كتاب النذر
 *1* كتاب النذر
*2* باب الأمر بقضاء النذر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمَهاجِرِ قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: اسْتَفْتَىَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَىَ أُمّهِ، تُوُفّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَاقْضِهِ عَنْهَا".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، ح وَحَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بإِسْنَادِ اللّيْثِ، وَمَعْنَىَ حَدِيثِهِ.
قوله: "استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمة توفيت قبل أن تقضيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقضه عنها" أجمع المسلمون على صحة النذر ووجوب الوفاء به إذا كان الملتزم طاعة، فإن نذر معصية أو مباحاً كدخول السوق لم ينعقد نذره ولا كفارة عليه عندنا وبه قال جمهور العلماء. وقال أحمد وطائفة: فيه كفارة يمين. وقوله صلى الله عليه وسلم: فاقضه عنها دليل لقضاء الحقوق الواجبة على الميت، فأما الحقوق المالية فمجمع عليها، وأما البدنية ففيها خلاف قدمناه في مواضع من هذا الكتاب، ثم مذهب الشافعي وطائفة أن الحقوق المالية الواجبة على الميت من زكاة وكفارة ونذر يجب قضاؤها سواء أوصى بها أم لا كديون الاَدمي. وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: لا يجب قضاء شيء من ذلك إلا أن يوصي به. ولأصحاب مالك خلاف في الزكاة إذا لم يوص بها والله أعلم. قال القاضي عياض: واختلفوا في نذر أم سعد هذا فقيل كان نذراً مطلقاً، وقيل كان صوماً، وقيل كان عتقاً، وقيل صدقة، واستدل كل قائل بأحاديث جاءت في قصة أم سعد. قال القاضي: ويحتمل أن النذر كان غير ما ورد في تلك الأحاديث، قال: والأظهر أنه كان نذراً في المال أو نذراً مبهماً، ويعضده ما رواه الدارقطني من حديث مالك فقال له يعني النبي صلى الله عليه وسلم: اسق عنها الماء. وأما أحاديث الصوم عنها فقد علله أهل الصنعة للاختلاف بين رواته في سنده ومتنه وكثرة اضطرابه. وأما رواية من روى أفأعتق عنها فموافقه أيضاً لأن العتق من الأموال وليس فيه قطع بأنه كان عليها عتق والله أعلم. واعلم أن مذهبنا ومذهب الجمهور أن الوارث لا يلزمه قضاء النذر الواجب على الميت إذا كان غير مالي ولا إذا كان مالياً ولم يخلف تركه لكن يستحب له ذلك. وقال أهل الظاهر: يلزمه ذلك لحديث سعد هذا ودليلنا أن الوارث لم يلتزمه فلا يلزم، وحديث سعد يحتمل أنه قضاه من تركتها أو تبرع به وليس فيه الحديث تصريح بإلزامه ذلك والله أعلم
*2* باب النهي عن النذر، وأنه لا يردّ شيئا
*وحدّثني زُهْيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصورٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً يَنْهَانَا عَنِ النّذْرِ، وَيَقُولُ: "إنّهُ لاَ يَرُدّ شَيْئاً، وَإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشّحِيحِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَىَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "النّذْرُ لاَ يُقَدّمُ شَيْئاً، وَلاَ يُؤَخّرُهُ، وَإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى): حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ عَنِ النّذْرِ، وَقَالَ: "إنّهُ لاَ يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: حَدّثَنَا مُفَضّلٌ. ح وحَدّثَنَا مُحَمّدُ ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَنْذِرُوا، فَإنّ النّذْرَ لاَ يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْئاً، وَإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعتُ الْعَلاَءَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ عَنِ النّذْرِ، وَقَالَ: "إنّهُ لاَ يَرُدّ مِنَ الْقَدَرِ، وَإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَليّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَمْرٍو (وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو) عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنّ النّذْرَ لاَ يُقَرّبُ مِنِ ابْنِ آدَمَ شَيْئاً لَمْ يَكُنِ اللّهِ قَدّرَهُ لَهُ، وَلَكِنِ النّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ، فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ"
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) و عَبْدُ الْعَزِيز (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قوله: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ينهانا عن النذر ويقول إنه لا يرد شيئاً وإنما يستخرج به من الشحيح). وفي رواية عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل).
وفي رواية أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل". وفي رواية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال إنه لا يرد من القدر شيئاً". قال المازري: يحتمل أن يكون سبب النهي عن النذر كون الناذر يصير ملتزماً له فيأتي به تكلفاً بغير نشاط. ويحتمل أن يكون سببه كونه يأتي بالقربة التي التزمها في نذره على صورة المعاوضة للأمر الذي طلبه فينقص أجره، وشأن العبادة أن تكون متمحضة لله تعالى. قال القاضي عياض: ويحتمل أن النهي لكونه قد يظن بعض الجهلة أن النذر يرد القدر ويمنع من حصول المقدر فنهى عنه خوفاً من جاهل يعتقد ذلك، وسياق الحديث يؤيد هذا والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتي بخير فمعناه أنه لا يرد شيئاً من القدر كما بينه في الروايات الباقية. وأما قوله صلى الله عليه وسلم يستخرج به من البخيل فمعناه أنه لا يأتي بهذه القربة تطوعاً محضاً مبتدأ وإنما يأتي بها في مقابلة شفاء المريض وغيره مما تعلق النذر عليه، ويقال نذر ينذر وينذر بكسر الذال في المضارع وضمها لغتان
*2* باب لا وفاء لنذر في معصية اللّهِ، ولا فيما لا يملك العبد
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلّبِ، عَنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَىَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمّدُ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟" فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي؟ وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجّ؟ فَقَالَ (إعْظَاماً لِذَلِكَ) "أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ" ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ يَا مُحَمّدُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيماً رَقِيقاً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟" قَالَ: إنّي مُسْلِمٌ، قَالَ: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ، أَفْلَحْتَ كُلّ الْفَلاَحِ" ثُمّ انْصَرَفَ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ يَا مُحَمّدُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟" قَالَ: إنّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي، وَظَمْآنُ فَأَسْقِنِي، قَالَ: "هَذِهِ حَاجَتُكَ" فَفُدِيَ بِالرّجُلَيْنِ،
قَالَ: وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْوَثَاقِ، وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ، فَجَعَلَتْ إذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ، حَتّىَ تَنْتَهِيَ إلَى الْعَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ، قَالَ: وَنَاقَةٌ مُنَوّقَةٌ، فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ، وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ، قَالَ: وَنَذَرَتْ للّهِ إنْ نَجّاهَا اللّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنّهَا، فَلَمّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النّاسُ، فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ، نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ إنّهَا نَذَرَتْ إنْ نَجّاهَا اللّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنّهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللّهِ بِئْسَ مَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ للّهِ إنْ نَجّاهَا اللّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنّهَا، لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ"،
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ "لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ".
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ)، ح وَحَدّثَنَا إِسْحاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ، كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ، وَفِي حَدِيثِ حَمّادِ قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لِرَجْلٍ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجّ، وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضاً: فَأَتَتْ عَلَىَ نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرّسَةٍ وَفِي حَدِيثِ الثّقَفِيّ: وَهِيَ نَاقَةٌ مُدَرّبَةٌ.
قوله: (عن أبي المهلب) هو بضم الميم وفتح الهاء واللام المشددة اسمه عبد الرحمن بن عمرو، وقيل معاوية بن عمرو، وقيل عمرو بن معاوية، وقيل النضر بن عمرو الحرمي البصري والله أعلم. قوله: (سابقة الحاج) يعني ناقته العضباء، وسبق في كتاب الحج بيان العضباء والقصوى والجدعاء وهل هن ثلاث أم واحدة؟ قوله صلى الله عليه وسلم: "أخذتك بجريرة حلفائك" أي بجنايتهم. قوله صلى الله عليه وسلم للأسير حين قال إني مسلم: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" إلى قوله: (ففي بالرجلين) معناه لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر حين كنت مالك أمرك أفلحت كل الفلاح لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر فكنت فزت بالإسلام وبالسلامة من الأسر ومن اغتنام مالك، وأما إذا أسلمت بعد الأسر فيسقط الخيار في قتلك ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء، وفي هذا جواز المفاداة، وأن إسلام الأسير لا يسقط حق الغانمين منه، بخلاف ما لو أسلم قبل الأسر، وليس في هذا الحديث أنه حين أسلم وفادى به رجع إلى دار الكفر، ولو ثبت رجوعه إلى دارهم وهو قادر على إظهار دينه لقوة شوكة عشيرته أو نحو ذلك لم يحرم ذلك فلا إشكال في الحديث، وقد استشكله المازري وقال: كيف يرد المسلم إلى دار الكفر؟ وهذا الإشكال باطل مردود بما ذكرته. قوله: (وأسرت امرأة من الأنصار) هي امرأة أبي ذر رضي الله عنه. قوله: (ناقة منوقة) هي بضم الميم وفتح النون والواو المشددة أي مذللة. قوله: (ونذروا بها) هو بفتح النون وكسر الذال أي علموا. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد". وفي رواية: "لا نذر في معصية الله تعالى". في هذا دليل على أن من نذر معصية كشرب الخمر ونحو ذلك فنذره باطل لا ينعقد ولا تلزمه كفارة يمين ولا غيرها، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود وجمهور العلماء. وقال أحمد: تجب فيه كفارة اليمين بالحديث المروي عن عمران بن الحصين وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" واحتج الجمهور بحديث عمران بن حصين المذكور في الكتاب، وأما حديث كفارته كفارة يمين فضعيف باتفاق المحدثين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا فيما لا يملك العبد" فهو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه بأن قال: إن شفى الله مريضي فللّه علي أن أعتق عبد فلان أو أتصدق بثوبه أو بداره أو نحو ذلك، فأما إذا التزم في الذمة شيئاً لا يملكه فيصح نذره مثاله قال: إن شفى الله مريضي فللّه علي عتق رقبة وهو في ذلك الحال لا يملك رقبة ولا قيمتها فيصح نذره وإن شفي المريض ثبت العتق في ذمته. قوله: (ناقة ذلول مجرسة). وفي رواية: (مدربة) أما المجرسة فبضم الميم وفتح الجيم والراء المشددة، وأما المدربة فبفتح الدال المهملة وبالباء الموحدة، والمجرسة والمدربة والمنوقة والذلول كله بمعنى واحد، وفي هذا الحديث جواز سفر المرأة وحدها بلا زوج ولا محرم ولا غيرهما إذا كان سفر ضرورة كالهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكالهرب ممن يريد منها فاحشة ونحو ذلك، والنهي عن سفرها وحدها محمول على غير الضرورة، وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن الكفار إذا غنموا مالاً للمسلم لا يملكونه، وقال أبو حنيفة وآخرون: يملكونه إذا حازوه إلى دار الحرب، وحجة الشافعي وموافقيه هذا الحديث وموضع الدلالة منه ظاهر والله أعلم
*2* باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريْعٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لَهُ)، حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ: حَدّثَنَا حُمَيْدٌ: حَدّثَنِي ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَأَىَ شَيْخاً يُهَادَىَ بَيْنَ ابْنَيْهِ، فَقَالَ: "مَا بَالُ هَذَا؟" قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، قَالَ: "إنّ اللّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيّ" وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ ايّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَمْرٍو (وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو)، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَ شَيْخاً يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ، يَتَوَكّأُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا شَأْنُ هَذَا؟" قَالَ ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "ارْكَبْ، أَيّهَا الشّيْخُ فَإنّ اللّهَ غَنِيّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ" (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ وَابْنِ حُجْرٍ).
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا زَكَرِيّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍالْمِصْرِيّ: حَدّثَنَا الْمُفَضّلُ (يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ) حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّهُ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَىَ بَيْتِ اللّهِ حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ: "لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيّوبَ أَنّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ: أَنّ أَبَا الْخَيْرِ حَدّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ أَنّهُ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُفَضّلٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ: حَافِيَةً، وَزَادَ: وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لاَ يُفَارِقُ عُقْبَةَ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ قَالاَ: حَدّثَنَا رَوَحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ أَنّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرّزّاقِ.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يهادي بين ابنيه فقال ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي قال إن الله عز وجل عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب).
وفي رواية: (يمشي بين ابنيه متوكئاً عليهما). وهو معنى يهادي.
وفي حديث عذبة بن عامل قال: (نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال: لتمش ولتركب). أما الحديث الأول فمحمول على العاجز عن المشي فله الركوب وعليه دم، وأما حديث أخت عقبة فمعناه تمشي في وقت قدرتها على المشي وتركب إذا عجزت عن المشي أو لحقتها مشقة ظاهرة فتركب وعليها دم، وهذا الذي ذكرناه من وجوب الدم في الصورتين هو راجح القولين للشافعي وبه قال جماعة، والقول الثاني لا دم عليه بل يستحب الدم، وأما المشي حافياً فلا يلزمه الحفاء بل له لبس النعلين، وقد جاء حديث أخت عقبة في سنن أبي داود مبيناً أنها ركبت للعجز قال: إن أختي نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله غني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة.
*2* باب في كفارة النذر
*وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ (قَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَفّارَةُ النّذْرِ كَفّارَةُ الْيَمِينِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر كفارة اليمين" اختلف العلماء في المراد به فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج وهو أن يقول إنسان يريد إِلامتناع من كلام زيد مثلاً: إن كلمت زيداً مثلاً فللّه عليه حجة أو غيرها فيكلمه فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه، هذا هو الصحيح في مذهبنا، وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله: علي نذر، وحمله أحمد وبعض أصحابنا على نذر المعصية كمن نذر أن يشرب الخمر، وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذر وقالوا هو مخير في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة يمين والله أعلم.