كتاب العتق
 *1* كتاب العتق
*2* باب
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدّثَكَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ و مُحَمّدُ بْنُ رْمْحٍ، جَمِيعاً عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، ح وَحَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ، قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ، حَدّثَنَا أَيّوبُ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، ح وَحَدّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ، ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ، حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ، ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، كُلّ هَولاِءِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ.
اللعان والملاعنة والتلاعن ملاعنة الرجل امرأته، تلاعناً والتعنا ولاعن القاضي بينهما، وسمي لعاناً لقول الزوج: علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين، قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: واختير لفظ اللعن على لفظ الغضب وإن كانا موجودين في الاَية الكريمة وفي صورة اللعان، لأن لفظ اللعنة متقدم في الاَية الكريمة في صورة اللعان، ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانبها لأنه قادر على إِلابتداء باللعان دونها، ولأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا ينعكس، وقيل سمي لعاناً من اللعن وهو الطرد والإبعاد لأن كلاً منهما يبعد عن صاحبه ويحرم النكاح بينهما على التأبيد بخلاف المطلق وغيره، واللعان عند جمهور أصحابنا يمين وقيل شهادة وقيل يمين فيها ثبوت شهادة وقيل عكسه. قال العلماء: وليس من الأيمان شيء متعدد إلا اللعان والقسامة، ولا يمين في جانب المدعي إلا فيهما والله أعلم. قال العلماء: وجوز اللعان لحفظ الأنساب ودفع المعرة عن الأزواج، وأجمع العلماء على صحة اللعان في الجملة والله أعلم. واختلف العلماء في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية؟ فقال بعضهم: بسبب عويمر العجلاني، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكره مسلم في الباب أولاً لعويمر: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك" وقال جمهور العلماء: سبب نزولها قصة هلال ابن أمية واستدلوا بالحديث الذي ذكره مسلم في قصة هلال قال: وكان أول رجل لاعن في الإسلام. قال الماوردي من أصحابنا في كتابه الحاوي: قال الأكثرون قصة هلال بن أمية أسبق من قصة العجلاني، قال: والنقل فيهما مشتبه ومختلف. وقال ابن الصباغ من أصحابنا في كتابه الشامل: قصة هلال تبين أن الاَية نزلت فيه أولاً. قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعويمر: إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس. قلت: ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعاً، فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الاَية فيهما، وسبق هلال باللعان، فيصدق أنها نزلت في ذا وفي ذاك، وأن هلالاً أول من لاعن والله أعلم. قالوا: وكانت قصة اللعان في شعبان سنة تسع من الهجرة. وممن نقله القاضي عياض عن ابن جرير الطبري. قوله: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها لا سيما ما ان فيه هتك ستر مسلم أو مسلمة أو إشاعة فاحشة أو شناعة على مسلم أو مسلمة. قال العلماء: أما إذا كانت المسائل مما يحتاج إليه في أمور الدين وقد وقع فلا كراهة فيها، وليس هو المراد في الحديث، وقد كان المسلمون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأحكام الواقعة فيجيبهم ولا يكرهها، وإنما كان سؤال عاصم في هذا الحديث عن قصة لم تقع بعد ولم يحتج إليها، وفيها شناعة على المسلمين والمسلمات، وتسليط اليهود والمنافقين ونحوهم على الكلام في أعراض المسلمين وفي الإسلام، ولأن من المسائل ما يقتضي جوابه تضييقاً. وفي الحديث الاَخر: "أعظم الناس حرباً من سأل عما لم يحرم" فحرم من أجل مسألته. قوله: "يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا" هذا الكلام فيه حذف ومعناه أنه سأل وقذف امرأته وأنكرت الزنا وأصر كل واحد منهما على قوله ثم تلاعنا. قوله: (أيقتل فتقتلونه) معناه إذا وجد رجلاً مع امرأته وتحقق أنه زنى بها فإن قتله قتلتموه وإن تركه صبر على عظيم فكيف طريقه؟ وقد اختلف العلماء فيمن قتل رجلاً وزعم أنه وجده قد زنى بامرأته فقال جمهورهم: لا يقبل قوله بل يلزمه القصاص إلا أن تقوم بذلك بينة أو يعترف به ورثة القتيل، والبينة أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنا ويكون القتيل محصناً، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقاً فلا شيء عليه، وقال بعض أصحابنا: يجب على كل من قتل زانياً محصناً القصاص ما لم يأمر السلطان بقتله والصواب الأول، وجاء عن بعض السلف تصديقه في أنه زنى بامرأته وقتله بذلك. قوله: (قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه أن اللعان يكون بحضرة الإمام أو القاضي وبمجمع من الناس وهو أحد أنواع تغليظ اللعان فإنه تغليظ بالزمان والمكان والجمع، فأما الزمان فبعد العصر، والمكان في أشرف موضع في ذلك البلد، والجمع طائفة من الناس أقلهم أربعة، وهل هذه التغليظات واجبة أم مستحبة؟ فيه خلاف عندنا الأصح الاستحباب. قوله: "فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها" فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين.
وفي الرواية الأخرى: "فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ففارقها عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم ذاكم التفريق بين كل متلاعنين" وفي والرواية الأخرى: "أنه لاعن ثم لاعنت ثم فرق بينهما" وفي رواية: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا سبيل لك عليها" اختلف العلماء في الفرقة باللعان فقال مالك والشافعي والجمهور: تقع الفرقة بين الزوجين بنفس المتلاعن ويحرم عليه نكاحها على التأييد لهذه الأحاديث، لكن قال الشافعي وبعض المالكية: تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده ولا تتوقف على لعان الزوجة. وقال بعض المالكية: تتوقف على لعانها. وقال أبو حنيفة: لا تحصل الفرقة إلا بقضاء القاضي بها بعد التلاعن لقوله ثم فرق بينهما. وقال الجمهور: لا تفتقر إلى قضاء القاضي لقوله صلى الله عليه وسلم: لا سبيل لك عليها. والرواية الأخرى ففارقها. وقال الليث: لا أثر للعان في الفرقة ولا يحصل به فراق أصلاً، واختلف القائلون بتأبيد التحريم فيما إذا أكذب بعد ذلك نفسه فقال أبو حنيفة: تحل له لزوال المعنى المحرم. وقال مالك والشافعي وغيرهما: لا تحل له أبداً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا سبيل لك عليها والله أعلم وأما قوله: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فهو كلام تام مستقل ثم ابتدأ فقال: هي طالق ثلاثاً تصديقاً لقوله في أنه لا يمسكها، وإنما طلقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال: هي طالق ثلاثاً فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا سبيل لك عليه أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك، وهذا دليل على أن الفرقة تحصل بنفس اللعان، واستدل به أصحابنا، على أن جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد ليس حراماً، وموضع الدلالة أنه لم ينكر عليه إطلاق لفظ الثلاث، وقد يعترض على هذا فيقال إنما لم ينكر عليه لأنه لم يصادف الطلاق محلاً مملوكاً له ولا نفوذاً، ويجاب عن هذا الاعتراض بأنه لو كان الثلاث محرماً لأنكر عليه وقال له: كيف ترسل لفظ الطلاق الثلاث مع أنه حرام والله أعلم. وقال ابن نافع من أصحاب مالك: إنما طقها ثلاثاً بعد اللعان لأنه يستحب إظهار الطلاق بعد اللعان مع أنه قد حصلت الفرقة بنفس اللعان وهذا فاسد، وكيف يستحب للإنسان أن يطلق من صارت أجنبية. وقال محمد بن أبي صفرة المالكي: لا تحصل الفرقة بنفس اللعان واحتج بطلاق عويمر وبقوله إن أمسكتها وتأوله الجمهور كما سبق والله أعلم. وأما قوله: (قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين) فقد تأوله ابن نافع المالكي على أن معناه استحاب الطلاق بعد اللعان كما سبق. وقال الجمهور معناه حصول الفرقة بنفس اللعان. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ذاكم التفريق بين كل متلاعنين" فمعناه عند مالك والشافعي والجمهور بيان أن الفرقة تحصل بنفس اللعان بين كل متلاعنين، وقيل معناه تحريمها على التأبيد كما قال جمهور العلماء. قال القاضي عياض: واتفق علماء الأمصار على أن مجرد قذفه لزوجته لا يحرمها عليه إلا أبا عبيد فقال: تصير محرمة عليه بنفس القذف بغير لعان. قوله: "وكانت حاملاً فكان ابنها يدعى إلى أمه ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها" فيه جواز لعان الحامل وأنه إذا لاعنها ونفى عنه نسب الحمل انتفى عنه وأنه يثبت نسبه من الأم ويرثها وترث منه ما فرض الله للأم وهو الثلث إن لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان من الأخوة أو الأخوات، وإن كان شيء من ذلك فلها السدس، وقد أجمع العلماء على جريان التوارث بينه وبين أمه وبينه وبين أصحاب الفروض من جهة أمه وهم إخوته وأخواته من أمه وجداته من أمه، ثم إذا دفع إلى أمه فرضها أو إلى أصحاب الفروض وبقي شيء فهو لموالي أمه إن كان عليها ولاء ولم يكن عليه هو ولا بمباشرة إعتاقه، فإن لم يكن لها موال فهو لبيت المال، هذا تفصيل مذهب الشافعي وبه قال الزهري ومالك وأبو ثور، وقال الحكم وحماد: ترثه ورثة أمه، وقال آخرون: عصبة أمه، روي هذا عن علي وابن مسعود وعطاء وأحمد بن حنبل، قال أحمد: فإن انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة. وقال أبو حنيفة: إذا انفردت أخذت الجميع لكن الثلث بالفرض والباقي بالرد على قاعدة مذهبه في إثبات الرد والله أعلم. قوله: (فتلاعنا في المسجد) فيه استحباب كون اللعان في المسجد قد سبق بيانه.
قوله: (فقلت للغلام استأذن لي قال إنه قائل فيسمع صوتي فقال ابن جبير قلت نعم) أما قوله: أنه قائل فهو من قيلولة وهي النوم نصف النهار، وأما قوله ابن جبير فهو برفع ابن وهو استفهام أي أأنت ابن جبير؟ قوله: (فوجدته مفترشاً برذعة) هو بفتح الباء وفيه زهادة ابن عمر وتواضعه. قوله: (ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاَخرة) وفعل بالمرأة مثل ذلك فيه أن الإمام يعظ المتلاعنين ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة، وأن الصبر على عذاب الدنيا وهو الحد أهون من عذاب الاَخرة. قوله: (فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إلى آخره) فيه أن إِلابتداء في اللعان يكون بالزوج لأن الله تعالى بدأ به ولأنه يسقط عن نفسه حد قذفها وينفي النسب إن كان، ونقل القاضي وغيره إجماع المسلمين على إِلابتداء بالزوج، ثم قال الشافعي وطائفة: لو لاعنت المرأة قبله لم يصح لعانها، وصححه أبو حنيفة وطائفة. قوله: (فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) هذه ألفاظ اللعان وهي مجمع عليها. قوله صلى الله عليه وسلم: "حسابكما على الله أحدكما كاذب" قال القاضي: ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فرغهما من اللعان، والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة، قال: وقال الداودي إنما قاله قبل اللعان تحذيراً لهما منه، قال: والأول أظهر وأولى بسياق الكلام، وفيه رد على من قال من النحاة أن لفظة أحد لا تستعمل إلا في النفي، وعلى من قال منهم لا تستعمل إلا في الوصف ولا تقع موضع واحد، وقد وقعت في هذا الحديث في غير نفي ولا وصف، ووقعت موقع واحد وقد أجازه المبرد، ويؤيده قوله تعالى: {فشهادة أحدهم} وفي هذا الحديث أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وإن علمنا كذب أحدهما على الإبهام. قوله: "يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليه فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليه فذاك أبعد لك منها" في هذا دليل على استقرار المهر بالدخول وعلى ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها، والمسألتان مجمع عليهما وفيه أنها لو صدقته وأقرت بالزنا لم يسقط مهرها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم افتح" معناه بين لنا الحكم في هذا.
قوله: (إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك ابن سحماء) هي بسين مفتوحة ثم حاء ساكنة مهملتين وبالمد، وشريك هذا صحابي بلوي حليف الأنصار، قال القاضي: وقول من قال أنه يهودي باطل. قوله: "وكان أول رجل لاعن في الإسلام" سبق بيانه في أول هذا الباب. قوله صلى الله عليه وسلم: "لعلها أن تجيء به أسود جعداً" وفي الرواية الأخرى: "فإن جاءت به سبطاً قضيء العينين فهو لهلال وإن جاءت به أكحل جعداً حم الساقين فهو لشريك" أما الجعد فبفتح الجيم وإسكان العين قال الهروي: الجعد في صفات الرجال يكون مدحاً ويكون ذماً، فإذا كان مدحاً فله معنيان: أحدهما أن يكون معصوب الحلق شديد الأسر. والثاني أن يكون شعره غير سبط لأن السبوطة أكثرها في ضعور العجم. وأما الجعد المذموم فله معنيان: أحدهما القصير المتردد والاَخر البخيل، يقال: جعد الأصابع وجعد اليدين أي بخيل. وأما السبط فبكسر الباء وإسكانها وهو الشعر المسترسل. وأما حمش الساقين فبحاء مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم شين معجمة أي رقيقهما والحموشة الدقة. وأما قضيء العينين فمهموز ممدود على وزن فعيل وهو بالضاد المعجمة ومعناه فاسدهما بكثرة دمع أو حمرة أو غير ذلك.
قوله: (وكان خدلاً) هو بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة وهو الممتلئ الساق. قوله صلى الله عليه وسلم: "لو رجمت أحداً بغير بينة رجمت هذه" وفسرها ابن عباس بأنها امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء. وفي رواية: "أنها امرأة أعلنت" معنى الحديث أنه اشتهر وشاع عنها الفاحشة ولكن لم يثبت ببينة ولا اعتراف، ففيه أنه لا يقام الحد بمجرد الشياع والقرائن بل لا بد من بينة أو اعتراف.
قوله: "أن سعد بن عبادة قال: يا رسو الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال سعد: بلى والذي أكرمك بالحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم" وفي الرواية الأخرى: (كلا والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف) قال الماوردي وغيره: ليس قوله هو رداً لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا مخالفة في سعد بن عبادة لأمره صلى الله عليه وسلم وإنما معناه الإخبار عن حالة الإنسان عند رؤيته الرجل عند امرأته واستيلاء الغضب عليه فإنه حينئذ يعاجله بالسيف وإن كان عاصياً، وأما السيد فقال ابن الأنباري وغيره هو الذي يفوق قومه في الفخر، قالوا: والسيد أيضاً الحليم، وهو أيضاً حسن الخلق، وهو أيضاً الرئيس، ومعنى الحديث تعجبوا ن قل سيدكم.
قوله: (لضربته بالسيف غير مصفح) هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه لغيور وأنا أغير منه" وفي الرواية الأخرى: "والله أغير مني من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" قال العلماء: الغيرة بفتح الغين وأصلها المنع، والرجل غيور على أهله أي يمنعهم من التعلق بأجنبي بنظر أو حديث أو غيره، والغيرة صفة كمال فأخبر صلى الله عليه وسلم بأن سعداً غيور وأنه أغير منه وأن الله أغير منه صلى الله عليه وسلم، وأنه من أجل ذلك حرم الفواحش، فهذا تفسير لمعنى غيرة الله تعالى أي أنها منعه سبحانه وتعالى الناس من الفواحش، لكن الغيرة في حق الناس يقارنها تغير حال الإنسان وانزعاجه وهذا مستحيل في غيرة الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا شخص أغير من الله تعالى" أي لا أحد وإنما قال لا شخص استعارة، وقيل معناه لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله تعالى ولا يتصور ذلك منه، فينبغي أن يتأدب الإنسان بمعاملته سبحانه وتعالى لعباده فإنه لا يعالجهم بالعقوبة بل حذرهم وأنذرهم وكرر ذلك عليهم وأمهلهم، فكذا ينبغي للعبد أن لا يبادر بالقتل وغيره في غير موضعه فإن الله تعالى لم يعاجلهم بالعقوبة مع أنه لو عاجلهم كان عدلاً منه سبحانه وتعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا شخص أحب إليه العذر من الله تعالى من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ولا شخص أحب إليه المدحة من الله من أجل ذلك وعد الجنة" معنى الأول ليس أحد أحب إليه الأعذار من الله تعالى فالعذر هنا بمعنى الإعذار والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة ولهذا بعث المرسلين كما قال سبحانه وتعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} والمدحة بكسر الميم وهو المدح بفتح الميم فإذا ثبتت الهاء كسرت الميم وإذا حذفت فتحت، ومعنى من أجل ذلك وعد الجنة أنه لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه والله أعلم.
قوله: "إن امرأتي ولدت غلاماً أسود فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً، قال: فأنى أتاها ذاك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق" أما الأورق فهو الذي فيه سواد ليس بصاف، ومنه قيل للرماد أورق وللحمامة ورقاء وجمعه ورق بضم الواو وإسكان الراء كأحمر وحمر، والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب تشبيهاً بعرق الثمرة، منه قولهم: فلان معرق في النسب والحسب وفي اللؤم والكرم، ومعنى نزعه أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه، وأصل النزع الجذب فكأنه جذبه إليه لشبهه، يقال منه نزع الولد لأبيه وإلى أبيه ونزعه أبوه ونزعه إليه، وفي هذا الحديث أن الولد يلحق الزوج وإن خالف لونه لونه حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود أو عكسه لحقه، ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون، وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه لاحتمال أنه نزعه عرق من أسلافه. وفي هذا الحديث أن التعريض بنفي الولد ليس نفياً، وأن التعريض بالقذف ليس قذفاً، وهو مذهب الشافعي وموافقيه، وفيه إثبات القياس وإِلاعتبار بالأشباه وضرب الأمثال، وفيه إِلاحتياط للأنساب وإلحاقها بمجرد الأمكان. قوله في الرواية الأخرى: (إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكرته) معناه استغربت بقلبي أن يكون مني لا أنه نفاه عن نفسه بلفظه والله أعلم
*2* باب ذكر سعاية العبد
*وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشْيرٍ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَالَ: "يَضْمَنُ".
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرٍ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَخَلاَصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اسْتَسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ".
وحدّثناه عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنْ سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بِهَذَا الإسْنَادِ، وَزَادَ "إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الّذِي لَمْ يُعْتِقْ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ علَيْهِ".
حدّثني هَرُون بْنُ عَبْدِ اللّهِ: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ بِهَذَا الإسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ: قُوّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ.
قال أهل اللغة: العتق الحرية يقال منه عتق يعتق عتقاً بكسر العين وعتقاً بفتحها أيضاً، حكاه صاحب المحكم وغيره، وعتاقاً وعتاقة فهو عتيق وعاتق أيضاً حكاه الجوهري وهم عتقاء وأعتقه فهو معتق وهم عتقاء وأمة عتيق وعتيقة وإماء عتائق وحلف بالعتاق أي الإعتاق، قال الأزهري: هو مشتق من قولهم عتق الفرس إذا سبق ونجا، وعتق الفرخ طار واستقل لأن العبد يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء. قال الأزهري وغيره: وإنما قيل لمن أعتق نسمة أنه أعتق رقبة وفك رقبة فخصت الرقبة دون سائر الأعضاء مع أن العتق يتناول الجميع، لأن حكم السيد عليه وملكه له كحبل في رقبة العبد، وكالغل المانع له من الخروج، فإذا أعتق فكأنه أطلقت رقبته من ذلك والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركاً له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق وفي نسخة: ما أعتق" هذا حديث ابن عمر. وفي حديث أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال يضمن". وفي رواية قال: "من أعتق شقصاً له في عبد فخلاصه في ماله إن كن له مال فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه" وفي رواية: "إن لم يكن له مال قوم عليه العبد قيمة عدل ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه" قال القاضي عياض: في ذكر الاستسعاء هنا خلاف بين الرواة قال: قال الدارقطني روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة وهما أثبت فلم يذكرا فيه الاستسعاء، ووافقهما همام ففصل الاستسعاء من الحديث فجعله من رأي أبي قتادة، قال: وعلى هذا أخرجه البخاري وهو الصواب. قال الدارقطني: وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول ما أحسن ما رواه همام وضبطه ففصل قول قتادة عن الحديث. قال القاضي: وقال الأصيلي وابن القصار وغيرهما من أسقط السعاية من الحديث أولى ممن ذكرها لأنها ليست في الأحاديث الأخر من رواية ابن عمر. وقال ابن عبد البر: الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكروها. قال غيره: وقد اختلف فيها عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فتارة ذكرها وتارة لم يذكرها فدل على أنها ليست عنده من متن الحديث كما قال غيره، هذا آخر كلام القاضي والله أعلم. قال العلماء: ومعنى الاستسعاء في هذا الحديث أن العبد يكلف إِلاكتساب والطلب حتى تحصل قيمة نصيب الشريك الاَخر فإذا دفعها إليه عتق، هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء، وقال بعضهم: هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ما له فيه من الرق، فعلى هذا تتفق الأحاديث
*2* باب إنما الولاء لمن أعتق
*وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتقُهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنّ وَلاَءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئاً، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي، فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لَنَا وَلاَؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، فَإِنّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ، فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرّةٍ، شَرْطُ اللّهِ أَحَقّ وَأَوْثَقُ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ إِلَيّ. فَقَالَتْ: يَا عَائِشَةُ! إِنّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلّ عَامٍ أُوقِيّةٌ، بِمَعْنَى حَدِيثِ اللّيْثِ. وَزَادَ فَقَالَ: "لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ مِنْهَا، ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي"، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النّاسِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمدَانِيّ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيّ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنّ أَهْلِي كَاتَبُونِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ، فِي كُلّ سَنَةٍ أُوقِيّةٌ، فَأَعِيِنِينِي، فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدّهَا لَهُمْ عَدّةً وَاحِدَةً، وَأُعْتِقَكِ، وَيَكُونَ الْوَلاَءُ لِي، فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لاَِهْلِهَا، فَأَبَوْا إِلاّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ، فَأَتتْنِي فَذَكَرَتْ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَانْتَهَرْتُهَا. فَقَالَتْ: لاَهَا اللّهِ إِذَا، قَالَتْ: فَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا"، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَفَعَلْتُ، قَالَتْ: ثُمّ خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَشِيّةً، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ قَالَ "أَمّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللّهِ؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللّهِ أَحَقّ، وَشَرْطُ اللّهِ أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ فُلانَاً وَالْوَلاَءُ لِي، إِنّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ، كُلّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: قَالَ: وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْداً، فَخَيّرَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرّاً لَمْ يُخَيّرْهَا، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ: "أَمّا بَعْدُ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ قَضِيّاتٍ أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنّ الوْلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" قَالَتْ: وَعَتَقَتْ، فَخَيّرَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، قَالَتْ: وَكَانَ النّاسُ يَتَصَدّقُونَ عَلَيْهَا وَتُهْدِى لَنَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَكُمْ هَدِيّةٌ، فَكُلُوهُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ مِنْ أُنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَاشْتَرَطُوا الْوَلاَءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلاَءِ لِمَنْ وَلِيَ النّعْمَةَ" وَخَيّرَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْداً، وَأَهْدَتْ لِعَائِشَةَ لَحْماً، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ صَنَعْتُمْ لَنَا مِنْ هَذَا اللّحْمِ؟" قَالَتْ عَائِشَةُ: تُصُدّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيّةٌ".
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الْقاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، فَاشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَأُهْدِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمٌ. فَقَالُوا لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: هَذَا تَصُدّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيّةٌ"، وَخُيّرَتْ، فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرّاً، قَالَ شُعْبَةُ: ثُمّ سَأَلْتُهُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي.
وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ، جَمِيعاً عَنْ أَبِي هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيّ وَ أَبُو هِشَامٍ: حَدّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْداً.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: خُيّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ، وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ فَدَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْبُرْمَةُ عَلَى النّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدُمٍ مِنْ أُدُمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ "أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً عَلَى النّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟" فَقَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللّهِ! ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ، فَقَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيّةٌ"، وَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا: "إِنّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، حَدّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا، فَأَبَى أَهْلُهَا إِلاّ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلاَءُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ "لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "غير مشقوق عليه" أي لا يكلف ما يشق عليه، والشقص بكسر الشين النصيب قليلاً كان أو كثيراً، أو يقال له الشقيص أيضاً بزيادة الياء، ويقال له أيضاً الشرك بكسر الشين. وفي هذا الحديث أن من أعتق نصيبه من عبد مشترك قوم عليه باقيه إذا كان موسراً بقيمة عدل سواء كان العبد مسلماً أو كافراً، وسواء كان الشريك مسلماً أو كافراً، وسواء كان العتيق عبداً أو أمة، ولا خيار للشريك في هذا ولا للعبد ولا للمعتق بل ينفذ هذا الحكم وإن كرهه كلهم مراعاة لحق الله تعالى في الحرية، وأجمع العلماء على أن نصيب المعتق يعتق بنفس الإعتاق إلا ما حكاه القاضي عن ربيعة أنه قال: لا يعتق نصيب المعتق موسراً كان أو معسراً، وهذا مذهب باطل مخالف للأحاديث الصحيحة كلها والإجماع، وأما نصيب الشريك فاختلفوا في حكمه إذا كان المعتق موسراً على ستة مذاهب، أحدها وهو الصحيح في مذهب الشافعي وبه قال ابن شبرمة والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وإسحاق وبعض المالكية أنه عتق بنفس الإعتاق ويقوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم الإعتاق، ويكون ولاء جميعه للمعتق، وحكمه من حين الإعتاق حكم الأحرار في الميراث وغيره، وليس للشريك إلا المطالبة بقيمة نصيبه كما لو قتله، قال هؤلاء: ولو أعسر المعتق بعد ذلك استمر نفوذ العتق وكانت القيمة ديناً في ذمته، ولو مات أخذت من تركته، فإن لم تكن له تركة ضاعت القيم واستمر عتق جميعه، قالوا: ولو أعتق الشريك نصيبه بعد إعتاق الأول نصيبه كان إعتاقه لغواً لأنه قد صار كله حراً. والمذهب الثاني أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة وهو المشهور من مذهب مالك وبه قال أهل الظاهر وهو قول الشافعي. الثالث مذهب أبي حنيفة للشريك الخيار إن شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتق نصيبه والولاء بينهما، وإن شاء قوم نصيبه على شريكه المعتق، ثم يرجع المعتق بما دفع إلى شريكه على العبد يستسعيه في ذلك والولاء كله للمعتق، والعبد في مدة الكتابة بمنزلة المكاتب في كل أحكامه، الرابع مذهب عثمان البتي لا شيء على المعتق إلا أن تكون جارية رائعة تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر. الخامس حكاه ابن سيرين أن القيمة في بيت المال. السادس محكي عن إسحاق بن راهويه أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء وهذا القول شاذ مخالف للعلماء كافة، والأقوال الثلاثة قبله فاسدة مخالفة لصريح الأحاديث فهي مردودة على قائليها، هذا كله فيما إذا كان المعتق لنصيبه موسراً، فأما إذا كان معسراً حال الإعتاق ففيه أربعة مذاهب: أحدها مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي عبيد وموافقيهم ينفذ العتق في نصيب المعتق فقط ولا يطالب المعتق بشيء ولا يستسعى العبد بل يبقى نصيب الشريك رقيقاً كما كان، وبهذا قال جمهور علماء الحجاز لحديث ابن عمر. المذهب الثاني مذهب ابن شبرمة والأوزاعي وأبي حنيفة وابن أبي ليلى وسائر الكوفيين وإسحاق يستسعى العبد في حصة الشريك، واختلف هؤلاء في رجوع العبد بما أدى في سعايته على معتقه فقال ابن أبي ليلى يرجع به عليه، وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يرجع ثم هو عند أبي حنيفة في مدة السعاية بمنزلة المكاتب وعند الاَخرين هو حر بالسراية. المذهب الثالث مذهب زفر وبعض البصريين أنه يقوم على المعتق ويؤدي القيمة إذا أيسر. الرابع حكاه القاضي عن بعض العلماء أنه لو كان المعتق معسراً بطل عتقه في نصيبه أيضاً فيبقى العبد كله رقيقاً كما كان وهذا مذهب باطل، أما إذا ملك الإنسان عبداً بكماله فأعتق بعضه فيعتق كله في الحال بغير استسعاء هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد والعلماء كافة، وانفرد أبو حنيفة فقال يستسعى في بقيته لمولاه، وخالفه أصحابه في ذلك فقالوا يقول الجمهور، وحكى القاضي أنه روي عن طاوس وربيعة وحماد ورواية عن الحسن كقول أبي حنيفة، وقال أهل الظاهر وعن الشعبي وعبيد الله بن الحسن الغبري أن للرجل أن يعتق من عبده ما شاء والله أعلم. قال القاضي عياض: وقوله في حديث ابن عمر (وإلا فقد عتق منه ما عتق) ظاهره أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه مالك وعبيد الله العمري فوصلاه بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وجعلاه منه، ورواه أيوب عن نافع فقال: قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق ففصله من الحديث وجعله من قول نافع. وقال أيوب مرة: لا أدري هو من الحديث أم هو شيء قاله نافع، ولهذه الرواية قال ابن وضاح: ليس هذا من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال القاضي: وما قاله مالك وعبيد الله العمري أولى وقد جوده وهما في نافع أثبت من أيوب عند أهل هذا الشأن كيف وقد شك أيوب فيه كما ذكرناه، قال: وقد رواه يحيى بن سعيد عن نافع، وقال في هذا الموضع: وإلا فقد جاز ما صنع فأتى به على المعنى، قال: وهذا كله يرد قول من قال بالاستسعاء والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "قيمة عدل" بفتح العين أي لا زيادة ولا نقص والله أعلم
*2* باب النهي عن بيع الولاء وهبته
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ.
قَالَ مُسْلِمٌ: النّاسُ كُلّهُمْ عِيَالٌ، عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ، حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثَمْانَ)، كُلّ هَولاَءِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنّ الثّقَفِي لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، إِلاّ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْهِبَةَ.
فيه حديث عائشة في قصة بريرة وأنها كانت مكاتبة فاشترتها عائشة وأعتقتها وأنهم شرطوا ولاءها. وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق" وهو حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد، وفيه مواضع تشعبت فيها المذاهب أحدها أنها كانت مكاتبة وباعه الموالي واشترتها عائشة وأقر النبي صلى الله عليه وسلم بيعها فاحتج به طائفة من العلماء في أنه يجوز بيع المكاتب، وممن جوزه عطاء والنخعي وأحمد ومالك وفي رواية عنه. وقال ابن مسعود وربيعة وأبو حنيفة والشافعي وبعض المالكية ومالك في رواية عنه لا يجوز بيعه. وقال بعض العلماء: يجوز بيعه للعتق لا للاستخدام، وأجاب من أبطل بيعه عن حديث بريرة بأنها عجزت نفسها وفسخوا الكتابة والله أعلم. الموضع الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: "اشتريها واعتقيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق" وهذا مشكل من حيث أنها اشترتها وشرطت لهم الولاء وهذا الشرط يفسد البيع، ومن حيث أنها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصح ولا يحصل لهم وكيف أذن لعائشة في هذا، ولهذا الإشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا منقول عن يحيى بن أكثم، واستدل بسقوط هذه اللفظة في كثير من الروايات، وقال جماهير العلماء: هذه اللفظة صحيحة واختلفوا في تأويلها فقال بعضهم بعضهم قوله اشترطي لهم أي عليهم كما قال تعالى لهم اللعنة بمعنى عليهم. وقال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} أي فعليها، وهذا منقول عن الشافعي والمزني وقاله غيرهما أيضاً وهو ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم إِلاشتراط، ولو كان كما قاله صاحب هذا التأويل لم ينكره، وقد يجاب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أنكر ما أرادوا اشتراطه في أول الأمر، وقيل معنى اشترطي لهم الولاء أظهري لهم حكم الولاء، وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان بين لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل فلما ألحوا في اشتراطه ومخالفة الأمر قال لعائشة هذا بمعنى لا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط باطل مردود لأنه قد سبق بيان ذلك لهم، فعلى هذا لا تكون لفظة اشترطي هنا للإباحة، والأصح في تأويل الحديث ما قال أصحابنا في كتب الفقه أن هذا الشرط خاص في قصة عائشة، واحتمل هذا الإذن وإبطاله في هذه القصة الخاصة وهي قضية عين لا عموم لها، قالوا: والحكمة في إذنه ثم إبطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مثله، كما أذن لهم صلى الله عليه وسلم في الإحرام بالحج في حجة الوداع ثم أمرهم بفسخه وجعله عمرة بعد أن أحرموا بالحج، وإنما فعل ذلك ليكون أبلغ في زجرهم وقطعهم عما اعتادوه من منع العمرة في أشهر الحج، وقد تحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة والله أعلم. الموضع الثالث قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" وقد أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق أو أمته عن نفسه وأنه يرث به، وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير، وقال جماعة من التابعين يرثه كعكسه، وفي هذا الحديث دليل على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه ولا لملتقط اللقيط ولا لمن حالف إنساناً على المناصرة، وبهذا كله قال مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وداود وجماهير العلماء قالوا: وإذا لم يكن لأحد من هؤلاء المذكورين وارث فماله لبيت المال. وقال ربيعة والليث وأبو حنيفة وأصحابه: من أسلم على يديه رجل فولاؤه له. وقال إسحاق بن راهويه: يثبت للملتقط الولاء على اللقيط. وقال أبو حنيفة: يثبت الولاء بالحلف ويتوارثان به دليل الجمهور حديث (إنما الولاء لمن أعتق" وفيه دليل على أنه إذا أعتق عبده سائبة أي على أن لا ولاء له عليه يكون الشرط لاغياً ويثبت له الولاء عليه، وهذا مذهب الشافعي وموافقيه، وأنه لو أعتقه على مال أو باعه نفسه يثبت له عليه الولاء، وكذا لو كاتبه أو استولدها وعتقت بموته، ففي كل هذه الصور يثبت الولاء ويثبت الولاء للمسلم على الكافر وعكسه وإن كانا لا يتوارثان في الحال لعموم الحديث. الموضع الرابع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خير بريرة في فسخ نكاحها، وأجمعت الأمة على أنها إذا عتقت كلها تحت زوجها وهو عبد كان لها الخيار في فسخ النكاح، فإن كان حراً فلا خيار لها عند مالك والشافعي والجمهور. وقال أبو حنيفة لها الخيار واحتج برواية من روي أنه كان زوجها حراً، وقد ذكرها مسلم من رواية شعبة بن عبد الرحمن بن القاسم، لكن قال شعبة: ثم سألته عن زوجها فقال: لا أدري، واحتج الجمهور بأنها قضية واحدة، والروايات المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن زوجها كان عبداً، قال الحفاظ: ورواية من روي أنه كان حراً غلط وشاذة مردودة لمخالفتها المعروف في روايات الثقات، ويؤيده أيضاً قول عائشة قالت: كان عبداً ولو كان حراً لم يخيرها رواه مسلم. وفي هذا الكلام دليلان أحدهما إخبارها أنه كان عبداً وهي صاحبة القضية.
والثاني قولها لو كان حراً لم يخيرها ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفاً ولأن الأصل في النكاح اللزوم ولا طريق إلى فسخه إلا بالشرع وإنما ثبت في العبد فبقي الحر على الأصل، ولأنه لا ضرر ولا عار عليها وهي حرة في المقام تحت حر، وإنما يكون ذلك إذا قامت تحت عبد فأثبت لها الشرع الخيار في العبد لإزالة الضرر بخلاف الحر، قالوا: ولأن رواية هذا الحديث تدور على عائشة وابن عباس، فأما ابن عباس فاتفقت الروايات عنه أن زوجها كان عبداً، وأما عائشة فمعظم الروايات عنها أيضاً أنه كان عبداً فوجب ترجيحها والله أعلم. الموضع الخامس قوله صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" صريح في إبطال كل شرط ليس له أصل في كتاب الله تعالى. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان مائة شرط" أنه لو شرطه مائة مرة توكيداً فهو باطل، كما قال صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى: "من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة" قال العلماء: الشرط في البيع ونحوه أقسام: أحدها شرط يقتضيه إطلاق العقد بأن شرط تسليمه إلى المشتري أو تبقية الثمرة على الشجر إلى أوان الجداد أو الرد بالغيب. الثاني: شرط فيه مصلحة وتدعو إليه الحاجة كاشتراط الرهن والضمين والخيار وتأجيل الثمن ونحو ذلك، وهذان القسمان جائزان ولا يؤثران في صحة العقد بلا خلاف. الثالث: اشتراط العتق في العبد المبيع أو الأمة وهذا جائز أيضاً عند الجمهور لحديث عائشة وترغيباً في العتق لقوته وسرايته. الرابع: ما سوى ذلك من الشروط كشرط استثناء منفعة وشرط أن يبيعه شيئاً آخر أو يكريه داره أو نحو ذلك فهذا شرط باطل مبطل للعقد هكذا قال الجمهور، وقال أحمد: لا يبطله شرط واحد وإنما يبطله شرطان والله أعلم. الموضع السادس: قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق على بريرة به هو لها صدقة ولنا هدية دليل على أنه إذا تغيرت الصفة تغير حكمها فيجوز للغني شراؤها من الفقير وأكلها إذا أهداها إليه وللهاشمي ولغيره ممن لا تحل له الزكاة ابتداء والله أعلم. واعلم أن في حديث بريرة هذا فوائد وقواعد كثيرة، وقد صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين: إحداها ثبوت الولاء للمعتق، الثانية: أنه لا ولاء لغيره. الثالثة: ثبوت الولاء للمسلم على الكافر وعكسه. الرابعة: جواز الكتابة. الخامسة: جواز فسخ الكتابة إذا عجز المكاتب نفسه واحتج به طائفة لجواز بيع المكاتب كما سبق. السادسة: جواز كتابة الأمة ككتابة العبد. السابعة: جواز كتابة المزوجة. الثامنة: أن المكاتب لا يصير حراً بنفس الكتابة بل هو عبد ما بقي عليه درهم كما صرح به في الحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره، وبهذا قال الشافعي ومالك وجماهير العلماء، وحكي القاضي عن بعض السلف أنه يصير حراً بنفس الكتابة ويثبت المال في ذمته ولا يرجع إلى الرق أبداً، وعن بعضهم أنه إذا أدى نصف المال صار حراً ويصير الباقي ديناً عليه، قال: وحكي عن عمر وابن مسعود وشريح مثل هذا إذا أدى الثلث، وعن عطاء مثله إذا أدى ثلاثة أرباع المال. التاسعة: أن الكتابة تكون على نجوم لقوله في بعض روايات مسلم هذه أن بريرة قالت: إن أهلها كاتبوها على تسع أواق في تسع سنين كل سنة وقية، ومذهب الشافعي أنها لا تجوز على نجم واحد بل لا بد من نجمين فصاعداً. وقال مالك والجمهور: تجوز على نجوم وتجوز على نجم واحد. العاشرة: ثبوت الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد. الحادية عشر: تصحيح الشروط التي دلت عليها أصول الشرع وإبطال ما سواها. الثانية عشر: جواز الصدقة على موالي قريش. الثالثة عشر: جواز قبول هدية الفقير والمعتق. الرابعة عشر: تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها وأنت لا تأكل الصدقة، ومذهبنا أنه كان تحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف، وكذا صدقة التطوع على الأصح. الخامسة عشر: أن الصدقة لا تحرم على قري غير بني هاشم وبني المطلب لأنه عائشة قرشية وقبلت ذلك اللحم من بريرة، على أن له حكم الصدقة وأنها حلال لها دون النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا إِلاعتقاد. السادسة عشر: جواز سؤال الرجل عما يراه في بيته وليس هذا مخالفاً لما في حديث أم زرع في قولها. ولا يسجل عما عهد لأن معناه لا يسأل عن شيء عهده وفات فلا يسأل أين ذهب، وأما هنا فكانت البرمة واللحم فيها موجودين حاضرين فسألهم النبيّ صلى الله عليه وسلم عما فيها ليبين لهم حكمه لأنه يعلم أنهم لا يتركون إحضاره له شحاً عليه به بل لتوهمهم تحريمه عليه فأراد بيان ذلك لهم. السابعة عشر: جواز السجع إذا لم يتكلف وإنما نهى عن سجع الكهان ونحوه مما فيه تكلف. الثامنة عشر: إعانة المكاتب في كتابته. التاسعة عشر: جواز تصرف المرجة في مالها بالشراء. والإعتاق وغيره إذا كانت رشيدة.
العشرون: أن بيع الأمة المزوجة ليس بطلاق ولا ينفسخ به النكاح وبه قال جماهير العلماء، وقال سعيد بن المسيب هو طلاق، وهو ابن عباس أنه ينفسخ النكاح، وحديث بريرة يرد المذهبين لأنها خيرت في بقائها معه. الحادية والعشرون: جواز اكتساب المكاتب بالسؤال. الثانية والعشرون: احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما واحتمال مفسدة يسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة على ما بيناه في تأويل شرط الولاء لهم. الثالثة والعشرون: جواز الشفاعة من الحاكم إلى المحكوم له للمحكوم عليه، وجواز الشفاعة إلى المرأة في البقاء مع زوجها. الرابعة والعشرون: لها الفسخ بعتقها وإن تضرر الزوج بذلك لشدة حبه إياها لأنه كان يبكي على بريرة. الخامسة والعشرون: جواز خدمة العتيق لمعتقه برضاه. السادسة والعشرون: أنه يستحب للإمام عند وقوع بدعة أو أمر يحتاج إلى بيانه أن يخطب الناس ويبين لهم حكم ذلك وينكر على من ارتكب ما يخالف الشرع. السابعة والعشرون: استعمال الأدب وحسن العشرة وجميل الموعظة كقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله"ولو يواجه صاحب الشرط بعينه لأن المقصود يحصل له ولغيره من غير فضيحة وشناعة عليه. الثامنة والعشرون: أن الخطب تبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله. التاسعة والعشرون: أنه يستحب في الخطبة أن يقول بعد حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد، وقد تكرر هذا في خطب النبيّ صلى الله عليه وسلم وسبق بيانه في مواضع. الثلاثون: التغليظ في إزالة المنكر والمبالغة في تقبيحه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "شرط الله أحق" قيل: المراد به قوله تعالى: {فإخوانكم في الدين ومواليكم} وقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} الاَية، قال القاضي: وعندي أنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق". قوله: "قالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل" معناه إن أرادت الثواب عند الله وأن لا يكون لها ولاء فلتفعل قولها: "في كل عام أوقية" وقع في الرواية الأولى في بعض النسخ وقية وفي بعضها أوقية بالألف، وأما الرواية الثانية فوقية بغير ألف باتفاق النسخ وكلاهما صحيح وهما لغتان إثبات الألف أفصح، والأوقية الحجازية أربعون درهماً. قولها: "فانتهرتها فقالت لاها الله ذلك" وفي بعض النسخ: لا هاء الله إذا، هكذا هو في النسخ، وفي روايات المحدثين لا هاء الله إذا بمد قوله هاء وبالألف في إذا، قال المازري وغيره من أهل العربية: هذان لحنان وصوابه لاها الله ذا بالقصر في ها وحذف الألف من إذا، قالوا: وما سواه خطأ، قالوا: ومعناه ذا يميني، وكذا قال الخطابي وغيره أن الصواب لاها الله ذا بحذف الألف. وقال أبو زيد النحوي وغيره: يجوز القصر والمد في ها وكلهم ينكرون الألف في إذا ويقولون صوابه ذا، قالوا: وليست الألف من كلام العرب، قال أبو حاتم السجستاني: جاء في القسم لاهاء الله، قال: والعرب تقوله بالهمزة والقياس تركه، قال: ومعناه لا والله هذا ما أقسم به فأدخل اسم الله تعالى بين ها وذا، واسم زوج بريرة مغيث بضم الميم والله أعلم.
*2* باب تحريم تولي العتيق غير مواليه
*وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: كَتَبَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلّ بَطْنٍ عُقُولَهُ، ثُمّ كَتَبَ "أَنّهُ لاَ يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَوَالَى مَوْلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ" ثُمّ أُخْبِرْتُ، أَنّهُ لَعَنَ فِي صَحِيفَتِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا يعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ)، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَوَلّى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ الْجُعْفِيّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ تَوَلّى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ".
وحدّثنيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَى: حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الاْسْنَادِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "وَمَنْ وَالَى غَيْرَ مَوَالِيهِ بِغَيرِ إِذْنِهِمْ".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرَأُهُ إِلاّ كِتَابَ اللّهَ وَهَذِهِ الصّحِيفَةَ، (قَالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ) فَقَدْ كَذَبَ، فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ، وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ والْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللّهُ مِنْهُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً، وَذِمّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجّمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللّهُ مِنْهُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً".
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته) فيه تحريم بيع الولاء وهبته وأنهما لا يصحان، وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقه بل هو لحمة كلحمة النسب، وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف، وأجاز بعض السلف نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث
*2* باب فضل العتق
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعِيدٍ، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ)، حَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللّهُ، بِكُلّ إِرْبٍ مِنْهَا، إِرْباً مِنْهُ مِنَ النّارِ".
وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ: حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُطَرّفٍ أَبِي غَسّانَ الْمَدَنِيّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً، أَعْتَقَ اللّهُ بِكُلّ عُضْوٍ مِنْهَا، عُضْواً مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النّارِ حَتّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللّهُ بِكُلّ عُضْوٍ مِنْهُ، عُضْواً مِنَ النّارِ، حَتّى يُعْتِقَ فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ".
وحدّثني حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ: حَدّثَنَا عَاصِمٌ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمّدٍ الْعُمَرِيّ): حَدّثَنَا وَاقِدٌ (يَعْنِي أَخَاهُ): حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ (صَاحِبُ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَءاً مُسْلِماً، اسْتَنْقَذَ اللّهُ، بِكُلّ عُضْوٍ مِنْهُ، عُضْواً مِنْهُ مِنَ النّارِ" قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حِينَ سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرْتُهُ لِعَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَعْتَقَ عَبْداً لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ ابْنُ جَعْفَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ.
فيه نهيه صلى الله عليه وسلم أن يتولى العتيق غير مواليه وأنه لعن فاعل ذلك، ومعناه أن ينتمي العتيق إلى ولاء غير معتقة، وهذا حرام لتفويته حق المنعم عليه لأن الولاء كالنسب فيحرم تضييعه كما يحرم تضييع النسب وانتساب الإنسان إلى غير أبيه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من تولى قوماً بغير إذن مواليه" فقد احتج به قوم على جواز التولي بإذن مواليه، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز وإن أذنوا، كما لا يجوز إِلانتساب إلى غير أبيه وإن أذن أبوه فيه، وحملوا التقييد في الحديث على الغالب لأن غالب ما يقع هذا بغير إذن الموالي فلا يكون له مفهوم يعمل به، ونظيره قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} وقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} وغير ذلك من الاَيات التي قيد فيها بالغالب وليس لها مفهوم يعمل به. قوله: (كتب النبيّ صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله) هو بضم العين والقاف ونصب اللام مفعول كتب والهاء ضمير البطن، والعقول الديات واحدها عقل كفلس وفلوس ومعناه أن الدية في قتل الخطأ وعمد الخطأ تجب على العاقلة وهم العصبات سواء الاَباء والأبناء وإن علوا أو سفلوا. وأما حديث علي رضي الله عنه في الصحيفة وأن المدينة حرم إلى آخره فسبق شرحه واضحاً في آخر كتاب الحج
*2* باب فضل عتق الوالد
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِداً إِلاّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ "وَلَدٌ وَالِدَهُ".
م 1 وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي، ح وَحَدّثنِي عَمْرٌو النّاقِدُ، حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ، كُلّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الإسْنَادِ مِثْلَهُ. وَقَالُوا "وَلَد والِدَهُ".
قوله: (داود بن رشيد) بضم الراء. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه" وفي رواية: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار" الإرب بكسر الهمزة وإسكان الراء هو العضو بضم العين وكسرها، وفي هذا الحديث بيان فضل العتق وأنه من أفضل الأعمال وبما يحصل به العتق من النار ودخول الجنة، وفيه استحباب عتق كامل الأعضاء، فلا يكون خصياً ولا فاقد غيره من الأعضاء، وفي الخصي وغيره أيضاً الفضل العظيم لكن الكامل أولى وأفضله أعلاه ثمناً وأنفسه كما سبق بيانه في أول الكتاب في كتاب الإيمان في حديث أي الرقاب أفضل. وقد روي أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكها من النار يجزي كل عضو منها عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكها من النار يجزي كل عضو منها عضواً منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزي كل عضو منه عضواً منها" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال: هو وغيره، وهذا الحديث دليل على أن عتق العبد أفضل من عتق الأمة. قال القاضي عياض: واختلف العلماء أيما أفضل عتق الإناث أم الذكور؟ فقال بعضهم: الإناث أفضل لأنها إذا عتقت كان ولدها حراً سواء تزوجها حر أو عبد. وقال آخرون: عتق الذكور أفضل لهذا الحديث ولما في الذكر من المعاني العامة المنفعة التي لا توجد في الإناث من الشهادة والقضاء والجهاد وغير ذلك مما يختص بالرجال إما شرعاً وإما عادة، ولأن من الإماء من لا ترغب في العتق وتضيع به بخلاف العبيد وهذا القول هو الصحيح. وأما التقييد في الرقبة بكونها مؤمنة فيدل على أن هذا الفضل الخاص إنما هو في عتق المؤمنة، وأما غير المؤمنة ففيه أيضاً فضل بلا خلاف ولكن دون فضل المؤمنة، ولهذا أجمعوا على أنه يشترط في عتق كفارة القتل كونها مؤمنة. وحكى القاضي عياض عن مالك أن الأعلى ثمناً أفضل وإن كان كافراً، وخالفه غير واحد من أصحابه وغيرهم قال: وهذا أصح.