كتاب الحدود
 *1* كتاب الحدود
*2* باب حدّ السرقة ونصابها
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ و ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْطَعُ السّارِقَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالاَ: أَخبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِمِثْلِهِ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. وَحَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ (وَاللّفْظُ لِلْوَلِيدِ وَحَرْمَلَةَ) قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ إِلاّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ (وَاللّفْظُ لِهَرُونَ وَأَحْمَدَ) (قَالَ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَمْرَةَ أَنّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تُحَدّثُ أَنّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَمَا فَوْقَهُ".
حدّثني بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْهَادِ، عنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَمْرةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا سَمِعَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تُقْطَعُ يدُ السّارِقِ إِلاّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ و إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، مِنْ وَلَدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْهَادِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الرّؤَاسِيّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ تُقْطَعْ يَدُ سَارِقٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: فِي أَقَلّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنّ، حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسِ، وَكِلاَهُمَا ذو ثَمَنٍ.
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَخْبَرَنَا عَبْدةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحِيم بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الرّؤَاسِيّ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرّحِيمِ وَأَبي أُسَامَةَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ذُو ثَمَنٍ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ سَارِقاً فِي مِجَنّ قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ الْمُثَنّىَ قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُو الْقَطّانُ) ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، كُلّهُمْ عنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ قالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيّوبَ السّخْتِيَانِيّ وَ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُميّةَ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيّوبَ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيّة وَ عُبَيْدِ اللّهِ وَ مُوسَى بْن عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيّ وَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ وَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللّيْثِيّ، كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَىَ عَنْ مَالِكٍ. غيْرَ أَنّ بَعْضَهُمْ قَالَ: قِيمَتُهُ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ الله السّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. كُلّهُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّهُ يَقُولُ: "إنْ سَرَقَ حَبْلاً، وَإنْ سَرَقَ بَيْضَةً".
قال القاضي عياض رضي الله عنه: صان الله تعالى الأموال بإيجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كإِلاختلاس وإِلانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها، وقد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه. قوله: "عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً".) 2 وفي رواية: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً". وفي رواية: (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه). وفي رواية: (لم تقطع يد السارق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقل من ثمن المجن). وفي رواية ابن عمر رضي الله عنه قال: (قطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم). وفي رواية أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده". أجمع العلماء على قطع يد السارق كما سبق، واختلفوا في اشتراط النصاب وقدره، فقال أهل الظاهر: لا يشترط نصاب بل يقطع في القليل والكثير، وبه قال ابن بنت الشافعي من أصحابنا، وحكاه القاضي عياض عن الحسن البصري والخوارج وأهل الظاهر واحتجوا بعموم قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ولم يخصوا الاَية. وقال جماهير العلماء: ولا تقطع إلا في نصاب لهذه الأحاديث الصحيحة، ثم اختلفوا في قدر النصاب فقال الشافعي: النصاب ربع دينار ذهباً أو ما قيمته ربع دينار سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أو أقل أو أكثر ولا يقطع في أقل منه، وبهذا قال كثيرون أو الأكثرون وهو قول عائشة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث وأبي ثور وإسحاق وغيرهم وروي أيضاً عن داود. وقال مالك وأحمد وإسحاق في رواية: تقطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته أحدهما ولا قطع فيما دون ذلك. وقال سليمان بن يسار وابن شبرمة وابن أبي ليلى والحسن في رواية عنه: لا تقطع إلا في خمسة دراهم وهو مروي عن عمر بن الخطاب. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تقطع إلا في عشرة دراهم أو ما قيمته ذلك. وحكى القاضي عن بعض الصحابة أن النصاب أربعة دراهم. وعن عثمان البتي أنه درهم. وعن الحسن أنه درهمان. وعن النخعي أنه أربعون درهماً أو أربعة دنانير. والصحيح ما قاله الشافعي وموافقوه لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح ببيان النصاب في هذه الأحاديث من لفظه وأنه ربع دينار، وأما باقي التقديرات فمردودة لا أصل لها مع مخالفتها لصريح هذه الأحاديث. وأما رواية أنه صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم فمحمولة على أن هذا القدر كان ربع دينار فصاعداً وهي قضية عين لا عموم لها، فلا يجوز ترك صريح لفظه صلى الله عليه وسلم في تحديد النصاب لهذه الرواية المحتملة بل يجب حملها على موافقة لفظه، وكذا الرواية الأخرى لم يقطع يد السارق في أقل من ثمن المجن محمولة على أنه كان ربع دينار، ولا بد من هذا التأويل ليوافق صريح تقديره صلى الله عليه وسلم. وأما ما يحتج به بعض الحنفية وغيرهم من رواية جاءت قطع في مجن قيمته عشرة دراهم، وفي رواية خمسة، فهي رواية ضعيفة لا يعمل بها لو انفردت فكيف وهي مخالفة لصريح الأحاديث الصحيحة الصريحة في التقدير بربع دينار، مع أنه يمكن حملها على أنه كانت قيمته عشرة دراهم اتفاقاً لا أنه شرط ذلك في قطع السارق، وليس في لفظها ما يدل على تقدير النصاب بذلك، وأما رواية: (لعن الله السارق يسرق البيضة أو الحبل فتقطع يده) فقال جماعة: المراد بها بيضة الحديد وحبل السفينة وكل واحد منهما يساوي أكثر من ربع دينار، وأنكر المحققون هذا وضعفوه فقالوا بيضة الحديد وحبل السفينة لهما قيمة ظاهره، وليس هذا السياق موضع استعمالهما بل بلاغة الكلام تأباه، ولأنه لا يذم في العادة من خاطر بيده في شيء له قدر، وإنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له فهو موضع تقليل لا تكثير، والصواب أن المراد التنبيه على عظيم ما خسر وهي يده في مقابلة حقير من المال وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة والحبل في الحقارة، أو أراد جنس البيض وجنس الحبال، أو أنه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فقطع فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه، أو أن الراد به قد يسرق البيضة أو الحبل فيقطعه بعض الولاة سياسة لا قطعاً جائزاً شرعاً. وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا عند نزول آية السرقة مجملة من غير بيان نصاب فقاله على ظاهر اللفظ والله أعلم.
قوله: (ثمن المجن حجفة أو تريس وكلاهما ذو ثمن) المجن بكسر الميم وفتح الجيم وهو اسم لكل ما يستجن به أي يستتر، والحجفة بحاء مهملة ثم جيم مفتوحتين هي الدرقة وهي معروفة. وقوله: حجفة أو ترس هما مجروران بدل من المجن. وقوله: وكلاهما ذو ثمن إشارة إلى أن القطع لا يكون فيما قل بل يختص بما له ثمن ظاهر وهو ربع دينار كما صرح به في الروايات.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق" هذا دليل لجواز لعن غير المعين من العصاة لأنه لعن للجنس لا لمعين، ولعن الجنس جائز كما قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} وأما المعين فلا يجوز لعنه. قال القاضي: وأجاز بعضهم لعن المعين ما لم يجد فإذا حد لم يجز لعنه فإن الحدود كفارات لأهلها، قال القاضي: وهذا التأويل باطل للأحاديث الصحيحة في النهي عن اللعن فيجب حمل النهي على المعين ليجمع بين الأحاديث والله أعلم. قال العلماء: والحرز مشروط فلا قطع إلا فيما سرق من حرز، والمعتبر فيه العرف مما عده أهل العرف حرزاً لذلك الشيء فهو حرز له وما لا فلا، وخالفهم داود فلم يشترط الحرز، قالوا: ويشترط أن لا يكون للسارق في المسروق شبهة فإن كانت لم يقطع، ويشترط أن يطالب المسروق منه بالمال، وأجمعوا على أنه إذا سرق أولاً قطت يده اليمنى. قال الشافعي ومالك وأهل المدينة والزهري وأحمد وأبو ثور وغيرهم: فإذا سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى، فإذا سرق ثالثاً قطعت يده اليسرى، فإن سرق رابعاً قطعت رجله اليمنى، فإن سرق بعد ذلك عزر، ثم كلما سرق عزر. قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك والجماهير: تقطع اليد من الرسغ وهو المفصل بين الكف والذراع، وتقطع الرجل من المفصل بين الساق والقدم. وقال علي رضي الله عنه: تقطع الرجل من شطر القدم وبه قال أحمد وأبو ثور. وقال بعض السلف: تقطع اليد من المرفق، وقال بعضهم: من المنكب والله أعلم
*2* باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود
*حدّثنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ قُرَيْشاً أَهَمّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيّةِ الّتِي سَرَقَتْ. فَقَالُوا: مَنْ يُكَلّمُ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاّ أُسَامَةُ، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلّمَهُ أُسَامَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَشْفَعُ فِي حَدّ مِنْ حُدُودِ اللّهِ؟". ثُمّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: "أَيّهَا النّاسُ إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدّ، وَايْمُ اللّهِ لَوْ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمحٍ: "إنّمَا هَلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) قَالاَ: أَخْبَرَنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ ابْن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ قُرَيْشاً أَهَمّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ. فَقَالُوا: مَنْ يُكَلّمُ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَكَلّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. فَتَلَوّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدّ مِنْ حُدُودِ اللّهِ؟" فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي، يَا رَسُولَ اللّهِ فَلَمّا كَانَ الْعَشِيّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَىَ عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ، فَإِنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَنّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدّ، وَإِنّي، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" ثُمّ أَمَر بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يدُهَا.
قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانِتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا، فَأَتَىَ أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلّمُوهُ. فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ اللّيْثِ وَيُونُسَ.
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ: حَدّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَعَاذَتْ بِأُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "وَاللّهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" فَقُطِعَتْ.
ذكر مسلم رضي الله عنه في الباب الأحاديث في النهي عن الشفاعة في الحدود وأن ذلك هو سبب هلاك بني إسرائيل، وقد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام لهذه الأحاديث وعلى أنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس فإن كان لم يشفع فيه. وأما المعاصى التي لا حد فيها وواجبها التعزير فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها سواء بلغت الإمام أم لا لأنها أهون، ثم الشفاعة فيها مستحبة إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه. قوله: (ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو بكسر الحاء أي محبوبه ومعنى يجترئ يتجاسر عليه بطريق الإدلال، وفي هذا منقبة ظاهرة لأسامة رضي الله عنه. قوله صلى الله عليه وسلم: (وأيم الله لو أن فاطمة) فيه دليل لجواز الحلف من غير استحلاف وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب كما في الحديث، وقد كثرت نظائره في الحديث، وسبق في كتاب الأيمان اختلاف العلماء في الحلف باسم الله. قوله: "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة فكلموه" الحديث قال العلماء: المراد أنها قطعت بالسرقة، وإنما ذكرت العارية تعريفاً لها ووصفاً لها لا أنها سبب القطع، وقد ذكر مسلم هذا الحديث في سائر الطرق المصرحة بأنها سرقت وقطعت بسبب السرقة، فيتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعاً بين الروايات فإنها قضية واحدة، مع أن جماعة من الأئمة قالوا هذه الرواية شاذة فإنها مخالفة لجماهير الرواة والشاذة لا يعمل بها. قال العلماء: وإنما لم يذكر السرقة في هذه الرواية لأن المقصود منها عند الراوي ذكر منع الشفاعة في الحدود لا الإخبار عن السرقة، قال جماهير العلماء وفقهاء الأمصار: لا قطع على من جحد العارية وتأولوا هذا الحديث بنحو ما ذكرته، وقال أحمد وإسحاق: يجب القطع في ذلك.
*2* باب حدّ الزنى
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيميّ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ حِطّانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الرّقَاشيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنّي، خُذُوا عَنّي، قَدْ جَعَلَ الله لَهُنّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثّيّبُ بِالثّيّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرّجْمُ".
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ، جميعاً عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ ابْنُ الْمُثَنّىَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ: حَدّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطّانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الرّقَاشِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِت قَالَ: كَانَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبّدَ لَهُ وَجْهُهُ. قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلُقِيَ كَذَلِكَ، فَلَمّا سُرّيَ عَنْهُ قَالَ: "خُذُوا عَنّي، فَقَدْ جَعَلَ اللّهُ لَهُنّ سَبِيلاً، الثّيّبُ بِالثّيّبِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثّيّبُ جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمّ نَفْيُ سَنَةٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبِي، كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمَا: "الْبِكْرُ يُجْلَدُ وَيُنْفَىَ، وَالثّيّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ" لاَ يَذْكُرَانِ: سَنَةً وَلاَ مَائَةً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" أما قوله صلى الله عليه وسلم: فقد جعل الله لهن سبيلاً فإشارة إلى قوله تعالى: {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً} فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو ذلك السبيل. واختلف العلماء في هذه الاَية فقيل هي محكمة وهذا الحديث مفسر لها، وقيل منسوخة بالاَية التي في أول سورة النور، وقيل إن آية النور في البكرين وهذه الاَية في الثيبين. وأجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه فإنهم لم يقولوا بالرجم، واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم، وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي، وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم وحده، وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخاً ثيباً، فإن كان شاباً ثيباً اقتصر على الرجم، وهذا مذهب باطل لا أصل له، وحجة الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ فإنه كان في أول الأمر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر ونفي سنة ففيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفيه سنة رجلاً كان أو امرأة، وقال الحسن: لا يجب النفي، وقال مالك والأوزاعي: لا نفي على النساء، وروي مثله عن علي رضي الله عنه وقالوا لأنها عورة، وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم، وحجة الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم: "البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة" وأما العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال: للشافعي أحدهما يغرب كل واحد منهما سنة لظاهر الحديث وبهذا قال سفيان الثوري وأبو ثور وداود وابن جرير. والثاني: يغرب نصف سنة لقوله تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا، وهذه الاَية مخصصة لعموم الحديث، والصحيح عند الأصوليين جواز تخصيص السنة بالكتاب لأنه إذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب فتخصيص السنة به أولى. والثالث: لا يغرب المملوك أصلاً وبه قال الحسن البصري وحماد ومالك وأحمد وإسحاق لقوله صلى الله عليه وسلم في الأمة إذا زنت فليجلدها ولم يذكر النفي ولأن نفيه يضر سيده مع أنه لا جناية من سيده، وأجاب أصحاب الشافعي عن حديث الأمة إذا زنت أنه ليس فيه تعرض للنفي والاَية ظاهرة في وجوب النفي فوجب العمل بها وحمل الحديث على موافقتها والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "البكر بالبكر والثيب بالثيب" فليس هو على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أم بثيب، وحد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم ببكر فهو شيبه بالتقييد الذي يخرج على الغالب. واعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساءمن لم يجامع في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل سواء كان جامع بوطء شبهة أو نكاح فاسد أو غيرهما أم لا، والمراد بالثيب من جامع في دهره مرة من نكاح صحيح وهو بالغ عاقل حر، والرجل والمرأة في هذا سواء والله أعلم. في كل هذا المسلم والكافر والرشيد والمحجور عليه لسفه والله أعلم. قوله: (حدثنا عمرو الناقد حدثنا هشيم أخبرنا منصور بهذا الإسناد) في هذا الكلام فائدتان: إحداهما بيان أن الحديث روي من طريق آخر فيزداد قوة. والثانية أن هشيماً مدلس وقد قال في الرواية الأولى وعن منصور وبين في الثانية أنه سمعه من منصور وقد سبق التنبيه على مثل هذا مرات. قوله: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه" هو بضم الكاف وكسر الراء، وتربد وجهه أي علته غبرة والربد تغير البياض إلى السواد، وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي، قال الله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}. قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم رجم بالحجارة) التقييد بالحجارة للاستحباب ولو رجم بغيرها جاز وهو شبيه بالتقييد بها في الاستنجاء
*2* باب رجم الثيب في الزنى
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَىَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم بِالْحَقّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرّجْمِ. قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَىَ، إنْ طَالَ بِالنّاسِ زَمَانٌ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ، فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللّهُ، وَإنّ الرّجْمَ فِي كِتَاب اللّهِ حَقّ عَلَىَ مَنْ زَنَىَ إذَا أَحْصَنَ، مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، إذَا قَامَتِ الْبَيّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الإِعْتِرَافُ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قوله: (فكان مما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها) أراد بآية الرجم: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه، وقد وقع نسخ حكم دون اللفظ، وقد وقع نسخهما جميعاً، فما نسخ لفظه ليس له حكم القرآن في تحريمه على الجنب ونحو ذلك، وفي ترك الصحابة كتابة هذه الاَية دلالة ظاهرة أن المنسوخ لا يكتب في المصحف، وفي إعلان عمر بالرجم وهو على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار دليل على ثبوت الرجم، وقد يستدل به على أنه لا يجلد منع الرجم وقد تمتنع دلالته لأنه لم يتعرض للجلد وقد ثبت في القرآن والسنة. قوله: (فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة) هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج ومن وافقهم كما سبق بيانه، وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه، ويحتمل أنه علم ذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف" أجمع العلماء على أن الرجم لا يكون إلا من زنى وهو محصن وسبق بيان صفة المحصن، وأجمعوا على أنه إذا قامت البينة بزناه وهو محصن يرجم، وأجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول هذا إذا شهدوا على نفس الزنا ولا يقبل دون الأربعة وإن اختلفوا في صفاتهم، وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا وهو محصن يصح إقراره بالحد، واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات وسنذكره قريباً إن شاء الله تعالى. وأما الحبل وحده فمذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجوب الحد به إذا لم يكن لها زوج ولا سيد، وتابعه مالك وأصحابه فقالوا: إذا حبلت ولم يعلم لها زوج ولا سيد ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة طارئة وتدعي أنه من زوج أو سيد، قالوا: ولا تقبل دعواها الإكراه إذا لم تقم بذلك مستغيثة عند الإكراه قبل ظهور الحمل. وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء: لا حد عليها بمجرد الحبل سواء كان لها زوج أو سيد أم لا، سواء الغريبة وغيرها، وسواء ادعت الإكراه أم سكتت، فلا حد عليها مطلقاً إلا ببينة أو اعتراف لأن الحدود تسقط بالشبهات. قوله في الرجل الذي اعترف بالزنا فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه من جوانبه حتى أقر أربع مرات فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل به جنون؟ فقال: لا، فقال: هل أحصنت؟ قال: نعم، فقال: اذهبوا به فارجموه. احتج به أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهما في أن الإقرار بالزنا لا يثبت ويرجم به المقر حتى يقر أربع مرات. وقال مالك والشافعي وآخرون: يثبت الإقرار به بمرة واحدة ويرجم، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ولم يشترط عدداً، وحديث الغامدية ليس فيه إقرارها أربع مرات، واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربع مجالس
*2* باب من اعترف على نفسه بالزنى
*وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: حَدّثَنِي أَبِي، عنْ جَدّي قَالَ: حَدّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: أَتَىَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحّىَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتّىَ ثَنَىَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ، فَلَمّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ: "هَلْ أَحْصَنْتَ؟" قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلّىَ فَلَمّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرّةِ فَرَجَمْنَاهُ.
م 3 (...) وَرَوَاهُ اللّيْثُ أَيْضاً عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنه شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ: حَدّثَنَا أَبُو اليَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ أَيْضاً، وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعاً: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ. كَمَا ذَكَرَ عُقَيْلٌ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَ ابْنُ جُرَيْجٍ، كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وحدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيّ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَة، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَشَهِدَ عَلَىَ نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ أَنّهُ زَنَىَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلَعَلّكَ؟" قَالَ: لاَ. وَاللّهِ إنّهُ قَدْ زَنَى الأَخِرُ. قَالَ: فَرَجَمَهُ. ثُمّ خَطَبَ فَقَالَ: "أَلاَ كُلّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التّيْسِ، يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ، أَمَا وَاللّهِ إنْ يُمْكِنّي مِنْ أَحَدِهِمْ لأُنَكّلَنّهُ عَنْهُ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّىَ) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَصِيرٍ، أَشْعَثَ، ذِي عَضَلاَتٍ، عَلَيْهِ إِزَارٌ، وَقَدْ زَنَىَ، فَرَدّهُ مَرّتَيْنِ، ثُمّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، تَخَلّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبّ نَبِيبَ التّيْسِ، يَمْنَحُ إحْدَاهُنّ الْكُثْبَةَ. إنّ اللّهَ لاَ يُمْكِنّي مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلاّ جَعَلْتُهُ نَكَالاً" (أَوْ نَكّلْتُهُ).
قَالَ: فَحَدّثْتُهُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: إنّهُ رَدّهُ أَرْبَعَ مَرّاتٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنا شَبَابَةُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ، كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ. وَوَافَقَهُ شَبَابَةُ عَلَىَ قوله: فَرَدّهُ مَرّتَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ: فَردّهُ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: "أَحَقّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟" قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنّي؟ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فُلاَنٍ" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، ثُمّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَىَ: حَدّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، أَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: إِنّي أَصَبْتُ فَاحِشَةً، فَأَقِمْهُ عَلَيّ، فَرَدّهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِرَاراً. قَالَ: ثُمّ سَأَلَ قَوْمَهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ بِهِ بَأْساً، إِلاّ أَنّهُ أَصَابَ شَيْئاً، يَرَىَ أَنّهُ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْهُ إِلاّ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدّ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَنَا أَنْ نَرْجُمَهُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَىَ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ. قَالَ: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلاَ حَفَرْنَا لَهُ. قَالَ: فَرَمَيْنَاهُ بِالْعَظْمِ وَالْمَدَرِ والخَزَفِ. قَالَ: فَاشْتَدّ وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ، حَتّىَ أَتَىَ عُرْضَ الْحَرّةِ، فَانْتَصَبَ لَنَا، فَرَمَيْنَاهُ بِجَلاَمِيدِ الْحَرّةِ (يَعْنِي الْحِجَارَةَ). حَتّىَ سَكَتَ. قَالَ: ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيباً مِنَ الْعَشِيّ فَقَالَ: "أَوَ كُلّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللّهِ تَخَلّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا، لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التّيْسِ، عَلَيّ أَنْ لاَ أُوتَىَ بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلاّ نَكّلْتُ بِهِ". قَالَ: فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلاَ سَبّهُ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا بَهْزٌ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدّثَنَا دَاوُدُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَ مَعْنَاهُ. وَقَالَ فِي الحَدِيثِ: فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَشِيّ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ، إِذَا غَزَوْنَا، يَتَخَلّفُ أَحَدُهُمْ عَنّا، لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التّيْسِ". وَلَمْ يَقُلْ "فِي عِيَالِنَا".
وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، كِلاَهُمَا، عَنْ دَاوُدَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: فَاعْتَرَفَ بِالزّنَىَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيّ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَعْلَىَ (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيّ) عَنْ غَيْلاَنَ (وَهُوَ ابْنُ جَامِعٍ الْمُحَارِبِيّ) عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللّهَ وَتُبْ إلَيْهِ" قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ" قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ، حَتّىَ إذَا كَانَتِ الرّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فِيمَ أُطَهّرُكَ؟" فَقَالَ: مِنَ الزّنَىَ. فَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبِهِ جُنُونٌ؟" فَأُخْبِرَ أَنّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَالَ: "أَشَرِبَ خَمْراً؟" فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَزَنَيْتَ؟" فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ النّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ: أَنّهُ جَاءَ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمّ قَالَ اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. ثُمّ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ. فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ". قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ".
قَالَ: ثُمّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ طَهّرْنِي. فَقَالَ: "وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ". فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدّدَنِي كَمَا رَدّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ: "وَمَا ذَاكِ؟" قَالَتْ: إنّهَا حُبْلَىَ مِنَ الزّنَىَ. فَقَالَ: "آنْتِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا: "حَتّىَ تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ". قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتّىَ وَضَعَتْ. قَالَ: فَأَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيّةُ. فَقَالَ: "إذَاً لاَ نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيراً لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ" فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: إلَيّ رَضَاعُهُ، يَا نَبِيّ اللّهِ! قَالَ: فَرَجَمَهَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ): حَدّثَنَا أَبِي: حَدّثَنَا بُشَيْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيّ أَتَىَ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهّرَنِي. فَرَدّهُ. فَلمّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ. فَرَدّهُ الثّانِيَةَ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ قَوْمِهِ فَقَالَ: "أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْساً تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئاً؟" فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلاّ وَفِيّ الْعَقْلِ، مِنْ صَالِحِينَا، فِيما نُرَىَ. فَأَتَاهُ الثّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيضاً فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ: أَنّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَلاَ بِعَقْلِهِ. فَلَمّا كَانَ الرّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
قَالَ: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهّرْنِي. وَإِنّهُ رَدّهَا. فَلَمّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ تَرُدّنِي؟ لَعَلّكَ أَنْ تَرُدّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزاً، فَوَاللّهِ إِنّي لَحُبْلَىَ. قَالَ: "إِمّا لاَ، فَاذْهَبِي حَتّىَ تَلِدِي" فَلَمّا وَلَدَتْه أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدَتْ. قَالَ: "اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتّى تَفْطِميهِ". فَلَمّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ وفي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا، يَا نَبِيّ اللّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وأَكَلَ الطّعَامَ. فَدَفَعَ الصّبِيّ إِلَىَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَىَ رَأْسَهَا. فَتَنَضّحَ الدّمُ عَلىَ وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبّهَا. فَسَمِعَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَبّهُ إِيّاهَا. فَقَالَ "مَهْلاً يَا خَالِدُ! فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُغِرَ لَهُ".
ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَصَلّىَ عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ.
حدّثني أَبُو غَسّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيّ: حَدّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ): حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: حَدّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ: أَنّ أَبَا الْمُهَلّبِ حَدّثَهُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ حُبْلَىَ مِنَ الزّنَىَ. فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ اللّهِ أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيّ. فَدَعَا نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيّهَا، فَقَالَ: "أَحْسِنْ إلَيْهَا. فَإذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا" فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَشُكّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمّ صَلّىَ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلّي عَلَيْهَا؟ يَا نَبِيّ اللّهِ وَقَدْ زَنَتْ. فَقَالَ: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للّهِ تَعَالَىَ؟".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدّثَنَا أَبَانٌ الْعَطّارُ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَاهُ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ أَنّهُمَا قَالاَ: إنّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْشُدُكَ اللّهَ إلاّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الاَخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللّهِ، وَائْذَنْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُلْ" قَالَ: إنّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَىَ هَذَا. فَزَنَىَ بِامْرَأَتِهِ، وَإنّي أُخْبِرْتُ أَنّ عَلَى ابْنِي الرّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ. فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللّهِ. الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدّ. وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَاغْدُ، يَا أُنَيْسُ! إلَى امْرَأَةِ هَذَا. فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا".
قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا. فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرُجِمَتْ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: حَدّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أبك جنون؟" إنما قاله ليتحقق حاله، فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على الإقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال مع أن له طريقاً إلى سقوط الإثم بالتوبة. وفي الرواية الأخرى أنه سأل قومه عنه فقالوا ما نعلم به بأساً، وهذا مبالغة في تحقيط حاله وفي صيانة دم المسلم، وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطل وأن الحدود لا تجب عليه وهذا كله مجمع عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "هل أحصنت؟" فيه أن الإمام يسأل عن شروط الرجم من الإحصان وغيره سواء صبت بالإقرار أم بالبينة، وفيه مؤاخذة الإنسان بإقراره. قوله: (حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات) هو بتخفيف النون أي كرره أربع مرات، وفيه التعريض للمقر بالزنا بأن يرجع ويقبل رجوعه بلا خلاف. قوله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به فارجموه" فيه جواز استنابة الإمام من يقيم الحد، قال العلماء: لا يستوفي الحد إلا الإمام أو من فوض ذلك إليه، وفيه دليل على أنه يكفي الرجم ولا يجلد معه، وقد سبق بيان الخلاف في هذا. قوله: (فرجمناه بالمصلى) قال البخاري وغيره من العلماء: فيه دليل على أن مصلي الجنائز والأعيار إذا لم يكن قد وقف مسجداً لا يثبت له حكم المسجد إذ لو كان له حكم المسجد تجنب الرجم فيه وتلطخه بالدماء والميتة، قالوا: والمراد بالمصلى هنا مصلى الجنائز ولهذا قال في الرواية الأخرى في بقيع الغرقد وهو موضع الجنائز بالمدينة، وذكر الدارمي من أصحابنا أن المصلى الذي للعيد ولغيره إذا لم يكن مسجداً هل يثبت له حكم المسجد؟ فيه وجهان أصحهما ليس له حكم المسجد والله أعلم. قوله: (فلما أذلقته الحجارة هرب) هو بالذال المعجمة وبالقاف أي أصابته بحدها. قوله: (فأدركناه بالحرة فرجمناه) اختلف العلماء في المحصن إذا أقر بالزنا فشرعوا في رجمه ثم هرب هل يترك أم يتبع ليقام عليه الحد؟ فقال الشافعي وأحمد وغيرهما: يترك ولا يتبع لكي أن يقال له بعد ذلك، فإن رجع عن الإقرار ترك وإن أعاد رجم. وقال مالك في رواية وغيره: أنه يتبع ويرجم. واحتج الشافعي وموافقوه بما جاء في رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تركتموه حتى أنظر في شأنه؟". وفي رواية: "هلا تركتموه فلعله يتوب فيتوب الله عليه" واحتج الاَخرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم ذنبه مع أنهم قتلوه بعد هربه. وأجاب الشافعي وموافقوه عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع وقد ثبت إقراره فلا يتركه حتى يصرح بالرجوع، قالوا: وإنما قلنا لا يتبع في هربه لعله يريد الرجوع ولم نقل أنه سقط الرجم بمجرد الهرب والله أعلم.
قوله: "رجل قصير أعضل" هو بالضاد المعجمة أي مشتد الخلق. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلعلك قال لا والله إنه قد زنى الأخر" معنى هذا الكلام الإشارة إلى تلقينه الرجوع عن الإقرار بالزنا واعتذاره بشبهة يتعلق بها كما جاء في الرواية الأخرى: لعلك قبلت أو غمزت، فاقتصر في هذه الرواية على لعلك اختصاراً وتنبيهاً واكتفاء بدلالة الكلام والحال على المحذوف أي لعلك قبلت أو نحو ذلك، ففيه استحباب تلقين المقر بحد الزنا والسرقة وغيرهما من حدود الله تعالى وأنه يقبل رجوعه عن ذلك، لأن الحدود مبنية على المساهلة والدرء، بخلاف حقوق الاَدميين وحقوق الله تعالى المالية كالزكاة والكفارة وغيرهما لا يجوز التلقين فيها ولو رجع لم يقبل رجوعه، وقد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم واتفق العلماء عليه. قوله: (إنه قد زنى الأخر) هو بهمزة مقصورة وخاء مكسورة ومعناه الأرذل والأبعد والأدنى، وقيل اللئيم، وقيل الشقي، وكله متقارب، ومراده نفسه فحقرها وعابها لا سيما وقد فعل هذه الفاحشة، وقيل إنها كناية يكنى بها عن نفسه وعن غيره إذا أخبر عنه بما يستقبح. قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا كلما نفرنا في سبيل الله خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح أحدهم الكثبة" وفي بعض النسخ إحداهن بدل أحدهم، ونبيب التيس صوته عند الفساد، ويمنح بفتح الياء والنون أي يعطى، والكثبة بضم الكاف وإسكان المثلثة القليل من اللبن وغيره. قوله: (أتي برجل قصير أشعث ذي عضلات) هو بفتح العين والضاد قال أهل اللغة: العضلة كل لحمة صلبة مكتنزة. قوله: (تخلف أحدكم ينب) هو بفتح الياء وكسر النون وتشديد الباء الموحدة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا جعلته نكالاً" أي عظة وعبره لمن بعده بما أصبته منه من العقوبة ليمتنعوا من تلك الفاحشة.
قوله صلى الله عليه وسلم لماعز: "أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني عنك أنك وقعت بجارية آل فلان، قال: نعم فشهد أربعة شهادات ثم أمر به فرجم" هكذا وقع في هذه الرواية، والمشهور في باقي الروايات أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: طهرني، قال العلماء: لا تناقض بين الروايات فيكون قد جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير استدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله: لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيراً لك وكان ماعز عند هزال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له أحق ما بلغني عنك إلى آخره. قوله: (فما أوثقناه ولا حفرنا له) وفي الرواية الأخرى في صحيح مسلم: (فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم) وذكر بعده في حديث الغامدية: "ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها أما قوله فما أوثقناه فهكذا الحكم عند الفقهاء، وأما الحفر للمرجوم والمرجومة ففيه مذاهب للعلماء: قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم في المشهور عنهم: لا يحفر لواحد منهما. وقال قتادة وأبو ثور وأبو يوسف وأبو حنيفة في رواية: يحفر لها. وقال بعض المالكية: يحفر لمن يرجم بالبينة لا من يرجم بالإقرار. وأما أصحابنا فقالوا: لا يحفر للرجل سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار. وأما المرأة ففيها ثلاثة أوجه: لأصحابنا أحدها: يستحب الحفر لها إلى صدرها ليكون أستر لها. والثاني: لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإمام. والثالث: وهو الأصح إن ثبت زناها بالبينة استحب وإن ثبت بالإقرار فلا ليمكنها الهرب إن رجعت، فمن قال بالحفر لها احتج بأنه حفر للغامدية وكذا لماعز في رواية، ويجيب هؤلاء عن الرواية الأخرى في ماعز أنه لم يحفر له أن المراد حفيرة عظيمة أو غير ذلك من تخصيص الحفيرة، وأما من قال لا يحرف فاحتج برواية من روى فما أوثقناه ولا حفرنا له، وهذا المذهب ضعيف لأنه منابذ لحديث الغامدية ولرواية الحفر لماعز، وأما من قال بالتخيير فظاهر، وأما من فرق بين الرجل والمرأة فيحمل رواية الحفر لماعز على أنه لبيان الجواز وهذا تأويل ضعيف، ومما احتج به من ترك الحفر حديث اليهودييين المذكور بعد هذا وقوله جعل يجنأ عليها ولو حفر لهما لم يجنأ عليها، واحتجوا أيضاً بقوله في حديث ماعز: فلما أذلقته الحجارة هرب، وهذا ظاهر في أنه لم تكن حفرة والله أعلم.
قوله: (فرميناه بالعظام والمدر والخزف) هذا دليل لما اتفق عليه العلماء أن الرجم يحصل بالحجر أو المدر أو العظام أو الخزف أو الخشب وغير ذلك مما يحصل به القتل ولا تتعيّن الأحجار، وقد قدّمنا أن قوله صلى الله عليه وسلم ثم رجما بالحجارة ليس هو للاشتراط، قال أهل اللغة: الخزف قطع الفخار المنكسر. قوله: (حتى أتى عرض الحرة) هو بضم العين أي جانبها. قوله: (فرميناه بجلاميد الحرة) أي الحجارة الكبار واحدها جلمد بفتح الجيم والميم وجلمود بضم الجيم. قوله: (حتى سكت) هو بالتاء في آخره هذا هو المشهور في الروايات، قال القاضي: ورواه بعضهم سكن بالنون والأول الصواب ومعناهما مات. قوله: (فما استغفر له ولا سبه) أما عدم السب فلأن الحد كفارة له مطهرة له من معصية، وأما عدم الاستغفار فلئلا يغتر غيره فيقع في الزنا اتكالاً على استغفاره صلى الله عليه وسلم.
قوله: "جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله طهرني، فقال: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني إلى آخره" ومثله في حديث الغامدية "قالت: طهرني، قال: ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه" هذا دليل على أن الحد يكفر ذنب المعصية التي حد لها، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من فعل شيئاً من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارته" ولا نعلم في هذا خلافاً. وفي هذا الحديث دليل على سقوط إثم المعاصي الكبائر بالتوبة وهو بإجماع المسلمين إلا ما قدمناه عن ابن عباس في توبة القاتل خاصة والله أعلم. فإن قيل: فما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة وهي محصلة لغرضهما وهو سقوط الإثم بل أصرا على الإقرار واختارا الرجم؟ فالجواب أن تحصيل البراءة بالحدود وسقوط الإثم متيقن على كل حال لا سيما وإقامة الحد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التوبة فيخاف أن لا تكون نصوحاً وأن يخل بشيء من شروطها فتبقى المعصية وإثمها دائماً عليه فأراد حصول البراءة بطريق متيقن دون ما يتطرق إليه احتمال والله أعلم. وروينا عن الحسن البصري قال: ويح كلمة رحمة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فيم أطهرك؟ قال: من الزنا" هكذا هو في جميع النسخ فيم بالفاء والياء وهو صحيح وتكون في هنا للسببية أي بسبب ماذا أطهرك. قوله في إسناد هذا الحديث: (حدثنا محمد بن العلاء الهمداني قال: حدثنا يحيى بن يعلى وهو ابن الحارث المحاربي عن غيلان وهو ابن جامع المحاربي عن علقمة) هكذا في النسخ عن يحيى بن يعلى عن غيلان، قال القاضي: والصواب ما وقع في نسخة الدمشقي عن يحيى ين يعلى عن أبيه عن غيلان فزاد في الإسناد عن أبيه، وكذا أخرجه أبو داود في كتاب السنن والنسائي من حديث يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان وهو الصواب، وقد نبه عبد الغني على الساقط من هذا الإسناد في نسخة أبي العلاء بن ماهان، ووقع في كتاب الزكاة من السنن لأبي داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى حدثنا أبي حدثنا غيلان عن جعفر عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت: {والذين يكنزون الذهب والفضة} الاَية فهذا السند يشهد بصحة ما تقدم. قال البخاري في تاريخه يحيى ين يعلى سمع أباه وزائدة بن قدامة، هذا آخر كلام القاضي وهو صحيح كما قال، ولم يذكر أحد سماعاً ليحيى بن يعلى هذا من غيلان بل قالوا سمع أباه وزائدة. قوله: (فقال أشرب خمراً فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر) مذهبنا الصحيح المشهور صحة إقرار السكران ونفوذ أقواله فيما له وعليه، والسؤال عن شربه الخمر محمول عندنا أنه لو كان سكران لم يقم عليه الحد، ومعنى استنكهه أي شم رائحة فمه، واحتج أصحاب مالك وجمهور الحجازيين أنه يحد من وجد منه ريح الخمر وإن لم تقم عليه بينة بشربها ولا أقر به، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما لا يحد بمجرد ريحها بل لا بد من بينة على شربه أو إقراره، وليس في هذا الحديث دلالة لأصحاب مالك. قوله: (جاءت امرأة من غامد) هي بغين معجمة ودال مهملة وهي بطن من جهينة. قوله: (فقال لها حتى تضعي ما في بطنك) فيه أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع، وفيه أن المرأة ترجم إذا زنت وهي محصنة كما يرجم الرجل، وهذا الحديث محمول على أنها كانت محصنة لأن الأحاديث الصحيحة والإجماع متطابقان على أنه لا يرجم غير المحصن، وفيه أن من وجب عليها قصاص وهي حامل لا يقتص منها حتى تضع. وهذا مجمع عليه، ثم لا ترجم الحامل الزانية ولا يقتص منها بعد وضعها حتى تسقي ولدها اللبأ ويستغني عنها بلبن غيرها، وفيه أن الحمل يعرف ويحكم به وهذا هو الصحيح في مذهبنا. قوله: "فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت" أي قام بمؤنتها ومصالحها وليس هو من الكفالة التي هي بمعنى الضمان لأن هذا لا يجوز في الحدود التي لله تعالى.
قوله: "لما وضعت قيل قد وضعت الغامدية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعة يا نبي الله قال فرجمها" وفي الرواية الأخرى: "أنها لما ولدت جاءت بالصبي في خرقة قالت هذا قد ولدته، قال فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت: يا نبي الله هذا قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فرجموها" فهاتان الروايتان ظاهرهما إِلاختلاف، فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز، والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة، ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحة فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى قام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعه إنما قاله بعد الفطام وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته وسماه رضاعاً مجازاً. واعلم أن مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من مذهب مالك أنها لا ترجم حتى تجد من ترضعه فإن لم تجد أرضعته حتى تفطمه ثم رجمت. وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه: إذا وضعت رجمت ولا ينتظر حصول مرضعة، وأما هذا الأنصاري الذي كفلها فقصد مصلحة وهو الرفق بها ومساعدتها على تعجيل طهارتها بالحد لما رأى بها من الحرص التام على تعجيل ذلك، قال أهل اللغة: الفطام قطع الإرضاع لاستغناء الولد عنه. قوله: (قال إما لا فاذهبي حتى تلدي) هو بكسر الهمزة من إما وتشديد الميم وبالإمالة، ومعناه إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك وقد سبق شرح هذه اللفظة مبسوطاً. قوله: (فتنضح الدم على وجه خالد) روي بالحاء المهملة وبالمعجمة والأكثرون على المهملة ومعناه ترشش وانصب. قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها. وفيه أن توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنا، وكذا حكم حد السرقة والشرب، هذا أصح القولين في مذهبنا ومذهب مالك، والثاني: أنها تسقط ذلك. وأما توبة المحارب قبل القدرة عليه فتسقط حد المحاربة بلا خلاف عندنا وعند ابن عباس وغيره لا تسقط. قوله: (ثم أمر بها فصلى عليها ثم دفنت) وفي الرواية الثانية: (أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت) أما الرواية الثانية فصريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها. وأما الرواية الأولى فقال القاضي عياض رضي الله عنه: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة صحيح مسلم، قال: وعند الطبري بضم الصاد، قال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود، قال: وفي رواية لأبي داود ثم أمرهم أن يصلوا عليها، قال القاضي: ولم يذكر مسلم صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز وقد ذكرها البخاري. وقد اختلف العلماء في الصلاة على المرجوم فكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل. قال الشافعي وآخرون: يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم. والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإمام وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي، وبه قال جماهير العلماء قالوا: فيصلى على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم. وقال الزهري: لا يصلي أحد على المرجوم وقاتل نفسه. وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنا واحتج الجمهور بهذا الحديث، وفيه دلالة للشافعي أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم. وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين: أحدهما أنهم ضعفوا رواية الصلاة لكون أكثر الرواة لم يذكروها. والثاني: تأولوها على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة أو دعا فسمى صلاة على مقتضاها في اللغة، وهذان الجوابان فاسدان، أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة. وأما الثاني فهذا التأويل مردود لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطربت الأدلة الشرعية إلى ارتكابه وليس هنا شيء من ذلك فوجب حمله على ظاهره والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم لولي الغامدية: "أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها" هذا الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها فأوصى بالإحسان إليها تحذيراً لهم من ذلك. والثاني: أمر به رحمة لها إذ قد تابت وحرص على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها وإسماعها الكلام المؤذي ونحو ذلك فنهى عن هذا كله. قوله: (فأمر بها فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت) هكذا هو في معظم النسخ فشكت وفي بعضها فشدت بالدال بدل الكاف وهو معنى الأول، وفي هذا استحباب جمع أثوابها عليها وشدها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلبها وتكرار اضطرابها، واتفق العلماء على أنه لا ترجم إلا قاعدة، وأما الرجل فجمهورهم على أنه يرجم قائماً، وقال مالك قاعداً، وقال غيره: يخير الإمام بينهما. قوله في بعض الروايات: (أمر بها فرجمت) وفي بعضها: (وأمر الناس فرجموها) وفي حديث ماعز: (أمرنا أن نرجمه) ونحو ذلك فيها كلها دلالة لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم، وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمه الحضور، وقال أبو حنيفة وأحمد: يحضر الإمام مطلقاً وكذا الشهود إن ثبت ببينة ويبدأ الإمام بالرجم إن ثبت بالإقرار وإن ثبت بالشهود بدأ الشهود، وحجة الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحضر أحداً ممن رجم والله أعلم.
قوله: (أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله) معنى أنشدك أسألك رافعاً نشيدي وهو صوتي وهو بفتح الهمزة وضم الشين، وقوله بكتاب الله أي بما تضمنه كتاب الله، وفيه أنه يستحب للقاضي أن يصبر على من يقول من جفاة الخصوم احكم بالحق بيننا ونحو ذلك. قوله: (فقال الخصم الاَخر وهو أفقه منه) قال العلماء: يجوز أن يكون أراد أنه بالإضافة أكثر فقهاً منه، ويحتمل أن المراد أفقه منه في هذه القضية لوصفه إياهاعلى وجهها، ويحتمل أنه لأدبه واستئذانه في الكلام وحذره من الوقوع في لنهي في قوله تعالى: {لا تقدموا بين يذي الله ورسوله} بخلاف خطاب الأول في قوله: أنشدك الله إلى آخره فإنه من جفاء الأعراب. قوله: (إن ابني كان عسيفاً على هذا) هو بالعين والسين المهملتين أي أجيراً وجمعه عسفاء كأجير وأجراء وفقيه وفقهاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "لأقضين بينكما بكتاب الله" يحتمل أن المراد بحكم الله، وقيل هو إشارة إلى قوله تعالى: {أو يجعل الله لهن سبيلاً} وفسر النبيّ صلى الله عليه وسلم السبيل بالرجم في حق المحصن كما سبق في حديث عبادة بن الصامت، وقيل: هو إشارة إلى آية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، وقد سبق أنه مما نسخت تلاوته وبقي حكمه، فعلى هذا يكون الجلد قد أخذه من قوله تعالى: {الزانية والزاني} وقيل المراد نقض صلحهما الباطل على الغنم والوليدة. قوله: (فسألت أهل العلم) فيه جواز استفتاء غير النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليه. وفيه جواز استفتاء المفضول مع وجود أفضل منه. قوله صلى الله عليه وسلم: "الوليدة والغنم رد" أي مردودة ومعناه يجب ردها إليك، وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد، وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده، وأن الحدود لا تقبل الفداء. قوله صلى الله عليه وسلم: "وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام". هذا محمول على أن الابن كان بكراً وعلى أنه اعترف وإلا فإقرار الأب عليه لا يقبل أو يكون هذا إفتاء أي إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه جلد مائة وتغريب عام. قوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فأمر بها فرجمت" أنيس هذا صحابي مشهور وهو أنيس بن الضحاك الأسلمي معدود في الشاميين، وقال ابن عبد البر: هو أنيس بن مرثد والأول هو الصحيح المشهور وأنه أسلمي، والمرأة أيضاً أسلمية، واعلم أن بعث أنيس محمول عند العلماء من أصحابنا وغيرهم على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه فيعرفها بأن لها عنده حد القذف فتطالب به أو تعفو عنه إلا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه حد القذف بل يجب عليها حد الزنا وهو الرجم لأنها كانت محصنة فذهب إليها أنيس فاعترفت بالزنا فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم برجمها فرجمت، ولا بد من هذا التأويل لأن ظاهره أنه بعث لإقامة حد الزنا وهذا غير مراد لأن حد الزنا لا يحتاج له بالتجسس والتفتيش عنه، بل لو أقر به الزاني استحب أن يلقن الرجوع كما سبق فحينئذ يتعين التأويل الذي ذكرناه، وقد اختلف أصحابنا في هذا البعث هل يجب على القاضي إذا قذف إنسان معين في مجلسه أن يبعث إليه ليعرفه بحقه من حد القذف أم لا يجب؟ والأصح وجوبه، وفي هذا الحديث أن المحصن يرجم ولا يجلد مع الرجم وقد سبق بيان الخلاف فيه
*2* باب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى
*حدّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ أَبُو صَالِحٍ: حَدّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أْتِيَ بِيَهُودِيّ وَيَهُودِيّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ جَاءَ يَهُودَ، فَقَالَ: "مَا تَجِدُونَ فِي التّوْرَاةِ عَلَىَ مَنْ زَنَىَ؟" قَالُوا: نُسَوّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا. قَالَ: "فَأْتُوا بالتّوْرَاةِ، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ" فَجَاؤُوا بِهَا فَقَرَأُوهَا، حَتّىَ إِذَا مَرّوا بِآيَةِ الرّجْمِ، وَضَعَ الْفَتَى، الّذِي يَقْرَأُ، يَدَهُ عَلَىَ آيَةِ الرّجْمِ، وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا وَرَاءَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاَمٍ، وَهُو مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَهُ. فَرَفَعَهَا، فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَرُجِمَا.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُمَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَقِيهَا مِنَ الْحِجَارَةِ بِنَفْسِهِ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنّ نَافِعاً أَخْبَرَهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ فِي الزّنَىَ يَهُودِيّيْنِ، رَجُلاً وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَأَتَتِ الْيَهُودُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا. وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: حَدّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ الْيَهُودَ جَاؤُوا إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ.
حدّثنا يَحيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مُرّ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيَ مُحَمّماً مَجْلُوداً. فَدَعَاهُمْ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ. فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ بِاللّهِ الّذِي أَنْزَلَ التّوْرَاةَ عَلَىَ مُوسَىَ: أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟" قَالَ: لاَ. وَلَوْلاَ أَنّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرّجْمَ، وَلَكِنّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنّا، إذَا أَخَذْنَا الشّرِيفَ تَرَكْنَاهُ. وَإذَا أَخَذْنَا الضّعِيفَ، أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدّ. قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَىَ شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشّرِيفِ وَالْوَضِيعِ. فَجَعَلْنَا التّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرّجْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ إنّي أَوّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إذْ أَمَاتُوهُ". فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا الرّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}. إلَىَ قوله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} (5 المائدة الاَية: ) يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم. فَإنْ أَمَرَكُمْ بِالتّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإنْ أَفْتَاكُمْ بِالرّجْمِ فَاحْذَرُوا. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَىَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (5 المائدة الاَية: ) . {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} (5 المائدة الاَية: ). {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (5 المائدة الاَية: ). فِي الْكُفّارِ كُلّهَا.
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. إِلَىَ قوله: فَأَمَرَ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: مَا بَعْدَهُ مَنْ نُزُولِ الاَيَةِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ قال: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: رَجَمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ، وَرَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ، وَامْرَأَتَهُ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَامْرَأَةً.
وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ الشّيْبَانِيّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَىَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ الشّيْبَانِيّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَىَ: هَلْ رَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ: بَعْدَ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ النّورِ أَمْ قَبْلَهَا؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي.
وحدّثني عِيسَى بْنُ حَمّادٍ الْمِصْرِيّ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ، وَلاَ يُثَرّبْ عَلَيْهَا، ثُمّ إنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ، وَلاَ يُثَرّبْ عَلَيْهَا، ثُمّ إنْ زَنَتِ الثّالِثَةَ، فَتَبَيّنَ زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا. وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ".
حدّثنا أَبُوَ بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَهِيمَ، جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيّ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسّانَ، كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: حَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدّثَنَا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِسْحَقَ، كُلّ هَولاَءِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ أَنّ ابْنَ إِسْحَقَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فِي جَلْدِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ ثَلاَثاً "ثُمّ لِيَبِعْهَا فِي الرّابِعَةِ".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقعْنَبِيّ:. حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللّفْظُ لَهُ) قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ؟ قَالَ: "إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا. ثُمّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي، أَبَعْدَ الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ.
وَقَالَ الْقَعْنَبِيّ، فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالضّفِيرُ الْحَبْلُ.
وحدّثنا أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ زَيْدِ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ. بِمثْلِ حَدِيِثِهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ: وَالضّفِيرُ الْحَبْلُ.
م 1 (...) حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كِلاَهُمَا، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَالشّكّ فِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعاً، فِي بَيْعِهَا فِي الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بيهودي ويهودية قد زنيا إلى قوله فرجما) في هذا دليل لوجوب حد الزنا على الكافر وأنه يصح نكاحه لأنه لا يجب الرجم إلا على محصن، فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه ولم يرجم، وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع وهو الصحيح، وقيل لا يخاطبون بها، وقيل إنهم مخاطبون بالنهي دون الأمر، وفيه أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا. وقال مالك: لا يصح إحصان الكافر قال: وإنما رجمهما لأنهما لم يكونا أهل ذمة، وهذا تأويل باطل لأنهما كانا ن أهل العهد ولأنه رجم المرأة والنساء لا يجوز قتلهن مطلقاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "فقال ما تجدون في التوراة" قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم ولهذا لم يخف ذلك عليه حين كتموه. قوله: (نسود وجوههما ونحملهما) هكذا هو في أكثر النسخ نحملهما بالحاء واللام، وفي بعضها نجملهما بالجيم، وفي بعضها نحممهما بميمين وكله متقارب، فمعنى الأول نحملهما على الحمل، ومعنى الثاني نجملهما جميعاً على الجمل، ومعنى الثالث نسود وجوههما بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم، وهذا الثالث ضعيف لأنه قال قبله نسود وجوههما، فإن قيل: كيف رجم اليهوديان بالبينة أم بالإقرار؟ قلنا: الظاهر أنه بالإقرار، وقد جاء في سنن أبي داود وغيره أنه شهد عليهما أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها، فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا كفاراً فلا اعتبار بشهادتهم ويتعين أنهما أقرا بالزنا.
قوله: (رجم رجلاً من اليهود وامرأته) أي صاحبته التي زنا بها ولم يرد زوجته. وفي رواية: (وامرأة).
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" التثريب التوبيخ واللوم على الذنب ومعنى تبين زناها تحققه إما بالبينة وإما برؤية أو علم عند من يجوز القضاء بالعلم في الحدود، وفي هذا الحديث دليل على وجوب حد الزنا على الإماء والعبيد، وفيه أن السيد يقيم الحد على عبده وأمته، وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه في طائفة ليس له ذلك: وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور، وفيه دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان سواء كانا مزوجين أم لا لقوله صلى الله عليه وسلم: "فليجلدها الحد" ولم يفرق بين مزوجة وغيرها، وفيه أنه لا يوبخ الزاني بل يقام عليه الحد فقط. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر" فيه أن الزاني إذا حد ثم زنى ثانياً يلزمه حد آخر فإن زنى ثالثة لزمه حد آخر فإن حد ثم زنا لزمه حد آخر وهكذا أبداً، فأما إذا زنى مرات ولم يحد لواحدة منهن فيكفيه حد واحد للجميع. وفيه ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي وفراقهم، وهذا البيع المأمور به مستحب ليس بواجب عندنا وعند الجمهور، وقال داود وأهل الظاهر: هو واجب. وفيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير وهذا مجمع عليه إذا كان البائع عالماً به، فإن كان جاهلاً فكذلك عندنا وعند الجمهور، ولأصحاب مالك فيه خلاف والله أعلم. وهذا البيع المأمور به يلزم صاحبه أن يبين حالها للمشتري لأنه عير والإخبار بالعيب واجب، فإن قيل: كيف يكره شيئاً ويرتضيه لأخيه المسلم؟ فالجواب لعلها تستعف عند المشتري بأن يعفها بنفسه أو يصونها بهيبته أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها أو يزوجها أو غير ذلك والله أعلم. قوله: "قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال إن زنت فاجلدوها. وفي الحديث الاَخر: (أن علياً رضي الله تعالى عنه خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن) قال الطحاوي: وفي الرواية الأولى لم يذكر أحد من الرواية قوله ولم يحصن غير مالك وأشار بذلك إلى تضعيفها، وأنكر الحفاظ هذا على الطحاوي قالوا بل روي هذه اللفظة أيضاً ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما قال مالك، فحصل أن هذه اللفظة صحيحة وليس فيها حكم مخالف لأن الأمة تجلد نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة بالتزويج أم لا. وفي هذا الحديث بيان من لم يحصن وقوله تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} فيه بيان من أحصنت، فحصل من الاَية الكريمة والحديث بيان أن الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد وهو معنى ما قاله علي رضي الله تعالى عنه وخطب الناس به، فإن قيل: فما الحكمة في التقييد في قوله تعالى: {فإذا أحصن} مع أن عليها نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة أم لا؟ فالجواب أن الاَية نبهت على أن الأمة وإن كانت مزوجة لا يجب عليها إلا نصف جلد الحرة لأنه الذي ينتصف، وأما الرجم فلا ينتصف فليس مراداً في الاَية بلا شك فليس للأمة المزوجة الموطوءة في النكاح حكم الحرة الموطوءة في النكاح فبينت الاَية هذا لئلا يتوهم أن الأمة المزوجة ترجم وقد أجمعوا على أنها لا ترجم، وأما غير المزوجة فقد علمنا أن عليها نصف جلد المزوجة بالأحاديث الصحيحة منها حديث مالك هذا، وباقي الروايات المطلقة إذا زنت أمة أجدكم فليجلدها وهذا يتناول المزوجة وغيرها، وهذا الذي ذكرناه من وجوب نصف الجلد على الأمة سواء كانت مزوجة أم لا هو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير علماء الأمة، وقال جماعة من السلف: لا حد على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد ممن قاله ابن عباس وطاوس وعطاء وابن جريج وأبو عبيدة
*2* باب تأخير الحدّ عن النفساء
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو دَاوُدَ: حَدّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ السّدّيّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: خَطَبَ عَلِيّ فَقَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ أَقِيمُوا عَلَىَ أَرِقّائِكُمُ الْحَدّ ، مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ، فَإنّ أَمَةً لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم زَنَتْ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ. فَخَشِيتُ، إنْ أَنَا جَلَدْتُهَا، أَنْ أَقْتُلَهَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "أَحْسَنْتَ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: حَدّثَنَا إِسْرَئِيلُ، عَنِ السّدّيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: "اتْرُكْهَا حَتّىَ تَمَاثَلَ".
قوله: "قال علي زنت أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت" فيه أن الجلد واجب على الأمة الزانية وأن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلى البرء والله أعلم
*2* باب حدّ الخمر
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ قالا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْ،. فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ، نَحْوَ أَرْبَعِينَ.
قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَلَمّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النّاسَ. فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: أَخَفّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ. فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ: حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ): حَدّثَنَا شُعْبَةُ: حَدّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنّعَالِ. ثُمّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمّا كَانَ عُمَرُ، وَدَنَا النّاسُ مِنَ الرّيفِ وَالْقُرَىَ، قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَىَ أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفّ الْحُدُودِ. قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا هِشَامٌ بِهَذَا الإِسْنَاد، مِثْلَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنّعَالِ والْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ.ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ: الرّيفَ وَالْقُرَىَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيّةَ) عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ الدّانَاجِ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمِ الْحَنْظَلِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمّادٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ ابْنُ فَيْرُوزَ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ الدّانَاجِ: حَدّثَنَا حُضَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ، أَبُو سَاسَانَ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ ابْنَ عَفّانَ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ، قَدْ صَلّى الصّبْحَ رَكْعَتَيْنِ. ثُمّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ: أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ أَنّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ وَشَهِدَ آخَرُ أَنّهُ قَاءهَا فَقالَ عُثْمَانُ ما قاءها: حَتّىَ شَرِبَهَا. فَقَالَ: يَا عَلِيّ! قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ عَلِيّ: قُمْ، يَا حَسَنُ! فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلّ حَارّهَا مَنْ تَوَلّى قَارّهَا (فَكَأَنّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ). فَقَالَ: قُمْ يا عَبدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَر! قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ. وَعَلِيّ يَعُدّ فلما بَلَغَ أَرْبَعِينَ، قَالَ: أَمْسِكْ. ثُمّ قَالَ: جَلَدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلّ سُنّةٌ، وَهَذَا أَحَبّ إلَيّ.
زَادَ عَلِيّ بنُ حُجْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَقَدْ سَمِعْتُ حَدِيثَ الدّانَاجِ مَنْهُ فَلَمْ أَحْفَظْهُ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضّرِيرُ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيّ قَالَ: مَا كُنْتُ أُقِيمُ عَلَىَ أَحَدٍ حَدّاً فَيَمُوتَ فِيهِ، فَأَجِدَ مِنْهُ فِي نَفْسِي، إلاّ صَاحِبَ الْخَمْرِ، لأَنّهُ إنْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، لأَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسُنّهُ.
م 2 (...) حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر" وفي رواية: (جلد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال ثم جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر ودنا الناس من الريف قال ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن يجعلها كأخف الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين) وفي رواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين) وفي حديث علي رضي الله عنه: "أنه جلد أربعين ثم قال للجلاد أمسك ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر وثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي" أما قوله في الرواية الأولى: فقال عبد الرحمن أخف الحدود فهو بنصب أخف وهو منصوب بفعل محذوف أي اجلده كأخف الحدود أو اجعله كأخف الحدود كما صرح به في الرواية الأخرى. وقوله: (أرى أن تجعلها) يعني العقوبة التي هي حد الخمر. وقوله: أخف الحدود يعني المنصوص عليها في القرآن وهي حد السرقة بقطع اليد وحد الزنا جلد مائة وحد القذف ثمانين فاجعلها ثمانين كأخف هذه الحدود، وفي هذا جواز القياس واستحباب مشاورة القاضي والمفتي أصحابه وحاضري مجلسه في الأحكام.
قوله: (وكل سنة) معناه أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سنة يعمل بها وكذا فعل عمر، ولكن فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر أحب إلي. وقوله: (وهذا أحب إلي) إشارة إلى الأربعين التي كان جلدها وقال للجلاد أمسك، ومعناه هذا الذي قد جلدته وهو الأربعون أحب إلي من الثمانين، وفيه أن فعل الصحابي سنة يعمل بها وهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" والله أعلم. وأما الخمر فقد أجمع المسلمون على تحريم شرب الخمر، وأجمعوا على وجوب الحد على شاربها سواء شرب قليلاً أو كثيراً، وأجمعوا على أنه لا يقتل بشربها وإن تكرر ذلك منه، هكذا حكى الإجماع فيه الترمذي وخلاى، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن طائفة شاذة أنهم قالوا يقتل بعد جلده أربع مرات للحديث الوارد في ذلك، وهذا القول باطل مخالف لإجماع الصحابة فمن بعدهم على أنه لا يقتل وإن تكرر منه أكثر من أربع مرات، وهذا الحديث منسوخ، قال جماعة: دل الإجماع على نسخه، وقال بعضهم: نسخه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة" واختلف العلماء في قدر حد الخمر فقال الشافعي وأبو ثور وداود وأهل الظاهر وآخرون: حده أربعون. قال الشافعي رضي الله عنه: وللإمام أن يبلغ به ثمانين وتكون الزيادة على الأربعين تعزيرات على تسببه في إزالة عقله وفي تعرضه للقذف والقتل وأنواع الإيذاء وترك الصلاة وغير ذلك. ونقل القاضي عن الجمهور من السلف والفقهاء منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى أنهم قالوا: حده ثمانون واحتجوا بأنه الذي استقر عليه إجماع الصحابة وأن فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن للتحديد، ولهذا قال في الوراية الأولى: نحو أربعين وحجة الشافعي وموافقيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين كما صرح به في الرواية الثانية. وأما زيادة عمر فهي تعزيرات والتعزير إلى رأي الإمام إن شاء فعله وإن شاء تركه بحسب المصلحة في فعله وتركه، فرآه عمر ففعله ولم يره النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا علي فتركوه، وهكذا يقول الشافعي رضي الله عنه أن الزيادة إلى رأي الإمام، وأما الأربعون فهي الحد المقدر الذي لا بد منه، ولو كانت الزيادة حداً لم يتركها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ولم يتركها علي رضي الله عنه بعد فعل عمر، ولهذا قال علي رضي الله عنه وكل سنة معناه الاقتصار على الأربعين وبلوغ الثمانين، فهذا الذي قاله الشافعي رضي الله عنه هو الظاهر الذي تقتضيه هذه الأحاديث ولا يشكل شيء منها، ثم هذا الذي ذكرناه هو حد الحر، فأما العبد فعلى النصف من الحر كما في الزنا والقذف والله أعلم. وأجمعت الأمة على أن الشارب يحد سواء سكر أم لا. واختلف العلماء في من شرب النبيذ وهو ما سوى عصير العنب من الأنبذة المسكرة فقال الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو حرام يجلد فيه كجلد شارب الخمر الذي هو عصير العنب سواء كان يعتقد إباحته أو تحريمه. وقال أبو حنيفة والكوفيون رحمهم الله تعالى: لا يحرم ولا يحد شاربه. وقال أبو ثور: هو حرام يجلد بشربه من يعتقد تحريمه دون من يعتقد إباحته والله أعلم. قوله: (جلده بجريدتين نحو أربعين) اختلفوا في معناه فأصحابنا يقولون معناه أن الجريدتين كانتا مفردتين جلد بكل واحدة منهما عدداً حتى كمل من الجميع أربعون. وقال آخرون ممن يقول جلد الخمر ثمانون معناه أنه جمعهما وجلد بهما أربعين جلدة فيكون المبلغ ثمانين، وتأويل أصحابنا أظهر لأن الرواية الأخرى مبينة لهذه وأيضاً فحديث علي رضي الله عنه مبين لها. قوله: (ضربه بجريدتين) وفي رواية: لجريد والنعال أجمع العلماء على حصول حد الخمر بالجلد بالجريد والنعال وأطراف الثياب واختلفوا في جوازه بالسوط وهما وجهان لأصحابنا الأصح الجواز، وشذ بعض أصحابنا فشرط فيه السوط وقال: لا يجوز بالثياب والنعال وهذا غلط فاحش مردود على قاله لمنابذته لهذه الأحاديث الصحيحة، قال أصحابنا: وإذا ضربه بالسوط يكون سوطاً معتدلاً في الحجم بين القضيب والعصا، فإن ضربه بجريدة فلتكن خفيفة بين اليابسة والرطبة ويضربه ضرباً بين ضربين فلا يرفع يده فوق رأسه ولا يكتفي بالوضع بل يرفع ذراعه رفعاً معتدلاً. قوله: (فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى) الريف المواضع التي فيها المياه أو هي قريبة منها، ومعناه لما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت الشام والعراق وسكن الناس في الريف ومواضع الخصب وسعة العيش وكثرة الأعناب والثمار أكثروا من شرب الخمر فزاد عمر في حد الخمر تغليظاً عليهم وزجراً لهم عنها.
قوله: (فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود) هكذا هو في مسلم وغيره أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي أشار بهذا، وفي الموطأ وغيره أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكلاهما صحيح وأشارا جميعاً، ولعل عبد الرحمن بدأ بهذا القول فوافقه علي وغيره فنسب ذلك في رواية إلى عبد الرحمن رضي الله عنه لسبقه به، ونسبه في رواية إلى علي رضي الله عنه لفضيلته وكثرة علمه ورجحانه على عبد الرحمن رضي الله عنه. قوله: (عن عبد الله الداناج) هو بالدال المهملة والنون والجيم ويقال له أيضاً الدانا بحذف الجيم والداناه بالهاء ومعناه بالفارسية العالم. قوله: (حدثنا حضين بن المنذر) هو بالضاد المعجمة وقد سبق أنه ليس في الصحيحين حضين بالمعجمة غيره. قوله: (فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيأ فقال عثمان رضي الله عنه أنه لم يتقيأ حتى شربها ثم جلده) هذا دليل لمالك وموافقيه في أن من تقيأ الخمر يحد حد الشارب، ومذهبنا أنه لا يحد بمجرد ذلك لاحتمال أنه شربها جاهلاً كونها خمراً أو مكرهاً عليها أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحدود، ودليل مالك هنا قوي لأن الصحابة اتفقوا على جلد الوليد بن عقبة المذكور في هذا الحديث، وقد يجيب أصحابنا عن هذا بأن عثمان رضي الله عنه علم شرب الوليد فقضى بعلمه في الحدود وهذا تأويل ضعيف وظاهر كلام عثمان يرد على هذا التأويل والله أعلم. قوله: (ان عثمان رضي الله عنه قال: يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فامتنع الحسن فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك) معنى هذا الحديث أنه لما ثبت الحد على الوليد لبن عقبة قال عثمان رضي الله عنه وهو الإمام لعلي على سبيل التكرم له وتفويض الأمر إليه في استيفاء الحد قم فاجلده أيقم عليه الحد بأن تأمر من ترى بذلك فقبل علي رضي الله عنه ذلك فقال للحسن: قم فاجلده فامتنع الحسن فقال لابن جعفر فقيل لجلده وكان علي مأذوناً له في التفويض إلى من رأى كما ذكرناه. وقوله: وجد عليه أي غضب عليه. وقوله: ول حارها من تولى قارها الحار الشديد المكروه والقار البارد الهنيء الطيب وهذا مثل من أمثال العرب. قال الأصمعي وغيره: معناه ول شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها، ومعناه ليتول هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه الأدنين والله أعلم. قوله: (قال أمسك ثم قال وكل سنة) هذا دليل على أن علياً رضي الله عنه كان معظماً لاَثار عمر، وأن حكمه وقوله سنة وأمره حق، وكذلك أبو بكر رضي الله عنه خلاف ما يكذبه الشيعة عليه. واعلم أنه وقع هنا في مسلم ما ظاهره أن علياً جلد الوليد بن عقبة أربعين، ووقع في صحيح البخاري من رواية عبد الله بن عدي بن الخيار أن علياً جلد ثمانين وهي قضية واحدة. قال القاضي عياض: المعروف من مذهب علي رضي الله عنه الجلد في الخمر ثمانين، ومنه قوله في قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة، وروي عنه أنه جلد المعروف بالنجاشي ثمانين، قال: والمشهور أن علياً رضي الله عنه هو الذي أشار على عمر بإقامة الحد ثمانين كما سبق عن رواية الموطأ وغيره، قال: وهذا كله يرجح رواية من روى أنه جلد الوليد ثمانين، قال: ويجمع بينه وبين ما ذكره مسلم من رواية الأربعين بما روي أنه جلده بسوط له رأسان فضربه برأسه أربعين فتكون جملتها ثمانين، قال: ويحتمل أن يكون قوله وهذا أحب إلى عائد إلى الثمانين إلى فعلها عمر رضي الله عنه، فهذا كلام القاضي وقد قدمنا ما يخالف بعض ما قاله وذكرنا تأويله والله أعلم. قوله: (عن أبي حصين عن عمير بن سعيد عن علي رضي الله عنه قال: ما كنت أقيم على أحد حداً فيموت فأجد منه في نفسي إلا صاحب الخمر لأنه إن مات وديته لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه) أما أبو حصين هذا فهو بحاء مفتوحة وصاد مكسورة واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي، وأما عمير بن سعيد فهكذا هو في جميع نسخ مسلم عمير بن سعيد بالياء في عمير وفي سعيد وهكذا هو في صحيح البخاري وجميع كتب الحديث والأسماء ولا خلاف فيه، ووقع في الجمع بين الصحيحين عمير بن سعد بحذف الياء من سعيد وهو غلط وتصحيف إما من الحميدي وإما من بعض الناقلين عنه، ووقع في المهذب من كتب أصحابنا في المذهب في باب التعزير عمر بن سعد بحذف الياء من الاثنين وهو غلط فاحش والصواب إثبات الياء فيهما كما سبق. وأما قوله: (إن مات وديته) فهو بتخفيف الدال أي غرمت ديته، قال بعض العلماء: وجه الكلام أن يقال فإنه إن مات وديته بالفاء لا باللام وهكذا هو في رواية البخاري بالفاء.
وقوله: (ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه) معناه لم يقدر فيه حداً مضبوطاً، وقد أجمع العلماء على أن من وجب عليه الحد فجلده الإمام أو جلاده الحد الشرعي فمات فلا دية فيه ولا كفارة لا على الإمام ولا على جلاده ولا في بيت المال، وأما من مات من التعزير فمذهبنا وجوب ضمانه بالدية والكفارة، وفي محل ضمانه قولان للشافعي أصحهما تجب ديته على عاقلة الإمام والكفارة في مال الإمام. والثاني تجب الدية في بيت المال. وفي الكفارة على هذا وجهان لأصحابنا أحدهما في بيت المال أيضاً، والثاني في مال الإمام هذا مذهبنا، وقال جماهير العلماء: لا ضمان فيه لا على الإمام ولا على عاقلته ولا في بيت المال والله أعلم.
*2* باب قدر أسواط التعزير
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، فَحَدّثَهُ. فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ. فَقَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأَنْصَارِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلاّ فِي حَدّ مِنْ حُدُودِ اللّهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله عز وجل" ضبطوه يجلد بوجهين: أحدهما بفتح الياء وكسر اللام. والثاني بضم الياء وفتح اللام وكلاهما صحيح. واختلف العلماء في التعزير هل يقتصر فيه على عشرة أسواط فما دونها ولا تجوز الزيادة أم تجوز الزيادة؟ فقال أحمد بن حنبل وأشهب المالكي وبعض أصحابنا: لا تجوز الزيادة على عشرة أسواط، وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى جواز الزيادة، ثم اختلف هؤلاء فقال مالك وأصحابه وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور والطحاوي: لا ضبط لعدد الضربات بل ذلك إلى رأي الإمام وله أن يزيد على قدر الحدود، قالوا: لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب من نقش على خاتمه مائة وضرب صبياً أكثر من الحد. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يبلغ به أربعين. وقال ابن أبي ليلى: خمسة وسبعون وهي رواية عن مالك وأبي يوسف. وعن عمر لا يجاوز به ثمانين. وعن ابن أبي ليلى رواية أخرى هو دون المائة وهو قول ابن شبرمة. وقال ابن أبي ذئب وابن أبي يحيى: لا يضرب أكثر من ثلاثة في الأدب. وقال الشافعي وجمهور أصحابه: لا يبلغ بتعزير كل إنسان أدنى حدوده فلا يبلغ بتعزير العبد عشرين ولا بتعزير الحر أربعين. وقال بعض أصحابنا: لا يبلغ بواحد منهما أربعين. وقال بعضهم: لا يبلغ بواحد منهما عشرين، وأجاب أصحابنا عن الحديث بأنه منسوخ، واستدلوا بأن الصحابة رضي الله عنهم جاوزوا عشرة أسواط، وتأوله أصحاب مالك على أنه كان ذلك مختصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر وهذا التأويل ضعيف والله أعلم. قوله: (في إسناد هذا الحديث) أخبرني عمرو يعني ابن الحارث عن بكير بن الأشج قال: حدثنا سليمان بن بشار قال: حدثني عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن أبي بردة قال الدارقطني: تابع عمرو بن الحارث أسامة بن زيد عن بكير عن سليمان وخالفهما الليث وسعيد ابن أبي أيوب وابن لهيعة فرووه عن بكير عن سليمان عن عبد الرحمن بن جابر عن أبي بردة لم يذكروا عن أبيه، واختلف فيه على مسلم بن إبراهيم فقال ابن جريج عنه عن عبد الرحمن بن جابر عن رجل من الأنصار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال حفص بن ميسرة عنه عن جابر عن أبيه، قال الدارقطني في كتاب العلل: القول قول الليث ومن تابعه عن بكير، وقال في كتاب البيع: قول عمرو صحيح والله أعلم
*2* باب الحدود كفارات لأهلها
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ، كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللّفّظُ لِعَمْرٍو) قَالَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ: "تُبَايِعُونِي عَلَىَ أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللّهِ شَيْئاً، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بِالْحَقّ، فَمَنْ وَفَىَ مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ، فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللّهِ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إلَىَ اللّهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإنْ شَاءَ عَذّبَهُ".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: فَتَلاَ عَلَيْنَا آيَةَ النّسَاءِ: {أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً} الاَيَةَ (الممتحنة الاَية: ).
وحدّثني إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخَذَ عَلَى النّسَاءِ: أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللّهِ شَيْئاً، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَزْنِيَ، وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا، وَلاَ يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضاً. "فَمَنْ وَفَىَ مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ، وَمَنْ أَتَىَ مِنْكُمْ حَدّاً فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللّهِ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللّهِ، إنْ شَاءَ عَذّبَهُ، وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصّنَابِحِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنّهُ قَالَ: إنّي لَمِنَ النّقَبَاءِ الّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَىَ أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللّهِ شَيْئاً، وَلاَ نَزْنِيَ، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَقْتُلَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بِالْحَقّ، وَلاَ نَنْتَهِبَ، وَلاَ نَعْصِيَ. فَالْجَنّةُ، إنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إلَىَ اللّهِ، وَقَالَ ابْنُ رُمْحٍ: كَانَ قَضَاؤُهُ إِلَى اللّهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه" وفي الرواية الأخرى: "ولا يعضه بعضنا بعضاً فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته، ومن ستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" وفي الرواية الأخرى: "بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نزني ولا نسرق ولا نقتل النفس التي حرم الله ولا ننتهب ولا نعصي بالجنة إن فعلنا ذلك فإن غشينا من ذلك شيئاً كان قضاء ذلك الله تعالى". أما قوله صلى الله عليه وسلم: فمن وفى فبتخفيف الفاء، وقوله: ولا يعضه هو بفتح الياء والضاد المعجمة أي لا يستحب، وقيل لا يأتي ببهتان، وقيل لا يأتي بنمية. واعلم أن هذا الحديث عام مخصوص وموضع التخصيص قوله صلى الله عليه وسلم: ومن أصاب شيئاً من ذلك إلى آخره المراد به ما سوى الشرك، وإلا فالشرك لا يغفر له وتكون عقوبته كفارة له، وفي هذا الحديث فوائد: منها تحريم هذه المذكورات وما في معناها. ومنها الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها بل هو بمشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه خلافاً للخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج يكفرون بالمعاصي، والمعتزلة يقولون لا يكفر ولكن يخلد في النار، وسبقت المسألة في كتاب الإيمان مبسوطة بدلائلها. ومنها أن من ارتكب ذنباً يوجب الحد فحد سقط عنه الإثم. قال القاضي عياض: قال أكثر العلماء الحدود كفارة استدلالاً بهذا الحديث، قال: ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا أدري الحدود كفارة" قال: ولكن حديث عبادة الذي نحن فيه أصح إسناداً ولا تعارض بين الحديثين، فيحتمل أن حديث أبي هريرة قبل حديث عبادة فلم يعلم ثم علم. قال المازري: ومن نفيس الكلام وجزله قوله: ولا نعصي فالجنة إن فعلنا ذلك. وقال في الرواية الأولى: فمن وفى منكم فأجره على الله، ولم يقل فالجنة لأنه لم يقل في الرواية الأولى ولا نعصي وقد يعصي الإنسان بغير الذنوب المذكورة في هذا الحديث كشرب الخمر وأكل الربا وشهادة الزور، وقد يتجنب المعاصي المذكورة في الحديث ويعطي أجره على ذلك وتكون له معاص غير ذلك فيجازي بها والله أعلم
*2* باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرّكازِ الْخُمْسُ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ كُلّهُمْ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا إِسْحَقُ (يَعْنِي ابْنَ عَيسَىَ): حَدّثَنَا مَالِكٌ، كِلاَهُمَا، عَنِ الزّهْرِيّ بِإِسْنَادِ اللّيْثِ. مِثْل حَدِيثِهِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ وَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "الْبِئْرُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جَرْحُهُ جُبَارٌ، وَالْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَفِي الرّكَازِ الْخُمْسُ".
وحدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَلاّمٍ الْجُمَحِيّ: حَدّثَنَا الرّبَيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ). ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ بَشّارٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَة، كِلاِهُمَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس" العجماء بالمدهي كل الحيوان سوى الاَدمي، وسميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم. والجبار بضم الجيم وتخفيف الباء الهدر، فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "العجماء جرحها جبار" فمحمول على ما إذا أتلفت شيئاً بالنهار أو أتلفت بالليل بغير تفريط من مالكها أو أتلفت شيئاً وليس معها أحد فهذا غير مضمون وهو مراد الحديث، فأما إذا كان معها سائق أو قائد أو راكب فأتلفت بيدها أو برجلها أو فمها ونحوه وجب ضمانه في مال الذي هو معها سواء كان مالكاً أو مستأجراً أو مستعيراً أو غاصباً أو مودعاً أو وكيلاً أو غيره إلا أن تتلف آدمياً فتجب ديته على عاقلة الذي معها والكفارة في ماله، والمراد يجرح العجماء إتلافها سواء كان يجرح أو غيره. قال القاضي: أجمع العلماء على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها إذا لم يكن معها أحد، فإن كان معها راكب أو سائق أو قائد فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته. وقال داود وأهل الظاهر: لا ضمان بكل حال إلا أن يحملها الذي هو معها على ذلك أو يقصده، وجمهورهم على أن الضارية من الدواب كغيرها على ما ذكرناه وقال مالك وأصحابه: يضمن مالكها ما أتلفت، وكذا قال أصحاب الشافعي: يضمن إذا كانت معروفة بالإفساد لأن عليه ربطها والحالة هذه، وأما إذا أتلفت ليلاً فقال مالك: يضمن صاحبها ما أتلفته. وقال الشافعي: وأصحابه يضمن إن فرط في حفظها وإلا فلا. وقال أبو حنيفة: لا ضمان فيما أتلفته البهائم لا في ليل ولا في نهار، وجمهورهم على أنه لا ضمان فيما رعته نهاراً. وقال الليث وسحنون: يضمن. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "والمعدن جبار" فمعناه أن الرجل يحفر معدناً في ملكه أو في موات فيمر بها مار فيسقط فيها فيموت، أو يستأجر أجراء يعملون فيها فيقع عليهم فيموتون فلا ضمان في ذلك، وكذا البئر جبار معناه أنه يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيها إنسان أو غيره ويتلف فلان ضمان، وكذا لو استأجره لحفرها فوقعت عليه فمات فلا ضمان، فأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان فيجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال الحافر، وإن تلف بها غير الاَدمي وجب ضمانه في مال الحافر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي الركاز الخمس" ففيه تصريح بوجوب الخمس فيه وهو زكاة عندنا، والركاز هو دفين الجاهلية، وهذا مذهبنا ومذهب أهل الحجاز وجمهور العلماء. وقال أبو حنيفة وغيره من أهل العراق: هو المعدن وهما عندهم لفظان مترادفان. وهذا الحديث يرد عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما وعطف أحدهما على الاَخر، وأصل الركاز في اللغة الثبوت والله أعلم.