كتاب الطلاق
 كتاب الطلاق

باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها

حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيميّ: قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْها، ثُمّ لْيَتْرُكْهَا حَتّى تَطْهُرَ، ثُمّ تَحِيضَ، ثُمّ تَطْهُرَ، ثُمّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ، فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ الّلهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ يُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيىَ): قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا لَيْثٌ: وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ)، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمّ يُمْسِكَهَا حَتّىَ تَطْهُرَ، ثُمّ تَحيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَىَ، ثُمّ يُمْهِلَهَا حَتّىَ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلّقَهَا فَلْيُطَلّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ يُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ.
وزادَ ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ: وَكَانَ عَبْدُ الّلهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلكَ، قَالَ لأَحَدِهِمْ: أَمّا أَنْتَ طَلّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ. فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي بِهَذَا، وَإِنْ كُنْتَ طَلّقْتَهَا ثَلاَثاً فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّىَ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَكَ وَعَصَيْتَ اللّهَ فِيمَا أَمَرَكَ مِنْ طَلاَقِ امْرَأَتِكَ.
قَالَ مُسْلِمٌ: جَوّدَ اللّيْثُ فِي قوله: تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَلّقْتُ امْرَأَتِي عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمّ لْيَدَعْهَا حَتّىَ تَطْهُرَ، ثُمّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَىَ، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، أَوْ يُمْسِكْهَا، فَإِنّهَا الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ يُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ".
قَالَ عُبَيْدُ الّلهِ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا صَنَعَتِ التّطْلِيقَةُ؟ قَالَ: وَاحِدَةٌ اعْتَدّ بِهَا.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ الْمُثَنّى: قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ عُبَيْدِ اللّهِ لِنَافِعٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُثَنّىَ فِي رِوَايَتِهِ: فَلْيَرْجِعْهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَيُرَاجِعْهَا.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنّ ابْنَ عُمَرَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسأَلَ عُمَرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا ثُمّ يُمْهِلَهَا حَتّىَ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَىَ، ثُمّ يُمْهِلَهَا حَتّىَ تَطْهُرَ ثُمّ يُطَلّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسّهَا، فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ يُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ. قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الرّجُلِ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَقُولُ: أَمّا أَنْتَ طَلّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمّ يُمْهِلَهَا حَتّىَ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَىَ، ثُمّ يُمْهِلَهَا حَتّىَ تَطْهُرَ، ثُمّ يُطَلّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسّهَا، وَأَمّا أَنْتَ طَلّقْتَهَا ثَلاَثَاً، فَقَدْ عَصَيْتَ رَبّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلاَقِ امْرَأَتِكَ، وَبَانَتْ مِنْكَ.
حَدّثَنِي عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (وَهُوَ ابْنُ أَخِي الزّهْرِيّ)، عَنْ عَمّهِ. أَخْبَرَنَا سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَتَغَيّظَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، حَتّىَ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَىَ مُسْتَقْبَلَةً، سِوَىَ حَيْضَتِهَا الّتي طَلّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلّقَهَا، فَلْيُطَلّقْهَا طَاهِراً مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسّهَا، فَذَلِكَ الطّلاَقُ للِعِدّةِ كَمَا أَمَرَ اللّهُ" وَكَانَ عَبْدُ الّلهِ طَلّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاَقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللّهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنيهِ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبّهِ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنِي الزّبَيْدِيّ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإسْنَادِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَاجَعْتُهَا، وَحَسَبْتُ لَهَا التّطْلِيقَةَ الّتِي طَلّقْتُهَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. (وَاللّفْظُ لاَِبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، (مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ) عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. فَذَكَرَ ذِلَكَ عُمَرُ للِنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمّ لِيُطَلّقْهَا طَاهِراً أَوْ حَامِلاً".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِيّ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ): حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ طَلَقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتّى تَطْهُرَ، ثُمّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمّ تَطْهُرَ ثُمّ يُطَلّقُ بَعْدُ، أَوْ يُمْسِكُ".
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَكَثْتُ عِشْرِينَ سَنةً يُحْدّثُنِي مَنْ لاَ أَتّهِمُ أَنّ ابْنَ عُمَرَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثاً وَهِيَ حَائِضٌ. فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا. فَجَعَلْتُ لاَ أَتّهِمُهُمْ، وَلاَ أَعْرِفُ الْحَدِيثَ، حَتّى لَقِيتُ أَبَا غَلاّبٍ، يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ الْبَاهِلِيّ. وَكَانَ ذَا ثَبتٍ. فَحَدّثَنِي أَنّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ. فَحَدّثَهُ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ. فَأُمِرَ أَنْ يَرْجِعَهَا. قَالَ قُلْتُ: أَفَحُسِبَتْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَمَهْ. أَوَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟.
وحدّثناه أَبُو الرّبِيعِ وَ قُتَيْبَةُ قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ، عَنْ أَيّوبَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَسَأَلَ عُمَرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ.
وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ: حَدّثَنِي أَبِي: عَنْ جَدّي، عَنْ أَيّوبَ، بِهَذَا الإسْنَادِ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَسَأَلَ عُمَرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتّى يُطَلّقَهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ. وَقَالَ: "يُطَلّقُهَا فِي قُبُلِ عِدّتِهَا".
وحدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ، عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ طَلّقَ امْرَأَتهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ؟ فَإِنّهُ طَلّقَ امْرَأَتهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمّ تَسْتَقْبِلَ عِدّتهَا. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا طَلّقَ الرّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، أَتَعْتَدّ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ؟ فَقَالَ: فَمَهْ أَوَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ: قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: طَلّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِك لَهُ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "لِيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهَرَتْ، فَإِنْ شَاءَ فَلْيُطَلّقْهَا" قَالَ: فَقُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ أَحْتَسَبْتَ بِهَا؟ قَالَ: مَا يَمْنَعُهُ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحَمَقَ؟،
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ امْرَأَتِهِ الّتِي طَلّقَ؟ فَقَالَ: طَلّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهَرَتْ فَلْيُطَلّقْهَا لِطُهْرِهَا" قَالَ: فَرَاجَعْتُهَا ثُمّ طَلّقْتُهَا لِطُهْرِهَا، قُلْتُ: فَاعْتَدَدْتَ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ الّتِي طَلّقْتَ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: مَا لِي لاَ أَعْتَدّ بِهَا؟ وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ: قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُم إِذَا طَهَرَتْ فَلْيُطَلّقْهَا" قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَفَاحْتَسَبْتَ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: فَمَهْ.
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: ح وَحَدّثَنِيهِ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ: حَدّثَنَا بَهْزٌ: قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإسْنَادِ، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمَا "لِيَرْجِعْهَا"، وَفِي حَدِيثِهِمَا: قَالَ قُلْتُ لَهُ: أَتَحْتَسِبُ بِهَا؟ قَالَ: فَمهْ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ: عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضاً؟ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضاً، فَذَهَبَ عُمَرُ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُراجِعَهَا. قَالَ: لَمْ أْسْمَعْهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ (لاَِبِيهِ).
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ: أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ (مَوْلَى عَزّةَ) يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ؟ وَأَبُو الزّبَيْرِ يَسْمَعُ ذَلِكَ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلّقَ امْرأَتَهُ حَائِضاً؟ فَقَالَ: طَلّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتُهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: إِنّ عَبْدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لِيُرَاجِعْهَا" فَرَدّهَا، وقَالَ "إِذَا طَهَرتْ فَلْيُطَلّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ".
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ} (الطلاق الاَية 1)،
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصّةِ،
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ: أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ (مَوْلَى عُرْوَةَ) يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ؟ وَأَبُو الزّبَيْرِ يَسْمَعُ بِمِثْلِ حَدِيثِ حَجّاجٍ، وَفِيهِ بَعْضُ الزّيَادَةِ. قَالَ مُسْلِمٌ: أَخْطَأَ حَيْثُ قَالَ: عُرْوَةَ، إِنّمَا هُوَ مَوْلَى عَزّةَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر" أي لم تخنه أبداً، وحواء بالمد روينا عن ابن عباس قال: سميت حواء لأنها أم كل حي، قيل: إنها ولدت لاَدم أربعين ولداً في عشرين بطناً في كل بطن ذكر وأنثى، واختلفوا متى خلقت من ضلع آدم فقيل قبل دخوله الجنة فدخلاها، وقيل في الجنة. قال القاضي: ومعنى هذا الحديث أنها أم بنات آدم بأشبهها ونزع العرق لما جرى لها في قصة الشجرة مع إبليس فزين لها أكل الشجرة فأغواها فأخبرت آدم بالشجرة فأكل منها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم" هو بفتح الياء والنون وبكسر النون والماضي منه خنز بكسر النون وفتحها ومصدره الخنز والخنوز وهو إذا تغير وأنتن، قال العلماء: معناه أن بني إسرائيل لما أنزل الله عليهم المن والسلوى نهوا عن ادخارهما فادخروا ففسد وأنتن واستمر من ذلك الوقت والله أعلم
*2* باب طلاق الثلاث
*هو مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك، ومنه طلقت البلاد أي تركتها، ويقال طلقت المرأة وطلقت بفتح اللام وضمها والفتح أفصح تطلق بضمها فيهما
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: (وَاللّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: كَانَ الطّلاَقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، طَلاَقُ الثّلاَثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: إِنّ النّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ (وَاللّفْظُ لَهُ): حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَبَا الصّهْبَاءِ قَالَ لاِبْنِ عَبّاسٍ: أَتعْلَمُ أَنّمَا كَانَتِ الثّلاَثُ تُجْعَلُ وَاحِدةً عَلَى عَهْدِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، وَثَلاَثاً مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَعَمْ،
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حرْبٍ: عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيّوبَ السّخْتِيَانِيّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ أَنّ أَبَا الصّهْبَاءِ قَالَ لاِبْن عَبّاسٍ: هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ، أَلَمْ يَكُنِ الطّلاَقُ الثّلاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، فَلَمّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ النّاسُ فِي الطّلاقِ، فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ.
أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلقها أثم ووقع طلاقه ويؤخر بالرجعة لحديث ابن عمر المذكور في الباب، وشذ بعضه أهل الظاهر فقال: لا يقع طلاقه لأنه غير مأذون له فيه فأشبه طلاق الأجنبية والصواب الأول وبه قال العلماء كافة ودليلهم أمره بمراجعتها ولو لم يقع لم تكن رجعة، فإن قيل: المراد بالرجعة الرجعة اللغوية وهي الرد إلى حالها الأول لا أنه تحسب عليه طلقة. قلنا هذا غلط لوجهين: أحدهما أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية يقدم على حمله على الحقيقة اللغوية كما تقرر في أصول الفقه. الثاني أن ابن عمر صرح في روايات مسلم وغيره بأنه حسبها عليه طلقة والله أعلم. وأجمعوا على أنه إذا طلقها يؤمر برجعتها كما ذكرنا، وهذه الرجعة مستحبة لا واجبة، هذا مذهبنا وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وفقهاء المحدطين وآخرون، وقال مالك وأصحابه هي واجبة، فإن قيل: ففي حديث ابن عمر هذا أنه أمر بالرجعة ثم بتأخير الطلاق إلى طهر بعد الطهر الذي يلي هذا الحيض فما فائدة التأخير؟ فالجواب من أربعة أوجه: أحدها لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق فوجب أن يمسكها زماناً كان يحل له فيه الطلاق وإنما أمسكها لتظهر فائدة الرجعة وهذا جواب أصحابنا. والثاني عقوبة له وتوبة من معصية باستدراك جنايته. والثالث أن الطهر الأول مع الحيض الذي يليه وهو الذي طلق فيه كقرء واحد فلو طلقها في أول طهر لكان كمن طلق في الحيض. والرابع أنه نهى عن طلاقها في الطهر ليطول مقامه معها فلعله يجامعها فيذهب ما فيه نفسه من سبب طلاقها فيمسكها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" يعني قبل أن يمس أي قبل أن يطأها ففيه تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه، قال أصحابنا: يحرم طلاقها في طهر جامعها فيه حتى يتبين حملها لئلا تكون حاملاً فيندم، فإذا بان الحمل دخل بعد ذلك في طلاقها على بصيرة فلا يندم فلا تحرم، ولو كانت الحائض حاملاً فالصحيح عندنا وهو نص الشافعي أنه لا يحرم طلاقها لأن تحريم الطلاق في الحيض إنما كان لتطويل العدة لكونه لا يحسب قرءاً، وأما الحامل الحائض فعدتها بوضع الحمل فلا يحصل في حقها تطويل، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "إن شاء أمسك وإن شاء طلق" دليل على أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب، لكن يكره للحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" فيكون حديث ابن عمر لبيان أنه ليس بحرام، وهذا الحديث لبيان كراهة التنزيه، قال أصحابنا: الطلاق أربعة أقسام: حرام ومكروه وواجب ومندوب ولا يكون مباحاً مستوى الطرفين. فأما الواجب ففي صورتين وهما في حكمين إذا بعثهما القاضي عند الشقاق بين الزوجين ورأيا المصلحة في الطلاق وجب عليهما الطلاق، وفي المولى إذا مضت عليه أربعة أشهر وطالبت المرأة بحقها فامتنع من الفيئة والطلاق فالأصح عندنا أنه يجب على القاضي أن يطلق عليه طلقة رجعية. وأما المكروه فأن يكون الحال بينهما مستقيماً فيطلق بلا سبب وعليه يحمل حديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"وأما الحرام ففي ثلاث صور: أحدها في الحيض بلا عوض منها ولا سؤالها. والثاني في طهر جامعها فيه قبل بيان الحمل. والثالث إذا كان عنده زوجات يقسم لهن وطلق واحدة قبل أن يوفيها قسمها. وأما المندوب فهو أن لا تكون المرأة عفيفة أو يخافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود الله أو نحو ذلك والله أعلم. وأما جمع الطلقات الثلاث دفعة فليس بحرام عندنا لكن الأولى تفريقها، وبه قال أحمد وأبو ثور، وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والليث: هو بدعة. قال الخطابي: وفي قوله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها دليل على أن الرجعة لا تفتقر إلى رضا المرأة ولا وليها ولا تجديد عقد والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" فيه دليل لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما أن الأقراء في العدة هي الأطهار لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ليطلقها في الطهر إن شاء فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء أي فيها، ومعلوم أن الله لم يأمر بطلاقهن في الحيض بل حرمه، فإن قيل الضمير في قوله فتلك يعود إلى الحيضة. قلنا هذا غلط لأن الطلاق في الحيض غير مأمور به بل محرم، وإنما الضمير عائد إلى الحالة المذكورة وهي حالة الطهر أو إلى العدة، وأجمع العلماء من أهل الفقه والأصول واللغة على أن القرء يطلق في اللغة على الحيض وعلى الطهر، واختلفوا في الأقراء المذكورة في قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وفيما تنقضي به العدة فقال مالك والشافعي وآخرون: هي الأطهار.
وقال أبو حنيفة والأوزاعي وآخرون: هي الحيض وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال الثوري وزفر وإسحاق وآخرون من السلف وهو أصح الروايتين عن أحمد، قالوا: لأن من قال بالاطهار يجعلها قرءين وبعض الثالث وظاهر القرآن أنها ثلاثة، والقائل بالحيض يشترط ثلاث حيضات كوامل فهو أقرب إلى موافقة القرآن، ولهذا إِلاعتراض صار ابن شهاب الزهري إلى أن الأقراء هي الأطهار، قال: ولكن لا تنقضي العدة إلا بثلاثة أطهار كاملة ولا تنقضي بطهرين وبعض الثالث وهذا مذهب انفرد به، بل اتفق القائلون بالأطهار على أنها تنقضي بقرءين وبعض الثالث حتى لو طلقها، وقد بقي من الطهر لحظة يسيرة حسب ذلك قرءاً ويكفيها طهران بعده، وأجابوا عن إِلاعتراض بأن الشيئين وبعض الثالث يطلق عليها اسم الجميع، قال الله تعالى: {الحج أشهر معلومات} ومعلوم أنه شهران وبعض الثالث. وكذا قوله تعالى: {فمن تعجل في يومين} المراد في يوم وبعض الثاني. واختلف القائلون بالأطهار متى تنقضي عدتها، فالأصح عندنا أنه بمجرد رؤية الدم بعد الطهر الثالث، وفي قول لا تنقضي حتى يمضي يوم وليلة، والخلاف في مذهب مالك كهو عندنا، واختلف القائلون بالحيض أيضاً فقال أبو حنيفة وأصحابه: حتى تغتسل من الحيضة الثالثة أو يذهب وقت صلاة. وقال عمر وعلي وابن مسعود والثوري وزفر وإسحاق وأبو عبيد: حتى تغتسل من الثالثة. وقال الأوزاعي وآخرون: تنقضي بنفس انقطاع الدم. وعن إسحاق رواية أنه إذا انقطع الدم انقطعت الرجعة ولكن لا تحل للأزواج حتى تغتسل احتياطاً وخروجاً من الخلاف والله أعلم. قوله: (قال مسلم جود الليث في قوله تطليقة واحدة) يعني أنه حفظ وأتقن قدر الطلاق الذي لم يتقنه غيره ولم يهمله كما أهمله غيره ولا غلط فيه وجعله ثلاثاً كما غلط فيه غيره، وقد تظاهرت روايات مسلم بأنها طلقة واحدة. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً" فيه دلالة لجواز طلاق الحامل التي تبين حملها وهو مذهب الشافعي، قال ابن المنذر: وبه قال أكثر العلماء منهم طاوس والحسن وابن سيرين وربيعة وحماد بن أبي سليمان ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، قال ابن المنذر، وبه أقول وبه قال بعض المالكية، وقال بعضهم: هو حرام. وحكي ابن المنذر رواية أخرى عن الحسن أنه قال: طلاق الحامل مكروه، ثم مذهب الشافعي ومن وافقه أن له أن يطلق الحامل ثلاثاً بلفظ واحد وبألفاظ متصلة وفي أوقات متفرقة وكل ذلك جائز لا بدعة فيه. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجعل بين الطلقتين شهراً. وقال مالك وزفر ومحمد بن الحسن: لا يوقع عليها أكثر من واحدة حتى تضع. قوله: "أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا وإن كنت طلقتها ثلاثاً فق حرمت عليك" أما قوله أمرني بهذا فمعناه أمرني بالرجعة، وأما قوله: أما أنت فقال القاضي عياض رضي الله عنه: هذا مشكل قال: قيل: إنه بفتح الهمزة من أما أي أما إن كنت فحذفوا الفعل الذي يلي أن وجعلوا ما عوضاً من الفعل وفتحوا أن وأدغموا النون في ما وجاؤوا بانت مكان العلامة في كنت، ويدل عليه قوله تبعده: وإن كنت طلقتها ثلاثاً فقد حرمت عليك. قوله: (لقيت أبا غلاب يونس بن جبير) هو بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام وآخره باء موحدة هكذا ضبطناه وكذا ذكره ابن ماكولا والجمهور، وذكر القاضي عن بعض الرواة تخفيف اللام. قوله: (وكان ذا ثبت) هو بفتح الثاء والباء أي مثبتاً. قوله: (قلت أفحسبت عليه قال فمه أو إن عجز واستحمق) معناه فأفيرتفع عنه الطلاق وإن عجز واستحمق؟ وهو استفهام إنكار وتقديره نعم تحسب ولا يمتنع احتسابها لعجزه وحماقته، قال القاضي: أي إن عجز عن الرجعة وفعل فعل الأحمق، والقائل لهذا الكلام هو ابن عمر صاحب القصة وأعاد الضمير بلفظ الغيبة، وقد بينه بعد هذه في رواية أنس بن سيرين قال: قلت: يعني لابن عمر فاعتددت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض قال: مالي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت. وجاء في غير مسلم أن ابن عمر قال: رأيت إن كان ابن عمر عجز واستحمق فما يمنعه أن يكون طلاقاً. وأما قوله فمه فيحتمل أن يكون للكف والزجر عن هذا القول أي لا تشك في وقوع الطلاق واجزم بوقوعه. وقال القاضي: المراد بمه ما فيكون استفهاماً أي فما يكون إن لم أحتسب بها، ومعناه لا يكون إلا إِلاحتساب بها فأبدل من الألف هاء كما قالوا في مهما أن أصلها ماما أي أي شيء. قوله صلى الله عليه وسلم: يطلقها في قبل عدتها هو بضم القاف والباء أي في وقت تستقبل فيه العدة وتشرع فيها، وهذا يدل على أن الأقراء هي الأطهار وأنها إذا طلقت في الطهر شرعت في الحال في الأقراء لأن الطلاق المأمور به إنما هو في الطهر لأنها إذا طلقت في الحيض لا يحسب ذلك الحيض قرءاً بالإجماع، فلا تستقبل فيه العدة وإنما تستقبلها إذا طلقت في الطهر والله أعلم.
قوله: (عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه سمع ابن عمر يسأل عن رجل طلق امرأته إلى آخره) وقال في آخره: لم أسمعه يزيد على ذلك لأبيه، فقوله لأبيه بالباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحت ومعناه أن ابن طاوس قال: لم أسمعه أي لم أسمع أبي طاوساً يزيد على هذا القدر من الحديث، والقائل لأبيه هو ابن جريج، وأراد تفسير الضمير في قول ابن طاوس لم أسمعه واللام زائدة فمعناه يعني أباه ولو قال يعني أباه لكان أوضح. قوله: (وقرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم فطلقوهن في قبل عدتهن) هذه قراءة ابن عباس وابن عمر وهي شاذة لا تثبت قرآناً بالإجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا وعند محققي الأصوليين والله أعلم
*2* باب وجوب الكفارة على من حرّم امرأته ولم ينوِ الطلاق
*وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ (يَعْنِي الدّسْتَوَائِيّ) قَالَ: كَتَبَ إِلَيّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ يُحَدّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عن ابْنَ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ، فِي الْحَرَامِ: يَمِينٌ يُكَفّرُهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب الاَية: )،
حدّثنا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيّ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلاّمٍ): عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ أَخْبَرَهُ أَنّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ قَالَ: إِذَا حَرّمَ الرّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفّرُهَا وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}،
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يُخْبِرُ أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تُخْبِرُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً، قَالَتْ: فَتَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنّ أَيّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ: إِنّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ" فَنَزَلَ: {لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلّ الّلهُ لَكَ} (التحريم الاَية: 1) إِلَى قوله: {إِنْ تَتُوبَا} (لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ) (التحريم الاَية: 4) {وَإِذْ أَسَرّ النّبِيّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} (لِقوله: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً) (التحريم الاَية: 3)،
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ، فَكَانَ إِذَا صَلّى الْعَصْرَ، دَارَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْهُنّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَالله لَنَحْتَالَنّ لَهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ. وَقُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ. فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لاَ، فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرّيحُ؟ (وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْتَدّ علَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرّيحُ) فَإِنّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكَ لَهُ، وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيّةُ! فَلَمّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ، قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَالّذِي لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِئَهُ بِالّذِي قُلْتِ لِي، وَإِنّهُ لَعَلَى الْبَابِ، فَرَقاً مِنْكِ، فَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: "لاَ"، قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرّيحُ؟ قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ"، قَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ دَخَلَ عَلَى صَفِيّةَ فَقَالَتْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ"،
قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ الّلهِ! وَاللّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قَالَتْ قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي
قَالَ أَبُو إِسْحَقَ إِبْرَاهِيمُ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْقَاسِم: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، بِهَذَا سَوَاءً. وَحَدّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ.
قوله: "عن ابن عباس قال: كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم" وفي رواية عن أبي الصهباء أنه قال لابن عباس: "أتعلم أنما كانت الثلاثة تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر فقال ابن عباس نعم". وفي رواية: "أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة فقال: قد كان ذاك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم" وفي سنن أبي داود عن أبي الصهباء عن ابن عباس نحو هذا إلا أنه قال: "كان رجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها جعلوه واحدة" هذه ألفاظ هذا الحديث وهو معدود من الأحاديث المشكلة. وقد اختلف العلماء فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث. وقال طاوس وبعض أهل الظاهر: لا يقع بذلك إلا واحدة وهو رواية عن الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق والمشهور عن الحجاج بن أرطأة أنه لا يقع به شيء وهو قول ابن مقاتل ورواية عن محمد بن إسحاق، واحتج هؤلاء بحديث ابن عباس هذا وبأنه وقع في بعض روايات حديث ابن عمر أنه طلق امرأته ثلاثاً في الحيض ولم يحتسب به، وبأنه وقع في حديث ركانة أنه طلق امرأته ثلاثاً وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برجعتها، واحتج الجمهور بقوله تعالى: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} قالوا معناه أن المطلق قد يحدث له ندم فلا يمكنه تداركه لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع لم يقع طلاقه هذا إلا رجعياً فلا يندم. واحتجوا أيضاً بحديث ركانة أنه طلق امرأته البتة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله ما أردت إلا واحدة، قال الله ما أردت إلا واحدة، فهذا دليل على أنه أراد الثلاث لوقعن وإلا فلم يكن لتحليفه معنى وأما الرواية التي رواها المخالفون أن ركانة طلق ثلاثاً فجعلها واحدة فرواية ضعيفة عن قوم مجهولين، وإنما الصحيح منها ما قدمناه أنه طلقها البتة، ولفظ البتة محتمل للواحدة وللثلاث، ولعل صاحب هذه الرواية الضعيفة اعتقد أن لفظ البتة يقتضي الثلاث فرواه بالمعنى الذي فهمه وغلط في ذلك، وأما حديث ابن عمر فالروايات الصحيحة التي ذكرها مسلم وغيره أنه طلقها واحدة. وأما حديث ابن عباس فاختلف العلماء في جوابه وتأويله فالأصح أن معناه أنه كان في أول الأمر إذا قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ولم ينو تأكيداً ولا استئنافاً يحكم بوقوع طلقة لقلة إرادتهم الاستئناف بذلك فحمل على الغالب الذي هو إرادة التأكيد، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه وكثر استعمال الناس بهذه الصيغة وغلب منهم إرادة الاستئناف بها حملت عند الإطلاق على الثلاث عملاً بالغالب السابق إلى الفهم منها في ذلك العصر. وقيل: المراد أن المعتاد في الزمن الأول كان طلقة واحدة وصار الناس في زمن عمر يوقنون الثلاث دفعة فنفذه عمر، فعلى هذا يكون إخباراً عن اختلاف عادة الناس لا عن تغير حكم في مسألة واحدة. قال المازري: وقد زعم من لا خبرة له بالحقائق أن ذلك كان ثم نسخ وهذا غلط فاحش لأن عمر رضي الله عنه لا ينسخ ولو نسخ وحاشاه لبادرت الصحابة إلى إنكاره، وإن أراد هذا القائل أنه نسخ في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فذلك غير ممتنع ولكن يخرج عن ظاهر الحديث، لأنه لو كان كذلك لم يجز للراوي أن يخبر ببقاء الحكم في خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر. فإن قيل: فقد يجمع الصحابة على النسخ فيقبل ذلك منهم. قلنا: إنما ذلك لأنه يستدل بإجماعهم على ناسخ، وأما أنهم ينسخون من تلقاء أنفسهم فمعاذ الله لأنه إجماع على الخطأ وهم معصومون من ذلك. فإن قيل: فلعل النسخ إنما ظهر لهم في زمن عمر. قلنا: هذا غلط لأنه يكون قد حصل الإجماع على الخطأ في زمن أبي بكر، والمحققون من الأصوليين لا يشترطون انقراض العصر في صحة الإجماع والله أعلم. وأما الرواية التي في سنن أبي داود أن ذلك فيمن لم يدخل بها فقال: بها قوم من أصحاب ابن عباس فقالوا: لا يقع الثلاث على غير المدخول بها لأنها تبين بواحدة بقوله: أنت طالق، فيكون قوله ثلاثاً حاصل بعد البينونة فلا يقع به شيء، وقال الجمهور: هذا غلط بل يقع عليها الثلاث لأن قوله أنت طالق معناه ذات طلاق وهذا اللفظ يصلح للواحدة والعدد وقوله بعده ثلاثاً تفسير له. وأما هذه الرواية التي لأبي داود فضعيفة رواها أيوب السختياني عن قوم مجهولين عن طاوس عن ابن عباس فلا يحتج بها والله أعلم. قوله: (كانت لهم فيه أناة) هو بفتح الهمزة أي مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة.
قوله: (تتايع الناس في الطلاق) هو بياء مثناة من تحت بين الألف والعين هذه رواية الجمهور، وضبطه بعضهم بالموحدة وهما بمعنى، ومعناه أكثروا منه وأسرعوا إليه، لكن بالمثناة إنما يستعمل في الشر وبالموحدة يستعمل في الخير والشر فالمثناة هنا أجود. وقوله: "هات من هناتك" هو بكسر التاء من هات والمراد بهناتك أخبارك وأمورك المستغربة والله أعلم
*2* باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنّية
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ: حَدّثَنَا ابنُ وَهْبٍ: ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ): أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بُنُ يَزِيدَ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا أُمِرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي. فَقَالَ: "إِنّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ" قَالَتْ: قَدْ عَلَمَ أَنّ أَبَوَيّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. قَالَتْ: ثُمّ قَالَ: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَالَ: {يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنّ كُنْتُنّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنّ وَأُسَرّحْكُنّ سَرَاحاً جَمِيلاً، وَإِنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ اللّهِ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الاَخِرَةَ فَإِنّ اللّهَ أَعَدّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنّ أَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب الاَيتان: و ) قَالَتْ فَقُلْتُ: فِي أَيّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيّ؟ فَإِنّي أُرِيدُ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الاَخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.
حدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ: حَدّثَنَا عبّادُ بْنُ عبّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُنَا، إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنّا، بَعْدَ مَا نَزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} (الأحزاب الاَية: ) فَقَالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ: فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأْذَنَكِ؟ قَالَتْ كُنْتُ أَقُولُ: إِنْ كَانَ ذَلكَ إِلَيّ لَمْ أُوثِرْ أَحَداً عَلَى نَفْسِي.
وحدّثناه الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ: بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ،
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ: أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عائِشَةُ: قَدْ خَيّرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نَعُدّهُ طَلاَقاً.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَليّ بْنُ مُسْهِرٍ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ مَسْروقٍ قَال: مَا أُبَالِي خَيّرْتُ امْرأَتي وَاحِدَةً أَوْ مِائَةً أَوْ ألفاً، بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي، وَلَقَدْ سَأَلْتُ عائِشَةَ فَقَالَتْ: قَدْ خَيّرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَفَكَانَ طَلاَقاً؟.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ: حَدّثَنا مُحَمّدُ بْنُ جعْفَرٍ: حَدّثَنا شُعْبَةُ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَيّرَ نِسَاءَهُ، فَلَمْ يَكُنْ طَلاَقاً.
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيّرْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يَعُدّهُ طَلاَقاً.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ)، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيّرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ. فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَيْنَا شيئْاً.
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيّاءَ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحَقَ: حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ النّاسَ جُلُوساً بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ. قَالَ: فَأُذِنَ لأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَالِساً، حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِماً سَاكِتاً. قَالَ: فَقَالَ: لأَقُولَنّ شَيْئاً أُضْحِكُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "هُنّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النّفَقَةَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنْقَهَا. كِلاَهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. فَقُلْنَ: وَاللّهِ! لاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً أَبَداً لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمّ اعْتَزَلَهُنّ شَهْراً أَوْ تِسْعاً وَعِشْرِينَ، ثُمّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الاَيَةُ: {يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} حَتّى بَلَغَ {لِلْمُحْسَنَاتِ مِنْكُنْ أَجْراً عَظِيماً} قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ. فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْراً أُحِبّ أَنْ لاَ تَعْجَلِي فِيهِ حَتّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ" قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ! فَتَلاَ عَلَيْهَا الاَيَةَ. قَالَتْ: أَفِيكَ، يَا رَسُولَ اللّهِ! أَسْتَشِيرُ أَبَوَيّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الاَخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالّذِي قُلْتُ. قَالَ: "لاَ تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنّ إِلاّ أَخْبَرْتُهَا، إِنّ اللّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنّتاً وَلاَ مُتَعَنّتاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلّماً مُيَسّراً".
قوله: (عن ابن عباس أنه كان يقول في الحرام يمين يكفرها) وقال ابن عباس: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). وفي رواية عن ابن عباس قال: (إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها). وذكر مسلم حديث عائشة في سبب نزول قوله: {لم تحرم ما أحل الله لك} وقد اختلف العلماء فيما إذا قال لزوجته أنت علي حرام فمذهب الشافعي أنه إن نوى طلاقها كان طلاقاً، وإن نوى الظهار كان ظهاراً، وإن نوى تحريم عينها بغير طلاق ولا ظهار لزمه بنفس اللفظ كفارة يمين ولا يكون ذلك يميناً، وإن لم ينو شيئاً ففيه قولان للشافعي أصحهما يلزمه كفارة يمين، والثاني أنه لغو لا شيء فيه ولا يترتب عليه شيء من الأحكام هذا مذهبنا. وحكى القاضي عياض في المسألة أربعة عشر مذهباً: أحدها المشهور من مذهب مالك أنه يقع به ثلاث طلقات سواء كانت مدخولاً بها أم لا لكن لو نوى أقل من الثلاثة قبل في غير المدخول بها خاصة قال: وبهذا المذهب قال أيضاً علي بن أبي طالب وزيد والحسن والحكم. والثاني أنه يقع به ثلاث طلقات ولا تقبل نيته في المدخول بها ولا غيرها قاله ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون المالكي. والثالث أنه يقع به على المدخول بها ثلاث وعلى غيرها واحدة قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم المالكيان. والرابع أنه يقع به طلقة واحدة بائنة سواء المدخول بها وغيرها وهو رواية عن مالك. والخامس أنها طلقة رجعية قاله عبد العزيز بن أبي مسلمة المالكي. والسادس أنه يقع ما نوى ولا يكون أقل من طلقة واحدة قاله الزهري. والسابع أنه إن نوى واحدة أو عدداً أو يميناً ما نوى وإلا فلغو قاله سفيان الثوري. والثامن مثل السابع إلا أنه إذا لم ينو شيئاً لزمه كفارة يمين قاله الأوزاعي وأبو ثور. والتاسع مذهب الشافعي وسبق إيضاحه وبه قال أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. والعاشر إن نوى الطلاق وقعت طلقة بائنة وإن نوى ثلاثاً وقع الثلاث وإن نوى اثنتين وقعت واحدة وإن لم ينو شيئاً فيمين وإن نوى الكذب فلغو قاله أبو حنيفة وأصحابه. والحادي عشر مثل العاشر إلا أنه إذا نوى اثنتين وقعت قاله زفر. والثاني عشر أنه تجب به كفارة الظهار قاله إسحاق بن راهويه. والثالث عشر هي يمين فيها كفارة اليمين قاله ابن عباس وبعض التابعين. الرابع عشر أنه كتحريم الماء والطعام فلا يجب فيه شيء أصلاً ولا يقع به شيء بل هو لغو قاله مسروق والشعبي وأبو سلمة وأصبغ المالكي، هذا كله إذا قال لزوجته الحرة، أما إذا قاله لأمة فمذهب الشافعي أنه إن نوى عتقها عتقت وإن نوى تحريم عينها لزمه كفارة يمين ولا يكون يميناً، وإن لم ينو شيئاً وجب كفارة يمين على الصحيح من المذهب. وقال مالك: هذا في الأمة لغو لا يترتب عليه شيء، قال القاضي: وقال عامة العلماء عليه كفارة يمين بنفس التحريم. وقال أبو حنيفة: يحرم عليه ما حرمه من أمة وطعام وغيره ولا شيء عليه حتى يتناوله فيلزمه حينئذ كفارة يمين، ومذهب مالك والشافعي والجمهور أنه إن قال هذا الطعام حرام علي أو هذا الماء وهذا الثوب أو دخول البيت أو كلام زيد وسائر ما يحرمه غير الزوجة والأمة يكون هذا لغواً لا شيء فيه، ولا يحرم عليه ذلك الشيء، فإذا تناوله فلا شيء عليه، وأم الولد كالأمة فيما ذكرناه والله أعلم.
قولها: "فتواطيت أنا وحفصة" هكذا هو في النسخ فتواطيت وأصله فتواطأت بالهمز أي أتفقت. قولها: "إني أجد منك ريح مغافير" هي بفتح الميم وبغين معجمة وفاء وبعد الفاء ياء، هكذا هو في الموضع الأول في جميع النسخ. وأما الموضعان الأخيران فوقع فيهما في بعض النسخ بالياء وفي بعضها بحذفها. قال القاضي: الصواب إثباتها لأنها عوض من الواو التي في المفرد، وإما حذفت في ضرورة الشعر وهو جمع مغفور وهو صمغ حلو كالناطف وله رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له العرفط بضم العين المهملة والفاء يكون بالحجاز، وقيل أن العرفط نبات له ورقة عريضة تفترش على الأرض له شوكة حجناء وثمرة بيضاء كالقطن مثل زر القميص خبيث الرائحة، قال القاضي: وزعم المهلب أن رائحة المغافير والعرفط حسنة وهو خلاف ما يقتضيه الحديث وخلاف ما قاله الناس، قال أهل اللغة: العرفط من شجر العضاه وهو كل شجر له شوك وقيل رائحته كرائحة النبيذ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن توجد منه رائحة كريهة. قولها: (جرست نحله العرفط) هو بالجيم والراء والسين المهملة أي أكلت العرفط ليصير منه العسل. قولها: "فقال بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود فنزل لم تحرم ما أحل الله لك" هذا ظاهر في أن الاَية نزلت في سبب ترك العسل، وفي كتب الفقه أنها نزلت في تحريم مارية. قال القاضي: اختلف في سبب نزولها فقالت عائشة في قصة العسل، وعن زيد بن أسلم أنها نزلت في تحريم مارية جاريته وحلفه أن لا يطأها، قال: ولا حجة فيه لمن أوجب بالتحريم كفارة محتجاً بقوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: والله لا أطأها ثم قال: هي علي حرام. وروي مثل ذلك من حلفه على شربه العسل وتحريمه ذكره ابن المنذر، وفي رواية البخاري لن أعود له وقد حلفت أن لا تخبري بذلك أحداً. وقال الطحاوي: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في شرب العسل لن أعود إليه أبداً ولم يذكر يميناً، لكن قوله صلى الله عليه وسلم: {قد فرض الله لكن تحلة أيمانكم} يوجب أن يكون قد كان هناك يمين. قلت: ويحتمل أن يكون معنى الاَية قد فرض الله عليكم في التحريم كفارة يمين، وهكذا يقدره الشافعي وأصحابه وموافقوهم. قولها: "فقال بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش" وفي الرواية التي بعدها: (أن شرب العسل كان عند حفصة) قال القاضي: ذكر مسلم في حديث حجاج عن ابن جريج أن التي شرب عندها العسل زينب، وأن المتظاهرتين عليه عائشة وحفصة، وكذلك ثبت في حديث عمر بن الخطاب وابن عباس أن المتظاهرتين عائشة وحفصة، وذكر مسلم أيضاً من رواية أبي أسامة عن هشام أن حفصة هي التي شرب العسل عندها، وأن عائشة وسودة وصفية من اللواتي تظاهرن عليه، قال: والأول أصح. قال النسائي: إسناد حديث حجاج صحيح جيد غاية. وقال الأصيلي: حديث حجاج أصح وهو أولى بظاهر كتاب الله تعالى وأكمل فائدة يريد قوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه} فهما ثنتان لا ثلاث، وأنهما عائشة وحفصة كما قال فيه وكما اعترف به عمر رضي الله عنه، وقد انقلبت الأسماء على الراوي في الرواية الأخرى: كما أن الصحيح في سبب نزول الاَية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروي في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح، قال النسائي: إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية. هذا آخر كلام القاضي. ثم قال القاضي بعد هذا: الصواب أن شرب العسل كان عند زينب. قوله تعالى: {وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً لقوله بل شربت عسلاً} هكذا ذكره مسلم قال القاضي: فيه اختصار وتمامه ولن أعود إليه وقد حلفت أن لا تخبري بذلك أحداً كما رواه البخاري، وهذا أحد الأقوال في معنى السر، وقيل بل ذلك في قصة مارية وقيل غير ذلك. قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء العسل" قال العلماء: المراد بالحلواء هنا كل شيء حلو، وذكر العسل بعدها تنبيهاً على شرافته ومزيته وهو من باب ذكر الخاص بعد العام، الحلواء بالمد وفيه جواز كل لذيذ الأطعمة والطيبات من الرزق، وأن ذلك لا ينافي الزهد والمراقبة لا سيما إذا حصل اتفاقاً. قولها: (فكان إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن) فيه دليل لما يقوله أصحابنا أنه يجوز لمن قسم بين نسائه أن يدخل في النهار إلى بيت غير المقسوم لها لحاجة ولا يجوز الوطء. قولها: (والله لقد حرمناه) هو بتخفيف الراء أي منعناه منه، يقال منه حرمته وأحرمته والأول أفصح. قوله: (قال إبراهيم حدثنا الحسن بن بشر، حدثنا أبو أسامة بهذا) معناه أن إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم ساوى مسلماً في إسناد هذا الحديث، فرواه عن واحد عن أبي أسامة، كما رواه مسلم عن واحد عن أبي أسامة فعلاً برجل والله أعلم
*2* باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: وإن تظاهرا عليه
*حدّثني زُهْيرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيّ: حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ: عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيْلٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ: حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ قَالَ: لَمّا اعْتَزَلَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلّقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ. فَقَالَ عُمَرُ فَقُلْتُ: لأَعْلَمَنّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ. فَقُلْتُ: يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطّابِ؟ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَاللّهِ! لَقَدْ عَلِمْتِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُحِبّكِ، وَلَوْلاَ أَنَا لَطَلّقَكِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَكَتْ أَشَدّ الْبُكَاءِ. فَقُلْتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي الْمَشْرُبَةِ. فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلاَمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِداً عَلَى أُسْكُفّ الْمَشْرُبَةِ. مُدَلَ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ. وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَنْحَدِرُ. فَنَادَيْتُ: يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ، ثُمّ نَظَرَ إِلَيّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً، ثُمّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ، ثُمّ نَظَرَ إِلَيّ. فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً، ثُمّ رَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِنّي أَظُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ظَنّ أَنّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ، وَاللّهِ! لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِضَرْبِ عُنُقِهَا لأَضْرِبَنّ عُنُقَهَا، وَرَفَعْتُ صَوْتِي. فَأَوْمَأَ إِلَيّ أَنِ ارْقَهْ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثّرَ فِي جَنْبِهِ. فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصّاعِ. وَمِثْلِهَا قَرَظاً فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ. وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلّقٌ. قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ. قَالَ: "مَا يُبْكِيكَ؟ يَا ابْنَ الْخَطّابِ" قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ وَمَا لِي لاَ أَبْكِي؟ وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثّرَ فِي جَنْبِكَ. وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاّ مَا أَرَى. وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثّمَارِ وَالأَنْهَارِ. وَأَنْتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَصِفْوَتُهُ. وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. فَقَالَ: "يَا ابْنَ الْخَطّابِ أَلاَ تَرْضى أَنْ تَكُونَ لَنَا الاَخِرَةُ وَلَهُمُ الدّنْيَا؟" قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلْتُ وَأَنَا أَرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! مَا يَشُقّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النّسَاءِ؟ فَإِنْ كُنْتَ طَلّقْتَهُنّ فَإِنّ الله مَعَكَ وَملاَئِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ، وَقَلّمَا تَكَلّمْتُ، وَأَحْمَدُ اللّهَ، بِكَلاَمٍ إِلاّ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللّهُ يُصَدّقُ قَوْلِي الّذِي أَقُولُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ. آيَةُ التّخْيِيرِ: {عَسَى رَبّهُ إِنْ طَلّقَكُنّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} (التحريم الاَية: 5) {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ الله هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (التحريم الاَية: 4) وَكَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَان عَلَى سائر نِسَاءِ النّبِي صلى الله عليه وسلم.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَطَلّقْتَهُنّ؟ قَالَ: "لاَ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى، يَقُولُونَ: طَلّقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنّكَ لَمْ تُطَلّقْهُنّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ" فَلَمْ أَزَلْ أُحَدّثُهُ حَتّى تَحَسّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَتّى كَشَرَ فَضَحِكَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ ثَغْراً. ثُمّ نَزَلَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلْتُ. فَنَزَلْتُ أَتَشَبّثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنّمَا يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا يَمَسّهُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّما كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ: "إِنّ الشّهْرَ يَكُونُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ" فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوتِي: لَمْ يُطَلّقْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدّوهُ إِلَى الرّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (4 النساء الاَية: ) فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الأَمْرَ. وَأَنْزَلَ الله عَزّ وَجَلّ آيَةَ التّخْيِيرِ.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِي: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ): أَخْبَرَنِي يَحْيَى: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ: أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ يُحَدّثُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ. حَتّى خَرَجَ حَاجّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ. فَلَمّا رَجَعَ، فَكُنّا بِبَعْضِ الطّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَراكِ لِحَاجَةٍ لهُ، فَوَقَفْتُ لَهُ حَتّى فَرَغَ ثُمّ سِرْتُ مَعَهُ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ اللّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: وَاللّهِ! إِنْ كُنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ. مَا ظَنَنْتَ أَنّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَسَلْنِي عَنْهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُهُ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللّهِ إِنْ كُنّا فِي الْجَاهِلِيّةِ مَا نَعُدّ لِلنّسَاءِ أَمْراً. حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِنّ مَا أَنْزَلَ. وَقَسَمَ لَهُنّ مَا قَسَمَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَأْتَمِرُهُ، إِذْ قَالَتْ لِي امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا فَقُلْتُ لَهَا: وَمَا لَكِ أَنْتِ وَلِمَا هَهَهُنَا؟ وَمَا تَكَلّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فَقَالَتْ لِي: عَجباً لَكَ، يَا ابْنَ الْخَطّابِ! مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنّ ابْنَتَكَ لَتُراجِعُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى يَظَلّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، قَالَ عُمَرُ: فَآخُذُ رِدَائِي ثُمّ أَخْرُجُ مَكَانِي، حَتّى أَدْخُلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ لَهَا يَا بُنَيّةُ إِنّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّى يَظَلّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللّهِ إِنّا لَنُرَاجِعُهُ، فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنّي أُحَذّرُك عُقُوبَةَ اللّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ، يَا بُنَيّةُ لاَ يَغُرّنّكِ هَذِهِ الّتِي قَدْ أَعجَبَهَا حُسْنُهَا، وَحُبّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِيّاهَا، ثُمّ خَرَجْتُ حَتّى أَدْخُلَ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ، لِقَرَابَتِي مِنْهَا، فَكَلّمْتُهَا، فَقَالَتْ لِي أُمّ سَلَمَةَ: عَجباً لَكَ يَا ابْنَ الْخَطّابِ قَدْ دَخَلْتَ فِي كُلّ شَيْءٍ حَتّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ قَالَ: فَأَخَذَتْنِي أَخْذاً كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ. فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا، وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ. إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَتَخَوّفُ مَلِكاً مِنْ مُلُوكِ غَسّانَ. ذُكِرَ لَنَا أَنّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا. فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ فَأَتَى صَاحِبِي الأَنْصَارِيّ يَدُقّ الْبَابَ. وَقَالَ: افْتَحِ. افْتَحْ. فَقُلْتُ جَاءَ الْغَسّانِيّ؟ فَقَالَ: أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ. اعْتَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ. ثُمّ آخُذُ ثَوْبِي فَأَخْرُجُ. حَتّى جِئْتُ. فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يُرْتَقَى إِلَيْهَا بِعَجَلَةٍ. وَغُلاَمٌ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رأْسِ الدّرَجَةِ. فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ. فَأُذِنَ لِي. قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ. فَلَمّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمّ سَلَمَةَ تَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ. وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. وَإِنّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظاً مَصْبُوراً. وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبَاً مُعَلّقةً. فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَكَيْتُ. فَقَالَ "مَا يُبْكِيكَ؟" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ. وَأَنْتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدّنْيَا وَلَكَ الاَخِرَةُ؟".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَفّانُ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ عُمَرَ، حَتّى إِذَا كُنّا بِمَرّ الظّهْرَانِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطولِهِ. كَنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ قُلْتُ: شَأْنُ الْمَرَأَتَيْنِ؟ قَالَ: حَفْصَةُ وَأُمّ سَلَمَةَ وَزَادَ فِيهِ: وَأَتَيْتُ الْحُجَرَ فَإِذَا فِي كُلّ بَيْتٍ بُكَاءٌ. وَزَادَ أَيْضاً: وَكَانَ آلَى مِنْهُنّ شَهْراً، فَلَمّا كَانَ تِسْعَاً وَعِشْرِينَ نَزَلَ إِلَيْهِنّ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَ زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ (وَهُوَ مَوْلَى الْعَبّاسِ) قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَبِثْتُ سَنَةً مَا أَجِدُ لَهُ مَوْضِعاً، حَتّى صَحِبْتُهُ إِلَى مَكّةَ، فَلَمّا كَانَ بِمَرّ الظّهْرَانِ ذَهَبَ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَقَالَ: أَدْرِكْنِي بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَلَمّا قَضَى حَاجَتَهُ وَرَجَعَ ذَهَبْتُ أَصُبّ عَلَيْهِ. وَذَكَرْتُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ فَمَا قَضَيْتُ كَلاَمِي حَتّى قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ.
وحدّثا سْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ) (قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ): أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصاً أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اللّتَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (التحريم الاَية: 4)، حَتّى حَجّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمّا كُنّا بِبَعْضِ الطّرِيقِ عَدَلَ عُمَرُ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإِدَاوَةِ، فَتَبَرّزَ، ثُمّ أَتَانِي فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ، فَتَوَضّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اللّتَانِ قَالَ الله عَزّ وَجَلّ لَهُمَا {إِنْ تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ قَالَ عُمَرُ: وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبّاسٍ (قَالَ الزّهْرِيّ: كَرِهَ، وَاللّهِ! مَاسَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ) قَالَ: هِيَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، ثُمّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ قَالَ: كُنّا، مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَوْماً نَغْلِبُ النّسَاءَ، فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْماً تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلّمْنَ مِنْ نِسَائِهمْ، قَالَ: وَكَانَ مَنْزِلِي فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، بِالْعَوَالِي، فَتَغَضّبْتُ يَوْماً عَلَى امْرَأَتِي، فَإِذَا هِي تُرَاجِعُنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللّهِ إِنّ أَزْوَاجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنّ الْيَوْمَ إِلَى اللّيْلِ، فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: أَتُرَاجِعِينَ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنّ الْيَوْمَ إِلَى اللّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنّ وَخَسِرَ، أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنّ أَنْ يَغْضَبَ اللّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رُسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ، لاَ تُرَاجِعِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَسْأَلِيهِ شَيْئاً، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلاَ يَغُرّنّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ منك أَوْسَمَ وَأَحَبّ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ (يُرِيدُ عَائِشَةَ). قَالَ: وَكَانَ لِي جَارٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَكُنّا نَتَنَاوَبُ النّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيَنْزِلُ يَوْماً وَأَنْزِلُ يَوْماً. فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَكُنّا نَتَحَدّثُ أَنّ غَسّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا. فَنَزَلَ صَاحِبِي. ثُمّ أَتَانِي عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي، ثمّ نَادَانِي، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَاذَا؟ أَجَاءَتْ غَسّانُ؟ قَالَ: لاَ. بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَطْوَلُ. طَلّقَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ. قَدْ كُنْتُ أَظُنّ هَذَا كَائِناً. حَتّى إِذَا صَلّيْتُ الصّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيّ ثِيَابِي. ثُمّ نَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَهِيَ تَبْكِي. فَقُلْتُ: أَطَلّقَكُنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: لاَ أَدْرِي. هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ. فَأَتَيْتُ غُلاَماً لَهُ أَسْوَدَ. فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إِلَيّ. فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْطَلَقْتُ حَتّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ. فَإِذَا عِنْدَهُ رَهْطٌ جُلُوسٌ يَبْكي بَعْضُهُمْ. فَجَلَسْتُ قَلِيلاً. ثُمّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ. ثُمّ أَتَيْتُ الْغُلاَمَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إِلَيّ. فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَوَلّيْتُ مُدْبِراً. فَإِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي. فَقَالَ: ادْخُلْ. فَقَدْ أَذِنَ لَكَ. فَدَخَلْتُ فَسَلّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هُوَ مُتّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ قَدْ أَثّرَ فِي جَنْبِهِ. فَقُلْتُ: أَطَلّقْتَ، يَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيّ وَقَالَ "لاَ" فَقُلْتُ: اللّهُ أَكْبَرُ لَوْ رَأَيْتَنَا، يَا رَسُولَ اللّهِ! وَكُنّا، مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَوْماً نَغْلِبُ النّسَاءَ. فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْماً تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ.
فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ. فَتَغَضّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْماً. فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي. فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي. فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللّهِ! إِنّ أَزْوَاجَالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ. وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنّ الْيَوْمَ إِلَى الْلّيْلِ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنّ وَخَسِرَ. أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاهُنّ أَنْ يَغْضَبَ اللّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ؟ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لاَ يَغُرّنّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ مِنْكِ وَأَحَبّ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ فَتَبَسّمَ أُخْرَى فَقُلْتُ: أَسْتأْنِسُ. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ "نَعَمْ" فَجَلَسْتُ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ فَوَاللّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئاً يَرُدّ الْبَصَرَ، إِلاّ أُهَباً ثَلاَثَةً. فَقُلْتُ: ادْعُ اللّهَ يَا رَسُولَ اللّهِ! أَنْ يُوَسّعَ عَلَى أُمّتِكَ. فَقَدْ وَسّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرّومِ. وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللّهَ. فَاسْتَوَى جَالِساً ثُمّ قَالَ "أَفِي شَكَ أَنْتَ؟ يَا ابْنَ الْخَطّابِ! أُوَلئِكَ قَوْمٌ عُجّلَتْ لَهُمْ طَيّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا" فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي، يَا رَسُولَ اللّهِ وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَيْهِنّ شَهْراً مِنْ شِدّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنّ حَتّى عَاتَبَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ.
قَالَ الزّهْرِيّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بَدَأَ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً، وَإِنّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَعُدّهُنّ. قال: "إِنّ الشّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" ثُمّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي فِيهِ حَتّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". ثُمّ قَرَأَ عَلَيّ الاَيَةَ: {يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} حَتّى بَلَغَ {أَجْراً عَظِيماً}. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ، وَالله أَنّ أَبَوَيّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفَرَاقِهِ. قَالَتْ فَقُلْتُ: أَوَ فِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيّ؟ فَإِنّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الاَخِرَةَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيّوبُ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لاَ تُخْبِرْ نِسَاءَكَ أَنّي اخْتَرْتُكَ. فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِنّ اللّهَ أَرْسَلَنِي مُبَلّغاً وَلَمْ يُرْسِلْنِي مُتَعَنّتاً".
قَالَ قَتَادَةُ: صَغَتْ قُلُوبُكُمَا، مَالَتْ قُلُوبُكُمَا.
قوله: "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت: قد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه" إنما بدأ بها لفضيلتها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا عليك أن لا تعجلي" معناه ما يضرك أن لا تعجلي وإنما قال لها هذا شفقة عليها وعلى أبويها ونصيحة لهم في بقائها عنده صلى الله عليه وسلم، فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجاربها على اختيار الفراق فيجب فراقها فتضر هي وأبواها وباقي النسوة بإِلاقتداء بها. وفي هذا الحديث منقبة ظاهرة لعائشة ثم لسائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وفيه المبادرة إلى الخير وإيثار أمور الاَخرة على الدنيا، وفيه نصيحة الإنسان صاحبه وتقديمه في ذلك ما هو أنفع في الاَخرة.
قولها: (إن كان ذلك إلي لم أوثر على نفسي أحداً) هذه المنافسة فيه صلى الله عليه وسلم ليست لمجرد الاستمتاع ولمطلق العشرة وشهوات النفوس وحظوظها التي تكون من بعض الناس، بل هي منافسة في أمور الاَخرة والقرب من سيد الأولين والاَخرين والرغبة فيه وفي خدمته ومعاشرته والاستفادة منه وفي قضاء حقوقه وحوائجه وتوقع نزول الرحمة والوحي عليه عندها ونحو ذلك، ومثل هذا حديث ابن عباس، وقوله في القدح لا أوثر بنصيبي منك أحداً ونظائر ذلك كثيرة.
قولها: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نعده طلاقاً) وفي رواية: (فلم يكن طلاقاً) وفي رواية: (فاخترناه فلم يعده طلاقاً) وفي رواية: (فاخترناه فلم يعددها علينا شيئاً) وفي بعض النسخ: (فلم يعدها علينا شيئاً) في هذه الأحاديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وأماهير العلماء أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقاً ولا يقع به فرقة. وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة سواء اختارت زوجها أم لا. وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك، قال القاضي: لا يصح هذا عن مالك، ثم هو مذهب ضعيف مردود بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، ولعل القائلين به لم تبلغهم هذه الأحاديث والله أعلم.
قوله: (واجماً) هو بالجيم قال أهل اللغة: هو الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام، يقال وجم بفتح الجيم وجوماً. قوله: (لأقولن شيئاً يضحك النبي صلى الله عليه وسلم) وفي بعض النسخ: أضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فيه استحباب مثل هذا، وأن الإنسان إذا رأى صاحبه مهموزاً حزيناً يستحب له أن يحدث بما يضحكه أو يشغله ويطيب نفسه، وفيه فضيلة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. قوله: (فوجأت عنقها) وقوله: يجأ عنقها وهو بالجيم وبالهمزة يقال وجأ يجأ إذا طعن
*2* باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَ: قَالَ: قَرأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلّقَهَا الْبَتّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَالله مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ"، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْتِ أُمّ شَرِيكٍ، ثُمّ قَالَ: "تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدّي عِنْدَ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ، فَإِنّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي". قَالَتْ: فَلَمّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ، أَنّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ. انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ" فَكَرِهْتُهُ. ثُمّ قَالَ: "انْكِحِي أُسَامَةَ" فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ الله فِيهِ خَيْراً، وَاغْتَبَطْت.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ).
وقالَ قُتَيْبَةُ أَيْضَاً: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) كِلَيْهِمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنّهُ طَلّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ، فَلَمّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاللّهِ لأُعْلِمَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ كَانَ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الّذِي يُصْلِحُنِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئاً، قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لاَ نَفَقَةَ لَكِ، وَلاَ سُكْنَى".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهُ قَالَ: سَأَلْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، فَأَخْبَرَتْنِي، أَنّ زَوْجَهَا الْمَخْزُومِيّ طَلّقَهَا، فَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ نَفَقَةَ لَكِ. فَانْتَقِلِي، فَاذْهَبِي إِلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ، فَكُونِي عِنْدَهُ، فَإِنّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمّدٍ: حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ): أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، أُخْتَ الضّحّاكَ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ طَلّقَهَا ثَلاَثاً، ثُمّ انْطَلَقَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَقَالُوا: إِنّ أَبَا حَفْصٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً، فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَيْسَتْ لَهَا لاَنَفَقَةٌ لَكَ وَلاَ سُكْنَى. وَعَلَيْهَا الْعِدّةُ". وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: "أَنْ لاَ تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ"، وَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى أُمّ شَرِيكٍ، ثُمّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا "أَنّ أُمّ شَرِيكٍ يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الأَوّلُونَ. فَانْطَلِقِي إِلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى. فَإِنّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ، لَمْ يَرَكِ" فانْطَلَقَتْ إِلَيْهِ، فَلَمّا مَضَتْ عِدّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. ح وَحَدّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَ: كَتَبْتُ ذَلِكَ مِنْ فِيهَا كِتَاباً. قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَطَلّقَنِي الْبَتّةَ. فَأَرْسَلْتُ إِلَى أَهْلِهِ أَبْتَغِي النّفَقَةَ، وَاقْتَصّوا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيْثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرٍو "لاَ تَفُوتِينَا بِنَفْسِكِ".
حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعاً عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَطَلّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَزَعَمَتْ أَنّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْتَفْتِيهِ فِي خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى، فَأَبَى مَرْوَانُ أَنْ يُصَدّقَهُ فِي خُرُوجِ الْمُطَلّقَةِ مِنْ بَيْتِهَا، وَقَالَ عُرْوَةُ: إِنّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِك عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا حُجَيْنٌ. حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ، مَعَ قَوْلِ عُرُوَةَ: إِنّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (وَاللّفْظُ لِعَبْدٍ) قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ. فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلاَقِهَا. وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بِنَفَقَةٍ فَقَالاَ لَهَا: وَاللّهِ مَا لَكِ نَفَقَةٌ إِلاّ أَنْ تَكُونِي حَامِلاً، فَأَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمَا، فَقَالَ "لاَ نَفَقَةَ لَكِ" فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الاِنْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالَتْ: أَيْنَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: "إِلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ" وَكَانَ أَعْمَى. تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلاَ يَرَاهَا، فَلَمّا مَضَتْ عِدّتُهَا أَنْكَحَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنِ الْحَدِيثِ، فَحَدّثَتْهُ بِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلاّ مِنِ امْرَأَةٍ، سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الّتِي وَجَدْنَا النّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ، حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ: فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ. قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {لاَ تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ} (الطلاق الاَية: 1) الاَية. قَالَتْ: هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ. فَأَيّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثّلاَثِ؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً؟ فَعَلاَمَ تَحْبِسُونَهَا؟.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا سَيّارٌ وَ حُصَيْنٌ وَ مُغِيرَةُ وَ أَشْعَثُ وَ مُجَالِدٌ وَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَ دَاوُدُ، كُلّهُمْ عَنِ الشّعْبِيّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: طَلّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتّةَ، فَقَالَتْ: فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السّكْنَى وَالنّفَقَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ وَدَاوُدَ وَ مُغِيرَةَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ أَشْعَثَ عَنِ الشّعْبِيّ أَنّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَنْ هُشَيُمٍ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيّ، حَدّثَنَا قُرّةُ، حَدّثَنَا سَيّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، حَدّثَنَا الشّعْبِيّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ، وَسَقَتْنا سَوِيقَ سُلْتٍ، فَسَأَلتُهَا عَنِ الْمُطَلّقَةِ ثَلاَثاً أَيْنَ تَعْتَدّ؟ قَالَتْ: طَلّقَنِي بَعْلِي ثَلاثاً، فَأَذِنَ لِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدّ فِي أَهْلِي.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ، قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ، حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ الشّعْبِيّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُطَلّقَةِ ثَلاَثاً. قَالَ: "لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةٌ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: حَدّثَنَا عَمّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ الشّعْبِيّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: طَلّقَنِي زَوْجِي ثَلاَثاً، فَأَرَدْتُ النّقْلَةَ، فَأَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ "انْتَقِلِي إِلَىَ بَيْتِ ابْنِ عَمّكِ عَمْرِو بْنِ أُمّ مَكْتُومٍ، فَاعْتَدّي عِنْدَهُ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ: حَدّثَنَا عَمّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ، وَمَعَنَا الشّعْبِيّ، فَحَدّثَ الشّعْبِيّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَىَ وَلاَ نَفَقَةً، ثُمّ أَخَذَ الأَسْوَدُ كَفّاً مِنْ حَصىً فَحَصَبَهُ بِهِ. فَقَالَ: وَيْلَكَ! تُحَدّثُ بِمِثْلِ هَذَا، قَالَ عُمَرُ: لاَ نَدَعُ كِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّنَا صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لاَ نَدْرِي لَعَلّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السّكْنَىَ وَالنّفَقَةُ، وَتَلاَ الاَيَةَ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {لاَ تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ} (الطلاق الاَية: 1).
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبِيّ: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، بِقِصّتِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ الْعَدَوِيّ قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: إِنّ زَوْجَهَا طَلّقَهَا ثَلاَثاً، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُكْنَىَ وَلاَ نَفَقَةً، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي" فَآذَنْتُهُ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَمّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لاَ مَالَ لَهُ، وَأَمّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرّابٌ لِلنّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ" فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ! أُسَامَةُ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "طَاعَةُ اللّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ" قَالَتْ: فَتَزَوّجْتُهُ فَاغْتَبَطْتُ.
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: أَرْسَلَ إِلَيّ زَوْجِي، أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بِطَلاَقِي: وَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعِ تَمْرٍ، وَخَمْسَةِ آصُعِ شَعِيرٍ، فَقُلْتُ: أَمَا لِي نَفَقَةٌ إِلاّ هَذَا؟ وَلاَ أَعْتَدّ فِي مَنْزِلِكُمْ؟ قَالَ: لاَ، قَالَتْ: فَشَدَدْتُ عَلَيّ ثِيَابِي. وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "كَمْ طَلّقَكِ؟" قُلْتُ: ثَلاَثاً. قَالَ "صَدَقَ، لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ، اعْتَدّي فِي بَيْتِ ابْنِ عَمّكِ عَمْرِو بْنِ أُمّ مَكْتُومٍ، فَإِنّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، تُلْقِي ثَوْبَكِ عِنْدَهُ. فَإِذَا انْقَضَتْ عِدّتُكِ فَآذِنينِي" قَالَتْ: فَخَطَبَنِي خُطّابٌ، مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِنّ مُعَاوِيَةَ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ، وَأَبُو الْجَهُمِ مِنْهُ شِدّةٌ عَلَى النّسَاءِ، (أَوْ يَضْرِبُ النّسَاءَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا) وَلَكِنْ عَلَيْكِ بَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ الثّوْرِيّ: حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَلَىَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَسَأَلْنَاهَا فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَخَرَجَ فِي غَزْوَةِ نَجْرَانَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيَ، وَزَادَ: قَالَتْ: فَتَزَوّجْتُهُ فَشَرّفَنِي اللّهُ بِابْنِ زَيْدٍ. وَكَرّمَنِي اللّهُ بِأَبِي زَيْدٍ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ، حَدّثَنَا أَبِي، حَدّثَنَا شُعْبَةُ، حَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وأَبُو سَلَمَةَ عَلَىَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، زَمَنَ ابْنِ الزّبَيْرِ، فَحَدّثَتْنَا أَنّ زَوْجَهَا طَلّقَهَا طَلاَقَاً بَاتّاً، بِنَحْوِ حَدِيثِ سُفْيَانَ.
وحدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ: حَدّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ السّدّيّ، عَنْ الْبَهِيّ، عَنْ فَاطِمَةِ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: طَلّقَنِي زَوْجِي ثَلاَثاً، فَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُكْنَىَ وَلاَ نَفَقَةً.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي قَالَ: تَزَوّجَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِنْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ. فَطَلّقَهَا فَأَخْرَجَهَا مِنْ عِنْدِهِ، فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عُرْوَةُ، فَقَالُوا: إِنّ فَاطِمَةَ قَدْ خَرَجَتْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فأَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ خَيْرٌ فِي أَنْ تَذْكُرَ هَذَا الْحَدِيثَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ: حَدّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! زَوْجِي طَلّقَنِي ثَلاَثاً، وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيّ. قَالَ: فَأَمَرَهَا فَتَحَوّلَتْ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ خَيْرٌ أَنْ تَذْكُرَ هَذَا. قَالَ: تَعْنِي قَوْلَهَا، لاَ سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةَ.
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُرْوَةَ بْنُ الزّبَيْرِ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْ إِلَىَ فُلاَنَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ؟ طَلّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتّةَ فَخَرَجَتْ، فَقَالَتْ: بِئْسمَا صَنَعَتْ، فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي إِلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: أَمَا إِنّهُ لاَ خَيْرَ لَهَا فِي ذِكْرِ ذَلِكَ.
قوله: (عن سماك أبي زميل) هو بضم الزاي وفتح الميم. قوله: "فإذا الناس ينكتون بالحصى" هو بتاء مثناة بعد الكاف أي يضربون الأرض كفعل المهموم المفكر. قولها: قوله: "عليك بعيبتك" هي بالعين المهملة ثم ياء مثناة تحت ثم ياء موحدة والمراد عليك بوعظ بنتك حفصة، قال أهل اللغة: العيبة في كلام العرب وعاء يجعل الإنسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه فشبهت ابنته بها. قوله: (هو في المشربة) هي بفتح الراء وضمها. قوله: (فإذا أنا برباح) هو بفتح الراء وبالباء الموحدة. قوله: (قاعداً على أسكفة المشربة) هي بضم الهمزة والكاف وتشديد الفاء وهي عتبة الباب السفلى. قوله: (على نقير من خشب) هو بنون مفتوحة ثم قاف مكسورة، وهذا هو الصحيح الموجود في جميع النسخ، وذكر القاضي أنه بالفاء بدل النون وهو فقير بمعنى مفقور مأخوذ من فقار الظهر وهو جذع فيه درج. قوله: (وإذا أفيق معلق) هو بفتح الهمزة وكسر الفاء وهو الجلد الذي لم يتم دباغه وجمعه أفق بفتحها كأديم وأدم، وقد أفق أديمه بفتحها يأفقه بكسر الفاء. قوله: "تحسر الغضب عن وجهه" أي زال وانكشف. قوله: "وحتى كشر فضحك" هو بفتح الشين المعجمة المخففة أي أبدى سنانه تبسماً، ويقال أيضاً في الغضب، وقال ابن السكيت: كشر وبسم وابتسم وافتر كله بمعنى واحد، فإن زاد قيل قهقه وزهدق وكركر. قوله: (أتشبث بالجذع) هو بالثاء المثلثة في آخره أي أستمسك. قوله: "فبينما أنا في أمر أئتمره" معناه أشاور فيه نفسي وأفكر، ومعنى بينما وبينا أي بين أوقات ائتماري وكذا أشبهه وسبق بيانه. قوله: "حتى أدخل على حفصة" هو بفتح اللام. قوله: "وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتية بالخبر" في هذا استحباب حضور مجالس العلم واستحباب التناوب في حضور العلم إذا لم يتيسر لكل واحد الحضور بنفسه. قوله: (من ملوك غسان) الأشهر ترك صرف غسان، وقيل يصرف، وسبق إيضاحه في أول الكتاب. قوله: (فقلت جاء الغساني فقال أشد من ذلك اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه) فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من إِلاهتمام بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقلق التام لما يقلقه أو يغضبه. قوله: (رغم أنف حفصة) هو بفتح الغين وكسرها يقال رغم يرغم رغماً ورغماً ورغماً بفتح الراء وضمها وكسرها أي لصق بالرغام وهو التراب هذا هو الأصل، ثم استعمل في كل من عجز من الانتصاف وفي الذال وإِلانقياد كرهاً. قوله: (فآخذ ثوبي فأخرج حتى جئت) فيه استحباب التجمل بالثوب والعمامة ونحوهما عند لقاء الأئمة والكبار احتراماً لهم. قوله: (في مشربة له يرتقي إليها بعجلها) وقع في بعض النسخ بعجلها، وفي بعضها بعجلتها، وفي بعضها بعجلة وكله صحيح والأخيرة أجود، قال ابن قتيبة: وغيره هي درجة من النخل كما قال في الرواية السابقة جذع. قوله: "وإن عند رجلين قرظاً مضبوراً" وقع في بعض الأصول مضبوراً بالضاد المعجمة وفي بعضها بالمهملة وكلاهما صحيح أي مجموعاً. قوله: "وعند رأسه أهباً معلقة" بفتح الهمزة والهاء وبضمهما لغتان مشهورتان جمع إهاب وهو الجلد قبل الدباغ على قول الأكثرين وقيل الجلد مطلقاً، وسبق بيانه في آخر كتاب الظهارة. قوله: "فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن يكون لهما الدنيا ولك الاَخرة؟" هكذا هو في الأصول ولك الاَخرة، وفي بعضها لهم الدنيا، وفي أكثرها لهما بالتثنية، وأكثر الروايات في غير هذا الموضع لهم الدنيا ولنا الاَخرة وكله صحيح. قوله: (وكان آلى منهن شهراً) هو بمد الهمزة وفتح اللام ومعناه حلف لا يدخل عليهن شهراً، وليس هو من الإيلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء ولا له حكمه، وأصل الإيلاء في اللغة الحلف على الشيء يقال منه آلى يؤالي إيلاء وتألى تألياً وائتلى ائتلاء، وصار في عرض الفقهاء مختصاً بالحلف على إِلامتناع من وطء الزوجة، ولا خلاف في هذا إلا ما حكي عن ابن سيرين أنه قال: الإيلاء الشرعي محمول على ما يتعلق بالزوجة من ترك جماع أو كلام أو إنفاق. هذا القاضي عياض: لا خلاف بين العلماء أن مجرد الإيلاء لا يوجب في الحال طلاقاً ولا كفارة ولا مطلبة، ثم اختلفوا في تقدير مدته فقال علماء الحجاز ومعظم الصحابة والتابعين ومن بعدهم: المؤلي من حلف على أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة فليس بمؤل. وقال الكوفيون: هو من حلف على أربعة أشهر فأكثر، وشذ ابن أبي ليلى والحسن وابن شبرمة في آخرين فقالوا: إذا حلف لا يجامعها يوماً أو أَقل ثم تركها حتى مضت أربعة أشهر فهو مؤل. وعن ابن عمر أن كل من وقت في يمينه وقتاً وإن طالت مدته فليس بمؤل وإنما المؤلي من حلف على الأبد.
قال: ولا خلاف بينهم أنه لا يقع عليه طلاق قبل أربعة أشهر، ولا خلاف أنه لو جامع قبل انقضاء المدة سقط الإيلاء، فأما إذا لم يجامع حتى انقضت أربعة أشهر فقال الكوفيون يقع الطلاق، وقال علماء الحجاز ومصر وفقهاء أصحاب الحديث وأهل الظاهر كلهم يقال للزوج: إما أن تجامع وإما أن تطلق، فإن امتنع طلق القاضي عليه، وهو المشهور من مذهب مالك وبه قال الشافعي وأصحابه. وعن مالك رواية كقوله الكوفيون، وللشافعي قول أنه لا يطلق القاضي عليه بل يجبر على الجماع أو الطلاق ويعزر على ذلك ان امتنع. واختلف الكوفيون هل يقع طلاق رجعي أم بائن؟ فأما الاَخرون فاتفقوا على أن الطلاق الذي يوقعه هو أو القاضي يكون رجعياً، إلا أن مالكاً يقول: لا تصح فيها الرجعة حتى يجامع الزوج في العدة. قال القاضي عياض: ولم يحفظ هذا الشرط عن أحد سوى مالك، ولو مضت ثلاثة أقراء في الأشهر الأربعة فقال جابر بن زيد: إذا طلق انقضت عدتها بتلك الأقراء، وقال الجمهور: يجب استئناف العدة، واختلفوا في أنه هل يشترط للإيلاء أن تكون يمينه في حال الغضب ومع قصد الضرر؟ فقال جمهورهم: لا يشترط بل يكون مؤلياً في كل حال. وقال مالك والأوزاعي: لا يكون مؤلياً إذا حلف لمصلحة ولده لفطامه. وعن علي وابن عباس رضي الله عنه أنه لا يكون مؤلياً إلا إذا حلف على وجه الغضب. قوله: (حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد سمع عبيد بن حنين مولى العباس) هكذا هو في جميع النسخ مولى العباس قالوا: وهذا قول سفيان بن عيينة. قال البخاري: لا يصح قول ابن عيينة هذا. وقال مالك: هو مولى آل زيد بن الخطاب. وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير: هو مولى بني زريق. قال القاضي وغيره: الصحيح عند الحفاظ وغيرهم في هذا قول مالك. قوله في هذه الرواية: (كنت أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في جميع النسخ على عهد قال القاضي: إنما قال على عهده توقيراً لهما والمراد تظاهرتا عليه في عهده كما قال الله تعالى: {وإن تظاهرا عليه} وقد صرح في سائر الروايات بأنهما تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: "فسكبت على يديه فتوضأ" فيه جواز الاستعانة في الوضوء وقد سبق إيضاحها في أوائل الكتاب، وهو أنها إن كانت لعذر فلا بأس بها، وإن كانت بغيره فهي خلاف الأولى، ولا يقال مكروهة على الصحيح. قوله: (ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم) قوله أن كانت بفتح الهمزة والمراد بالجارة هنا الضرة وأوسم أحسن وأجمل والوسامة الجمال. قوله: (غسان تنعل الخيل) هو بضم التاء. قوله: (متكئ على رمل حصير) هو بفتح الراء وإسكان الميم، وفي غير هذه الرواية رمال بكسر الراء يقال: رملت الحصير وأرملته إذا نسجته. قوله صلى الله عليه وسلم: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا" قال القاضي عياض: هذا مما يحتج به من يفضل الفقر على الغنى لما في مفهومه أن بمقدار ما يتعجل من طيبات الدنيا يفوته من الاَخرة مما كان مدخراً له لو لم يتعجله. قال: وقد يتأوله الاَخرون بأن المراد أن حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا ولا حظ لهم في الاَخرة والله أعلم. قوله: (من شدة موجدته) أي الغضب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشهر تسع وعشرون" أي هذا الشهر، وفي هذه الأحاديث جواز اجتجاب الإمام والقاضي ونحوهما في بعض الأوقات لحاجاتهم المهمة، وفيها أن الحاجب إذا علم منع الإذن بسكون المحجوب لم يأذن، والغالب من عادة النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يتخذ حاجباً واتخذه في هذا اليوم للحاجة، وفيه وجوب الاستئذان على الإنسان في منزله وإن علم أنه وحده لأنه قد يكون على حالة يكره إِلاطلاع عليه فيها، وفيه تكرار الاستئذان إذا لم يؤذن، وفيه أنه لا فرق بين الرجل الجليل وغيره في أنه يحتاج إلى الاستئذان، وفيه تأديب الرجل ولده صغيراً كان أو كبيراً أو بنتاً مزوجة لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أدبا بنتيهما ووجأ كل واحد منهما بنته، وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا والزهادة فيها، وفيه جواز سكنى الغرفة ذات الدرج واتخاذ الخزانة لأثاث البيت، وفيه ما كانوا عليه من حرصهم على طلب العلم وتناوبهم فيه، وفيه جواز قبول خبر الواحد لأن عمر رضي الله عنه كان يأخذ عن صاحبه الأنصاري ويأخذ الأنصاري عنه، وفيه أخذ العلم عمن كان عنده وإن كان الاَخذ أفضل من المأخوذ منه كما أخذ عمر عن هذا الأنصاري، وفيه أن الإنسان إذا رأى صاحبه مهموماً وأراد إزالة همه ومؤانسته بما يشرح صدره ويكشف همه ينبغي له أن يستأذنه في ذلك كما قال عمر رضي الله عنه: استأنس يا رسول الله، ولأنه قد يأتي من الكلام بما لا يوافق صاحبه فيزيده هماً وربما أحرجه وربما تكلم بما لا يرتضيه وهذا من الاَداب المهمة، وفيه توقير الكبار وخدمتهم وهيبتهم كما فعل ابن عباس مع عمر، وفيه الخطاب بالألفاظ الجميلة كقوله: أن كانت جارتك ولم يقل ضرتك والعرب تستعمل هذا لما في لفظ الضرة من الكراهة، وفيه جواز قرع باب غيره للاستئذان وشدة الفزع للأمور المهمة، وفيه جواز نظر الإنسان إلى نواحي بيت صاحبه وما فيه إذا علم عدم كراهة صاحبه لذلك وقد كره السلف فضول النظر وهو محمول على ما إذا علم كراهته لذلك وشك فيها، وفيه أن للزوج هجران زوجته واعتزاله في بيت آخر إذا جرى منها سبب يقتضيه، وفيه جواز قوله لغيره رغم أنفه إذا أساء كقول عمر رغم أنف حفصة وبه قال عمر بن عبد العزيز وآخرون وكرهه مالك، وفيه فضيلة عائشة للابتداء بها في التخيير وفي الدخول بعد انقضاء الشهر، وفيه غير ذلك والله أعلم
*2* باب جواز خروج المعتدة البائن، والمتوفى عنها زوجها، في النهار، لحاجتها
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ . قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: طُلّقَتْ خَالَتِي، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدّ نَخْلَهَا. فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "بَلَىَ. فَجُدّي نَخْلَكِ، فَإِنّكِ عَسَىَ أَنْ تَصَدّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفاً".
فيه حديث فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها، هكذا قاله الجمهور أنه أبو عمرو بن حفص، وقيل أبو حفص بن عمرو، وقيل أبو حفص بن المغيرة، واختلفوا في اسمه والأكثرون على أن اسمه عبد الحميد. وقال النسائي: اسمه أحمد. وقال آخرون: اسمه كنيته. وقوله: (أنه طلقها) هذا هو الصحيح المشهور الذي رواه الحفاظ واتفق على روايته الثقات على اختلاف ألفاظهم في أنه طلقها ثلاثاً أو البتة أو آخر ثلاث تطليقات. وجاء في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة ما يوهم أنه مات عنها. قال العلماء: وليست هذه الرواية على ظاهرها بل هي وهم أو مؤولة وسنوضحها في موضعها إن شاء الله تعالى. وأما قوله في رواية أنه طلقها ثلاثاً، وفي رواية أنه طلقها ألبتة، وفي رواية طلقها آخر ثلاث تطليقات، وفي رواية طلقها طلقة كانت بقيت من طلاقها، وفي رواية طلقها ولم يذكر عدداً ولا غيره، فالجمع بين هذه الروايات أنه كان طلقها قبل هذا طلقتين ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة، فمن روي أنه طلقها مطلقاً أو طلقها واحدة أو طلقها آخر ثلاث تطليقات فهو ظاهر، ومن روي ألبتة فمراده طلقها طلاقاً صارت به مبتوتة بالثلاث، ومن روي ثلاثاً أراد تمام الثلاث. قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لك عليه نفقة" وفي رواية: "لا نفقة لك ولا سكنى" وفي رواية: "لا نفقة من غير ذكر السكنى" واختلف العلماء في المطلقة البائن الحائل هل لها النفقة والسكنى أم لا؟ فقال عمر بن الخطاب وأبو حنيفة وآخرون: لها السكنى والنفقة. وقال ابن عباس وأحمد: لا سكنى لها ولا نفقة. وقال مالك والشافعي وآخرون: تجب لها السكنى ولا نفقة لها. واحتج من أوجبهما جميعاً بقوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} فهذا أمر بالسكنى، وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه. وقد قال عمر رضي الله عنه: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة جهلت أو نسيت. قال العلماء: الذي في كتاب ربنا إنما هو إثبات السكنى، قال الدارقطني: قوله وسنة نبينا هذه زيادة غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات، واحتج من لم يوجب نفقة ولا سكنى بحديث فاطمة بنت قيس، واحتج من أوجب السكنى دون النفقة لوأوب السكنى بظاهر قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم} ولعدم وجوب النفقة بحديث فاطمة مع ظاهر قوله الله تعالى: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} فمفهومه أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن، وأجاب هؤلاء عن حديث فاطمة في سقوط النفقة بما قاله سعيد بن المسيب وغيره أنها كانت امرأة لسنة واستطالت على أحمائها فأمرها بإِلانتقال عند ابن أم مكتوم، وقيل لأنها خافت في ذلك المنزل بدليل ما رواه مسلم من قولها أخاف أن يقتحم علي ولا يمكن شيء من هذا التأويل في سقوط نفقتها والله أعلم. وأما البائن الحامل فتجب لها السكنى والنفقة. وأما الرجعية فتجبان لها بالإجماع. وأما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع، والأصح عندنا وجوب السكنى لها، فلو كانت حاملاً فالمشهور أنه لا نفقة كما لو كانت حائلاً، وقال بعض أصحابنا: تجب وهو غلط والله أعلم. قوله: "طلقها ألبتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته" فيه أن الطلاق يقع في غيبة المرأة وجواز الوكالة في أداء الحقوق، وقد أجمع العلماء على هذين الحكمين، وقوله وكيله مرفوع هو المرسل. قوله: "فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي" قال العلماء: أم شريك هذه قرشية عامرية، وقيل إنها أنصارية، وقد ذكر مسلم في آخر الكتاب في حديث الجساسة أنها أنصارية واسمها غزية، وقيل غزيلة بغين معجمة مضمومة ثم زاي فيهما وهي بنت داود، أن ابن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حجير ابن عبد ابن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب، وقيل في نسبها غير هذا، قيل إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل غيرها.
ومعنى هذا الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزورون أم شريك ويكثرون التردد إليها لصلاحها، فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن على فاطمة من إِلاعتداد عندها حرجاً من حيث أنه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها ونظرها إليهم وانكشاف شيء منها، وفي التحفظ من هذا مع كثرة دخولهم وترددهم مشقة ظاهرة فأمرها بالاعتداد عند ابن أم مكتوم لأنه لا يبصرها ولا يتردد في بيته من يتردد إلى بيت أم شريك، وقد احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهذا قول ضعيف، بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغن من أبصارهن} ولأن الفتنة مشتركة، وكما يخاف إِلافتتان بها تخاف الافتنان به، ويدل عليه من السنة حديث نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة: "أنها كانت هي وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أم مكتوم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه، فقالتا إنه أعمى لا يبصر، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أفعمياً وإن أنتما فليس تبصرانه" وهذا الحديث حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، قال الترمذي: هو حديث حسن ولا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بغير حجة معتمدة. وأما حديث فاطمة بنت قيس مع ابن أم مكتوم فليس فيه إذن لها في النظر إليه بل فيه أنها تأمن عنده من نظر غيرها وهي مأمورة بغض بصرها فيمكنها إِلاحتراز عن النظر بلا مشقة بخلاف مكثها في بيت أم شريك. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا حللت فآذنيني" هو بمد الهمزة أي أعلميني وفيه جواز التعريض بخطبة البائن وهو الصحيح عندنا. قوله صلى الله عليه وسلم: "أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه" فيه تأويلان مشهوران أحدهما أنه كثير الأسفار، والثاني أنه كثير الضرب للنساء وهذا أصح بدليل الرواية التي ذكرها مسلم بعد هذه أنه ضراب للنساء. وفيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة. وقد قال العلماء: أن الغيبة تباح في ستة مواضع أحدها الاستنصاح وذكرتها بدلائلها في كتاب الأذكار ثم في رياض الصالحين. (واعلم أن أبا الجهم) هذا بفتح الجيم مكبر وهو أبو الجهم المذكور في حديث الأنبجانية وهو غير أبي الجهيم المذكور في التيمم وفي المرور بين يدي المصلي فإن ذاك بضم الجيم مصغر، وقد أوضحتهما باسميهما ونسبيهما ووصفيهما في باب التيمم ثم في باب المرور بين يدي المصلي، وذكرنا أن أبا الجهم هذا هو ابن حذيفة القرشي العدوي. قال القاضي: وذكره الناس كلهم ولم ينسبوه في الرواية إلا يحيى الأندلسي أحد رواة الموطأ فقال أبو جهم بن هشام قال وهو غلط ولا يعرف في صحابة أحد يقال له أبو جهم بن هشام، قال: ولم يوافق يحيى على ذلك أحد من رواة الموطأ ولا غيرهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يضع العصا عن عاتقه" العاتق هو ما بين العنق والمنكب، وفي هذا استعمال المجاز وجواز إطلاق مثل هذه العبارة في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضع العصا عن عاتقه" وفي معاوية أنه صعلوك لا مال له مع العلم بأنه كان لمعاوية ثوب يلبسه ونحو ذلك من المال المحقر، وأن أبا الجهم كان يضع العصا عن عاتقه في حال نومه وأكله وغيرهما، ولكن لما كان كثير الحمل للعصا وكان معاوية قليل المال جداً جاز إطلاق هذا اللفظ عليهما مجازاً، ففي هذا جواز استعمال مثله في نحو هذا، وقد نص عليه أصحابنا وقد أوضحته في آخر كتاب الأذكار. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأما معاوية فصعلوك" هو بضم الصاد وفي هذا جواز ذكره بما فيه للنصيحة كما سبق في ذكر أبي جهم. قولها: (فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباني) هذا تصريح بأن معاوية الخاطب في هذا الحديث هو معاوية بن أبي سفيان بن حرب وهو الصواب، وقيل أنه معاوية آخر وهذا غلط صريح نبهت عليه لئلا يغتر به، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات في ترجمة معاوية والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال: انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت" فقولها اغتبطت هو بفتح التاء والباء، وفي بعض النسخ واغتبطت به ولم تقع لفظة به في أكثر النسخ، قال أهل اللغة: الغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه وليس هو بحسد أقول منه غبطته بما نال أغبطه بكسر الباء غبطاً وغبطة فاغتبط هو كمنعته فامتنع وحبسته فاحتبس، وأما إشارته صلى الله عليه وسلم بنكاح أسامة فلما علمه من دينه وفضله وحسن طرائفه وكرم شمائله فنصحها بذلك فكرهته لكونه مولى ولكونه كان أسود جداً، فكرر عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم الحث على زواجه لما علم من مصلحتها في ذلك وكان كذلك ولهذا قالت: فجعل الله لي فيه خيراً واغتبطت، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذا: "طاعة الله وطاعة رسوله خير لك".
قوله: (حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري) كليهما هو القاري بتشديد الياء سبق بيانه مرات، وهكذا وقع في النسخ كليهما وهو صحيح، وقد سبق وجهه في الفصول في مقدمة هذا الشرح. قوله: (وكان أنفق عليها نفقة دون) هكذا هو في النسخ نفقة دون بإضافة نفقة إلى دون، قال أهل اللغة: الدون الرديء الحقير، قال الجوهري: ولا يشتق منه فعل، قال: وبعضهم يقول منه دان يدون دوناً وأدين إدانة. قوله صلى الله عليه وسلم: "تضعين ثيابك عنده" وفي الرواية الأخرى: (فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك) هذه الرواية مفسرة للأولى ومعناه لا تخافين من رؤية رجل إليك. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقيني بنفسك" هو من التعريض بالخطبة وهو جائز في عدة الوفاة، وكذا عدة البائن بالثلاث، وفيه قول ضعيف في عدة البائن والصواب الأول لهذا الحديث. قوله: (كتبت ذلك من فيها كتاباً) الكتاب هنا مصدر لكتبت. قوله: "فاستأذنته في إِلانتقال فأذن لها" هذا محمول على أنه أذن لها في إِلانتقال لعذر وهو البذاءة على أحمائها أو خوفها أن يقتحم عليها أو نحو ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في أوائل هذا الباب، وأما لغير حاجة فلا يجوز لها الخروج وإِلانتقال ولا يجوز نقلها، قال الله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال ابن عباس: وعائشة المراد بالفاحشة هنا النشوز وسوء الخلق، وقيل هو البذاءة على أهل زوجها، وقيل معناه إلا أن يأتين بفاحشة الزنا فيخرجن لإقامة الحد ثم ترجع إلى المسكن. قوله: (سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها) هكذا هو في معظم النسخ بالعصمة بكسر العين وفي بعضها بالقضية بالقاف والضاد وهذا واضح، ومعنى الأول بالثقة والأمر القوي الصحيح. قوله: (ومجالد) هو بالجيم وهو ضعيف وإنما ذكره مسلم هنا متابعة والمتابعة يدخل فيها بعض الضعفاء. قولها: (أنه طلقها زوجها البتة قالت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خاصمت وكيله. قوله: (فأتحفتنا برطب ابن طاب وسقتنا سويق سلت) معنى أتحفتنا ضيفتنا، ورطب بن طاب نوع من الرطب الذي بالمدينة، وقد ذكرنا أن أنواع تمر المدينة مائة وعشرون نوعاً، وأما السلت فبسين مهملة مضمومة ثم لام ساكنة ثم مثناة فوق وهو حب متردد بين الشعير والحنطة قيل طبعه الشعير في البرودة ولونه قريب من لون الحنطة، وقيل عكسه، واختلف أصحابنا في حكمه على ثلاثة أوجه مشهورة الصحيح أنه جنس من الحبوب ليس هو حنطة ولا شعيراً. والثاني أنه حنطة. والثالث أنه شعير. وتظهر فائدة الخلاف في بيعه بالحنطة أو بالشعير متفاضلاً، وفي ضمه إليهما في إتمام نصاب الزكاة وفي غير ذلك. وفي هذا الحديث استحباب الضيافة، واستحبابها من النساء لزوارهن من فضلاء الرجال وإكرام الزائر وإطعامه والله أعلم. قوله: "سألتها عن المطلقة ثلاثاً أين تعتد؟ قالت: طلقني بعلي ثلاثاً فأذن لي النبي صلى الله عليه وسلم أن أعتد في أهلي" هذا محمول على أنه أجاز لها ذلك لعذر في إِلانتقال من مسكن الطلاق كما سبق إيضاحه قريباً. قوله: "فقال انتقلي إلى بيت ابن عمك عمرو بن أم مكتوم" هكذا وقع هنا، وكذا جاء في صحيح مسلم في آخر الكتاب وزاد فقال: هو رجل من بني فهر من البطن الذي هي منه. قال القاضي: والمشهور خلاف هذا وليس هما من بطن واحد، هي من بني محارب بن فهر وهو من بني عامر بن لؤي، قلت: وهو ابن عمها مجازاً يجتمعان في فهر، واختلفت الرواية في اسم ابن أم مكتوم فقيل عمرو وقيل عبد الله وقيل غير ذلك. قوله: (عن أبي بكر بن أبي الجهم بن صخير) هكذا هو في نسخ بلادنا صخير بضم الصاد على التصغير، وحكي القاضي عن بعض رواتهم أنه صخر بفتحها على التكبير والصواب المشهور هو الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية فرجل ترب لا مال له" هو بفتح التاء وكسر الراء وهو الفقير فأكده بأنه لا مال له لأن الفقير قد يطلق على من له شيء يسير لا يقع موقعاً من كفايته. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه ضرير البصر تلقي ثوبك عنده" هكذا هو في جميع النسخ تلقي وهي لغة صحيحة والمشهور في اللغة تلقين بالنون. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأبو الجهيم منه شدة على النساء" هكذا هو في النسخ في هذا الموضع أبو الجهيم بضم الجيم مصغر والمشهور أنه بفتحها مكبر وهو المعروف في باقي الروايات وفي كتب الأنساب وغيرها. قولها: (فشرفني الله بأبي زيد وكرمني بأبي زيد) هكذا هو في بعض النسخ بأبي زيد في الموضعين على أنه كنية، وفي بعضها بابن زيد بالنون في الموضعين، وادعى القاضي أنها رواية الأكثرين وكلاهما صحيح هو أسامة بن زيد وكنيته أبو زيد ويقال أبو محمد. واعلم أن في حديث فاطمة بنت قيس فوائد كثيرة: إحداها جواز طلاق الغائب. الثانية: جواز التوكيل في الحقوق في القبض والدفع. الثالثة: لا نفقة للبائن وقالت طائفة: لا نفقة ولا سكنى. الرابعة: جواز سماع كلام الأجنبية والأجنبي في الاستفتاء ونحوه. الخامسة: جواز الخروج من منزل العدة للحاجة.
السادسة: استحباب زيارة النساء الصالحات للرجال بحيث لا تقع خلوة محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم في أم شريك تلك امرأة يغشاها أصحابي. السابعة: جواز التعريض لخطبة المعتدة البائن بالثلاث. الثامنة: جواز الخطبة على خطبة غيره إذا لم يحصل للأول إجابة لأنها أخبرته أن معاوية وأبا الجهم وغيرهما خطبوها. التاسعة: جواز ذكر الغائب بما فيه من العيوب التي يكرهها إذا كان للنصيحة ولا يكون حينئذ غيبة محرمة. العاشرة: جواز استعمال المجاز لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضع العصا عن عاتقه ولا مال له". الحادية عشرة: استحباب إرشاد الإنسان إلى مصلحته وإن كرهها وتكرار ذلك عليه لقولها قال: انكحي أسامة فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته. الثانية عشرة: قبول نصيحة أهل الفضل وإِلانقياد إلى إشارتهم وأن عاقبتها محمودة. الثالثة عشر: جواز نكاح غير الكفء إذا رضيت به الزوجة والولي لأن فاطمة قرشية وأسامة مولى. الرابعة عشر: الحرص على مصاحبة أهل التقوى والفضل إن دنت أنسابهم. الخامسة عشر: جواز إنكار المفتي على مفت آخر خالف النص أو عمم ما هو خاص، لأن عائشة أنكرت على فاطمة بنت قيس تعميمها أن لا سكنى للمبتوتة، وإنما كان انتقال فاطمة من مسكنها لعذر من خوف اقتحامه عليها أو لبذاءتها أو نحو ذلك. السادسة عشر: استحباب ضيافة الزائر وإكرامه بطيب الطعام والشراب سواء كان المضيف رجلاً أو امرأة والله أعلم
*2* باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها، بوضع الحمل
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ (وَتَقَارَبَا فِي اللّفْظِ) (قَالَ حَرْمَلَةُ: حَدّثَنَا، وَقَالَ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّ أَباهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزّهْرِيّ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَىَ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيّةِ، فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعمّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ اسْتَفْتَتْهُ. فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ إِلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنّ سُبَيْعَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ. وَهُوَ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيَ. وَكَانَ مِمّنْ شَهِدَ بَدْراً. فَتُوُفّيَ عَنْهَا فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ. وَهِيَ حَامِلٌ. فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ. فَلَمّا تَعَلّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمّلَتْ لِلْخُطّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ (رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ) فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ مُتَجَمّلَةً؟ لَعَلّكِ تَرْجِينَ النّكَاحَ. إِنّكِ، وَاللّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتّىَ تَمُرّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِك، جَمَعْتُ عَلَيّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي. وَأَمَرَنِي بِالتّزَوّجِ إِنْ بَدَا لِي.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَلاَ أَرَىَ بَأْساً أَنْ تَتَزَوّجَ حِينَ وَضَعَتْ. وَإِنْ كَانَتْ فِي دَمِهَا. غَيْرَ أَنْ لاَ يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتّىَ تَطْهُرَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَ ابْنَ عَبّاسٍ اجْتَمَعَا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُمَا يَذْكُرَانِ الْمَرْأَةَ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: عِدّتُهَا آخِرُ الأَجَلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَدْ حَلّتْ، فَجَعَلاَ يَتَنَازَعَانِ ذَلِك، قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي (يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) فَبَعَثُوا كُرَيْباً (مَوْلَىَ ابْنِ عَبّاسٍ) إِلَىَ أُمّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: إِنّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، وَإِنّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوّجَ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، ح وَحَدّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ، قَالاَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ، كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الإسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ اللّيْثَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَأَرْسَلُوا إِلَىَ أُمّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يُسَمّ كُرَيْباً.
فيه حديث جابر: (قال: طلقت خالتي فأرادت أن تَجُيّدّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً) هذا الحديث دليل لخروج المعتدة بالبائن للحاجة، ومذهب مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وآخرين جواز خروجها في النهار للحاجة، وكذلك عند هؤلاء يجوز لها الخروج في عدة الوفاة، ووافقهم أبو حنيفة في عدة الوفاة وقال في البائن: لا تخرج ليلاً ولا نهاراً، وفيه استحباب الصدقة من التمر عند جداده والهدية واستحباب التعريض لصاحب التمر بفعل ذلك وتذكير المعروف والبر والله تعالى أعلم
*2* باب وجوب الإِحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثّلاَثَةَ قَالَ: قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَىَ أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ تُوفّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ، فَدَعَتْ أُمّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ، خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمّ مَسّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمّ قَالَتْ: وَاللّهِ! مَا لِي بِالطّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، عَلَىَ الْمِنْبَرِ: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، تُحِدّ عَلَىَ مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاّ عَلَىَ زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً".
قَالَتْ زَيْنَبُ: ثُمّ دَخَلْتُ عَلَىَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسّتْ مِنْهُ. ثُمّ قَالَتْ: وَاللّهِ! مَا لِي بِالطّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، عَلَىَ الْمِنْبَرِ: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، تُحِدّ عَلَىَ مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاّ عَلَىَ زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً".
قَالَتْ زَيْنَبُ: سَمِعْتُ أُمّي، أُمّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّ ابْنَتِي تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا. وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ" (مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: لاَ)، ثُمّ قَالَ: "إِنّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنّ فِي الْجَاهِلِيّةِ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَىَ رَأْسِ الْحَوْلِ".
قَالَ حُمَيْدٌ: قُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَىَ رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ، إِذَا تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشاً، وَلَبِسَتْ شَرّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسّ طِيباً وَلاَ شَيْئاً، حَتّىَ تَمُرّ بِهَا سَنَةٌ. ثُمّ تُؤْتَىَ بِدَابّةٍ، حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ، فَتَفْتَضّ بِهِ، فَقَلّمَا تَفْتَضّ بِشَيْءٍ إِلاّ مَاتَ، ثُمّ تَخْرُجُ فَتُعْطَىَ بَعَرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمّ تُرَاجِعُ، بَعْدُ، مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: تُوُفّيَ حَمِيمٌ لأِمّ حَبِيبَةَ، فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَمَسَحَتْهُ بِذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إِنّمَا أَصْنَعُ هَذَا لأَنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، أَنْ تُحِدّ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاّ عَلَىَ زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً".
وَحَدّثتْهُ زيْنَبُ عَنْ أُمّهَا. وَعَنْ زَيْنَبَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمّ سَلمَةَ تُحَدّثُ عَنْ أَنّ امْرَأَةً تُوُفِيّ زَوْجُهَا، فَخَافُوا عَلَىَ عَيْنِهَا، فَأَتوُا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "قَدْ كَانَتْ إِحَدَاكُنّ تَكُونُ فِي شَرّ بَيْتِهَا فِي أَحْلاَسِهَا (أَوْ فِي شَرّ أَحْلاَسِهَا فِي بَيْتِهَا) حَوْلاً، فَإِذَا مَرّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ فَخَرَجَتْ أَفَلاَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌاً؟".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ بِالْحَدِيثَيْنِ جَمِيعاً: حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ فِي الكُحْلِ، وَحَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ وَأُخْرَىَ مِنْ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، غَيْرَ أَنّهُ لَمْ تُسَمّهَا زَيْنَبَ، نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ أَنّهُ سَمِعَ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تُحدّثُ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ وَ أُمّ حَبِيبَةَ تَذْكُرانِ أَنّ امْرَأةً أَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكرَتْ لَهُ أَنّ بِنْتاً لَهَا تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَاشْتَكَتْ عَيْنُهَا فَهِيْ تُرِيدُ أَنْ تكْحُلَها فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "قدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنّ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عِنْدَ رأْسِ الْحَوْلِ وَإِنّمَا هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرٌ".
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو): حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ، عَنْ حُميْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمّا أَتَىَ أُمّ حَبِيبَةَ نَعِيّ أَبِي سُفْيَانَ، دَعَتْ، فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ، بِصُفْرَةٍ، فَمَسَحَتْ بِهِ ذِرَاعَيْهَا وَعَارِضَيْهَا، وَقَالَتْ: كُنْتُ عَنْ هَذَا غَنِيّةً، سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، أَنْ تُحِدّ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلاّ عَلَىَ زَوْجٍ. فَإِنّهَا تُحِدّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنْ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنّ صَفِيّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدّثَتْهُ عَنْ حَفْصَةَ، أَوْ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ عَنْ كِلْتَيْهِمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللّهِ والْيَوْمِ الاَخِرِ (أَوْ تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) أَنْ تُحِدّ عَلَىَ مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ، إِلاّ عَلَىَ زَوْجِهَا".
وحدّثناه شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ). حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ اللّيْثِ، مِثْلَ رِوَايَتِهِ.
وحدّثناه أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ نَافِعاً يُحَدّثُ عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنّهَا سَمِعَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ اللّيْثِ وَابْنِ دِينَارِ، وَزَادَ "فَإِنّهَا تُحِدّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً".
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ: حَدّثَنَا حَمّادٌ، عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، جَمِيعاً، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، أَنْ تُحِدّ عَلَىَ مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاّ عَلَىَ زَوْجِهَا"0
وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ: حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُحِدّ امْرَأَةٌ عَلَىَ مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاّ عَلَىَ زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً إِلاّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَمَسّ طِيباً، إِلاّ إِذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ، حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ، كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالاَ "عِنْدَ أَدْنَىَ طُهْرِهَا: نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ".
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ، حَدّثَنَا حَمّادٌ، حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمّ عَطِيّةَ قَالَتْ: كُنّا نُنْهَىَ أَنْ نُحِدّ عَلَىَ مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ. إِلاّ عَلَىَ زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلاَ نَكْتَحِلُ، وَلاَ نَتَطَيّبُ، وَلاَ نَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً، وَقَدْ رُخّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي طُهْرِهَا، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا، فِي نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ.
فيه حديث سبيعة بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة أنها وضعت بعد وفاة زوجها بليال فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن عدتها انقضت وأنها حلت للزواج" فأخذ بهذا جماهير العلماء من السلف والخلف فقالوا: عدة المتوفي عنها بوضع الحمل حتى لو وضعت بعد موت زوجها بلحظة قبل غسله انقضت عدتها وحلت في الحال للأزواج، هذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا رواية عن علي وابن عباس وسحنون المالكي أن عدتها بأقصى الأجلين وهي أربعة أشهر وعشراً ووضع الحمل، وإلا ما روي عن الشعبي والحسن وإبراهيم النخعي وحماد أنها لا يصح زواجها حتى تطهر من نفاسها، وحجة الجمهور حديث سبيعة المذكور وهو مخصص لعموم قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} ومبين أن قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} عام في المطلقة والمتوفى عنها وأنه على عمومه. وقال الجمهور: وقد تعارض عموم هاتين الاَيتين، وإذا تعارض العمومان وجب الرجوع إلى مرجح لتخصيص أحدهما، وقد وجد هنا حديث سبيعة المخصص لأربعة أشهر وعشراً وأنها محمولة على غير الحامل. وأما الدليل على الشعبي وموافقيه فهو ما رواه مسلم في الباب أنها قالت: فأفتاني النبيّ صلى الله عليه وسلم بأني قد حللت حين وضعت حملي، وهذا تصريح بانقضاء العدة بنفس الوضع، فإن احتجوا بقوله: فلما تعلت من نفاسها أي طهرت منه. فالجواب أن هذا إخبار عن وقت سؤالها ولا حجة فيه، وإنما الحجة في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها حلت حين وضعت ولم يعلل بالطهر من النفاس. قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: سواء كان حملها ولداً أو أكثر كامل الخلقة أو ناقصها أو علقة أو مضغة فتنقضي العدة بوضعه إذا كان فيه صورة خلق آدمي سواء كانت صورة خفية تختص النساء بمعرفتها أم جلية يعرفها كل أحد ودليله إطلاق سبيعة من غير سؤال عن صفة حملها. قوله: (كانت تحت سعد بن خولة وهو في بني عامر بن لؤي) هكذا هو في النسخ في بني عامر بالفاء وهو صحيح ومعناه ونسبه في بني عامر أي هو منهم. قوله: (فلم تنشب) أي لم تمكث. قوله: (أبو السنابل بن بعكك) السنابل بفتح السين وبعكك بموحدة مفتوحة ثم عين ساكنة ثم كافين الأولى مفتوحة، واسم أبي السنابل عمرو، وقيل حبة بالباء الموحدة، وقيل بالنون حكاهما ابن ماكولا، وهو أبو السنابل بن بعكك بن الحجاج بن الحارث بن السباق بن عبد الدار، كذا نسبه ابن الكلبي وابن عبد البر، وقيل في نسبه غير هذا.
قوله: (نفست بعد وفاة زوجها بليال) هو بضم النون على المشهور، وفي لغة بفتحها وهما لغتان في الولادة، وقوله بعد وفاته بليال قيل إنها شهر، وقيل خمس وعشرون ليلة، وقيل دون ذلك والله أعلم.