كتاب الرضاع
 كتاب الرضاع

باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا، وَإِنّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أُرَاهُ فُلاَناً" (لعَمّ حَفْصَةَ مِنَ الرّضَاعَةِ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! لَوْ كَانَ فُلاَنٌ حَيّاً (لِعَمّهَا مِنَ الرّضَاعَةِ) دَخَلَ عَلَيّ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "نَعَمْ، إِنّ الرّضَاعَةَ تُحَرّمُ مَا تُحَرّمُ الْوِلاَدَةُ".
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِيّ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ هَاشِم ابْنِ الْبَرِيدِ. جَمِيعاً عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَحْرُمُ مِنَ الرّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلاَدَةِ".
وحدّثنيهِ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
قوله: (عن جدامة بنت وهب) ذكر مسلم اختلاف الرواية فيها هل هي بالدال المهملة أم بالذال المعجمة؟ قال: والصحيح أنها بالدال يعني المهملة، وهكذا قال جمهور العلماء أن الصحيح أنها بالمهملة والجيم مضمومة بلا خلاف. وقوله جدامة بنت وهب، وفي الرواية الأخرى: (جدامة بنت وهب أخت عكاشة) قال القاضي عياض: قال بعضهم إنها أخت عكاشة على قول من قال أنها جدامة بنت وهب بن محصن، وقال آخرون: هي أخت رجل آخر يقال له عكاشة بن وهب ليس بعكاشة بن محصن المشهور، وقال الطبري: هي جدامة بنت جندل هاجرت، قال: والمحدثون قالوا فيها جدامة بنت وهب، هذا ما ذكره القاضي، والمختار أنها جدامة بنت وهب الأسدية أخت عكاشة بن محصن المشهور الأسدي وتكون أخته من أمه، وفي عكاشة لغتان سبقتا في كتاب الإيمان تشديد الكاف وتخفيفها والتشديد أفصح وأشهر. قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم قال أهل اللغة: الغيلة هنا بكسر الغين ويقال لها الغيل بفتح الغين مع حذفها الهاء والغيال بكسر الغين كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة. وقال جماعة من أهل اللغة: الغيلة بالفتح المرة الواحدة وأما بالكسر فهي الاسم من الغيل. وقيل: إن أريد بها وطء المرضع جاز الغيلة، والغيلة بالكسر والفتح. واختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث وهي الغيل فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة: أن يجامع امرأته وهي مرضع يقال منه أغال الرجل وأغيل إذا فعل ذلك. وقال ابن السكيت: هو أن ترضع المرأة وهي حامل يقال منه غالت وأغيلت. قال العلماء: سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع. قالوا: والأطباء يقولون إن ذلك اللبن داء والعرب تكرهه وتتقيه. وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وبين سبب ترك النهي، وفيه جواز إِلاجتهاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال جمهور أهل الأصول، وقيل لا يجوز لتمكنه من الوحي والصواب الأول". قوله: (فإذا هم يغيلون) هو بضم الياء لأنه من أغال يغيل كما سبق. قوله: "ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك الوأد الخفي" وهي: {وإذا الموؤودة سئلت} الوأد والموؤودة بالهمز، والوأد دفن البنت وهي حية وكانت العرب تفعله خشية الإملاق، وربما فعلوه خوف العار، والموؤودة البنت المدفونة حية، ويقال وأدت المرأة ولدها وأداً قيل سميت موؤودة لأنها تثقل بالتراب، وقد سبق في باب العزل وجه تسمية هذا وأداً وهو مشابهته الودأ في تفويت الحياة. وقوله في هذا الحديث: {وإذا الموؤودة سئلت} معناه أن العزل يشبه الوأد المذكور في هذه الاَية.
قوله: (حدثني عياش بن عباس) الأول بالشين المعجمة وأبوه بالسين المهملة وهو عياش بن عباس القتباني بكسر القاف منسوب إلى قتبان بطن من رعين. قوله: (أشفق على ولدها) هو بضم الهمزة وكسر الفاء أي أخاف. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما ضار ذلك فارس ولا الروم" هو بتخفيف الراء أي ما ضرهم يقال ضاره يضيره ضيراً وضره يضره ضراً وضراً والله أعلم
*2* باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنّ أَفْلَحَ، أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ، جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عَمّهَا مِنَ الرّضَاعَةِ، بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ. قَالَتْ: فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَلَمّا جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ بِالّذِي صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيّ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَانِي عَمّي مِنَ الرّضَاعَةِ، أَفْلَحُ بْنُ أَبِي قُعَيْسٍ، فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ: قُلْتُ: إِنّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرّجُلُ. قَالَ: "تَرِبَتْ يَدَاكِ، أَوْ يَمِينُكِ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا، بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ، وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنَ الرّضَاعَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: وَاللّهِ لاَ آذَنُ لأَفْلَحَ، حَتّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنّ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَنِي يَسْتَأْذِنُ عَلَيّ فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتّى أَسْتَأْذِنَكَ. قَالَتْ: فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "ائْذَنِي لَهُ".
قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرّمُوا مِنَ الرّضَاعَةِ مَا تُحَرّمُونَ مِنَ النّسَبِ.
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإسْنَادِ، جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا، بِنحْوِ حَدِيثِهِمْ، وَفِيهِ "فَإِنّهُ عَمّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ". وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ زَوْجَ الْمَرْأَةِ الّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ عَمّي مِنَ الرّضَاعَةِ يَسْتأْذِنُ عَلَيّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: إِنّ عَمّي مِنَ الرّضَاعَةِ اسْتأْذَنَ عَلَيّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ عَمّكِ" قُلْتُ: إِنّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرّجُلُ. قَالَ "إِنّهُ عَمّكِ. فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ".
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ): حَدّثَنَا هِشَامٌ بِهَذَا الإسْنَادِ أَنّ أَخَا أَبِي الْقُعَيسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا أَبُو الْقُعَيْسِ.
وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الْحُلْوَانِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةَ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيّ عَمّي مِنَ الرّضَاعَةِ، أَبُو الْجَعْدِ، فَرَدَدْتُهُ (قَالَ لِي هِشَامٌ: إِنّمَا هُوَ أَبُو الْقُعَيْسِ) فَلَمّا جَاءَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ. قَالَ "فَهَلاّ أَذِنْتِ لَهُ؟ تَرِبَتْ يَمِينُكِ أَوْ يَدُكِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنّ عَمّهَا مِنَ الرّضَاعَةِ يُسَمّى أَفْلَحَ. اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ. فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهَا"لاَ تَحْتَجِبِي مِنْهُ، فَإِنّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النّسَبِ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اسْتَأَذَنَ عَلَيّ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَأَرْسَلَ: إِنّي عَمّكِ، أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ "لِيَدْخُلْ عَلَيْكِ، فَإِنّهُ عَمّكِ".
هو بفتح الراء وكسرها، والرضاعة بفتح الراء وكسرها، وقد رضع الصبي أمه بكسر الضاد يرضعها بفتحها رضاعاً، قال الجوهري: ويقول أهل نجد رضع يرضع بفتح الضاد في الماضي وكسرها في المضارع رضعاً كضرب يضرب ضرباً، وأرضعته أمه، وامرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فإن رضعتها بإرضاعه، قلت مرضعة بالهاء والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" وفي رواية: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" وفي حديث قصة حفصة وحديث قصة عائشة: (الإذن لدخول العم من الرضاعة عليها) وفي الحديث الاَخر: "فليلج عليك عمك قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، قال: إنه عمك فليلج عليك" هذه الأحاديث متفقة على ثبوت حرمة الرضاع، وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبداً، ويحل له النظر إليها والخلوة بها والمسافرة، ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه، فلا يتوارثان ولا يجب على واحد منهما نفقة الاَخر، ولا يعتق عليه بالملك ولا ترد شهادته لها ولا يعقل عنها ولا يسقط عنها اقصاص بقتله فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام، وأجمعوا أيضاً على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع، وبين الرضيع وأولاد المرضعة وأنه في ذلك كولدها من النسب لهذه الأحاديث، وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه لكونه زوج المرأة أو وطئها بملك أو شبهة فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولداً له، وأولاد الرجل أخوة الرضيع وأخواته، وتكون أخوة الرجل أعمام الرضيع وأخواته عماته، وتكون أولاد الرضيع أولاد الرجل، ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن علية فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع، ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة واحتجوا بقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرهما في النسب، واحتج الجمهور بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة في عم عائشة وعم حفصة وقوله صلى الله عليه وسلم مع إذنه فيه أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، وأجابوا عما احتجوا به من الاَية أنه ليس فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما، لأن ذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواء لو لم يعارضه دليل آخر كيف وقد جاءت هذه الأحاديث الصحيحة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أراه فلاناً" لعم حفصة هو بضم الهمزة أي أظنه. قوله: (حدثنا علي بن هاشم بن البريد) هو بباء موحدة مفتوحة ثم راء مكسورة ثم ياء مثناة تحت
*2* باب تحريم إبنة الأخ من الرضاعة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (وَاللّفْظُ لإِبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَلِيَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَكَ تَنَوّقُ فِي قُرَيْشٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ: "وَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. بِنْت حَمْزَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّهَا لاَ تَحِلّ لِي. إِنّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرّضَاعَةِ".
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَانَ. كُلّهُمْ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ: حَدّثَنَا هَمّامُ: حَدّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ. فَقَالَ: "إِنّهَا لاَ تَحِلّ لِي، إِنّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ مِنَ الرّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرّحِمِ".
وحدّثناه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطّانُ). ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِيّ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ. جَمِيعاً، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. كِلاَهُمَا، عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِ هَمّامٍ سَوَاءً غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ شُعْبَةَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ "ابْنْةُ أَخِي مِنَ الرّضَاعَةِ". وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ "وَإِنّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النّسَبِ". وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ.
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمّدَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ! عَنِ ابْنَةِ حَمْزَةَ؟ أَوْ قِيلَ: أَلاَ تَخْطُبُ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ قَالَ: "إِنّ حَمْزَةَ أَخِي مِنَ الرّضَاعَةِ".
قوله: (عن عائشة أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة) إلى آخره، وذكر الحديث السابق في أول الباب عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله لو كان فلاناً حياً لعمها من الرضاعة دخل علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة. اختلف العلماء في عم عائشة المذكور فقال أبو الحسن القابسي: هما عمان لعائشة من الرضاعة أحدهما أخو أبيها أبي بكر من الرضاعة ارتضع هو وأبو بكر رضي الله عنه من امرأة واحدة. والثاني أخو أبيها من الرضاعة الذي هو أول القعيس وأبو القعيس أبوها من الرضاعة وأخوه أفلح عمها وقيل هو عم واحد وهذا غلط، فإن عمها في الحديث الأول ميت وفي الثاني حي جاء يستأذن فالصواب ما قاله القابسي. وذكر القاضي القولين ثم قال: قول القابسي أشبه لأنه لو كان واحداً لفهمت حكمه من المرة الأولى ولم تحتجب منه بعد ذلك، فإن قيل: فإذا كانا عمين كيف سألت على الميت وأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم أنه عم لها يدخل عليها واحتجبت عن عمها الاَخر أخي أبي القعيس حتى أعلمها النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه عمها يلج عليها فهلا اكتفت بأحد السؤالين؟ فالجواب أنه يحتمل أن أحدهما كان عماً من أحد الأبوين والاَخر منهما أو عماً أعلى والاَخر أدنى أو نحو ذلك من إِلاختلاف، فخافت أن تكون الإباحة مختصة بصاحب الوصف المسؤول عنه أولاً والله أعلم. قوله: (عن عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها) وفي رواية: (أفلح بن أبي قعيس) وفي رواية: (استأذن علي عمي من الرضاعة أبو الجعد فرددته) قال لي هشام: إنما هو أبو القعيس، وفي رواية أفلح بن قعيس، قال الحفاظ: الصواب الرواية الأولى وهي التي كررها مسلم في أحاديث الباب وهي المعروفة في كتب الحديث وغيرها أن عمها من الرضاعة هو أفلح أخو أبي القعيس وكنية أفلح أبو الجعد، والقعيس بضم القاف وفتح العين وبالسين المهملة. قوله صلى الله عليه وسلم: "تربت يداك أو يمينك" سبق شرحه في كتاب الغسل
*2* باب تحريم الربيبة وأخت المرأة
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: "أَفْعَلُ مَاذَا؟" قُلْتُ: تَنْكِحُهَا. قَالَ: "أَوَ تُحِبّينَ ذَلِكَ؟" قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبّ مَنْ شَرَكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي. قَالَ: "فَإِنّهَا لاَ تَحِلّ لِي" قُلْتُ: فَإِنّي أُخْبِرْتُ أَنّكَ تَخْطُبُ دُرّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: "بِنْتَ أُمّ سَلَمَةَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "لَوْ أَنّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي، مَا حَلّتْ لِي. إِنّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيّ بَنَاتِكُنّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنّ".
وحدّثنيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ. كَلاهُمَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوةَ، بِهذَا الإسْنَادِ، سَوَاءً.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ شِهَابٍ كَتَبَ يَذْكُرُ أَنّ عُرْوَةَ حَدّثَهُ أَنّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدّثَتْهُ أَنّ أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَدّثَتْهَا أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللّهِ! انْكِحْ أُخْتَي عَزّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتُحِبّينَ ذَلِكَ" فَقَالَتْ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللّهِ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ. وَأَحَبّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرٍ، أُخْتِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "فَإِنّ ذَلِكَ لاَ يَحِلّ لِي". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّا نَتَحَدّثُ أَنّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ "بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَوْ أَنّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلّتْ لِي. إِنّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرّضَاعَةِ. أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعَرِضْنَ عَلَيّ بَنَاتِكُنّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنّ".
وحدّثنيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ. كِلاَهُمَا، عَنِ الزّهْرِيّ بِإِسْنَادِ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْهُ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَلَمْ يُسَمّ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ، عَزّةَ، غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ.
قوله: (مالك تنوق في قريش) هو بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم نون مفتوحة ثم واو مفتوحة مشددة ثم قاف أي تختار وتبالغ في إِلاختيار، قال القاضي: وضبطه بعضهم بتاءين مثناتين الثانية مضمومة أي تميل.
قوله: (وحدثنا هداب) هو بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة ويقال له هدبة بضم الهاء وسبق بيانه مرات. قوله: (أريد على ابنة حمزة) هو بضم الهمزة وكسر الراء ومعناه قيل له يتزوجها. قوله: (محمد بن يحيى بن مهران القطعي) هو بضم القاف وفتح الطاء منسوب إلى قطيعة قبيلة معروفة وهو قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد ابن قيس بن عيلان بالعين المهملة. قوله: (كليهما عن قتادة) كذا وقع في بعض النسخ وفي بعضها كلاهما وهو الجاري على المشهور والأول صحيح أيضاً، وقد سبق بيان وجهه في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح. قوله: (وفي رواية بشر سمعت جابر بن زيد) يعني في رواية بشر أن قتادة قال: سمعت جابر بن زيد، وهذا مما يحتاج إلى بيانه لأن قتادة مدلس، وقد قال في الرواية الأولى قتادة عن جابر، وقد علم أن المدلس لا يحتج بعنعنته حتى يثبت سماعه لذلك الحديث فنبه مسلم على ثبوته.
قوله: (أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن مسلم يقول: سمعت محمد بن مسلم يقول: سمعت حميد بن عبد الرحمن يقول: سمعت أم سلمة) هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون: أولهم بكير بن عبد الله بن الأشج روى عن جماعة من الصحابة. والثاني عبد الله بن مسلم الزهري أخو الزهري المشهور وهو تابعي سمع ابن عمر وآخرين من الصحابة وهو أكبر من أخيه الزهري المشهور. والثالث محمد بن مسلم الزهري المشهور وهو أخو عبد الله الراوي عنه كما ذكرنا. والرابع حميد بن عبد الرحمن بن عوف وهو والزهري تابعيان مشهوران. ففي هذا الإسناد ثلاث لطائف من علم الإسناد: أحدها كونه جمع أربعة تابعيين بعضهم عن بعض. الثانية أن فيه رواية الكبير عن الصغير لأن عبد الله أكبر من أخيه محمد كما سبق. الثالثة أن فيه رواية الأخ عن أخيه.
*2* باب في المصة والمصتان
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَقَالَ سُوَيْدٌ وَزُهَيْرٌ: إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ): "لاَ تُحَرّمُ الْمَصّةُ وَالْمَصّتَانِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كُلّهُمْ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ (وَاللّفْظُ لِيَحْيى). أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيّوبَ، يُحَدّثُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمّ الْفَضْلِ قَالَتْ: دَخَلَ أَعْرَابِيّ عَلَى نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِي. فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللّهِ! إِنّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتِ امْرَأَتِي الأُولَى أَنّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ. فَقَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُحَرّمُ الإِمْلاَجَةُ وَالإِمْلاَجَتَانِ" قَالَ عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ.
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ: حَدّثَنَا مُعَاذٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمّ الْفَضْلِ أَنّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ: يَا نَبِيّ اللّهِ! هَلْ تُحَرّمُ الرّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: "لاَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنّ أُمّ الْفَضْلِ حَدّثَتْ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تُحَرّمُ الرّضْعَةُ أَوِ الرّضْعَتَانِ، أَوِ الْمَصّةُ أَوِ الْمَصّتَانِ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. و إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ. أَمّا إِسْحَقُ فَقَالَ: كَرِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ "أَوِ الرّضْعَتَانِ أَوِ الْمَصّتَانِ" وَأَمّا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ: "وَالرّضْعَتَانِ وَالْمَصّتَانِ".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ السّرِيّ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمّ الْفَضْلِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تُحَرّمُ الإمْلاَجَةُ وَالإمْلاَجَتَانِ".
حدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ: حَدّثَنَا حَبّانُ: حَدّثَنَا هَمّامُ: حَدّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمّ الْفَضْلِ سَأَلَ رَجُلٌ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أَتُحَرّمُ الْمَصّةُ؟ فَقَالَ: "لاَ".
قوله: (لست لك بمخلية) هو بضم الميم وإسكان الخاء المعجمة أي لست أخلي لك بغير ضرة. قولها: (وأحب من شركني في الخير أختي) هو بفتح الشين وكسر الراء أي أحب من شاركني فيك وفي صحبتك وإِلانتفاع منك بخيرات الاَخرة والدنيا. قولها: (تخطب درة بنت أبي سلمة) هي بضم الدال وتشديد الراء وهذا لا خلاف فيه. وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض رواة كتاب مسلم أنه ضبطه ذرة بفتح الذال المعجمة فتصحيف لا شك فيه. قولها: (قال ابنة أم سلمة قلت نعم) هذا سؤال استثبات ونفي احتمال إرادة غيرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة" معناه أنها حرام علي بسببين: كونها ربيبة وكونها بنت أخي، فلو فقد أحد السببين حرمت بالاَخر، والربيبة بنت الزوجة مشتقة من الرب وهو الإصلاح لأنه يقوم بأمورها ويصلح أحوالها، ووقع في بعض كتب الفقه أنها مشتقة من التربية وهذا غلط فاح، فإن من شرط إِلاشتقاق إِلاتفاق في الحروف الأصلية ولام الكلمة وهو الحرف الأخير مختلف، فإن آخر رب باء موحدة، وفي آخر ربي ياء مثناة من تحت والله أعلم. والحجر بفتح الحاء وكسرها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ربيبتي في حجري" ففيه حجة لداود الظاهري أن الربيبة لا تحرم إلا إذا كانت في حجر زوج أمها، فإن لم تكن في حجره فهي حلال له، وهو موافق لظاهر قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} ومذهب العلماء كافة سوى داود أنها حرام سواء كانت في حجرة أم لا، قالوا: والتقييد إذا خرج على سبب لكونه الغالب لم يكن له مفهوم يعمل به فلا يقصر الحكم عليه، ونظيره قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} ومعلوم أنه يحرم قتلهم بغير ذلك أيضاً، لكن خرج التقييد بالإملاق لأنه الغالب. وقوله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً} ونظائره في القرآن كثيرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "أرضعتني وأباها ثوبية" أباها بالباء الموحدة أي أرضعت أنا وأبوها أبو سلمة من صويبة بثاء مثلثة مضمومة ثم واو مفتوحة ثم ياء التصغير ثم باء موحدة ثم هاء وهي مولاة لأبي لهب ارتضع منها صلى الله عليه وسلم قبل حليمة السعدية رضي الله عنها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن" إشارة إلى أخت أم حبيبة وبنت أم سلمة واسم أخت أم حبيبة هذه عزة بفتح العين المهملة وقد سماها في الرواية الأخرى وهذا محمول على أنها لم تعلم حينئذ تحريم الجمع بين الأختين، وكذا لم تعلم من عرض بنت أم سلمة تحريم الربيبة، وكذا لم تعلم من عرض بنت حمزة تحريم بنت الأخ من الرضاعة أو لم تعلم أن حمزة أخ له من الرضاع والله أعلم
*2* باب التحريم بخمس رضعات
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرّمْنَ، ثُمّ نُسِخْنَ: بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، عَنْ عَمْرَةَ أَنّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ (وَهِي تَذْكُرُ الّذِي يُحَرّمُ مِنَ الرّضَاعَةِ) قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، ثُمّ نَزَلَ أَيْضاً: خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ أَنّهَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم المصة والمصتان".
وفي رواية أخرى: "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان". وفي رواية: "قال: يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة؟ قال: لا". وفي رواية عائشة قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن" أما الإملاجة فبكسر الهمزة والجيم المخففة وهي المصة، يقال: ملج الصبي أمه وأملجته.
*2* باب رضاعة الكبير
*حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ (وَهُوَ حَلِيفُهُ). فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيهِ" قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ؟ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ. فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "قَدْ عَلِمْتُ أَنّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ".
زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْراً. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ الثّقَفِيّ، قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ. فَأَتَتْ (تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ) النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: إِنّ سَالِماً قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَإِنّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنّي أَظُنّ أَنّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً. فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ" فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. (وَاللّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ) قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنّ الْقَاسِمِ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو جَاءَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّ سَالِماً (لِسَالِمٍ مَولَى أَبِي حُذَيْفَةَ) مَعَنَا فِي بَيْتِنَا، وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرّجَالُ. قَالَ "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ" قَالَ: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيباً مِنْهَا لا أُحَدّثُ بِهِ وَهِبْتَهُ، ثُمّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ حَدّثْتَنِي حَدِيثاً مَا حَدّثْتُهُ بَعْدُ. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَحَدّثْهُ عَنّي أَن عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ لِ عَائِشَةَ: إِنّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلاَمُ الأَيْفَعُ الّذِي مَا أُحِبّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيّ. قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِسْوَةٌ؟ قالَتْ: إِنّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ سَالِماً يَدْخُلُ عَلَيّ وَهُوَ رَجُلٌ. وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيهِ حَتّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (وَاللّفْظُ لِهَرُونَ) قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ حُميْدَ بْنَ نَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ لِعَائِشَةَ: وَاللّهِ! مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ يَرَانِي الْغُلاَمُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنِ الرّضَاعَةِ. فَقَالَتْ: لِمَ؟ قَدْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَالله إِنّي لأَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْضِعِيهِ". فَقَالَتْ: إِنّهُ ذُو لِحْيَةٍ. فَقَالَ: "أَرْضِعِيهِ يَذْهَبُ مَا فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ". فَقَالَتْ: وَاللّهِ مَا عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ.
حدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنّ أُمّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ أُمّهَا أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تَقُولُ: أَبَىَ سَائِرُ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنّ أَحَداً بِتِلْكَ الرّضَاعَةِ. وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللّهِ! مَا نَرَى هَذَا إِلاّ رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَالِمٍ خَاصّةً. فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرّضَاعَةِ، وَلاَ رَائِينَا.
وقولها: (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ) هو بضم الياء من يقرأ أو معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده. فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى، والنسخ ثلاثة أنواع: أحدها ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات. والثاني ما نسخت تلاوته دون حكمه كخمس رضعات وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما. والثالث ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر، ومنه قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم} الاَية والله أعلم. واختلف العلماء في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع فقالت عائشة والشافعي وأصحابه: لا يثبت بأقل من خمس رضعات. وقال جمهور العلماء: يثبت برضعة واحدة، حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة رضي الله عنهم. وقال أبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر وداود: يثبت بثلاث رضعات ولا يثبت بأقل. فأما الشافعي وموافقوه فأخذوا بحديث عائشة خمس رضعات معلومات. وأخذ مالك بقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ولم يكن عدداً. وأخذ داود بمفهوم حديث: "لا تحرم المصة والمصتان" وقال: هو مبين للقرآن. واعترض أصحاب الشافعي على المالكية فقالوا: إنما كانت تحصل الدلالة لكم لو كانت الاَية واللاتي أرضعنكم أمهاتكم. واعترض أصحاب مالك على الشافعية بأن حديث عائشة هذا لا يحتج به عندكم وعند محققي الأصوليين لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، وإذا لم يثبت قرآناً لم يثبت بخبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به وهذا إذا لم يجيء إلا بآحاد، مع أن العادة مجيئة متواترة توجب ريبة والله أعلم. واعترضت الشافعية على المالكية بحديث المصة والمصتان وأجابوا عنه بأجوبة باطلة لا ينبغي ذكرها، لكن ننبه عليها خوفاً من إِلاغترار بها، منها أن بعضهم ادعى أنها منسوخة وهذا باطل لا يثبت بمجرد الدعوى. ومنها أن بعضهم زعم أنه موقوف على عائشة وهذا خطأ فاحش، بل قد ذكره مسلم وغيره من طرق صحاح مرفوعاً من رواية عائشة ومن رواية أم الفضل. ومنها أن بعضهم زعم أنه مضطرب وهذا غلط ظاهر وجسارة على رد السنن بمجرد الهوى وتوهين صحيحها لنصرة المذاهب، وقد جاء في اشتراط العدد أحاديث كثيرة مشهورة والصواب اشتراطه، قال القاضي عياض: وقد شذ بعض الناس فقال: لا يثبت الرضاع إلا بعشر رضعات وهذا باطل مردود والله أعلم. قوله: (امرأتي الحدثي) هو بضم الحاء وإسكان الدال أي الجديدة. قوله: (حدثنا حبان حدثنا همام) هو حبان بن هلال وهو بفتح الحاء وبالباء الموحدة، وذكر مسلم سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة وإرضاعها سالماً وهو رجل، واختلف العلماء في هذه المسألة فقالت عائشة وداود: تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ كما تثبت برضاع الطفل لهذا الحديث، وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار إلى الاَن لا يثبت إلا بإرضاع من له دون سنتين إلا أبا حنيفة فقال سنتين ونصف، وقال زفر: ثلاث سنين. وعن مالك رواية سنتين وأيام، واحتج الجمهور بقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وبالحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا إنما الرضاعة من المجاعة وبأحاديث مشهورة، وحملوا حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم، وقد روي مسلم عن أم سلمة وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن خالفن عائشة في هذا والله أعلم
*2* باب إنما الرضاعة من المجاعة
*حدّثنا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ. فَاشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهقَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّهُ أَخِي مِنَ الرّضَاعَةِ. قَالَتْ: فَقَالَ: "انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنّ مِنَ الرّضَاعَةِ فَقَالَ: فَإِنّمَا الرّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ: قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا أَبِي. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيّ، عَنْ زَائِدَةَ، كُلّهُمْ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ بِإِسْنَادِ أَبِي الأَحْوَصِ، كَمَعْنَىَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّهُمْ قَالُوا "مِنَ الْمَجَاعَةِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه" قال القاضي: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما وهذا الذي قاله القاضي حسن، ويحتمل أنه عفى عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر والله أعلم. قوله: (مكثت سنة أو قريباً منها لا أحدث به وهبته) هكذا هو في بعض النسخ وهبته من الهيبة وهي الإجلال، وفي بعضها رهبته بالراء من الرهبة وهي الخوف وهي بكسر الهاء وإسكان الباء وضم التاء وضبطه القاضي، وبعضهم رهبته بإسكان الهاء وفتح الباء ونصب التاء. قال القاضي: هو منصوب بإسقاط حرف الجر والضبط الأول أحسن وهو الموفق للنسخ الأخر وهبته بالواو. وقولها يدخل عليك الغلام الأيفع هو بالياء المثناة من تحت وبالفاء وهو الذي قارب البلوغ ولم يبلغ وجمعه أيفاع وقد أيفع الغلام ويفع وهو يافع والله أعلم
*2* باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْقَوَارِيرِيّ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ، أَبِي الْخَلِيلٍ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ حُنَيْنٍ، بَعَثَ جَيْشاً إِلَىَ أَوْطَاسٍ. فَلَقُوا عَدُوّاً. فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ، وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَأَنّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَحَرّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (4 النساء الاَية: ). أَيْ فَهُنّ لَكُمْ حَلاَلٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدّتُهُنّ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ: قَالُوا: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلٍ أَنّ أَبَا عَلْقَمَةَ الهَاشِميّ حَدّثَ أَنّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ حَدّثَهُمْ أَنّ نبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ يَوَمَ حُنَيْنٍ سَرِيّةً. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْهُنّ فَحَلاَلٌ لَكُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ: إِذَا انْقَضَتْ عِدّتُهُنّ.
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ: حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ): حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَصَابُوا سَبْياً يَوْمَ أَوْطَاسٍ، لَهُنّ أَزْوَاجٌ. فَتَخَوّفُوا. فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (4 النساء الاَية: ).
وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ: حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ): حَدّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
*2* باب الولد للفراش، وتوقي الشبهات
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ. فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا، يَا رَسُولَ اللّهِ! ابْنُ أَخِي، عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَهِدَ إِلَيّ أَنّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَىَ شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي، يَا رَسُولَ اللّهِ وُلِدَ عَلَىَ فِرَاشِ أَبِي، مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ إِلَىَ شَبَهِهِ، فَرَأَىَ شَبَهاً بَيّناً بِعُتْبَةَ. فَقَالَ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ. الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ". قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطّ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمّدُ بْنُ رْمُحٍ قَوْلَهُ "يا عَبْدُ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ: قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنّ مَعْمَراً وَابْنَ عُيَيْنَةَ، فِي حَدِيثهِمَا "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ" وَلَمْ يَذْكُرَا "وَلِلْعَاهِرِ الْحجَرُ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ وَ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ".
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَبْدُ الأَعْلَىَ بْنُ حَمّادٍ، وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ. أَمّا ابْنُ مَنْصُورٍ فَقَالَ: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَمّا عَبْدُ الأَعْلَىَ فَقَالَ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ زُهَيْرٌ: عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ مَرّةً، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ وَ أَبِي سَلَمَةَ. وَ مَرّةً عَنْ سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَلَمَةَ. وَ مَرّةً عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ.
قوله: (حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري) وفي الطريق الثاني عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة عن أبي سعيد الخدري، وفي الطريق الاَخر عن شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري من غير ذكر أبي علقمة، هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا ذكره أبو علي الغساني عن رواية الجلودي وابن ماهان، قال: وكذلك ذكره أبو مسعود الدمشقي، قال: ووقع في نسخة ابن الحذاء بإثبات أبي علقمة بين أبي الخليل وأبي سعيد، قال الغساني: ولا أدري ما صوابه؟ قال القاضي عياض: قال غير الغساني إثبات أبي علقمة هو الصواب. قلت: ويحتمل أن إثباته وحذفه كلاهما صواب، ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين فرواه تارة كذا وتارة كذا، وقد سبق في أول الكتاب بيان أمثال هذا. قوله: (بعث جيشاً إلى أوطاس) أوطاس موضع عند الطائف يصرف ولا يصرف سبق بيانه قريباً. قوله: (فأصابوا لهم سبايا فكأن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله تعالى في ذلك: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن، معنى تحرجوا خافوا الحرج وهو الإثم من غشيانهن أي من وطئهن من أجل أنهن زوجات، والمزوجة لا تحل لغير زوجها فأنزل الله تعالى إباحتهن بقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} والمراد بالمحصنات هنا المزوجات، ومعناه والمزوجات حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها، والمراد بقوله: إذا انقضت عدتهن أي استبراؤهن وهي بوضع الحمل عن الحامل وبحيضة من الحائل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. واعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، فما دامت على دينها فهي محرمة، وهؤلاء المسبيات كنّ من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيؤول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن وهذا التأويل لا بد منه والله أعلم. واختلف العلماء في الأمة إذا بيعت وهي مزوجة مسلماً هل ينفسخ النكاح وتحل لمشتريها أم لا؟ فقال ابن عباس: ينفسخ لعموم قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} وقال سائر العلماء: لا ينفسخ وخصوا الاَية بالمملوكة بالسبي، قال المازري: هذا الخلاف مبني على أن العموم إذا خرج على سبب هل يقصر على سببه أم لا؟ فمن قال يقصر على سببه لم يكن فيه هنا حجة للمملوكة بالشراء لأن التقدير إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، ومن قال لا يقصر بل يحمل على عمومه قال: ينفسخ نكاح المملوكة بالشراء، لكن ثبت في حديث شراء عائشة بريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خير بريرة في زوجها فدل على أنه لا ينفسخ بالشراء لكن هذا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد وفي جوازه خلاف والله أعلم.
*2* باب العمل بإلحاق القائف الولد
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيّ مَسْرُوراً، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ. فَقَالَ: "أَلَمْ تَرَيْ أَنّ مُجَزّزاً نَظَرَ آنِفاً إِلَىَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. فَقَالَ: إِنّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ".
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُوراً. فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنّ مُجَزّزاً الْمُدْلِجِيّ دَخَلَ عَلَيّ. فَرَأَىَ أُسَامَةَ وَزَيْداً وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطّيَا رُؤُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا. فَقَالَ: إِنّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ".
وحدّثناه مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ قَائِفٌ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ. فَقَالَ: إِنّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرّ بِذَلِكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْجَبَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَ ابْنُ جُرَيْجٍ. كُلّهُمْ، عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإسْنَادِ، بِمَعْنَىَ حَدِيثهِمْ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَكَانَ مُجَزّزٌ قَائِفاً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" قال العلماء: العاهر الزاني، وعهر زنى، وعهرت زنت، والعهر الزنا، ومعنى له الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد، وعادة العرب أن تقول له الحجر وبفيه الأثلب وهو التراب ونحو ذلك يريدون ليس له إلا الخيبة، وقيل: المراد بالحجر هنا أنه يرجم بالحجارة وهذا ضعيف لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم المحصن خاصة ولأنه لا يلزم من رجمة نفي الولد عنه، والحديث إنما ورد في نفي الولد عنه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة، سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً، ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما، أما ما تصير به المرأة فراشاً فإن كانت زوجة صارت فراشاً بمجرد عقد النكاح ونقلوا في هذا الإجماع وشرطوا إمكان الوطء بعد ثبوت الفراش، فإن لم يمكن بأن نكح المغربي مشرقية ولم يفارق واحد منهما وطنه ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحقه لعدم إمكان كونه منه، هذا قول مالك والشافعي والعلماء كافة إلا أبا حنيفة فلم يشترط الإمكان بل اكتفى بمجرد العقد، قال: حتى لو طلق عقب العقد من غير إمكان وطء فولدت لستة أشهر من العقد لحقه الولد، وهذا ضعيف ظاهر الفساد ولا حجة له في إطلاق الحديث لأنه خرج على الغالب وهو حصول الإمكان عند العقد هذا حكم الزوجة. وأما الأمة فعند الشافعي ومالك تصير فراشاً بالوطء ولا تصير فراشاً بمجرد الملك حتى لو بقيت في ملك سنين وأتت بأولاد ولم يطأها ولم يقر بوطئها لا يلحقه أحد منهم، فإذا وطئها صارت فراشاً، فإذا أتت بعد الوطء بولد أو أولاد لمدة الإمكان لحقوه، وقال أبو حنيفة: لا تصير فراشاً إلا إذا ولدت ولداً واستلحقه فما تأتي به بعد ذلك يلحقه إلا أن ينفيه، قال: لأنها لو صارت فراشاً بالوطء لصارت بعقد الملك كالزوجة، قال أصحابنا: الفرق أن الزوجة تراد للوطء خاصة، فجعل الشرع العقد عليها كالوطء لما كان هو المقصود، وأما الأمة تراد لملك الرقبة وأنواع من المنافع غير الوطء ولهذا يجوز أن يملك أختين وأماً وبنتها، ولا يجوز جمعهما بعقد النكاح فلم تصر بنفس العقد فراشاً، فإذا حصل الوطء صارت كالحرة وصارت فراشاً. واعلم أن حديث عبد بن زمعة المذكور هنا محمول على أنه ثبت مصير أمة أبيه ذمعة فراشاً لزمعة فلهذا ألحق النبي صلى الله عليه وسلم به الولد، وثبوت فراشه إما ببينة على إقراره بذلك في حياته وإما بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وفي هذا دلالة للشافعي ومالك على أبي حنيفة فإنه لم يكن لزمعة ولد آخر من هذه الأمة قبل هذا فدل على أنه ليس بشرط خلاف ما قاله أبو حنيفة. وفي هذا الحديث دلالة للشافعي وموافقته على مالك وموافقيه في استلحاق النسب لأن الشافعي يقول: يجوز أن يستلحق الوارث نسباً لمورثه بشرط أن يكون حائزاً للإرث أو يستلحقه كل الورثة، وبشرط أن يمكن كون المستلحق ولداً للميت، وبشرط أن لا يكون معروف النسب من غيره، وبشرط أن يصدقه المستلحق إن كان عاقلاً بالغاً. وهذه الشروط كلها موجودة في هذا الولد الذي ألحقه النبي صلى الله عليه وسلم بزمعة حين استلحقه عبد بن زمعة، ويتأول أصحابنا هذا تأويلين: أحدهما أن سورة بنت زمعة أخت عبد استلحقه معه ووافقة في ذلك حتى يكون كل الورثة مستلحقين. والتأويل الثاني أن زمعة مات كافراً فلم ترث سودة لكونها مسلمة وورثه عبد بن زمعة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "واحتجبي منه يا سودة" فأمرها به ندباً واحتياطاً لأنه في ظاهر الشرع أخوها لأنه ألحق بأبيها، لكن لما رأى الشبه البين بعتبة بن أبي وقاص خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبياً منها فأمرها بإِلاحتجاب منه احتياطاً. قال المازري: وزعم بعض الحنفية أنه إنما أمرها بإِلاحتجاب لأنه جاء في رواية احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك، وقوله: ليس بأخ لك لا يعرف في هذا الحديث بل هي زيادة باطلة مردودة والله أعلم. قال القاضي عياض رضي الله عنه: كانت عادة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا، وكانوا يستأجرون الإماء للزنا، فمن اعترفت الأم بأنه له ألحقوه به فجاء الإسلام بإبطال ذلك وبإلحاق الولد بالفراش الشرعي، فلما تخاصم عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص وقام سعد بما عهد إليه أخوه عتبة من سيرة الجاهلية ولم يعلم سعد بطلان ذلك في الإسلام ولم يكن حصل إلحاقه في الجاهلية إما لعدم العدوى وإما لكون الأم لم تعترف به لعتبة واحتج عبد بن زمعة بأنه ولد على فراش أبيه فحكم له به النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (رأى شبهاً بيناً بعتبة ثم قال صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش) دليل على أن الشبه وحكم القافة إنما يعتمد إذا لم يكن هناك أقوى منه كالفراش، كما لم يحكم صلى الله عليه وسلم بالشبه في قصة المتلاعنين مع أنه جاء على الشبه المكروه، واحتج بعض الحنفية وموافقيهم بهذا الحديث على أن الوطء بالزنا له حكم الوطء بالنكاح في حرمة المصاهرة، وبهذا قال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد. وقال مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم: لا أثر لوطء الزنا بل للزاني أن يتزوج أم المزني بها وبنتها، بل زاد الشافعي جوز نكاحالبنت المتولدة من مائة بالزنا، قالوا: ووجه الاحتجاج به أن سودة أمرت بإِلاحتجاب وهذا احتجاج باطل والعجب ممن ذكره لأن هذا على تقدير كونه من الزنا وهو أجنبي من سودة لا يحل لها الظهور له سواء ألحق بالزاني أم لا فلا تعلق له بالمسألة المذكورة. وفي هذا الحديث أن حكم الحاكم لا يحيل الأمر في الباطن، فإذا حكم بشهادة شاهدي زور أو نحو ذلك لم يحل المحكوم به للمحكوم له، وموضع الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم حكم به لعبد بن زمعة وأنه أخ له ولسودة، واحتمل بسبب الشبه أن يكون من عتبة فلو كان الحكم يحيل الباطن لما أمرها بإِلاحتجاب والله أعلم
*2* باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لاَِبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا تَزَوّجَ أُمّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثاً. وَقَالَ: "إِنّهُ لَيْسَ بِكِ علَىَ أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبّعْتُ لَكِ سَبّعْتُ لِنِسَائِي".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَزَوّجَ أُمّ سَلَمَةَ، وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا "لَيْسَ بِكِ عَلَىَ أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبّعْتُ عِنْدَكِ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلّثْتُ ثُمّ دُرْتُ" قَالَتْ: ثَلّثْ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يعْنِي ابْنَ بِلالٍ): عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَزَوّجَ أُمّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى اللهعليه وسلم "إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ. لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثّيّبِ ثَلاَثٌ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حَدّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ: حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيّاثٍ)، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ، ذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوّجَهَا، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، هَذَا فِيهِ. قَالَ "إِنْ شِئْتِ أَنْ أَسبّعَ لَكِ وَأُسَبّعَ لِنِسَائِي، وَإِنْ سَبّعْتُ لَكِ سَبّعْتُ لِنِسَائِي".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِذَا تَزَوّجَ الْبِكْرَ عَلَىَ الثّيّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً، وَإِذَا تَزَوّجَ الثّيّبَ عَلَىَ الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثاً. قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ قُلْتُ: إِنّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتُ. وَلَكِنّهُ قَالَ: السّنّةُ كَذَلِكَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيّوبَ وَ خَالِدٍ الْحَذّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مِنَ السّنّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعاً.
قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ: رَفَعَهُ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تري أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض) قال أهل اللغة: قوله تبرق بفتح التاء وضم الراء أي تضيء وتستنير من السرور والفرح، والأسارير هي الخطوط التي في الجبهة واحدها سر وسرور وجمعه أسرار وجمع الجمع أسارير، وأما مجزز فبميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم زاي مشددة مكسورة ثم زاي أخرى هذا هو الصحيح المشهور. وحكي القاضي عن الدارقطني وعبد الغني أنهما حكيا عن ابن جريج أنه بفتح الزاي الأولى. وعن ابن عبد البر وأبي علي الغساني أن ابن جريج قال: إنه محرز بإسكان الحاء المهملة وبعدها راء والصواب الأول، وهو من بني مدلج بضم الميم وإسكان الدال وكسر اللام، قال العلماء: وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد تعترف لهم العرب بذلك، ومعنى نظر آنفاً أي قريباً وهو بمد الهمزة على المشهور وبقصرها وقرئ بهما في السبع. قال القاضي: قال المازري وكانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد وكان زيد أبيض، كذا قاله أبو داود عن أحمد بن صالح، فلما قضي هذا القائف بإلحاق نسبه مع اختلاف اللون وكانت الجاهلية تعتمد قول القائف فرح النبي صلى الله عليه وسلم لكونه زاجراً لهم عن الطعن في النسب. قال القاضي: قال غير أحمد بن صالح كان زيد أزهر اللون وأم أسامة هي أم أيمن واسمها بركة وكانت حبشية سوداء، قال القاضي: هي بركة بنت محصن بن ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان والله أعلم. واختلف العلماء في العمل بقول القائف فنفاه أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإسحاق وأثبته الشافعي وجماهير العلماء، والمشهور عن مالك إثبات في الإماء ونفيه في الحرائر، وفي رواية عنه إثباته فيهما، ودليل الشافعي حديث مجزز لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم فرح لكونه وجد في أمته من يميز أنسابها عند اشتباهها، ولو كانت القيافة باطلة لم يحصل بذلك سرور، واتفق القائلون بالقائف على أنه يشترط فيه العدالة، واختلفوا في أنه هل يكتفي بواحد والأصح عند أصحابنا إِلاكتفاء بواحد وبه قال ابن القاسم المالكي، وقال مالك: يشترط اثنان وبه قال بعض أصحابنا، وهذا الحديث يدل للاكتفاء بواحد. واختلف أصحابنا في اختصاصه ببني مدلج والأصح أنه لا يختص، واتفقوا على أنه يشترط أن يكون خبيراً بهذا مجرباً، واتفق القائلون بالقائف على أنه إنما يكون فيما أشكل من وطئين محترمين كالمشتري والبائع يطآن الجارية المبيعة في طهر قبل الاستبراء من الأول، فتأتي بولد لستة أشهر فصاعداً من وطء الثاني، ولدون أربع سنين من وطء الأول، وإذا رجعنا إلى القائف فألحقه بأحدهما لحق به، فإن أشكل عليه أو نفاه عنهما ترك الولد حتى يبلغ فينتسب إلى من يميل إليه منهما، وإن ألحقه بهما فمذهب عمر بن الخطاب ومالك والشافعي أنه يتركه يبلغ فينتسب إلى من يميل إليه منهما. وقال أبو ثور وسحنون: يكون ابناً لهما. وقال الماجشون ومحمد بن مسلمة المالكيان: يلحق بأكثرهما له شبهاً، قال ابن مسلمة: إلا أن يعلم الأول فيلحق به. واختلف النافون للقائف في الولد المتنازع فيه فقال أبو حنيفة: يلحق بالرجلين المتنازعين فيه ولو تنازع فيه امرأتان لحق بهما. وقال أبو يوسف ومحمد: يلحق بالرجلين ولا يلحق إلا بامرأة واحدة، وقال إسحاق: يقرع بينهما
*2* باب القسم بين الزوجات، وبيان أن السنة أن تكون لكل واحدة ليلة مع يومها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوّارٍ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنّ لاَ يَنْتَهِي إِلَىَ الْمَرْأَةِ الأُولَىَ فِي تِسْعٍ، فَكُنّ يَجْتَمِعْنَ كُلّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الّتِي يَأْتِيهَا، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ، فَمَدّ يَدَهُ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ: هَذِهِ زَيْنَبُ، فَكَفّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَتَقَاوَلَتَا حَتّىَ اسْتَخَبَتَا، وَأُقِيمَتِ الصّلاَةُ، فَمَرّ أَبُو بَكْرٍ عَلَىَ ذَلِكَ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا، فَقَالَ: اخْرُجْ، يَا رَسُولَ اللّهِ! إِلَىَ الصّلاَةِ، وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ. فَخَرَجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: الاَنَ يَقْضِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعلُ بِي وَيَفْعَلُ، فَلَمّا قَضَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ لَهَا قَوْلاً شَدِيداً. وَقَالَ: أَتَصْنَعِينَ هَذَا؟.
قوله: (عن سفيان بن محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً الخ). وفي رواية مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة) وكذا رواه من رواية سليمان بن بلال مرسلاً، ورواه بعد هذا من رواية حفص بن غياث متصلاً كرواية سفيان، قال الدارقطني: قد أرسله عبد الله بن أبي بكر وعبد الرحمن بن حميد كما ذكره مسلم، وهذا الذي ذكره الدارقطني من استداركه هذا على مسلم فاسد، لأن مسلماً رحمه الله قد بين اختلاف الرواية في وصله إرساله ومذهبه، ومذهب الفقهاء والأصوليين ومحققي المحدثين أن الحديث إذا روي متصلاً ومرسلاً حكم بإِلاتصال ووجب العمل به لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير فلا يصح استدراك الدارقطني والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها لما تزوجها وأقام عندها ثلاثاً: "إنه ليس بك على أهلك هو أن إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي" وفي رواية: "وإن شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث" وفي رواية: "دخل عليه فلما أراد أن يخرج أخذت بثوبه فقال رسول الله: إن شئت زدتك وحاسبتك للبكر سبع وللثيب ثلاث" وفي حديث أنس: (للبكر سبع وللثيب ثلاث) أما قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس بك على أهلك هوان) فمعناه لا يلحق هوان ولا يضيع من حقك شيء بل تأخذينه كاملاً. ثم بين صلى الله عليه وسلم حقها وأنها مخيرة بين ثلاث بلا قضاء وبين سبع ويقضي لباقي نسائه، لأن في الثلاث مزية بعدم القضاء، وفي السبع مزية لها بتواليها وكمال الأنس فيها، فاختارت الثلاث لكونها لا تقضي وليقرب عوده إليها فإنه يطوف عليهن ليلة ليلة ثم يأتيها، ولو أخذت سبعاً طاف بعد ذلك عليهن سبعاً سبعاً فطالت غيبته عنها. قال القاضي: المراد بأهلك هنا نفسه صلى الله عليه وسلم أي لا أفعل فعلاً به هوانك عليك. وفي هذا الحديث استحباب ملاطفة الأهل والعيال وغيرهم، وتقريب الحق من فهم المخاطب ليرجع إليه، وفيه العدل بين الزوجات، وفيه أن حق الزفاف ثابت للمزفوفة وتقدم به على غيرها، فإن كانت بكراً كان لها سبع ليال بأيامها بلا قضاء، وإن كانت ثيباً كان لها الخيار إن شاءت سبعاً ويقضي السبع لباقي النساء، وإن شاءت ثلاثاً ولا يقضي، هذا مذهب الشافعي وموافقيه، وهو الذي ثبتت فيه هذه الأحاديث الصحيحة، وممن قال به مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن جرير وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة والحكم وحماد: يجب قضاء الجميع في الثيب والبكر، واستدلوا بالظواهر الواردة بالعدل بين الزوجات، وحجة الشافعي هذه الأحاديث وهي مخصصة للظواهر العامة. واختلف العلماء في أن هذا الحق للزوج أو للزوجة الجديدة، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه حق لها، وقال بعض المالكية: حق له على بقية نسائه، واختلفوا في اختصاصه بمن له زوجات غير الجديدة قال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف سواء كان عنده زوجة أم لا لعموم الحديث: إذا تزوج البكر أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً، لم يخص من لم يكن له زوجة. وقالت طائفة: الحديث فيمن له زوجة أو زوجات غير هذه لأن من لا زوجة له فهو مقيم مع هذه كل دهره مؤنس لها متمتع بها مستمتعة به بلا قاطع، بخلاف من له زوجات فإنه جعلت هذه الأيام للجديدة تأنيساً لها متصلاً لتستقر عشرتها له وتذهب حشمتها ووحشتها منه، ويقضي كل واحد منهما لذته من صاحبه ولا ينقطع بالدوران على غيرها. ورجح القاضي عياض هذا القول وبه جزم البغوي من أصحابنا في فتاويه فقال: إنما يثبت هذا الحق للجديدة إذا كان عنده أخرى يبيت عندها، فإن لم تكن أخرى أو كان لا يبيت عندها لم يثبت للجديدة حق الزفاف، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجاته ابتداء، والأول أقوى وهو المختار لعموم الحديث، واختلفوا في أن هذا المقام عند البكر والثيب إذا كان له زوجة أخرى واجب أم مستحب؟ فمذهب الشافعي وأصحابه وموافقيهم أنه واجب وهي رواية ابن القاسم عن مالك، وروى عنه ابن عبد الحكم أنه على الاستحباب.
قوله: (عن أنس قال: من السنة أن يقيم عند البكر سبعاً) هذا اللفظ يقتضي رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فإذا قال الصحابي: في السنة كذا أو من السنة كذا فهو في الحكم كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا مذهبنا ومذهب المحدثين وجماهير السلف والخلف، وجعله بعضهم موقوفاً وليس بشيء. قوله: (قال خالد ولو قلت إنه رفعه لصدقت) وفي الرواية الأخرى: (لو شئت قلت رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم) معناه أن هذه اللفظة وهي قوله من السنة كذا صريحة في رفعه فلو شئت أن أقولها بناء على الرواية بالمعنى لقلتها ولو قلتها كنت صادقاً والله أعلم
*2* باب جواز هبتها نوبتها لضرتها
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبّ إِلَيّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاَخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيها حِدّةٌ. قَالَتْ: فَلَمّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا، وَيَوْمَ سَوْدَةَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. ح وَحَدّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَىَ: حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ: حَدّثَنَا شَرِيكٌ، كُلّهُمْ، عَنْ هِشامٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ أَنّ سَوْدَةَ لَمّا كَبِرَتْ، بِمَعْنَىَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ قَالَتْ: وَكَانَتْ أَوّلَ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا بَعْدِي.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاّتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنّ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَقُولُ: وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمّا نَزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَىَ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنّ وتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمّنْ عَزَلْتَ} (الأحزاب الاَية: ) قَالَتْ قُلْتُ: وَاللّهِ مَا أَرَىَ رَبّكَ إِلاّ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا كَانَتْ تَقُولُ: أَمَا تَسْتَحْيِي امْرَأَةٌ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ؟ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} (الأحزاب الاَية: ) فَقُلْتُ: إِنّ رَبّكَ لَيُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: حَضَرْنَا، مَعَ ابْنِ عَبّاسٍ، جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِسَرِفَ. فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذِهِ زَوْجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلاَ تُزَعْزِعُوا، وَلاَ تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا، فَإِنّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعٌ، فَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلاَ يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. قَالَ عَطَاءٌ: الّتي لاَ يُقْسِمُ لَهَا صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَىّ بْنِ أَخْطَبَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَزَادَ: قَالَ عَطَاءٌ: كَانَتْ آخِرهُنّ مَوْتاً. مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ.
مذهبنا أنه لا يلزمه أن يسم لنسائه بل له اجتنابهن كلهن، لكن يكره تعطيلهن مخافة من الفتنة عليهن والإضرار بهن، فإن أراد القسم لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة، ويجوز أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثاً ثلاثاً ولا يجوز أقل من ليلة، ولا يجوز الزيادة على الثلاثة إلا برضاهن، هذا هو الصحيح في مذهبنا، وفيه أوجه ضعيفة في هذه المسائل غير ما ذكرته، واتفقوا على أنه يجوز أن يطوف عليهن كلهن ويطأهن في الساعة الواحدة برضاهن ولا يجوز ذلك بغير رضاهن، وإذا قسم كان لها اليوم الذي بعد ليلتها، ويقسم للمريضة والحائض والنفساء لأنه يحصل لها الانس به، ولأنه يستمتع بها بغير الوطء من قبلة ونظر ولمس وغير ذلك، قال أصحابنا: وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه بل له أن يبيت عندهن ولا يطأ واحدة منهن، وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض، لكن يستحب أن لا يعطلهن وأن يسوي بينهن في ذلك كما قدمناه والله أعلم. قوله: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرجة الأولى إلا في تسع وكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة فجاءت زينب فمد يده إليها فقالت هذه زينب فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده فتقاولتا حتى استخبتا فمر أبو بكر على ذلك فسمع أصواتهما فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة واحث في أفواههن التراب" أما قوله: تسع نسوة فهن اللاتي توفي عنهن صلى الله عليه وسلم وهن: عائشة وحفصة وسودة وزينب وأم سلمة وأم حبيبة وميمونة وجويرية وصفية رضي الله عنهن. ويقال نسوة ونسوة بكسر النون وضمها لغتان الكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن العزيز. وأما قوله: فكان إذا قسم لهن لا ينتهي إلى الأولى إلا في تسع فمعناه بعد انقضاء التسع، وفيه أنه يستحب أن لا يزيد في القسم على ليلة ليلة لأن فيه مخاطرة بحقوقهن. وأما قوله: وكن يجتمعن كل ليلة إلى آخره ففيه أنه يستحب للزوج أن يأتي كل امرأة في بيتها ولا يدعوهن إلى بيته، لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته كان له ذلك وهو خلاف الأفضل، ولو دعاها إلى بيت ضرائرها لم تلزمها الإجابة ولا تكون بإِلامتناع ناشزة بخلاف ما إذا امتنعت من الإتيان إلى بيته لأن عليها ضرراً في الإتيان إلى ضرتها، وهذا إِلاجتماع كان برضاهن وفيه أنه لا يأتي غير صاحبة النوبة في بيتها في الليل بل ذلك حرام عندنا إلا لضرورة بأن حضرها الموت أو نحوه من الضرورات، وأما مديده إلى زينب وقول عائشة هذه زينب فقيل: إنه لم يكن عمداً بل ظنها عائشة صاحبة النوبة لأنه كان في الليل وليس في البيوت مصابيح، وقيل: كان مثل هذا برضاهن. وأما قوله: حتى استخبتا فهو بخاء معجمة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم تاء مثناة فوق من السخب وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها، ويقال أيضاً صخب بالصاد هكذا هو في معظم الأصول، وكذا نقله القاضي عن رواية الجمهور، وفي بعض النسخ استخبثتا بثاء مثلثة أي قالتا: الكلام الرديء، وفي بعضها: استحيتا من الاستحياء، ونقل القاضي عن رواية بعضهم استحثتا بمثلثة ثم مثناة قال: ومعناه إن لم يكن تصحيفاً أن كل واحدة حثت في وجه الأخرى التراب، وفي هذا الحديث ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وملاطفة الجميع، وقد يحتج الحنفية بقوله مديدة ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ولا حجة فيه فإنه لم يذكر أنه لمس بلا حائل، ولا يحصل مقصوده حتى يثبت أنه لمس بشرتها بلا حائل ثم صلى ولم يتوضأ وليس في الحديث شيء من هذا، وأما قوله: احث في أفواههن التراب فمبالغة في زجرها وقطع خصامهن، وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وشفقته ونظره في المصالح، وفيه إشارة الفضول على صاحبه الفاضل بمصلحته والله أعلم
*2* باب استحباب نكاح ذات الدين
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ: قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ. أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: تَزَوّجْتُ امْرَأَةً فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "يَا جَابِرُ!تَزَوّجْتَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "بِكْرٌ أَمْ ثَيّبٌ؟" قُلْتُ: ثَيّبٌ. قَالَ: "فَهَلاّ بِكْراً تُلاَعِبُهَا؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّ لِي أَخَوَاتٍ. فَخَشِيتُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُنّ. قَالَ: "فَذَاكَ إِذَنْ. إِنّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَىَ دِينِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا. فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".
قوله: "عن عائشة رضي الله عنها: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة" المسلاخ بكسر الميم وبالخاء المعجمة وهو الجلد، ومعناه أن أكون أناهي، وزمعة بفتح الميم وإسكانها، وقولها من امرأة قال القاضي من هنا للبيان واستفتاح الكلام ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة بكسر الحاء. قولها: (فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة) فيه جواز هبتها نوبتها لضرتها لأنه حقها، لكن يشترط رضا الزوج بذلك لأن له حقاً في الواهبة فلا يفوته إلا برضاه، ولا يجوز أن تأخذه على هذه الهبة عوضاً ويجوز أن تهب للزوج فيجعل الزوج نوبتها لمن شاء، وقيل يلزمه توزيعها على الباقيات ويجعل الواهبة كالمعدومة والأول أصح، وللواهبة الرجوع متى شاءت فترجع في المستقبل دون الماضي لأن الهبات يرجع فيما لم يقبض منها دون المقبوض. وقولها: جعلت يومها أي نوبتها وهي يوم وليلة. وقولها: كان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة معناه أنه كان يكون عند عائشة في يومها، ويكون عندها أيضاً في يوم سودة لا أنه يوالي لها اليومين، والأصح عند أصحابنا أنه لا يجوز الموالاة للموهوب لها إلا برضى الباقيات، وجوزه بعض أصحابنا بغير رضاهن وهو ضعيف. قولها: (وكانت أول امرأة تزوجها بعدي) كذا ذكره مسلم من رواية يونس عن شريك أنه صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة قبل سودة، وكذا ذكره يونس أيضاً عن الزهري وعن عبد ا بن محمد بن عقيل. وروي عقيل بن خالد عن الزهري أنه تزوج سودة قبل عائشة، قال ابن عبد البر: وهذا قول قتادة وأبي عبيدة، قلت: وقاله أيضاً محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وابن قتيبة وآخرون.
قولها: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) هو بفتح الهمزة من أرى، ومعناه يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور ولهذا خيرك. قوله: "عن عائشة قال: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول وتهب المرأة نفسها فلما أنزل الله تعالى: {ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} إلى آخره" هذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو زواج من وهبت نفسها له بلا مهر. قال الله تعالى: خالصة لك من دون المؤمنين. واختلف العلماء في هذه الاَية وهي قوله تعالى: {ترجي من تشاء} فقيل ناسخة لقوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد} ومبيحة له أن يتزوج ما شاء. وقيل: بل نسخت تلك الاَية بالسنة، قال زيد بن أرقم: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الاَية ميمونة ومليكة وصفية وجويرية. وقالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء وقيل عكس هذا، وأن قوله تعالى: {لا يحل لك النساء} ناسخة لقوله تعالى: {ترجي من تشاء} والأول أصح. قال أصحابنا: الأصح أنه صلى الله عليه وسلم ما توفي حتى أبيح له النساء مع أزواجه.
قوله: (أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم بسرف) اتفق العلماء على أنها توفيت بسرف بفتح السين وكسر الراء وبالفاء وهو مكان بقرب مكة بينه وبينها ستة أميال، وقيل سبعة، وقيل تسعة، وقيل اثنا عشر. قوله: قوله: (كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة) قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب. أما قوله تسع فصحيح وهن معروفات سبق بيان أسمائهن قريباً. وقوله: يقسم لثمان مشهور. وأما قول عطاء التي لا يقسم لها صفية فقال العلماء هو وهم من ابن جريج الراوي عن عطاء، وإنما الصواب سودة كما سبق الأحاديث. واختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الزهري: هي ميمونة، وقيل أم شريك، وقيل زينب بنت خزيمة. قوله: (قال عطاء كانت آخرهن موتاً ماتت بالمدينة) قال القاضي: ظاهر كلام عطاء أنه أراد بآخرهن موتاً ميمونة، وقد ذكر في الحديث أنها ماتت بسرف وهي بقرب مكة. فقوله بالمدينة وهم. قوله: آخرهن موتاً قيل: ماتت ميمونة سنة ثلاث وستين، وقيل ست وستين، وقيل إحدى وخمسين قبل عائشة لأن عائشة توفيت سنة سبع، وقيل ثمان وخمسين. وأما صفية فتوفيت سنة خمسين بالمدينة، هذا كلام القاضي، ويحتمل أن قوله ماتت بالمدينة عائد على صفية ولفظه فيه صحيح يحتمله أو ظاهر فيه والله أعلم
*2* باب استحباب نكاح البكر
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: تَزَوّجْتُ امْرَأَةً. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "هَلْ تَزَوّجْتَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أَبِكْراً أَمْ ثَيّباً؟" قُلْتُ: ثَيّباً. قَالَ: "فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْعَذَارَىَ وَلِعَابِهَا؟".
قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ جَابِرٍ. وَإِنّمَا قَالَ "فَهَلاّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ و أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ: قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ (أَوْ قَالَ سَبْعَ) فَتَزَوّجْتُ امْرَأَةً ثَيّباً. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَا جَابِرُ! تَزَوّجْتَ؟" قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَبِكْرٌ أَمْ ثَيّبٌ؟" قَالَ قُلْتُ: بَلْ ثَيّبٌ، يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "فَهَلاّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ" (أَوْ قَالَ: تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ) قَالَ قُلْتُ لَهُ: إِنّ عَبْدَ اللّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ (أَوْ سَبْعَ) وَإِنّي كَرِهْتُ أَنْ آتِيَهُنّ أَوْ أَجِيئَهُنّ بِمِثْلِهِنّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَجِيءَ بِامْرَأَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِنّ وَتُصْلِحُهُنّ. قَالَ: "فَبَارَكَ الّلهُ لَكَ" أَوْ قَالَ لِي خَيْراً. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الرّبِيعِ "تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ؟" وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قوله: امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنِ وَتَمْشُطُهُنّ. قَالَ "أَصْبَتَ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيّارٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الّلهِ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَلَمّا أَقْبَلْنَا تَعَجّلْتُ عَلَىَ بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَالْتَفَتّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ "مَا يُعْجِلُكَ يَا جَابِرُ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ. فَقَالَ: "أَبِكْراً تَزَوّجْتَهَا أَمْ ثَيّباً؟" قَالَ قُلْتُ: بَلْ ثَيّباً. قَالَ: "هَلاّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟".
قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَالَ "أَمْهِلُوا حَتّىَ نَدْخُلَ لَيْلاً (أَيْ عِشَاءً) كَيْ تَمْتَشِطَ الشّعِثَةُ وَتَسْتَحِدّ الْمُغِيبَةُ". قَالَ: وَقَالَ "إِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ! الْكَيْسَ!".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثّقَفِيّ): حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ. فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي، فَأَتَىَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لي: "يَا جَابِرُ" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟" قُلْتُ: أَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا فَتَخَلّفْتُ، فَنَزَلَ فَحَجَنَهُ بِمِحْجَنِهِ. ثُمّ قَالَ: "ارْكَبْ" فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَكُفّهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "أَتَزَوّجْتَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: "أَبِكْراً أَمْ ثَيّباً؟" فَقُلْتُ: بَلْ ثَيّبٌ. قَالَ: "فَهَلاّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟" قُلْتُ: إِنّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنّ وَتَمْشُطُهُنّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ. قَالَ: "أَمَا إِنّكَ قَادِمٌ. فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ! الْكَيْسَ!". ثُمّ قَالَ "أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنّي بِأُوقِيّةٍ، ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْتُ الْمَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ عَلَىَ بَابِ الْمَسْجِدِ. فَقَالَ "الاَنَ حِينَ قَدِمْتَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ "فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلّ رَكْعَتَيْنِ" قَالَ: فَدَخَلْتُ فَصَلّيْتُ ثُمّ رَجَعْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لِي أُوقِيّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ، فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ. قَال فَانْطَلَقْتُ. فَلَمّا وَلّيْتُ قَالَ: "ادْعُ لِي جَابِراً" فَدُعِيتُ. فَقُلْتُ: الاَنَ يَرُدّ عَلَيّ الْجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيّ مِنْهُ. فَقَالَ: "خُذْ جَمَلَكَ، وَلَكَ ثَمَنُهُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ: حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ: قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي. حَدّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا فِي مَسِيرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَىَ نَاضِحٍ، إِنّمَا هُوَ فِي أُخْرَيَاتِ النّاسِ. قَالَ فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. أَوْ قَالَ نَخَسَهُ. (أُرَاهُ قَالَ) بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَقَدّمُ النّاسَ يُنَازِعُنِي حَتّىَ إِنّي لأَكُفّهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَبِيعُنِيهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ وَاللّهُ يَغْفِرُ لَكَ" قَالَ قُلْتُ: هُوَ لَكَ، يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ: "أَتَبِيعُنِيهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ وَاللّهُ يَغْفِرُ لَكَ". قَالَ قُلْتُ: هُوَ لَكَ. يَا نَبِيّ اللّهِ! قَالَ: وَقَالَ لِي "أَتَزَوّجْتَ بَعْدَ أَبِيكَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ "ثَيّباً أَمْ بِكْراً؟" قَالَ قُلْتُ: ثَيّباً. قَالَ "فَهَلاّ تَزَوّجْتَ بِكْراً تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا، وَتُلاَعِبُكَ وَتُلاَعِبُهَا؟".
قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَتْ كَلِمَةً يَقُولُهَا الْمُسْلِمُونَ، افعَلْ كَذَا وَكَذَا، وَاللّهُ يَغْفِرُ لَكَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لما لها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين ترتب يداك" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين لا أنه أمر بذلك، قال شمر: الحسب الفعل الجميل للرجل وآبائه، وسبق في كتاب الغسل معنى تربت يداك، وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم
*2* باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ: حَدّثَنَا حَيْوةُ: أَخْبَرَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الّلهِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا المَرْأَةُ الصّالِحَةُ".
قوله صلى الله عليه وسلم لجابر: "تزوجت قال نعم قال أبكراً أم ثيباً؟ قلت: ثيباً. قال: فأين أنت من العذاري ولعابها؟" وفي رواية: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك" وفي رواية: "فهلا تزوجت بكراً تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها" أما قوله صلى الله عليه وسلم: ولعابها فهو بكسر اللام ووقع لبعض رواة البخاري بضمها، قال القاضي: وأما الرواية في كتاب مسلم فبالكسر لا غير وهو من الملاعبة مصدر لاعب ملاعبة كقاتل مقاتلة، قال: وقد حمل جمهور المتكلمين في شرح هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: تلاعبها على اللغب المعروف، ويؤيده تضاحكها وتضاحكك، قال بعضهم: يحتمل أن يكون من اللعاب وهو الريق، وفيه فضيلة تزوج الأبكار وثوابهن أفضل، وفيه ملاعبة الرجل امرأته وملاطفته لها ومضاحكتها وحسن العشرة، وفيه سؤال الإمام والكبير أصحابه عن أمورهم وتفقد أحوالهم وإرشادهم إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة فيها. قوله: "قلت له: إن عبد الله هلك وترك تسع بنات أو سبع بنات وإني كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهن وتصلحهن قال: فبارك الله لك أو قال لي خيراً" فيه فضيلة لجابر وإيثاره مصلحة أخواته على حظ نفسه، وفيه الدعاء لمن فعل خيراً وطاعة سواء تعلقت بالداعي أم لا، وفيه جواز خدمة المرأة زوجها وأولاده وعياله برضاها وأما من غير رضاها فلا. قوله: (تمشطهن) هو بفتح التاء وضم الشين. قوله: (فلما أقبلنا تعجلت) هكذا هو في نسخ بلادنا أقبلنا، وكذا نقله القاضي عن رواية ابن سفيان عن مسلم، قال: وفي رواية ابن ماهان أقفلنا بالفاء، قال: ووجه الكلام قفنا أي رجعنا، ويصح أقبلنا بفتح اللام أي أقفلنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأقفلنا بضم الهمزة لما لم يسم فاعله. قوله: "تعجلت على بعير لي قطوف" هو بفتح القاف أي بطيء المشي. قوله: (فنخس بعيري بعنزة) هي بفتح النون وهي عصا نحو نصف الرمح في أسفلها زج. قوله: "فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل" هذا فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأثر بركته. قوله صلى الله عليه وسلم: "أمهلوا حتى ندخل ليلاً" أي عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة، الاستحداد استعمال الحديدة في شعر العانة وهو إزالته بالموسى، والمراد ههنا إزالته كيف كانت، والمغيبة بضم الميم وكسر الغين وإسكان الياء وهي التي غاب عنها زوجها، وإن حضر زوجها فهي مشهد بلا هاء، وفي هذا الحديث استعمال مكارم الأخلاق والشفقة على المسلمين والاحتراز من تتبع العورات واجتلاب ما يقتضي دوام الصحبة، وليس في هذا الحديث معارضة للأحاديث الصحيحة في النهي عن الطروق ليلاً لأن ذلك فيمن جاء بغتة، وأما هنا فقد تقدم خبر مجيئهم وعلم الناس وصولهم وأنهم سيدخلون عشاء فتستعد لذلك المغيبة والشعثة وتصلح حالها وتتأهب للقاء زوجها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قدمت فالكيس الكيس" قال ابن الأعرابي: الكيس الجماع، والكيس العقل، والمراد حقه على ابتغاء الولد. قوله: (فحجنه بمحجنه) هو بكسر الميم وهو عصا فيها تعقف يلتقط بها اراكب ما سقط منه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ادخل فصل ركعتين" فيه استحباب ركعتين عند القدوم من السفر. قوله: "فوزن لي بلال فأرجح في الميزان" فيه استحباب إرجاح الميزان في وفاء الثمن وقضاء الديون ونحوها. وسيأتي الكلام في حديث جابر وبيعه الجمل في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى. قوله: "وأنا على ناضح" هو البعير الذي يستقي عليه. قوله: "إنما هو في أخريات" هو بضم الهمزة وفتح الراء والله أعلم
*2* باب الوصية بالنساء
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدّثَنِي ابْنُ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ الْمَرْأَةَ كَالضّلْعِ. إِذَا ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: كِلاَهُمَا، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي الزّهْرِيّ، عَنْ عَمّهِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: (وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي عُمَرَ) قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَىَ طَرِيقَةٍ، فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أَمْراً فَلْيَتَكَلّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا بِالنّسَاءِ، فَإِنّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضّلَعِ أَعْلاَهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنّسَاءِ خَيْراً".
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازِيّ: حَدّثَنَا عِيسَىَ (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ): حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً. إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" أَوْ قَالَ: "غَيْرَهُ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
*2* باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر
*حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنّ أَبَا يُونُسَ، مَوْلَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْلاَ حَوّاءُ، لَمْ تَخُنْ أُنْثَىَ زَوْجَهَا الدّهْرَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ: عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ. مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَلَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَخْبُثِ الطّعَامُ، وَلَمْ يَخْنَزِ اللّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوّاءُ، لَمْ تَخُنْ أُنْثَىَ زَوْجَهَا الدّهْرَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها" العوج ضبطه بعضهم بفتح العين وضبطه بعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر، وضبطه الحافظ أبو القاسم بن عساكر وآخرون بالكسر وهو الأرجح على مقتضى ما سننقله عن أهل اللغة إن شاء الله تعالى. قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين، ويقال فلان في دينه عوج بالكسر هذا كلام أهل اللغة. قال صاحب المطالع: قال أهل اللغة العوج بالفتح في كل شخص وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام، قال: وانفرد عنهم أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح، والضلع بكسر الضاد وفتح اللام، وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى: {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع، وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء" فيه الحث على الرفق بالنساء واحتمالهن كما قدمناه وأنه ينبغي للإنسان أن لا يتكلم إلا بخير، فأما الكلام المباح الذي لا فائدة فيه فيمسك عنه مخافة من انجراره إلى حرام أو مكروه.
بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر أو قال غيره" يفرك بفتح الياء والراء وإسكان الفاء بينهما، قال أهل اللغة: فكره بكسر الراء يفركه بفتحها إذا أبغضها، والفرك بفتح الفاء وإسكان الراء البغض قال القاضي عياض: هذا ليس على النهي قال: هو خبر أي لا يقع منه بغض تام لها، قال: وبغض الرجال للنساء خلاف بغضهن لهم، قال: ولهذا قال إن كره منها خلقاً رضي منها آخر، هذا كلام القاضي وهو ضعيف أو غلط بل الصواب أنه نهى أي ينبغي أن لا يبغضها لأنه إن وجد فيها خلقاً يكره وجد فيها خلقاً مرضياً بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيبقة به أو نحو ذلك، وهذا الذي ذكرته من أنه نهي يتعين لوجهين: أحدهما أن المعروف في الروايات لا يفرك بإسكان الكاف لا برفعها وهذا يتعين فيه النهي، ولو روي مرفوعاً لكان نهياً بلفظ الخبر. والثاني أنه قد وقع خلافه فبعض الناس يبغض زوجته بغضاً شديداً ولو كان خبراً لم يقع خلافه وهذا واقع وما أدري ما حمل القاضي على هذا التفسير.