كتاب المساقاة
 *1* كتاب المساقاة والمزارعة
*2* باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ.
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا عَلِيّ (وَهُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ). أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْطَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كُلّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسْقٍ: ثَمَانِينَ وَسْقاً مِنْ تَمْرٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقاً مِنْ شَعِيرٍ. فَلَمّا وَلِيَ عُمَرُ قَسَمَ خَيْبَرَ. خَيّرَ أَزْوَاجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يُقْطِعَ لَهُنّ الأَرْضَ وَالْمَاءَ، أَوْ يَضْمَنَ لَهُنّ الأَوْسَاقَ كُلّ عَامٍ. فَاخْتَلَفْنَ. فَمِنْهُنّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ وَالْمَاءَ. وَمِنْهُنّ مَنِ اخْتَارَ الأَوْسَاقَ كُلّ عَامٍ. فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنِي نَافِعٌ عَنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِنَحْوَ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةَ مِمّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ. وَقَالَ: خَيّرَ أَزْوَاجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَ لَهُنّ الأَرْضَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَاءَ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِيّ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمّا افْتُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرّهُمْ فِيهَا. عَلَىَ أَنْ يَعْمَلُوا عَلَىَ نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثّمَرِ وَالزّرْعِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُقِرّكُمْ فِيهَا عَلَىَ ذَلِكَ مَا شِئْنَا" ثُمّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ الثّمَرُ يُقْسَمُ عَلَى السّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيْبَرَ. فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْخُمُسَ.
وحدّثنا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ دَفَعَ إِلَىَ يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا. عَلَىَ أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَلِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا.
وحدّثني مُحَمّد بْنُ رَافِعٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ. وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا ظَهَرَ عَلَىَ خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا. وَكَانَتِ الأَرْضُ، حِينَ ظُهِرَ عَلَيْهَا، لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. فَأَرَادَ إخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا. فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرّهُمْ بِهَا، عَلَىَ أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثّمَرِ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نُقِرّكُمْ بِهَا عَلَىَ ذَلِكَ، مَا شِئْنَا" فَقَرّوا بِهَا حَتّىَ أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إلَىَ تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ.
قوله: (أن مجاهداً قال لطاوس: انطلق بنا إلى ابن رافع بن خديج فاسمع منه الحديث عن أبيه) روي فاسمع بوصل الهمزة مجزوماً على الأرض وبقطعها مرفوعاً على الخبر وكلاهما صحيح والأول أجود. قوله صلى الله عليه وسلم: "يأخذ عليها خرجاً" أي أجرة والله أعلم
*2* باب فضل الغرس والزرع
*حدّثنا ابْنُ نُمَيْرِ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً. وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ. وَمَا أَكَلَ السّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ. وَمَا أَكَلَتِ الطّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ. وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلاّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَىَ أُمّ بَشْرٍ الأَنْصَارِيّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا. فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَرَسَ هَذَا النّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ" فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. فَقَالَ: "لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلاَ دَابّةٌ وَلاَ شَيْءٌ، إلاّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَغْرِسُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ غَرْساً، وَلاَ زَرْعاً، فَيَأْكُلَ مِنْهُ سَبُعٌ أَوْ طَائِرٌ أَوْ شَيْءٌ، إلاّ كَانَ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ: طَائِرٌ شَيْءٌ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. عَنْ زَكَرِيّا بْنُ إِسْحَقَ. أَخْبَرَنِي عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: دَخَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، عَلَىَ أُمّ مَعْبَدٍ، حَائِطاً. فَقَالَ "يَا أُمّ مَعْبِدٍ مَنْ غَرَسَ هَذَا النّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟" فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. قَالَ "فَلاَ يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْساً، فَيَأُكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابّةٌ وَلاَ طَيْرٌ، إِلاّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عَمّارُ بْنُ مُحَمّدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. كُلّ هَولاَءِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. زَادَ عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمّارٍ، وَ أَبُو بكر فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. فَقَالاَ: عَنْ أُمّ مُبَشّر. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيْلٍ: عَنِ امْرَأَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَفِي رِوَايِة إِسْحَقَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: رُبّمَا قَالَ عَنْ أُمّ مُبَشّرٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَرُبّمَا لَمْ يَقُلْ. وَكُلّهُمْ قَالُوا: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ حَديِثِ عَطَاءٍ وَأَبِي الزّبَيْرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ (وَاللّفْظُ لِيحْيَىَ) (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسَاً، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إلاّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ: حَدّثَنَا قَتَادَةُ: حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلاً لأِمّ مُبَشّرٍ، امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ غَرَسَ هَذَا النّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟" قَالُوا: مُسْلِمٌ. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) وفي رواية على أن يعتملوها من أموالهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها في هذه الأحاديث جواز المساقاة، وبه قال مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وجميع فقهاء المحدثين وأهل الظاهر وجماهير العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يجوز وتأول هذه الأحاديث على أن خيبر فتحت عنوة وكان أهلها عبيداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أخذه فهو له وما تركه فهو له. واحتج الجمهور بظواهر هذه الأحاديث وبقوله صلى الله عليه وسلم: "أقركم ما أقركم الله"وهذا صريح في أنهم لم يكونوا عبيداً. قال القاضي: وقد اختلفوا في خيبر هل فتحت عنوة أو صلحاً أو بجلاء أهلها عنها بغير قتال؟ أو بعضها صلحاً وبعضها عنوة وبعضها جلاء عنه أهله؟ أو بعضها صلحاً وبعضها عنوة؟ قال: وهذا أصح الأقوال وهي رواية مالك ومن تابعه وبه قال ابن عيينة، قال: وفي كل قول أثر مروي. وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين. وهذا يدل لمن قال عنوة إذ حق المسلمين إنما هو في العنوة، وظاهر قول من قال صلحاً أنهم صولحوا على كون الأرض للمسلمين والله أعلم. واختلفوا فيما تجوز عليه المساقاة من الأشجار فقال داود: تجوز على النخل خاصة. وقال الشافعي: على النخل والعنب خاصة. وقال مالك: تجوز على جميع الأشجار وهو قول للشافعي. فأما داود فرآها رخصة فلم يتعد فيه المنصوص عليه. وأما الشافعي فوافق داود في كونها رخصة لكن قال: حكم العنب حكم النخل في معظم الأبواب. وأما مالك فقال: سبب الجواز الحاجة والمصلحة هذا يشمل الجميع فيقاس عليه والله أعلم. قوله: (بشطر ما يخرج منها) فيه بيان الجزء المساقي عليه من نصف أو ربع أو غيرهما من الأجزاء المعلومة فلا يجوز على مجهول كقوله: على أن لك بعض الثمر، واتفق المجوزون للمساقاة على جوازها بما اتفق المتعاقدان عليه من قليل أو كثير. قوله: (من ثمر أو زرع) يحتج به الشافعي وموافقوه وهم الأكثرون في جواز المزارعة تبعاً للمساقاة، وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة فتجوز تبعاً للمساقاة فيساقيه على النخل ويزارعه على الأرض كما جرى في خيبر. وقال مالك: لا تجوز المزارعة لا منفردة ولا تبعاً إلا ما كان من الأرض بين الشجر. وقال أبو حنيفة وزفر: المزارعة والمساقاة فاسدتان سواء جمعهما أو فرقهما ولو عقدتا فسختا. وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفيين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وابن شريح وآخرون: تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعتين وتجوز كل واحدة منهما منفردة، وهذا هو الظاهر المختار لحديث خيبر، ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جازت تبعاً للمساقاة بل جازت مستقلة، ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة قياساً على القراض فإنه جائز بالإجماع وهو كالمزارعة في كل شيء، ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة. وأما الأحاديث السابقة في النهي عن المخابرة فسبق الجواب عنها وأنها محمولة على ما إذا شرطا لكل واحد قطعة معينة من الأرض، وقد صنف ابن خزيمة كتاباً في جواز المزارعة واستقصى فيه وأجاد وأجاب عن الأحاديث بالنهي والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أقركم فيها على ذلك ما شئنا" وفي رواية الموطأ: "أقركم ما أقركم الله" قال العلماء: وهو عائد إلى مدة العهد، والمراد إنما نمكنكم من المقام في خيبر ما شئنا ثم نخرجكم إذا شئنا لأنه صلى الله عليه وسلم كان عازماً على إخراج الكفار من جزيرة العرب كما أمر به في آخر عمره، وكما دل عليه هذا الحديث وغيره، واحتج أهل الظاهر بهذا على جواز المساقاة مدة مجهولة، وقال الجمهور: لا تجوز المساقاة إلا إلى مدة معلومة كالإجارة وتأولوا الحديث على ما ذكرناه، وقيل جاز ذلك في أول الإسلام خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل معناه أن لنا إخراجكم بعد انقضاء المدة المسماة وكانت سميت مدة، ويكون المراد بيان أن المساقاة ليست بعقد دائم كالبيع والنكاح بل بعد انقضاء المدة تنقضي المساقاة، فإن شئنا عقدنا عقداً آخر وإن شئنا أخرجناكم. وقال أبو ثور: إذا أطلقا المساقاة اقتضى ذلك سنة واحدة والله أعلم. قوله: (على أن يعتملوها من أموالهم) بيان لوظيفة عامل المساقاة وهو أن عليه كل ما يحتاج إليه في إصلاح الثمر واستزدادته مما يتكرر كل سنة كالسقي وتنقية الأنهار وإصلاح منابت الشجر وتلقيحه وتنحية الحشي والقضبان عنه وحفظ الثمرة وجذاذها ونحو ذلك. وأما ما يقصد به حفظ الأصل ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان وحفر الأنهار فعلى المالك والله أعلم.
قوله: (فكان يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق ثمانين وسقاً من تمر وعشرين وسقاً من شعير) قال العلماء: هذا دليل على أن البياض الذي كان بخيبر الذي هو موضع الزرع أقل من الشجر، وفي هذه الأحاديث دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن الأرض التي تفتح عنوة تقسم بين الغانمين الذين افتتحوها، كما تقسم بينهم الغنيمة المنقولة بالإجماع لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قسم خيبر بينهم. وقال مالك وأصحابه: يقفها الإمام على المسلمين كما فعل عمر رضي الله عنه في أرض سواد العراق. وقال أبو حنيفة والكوفيون: يتخير الإمام بحسب المصلحة في قسمتها أو تركها في أيدي من كانت لهم بخراج يوظفه عليها وتصير ملكاً لهم كأرض الصلح. قوله: "وكان الثمر يقسم على السهمان في نصف خيبر فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس" هذا يدل على أن خيبر فتحت عنوة لأن السهمان كانت للغانمين. وقوله: يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس أي يدفعه إلى مستحقه وهم خمسة الأصناف المذكورة في قوله تعالى: {واعملوا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول} فيأخذ لنفسه خمساً واحداً من الخمس ويصرف الأخماس الباقية من الخمس إلى الأصناف الأربعة الباقين. واعلم أن هذه المعاملة مع أهل خيبر كانت برضى الغانمين وأهل السهمان، وقد اقتسم أهل السهمان سهمانهم وصار لكل واحد سهم معلوم. قوله: (فلما ولي عمر قسم خيبر) يعني قسمها بين المستحقين وسلم إليهم نفس الأرض حين أخذها من اليهود حين أجلاهم عنها. قوله: (فأجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء) هما ممدودتان وهما قريتان معروفتان، وفي هذا دليل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب إخراجهم من بعضها وهو الحجاز خاصة لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز والله أعلم
*2* باب وضع الجوائح
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنّ أَبَا الزّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنْ بَعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَراً". ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَراً، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلاَ يَحِلّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَق؟".
وحدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النّخْلِ حَتّىَ تَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرّ وَتَصْفَرّ، أَرَأَيْتَكَ إنْ مَنَعَ اللّهُ الثّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلّ مَالَ أَخِيكَ؟.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ بَيْعِ الثّمَرَةِ حَتّىَ تُزْهِيَ قَالُوا: وَمَا تُزْهِيَ؟ قَالَ: تَحْمَرّ. فَقَالَ: إذَا مَنَعَ اللّهُ الثّمَرَةَ، فَبِمَ تَسْتَحِلّ مَالَ أَخِيكَ؟.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللّهُ، فَبِمَ يَسْتَحِلّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟".
حدّثنا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَ عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ الْعَلاَءِ (وَاللّفْظُ لِبِشْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَقَ (وَهُوَ صَاحِبُ مُسْلِمٍ): حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة"وفي رواية: "لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة". وفي رواية: "إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة" في هذه الأحاديث فضيلة الغرس وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغراس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة. وقد اختلف العلماء في أطيب المكاسب وأفضلها فقيل التجارة وقيل الصنعة باليد وقيل الزراعة وهو الصحيح، وقد بسطت إيضاحه في آخر باب الأطعمة من شرح المهذب. وفي هذه الأحاديث أيضاً أن الثواب والأجر في الاَخرة مختص بالمسلمين، وأن الإنسان يثاب على ما سرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر ونحوهما. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يرزؤه" هو براء ثم زاي بعدها همزة أي ينقصه ويأخذ منه. قوله في رواية الليث: "عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر الأنصاري في نخل لها" هكذا هو في أكثر النسخ دخل على أم مبشر، وفي بعضها دخل على أم معبد أو أم مبشر، قال الحافظ: المعروف في رواية الليث مبشر بلا شك، ووقع في رواية غيره أم معبد كما ذكره مسلم بعد هذه الرواية، ويقال فيها أيضاً أم بشير، فحصل أنها يقال لها أم مبشر وأم معبد وأم بشير، قيل اسمها الخليدة بضم الخاء ولم يصح وهي امرأة زيد بن حارثة أسلمت وبايعت. قوله: (حدثنا أحمد بن سعيد بن إبراهيم، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا زكريا بن إسحاق أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله) قال أبو مسعود الدمشقي: هكذا وقع في نسخ مسلم في هذا الحديث عمرو بن دينار والمعروف فيه أبو الزبير عن جابر. قوله: (عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر زاد عمرو في روايته عن عمار وأبو بكر في روايته عن أبي معاوية فقالا عن أم مبشر) إلى آخره هكذا وقع في نسخ مسلم وأبو بكر، ووقع في بعضها وأبو كريب بدل أبي بكر، قال القاضي: قال بعضهم الصواب أبو كريب لأن أول الإسناد لأبي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث ولأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم عن أبي معاوية، فالراوي عن أبي معاوية هو أبو كريب لا أبو بكر وهذا واضح وبين والله تعالى أعلم.
*2* باب استحباب الوضع من الدين
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَصَدّقُوا عَلَيْهِ" فَتَصَدّقَ النّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلاّ ذَلِكَ".
م 1 (...) حدّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجّ بهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثني غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدّثَنِي أَخِي: عَنْ سُلَيْمَانَ (وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ)، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الرّجَالِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أُمّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُمَا، وَإذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الاَخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ. وَهُوَ يَقُولُ: وَاللّهِ لاَ أَفْعَلُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا. فَقَالَ "أَيْنَ الْمُتَأَلّي عَلَى اللّهِ لاَ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟" قَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللّهِ فَلَهُ أَيّ ذَلِكَ أَحَبّ.
حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخُبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْناً كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتّىَ سَمِعَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ. وَنَادَىَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ. فَقَالَ: "يَا كَعْبُ"! فَقَالَ: لَبّيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "قُمْ فَاقْضِهِ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ تَقَاضَىَ دَيْناً لَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَى اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبَيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيّ، فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ، فَتَكَلّمَا حَتّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرّ بِهِمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "يَا كَعْبُ" فَأَشَارَ بِيَدِهِ، كَأَنّهُ يَقُولُ النّصْفَ. فَأَخَذَ نِصْفاً مِمّا عَلَيْهِ. وَتَرَكَ نِصْفاً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق".
وفي رواية عن أنس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهو فقلنا لأنس ما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر أرأيتك إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك". وفي رواية عن أنس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟" وعن جابر: (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح) وعن أبي سعيد قال: "أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" اختلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بدو الصلاح وسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية هل تكون من ضمان البائع أو المشتري؟ فقال الشافعي في أصح قوليه وأبو حنيفة والليث بن سعد وآخرون: هي في ضمان المشتري ولا يجب وضع الجائحة لكن يستحب. وقال الشافعي في القديم وطائفة: هي في ضمان البائع ويجب وضع الجائحة. وقال مالك: إن كانت دون الثلث لم يجب وضعها، وإن كانت الثلث فأكثر وجب وضعها وكانت من ضمان البائع، واحتح القائلون بوضعها بقوله: أمر بوضع الجوائح، وبقوله صلى الله عليه وسلم: فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً. ولأنها في معنى الباقية في يد البائع من حيث أنه يلزمه سقيها فكأنها تلفت قبل القبض فكانت من ضمان البائع، واحتج القائلون بأنه لا يجب وضعها بقوله في الرواية الأخرى في ثمار ابتاعها فكثر دينه فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالصدقة عليه ودفعه إلى غرمائه، فلو كانت توضع لم يفتقر إلا ذلك، وحملوا الأمر بوضع الجوائح على الاستحباب أو فيما بيع قبل بدو الصلاح، وقد أشار في بعض هذه الروايات التي ذكرناها إلى شيء من هذا، وأجاب الأولون عن قوله فكثر دينه إلى آخره بأنه يحتمل أنها تلفت بعد أوان الجذاذ، وتفريط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر فإنها حينئذ تكون من ضمان المشتري، قالوا: ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: ليس لكم إلا ذلك، ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الدين، وأجاب الاَخرون عن هذا بأن معناه ليس لكم الاَن إلا هذا ولا تحل لكم مطالبته ما دام معسراً بل ينظر إلى ميسرة والله أعلم. وفي الرواية الأخيرة التعاون على البر والتقوى ومواساة المحتاج ومن عليه دين والحط على الصدقة عليه، وأن المعسر لا تحل مطالبته ولا ملازمته ولا سجنه، وبه قال الشافعي ومالك وجمهورهم. وحكى عن ابن شريح حبسه حتى يقضي الدين وإن كانت قد ثبت إعساره. وعن أبي حنيفة ملازمته وفيه أن يسلم إلى الغرماء جميع مال المفلس ما لم يقض دينهم ولا يترك للمفلس سوى ثيابه ونحوها، وهذا المفلس المذكور قيل: هو معاذ بن جبل رضي الله عنه. قوله: (حدثني محمد بن عباد حدثنا عبد العزيز بن محمد عن حميد عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟) قال الدارقطني: هذا وهم من محمد بن عباد أو من عبد العزيز في حال إسماعه محمداً لأن إبراهيم بن حمزة سمعه من عبد العزيز مفصولاً مبيناً أنه من كلام أنس وهو الصواب وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فأسقط محمد بن عباد كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتى بكلام أنس وجعله مرفوعاً وهو خطأ. قوله: (قال أبو إسحاق حدثني عبد الرحمن بن بشر عن سفيان بهذا) أبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن محمد بن سفيان روى هذا الكتاب عن مسلم ومراده أنه علا برجل فصار في رواية هذا الحديث كشيخه مسلم بينه وبين سفيان بن عيينة واحد فقط والله أعلم
*2* باب من أدرك ما باعه عند المشتري، وقد أفلس، فله الرجوع فيه
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ: حَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ. أخبرني أَبو بَكْرِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أنّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَنْ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم (أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ) "مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ (أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ) فَهُوَ أَحَقّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعاً عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ وَ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ وَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، كُلّ هَؤُلاَءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ زُهيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ رُمْحٍ، مِنْ بَيْنِهِمْ فِي رِوَايَتِهِ: أَيّمَا امْرِئٍ فُلّسَ.
وحدّثني ابنُ أَبِي عُمَرَ، عن هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ (وَهُوَ ابْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيّ)، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدّثَهُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الرّجُلِ الّذِي يُعْدِمُ، إذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرّقْهُ "أَنّهُ لِصَاحِبِهِ الّذِي بَاعَهُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا أَفْلَسَ الرّجُلُ، فَوَجَدَ الرّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقّ بِهِ".
وحدّثني زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدّثَنَا سَعِيدٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَيْضاً: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبِي كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، وَقَالاَ "فَهُوَ أَحَقّ بِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيّ (قَالَ حَجّاجٌ حَدّثَنَا: مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ): أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا أَفْلَسَ الرّجُلُ، فَوَجَدَ الرّجُلُ عِنْدَهُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا، فَهُوَ أَحَقّ بِهَا".
قوله: (وحدثني غير واحد من أصحابنا قالوا حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال وحدثني أخي) قال جماعة من الحفاظ: هذا أحد الأحاديث المقطوعة في صحيح مسلم وهي اثنا عشر حديثاً سبق بيانها في الفصول المذكورة في مقدمة هذا الشرح، لأن مسلماً لم ينكر من سمع منه هذا الحديث. قال القاضي: إذا قال الراوي حدثني غير واحد أو حدثني الثقة أو حدثني بعض أصحابنا ليس هو من المقطوع ولا من المرسل ولا من المعضل عند أهل هذا الفن، بل هو من باب الرواية عن المجهول، وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب، لكن كيف كان فلا يحتج بهذا المتن من هذه الرواية لو لم يثبت من طريق آخر ولكن قد ثبت من طريق آخر فقد رواه البخاري في صحيحه عن إسماعيل بن أبي أويس، ولعل مسلماً أراد بقوله غير واحد البخاري وغيره، وقد حدث مسلم عن إسماعيل هذا من غير واسطة في كتاب الحج وفي آخر كتاب الجهاد. وروى مسلم أيضاً عن أحمد بن يوسف الأزدي عن إسماعيل في كتاب اللعان وفي كتاب الفضائل والله أعلم. قوله: "وفي هذا الباب قال مسلم بن الحجاج روى الليث بن سعد قال: حدثني جعفر بن ربيعة" هذا أحد الأحاديث المقطوعة في صحيح مسلم ويسمى معلقاً، وسبق في التيمم مثله بهذا الإسناد، وهذا الحديث المذكور هنا متصل عن الليث رواه البخاري في صحيحه عن يحيى بن بكير عن الليث عن جعفر بن ربيعة بإسناده المذكور هنا، ورواه النسائي عن الربيع بن سليمان عن شعيب بن الليث عن أبيه عن جعفر ابن ربيعة. قوله: (وإذا أحدهما يستوضع الاَخر ويسترفقه) أي يطلب منه أن يضع عنه بعض الدين ويرفق به في الاستيفاء والمطالبة، وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بمثل هذا، ولكن بشرط أن لا ينتهي إلى الإلحاح وإهانة النفس أو الإيذاء ونحو ذلك إلا من ضرورة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟ قال: أنا يا رسول الله وله" أي ذلك أحب المتألي الحالف والألية اليمين، وفي هذا كراهة الحلف على ترك الخير وإنكار ذلك، وأنه يستحب لمن حلف لا يفعل خيراً أن يحنث فيكفر عن يمينه، وفيه الشفاعة إلى أصحاب الحقوق وقبول الشفاعة في الخير.
قوله: (تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهم) معنى تقاضاه طالبه به وأراد قضاه، وحدرد بفتح الحاء والراء، وفي هذا الحديث جواز المطالبة بالدين في المسجد والشفاعة إلى صاحب الحق والإصلاح بين الخصوم وحسن التوسط بينهم وقبول الشفاعة في غير معصية وجواز الإشارة واعتمادها لقوله فأشار إليه بيده أن ضع الشطر. قوله: (كشف سجف حجرته) هو بكسر السين وفتحها لغتان وإسكان الجيم والله أعلم
*2* باب فضل إنظار المعسر
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ: حَدّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ أَنّ حُذَيْفَةَ حَدّثَهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَلَقّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئاً؟ قَالَ: لاَ. قَالُوا: تَذَكّرْ. قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النّاسَ، فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَالَ: قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: تَجَوّزُوا عَنْهُ".
حدّثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ و إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ حُجْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: "رَجُلٌ لَقِيَ رَبّهُ فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنَ الْخَيْرِ، إلاّ أَنّي كُنْتُ رَجُلاً ذَا مَالٍ. فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النّاسَ، فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْسُورِ. فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي" قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَنّ رَجُلاً مَاتَ فَدَخَلَ الْجَنّةَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْمَلُ؟ (قَالَ: فَإِمّا ذَكَرَ وَإِمّا ذُكّرَ) فَقَالَ: إنّي كُنْتُ أُبَايِعُ النّاسَ، فَكُنْتُ أُنْظِرُ الْمُعْسِرَ وَأَتَجَوّزُ فِي السّكّةِ أَوْ النّقْدِ. فَغُفِرَ لَهُ" فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ: حَدّثَنَا عن أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَر، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "أُتِيَ اللّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ، آتَاهُ اللّهُ مَالاً، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدّنْيَا؟ (قَالَ: وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً) قَالَ: يَا رَبّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسّرُ عَلَىَ الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَالَ اللّهُ: أَنَا أَحَقّ بِذَا مِنْكَ. تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي".
فقالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ: هَكَذَا سَمِعْنَا ذلك مِنْ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَيَ) (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ. إلاّ أَنّهُ كَانَ يُخَالِطُ النّاسَ، وَكَانَ مُوسِراً، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، قَالَ: قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: نَحْنُ أَحَقّ بِذَلِكَ مِنْهُ. تَجَاوَزُوا عَنْهُ".
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ (قَالَ مَنْصُورٌ: حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعْدٍ، عَنِ الزّهْرِيّ. وَقَالَ ابنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ (وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النّاسَ. فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِراً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ. لَعَلّ اللّهَ يَتَجَاوَزُ عَنّا. فَلَقِيَ اللّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنّ عُبيْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَبُو الْهَيْثَمِ خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ عَجْلاَنَ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيماً لَهُ فَتَوَارَىَ عَنْهُ، ثُمّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إنّي مُعْسِرٌ. فَقَالَ: آللّهِ؟ قَالَ: آللّهِ. قَالَ: فَإنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ".
وحدّثنيهِ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي جرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيّوبَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله: (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا يحيى بن سعيد أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز أخبره أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول) هذا الإسناد فيه أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو بكر بن محمد بن عمرو، وعمر، وأبو بكر بن عبد الرحمن، ولهذا نظائر سبقت. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره" وفي رواية: "عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه" اختلف العلماء فيمن اشترى سلعة فأفلس أو مات قبل أن يؤدي ثمنها ولا وفاء عنده وكانت السلعة باقية بحالها فقال الشافعي وطائفة: بائعها بالخيار إن شاء تركها وضارب مع الغرماء بثمنها، وإن شاء رجع فيها بعينها في صورة الإفلاس والموت. وقال أبو حنيفة: لا يجوز له الرجوع فيها بل تتعين المضاربة. وقال مالك: يرجع في صورة الإفلاس ويضارب في الموت. واحتج الشافعي بهذه الأحاديث مع حديثه في الموت في سنن أبي داود وغيره، وتأولها أبو حنيفة تأويلات ضعيفة مردودة وتعلق بشيء يروى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وليس بثابت عنهما. قوله: (حدثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس ثم قال: وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعيد) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا في الإسناد الأول شعبة بضم الشين المعجمة وهو شعبة بن الحجاج، وفي الثاني سعيد بفتح السين المهملة وهو سعيد بن أبي عروبة، وكذا نقله القاضي عن رواية الجلودي، قال: ووقع في رواية ابن ماهان في الثاني شعبة أيضاً بضم الشين المعجمة، قال: والصواب الأول. قوله: (وحدثني وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف وحجاج بن الشاعر قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي قال حجاج بن الشاعر قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي قال حجاج منصور بن سلمة قال: أخبرنا سليمان بن بلال) هكذا هو في معظم نسخ بلادنا وأصولهم المحققة قال حجاج منصور بن سلمة، ومعناه أن أبا سلمة الخزاعي هذا اسمه منصور بن سلمة فذكره محمد بن أحمد بن أبي خلف بكنيته وذكره حجاج باسمه وهذا صحيح، وذكر القاضي عياض أنه وقع في معظم بلادهم ولعامة رواتهم قال حجاج: حدثنا منصور بن سلمة فزاد لفظة حدثنا، قال القاضي: والصواب حذف لفظة حدثنا كما وقع لبعض الرواة، قال: ويمكن تأويل هذا الثاني على موافقة الأول على أن المراد أن محمد بن أحمد كناه وحجاج سماه
*2* باب تحريم مطل الغنيّ. وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على ملي
* حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَطْلُ الْغَنِيّ ظُلْمٌ وَإذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَىَ مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونَسَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ، قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بِنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
قوله: "كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر" قال الله: تجوزوا عنه. وفي رواية: "كنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور". وفي رواية: "كنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد". وفي رواية: "وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر". فقوله فتياني معناه غلماني كما صرح به في الرواية الأخرى، والتجاوز والتجوز معناهما المسامحة في إِلاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير كما قال: وأتجوز في السكة. وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه إما كل الدين وإما بعضه من كثير أو قليل، وفضل المسامحة في إِلاقتضاء وفي الاستيفاء، سواء استوفى من موسر أو معسر وفضل الوضع من الدين وأنه لا يحتقر شيء من أفعال الخير فلعله سبب السعادة والرحمة. وفيه جواز توكيل العبيد والإذن لهم في التصرف، وهذا على قول من يقول شرع من قبلنا شرع لنا. قوله: (الميسور والمعسور) أي آخذ ما تيسر وأسامح بما تعسر. قوله: (حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن سعد بن طارق عن ربعي بن حراش عن حذيفة) ثم قال في آخر الحديث: (فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في جميع النسخ فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود، قال الحفاظ: هذا الحديث إنما هو محفوظ لأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري وحده، وليس لعقبة ابن عامر فيه رواية، قال الدارقطني: والوهم في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر، قال: وصوابه عقبة بن عمر وأبو مسعود الأنصاري، كذا رواه أصحاب أبي مالك سعد بن طارق وتابعهم نعيم بن أبي هند وعبد الملك بن عمير ومنصور وغيرهم عن ربعي عن حذيفة فقالوا في آخر الحديث: فقال عقبة بن عمر وأبو مسعود، وقد ذكر مسلم في هذا الباب حديث منصور ونعيم وعبد الملك والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر" كرب بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة، ومعنى ينفس أي يمد ويؤخر المطالبة، وقيل معناه يفرج عنه والله أعلم.
*2* باب تحريم فضل بيع الماء الذي يكون بالفلاة ويحتاج إليه لرعي الكلأ، وتحريم منع بذله. وتحريم بيع ضراب الفحل
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: جَمِيعاً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَالأَرْضِ لِتُحْرَثَ. فَعَنْ ذَلِكَ نَهَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا لَيْثٌ: كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلةُ (وَاللّفْظُ لِحَرْمَلَةَ). أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلأَ".
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضّحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخّبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَنّ هِلاَلَ بْنَ أُسَامَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَا سَلَمَة بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلأُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم" قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه، فمطل الغني ظلم وحرام، ومطل غير الغني ليس بظلم ولا حرام لمفهوم الحديث ولأنه معذور ولو كان غنياً ولكنه ليس متمكناً من الأداء لغيبة المال أو لغير ذلك جاز له التأخير إلى الإمكان، وهذا مخصوص من مطل الغني، أو يقال: المراد بالغني المتمكن من الأداء فلا يدخل هذا فيه، قال بعضهم: وفيه دلالة لمذهب مالك والشافعي والجمهور أن المعسر لا يحل حبسه ولا ملازمته ولا مطالبته حتى يوسر وقد سبقت المسألة في باب المفلس، وقد اختلف أصحاب مالك وغيرهم في أن المماطل هل يفسق وترد شهادته بمطله مرة واحدة أم لا ترد شهادته حتى يتكرر ذلك منه ويصير عادة؟ ومقتضى مذهبنا اشتراط التكرار. وجاء في الحديث الاَخر في غير مسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. اللي بفتح اللام وتشديد الياء وهو المطل، والواجد بالجيم الموسر، قال العلماء: يحل عرضه بأن يقول: ظلمني ومطلني وعقوبته الحبس والتعزير. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أتبع أحدكم على ملي، فليتبع" هو بإسكان التاء في أتبع وفي فليتبع مثل أخرج فليخرج هذا هو الصواب المشهور في الروايات والمعروف في كتب اللغة وكتب غريب الحديث، ونقل القاضي وغيره عن بعض المحدثين أنه يشددها في الكلمة الثانية والصواب الأول ومعناه إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليحتل، يقال منه تبعت الرجل لحقي أتبعه تباعة فأنا تبع وإذا طلبته، قال الله تعالى: {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً} ثم مذهب أصحابنا والجمهور أنه إذا أحيل على ملي استحب له قبول الحوالة وحملوا الحديث على الندب، وقال بعض العلماء: القبول مباح لا مندوب، وقال بعضهم واجب لظاهر الأمر وهو مذهب داود الظاهري وغيره
*2* باب تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغيّ. والنهي عن بيع السنور
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وَفِي حَدِيثِ اللّيْثِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا مَسْعُودٍ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يُوسُف قَالَ: سَمِعْتُ السّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يُحَدّثُ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "شَرّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجّامِ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِير: حَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ قَارِظٍ عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: حَدّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجّامِ خَبِيثٌ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: حَدّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: حَدّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ: حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِراً عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسّنّوْرِ؟ قَالَ: زَجَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ.
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء). وفي رواية: (عن بيع ضراب الجمل وعن بيع الماء والأرض لتحرث).
وفي رواية: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ). وفي رواية: (لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ). أما النهي عن بيع فضل الماء ليمنع بها الكلأ فمعناه أن تكون لإنسان بئر مملوكة له بالفلاة وفيها ماء فاضل عن حاجته ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذه، فلا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا حصل لهم السقي من هذه البئر فيحرم عليه منع فضل هذا الماء للماشية ويجب بذله لها بلا عوض لأنه إذا منع بذله امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ خوفاً على مواشيهم من العط ويكون بمنعه الماء مانعاً من رعي الكلأ. وأما الرواية الأولى نهى عن بيع فضل الماء فهي محمولة على هذه الثانية التي فيها ليمنع به الكلأ ويحتمل أنه في غيره ويكون نهي تنزيه، قال أصحابنا: يجب بذل فضل الماء بالفلاة كما ذكرناه بشروط: أحدها أن لا يكون ماء آخر يستغني به. والثاني أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع. والثالث أن لا يكون مالكه محتاجاً إليه. واعلم أن المذهب الصحيح أن من تبع في ملكه ماء صار مملوكاً له، وقال بعض أصحابنا لا يملكه، أما إذا أخذ الماء في إناء من الماء المباح فإنه يملكه هذا هو الصواب، وقد نقل بعضهم الإجماع عليه، وقال بعض أصحابنا لا يملكه بل يكون أخص به وهذا غلط ظاهر، وأما قوله لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ فمعناه أنه إذا كان فضل ماء بالفلاة كما ذكرنا وهناك كلأ لا يمكن رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي الماشية من هذا الماء، فيجب عليه بذل هذا الماء للماشية بلا عوض ويحرم عليه بيعه، لأنه إذا باع الكلأ المباح للناس كلهم الذي ليس مملوكاً لهذا البائع، وسبب ذلك أن أصحاب الماشية لم يبذلوا الثمن في الماء لمجرد إرادة الماء بل ليتوصلوا به إلى رعي الكلأ فمقصودهم تحصيل الكلأ فصار ببيع الماء كأنه باع الكلأ والله أعلم. قال أهل اللغة: الكلأ مهموز مقصور هو النبات سواء كان رطباً أو يابساً، وأما الحشي والهشيم فهو مختص باليابس، وأما الخلى فمقصور غير مهموز، والعشب مختص بالرطب ويقال له أيضاً الرطب بضم الراء وإسكان الطاء. قوله: (نهى عن بيع الأرض لتحرث) معناه نهى عن إجارتها للزرع، وقد سبقت المسألة واضحة في باب كراء الأرض، وذكرنا أن الجمهور يجوزون إجارتها بالدراهم والثياب ونحوها، ويتأولون النهي تأويلين: أحدهما أنه نهي تنزيه ليعتادوا إعارتها وإرفاق بعضهم بعضاً. والثاني أنه محمول على إجارتها على أن يكون لمالكها قطعة معينة من الزرع، وحمله القائلون بمنع المزارعة على إجارتها بجزء مما يخرج منها والله أعلم. قوله: (نهى عن ضراب الجمل) معناه عن أجرة ضرابه وهو عسب الفجل المذكور في حديث آخر وهو بفتح العين وإسكان السين المهملتين وبالباء الموحدة، وقد اختلف العلماء في إجارة الفحل وغيره من الدواب للضراب فقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور وآخرون: استئجاره لذلك باطل وحرام ولا يستحق فيه عوض، ولو أنزاه المستأجر لا يلزمه المسمى من أجرة ولا أجرة مثل ولا شيء من الأموال، قالوا: لأنه غرر مجهول وغير مقدور على تسليمه. وقال جماعة من الصحابة والتابعين ومالك وآخرون: يجوز استئجاره لضراب مدة معلومة أو لضربات معلومة لأن الحاجة تدعو إليه وهي منفعة مقصودة، وحملوا النهي على التنزيه والحث على مكارم الأخلاق كما حملوا عليه ما قرنه به من النهي عن إجارة الأرض والله أعلم
*2* باب الأمر بقتل الكلاب. وبيان نسخه. وبيان تحريم اقتنائها، إلا لصيد أو زرع أوْ ماشية ونحو ذلك
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ، فَأَرْسَلَ فِي أَقْطَارِ الْمَدِينَةِ أَنْ تُقْتَلَ.
وحدّثني حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ: حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضّلِ): حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ أُمَيّةَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ، فَنَنْبَعِثُ فِي الْمَدِينَةِ وَأَطْرَافِهَا فَلاَ نَدَعُ كَلْباً إلاّ قَتَلْنَاهُ، حَتّىَ إنّا لَنَقْتُلُ كَلْبَ الْمُرَيّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، يَتْبَعُهَا.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ. إلاّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ. فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: إنّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنّ لأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعاً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ: حَدّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ، حَتّىَ إنّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمّ نَهَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا. وَقَالَ "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النّقْطَتَيْنِ. فَإنّهُ شَيْطَانٌ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التّيّاحِ سَمِعَ مطَرّفَ ابْنَ عَبْدِ اللّهِ عَنِ ابْنِ الْمُغَفّلِ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ، ثُمّ قَالَ: "مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلاَبِ؟" ثُمّ رَخّصَ فِي كَلْبِ الصّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ.
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ: حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا النّضْرُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ يَحْيَىَ: وَرَخّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصّيْدِ وَالزّرْعِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقْتَنَىَ كَلْباً إلاّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِي نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنِ اقْتَنَىَ كَلْباً، إِلاّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنِ اقْتَنَىَ كَلْباً إلاّ كَلْبَ ضَارِيَةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مُحَمّدٍ) (وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنِ اقْتَنَىَ كَلْباً إلاّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ".
قَالَ عَبْدُ اللّهِ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنِ اقْتَنَىَ كَلْباً إِلاّ كَلْبَ ضَارٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ".
قَالَ سَالِمٌ: وَكاَنَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ" وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ.
حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ: حَدّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَيّمَا أَهْلِ دَارٍ اتّخَذُوا كَلْباً إلاّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنِ اتّخَذَ كَلْباً إِلاّ كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ، يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حرْمَلَةُ قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنِ اقْتَنَىَ كَلْباً لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلاَ مَاشِيَةٍ وَلاَ أَرْضٍ، فَإِنّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ، كُلّ يَوْمٍ".
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي الطّاهِرِ "وَلاَ أَرْضٍ".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اتّخَذَ كَلْباً، إِلاّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ".
قَالَ الزّهْرِيّ: فَذُكِرَ لاِبْنِ عُمَرَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: يَرْحَمُ اللّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْب: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدّثَنَا هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَمْسَكَ كَلْباً فَإِنّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ، إِلاّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ: حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ: حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ: حَدّثَنَا حَرْبٌ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ: حَدّثَنَا أَبُو رَزِينٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنِ اتّخَذَ كَلْباً لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلاَ غَنَمٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنّ السّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرهُ أَنّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ (وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شَنُوءَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَىَ كَلْباً لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعاً وَلاَ ضَرْعاً، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ" قَالَ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِي، وَرَبّ هَذَا الْمَسْجِدِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ: أَخْبَرَنِي السّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنّهُ وَفَدَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهيْرٍ الشّنِئِىّ. فَقَالَ: قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن).
وفي الحديث الاَخر (شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام). وفي رواية: "ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث".
وفي الحديث الاَخر: (سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور فقال: زجر النبيّ صلى الله عليه وسلم عنه) أما مهر البغي فهو ما تأخذه الزانية عى الزنا، وسماه مهراً لكونه على صورته وهو حرام بإجماع المسلمين، وأما حلوان الكاهن فهو ما يعطاه على كهانته يقال منه حلوته حلواناً إذا أعطيته، قال الهروي وغيره: أصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذه سهلاً بلا كلفة ولا في مقابلة مشقة، يقال حلوته إذا أطعمته الحلو، كما يقال عسلته إذا أطعمته العسل. قال أبو عبيد: ويطلق الحلوان أيضاً على غير هذا وهو أن يأخذ الرجل مهر ابنته لنفسه وذلك عيب عند النساء، قالت امرأة تمدح زوجها: لا يأخذ الحلوان عن بناتنا. قال البغوي من أصحابنا والقاضي عياض: أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن لأنه عوض عن محرم ولأنه أكل المال بالباطل، وكذلك أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء والنائحة للنوح، وأما الذي جاء في غير صحيح مسلم من النهي عن كسب الإماء فالمراد به كسبهن بالزنا وشبهه لا بالغزل والخياطة ونحوهما. وقال الخطابي: قال ابن الأعرابي ويقال حلوان الكاهن الشنع والصهميم. قال الخطابي: وحلوان العراف أيضاً حرام، قال: والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، والعراف هو الذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما من الأمور، هكذا ذكره الخطابي في معالم السنن في كتاب البيوع، ثم ذكره في آخر الكتاب أبسط من هذا فقال: إن الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن، قال: وكان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور، فمنهم من يزعم أن له رفقاء من الجن وتابعة تلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه، وكان منهم من يسمى عرافاً وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها كالشيء يسرق فيعرف المظنون به السرقة وتتهم المرأة بالريبة فيعرف من صاحبها ونحو ذلك من الأمور، ومنهم من كان يسمي المنجم كاهناً، قال: وحديث النهي عن إتيان الكهان يشتمل على النهي عن هؤلاء كلهم وعلى النهي عن تصديقهم والرجوع إلى قولهم، ومنهم من كان يدعو الطبيب كاهناً وربما سموه عرافاً فهذا غير داخل في النهي، هذا آخر كلام الخطابي. قال الإمام أبو الحسن الماوردي من أصحابنا في آخر كتابه الأحكام السلطانية: ويمنع المحتسب من يكتسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه الاَخذ والمعطي والله أعلم. وأما النهي عن ثمن الكلب وكونه من شر الكسب وكونه خبيثاً فيدل على تحريم بيعه وأنه لا يصح بيعه ولا يحل ثمنه ولا قيمة على متلفه سواء كان معلماً أم لا، وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا، وبهذا قال جماهير العلماء منهم أبو هريرة والحسن البصري وربيعة والأوزاعي والحكم وحماد والشافعي وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم. وقال أبو حنيفة: يصح بيع الكلاب التي فيها منفعة وتجب القيمة على متلفها. وحكى ابن المنذر عن جابر وعطاء والنخعي جواز بيع كلب الصيد دون غيره. وعن مالك روايات: إحداها لا يجوز بيعه ولكن تجب القيمة على متلفه. والثانية يصح بيعه وتجب القيمة. والثالثة لا يصح ولا تجب القيمة على متلفه، دليل الجمهور هذه الأحاديث. وأما الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب إلا كلب صيد وفي رواية إلا كلباً ضارياً وأن عثمان غرم إنساناً ثمن كلب قتله عشرين بعيراً، وعن ابن عمرو بن العاص التغريم في إتلافه فكلها ضعيفة باتفاق أئمة الحديث، وقد أوضحتها في شرح المهذب في باب ما يجوز بيعه، وأما كسب الحجام وكونه خبيثاً ومن شر الكسب ففيه دليل لمن يقول بتحريمه، وقد اختلف العلماء في كسب الحجام فقال الأكثرون من السلف والخلف: لا يحرم كسب الحجام ولا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد وهو المشهور من مذهب أحمد.
وقال في رواية عنه قال بها فقهاء المحدثين: يحرم على الحر دون العبد، واعتمدوا هذه الأحاديث وشبهها، واحتج الجمهور بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره قالوا: ولو كان حراماً لم يعطه، رواه البخاري ومسلم، وحملوا هذه الأحاديث التي في النهي على التنزيه وإِلارتفاع عن دنيء الإكساب والحث على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، ولو كان حراماً لم يفرق فيه بين الحر والعبد، فإنه لا يجوز للرجل أن يطعم عبده ما لا يحل، وأما النهي عن ثمن السنور فهو محمول على أنه لا ينفع أو على أنه نهي تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته والسماحة به كما هو الغالب، فإن كان مما ينفع وباعه صح البيع وكان ثمنه حلالاً، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكى ابن المنذر وعن أبي هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد أنه لا يجوز بيعه واحتجوا بالحديث، وأجاب الجمهور عنه بأنه محمول على ما ذكرناه فهذا هو الجواب المعتمد، وأما ما ذكره الخطابي وأبو عمرو بن عبد البر من أن الحديث في النهي عنه ضعيف فليس كما قالا بل الحديث صحيح رواه مسلم وغيره، وقول ابن عبد البر أنه لم يروه عن أبي الزبير غير حماد بن سلمة غلط منه أيضاً لأن مسلماً قد رواه في صحيحه كما تروى من رواية معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير فهذا ثقتان روياه عن أبي الزبير وهو ثقة أيضاً والله أعلم
*2* باب حل أجرة الحجامة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجّامُ؟ فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ لله صلى الله عليه وسلم. حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. وَقَالَ: "إنّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَاريّ) عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجّامِ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "إنّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيّ، وَلاَ تُعَذّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ: حَدّثَنَا شَبَابَةُ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَساً يَقُولُ: دَعَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم غُلاَماً لَنَا حَجّاماً، فَحَجَمَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْن بِصَاعٍ أَوْ مُدَ أَوْ مُدّيْنِ. وَكَلّمَ فِيهِ. فَخُفّفَ عَنْ ضَرِيبَتِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيّ، كِلاَهُمَا عَنْ وُهَيْبٍ: حَدّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجّامَ أَجْرَهُ، وَاسْتَعَطَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (وَاللّفْظُ لِعَبْدٍ). قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: حَجَمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ، فَأَعْطَاهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَجْرَهُ، وَكَلّمَ سَيّدَهُ فَخَفّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ. وَلَوْ كَانَ سُحْتاً لَمْ يُعْطِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب). وفي رواية: (أمر بقتل الكلاب فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل). وفي رواية: (أنه كان يأمر بقتل الكلاب فتتبعت في المدينة وأطرافها فلا ندع كلباً إلا قتلناه حتى إنا لنقتل كلب المرية من أهل البادية يتبعها) وفي رواية: "أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع، فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعاً وفي رواية جابر: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان وفي رواية ابن المفضل قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم) وفي رواية له: (في كلب الغنم والصيد والزرع) وفي حديث ابن عمر: "من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم قيراطان". وفي رواية: (ينقص من أجره كل يوم قيراط). وفي رواية أبي هريرة: (من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم) وفي رواية له: (انتقص من أجره كل يوم قيراط) وفي رواية سفيان بن أبي زهير: (من اقتنى كلباً لا يغنى عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط). أجمع العلماء على قتل الكلب الكلب والكلب العقور، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين من أصحابنا: أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أولاً بقتلها كلها ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره، ويستدل لما ذكره بحديث ابن المغفل. وقال القاضي عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب إلا ما استثنى من كلب الصيد وغيره قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه، قال: واختلف القائلون بهذا هل كلب الصيد ونحوه منسوخ من العموم الأول في الحكم بقتل الكلاب وأن القتل كان عاماً في الجميع أم كان مخصوصاً بما سوى ذلك؟ قال: وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها ونسخ الأمر بقتلها والنهي عن اقتنائها إلا الأسود البهيم. قال القاضي: وعندي أن النهي أولاً كان نهياً عاماً عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود، ومنع إِلاقتناء في جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن المغفل مخصوصاً بما سوى الأسود لأنه عام فيخص منه الأسود بالحديث الاَخر. وأما اقتناء الكلاب فمذهبنا أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية، وهل يجوز لحفظ الدور والدروب ونحوها؟ فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لظواهر الأحاديث فإنها مصرحة بالنهي إلا لزرع أو صيد أو ماشية وأصحها يجوز قياساً على الثلاثة عملاً بالعلة المفهومة من الأحاديث وهي الحاجة. وهل يجوز اقتناء الجرو وتربيته للصيد أو الزرع أو الماشية؟ فيه وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه.
قوله: (قال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعاً) وقال سالم في الرواية الأخرى: (وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث) قال العلماء: ليس هذا توهيناً لرواية أبي هريرة ولا شكاً فيها، بل معناه أنه لما كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقنه، والعادة أن المبتلي بشيء يتقنه ما لا يتقنه غيره ويتعرف من أحكامه ما لا يعرفه غيره، وقد ذكر مسلم هذه الزيادة وهي اتخاذه للزرع من رواية ابن المغفل ومن رواية سفيان بن أبي زهير عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكرها أيضاً مسلم من رواية ابن الحكم واسمه عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي عن ابن عمر فيحتمل أن ابن عمر لما سمعها من أبي هريرة وتحققها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم رواها عنه بعد ذلك وزادها في حديثه الذي كان يرويه بدونها، ويحتمل أنه تذكر في وقت أنه سمعها من النبيّ صلى الله عليه وسلم فرواها ونسيها في وقت فتركها. والحاصل أن أبا هريرة ليس منفرداً بهذه الزيادة بل وافقه جماعة من الصحابة في روايتها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولو انفرد بها لكانت مقبولة مرضية مكرمة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "بالأسود البهيم ذي النقطتين" فإنه شيطان معنى البهيم الخالص السواد، وأما النقطتان فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه وهذا مشاهد معروف. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه شيطان" احتج به أحمد بن حنبل وبعض أصحابنا في أنه لا يجوز صيد الكلب الأسود البهيم ولا يحل إذا قتله لأنه شيطان وإنما حل صيد الكلب، وقال الشافعي ومالك وجماهير العلماء: يحل صيد الكلب الأسود كغيره، وليس المراد بالحديث إخراجه عن جنس الكلاب ولهذا لو ولغ في إناء وغيره وجب غسله كما يغسل من ولوغ الكلب الأبيض.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بالهم وبال الكلاب" أي ما شأنهم أي ليتركوها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو ضاري" هكذا هو في معظم النسخ ضاري بالياء، وفي بعضها ضارياً بالألف بعد الياء منصوباً، وفي الرواية الثانية. (من اقتنى كلباً إلا كلب ضارية" وذكر القاضي أن الأول روى ضاري بالياء وضار بحذفها وضارياً، فأما ضارياً فهو ظاهر الإعراب، وأما ضاري وضار فهما مجروران على العطف على ماشية ويكون من إضافة الموصوف إلى صفته كما البارد ومسجد الجامع، ومنه قوله تعالى: {بجانب الغربي} {والدار الاَخرة} وسبق بيان هذا مرات، ويكون ثبوت الياء في ضاري على اللغة القليلة في إثباتها في المنقوص من غير ألف ولام والمشهور حذفها، وقيل إن لفظة ضار هنا صفة للرجل الصائد صاحب الكلاب المعتاد للصيد فسماه ضارياً استعارة كما في الرواية الأخرى إلا كلب ماشية أو كلب صائد. وأما رواية إلا كلب ضارية فقالوا تقديره إلا كلب ذي كلاب ضارية، والضاري هو المعلم الصيد المعتاد له يقال منه ضرى الكلب يضري كشرى يشري، ضرا وضراوة وأضراه صاحبه أي عوده ذلك، وقد ضرى بالصيد إذا لهج به، ومنه قول عمر رضي الله عنه: إن للحم ضراوة كضراوة الخمر، قال جماعة: معناه أن له عادة ينزع إليها كعادة الخمر. وقال الأزهري معناه أن لأهله عادة في أكله كعادة شارب الخمر في ملازمته، وكما أن من اعتاد الخمر لا يكاد يصبر عنها كذا من اعتاد اللحم. قوله صلى الله عليه وسلم: "نقص من أجره" وفي رواية: "من عمله كل يوم قيراطان". وفي رواية: (قيراط) فأما رواية عمله فمعناه من أجر عمله. وأما القيراط هنا فهو مقدار معلوم عند الله تعالى والمراد نقص جزء من أجر عمله. وأما اختلاف الرواية في قيراط وقيراطين فقيل يحتمل أنه في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الاَخر، ولمعنى فيهما أو يكون ذلك مختلفاً باختلاف المواضع، فيكون القيراطان في المدينة خاصة لزيادة فضلها والقيراط في غيرها أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى والقيراط في البوادي، أو يكون ذلك في زمنين، فذكر القيراط أولاً ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين. قال الروياني من أصحابنا في كتابه البحر: اختلفوا في المراد بما ينقص منه فقيل ينقص مما مضى من عمله، وقيل من مستقبله، قال: واختلفوا في محل نقص القيراطين فقيل ينقص قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل، أو قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل والله أعلم واختلف العلماء في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب فقيل لامتناع الملائكة من دخول بيته بسببه، وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم، وقيل إن ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهى عن اتخاذه وعصيانه في ذلك، وقيل لما يبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء والتراب والله أعلم).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً" المراد بالضرع الماشية كما في سائر الروايات، ومعناه من اقتنى كلباً لغير زرع وماشية. وقوله: "وفد عليهم سفيان بن أبي زهير الشنائي" هكذا هو في معظم النسخ بشين معجمة مفتوحة ثم نون مفتوحة ثم همزة مكسورة منسوب إلى أزد شنوءة بشين مفتوحة ثم نون مضمومة ثم همزة ممدودة ثم هاء، ووقع في بعض النسخ المعتمدة الشنوي بالواو وهو صحيح على إرادة التسهيل، ورواه بعض رواة البخاري شنوي بضم النون على الأصل.
*1* كتاب
*2* باب تحريم بيع الخمر
*حدّثنا عُبيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ أَبُو هَمّامٍ: حَدّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي نَقْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: "يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ تَعَالَىَ يُعَرّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلّ اللّهِ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْراً، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ". قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إلاّ يَسِيراً حَتّى قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إنّ الله تَعَالَى حَرّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الاَيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلاَ يَشْرَبْ وَلاَ يَبِعْ" قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا، فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَفَكُوهَا.
حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا حَفْصُ بْنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ (رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ) أَنّهُ جَاءَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ! ح وَحَدّثَنَا أَبُو الطّاهِرِ (وَاللّفْظُ لَهُ): أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَس وَغَيْرُهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السّبَإِيّ (مِنْ أَهْلِ مِصْرَ) أَنّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ عَمّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ؟ فَقَالَ ابْنَ عَبّاسٍ: إنّ رَجُلاً أَهْدَىَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "هَلْ عَلِمْتَ أَنّ اللّهِ قَدْ حَرّمَهَا؟" قَالَ: لاَ، فَسَارّ إنْسَاناً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "بِمَ سَارَرْتَهُ؟" فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا. فَقَالَ: "إنّ الّذِي حَرّمَ شُرْبَهَا حَرّمَ بَيْعَهَا" قَالَ: فَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتّىَ ذَهَبَ مَا فِيهَا.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا جَريرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضّحَى، عَنْ مَسْروقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا نَزَلَتِ الاَيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاقْتَرَأَهُنّ عَلَى النّاسِ، ثُمّ نَهَىَ عَنِ التّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا أُنْزِلَتِ الاَيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي الرّبَا، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَسْجِدِ، فَحَرّمَ التّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها أمراً فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به قال: فما لبثنا إلا يسيراً حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الاَية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع، قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة فسفكوها" يعني راقوها. وفي هذا الحديث دليل على أن الأشياء قبل ورود الشرع لا تكليف فيها بتحريم ولا غيره، وفي المسألة خلاف مشهور للأصوليين الأصح أنه لا حكم ولا تكليف قبل ورود الشرع لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} والثاني: أن أصلها على التحريم حتى يرد الشرع بغير ذلك. والثالث: على الإباحة. والرابع: على الوقف وهذا الخلاف في غير التنفس ونحوه من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها فإنها ليست محرمة بلا خلاف إلا على قول من يجوز تكليف ما لا يطاق. وفي هذا الحديث أيضاً بذل النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم لأنه صلى الله عليه وسلم نصحهم في تعجيل إِلانتفاع بها ما دامت حلالاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يشرب ولا يبع" وفي الرواية الأخرى: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" فيه تحريم بيع الخمر وهو مجمع عليه، والعلة فيها عند الشافعي وموافقيه كونها نجسة أو ليس فيها منفعة مباحة مقصودة فيلحق بها جميع النجاسات كالسرجين وذرق الحمام وغيره، وكذلك يلحق بها ما ليس فيه منفعة مقصودة كالسباع التي لا تصلح للاصطياد والحشرات والحبة الواحدة من الحنطة ونحو ذلك فلا يجوز بيع شيء من ذلك. وأما الحديث المشهور في كتب السنن عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" فمحمول على ما المقصود منه الأكل بخلاف ما المقصود منه غير ذلك كالعبد والبغل والحمار الأهلي فإن أكلها حرام وبيعها جائز بالإجماع. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أدركته هذه الاَية" أي أدركته حياً وبلغته، والمراد بالاَية قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر} الاَية. قوله: "فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة فسفكوها" هذا دليل على تحريم تخليلها ووجوب المبادرة بإراقتها وتحريم إمساكها، ولو جاز التخليل لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لهم ونهاهم عن إضاعتها، كما نصحهم وحثهم على إِلانتفاع بها قبل تحريمها حين توقع نزول تحريمها، وكما نبه أهل الشاة الميتة على دباغ جلدها وإِلانتفاع به، وممن قال بتحريم تخليلها وأنها لا تطهر بذلك الشافعي وأحمد والثوري ومالك في أصح الروايتين عنه، وجوزه الأوزاعي والليث وأبو حنيفة ومالك في رواية عنه. وأما إذا انقلبت بنفسها خلا فيظهر عند جميعهم إلا ما حكى عن سحنون المالكي أنه قال لا يطهر.
قوله: (عن عبد الرحمن بن وعلة السبئي) هو بسين مهملة مفتوحة ثم باء موحدة ثم همزة منسوب إلى سبأ. وأما وعلة فبفتح الواو وإسكان العين المهملة وسبق بيانه في آخر كتاب الطهارة في حديث الدباغ. قوله صلى الله عليه وسلم للذي أهدى إليه الخمر: (هل علمت أن الله قد حرمها؟ قال: لا) لعل السؤال كان ليعرف حاله، فإن كان عالماً بتحريمها أنكر عليه هديتها وإمساكها وحملها وعزره على ذلك، فلما أخبره أنه كان جاهلاً بذلك عذره، والظاهر أن هذه القضية كانت على قرب تحريم الخمر قبل اشتهار ذلك، وفي هذا أن من ارتكب معصية جاهلاً تحريمها لا إثم عليه ولا تعزير. قوله: (فسار إنساناً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بم ساررته؟ فقال: أمرته ببيعها) المسارر الذي خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم هو الرجل الذي أهدى الراوية كذا جاء مبيناً في غير هذه الرواية وأنه رجل من دوس، قال القاضي: وغلط بعض الشارحين فظن أنه رجل آخر، وفيه دليل لجواز سؤال الإنسان عن بعض أسرار الإنسان، فإن كان مما يجب كتمانه كتمه وإلا فيذكره. قوله: (ففتح المزاد) هكذا وقع في أكثر النسخ المزاد بحذف الهاء في آخرها وفي بعضها المزادة بالهاء، وقال في أول الحديث أهدى راوية وهي مي قال أبو عبيد هما بمعنى، وقال ابن السكيت: إنما يقال لها مزادة، وأما الرواية فاسم للبعير خاصة والمختار قول أبي عبيد، وهذا الحديث يدل لأبي عبيد فإنه سماها راوية ومزادة، قالوا سميت راوية لأنها تروي صاحبها ومن معه، والمزادة لأنه يتزود فيها الماء في السفر وغيره، وقيل لأنه يزاد فيها جلد ليتسع. وفي قوله ففتح المراد دليل لمذهب الشافعي والجمهور أن أواني الخمر لا تسكر ولا تشق بل يراق ما فيها. وعن مالك روايتان: إحداهما كالجمهور والثانية بكسر الإناء ويشق السقاء وهذا ضعيف لا أصل له. وأما حديث أبي طلحة أنهم كسروا الدنان فإنما فعلوا ذلك بأنفسهم من غير أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قولها: "لما أنزلت الاَيات من آخر سورة البقرة في الربا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأهن على الناس ثم حرم التجارة في الخمر" قال القاضي وغيره: تحريم الخمر هو في سورة المائدة وهي نزلت قبل آية الربا بمدة طويلة، فإن آية الربا آخر ما نزل أو من آخر ما نزل، فيحتمل أن يكون هذا النهي عن التجارة متأخراً عن تحريمها، ويحتمل أنه أخبر بتحريم التجارة حين حرمت الخمر ثم أخبر به مرة أخرى بعد نزول آية الربا توكيداً ومبالغة في إشاعته، ولعله حضر المجلس من لم يكن بلغه تحريم التجارة فيها قبل ذلك والله أعلم
*2* باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكّةَ: "إنّ اللّهَ وَرَسُولَهُ حَرّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ" فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنّهُ يُطْلَىَ بِهَا السّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النّاسُ؟ فَقَالَ: "لاَ. هُوَ حَرَامٌ" ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ ذَلِكَ "قَاتَلَ اللّهُ الْيَهُودَ، إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَمّا حَرّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا، أَجْمَلُوهُ ثُمّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: كَتَبَ إِلَيّ عَطَاءٌ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفَتْحِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ اللّيْثِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْراً، فَقَالَ: قَاتَلَ اللّهُ سَمُرَةَ، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَعَنَ اللّهُ الْيَهُودَ، حُرّمَتْ عَلَيْهِمُ الشّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا؟".
حدّثنا أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدّثَنَا رَوْحٌ (يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ حَدّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَاتَلَ اللّهُ الْيَهُودَ، حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الشّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "قَاتَلَ اللّهُ الْيَهُودَ، حُرّمَ عَلَيْهِمُ الشّحْمُ فَبَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ".
قوله: "عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقوم عام الفتح وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقال: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله عز وجل لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" يقال أجمل الشحم وجمله أي أذابه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا هو حرام فمعناه لا تبيعوها فإن بيعها حرام، والضمير في هو يعود إلى البيع لا إلى إِلانتفاع، هذا هو الصحيح عند الشافعي وأصحابه أنه يجوز الانتفاع بشحم الميتة في طلي السفن والاستصباح بها وغير ذلك مما ليس بأكل ولا في بدن الاَدمي، وبهذا قال أيضاً عطاء بن أبي رباح ومحمد بن جرير الطبري. وقال الجمهور: لا يجوز إِلانتفاع به في شيء أصلاً لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة إلا ما خص وهو الجلد المدبوغ. وأما الزيت والسمن ونحوهما من الأدهان التي أصابتها نجاسة فهل يجوز الاستصباح بها ونحوه من الاستعمال في غير الأكل وغير البدن، أو يجعل من الزيت صابون، أو يطعم العسل المتنجس للنحل، أو يطعم الميتة لكلابه، أو يطعم الطعام النجس لدوابه؟ فيه خلاف بين السلف الصحيح من مذهبنا جواز جميع ذلك. ونقله القاضي عياض عن مالك وكثير من الصحابة والشافعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والليث بن سعد قال: وروي نحوه عن علي وابن عمر وأبي موسى والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر، قال: وأجاز أبو حنيفة وأصحابه والليث وغيرهم وبيع الزيت النجس إذا بينه. وقال عبد الملك بن الماجشون وأحمد بن حنبل وأحمد بن صالح: لا يجوز إِلانتفاع بشيء من ذلك كله في شيء من الأشياء والله أعلم. قال العلماء: وفي عموم تحريم بيع الميتة أنه يحرم بيع جثة الكافر إذا قتلناه وطلب الكفار شراءه أو دفع عوض عنه. وقد جاء في الحديث أن نوفل بن عبد الله المخزومي قتله المسلمون يوم الخندق فبذل الكفار في جسده عشرة آلاف درهم للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأخذها ودفعه إليهم. وذكر الترمذي حديثاً نحو هذا. قال أصحابنا: العلة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النجاسة فيتعدى إلى كل نجاسة، والعلة في الأصنام كونها ليس فيها منفعة مباحة، فإن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع برضاضها ففي صحة بيعها خلاف مشهور لأصحابنا منهم من منعه لظاهر النهي وإطلاقه، ومنهم من جوزه اعتماداً على إِلانتفاع، وتأول الحديث على ما لم ينتفع برضاضه أو على كراهة التنزيه في الأصنام خاصة، وأما المتية والخمر والخنزير فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها والله أعلم. قال القاضي: تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه ولا يحل أكل ثمنه كما في الشحوم المذكورة في الحديث، فاعترض بعض اليهود والملاحدة بأن الابن إذا ورث من أبيه جارية كان الأب وطئها فإنها تحرم على الابن ويحل له بيعها بالإجماع وأكل ثمنها. قال القاضي: وهذا تمويه على من لا علم عنده لأن جارية الأب لم يحرم على الابن منها غير الاستمتاع على هذا الولد دون غير من الناس، ويحل لهذا إِلابن إِلانتفاع بها في جميع الأشياء سوى الاستمتاع، ويحل لغيره الاستمتاع وغيره بخلاف الشحوم فإنها محرمة المقصود منها وهو الأكل منها على جميع اليهود، وكذلك شحوم الميتة محرمة الأكل على كل أحد وكان ما عدا الأكل تابعاً له بخلاف موطوءة الأب والله أعلم.
*2* باب الربا
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَبِيعُوا الذّهَبَ بِالذّهَبِ إلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفّوا بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ. وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفّوا بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ".
حدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ نَافعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ: إِنّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَأْثُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رِوَايةِ قُتَيْبةَ، فَذَهَبَ عَبْدُ اللّهِ وَنَافِعٌ مَعَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ: قَالَ نَافِعٌ: فَذَهَبَ عَبْدُ اللّهِ وَأَنَا مَعَهُ وَاللّيْثِيّ، حَتّىَ دَخَلَ عَلَىَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، فَقَالَ: إِنّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنّكَ تُخْبِرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ إِلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَعَنْ بَيْعِ الذّهَبِ بِالذّهَبِ إِلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ. فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ عَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ. فَقَالَ: أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ تَبِيعُوا الذّهَبَ بِالذّهَبِ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفّوا بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ، ولاَ تَبِيعُوا شَيْئاً غَائِباً مِنْهُ بِنَاجِزٍ، إلاّ يَداً بِيَدٍ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّاب قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ. بِنَحْوِ حَدِيثِ اللّيْثِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
وحدّثنا : قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَبِيعُوا الذّهَبَ بِالذّهَبِ وَلاَ الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إلاّ وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ".
حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ، وَ هَرُون بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ، وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إِنّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْن أَبِي عَامِرٍ يُحَدّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَبِيعُوا الدّينَارَ بِالدّينَارَيْنِ وَلاَ الدّرْهَمَ بِالدّرْهَمَيْنِ".
مقصور وهو من ربا يربو فيكتب بالألف وتثنيته ربوان، وأجاز الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء لسبب الكسرة في أوله وغلطهم البصريون، قال العلماء: وقد كتبوه في المصحف بالواو، وقال الفراء: إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو فعلموهم صورة الخط على لغتهم، قال: وكذا قرأها أبو سماك العدوي بالواو، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء، وقرأ الباقون بالتفخيم لفتحة الياء، قال: ويجوز كتبه بالألف والواو والياء، وقال أهل اللغة: والرماء بالميم والمد هو الربا، وكذلك الربية بضم الراء والتخفيف لغة في الربا، وأصل الربا الزيادة، يقال ربا الشيء يربو إذا زاد، وأربى الرجل وأرمى عامل بالربا، وقد أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتفاريعه. قال الله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} والأحاديث فيه كثيرة مشهورة، ونص النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث على تحريم الربا في ستة أشياء: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح فقال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة بناء على أصلهم في نفي القياس، قال جميع العلماء سواهم لا يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة، واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة فقال الشافعي: العلة في الذهب والفضة كونهما جنس الأثمان، فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات وغيرها لعدم المشاركة، قال: والعلة في الأربعة الباقية كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم، وأما مالك فقال في الذهب والفضة كقول الشافعي رضي الله عنه، وقال في الأربعة: العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له فعداه إلى الزبيب لأنه كالتمر، وإلى القطنية لأنها في معنى البر والشعير. وأما أبو حنيفة فقال: العلة في الذهب والفضة الوزن وفي الأربعة الكيل فيتعدى إلى كل موزون من نحاس وحديد وغيرهما، وإلى كل مكيل كالجص والأشنان وغيرهما. وقال سعيد بن المسيب وأحمد والشافعي في القديم: العلة في الأربعة كونها مطعومة موزونة أو مكيلة بشرط الأمرين، فعلى هذا لا ربا في البطيخ والسفرجل ونحوه مما لا يكال ولا يوزن، وأجمع العلماء على جواز بيع الربوى بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً ومؤجلاً، وذلك كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل، وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب، وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب والفضة والحنطة بالشعير، وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يداً بيد كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا إلا ما سنذكره إن شاء الله تعالى عن ابن عباس في تخصيص الربا بالنسيئة. قال العلماء: وإذا بيع الذهب بذهب أو الفضة بفضة سميت مراطلة، وإذا بيعت الفضة بذهب سمي صرفاً لصرفه عن مقتضى البياعات من جواز التفاضل والتفرق قبل القبض والتأجيل وقيل من صريفهما وهو تصويتهما في الميزان والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء" قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تشفوا بعضها على بعض" هو بضم التاء وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء أي لا تفضلوا، والشف بكسر الشين ويطلق أيضاً على النقصان فهو من الأضداد يقال شف الدرهم بفتح الشين يشف بكسرها إذا زاد وإذا نقص وأشفه غيره يشفه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تبيعوا منها غائباً بناجز" المراد بالناجر الحاضر وبالغائب المؤجل، وقد أجمع العلماء على تحريم بيع الذهب بالذهب أو بالفضة مؤجلاً، وكذلك الحنطة بالحنطة أو بالشعير، وكذلك كل شيئين اشتركا في علة الربا، أما إذا باع ديناراً بدينار كلاهما في الذمة ثم أخرج كل واحد الدينار أو بعث من أحضر له ديناراً من بيته وتقابضا في المجلس فيجوز بلا خلاف عند أصحابنا لأن الشرط أن لا يتفرقا بلا قبض وقد حصل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذه: "ولا تبيعوا شيئاً غائباً منه بناجز إلا يداً بيد" وأما قول القاضي عياض: اتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع أحدهما بالاَخر إذا كان أحدهما مؤجلاً أو غاب عن المجلس فليس كما قال، فإن الشافعي وأصحابه وغيرهم متفقون على جواز الصور التي ذكرتها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وزناً بوزن مثلاً بمثل سواء بسواء" يحتمل أن يكون الجمع بين هذه الألفاظ توكيداً ومبالغة في الإيضاح.
*2* باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ (وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ): أَرِنَا ذَهَبَكَ، ثُمّ ائْتِنَا، إذا جَاءَ خَادِمُنَا، نُعْطِيكَ وَرِقَكَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: كَلاّ، وَاللّهِ لَتُعْطِيَنّهُ وَرِقَهُ، أَوْ لَتَرُدّنّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ. فَإنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْوَرِقُ بِالذّهَبِ رِباً إلاّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرّ بِالْبُرّ رِباً إلاّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ رِباً إلاّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتّمْرُ بِالتّمْرِ رِباً إلاّ هَاءَ وَهَاءَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: كُنْتُ بِالشّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، فَجَاءَ أَبُو الأَشْعَثِ. قَالَ: قَالُوا: أَبُو الأَشْعَثِ، أَبُو الأَشْعَثِ. فَجَلَسَ فَقُلْتُ لَهُ: حَدّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلى النّاسِ مُعَاوِيَةُ. فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا، آنِيَةٌ مِنْ فِضّةٍ. فَأَمَرَ مُعَاويَةُ رَجُلاً أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النّاسِ، فَتَسَارَعَ النّاسُ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَىَ عَنْ بَيْعِ الذّهَبِ بِالذّهَبِ، وَالْفِضّةِ بِالْفِضّةِ، وَالْبُرّ بِالْبُرّ، وَالشّعِيرِ بِالشّعِيرِ، وَالتّمْرِ بِالتّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلاّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْناً بَعِيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَو ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. فَرَدّ النّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوَيةَ فَقَامَ خَطِيباً فَقَالَ: أَلاَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ، قَدْ كُنّا نَشْهِدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ. فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصّةَ. ثُمّ قَالَ: لَنُحَدّثَنّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ (أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ). مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ.
قَالَ حَمّادٌ: هَذَا أَوْ نَحْوَهُ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ، عَنْ أَيّوبَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَ عَمْرٌو النّاقِدُ، وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ). حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الذّهَبُ بِالذّهَبِ، وَالْفِضّةُ بِالْفِضّةِ، وَالْبُرّ بِالْبُرّ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالتّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَداً بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا إِسْمَاَعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيّ: حَدّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكّلِ النّاجِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الذّهَبُ بِالذّهَبِ، وَالْفِضّةُ بِالْفِضّةِ، وَالْبُرّ بِالْبُرّ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالتّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدَاً بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الاَخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرونَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الرّبَعِيّ، حَدّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكّلِ النّاجِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الذّهَبُ بِالذّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ" فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَ وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "التّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ. يَداً بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَىَ، إلاّ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ.
وحدّثنيهِ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ: حَدّثَنَا الْمُحَارِبِيّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: "يَداً بِيَدٍ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ، قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الذّهَبُ بِالذّهَبِ، وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْفِضّةُ بِالْفِضّةِ وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِباً".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيّ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الدّينَارُ بِالدّينَارِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدّرْهَمُ بِالدّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا".
حَدّثَنِيهِ أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي تَمِيمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء" فيه لغتان المد والقصر والمد أفصح وأشهر وأصله هاك فأبدلت المدة من الكاف ومعناه خذ هذا ويقول صاحبه مثله والمدة مفتوحة، ويقال بالكسر أيضاً ومن قصره قال وزنه وزن خف، يقال للواحد ها كخف، والاثنين هاءا كخافا، وللجمع هاؤا كخافوا، والمؤنثة هاك، ومنهم من لا يثنى ولا يجمع على هذه اللغة ولا يغيرها في التأنيث بل يقول في الجميع ها. قال السيرافي: كأنهم جعلوها صوتاً كصه، ومن ثنى وجمع قال للمؤنثة هاك وها لغتان، ويقال في لغة هاء بالمد، وكسر الهمزة للذكر وللأنثى هاتي بزيادة ثاء، وأكثر أهل اللغة ينكرون ها بالقصر، وغلط الخطابي وغيره المحدثين في رواية القصر وقال: الصواب المد والفتح وليست بغلط بل هي صحيحة كما ذكرنا وإن كانت قليلة. قال القاضي: وفيه لغة أخرى هاءك بالمد والكاف قال العلماء ومعناه التقابض، ففيه اشتراط التقابض في بيع الربوي بالربوي إذا اتفقا في علة الربا، سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب أم اختلف كذهب بفضة، ونبه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بمختلف الجنس على متفقه، واستدل أصحاب مالك بهذا على أنه يشترط التقابض عقب العقد حتى لو أخره عن العقد وقبض في المجالس لا يصح عندهم، ومذهبنا صحة القبض في المجلس وان تأخر عن العقد يوماً أو أياماً وأكثر ما لم يتفرقا، وبه قال أبو حنيفة وآخرون، وليس في هذا الحديث حجة لأصحاب مالك، وأما ما ذكره في هذا الحديث أن طلحة بن عبد الله رضي الله عنه أراد أن يصارف صاحب الذهب فيأخذ الذهب ويؤخر دفع الدراهم إلى مجيء الخادم فإنما قاله لأنه ظن جوازه كسائر البياعات وما كان بلغه حكم المسألة فأبلغه إياه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة. قوله صلى الله عليه وسلم: "البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد" فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد. هذا دليل ظاهر في أن البر والشعير صنفان وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة والثوري وفقهاء المحدثين وآخرين. وقال مالك والليث والأوزاعي ومعظم علماء المدينة والشام من المتقدمين أنها صنف واحد، وهو محكي عن عمر وسعيد وغيرهما من السلف رضي الله عنهم، واتفقوا على أن الدخن صنف والذرة صنف والأرز صنف إلا الليث بن سعد وابن وهب فقالا هذه الثلاثة صنف واحد.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن زاد أو ازداد فقد أربى" معناه فقد فعل الربا المحرم فدافع الزيادة وآخذها عاصيان مربيان. قوله: (فرد الناس ما أخذوا) هذا دليل على أن البيع المذكور باطل. قوله: (أن عبادة بن الصامت قال لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية) أو قال وإن رغم، يقال رغم بكسر الغين وفتحها ومعناه ذل وصار كاللاصق بالرغام وهو التراب، وفي هذا الاهتمام بتبليغ السنن ونشر العلم وإن كرهه من كرهه لمعنى وفيه القول بالحق وإن كان المقول له كبيراً. قوله صلى الله عليه وسلم: "يداً بيد" حجة للعلماء كافة في وجوب التقابض وان اختلف الجنس، وجوز إسماعيل بن عطية التفرق عند اختلاف الجنس وهو محجوج بالأحاديث والإجماع ولعله لم يبلغه الحديث فلو بلغه لما خالفه. قوله: (أخبرنا سليمان الربعي) هو بفتح الراء والباء الموحدة منسوب إلى بني ربيعة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا ما اختلفت ألوانه" يعني أجناسه كما صرح به في الأحاديث الباقية
*2* باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينا
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: بَاعَ شَرِيكٌ لِي وَرِقاً بِنَسِيئَةٍ إلَى الْمَوْسِمِ، أَوْ إلَى الْحَجّ، فَجَاءَ إلَيّ فَأَخْبَرَنِي، فَقُلْتُ: هَذَا أَمْرٌ لاَ يَصْلُحُ. قَالَ: قَدْ بِعْتُهُ فِي السّوقِ. فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيّ أَحَدٌ، فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: قَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبِيعُ هَذَا الْبَيْعَ. فَقَالَ: "مَا كَانَ يَدَاً بِيَدٍ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِباً" وَائْتِ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنّهُ أَعْظَمُ تِجَارَةً مِنّي. فَأَتَيْتُهُ. فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنِ الصّرْفِ؟ فَقَالَ: سَلْ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَهُوَ أَعْلَمُ. فَسَأَلْتُ زَيْداً فَقَالَ: سَلِ الْبَرَاءَ فَإِنّهُ أَعْلَمُ، ثُمّ قَالاَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذّهَبِ دَيْناً.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ: حَدّثَنَا عَبّادُ بْنُ الْعَوّامِ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَقَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْفِضّةِ بِالْفِضّةِ، وَالذّهَبِ بِالذّهَبِ، إلاّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضّةَ بِالذّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذّهَبَ بِالْفِضّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَداً بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ.
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
قوله: ى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالذهب ديناً يعني مؤجلاً، أما إذا باعه بعوض في الذمة حال فيجوز كما سبق).
قوله: (أمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا) يعني سواء ومتفاضلاً وشرطه أن يكون حالاً ويتقابضا في المجلس
*2* باب بيع القلادة فيها خرز وذهب
*حدثني أَبُو الطّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الخَوْلاَنِيّ أَنّهُ سَمِعَ عُلَيّ بْنَ رَبَاحٍ اللّخْمِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيّ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِخَيْبَرَ، بِقِلاَدَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنَ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالذّهَبِ الّذِي فِي الْقِلاَدَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ. ثُمّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الذّهَبُ بِالذّهَبِ وَزْناً بِوَزْنٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ ابْنِ أَبِي عِمْرانَ، عَنْ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: اشْتْرَيْتُ، يَوْمَ خَيْبَرَ، قِلاَدَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِيناراً، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصّلْتُهَا، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "لاَ تُبَاعُ حَتّىَ تُفَصّلَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ قَالا: حَدّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الجُلاَحِ أَبِي كَثِيرٍ: حَدّثَنِي حَنَشٌ الصّنْعَانِيّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ، نُبَايِعُ الْيَهُودَ، الْوُقِيّةَ الذّهَبَ بِالدّينَارَيْنِ وَالثّلاَثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَبِيعُوا الذّهَبَ بِالذّهَبِ، إلاّ وَزْناً بِوَزْنٍ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ قُرّةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ المَعَافِرِيّ و عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ وَغَيْرِهِمَا أَنّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَىَ الْمَعَافِرِيّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ حَنَشٍ أَنّهُ قَالَ: كُنّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي غَزْوَةٍ: فَطَارَتْ لِي وَلأَصْحَابِي قِلاَدَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا، فَسَأَلْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ فَقَالَ: انْزِعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي كِفّةٍ، وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفّةٍ، ثُمّ لاَ تَأْخُذَنّ إِلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ. فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلاَ يَأْخُذَنّ إلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ".
قوله: (سمع علي بن رباح) هو بضم العين على المشهور وقيل بفتحها وقيل يقال بالوجهين فالفتح اسم والضم لقب. قوله: (عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً فيها ذهب وحرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصل) هكذا هو في نسخ معتمدة قلادة باثني عشر ديناراً، وفي كثير من النسخ قلادة فيها اثني عشر ديناراً، ونقل القاضي أنه وقع لمعظم شيوخهم قلادة فيها اثني عشر ديناراً، وأنه وجده عند أصحاب الحافظ أبي علي الغساني مصلحه قلادة باثني عشر ديناراً، قال: وهذا له وجه حسن وبه يصح الكلام، هذا كلام القاضي والصواب ما ذكرناه أولاً، باثني عشر وهو الذي أصلحه صاحب أبي علي الغساني واستحسنه القاضي والله أعلم. وفي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهباً ويباع الاَخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة، والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات بل لا بد من فصلها، وسواء كان الذهب في الصورة المذكورة أولاً قليلاً أو كثيراً وكذلك باقي الربويات، وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيرهم المعروفة بمسألة مدعجوة، وصورتها باع مدعجوة ودرهماً بمدي عجوة أو بدرهمين لا يجوز لهذا الحديث، وهذا منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنه وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن عبد الحكم المالكي. وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح: يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الذهب ولا يجوز بمثله ولا بدونه. وقال مالك وأصحابه وآخرون: يجوز بيع السيف المحلى بذهب وغيره مما هو في معناه مما فيه ذهب، فيجوز بيعه بالذهب، إذا كان الذهب في المبيع تابعاً لغيره وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه. وقال حماد بن أبي سليمان: يجوز بيعه بالذهب مطلقاً سواء باعه بمثله من الذهب أو أقل أو أكثر وهذا غلط مخالف لصريح الحديث، واحتج أصحابنا بحديث القلادة، وأجابت الحنفية بأن الذهب كان فيها أكثر من اثني عشر ديناراً وقد اشتراها باثني عشر ديناراً، قالوا: ونحن لا نجيز هذا وإنما نجيز البيع إذا باعها بذهب أكثر مما فيها، فيكون ما زاد من الذهب المنفرد في مقابلة الخرز ونحوه مما هو مع الذهب المبيع فيصير كعقدين. وأجاب الطحاوي بأنه إنما نهى عنه لأنه كان في بيع الغنائم لئلا يغبن المسلمون في بيعها. قال أصحابنا: وهذان الجوابان ضعيفان لا سيما جواب الطحاوي فإنه دعوى مجردة، قال أصحابنا: ودليل صحة قولنا وفساد التأويلين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يباع حتى يفصل"وهذا صريح في اشتراط فصل أحدهما عن الاَخر في البيع، وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع قليلاً أو كثير، وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها والله أعلم. قوله: (عن الجلاح أبي كثير) هو بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره حاء مهملة. قوله: (كنا نبايع اليهود الأوقية الذهب بالدينارين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن) يحتمل أن مراده كانوا يتبايعون الأوقية من ذهب وخرز وغيره بدينارين أو ثلاثة وإلا فالأوقية وزن أربعين درهماً، ومعلوم أن أحداً لا يبتاع هذا القدر من ذهب خالص بدينارين أو ثلاثة، وهذا سبب مبايعة الصحابة على هذا الوجه ظنوا جوازه لاختلاط الذهب بغيره، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام حتى يميز ويباع الذهب بوزنه ذهباً، ووقع هنا في النسخ الوقية الذهب وهي لغة قليلة والأشهر الأوقية بالهمز في أوله وسبق بيانها مرات. قوله: (فطارت لي ولأصحابي قلادة) أي حصلت لنا من الغنيمة. قوله: (واجعل ذهبك في كفة) هي بكسر الكاف قال أهل اللغة: كفة الميزان وكل مستدير بكسر الكاف وكفة الثوب والصائد بضمها وكذلك كل مستطيل وقيل بالوجهين فيهما معاً
*2* باب بيع الطعام مثلاً بمثل
*حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ: حَدّثنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ أَنّ أَبَا النّضْرِ حَدّثَهُ أَنّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدّثَهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ أَرْسَلَ غُلاَمَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ، فَقَالَ: بِعْهُ ثُمّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيراً، فَذَهَبَ الْغُلاَمُ فَأَخَذَ صَاعاً وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلَمّا جَاءَ مَعْمَراً أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ انْطَلِقْ فَرُدّهُ. وَلاَ تَأْخُذَنّ إلاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ. فَإِنّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الطّعَامُ بِالطّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ" قَالَ: وَكَانَ طَعَامُنَا، يَوْمَئِذٍ، الشّعِيرَ. قِيلَ لَهُ: فَإِنّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ. قَالَ: إنّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ.
حدّثنا عَبْد اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يُحَدّثُ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَ أَبَا سَعِيدٍ حَدّثَاهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيَ الأَنْصَارِيّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَىَ خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَكُلّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟" قَالَ: لاَ، وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا لَنَشْتَرِي الصّاعَ بِالصّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ. أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ".
حدّثنا يَحْيَ بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ ابْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَىَ خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكُلّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟" فَقَالَ: لاَ، وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا لَنَأْخُذُ الصّاعَ مِنْ هَذَا بِالصّاعَيْنِ. وَالصّاعَيْنِ بِالثّلاَثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "فَلاَ تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدّرَاهِمِ. ثُمّ ابْتَعْ بِالدّرَاهِمِ جَنِيباً".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيّ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ، وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ (وَاللّفْظُ لَهُمَا). جَمِيعاً عَنْ يَحْيَىَ بْنِ حَسّانَ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ (وَهُوَ ابْنُ سَلاّمٍ): أَخْبَرَنِي يَحَيَىَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ) قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: جَاءَ بِلاَلٌ بِتَمْرٍ بَرْنِيَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مِنْ أَيْنَ هَذَا؟" فَقَالَ بِلاَلٌ: تَمْرٌ، كَانَ عِنْدَنَا، رَدِيءٌ. فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِمَطْعَمِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ، عِنْدَ ذَلِكَ: "أَوّهْ! عَيْنُ الرّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمّ اشْتَرِ بِهِ".
لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ سَهْلٍ فِي حَدِيثِهِ: عِنْدَ ذَلِكَ.
وحدّثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ: حَدّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ الْبَاهِليّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ. فَقَالَ "مَا هَذَا التّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا" فَقَالَ الرّجُلُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا الرّبَا، فَرُدّوهُ. ثُمّ بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا".
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بنُ مُوسَىَ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كُنّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ الْخِلْطُ مِنَ التّمْرِ، فَكُنّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لاَ صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ. وَلاَ صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ. وَلاَ دِرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ".
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنِ الصّرْفِ؟ فَقَالَ: أَيَداً بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلاَ بَأْسَ بِهِ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: إِنّي سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنِ الصّرْفِ؟ فَقَالَ: أَيَداً بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلاَ بَأْسَ بِهِ. قَالَ أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ إنّا سَنَكْتُبُ إلَيْهِ فَلاَ يُفْتِيكُمُوهُ، قَالَ: فَوَاللّهِ لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ "كَأَنّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمْرِ أَرْضِنَا". قَالَ: كَانَ فِي تَمْرِ أَرْضِنَا (أَوْ فِي تَمْرِنَا)، الْعَامَ، بَعْضُ الشّيْءِ. فَأَخَذْتُ هَذَا وَزِدْتُ بَعْضَ الزّيَادَةِ، فَقَالَ "أَضْعَفْتَ، أَرْبَيْتَ لاَ تَقْرَبَنّ هَذَا. إِذَا رَابَكَ مِنْ تَمْرِكَ شَيْءٌ فَبِعْهُ. ثُمّ اشْتَرِ الّذِي تُرِيدُ مِنَ التّمْرِ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلىَ. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَ ابْنَ عَبّاسٍ عَنِ الصّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْساً. فَإنّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصّرْفِ؟ فَقَالَ: مَا زَادَ فَهُوَ رِباً. فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِمَا. فَقَالَ: لاَ أُحَدّثُكَ إلاّ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلِهِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيّبٍ. وَكَانَ تَمْرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم هَذَا اللّوْنَ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّىَ لَكَ هَذَا؟" قَالَ: انْطَلَقْتُ بِصَاعَيْنِ فَاشْتَرَيْتُ بِهِ هَذَا الصّاعَ. فَإنّ سِعْرَ هَذَا فِي السّوقِ كَذَا. وَسِعْرَ هَذَا كَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَيْلَكَ أَرْبَيْتَ؟. إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَبِعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ. ثُمّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أَيّ تَمْرٍ شِئْتَ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَالتّمْرُ بِالتّمْرِ أَحَقّ أَنْ يَكُونَ رِباً أَمِ الْفِضّةُ بِالْفِضّةِ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، بَعْدُ، فَنَهَانِي وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبّاسٍ، قَالَ: فَحَدّثَنِي أَبُو الصّهْبَاءِ أَنّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْهُ بِمَكّةَ، فَكَرِهَهُ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ عَبّادٍ) قَالَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: الدّينَارُ بِالدّينَارِ، وَالدّرْهَمُ بِالدّرْهَمِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. فَقُلْتُ لَهُ: إِنّ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا. فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبّاسٍ. فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الّذِي تَقُولُ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللّهِ. وَلَكِنْ سمِعْته مِن أُسَامَةَ ابْنَ زَيْدٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الرّبَا فِي النّسِيئَةِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إنّمَا الرّبَا فِي النّسِيئَةِ".
حدّثنا زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا عَفّانُ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا بَهْزٌ. قَالاَ: حَدّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ رِبَاً فِيمَا كَانَ يَداً بِيَدٍ".
حدّثنا الحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ: حَدّثَنَا هِقْلٌ، عَنِ الأَوْزَاعِيّ. قَالَ: حَدّثَنِي عَطَاءُ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ لَقِيَ ابْنَ عَبّاسٍ فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ فِي الصّرْفِ، أَشَيْئاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَمْ شَيْئاً وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كَلاّ. لاَ أَقُولُ. أَمّا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ مني. وَأَمّا كِتَابُ اللّهِ فَلاَ أَعْلَمُهُ. وَلَكِنْ حَدّثَنِي أُسَامَةُ ابْنُ زَيْدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "أَلاَ إنّمَا الرّبَا فِي النّسِيئَةِ".
قوله: (أن معمر بن عبد الله أرسل غلامه بصاع قمح ليبيعه ويشتري بثمنه شعيراً فباعه بصاع وزيادة فقال له معمر رده ولا تأخذه إلا مثلاً بمثل واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم الطعام مثلاً بمثل، قال: وكان طعامنا يومئذٍ الشعير فقيل له إنه ليس بمثله فقال إني أخاف أن يضارع) معنى يضارع يشابه ويشارك، ومعناه أخاف أن يكون في معنى المماثل فيكون له حكمه في تحريم الربا، واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفاً واحداً لا يجوز بيع أحدهما بالاَخر متفاضلاً، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنهما صنفان يجوز التفاضل بينهما كالحنطة مع الأرز، ودليلنا ما سبق عند قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم" مع ما رواه أبو داود والنسائي في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد" وأما حديث معمر هذا فلا حجة فيه لأنه لم يصرح بأنهما جنس واحد وإنما خاف من ذلك فتورع عنه احتياطاً.
قوله: "قدم بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا قال لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا ولكن مثلاً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان أما الجنيب فبجيم مفتوحة ثم نون مكسورة ثم مثناة تحت ثم موحدة وهو نوع من التمر من أعلاه، وأما الجمع فبفتح الجيم وإسكان الميم وهو تمر رديء، وقد فسره في الرواية الأخيرة بأنه الخلط من التمر ومعناه مجموع من أنواع مختلفة، وهذا الحديث محمول على أن هذا العامل الذي باع صاعاً بصاعين لم يعلم تحريم هذا لكونه كان في أوائل تحريم الربا أو لغير ذلك، واحتج بهذا الحديث أصحابنا وموافقوهم في أن مسألة العينة ليست بحرام وهي الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلاً إلى مقصود الربا بأن يريد أن يعطيه مائة درهم بمائتين فيبيعه ثوباً بمائتين ثم يشتريه منه بمائة، وموضع الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، ولم يفرق بين أن يشتري من المشتري أو من غيره، فدل على أنه لا فرق، وهذا كله ليس بحرام عند الشافعي وآخرين، وقال مالك وأحمد: هو حرام. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: وكذا الميزان فيستدل به الحنيفة لأنه ذكر في هذا الحديث الكيل والميزان، وأجاب أصحابنا وموافقوهم بأن معناه وكذلك الميزان لا يجوز التفاصل فيه فيما كان ربوياً موزوناً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أوه عين الربا" قال أهل اللغة: هي كلمة توجع وتحزن، ومعنى عين الربا أنه حقيقة الربا المحرم، وفي هذه الكلمة لغات الفصيحة المشهورة في الروايات أوه بهمزة مفتوحة وواو مفتوحة مشددة وهاء ساكنة، ويقال بنصب الهاء منونة، ويقال أوه بإسكان الواو وكسر الهاء منونة وغير منونة، ويقال أو بتشديد الواو مكسورة منونة بلا هاء، ويقال آه بمد الهمزة وتنوين الهاء ساكنة من غير واو. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد لمن اشترى صاعاً بصاعين (هذا الربا فردوه) هذا دليل على أن المقبوض ببيع فاسد يجب رده على بائعه وإذا رده استرد الثمن، فإن قيل: فلم يذكر في الحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم أمر برده، فالجواب أن الظاهر أنها قضية واحدة وأمر فيها برده، فبعض الرواة حفظ ذلك وبعضهم لم يحفظه فقبلنا زيادة الثقة، ولو ثبت أنهما قضيتان لحملت الأولى على أنه أيضاً أمر به وإن لم يبلغنا ذلك، ولو ثبت أنه لم يأمر به مع أنهما قضيتان لحملناها على أنه جهل بائعه ولا يمكن معرفته فصار مالاً ضائعاً لمن عليه دين بقيمته وهو التمر الذي قبضه عوضاً فحصل أنه لا إشكال في الحديث ولله الحمد.
قوله: (سألت ابن عباس عن الصرف فقال أيداً بيد؟ قلت: نعم، قال: لا بأس به). وفي رواية: (سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأساً قال فسألت أبا سعيد الخدري فقال ما زاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما فذكر أبو سعيد حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع صاعين بصاع وذكرت رجوع ابن عمر وابن عباس عن إباحته إلى منعه) وفي الحديث الذي بعده: (أن ابن عباس قال: حدثني أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الربا في النسيئة) وفي رواية: (إنما الربا في النسيئة) وفي رواية: (لا ربا فيما كان يداً بيد). معنى ما ذكره أولاً عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يعتقدان أنه لا ربا فيما كان يداً بيد، وأنه يجوز بيع درهم بدرهمين ودينار بدينارين وصاع تمر بصاعين من التمر، وكذا الحنطة وسائر الربويات كانا يريان جواز بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً، وأن الربا لا يحرم في شيء من الأشياء إلا إذا كان نسيئة، وهذا معنى قوله: أنه سألهما عن الصرف فلم يريا به بأساً، يعني الصرف متفاضلاً كدرهم بدرهمين، وكان معتمدهما حديث أسامة بن زيد: "إنما الربا في النسيئة" ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً. وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدل على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة فلما بلغهما رجعا إليه.
وأما حديث أسامة: "لا ربا إلا في النسيئة" فقد قال قائلون بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه، وتأوله آخرون تأويلات: أحدها أنه محمول على غير الربويات وهو كبيع الدين بالدين مؤجلاً بأن يكون له عنده ثوب موصوف فيبيعه بعبد موصوف مؤجلاً فإن باعه به حالاً جاز. الثاني: أنه محمول على الأجناس المختلفة فإنه لا ربا فيها من حيث التفاضل بل يجوز تفاضلها يداً بيدع. الثالث: أنه جمل وحديث عبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وغيرهما مبين فوجب العمل بالمبين وتنزيل المجمل عليه هذا جواب الشافعي رحمه الله. قوله: (حدثنا هقل) هو بكسر الهاء وإسكان القاف.
*2* باب لعن آكل الربا ومؤكله
*حدّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لِعُثْمَانَ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مُغِيرَةَ. قَالَ: سَأَلَ شِبَاكٌ إِبْرَاهِيمَ. فَحَدّثَنَا، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرّبَا وَمُؤْكِلَهُ. قَالَ قُلْتُ: وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ؟ قَالَ: هُم سواءٌ إنّمَا نُحَدّثُ بِمَا سَمِعْنَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الصّبّاحِ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالُوا: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
قوله: (سأل شباك إبراهيم) هو بشين معجمة مكسورة ثم باء موحدة مخففة.
قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء" هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليهما وفيه تحريم الإعانة على الباطل والله أعلم
*2* باب أخذ الحلال وترك الشبهات
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيّ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) "إنّ الْحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الْحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَىَ حَوْلَ الْحِمَىَ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى اللّهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ: قَالاَ: حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرّفٍ وَ أَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيّ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ. كُلّهُمْ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ زَكَرِيّاءَ أَتمّ مِنْ حَدِيثِهِمْ، وَأَكْثَرُ.
حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي: حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ أَنّهُ سَمِعَ نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ بِحِمْصَ. وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْحَلاَلُ بَيّنٌ وَالْحَرَامُ بَيّنٌ". فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَكَرِيّاءَ عَنْ الشّعْبِيّ. إِلَىَ قوله: "يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس إلى آخره" أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث وكثرة فوائده وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال جماعة: هو ثلث الإسلام وأن الإسلام يدور عليه وعلى حديث: "الأعمال بالنية" وحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". وقال أبو داود السختياني: يدور على أربعة أحاديث هذه الثلاثة وحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وقيل حديث: "ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد ما في أيدي الناس يحبك الناس" قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرهما، وأنه ينبغي ترك المشتبهات فإنه سبب لحماية دينه وعرضه، وحذر من مواقعة الشبهات وأوضح ذلك بضرب المثل بالحمى، ثم بين أهم الأمور وهو مراعاة القلب فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة" إلى آخره فبين صلى الله عليه وسلم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد وبفساده يفسد باقيه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيّن والحرام بيّن" فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بين واضح لا يخفى حله كالخبز والفواكه والزيت والعسل والسمن ولبن مأكول اللحم وبيضه وغير ذلك من المطعومات، وكذلك الكلام والنظر والمشي وغير ذلك من التصرفات فيها حلال بين واضح لا شك في حله. وأما الحرام البين فكالخمر والميتة والبول والدم المسفوح، وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك. وأما المشتبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي فإذا ألحقه به صار حلالاً، وقد يكون دليله غير خال عن إِلاحتمال البين فيكون الورع تركه ويكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وما لم يظهر للمجتهد فيه شيء وهو مشتبه فهل يؤخذ بحله أم بحرمته أم يتوقف فيه ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره، والظاهر أنها مخرجة على الخلا المذكور في الأشياء قبل ورود الشرع، وفيه أربعة مذاهب الأصح أنه لا يحكم بحل ولا حرمة ولا إباحة ولا غيرها، لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع. والثاني: أن حكمها التحريم. والثالث: الإباحة. والرابع: التوقف والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فقد استبرأ لدينه وعرضه" أي حصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي وصان عرضه عن كلام الناس فيه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه" معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل ملك منهم حمى يحميه عن الناس ويمنعهم دخوله، فمن دخله أوقع به العقوبة، ومن احتاط لنفسع لا يقارب ذلك الحمى خوفاً من الوقوع فيه، ولله تعالى أيضاً حمى وهي محارمة أي المعاصي التي حرمها الله كالقتل والزنا والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك، فكل هذا حمى الله تعالى من دخله بارتكابه شيئاً من المعاصي استحق العقوبة، ومن قاربه يوشك أن يقع فيه، فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولا يتعلق بشيء يقربه من المعصية فلا يدخل في شيء من الشبهات. قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" قال أهل اللغة: يقال صلح الشيء وفسد بفتح اللام والسين وضمهما والفتح أفصح وأشهر، والمضغة القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها، قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب. وفي هذا الحديث التأكيد على السعي في صلاح القلب وحمايته من الفساد، واحتج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس، وفيه خلاف مشهور مذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب، وقال أبو حنيفة: هو في الدماغ وقد يقال في الرأس، وحكوا الأول أيضاً عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء. قال المازري: واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} وقوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} وبهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب فعلم أنه ليس محلاً للعقل، واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم، ولا حجة لهم في ذلك لأنه الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ مع أن العقل ليس فيه ولا امتناع من ذلك. قال المازري: لا سيما على أصولهم في إِلاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكاً والله أعلم.
قوله: (عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه) هذا تصريح بسماع النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الصواب الذي قاله أهل العراق وجماهير العلماء. قال القاضي: وقال يحيى بن معين أن أهل المدينة لا يصحون سماع النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم وهذه حكاية ضعيفة أو باطلة والله أعمل. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" يحتمل وجهين: أحدهما أنه من كثرة تعاطيه الشبهات يصادف الحرام وإن لم يتعمده وقد يأثم بذلك إذا نسب إلى تقصير. والثاني: أنه يعتاد التساهل ويتمرن عليه ويجسر على شبهة ثم شبهة أغلظ منها ثم أخرى أغلظ وهكذا حتى يقع في الحرام عمداً، وهذا نحو قول السلف: المعاصي بريد الكفر أي تسوق إليه عافانا الله تعالى من الشر. قوله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يقع فيه" يقال أوشك يوشك بضم الياء وكسر الشين أي يسرع ويقرب. قوله: أتم من حديثهم وأكبر هو بالباء الموحدة وفي كثير من النسخ بالمثلثة والله أعلم
*2* باب بيع البعير واستثناء ركوبه
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ، عَنْ عَامِرٍ: حَدّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَىَ جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا. فَأَرَادَ أَنْ يُسَيّبَهُ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْراً لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، قَالَ "بِعْنِيهِ بِوُقِيّةٍ" قُلْتُ: لاَ، ثُمّ قَالَ: "بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ بِوُقِيّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إلَىَ أَهْلِي، فَلَمّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي، فَقَالَ: "أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لاَِخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ".
وحدّثناه عَليّ بْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عيسَىَ (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنْ عَامِرٍ: حَدّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لِعُثْمَانَ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَلاَحَقَ بِي، وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي قَدْ أَعْيَا وَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ، قَالَ: فَقَالَ لِي "مَا لِبَعِيرِكَ؟" قَالَ قُلْتُ: عَلِيلٌ، قَالَ: فَتَخَلّفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدّامَهَا يَسِيرُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: "كَيْفَ تَرَىَ بَعِيرَكَ؟" قَالَ قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ، قَالَ: "أَفَتَبِيعُنِيهِ؟" فَاسْتَحْيَيْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ، قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَبِعْتُهُ إيّاهُ، عَلَىَ أَنّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدّمْتُ النّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتّى انْتَهَيْتُ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ، فَلاَمَنِي فِيهِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: "مَا تَزَوّجْتَ؟ أَبِكْراً أَمْ ثَيّباً؟" فَقُلْتُ لَهُ: تَزَوّجْتُ ثَيّباً، قَالَ: "أَفَلاَ تَزَوّجْتَ بِكْراً تُلاَعِبُكَ وَتُلاَعِبُهَا؟" فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ تُوُفّيَ وَالِدِي (أَوِ اسْتُشْهِدَ) وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوّجَ إِلَيْهِنّ مِثْلَهُنّ، فَلاَ تُؤَدّبُهُنّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنّ، فَتَزَوّجْتُ ثَيّباً لِتَقُومَ عَلَيْهِنّ وَتُؤَدّبَهُنّ، قَالَ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، غَدَوْتُ إلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدّهُ عَلَيّ.
حدثّنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاعْتَلّ جَمَلِي، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصّتِهِ، وَفِيهِ: ثُمّ قَالَ لِي: "بِعْنِي جَمَلَكَ هَذَا" قَالَ قُلْتُ: لاَ، بَلْ هُوَ لَكَ، قَالَ: "لاَ، بَلْ بِعْنِيهِ" قَالَ قُلْتُ: لاَ، بَلْ هُوَ لَكَ، يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "لاَ، بَلْ بِعْنِيهِ"، قَالَ قُلْتُ: فَإِنّ لِرَجُلٍ عَلَيّ أُوقِيّةَ ذَهَبٍ، فَهُوَ لَكَ بِهَا، خذه بها قَالَ: "قَدْ أَخَذْتُهُ، فَتَبَلّغْ عَلَيْهِ إلَى الْمَدِينَةِ" قَالَ: فَلَمّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلاَلٍ: "أَعْطِهِ أُوقِيّةً مِنْ ذَهَبٍ، وَزِدْهُ" قَالَ: فَأَعْطَانِي أُوْقِيّةً مِنْ ذَهَبٍ، وَزَادَنِي قِيرَاطاً، قَالَ فَقُلْتُ: لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَكَانَ فِي كِيسٍ لِي، فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشّامِ يَوْمَ الْحَرّةِ.حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ: حَدّثَنَا الجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَتَخَلّفَ نَاضِحِي، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: فَنَخَسَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ قَالَ لِي: "ارْكَبْ بِاسْمِ اللّهِ" وَزَادَ أَيْضاً: قَالَ: فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَيَقُولُ: "وَاللّهُ يَغْفِرُ لَكَ".
وحدّثني أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ: حَدّثَنَا حَمّادٌ: حَدّثَنَا أَيّوبُ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمّا أَتَىَ عَلَيّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَعْيَا بَعِيرِي، قَالَ: فَنَخَسَهُ فَوَثَبَ، فَكُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْبِسُ خِطَامَهُ لأَسْمَعَ حَدِيثَهُ، فَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَحِقَنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ، قَالَ قُلْتُ: عَلَىَ أَنّ لِي ظَهْرهُ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: "وَلَكَ ظَهْرُهُ إلَىَ الْمَدِينَةِ" قَالَ: فَلَمّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِهِ، فَزَادَنِي وُقِيّةً، ثُمّ وَهَبَهُ لِي.
حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمّيّ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَقَ: حَدّثَنَا بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ النّاجِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ (أَظُنّهُ قَالَ غَازِياً) واقْتَصّ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ: قَالَ "يَا جَابِرُ أَتَوَفّيْتَ الثّمَنَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "لَكَ الثّمَنُ وَلَكَ الْجَمَلُ، لَكَ الثّمَنُ وَلَكَ الْجَمَلُ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: اشْتَرَىَ مِنّي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيراً بوُقِيّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، قَالَ: فَلَمّا قَدِمَ صِرَاراً أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ، فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ فَأَرْجَحَ لِي.
حدّثني يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيّ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ: أَخْبَرَنَا مُحَارِبٌ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْقِصّةِ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَاشْتَرَاهُ مِنّي بِثَمَنٍ قَدْ سَمّاهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْوُقِيّتَيْنِ والدّرْهَمَ والدّرْهَمَيْنِ، وَقَالَ: أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ، ثُمّ قَسَمَ لَحْمَهَا.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبي زَائدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاء، عَنْ جَابِرٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "قَدْ أَخَذْتُ جَمَلَكَ بأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، ولَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ".
فيه حديث جابر وهو حديث مشهور احتج به أحمد ومن وافقه في جواز بيع الدابة ويشترط البائع لنفسه ركوبها، وقال مالك: يجوز ذلك إذا كانت مسافة الركوب قريبة وحمل هذا الحديث على هذا، وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون: لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت ولا ينعقد البيع، واحتجوا بالحديث السابق في النهي عن بيع الثنيا وبالحديث الاَخر في النهي عن بيع وشرط، وأجابوا عن حديث جابر بأنها قضية عين تتطرق إليها احتمالات قالوا: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطيه الثمن ولم يرد حقيقة البيع، قالوا: ويحتمل أن الشرط لم يكن في نفس العقد وإنما يضر الشرط إذا كان في نفس العقد، ولعل الشرط كان سابقاً فلم يؤثر ثم تبرع صلى الله عليه وسلم باركابه. قوله صلى الله عليه وسلم: "بعينه بوقية" هكذا هو في النسخ بوقية وهي لغة صحيحة سبقت مراراً، ويقال أوقية وهي أشهر، وفيه أنه لا بأس بطلب البيع من مالك السلعة وإن لم يعرضها للبيع. قوله: (واستثنيت عليه حملانه) هو بضم الحاء أي الحمل عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "أتراني ما كستك" قال أهل اللغة المماكسة هي المكالمة في النقص من الثمن وأصله النقص، ومنه مكس الظالم وهو ما ينتقصه ويأخذه من أموال الناس. قوله: (فبعته بوقية) وفي رواية: (بخمس أواق وزادني أوقية) وفي بعضها: (بأوقيتين ودرهم أو درهمين) وفي بعضها: (بأوقية ذهب) وفي بعضها: (بأربعة دنانير) وذكر البخاري أيضاً اختلاف الروايات وزاد بثمانمائة درهم، وفي رواية: بعشرين ديناراً، وفي رواية أحسبه بأربع أواق، قال البخاري: وقول الشعبي بوقية أكثر، قال القاضي عياض: قال أبو جعفر الداودي أوقية الذهب قدرها معلوم وأوقية الفضة أربعون درهماً، قال: وسبب اختلاف هذه الروايات أنهم رووا بالمعنى وهو جائز، فالمراد وقية ذهب كما فسره في رواية سالم بن أبي الجعد عن جابر ويحمل عليها رواية من روى أوقية مطلقة، وأما من روى خمس أواق فالمراد خمس أواق من الفضة وهي بقدر قيمة أوقية الذهب في ذلك الوقت، فيكون الاخبار بأوقية الذهب عما وقع به العقد، وعن أواق الفضة عما حصل به الإيفاء ولا يتغير الحكم، ويحتمل أن يكون هذا كله زيادة على الأوقية قال فما زال يزيدني، وأما رواية أربعة دنانير فموافقة أيضاً لأنه يحتمل أن تكون أوقية الذهب حينئذٍ وزن أربعة دنانير، وأما رواية أوقيتين فيحتمل أن إحداهما وقع بها البيع والأخرى زيادة كما قال وزادني أوقية، وقوله ودرهم أو درهمين موافق لقوله وزادني قيراطاً، وأما رواية عشرين ديناراً فمحمولة على دنانير صغار كانت لهم، ورواية أربع أواق شك فيها الراوي فلا اعتبار بها والله أعلم. قوله: (على أن لي فقار ظهره) هو بفاء مفتوحة ثم قاف وهي خرزاته أي مفاصل عظامه واحدتها فقارة. قوله: (فقلت له يا رسول الله إني عروس) هكذا يقال للرجل عروس كما يقال ذلك للمرأة لفظها واحد لكن يختلفان في الجمع فيقال رجل عروس ورجال عرس بضم العين والراء وامرأة عروس ونسوة عرائس. قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك" سبق شرحه في كتاب النكاح وضبط لفظه والخلاف في معناه مع شرح ما يتعلق به. قوله: (فإن لرجل علي أوقية ذهب فهو ذلك بها قال قد أخذته به) هذا قد يحتج به أصحابنا في اشتراط الإيجاب والقبول في البيع وأنه لا ينعقد بالمعاطاة ولكن الأصح المختار انعقاده بالمعاطاة، وهذا لا يمنع انعقاده بالمعاطاة فإنه لم ينه فيه عن المعاطاة، والقائل بالمعاطاة يجوز هذا فلا يرد عليه، لأن المعاطاة إنما تكون إذا حضر العوضان فأعطى وأخذ، فأما إذا لم يحضر العوضان أو أحدهما فلا بد من لفظ، وفي هذا دليل لأصح الوجهين عند أصحابنا وهو انعقاد البيع بالكناية. لقوله صلى الله عليه وسلم: قد أخذته به، مع قول جابر: هو لك، وهذان اللفظان كناية. قوله صلى الله عليه وسلم: "اعطه أوقية من ذهب وزده" فيه جواز الوكالة في قضاء الديون وأداء الحقوق، وفيه استحباب الزيادة في أداء الدين وإرجاح الوزن. قوله: (فأخذه أهل الشام يوم الحرة) يعني حرة المدينة كان قتال ونهب من أهل الشام هناك سنة ثلاث وستين من الهجرة. قوله: (فبعته منه بخمس أواق) هكذا هو في جميع النسخ فبعته منه وهو صحيح جائز في العربية يقال بعته وبعت منه، وقد كثر ذكر نظائره في الحديث وقد أوضحته في تهذيب اللغات. قوله: (حدثنا عقبة بن مكرم العمي) هو مكرم بضم الميم وإسكان الكاف وفتح الراء، وأما العمي فبتشديد الميم منسوب إلى بني العم من تميم. قوله: (عن أبي المتوكل الناجي) هو بالنون والجيم منسوب إلى بني ناجية وهم من بني أسامة بن لؤي، وقال أبو علي الغساني: هم أولاد ناجية امرأة كانت تحت أسامة بن لؤي.
قوله: (فلما قدم صرار) هو بصاد مهملة مفتوحة ومكسورة والكسر أفصح وأشهر ولم يذكر الأكثرون غيره، قال القاضي: وهو عند الدارقطني والخطابي وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بصاد مهملة مكسورة وتخفيف الراء وهو موضع قريب من المدينة، قال: وقال الخطابي هي بئر قديمة على الثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق، قال القاضي: والأشبه عندي أنه موضع لا بئر، قال: وضبطه بعض الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بكسر الضاد المعجمة وهو خطأ، ووقع في بعض النسخ المعتمدة فلما قدم ضرار غير مصروف والمشهور صرفه. قوله: (أمر ببقرة فذبحت) فيه أن السنة في البقر الذبح لا النحر ولو عكس جاز. وأما قوله في الرواية الأخرى: (أمر ببقرة فنحرت) فالمراد بالنحر الذبح جمعاً بين الروايتين. قوله: "أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين" فيه أنه يستحب للقادم من السفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، وفيه أن نافلة النهار يستحب كونها ركعتين ركعتين كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وسبق بيانه في كتاب الصلاة. واعلم أن في حديث جابر هذا فوائد كثيرة: إحداها هذه المعجزة الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في انبعاث جمل جابر وإسراعه بعد إعيائه. الثانية: جواز طلب البيع ممن لم يعرض سلعته للبيع. الثالثة: جواز المماكسة في البيع وسبق تفسيرها. الرابعة: استحباب سؤال الرجل الكبير أصحابه عن أحوالهم والإشارة عليهم بمصحالهم. الخامسة: استحباب نكاح البكر. السادسة: استحباب ملاعبة الزوجين. السابعة: فضيلة جابر في أنه ترك حظ نفسه من نكاح البكر واختار مصلحة أخواته بنكاح ثيب تقوم بمصالحهن. الثامنة: استحباب إِلابتداء بالمسجد وصلاة ركعتين فيه عند القدوم من السفر. التاسعة: استحباب الدلالة على الخير. العاشرة: استحباب إرجاح الميزان فيما يدفعه. الحادية عشرة: أن أجرة وزن الثمن على البائع. الثانية عشرة: التبرك بآثار الصالحين لقوله: لا تفارقه زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثالثة عشرة: جواز تقدم بعض الجيش الراجعين بإذن الأمير. الرابعة عشرة: جواز الوكالة في أداء الحقوق ونحوها وفيه غير ذلك مما سبق والله أعلم
*2* باب من استسلف شيئاً فقضى خيراً منه، و"خيركم أحسنكم قضاء"
*حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ ابْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاّ خِيَاراً رَبَاعِياً، فَقَالَ: "أَعْطِهِ إيّاهُ، إنّ خِيَارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَكْراً، بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "فَإِنّ خَيْرَ عِبَادِ اللّهِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيّ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَقّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمّ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَالاً"، فَقَالَ لَهُمُ: "اشْتَرُوا لَهُ سِنّا فَأَعْطُوهُ إيّاهُ" فَقَالُوا: إنّا لاَ نَجِدُ إِلاّ سِنّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنّهِ، قَالَ: "فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إيّاهُ، فَإنّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سِنّا، فَأَعْطَىَ سِنّا فَوْقَهُ، وَقَالَ: "خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَقَاضَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيراً، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ سِنّا فَوْقَ سِنّهِ"، وَقَالَ: "خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً".
قوله: (عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال: ما أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء)وفي رواية أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: اشتروا له سناً فأعطوه إياه فقالوا إنا لا نجد إلا سناً هو خير من سنه قال فاشتروه فأعطوه إياه فإن من خيركم أو خيركم أحسنكم قضاء" وفي رواية له: (استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سناً فأعطاه سناً فوقه وقال: خياركم محاسنكم قضاء) أما البكر من الإبل فبفتح الباء وهو الصغير كالغلام من الاَدميين والأنثى بكرة، وقلوص وهي الصغيرة كالجارية فإذا استكمل ست سنين ودخل في السابعة والقى رباعية بتخفيف الياء فهو رباع والأنثى رباعية بتخفيف الياء وأعطاه رباعياً بتخفيفها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "خياركم محاسنكم قضاء" قالوا معناه ذوو المحاسن سماهم بالصفة، قال القاضي: وقيل هو جمع محسن بفتح الميم، وأكثر ما يجيء أحاسنكم جمع أحسن. وفي هذا الحديث جواز إِلاقتراض والاستدانة وإنما اقترض النبي صلى الله عليه وسلم للحاجة، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المغرم وهو الدين، وفيه جواز اقتراض الحيوان، وفيه ثلاثة مذاهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء من السلف والخلف أنه يجوز قرض جميع الحيوان إلا الجارية لمن يملك وطأها فإنه لا يجوز، ويجوز إقراضها لمن لا يملك وطأها كمحارمها والمرأة والخنثى. والمذهب الثاني مذهب المزني وابن جرير وداود أنه يجوز قرض الجارية وسائر الحيوان لكل واحد. والثالث: مذهب أبي حنيفة والكوفيين أنه لا يجوز قرض شيء من الحيوان، وهذه الأحاديث ترد عليهم ولا تقبل دعواهم النسخ بغير دليل، وفي هذه الأحاديث جواز السلم في الحيوان وحكمه حكم القرض، وفيها أنه يستحب لمن عليه دين من قرض وغيره أن يرد أجود من الذي عليه وهذا من السنة ومكارم الأخلاق، وليس هو من قرض جر منفعة فإنه منهي عنه لأن المنهي عنه ما كان مشروطاً في عقد القرض، ومذهبنا أنه يستحب الزيادة في الأداء عما عليه، ويجوز للمقرض أخذها سواء زاد في الصفة أو في العدد بأن أقرضه عشرة فأعطاه أحد عشر، ومذهب مالك أن الزيادة في العدد منهي عنها، وحجة أصحابنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم أحسنكم قضاء". قوله: "فقدمت عليه إبل الصدقة إلى آخره" هذا مما يستشكل فيقال فكيف قضى من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها؟ والجواب أنه صلى الله عليه وسلم اقترض لنفسه فلما جاءت إبل الصدقة اشترى منها بعيراً رباعياً ممن استحقه فملكه النبي صلى الله عليه وسلم بثمنه وأوفاه متبرعاً بالزيادة من ماله، ويدل على ما ذكرناه رواية أبي هريرة التي قدمناها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشتروا له سناً فهذا هو الجواب المعتمد، وقد قيل فيه أجوبة غيره منها أن المقترض كان بعض المحتاجين إقترض لنفسه فأعطاه من الصدقة حين جاءت وأمره بالقضاء.
قوله: "كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له فهم به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لصاحب الحق مقالاً" في أنه يحتمل من صاحب الدين الكلام المعتاد في المطالبة، وهذا الإغلاظ المذكور محمول على تشدد في المطالبة ونحو ذلك من غير كلام فيه قدح أو غيره مما يقتضي الكفر، ويحتمل أن القائل الذي له الدين كان كافراً من اليهود أو غيرهم والله أعلم
*2* باب جواز بيع الحيوان بالحيوان، من جنسه، متفاضلا
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ ابْنُ رُمْحٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، ح وَحَدّثَنِيهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ أَنّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "بِعْنِيهِ" فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، ثُمّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَداً بَعْدُ، حَتّىَ يَسْأَلَهُ "أَعَبْدٌ هُوَ؟".
قوله: "جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بعنيه فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحداً بعد حتى يسأله أعبد هو" هذا محمول على أن سيده كان مسلماً ولهذا باعه بالعبدين الأسودين والظاهر أنهما كانا مسلمين، ولا يجوز ربيع العبد المسلم لكافر، ويحتمل أنه كان كافراً أو أنهما كانا كافرين، ولا بد من ثبوت ملكه للعبد الذي بايع على الهجرة إما ببينة وإما بتصديق العبد قبل إقراره بالحرية، وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق والإحسان العام فإنه كره أن يرد ذلك العبد خائباً بما قصده من الهجرة وملازمة الصحبة فاشتراه ليتم له ما أراده، وفيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة وهذا مجمع عليه إذا بيع نقداً وكذا حكم سائر الحيوان، فإن باع عبداً بعبدين أو بعيراً ببعيرين إلى أجل فمذهب الشافعي والجمهور جوازه، وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يجوز وفيه مذاهب لغيرهم والله أعلم.
*2* باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اشْتَرَىَ طعاماً رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَهُودِيَ طَعَاماً بِنَسِيئَةٍ، فَأَعْطَاهُ دِرْعاً لَهُ، رَهْناً.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اشْتَرَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَهُودِيّ طَعَاماً، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ: أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الأَعْمَشِ قَالَ: ذَكَرْنَا الرّهْنَ فِي السّلَم عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ، فَقَالَ: حَدّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَىَ مِنْ يَهُودِيّ طَعاماً إِلىَ أَجلٍ، وَرَهَنَهُ درْعاً لَهُ مِنْ حَدِيدٍ.
حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدّثنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ: مِنْ حَدِيدٍ.
في الباب حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعاً له من حديد) فيه جواز معاملة أهل الذمة والحكم بثبوت أملاكهم على ما في أيديهم، وفيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا وملازمة الفقر، وفيه جواز الرهن وجواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة وجواز الرهن في الحضر، وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا مجاهداً وداود فقالا: لا يجوز إلا في السفر تعلقاً بقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة} واحتج الجمهور بهذا الحديث وهو مقدم على دليل خطاب الاَية. وأما اشتراء النبي صلى الله عليه وسلم الطعام من اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة فقيل فعله بياناً لجواز ذلك، وقيل لأنه لم يكن هناك طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده، وقيل لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى الله عليه وسلم ولا يقبضون منه الثمن، فعدل إلى معاملة اليهودي لئلا يضيق على أحد من أصحابه، وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة وغيرهم من الكفار إذا لم يتحقق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب ولا يستعينون به في إقامة دينهم ولا بيع مصحف ولا العبد المسلم لكافر مطلقاً والله أعلم).
*2* باب السلم
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا، وَقَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثّمَارِ، السّنَةَ وَالسّنَتَيْنِ فَقَالَ: "مَنْ سلَفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَىَ أَجَلٍ مَعْلُومٍ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنّاسُ يُسْلِفُونَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَسْلَفَ فَلاَ يُسْلِفْ إلاّ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَة، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ، ولَمْ يَذْكُرْ: "إلَىَ أَجَلٍ مَعْلُومٍ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالاَ: حدّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ، حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ، كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِإِسْنَادِهِمْ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، يَذْكُرُ فِيهِ "إِلَىَ أَجَلٍ مَعْلُومٍ".
قال أهل اللغة: يقال السلم والسلف وأسلم وسلم وأسلف وسلف ويكون السلف أيضاً قرضاً ويقال استسلف، قال أصحابنا: ويشترك السلم والقرض في أن كلاً منهما إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال، وذكروا في أحد السلم عبارات أحسنها أنه عقد على موصوف في الذمة ببذل يعطي عاجلاً سمي سلماً لتسليم رأس المال في المجلس، وسمي سلفاً لتقديم رأس المال وأجمع المسلمون على جواز السلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" فيه جواز السلم وأنه يشترط أن يكون قدره معلوماً بكيل أو وزن أو غيرهما مما يضبط به، فإن كان مذروعاً كالثوب اشترط ذكر ذرعان معلومة، وإن كان معدوداً كالحيوان اشترط ذكر عدد معلوم، ومعنى الحديث أنه إن أسلم في مكيل فليكن كيله معلوماً، وإن كان في موزون فليكن وزناً معلوماً، وإن كان مؤجلاً فليكن أجله معلوماً، ولا يلزم من هذا اشتراط كون السلم مؤجلاً بل يجوز حالاً لأنه إذا جاز مؤجلاً مع الغرر فجراز الحال أولى لأنه أبعد من الغرر، وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل، بل معناه إن كان أجل فليكن معلوماً، كما أن الكيل ليس بشرط بل يجوز السلم في الثياب بالذرع، وإنما ذكر الكيل بمعنى أنه إن أسلم في مكيل فليكن كيلاً معلوماً، أو في موزون فليكن وزناً معلوماً. وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال مع إجماعهم على جواز المؤجل، فجوز الحال الشافعي وآخرون ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبط به. قوله صلى الله عليه وسلم: "من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم" هكذا هو في أكثر الأصول تمر بالمثناة وفي بعضها ثمر بالمثلثة وهو أعم وهكذا في جميع النسخ، ووزن معلوم بالواو لا بأو، ومعناه أن أسلم كيلاً أو وزناً فليكن معلوماً، وفيه دليل لجواز السلم في المكيل وزناً وهو جائز بلا خلاف، وفي جواز السلم في الموزون كيلاً وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه كعكسه. قوله: (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وإسماعيل بن سالم جمعياً عن ابن عيينة) هكذا هو في نسخ بلادنا عن ابن عيينة، وكذا وقع في رواية أبي أحمد الجلودي، ووقع في رواية ابن ماهان عن مسلم عن شيوخه هؤلاء الثلاثة عن ابن علية وهو إسماعيل بن إبراهيم قال أبو علي الغساني وآخرون من الحفاظ: والصواب رواية ابن ماهان، قالوا: ومن تأمل الباب عرف ذلك، قال القاضي: لأن مسلماً ذكر أولاً حديث ابن عيينة عن ابن أبي نجيح وفيه ذكر الأجل، ثم ذكر حديث عبد الوارث عن بن أبي نجيح وليس فيه ذكر الأجل، ثم ذكر حديث ابن علية عن ابن أبي نجيح وقال بمثل حديث عبد الوارث ولم يذكر إلى أجل معلوم، ثم ذكر حديث سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح وقال بمثل حديث ابن عيينة يذكر فيه الأجل.
*2* باب تحريم الاحتكار في الأقوات
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ يُحَدّثُ أَنّ مَعْمَراً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ" فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنّكَ تَحْتَكِرُ؟ قَالَ سَعِيدٌ: إِنّ مَعْمَراً الّذِي كَانَ يُحَدّثُ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ يَحْتَكِرُ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ: حَدّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِئٌ".
م 2 (...) قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَىَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ مَعْمَرِ ابْن أَبِي مَعْمَرٍ أَحَدِ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَىَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من احتكر فهو خاطئ" وفي رواية: "لا يحتكر إلا خاطئ" قال أهل اللغة: الخاطئ بالهمز هو العاصي الاَثم، وهذا الحديث صريح في تحريم إِلاحتكار، قال أصحابنا: إِلاحتكار المحرم هو إِلاحتكار في الأقوات خاصة وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا جاء من قريته أو اشتراه في وقت الرخص وادخره أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكره أو ابتاعه ليبيعه في وقته فليس باحتكار ولا تحريم فيه، وأما غير الأقوات فلا يحرم إِلاحتكار فيه بكل حال، هذا تفصيل مذهبنا، قال العلماء: والحكمة في تحريم إِلاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعاً للضرر عن الناس، وأما ما ذكر في الكتاب عن سعيد بن المسيب ومعمر راوي الحديث أنهما كانا يحتكران فقال ابن عبد البر وآخرون: إنما كان يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه والغلاء، وكذا حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون وهو الصحيح. قول مسلم: (وحدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون قال حدثنا خالد بن عبد الله عن عمر بن يحيى عن محمد بن عمرو عن سعيد بن المسيب) قال الغساني وغيره: هذا أحد الأحاديث الأربعة عشر المقطوعة في صحيح مسلم، قال القاضي: قد قدمنا أن هذا لا يسمى مقطوعاً إنما هو من رواية المجهول وهو كما قال القاضي ولا يضر هذا الحديث لأنه أتى به متابعة وقد ذكره مسلم من طرق متصلة برواية من سماهم من الثقات، وأما المجهول فقد جاء مسمى في رواية أبي داود وغيره فرواه أبو داود في سننه عن وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله عن عمر بن يحيى بإسناده والله أعلم
*2* باب النهي عن الحلف في البيع
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ الأُمَوِيّ، ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، كِلاَهُمَا عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلرّبْحِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيْبَةَ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إيّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنّهُ يُنَفّقُ ثُمّ يَمْحَقُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلف منفعة للسلعة ممحقة للربح".
وفي رواية: "إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق". المنفقة والممحقة بفتح أولها وثالثهما وإسكان ثانيهما وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه، وينضم إليه هنا ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمن والله أعلم.
*2* باب الشفعة
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُس: حَدّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتّىَ يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ، وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ)، حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَضَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشّفْعَةِ فِي كُلّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لاَ يَحِلّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتّىَ يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقّ بِهِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنّ أَبَا الزّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الشّفْعَةُ فِي كُلّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ، لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتّىَ يَعْرِضَ عَلَىَ شَرِيكِهِ فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ، فَإنْ أَبَىَ فَشَرِيكُهُ أَحَقّ بِهِ حَتّىَ يُؤْذِنَهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك" وفي رواية: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به" وفي رواية: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشفعة في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ ويدع فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه". قال أهل اللغة: الشفعة من شفعت الشيء إذا ضممته وثنيته ومنه شفع الأذان، وسميت شفعة لضم نصيب إلى نصيب، والربعة والربع بفتح الراء وإسكان الباء والربع الدار والمسكن ومطلق الأرض وأصله المنزل الذي كانوا يرتبعون فيه، والربعة تأنيث الربع وقيل واحدة والجمع الذي هو اسم الجنس ربع كثمرة وتمر، وأجمع المسلمون على ثبوت الشفعة للشركي في العقار ما لم يقسم، قال العلماء: الحكمة في ثبوت الشفعة إزالة الضرر عن الشريك، وخصت بالعقار لأنه أكثر الأنواع ضرراً، واتفقوا على أنه لا شفعة في الحيوان والثياب والأمتعة وسائر المنقول. قال القاضي: وشذ بعض الناس فأثبت الشفعة في العروض وهي رواية عن عطاء وتثبت في كل شيء حتى في الثوب، وكذا حكاها عنه ابن المنذر، وعن أحمد رواية أنها تثبت في الحيوان والبناء المنفرد، وأما المقسوم فهل تثبت فيه الشفعة بالجواز؟ فيه خلاف، مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء لا تثبت بالجوار، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري ويحيى الأنصاري وأبي الزياد وربيعة ومالك والأوزاعي والمغيرة بن عبد الرحمن وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وقال أبو حنيفة والثوري: تثبت بالجوار والله أعلم. واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث، على أن الشفعة لا تثبت إلا في عقار محتمل للقسمة بخلاف الحمام الصغير والرحى ونحو ذلك، واستدل به أيضاً من يقول بالشفعة فيما لا يحتمل القسمة. أما قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان له شريك فهو عام يتناول المسلم والكافر والذمي" فثبت للذمي الشفعة على السلم كما تثبت للمسلم على الذمي، هذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور، وقال الشعبي والحسن وأحمد رضي الله عنهم: لا شفعة للذمي على المسلم، وفيه ثبوت الشفعة للأعرابي كثبوتها للمقيم في البلد وبه، قال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وابن المنذر والجمهور وقال الشعبي: لا شفعة لمن لا يسكن بالمصر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك". وفي الرواية الأخرى: "لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه" فهو محمول عند أصحابنا على الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه وليس بحرام، ويتأولون الحديث على هذا ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال ويكون الحلال بمعنى المباح وهو مستوى الطرفين، والمكروه ليس بمباح مستوى الطرفين بل هو راجح الترك، واختلف العلماء فيما لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم وعثمان البتي وابن أبي ليلى وغيرهم له أن يأخذ بالشفعة، وقال الحكم والثوري وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له الأخذ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين والله أعلم
*2* باب غرز الخشب في جدار الجار
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ"،
قَالَ: ثُمّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللّهِ لأَرْمِيَنّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ ابْنُ يَحْيَىَ قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم" قال القاضي: روينا قوله خشبة في صحيح مسلم وغيره من الأصول والمصنفات خشبة بالإفراد وخشبة بالجمع، قال: وقال الطحاوي عن روح بن الفرج: سألت أبا زيد والحارث بن مسكين ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم خشبة بالتنوين على الإفراد. قال عبد الغني بن سعيد: كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي. وقوله بين أكتافكم هو بالتاء المثناة فوق أي بينكم، قال القاضي: قد رواه بعض رواة الموطأ أكنافكم بالنون ومعناه أيضاً بينكم والكنف الجانب، ومعنى الأول أني أصرح بها بينكم وأوجعكم بالتقريع بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه، قوله: ما لي أراكم عنها معرضين أي عن هذه السنة والخصلة والموعظة أو الكلمات. وجاء في رواية أبي داود فنكسوا رؤوسهم فقال: ما لي أراكم أعرضتم، واختلف العلماء في معنى هذا الحديث هل هو على الندب إلى تمكين الجار من وضع الخشب على جدار جاره أم على الإيجاب؟ وفيه قولان للشافعي وأصحاب مالك أصحهما في المذهبين الندب وبه قال أبو حنيفة والكوفيون. والثاني: الإيجاب وبه قال أحمد وأبو ثور وأصحاب الحديث وهو ظاهر الحديث، ومن قال بالندب قال ظاهر الحديث أنهم توقفوا عن العمل فلهذا قال: ما لي أراكم عنها معرضين، وهذا يدل على أنهم فهموا منه الندب لا الإيجاب ولو كان واجباً لما أطبقوا على الإعراض عنه والله أعلم
*2* باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَبّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً، طَوّقَهُ اللّهُ إيّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنّ أَرْوَىَ خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيّاهَا، فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقّهِ، طُوّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، اللّهُمّ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا في دَارِهَا،
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ، تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدّارِ مَرّتْ عَلَىَ بِئْرٍ فِي الدّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَرْوَىَ بِنْتَ أُوَيْسٍ ادّعَتْ عَلَىَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَىَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً طَوّقَهُ إِلَىَ سَبْعِ أَرضِينَ"، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لاَ أَسْأَلُكَ بَيّنَةً بَعْدَ هَذَا فَقَالَ: اللّهُمّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا،
قَالَ: فَمَا مَاتَتْ حَتّىَ ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً، فَإِنّهُ يُطَوّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقّهِ، إلاّ طَوّقَهُ اللّهُ إلَىَ سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ) حَدّثَنَا حَرْبٌ (وَهُوَ ابْنُ شَدّادٍ) حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ حَدّثَهُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، وَأَنّهُ دَخَلَ عَلَىَ عَائِشَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِب الأَرْضَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا حَبّانُ بْنُ هِلاَلٍ: حدّثنا أَبَانٌ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدّثَهُ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ دَخَلَ عَلَىَ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً قوه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين". وفي رواية: "من أخذ شبراً من الأرض بغير حق طوقه الله في سبع أرضين يوم القيامة" قال أهل اللغة: الأرضون بفتح الراء وفيها لغة قليلة بإسكانها حكاها الجوهري وغيره، قال العلماء: هذا تصريح بأن الأرضين سبع طبقات وهو موافق لقول الله تعالى: {سبع سموات ومن الأرض مثلهن} وأما تأويل المماثلة على الهيئة والشكل فخلاف الظاهر، وكذا قول من قال المراد بالحديث سبع أرضين من سبع أقاليم لأن الأرضين سبع طباق، وهذا تأويل باطل أبطله العلماء بأنه لو كان كذلك لم يطوق الظالم بشبر من هذا الإقليم شيئاً من إقليم آخر بخلاف طباق الأرض فإنها تابعة لهذا الشبر في الملك، فمن ملك شيئاً من هذه الأرض ملكه وما تحته من الطباق، قال القاضي: وقد جاء في غلظ الأرضين وطباقهن وما بينهن حديث ليس بثابت، وأما التطويق المذكور في الحديث فقالوا: يحتمل أن معناه أنه يحمل مثله من سبع أرضين ويكلف إطاقة ذلك، ويحتمل أن يكون يجعل له كالطوق في عنقه كما قال سبحانه وتعالى: {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} وقيل معناه أنه يطوق إثم ذلك ويلزمه كلزوم الطوق بعنقه، وعلى تقدير التطويق في عنقه يطول الله تعالى عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضربه، وفي هذه الأحاديث تحريم الظلم وتحريم الغصب وتغليظ عقوبته وفيه إمكان غصب الأرض وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يتصور غصب الأرض.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من ظلم قيد شبر من الأرض" هو بكسر القاف وإسكان الياء أي قدر شبر من الأرض، يقال: قيد وقاد وقيس وقاس بمعنى واحد، وفي الباب حبان بن هلال بفتح الحاء، وفي حديث سعيد بن زيد رضي الله عنهما منقبة له وقبول دعائه وجواز الدعاء على الظالم ومستدل أهل الفضل والله أعلم.
*2* باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه
*حدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ: حَدّثَنَا خَالِدٌ الْحَذّاءُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطّرِيقِ ، جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبع أذرع" هكذا هو في أكثر النسخ سبع أذرع، وفي بعضها سبعة أذرع وهما صحيحان، والذراع يذكر ويؤنث والتأنيث أفصح، وأما قدر الطريق فإن جعل الرجل بعض أرضه المملوك طريقاً مسبلة للمارين فقدرها إلى خيرته والأفضل توسيعها، وليست هذه الصورة مرادة الحديث وإن كان الطريق بين أرض لقوم وأرادوا إحياءها، فإن اتفقوا على شيء فذاك وإن اختلفوا في قدره جعل سبع أذرع وهذا مراد الحديث. أما إذا وجدنا طريقاً مسلوكاً وهو أكثر من سبعة أذرع فلا يجوز لأحد أن يستولي على شيء منه وإن قل لكن له عمارة ما حواليه من الموات ويملكه بالأحياء بحيث لا يضر المارين، قال أصحابنا: ومتى وجدنا جادة مستطرقة ومسلكاً مشروعاً نافذاً حكمنا باستحقاق الاستطراق فيه بظاهر الحال ولا يعتبر مبتدأ مصيره شارعاً، قال إمام الحرمين وغيره: ولا يحتاج ما يجعله شارعاً إلى لفظ في مصيره شارعاً ومسبلاً، هذا ما ذكره أصحابنا فيما يتعلق بهذا الحديث، وقال آخرون: هذا في الأفنية إذا أراد أهلها البنيان فيجعل طريقهم عرضه سبعة أذرع لدخول الأحمال والأثقال ومخرجها وتلاقيها، قال القاضي: هذا كله عند إِلاختلاف كما نص عليه في الحديث، فأما إذا اتفق أهل الأرض على قسمتها وإخراج طريق منها كيف شاؤوا فهلم ذلك ولا اعتراض عليهم لأنها ملكهم، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.