتفسيره. قوله: (فقال ابن الزبير لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده) هكذا هو في أكثر النسخ يجده بضم الياء وبدال واحدة، وفي كثير منها يجدد بدالين وهما بمعنى. قوله: (تتابعوا فنقضوه) هكذا ضبطناه تتابعوا بباء موحدة قبل العين، وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا ذكره القاضي عن رواية الأكثرين، وعن أبي بحر تتابعوا وهو بمعناه إلا أن أكثر ما يستعمل بالمثناة في الشر خاصة وليس هذا موضعه. قوله: (فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه) المقصود بهذه الأعمدة والستور أن يستقبلها المصلون في تلك الأيام ويعرفوا موضع الكعبة ولم تزل تلك الستور حتى ارتفع البناء وصار مشاهداً للناس فأزالها لحصول المقصود بالبناء المرتفع من الكعبة، واستدل القاضي عياض بهذا لمذهب مالك في أن المقصود بالاستقبال البناء لا البقعة، قال: وقد كان ابن عباس أشار على ابن الزبير بنحو هذا وقال له: إن كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة، فقال له جابر: صلوا إلى موضعها فهي القبلة، ومذهب الشافعي وغيره جواز الصلاة إلى أرض الكعبة، ويجزيه ذلك بلا خلاف عنده سواء كان بقي منها شاخص أم لا والله أعلم. قوله: "إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء" يريذ بذلك سبه وعيب فعله. يقال لطخته أي رميته بأمر قبيح. قوله: "وفد الحرث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته" هكذا هو في جميع النسخ الحرث بن عبد الله وليس في شيء وهو خلاف، ونسخ بلادنا هي رواية عبد الغفار بن الفارسي، وادعى القاضي عياش أنه وقع هكذا لجميع الرواة سوى الفارسي فإن في روايته الحرث بن عبد الأعلى قال: وهو خطأ بل الصواب الحرث بن عبد الله، وهذا الذي نقله عن رواية الفارسي غير مقبول، بل الصواب أنها كرواية غيره الحرث بن عبد الله، ولعله وقع للقاضي نسخة عن الفارسي فيها هذه اللفظة مصحفة على الفارسي لا من الفارسي والله أعلم. قوله: (ما أظن أبا خبيب) هو بضم الخاء المعجمة وسبق بيانه مرات. قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا حداثة عهدهم" هو بفتح الحاء أي قربه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن بدا لقومك" هو بغير همزة يقال بداله في الأمر بداء بالمد أي حدث له فيه رأي لم يكن وهو ذو بدوات أي يتغير رأيه، والبداء محال على الله تعالى بخلاف النسخ.
قوله: (فهلمي لأريك) هذا جار على إحدى اللغتين في هلم، قال الجوهري: تقول هلم يا رجل بفتح الميم بمعنى تعالى، قال الخليلي: أصله لم من قولهم لم الله شعثه أي جمعه كأنه أراد لم نفسك إلينا أي أقرب وها للتنبيه وحذفت ألفها لكثرة الاستعمال وجعلا إسماً واحداً يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث، فيقال في الجماعة هلم هذه لغة أهل الحجاز، قال الله تعالى: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} وأهل نجد يصرفونها فيقولون للإثنين هلما، وللجمع هلموا، وللمرأة هلمي، وللنساء هلممن، والأول أفصح، هذا كلام الجوهري. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى إذا كاد أن يدخل" هكذا هو في النسخ كلها كاد أن يدخل وفيه حجة لجواز دخول أن بعد كاد، وقد كثر ذلك وهي لغة فصيحة ولكن الأشهر عدمه. قوله: (فنكت ساعة بعصاه) أي بحث بطرفها في الأرض وهذه عادة من تفكر في أمرمهم. قوله: (فقال الحرث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث) هذا فيه إِلانتصار للمظلوم ورد الغيبة وتصديق الصادق إذا كذبه إنسان، والحرث هذا تابعي وهو الحرث ابن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة.
*2* باب جدر الكعبة وبابها
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. حَدّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشّعْثَاءِ عَنِ الأَسْوَدِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْجَدْرِ؟ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إِنّ قَوْمَكِ قَصّرَتْ بِهِمُ النّفَقَةُ" قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعاً؟ قَالَ: "فَعَلَ ذَلِك قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا. وَلَوْلاَ أَنّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ. وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ (يَعْنِي ابْنَ مُوسَىَ) حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحِجْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ. وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعاً لاَ يُصْعَدُ إِلَيْهِ إِلاّ بِسُلّمٍ؟ وَقَالَ: "مَخَافَةَ أَنْ تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ".
قولها: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر) وفي آخر الحديث: (لنظرت أن أدخل الجدر في البيت) هو بفتح الجيم وإسكان الدال المهملة وهو الحجر وسبق بيان حكمه. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعيد بن منصور: (ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية) هكذا هو في جميع النسخ في الجاهلية وهو بمعنى بالجاهلية كما في سائر الروايات والله أعلم
*2* باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ. فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشّقّ الاَخَرِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ فَرِيضَةَ اللّهِ عَلَىَ عِبَادِهِ فِي الْحَجّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً. لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَىَ الرّاحِلَةِ. أَفَأَحُجّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ" وَذَلِكَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ.
حدّثني عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَنّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ. عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللّهِ فِي الْحَجّ. وَهُوَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَىَ ظَهْرِ بَعِيرِهِ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "فَحُجّي عَنْهُ".
قوله: "كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الاَخر فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال نعم وذلك في حجة الوداع)).
وفي الرواية الأخرى: (فحجي عنه). هذا الحديث فيه فوائد منها جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، وجواز سماع صوت الأجنبية عند الحاجة في الاستفتاء والمعاملة وغير ذلك. ومنها تحريم النظر إلى الأجنبية. ومنها إزالة المنكر باليد لمن أمكنه. ومنها جواز النيابة في الحج عن العاجز المأيوس منه بهرم أو زمانة أو موت. ومنها جواز حج المرأة عن الرجل. ومنها بر الوالدين بالقيام بمصالحهما من قضاء دين وخدمة ونفقة وحج عنهما وغير ذلك. ومنها وجوب الحج على من هو عاجز بنفسه مستطيع بغيره كولده وهذا مذهبنا لأنها قالت أدركته فريضة الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة. ومنها جواز قول حجة الوداع وأنه لا يكره ذلك وسبق بيان هذا مرات. ومنها جواز حج المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها وهو مذهبنا، ومذهب الجمهور جواز الحج عن العاجز بموت أو عضب وهو الزمانة والهرم ونحوهما. وقال مالك والليث والحسن بن صالح: لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام. قال القاضي: وحكي عن النخعي وبعض السلف لا ىصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به. وقال الشافعي والجمهور: يجوز الحج عن الميت عن فرضه ونذره سواء أوصى به أم لا ويجزى عنه، ومذهب الشافعي وغيره أن ذلك واجب في تركته، وعندنا يجوز للعاجز الاستنابة في حج التطوع على أصح القولين، واتفق العلماء على جواز حج المرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح فمنعه وكذا يمنعه من منع أصل الاستنابة مطلقاً والله أعلم
*2* باب صحة حج الصبيّ، وأجر من حج به
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ رَكْباً بِالرّوْحَاءِ. فَقَالَ: "مَنِ الْقَوْمُ؟" قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: "رَسُولُ اللّهِ" فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيّاً فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجّ؟ قَالَ: "نَعَمْ. وَلَكِ أَجْرٌ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيّاً لَهَا. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلِهَذَا حَجّ؟ قَالَ "نَعَمْ. وَلَكِ أَجْرٌ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ أَنّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيّاً فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلِهَذَا حَجّ؟ قَالَ: "نَعَمْ. وَلَكِ أَجْرٌ".
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْب، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. بِمِثْلِهِ.
قوله: "لقي ركباً بالروحاء فقال: من القوم؟ فقالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. الركب أصحاب الإبل خاصة وأصله أن يستعمل في عشرة فما دونها، وسبق في مسلم في الأذان أن الروحاء مكان على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة، قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا اللقاء كان ليلاً فلم يعرفوه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل كونه نهاراً لكنهم لم يروه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك لعدم هجرتهم فأسلموا في بلدانهم ولم يهاجروا قبل ذلك. قوله: "فرفعت امرأة صبياً لها فقالت: ألهذا حج؟ قال نعم ولك أجر) فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً وهذا الحديث صريح فيه، وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه، قال أصحابه: وهنما فعلوه تمريناً له ليعتاده فيفعله إذا بلغ وهذا الحديث يرد عليهم. قال القاضي: لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع ولا يلتفت إلى قولهم بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة، وإنما خلاف أبي حنيفة في أنه هل ينعقد حجه وتجري عليه أحكام الحج وتجب فيه الفدية ودم الجبران وسائر أحكام البالغ؟ فأبو حنيفة يمنع ذلك كله ويقول إنما يجب ذلك تمريناً على التعليم، والجمهور يقولون تجري عليه أحكام الحج في ذلك، ويقولون حجه منعقد يقع نفلاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له حجاً، قال القاضي: وأجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت فقالت يجزئه ولم تلتفت العلماء إلى قولها. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولك أجر) معناه بسبب حملها وتجنيبها إياه ما يجتنبه المحرم وفعل ما يفعله المحرم والله أعلم. وأما الولي الذي يحرم عن الصبي فالصحيح عند أصحابنا أنه الذي يلي ماله وهو أبوه أو جده أو الوصي أو القيم من جهة القاضي أو القاضي أو الإمام، وأما الأم فلا يصح إحرامها عنه إلا أن تكون وصية أو قيمة من جهة القاضي، وقيل إنه يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم ولاية المال، هذا كله إذا كان صغيراً لا يميز، فإن كان مميزاً أذن له الولي فأحرم، فلو أحرم بغير إذن الولي أو أحرم الولي عنه لم ينعقد على الأصح، وصفة إحرام الولي عن غير المميز أن يقول بقلبه جعلته محرماً والله أعلم.
*2* باب فرض الحج مرة في العمر
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا الرّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرْشِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَيّهَا النّاسُ قَدْ فَرَضَ اللّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجّ فَحُجّوا" فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلّ عَامٍ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ فَسَكَتَ. حَتّىَ قَالَهَا ثَلاَثاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ. لَوَجَبَتْ. وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ". ثُمّ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. فَإِنّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَىَ أَنْبِيَائِهِمْ. فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاث؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه هذا الرجل السائل هو الأقرع بن حابس كذا جاء مبيناً في غير هذه الرواية، واختلف الأصوليون في أن الأمر هل يقتضي التكرار والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني يقتضيه، والثالث يتوقف فيما زاد على مرة على البيان فيريحكم باقتضائه ولا يمنعه، وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف لأنه سأل فقال أكل عام، ولو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأله ولقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا حاجة إلى السؤال بل مطلقه محمول على كذا، وقد يجيب الاَخرون عنه بأنه سأل استظهاراً واحتياطاً. وقوله: "ذروني ما تركتكم) ظاهر في أنه لا يقتضي التكرار، قال الماوردي: ويحتمل أنه إنما اشتمل التكرار عنده من وجه آخر لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرر فاحتمل عنده التكرار من جهة إِلاشتقاق لا من مطلق الأمر، قال: وقد تعلق بما ذكرناه عن أهل اللغة ههنا من قال بإيجاب العمرة، وقال: لما كان قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} يقتضي تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت) ففيه دليل للمذهب الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي وقيل يشترط، وهذا القائل يجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحى إليه ذلك والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم) دليل على أن الأصل عدم الوجوب وأنه لا حكم قبل وزود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نعبث رسولاً}. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) هذا من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك وأمكنه البعض فعل الممكن، وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن، وأشباه هذا غير منحصرة وهي مشهورة في كتب الفقه والمقصود التنبيه على أصل ذلك، وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وأما قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} ففيها مذهبان: أحدهما أنها منسوخة بقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} والثاني وهو الصحيح أو الصواب وبه جزم المحققون أنها ليست منسوخة بل قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} مفسرة لها ومبينة للمراد بها، قالوا: وحق تقاته هو امتثال أمره واجتناب نهيه ولم يأمر سبحانه وتعالى إلا بالمستطاع، قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}. وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) فهو على إطلاقه فإن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة أو شرب الخمر عند الإكراه أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك فهذا ليس منهياً عنه في هذا الحال والله أعلم. وأجمعت الأمة على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بأصل الشرع وقد تجب زيادة بالنذر، وكذا إذا أراد دخول الحرم لحاجة لا تكرر كزيارة وتجارة على مذهب من أوجب الإحرام لذلك بحج أو عمرة، وقد سبقت المسألة في أول كتاب الحج والله أعلم.
*2* باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثاً، إِلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. جَمِيعاً عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: فَوْقَ ثَلاَثٍ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ "ثَلاَثَةَ إِلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ، تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، إِلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ (وَهُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ) عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثاً فَأَعْجَبَنِي. فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَأَقُولُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُشَدّ الرّحَالَ إِلاّ إِلَىَ ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ. مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَىَ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدّهْرِ إِلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، أَوْ زَوْجُهَا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعاً. فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي. نَهَىَ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. وَاقْتَصّ بَاقِي الْحَدِيثِ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثاً، إِلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ".
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ. قَالَ أَبُو غَسّانَ: حَدّثَنَا مُعَاذٌ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تُسَافِرِ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، إِلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ".
وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ "أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ، إِلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ، إِلاّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، إِلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُوءْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَومٍ وَلَيْلَةٍ، إِلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا".
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضّلٍ) حَدّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلاَثاً، إِلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ سَفَراً يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ فَصَاعِداً، إِلاّ وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذَو مَحْرَمٍ مِنْهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: "لاَ يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. وَلاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجّةً. وَإِنّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "انْطَلِقْ فَحُجّ مَعَ أَهْلِكَ".
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ عَمْرٍو بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ) الْمَخْزُومِيّ. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ "لاَ يَخْلُوَنّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم وفي رواية: (فوق ثلاث) وفي رواية: (ثلاثة) وفي رواية: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاَخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم) وفي رواية: "لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها) وفي رواية: "نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين) وفي رواية: "لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها وفي رواية: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاَخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم) وفي رواية: "مسيرة يوم وليلة) وفي رواية: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. هذه روايات مسلم. وفي رواية لأبي داود: (ولا تسافر بريداً) والبريد مسيرة نصف يوم. قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد، قال البيهقي: كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثاً بغير محرم فقال لا. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال لا. وسئل عن سفرها يوماً فقال لا. وكذلك البريد. فأدى كل منهم ما سمعه وما جاء منها مختلفاً عن رواية واحد فسمعه في مواطن فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفراً، فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً والله أعلم. وأجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا استطاعت لعموم قوله تعالى: {ولله على الناس البيت}. وقوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" الحديث، واستطاعتها كاستطاعة الرجل، لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها، فأبو حنيفة يشترطه لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، وحكى ذلك أيضاً عن الحسن البصري والنخعي، وقال عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه: لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها، قال أصحابنا: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات ولا يلزمها الحج عندنا إلا بأحد هذه الأشياء، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها لكن يجوز لها الحج معها هذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة أو امرأة واحدة وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة، والمشهور من نصوص الشافعي وجماهير أصحابه هو الأول، واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة، فقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة، وقد قال القاضي: واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم إلا الهجرة من دار الحرب، فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم، والفرق بينهما أن إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين وتخشى على دينها ونفسها وليس كذلك التأخر عن الحج، فإنهم اختلفوا في الحج هل هو على الفور أم على التراخي؟ قال القاضي عياض: قال الباجي هذا عندي في الشابة، وأما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر كيف شاءت في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم، وهذا الذي قاله الباجي لا يوافق عليه لأن المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة، ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته وخيانته ونحو ذلك والله أعلم. واستدل أصحاب أبي حنيفة برواية ثلاثة أيام لمذهبهم أن قصر الصلاة في السفر لا يجوز إلا في سفر يبلغ ثلاثة أيام وهذا استدلال فاسد، وقد جاءت الأحاديث بروايات مختلفة كما سبق وبينا مقصودها، وأن السفر يطلق على يوم وعلى بريد وعلى دون ذلك، وقد أوضحت الجواب عن شبهتهم إيضاحاً بليغاً في باب صلاة المسافر من شرح المهذب والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا ومعها ذو محرم) فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن جميع المحارم سواء في ذلك، فيجوز لها المسافرة مع محرمها بالنسب كابنها وأخيها وابن أخيها وابن أختها وخالها وعمها، ومع محرمها بالرضاع كأخيها من الرضاع وابن أخيها وابن أختها منه ونحوهم، ومع محرمها من المصاهرة كأبي زوجها وابن زوجها ولا كراهة في شيء من ذلك، وكذا يجوز لكل هؤلاء الخلوة بها والنظر إليها من غير حاجة ولكن لا يحل النظر بشهوة لأحد منهم، هذا مذهب الشافعي والجمهور، ووافق مالك على ذلك كله إلا ابن زوجها فكره سفرها معه لفساد الناس بعد العصر الأول، ولأن كثيراً من الناس لا ينفرون من زوجة الأب نفرتها من محارم النسب، قال: والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله تعالى النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب، وعموم هذا الحديث يرد على مالك والله أعلم. واعلم أن حقيقة المحرم من النساء التي يجوز النظر إليها والخلوة بها والمسافرة بها كل من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فقولنا على التأبيد احتراز من أخت المرأة وعمتها وخالتها ونحوهن، وقولنا بسبب مباح احتراز من أم الموطوءة بشبهة وبنتها فإنهما تحرمان على التأبيد وليستا محرمين لأن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة لأنه ليس بفعل مكلف، وقولنا لحرمتها احتراز من الملاعنة فإنها محرمة على التأبيد بسبب مباح وليست محرماً لأن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظاً والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى) فيه بيان عظيم فضيلة هذه المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولفضل الصلاة فيها، ولو نذر الذهاب إلى المسجد الحرام لزمه قصده لحج أو عمرة، ولو نذره إلى المسجدين الاَخرين فقولان للشافعي أصحهما عند أصحابه يستحب قصدهما ولا يجب والثاني يجب وبه قال كثيرون من العلماء، وأما باقي المساجد سوى الثلاثة فلا يجب قصدها بالنذر ولا ينعقد نذر قصدها، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا محمد بن مسلمة المالكي فقال: إذا نذر قصد مسجد قباء لزمه قصده لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه كل سبت راكباً وماشياً، وقال الليث بن سعد: يلزمه قصد ذلك المسجد أي مسجد كان، وعلى مذهب الجماهير لا ينعقد نذره ولا يلزمه شيء، وقال أحمد: يلزمه كفارة يمين. واختلف العلماء في شد الرحال واعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا هو حرام وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره، والصحيح عند أصحابنا وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره، قالوا: والمراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه الثلاثة خاصة والله أعلم. قوله: (فأعجبنني وآنقنني) قال القاضي: معنى آنقنني أعجبنني وإنما كرر المعنى لاختلاف اللفظ، والعرب تفعل ذلك كثيراً للبيان والتوكيد، قال الله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} والصلاة من الله الرحمة. وقال تعالى: {فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً} والطيب هو الحلال. ومنه قول الحطيئة:
ألا حبذا هند وأرض بها هندوهند أتى من دونها النأى والعبد
والنأي هو البعد).
قوله: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاَخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها" هكذا وقع هذا الحديث في نسخ بلادنا عن سعيد عن أبيه، قال القاضي عياض: وكذا وقع في النسخ عن الجلودي وأبي العلاء والكسائي، وكذا رواه مسلم في الإسناد السابق قبل هذا عن قتيبة عن الليث عن سعيد عن أبيه، وكذا رواه البخاري ومسلم من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه قال: واستدرك الدارقطني عليهما إخراجهما هذا عن ابن ذئب، وعلى مسلم إخراجه إياه عن الليث عن سعيد عن أبيه وقال: الصواب عن سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أبيه، واحتج بأن مالكاً ويحيى بن أبي كثير وسهيلاً قالوا عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يذكروا عن أبيه، قال: والصحيح عن مسلم في حديثه هذا عن يحيى بن يحيى عن مالك عن سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أبيه، وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقي، وكذا رواه معظم رواة الموطأ عن مالك. قال الدارقطني: ورواه الزهراني والقروي عن مالك فقالا عن سعيد عن أبيه هذا كلام القاضي. قلت: وذكر خلف الواسطي في الأطراف أن مسلماً رواه عن يحيى بن يحيى عن مالك عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وكذا رواه أبو داود في كتاب الحج من سننه والترمذي في النكاح عن الحسن بن علي عن بشر بن عمر عن مالك عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود في الحج أيضاً عن القعنبي والعلاء عن مالك عن يوسف ابن موسى عن جرير كلاهما عن سهيل عن سعيد عن أبي هريرة، فحصل اختلاف ظاهر بين الحفاظ في ذكر أبيه، فلعله سمعه من أبيه عن أبي هريرة ثم سمعه من أبي هريرة نفسه، فرواه تارة كذا وتارة كذا، وسماعه من أبي هريرة صحيح معروف والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم" هذا استثناء منقطع لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة، فتقدير الحديث: لا يقعدن رجل مع امرأة إلا ومعها محرم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ومعها ذو محرم" يحتمل أن يريد محرماً لها، ويحتمل أن يريد محرماً لها، ويحتمل أن يريد محرماً لها أوله، وهذا إِلاحتمال الثاني هو الجاري على قواعد الفقهاء، فإنه لا فرق بين أن يكون معها محرم لها كابنها وأخيها وأمها وأختها أو يكون محرماً له كأخته وبنته وعمته وخالته فيجوز القعود معها في هذه الأحوال، ثم إن الحديث مخصوص أيضاً بالزوج، فإنه لو كان معها زوجها كان كالمحرم وأولى بالجواز، وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحي منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم، وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب فإن الصحيح جوازه، وقد أوضحت المسألة في شرح المهذب في باب صفة الأئمة في أوائل كتاب الحج، والمختار أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين، قال أصحابنا: ولا فرق في تحريم الخلوة حيث حرمناها بين الخلوة في صلاة أو غيرها، ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق أو نحو ذلك فيباح له استصحابها بل يلزمه ذلك إذا خاف عليها لو تركها وهذا لا اختلاف فيه، ويدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك والله أعلم. قوله: "فقال رجل يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك" فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة لأنه لما تعارض سفره في الغزو وفي الحج معها رجح الحج معها لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها. قوله: (وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا هشام يعني ابن سليمان المخزومي عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه ولم يذكر: ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) هذا آخر الفوات الذي لم يسمعه أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان من مسلم، وقد سبق بيان أوله عند أحاديث: رحم الله المحلقين والمقصرين، ومن هنا قال أبو إسحاق: حدثنا مسلم بن الحجاج قال: وحدثني هارون بن عبد الله قال: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج أخبرني أبو الزبير الحديث وهو أول الباب الذي ذكره متصلاً بهذا والله أعلم
*2* باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره
*حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قال: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّ عَلِيّاً الأَزْدِيّ أَخْبَرَهُ أَنّ ابْنَ عُمَرَ عَلّمَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَىَ عَلَىَ بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَىَ سَفَرٍ، كَبّرَ ثَلاَثاً، ثُمّ قَالَ: "سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنّا إِلَىَ رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللّهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرّ وَالتّقْوَىَ. وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَىَ. اللّهُمّ هَوّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا. وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ. اللّهُمّ أَنْتَ الصّاحِبُ فِي السّفَرِ. وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ". وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنّ. وَزَادَ فِيهِنّ: "آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبّنَا حَامِدُونَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا سَافَرَ، يَتَعَوّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنِي حَامِد بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. كِلاَهُمَا عَنْ عَاصِمٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَديثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ: فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ. وَفي رِوَايَةِ مُحَمّدِ بْنِ خَازِمٍ قَالَ: يَبْدَأُ بِالأَهْلِ إِذَا رَجَعَ. وَفِي رِوَايَتِهِمَا جَمِيعاً "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ".
قوله: "كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين إلى آخره" معنى مقرنين مطيقين أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا. وفي هذا الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة جمعتها في كتاب الأذكار. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل" الوعثاء بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة وبالمد وهي المشقة والشدة والكآبة بفتح الكاف وبالمد وهي تغير النفس من حزن ونحوه والمنقلب بفتح اللام المرجع.
قوله: (والحور بعد الكون) هكذا هو في معظم النسخ من صحيح مسلم بعد الكون بالنون، بل لا يكاد يوجد في نسخ بلادنا إلا بالنون، وكذا ضبطه الحفاظ المتقنون في صحيح مسلم، قال القاضي: وهكذا رواه الفارسي وغيره من رواة صحيح مسلم، قال: ورواه العذري بعد الكور بالراء قال: والمعروف في رواية عاصم الذي رواه مسلم عنه بالنون قال القاضي قال إبراهيم الحربي يقال إن عاصماً وهم فيه وأن صوابه الكور بالراء. قلت: وليس كما قال الحربي بل كلاهما روايتان، وممن ذكر الروايتين جميعاً الترمذي في جامعه وخلائق من المحدثين، وذكرهما أبو عبيد وخلائق من أهل اللغة وغريب الحديث، قال الترمذي بعد أن رواه بالنون: ويروي بالراء أيضاً ثم قال: وكلاهما له وجه، قال: ويقال هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية، ومعناه الرجوع من شيء إلى شيء من الشر، هذا كلام الترمذي، وكذا قال غيره من العلماء، معناه بالراء والنون جميعاً الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص، قالوا: ورواية الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها، ورواية النون مأخوذة من الكون مصدر كان يكون كوناً إذا وجد واستقر، قال المازري في رواية الراء قيل أيضاً إن معناه أعوذ بك من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا فيها، يقال كار عمامته إذا لفها وحارها إذا نقضها، وقيل نعوذ بك من أن تفسد أمورنا بعد صلاحها كفساد العمامة بعد استقامتها على الرأس، وعلى رواية النون قال أبو عبيد: سئل عاصم عن معناه فقال: ألم تسمع قولهم حار بعد ما كان أي أنه كان على حالة جميلة فرجع عنها والله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ودعوة المظلوم" أي أعوذ بك من الظلم فإنه يترتب عليه دعاء المظلوم ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ففيه التحذير من الظلم ومن التعرض لأسبابه
*2* باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدُ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا قَفَلَ مِنْ الْجُيُوشِ أَوِ السّرَايَا أَوِ الْحَجّ أَوِ الْعُمْرَةِ، إِذَا أَوْفَىَ عَلَىَ ثَنِيّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ، كَبّرَ ثَلاَثاً. ثُمّ قَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ. لِرَبّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللّهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ. كلهم عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. إِلاّ حَدِيثَ أَيّوبَ. فَإِنّ فِيهِ التّكْبِيرَ مَرّتَيْنِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَقْبَلْنَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ، وَصَفِيّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَىَ نَاقَتِهِ. حَتّىَ إِذَا كُنّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ" فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتّىَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ.
وحدّثنا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
قوله: "قفل من الجيوش" أي رجع من الغزو. وقوله: "إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر" معنى أو في ارتفع وعلا، والفدفد بفائين مفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة وهو الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع، وقيل هو الفلاة التي لا شيء فيها، وقيل غليظ الأرض ذات الحصى، وقيل الجلد من الأرض في ارتفاع وجمعه فدافد. قوله صلى الله عليه وسلم: (آيبون) أي راجعون. قوله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" أي صدق وعده في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين، وغير ذلك من وعده سبحانه {إن الله لا يخلف الميعاد} و{هزم الأحزاب وحده} أي من غير قتال ممن الاَدميين، والمراد الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وبهذا يرتبط قوله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله تكذيباً لقول المنافقين والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً" هذا هو المشهور أن المراد أحزاب يوم الخندق، قال القاضي وقيل: يحتمل أن المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن والله أعلم
*2* باب التعريس بذي الحليفة، والصلاة بها إذا صدر من الحج أو العمرة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ. فَصَلّىَ بِهَا. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ الْمِصْرِيّ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ (وَاللّفْظُ لَهُ) قال: حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُنِيخُ بِالْبَطْحَاءِ الّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ. الّتِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنِيخُ بِهَا وَيُصَلّي بِهَا.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيّبِيّ. حَدّثَنِي أَنَسٌ (يَعْنِي أَبَا ضَمْرَةَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ، إِذَا صَدَرَ مِنَ الْحَجّ أَوِ الْعُمْرَةِ، أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ. الّتِي كَانَ يُنِيخُ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَىَ (وَهُوَ ابْنُ عُقْبَةَ)، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ فِي مَعَرّسِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَكّارِ بْنِ الرّيّانِ وَ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ (وَاللّفْظُ لِسُرَيْجٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ، وَهُوَ فِي مُعَرّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي. فَقِيلَ: إِنّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ.
قَالَ مُوسَىَ: وَقَدْ أَنَاخَ سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ مِنَ الْمَسْجِدِ الّذِي كَانَ عَبْدُ اللّهِ يُنِيخُ بِهِ. يَتَحَرّىَ مُعَرّسَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي. بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. وَسَطاً مِنْ ذَلِكَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى وكان ابن عمر يفعل ذلك".
وفي الرواية الأخرى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي في معرسه بذي الحليفة فقيل له إنك ببطحاء مباركة". قال القاضي: المعرس موضع النزول، قال أبو زيد: عرس القوم في المنزل إذا نزلوا به أي وقت كان من ليل أو نهار. وقال الخليل والأصمعي: التعريس النزول في آخر الليل. قال القاضي: والنزول بالبطحاء بذي الحليفة في رجوع الحاج ليس من مناسك الحج، وإنما فعله من فعله من أهل المدينة تبركاً بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها بطحاء مباركة، قال: واستحب مالك النزول والصلاة فيه وأن لا يجاوز حتى يصلي فيه، وإن كان في غير وقت صلاة مكث حتى يدخل وقت الصلاة فيصلي، قال: وقيل إنما نزل به صلى الله عليه وسلم في رجوعه حتى يصبح لئلا يفجأ الناس أهاليهم ليلاً كما نهى عنه صريحاً في الأحاديث المشهورة والله أعلم
*2* باب لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وبيان يوم الحج الأكبر
*حدّثني هَرُون بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح. وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونسُ أَنّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ فِي الْحَجّةِ الّتِي أَمّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَبْلَ حَجّةِ الْوَدَاعِ. فِي رَهْطٍ، يُؤَذّنُونَ فِي النّاسِ يَوْمَ النّحْرِ: لاَ يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ يَقُولُ: يَوْمُ النّحْرِ يَوْمُ الْحَجّ الأَكْبَرِ. مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" قال ابن شهاب: وكان حميد بن عبد الرحمن يقول يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة رضي الله عنه. معنى قول حميد بن عبد الرحمن إن الله تعالى قال: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} ففعل أبو بكر وعلي وأبو هريرة وغيرهم من الصحابة هذا الأذان يوم النحر بإذن النبي صلى الله عليه وسلم في أصل الأذان، والظاهر أنه عين لهم يوم النحر فتعين أنه يوم الحج الأكبر ولأن معظم المناسك فيه، وقد اختلف العلماء في المراد بيوم الحج الأكبر فقيل يوم عرفة، وقال مالك والشافعي والجمهور: هو يوم النحر، ونقل القاضي عياض عن الشافعي أنه يوم عرفة، وهذا خلاف المعروف من مذهب الشافعي، قال العلماء: وقيل الحج الأكبر للاحتراز من الحج الأصغر وهو العمرة، واحتج من قال هو يوم عرفة بالحديث المشهور: "الحج عرفة" والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحج بعد العام مشرك" موافق لقول الله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} والمراد بالمسجد الحرام ههنا الحرم كله، فلا يمكن مشرك من دخول الحرم بحال حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكن من الدخول بل يخرج إليه من يقضي الأمر المتعلق به ولو دخل خفية ومرض ومات ن وأخرج من الحرم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يطوف بالبيت عريان" هذا إبطال لما كانت الجاهلية عليه من الطواف بالبيت عراة، واستدل به أصحابنا وغيرهم على أن الطواف يشترط له ستر العورة والله أعلم
*2* باب فضل يوم عرفة
*حدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللّهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَإِنّهُ لَيَدْنُو ثُمّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ. فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء" هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة وهو كذلك، ولو قال رجل: امرأتي طالق في أفضل الأيام فلأصحابنا وجهان: أحدهما تطلق يوم الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" كما سبق في صحيح مسلم، وأصحهما يوم عرفة للحديث المذكور في هذا الباب، ويتأول حديث يوم الجمعة على أنه أفضل أيام الأسبوع، قال القاضي عياض: قال المازري معنى يدنو في هذا الحديث أي تدنو رحمته وكرامته لا دنو مسافة ومماسة، قال القاضي: يتأول فيه ما سبق في حديث النزول إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث الاَخر من غيظ الشيطان يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة، قال القاضي: وقد يريد دنو الملائكة إلى الأرض أو إلى السماء بما ينزل معهم من الرحمة ومباهاة الملائكة بهم عن أمره سبحانه وتعالى، قال: وقد وقع الحديث في صحيح مسلم مختصراً، وذكره عبد الرزاق في مسنده من رواية ابن عمر قال: "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة يقول هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني" وذكر باقي الحديث
*2* باب فضل الحج والعمرة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سُمَيَ مَوْلَىَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السّمّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا. وَالْحَجّ الْمَبْرُورُ، لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاّ الْجَنّةُ".
وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ سَهَيْلٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. كُلّ هَولاَءِ عَنْ سُمَيَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قال يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرِيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَىَ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمّهُ".
وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَ أَبِي الأَحْوَصِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ وَ سُفْيَانَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. كُلّ هَولاَءِ عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعاً "مَنْ حَجّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيّارٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما" هذا ظاهر في فضيلة العمرة وأنها مكفرة للخطايا الواقعة بين العمرتين، وسبق في كتاب الطهارة بيان هذه الخطايا وبيان الجمع بين هذا الحديث وأحاديث تكفير الوضوء للخطايا وتكفير الصلوات وصوم عرفة وعاشوراء، واحتج بعضهم في نصرة مذهب الشافعي والجمهور في استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مراراً، وقال مالك وأكثر أصحابه: يكره أن يعتمر في السنة أكثر من عمرة، قال القاضي وقال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة، واعلم أن جميع السّنة وقت للعمرة فتصح في كل وقت منها إلا في حق من هو متلبس بالحج فلا يصح اعتماره حتى يفرغ من الحج، ولا تكره عندنا لغير الحاج في يوم عرفة والأضحى والتشريق وسائر السنة، وبهذا قال مالك وأحمد وجماهير العلماء. وقال أبو حنيفة تكره في خمسة أيام: يوم عرفة والنحر وأيام التشريق. وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام وهي عرفة والتشريق، واختلف العلماء في وجوب العمرة فمذهب الشافعي والجمهور أنها واجبة، وممن قال به عمر وابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء وابن المسيب وسعيد بن جبير والحسن البصري ومسروق وابن سيرين والشعبي وأبو بردة ابن أبي موسى وعبد الله بن شداد والثوري وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود، وقال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور هي سنة وليست واجبة، وحكي أيضاً عن النخعي. قوله صلى الله عليه وسلم: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" الأصح الأشهر أن المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة، وقيل هو المقبول، ومن علامة القبول أن يرجع خيراً مما كان ولا يعاود المعاصي، وقيل هو الذي لا رياء فيه، وقيل الذي لا يعقبه معصية وهما داخلان فيما قبلهما، ومعنى ليس له جزاء إلا الجنة أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفيره بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه" قال القاضي: هذا من قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق} والرفث اسم للفحش من القول وقيل هو الجماع وهذا قول الجمهور في الاَية، قال الله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} يقال رفث ورفث بفتح الفاء وكسرها يرفث ويرفث ويرفث بضم الفاء وكسرها وفتحها، ويقال أيضاً أرفث بالألف، وقيل الرفث التصريح بذكر الجماع، قال الأزهري: هي كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عباس يخصصه بما خوطب به النساء، قال: ومعنى كيوم ولدته أمه أي بغير ذنب، وأما الفسوق فالمعصية والله أعلم
*2* باب النزول بمكة للحاج، وتوريث دورها
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ عَلِيّ بْنَ حُسَيْنٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ أَخْبَرَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَنّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكّةَ؟ فَقَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ".
وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ. وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِيّ شَيْئاً. لأَنّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ. وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرّازِيّ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَداً؟ وَذَلِكَ فِي حَجّتِهِ، حِينَ دَنَوْنَا مِنْ مَكّةَ. فَقَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً؟".
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَ زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَداً، إِنْ شَاءَ اللّهُ؟ وَذَلِكَ زَمَنَ الْفَتْحِ قَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ؟".
قوله: "يا رسول الله أتنزل في دارك بمكة؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟" وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علي شيئاً لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين، قال القاضي عياض: لعله أضاف الدار إليه صلى الله عليه وسلم لسكناه إياها مع أن أصلها كان لأبي طالب لأنه الذي كفله ولأنه أكبر ولد عبد المطلب فاحتوى على أملاك عبد المطلب وحازها وحده لسنه على عادة الجاهلية، قال: ويحتمل أن يكون عقيل باع جميعها وأخرجها عن أملاكهم كما فعل أبو سفيان وغيره بدور من هاجر من المؤمنين، قال الداودي: فباع عقيل جميع ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن هاجر من بين عبد المطلب. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل من دار" فيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن مكة فتحت صلحاً وأن دورها مملوكة لأهلها لها حكم سائر البلدان في ذلك فتورث عنهم، ويجوز لهم بيعها ورهنها وإجارتها وهبتها والوصية بها وسائر التصرفات. وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وآخرون: فتحت عنوة ولا يجوز شيء من هذه التصرفات وفيه أن المسلم لا يرث الكافر، وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن إسحاق بن راهويه وبعض السلف أن المسلم يرث الكافر وأجمعوا أن الكافر لا يرث المسلم، وستأتي المسألة في موضعها مبسوطة إن شاء الله تعالى والله أعلم
*2* باب جواز الإِقامة بمكة، للمهاجر منها بعد فراغ الحج والعمرة، ثلاثة أيام بلا زيادة
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الإِقَامَةِ بِمَكّةَ شَيْئاً؟ فَقَالَ السّائِبُ: سَمِعْتُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لِلْمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلاثٍ، بَعْدَ الصّدَرِ، بِمَكّةَ" كَأَنّهُ يَقُولُ لاَ يَزِيدُ عَلَيْهَا.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: مَا سَمِعْتُمْ فِي سُكْنَىَ مَكّةَ؟ فَقَالَ السّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: سَمِعْتُ الْعَلاَءَ (أَوْ قَالَ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ) قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُقيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكّةَ، بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ، ثَلاَثاً".
وحدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السّائِبَ بْنَ يَزِيدَ. فَقَالَ السَائِبُ: سَمِعْتُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ. يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "ثَلاَثُ لَيَالٍ يَمْكُثُهُنّ الْمُهَاجِرُ بِمَكّةَ، بَعْدَ الصّدَرِ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. وَأَمْلاَهُ عَلَيْنَا إِمْلاَءً. أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ سَعْدٍ أَنّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنّ السّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنّ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ أَخْبَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَكْثُ الْمُهَاجِرِ بِمَكّةَ، بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ، ثَلاَثاً".
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا الضّحّاك بْنُ مَخْلَدٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً" وفي الرواية الأخرى: "مكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً" وفي رواية للمهاجر: "إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة" كأنه يقول لا يزيد عليها. معنى الحديث أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عليهم استيطان مكة والإقامة بها، ثم أبيح لهم إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا بعد فراغهم ثلاثة أيام ولا يزيدوا على الثلاثة، واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أن إقامة ثلاثة ليس لها حكم الإقامة بل صاحبها في حكم المسافر، قالوا: فإذا نوى المسافر الإقامة في بلد ثلاثة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج جاز له الترخص برخص السفر من القصر والفطر وغيرهما من رخصة ولا يصير له حكم المقيم، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثة" أي بعد رجوعه من منى كما قال في الرواية الأخرى: (بعد الصدر) أي الصدر من منى وهذا كله قبل طواف الوداع، وفي هذا دلالة لأصح الوجهين عند أصحابنا أن طواف الوداع ليس من مناسك الحج بل هو عبادة مستقلة أمر بها من أراد الخروج من مكة لا أنه نسك من مناسك الحج ولهذا لا يؤمر به المكي ومن يقيم بها، وموضع الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم بعد قضاء نسكه. والمراد قبل طواف الوداع كما ذكرنا، فإن طواف الوداع لا إقامة بعده، ومن أقام بعده خرج عن كونه طواف وداع فسماه قبله قاضياً لمناسكه والله أعلم. قال القاضي عياض رحمه الله: في هذا الحديث حجة لمن منع المهاجر قبل الفتح من المقام بمكة بعد الفتح، قال: وهو قول الجمهور، وأجاز لهم جماعة بعد الفتح مع إِلاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساتهم له بأنفسهم، وأما غير المهاجر ومن آمن بعد ذلك فيجوز له سكنى أي بلد أراد سواء مكة وغيرها بالاتفاق، هذا كله القاضي. قوله صلى الله عليه وسلم: "مكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً" هكذا هو في أكثر النسخ ثلاثاً وفي بعضها ثلاث، ووجه المنصوب أن يقدر فيه محذوف أي مكثه المباح أن يمكث ثلاثاً والله أعلم
*2* باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكّةَ "لاَ هِجْرَةَ. وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ. وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". وَقَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكّةَ "إِنّ هَذَا الْبَلَدَ حَرّمهُ اللّهُ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللّهِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنّهُ لَمْ يَحِلّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي. وَلَمْ يَحِلّ لِي إِلاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللّهِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ. وَلاَ يُنَفّرُ صَيْدُهُ. وَلاَ يَلْتَقِطُ إِلاّ مَنْ عَرّفَهَا. وَلاَ يُخْتَلَىَ خَلاَهَا" فَقَالَ الْعَبّاسُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِلاّ الإِذْخِرَ. فَإِنّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ: "إِلاّ الإِذْخِرَ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا مُفَضّلٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي هَذَا الاْسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" وقَالَ: "الْقَتْلَ" بَدَلَ الْقِتَالِ وَقَالَ: "لاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاّ مَنْ عَرّفَهَا".
حدّثنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيّ أَنّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَىَ مَكّةَ: ائذَنْ لِي. أَيّهَا الأَمِيرُ أُحَدّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ. سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ. وَوَعَاهُ قَلْبِي. وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلّمَ بِهِ. أَنّهُ حَمِدَ اللّهِ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "إِنّ مَكّةَ حَرّمَهَا اللّهَ وَلَمْ يُحَرّمْهَا النّاسُ. فَلاَ يَحِلّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً. فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنّ اللّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنّما أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ. وَلْيُبَلّغِ الشّاهِدُ الْغَائِبَ" فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ. يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنّ الْحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِياً وَلاَ فَارّاً بِدَمٍ وَلاَ فَارّاً بِخَرْبَةٍ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعاً عَنِ الْوَلِيدِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ. حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ (هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ). حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمّا فَتَحَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَكّةَ. قَامَ فِي النّاسِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "إِنّ اللّهَ حَبَسَ عَنْ مَكّةَ الْفِيلَ. وَسَلّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَإِنّهَا لَنْ تَحِلّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي. وَإِنّهَا أُحِلّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَإِنّهَا لَنْ تَحِلّ لأَحَدٍ بَعْدِي. فَلاَ يُنَفّرُ صَيْدُهَا. وَلاَ يُخْتَلَىَ شَوْكُهَا. وَلاَ تَحِلّ سَاقِطَتُهَا إِلاّ لِمُنْشِدٍ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النّظَرَيْنِ. إِمّا أَنْ يُفْدَىَ وَإِمّا أَنْ يُقْتَلَ" فَقَالَ الْعَبّاسُ: إِلاّ الإِذْخِرَ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِلاّ الإِذْخِرَ" فَقَامَ أَبُو شَاهٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي. يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ".
قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيّ: مَا قوله: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةَ الّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ. عَامَ فَتْحِ مَكّةَ. بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَالَ: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ حَبَسَ عَنْ مَكّةَ الْفِيلَ. وَسَلّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ. أَلاَ وَإِنّهَا لَمْ تَحِلّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلَنْ تَحِلّ لأَحَدٍ بَعْدِي. أَلا وَإِنّهَا أُحِلّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النّهَارِ. أَلاَ وَإِنّهَا، سَاعَتِي هَذِهِ، حَرَامٌ. لاَ يُخْبَطُ شَوْكُهَا. وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا. وَلاَ يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلاّ منْشِدٌ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النّظَرَيْنِ. إِمّا أَنْ يُعْطَىَ (يَعْنِي الدّيَةَ)، وَإِمّا أَنْ يُقَادَ (أَهْلُ الْقَتِيلِ)" قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ. فَقَالَ: اكْتُبْ لِي: يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلاّ الإِذْخِرَ. فَإِنّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِلاّ الإِذْخِرَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يوم الفتح فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية" قال العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وفي تأويل هذا الحديث قولان: أحدهما لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار إسلام وإنما تكون الهجرة من دار الحرب وهذا يتضمن معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تبقى دار الإسلام لا يتصور منها الهجرة. والثاني معناه لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضلها قبل الفتح كما قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الاَية. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن جهاد ونية" فمعناه ولكن لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استنفرتم فانفروا" معناه إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا، وسيأتي بسط أحكام الجهاد وبيان الواجب منه في بابه إن شاء الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض" وفي الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا أن إبراهيم حرم مكة فظاهرها إِلاختلاف، وفي المسألة خلاف مشهور ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية وغيره من العلماء في وقت تحريم مكة فقيل: إنها ما زالت محرمة من يوم خلق الله السموات والأرض، وقيل: ما زالت حلالاً كغيرها إلى زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم ثبت لها التحريم من زمن إبراهيم، وهذا القول يوافق الحديث الثاني، والقول الأول يوافق الحديث الأول وبه قال الأكثرون، وأجابوا عن الحديث الثاني بأن تحريمها كان ثابتاً من يوم خلق الله السموات والأرض ثم خفي تحريمها واستمر خفاؤه إلى زمن إبراهيم فأظهره وأشاعه لا أنه ابتدأه، ومن قال بالقول الثاني أجاب عن الحديث الأول بأنه معناه أن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق الله تعالى السموات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة" وفي رواية: القتل بدل القتال، وفي الرواية الأخرى: "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الاَخر أن يسفك بها دماً ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب". هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم القتال بمكة، قال الإمام أبو الحسن الماوردي البصري صاحب الحاوي من أصحابنا في كتابه الأحكام السلطانية من خصائص الحرم أن لا يحارب أهله فإن بغوا على أهل العدل فقد قال بعض الفقهاء يحرم قتالهم بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل، قال وقال جمهور الفقهاء: يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال، لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا يجوز إضاعتها فحفظها أولى في الحرم من إضاعتها، هذا كلام الماوردي، وهذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء هو الصواب، وقد نص عليه الشافعي في كتاب اختلاف الحديث من كتب الإمام، ونص عليه الشافعي أيضاً في آخر كتابه المسمى بسير الواقدي من كتب الأم. وقال القفال المروزي من أصحابنا في كتابه شرح التلخيص في أول كتاب النكاح في ذكر الخصائص: لا يجوز القتال بمكة، قال: حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها، وهذا الذي قاله القفال غلط نهبت عليه حتى لا يغتر به. وأما الجواب عن الأحاديث المذكورة هنا فهو ما أجاب به الشافعي في كتاب سير الواقدي أن معناها تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد آخر فإنه يجوز قتالهم على كل وجه وبكل شيء والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يعضد شوكه.
ولا يختلى خلاها" وفي رواية: "لا تعضد بها شجرة" وفي رواية: "لا يختلى شوكها" وفي رواية: "لا يخبط شوكها" قال أهل اللغة: العضد القطع، والخلا بفتح الخاء المعجمة مقصور هو الرطب من الكلأ، قالوا: الخلا والعشب اسم للرطب منه والحشي، والهشيم اسم لليابس منه، والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس، وعد ابن مكي وغيره من لحن العوام إطلاقهم اسم الحشي على الرطب بل هو مختص باليابس، ومعنى يختلى يؤخذ ويقطع، ومعنى يخبط يضرب بالعصا ونحوها ليسقط ورقه، واتفق العلماء على تحريم قطع أشجارها التي لا يستنبتها الاَدميون في العادة وعلى تحريم قطع خلاها، واختلفوا فيما ينبته الاَدميون، واختلفوا في ضمان الشجر إذا قطعه فقال مالك: يأثم ولا فدية عليه، وقال الشافعي وأبو حنيفة: عليه الفدية واختلفا فيها فقال الشافعي في الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة، وكذا جاء عن ابن عباس وابن الزبير وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: الواجب في الجميع القيمة، قال الشافعي: ويضمن الخلا بالقيمة، ويجوز عند الشافعي ومن وافقه رعي البهائم في كلأ الحرم، وقال أبو حنيفة وأحمد ومحمد: لا يجوز. وأما صيد الحرم فحرام بالإجماع على الحلال والمحرم، فإن قتله فعليه الجزاء عند العلماء كافة إلا داود فقال يأثم ولا جزاء عليه، ولو دخل صيد من الحل إلى الحرم فله ذبحه وأكله وسائر أنواع التصرف فيه، هذا مذهبنا ومذهب مالك وداود، وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز ذبحه ولا التصرف فيه بل يلزمه إرساله، قالا: فإن أدخله مذبوحاً جاز أكله وقاسوه على المحرم، واحتج أصحابنا والجمهور بحديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير" وبالقياس على ما إذا دخل من الحل شجرة أو كلأ ولأنه ليس بصيد حرم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يعضد شوكه" فيه دلالة لمن يقول بتحريم جميع نبات الحرم من الشجر والكلأ سواء الشوك المؤذي وغيره وهو الذي اختاره المتولي من أصحابنا، وقال جمهور أصحابنا: لا يحرم الشوك لأنه مؤذ فأشبه الفواسق الخمس ويخصون الحديث بالقياس والصحيح ما اختاره المتوالي والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإنه لم يحل القتال فيه لأحد من قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار" هذا مما يحتج به من يقول أن مكة فتحت عنوة وهو مذهب أبي حنيفة وكثيرين أو الأكثرين، وقال الشافعي وغيره: فتحت صلحاً، وتأولوا هذا الحديث، على أن القتال كان جائزاً له صلى الله عليه وسلم في مكة ولو احتاج إليه لفعله ولكن ما احتاج إليه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا ينفر صيد" تصريح بتحريم التنفير وهو الإزعاج وتنحيته من موضعه، فإن نفره عصى سواء تلف أم لا، لكن إن تلف في نفاره قبل سكون نفاره ضمنه المنفر وإلا فلا ضمان، قال العلماء: ونبه صلى الله عليه وسلم بالتنفير على الإتلاف ونحوه لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها" وفي رواية: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد". المنشد هو المعرف، وأما طالبها فيقال له ناشد، وأصل النشد والإنشاد رفع الصوت، ومعنى الحديث: لا تحل لقطتها لمن يريد أن يعرفها سنة ثم يتملكها كما في باقي البلاد، بل لا تحل إلا لمن يعرفها أبداً ولا يتملكها، وبهذا قال الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم، وقال مالك: يجوز تملكها بعد تعرفها سنة كما في سائر البلاد، وبه قال بعض أصحاب الشافعي ويتأولون الحديث تأويلات ضعيفة، واللقطة بفتح القاف على اللغة المشهورة وقيل بإسكانها هي الملقوط. قوله: (إلا الإذخر) هو نبت معروف طيب الرائحة وهو بكسر الهمزة والخاء. قوله: "فإنه لقينهم وبيوتهم" وفي رواية: "نجعله في قبورنا وبيوتنا". قينهم بفتح القاف هو الحداد والصائغ ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار، ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات، ويحتاج إليه في سقوف البيوت يجعل فوق الخشب. قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذخر" هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم أوحى إليه في الحال باستثناء الإذخر وتخصيصه من العموم، أو أوحى إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء فاستثنه أو أنه اجتهد في الجميع والله أعلم.
قوله: (عن أبي شريح العدوي) هكذا ثبت في الصحيحين العدوي في هذا الحديث، ويقال له أيضاً الكعبي والخزاعي، قيل اسمه خويلد بن عمرو، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل عبد الرحمن بن عمرو، وقيل هانئ بن عمرو، أسلم قبل فتح مكة وتوفي بالمدينة سنة ثمان وستين. قوله: (وهو يبعث البعوث إلى مكة) يعني لقتال ابن الزبير. قوله: (سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي) أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس" معناه أن تحريمها بوحي الله تعالى لا أنها اصطلح الناس على تحريمها بغير أمر الله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الاَخر أن يسفك بها دماً ولا يعضد بها شجرة" هذا قد يحتج به من يقول الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الإسلام، والصحيح عندنا وعند آخرين أنهم مخاطبون بها كما هم مخاطبون بأصوله، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الاَخر" لأن المؤمن هو الذي ينقاد لأحكامنا وينزجر عن محرمات شرعنا ويستثمر أحكامه فجعل الكلام فيه، وليس فيه أن غير المؤمن ليس مخاطباً بالفروع. قوله: "يسفك" بكسر الفاء على المشهور وحكى ضمها أي يسيله. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره" فيه دلالة لمن يقول فتحت مكة عنوة، وقد سبق في هذا الباب بيان الخلاف فيه وتأويل الحديث عند من يقول فتحت صلحاً أن معناه دخلها متأهباً للقتال لو احتاج إليه فهو دليل الجواز له تلك الساعة. قوله صلى الله عليه وسلم: "وليبلغ الشاهد الغائب" هذا اللفظ قد جاءت به أحاديث كثيرة وفيه التصريح بوجوب نقل العلم وإشاعة السنن والأحكام. قوله: (لا يعيذ عاصياً) أي لا يعصمه. قوله: "ولا فاراً بخربة" هي بتفح الخاء المعجمة وإسكان الراء هذا هو المشهور، ويقال بضم الخاء أيضاً حكاها القاضي وصاحب المطالع وآخرون وأصلها سرقة الإبل وتطلق على كل خيانة. وفي صحيح البخاري إنها البلية، وقال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب وهو اللص المفسد في الأرض، وقيل هي العيب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدى وإما أن يقتل" معناه ولي المقتول بالخيار إن شاء قتل القاتل وإن شاء أخذ فداءه وهي الدية، وهذا تصريح بالحجة للشافعي وموافقيه أن الولي بالخيار بين أخذ الدية وبين القتل، وأن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء ولي القتيل، وبه قال سعيد بن المسيب وابن سيرين وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال مالك: ليس للولي إلا القتل أو العفو، وليس له الدية إلا برضى الجاني، وهذا خلاف نص هذا الحديث، وفيه أيضاً دلالة لمن يقول القاتل عمداً يجب عليه أحد الأمرين القصاص أو الدية وهو أحد القولين للشافعي، والثاني أن الواجب القصاص لا غير وإنما تجب الدية بإِلاختيار، وتظهر فائدة الخلاف في صور منها لو عفا الولي عن القصاص إن قلنا الواجب أحد الأمرين سقط القصاص ووجبت الدية، وان قلنا الواجب القصاص بعينه لم يجب قصاص ولا دية، وهذا الحديث محمول على القتل عمداً فإنه لا يجب القصاص في غير العمد. قوله: (فقام أبو شاه) هو بهاء تكون هاء في الوقف والدرج ولا يقال بالتاء، قالوا: ورلا يعرف اسم أبي شاه هذا وإنما يعرف بكنيته. قوله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" هذا تصريح بجوار كتابة العلم غير القرآن، ومثله حديث علي رضي الله عنه ما عنده إلا ما في هذه الصحيفة، ومثله حديث أبي هريرة كان عبد الله بن عمر يكتب ولا أكتب، وجاءت أحاديث بالنهي عن كتاب غير القرآن، فمن السلف من منع كتابة العلم وقال جمهور السلف بجوازه، ثم أجمعت الأمة بعدهم على استحبابه، وأجابوا عن أحاديث النهي بجوابين: أحدهما أنها منسوخة وكان النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد فنهى عن كتابة غيره خوفاً من اختلاطه واشتباهه فلما اشتهر وأمنت تلك المفسدة أذن فيه. والثاني أن النهي نهي تنزيه لمن وثق بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة والإذن لمن لم يوثق بحفظه والله أعلم
*2* باب النهي عن حمل السلاح بمكة، بلا حاجة
*حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَحِلّ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ السّلاَحَ بِمَكّةَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة" هذا النهي إذا لم تكن حاجة فإن كانت جاز هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، قال القاضي عياض: هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة فإن كانت جاز، قال القاضي: وهذا مذهب مالك والشافعي وعطاء قال: وكرهه الحسن البصري تمسكاً بظاهر هذا الحديث، وحجة الجمهور دخول النبي صلى الله عليه وسلم عام عمرة القضاء بما شرطه من السلاح في القراب، ودخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح متأهباً للقتال قال: وشذ عكرمة عن الجماعة فقال: إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية، ولعله أراد إذا كان محرماً ولبس المغفر والدرع ونحوهما فلا يكون مخالفاً للجماعة والله أعلم
*2* باب جواز دخول مكة بغير إحرام
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ وَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (أَمّا الْقَعْنَبِيّ فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَأَمّا قُتَيْبَةُ فَقَالَ: حَدّثَنَا مَالِكٌ) وَقَالَ يَحْيَىَ: (وَاللّفْظُ لَهُ) قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَحَدّثَكَ ابْنُ شِهَابَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَىَ رَأْسِهِ مِغْفَرٌ. فَلَمّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ"؟ فَقَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيميّ وَ قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ الثّقَفِيّ. (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمّارٍ الدّهْنِيّ) عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ (وَقَالَ قُتَيْبَةُ: دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ) وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.
وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ.
حدّثنا عَلِيّ بْنُ حَكِيمٍ الأَوْدِيّ. أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَمّارٍ الدّهْنِيّ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ إِسْحَقُ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُسَاوِرٍ الوَرّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيّ. قالا: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرّاقِ. قَال: حَدّثَنِي(وَفِي رِوَايَةِ الْحُلْوَانِيّ قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَىَ الْمِنْبَرِ. وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَىَ طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَلَمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى الْمِنْبَرِ.
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر" وفي رواية: "وعليه عمامة سوداء بغير إحرام" وفي رواية: "خطب الناس وعليه عمامة سوداء" قال القاضي: وجه الجمع بينهما أن أول دخوله كان على رأسه المغفر، ثم بعد ذلك كان على رأسه العمامة بعد إزالة المغفر بدليل قوله: خطب الناس وعليه عمامة سوداء، لأن الخطبة إنما كانت عند باب الكعبة بعد تمام فتح مكة. وقوله: دخل مكة بغير إحرام هذا دليل لمن يقول بجواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد نسكاً سواء كان دخوله لحاجة تكرر كالحطاب والحشاش والسقاء والصياد وغيرهم أم لم تتكرر كالتاجر والزائر وغيرهما سواء كان آمناً أو خائفاً، وهذا أصح القولين للشافعي وبه يفتي أصحابه. والقول الثاني: لا يجوز دخولها بغير إحرام إن كانت حاجته لا تكرر إلا أن يكون مقاتلاً أو خائفاً من قتال أو خائفاً من ظالم لو ظهر، ونقل القاضي نحو هذا عن أكثر العلماء. قوله: "جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه" قال العلماء: إنما قتله لأنه كان قد ارتد عن الإسلام وقتل مسلماً كان يخدمه، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فإن قيل: ففي الحديث الاَخر من دخل المسجد فهو آمن فكيف قتله وهو متعلق بالأستار؟ فالجواب أنه لم يدخل في الأمان بل استثناه هو وابن أبي سرح والقينتين وأمر بقتله وإن وجد متعلقاً بأستار الكعبة كما جاء مصرحاً به في أحاديث أخر، وقيل: لأنه ممن لم يف بالشرط بل قاتل بعد ذلك، وفي هذا الحديث حجة لمالك والشافعي وموافقيهما في جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة، وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأولوا هذا الحديث على أنه قتله في الساعة التي أبيحت له، وأجاب أصحابنا بأنها إنما أبيحت ساعة الدخول حتى استولى عليها وأذعن له أهلها، وإنما قتل ابن خطل بعد ذلك والله أعلم، واسم ابن خطل عبد العزى، وقال محمد بن إسحاق: اسمه عبد الله، وقال الكلبي: اسمه غالب بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم ابن غالب، وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين، قال أهل السير: وقيل سعد بن حريث والله أعلم. قوله: "قرأت على مالك بن أنس" وفي رواية: قلت لمالك حدثك ابن شهاب عن أنس، ثم قال في آخر الحديث فقال نعم يعني فقال مالك نعم ومعناه أحدثك ابن شهاب عن أنس بكذا؟ فقال مالك: نعم حدثني به، وقد جاء في الصحيحين في مواضع كثيرة مثل هذه العبارة ولا يقول في آخره قال نعم، واختلف العلماء في اشتراط قوله نعم في آخر مثل هذه الصورة وهي إذا قرأ على الشيخ قائلاً أخبرك فلان أو نحوه والشيخ مصغ له فاهم لما يقرأ غير منكر، فقال بعض الشافعيين وبعض أهل الظاهر: لا يصح السماع إلا بها فإن لم ينطق بها لم يصح السماع. وقال جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول: يستحب قوله نعم ولا يشترط نطقه بشيء بل يصح السماع مع سكوته والحالة هذه اكتفاء بظاهر الحال فإنه لا يجوز لمكلف أن يقر على الخطأ في مثل هذه الحالة، قال القاضي: هذا مذهب العلماء كافة، ومن قال من السلف نعم إنما قاله توكيداً واحتياطاً لا اشتراطاً.
قوله: (معاوية بن عمار الدهني) هو بضم الدال المهملة وإسكان الهاء وبالنون منسوب إلى دهن وهم بطن من بجيلة، وهذا الذي ذكرناه من كونه بإسكان الهاء هو المشهور ويقال بفتحها، وممن حكى الفتح أبو سعيد السمعاني في الأنساب والحافظ عبد الغني المقدسي. قوله: "وعليه عمامة سوداء" فيه جواز لباس الثياب السود. وفي الرواية الأخرى: "خطب الناس وعليه عمامة سوداء" فيه جواز لباس الأسود في الخطبة وإن كان الأبيض أفضل منه كما ثبت في الحديث الصحيح: "خير ثيابكم البياض" وأما لباس الخطباء السواد في حال الخطبة فجائز ولكن الأفضل البياض كما ذكرنا، وإنما ليس العمامة السوداء في هذا الحديث بياناً للجواز والله أعلم.
قوله: (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها طرفيها بالتثنية، وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وذكر القاضي عياض أن الصواب المعروف طرفها بالإفراد، وأن بعضهم رواه طرفيها بالتثنية والله أعلم، وسيأتي بسط حكم إرخاء العمامة في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى
*2* باب فضل المدينة، ودعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة. وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها. وبيان حدود حرمها
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْني ابْنَ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيى الْمَازِنِيّ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمّهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ إِبْرَاهِيمَ حَرّمَ مَكّةَ وَدَعَا لأَهْلِهَا. وَإِنّي حَرّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكّةَ. وَإِنّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدّهَا بِمِثْلَي مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأَهْلِ مَكّةَ".
وحدّثنيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ. ح وَحَدّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيّ. حَدّثَنَا وُهِيْبٌ. كُلّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيىَ (هُوَ الْمَازِنِيّ) بِهَذَا الاْسْنَادِ. أَمّا حَدِيثُ وُهَيْبٍ فَكَرِوَايَةِ الدّرَاوَرْدِيّ "بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ". وَأَمّا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، فَفِي رِوَايَتِهِمَا "مِثْلَ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ إِبْرَاهِيمَ حَرّمَ مَكّةَ. وَإِنّي أُحَرّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا" (يُرِيدُ الْمَدِينَةَ).
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعٍ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خَطَبَ النّاسَ. فَذَكَرَ مَكّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا. فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ. فَقَالَ: مَا لي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلَمْ تَذْكُرِ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا. وَقَدْ حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ لاَبَتيْهَا. وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي أَدِيمٍ خَوْلاَنِيَ إِنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ. قَالَ: فَسَكَتَ مَرْوَانُ ثُمّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذَلِكَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي أَحْمَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الأَسْدِيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ إِبْرَاهِيمَ حَرّمَ مَكّةَ. وَإِنّي حَرّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا. لاَ يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلاَ يُصَادُ صَيْدُهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ. حَدّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي أُحَرّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ. أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا. أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا". وَقَالَ: "الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. لاَ يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلاّ أَبْدَلَ اللّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. وَلاَ يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَىَ لأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلاّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً، أَوْ شَهِيداً، يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَاريّ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ. ثُمَ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ "وَلاَ يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلاّ أَذَابَهُ اللّهُ فِي النّارِ ذَوْبَ الرّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنِ الْعَقَدِيّ. قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنّ سَعْداً رَكِبَ إِلَىَ قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ. فَوَجَدَ عَبْداً يَقْطَعُ شَجَراً أَوْ يَخْبِطُهُ. فَسَلَبَهُ. فَلَمّا رَجَعَ سَعْدٌ، جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلّمُوهُ أَنْ يَرُدّ عَلَىَ غُلاَمِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ، مَا أَخَذَ مِنْ غُلاَمِهِمْ. فَقَالَ: مَعَاذَ اللّهِ أَنْ أَرُدّ شَيْئاً نَفّلَنِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَبَىَ أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعاً عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ ابْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي طَلْحَةَ "الْتَمِسْ لِي غُلاَماً مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي". فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ. فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كُلّمَا نَزَلَ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمّ أَقْبَلَ، حَتّىَ إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ" فَلَمّا أَشْرَفَ عَلَىَ الْمَدِينَةِ قَالَ: "اللّهُمّ إِنّي أُحَرّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكّةَ. اللّهُمّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدّهِمْ وَصَاعِهِمْ".
وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "إِنّي أُحَرّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا".
وحدّثناه حَامِدُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لاِءَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَحَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. مَا بَيْنَ كَذَا إِلَىَ كَذَا. "فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَىَ مُحْدِثاً قَالَ: ثُمّ قَالَ لِي: هَذِهِ شَدِيدَةٌ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهُ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يَقْبَلُ اللّهِ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً" قَالَ فَقَالَ: ابْنُ أَنَسٍ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيِدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَساً: أَحَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. هِيَ حَرَامٌ. لاَ يُخْتَلَىَ خَلاَهَا. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ والْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ. وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ. وَبَارِكْ لَهُمْ فِي مُدّهِمْ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدٍ السّامِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ يُحَدّثُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا بِمَكّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرَأُهُ إِلاّ كِتَابَ اللّهِ وَهَذِهِ الصّحِيفَةَ. (قَالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ) فَقَدْ كَذَبَ. فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ. وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ. وَفِيهَا قَالَ النّبِيّ صلّى اللّهُ تعالىَ عليه وسلّم "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَىَ ثَوْرٍ. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً. أَوْ آوَىَ مُحْدِثاً. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يَقْبَلُ اللّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً. وَذِمّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ. يَسْعَىَ بِهَا أَدْنَاهُمْ. وَمَنِ ادّعَىَ إِلَىَ غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَىَ إِلَىَ غَيْرِ مَوَالِيهِ. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يَقْبَلُ اللّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً".
وَانْتَهَىَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَزُهَيْرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ "يَسْعَىَ بِهَا أَدْنَاهُمْ" وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدهُ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا: مُعَلّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ.
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. جَمِيعاً عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ إِلَىَ آخِرِهِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ "فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً ذِمَتُهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ" وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا "مَنِ ادّعَىَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ" وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ، ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وحدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَوَكِيعٍ. إِلاّ قَوْلَهُ "مَنْ تَوَلّىَ غَيْرَ مَوَالِيهِ" وَذِكْرَ اللّعْنَةِ لَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ الْجُعْفِيّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَىَ مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النّضْرِ بْنِ أَبِي النّضْرِ. حَدّثَنِي أَبُو النّضْرِ. حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ الأَشْجَعِيّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَقُلْ "يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَزَادَ "وَذِمّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ. يَسْعَىَ بِهَا أَدْنَاهُمْ. فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظّبَاءَ تَرْتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمِسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَوْ وَجَدْتُ الظّبَاءَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا مَا ذَعَرْتُهَا. وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً، حَوْلَ الْمَدِينَةِ، حِمىً.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ) عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: كَانَ النّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوّلَ الثّمَرِ جَاؤوا بِهِ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّنَا اللّهُمّ إِنّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيّكَ. وَإِنّي عَبْدُكَ وَنَبِيّكَ. وَإِنّهُ دَعَاكَ لِمَكّةَ. وَإِنّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ. بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكّةَ. وَمِثْلِهِ مَعَهُ". قَالَ: ثُمّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثّمَرَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الْمَدَنِيّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوءْتَىَ بِأَوّلِ الثّمَرِ فَيَقُولُ "اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي ثِمَارِنَا وَفِي مُدّنَا وَفِي صَاعِنَا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ". ثُمّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوَلْدَانِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة" هذا دليل لمن يقول إن تحريم مكة إنما هو كان في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه كان يوم خلق الله السموات والأرض، وقد سبقت المسألة مستوفاة قريباً، وذكروا في تحريم إبراهيم احتمالين: أحدهما أنه حرمها بأمر الله تعالى له بذلك لا باجتهاده، فلهذا أضاف التحريم إليه تارة وإلى الله تعالى تارة، والثاني أنه دعا لها فحرمها الله تعالى بدعوته فأضيف التحريم إليه لذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة" وذكر مسلم الأحاديث التي بعده بمعناه. هذه الأحاديث حجة ظاهرة للشافعي ومالك وموافقيهما في تحريم صيد المدينة وشجرها وأباح أبو حنيفة ذلك واحتج له بحديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير" وأجاب أصحابنا بجوابين: أحدهما أنه يحتمل أن حديث النغير كان قبل تحريم المدينة. والثاني يحتمل أنه صاده من الحل لا من حرم المدينة، وهذا الجواب لا يلزمها على أصولهم، لأن مذهب الحنيفة أن صيد الحل إذا أدخله الحلال إلى الحرام ثبت له حكم الحرم ولكن أصلهم هذا ضعيف فيرد عليهم بدليله، والمشهور من مذهب مالك والشافعي والجمهور أنه لا ضمان في صيد المدينة وشجرها بل هو حرام بلا ضمان. وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى: يجب فيه الجزاء كحرم مكة. وبه قال بعض المالكية، وللشافعي قول قديم أنه يسلب القاتل لحديث سعد بن أبي وقاص الذي ذكره مسلم بعد هذا. قال القاضي عياض: لم يقل بهذا القول أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها" يريد المدينة، قال أهل اللغة: وغريب الحديث اللابتان الحرتان واحدتهما لابة وهي الأرض الملبسة حجارة سوداء، وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما، ويقال لابة ولوبة ونوبة بالنون ثلاث لغات مشهورات، وجمع اللابة في القلة لابات، وفي الكثرة لاب ولوب. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإني أحرم ما بين لابتيها" معناه اللابتان وما بينهما والمراد تحريم المدينة ولابتيها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها" صريح في الدلالة لمذهب الجمهور في تحريم صيد المدينة وشجرها وسبق خلاف أبي حنيفة، والعضاه بالقصر وكسر العين وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر فيه شوك واحدتها عضاهة وعضيهة والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يثبت أحد على لاوائها وجهدها إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة" قال أهل اللغة: اللاواء بالمد الشدة والجوع، وأما الجهد فهو المشقة وهو بفتح الجيم وفي لغة قليلة بضمها، وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور وحكى فتحها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً" فقال القاضي عياض رحمه الله: سألت قديماً عن معنى هذا الحديث ولم خص ساكن المدينة بالشفاعة هنا مع عموم شفاعته وادخاره إياها لأمته قال: وأجيب عنه بجواب شاف مقنع في أوراق اعترف بصوابه كل واقف عليه، قال: وأذكر منه هنا لمعاً تليق بهذا الموضع، قال بعض شيوخنا أو هنا للشك والأظهر عندنا أنها ليست للشك، لأن هذا الحديث رواه جابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة، بل الأظهر أنه قاله صلى الله عليه وسلم هكذا، فإما أن يكون أعلم بهذه الحملة هكذا، وإما أن يكون أو للتقسيم، ويكون شهيداً لبعض أهل المدينة وشفعياً لبقيتهم، إما شفيعاً للعاصين وشهيداً للمطيعين، وإما شهيداً لمن مات في حياته وشفيعاً لمن مات بعده أو غير ذلك. قال القاضي: وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين في القيمة وعلى شهادته على جميع الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: "أنا شهيد على هؤلاء" فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزيد أو زيادة منزلة وحظوة، قال: وقد يكون أو بمعنى الواو فيكون لأهل المدينة شفيعاً وشهيداً، قال: وقد روي: "إلا كنت له شهيداً أو له شفيعاً" قال: وإذا جعلنا أو للشك كما قاله المشايخ فإن كانت اللفظة الصحيحة شهيداً اندفع الاعتراض لأنها زائدة على الشفاعة المدخرة المجردة لغيرهم، وإن كانت اللفظة الصحيحة شفيعاً فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عمومها وادخارها لجميع الأمة أن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار ومعافاة بعضهم منها بشفاعته صلى الله عليه وسلم في القيامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات أو تخفيف الحساب أو بما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة كإيوائهم إلى ظل العرش، أو كونهم في روح وعلى منابر، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه" قال القاضي: اختلفوا في هذا فقيل هو مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: هو عام أبداً وهذا أصح. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء" قال القاضي: هذه الزيادة وهي قوله في النار تدفع اشكال الأحاديث التي لم تذكر فيها هذه الزيادة وتبين أن هذا حكمه في الاَخرة، قال: وقد يكون المراد به من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كفى المسلمون أمره واضمحل كيده كما يضمحل الرصاص في النار، قال: وقد يكون في اللفظ تأخير وتقديم أي أذابه الله ذوب الرصاص في النار، ويكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله ولا يمكن له سلطان بل يذهبه عن قرب كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله على أثر ذلك وغيرهما ممن صنع صنيعهما. قال: وقيل قد يكون المراد من كادها اغتيالاً وطلباً لغرتها في غفلة فلا يتم له أمره بخلاف من أتى ذلك جهاراً كأمراء استباحوها.
قوله: "أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه على أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذه من غلامهم فقال معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم" هذا الحديث صريح في الدلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجماهير في تحريم صيد المدينة وشجرها كما سبق، وخالف فيه أبو حنيفة كما قدمناه عنه. وقد ذكر هنا مسلم في صحيحه تحريمها مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بمن زيد ورافع بن خديج وسهل بن حنيف، وذكر غيره من رواية غيرهم أيضاً، فلا يلتفت إلى من خالف هذه الأحاديث الصحيحة المستفيضة، وفي هذا الحديث دلالة لقول الشافعي القديم: أن من صاد في حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه، وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة، قال القاضي عياض: ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم وخالفه أئمة الأمصار. قلت: ولا تضر مخالفتهم إذا كانت السنة معه، وهذا القول القديم هو المختار لثبوت الحديث فيه وعمل الصحابة على وفقه ولم يثبت له دافع. قال أصحابنا: فإذا قلنا بالقديم ففي كيفية الضمان وجهان: أحدهما يضمن الصيد والشجر والكلأ كضمان حرم مكة وأصحهما، وبه قطع جمهور المفرعين على هذا القديم أنه يسلب الصائد وقاطع الشجر والكلأ، وعلى هذا فالمراد بالسلب وجهان: أحدهما أنه ثيابه فقط وأصحهما وبه قطع الجمهور أنه كسلب القتيل من الكفار فيدخل فيه فرسه وسلاحه ونفقته وغير ذلك مما يدخل في سلب القتيل. وفي مصرف السلب ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحهما أنه للسالب وهو الموافق لحديث سعد. والثاني أنه لمساكين المدينة. والثالث لبيت المال، وإذا سلب أخذ جميع ما عليه إلا ساتر العورة، وقيل يؤخذ ساتر العورة أيضاً، قال أصحابنا: ويسلب بمجرد الاصطياد سواء أتلف الصيد أم لا والله أعلم.
قوله: "حتى إذا بدا له أحد قال هذا جبل يحبنا ونحبه" الصحيح المختار أن معناه أن أحداً يحبنا حقيقة جعل الله تعالى فيه تمييزاً يحب به كما قال سبحانه وتعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} وكما حن الجذع اليابس، وكما سبح الحصى، وكما فر الحجر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم، وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي" وكما دعا الشجرتين المفترقتين فاجتمعا، وكما رجف حراء فقال: اسكن حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق الحديث، وكما كلمه ذراع الشاة، وكما قال سبحانه وتعالى: {وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} والصحيح في معنى هذه الاَية أن كل شيء يسبح حقيقة بحسب حاله ولكن لا نفقهه، وهذا وما أشبهه شواهد لما اخترناه واختاره المحققون في معنى الحديث، وأن أحداً يحبنا حقيقة، وقيل المراد يحبنا أهله فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والله أعلم.
قوله: "من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" قال القاضي: معناه من أتى فيها إثماً أو آوى من أتاه وضمه إليه وحماه، قال: ويقال أوى وآوى بالقصر والمد في الفعل اللازم والمتعدي جميعاً لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح، والمد في المتعدي أشهر وأفصح. قلت: وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين قال الله تعالى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة} وقال في المتعدي: {وآويناهما إلى ربوة} قال القاضي: ولم يرو هذا الحرف إلا محدثاً بكسر الدال، ثم قال: وقال الإمام المازري روي بوجهين كسر الدال وفتحها، قال: فمن فتح أراد الأحداث نفسه، ومن كسر أراد فاعل الحدث. وقوله: عليه لعنة الله إلى آخره هذا وعيد شديد لمن ارتكب هذا، قال القاضي: واستدلوا بهذا على أن ذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه وكذا يلعنه الملائكة والناس أجمعون، وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى، فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، قالوا: والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد والله أعلم. قوله: "لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً" قال القاضي: قال المازري اختلفوا في تفسيرهما فقيل الصرف الفريضة والعدل النافلة. وقال الحسن البصري: الصرف النافلة والعدل الفريضة عكس قول الجمهور. وقال الأصمعي: الصرف التوبة والعدل الفدية. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال يونس: الصرف إِلاكتساب والعدل الفدية. وقال أبو عبيدة: العدل الحيلة، وقيل العدل المثل، وقيل الصرف الدية والعدل الزيادة. قال القاضي: وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء، وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما، قال: وقد يكون معنى الفدية هنا أنه لا يجد في القيمة فداء يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله عز وجل على من يشاء منهم بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما ثبت في الصحيح. قوله في آخر هذا الحديث: (فقال ابن أنس أو آوى محدثاً) كذا وقع في أكثر النسخ فقال ابن أنس ووقع في بعضها فقال أنس بحذف لفظة ابن، قال القاضي: ووقع عند عامة شيوخنا فقال ابن أنس بإثبات ابن، قال: وهو الصحيح، وكان ابن أنس ذكر أباه هذه الزيادة لأن سياق هذا الحديث من أوله إلى آخره من كلام أنس، فلا وجه لاستدراك أنس بنفسه مع أن هذه اللفظة قد وقعت في أول الحديث في سياق كلام أنس في أكثر الروايات، قال: وسقطت عند السمرقندي، قال: وسقوطها هناك يشبه أن يكون هو الصحيح ولهذا استدركت في آخر الحديث، هذا آخر كلام القاضي.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم" قال القاضي: البركة هنا بمعنى النمو والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم، قال فقيل: يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما تتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات، فتكون بمعنى الثبات والبقاء لها كبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة، أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها أو تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه، فزاد مدهم وصار هاشمياً مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفاً، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها، هذا آخر كلام القاضي، والظاهر من هذا كله أن البركة في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها والله أعلم.
قوله: (إبراهيم بن محمد السامي) هو بالسين المهملة.
قوله: (خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فقد كذب) هذا تصريح من علي رضي الله تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم أن علياً رضي الله تعالى عنه أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة، وأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوي باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها، ويكفي في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا وفيه دليل على جواز كتابة العلم وقد سبق بيانه قريباً. قوله صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" أما عير فبفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت وهو جبل معروف، قال القاضي عياض: قال مصعب ابن الزبير وغيره ليس بالمدينة عير ولا ثور قالوا وإنما ثور بمكة، قال: وقال الزبير عير جبل بناحية المدينة، قال القاضي: أكثر الرواة في كتاب البخاري ذكروا عيراً، وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضاً لأنهم اعتقدوا ذكر ثور هنا خطأ. قال المازري: قال بعض العلماء ثور هنا وهم من الراوي وإنما ثور بمكة، قال: والصحيح إلى أحد، قال القاضي: وكذا قال أبو عبيد أصل الحديث من عير إلى أحد هذا ما حكاه القاضي، وكذا قال أبو بكر الحازمي الحافظ وغيره من الأئمة أن أصله من عير إلى أحد. قلت: ويحتمل أن ثوراً كان اسماً لجبل هناك إما أحد وإما غيره فخفي اسمه والله أعلم. واعلم أنه جاء في هذه الرواية ما بين عير إلى ثور أو إلى أحد على ما سبق، وفي رواية أنس السابقة: اللهم إني أحرم ما بين جبليها. وفي الروايات السابقة: ما بين لابتيها، والمراد باللابتين الحرتان كما سبق، وهذه الأحاديث كلها متفقة، فما بين لابتيها بيان لحد حرمها من جهتي المشرق والمغرب، وما بين جبليها بيان لحده من جهة الجنوب والشمال والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" المراد بالذمة هنا الأمان معناه أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمنه به أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له ما دام في أمان المسلم وللأمان شروط معروفة. وقوله صلى الله عليه وسلم: "يسعى بها أدناهم" فيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن أمان المرأة والعبد صحيح لأنهما أدنى من الذكور الأحرار. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" هذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه، أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه، لما فيه من كفر النعمة وتضييع حققو الإرث والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله" معناه من نقض أمان مسلم فتعرض لكافر أمنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته إذا أمنته.
قوله: "لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها" معنى ترتع ترعى وقيل معناه تسعى وتبسط ومعنى ذعرتها أفزعتها وقيل نفرتها.
قوله: "كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا" إلى آخره. قال العلماء: كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعاءه صلى الله عليه وسلم في الثمر وللمدينة والصاع والمد وإعلاماً له صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها وتوجيه الخارصين. قوله: "ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان" فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة وملاطفة الكبار والصغار، وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه وأكثر تطلعاً إليه وحرصاً عليه
*2* باب الترغيب في سكنى المدينة، والصبر على لأوائها
*حدّثنا حَمّادُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيّةَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيّ أَنّهُ أَصَابَهُمْ بِالْمَدِينَةِ جُهْدٌ وَشِدّةٌ. وَأَنّهُ أَتَىَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. فَقَالَ لَهُ: إِنّي كَثِيرُ الْعِيَالِ. وَقَدْ أَصَابَتْنَا شِدّةٌ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْقُلَ عِيَالِي إِلَىَ بَعْضِ الرّيفِ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لاَ تَفْعَلِ. الْزَمِ الْمَدِينَةَ. فَإِنّا خَرَجْنَا مَعَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم (أَظُنّ أَنّهُ قَالَ) حَتّىَ قَدِمْنَا عُسْفَانَ. فَأَقَامَ بِهَا لَيَالِيَ. فَقَالَ النّاسُ: وَاللهِ مَا نَحْنُ هَهُنَا فِي شَيْءٍ. وَإِنّ عِيَالَنَا لَخُلُوفٌ. مَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "مَا هَذَا الّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ (مَا أَدْرِي كَيْفَ قَالَ) وَالّذِي أَحْلِفُ بِهِ، أَوْ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ إِنْ شِئْتُمْ (لاَ أَدْرِي أَيّتَهُمَا قَالَ) لاَمُرَنّ بِنَاقَتِي تُرْحَلُ. ثُمّ لاَ أَحُلّ لَهَا عُقْدَةً حَتّىَ أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ". وَقَالَ "اللّهُمّ إِنّ إِبْرَاهِيمَ حَرّمَ مَكّةَ فَجَعَلَهَا حَرَماً. وَإِني حَرّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَاماً مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا. أَنْ لاَ يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ. وَلاَ يُحْمَلَ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَالٍ، وَلاَ تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاّ لِعَلْفٍ. اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا. اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدّنَا. اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا. اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدّنَا. اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. اللّهُمّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلاَ نَقْبٌ إِلاّ عَلَيْهِ مَلَكَانِ يَحْرسَانِهَا حَتّىَ تَقْدَمُوا إِلَيْهَا". (ثُمّ قَالَ للِنّاسِ) "ارْتَحِلُوا" فَارْتَحَلْنَا. فَأَقْبَلْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَوَالّذِي نَحْلِفُ بِهِ أَوْ يُحْلَفُ بِهِ (الشّكّ مِنْ حَمّادٍ) مَا وَضَعْنَا رِحَالَنَا حِينَ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ حَتّىَ أَغَارَ عَلَيْنَا بَنُو عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ. وَمَا يَهِيجُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْءٌ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْمُبَارَكِ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدّنَا. وَاجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ. أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ. ح وَحَدّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا حَرْبٌ (يَعْنِي ابْنَ شَدّادٍ) كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيّ أَنّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، لَيَالِي الْحَرّةِ فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجَلاَءِ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ. وَأَخْبَرَهُ أَنْ لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَىَ جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلأوَائِهَا. فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ لاَ آمُرُكَ بِذَلِكَ، إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَىَ لأوَائِهَا فَيَمُوتَ، إِلاّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً أَوْ شَهِيداً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا كَانَ مُسْلِماً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي أُسَامَةَ (وَاللّفْظُ لاِءَبِي بَكْرٍ وَابْنِ نُمَيْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ حَدّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنّي حَرّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَي الْمَدِينَةِ. كَمَا حَرّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكّةَ" قَالَ: ثُمّ كَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَأْخُذُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِدُ) أَحَدَنَا فِي يَدِهِ الطّيْرُ، فَيَكُفّهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمّ يُرْسِلُهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: أَهْوَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَىَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "إِنّهَا حَرَمٌ آمِنٌ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِئَةٌ. فَاشْتَكَىَ أَبُو بَكْرٍ وَاشْتَكَىَ بِلاَلٌ. فَلَمّا رَأَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَكْوَىَ أَصْحَابِهِ قَالَ: اللّهُمّ حَبّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْتَ مَكّةَ أَوْ أَشَدّ. وَصَحّحْهَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدّهَا. وَحَوّلُ حُمّاهَا إِلَىَ الْجُحْفَةِ".
وحدّثنا أبُو كُرَيْبٍ. حدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
*2* باب صيانة المدينة من دخول الطاعون و الدجال إليها
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ أَخِي مُطَرّفٍ بْنِ الشّخّيرِ قَالَ: سَمِعْتُ مُطْرّفَاً يُحَدّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ "هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشّهْرِ شَيْئاً؟" يَعْنِي شَعْبَانَ. قَالَ: لاَ. قَالَ فَقَالَ لَهُ "إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ" (شُعْبَةُ الّذِي شَكّ فِيهِ) قَالَ: وَأَظنّهُ قَالَ يَوْمَيْنِ.
حدثني زهير بن حرب حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم حدثنا نافع عن ابن عمرقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صبر على لأوائها كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة
حدثنا يحي ين يحي قال قرأت إلى مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عن يَحنّس مولى الزبير أخبره أنه كان جالساً عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تَسلّم عليه فقالت إنّي أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن اشتد علينا الزمان فقال لها عبد الله اقعدي لكاع فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصبر على لأوائها و شدتها أحد إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يم القيامة
و حدثنا ابن رافع حدثنا ابن فُديك أخبرنا الضحاك عن قطن الخزاعي عن يُحنّس مولى مصعب عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صبر على لأواتها و شدتها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة " يعني المدينة "
و حدثنا يحي بن أيوب و قتيبة و ابن حُجر جميعاً عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يصبر على لأواء المدينة و شدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً .
وحدّثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى أنّه سمع أبا عبد الله القرّاظ يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله
و حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا الفضل بن موسى أخبرنا هشام بن عروة عن صالح بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصبر أحد على لأواء المدينة بمثله
قوله : (عن يحنس مولى الزبير ) هو بضم المثناة تحت و فتح الحاء المهملة و كسر النون و فتحها وجهان مشهوران و السين مهملة و في الرواية الأخرى يحنس مولى مصعب بن الزبير هو لأحدهما حقيقة و للآخر مجازاً . قوله ( ان ابن عمر قال لمولاته اقعدي لكاع ) هى بفتح الام و فتح الكاف و يطلق ذلك على اللئيم و على العبد و على الغبى الذي لا يهتدي لكلام غيره و على الصغير و خاطبها ابن عمر بهذا انكاراً عليها لا دلالة عليها لكونها ممن ينتمي إليه و يتعلق به و حثها على سكنى المدينة لما فيه من الفضل قال العلماء و في هذه الأحاديث المذكورة في الباب مع ما سبق و ما بعدها دلالات ظاهرة على فضل سكنى المدينة و الصبر على شدائدها و ضيق العيش فيها و ان هذا الفضل باق مستمر إلى يوم القيامة و قد اختلف العلماء في المجاورة بمكة و المدينة فقال أبو حنيفة و طائفة تكره المجاورة بمكة و قال أحمد و طائفة لا تكره المجاورة بمكة بل تستحب و انما كرهها من كرهها لأمور منها خوف الملل و قلة الحرمة للأنس و خوف ملابسة الذنوب فإن أقبح الذنب فيها أقبح منه في غيرها كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها و احجتج من استحبها بما يحصل فيها من الطاعات التي لا تحصل بغيرها و تضعيف الصلوات و الحسنات و غير ذلكو المختار أن المجاورة بهما جميعاً ممستحبة الا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة و غيرها و قد جاورتهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة و خلفها ممن يقتدى به و ينبغي للمجاور الاحتراز من المحذورات و أيبابها و الله أعلم .
*2* باب صيانة المدينة من دخول الطاعون و الدجال إليها
*حدثنا يحي بن يحي قال قرأت على مالك عن نُعيم بن عبد الله عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون و لا الدجال
و حدثنا يحي بن أيوب و قُتيبة ة ابن حُجر جميعاً عن إسماعيل بن جعفر أخبرنى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يأتي المسيح من قبل المشرق همته المدينة حتى ينزل دبر أُحُد ثمّ تصرف الملائكة وجهه قبل الشام هُنالك يهلك
قوله صلى الله عليه وسلم (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون و لا الدجال ) أما الأنقاب فقد سبق شرحها قريباً و في هذا الحديث فضيلة المدينة و فضيلة سكناها و حمايتها من الطاعون و الدجال .
*2* باب المدينة تنفي شرارها
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرّجُلُ ابْنَ عَمّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمّ إِلَى الرّخَاءِ هَلُمّ إِلَى الرّخَاءِ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلاّ أَخْلَفَ اللّهُ فِيهَا خَيْراً مِنْهُ. أَلاَ إِنّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ، تُخْرِجُ الْخَبِيثَ. لاَ تَقُومُ السّاعةُ حَتّىَ تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا. كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُل الْقُرَىَ. يَقُولُونَ يَثْرِبَ. وَهِيَ الْمَدِينَةُ. تَنْفِي النّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ و ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالاَ: كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ. لَمْ يَذْكُرَا الْحَدِيدَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ أَعْرَابِيّاً بَايَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأَصَابَ الأَعْرَابِيّ وَعَكٌ بِالْمَدِينَةِ. فَأَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا مُحَمّدُ أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَىَ. ثُمّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَىَ. فَخَرَجَ الأَعْرَابِيّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ. تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيّبُهَا".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَهُوَ الْعَنْبَرِيّ) حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيَ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِثٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّهَا طَيْبَةُ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) وَإِنّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النّارُ خَبَثَ الْفِضّةِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنّ اللّهَ تَعَالَىَ سَمّىَ الْمَدِينَةَ طَابَةَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال" أما الأنقاب فسبق شرحها قريباً، وفي هذا الحديث فضيلة المدينة وفضيلة سكناها وحمايتها من الطاعون والدجال.
*2* باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يُحَنّسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ الْقرّاظَ أَنّهُ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ الْمَدِيْنَةِ بِسُوءٍ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) أَذَابَهُ اللّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجٌ. ح وَحَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَنّهُ سَمِعَ الْقَرّاظَ (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ) يَزْعُمُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ (يُرِيدُ الْمَدِينَةَ) أَذَابَهُ اللّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ".
قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ، فِي حَدِيثِ ابْنِ يُحَنّسَ، بَدَلَ قَوْلِهِ بِسُوءٍ: شَرّاً.
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَرُونَ مُوسَى بْنِ أَبِي عِيسَىَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا الدّرَاوَرْدِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرٍو جَمِيعاً سَمِعَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ الْقَرّاظَ. سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ عُمَرَ بْنِ نُبَيْهٍ. أَخْبَرَنِي دِينَارٌ الْقَرّاظُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ عُمَرَ بْنِ نُبَيْهٍ الْكَعْبِيّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ الْقَرّاظِ أَنّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "بِدَهْمٍ أَوْ سُوءٍ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا أُسَامةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ الْقَرّاظِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَ سَعْداً يَقُولاَنِ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اللّهُمّ بَارِكْ لاِءَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مُدّهِمْ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ "مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "في المدينة انها تنفي خبثها وشرارها كما ينفي الكير خبث الحديد" وفي الرواية الأخرى: "كما تنفي النار خبث الفضة" قال العلماء: خبث الحديث والفضة هو وسخهما وقذرهما الذي تخرجه النار منهما، قال القاضي: الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانه، وأما المنافقون وجهلة الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون الأجر في ذلك كما قال ذلك الأعرابي الذي أصابه الوعك: أقلني بيعتي. هذا كلام القاضي، وهذا الذي ادعى أنه الأظهر ليس بالأظهر لأن هذا الحديث الأول في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد" وهذا والله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في أواخر الكتاب في أحاديث الدجال: "أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله بها منها كل كافر ومنافق" فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال، ويحتمل أنه في أزمان متفرقة والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بقرية تأكل القرى" معناه أمرت بالهجرة إليها واستيطانها، وذكروا في معنى أكلها القرى وجهين: أحدهما أنها مركز جيوش الإسلام في أول الأمر فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها. والثاني معناه أن أكلها وميرتها تكون من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها. قوله صلى الله عليه وسلم: "يقولون يثرب وهي المدينة" يعني أن بعض الناس من المنافقين وغيرهم يسمونها يثرب وإنما اسمها المدينة وطابة وطيبة ففي هذا كراهة تسميتها يثرب. وقد جاء في مسند أحمد بن حنبل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهة تسميتها يثرب. وحكى عن عيسى بن دينار أنه قال: من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة. قالوا: وسبب كراهة تسميتها يثرب لفظ التتريب الذي هو التوبيخ والملامة، وسميت طيبة وطابة لحسن لفظهما، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح. وأما تسميتها في القرآن يثرب فإنما هو حكاية عن قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض. قال العلماء: ولمدينة النبي صلى الله عليه وسلم أسماء: المدينة قال الله تعالى: {ما كان لأهل المدينة} وقال تعالى: {ومن أهل المدينة}. وطابة وطيبة. والدار. فأما الدار فلأمنها والاستقرار بها، وأما طابة وطيبة فمن الطيب وهو الرائحة الحسنة، والطاب والطيب لغتان، وقيل من الطيب بفتح الطاء وتشديد الياء وهو الطاهر لخلوصها من الشرك وطهارتها، وقيل من طيب العيش بها. وأما المدينة ففيها قولان لأهل العربية أحدهما وبه جزم قطرب وابن فارس وغيرهما أنها مشتقة من دان إذا أطاع والدين الطاعة. والثاني أنها مشتقة من مدن بالمكان إذا أقام به، وجمع المدينة مدن ومدن بإسكان الدال وضمها، ومدائن بالهمز وتركه والهمزة أفصح وبه جاء القرآن العزيز والله أعلم.
قوله: "أن أعرابياً بايع النبي صلى الله عليه وسلم فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أقلني بيعتي فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي فأبى، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها" قال العلماء: إنما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم بيعته لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم للمقام عنده أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه أو غيره، قالوا: وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على المقام معه، قال القاضي: ويحتمل أن بيعة هذا الأعرابي كانت بعد فتح مكة وسقوط الهجرة إليه صلى الله عليه وسلم، وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة منه فلم يقله والصحيح الأول والله أعلم. قوله: (فأصاب الأعرابي وعك) هو بفتح العين وهو مغث الحمى وألمها ووعك كل شيء معظمه وشدته. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها" هو بفتح الياء والصاد المهملة أي يصفو ويخلص ويتميز، والناصع الصافي الخالص، ومنه قولهم ناصع اللون أي صافيه وخالصه، ومعنى الحديث أنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه ويبقى فيها من خلص إيمانه، قال أهل اللغة: يقال نصع الشيء ينصع بفتح الصاد فيهما نصوعاً إذا خلص ووضح، والناصع الخالص من كل شيء.
قوله: (وحدثنا قتيبة بن سعيد وهناد بن السري وأبو كريب وأبو بكر بن أبي شيبة) هكذا وقع في بعض النسخ، ووقع في أكثرها بحذف ذكر أبي كريب. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سمى المدينة طابة هذا" فيه استحباب تسميتها طابة وليس فيه أنها لا تسمى بغيره فقد سماها الله تعالى المدينة في مواضع من القرآن، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة في الحديث الذي قبل هذا من هذا الباب، وقد سبق إيضاح الجميع في هذا الباب والله أعلم
*2* باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تُفْتَحُ الشّامُ. وَيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ. يُبِسّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ثُمّ تُفْتَحُ الْيَمَنُ. فَيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ. يَبِسّونَ. وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ثُمّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ. يَبِسّونَ. وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ سُفَيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسّونَ. فَيَتَحَمّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ. وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ثُمّ يُفْتَحُ الشّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسّونَ فَيَتَحَمّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ. وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ثُمّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسّونَ. فَيَتَحَمّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ. وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".
قوله: (أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس عن أبي عبد الله القراظ) هكذا صوابه أخبرني عبد الله بفتح العين مكبر، وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا ومعظم نسخ المغاربة، ووقع في بعضها عبيد الله بضم العين مصغر وهو غلط، ويحنس بكسر النون وفتحها سبق بيانه قريباً في باب الترغيب في سكنى المدينة، والقراظ بالظاء المعجمة منسوب إلى القرظ الذي يدبغ به، قال ابن أبي حاتم: لأنه كان يبيعه، واسم أبي عبد الله القراظ هذا دينار وقد سماه في الرواية التي بعد هذه في حديثه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أهل هذه البلدة بسوء" يعني المدينة أذابه الله كما يذوب الملح في الماء. قيل يحتمل أن المراد من أرادها غازياً مغيراً عليها، ويحتمل غير ذلك، وقد سبق بيان هذا الحديث قريباً في الأبواب السابقة. قوله: "غير أنه قال بدهم أو بسوء" هو بفتح الدال المهملة وإسكان الهاء أي بغائلة وأمر عظيم والله أعلم
*2* باب في المدينة حين يتركها أهلها
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ. ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لِلْمَدِينَةِ: "لَيَتْرُكَنّهَا أَهْلُهَا عَلَىَ خَيْرِ مَا كَانَتْ مُذَلّلَةً لِلْعَوَافِي" يَعْنِي السّبَاعَ وَالطّيْرَ.
قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو صَفْوَانَ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. يَتِيمُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَشْرَ سِنِينَ. كَانَ فِي حَجْرِهِ.
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ يَتْرُكَنّ الْمَدِينَةَ عَلَىَ خَيْرِ مَا كَانَتْ. لاَ يَغْشَاهَا إِلاّ الْعَوَافِي (يُرِيدُ عَوَافِيَ السّبَاعِ وَالطّيْرِ) ثُمّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ. يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ. يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا. فَيَجِدَانِهَا وَحْشاً. حَتّىَ إِذَا بَلَغَا ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ، خَرّا عَلَىَ وُجُوهِهِمَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "تفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" قال أهل اللغة: يبسون بفتح الياء المثناة من تحت وبعدها باء موحدة تضم وتكسر ويقال أيضاً بضم المثناة مع كسر الموحدة فتكون اللفظة ثلاثية ورباعية فحصل في ضبطه ثلاثة أوجه ومعناه يتحملون بأهليهم، وقيل معناه يدعون الناس إلى بلاد الخصب وهو قول إبراهيم الحربي، وقال أبو عبيد: معناه يسوقون والبس سوق الإبل. وقال ابن وهب: معناه يزينون لهم البلاد ويحببونها إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليها، ونحوه في الحديث السابق يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء. وقال الداودي: معناه يزجرون الدواب إلى المدينة فيبسون ما يطوون من الأرض ويفتونه فيصير غباراً ويفتنون من بها لما يصفون لهم من رغد من العي وهذا ضعيف أو باطل، بل الصواب الذي عليه المحققون أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملاً بأهله بأساً في سيره مسرعاً إلى الرخاء في الأمصار التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها. قال العلماء: في هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة، وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب، ووجد جميع ذلك كذلك بحمد الله وفضله، وفيه فضيلة سكنى المدينة والصبر على شدتها وضيق العيش بها والله أعلم
*2* باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الْمَدَنِيّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبّادَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيَرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ. وَمِنْبَرِي عَلَىَ حَوْضِي".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي" يعني السباع والطير. ( وفي الرواية الثانية:"يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع والطير ثم يخرج راعيان من مزينه يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما". أما العوافي فقد فسرها في الحديث بالسباع والطير وهو صحيح في اللغة مأخوذ من عفوته إذا أتيته تطلب معروفه. وأما معنى الحديث فالظاهر المختار أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة، وتوضحه قصة الراغبين من مزينة فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة وهما آخر من يحشر كما ثبت في صحيح البخاري فهذا هو الظاهر المختار. وقال القاضي عياض: هذا فما جرى في العصر الأول وانقضى. قال: وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت حين انتقلت الخلافة عنها إلى الشام والعراق وذلك الوقت أحسن ما كانت للدين والدنيا، أما الدين فلكثرة العلماء وكمالهم، وأما الدنيا فلعمارتها وغرسها واتساع حال أهلها. قال: وذكر الأخباريون في بعض الفتن التي جرت بالمدينة وخاف أهلها أنه رحل عنها أكثر الناس وبقيت ثمارها أو أكثرها للعوافي وخلت مدة ثم تراجع الناس إليها، قال: وحالها اليوم قريب من هذا وقد خربت أطرافها، هذا كلام القاضي والله أعلم. ومعنى ينعقان بغنمهما يصيحان. قوله صلى الله عليه وسلم: "فيجدانها وحشاً" وفي رواية البخاري:(وحوشاً) قيل معناه يجدانها خلاء أي خالية ليس بها أحد، قال إبراهيم الحربي: الوحش من الأرض هو الخلاء، والصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش كما في رواية البخاري، وكما قال صلى الله عليه وسلم:"لا يغشاها إلا العوافي" ويكون وحشاً بمعنى وحوشاً، وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان وجمعه وحوش وقد يعبر بواحده عن جمعه كما في غيره. وحكى القاضي عن ابن المرابط أن معناه أن غنمهما تصير وحوشاً، إما أن تنقلب ذاتها فتصير وحوشاً، وإما أن تتوحش وتنفر من أصواتها، وأنكر القاضي هذا واختار أن الضمير في يجدانها عائد إلى المدينة لا إلى الغنم وهذا هو الصواب، وقول ابن المرابط غلط والله أعلم
*2* باب أحد جبل يحبنا ونحبه
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، الْقَعْنَبِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَىَ، عَنْ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ السّاعِدِيّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمّ أَقْبَلْنَا حَتّىَ قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَىَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي مُسْرِعٌ. فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِي. وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ". فَخَرَجْنَا حَتّىَ أَشْرَفْنَا عَلَىَ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: "هَذِهِ طَابَةُ. وَهَذَا أُحُدٌ. وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا قُرّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ".
وحدّثنيهِ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيريّ. حَدّثَنِي حَرَمِيّ بْنُ عُمَارَةَ. حَدّثَنَا قُرّةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ أُحُدٍ فَقَالَ: "إِنّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" ذكروا في معناه قولين: أحدهما أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة، والثاني أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة. قال الطبري في المراد ببيتي هنا قولان: أحدهما القبر قاله زيد بن أسلم كما روي مفسراً بين قبري ومنبري. والثاني المراد بيت سكناه على ظاهره وروي ما بين حجرتي ومنبري. قال الطبري: والقولان متفقان لأن قبره في حجرته وهي بيته. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومنبري على حوضي" قال القاضي: قال أكثر العلماء المراد منبره بعينه الذي كان في الدنيا، قال: وهذا هو الأظهر، قال: وأنكر كثير منهم غيره، قال: وقيل إن له هناك منبراً على حوضه، وقيل معناه أن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه الحوض ويقتضي شربه منه والله أعلم
*2* باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة
*حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاّ الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلاّ الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ".
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِمْصِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا الزّبَيْدِيّ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، و أَبِي عَبْدِ اللّهِ الأَغَرّ مَوْلَى الْجُهَنِيّينَ (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَنّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلاّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنّ مَسْجِدَهُ آخِرُ الْمَسَاجِدِ".
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَأَبُو عَبْدِ اللّهِ: لَمْ نَشُكّ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَمَنَعَنَا ذَلِكَ أَنْ نَسْتَثْبِتَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ. حَتّىَ إِذَا تُوُفّيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ. وَتَلاَوَمْنَا أَنْ لاَ نَكُونَ كَلّمْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَلْ رَفَعَهُ أَوْ سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ حَتّى يُسْنِدَهُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. إِنْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْهُ. فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَىَ ذَلِكَ، جَالَسَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ الْحَدِيثَ. وَالّذِي فَرّطْنَا فِيهِ مِنْ نَصّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ. فَقَالَ لَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَشْهَدُ أَنّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "فَإِنّي آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنّ مَسْجِدَهِ آخِرُ الْمَسَاجِدِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ الثّقَفِيّ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا صَالِحٍ: هَلْ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ فَضْلَ الصّلاَةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: لاَ. وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ (أَوْ كَأَلْفِ صَلاَةٍ) فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلاّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَىَ الْقَطانُ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَاهُ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوْسَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُوْسَى الْجُهَنِيّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعاً عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنّهُ قَالَ: إِنّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَىَ. فَقَالَتْ: إِنْ شَفانِي اللّهُ لأَخْرُجَنّ فَلأُصَلّيَنّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَبَرَأَتْ. ثُمّ تَجَهّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ. فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، تُسَلّمُ عَلَيْهَا. فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ. فَقَالَتِ لَهَا مَيْمُونَةَ: إِجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ. وَصَلّي فِي مَسْجِدِ الرّسُولِ صلى الله عليه وسلم. فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "صَلاَةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلاّ مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحداً يحبنا ونحبه" قيل معناه يحبنا أهله وهم أهل المدينة ونحبهم، والصحيح أنه على ظاهره، وأن معناه يحبنا هو بنفسه، وقد جعل الله فيه تمييزاً، وقد سبق بيان هذا الحديث قريباً والله أعلم.
*2* باب لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد
*حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُشَدّ الرّحَالُ إِلاّ إِلَىَ ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَىَ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الاْسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "تُشَدّ الرّحَالُ إِلَىَ ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ".
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنّ عِمْرَانَ بْنَ أَبِي أَنَسٍ حَدّثَهُ أَنّ سَلْمَانَ الأَغَرّ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّمَا يُسَافَرُ إِلَىَ ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" اختلف العلماء في المراد بهذا الاستثناء على حسب اختلافهم في مكة والمدينة أيتهما أفضل، ومذهب الشافعي وجماهير العلماء أن مكة أفضل من المدينة، وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة، وعكسه مالك وطائفة، فعند الشافعي والجمهور معناه إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجدي. وعند مالك وموافقيه إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجدي تفضله بدون الألف، قال القاضي عياض: أجمعوا على أن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض، وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلفوا في أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم فقال عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين المدينة أفضل، وقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان مكة أفضل. قلت: ومما احتج به أصحابنا لتفضيل مكة حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بمكة يقول: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: هو حديث حسن صحيح. وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي" حديث حسن رواه أحمد بن حنبل في مسنده والبيهقي وغيرهما بإسناد حسن والله أعلم. واعلم أن مذهبنا أنه لا يختص هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة بل يعم الفرض والنفل جميعاً، وبه قال مطرف من أصحاب مالك، وقال الطحاوي: يختص بالفرض وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة والله أعلم. واعلم أن الصلاة في مسجد المدينة تزيد على فضيلة الألف فيما سواه إلا المسجد الحرام لأنها تعادل الألف بل هي زائدة على الألف كما صرحت به هذه الأحاديث أفضل من ألف صلاة وخير من ألف صلاة ونحوه. قال العلماء: وهذا فيما يرجع إلى الثواب فثواب صلاة فيه يزيد على ثواب ألف فيما سواه، ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء عن الفوائت حتى لو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد المدينة صلاة لم تجزئه عنهما وهذا لا خلاف فيه والله أعلم. واعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده، فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن لما ذكرته، وقد نبهت على هذا في كتاب المناسك والله أعلم.
قوله: "وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعاً عن الليث بن سعد قال قتيبة: حدثنا ليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس أنه قال: إن مرأة اشتكت شكوى فقالت إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس وذكر الحديث إلى أن قال: قالت ميمونة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة" هذا الحديث مما أنكر على مسلم بسبب إسناده، قال الحفاظ: ذكر ابن عباس فيه وهم وصوابه عن إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة هكذا هو المحفوظ من رواية الليث وابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة من غير ذكر ابن عباس: وكذلك رواه البخاري في صحيحه عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ميمونة ولم يذكر ابن عباس. قال الدارقطني في كتاب العلل: وقد رواه بعضهم عن ابن عباس عن ميمونة وليس يثبت. وقال البخاري في تاريخه الكبير: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب عن أبيه وميمونة وذكر حديثه هذا من طريق الليث وابن جريج ولم يذكر فيه ابن عباس ثم قال: وقال لنا المكي عن ابن جريج أنه سمع نافعاً قال: إن إبراهيم بن معبد حدث أن ابن عباس حدثه عن ميمونة، قال البخاري: ولا يصح فيه ابن عباس، قال القاضي عياض: قال بعضهم صوابه إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس أنه قال أن امرأة اشتكت، قال القاضي: وقد ذكر مسلم قبل هذا في هذا الباب حديث عبد الله عن نافع عن ابن عمر، وحديث موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر، وحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر، وهذا مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال ليس بمحفوظ عن أيوب، وعلل الحديث عن نافع بذلك وقال: قد خالفهم الليث وابن جريج فروياه عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ميمونة، وقد ذكر مسلم الروايتين ولم يذكر البخاري في صحيحه رواية نافع بوجه، وقد ذكر البخاري في تاريخه رواية عبد الله وموسى عن نافع قال: والأول أصح يعني رواية إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة كما قال الدارقطني والله أعلم. قلت: ويحتمل صحة الروايتين جميعاً كما فعله مسلم وليس هذا الاختلاف المذكور نافعاً من ذلك ومع هذا فالمتن صحيح بلا خلاف والله أعلم. قوله: (عن ميمونة رضي الله عنها أنها أفتت امرأة نذرت الصلاة في بيت المقدس أن تصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم واستدلت بالحديث) هذه الدلالة ظاهرة وهذا حجة لأصح الأقوال في مذهبنا في هذه المسألة فإنه إذا نذر صلاة في مسجد المدينة أو الأقصى هل تتعين؟ فيه قولان الأصح تتعين فلا تجزئه تلك الصلاة في غيره. والثاني لا تتعين بل تجزئه تلك الصلاة حيث صلى، فإذا قلنا تتعين فنذرها في أحد هذين المسجدين ثم أراد أن يصليها في الاَخر ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يجوز، والثاني لا يجوز، والثالث وهو الأصح أن نذرها في الأقصى جاز العدول إلى المسجد المدينة دون عكسه والله أعلم
*2* باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ الْخَرّاطِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: مَرّ بِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ سَمِعْتَ أَبَاكَ يَذْكُرُ فِي الْمَسْجِدِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ؟ قَالَ: قَالَ أَبِي: دَخَلْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّ الْمَسْجِدَيْنِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ. ثُمّ قَالَ: "هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا" (لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ) قَالَ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنّي سَمِعْتُ أَبَاكَ هَكَذَا يَذْكُرُهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ (قَالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ فِي الإِسْنَادِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى. وفي رواية: ومسجد إيلياء" هكذا وقع في صحيح مسلم هنا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، وقد أجازه النحويون الكوفيون وتأوله البصريون، على أن فيه محذوفاً تقديره مسجد المكان الحرام والمكان الأقصى، ومنه قوله تعالى: {وما كنت بجانب الغربي} أي المكان الغربي ونظائره، وأما إيلياء فهو بيت المقدس وفيه ثلاث لغات أفصحهن وأشهرهن هذه الواقعة هنا إيلياء بكسر الهمزة واللام وبالمد، والثانية كذلك إلا أنه مقصور، والثالثة الياء بحذف الياء وبالمد، وسمي الأقصى لبعده من المسجد الحرام، وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال إليها لأن معناه عند جمهور العلماء لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها. وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: يحرم شد الرحال إلى غيرها وهو غلط، وقد سبق بيان هذا الحديث وشرحه قبل هذا بقليل في باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره
*2* باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه وزيارته
*حدّثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُ قُبَاءً، رَاكِباً وَمَاشِياً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّه بْنِ نُمَيْرٍ. حدثنا أبي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ، رَاكِباً ومَاشِياً. فَيصَلّى فِيهِ رَكْعَتَينِ.
قال أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ ابنُ نُمَيْرٍ: فَيُصَلّى فِيهِ رُكْعَتَيْنِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قُبَاءً، رَاكِبَاً وَمَاشِياً.
وحدّثني أَبُو مَعنٍ الرّقَاشِيّ زَيْدٌ بْنُ يزِيدَ الثّقَفِي (بَصْريّ ثِقَةٌ). حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى القَطّان.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عمَرَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قُبَاءً، رَاكِباً وَمَاشياً.
وحدّثنا يَحْيَى بْنَ أَيْوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالَ ابْنُ أَيْوبَ: حدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الله بن دِينارٍ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْتِي قُبَاءً، رَاكِباً وَمَاشِياً.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْتِي قُبَاءً كُلّ سَبْتٍ. وَكَانَ يَقُولُ: رَأَيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِيهِ كُلّ سَبْتٍ.
وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قُبَاءً، يَعْنِي كُلّ سَبْتٍ، كَانَ يَأْتِيهِ رَاكِباً وَمَاشِياً.
قال ابنُ دِينَارٍ: وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
وحدّثنيهِ عَبْدُ الله بنُ هَاشِمٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ابنِ دِينَارٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ كُلّ سَبْتٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وقد سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ثم قال هو مسجدكم هذا لمسجد المدينة" هذا نص بأنه المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن، ورد لما يقول بعض المفسرين أنه مسجد قباء، وأما أخذه صلى الله عليه وسلم الحصباء وضربه في الأرض فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة، والحصباء بالمدّ الحصى الصغار.