كتاب النكاح
 كتاب النكاح
*2* باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم
*حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ العَلاءِ الهَمَدَانِيّ. جَمِيعاً عنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ (واللّفْظُ لِيَحْيَىَ). أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عَبْدِ الله بِمِنىً، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ، فَقَامَ مَعَهُ يُحَدّثُهُ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَن أَلا نُزُوّجُكَ جَارِيَةٌ شَابّةً، لَعَلّهَا تُذَكّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَىَ مِنْ زَمَانِكَ. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ الله: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ، فَإِنّهُ أَغَضّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ، فَإِنّهُ لَهُ وَجَاءٌ".
حدثنا عُثمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حدّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: إِنّي لأَمْشِي مَعَ عَبدِ الله بنِ مَسْعُودُ بمِنىً. إذْ لَقِيَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ، فَقَالَ، هَلُمّ! يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ! قَالَ: فَاسْتَخْلاَهُ، فَلَمّا رَأَى عَبْدُ الله أَن لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَالَ: قَالَ لِي: تَعَالَ يَا عَلْقَمَةُ. قَالَ: فَجِئْتُ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَلاَ نُزَوّجُكَ، يَا أَبَا عَبْدِ الرّحمَنِ جَارِيَةً بِكْراً، لَعَلّهُ يَرْجعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَقَالَ عَبْدُ الله: لَئِنْ قَلْتَ ذَاكَ، فَذَكَر بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
حدثنا أبو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ عُمَارَةَ بْن عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ، فَإِنّهُ أَغْضّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ، فَإِنّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
حدثنا عثمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ، عِنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَة بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمّي عَلْقَمَةُ والأَسْوَدُ، عَلَى عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: وَأَنَا شَابّ يَوْمَئذٍ. فَذَكَرَ حَدِيثاً رُئِيتُ أَنّهُ حَدّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. بِمِثلِ حَدِيثِ أبِي مُعَاوِيَةَ. وَزَادَ: قَالَ: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتّى تَزَوّجْتُ.
م 4 (...) حدثني عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ الأَشَجّ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ، عِنْ عُمَارَة بْنِ عُمَيْر، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَأَنَا أَحْدَثُ القَوْمِ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتّى تَزَوّجْتُ.
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ العَبْدِيّ: حَدّثَنَا بَهْزٌ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَة، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ نَفَرَاً مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزْوَاجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عِنْ عَمَلِهِ فِي السّرّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ أَتَزَوَجُ النّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا آكُلُ اللّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ "مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنّي أُصَلّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوّجُ النّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِي فَلَيْسَ مِنّي".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ المُبَارَكِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ العَلاَءِ (واللّفْظُ لَهُ): أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ مَعْمَرٍ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ قَالَ: رَدّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التّبَتّلَ، لَوْ أَذِنَ لَهُ، لاَخْتَصَيْنَا.
وحدّثني أَبُو عِمْرَانَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ: حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُولُ: رُدّ علَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ التّبَتّلُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ: أَنّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَ قّاصٍ يَقُولُ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتّلَ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ، لاَخْتَصَيْنَا.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور قباء ماشياً وراكباً) وفي رواية: (أنه كان يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين) وفي رواية: (أن ابن عمر كان يأتي مسجد قباء كل سبت وكان يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت) أما قباء فالصحيح المشهور فيه المد والتذكير والصرف، وفي لغة مقصور، وفي لغة مؤنث، وفي لغة مذكر غير مصروف، وهو قريب من المدينة من عواليها، وفي هذه الأحاديث بيان فضله وفضل مسجده والصلاة فيه وفضيلة زيارته وأنه تجوز زيارته راكباً وماشياً، وهكذا جميع المواضع الفاضلة تجوز زيارتها راكباً وماشياً، وفيه أنه يستحب أن تكون صلاة النفل بالنهار ركعتين كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وفيه خلاف أبي حنيفة، وسبقت المسألة في كتاب الصلاة. وقوله كل سبت فيه جواز تخصيص بعض الأيام بالزيارة وهذا هو الصواب وقول الجمهور، وكره ابن مسلمة المالكي ذلك قالوا لعله لم تبلغه هذه الأحاديث والله أعلم. ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة
*2* باب ندب من رأى امرأة، فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعه
*هو في اللغة الضم ويطلق على العقد وعلى الوطء. قال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري قال الأزهري: أصل النكاح في كلام العرب الوطء، وقيل للتزويج نكاح لأنه سبب الوطء، يقال: نكح المنظر الأرض ونكح النعاس عينه أصابها. قال الواحدي: وقال أبو القسم الزجاجي النكاح في كلام العرب الوطء والعقد جميعاً، قال: وموضع "ن ك ح" على هذا الترتيب في كلام العرب للزوم الشيء الشيء راكباً عليه، هذا كلام العرب الصحيح. فإذا قالوا: نكح فلان فلانة ينكحها نكحاً ونكاحاً أرادوا تزوجها. وقال أبو علي الفارسي: فرقت العرب بينهما فرقاً لطيفاً فإذا قالوا: نكح فلانة بنت فلان أو أخته أرادوا عقد عليها. وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الوطء لأن بذكر امرأته وزوجته يستغنى عن ذكر العقد. قال الفراء: العرب تقول نكح المرأة بضم النون بضعها وهو كناية عن الفرج، فإذا قالوا نكحها أرادوا أصاب نكحها وهو فرجها، وقل ما يقال ناكحها كما يقال باضعها، هذا آخر ما نقله الواحدي. وقال ابن فارس والجوهري وغيرهما من أهل اللغة: النكاح الوطء وقد يكون العقد. ويقال نكحتها ونكحت هي أي تزوجت وأنكحته زوجته وهي ناكح أي ذات زوج، واستنكحها تزوجها، هذا كلام أهل اللغة. وأما حقيقة النكاح عند الفقهاء ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا حكاها القاضي حسين من أصحابنا في تعليقه أصحها أنها حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وهذا هو الذي صححه القاضي أبو الطيب وأطنب في الاستدلال له، وبه قطع المتولى وغيره، وبه جاء القرآن العزيز والأحاديث. والثاني أنها حقيقة في الوطء مجاز في العقد وبه قال أبو حنيفة. والثالث حقيقة فيهما بإِلاشتراك والله أعلم.
حدّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى: حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً، فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "إِنّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنّ ذَلِكَ يَرُدّ مَا فِي نَفْسِهِ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا حَرْبُ بْنُ أَبِي الْعَالِيَةِ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ: تُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ.
وحدّثني سَلَمَة بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ قَالَ: قَالَ جَابِرٌ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا أَحَدُكُمْ فَأَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ فَلْيَأْتِ أَهْلِهِ، فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنّ ذَلِكَ يَرُدّ مَا فِي نَفْسِهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" قال أهل اللغة: المعشر هم الطائفة الذين يشملهم وصف، فالشباب معشر، والشيوخ معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، فكذا ما أشبهه، والشباب جمع شاب ويجمع على شبان وشيبة، والشاب عند أصحابنا هو من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة. وأما الباءة ففيها أربع لغات حكاها القاضي عياض الفصيحة المشهورة الباءة بالمد والهاء، والثانية الباة بلا مد، والثالثة الباء بالمد بلا هاء، والرابعة الباهة بهاءين بلا مد، وأصلها في اللغة الجماع مشتقة من المباءة وهي المنزل، ومنه مباءة الإبل وهي مواطنها، ثم قيل لعقد النكاح باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلاً، واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشبان الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالباً. والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطعها فليصم ليدفع شهوته، والذي حمل القائلين بهذا على هذا أنهم قالوا قوله صلى الله عليه وسلم:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم" قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن. وأجاب الأولون بما قدمناه في القول الأول وهو أن تقديره من لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه وهو محتاج إلى الجماع فعليه بالصوم والله أعلم. وأما الوجاء فبكسر الواو وبالمد وهو رض الخصيتين، والمراد هنا أن الصوم يقطع الشهوة ويقطع شر المنى كما يفعله الوجاء. وفي هذا الحديث الأمر بالنكاح لمن استطاعه وتاقت إليه نفسه وهذا مجمع عليه لكنه عندنا، وعند العلماء كافة أمر ندب لا إيجاب، فلا يلزم التزوج ولا التسري سواء خاف العنت أم لا، هذا مذهب العلماء كافة، ولا يعلم أحد أوجبه إلا داود ومن وافقه من أهل الظاهر ورواية عن أحمد فإنهم قالوا يلزمه إذا خاف العنت أن يتزوج أو يتسرى، قالوا: وإنما يلزمه في العمر مرة واحدة ولم يشرط بعضهم خوف العنت. قال أهل الظاهر: إنما يلزمه التزويج فقط ولا يلزمه الوطء، وتعلقوا بظاهر الأمر في هذا الحديث مع غيره من الأحاديث مع القرآن، قال الله: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} وغيرها من الاَيات. واحتج الجمهور بقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} إلى قوله تعالى: {وما ملكت أيمانكم} فخيره سبحانه وتعالى بين النكاح والتسري. قال الإمام المازري: هذا حجة للجمهور لأنه سبحانه وتعالى خيره بين النكاح والتسري بالإتفاق، ولو كان النكاح واجباً لما خيره بينه وبين التسري لأنه لا يصح عند الأصوليين التخيير بين واجب وغيره لأنه يؤدي إلى إبطال حقيقة الواجب وأن تاركه لا يكون آثماً. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" فمعناه من رغب عنها إعراضاً عنها غير معتقد على ما هي والله أعلم. أما الأفضل من النكاح وتركه فقال أصحابنا: الناس فيه أربعة أقسام: قسم تتوق إليه نفسه ويجد المؤن فيستحب له النكاح، وقسم لا تتوق ولا يجد المؤن فيكره له، وقسم تتوق ولا يجد المؤن فيكره له وهذا مأمور بالصوم لدفع التوقان، وقسم يجد المؤن ولا تتوق، فمذهب الشافعي وجمهور أصحابنا أن ترك النكاح لهذا والتخلي للعبادة أفضل، ولا يقال النكاح مكروه بل تركه أفضل، ومذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب مالك أن النكاح له أفضل والله أعلم. قوله: (ان عثمان بن عفان قال لعبد الله بن مسعود: ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك) فيه استحباب عرض الصاحب هذا على صاحبه الذي ليست له زوجة بهذه الصفة وهو صالح لزواجها على ما سبق تفصيله قريباً، وفيه استحباب نكاح الشابة لأنها المحصلة لمقاصد النكاح، فإنها ألذ استمتاعاً وأطيب نكهة وأرغب في الاستمتاع الذي هو مقصود النكاح وأحسن عشرة وأفكه محادثة وأجمل منظراً وألين ملمساً، وأقرب إلى أن يعودها زوجها الأخلاق التي يرتضيها. وقوله تذكرك بعض ما مضى من زمانك معناه تتذكر بها بعض ما مضى من نشاطك وقوة شبابك فإن ذلك ينع البدن. قوله: (ان عثمان دعا ابن مسعود واستخلاه فقال له) هذا الكلام دليل على استحباب الإسرار بمثل هذا، فإنه مما يستحيى من ذكره بين الناس. وقوله: ألا نزوجك جارية بكراً؟ دليل على استحباب البكر وتفضيلها على الثيب، وكذا قاله أصحابنا لما قدمناه قريباً في قوله جارية شابة.
قوله: (عن عبد الرحمن بن يزيد دخلت أنا وعمي علقمة والأسود على عبد الله بن مسعود) هكذا هو في جميع النسخ وهو الصواب، قال القاضي: ووقع في بعض الروايات أنا وعماي علقمة والأسود وهو غلط ظاهر لأن الأسود أخو عبد الرحمن بن يزيد لا عمه وعلقمة عمهما جميعاً وهو علقمة بن قيس. قوله: (فذكر حديثاً رئيت أنه حدث به من أجلي) هكذا هو في كثير من النسخ، وفي بعضها رأيت وهما صحيحان الأول من الظن والثاني من العلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) سبق تأويله وأن معناه من تركها إعراضاً عنها غير معتقد لها على ما هي عليه، أما من ترك النكاح على الصفة التي يستحب له تركه كما سبق أو ترك النوم على الفراش لعجزه عنه أو لاشتغاله بعبادة مأذون فيها أو نحو ذلك فلا يتناوله هذا الذم والنهي. قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا) هو موافق للمعروف من خطبه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا أنه إذا كره شيئاً فخطب له ذكر كراهيته ولا يعين فاعله، وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم فإن المقصود من ذلك الشخص وجميع الحاضرين وغيرهم ممن يبلغه ذلك ولا يحصل توبيخ صاحبه في الملأ. قوله: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا" قال العلماء: التبتل هو إِلانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعاً إلى عبادة الله، وأصل التبتل القطع ومنه مريم البتول وفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما ديناً وفضلاً ورغبة في الاَخرة، ومنه صدقة بتلة أي منقطعة عن تصرف مالكها. قال الطبري: التبتل هو ترك لذات الدنيا وشهواتها وإِلانقطاع إلى الله تعالى بالتفرغ لعبادته. وقوله رد عليه التبتل معناه نهاه عنه، وهذا عند أصحابنا محمول على من تاقت نفسه إلى النكاح ووجد مؤنه كما سبق إيضاحه، وعلى من أضر به التبتل بالعبادات الكثيرة الشاقة. أما الإعراض عن الشهوات واللذات من غير إضرار بنفسه ولا تفويت حق لزوجة ولا غيرها ففضيلة للمنع منها بل مأمور به. وأما قوله: لو أذن له لاختصينا فمعناه لو أذن له في إِلانقطاع عن النساء وغيرهن من ملاذ الدنيا لاختصينا لدفع شهوة النساء ليمكنا التبتل، وهذا محمول على أنهم كانوا يظنون جواز إِلاختصاء باجتهادهم ولم يكن ظنهم هذا موافقاً، فإن إِلاختصاء في الاَدمي حرام صغيراً كان أو كبيراً، قال البغوي: وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز خصاؤه في صغره ويحرم في كبره والله أعلم
*2* باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمَدَانِيّ: حَدّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ وَ ابْنُ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ يَقُولُ: كُنّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ. فَقُلْنَا: أَلاَ نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمّ رَخّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثّوْبِ إِلَى أَجَلٍ، ثُمّ قَرَأَ عَبْدُ اللّهِ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرّمُوا طَيّبَاتِ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ} (5 المائدة الاَية: ).
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا جَرِير، عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: ثُمّ قَرَأَ عَلَيْنَا هَذِهِ الاَيَةَ. وَلَمْ يَقُلْ: قَرَأَ عَبْدُ اللّهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، قَالَ: كُنّا، وَنَحْنُ شَبَابٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلا نَسْتَخْصِي؟ وَلَمْ يَقُلْ: نَغْزُو.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمّدٍ يُحَدّثُ عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالاَ: خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا. يَعْنِي مُتْعَةَ النّسَاءِ.
وحدّثني أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيّ: حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ): حَدّثَنَا رَوْحٌ (يَعْنِي ابْنَ الْقاسِمِ)، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ وَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَانَا، فَأَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ.
وحدّثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ مُعْتَمِراً، فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ. فَقَالَ: نَعَمِ: اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: كُنّا نَسْتَمْتِعُ، بِالْقُبْضَةِ مِنَ التّمْرِ وَالدّقِيقِ، الأَيّامَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، حَتّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.
حدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ)، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: ابْنُ عَبّاسٍ وَابْنُ الزّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ. فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيادٍ: حَدّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَخّصَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَامَ أَوْطَاسٍ، فِي الْمُتْعَةِ ثَلاَثاً، ثُمّ نَهَى عَنْهَا.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ سَبْرَةَ أَنّه قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا. فَقَالَتْ: مَا تُعْطِي؟ فَقُلْتُ: رِدَائِي. وَقَالَ: صَاحِبِي: رِدَائِي. وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي. وَكُنْتُ أَشَبّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرتْ إِلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إِلَيّ أَعْجَبْتُهَا. ثُمّ قَالَتْ: أَنْت وَرِدَاوكَ يَكْفِينِي، فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلاَثاً، ثُمّ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النّسَاءِ الّتِي يَتَمَتّعُ، فَلْيُخَلّ سَبِيلَهَا".
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ فضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيّ: حَدّثَنَا بِشْرٌ (يعْنِي ابْنَ مُفَضّلٍ): حَدّثَنَا عُمَارَةَ بْنُ غَزّيَةَ، عَنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ أَنّ أَبَاهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَتْحَ مَكّةَ. قَالَ: فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ، (ثَلاَثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ) فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُتْعَةِ النّسَاءِ،. فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي، وَلِي عَلَيْهِ فَضْلٌ فِي الْجَمَالِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدّمَامَةِ، مَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنّا بُرْدٌ، فَبُرْدِي خَلَقٌ، وَأَمّا بُرْدُ ابْنِ عَمّي فَبُرْدٌ جَدِيدٌ، غَضّ حَتّى إِذَا كُنّا بِأَسْفَلِ مَكّةَ، أَوْ بِأَعْلاَهَا، فَتَلَقّتْنَا فَتَاةٌ مِثْلُ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ. فَقُلْنَا: هَلْ لَكِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْكِ أَحَدُنَا؟ قَالَتْ: وَمَاذَا تَبْذُلاَنِ؟ فَنَشَرَ كُلّ وَاحِدٍ مِنّا بُرْدَهُ، فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَى الرّجُلَيْنِ، وَيَرَاهَا صَاحِبِي تَنْظُرُ إِلَى عِطْفِهَا. فَقَالَ: إِنّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ وَبُرْدِي جَدِيدٌ غَضّ. فَتَقُولُ: بُرْدُ هَذَا لاَ بَأْسَ بِهِ، ثَلاَثَ مِرَارٍ أَوْ مَرّتَيْنِ، ثُمّ اسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا، فَلَمْ أَخْرُجْ حَتّى حَرّمَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدّارِمِيّ: حَدّثَنَا أَبُو النّعْمَانِ: حَدّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيّةَ: حَدّثَنِي الرّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكّةَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ. وَزَادَ: قَالَتْ: وَهَلْ يَصْلُحُ ذَاكَ؟ وَفِيهِ: قَالَ: إِنّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ مَحّ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ: حَدّثَنِي الرّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاستمْتَاعِ مِنَ النّسَاءِ، وَإِنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنّ شَيْءٌ فَلْيُخَلّ سَبِيلَهُ، وَلاَ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئاً".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِماً بَيْنَ الرّكْنِ وَالْبَابِ، وَهُوَ يَقُولُ: بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِالْمُتْعَةِ، عَامَ الْفَتْحِ، حِينَ دَخَلْنَا مَكّةَ، ثُمّ لَمْ نَخْرُجْ مِنْهَا حَتّى نَهَانَا عَنْهَا.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، رَبِيعَ بْنَ سَبْرةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبْيِهِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَامَ فَتْحِ مَكّةَ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتّمَتّعِ مِنَ النّسَاءِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتّى وَجَدْنَا جَارِيَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَخَطَبْنَاهَا إِلَى نَفْسِهَا، وَعَرَضْنَا عَلَيْهَا بُرْدَيْنَا، فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ فَتَرَانِي أَجْمَلَ مِنْ صَاحِبِي، وَتَرَى بُرْدَ صَاحِبِي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدِي، فَآمَرَتْ نَفْسَهَا سَاعَةً ثُمّ اخْتَارَتْنِي عَلَى صَاحِبِي، فَكُنّ مَعَنَا ثَلاَثَاً، ثُمّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِفِرَاقِهِنّ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، يَوْمَ الْفَتْحِ، عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ.
وحدّثنيهِ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعَقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ أَخْبَرَهُ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنِ الْمُتَعَةِ زَمَانَ الْفَتْحِ، مُتْعَةِ النّسَاءِ وَأَنّ أَبَاهُ كَانَ تَمَتّعَ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ: أَنّ عَبْدِ اللّهِ بْنَ الزّبَيْرِ قَامَ بِمَكّةَ فَقَالَ: إِنّ نَاساً، أَعْمَى اللّهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أبْصَارَهُمْ، يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يُعَرّضُ بِرَجُلٍ. فَنَادَاهُ فَقَالَ: إِنّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إِمَامِ الْمُتّقِينَ (يُرِيدُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزّبَيْرِ: فَجَرّبْ بِنَفْسِكَ. فَوَاللّهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لأَرْجُمَنّكَ بِأَحْجَارِكَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللّهِ أَنّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِي الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَهُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيّ: مَهْلاً قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاللّهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إِمَامِ الْمُتّقِينَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إِنّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوّلِ الإِسْلاَمِ لِمَنِ اضْطُرّ إِلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ وَالدّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمّ أَحْكَمَ الله الدّينَ وَنَهَى عَنْهَا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ أَنّ أَبَاهُ قَالَ: قَدْ كُنْتُ اسْتَمْتَعْتُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمّ نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُتْعَةِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْتُ رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدّثُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ.
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ: حَدّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدّثَنِي الرّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ. وَقَالَ "أَلاَ إِنّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئاً فَلاَ يَأْخُذْهُ".
حدّثنا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى: قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ وَ الْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍس/ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ، يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ.
وحدّثناه عَبْدِ اللّهِ بْنُ مُحَمّدُ بْنِ أَسْمَاءَ الضّبَعِيّ: حَدّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: سَمِعَ عَلِي بْنَ أَبِي طَالِب يَقُولُ لِفُلاَنٍ: إِنّكَ رَجُلٌ تَائِهٌ، نهَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ الْحَسَنِ وَ عَبْدِ اللّهِ ابْنَيْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَ عَبْدِ اللّهِ ابْنَيْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيَ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يُلَيّنُ فِي مُتْعَةِ النّسَاءِ. فَقَالَ: مَهْلاً، يَا ابْنَ عَبّاسٍ! فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللّهِ ابْنَيْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِمَا أَنّهُ سَمِعَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ لاِبْنِ عَبّاسٍ: نَهَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ، يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه"وفي الرواية الأخرى: "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه". هذه الرواية الثانية مبينة للأولى. ومعنى الحديث أنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته أو جاريته إن كانت له فليواقعها ليدفع شهوته وتسكن نفسه ويجمع قلبه على ما هو بصدده. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان" قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء وإِلالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجال الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقاً. قوله: (تمعس منيئه) قال أهل اللغة: المعس بالعين المهملة الدلك والمنيئة بميم مفتوحة ثم نون مكسورة ثم همزة ممدودة ثم تاء تكتب هاء وهي على وزن صغيرة وكبيرة وذبيحة، قال أهل اللغة: هي الجلد أول ما يوضع في الدباغ. وقال الكسائي: يسمى منيئة ما دام في الدباغ. وقال أبو عبيدة: هو في أول الدباغ منيئة ثم أفيق بفتح الهمزة وكسر الفاء وجمعه أفق كقفيز وقفز ثم أديم والله أعلم. قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان" إلى آخره. قال العلماء: إنما فعل هذا بياناً لهم وإرشاداً لما ينبغي لهم أن يفعلوه فعلمهم بفعله وقوله، وفيه أنه لا بأس بطلب الرجل امرأته إلى الوقاع في النهار وغيره وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه لأنه ربما غلبت على الرجل شهوة يتضرر بالتأخير في بدنه أو في قلبه وبصره والله أعلم
*2* باب تحريم الجمع بين المرأَة وعمتها أَو خالتها في النكاح
*اعلم أن القاضي عياضاً بسط شرح هذا الباب بسطاً بليغاً وأتى فيه بأشياء نفيسة وأشياء يخالف فيها، فالوجه أن ننقل ما ذكره مختصراً ثم نذكر ما ينكر عليه ويخالف فيه وننبه على المختار. قال المازري: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزاً في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها، وتعلقوا بقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورّهن} وفي قراءة ابن مسعود: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل} وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً ولا يلزم العمل بها. قال: وقال زفر من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه وكأنه جعل ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح فإنها تلغى ويصح النكاح. قال المازري: واختلفت الرواية في صحيح مسلم في النهي عن المتعة، ففيه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وفيه أنه نهى عنها يوم فتح مكة، فإن تعلق بهذا من أجاز نكاح المتعة وزعم أن الأحاديث تعارضت وأن هذا إِلاختلاف قادح فيها قلنا هذا الزعم خطأ وليس هذا تناقضاً لأنه يصح أن ينهى عنه في زمن ثم ينهى عنه في زمن آخر توكيداً، أو ليشتهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولاً، فسمع بعض الرواة النهي في زمن وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقل كل منهم ما سمعه وأضافه إلى زمان سماعه، هذا كلام المازري. قال القاضي عياض: روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في الحضر وإنما كانت في أسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم النساء مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل. وقد ذكر في حديث ابن أبي عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة ونحوها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه. وذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس. ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح وهما واحد ثم حرمت يومئذ. وفي حديث علي تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح. وذكر غير مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي ولم يتابعه أحد على هذا وهو غلط منه، وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ وسفيان بن عيينة والعمري ويونس وغيرهم عن الزهري وفيه يوم خيبر، وكذا ذكره مسلم عن جماعة عن الزهري وهذا هو الصحيح. وقد روى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع، قال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك. وقد روي عن سبرة أيضاً إباحتها في حجة الوداع ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها حينئذ إلى يوم القيامة. وروي عن الحسن البصري أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء. وروي هذا عن سبرة الجهني أيضاً. ولم يذكر مسلم في روايات حديث سبرة تعيين وقت إلا في رواية محمد بن سعيد الدارمي، ورواية إسحاق بن إبراهيم، ورواية يحيى بن يحيى، فإن ذكر فيها يوم فتح مكة، قالوا: وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطاً لأنه لم يكن يومئذ ضرورة ولا عزوبة وأكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح أن الذي جرى في حجة الوداع مجرد النهي كما جاء في غير رواية، ويكون تجديده صلى الله عليه وسلم النهي عنها يومئذ لاجتماع الناس وليبلغ الشاهد الغائب ولتمام الدين وتقرر الشريعة كما قرر غير شيء، وبين الحلال والحرام يومئذ، وبت تحريم المتعة حينئذ لقوله إلى يوم القيامة. قال القاضي: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر وفي عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس أنه جدد النهي عنها في هذه المواطن، لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه بل هو ثابت من رواية الثقات إِلاثبات، لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فقال بعضهم: هذا الكلام فيه انفصال ومعناه أنه حرم المتعة ولم يبين زمن تحريمها، ثم قال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصة ولم يبين وقت تحريم المتعة ليجمع بين الروايات، قال هذا القائل: وهذا هو الأشبه أن تحريم المتعة كان بمكة وأما لحوم الحُمر فبخيبر بلا شك.
قال القاضي: وهذا أحسن لو ساعده سائر الروايات عن غير سفيان، قال: والأولى ما قلناه أنه قرر التحريم لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس فتحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم للضرورة بعد التحريم ثم حرمها تحريماً مؤبداً، فيكون حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء ثم أباحها يوم الفتح للضرورة ثم حرمها يوم الفتح أيضاً تحريماً مؤبداً، وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع لأنها مروية عن سبرة الجهني، وإنما روى الثقات الاثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة، والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم من النهي عنها يوم الفتح، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيداً وإشاعة له كما سبق. وأما قول الحسن إنما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها فترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر وهي قبل عمرة القضاء وما جاء من إباحتها يوم فتح مكة ويوم أوطاس، مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة الجهني وهو راوي الروايات الأخر وهي أصح فيترك ما خالف الصحيح، وقد قال بعضهم هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين والله أعلم. هذا آخر كلام القاضي. والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين وكانت حلالاً قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة واستمر التحريم. ولا يجوز أن يقال أن الإباحة مختصة بما قبل خيبر والتحريم يوم خيبر للتأبيد، وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح كما اختاره المازري والقاضي، لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحة يوم الفتح صريحة في ذلك فلا يجوز إسقاطها ولا مانع يمنع تكرير الإباحة والله أعلم. قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض، وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه، قال: وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الاَن حكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول أو بعده إلا ما سبق عن زفر. واختلف أصحاب مالك هل يحد الواطئ فيه؟ ومذهبنا أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف ويصير المسألة مجمعاً عليها، والأصح عند أصحابنا أنه لا يرفعه بل يدوم الخلاف ولا يصير المسألة بعد ذلك مجمعاً عليها أبداً، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني. قال القاضي: وأجمعوا على أن من نكح نكاحاً مطلقاً ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها فنكاحه صحيح حلال وليس نكاح متعة، وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، ولكن قال مالك ليس هذا من أخلاق الناس، وشذ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه والله أعلم
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَة الْقَعْنَبِيّ: حَدّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمّتِهَا، وَلاَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنّ: الْمَرْأَةِ وَعَمّتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (قَالَ: ابْنُ مَسْلَمَةَ مَدَنِيّ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ وَلَدِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ)، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم : "لاَ تُنْكَحُ الْعَمّةُ عَلَىَ بِنْتِ الأَخِ، وَلاَ ابْنَةُ الأُخْتِ عَلَىَ الْخَالَةِ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الْكَعْبِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْمَعَ الرّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمّتِهَا، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَىَ خَالَةَ أَبِيهَا وَعَمّةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ.
وحدّثني أَبُو مَعْنٍ الرّقَاشِيّ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: حَدّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَىَ أَنّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَىَ عَمّتِهَا وَلاَ عَلَىَ خَالَتِهَا".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَىَ. حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةِ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَخْطُبُ الرّجُلُ عَلَىَ خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلاَ يَسُومُ عَلَىَ سَوْمِ أَخِيهِ، وَلاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَىَ عَمّتِهَا وَلاَ عَلَىَ خَالَتِهَا، وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللّهُ لَهَا".
وحدّثني مُحْرِزُ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هَرَيْرَةَ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَىَ عَمّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا، فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ رَازِقُهَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ: (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى وَابْنِ نَافِعٍ) قَالُوا: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمّتِهَا، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا شَبَابَةُ: حَدّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله: (فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك) فيه موافقة لما قدمناه في الباب السابق من تحريم الخصي لما فيه من تغيير خلق الله ولما فيه من قطع النسل وتعذيب الحيوان والله أعلم. قوله: "رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب" أي بالثوب وغيره مما نتراضى به. قوله: ثم قرأ عبد الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} فيه إشارة إلى أن كان يعتقد إباحتها كقول ابن عباس وأنه لم يبلغه نسخها.
قوله: (وحدثني أمية بن بسطام العيشي، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا روح وهو ابن القاسم عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن سلمة بن الأكوع وجابر) هكذا هو في بعض النسخ، وسقط في بعضها ذكر الحسن بن محمد بل قال عن عمرو بن دينار عن سلمة وجابر، وذكر المازري أيضاً أن النسخ اختلف فيه وأنه ثبت ذكر الحسن في رواية ابن ماهان وسقط في رواية الجلودي، وسبق بيان أمية بن بسطام وأنه يجوز صرف بسطام وترك صرفه، وأن الباء تكسر وقد تفتح، والعيشي بالشين المعجمة. قوله: "عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد أذن لكم أن تستمتعوا" وفي الرواية الثانية عن سلمة وجابر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة" فقوله في الثانية أتانا يحتمل أتانا رسوله ومناديه كما صرح به في الرواية الأولى، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم مر عليهم فقال لهم ذلك بلسانه. قوله: "استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر" هذا محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ. وقوله: "حتى نهانا عنه عمر" يعني حين بلغه النسخ وقد سبق إيضاح هذا. قوله: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق" القبضة بضم القاف وفتحها والضم أفصح، قال الجوهري: القبضة بالضم ما قبضت عليه من الشيء، يقال أعطاه قبضة من سويق أو تمر، قال: وربما فتح. قوله: (حدثنا حامد بن عمر البكراوي) ذكرنا مرات أنه منسوب إلى جده الأعلى أبي بكر الصحابي. قوله: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها) هذا تصريح بأنها أبيحت يوم فتح مكة وهو ويوم أوطاس شيء واحد، وأوطاس واد بالطائف ويصرف ولا يصرف، فمن صرفه أراد الوادي والمكان، ومن لم يصرفه أراد البقعة كما في نظائره وأكثر استعمالهم له غير مصروف.
قوله: (الربيع بن سبرة) هو بفتح السين المهملة وإسكان الباء الموحدة. قوله: (فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء) أما البكرة فهي الفتية من الإبل أي الشابة القوية. وأما العيطاء فبفتح العين المهملة وإسكان الياء المثناة تحت وبطاء مهملة وبالمد وهي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام، والعيط بفتح العين والياء طول العنق. قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها" هكذا هو في جميع النسخ التي يتمتع فليخل أي يتمتع بها فحذف بها لدلالة الكلام عليه أو أوقع يتمتع موقع يباشر أي يباشرها وحذف المفعول. قوله: (وهو قريب من الدمامة) هي بفتح الدال المهملة وهي القبح في الصورة. قوله: (فبردي خلق) هو بفتح اللام أي قريب من البالي. قوله: (فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة) هي بعين مهملة مفتوحة وبنونين الأولى مفتوحة وبطاءين مهملتين وهي كالعيطاء وسبق بيانها وقيل هي الطويلة فقط والمشهور الأول. قوله: (ينظر إلى عطفها) هو بكسر العين أي جانبها، وقيل من رأسها إلى وركها، وفي هذا الحديث دليل على أنه لم يكن في نكاح المتعة ولي ولا شهود. قوله: (إن برد هذا خلق مح) هو بميم مفتوحة وحاء مهملة مشددة وهو البالي، ومنه مح الكتاب إذا بلي ودرس. قوله صلى الله عليه وسلم: "قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" وفي هذا الحديث التصريح بالمنسوخ والناسخ في حديث واحد من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" وفيه التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة وأنه يتعين تأويل قوله في الحديث السابق أنهم كانوا يتمتعون إلى عهد أبي بكر وعمر على أنه لم يبلغهم الناسخ كما سبق، وفيه أن المهر الذي كان أعطاها يستقر لها ولا يحل أخذ شيء منه وإن فارقها قبل الأجل المسمى، كما أنه يستقر في النكاح المعروف المهر المسمى بالوطء ولا يسقط منه شيء بالفرقة بعده. قوله: (فأمرت نفسها ساعة) هو بهمزة ممدودة أي شاورت نفسها وأفكرت في ذلك ومنه قوله تعالى: {إن الملأ يأتمرون بك}. قوله: (إن ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل) يعني يعرض بابن عباس: قوله: (إنك لجلف جاف) الجلف بكسر الجيم قال ابن السكيت وغيره: الجلف هو الجافي، وعلى هذا قيل إنما جمع بينهما توكيداً لاختلاف اللفظ، والجافي هو الغليظ الطبع القليل الفهم والعلم والأدب لبعده عن أهل ذلك. قوله: (فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك) هذا محمول على أنه أبلغه الناسخ لها وأنه لم يبق شك في تحريمها فقال: إن فعلتها بعد ذلك ووطئت فيها كنت زانياً ورجمتك بالأحجار التي يرجم بها الزاني. قوله: (فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله) سيف الله هو خالد بن الوليد المخزومي سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ينكأ في أعداء الله. قوله: (نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية) قوله الإنسية ضبطوه بوجهين: أحدهما كسر الهمزة وإسكان النون، والثاني فتحهما جميعاً، وصرح القاضي بترجيح الفتح وأنه رواية الأكثرين، وفي هذا تحريم لحوم الحمر الإنسية وهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا طائفة يسيرة من السلف فقد روي عن ابن عباس وعائشة وبعض السلف إباحته، وروي عنهم تحريمه، وروي عن مالك كراهته وتحريمه. قوله: (إنك رجل تائه) هو الحائر الذاهب عن الطريق المستقيم والله أعلم
*2* باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوّجَ طَلْحَةَ بْنَ عَمَرَ، بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَىَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجّ. فَقَالَ أَبَانٌ: سَمِعَتُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ. حَدّثَنِي نُبَيهُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَكَانَ يَخْطبُ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِهِ، فَأَرْسَلَنِي إِلَىَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ. فَقَالَ: أَلاَ أُرَاهُ أَعْرَابِيّا "إِنّ الْمُحْرِمَ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يُنْكَحُ". أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عُثْمَانُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الْخَطّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَىَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ سَوَاءٍ. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ وَ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نَبَيْهِ بنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ أَنّ رَسُوَلَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثمَانَ يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ "الْمُحْرِمُ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يَخْطُبُ".
حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مَعْمَرٍ أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ، طَلْحَةَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي الْحَجّ، وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجّ، فَأَرْسَلَ إِلَىَ أَبَانٍ: إِنّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحُ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ، فَأُحِبّ أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ أَبَانٌ: أَلاَ أُرَاكَ عِرَاقِيّا جَافِياً، إِنّي سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ إِسْحَقُ الْحَنْظَلِيّ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشّعْثَاءِ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَحَدّثْتُ بِهِ الزّهْرِيّ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الأَصَمّ أَنّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنِ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَبِي الشّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: تَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحَرِمٌ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: حَدّثَنَا أَبُو فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمّ، حَدّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوّجَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ.
قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبّاسٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" وفي رواية: "لا تنكح العمة على بنت الأخ ولا ابنة الأخت على الخالة" هذا دليل لمذاهب العلماء كافة أنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها، سواء كانت عمة وخالة حقيقة وهي أخت الأب وأخت الأم، أو مجازية وهي أخت أبي الأب وأبي الجد وإن علا، أو أخت أم الأم وأم الجدة من جهتي الأم والأب وإن علت، فكلهن بإجماع العلماء يحرم الجمع بينهما، وقالت طائفة من الخوارج والشيعة يجوز واحتجوا بقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} واحتج الجمهور بهذه الأحاديث خصوا بها الاَية، والصحيح الذي عليه جمهور الأصوليين جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لأنه صلى الله عليه وسلم مبين للناس ما أنزل إليهم من كتاب الله، وأما الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين كالنكاح فهو حرام عندالعلماء كافة وعند الشيعة مباح، قالوا: ويباح أيضاً الجمع بين الأختين بملك اليمين. قالوا: وقوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} إنما هو في النكاح، قال: وقال العلماء كافة هو حرام كالنكاح لعموم قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} وقولهم أنه مختص بالنكاح لا يقبل بل جميع المذكورات في الاَية محرمات بالنكاح وبملك اليمين جميعاً، ومما يدل عليه قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} فإن معناه أن ملك اليمين يحل وطؤها بملك اليمين لإنكاحها فإن عقد النكاح عليها لا يجوز لسيدها والله أعلم. وأما باقي الأقارب كالجمع بين بنتي العم أو بنتي الخالة أو نحوهما فجائز عندنا وعند العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عن بعض السلف أنه حرمه دليل الجمهور قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} والله أعلم. وأما الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها فجائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة والجمهور. وقال الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى: لا يجوز دليل الجمهور قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" ظاهر في أنه لا فرق بين أن ينكح البنتين معاً أو تقدم هذه أو هذه، فالجمع بينهما حرام كيف كان، وقد جاء في رواية أبي داود وغيره: "لا تنكح الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى" لكن إن عقد عليهما معاً بعقد واحد فنكاحهما باطل، وإن عقد على إحداهما ثم الأخرى فنكاح الأولى صحيح ونكاح الثانية باطل والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سوم أخيه" هكذا هو في جميع النسخ ولا يسوم بالواو وهكذا يخطب مرفوع وكلاهما لفظه لفظ الخبر، والمراد به النهي وهو أبلغ في النهي، لأن خبر الشارع لا يتصور وقوع خلافه والنهي قد تقع مخالفته فكان المعنى: عاملوا هذا النهي معاملة الخبر المتحتم، وأما حكم الخطبة فسيأتي في بابها قريباً إن شاء الله تعالى، وكذلك السوم في كتاب البيع. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما كتب الله لها" يجوز في تسأل الرفع والكسر الأول على الخبر الذي يراد به النهي وهو المناسب لقوله صلى الله عليه وسلم قبله: "لا يخطب ولا يسوم" والثاني على النهي الحقيقي، ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته وأن ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازاً. قال الكسائي: وأكفأت الإناء كببته وكفأته وأكفأته أملته، والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو أختها في الإسلام أو كافرة
*2* باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك
*وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبْ بَعْضُكُمْ عَلىَ خِطْبَةِ بَعْضٍ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَى الْقَطّانِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ، عَنْ عُبَيْدُ اللّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لاَ يَبِعِ الرّجُلُ عَلَىَ بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبْ عَلَىَ خِطْبَةِ أَخِيهِ، إِلاّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ: حَدّثَنَا حَمّادٌ: حَدّثَنَا أَيّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، أَوْ يَتَنَاجَشُوا، أَوْ يَخْطُبَ الرّجُلُ عَلَىَ خِطْبَةِ أَخِيه، أَوْ يَبِيعَ عَلَىَ بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا، أَوْ مَا فِي صَحْفَتِهَا.
زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: وَلاَ يَسُمِ الرّجُلُ عَلَىَ سَوْمِ أَخِيهِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدّثَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَنَاجَشُوا. وَلاَ يَبِعِ الْمَرْءُ عَلَىَ بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ يَخْطُبِ الْمَرْءُ عَلَىَ خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ الأُخْرَى لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. جَمِيعاً عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مَعْمَر "وَلاَ يَزِدِ الرّجُلُ عَلَىَ بَيْعِ أَخِيهِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعاً عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ ابْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي الْعَلاَءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَىَ سَوْمِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبْ عَلَىَ خِطْبَتِهِ".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلاَءِ وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَاهُ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ أَنّهُمْ قَالُوا "عَلَىَ سَوْمِ أَخِيهِ، وَخِطْبَةِ أَخِيهِ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللّيْثِ وَغَيْرِهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ أَنّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فَلاَ يَحِلّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَىَ بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبَ عَلَىَ خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتّىَ يَذَرَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" ثم ذكر مسلم إِلاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم أو وهو حلال، فاختلف العلماء بسبب ذلك في نكاح المحرم، فقال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم: لا يصح نكاح المحرم واعتمدوا أحاديث الباب. وقال أبو حنيفة والكوفيون: يصح نكاحه لحديث قصة ميمونة. وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة أصحها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها حلالاً هكذا رواه أكثر الصحابة. قال القاضي وغيره: ولم يرو أنه تزوجها محرماً إلا ابن عباس وحده، وروت ميمونة وأبو رافع وغيرهما أنه تزوجها حلالاً وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به بخلاف ابن عباس ولأنهم أضبط من ابن عباس وأكثر. الجواب الثاني تأويل حديث ابن عباس على أنه تزوجها في الحرم وهو حلال، ويقال لمن هو في الحرم محرم وإن كان حلالاً وهي لغة شائعة معروفة، ومنه البيت المشهور: قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً. أي في حرم المدينة. والثالث أنه تعارض القول والفعل والصحيح حينئذ عند الأصوليين ترجيح القول لأنه يتعدى إلى الغير والفعل قد يكون مقصوراً عليه. والرابع جواب جماعة من أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج في حال الإحرام وهو مما خص به دون الأمة وهذا أصح الوجهين عند أصحابنا. والوجه الثاني أنه حرام في حقه كغيره وليس من الخصائص. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ولا ينكح فمعناه لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة. قال العلماء: سببه أنه لما منع في مدة الإحرام من العقد لنفسه صار كالمرأة فلا يعقد لنفسه ولا لغيره، وظاهر هذا العموم أنه لا فرق بين أن يزوج بولاية خاصة كالأب والأخ والعم ونحوهم، أو بولاية عامة وهو السلطان والقاضي ونائبه، وهذا هو الصحيح عندنا وبه قال جمهور أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يزوج المحرم بالولاية العامة لأنها يستفاد بها ما لا يستفاد بالخاصة، ولهذا يجوز للمسلم تزويج الذمية بالولاية العامة دون الخاصة. واعلم أن النهي عن النكاح والإنكاح في حال الإحرام نهي تحريم، فلو عقد لم ينعقد سواء كان المحرم هو الزوج والزوجة أو العاقد لهما بولاية أو وكالة، فالنكاح باطل في كل ذلك، حتى لو كان الزوجان والولي محلين ووكل الولي أو الزوج محرماً في العقد لم ينعقد. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يخطب فهو نهي تنزيه ليس بحرام. وكذلك يكره للمحرم أن يكون شاهداً في نكاح عقده المحلون، وقال بعض أصحابنا: لا ينعقد بشهادته لأن الشاهد ركن في عقد النكاح كالولي والصحيح الذي عليه الجمهور انعقاده. قوله: (حدثنا يحيى بن يحيى عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير) ثم ذكره بعد ذلك من رواية حماد بن زيد عن أيّوب عن نافع عن نبيه قال: بعثني عمر بن عبيد الله بن معمر وكان يخطب بنت شيبة بن عثمان على ابنه، هكذا قال أحمد عن أيوب في رواية بنت شيبة بن عثمان، وكذا قال محمد بن راشد بن عثمان بن عمرو القرشي، وزعم أبو داود في سننه أنه الصواب وأن مالكاً وهم فيه، وقال الجمهور: بل قول مالك هو الصواب فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجبي، كذا حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين. قال القاضي: ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ بل الروايتان صحيحتان إحداهما حقيقة والأخرى مجاز. وذكر الزبير بن بكار أن هذه البنت تسمى أمة الحميد. واعلم أنه وقع في إسناد رواية حماد عن أيوب رواية أربعة تابعيين بعضهم على بعض وهم أيوب السختياني ونافع ونبيه وأبان بن عثمان، وقد نبهت على نظائر كثيرة لهذا سبقت في هذا الكتاب، وقد أفردتها في جزء مع رباعيات الصحابة رضي الله عنهم. قوله: (فقال له أبان ألا أراك عراقياً جافياً) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا عراقياً، وذكر القاضي أنه وقع في بعض الروايات عراقياً وفي بعضها أعرابياً قال وهو الصواب أي جاهلاً بالسنة، والأعرابي هو ساكن البادية، قال: وعراقياً هنا خطأ إلا أن يكون قد عرف من مذهب أهل الكوفة حينئذ جواز نكاح المحرم فيصح عراقياً أي آخذاً بمذهبهم في هذا جاهلاً بالسنة والله أعلم
*2* باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه
*حدّثنا حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الشّغَارِ.
وَالشّغَارُ أَنْ يُزَوّجَ الرّجُلُ ابْنَتَهُ، عَلَىَ أَنْ يُزَوّجَهُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشّغَارُ؟.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ السّرّاجِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الشّغَارِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَمِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشّغَارِ.
زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: وَالشّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرّجُلُ لِلرّجُلِ: زَوّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوّجُكَ أُخْتِي.
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عَبَيْدِ اللّهِ (وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ) بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ ابْنِ نُمَيْرٍ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشّغَارِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض" وفي رواية: "لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له" وفي رواية: "المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر" هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم الخطبة على خطبة أخيه، وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صرح للخاطب بالإجابة ولم يأذن ولم يترك، فلو خطب على خطبته وتزوج والحالة هذه عصى وصح النكاح ولم يفسخ هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال داود: يفسخ النكاح. وعن مالك روايتان كالمذهبين. وقال جماعة من أصحاب مالك: يفسخ قبل الدخول لا بعده، أما إذا عرض له بالإجابة ولم يصرح ففي تحريم الخطبة على خطبته قولان للشافعي أصحهما لا يحرم. وقال بعض المالكية: لا يحرم حتى يرضوا بالزوج ويسمى المهر، واستدلوا لما ذكرناه من أن التحريم إنما هو إذا حصلت الإجابة بحديث فاطمة بنت قيس فإنها قالت: خطبني أبو جهم ومعاوية فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض بل خطبها لأسامة. وقد يعترض على هذا الدليل فيقال لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بأسامة لا أنه خطب له، واتفقوا على أنه إذا ترك الخطبة رغبة عنها وأذن فيها جازت الخطبة على خطبته وقد صرح بذلك في هذه الأحاديث.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "على خطبة أخيه" قال الخطابي وغيره: ظاهره اختصاص التحريم بما إذا كان الخاطب مسلماً فإن كان كافراً فلا تحريم، وبه قال الأوزاعي. وقال جمهور العلماء: تحرم الخطبة على خطبة الكافر أيضاً، ولهم أن يجيبوا عن الحديث بأن التقييد بأخيه خرج على الغالب فلا يكون له مفهوم يعمل به كما في قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} وقوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم} ونظائره. واعلم أن الصحيح الذي تقتضيه الأحاديث وعمومها أنه لا فرق بين الخاطب الفاسق وغيره. وقال ابن القاسم المالكي: تجوز الخطبة على خطبة الفاسق. والخطبة في هذا كله بكسر الخاء. وأما الخطبة في الجمعة والعيد والحج وغير ذلك وبين يدي عقد النكاح فبضمها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يسم على سوم أخيه ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد" فسيأتي شرحها في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى. قوله: (حدثنا شعبة عن العلاء وسهيل عن أبيهما) هكذا صورته في جميع النسخ، وأبو العلاء غير أبي سهيل فلا يجوز أن يقال عن أبيهما قالوا وصوابه أبويهما. قال القاضي وغيره: ويصح أن يقال عن أبيهما بفتح الباء على لغة من قال في تثنية الأب أبان كما قال في تثنية اليد يدان فتكون الرواية صحيحة لكن الباء مفتوحة والله أعلم
*2* باب الوفاء بالشروط في النكاح
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ)، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْيزَنِيّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَحَقّ الشّرْطِ أَنْ يُوفَىَ بِهِ، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ". هَذَا لَفْظ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ الْمُثَنّى، غَيْرَ أَنّ ابْنَ الْمُثَنّى قَالَ "الشّرُوطِ".
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار" والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق. وفي الرواية الأخرى بيان أن تفسير الشغار من كلام نافع. وفي الأخرى ابنته أو أخته. قال العلماء: الشغار بكسر الشين المعجمة وبالغين المعجمة أصله في اللغة الرفع، يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، كأنه قال: لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك. وقيل: هو من شغر البلد إذا خلا لخلوه عن الصداق. ويقال: شغرت المرأة إذا رفعت رجلها عند الجماع. قال ابن قتيبة: كل واحد منهما يشغر عند الجماع، وكان الشغار من نكاح الجاهلية، وأجمع العلماء على أنه منهي عنه، لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا، فعند الشافعي يقتضي إبطاله، وحكاه الخطابي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد، وقال مالك: يفسخ قبل الدخول وبعده، وفي رواية عنه قبله لا بعده. وقال جماعة: يصح بمهر المثل وهو مذهب أبي حنيفة. وحكي عن عطاء والزهري والليث وهو رواية عن أحمد وإسحاق وبه قال أبو ثور وابن جرير وأجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ والعمات وبنات الأعمام والإماء كالبنات في هذا وصورته الواضحة: زوجته بنتي على أن تزوجني بنتك، ويضع كل واحدة صداقاً للأخرى فيقول قبلت والله أعلم
*2* باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت
*حدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْقَوَارِيرِيّ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: حَدّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ: حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُنْكَحُ الأَيّمُ حَتّىَ تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتّىَ تُسْتَأْذَنَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ! وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدّثَنَا الْحَجّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ ح وَحَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ)، عَنِ الأَوْزَاعِيّ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمّدٍ: حَدّثَنَا شَيْبَانُ. ح وَحَدّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ هِشَامٍ وَإِسْنَادِهِ. وَاتّفَقَ لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامٍ وَشَيْبَانَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ سَلاّمٍ. فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدِ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ: (وَاللّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ) حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: قَالَ ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا. أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ. تُسْتَأْمَرُ" فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنّهَا تَسْتَحْيِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِيَ سَكَتَتْ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: قُلْتُ لِ مَالِكٍ: حَدّثَكَ عَبْدُ اللّهِ بنُ الْفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الأَيّمُ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" قَالَ: نَعَمْ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْفَضْلِ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الثّيّبُ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: "الثّيّبُ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" وَرُبّمَا قَالَ: "وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" قال الشافعي وأكثر العلماء: أن هذا محمول على شروط لا تنافي مقتضى النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاضده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف، وأنه لا يقصر في شيء من حقوقها ويقسم لها كغيرها، وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا تنشز عليه، ولا تصوم تطوعاً بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك. وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها ولا ينفق عليها ولا يسافر بها ونحو ذلك فلا يجب الوفاء به بل يلغو الشرط ويصح النكاح بمهر المثل لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشرط مطلقاً لحديث: "إن أحق الشروط" والله أعلم
*2* باب تزويج الأب البكر الصغيرة
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاءِ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: تَزَوّجَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.
قَالَتْ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْراً، فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمّ رُومَانَ، وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ، وَمَعِي صَوَاحِبِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، وَمَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي، فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ. فَقُلْتُ: هَهْ هَهْ، حَتّى ذَهَبَ نَفَسِي، فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتاً، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنّ، فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاّ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظ لَهُ): حَدّثَنَا عَبْدَةُ (هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ)، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوّجَنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَزَوّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ أَبُوَ بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (قَالَ يَحْيَى وَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ بِنْتُ سِتّ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت".
وفي رواية: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها" وفي رواية: "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها". وفي رواية: "والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها". قال العلماء: الأيم هنا الثيب كما فسرته الرواية الأخرى التي ذكرنا، وللأيم معان أخر، والصمات بضم الصاد هو السكوت، قال القاضي: اختلف العلماء في المراد بالأيم هنا مع اتفاق أهل اللغة على أنه تطلق على امرأة لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة بكراً كانت أو ثيباً، قاله إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي وغيرهما، والأيمة في اللغة العزوبة، ورجل أيم وامرأة أيم، وحكى أبو عبيد أنه أيمة أيضاً، قال القاضي: ثم اختلف العلماء في المراد بها هنا فقال علماء الحجاز والفقهاء كافة المراد الثيب واستدلوا بأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى بالثيب كما ذكرناه، وبأنها جعلت مقابلة للبكر، وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيب، وقال الكوفيون وزفر: الأيم هنا كل امرأة لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً كما هو مقتضاه في اللغة، قالوا: فكل امرأة بلغت فهي أحق بنفسها من وليها وعقدها على نفسها النكاح صحيح، وبه قال الشعبي والزهري، قالوا: وليس الولي من أركان صحة النكاح بل من تمامه. وقال الأوزاعي وأبو يوسف ومحمد: تتوقف صحة النكاح على إجازة الولي. قال القاضي: واختلفوا أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم أحق من وليها هل هي أحق بالإذن فقط أو بالإذن والعقد على نفسها؟ فعند الجمهور بالإذن فقط، وعند هؤلاء بهما جميعاً. وقوله صلى الله عليه وسلم: أحق بنفسها يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود، ويحتمل أنها أحق بالرضا أي لا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر، ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعين الاحتمال الثاني. واعلم أن لفظة أحق هنا للمشاركة معناه أن لها في نفسها في النكاح حقاً ولوليها حقاً وحقها أوكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها كفؤاً وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوج كفؤاً فامتنع الولي أجبر، فإن أصر زوجها القاضي فدل على تأكيد حقها ورجحانه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر: "ولا تنكح البكر حتى تستأمر" فاختلفوا في معناه فقال الشافعي وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق وغيرهم: الاستئذان في البكر مأمور به، فإن كان الولي أباً أو جداً كان الاستئذان مندوباً إليه، ولو زوجها بغير استئذانها صح لكمال شفقته، وإن كان غيرهما من الأولياء وجب الاستئذان ولم يصح إنكاحها قبله. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهما من الكوفيين: يجب الاستئذان في كل بكر بالغة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر إذنها صماتها فظاهره العموم في كل بكر وكل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقاً وهذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: إن كان الولي أباً أو جداً فاستئذانه مستحب ويكفي فيه سكوتها، وإن كان غيرهما فلا بد من نطقها لأنها تستحيي من الأب والجد أكثر من غيرهما، والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث لوجود الحياء، وأما الثيب فلا بد فيها من النطق بلا خلاف سواء كان الولي أباً أو غيره لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال، وسواء زالت بكارتها بنكاح صحيح أو فاسد أو بوطء شبهة أو بزنا، ولو زالت بكارتها بوثبة أو بإصبع أو بطول المكث أو وطئت في دبرها فلها حكم الثيب على الأصح، وقيل حكم البكر والله أعلم. ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يشترط إعلام البكر بأن سكوتها إذن وشرطه بعض المالكية واتفق عليه أصحاب مالك على استحبابه. واختلف العلماء في اشتراط الولي في صحة النكاح فقال مالك والشافعي: يشترط ولا يصح نكاح إلا بولي. وقال أبو حنيفة: لا يشترط في الثيب ولا في البكر البالغة بل لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها. وقال أبو ثور: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها ولا يجوز بغير إذنه. وقال داود: يشترط الولي في تزويج البكر دون الثيب، واحتج مالك والشافعي بالحديث المشهور: "لا نكاح إلا بولي" وهذا يقتضي نفي الصحة. واحتج داود بأن الحديث المذكور في مسلم صريح في الفرق بين البكر والثيب وأن الثيب أحق بنفسها والبكر تستأذن. وأجاب أصحابنا عنه بأنها أحق أي شريكة في الحق بمعنى أنها لا تجبر وهي أيضاً أحق في تعيين الزوج، واحتج أبو حنيفة بالقياس على البيع وغيره فإنها تستقل فيه بلا ولي، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الأمة والصغيرة وخص عمومها بهذا القياس، وتخصيص العموم بالقياس جائز عند كثيرين من أهل الأصول، واحتج أبو ثور بالحديث المشهور: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" ولأن الولي إنما يراد ليختار كفؤاً لدفع العار وذلك يحصل بإذنه، قال العلماء: ناقض داود مذهبه في شرط الولي في البكر دون الثيب لأنه أحداث قول في مسألة مختلف فيها ولم يسبق إليه، ومذهبه أنه لا يجوز إحداث مثل هذا والله أعلم
*2* باب استحباب التزوج والتزويج في شوال، واستحباب الدخول فيه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شِيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ أُمَيّةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَت: تَزَوّجَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوّالٍ، فَأَيّ نِسَاءِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنّي؟. قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوّالٍ.
وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلَ عَائِشَةَ.
فيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين وبني بي وأنا بنت تسع سنين) وفي رواية: (تزوجها وهي بنت سبع سنين) هذا صريح في جواز تزويج الأب الصغيرة بغير إذنها لأنه لا إذن لها، والجد كالأب عندنا، وقد سبق في الباب الماضي بسط إِلاختلاف في اشتراط الولي، وأجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث، وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز، وقال أهل العراق: لها الخيار إذا بلغت، أما غير الأب والجد من الأولياء فلا يجوز أن يزوجها عند الشافعي والثوري ومالك وابن أبي ليلى وأحمد وأبي ثور وأبي عبيد والجمهور قالوا: فإن زوجها لم يصح. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وآخرون من السلف: يجوز لجميع الأولياء ويصح ولها الخيار إذا بلغت إلا أبا يوسف فقال لا خيار لها. واتفق الجماهير على أن الوصي الأجنبي لا يزوجها، وجوز شريح وعروة وحماد له تزويجها قبل البلوغ، وحكاه الخطابي عن مالك أيضاً والله أعلم. واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب أن لا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها والله أعلم. وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن ولا يضبط بسن وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد، ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع، ولا الإذن فيه لمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً. قال الداودي: وكانت عائشة قد شبت شباباً حسناً رضي الله عنها. وأما قولها في رواية تزوجني وأنا بنت سبع وفي أكثر الروايات بنت ست فالجمع بينهما أنه كان لها ست وكسر، ففي رواية اقتصرت على السنين، وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها والله أعلم. قوله: (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة هذا) معناه أنه وجد في كتابه ولم يذكر أنه سمعه، ومثل هذا تجوز روايته على الصحيح وقول الجمهور ومع هذا فلم يقتصر مسلم عليه بل ذكره متابعة لغيره. قولها: (فوعكت شهراً فوفي شعري جميمة) الوعك ألم الحمى، ووفى أي كمل، وجميمة تصغير جمة وهي الشعر النازل إلى الأذنين ونحوهما، أي صار إلى هذا الحد بعد أن كان قد ذهب بالمرض. قولها: (فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة) أم رومان هي أم عائشة وهي بضم الراء وإسكان الواو وهذا هو المشهور ولم يذكر الجمهور غيره، وحكى ابن عبد البر في الاستيعاب ضم الراء وفتحها ورجح الفتح وليس هو براجح، والأرجوحة بضم الهمزة هي خشبة يلعب عليها الصبيان والجواري الصغار يكون وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها فيرتفع جانب منها وينزل جانب. قولها: (فقلت هه هه حتى ذهب نفسي) هو بفتح الفاء هذه كلمة يقولها المبهور حتى يتراجع إلى حال سكونه وهي بإسكان الهاء الثانية فهي هاء السكت. قولها: (فإذا نسوة من الأنصار فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر) النسوة بكسر النون وضمها لغتان الكسر أفصح وأشهر، وللطائر الحظ يطلق على الحظ من الخير والشر، والمراد هنا على أفضل حظ وبركة، وفيه استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل واحد من الزوجين، ومثله في حديث عبد الرحمن بن عوف بارك الله لك. قولها: (فغسلن رأسي وأصلحنني) فيه استحباب تنظيف العروس وتزيينها لزوجها واستحباب اجتماع النساء لذلك، ولأنه يتضمن إعلان النكاح، ولأنهن يؤانسنها ويؤدبنها ويعلمنها آدابها حال الزفاف وحال لقائها الزوج. قولها: (فلم يرعني إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمنني إليه) أي لم يفجأني ويأتني بغتة إلا هذا، وفيه جواز الزفاف والدخول بالعروس نهاراً وهو جائز ليلاً ونهاراً، واحتج به البخاري في الدخول نهاراً وترجم عليه باباً. قوله: (وزفت إليه وهي ابنة تسع سنين ولعبها معها) المراد هذه اللعب المسماة بالبنات التي تلعب بها الجواري الصغار ومعناه التنبيه على صغر سنها. قال القاضي: وفيه جواز اتخاذ اللعب وإباحة لعب الجواري بهن، وقد جاء في الحديث الاَخر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك فلم ينكره، قالوا: وسببه تدريبهن لتربية الأولاد وإصلاح شأنهن وبيوتهن، هذا كلام القاضي. ويحتلم أن يكون مخصوصاً من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور لما ذكره من المصلحة، ويحتمل أن يكون هذا منهياً عنه، وكانت قصة عائشة هذه ولعبها في أول الهجرة قبل تحريم الصور والله أعلم
*2* باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها
*حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ تَزَوّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنّ فِي أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئاً".
وحدّثني يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنّي تَزَوّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنّ فِي عُيُونِ الأَنْصَارِ شَيْئاً" قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. قَالَ: "عَلَى كَمْ تَزَوّجْتَهَا؟" قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ كَأَنّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تَصِيبُ مِنْهُ" قَالَ: فَبَعَثَ بَعْثاً إِلَى بَنِي عَبْسٍ، بَعَثَ ذَلِكَ الرّجُلَ فِيهِمْ.
قوله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بي في شوال فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني، قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نسائها في شوال فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه واستدلوا بهذا الحديث، وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع
*2* باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثّقَفِيّ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَعّدَ النّظَرَ فِيهَا وَصَوّبَهُ، ثُمّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ، فَلَمّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئاً، جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوّجْنِيهَا. فَقَالَ: "فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟" فَقَالَ: لاَ، وَاللّهِ! يَا رَسُولَ اللّهِ! فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئاً؟" فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ. فَقَالَ: لاَ، وَاللّهِ! مَا وَجَدْتُ شَيْئاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتِمٌ مِنْ حَدِيدٍ" فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ. فَقَالَ: لاَ، وَاللّهِ! يَا رَسُولَ اللّهِ! وَلاَ خَاتِمٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي. (قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ) فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ" فَجَلَسَ الرّجُلُ، حَتّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلّياً، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ. فَلَمّا جَاءَ قَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟" قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا. (عَدّدَهَا) فَقَالَ: "تَقْرَأُهُنّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مُلّكْتَكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" هَذَا حَدِيثُ أَبِي حَازِمٍ، وَحَدِيثُ يَعْقُوبَ يُقَارِبُهُ فِي اللّفْظِ.
وحدّثناه خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الدّرَاوَرْدِيّ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ، عَنْ زَائِدَةَ. كُلّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ زَائِدَةَ قَالَ "انْطَلِقْ فَقَدْ زَوّجْتُكَهَا، فَعَلّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمّدُ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لاَِزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً وَنَشّاً. قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النّشّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيّةٍ. فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَزْوَاجِهِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التّمِيمِيّ وَ أَبُو الرّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَاللّفْظُ لِيَحْيَى (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ)، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ. فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّي تَزَوّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: "فَبَارَكَ اللّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عُبيْدٍ الْغُبَرِيّ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوّجَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ "أَوْ لِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالاَ: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ: حَدّثَنَا شَبَابَةُ. كُلّهُمْ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ وَهْبٍ قالَ: قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: تَزَوّجْتُ امْرَأَةً.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: رَآنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيّ بَشَاشَةُ الْعُرْسِ فَقُلْتُ: تَزَوّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ "كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟" فَقُلْتُ: نَوَاةً. وَفِي حَدِيثِ إِسْحَقُ: مِنْ ذَهَبٍ.
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ (قَالَ شُعْبَةُ: وَاسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ عَبْدُ الرّحْمَنِ تَزَوّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا وَهْبٌ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: مِنْ ذَهَبٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم للمتزوج امرأة من الأنصار: "أنظرت إليها؟ قال لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً" هكذا الرواية شيئاً بالهمز وهو واحد الأشياء، قيل المراد صغر، وقيل زرقة، وفي هذا دلالة لجواز ذكر مثل هذا للنصيحة، وفيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء، وحكى القاضي عن قوم كراهته وهذا خطأ مخالف لصريح هذا الحديث، ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة ونحوها. ثم أنه إنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط لأنهما ليسا بعورة، ولأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده، وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين. وقال الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم. وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع. ثم مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه لا يشترط في جواز هذا النظر رضاها بل له ذلك في غفلتها ومن غير تقدم إعلام، لكن قال مالك: أكره نظره في غفلتها مخافة من وقوع نظره على عورة. وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها وهذا ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في ذلك مطلقاً ولم يشترط استئذانها ولأنها تستحي غالباً من الإذن، ولأن في ذلك تغريراً، فربما رآها فلم تعجبه فيتركها فتنكسر وتتأذى ولهذا قال أصحابنا: يستحب أن يكون نظره إليها قبل الخطبة حتى أن كرهها تركها من غير إيذاء بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة والله أعلم. قال أصحابنا: وإذا لم يمكنه النظر استحب له أن يبعث امرأة يثق بها تنظر إليها وتخبره ويكون ذلك قبل الخطبة لما ذكرناه. قوله صلى الله عليه وسلم: "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل" العرض بضم العين وإسكان الراء هو الجانب والناحية، وتنحتون بكسر الحاء أي تقشرون وتقطعون، ومعنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج
*2* باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ)، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ. قَالَ: فَصَلّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنّ رُكْبَتِي لَتَمَسّ فَخِذَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنّي لأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: "اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ. فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قَالَهَا ثَلاَثَ مَرّاتٍ. قَالَ: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمّدٌ، وَاللّهِ! قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مُحَمّدٌ، وَالْخَمِيسُ. قَالَ: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجُمِعَ السّبْيُ، فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السّبْيِ. فَقَالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً" فَأَخَذَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ. فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ، صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ، سَيّدِ قُرَيْظَةَ وَالنّضِيرِ؟ مَا تَصْلُحُ إِلاّ لَكَ. قَالَ: "ادْعُوهُ بِهَا" قَالَ: فَجَاءَ بِهَا. فَلَمّا نَظَرَ إِلَيْهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السّبْيِ غَيْرَهَا" قَالَ: وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا.
فقالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا، حَتّى إِذَا كَانَ بِالطّرِيقِ جَهّزَتْهَا لَهُ أُمّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللّيْلِ، فَأَصْبَحَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَرُوساً. فَقَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ" قَالَ: وَبَسَطَ نِطَعاً. قَالَ: فَجَعَلَ الرّجُلُ يَجِيءُ بِالأَقِطِ، وَجَعَلَ الرّجُلُ يَجِيءُ بِالتّمْرِ، وَجَعَلَ الرّجُلُ يَجِيءُ بِالسّمْنِ، فَحَاسُوا حَيْساً، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ)، عَنْ ثَابِتٍ وَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ)، عَنْ ثَابِتٍ وَ شُعَيْبِ بْنِ حَبْحَابٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَ عَبْدُ الرّزّاقِ. جَمِيعاً، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ. كُلّهُمْ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ أَعْتَقَ صَفِيّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ: تَزَوّجَ صَفِيّةَ وَأَصْدَقَهَا عِتْقَهَا.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ مُطَرّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الّذي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ ثُمّ يَتَزَوّجُهَا: "لَهُ أَجْرَانِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَفّانُ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ: حَدّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِي تَمَسّ قَدَمَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشّمْسُ، وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ وَخَرَجُوا بِفُؤوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمْرُورِهِمِ. فَقَالُوا: مُحَمّدٌ، وَالْخَمِيسُ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ" قَالَ: وَهَزَمَهُمُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ، وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعَةِ أَرْؤْسٍ، ثُمّ دَفَعَهَا إِلى أُمّ سُلَيْمٍ تُصَنّعُهَا لَهُ وَتُهَيّئُهَا. (قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ) وَتَعْتَدّ فِي بَيْتِهَا، وَهِيَ صَفِيّةُ بِنْتُ حُي. قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيمَتَهَا التّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسّمْنَ، فُحِصَتِ الأَرْضُ أَفَاحِيصَ، وَجِيءَ بِالأَنْطَاعِ، فَوُضِعَتْ فِيهَا، وَجِيءَ بِالأَقِطِ وَالسّمْنِ فَشَبِعَ النّاسُ. قَالَ: وَقَالَ النّاسُ: لاَ نَدْرِي أَتَزَوّجَهَا أَمِ اتّخَذَهَا أُمّ وَلَدٍ، قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمّ وَلَدٍ، فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنّهُ قَدْ تَزَوّجَهَا، فَلَمّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَدَفَعْنَا. قَالَ: فَعَثَرَتِ النّاقَةُ الْعَضْبَاءُ، وَنَدَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَدَرَتْ، فَقَامَ فَسَتَرَهَا، وَقَدْ أَشْرَفَتِ النّسَاءُ. فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللّهُ الْيَهُودِيّةَ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ أَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِي وَاللهِ لَقَدْ وَقَعَ.
قَالَ أَنَسٌ: وَشَهِدْتُ وَلِيمَةَ زَيْنَبَ، فَأَشْبَعَ النّاسَ خُبْزاً وَلَحْماً، وَكَانَ يَبْعَثُنِي فَأَدْعُو النّاسَ، فَلَمّا فَرَغَ قَامَ وَتَبِعْتُهُ، فَتَخَلّفَ رَجُلاَنِ اسْتَأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ، لَمْ يَخْرُجَا، فَجَعَلَ يَمُرّ عَلَى نِسَائِهِ، فَيُسَلّمُ عَلَى كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ: "سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟" فَيَقُولُونَ: بِخَيْرٍ. يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: "بِخَيْرٍ" فَلَمّا فَرَغَ رَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَلَمّا بَلَغَ الْبَابَ إِذَا هُوَ بِالرّجُلَيْنِ قَدِ اسْتَأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمّا رَأَيَاهُ قَدْ رَجَعَ قَامَا فَخَرَجَا، فَوَاللّهِ! مَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِأَنّهُمَا قَدْ خَرَجَا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَلَمّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفّةِ الْبَابِ أَرْخَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى هَذِهِ الاَيَةَ: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (الأحزاب الاَية: ) الاَيَةَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا شَبَابَةُ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيّانَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا بَهْزٌ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ. حَدّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: صَارَتْ صَفِيّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَيَقُولونَ: مَا رَأَيْنَا فِي السّبْيِ مِثْلَهَا. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ، ثُمّ دَفَعهَا إِلَى أُمّي فَقَالَ "أَصْلِحِيهَا" قَالَ: ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ، حَتّى إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمّ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْقُبّةَ، فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأْتِنَا بِهِ" قَالَ: فَجَعَلَ الرّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التّمْرِ وَفَضْلِ السّوِيقِ، حَتّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَاداً حَيْساً، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَيْسِ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمِ مِنْ مَاءِ السّمَاءِ. قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، حَتّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَيشْنَا إِلَيْهَا، فَرَفَعْنَا مَطِيّنَا، وَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَطِيّتَهُ. قَالَ: وَصَفِيّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَعَثَرَتْ مَطِيّةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ. قَالَ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلاَ إِلَيْهَا، حَتّى قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَتَرَهَا. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ "لَمْ نُضَرّ" قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَ جَوَارِي نِسَائِهِ يَتَرَاءَيْنَهَا وَيَشْمَتْنَ بِصَرْعَتِهَا.
قوله: (حدثنا يعقوب) يعني ابن عبد الرحمن القاري هو القاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة قبيلة معروفة وسبق بيانه. قولها: (جئت أهب لك نفسي) مع سكوته صلى الله عليه وسلم. فيه دليل لجواز هبة المرأة نكاحها له كما قال الله: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} قال أصحابنا: فهذه الاَية وهذا الحديث دليلان لذلك، فإذا وهبت امرأة نفسها له صلى الله عليه وسلم فتزوجها بلا مهر حل له ذلك، ولا يجب عليه بعد ذلك مهرها بالدخول ولا بالوفاة ولا بغير ذلك، بخلاف غيره فإنه لا يخلو نكاحه وجوب مهر إما مسمى وإما مهر المثل، وفي انعقاد نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة وجهان: لأصحابنا أحدهما ينعقد لظاهر الاَية وهذا الحديث. والثاني لا ينعقد بلفظ الهبة بل لا ينعقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح كغيره من الأمة فإنه لا ينعقد إلا بأحد هذين اللفظين عندنا بلا خلاف، ويحمل هذا القائل الاَية والحديث، على أن المراد بالهبة أنه لا مهر لأجل العقد بلفظ الهبة، وقال أبو حنيفة: ينعقد نكاح كل أحد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد، وبمثل مذهبنا قال الثوري وأبو ثور وكثيرون من أصحاب مالك وغيرهم وهو إحدى الروايتين عن مالك، والرواية الأخرى عنه أنه ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع إذا قصد به النكاح سواء ذكر الصداق أم لا، ولا يصح بلفظ الرهن والإجارة والوصية، ومن أصحاب مالك من صححه بلفظ الإحلال والإباحة حكاه القاضي عياض: قوله: (فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ) أما صعد فبتشديد العين أي رفع، وأما صوب فبتشديد الواو أي خفض، وفيه دليل لجواز النظر لمن أراد أن يتزوج امرأة وتأمله إياها، وفيه استحباب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها، وفيه أنه يستحب لمن طلبت منه حاجة لا يمكنه قضاؤها أن يسكت سكوتاً يفهم السائل منه ذلك ولا يخجله بالمنع إلا إذا لم يحصل الفهم إلا بصريح المنع فيصرح، قال الخطابي: وفيه جواز نكاح المرأة من غير أن تسأل هل هي في عدة أم لا حملاً على ظاهر الحال، قال: وعادة الحكام يبحثون عن ذلك احتياطاً. قلت: قال الشافعي لا يزوج القاضي من جاءته لطلب الزواج حتى يشهد عدلان أنه ليس لها ولي خاص وليست في زوجية ولا عدة، فمن أصحابنا من قال هذا شرط واجب، والأصح عندهم أنه استحباب واحتياط وليس بشرط. قوله صلى الله عليه وسلم: "انظر ولو خاتم من حديد" هكذا هو في النسخ خاتم من حديد وفي بعض النسخ خاتماً وهذا واضح والأول صحيح أيضاً أي ولو حضر خاتم من حديد، وفيه دليل على أنه يستحب أن لا ينعقد النكاح إلا بصداق لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة من حيث أنه لو حصل طلاق قبل الدخول وجب نصف المسمى، فلو لم تكن تسمية لم يجب صداق بل تجب المتعة، فلو عقد النكاح بلا صداق صح قال الله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} فهذا تصريح بصحة النكاح والطلاق من غير مهر ثم يجب لها المهر، وهل يجب بالعقد أم بالدخول؟ فيه خلاف مشهور وهما قولان للشافعي أصحهما بالدخول وهو ظاهر هذه الاَية، وفي هذا الحديث أنه يجوز أن يكون الصداق قليلاً وكثيراً مما يتمول إذا تراضى به الزوجان لأن خاتم الحديد في نهاية من القلة وهذا مذهب الشافعي وهو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، وبه قال ربيعة وأبو الزناد وابن أبي ذئب ويحيى بن سعيد والليث بن سعد والثوري والأوزاعي ومسلم بن خالد الزنجي وابن أبي ليلى وداود وفقهاء أهل الحديث وابن وهب من أصحاب مالك. قال القاضي: هو مذهب العلماء كافة من الحجازيين والبصريين والكوفيين والشاميين وغيرهم أنه يجوز ما تراضى به الزوجان من قليل وكثير كالسوط والنعل وخاتم الحديد ونحوه. وقال مالك: أقله ربع دينار كنصاب السرقة. قال القاضي: هذا مما انفرد به مالك. وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشر دراهم. وقال ابن شبرمة: أقله خمسة دراهم اعتباراً بنصاب القطع في السرقة عندهما. وكره النخعي أن يتزوج بأقل من أربعين درهماً، وقال مرة: عشرة. وهذه المذاهب سوى مذهب الجمهور مخالفة للسنة، وهم محجوجون بهذا الحديث الصحيح الصريح. وفي هذا الحديث جواز اتخاذ خاتم الحديث، وفيه خلاف للسلف حكاه القاضي، ولأصحابنا في كراهته وجهان أصحهما لا يكره لأن الحديث في النهي عنه ضعيف، وقد أوضحت المسألة في شرح المهذب، وفيه استحباب تعجيل تسليم المهر إليها. قوله: (لا والله يا رسول الله ولا خاتم من حديد) فيه جواز الحلف من غير استحلاف ولا ضرورة، لكن قال أصحابنا: يكره من غير حاجة وهذا كان محتاجاً ليؤكد قوله. وفيه جواز تزويج المعسر وتزوجه. قوله: (ولكن هذا إزاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء) فيه دليل على نظر كبير القوم في مصالحهم وهدايته إياهم إلى ما فيه الرفق بهم، وفيه جواز لبس الرجل ثواب امرأته إذا رضيت أو غلب على ظنه رضاها وهو المراد في هذا الحديث.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فقد ملكتها بما معك" هكذا هو في معظم النسخ، وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين ملكتها بضم الميم وكسر اللام المشددة على ما لم يسم فاعله، وفي بعض النسخ ملكتكها بكافين، وكذا رواه البخاري، وفي الرواية الأخرى زوجتكها. قال القاضي: قال الدارقطني رواية من روى ملكتها وهم، قال: والصواب رواية من روى زوجتكها، قال: وهم أكثر وأحفظ. قلت: ويحتمل صحة اللفظين ويكون جرى لفظ التزويج أولاً فملكها ثم قال له اذهب فقد ملكتها بالتزويج السابق والله أعلم. وفي هذا الحديث دليل لجواز كون الصداق تعليم القرآن وجواز الاستئجار لتعليم القرآن وكلاهما جائز عند الشافعي، وبه قال عطاء والحسن بن صالح ومالك وإسحاق وغيرهم، ومنعه جماعة منهم الزهري وأبو حنيفة، وهذا الحديث مع الحديث الصحيح: "إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله" يردان قول من منع ذلك. ونقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة سوى أبي حنيفة.
قولها: "كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً، قالت: أتدري ما النش؟ قلت لا، قالت: نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم" أما الأوقية فبضم الهمزة وبتشديد الياء، والمراد أوقية الحجاز وهي أربعون درهماً، وأما النش فبنون مفتوحة ثم شين معجمة مشددة، واستدل أصحابنا بهذا الحديث على أنه يستحب كون الصداق خمسمائة درهم، والمراد في حق من يحتمل ذلك، فإن قيل: فصداق أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان أربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار. فالجواب: أن هذا القدر تبرع به النجاشي من ماله إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أداه أو عقد به والله أعلم.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن أثر صفرة قال ما هذا؟) فيه أنه يستحب للإمام والفاضل تفقد أصحابه والسؤال عما يختلف من أحوالهم. وقوله: (أثر صفرة) وفي رواية في غير كتاب مسلم قوله: (رأى عليه صفرة) وفي رواية: (ردع من زعفران) والردع براء ودال وعين مهملات هو أثر الطيب، والصحيح في معنى هذا الحديث أنه تعلق به أثر من الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده ولا تعمد التزعفر، فقد ثبت في الصحيح النهي عن التزعفر للرجال، وكذا نهي الرجال عن الخلوق لأنه شعار النساء، وقد نهي الرجال عن التشبه بالنساء، فهذا هو الصحيح في معنى الحديث، وهو الذي اختاره القاضي والمحققون. قال القاضي: وقيل أنه يرخص في ذلك للرجل العروس، وقد جاء ذلك في أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه، قال: وقيل لعله كان يسيراً فلم ينكر، قال: وقيل كان في أول الإسلام من تزوج لبس ثوباً مصبوغاً علامة لسروره وزواجه، قال: وهذا غير معروف، وقيل: يحتمل أنه كان في ثيابه دون بدنه، ومذهب مالك وأصحابه جواز لبس الثياب المزعفرة وحكاه مالك عن علماء المدينة وهذا مذهب ابن عمر وغيره. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز ذلك للرجل. قوله: (تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب) قال القاضي: قال الخطابي النواة اسم لقدر معروف عندهم فسروها بخمسة دراهم من ذهب، قال القاضي: كذا فسرها أكثر العلماء. وقال أحمد بن حنبل: هي ثلاثة دراهم وثلث. وقيل: المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب والصحيح الأول. وقال بعض المالكية: النواة ربع دينار عند أهل المدينة. وظاهر كلام أبي عبيد أنه دفع خمسة دراهم قال: ولم يكن هناك ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية. قوله صلى الله عليه وسلم: "فبارك الله لك" فيه استحباب الدعاء للمتزوج وأن يقال بارك الله لك أو نحوه، وسبق في الباب قبله إيضاحه. قوله صلى الله عليه وسلم: "أولم ولو بشاة" قال العلماء من أهل اللغة والفقهاء وغيرهم: الوليمة الطعام المتخذ للعرس مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان قاله الأزهري وغيره. وقال الأنباري: أصلها تمام الشيء واجتماعه والفعل منها أولم، قال أصحابنا وغيرهم: الضيافات ثمانية أنواع: الوليمة للعرس، والخرس بضم الخاء المعجمة ويقال الخرص أيضاً بالصاد المهملة للولادة، والإعذار بكسر الهمزة وبالعين المهملة والذال المعجمة للختان، والوكيرة للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر مأخوذة من النقع وهو الغبار، ثم قيل: إن المسافر يصنع الطعام وقيل يصنعه غيره له، والعقيقة يوم سابع الولادة، والوضيمة بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة الطعام عند المصيبة، والمأدبة بضم الدال وفتحها الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب والله أعلم. واختلف العلماء في وليمة العرس هل هي واجبة أم مستحبة؟ والأصح عند أصحابنا أنها سنة مستحبة، ويحملون هذا الأمر في هذا الحديث على الندب، وبه قال مالك وغيره، وأوجبها داود وغيره، واختلف العلماء في وقت فعلها فحكى القاضي أن الأصح عند مالك وغيره أنه يستحب فعلها بعد الدخول، وعن جماعة من المالكية استحبابها عند العقد، وعن ابن حبيب المالكي استحبابها عند العقد وعند الدخول. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أولم ولو بشاة" دليل على أنه يستحب للموسر أن لا ينقص عن شاة، ونقل القاضي الإجماع على أنه لا حد لقدرها المجزئ بل بأي شيء أولم من الطعام حصلت الوليمة، وقد ذكر مسلم بعد هذا في وليمة عرس صفية أنها كانت بغير لحم، وفي وليمة زينب أشبعنا خبزاً ولحماً، وكل هذا جائز تحصل به الوليمة، لكن يستحب أن تكون على قدر حال الزوج. قال القاضي: واختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين فكرهته طائفة ولم تكرهه طائفة، قال: واستحب أصحاب مالك للموسر كونها أسبوعاً
*2* باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العرس
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ: حَدّثَنَا بَهْزٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا أَبُو النّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. قَالاَ جَميعاً: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ وَهَذَا حَدِيثُ بَهْزٍ قَالَ: لَمّا انْقَضَتْ عِدّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيْدٍ: "فَاذْكُرْهَا عَلَيّ" قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمّرُ عَجِينَهَا. قَالَ: فَلَمّا رَأَيْتُهَا عَظمَتْ فِي صَدْرِي، حَتّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهَا، فَوَلّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبي. فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُكِ. قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئاً حَتّى أُوَامِرَ رَبّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ. قَالَ: فَقَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ وَاللّحْمَ حِينَ امْتَدّ النّهَارُ، فَخَرَجَ النّاسُ وَبَقِيَ رِجَالٌ يَتَحَدّثُونَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ الطّعَامِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاتّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ يَتَتَبّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلّمُ عَلَيْهِنّ. وَيَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ قَالَ: فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَنّ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِي. قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتّى دَخَلَ الْبَيْتَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ فَأَلْقَى السّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَنَزَلَ الْحِجَابُ. قَالَ: وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ.
زَادَ ابْنُ رَافِعٍ فِي حَدِيثِهِ: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إِلَى قوله: {وَاللّهُ لاَ يَسْتَحْيِيِ مِنَ الْحَقّ}.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ فضَيْلُ بْنُ حُسَينٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ)، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، (وَفِي رِوَايةِ أَبِي كَامِلٍ: سَمِعْتُ أَنَساً) قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى امْرَأَةٍ (وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ: عَلَى شَيْءٍ) مِنْ نِسَائِهِ، مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِنّهُ ذَبَحَ شَاةً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوّادٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِمّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ. فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيّ: بِمَا أَوْلَمَ؟ قَالَ: أَطْعَمَهُمْ خُبْزاً وَلَحْماً حَتّى تَرَكُوهُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ و عَاصِمُ بْنُ النّضْرِ التّيْمِيّ، و مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، كُلّهُمْ عَنْ مُعْتَمِرٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ حَبِيبٍ). حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي. حَدّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: لَمّا تَزَوّجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْت جَحْشٍ، دَعَا الْقَوْمِ فَطَعِمُوا، ثُمّ جَلَسُوا يَتَحَدّثُونَ. قَالَ: فَأَخَذَ كَأَنّهُ يَتَهَيّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمّا قَام قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ الْقَوْمِ.
زَادَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى فِي حَدِيثِهِمَا قَالَ: فَقَعَدَ ثَلاَثَةٌ. وَإِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ. ثُمّ إِنّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا. قَالَ: فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا. قَالَ: فَجَاءَ حَتّى دَخَلَ. فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إِلَى قوله: {إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيماً}.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: حَدّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إِنّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النّاسِ بِالْحِجَابِ، لَقَدْ كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ. قَالَ أَنَسٌ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَرُوساً بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَالَ: وَكَانَ تَزَوّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النّاسَ لِلطّعَامِ بَعْدَ ارتِفَاعِ النّهَارِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَمَا قَامَ الْقَوْمُ، حَتّى قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَشَى فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمّ ظَنّ أَنّهُمْ قَدْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ الثّانِيَةَ، حَتّى بَلَغَ حُجْرَةَ عَائِشَةَ، فَرَجَعَ فَرَجَعْت، فَإِذَا هُمْ قَدْ قَامُوا، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالسّتْرِ، وَأَنْزَلَ اللّهُ آيَةَ الْحِجَابِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا جَعْفَرٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ)، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: تَزّوّجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ. قَالَ: فَصَنَعَتْ أُمّي أُمّ سُلَيْمٍ حَيْساٍ فَجَعَلَتْهُ فِي توْرٍ. فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْ بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمّي، وَهِيَ تُقْرِئُكَ السّلاَمَ. وَتَقُولُ: إِنّ هَذَا لَكَ مِنّا قَلِيلٌ، يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: إِنّ أُمّي تُقْرِئُكَ السّلاَمَ وَتَقُولُ: إِنّ هَذَا لَكَ مِنّا قَلِيلٌ، يَا رَسُولَ اللّهِ! فَقَالَ: "ضَعْهُ" ثُمّ قَالَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلاَناً وَفُلاَناً وَفُلاَناً. وَمَنْ لَقِيتَ" وَسَمّى رِجَالاً. قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمّى وَمَنْ لَقِيتُ. قَالَ: قُلْتُ لاَِنَسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاءَ ثَلاَثِمِائَةٍ.
وَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَنَسُ هَاتِ التّوْرَ" قَالَ: فَدَخَلُوا حَتّى امْتَلأَتِ الصُفّةُ وَالْحُجْرَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِيَتَحَلّقْ عشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلْيَأْكُلْ كُلّ إِنْسَانٍ مِمّا يَلِيهِ" قَالَ: فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا. قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ حَتّى أَكَلُوا كُلّهُمْ. فَقَالَ لِي: "يَا أَنَسُ! ارْفَعْ" قَالَ: فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ. قَالَ: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، وَزَوْجَتُهُ مُوَلّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ، فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلّمَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمّ رَجَعَ. فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَجَعَ ظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرَجُوا كُلّهُمْ. وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى أَرْخَى السّتْرَ وَدَخَلَ. وَأَنَا جَالِسٌ فِي الْحُجْرَ،. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاّ يَسِيراً حَتّى خَرَجَ عَلَيّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَة. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَرَأَهُنّ عَلَى النّاسِ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النّبِيّ} إِلَى آخِرِ الاَيَةِ.
قَالَ الْجَعْدُ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَحْدَثُ النّاسِ عَهْداً بِهَذِهِ الاَيَاتِ، وَحُجِبْنَ نِسَاءُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: حَدّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمّا تَزَوّجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ أَهْدَتْ لَهُ أُمّ سُلَيْمٍ حَيْساً فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" فَدَعَوْتُ لَهُ مَنْ لَقِيتُ، فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، وَوَضَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى الطّعَامِ فَدَعَا فِيهِ، وَقَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقُولَ، وَلَمْ أَدَعْ أَحَداً لَقِيتُهُ إِلاّ دَعَوْتُهُ، فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا، وَخَرَجُوا، وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَطَالُوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، فَجَعَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْيِ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَيْئاً، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ فِي الْبَيْتِ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} (قَالَ قَتَادَةُ: غَيْرَ مُتَحَيّنِينَ طَعَاماً) {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} حَتّى بَلَغَ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ}.
قوله: (فصلينا عندها صلاة الغداة) دليل على أنه لا كراهة في تسميتها الغداة، وقال بعض أصحابنا: يكره والصواب الأول. قوله: (وأنا رديف أبي طلحة) دليل لجواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة بمثله. قوله: (فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر) دليل لجواز ذلك وأنه لا يسقط المروءة ولا يخل بمراتب أهل الفضل لا سيما عند الحاجة للقتال أو رياضة الدابة أو تدريب النفس ومعاناة أسباب الشجاعة. قوله: (وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) هذا مما يستدل به أصحاب مالك وغيرهم ممن يقول الفخذ ليس بعورة ومذهبنا أنه عورة، ويحمل أصحابنا هذا الحديث على أن انحسار الإزار وغيره كان بغير اختياره صلى الله عليه وسلم فانحسر للزحمة وإجراء المركوب، ووقع نظر أنس إليه فجأة لا تعمداً، وكذلك مست ركبته الفخذ من غير اختيارهما بل للزحمة، ولم يقل أنه تعمد ذلك ولا أنه حسر الإزار بل قال انحسر بنفسه. قوله: (فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر) فيه دليل لاستحباب الذكر والتكبير عند الحرب، وهو موافق لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً} ولهذا قالها ثلاث مرات، ويؤخذ منه أن الثلاث كثير. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: خرجت خيبر فذكروا فيه وجهين: أحدهما أنه دعاء أسأل الله خرابها. والثاني أنه إخبار بخرابها على الكفار وفتحها للمسلمين. قوله: (محمد والخميس) هو بالخاء المعجمة وبرفع السين المهملة وهو الجي، قال الأزهري وغيره: سمي خميساً لأنه خمسة أقسام: مقدمة وساقة وميمنة وميسرة وقلب، وقيل لتخميس الغنائم، وأبطلوا هذا القول لأن هذا الاسم كان معروفاً في الجاهلية ولم يكن لهم تخميس. قوله: (وأصبناها عنوة) هو بفتح العين أي قهراً لا صلحاً، وبعض حصون خيبر أصيب صلحاً، وسنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى. قوله: (فجاءه دحية إلى قوله فأخذ صفية بنت حيي) أما دحية فبفتح الدال وكسرها. وأما صفية فالصحيح أن هذا كان اسمها قبل السبي، وقيل كان اسمها زينب فسميت بعد السبي والاصطفاء صفية. قوله: "أعطيت دحية صفة بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها، قال: فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها" قال المازري وغيره: يحتمل ما جرى مع دحية وجهين: أحدهما أن يكون رد الجارية برضاه وأذن له في غيرها. والثاني أنه إنما أذن له في جارية له من حشو السبي لا أفضلهن، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسباً وشرفاً في قومها وجمالاً استرجعها لأنه لم يأذن فيها، ورأى في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها على باقي الجي، ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم، ولما يخاف من استعلائها على دحية بسبب مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره، فكان أخذه صلى الله عليه وسلم إياها لنفسه قاطعاً لكل هذه المفاسد المتخوفة ومع هذا فعوض دحية عنها. وقوله في الرواية الأخرى: (أنها وقعت في سهم دحية فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس) يحتمل أن المراد بقوله وقعت في سهمه أي حصلت بالإذن في أخذ جارية ليوافق باقي الروايات. وقوله: اشتراها أي أعطاه بدلها سبعة أنفس تطييباً لقلبه لا أنه جرى عقد بيع، وعلى هذا تتفق الروايات. وهذا الإعطاء. لدحية محمول على التنفل، فعلى قول من يقول التنفيل يكون من أصل الغنيمة لا إشكال فيه، وعلى قول من يقول أن التنفيل من خمس الخمس يكون هذا التنفيل من خمس الخمس بعد أن ميز أو قبله ويحسب منه، فهذا الذي ذكرناه هو الصحيح المختار. وحكى القاضي معنى بعضه ثم قال: والأولى عندي أن تكون صفية فيئاً لأنها كانت زوجة كنانة بن الربيع وهو وأهله من بني أبي الحقيق كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط عليهم أن لا يكتموه كنزاً فإن كتموه فلا ذمة لهم، وسألهم عن كنز حيي بن أخطب فكتموه وقالوا: أذهبته النفقات ثم عثر عليه عندهم فانتقض عهدهم فسباهم. ذكر ذلك أبو عبيد وغيره، فصفية من سبيهم فهي فيء لا يخمس بل يفعل فيه الإمام ما رأى، هذا كلام القاضي وهذا تفريع منه على مذهبه أن الفيء لا يخمس، ومذهبنا أنه يخمس كالغنيمة والله أعلم. قوله: (فقال له ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها) فيه أنه يستحب أن يعتق الأمة ويتزوجها كما قال في الحديث الذي بعده له أجران. وقوله: أصدقها نفسها اختلف في معناه فالصحيح الذي اختاره المحققون أنه أعتقها تبرعاً بلا عوض ولا شرط ثم تزوجها برضاها بلا صداق، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز نكاحه بلا مهر لا في الحال ولا فيما بعد بخلاف غيره. وقال بعض أصحابنا: معناه أنه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به.
وقال بعض أصحابنا: أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مجهولة، ولا يجوز هذا ولا الذي قبله لغيره صلى الله عليه وسلم بل هما من الخصائص كما قال أصحاب القول الأول. واختلف العلماء فيمن أعتق أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها فقال الجمهور: لا يلزمها أن تتزوج به ولا يصح هذا الشرط، وممن قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر. قال الشافعي: فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت عتقت ولا يلزمها أن تتزوجه بل له عليها قيمتها لأنه لم يرض بعتقها مجاناً، فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه فله عليها القيمة ولها عليه المهر المسمى من قليل أو كثير، وإن تزوجها على قيمتها فإن كانت القيمة معلومة له ولها صح الصداق ولا تبقى له عليها قيمة ولا لها عليه صداق، وإن كانت مجهولة ففيه وجهان لأصحابنا أحدهما يصح الصداق كما لو كانت معلومة، لأن هذا العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف، وأصحهما وبه قال جمهور أصحابنا لا يصح الصداق بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل. وقال سعيد بن المسيب والحسن والنخعي والزهري والثوري والأوزاعي وأبو يوسف وأحمد وإسحاق: يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به، ويكون عتقها صداقها ويلزمها ذلك، ويصح الصداق على ظاهر لفظ هذا الحديث وتأوله الاَخرون بما سبق. قوله: (حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروساً) وفي الرواية التي بعد هذه: (ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها) قال: وأحسبه قال وتعتد في بيتها. أما قوله: تعتد فمعناه تستبرئ فإنها كانت مسبية يجب استبراؤها وجعلها في مدة الاستبراء في بيت أم سليم، فلما انقضى الاستبراء جهزتها أم سليم وهيأتها أي زينتها وجملتها على عادة العروس بما ليس بمنهى عنه من وشم ووصل وغير ذلك من المنهي عنه. وقوله: أهدتها أي زفتها يقال أهديت العروس إلى زوجها أي زففتها، والعروس يطلق على الزوج والزوجة جميعاً، وفي الكلام تقديم وتأخير ومعناه اعتدت أي استبرأت ثم هيأتها ثم أهدتها والواو لا تقتضي ترتيبها وفيه الزفاف بالليل، وقد سبق في حديث تزوجه صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها الزفاف نهاراً وذكرنا هناك جواز الأمرين والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده شيء فليجئني به" وفي بعض النسخ: فليجيء به بغير نون فيه دليل لوليمة العرس وأنها بعد الدخول وقد سبق أنها تجوز قبله وبعده، وفيه إدلال الكبير على أصحابه وطلب طعامهم في نحو هذا، وفيه أنه يستحب لأصحاب الزوج وجيرانه مساعدته في وليمته بطعام من عندهم. قوله: (وبسط نطعاً) فيه أربع لغات مشهورات: فتح النون وكسرها مع فتح الطاء وإسكانها أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء وجمعه نطوع وأنطاع. قوله: (فجعل الرجل يجيء بالأقط وجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن فحاسوا حيساً) الحيس هو الأقط والتمر والسمن يخلط ويعجن ومعناه جعلوا ذلك حيساً ثم أكلوه. قوله صلى الله عليه وسلم: "في الذي يعتق جاريته ثم يتزوجها له أجران" هذا الحديث سبق بيانه وشرحه واضحاً في كتاب الإيمان حيث ذكره مسلم، وإنما أعاده هنا تنبيهاً على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في صفية لهذه الفضيلة الظاهرة. قوله: "حين بزغت الشمس" هو بفتح الباء والزاي ومعناه عند ابتداء طلوعها. قوله: (وخرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم) أما الفؤوس فبهمزة ممدودة على وزن فعول جمع فأس بالهمز وهي معروفة، والمكاتل جمع مكتل وهو القفة والزنبيل، والمرور جمع مر بفتح الميم وهو معروف نحو المجرفة وأكبر منها يقال لها المساحي، هذا هو الصحيح في معناه، وحكى القاضي قولين: أحدهما هذا، والثاني المراد بالمرور هنا الحبال كانوا يصعدون بها إلى النخيل قال: واحدها مر بفتح الميم وكسرها لأنه يمر حين يفتل. قوله: (فحصت الأرض أفاحيص) هو بضم الفاء وكسر الحاء المهملة المخففة أي كشف التراب من أعلاها وحفرت شيئاً يسيراً ليجعل الانطاع في المحفور ويصب فيها السمن فيثبت ولا يخرج من جوانبها، وأصل الفحص الكشف، وفحص عن الأمر، وفحص الطائر لبيضه، والأفاحيص جمع أفحوص. قوله: (فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله صلى الله عليه وسلم وندرت فقام فسترها) قوله: عثرت بفتح الثاء وندر بالنون أي سقط، وأصل الندور الخروج والانفراد ومنه كلمة نادرة أي فردة عن النظائر.
قوله: (فجعل يمر على نسائه فيسلم على كل واحدة منهن سلام عليكم كيف أنتم يا أهل البيت فيقولون بخير يا رسول الله كيف وجدت أهلك فيقول بخير) في هذه القطعة فوائد منها أنه يستحب للإنسان إذا أتى منزله أن يسلم على امرأته وأهله، وهذا مما يتكبر عنه كثير من الجاهلين المترفعين. ومنها أنه إذا سلم على واحد قال: سلام عليكم أو السلام عليكم بصيغة الجمع قالوا ليتناوله وملكيه. ومنها سؤال الرجل أهله عن حالهم فربما كانت في نفس المرأة حاجة فتستحيي أن تبتدئ بها فإذا سألها انبسطت لذكر حاجتها. ومنها أنه يستحب أن يقال للرجل عقب دخوله كيف حالك؟ ونحو هذا. قوله: (فلما وضع رجله في أسكفة الباب) هي بهمزة قطع مضمومة وبإسكان السين.
قوله: (فجعل الرجل يجيء بفضل التمر وفضل السويق حتى جعلوا من ذلك سواداً حيساً) السواد بفتح السين وأصل السواد الشخص. ومنه في حديث الإسرّاء رأى آدم عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة أي أشخاصاً، والمراد هنا حتى جعلوا من ذلك كوماً شاخصاً مرتفعاً فخلطوه وجعلوا حيساً. قوله: (حتى إذا رأينا جدر المدينة هشنا إليها) هكذا هو في النسخ هشنا بفتح الهاء وتشديد الشين المعجمة ثم نون، وفي بعضها هششنا بشينين الأولى مكسورة مخففة ومعناهما نشطنا وخففنا وانبعثت نفوسنا إليها، يقال منه هششت بكسر الشين في الماضي وفتحها في المضارع. وذكر القاضي الروايتين السابقتين قال: والرواية الأولى على الإدغام لالتقاء وهي لغة من قال هزت سيفي وهي لغة بكر بن وائل، قال: ورواه بعضهم هشنا بكسر الهاء وإسكان الشين وهو من هاش يهي بمعنى. قوله: (فخرج جواري نسائه) أي صغيرات الأسنان من نسائه. قوله: (يشمتن) هو بفتح الياء والميم. قوله: (قبل هذا ان حجبها فهي امرأته) استدلت به المالكية ومن وافقهم على أن يصح النكاح بغير شهود إذا أعلن لأنه لو أشهد لم يخف عليهم، وهذا مذهب جماعة من الصحابة والتابعين، وهو مذهب الزهري ومالك، وأهل المدينة شرطوا الإعلان دون الشهادة، وقال جماعة من الصحابة ومن بعدهم: تشترط الشهادة دون الإعلان وهو مذهب الأوزاعي والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم، وكل هؤلاء يشترطون شهادة عدلين إلا أبا حنيفة فقال: ينعقد بشهادة فاسقين، وأجمعت الأمة على أنه لو عقد سراً بغير شهادة لم ينعقد، وأما إذا عقد سراً بشهادة عدلين فهو صحيح عند الجماهير. وقال مالك: لا يصح والله أعلم
*2* باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى، حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيُجِبْ".
قَالَ خَالِدٌ: فَإِذَا عُبَيْدُ اللّهِ يُنَزّلُهُ عَلَى الْعُرْسِ.
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ".
حدّثني أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ: حَدّثَنَا أَيّوبُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا حَمّادٌ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "ائْتُوا الدّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ، عُرْساً كَانَ أَوْ نَحْوَهُ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدّثَنَيِ عِيسَى بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدّثَنَا بَقِيّةُ: حَدّثَنَا الزّبَيْدِيّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ".
حدّثني حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيّ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "ائْتُوا الدّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ".
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَجِيبُوا هَذِهِ الدّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا"
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ. وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاعٍ فَأَجِيبُوا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ" وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الْمُثَنّى "إِلَى طَعَامٍ".
وحدّثنا ابنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: بِئْسَ الطّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إلَيهِ الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَهُ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِلزّهْرِيّ: يَا أَبَا بَكْرٍ؟ كَيْفَ هَذَا الْحَدِيثُ: شَرّ الطّعَامِ طَعَامُ الأَغُنِيَاءِ؟ فَضَحِكَ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ: شَرّ الطّعَامِ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَ أَبِي غَنِيّاً. فَأَفْزَعَنِي هَذَا الْحَدِيثُ حِينَ سَمِعْتُ بِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ الزّهْرِيّ فَقَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ الأَعْرَجُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: شَرّ الطَعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعَمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَعَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَرّ الطّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. نَحْوَ ذَلِكَ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتاً الأَعْرَجَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "شَرّ الطّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا: وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَهُ".
قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد فاذكرها علي) أي فاخطبها لي من نفسها، فيه دليل على أنه لا بأس أن يبعث الرجل لخطبة المرأة له من كان زوجها إذا علم أنه لا يكره ذلك كما كان حال زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي معناه أنه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها فعاملها معاملة من تزوجها صلى الله عليه وسلم في الإعظام والإجلال والمهابة. وقوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها) هو بفتح الهمزة من أن أي من أجل ذلك، وقوله نكصت أي رجعت وكان جاء إليها ليخطبها وهو ينظر إليها على ما كان من عادتها وهذا قبل نزول الحجاب، فلما غلب عليه الإجلال تأخر وخطبها وظهره إليها لئلا يسبقه النظر إليها. قولها: (ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها) أي موضع صلاتها من بيتها، وفيه استحباب صلاة الاستخارة لمن هم بأمر سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا، وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة إلى آخره، ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم. قوله: (ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن) يعني نزل قوله تعالى: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} فدخل عليها بغير إذن لأن الله تعالى زوجه إياها بهذه الاَية. قوله: "ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار" هو بفتح الهمزة من أن، وقوله حين امتد النهار أي ارتفع هكذا هو في النسخ حين بالنون. قوله: (يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن) إلى آخره سبق شرحه في الباب قبله. قوله: (أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه) يعني حتى شبعوا وتركوه لشبعهم. قوله: (ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر أو أفضل مما أولم على زينب) يحتمل أن سبب ذلك الشكر لنعمة الله في أن الله تعالى زوجه إياها بالوحي لا بولي وشهود بخلاف غيرها. ومذهبنا الصحيح المشهور عند أصحابنا صحة نكاحه صلى الله عليه وسلم بلا ولي ولا شهود لعدم الحاجة إلى ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم، وهذا لخلاف في غير زينب، وأما زينب فمنصوص عليها والله أعلم. قوله: (حدثنا أبو مجلز) هو بكسر الميم وإسكان الجيم وفتح اللام وبعدها زاي وحكي بفتح الميم والمشهور الأول واسمه لاحق بن حميد قيل وليس في الصحيحين من أول اسمه لام ألف غيره. قوله: عن أنس قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله فصنعت أمي أم سليم حيساً فجعلته في تور فقالت يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت بهذا إليك أمي وهي تقرئك السلام وتقول إن هذا لك منا قليل يا رسول الله" فيه أنه يستحب لأصدقاء المتزوج أن يبعثوا إليه بطعام يساعدونه به على وليمته، وقد سبق هذا في الباب قبله، وسبق هناك بيان الحيس وفيه إِلاعتذار إلى المبعوث إليه، وقول الإنسان نحو قول أم سليم: هذا لك منا قليل، وفيه استحباب بعث السلام إلى الصاحب وإن كان أفضل من الباعث لكن هذا يحسن إذا كان بعيداً من موضعه أوله عذر في عدم الحضور بنفسه للسلام، والتور بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو ساكنة إناء مثل القدح سبق بيانه في باب الوضوء. قوله صلى الله عليه وسلم: (اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً ومن لقيت وسمى رجالاً قال: فدعوت من سمى ومن لقيت قال قلت لأنس عددكم كانوا قال زهاء ثلاثمائة) قوله زهاء بضم الزاي وفتح الهاء وبالمد ومعناه نحو ثلاثمائة، وفيه أنه يجوز في الدعوة أن يأذن المرسل في ناس معينين وفي مبهمين كقوله: من لقيت من أردت. وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكثير الطعام كما أوضحه في الكتاب. قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس هات التور" هو بكسر التاء من هات كسرت للأمر كما تكسر الطاء من أعط. قوله: (وزوجته مولية وجهها) هكذا هو في جميع النسخ وزوجته بالتاء وهي لغة قليلة تكررت في الحديث والشعر والمشهور حذفها. قوله: (ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه) هو بضم القاف المخففة
*2* باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها، ثم يفارقها، وتنقضي عدّتها
*دعوة الطعام بفتح الدال ودعوة النسب بكسرها هذا قول جمهور العرب وعكسه تيم الرباب بكسر الراء فقالوا الطعام بالكسر والنسب بالفتح، وأما قول قطرب في المثلث إن دعوة الطعام بالضم فغلطوه فيه
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلّقَنِي فَبَتّ طَلاَقِي، فَتَزَوّجْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الزّبِيرِ، وَإِنّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثّوْبِ، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعةَ؟ لاَ. حَتّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ".
قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ، وَخَالِدٌ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَنَادَى: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلاَ تَسْمَعُ هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ و حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى (وَاللّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) (قَالَ أَبُو الطّاهِرِ: حَدّثَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي عُرْوَةَ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيّ طَلّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتّ طَلاَقَهَا. فَتَزَوّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الزّبِيرِ، فَجَاءَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ، فَطَلّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الزّبِيرِ، وَإِنّهُ، وَاللّهِ! مَا مَعَهُ إِلاّ مِثْلُ الْهُدْبَةِ، وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا. قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكاً. فَقَالَ: "لَعَلّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لاَ، حَتّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ". وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. قَالَ: فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ: أَلاَ تَزْجُرُ هَذِهِ عَمّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيّ طَلّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوّجَهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الزّبِيرِ. فَجَاءَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ رِفَاعَةَ طَلّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، بِمِثْلِ حَدْيثِ يُونُسَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمَدَانِيّ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يَتَزَوّجُهَا الرّجُلُ، فَيُطَلّقُهَا، فَتَتَزَوّجُ رَجُلاً، فَيُطَلّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا. أَتَحِلّ لِزَوْجِهَا الأَوّل؟ قَالَ: "لاَ، حَتّى يَذوقَ عُسَيْلَتَهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. جَمِيعاً عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَلّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً، فَتَزَوّجَهَا رَجُلٌ ثُمّ طَلّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَأَرَادَ زَوْجُهَا الأَوّلُ أَنْ يَتَزَوّجَهَا، فَسُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: "لاَ، حَتّى يَذُوقَ الاَخِرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا، مَا ذَاقَ الأَوّلُ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَاه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ). جَمِيعاً، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ: حَدّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" فيه الأمر بحضورها ولا خلاف في أنه مأمور به، ولكن هل هو أمر إيجاب أو ندب؟ فيه خلاف الأصح في مذهبنا أنه فرض عين على كل من دعي لكن يسقط بأعذار سنذكرها إن شاء الله تعالى. والثاني أنه فرض كفاية. والثالث مندوب هذا مذهبنا في وليمة العرس. وأما غيرها ففيها وجهان: لأصحابنا أحدهما أنها كوليمة العرس. والثاني أن الإجابة إليها ندب وإن كانت في العرس واجبة. ونقل القاضي اتفاق العلماء على وجوب الإجابة في وليمة العرس قال: واختلفوا فيما سواها فقال مالك والجمهور: لا تجب الإجابة إليها، وقال أهل الظاهر: تجب الإجابة إلى كل دعوة من عرس وغيره وبه قال بعض السلف، وأما الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها فمنها أن يكون في الطعام شبهة أو يخص بها الأغنياء أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه لخوف شره أو لطمع في جاهه أو ليعاونه على باطل، وأن لا يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فرش حرير أو صور حيوان غير مفروشة أو آنية ذهب أو فضة، فكل هذه أعذار في ترك الإجابة، ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه، ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح، ولو كانت الدعوة ثلاثة أيام فالأول تجب الإجابة فيه، والثاني تستحب، والثالث تكره. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" قد يحتج به من يخص وجوب الإجابة بوليمة العرس ويتعلق الاَخرون بالروايات المطلقة. ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذه: "إذا دعى أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه" ويحملون هذا على الغالب أو نحوه من التأويل، والعرس باسكان الراء وضمها لغتان مشهورتان وهي مؤنثة وفيها لغة بالتذكير. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن دعيتم إلى كراع فأجيبوا" والمراد به عند جماهير العلماء كراع الشاة، وغلطوا من حمله على كراع الغميم وهو موضع بين مكة والمدينة على مراحل من المدينة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فإن شاء طعم وإن شاء ترك".
وفي الرواية الأخرى: "فليجب فإن كان صائماً فليصل وإن كان مفطراً فليطعم" اختلفوا في معنى فليصل قال الجمهور: معناه فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك، وأصل الصلاة في اللغة الدعاء ومنه قوله تعالى: {وصل عليهم} وقيل: المراد الصلاة الشرعية بالركوع والسجود أي يشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ولتبرك أهل المكان والحاضرين. وأما المفطر في الرواية الثانية أمره بالأكل وفي الأولى مخير، واختلف العلماء في ذلك والأصح في مذهبنا أنه لا يجب الأكل في وليمة العرس ولا في غيرها، فمن أوجبه اعتمد الرواية الثانية وتأول الأولى على من كان صائماً، ومن لم يوجبه اعتمد التصريح بالتخيير في الرواية الأولى وحمل الأمر في الثانية على الندب، وإذا قيل بوجوب الأكل فأقله لقمة ولا تلزمه الزيادة لأنه يسمى أكلاً، ولهذا لو حلف لا يأكل حنث بلقمة، ولأنه قد يتخيل صاحب الطعام أن امتناعه لشبهة يعتقدها في الطعام، فإذا أكل لقمة زال ذلك التخيل، هكذا صرح باللقمة جماعة من أصحابنا، وأما الصائم فلا خلاف أنه لا يجب عليه الأكل، لكن إن كان صومه فرضاً لم يجز له الأكل لأن الفرض لا يجوز الخروج منه، وإن كان نفلاً جاز الفطر وتركه، فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر وإلا فإتمام الصوم والله أعلم. قوله: (قبل هذا وكان عبد الله يعني ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس ويأتيها وهو صائم) فيه أن الصوم ليس بعذر في الإجابة وكذا قاله أصحابنا قالوا: إذا دعي وهو صائم لزمه الإجابة كما يلزم المفطر ويحصل المقصود بحضوره، وإن لم يأكل فقد يتبرك به أهل الطعام والحاضرون وقد يتجملون به، وقد ينتفعون بدعائه أو بإشارته، أو ينصانون عما لا ينصانون عنه في غيبته والله أعلم.
قوله: (شر الطعام طعام الوليمة) ذكره مسلم موقوفاً على أبي هريرة ومرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن الحديث إذا روي موقوفاً ومرفوعاً حكم برفعه على المذهب الصحيح لأنها زيادة ثقة، ومعنى هذا الحديث الإخبار بما يقع من الناس بعده صلى الله عليه وسلم من مراعاة الأغنياء في الولائم ونحوها، وتخصيصهم بالدعوة، وإيثارهم بطيب الطعام ورفع مجالسهم وتقديمهم وغير ذلك مما هو الغالب في الولائم والله المستعان. قوله: (سمعت ثابتاً الأعرج يحدث عن أبي هريرة) هو ثابت بن عياض الأعرج الأحنف القرشي العدوي مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وقيل: مولى عمر بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وقيل: اسمه ثابت بن الأحنف بن عياض والله أعلم
*2* باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَى) قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللّهِ. اللّهُمّ جَنّبْنَا الشّيْطَانَ. وَجَنّبِ الشّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنّهُ، إِنْ يُقَدّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِك،لَمْ يَضُرّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزّاقِ. جَمِيعاً، عَنِ الثّوْرِيّ. كِلاَهُمَا، عَنْ مَنْصُورٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ، غَيْرَ أَنّ شُعْبَةَ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ "بِاسْمِ اللّهِ". وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنِ الثّوْرِيّ "بِاسْمِ اللّهِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ: قَالَ مَنْصُورٌ: أُرَاهُ قَالَ "بِاسْمِ اللّهِ".
شس قولها: (فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير) هو بفتح الزاي وكسر الباء بلا خلاف، وهو الزبير بن باطاء ويقال باطياء وكان عبد الرحمن صحابياً والزبير قتل يهودياً في غزوة بني قريظة، وهذا الذي ذكرنا من أن عبد الرحمن بن الزبير بن باطاء القرظي هو الذي تزوج امرأة رفاعة القرظي هو الذي ذكره أبو عمر بن عبد البر والمحققون، وقال ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما في معرفة الصحابة: إنما هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس والصواب الأول. قولها: فبت طلاقي أي طلقني ثلاثاً. قولها: هدبة الثوب هو بضم الهاء وإسكان الدال وهي طرفه الذي لم ينسج شبهوها بهدب العين وهو شعر جفنها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" هو بضم العين وفتح السين تصغير عسلة وهي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته، قالوا: وأنث العسيلة لأن في العسل نعتين التذكير والتأنيث، وقيل أنثها على إرادة النطفة وهذا ضعيف لأن الإنزال لا يشترط. وفي هذا الحديث أن المطلقة ثلاثاً لا تحل لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها، فأما مجرد عقده عليها فلا يبيحها للأول، وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وانفرد سعيد بن المسيب فقال: إذا عقد الثاني عليها ثم فارقها حلت للأول ولا يشترط وطء الثاني لقول الله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} والنكاح في العقد على الصحيح. وأجاب الجمهور بأن هذا الحديث مخصص لعموم الأية ومبين للمراد بها، قال العلماء: ولعل سعيداً لم يبلغه هذا الحديث. قال القاضي عياض: لم يقل أحد بقول سعيد في هذا إلا طائفة من الخوارج واتفق العلماء على أن تغييب الحشفة في قبلها كاف في ذلك من غير إنزال المني، وشذ الحسن البصري فشرط إنزال المني وجعله حقيقة العسيلة. قال الجمهور: بدخول الذكر تحصل اللذة والعسيلة، ولو وطئها في نكاح فاسد لم تحل للأول على الصحيح لأنه ليس بزوج. قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم تبسم) قال العلماء: إن التبسم للتعجب من جهرها وتصريحها بهذا الذي تستحيي النساء منه في العادة أو لرغبتها في زوجها الأول وكراهة الثاني والله أعلم.
*2* باب جواز جماعه امرأته في قبلها، من قدامها ومن ورائها، من غير تعرض للدبر
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرّجُلُ امْرَأَتَهُ، مِنْ دُبُرِهَا، فِي قُبُلِهَا، كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} (2 البقرة الاَية:3 ).
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أُتِيتِ الْمَرْأَةُ، مِنْ دُبُرِهَا، فِي قُبُلِهَا، ثُمّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ. قَالَ: فَأُنْزِلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ}.
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدّي، عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ أَبُو مَعْنٍ الرّقَاشِيّ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: حَدّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ النّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدّثُ، عَنِ الزّهْرِي. ح وَحَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ: حَدّثَنَا مُعَلّى بْنُ أَسَدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ الْمُخْتَارِ)، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، كُلّ هَولاَءِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ النّعْمَانِ عَنِ الزّهْرِيّ: وَإِنْ شَاءَ مُجَبّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبّيَةٍ، غَيْرَ أَنّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما في ذلك ولد لم يضره شيطان أبداً" قال القاضي: قيل المراد بأنه لا يضره أنه لا يصرعه شيطان، وقيل لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته بخلاف غيره، قال: ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والإغواء، هذا كلام القاضي
*2* باب تحريم امتناعها من فراش زوجها
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ".
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ: حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ): حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ "حَتّى تَرْجِعَ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ (يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلاّ كَانَ الّذِي فِي السّمَاءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا، حَتّى يَرْضَى عَنْهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ): حَدّثَنَا جَرِيرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا الرّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلَمْ تَأْتِهِ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ".
قول جابر: (كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وفي رواية: (إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد). المجبية بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم باء موحدة مشددة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت أي مكبوبة على وجهها. والصمام بكسر الصاد أي ثقب واحد والمراد به القبل. قال العلماء: وقوله تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي موضع الزرع من المرأة وهو قبلها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد، ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة. وأما الدبر فليس هو بحرث ولا موضع زرع. ومعنى قوله: {أنى شئتم} أي كيف شئتم. واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضاً كانت أو طاهراً لأحاديث كثيرة مشهورة كحديث: "ملعون من أتى امرأة في دبرها" قال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الاَدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال والله أعلم. قوله: (إن يهود كانت تقول) هكذا هو في النسخ يهود غيره مصروف لأن المراد قبيلة اليهود فامتنع صرفه للتأنيث والعلمية
*2* باب تحريم إفشاء سر المرأة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ الْعُمَرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِنْ أَشَرّ النّاسِ عِنْدَ اللّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمّ يَنْشُرُ سِرّهَا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمّ يَنْشُر سِرّهَا" وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ "إِنّ أَعْظَمَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" وفي رواية: (حتى ترجع) هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في إِلامتناع لأن له حقاً في الاستمتاع بها فوق الإزار، ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها أو بتوبتها، ورجوعها إلى الفراش. قوله صلى الله عليه وسلم: (فبات غضبان عليها) وفي بعض النسخ غضباناً
*2* باب حكم العزل
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنّهُ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْعَزْلَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ بَالْمُصْطَلِقِ، فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ. فَقُلْنَا: نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا لاَ نَسْأَلُهُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا كَتَبَ اللّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلاّ سَتَكُونُ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْفَرَجِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الزّبْرِقَانِ: حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، فِي مَعْنَى حَدِيثِ رَبِيعَةَ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "فَإِنّ اللّهَ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضّبَعِيّ: حَدّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا فَكُنّا نَعْزِلُ. ثُمّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِك؟ فَقَالَ لَنَا: "وَإِنّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ إِلاّ هِيَ كَائِنَةٌ".
وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، فَإِنّمَا هُوَ الْقَدَرُ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ: قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ: حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ وَ بَهْزٌ. قَالُوا جَمِيعاً: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَس بْنِ سِيرِينَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمْ: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْعَزْلِ؟ "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنّمَا هُوَ الْقَدَرُ".
وَفِي رِوَايَةِ بَهْزٍ قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ (وَاللّفْظُ لاَِبِي كَامِلٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ): حَدّثَنَا أَيّوبُ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَسْعُودٍ رَدّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ: سُئِلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَاكُمْ. فَإِنّمَا هُوَ الْقَدَرُ". قَالَ مُحَمّدٌ: وَقَوْلَهُ "لاَ عَلَيْكُمْ" أَقْرَبُ إِلَى النّهْيِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: فَرَدّ الْحَدِيثَ حَتّى رَدّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "وَمَا ذَاكُمْ؟" قَالُوا: الرّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَالرّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ. قَالَ: "فَلاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنّمَا هُوَ الْقَدَرُ".
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ فَقَالَ: وَاللّهِ لَكَأَنّ هَذَا زَجْرٌ.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: حَدّثْتُ مُحَمّداً، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ. (يَعْنِي حَدِيثَ الْعَزْلِ) فَقَالَ: إِيّايَ حَدّثَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى: حَدّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قُلْنَا لاَِبِي سَعِيدٍ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ فِي الْعَزْلِ شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ. إِلَى قَوْلِهِ "الْقَدَرُ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ (قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُبَيْدُ اللّهِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ)، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقالَ: "وَلِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ؟ (وَلَمْ يَقُلْ: فَلا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحدُكُمْ) فَإِنّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلاّ اللّهُ خَالِقُهَا".
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ)، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الْوَدّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ سَمِعَهُ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ "مَا مِنْ كُلّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ. وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ".
حَدّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْبَصْرِيّ: حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ: أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْهَاشِمِيّ، عَنْ أَبِي الْوَدّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ: حَدّثَنَا زُهَيْرٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ. فَقَالَ: "اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ. فَإِنّهُ سَيأْتِيَهَا مَا قُدّرَ لَهَا" فَلَبِثَ الرّجُلُ. ثُمّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ. فَقَالَ "قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدّرَ لَهَا".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَسّانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنّ عِنْدِيِ جَارِيَةً لِي. وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ ذَلِكَ لَنْ يَمْنَعَ شَيْئاً أَرَادَهُ اللّهُ" قَالَ: فَجَاءَ الرّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّ الْجَارِيَةَ الّتِي كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَكَ حَمَلَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم " أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ".
وحدّثنا حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ: حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَسّانَ، قَاصّ أَهْلِ مَكّةَ، أَخْبَرَنِي عُرْوةُ بْنُ عِيَاض بْنِ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ النّوْفَلِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْر: حَدّثَنَا سُفْيَانُ)، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. زَادَ إِسْحَقُ: قَالَ سُفْيَانُ: لَوْ كَانَ شَيْئاً يُنْهَى عَنْهُ، لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ.
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ: حَدّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً يَقُولُ: لَقَدْ كُنّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ: حَدّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْني ابْنَ هِشامٍ): حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يَنْهَنَا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها" قال القاضي: هكذا وقعت الرواية أشر بالألف وأهل النحو يقولون: لا يجوز أشر وأخير وإنما يقال هو خير منه وشر منه، قال: وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعاً وهي حجة في جوازهما جميعاً وأنهما لغتان. وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمر الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه. فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليقل خيراً أو ليصمت" وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأفعله أنا وهذه" وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: "أعرستم الليلة" وقال لجابر: "الكيس الكيس" والله أعلم
*2* باب تحريم وطء الحامل المسبية
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الرّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ أَتَى امْرَأَةٍ مُجِحّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ. فَقَالَ: "لَعَلّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمّ بِهَا؟" فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْناً يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرّثُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلّ لَهُ؟".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا الاْسْنَادِ.
العزل هو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة سواء رضيت أم لا لأنه طريق إلى قطع النسل، ولهذا جاء في الحديث الاَخر تسميته الوأد الخفي لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد. وأما التحريم فقال أصحابنا: لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا، لأن عليه ضرراً في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها، وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولدته رقيقاً تبعاً لأمه، وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم. ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه، وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام وليس معناه نفي الكراهة، هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث، وللسلف خلاف كنحو ما ذكرناه من مذهبنا، ومن حرمه بغير إذن الزوجة الحرة قال عليها ضرر في العزل فيشترط لجواره إذنها. قوله: (غزوه بالمصطلق) أي بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، قال القاضي: قال أهل الحديث هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه كان في غزوة أطاوس. قوله: (كرائم العرب) أي النفيسات منهم. قوله: (فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء) معناه احتجنا إلى الوطء وخفنا من الحبل فتصير أم ولد يمتنع عليها بيعها علينا بيعها وأخذ الفداء فيها فيستنبط منه منع بيع أم الولد وأن هذا كان مشهوراً عندهم. قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون) معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لأن كل نفس قدر الله تعالى خلقها لا بد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا، وما لم يقدر خلقها لا يقع سواء عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم، فإنه إن كان الله تعالى قدر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق. وفي هذا الحديث دلالة لمذهب جماهير العلماء أن العرب يجري عليهم الرق كما يجري على العجم، وأنهم إذا كانوا مشركين وسبوا جاز استرقافهم لأن بني المصطلق عرب صلبية من خزاعة، وقد استرقوهم ووطئوا سباياهم واستباحوا بيعهن وأخذ فدائهن، وبهذا قال مالك والشافعي في قوله الصحيح الجديد وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم: لا يجري عليهم الرق لشرفهم والله أعلم.
قوله: (إن لي جارية) هي خادمنا وسانيتنا أي التي تسقي لنا شبهها بالبعير في ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم للذي أخبره بأن له جارية يعزل عنها: "إن شئت ثم أخبره أنها حبلت" إلى آخره، فيه دلالة على إلحاق النسب مع العزل لأن الماء قد سبق، وفيه أنه إذا اعترف بوطء أمته صارت فراشاً له وتلحقه أولادها إلا أن يدعي الاستبراء وهو مذهبنا ومذهب مالك. قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد الله ورسوله" معناه هنا أن ما أقول لكم حق فاعتمدوه واستيقنوه فإنه يأتي مثل فلق الصبح
*2* باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع، وكراهة العزل
*وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللّفْظُ لَهُ). قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الأَسَدِيّةِ أَنّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، حَتّى ذَكَرْتُ أَنّ الرّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلاَ يَضُرّ أَوْلاَدَهُمْ".
قَالَ مُسْلِمٌ: وَأَمّا خَلَفٌ فَقَالَ: عَنْ جُذَامَةَ الأَسَدِيّةِ، وَالصّحِيحُ مَا قَالَهُ يَحْيَى: بِالدّالِ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالاَ: حَدّثَنَا الْمُقْرِئُ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيّوبَ: حَدّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، أُخْتِ عُكّاشَةَ قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلاَدَهُمْ، فَلاَ يَضُرّ أَوْلاَدَهُمْ ذَلِكَ شَيْئاً". ثُمّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيّ".
زَادَ عُبَيْدُ اللّهِ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْمُقْرِئِ وَهِيَ: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ} (التكوير 8).
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَقَ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الأَسَدِيّةِ أَنّها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيّوبَ، فِي الْعَزْلِ وَالْغِيلَةِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "الْغِيَالِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ نُمَيْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَقْبُرِيّ: حَدّثَنَا حَيْوَةُ: حَدّثَنِي عَيّاشُ بْنُ عَبّاسٍ أَنّ أَبَا النّضْرِ حَدّثَهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، أَنّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَ وَالِدَهُ سَعْدَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟" فَقَالَ الرّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا، أَوْ عَلَى أَوْلاَدِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارّاً، ضَرّ فَارِسَ وَالرّومَ".
وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي رِوَايَتِهِ "إِنْ كَانَ لِذَلِكَ فَلاَ. مَا ضَارَ ذَلِكَ فَارِسَ وَلاَ الرّومَ".
قوله: (عن يزيد بن خمير) هو بالخاء المعجمة. قوله: (أتى بامرأة مجح على باب فسطاط) المجح بميم مضمومة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة وهي الحامل التي قربت ولادتها. وفي الفسطاط ست لغات: فسطاط وفستاط وفساط بحذف الطاء والتاء لكن بتشديد السين وبضم الفاء وكسرها في الثلاثة وهو نحو بيت الشعر. قوله: (أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال: لعله يريد أن يلم بها، فقالوا: نعم، فقال: لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له) معنى يلم بها أي يطأها وكانت حاملاً مسبية لا يحل جماعها حتى تضع. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له" فمعناه أنه قد تتأخر ولادتها ستة أشهر حيث يحتمل كون الولد من هذا السابي، ويحتمل أنه كان ممن قبله، فعلى تقدير كونه من السابي يكون ولداً له ويتوارثان، وعلى تقدير كونه من غير السابي لا يتوارثان هو ولا السابي لعدم القرابة بل له استخدامه لأنه مملوكه، فتقدير الحديث أنه قد يستلحقه ويجعله ابناً له ويورثه مع أنه لا يحل له توريثه لكونه ليس منه، ولا يحل توارثه ومزاحمته لباقي الورثة، وقد يستخدمه استخدام العبيد ويجعله عبداً يتملكه مع أنه لا يحل له ذلك لكونه منه إذا وضعته لمدة محتملة كونه من كل واحد منهما فيجب عليه إِلامتناع من وطئها خوفاً من هذا المحظور، فهذا هو الظاهر في معنى الحديث. وقال القاضي عياض: معناه الإشارة إلى أنه قد ينمي هذا الجنين بنطفة هذا السابي فيصير مشاركاً فيه فيمتنع الاستخدام، قال: وهو نظير الحديث الاَخر: "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فلا يسق ماءه ولد غيره" هذا كلام القاضي، وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل، وكيف ينتظم التوريث مع هذا التأويل بل الصواب ما قدمناه والله أعلم.