كتاب الإمارة
 1* كتاب الإِمارة
*2* باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِيَانِ الحِزَامِيّ). ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: وَفِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ عَمْرٌو: رِوَايَةً "النّاسُ تَبَعٌ لِقَرَيْشٍ فِي هَذَا الشّأْنِ. مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "النّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشّأْنِ. مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ. وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ".
وحدّثني يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِيّ حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "النّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ".
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ، مَا بَقِيَ مِنَ النّاسِ اثْنَانِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. ح وَحَدّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الهَيْثَمِ الْوَاسِطِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللّهِ الطّحّانَ) عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ. قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إنّ هَذَا الأَمْرَ لاَ يَنْقَضِي حَتّىَ يَمْضِيَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً". قَالَ: ثُمّ تَكَلّمَ بِكَلاَمٍ خَفِيَ عَلَيّ. قَالَ فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: "كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَزَالُ أَمْرُ النّاسِ مَاضِياً مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً". ثُمّ تَكَلّمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيّ. فَسَأَلْتُ أَبِي: مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: "كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "لاَ يَزَالُ أَمْرُ النّاسِ مَاضِياً".
حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَزَالُ الإِسْلاَمُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً" ثُمّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: "كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ الشّعْبِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً". قَالَ: ثُمّ تَكَلّمَ بِشَيءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَالَ؟ فَقَالَ "كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَزْهَرُ. حَدّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي أَبِي. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لاَ يَزَالُ هَذَا الدّينُ عَزِيزاً مَنِيعاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً" فَقَالَ كَلِمَةً صَمّنِيهَا النّاسُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: "كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".
حدّثنا قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ قَالَ: كَتَبْت إِلىَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، مَعَ غُلاَمِي نَافِعٍ: أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ جُمُعَةٍ، عَشِيّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِيّ، يَقُولُ: "لاَ يَزَالُ الدّينُ قَائِماً حَتّىَ تَقُومَ السّاعَةُ. أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيْفَةً. كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ" وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الأَبْيَضَ. بَيْتَ كِسْرَىَ. أَوْ آلِ كِسْرَىَ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إنّ بَيْنَ يَدَيِ السّاعَةِ كَذّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إذَا أَعْطَى اللّهُ أَحَدَكُمْ خَيْراً فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فَدَيْكٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنّهُ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ سَمُرَةَ الْعَدَوِيّ: حَدّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَاتِمٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم".
وفي رواية: (الناس تبع لقريش في الخير والشر).
وفي رواية: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان). وفي رواية البخاري: (ما بقي منهم اثنان). هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة، قال القاضي: اشتراط كونه قريشاً هو مذهب العلماء كافة، قال: وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهم على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد، قال القاضي: وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا وكذلك من بعدهم في جميع الأعصار، قال: ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش ولا بسخافة ضرار بن عمرو في قوله: ان غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه ان عرض منه أمر، وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس تبع لقريش في الخير والشر" فمعناه في الإسلام والجاهلية كما هو مصرح به في الرواية الأولى لأنهم كانوا في الجاهلية رؤوساء العرب وأصحاب حرم الله وأهل حج بيت الله وكانت العرب تنظر إسلامهم، فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس وجاءت وفود العرب من كل جهة ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وكذلك في الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم، وبين صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا ما بقي من الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الاَن الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها وتبقى كذلك ما بقي اثنان كما قاله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: استدل أصحاب الشافعي بهذا الحديث على فضيلة الشافعي قال: ولا دلالة فيه لهم لأن المراد تقديم قريش في الخلافة فقط. قلت: هو حجة في مزية قريش على غيرهم والشافعي قريش.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش" وفي رواية: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش) وفي رواية: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش) قال القاضي: قد توجه هنا سؤالان: أحدهما أنه قد جاء في الحديث الاَخر: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً) وهذا مخالف لحديث: اثني عشر خليفة فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة الأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي قال: والجواب عن هذا أن المراد في حديث الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة، وقد جاء مفسراً في بعض الروايات: "خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً" ولم يشترط هذا في الاثني عشر. السؤال الثاني: أنه قد ولي أكثر من هذا العدد، قال: وهذا اعتراض باطل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل لا يلي إلا اثني عشر خليفة وإنما قال يلي وقد ولي هذا العدد، لا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم هذا إن جعل المراد باللفظ كل وال، ويحتمل أن يكون المرادّ مستحق الخلافة العادلين وقد مضى منهم من علم، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة، قال: وقيل إن معناه أنهم يكونون في عصر واحد يتبع كل واحد منهم طائفة، قال القاضي: ولا يبعد أن يكون هذا قد وجد إذا تتبعت التواريخ، فقد كان بالأندلس وحدها منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين سنة ثلاثة كلهم يدعيها ويلقب بها، وكان حينئذ في مصر آخر، وكان خليفة الجماعة العباسية ببغداد سوى من كان يدعي ذلك في ذلك الوقت في أقطار الأرض، قال: ويعضد هذا التأويل قوله في كتاب مسلم: بعد هذا ستكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فووا بيعة الأول فالأول. قال: ويحتمل أن المراد من يعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه كما جاء في سنن أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمة، وهذا قد وجد قبل اضطراب أمر بني أمية واختلافهم في زمن يزيد بن الوليد وخرج عليه بنو العباس، ويحتمل أوجهاً أخر والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال كلمة صمنيها الناس) هو بفتح الصاد وتشديد الميم المفتوحة أي أصموني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام، ووقع في بعض النسخ صمتنيها الناس أي سكتوني عن السؤال عنها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى" هذا من المعجزات الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فتحوه بحمد الله في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والعصيبة تصغير عصبة وهي الجماعة، وكسرى بكسر الكاف وفتحها. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه" هو مثل حديث ابدأ بنفسك ثم بمن تعول. قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا الفرط على الحوض" الفرط بفتح الراء ومعناه السابق إليه والمنتظر لسقيكم منه، والفرط والفارط هو الذي يتقدم القوم إلى الماء ليهيء لهم ما يحتاجون إليه. قوله: (عن عامر بن سعد أنه أرسل إلى ابن سمرة العدوي) كذا هو في جميع النسخ العدوي قال القاضي: هذا تصحيف فليس هو بعدوي إنما هو عامري من بني عامر بن صعصعة فيصحف بالعدوي والله أعلم
*2* باب الاستخلاف وتركه
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ العَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ. فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ. وَقَالُوا: جَزَاكَ اللّهُ خَيْراً. فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ. قَالُوا: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ: أَتَحَمّلُ أَمْرَكُمْ حَيّاً وَمَيّتاً؟ لَوَدِدْتُ أَنّ حَظّي مِنْهَا الْكَفَافُ. لاَ عَلَيّ وَلاَ لِي. فَإنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي (يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ). وَإنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ. مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي، رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَعَرَفْتُ أَنّهُ، حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَأَلْفَاظهُمْ مُتَقَارِبَةٌ (قَالَ إِسْحَقُ وَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىَ حَفْصَةَ فَقَالَتْ: أَعَلِمْتَ أَنّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ؟ قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ. قَالَتْ: إِنّهُ فَاعِلٌ. قَالَ: فَحَلَفْتُ أَنّي أُكَلّمُهُ فِي ذَلِكَ. فَسَكَتّ. حَتّىَ غَدَوْتُ. وَلَمْ أُكَلّمْهُ. قَالَ: فَكُنْتُ كَأَنّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلاً. حَتّىَ رَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ. فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النّاسِ. وَأَنَا أُخْبِرُهُ. قَالَ: ثُمّ قُلْتُ لَهُ: إنّي سَمِعْتُ النّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً. فَآلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ. زَعَمُوا أَنّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ. وَإنّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَمٍ ثُمّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا رَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيّعَ. فَرِعَايَةُ النّاسِ أَشَدّ. قَالَ: فَوَافَقَهُ قَوْلِي. فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمّ رَفَعَهُ إلَيّ. فَقَالَ: إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَحْفَظُ دِينَهُ. وَإنّي لَئِنْ لاَ أَسْتَخْلِفْ فَإنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَخْلِفْ. وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإنّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ.
قَالَ: فَوَاللّهِ مَا هُوَ إلاّ أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ. فَعَلِمْتُ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَداً. وَأَنّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.
قوله: (راغب وراهب) أي راج وخائف ومعناه الناس صنفان: أحدهما يرجو والثاني يخاف أي راغب في حصول شيء مما عندي أو راهب مني، وقيل: أراد أني راغب فيما عند الله تعالى وراهب من عذابه فلا أعول على ما أتيتم به علي. وقيل: المراد الخلافة أي الناس فيها ضربان: راغب فيها فلا أحب تقديمه لرغبته، وكاره لها فأخشى عجزه عنها. قوله: (إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني إلى آخره) حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا وإلا فقد اقتدى بأبي بكر، وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة، وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر بالستة، وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة ووجوبه بالشرع لا بالعقل. وأما ما حكى عن الأصم أنه قال لا يجب وعن غيره أنه يجب بالعقل لا بالشرع فباطلان، أما الأصم فمحجوج بإجماع من قبله ولا حجة له في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور يوم السقيفة وأيام الشورى بعد وفاة عمر رضي الله عنه لأنهم لم يكونوا تاركين لنصب الخليفة بل كانوا ساعين في النظر في أمر من يعقد له، وأما القائل الاَخر ففساد قوله ظاهر لأن العقل لا يوجب شيئاً ولا يحسنه ولا يقبحه وإنما يقع ذلك بحسب العادة لا بذاته. وفي هذا الحديث دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة وهو إجماع أهل السنة وغيرهم. قال القاضي: وخالف في ذلك بكر بن أخت عبد الواحد فزعم أنه نص على أبي بكر. وقال ابن راوندي: نص على العباس. وقالت الشيعة والرافضة: على علي، وهذه دعاوى باطلة وجسارة على الافتراء ووقاحة في مكابرة الحس، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر وعلى تنفيذ عهده إلى عمر، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى، ولم يخالف في شيء من هذا أحد، ولم يدع علي ولا العباس ولا أبو بكر وصية في وقت من الأوقات، وقد اتفق علي والعباس على جميع هذا من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت، فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ واستمرارها عليه، وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال، ولو كان شيء لنقل فإنه من الأمور المهمة. قوله: (آليت أن أقولها) أي حلفت
*2* باب النهي عن طلب الإِمارة والحرص عليها
*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ. فَإنّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا، عَنْ مَسْأَلَةٍ، أُكِلْتَ إلَيْهَا. وَإِنْ أُعْطِيتَهَا، عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ وَ مَنْصُورٍ وَ حُمَيْدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيّةَ وَ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَ هِشَامِ بْنِ حَسّانَ. كُلّهُمْ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. أَنَا وَرَجُلاَنِ مِنْ بَنِي عَمّي. فَقَالَ أَحَدُ الرّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَمّرْنَا عَلَىَ بَعْضِ مَا وَلاّكَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ. وَقَالَ الاَخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: "إنّا، وَاللّهِ لاَ نُوَلّي عَلَىَ هَذَا الْعَمَلِ أَحَداً سَأَلَهُ. وَلاَ أَحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ. حَدّثَنَا قُرّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ. حَدّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَىَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيّينَ. أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي وَالاَخَرُ عَنْ يَسَارِي. فَكِلاَهُمَا سَأَلَ الْعَمَلَ. وَالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ. فَقَالَ: "مَا تَقُولُ؟ يَا أَبَا مُوسَىَ أَوْ يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ قَيْسٍ" قَالَ فَقُلْتُ: وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا أَطْلَعَانِي عَلَىَ مَا فِي أَنْفُسِهِمَا. وَمَا شَعَرْتُ أَنّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ. قَالَ: وَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ، وَقَدْ قَلَصَتْ. فَقَالَ: "لَنْ، أَوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَىَ عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ. وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ، يَا أَبَا مُوسَىَ أَوْ يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ قَيْسٍ" ف 2 بَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ. ثُمّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ. فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: انْزِلْ. وَأَلْقَىَ لَهُ وِسَادَةً. وَإذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا كَانَ يَهُودِيّاً فَأَسْلَمَ. ثُمّ رَاجَعَ دِينَهُ، دِينَ السّوْءِ. فَتَهَوّدَ. قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتّىَ يُقْتَلَ. قَضَاءُ اللّهِ وَرَسُولِهِ. فَقَالَ: اجْلِسْ. نَعَمْ. قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتّىَ يُقْتَلَ. قَضَاءُ اللّهِ وَرَسُولِهِ. ثَلاَثَ مَرّاتٍ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ. ثُمّ تَذَاكَرَا الْقِيَامَ مِنَ اللّيْلِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا، مُعَاذٌ: أَمّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة أكلت عليها" هكذا هو في كثير من النسخ أو أكثرها أكلت بالهمز وفي بعضها وكلت، قال القاضي: هو في أكثرها بالهمز، قال: والصواب بالواو أي أسلمت إليها ولم يكن معك إعانة بخلاف ما إذا حصلت بغير مسألة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه" يقال حرص بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح وبه جاء القرآن قال الله تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولى من سأل الولاية أنه يوكل إليها ولا تكون معه إعانة كما صرح به في حديث عبد الرحمن بن سمرة السابق، وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفئاً ولا يولى غير الكفء ولأن فيه تهمة للطالب والحريص والله أعلم. قوله: (وألقى له وسادة) فيه إكرام الضيف بهذا ونحوه. قوله في اليهودي الذي أسلم (ثم ارتد فقال لا أجلس حتى يقتل فأمر به فقتل) فيه وجوب قتل المرتد وقد أجمعوا على قتله، لكن اختلفوا في استتابته هل هي واجبة أم مستحبة؟ وفي قدرها وفي قبول توبته وفي أن المرأة كالرجل في ذلك أم لا؟ فقال مالك والشافعي وأحمد والجماهير من السلف الخلف: يستتاب، ونقل ابن القصار المالكي إجماع الصحابة عليه، وقال طاوس والحسن والماجشون المالكي وأبو يوسف وأهل الظاهر: لا يستتاب ولو تاب نفعته توبته عند الله تعالى ولا يسقط قتله لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" وقال عطاء: إن كان ولد مسلماً لم يستتب وإن كان ولد كافراً فأسلم ثم ارتد يستتاب. واختلفوا في أن الاستتابة واجبة أم مستحبة، والأصح عند الشافعي وأصحابه أنها واجبة وأنها في الحال، وله قول أنها ثلاثة أيام، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، وعن علي أيضاً أنه يستتاب شهراً. قال الجمهور: والمرأة كالرجل في أنها تقتل إذا لم تتب ولا يجوز استرقاتها، هذا مذهب الشافعي ومالك والجماهير. وقال أبو حنيفة وطائفة: تسجن المرأة ولا تقتل. وعن الحسن وقتادة أنها تسترق، وروي عن علي، قال القاضي عياض: وفيه أن الأمراء الأمصار إقامة الحدود في القتل وغيره وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والعلماء كافة، وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا فقهاء الأمصار ولا يقيمه عامل السواد، قال: واختلفوا في القضاء إذا كانت ولا يتهم مطلقة ليست مختصة بنوع من الأحكام فقال جمهور العلماء: تقيم القضاة الحدود وينظر في جميع الأشياء إلا ما يختص بضبط البيضة من إعداد الجيوش وجباية الخراج، وقال أبو حنيفة: لا ولاية في إقامة الحدود. قوله: (أما أنا فأنام وأقوم وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي) معناه أني أنام بنية القوة وإجماع النفس للعبادة وتنشيطها للطاعة فأرجو في ذلك الأجر كما أرجو في قومتي أي صلواتي
*2* باب كراهة الإمارة بغير ضرورة
*حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي، شُعَيْبُ بْنُ اللّيْثِ. حَدّثَنِي اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيّ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ الأَكْبَرِ، عَنْ أَبِي ذَرَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَىَ مَنْكِبِي. ثُمّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرَ إنّكَ ضَعِيفٌ. وَإنّهَا أَمَانَةٌ. وَإنّهَا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ. إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنِ الْمُقْرِئِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا أَبَا ذَرَ إِنّي أَرَاكَ ضَعِيفاً. وَإِنّي أُحِبّ لَكَ مَا أُحِبّ لِنَفْسِي. لاَ تَأَمّرَنّ عَلَى اثْنَيْنِ. وَلاَ تَوَلّيَنّ مَالَ يَتِيمٍ".
قوله: (حدثني الليث بن سعد حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكر بن عمرو عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ابن حجيرة الأكبر عن أبي ذر) هكذا وقع هذا الإسناد في جميع نسخ بلادنا يزيد بن أبي حبيب عن بكر، وكذا نقله القاضي عن نسخة الجلودي التي هي طريق بلادنا، قال: ووقع عند ابن ماهان حدثني يزيد بن أبي حبيب وبكر بواو العطف والأول هو الصواب قاله عبد الغني. قلت: ولم يذكر خلف الواسطي في الأطراف غيره، واسم ابن حجيرة عبد الرحمن وهو بحاء مهملة مضمومة ثم جيم مفتوحة، واسم أبي حبيب سويد، وفي هذا الإسناد أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم يزيد والثلاثة بعده.
قول في الإسناد الذي بعده: (حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن المقري قال زهير حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر القرشي عن سالم بن أبي سالم الجيشاني عن أبيه عن أبي ذر) قال الدارقطني في كتابه: اختلف في هذا الحديث على عبيد الله بن أبي جعفر في هذا الإسناد فرواه سعيد بن أبي أيوب عنه كما سبق، ورواه ابن ليهعة عنه عن مسلم بن أبي مريم عن أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر، ولم يحكم الدارقطني فيه بشيء، فالحديث صحيح إسناداً ومتناً، وسعيد بن أبي أيوب أحفظ من ابن لهيعة، وأما المقرئ المذكور في الإسناد فهو عبد الله بن يزيد المذكور عقبه، واسم أبي أيوب والد سعيد المذكور مقلاص الخزاعي المصري، واسم أبي سالم الجيشاني سفيان بن هانئ منسوب إلى جيشان بفتح الجيم قبيلة من اليمن. قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" وفي الرواية الأخرى: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم). هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلاً لها أو كان أهلاً ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط، وأما من كان أهلاً للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث: "سبعة يظلهم الله" والحديث المذكور هنا عقب هذا: "أن المقسطين على منابر من نور" وغير ذلك، وإجماع المسلمين منعقد عليه، ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره صلى الله عليه وسلم منها وكذا حذر العلماء، وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا.
*2* باب فضيلة الإمام العادل. وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو (يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ)، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو بَكْرٍ: يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّ الْمُقْسِطِينَ، عِنْدَ اللّهِ، عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ. عَنْ يَمِينِ الرّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ. وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا".
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي حَرْمَلَةُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ. فَقَالَتْ: مِمّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: مَا نَقِمْنَا مِنْهُ شَيْئاً. إِنْ كَانَ لِيَمُوتُ لِلرّجُلِ مِنّا الْبَعِيرُ، فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ. وَالْعَبْدُ، فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ. وَيَحْتَاجُ إِلَى النّفَقَةِ، فَيُعْطِيهِ النّفَقَةَ. فَقَالَتْ: أَمَا إِنّهُ لاَ يَمْنَعُنِي الّذِي فَعَلَ فِي مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخِي، أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: "اللّهُمّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمّتِي شَيْئاً فَشَقّ عَلَيْهِمْ. فَاشْقُقْ عَلَيْهِ. وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْن حَاتِمٍ. حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ حَرْمَلَةَ الْمِصْرِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "أَلاَ كُلّكُمْ رَاعٍ. وَكُلّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ. فَالأَمِيرُ الّذِي عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ. وَالرّجُلُ رَاعٍ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ. وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَىَ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْوولَةٌ عَنْهُمْ. وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَىَ مَالِ سَيّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ. وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يَعْنِي الْقَطّانَ). كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. جَمِيعاً عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أُسَامَةُ. كُلّ هَولاَءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ حَدِيثِ اللّيْثِ عَنْ نَافِعٍ.
قَالَ أَبُو إِسْحَقَ: وَحَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهَذَا، مِثْلَ حَدِيثِ اللّيْثِ عَنْ نَافِعٍ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ وَ ابْنُ حُجْرٍ. كُلّهمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ الزّهْرِيّ: قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنّهُ قَدْ قَالَ: "الرّجُلُ رَاعٍ، فِي مَالِ أَبِيهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمّي، عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي رَجُلٌ سَمّاهُ، وَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ. حَدّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْمَعْنَىَ.
وحدّثنا شَيْبَان بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ زِيَادٍ، مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيّ. فِي مَرَضِهِ الّذِي مَاتَ فِيهِ. فَقَالَ مَعْقِلٌ: إِنّي مُحَدّثُكَ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. لَوْ عَلِمْتُ أَنّ لِي حَيَاةً مَا حَدّثْتُكَ. إنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللّهُ رَعِيّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشّ لِرَعِيّتِهِ، إلاّ حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنّةَ".
وحدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ زِيَادٍ عَلَىَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ وَجِعٌ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي الأَشْهَبِ. وَزَادَ: قَالَ: أَلاّ كُنْتَ حَدّثْتَنِي هَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: مَا حَدّثْتُكَ. أَوْ لَمْ أَكُنْ لأُحَدّثَكَ.
وحدّثنا أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ). حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ أَنّ عُبَيْدَ اللّهِ بْنَ زِيَادٍ دَخَلَ عَلَىَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ. فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنّي مُحَدّثُكَ بِحَدِيثٍ لَوْلاَ أَنّي فِي الْمَوْتِ لَمْ أُحَدّثْكَ بِهِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ لاَ يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إلاّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنّةَ".
وحدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَقَ. أَخْبَرَنِي سَوَادَةُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ. حَدّثَنِي أَبِي أَنّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ مَرِضَ فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ. نَحْوَ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنِ مَعْقِلٍ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ أَنّ عَائِذَ ابْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، دَخَلَ عَلَىَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ زِيَادٍ. فَقَالَ: أَيْ بُنَيّ إنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إن شَرّ الرّعَاءِ الْحُطَمَةُ. فَإِيّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ" فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ. فَإنّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إنّمَا كَانَتِ النّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا" أما قوله: ولوا فبفتح الواو وضم اللام المخففة أي كانت لهم عليه ولاية، المقسطون هم العادلون وقد فسره في آخر الحديث، والاقساط والقسط بكسر القاف العدل، يقال: أقسط اقساطاً فهو مقسط إذا عدل، قال الله تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} ويقال: قسط يقسط بفتح الياء وكسر السين قسوطاً وقسطاً بفتح القاف فهو قاسط وهم قاسطون إذا جاروا، قال الله تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً} وأما المنابر فجمع منبر سمي به لارتفاعه، قال القاضي: يحتمل أن يكونوا على منابر حقيقة على ظاهر الحديث، ويحتمل أن يكون كناية عن المنازل الرفيعة، قلت: الظاهر الأول ويكون متضمناً للمنازل الرفيعة فهم على منابر حقيقة ومنازلهم رفيعة. أما قوله صلى الله عليه وسلم: عن يمين الرحمن فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في أول هذا الشرح بيان اختلاف العلماء فيها وأن منهم من قال نؤمن بها ولا نتكلم في تأويله ولا نعرف معناه لكن نعتقد أن ظاهرها غير مراد وأن لها معنى يليق بالله تعالى، وهذا مذهب جماهير السلف وطوائف من المتكلمين. والثاني أنها تؤول على ما يليق بها وهذا قول أكثر المتكلمين، وعلى هذا قال القاضي عياض رضي الله عنه: المراد بكونهم عن اليمين الحالة الحسنة والمنزلة الرفيعة، قال: قال ابن عرفة يقال أتاه عن يمينه إذا جاءه من الجهة المحمودة، والعرب تنسب الفعل المحمول والإحسان إلى اليمين وضده إلى اليسار، قالوا: واليمين مأخوذة من اليمن. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: وكلتا يديه يمين فتنبيه على أنه ليس المراد باليمين جارحة تعالى الله عن ذلك فإنها مستحيلة في حقه سبحانه وتعالى. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا، فمعناه أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف، وفيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك والله أعلم.
قوله: (عن عبد الرحمن بن شماسة) هو بفتح الشين وضمها وسبق بيانه في كتاب الإيمان. قوله: (ما نقمنا منه شيئاً) أي ما كرهنا وهو بفتح القاف وكسرها. قولها: (أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك) فيه أنه ينبغي أن يذكر فضل أهل الفضل ولا يمتنع منه لسبب عداوة ونحوها، واختلفوا في صفة قتل محمد هذا قيل في المعركة، وقيل بل قتل أسيراً بعدها، وقيل وجد بعدها في خربة في جوف حمار ميت فأحرقوه. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" هذا الحديث والذي بعده سبق شرحهما في كتاب الإيمان، وحاصله أنه يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون مستحلاً لغشهم فتحرم عليه الجنة ويخلد في النار. والثاني أنه لا يستحله فيمتنع من دخولها أول وهلة مع الفائزين وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية: "لم يدخل معهم الجنة" أي وقت دخولهم، بل يؤخر عنهم عقوبة له إما في النار وإما في الحساب وإما في غير ذلك. وفي هذه الأحاديث وجوب النصيحة على الوالي لرعيته والاجتهاد في مصالحهم والنصيحة لهم في دينهم ودنياهم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "يموت يوم يموت وهو غاش" دليل على أن التوبة قبل حالة الموت نافعة. قوله: (لو علمت أن بي حياة ما حدثتك) وفي الرواية الأخرى: (لولا أني في الموت لم أحدثك به) يحتمل أنه كان يخافه على نفسه قبل هذا الحال، ورأى وجوب تبليغ العلم الذي عنده قبل موته لئلا يكون مضيعاً له وقد أمرنا كلنا بالتبليغ.
قوله: (إنما أنت من نخالتهم) يعني لست من فضلائهم وعلمائهم وأهل المراتب منهم بل من سقطهم، والنخالة هنا استعارة من نخالة الدقيق وهي قشوره، والنخالة والحقالة والحثالة بمعنى واحد. قوله: (وهل كانت لهم نخالة إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) هذا من جزل الكلام وفصيحه وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم، فإن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن شر الرعاء الحطمة" قالوا هو العنيف في رعيته لا يرفق بها في سوقها ومرعاها بل يحطمها في ذلك وفي سقيها وغيره ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها
*2* باب غلظ تحريم الغلول
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَيّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ. فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظّمَهُ وَعَظّمَ أَمْرَهُ. ثُمّ قَالَ: "لاَ أُلْفِيَنّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَىَ رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ. يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً. قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَىَ رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً. قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَىَ رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ. يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً. قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، علىَ رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صُيَاحٌ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً. قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَىَ رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً. قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَىَ رَقَبَتِهِ صَامِتٌ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً. قَدْ أَبْلَغْتُكَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَيّانَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَبِي حَيّانَ، وَ عُمَارةَ بْنِ القَعْقَاعِ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَيّانَ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدّارِميّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الغُلُولَ فَعَظّمَهُ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ. قَالَ حَمّادٌ: ثُمّ سَمِعْتُ يَحْيَىَ بَعْدَ ذَلِكَ يُحَدّثُهُ. فَحَدّثَنَا بِنَحْوِ مَا حَدّثَنَا عَنْهُ أَيّوبُ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيّانَ، عَنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
قوله: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلول فعظمه وعظم أمره) هذا تصريح بغلظ تحريم الغلول وأصل الغلول الخيانة مطلقاً، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة. قال نفطويه: سمي بذلك لأن الأيدي مغلولة عنه أي محبوسة يقال غل غلولاً وأغل إغلالاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء" هكذا ضبطناه ألفين بضم الهمزة وبالفاء المكسورة أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه لا تعملوا عملاً أجدكم بسببه على هذه الصفة. قال القاضي: ووقع في رواية العذري لا ألقين بفتح الهمزة والقاف، وله وجه كنحو ما سبق لكن المشهور الأول، والرغاء بالمد صوت البعير، وكذا المذكورات بعد وصف كل شيء بصوته والصامت الذهب والفضة. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أملك لك من الله شيئاً" قال القاضي معناه من المغفرة والشفاعة إلا بإذن الله تعالى، قال: ويكون ذلك أولاً غضباً عليه لمخالفته ثم يشفع في جميع الموحدين بعد ذلك كما سبق في كتاب الإيمان في شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على وجوب زكاة العروض والخيل ولا دلالة فهي لواحد منهما، لأن هذا الحديث ورد في الغلول وأخذ الأموال غصباً فلا تعلق له بالزكاة، وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول وأنه من الكبائر، وأجمعوا على أن عليه رد ما غله، فإن تفرق الجيش وتعذر إيصال حق كل واحد إليه ففيه خلاف للعلماء، قال الشافعي وطائفة: يجب تسليمه إلى الإمام أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة. وقال ابن مسعود وابن عباس ومعاوية والحسن والزهري والأوزاعي ومالك والثوري والليث وأحمد والجمهور: يدفع خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي. واختلفوا في صفة عقوبة الغال فقال جمهور العلماء وأئمة الأمصار: يعزر على حسب ما يراه الإمام ولا يحرق متاعه، وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ومن لا يحصى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وقال مكحول والحسن والأوزاعي: يحرق رحله ومتاعه كله، قال الأوزاعي: إلا سلاحه وثيابه التي عليه، وقال الحسن: إلا الحيوان والمصحف، واحتجوا بحديث عبد الله بن عمر في تحرق رحله، قال الجمهور: وهذا حديث ضعيف لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم وهو ضعيف، قال الطحاوي: ولو صح يحمل على أنه كان إذا كانت العقوبة بالأموال كأخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل وسارق التمر وكل ذلك منسوخ والله أعلم
*2* باب تحريم هدايا العمال
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ الأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللّتْبِيّةِ (قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ أَبِي عُمَرَ: عَلَى الصّدَقَةِ) فَلَمّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ. وَهَذَا لِي، أُهْدِيَ لِي. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ. فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ. وَقَالَ: "مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمّهِ حَتّىَ يَنْظُرَ أَيُهْدَىَ إِلَيْهِ أَمْ لاَ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً إلاّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَىَ عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ. أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ. أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ". ثُمّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتّىَ رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "اللّهُمّ هَلْ بَلّغْتُ؟" مَرّتَيْنِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ابْنَ اللّتْبِيّةِ، رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ، عَلَى الصّدَقَةِ. فَجَاءَ بِالْمَالِ فَدَفَعَهُ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: هَذَا مَالُكُمْ. وَهَذِهِ هَدِيّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. فَقَالَ لَهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَفَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمّكَ فَتَنْظُرَ أَيُهْدَىَ إِلَيْكَ أَمْ لاَ؟" ثُمّ قَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَطِيباً. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ عَلىَ صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ. يُدْعَى ابْنَ الأُتْبِيّةِ. فَلَمّا جَاءَ حَاسَبَهُ. قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ. وَهَذَا هَدِيّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَهَلاّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمّكَ حَتّىَ تَأْتِيَكَ هَدِيّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً؟" ثُمّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ. فَإِنّي أَسْتَعْمِلُ الرّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمّا وَلاّنِي اللّهُ. فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمّهِ حَتّىَ تَأْتِيهُ هَدِيّتُهُ، إِنْ كَانَ صَادِقاً. وَاللّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً بِغَيْرِ حَقّهِ، إِلاّ لَقِيَ اللّهَ تَعَالَىَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَلأَعْرِفَنّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللّهَ يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ. أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ. أَوْ شَاةً تَيْعِرُ". ثُمّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتّىَ رُؤيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "اللّهُمّ هَلْ بَلّغْتُ؟" بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدَةَ وَابْنِ نُمَيْرٍ: فَلَمّا جَاءَ حَاسَبَهُ. كَمَا قَالَ أَبُو أُسَامَةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: "تَعْلَمُنّ وَاللّهِ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئاً". وَزَادَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ قَالَ: بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنَايَ. وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. فَإِنّهُ كَانَ حَاضِراً مَعِي.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (وَهُوَ أَبُو الزّنَادِ)، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى الصّدَقَةِ. فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيرٍ. فَجَعَلَ يَقُولُ: هَذَا لَكُمْ. وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيّ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لأَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مِنْ فِيهِ إِلَىَ أُذُني.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الجَرّاحِ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَدِيّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَىَ عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ: فَقَامَمَإلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ، مِنَ الأَنْصَارِ. كَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ اقْبَلْ عَنّي عَمَلَكَ. قَالَ: "وَمَا لَكَ؟" قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "وَأَنَا أَقُولُهُ الاَنَ. مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَىَ عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ. وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَىَ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيّ بْنَ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ.
قوله: (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأسد يقال له ابن اللتبية) أما الأسد فبإسكان السين، ويقال له الأزدي من أزد شنوءة، ويقال لهم الأزد والأسد، وقد ذكره مسلم في الرواية الثانية، وأما اللتبية فبضم اللام وإسكان التاء ومنهم من فتحها قالوا وهو خطأ ومنهم من يقول بفتحها، وكذا وقع في مسلم في رواية أبي كريب المذكورة بعد هذا قال وهو خطأ أيضاً والصواب اللتبية بإسكانها نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة واسم ابن اللتبية هذا عبد الله، وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول لأنه خان في ولايته وأمانته، ولهذا ذكر في الحديث في عقوبته وحمله ما أهدى إليه يوم القيامة كما ذكر مثله في الغال، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه وأنها بسبب الولاية بخلاف الهدية لغير العامل فإنها مستحبة، وقد سبق بيان حكم ما يقبضه العالم ونحوه باسم الهدية وأنه يرده إلى مهديه فإن تعذر فإلى بيت المال. قوله صلى الله عليه وسلم: (أو شاة تيعر) هو بمثناة فوق مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة ثم عين مهملة مكسورة ومفتوحة ومعناه تصيح واليعار صوت الشاة. قوله: (ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه) هي بضم العين المهملة وفتحها والفاء ساكنة فيهما، وممن ذكر اللغتين في العين القاضي هنا وفي المشارق وصاحب المطالع والأشهر الضم، قال الأصمعي وآخرون: عفرة الإبط هي البياض ليس بالناصع بل فيه شيء كلون الأرض، قالوا: وهو مأخوذ من عفر الأرض بفتح العين والفاء وهو وجهها. قوله: (فلما جاء حاسبه) فيه محاسبة العمال ليعلم ما قبضوه وما صرفوا. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً" هكذا هو ببعض النسخ فلأعرفن، وفي بعضها لا أعرفن بالألف على النفي، قال القاضي: هذا أشهر، قال: والأول هو رواية أكثر رواة صحيح مسلم. قوله: (بصر عيني وسمع أذني) معناه أعلم هذا الكلام يقيناً، وأبصرت عيني النبي صلى الله عليه وسلم حين تكلم به وسمعته أذني فلا شك في علمي به. قوله صلى الله عليه وسلم: "والله الذي نفسي بيده" فيه توكيد اليمين بذكر اسمين أو أكثر من أسماء الله تعالى. قوله: (وسلوا زيد بن ثابت فإنه كان حاضراً معي) فيه استشهاد الراوي والقائل بقول من يوافقه ليكون أوقع في نفس السامع وأبلغ في طمأنينته. قوله: (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن الشيباني عن عبد الله بن ذكوان عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على الصدقة إلى قوله: قال عروة، فقلت لأبي حميد: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: من فيه إلى أذني) هكذا هو في أكثر النسخ عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أبا حميد، وكذا نقله القاضي هنا عن رواية الجمهور، ووقع في جماعة من النسخ عن عروة بن الزبير عن أبي حميد وهذا واضح، وأما الأول فهو متصل أيضاً لقوله قال عروة، فقلت لأبي حميد: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: من فيه إلى أذني، فهذا تصريح من عروة بأنه سمعه من أبي حميد فاتصل الحديث، ومع هذا فهو متصل بالطرق الكثيرة السابقة. قوله: (فجاء بسواد كثير) أي بأشياء كثيرة وأشخاص بارزة من حيوان وغيره، والسواد يقع على كل شخص.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كتمنا مخيطاً" هو بكسر الميم وإسكان الخاء وهو الإبرة. قوله: (عدي بن عميرة) بفتح العين قال القاضي: ولا يعرف من الرجال أحد يقال له عميرة بالضم بل كلهم بالفتح ووقع في النسائي الأمران
*2* باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْر مِنْكُمْ} (4 النساء الاَية: ) فِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيَ السّهْمِيّ. بَعَثَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيّةٍ. أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الحِزَامِيّ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللّه. وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللّهَ. وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي. وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَهُ قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ. وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللّهَ. وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي. وَمَنْ عَصَىَ أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مَكِيّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. سَوَاءً.
وحدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ سَمِعَ أَبَا عَلْقَمَةَ. سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ أَنّ أَبَا يُونُسَ، مَوْلَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِذَلِكَ. وَقَالَ: "مَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ" وَلَمْ يَقُلْ "أَمِيرِي". وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ هَمّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السّمّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ السّمْعُ وَالطّاعَةُ. فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ. وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ. وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ قَالَ: إنّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإنْ كَانَ عَبْداً مُجَدّعَ الأَطْرَافِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالاَ فِي الْحَدِيثِ: عَبْداً حَبَشِياً مُجَدّعَ الأَطْرَافِ.
وحدّثناه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، كَمَا قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: عَبْداً مُجدّعَ الأَطْرَافِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَدّتِي تُحَدّثُ أَنّهَا سَمِعَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ. وَهُوَ يَقُولُ: "وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللّهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا.
وحدّثناه ابْنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ "عَبْداً حَبَشِياً".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ بْنُ الْجَرّاحِ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: "عَبْداً حَبَشِياً مُجَدّعاً".
وحدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "حَبَشِياً مُجَدّعاً" وَزَادَ: أَنّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، أَوْ بِعَرَفَاتٍ.
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَجّةَ الْوَدَاعِ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلاً كَثِيراً. ثُمّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ أُمّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدّعٌ (حَسِبْتُهَا قَالَتْ) أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللّهِ. فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السّمْعُ وَالطّاعَةُ. فِيمَا أَحَبّ وَكَرِهَ. إلاّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ. فَإنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".
وحدّثناه زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّىَ). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَلِيَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشاً وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً. فَأَوْقَدَ نَاراً. وَقَالَ: ادْخُلُوهَا. فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: إنّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ، لِلّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: "لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" وَقَالَ لِلاَخَرِينَ قَوْلاً حَسَناً. وَقَالَ: "لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ. إنّمَا الطّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. وَتَقَارَبُوا فِي اللّفْظِ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَلِيَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيّةً. وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا. فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ. فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَباً. فَجَمَعُوا لَهُ. ثُمّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَاراً. فَأَوْقَدُوا. ثُمّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَىَ. قَالَ: فَادْخُلُوهَا. قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَىَ بَعْضٍ. فَقَالُوا: إنّمَا فَرَرْنَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النّارِ. فَكَانُوا كَذَلِكَ. وَسَكَنَ غَضَبُهُ. وَطُفِئَتِ النّارُ. فَلَمّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا. إنّمَا الطّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ وَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ. فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ. وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. وَعَلَىَ أَثَرَةٍ عَلَيْنَا. وَعَلَىَ أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. وَعَلَىَ أَنْ نَقُولَ بِالْحَقّ أَيْنَمَا كُنّا. لاَ نَخَافُ فِي اللّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ (يَعْنِي ابْنَ إِدْرِيسَ). حَدّثَنَا ابْن عَجْلاَنَ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَر وَ يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ الْهَادِ)، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ. حَدّثَنِي أَبِي قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا عَمّي، عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنِي بُكَيْرٌ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىَ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقُلْنَا: حَدّثْنَا، أَصْلَحَكَ اللّهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللّهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ. فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا. وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. قَالَ: "إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
أجمع العلماء على وجوبها في غير معصية وعلى تحريمها في المعصية، نقل الإجماع على هذا القاضي عياض وآخرون. قوله: (نزل قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} في عبد الله بن حذافة) أمير السرية. قال العلماء: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل هم العلماء، وقيل الأمراء والعلماء، وأما من قال الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أطعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني" وقال في المعصية مثله لأن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر هو صلى الله عليه وسلم بطاعة الأمير فتلازمت الطاعة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك" قال العلماء: معناه تجب طاعة ولاة الأمر فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به في الأحاديث الباقية، فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية، والأثرة بفتح الهمزة والثاء ويقال بضم الهمزة وإسكان الثاء وبكسر الهمزة وإسكان الثاء ثلاث لغات حكاهن في المشارق وغيره، وهي الاستئثار وإِلاختصاص بأمور الدنيا عليكم أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم، وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم.
قوله: (إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف) يعني مقطوعها والمراد أخس العبيد، أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسب حتى لو كان عبداً أسود مقطوع الأطراف فطاعته واجبة، وتتصور امارة العبد إذا ولاه بعض الأئمة أو إذا تغلب على البلاد بشوكته وأتباعه، ولا يجوز ابتداء عقد الولاية له مع إِلاختيار بل شرطها الحرية.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً فأوقد ناراً وقال أدخلوها، إلى قوله: لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" هذا موافق للأحاديث الباقية أنه لا طاعة في معصية إنما هي في المعروف وهذا الذي فعله هذا الأمير، قيل أراد امتحانهم، وقيل كان مازحاً، قيل إن هذا الرجل عبد الله بن حذافة السهمي وهذا ضعيف لأنه قال في الرواية التي بعدها إنه رجل من الأنصار فدل على أنه غيره. قوله صلى الله عليه وسلم: "لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة" هذا مما علمه صلى الله عليه وسلم بالوحي وهذا التقييد بيوم القيامة مبين للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لودخلوها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" هكذا هو لمعظم الرواة، وفي معظم النسخ بواحاً بالواو، وفي بعضها براحاً والباء مفتوحة فيهما ومعناهما كفراً ظاهراً، والمراد بالكفر هنا المعاصي، ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع، قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه. قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها، قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة، قال: وقال بعض البصريين تنعقد له وتستدام له لأنه متأول، قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه، قال: ولا تنعقد لفاسق ابتداء، فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم: يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب. وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك. قال القاضي: وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع، وقد ورد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث، وتأول هذا القائل قوله أن لا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل، وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر، قال القاضي: وقيل إن هذا الخلاف كان أولاً ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم. قوله: يعنا على السمع المراد بالمبايعة المعاهدة وهي مأخوذة من البيع لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف، وقيل سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله تعالى من عظيم الجزاء، قال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} الاَية. قوله: "وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم" معناه نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحداً ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمة ففيه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو مال أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقاً في هذه الحالة وغيرها، وقد سبق في باب الأمر بالمعروف في كتاب الإيمان وبسطته بسطاً شافياً.
*2* باب الإمام جنة يقاتل به من ورائه ويتقى به
*حدّثنا إِبْرَاهِيمُ عَنْ مُسْلِمٍ. حَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنّمَا الإِمَامُ جُنّةٌ. يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ. وَيُتّقَىَ بِهِ. فَإنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ. وَإنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ، كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ".
قوله: (حدثنا إبراهيم عن مسلم حدثني زهير بن حرب حدثنا شبابة حدثني ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به) هذا الحديث أول الفوات الثالث الذي لم يسمعه إبراهيم بن سفيان عن مسلم بل رواه عنه بالإجازة ولهذا قال عن مسلم، وقد قدمنا بيانه في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح. قوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام جنة" أي كالستر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض ويحمي بيضة الإسلام ويتقيه الناس ويخافون سطوته، ومعنى يقاتل من ورائه أي يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقاً، والتاء في يتقى مبدلة من الواو لأن أصلها من الوقاية
*2* باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ القّزّازِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ. فَسَمِعْتُهُ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلّمَا هَلَكَ نَبِيّ خَلَفَهُ نَبِيّ، وَإنّهُ لاَ نَبِيّ بَعْدِي. وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ" قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "فُوا بِبَيْعَةِ الأَوّلِ فَالأَوّلِ. وَأَعْطُوهُمْ حَقّهُمْ. فَإنّ اللّهَ سَائِلُهُمْ عَمّا اسْتَرْعَاهُمْ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ وَ وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشَ. ح وَحَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنّا ذَلِكَ؟ قَالَ: "تُؤَدّونَ الْحَقّ الّذِي عَلَيْكُمْ. وَتَسْأَلُونَ اللّهَ الّذِي لَكُمْ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبّ الْكَعْبَةِ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلّ الْكَعْبَةِ. وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ. فَأَتَيْتُهُمْ. فَجَلَسْتُ إلَيْهِ. فَقَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً. فَمِنّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ. وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ. إِذْ نَادَىَ مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: الصّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "إنّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّ قَبْلِي إلاّ كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أَنْ يَدُلّ أُمّتَهُ عَلَىَ خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ. وَإنّ أُمّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوّلِهَا. وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا. وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً. وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِن: هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمّ تَنْكَشِفُ. وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ. وَلْيَأْتِ إلَىَ النّاسِ الّذِي يُحِبّ أَنْ يُؤْتَىَ إلَيْهِ. وَمَنْ بَايَعَ إمَاماً، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ. فَإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الاَخَرِ". فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَهْوَىَ إلَىَ أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ. وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ. وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا. وَاللّهُ يَقُولُ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهِ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (4 النساء الاَية: ). قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمّ قَالَ: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللّهِ. وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّفَرِ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبّ الْكَعْبَةِ الصّائِدِيّ قَالَ: رَأَيْتُ جَمَاعَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي" أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه، وفي هذا الحديث جواز قول هلك فلان إذا مات، وقد كثرت الأحاديث به، وجاء في القرآن العزيز قوله تعالى: {حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً}. قوله صلى الله عليه وسلم: "وتكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوابيعة الأول فالأول" قوله فتكثر بالثاء المثلثة من الكثرة هذا هو الصواب المعروف، قال القاضي: وضبطه بعضهم فتكبر بالباء الموحدة كأنه من إكبار قبيح أفعالهم وهذا تصحيف، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا الحديث إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والاَخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، وقيل تكون لمن عقدت له في بلد الإمام، وقيل يقرع بينهم وهذان فاسدان. واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا. وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد: قال أصحابنا لا يجوز عقدها شخصين، قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال قال وهو خارج من القواطع. وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل وأراد به إمام الحرمين وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم" هذا من معجزات النبوة، وقد وقع هذا الإخبار متكرراً ووجد مخبره متكرراً، وفيه الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع، بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه، وتقدم قريباً ذكر اللغات الثلاث في الأثرة وتفسيرها، والمراد بها هنا استئثار الأمراء بأموال بيت المال والله أعلم.
قوله: (ومنا من ينتضل) هو من المناضلة وهي المراماة بالنشاب. قوله: (ومنا من هو في جشره) هو بفتح الجيم والشين وهي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها. قوله: "الصلاة جامعة" هو بنصب الصلاة على الإغراء وجامعة على الحال. قوله صلى الله عليه وسلم: "وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً" هذه اللفظة رويت على أوجه: أحدها وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرواة يرقق بضم الياء وفتح الراء وبقافين أي يصير بضعها رقيقاً أي خفيفاً لعظم ما بعده فالثاني يجعل الأول رقيقاً، وقيل معناه يشبه بعضها بعضاً، وقيل يدور بعضها في بعض ويذهب ويجيء، وقيل معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. والوجه الثاني فيرفق بفتح الياء وإسكان الراء وبعدها فاء مضمومة. والثالث فيدفق بالدال المهملة الساكنة وبالفاء المكسورة أي يدفع ويصب والدفق الصب. قوله صلى الله عليه وسلم: "وليأت إلى الناس الذي يجب أن يؤتى إليه" هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع حكمه، وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يجب أن يفعلوه معه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الاَخر" معناه ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله. قوله: (فقلت له هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله تعالى يقول: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} إلى آخره) المقصود بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول وأن الثاني يقتل، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته علياً رضي الله عنه وكانت قد سبقت بيعة علي فرأى هذا أن نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال بالباطل ومن قتل النفس لأنه قتال بغير حق فلا يستحق أحد مالاً في مقاتلته. قوله: (أطعه في طاعة الله وأعصه في معصية الله) هذا فيه دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد. قوله: (عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي) هكذا هو في جميع النسخ بالصاد والدال المهملة، وكذا نقله القاضي عياض عن جميع النسخ قال وهو غلط وصوابه العائذي بالعين والذاب المعجمة قاله ابن الحباب والنسابة، هذا كلام القاضي. وقد ذكره البخاري في تاريخه والسمعاني في الأنساب فقالا: هو الصائدي ولم يذكرا غير ذلك، فقد اجتمع مسلم والبخاري والسمعاني على الصائدي، قال السمعاني: هو منسوب إلى صائد بطن من همدان، قال: وصائد اسم كعب بن شرحبيل بن شراحبيل بن عمرو بن حشم بن حاسد بن حشيم بن حوان بن نوف بن همدان بن مالك بن زيد بن سهلان بن سلمة بن ربيعة بن أحبار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ
*2* باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَلاَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاَناً؟ فَقَالَ: "إنّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً. فَاصْبِرُوا حَتّىَ تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ".
وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجّاجِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يُحَدّثُ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَلاَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
وحدّثنيهِ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَقُلْ: خَلاَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
تقدم شرح أحاديثه في الأبواب قبله وحاصله الصبر على ظلمهم وأنه لا تسقط طاعتهم بظلمهم والله أعلم.
*2* باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللّهِ أَرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمّ سَأَلَهُ فِي الثّانِيَةِ أَوْ فِي الثّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ. وَقَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا. فَإِنّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمّلْتُمْ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا. فِإِنّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمّلْتُمْ".
*2* باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال. وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. حَدّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ الْحَضْرَمِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ. وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشّرّ. مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا كُنّا فِي جَاهِلِيّةٍ وَشَرَ. فَجَاءَنَا اللّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ. فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرّ؟ قَالَ: "نَعَمْ" فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشّرّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ. وَفِيهِ دَخَنٌ" قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَسْتَنّونَ بِغَيْرِ سُنّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي. تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرَ؟ قَالَ: "نَعَمْ. دُعَاةٌ عَلَىَ أَبْوَابِ جَهَنّمَ. مَنْ أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: "نَعَمْ. قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا. وَيَتَكَلّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا تَرَىَ إنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإمَامَهُمْ" فَقُلْتُ: فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلّهَا. وَلَوْ أَنْ تَعَضّ عَلَىَ أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتّىَ يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَىَ ذَلِكَ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التّمِيمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ حَسّانَ). حَدّثَنَا مُعَاوِيَة (يَعْني ابْنَ سَلاّمٍ). حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلاّمٍ عَنْ أَبِي سَلاّمٍ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا كُنّا بِشَرَ. فَجَاءَ اللّهِ بِخَيْرٍ. فَنَحْنُ فِيهِ. فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْر شَرّ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشّرّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرّ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنّونَ بِسُنّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إنْسٍ" قَالَ قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ. وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ. وَأُخِذَ مَالُكَ. فَاسْمَعْ وَأَطعْ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). حَدّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي قَيْسِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً. وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمّيّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةً. وَمَنْ خَرَجَ عَلَىَ أُمّتِي، يَضْرِبُ بَرّهَا وَفَاجِرَهَا. وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنّي وَلَسْتُ مِنْهُ".
وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رِيَاحٍ الْقَيْسِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَقَالَ "لاَ يَتَحَاشَىَ مِنْ مُؤْمِنِهَا".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، ثُمّ مَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً. وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمّيّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ، وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمّتِي. وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمّتِي عَلَىَ أُمّتِي، يَضْرِبُ بَرّهَا وَفَاجِرَهَا، لاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي بِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنّي".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبَيعِ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْجَعْدِ، أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ يَرْوِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَىَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ. فَإنّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيّةٌ".
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوَخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا الْجَعْدُ. حَدّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ. فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ خَرَجَ مِنَ السّلْطَانِ شِبْراً، فَمَاتَ عَلَيْهِ، إلاّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً".
حدّثنا هُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدّثُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمّيّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةٌ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَاصِمٌ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمّدِ بْنِ زَيْدٍ) عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ إلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُطِيعٍ، حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ: اطْرَحُوا لأَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ وِسَادَةً. فَقَالَ: إنّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ. أَتَيْتُكَ لأُحَدّثَكَ حَدِيثاً سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ حُجّةَ لَهُ. وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُكَيْرٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الأَشَجّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ أَتَى ابْنَ مُطِيعٍ. فَذَكَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
حدّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيَ. حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قوله: "قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال نعم، فقلت: فهل بعد ذاك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن" قال أبو عبيد وغيره: الدخن بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد، قالوا: والمراد هنا أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا يزول خبثها، ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفا. قال القاضي: قيل المراد بالخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. قوله بعده: قوله: "تعرف منهم وتنكر" المراد الأمر بعد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ويهتدون بغير هديي" الهدي الهيئة والسيرة والطريقة. قوله صلى الله عليه وسلم: "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها" قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة: هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها. قوله: (عن أبي سلام قال قال حذيفة بن اليمان) قال الدارقطني: هذا عندي مرسل لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة وهو كما قال الدارقطني لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول، وإنما أتى مسلم بهذا متابعة كما ترى، وقد قدمنا في الفصول وغيرها أن الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلاً تبينا به صحة المرسل وجاز إِلاحتجاج به ويصير في المسألة حديثان صحيحان.
قوله: (عن أبي قيس بن رياح) هو بكسر الراء وبالمثناة وهو زياد بن رياح القيسي المذكور في الإسناد بعده، وقاله البخاري بالمثناة وبالموحدة، وقاله الجماهير بالمثناة لا غير. قوله صلى الله عليه وسلم: "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" هي بكسر الميم أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن قاتل تحت راية عمية" هي بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضاً، قالوا: هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور. قال إسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم للعصبية. قوله صلى الله عليه وسلم: "يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة" هذه الألفاظ الثلاثة بالعين والصاد المهملتين، هذا هو الصواب المعروف في نسخ بلادنا وغيرها. وحكى القاضي عن رواية العذري بالغين والضاد المعجمتين في الألفاظ الثلاثة ومعناها أنه يقاتل لشهوة نفسه وغضبه لها، ويؤيد الرواية الأولى الحديث المذكور بعدها: (يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة) ومعناه إنما يقاتل عصبية لقومه وهواه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها" وفي بعض النسخ يتحاشى بالياء ومعناه لا يكترث بما يفعله فيها ولا يخاف وباله وعقوبته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من خلع يداً من طاعة لقي الله تعالى يوم القيامة ولا حجة له" أي لا حجة له في فعله ولا عذر له بنفعه
*2* باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع
*حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: حَدّثَنَا غُنْدَرٌ. وَقَالَ ابْنُ بَشّارٍ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ. قَالَ: عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمّةِ، وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسّيْفِ، كَائِناً مَنْ كَانَ".
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ. حَدّثَنَا حَبّانُ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ عَنْ شَيْبَانَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُصْعَبُ ابْنُ الْمِقْدَامِ الْخَثْعَمِيّ. حَدّثَنَا إِسْرَائِيلُ. ح وَحَدّثَنِي حَجّاجٌ. حَدّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُخْتَارِ وَرَجُلٌ سَمّاهُ. كُلّهُمْ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعاً "فَاقْتُلُوهُ".
وحدّثني عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ، وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ستكون هنات وهنات" الهنات جمع هنة وتطلق على كل شيء، والمراد بها هنا الفتن والأمور الحادثة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان" فيه الأمر بقتال من خرح على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدراً، فقوله صلى الله عليه وسلم: "فاضربوه بالسيف" وفي الرواية الأخرى: (فاقتلوه) معناه إذا لم يندفع إلا بذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم: "يريد أن يشق عصاكم" معناه يفرق جماعتكم كما تفرق العصاة المشقوقة وهو عبارة عن اختلاف الكلمة وتنافر النفوس
*2* باب إذا بويع لخليفتين
*وحدّثني وَهْبُ بْنُ بَقِيّةَ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الاَخَرَ مِنْهُمَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاَخر منهما" هذا محمول على ما إذا لم يندفع إلا بقتله، وقد سبق إيضاح هذا في الأبواب السابقة، وفيه أنه لا يجوز عقدها لخليفتين، وقد سبق قريباً نقل الإجماع فيه واحتمال إمام الحرمين
*2* باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيّ. حَدّثَنَا هَمّامُ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ. فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ. فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ. وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ. وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لاَ. مَا صَلّوْا".
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ مُعَاذٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي غَسّانَ). حَدّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ، الدّسْتَوَائِيّ). حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ ضَبّةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيّ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "إنّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ. فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ. فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ. وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ. وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لاَ. مَا صَلّوْا" (أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ).
وحدّثني أَبُو الرّبَيعِ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). حَدّثَنَا الْمُعَلّى بْنُ زِيَادٍ وَ هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ ذَلِكَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرئَ. وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ".
وحدّثناه حَسَنُ بْنُ الرّبَيعِ الْبَجَلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. إِلاّ قَوْلَهُ"وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" لَمْ يَذْكُرْهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف فقد برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال لا ما صلوا" هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة بالأخبار بالمستقبل ووقع ذلك كما أخبر صلى الله عليه وسلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن عرف فقد برئ" وفي الرواية التي بعدها: (فمن كره فقد برئ) فأما رواية من روى فمن كره فقد برئ فظاهرة ومعناه من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقبله وليبرأ. وأما من روى فمن عرف فقد برئ فمعناه والله أعلم فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه فإن عجز فليكرهه بقلبه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من رضي وتابع" معناه ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه. وأما قوله: (أفلا نقاتلهم؟ قال لا ما صلوا) ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام
*2* باب خيار الأئمة وشرارهم
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا عَيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خِيَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُحِبّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ. وَيُصَلّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلّونَ عَلَيْهِمْ. وَشِرَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ: "لاَ. مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ. وَإذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ".
حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلَمٍ). حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. أَخْبَرَنِي مَوْلَىَ بَنِي فَزَارَةَ(وَهُوَ رُزَيْقُ بْنُ حَيّانَ) أَنّهُ سَمِعَ مُسْلِمَ بْنَ قَرَظَةَ، ابْنَ عَمّ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "خِيَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُحِبّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ. وَتُصَلّونَ عَلَيْهمْ وَيُصَلّونَ عَليْكُمْ. وَشِرَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ. وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ" قَالُوا قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "لاَ. مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ. لاَ. مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ. أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، وَلاَ يَنْزِعَنّ يَداً مِنْ طَاعَةٍ".
قال ابن جابر: فقلتُ (يَعْنِي لِرُزَيْقٍ)، حِينَ حَدّثَنِي بِهَذا الحَدِيثِ: آلله! يَا أَبا المِقْدَامِ! لَحَدّثَكَ بِهَذَا، أَو سَمِعْتَ هَذَا، مِنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفاً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَقَالَ: إِي. واللهِ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ! لَسَمِعْتُهُ مِنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: رُزَيْقٌ مَوْلَىَ بَنِي فَزَارَةَ.
قال مسلم: وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ، عَنْ عَوْفِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
قوله: (عن رزيق بن حيان اختلفوا في تقديم الراء على الزاي وتأخيرها على وجهين) ذكره البخاري وابن أبي حاتم والدارقطني وعبد الغني بن سعيد المصري وابن ماكولا وغيرهم من أصحاب المؤتلف بتقديم الراء المهملة وهو الموجود في معظم نسخ صحيح مسلم. وقال أبو زرعة الرازي والدمشقي بتقديم الزاي المعجمة والله أعلم. قوله: (عن مسلم بن قرظة) بفتح القاف والراء وبالظاء المعجمة وقد سبق في الباب قبله شرح هذه الأحاديث. قوله صلى الله عليه وسلم: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم" معنى يصلون أي يدعون. قوله: (فجثا على ركبتيه واستقبل القبلة) هكذا هو في أكثر النسخ فجثا بالثاء المثلثة، وفي بعضها فجذا بالذال المعجمة وكلاهما صحيح، فأما بالثاء فيقال منه جثا على ركبتيه يجثو وجثا يجثي جثوا وجثيا فيهما وأجثاه غيره وتجاثوا على الركب جثى وجثى بضم الجيم وكسرها. وأما جذا فهو الجلوس على أطراف أصابع الرجلين ناصب القدمين وهو الجاذي والجمع جذا مثل نائم ونيام، قال الجمهور: الجاذي أشد استيفازاً من الجاثي، وقال أبو عمرو: هما لغتان.
*2* باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ. حوَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: كُنّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفاً وَأَرْبَعَمِائَةٍ. فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشّجَرَةِ. وَهْيَ سَمُرَةٌ. وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَىَ أَنْ لاَ نَفِرّ. وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: لَمْ نُبَايِعْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَوْتِ. إِنّمَا بَايَعْنَاهُ عَلَىَ أَنْ لاَ نَفِرّ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا حَجّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ سَمِعَ جَابِراً يُسْأَلُ: كَمْ كَانُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: كُنّا أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً. فَبَايَعْنَاهُ. وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشّجَرَةِ. وَهِيَ سَمُرَةٌ. فَبَايَعْنَاهُ. غَيْرَ جَدّ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيّ. اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ.
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ الأَعْوَرُ، مَوْلَىَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُجَالِدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِراً يُسْأَلُ: هَلْ بَايَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ؟ فَقَالَ: لاَ. وَلَكنْ صَلّىَ بِهَا. وَلَمْ يُبَايِعْ عِنْدَ شَجَرَةٍ، إِلاّ الشّجَرَةَ التّيِ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: دَعَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ (وَاللّفْظُ لِسَعِيدٍ) (قَالَ سَعِيدٌ وَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ قَالَ: كُنّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفاً وَأَرْبَعَمِائَةٍ. فَقَالَ لَنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ".
وَقَالَ جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشّجَرَةِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَصْحَابِ الشّجَرَةِ؟ فَقَالَ: لَوْ كُنّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنّا أَلْفاً وَخَمْسَمِائَةٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ ح وَحَدّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطّحّانَ). كِلاَهُمَا يَقُولُ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَوْ كُنّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا. كُنّا خَمْسَ عَشَرَةَ مِائَةً.
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ. حَدّثَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كُمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفاً وَأَرْبَعَمِائَةٍ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو (يَعْنِي ابْنَ مُرّةَ). حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَىَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الشّجَرَةِ أَلْفاً وَثَلاَثَمِائَةٍ. وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ.
وحدّثنا ابْنُ الْمثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدّثَنَاهُ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الأَعْرَجِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشّجَرَةِ، وَالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ النّاسَ، وَأَنَا رَافِعٌ غُصْناً مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً. قَالَ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ. وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَىَ أَنْ لاَ نَفِرّ.
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ يُونسَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثناه حَامِدُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ: كَانَ أَبِي مِمّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الشّجَرَةِ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فِي قَابِلٍ حَاجّينَ. فَخَفِيَ عَلَيْنَا مَكَانُهَا. فَإِنْ كَانَتْ تَبَيّنَتْ لَكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ. قَالَ: وَقَرَأْتُهُ عَلىَ نَصْرِ بْنِ عَلِيَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُمْ كَانُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الشّجَرَةِ. قَالَ: فَنَسُوهَا مِنَ العَامِ الْمُقْبِلِ.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الشّجَرَةَ. ثُمّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ. فَلَمْ أَعْرِفْهَا.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَىَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ: عَلَىَ أَيّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَىَ عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ: أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: هَذَاكَ ابْنُ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النّاسَ. فَقَالَ: عَلىَ مَاذَا قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. قَالَ: لاَ أُبَايِعُ عَلَىَ هَذَا أَحَداً بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة). وفي رواية: (ألفاً وخمسمائة). وفي رواية: (ألفاً وثلاثمائة) وقد ذكر البخاري ومسلم هذه الروايات الثلاث في صحيحهما وأكثر روايتهما ألف وأربعمائة، وكذا ذكر البيهقي أن أكثر روايات هذا الحديث ألفاً وأربعمائة، ويمكن أن يجمع بينهما بأنهم كانوا أربعمائة وكسراً، فمن قال أربعمائة لم يعتبر الكسر، ومن قال خمسمائة اعتبره، ومن قال ألف وثلاثمائة ترك بعضهم لكونه لم يتقن العد أو لغير ذلك.
قوله في رواية جابر ورواية معقل بن يسار: (بايعناه يوم الحديبية على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت) وفي رواية سلمة: (أنهم بايعوه يومئذٍ على الموت) وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم. وفي رواية مجاشع بن مسعود: (البيعة على الهجرة والبيعة على الإسلام والجهاد) وفي حديث ابن عمر وعبادة: (بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله) وفي رواية عن ابن عمر في غير صحيح مسلم: (البيعة على الصبر) قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات، فالبيعة على أن لا نفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل وهو معنى البيعة على الموت أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت لا أن الموت مقصود في نفسه، وكذا البيعة على الجهاد أي والصبر فيه والله أعلم. وكان في أول الإسلام يجب على العشرة من المسلمين أن يصبروا لمائة من الكفار ولا يفروا منهم، وعلى المائة الصبر لألف كافر، ثم نسخ ذلك وصار الواجب مصابرة المثلين فقط هذا مذهبنا، ومذهب ابن عباس ومالك والجمهور أن الاَية منسوخة، وقال أبو حنيفة وطائفة ليست بمنسوخة، واختلفوا في أن المعتبر مجرد العدد من غير مراعاة القوة والضعف أم يراعى والجمهور على أنه لا يراعى لظاهر القرآن، وأما حديث عبادة: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا) إلى آخره، فإنما كان ذلك في أول الأمر في ليلة العقبة قبل الهجرة من مكة وقبل فرض الجهاد. قوله: (سألت جابراً عن أصحاب الشجرة فقال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا ألفاً وخمسمائة) هذا مختصر من الحديث الصحيح في بئر الحديبية، ومعناه أن الصحابة لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرها إنما تنزه مثل الشراك فبسق النبي صلى الله عليه وسلم فيها ودعا فيها بالبركة فجاست فهي إحدى المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأن السائل في هذا الحديث علم أصل الحديث والمعجزة في تكثير الماء وغير ذلك مما جرى فيها ولم يعلم عددهم فقال جابر: كنا ألفاً وخمسمائة ولو كنا مائة ألف أو أكثر لكفانا. وقوله في الرواية التي قبل هذه: (دعا على بئر الحديبية) أي دعا فيها بالبركة.
قوله في الشجرة: (انها خفي عليهم مكانها في العام المقبل) قال العلماء: سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان والسكينة وغير ذلك، فلو بقيت ظاهرة معلومة لخيف تعظيم الأعراب والجهال إياها وعبادتهم لها فكان خفاؤها رحمة من الله تعالى.
*2* باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجّاجِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَىَ عَقِبَيْكَ؟ تَعَرّبْتَ؟ قَالَ: لاَ. وَلَكِنْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ.
قوله: (أن الحجاج قال لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه: ارتددت على عقبيك تعربت قال لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو) قال القاضي عياض: أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه، وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابياً من الكبائر، قال: ولهذا أشار الحجاج إلى أن أعلمه سلمة أن خروجه إلى البادية إنما هو بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولعله رجع إلى غير وطنه أو لأن الغرض في ملازمة المهاجر أرضه التي هاجر إليها وفرض ذلك عليه إنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته أو ليكون معه، أو لأن ذلك إنما كان قبل فتح مكة فلما كان الفتح وأظهر الله الإسلام على الدين كله وأذل الكفر وأعز المسلمين سقط فرض الهجرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" وقال: "مضت الهجرة لأهلها" أي الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم قبل فتح مكة لمواساة النبي صلى الله عليه وسلم ومؤازرته ونصرة دينه وضبط شريعته. قال القاضي: ولم يختلف العلماء في وجوب الهجرة على أهل مكة قبل الفتح، واختلف في غيرهم فقيل لم تكن واجبة على غيرهم بل كانت ندباً، ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة، وقيل إنما كانت واجبة على من لم يسلم كل أهل بلده لئلا يبقى في طلوع أحكام الكفار.
*2* باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير. وبيان معنى "لا هجرة بعد الفتح"
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الصّبّاحِ أَبُو جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيّاءَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ. حَدّثَنِي مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السّلَمِيّ قَالَ: أَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. فَقَالَ: "إنّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لأَهْلِهَا وَلَكِنْ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ".
وحدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السّلَمِيّ. قَالَ: جِئْتُ بِأَخِي. أَبِي مَعْبَدٍ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الفَتْحِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. قَالَ: "قَدْ مَضَتِ الْهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا" قُلْتُ: فَبِأَيّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: "عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ". قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ مُجَاشِعٍ. فَقَالَ: صَدَقَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: فَلَقِيتُ أَخَاهُ. فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ: أَبَا مَعْبَدٍ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكّةَ "لاَ هِجْرَةَ. وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ. وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ ابْنُ رَافِعٍ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ آدَمَ. حَدّثَنَا مُفَضّلٌ (يَعْنِي ابْنَ مُهَلْهِلٍ). ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَىَ عَنْ إِسْرَائِيلَ. كُلّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْهِجْرَةِ؟ فَقَالَ: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ. وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاّدٍ الْبَاهِلِيّ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيّ. حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ. حَدّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللّيْثِيّ أَنّهُ حَدّثَهُمْ قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيّ أَنّ أَعْرَابِيّاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْهِجْرَةِ؟ فَقَالَ: "وَيْحَكَ إنّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ فَهَلْ لَكِ مِنْ إِبِلٍ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَهَلْ تُؤتِي صَدَقَتَهَا؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ. فَإنّ اللّهَ لَنْ يَتركَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً".
وحدّثناه عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ الأَوْزَاعِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "إِنّ اللّهَ لَنْ يَترَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً" وَزَادَ فِي الْحَديثِ قَالَ: "فَهَلْ تَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؟" قَالَ: نَعَمْ.
قوله: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أبايعه على الهجرة فقال: إن الهجرة قد مضت لأهلها ولكن على الإسلام والجهاد والخير) معناه أن الهجرة الممدوحة الفاضلة التي لأصحابها المزية الظاهرة إنما كانت قبل الفتح ولكن أبايعك على الإسلام والجهاد وسائر أفعال الخير، وهو من باب ذكر العام بعد الخاص، فإن الخير أعم من الجهاد، ومعناه أبايعك على أن تفعل هذه الأمور.
قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة: "لا هجرة ولكن جهاد ونية".
وفي الرواية الأخرى: (لا هجرة بعد الفتح) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وتأولوا هذا الحديث تأويلين: أحدهما: لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار إسلام فلا تتصور منها الهجرة. والثاني: وهو الأصح أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازاً ظاهراً انقطعت بفتح مكة ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة لأن الإسلام قوي وعز بعد فتح مكة عزاً ظاهراً بخلاف ما قبله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن جهاد ونية" معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة، وفي هذا الحث على نية الخير مطلقاً وأنه يثاب على النية. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استنفرتم فانفروا" معناه إذا طلبكم الإمام للخروج إلى الجهاد فاخرجوا، وهذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين بل فرض كفاية، إذا فعله من تحصل بهم الكفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم. قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية، وأما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فالأصح عند أصحابنا أنه كان أيضاً فرض كفاية والثاني: أنه كان فرض عين، واحتج القائلون بأنه كان فرض كفاية بأنه كان تغزو السرايا وفيها بعضهم دون بعض.
قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عن الهجرة: "إن شأن الهجرة لشديد فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فهل تؤتي صدقتها؟ قال: نعم، قال: فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئاً" أما يترك فبكسر التاء معناه لن ينقصك من ثواب أعمالك شيئاً حيث كنت، قال العلماء: والمراد بالبحار هنا القرى والعرب تسمي القرى البحار والقرية البحيرة، قال العلماء: والمراد بالهجرة التي سأل عنها هذا الأعرابي ملازمة المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم وترك أهله ووطنه فخاف عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقوى لها ولا يقوم بحقوقها وأن ينكص على عقبيه فقال له: إن شأن الهجرة التي سألت عنها لشديد ولكن اعمل بالخير في وطنك وحيث ما كنت فهو ينفعك ولا ينقصك الله منه شيئاً والله أعلم.
*2* باب كيفية بيعة النّساء
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَتِ الْمُوءْمِنَاتُ، إِذَا هَاجَرْنَ إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يُمْتَحَنّ بِقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىَ أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ} (الممتحنة الاَية: ) إِلَىَ آخِرِ الاَيَةِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، فَقَدْ أَقَرّ بِالْمِحْنَةِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَبُو الطّاهِرِ (قَالَ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ هَرُونُ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ). حَدّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَن عُرْوَةَ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ بَيْعَةِ النّسَاءِ. قَالَتْ: مَا مَسّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطّ. إلاّ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا. فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ، قَالَ: "اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُكِ".
قولها: (كان المؤمنات إذا هاجرن يمتحن بقول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات} إلى آخره) معنى يمتحن يبايعهن على هذا المذكور في الاَية الكريم. وقولها: (فمن أقر بهذا فقد أقر بالمحنة) معناه فقد بايع البيعة الشرعية. قولها: (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف. وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام. وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة وأن صوتها ليس بعورة، وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا توجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة، وفي قط خمس لغات: فتح القاف وتشديد الطاء مضمومة ومكسورة وبضمهما والطاء مشددة وفتح القاف مع تخفيف الطاء ساكنة ومكسورة وهي لنفي الماضي. قولها في الرواية الأخرى: (ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال: اذهبي فقد بايعتك) هذا الاستثناء منقطع، وتقدير الكلام ما مس امرأة قط لكن يأخذ عليها البيعة بالكلام فإذا أخذها بالكلام قال اذهبي فقد بايعتك، وهذا التقدير مصرح به في الرواية الأولى ولا بد منه والله أعلم.
*2* باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ أَيّوبَ) قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ). أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنّا نُبَايِعُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ. يَقُولُ لَنَا: "فِيمَا اسْتَطَعْتَ".
قوله: (كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: "فيما استطعت" هكذا هو في جميع النسخ "فيما استطعت" أي قل "فيما استطعت"، وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت لئلا يدخل في عموم بيعة ما لا يطيقه، وفيه أنه إذا رأى الإنسان من يلتزم ما لا يطيقه ينبغي أن يقول له لا تلتزم ما لا تطيق فيترك بعضه وهو من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم من الأعمال ما تطيقون".
*2* باب بيان سنّ البلوغ
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عَرَضَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ. وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَلَمْ يُجِزْنِي. وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَأَجَازَنِي.
قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ. فَحَدّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ. فَقَالَ: إنّ هَذَا لَحَدّ بَيْنَ الصغِيرِ وَالْكَبِيرِ. فَكَتَبَ إلَىَ عُمّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ كَانَ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَالِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَ عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ) جَمِيعاً عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمْ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَاسْتَصْغَرَنِي.
وهو السن الذي يجعل صاحبه من المقاتلين ويجري عليه حكم الرجال في أحكام القتال وغير ذلك. قوله: (عن ابن عمر أنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) هذا دليل لتحديد البلوغ بخمس عشرة سنة، وهو مذهب الشافعي والأوزاعي وابن وهب وأحمد وغيرهم قالوا: باستكمال خمس عشرة سنة يصير مكلفاً، وإن لم يحتلم فتجري عليه الأحكام من وجوب العبادة وغيره ويستحق سهم الرجل من الغنيمة ويقتل إن كان من أهل الحرب، وفيه دليل على أن الخندق كانت سنة أربع من الهجرة وهو الصحيح، وقال جماعة من أهل السير والتواريخ كانت سنة خمس، وهذا الحديث يرده لأنهم أجمعوا على أن أحداً كانت سنة ثلاث فيكون الخندق سنة أربع لأنه جعلها في هذا الحديث بعده بسنة. قوله: (لم يجزني وأجازني) المراد جعله رجلاً له حكم الرجال المقاتلين.
*2* باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَىَ أَرْضِ الْعَدُوّ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كَانَ يَنْهَىَ أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَىَ أَرْضِ الْعَدُوّ. مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوّ.
وحدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ. فَإِنّي لاَ آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوّ".
قَالَ أَيّوبُ: فَقَدْ نَالَهُ الْعَدُوّ وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ علَيّةَ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ وَ الثّقَفِيّ. كُلّهُمْ عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). جَمِيعاً عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
فِي حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ وَالثّقَفِيّ "فَإِنّي أَخَافُ". وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَحَدِيثِ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ "مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوّ".
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو)وفي الرواية الأخرى: (مخافة أن يناله العدو) وفي الرواية الأخرى: (فإني لا آمن أن يناله العدو) فيه النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة ولا منع منه حينئذٍ لعدم العلة، هذا هو الصحيح وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون، وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقاً. وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقاً والصحيح عنه ما سبق، وهذه العلة المذكورة في الحديث هي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وغلط بعض المالكية فزعم أنها من كلام مالك، واتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب إليهم كتاب فيه آية أو آيات، والحجة فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل. قال القاضي: وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدراهم والدنانير التي فيها اسم الله تعالى وذكره سبحانه وتعالى.
*2* باب المسابقة بين الخيل وتضميرها
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بِالْخَيْلِ الّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ. وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ. وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الّتِي لَمْ تُضْمَرْ، مِنَ الثّنِيّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ و مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ قَالُوا: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). جَمِيعاً عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيّةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). كُلّ هَؤلاَءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. بِمَعْنَىَ حَديثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَيّوبَ، مِنْ رِوَايَةِ حَمّادٍ وَابْنِ عُلَيّةَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَجِئْتُ سَابِقاً. فَطَفّفَ بِي الْفَرَسُ الْمَسْجِدَ.
فيه ذكر حديث مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل المضمرة وغير المضمرة، وفيه جواز المسابقة بين الخيل وجواز تضميرها، وهما مجمع عليهما للمصلحة في ذلك وتدريب الخيل ورياضتها وتمرنها على الجري وإعدادها لذلك لينتفع بها عند الحاجة في القتال كراً وفراً. واختلف العلماء في أن المسابقة بينها مباحة أم مستحبة، ومذهب أصحابنا أنها مستحبة لما ذكرناه، وأجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض بين جميع أنواع الخيل قويها مع ضعيفها وسابقها مع غيره سواء كان معها ثالث أم لا، فأما المسابقة بعوض فجائزة بالإجماع، لكن يشترط أن يكون العوض من غير المتسابقين أو يكون بينهما ويكون معهما محلل وهو ثالث على فرس مكافئ لفرسيهما، ولا يخرج المحلل من عنده شيئاً ليخرج هذا العقد عن صورة القمار، وليس في هذا الحديث ذكر عوض في المسابقة. قوله: (سابق بالخيل التي أضمرت) يقال أضمرت وضمرت وهو أن يقلل علفها مدة وتدخل بيتاً كنيناً وتجلل فيه لتعرق ويجف عرقها فيجف لحمها وتقوى على الجري. قوله: (من الحفياء إلى ثنية الوداع) هي بحاء مهملة وفاء ساكنة وبالمد والقصر حكاهما القاضي وآخرون القصر أشهر والحاء مفتوحة بلا خلاف، وقال صاحب المطالع: وضبطه بعضهم بضمها قال وهو خطأ، قال الحازمي في المؤتلف: ويقال فيها أيضاً الحيفاء بتقديم الياء على الفاء والمشهور المعروف في كتب الحديث وغيرها الحفياء، قال سفيان بن عيينة: بين ثنية الوداع والحفياء خمسة أميال أو ستة، وقال موسى بن عقبة: ستة أو سبعة، وأما ثنية الوداع فهي عند المدينة سميت بذلك لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها. قوله: (مسجد بني زريق) بتقديم الزاي وفيه دليل لجواز قول مسجد فلان ومسجد بني فلان، وقد ترجم له البخاري بهذه الترجمة وهذه الإضافة للتعريف. قوله: (وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر) هكذا هو في جميع النسخ، قال أبو علي الغساني: وذكره أبو مسعود الدمشقي عن مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن نافع عن نافع عن ابن عمر فزاد ابن نافع قال: والذي قاله أبو مسعود محفوظ عن الجماعة من أصحاب ابن علية، قال الدارقطني في كتاب العلل في هذا الحديث: يرويه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وداود عن ابن علية عن أيوب عن ابن نافع عن نافع عن ابن عمر وهذا شاهد لما ذكره أبو مسعود، ورواه جماعة عن زهير عن ابن علية عن أيوب عن نافع كما رواه مسلم من غير ذكر ابن نافع. قوله: (عن ابن عمر فجئت سابقاً فطففت بي الفرس المسجد) أي علا ووثب إلى المسجد وكان جداره قصيراً، وهذا بعد مجاوزته الغاية لأن الغاية هي هذا المسجد وهو مسجد بني زريق والله أعلم.
*2* باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أُسَامَةُ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ.
وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ وَ صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ. جَمِيعاً عَنْ يَزِيدَ. قَالَ الْجَهْضَمِيّ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ. عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسٍ بِإِصْبَعِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. كِلاَهُمَا عَنْ يُونُسَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ وَ ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْخَيْرُ مَعْقُوصٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ" قَالَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: "الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. جَمِيعاً عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرِ "الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ". وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: سَمِعَ عُرْوَةَ البّارِقِيّ. سَمِعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلمبِهَذَا. وَلَمْ يَذْكُرِ "الأَجْرَ والمَغْنَمَ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التّيّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الحَارِثِ). ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّد بْنُ جَعْفَرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التّيّاحِ سَمِعَ أَنَساً يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة" وفي رواية: "الخير معقوص بنواصي الخيل" وفي رواية: "البركة في نواصي الخيل". المعقود والمعقوص بمعنى ومعناه ملوي مضفور فيها، والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة. قال الخطابي وغيره: قالوا وكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس، يقال فلان مبارك الناصية ومبارك الغرة أي الذات، وفي هذه الأحاديث استحباب رباط الخيل واقتنائها للغزو وقتال أعداء الله وأن فضلها وخيرها والجهاد باق إلى يوم القيامة. وأما الحديث الاَخر: "الشؤم قد يكون في الفرس" فالمراد به غير الخيل المعدة للغزو ونحوه، أو أن الخير والشؤم يجتمعان فيها، فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم، ولا يمتنع مع هذا أن يكون الفرس مما يتشاءم به. قوله: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بإصبعه) قال القاضي: فيه استحباب خدمة الرجل فرسه المعدة للجهاد.
قوله: (عن عروة البارقي) هو بالموحدة والقاف وهو منسوب إلى بارق وهو جبل باليمن تركته الأزد وهم الأسد بإسكان السين فنسبوا إليه، وقيل إلى بارق بن عوف بن عدي، ويقال له عروة بن الجعد كما وقع في رواية مسلم وعروة بن أبي الجعد وعروة بن عياض بن أبي الجعد.
*2* باب ما يكره من صفات الخيل
*وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ) عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلْمِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ الشّكَالَ مِنَ الْخَيْلِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرّزّاقِ: وَالشّكَالُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَىَ بَيَاضٌ وَفِي يَدِهِ الْيُسْرَىَ. أَوْ فِي يَدِهِ الْيُمْنَىَ وَرِجْلِهِ الْيُسْرَىَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ النّخَعِيّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ. وَلَمْ يَذْكُرِ النّخَعِيّ.
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل) وفسره في الرواية الثانية: (بأن يكون في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى أو يده اليمنى ورجله اليسرى) وهذا التفسير أحد الأقوال في الشكال. وقال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة: والغريب هو أن يكون منه ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة تشبيهاً بالشكال الذي تشكل به الخيل فإنه يكون في ثلاث قوائم غالباً، قال أبو عبيد: وقد يكون الشكال ثلاث قوائم مطلقة وواحدة محجلة، قال: ولا تكون المطلقة من الأرجل أو المحجلة إلا الرجل. وقال ابن دريد: الشكال أن يكون محجلاً من شق واحد في يده ورجله، فإن كان مخالفاً قيل الشكال مخالف. قال القاضي: قال أبو عمرو المطرز قيل الشكال بياض الرجل اليمنى واليد اليمنى، وقيل بياض الرجل اليسرى واليد اليسرى، وقيل بياض اليدين، وقيل بياض الرجلين، وقيل بياض الرجلين ويد واحدة، وقيل بياض اليدين ورجل واحدة. وقال العلماء: إنما كرهه لأنه على صورة المشكول، وقيل يحتمل أن يكون قد جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة، قال بعض العلماء: إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة لزوال شبه الشكال.
*2* باب فضل الجهاد والخروج في سبيل اللّه
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ (وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَضَمّنَ اللّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاّ جِهَاداً فِي سَبِيلي، وَإِيمَاناً بِي، وَتَصْدِيقاً بِرُسُلِي. فَهُوَ عَلَيّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنّةَ. أَوْ أَرْجِعَهُ إلَىَ مَسْكَنِهِ الّذِي خَرَجَ مِنْهُ. نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، إلاّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ أَبَداً. وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ. وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً. وَيَشُقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلّفُوا عَنّي. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ فَأُقْتَلُ. ثُمّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ. ثُمّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِزَامِيّ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَكَفّلَ اللّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ. لاَ يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلاّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ. بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ. أَوْ يَرْجِعَهُ إلَىَ مَسْكَنِهِ الّذِي خَرَجَ مِنْهُ. مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إلاّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللّهِ. ثُمّ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إذَا طُعِنَتْ تَفَجّرُ دَماً. اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ". وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ فِي يَدِهِ لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَىَ الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ. وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتّبِعُونِي. وَلاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرِيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيّةٍ" بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَبِهَذَا الإِسْنَادِ "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ. ثُمّ أُحْيَىَ" بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَىَ أُمّتِي لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ أَتَخَلّفَ خَلْفَ سَرِيّةٍ" نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَضَمّنَ اللّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ" إلَىَ قوله: "مَا تَخَلّفْتُ خِلاَفَ سَرِيّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ تَعَالَىَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً إلى قوله: أن أدخله الجنة" وفي الرواية الأخرى: "تكفل الله" ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} الاَية. قوله سبحانه وتعالى: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي} هكذا هو في جميع النسخ جهاداً بالنصب وكذا قال بعده: {وإيماناً بي وتصديقاً} وهو منصوب على أنه مفعول له، وتقديره لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق. قوله: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي وإيماناً بي وتصديقاً برسلي} معناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى. قوله في الرواية الأخرى: (وتصديق كلمته) أي كلمة الشهادتين وقيل تصديق كلام الله في الأخبار بما للمجاهد من عظيم ثوابه. قوله تعالى: {فهو علي ضامن} ذكروا في ضامن هنا وجهين: أحدهما: أنه بمعنى مضمون كماء دافق ومدفوق، والثاني: أنه بمعنى ذو ضمان. قوله تعالى: {أن أدخله الجنة} قال القاضي: يحتمل أن يدخل عند موته كما قال تعالى في الشهداء: {أحياء عند ربهم يرزقون} وفي الحديث: (أرواح الشهداء في الجنة) قال: ويحتمل أن يكون المراد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب، وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه كما صرح به في الحديث الصحيح. قوله: (أو أرجعه إلى مسكنه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة) قالوا معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة إن لم يغنم، أو من الأجر والغنيمة معاً إن غنموا، وقيل: إن أو هنا بمعنى الواو أي من أجر وغنيمة، وكذا وقع بالواو وفي رواية أبي داود، وكذا وقع في مسلم في رواية يحيى بن يحيى التي بعد هذه بالواو، ومعنى الحديث أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيراً بكل حال، فإما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر، وإما أن يرجع بأجر وغنيمة. قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون دم وريحه مسك" أما الكلم بفتح الكاف وإسكان اللام فهو الجرح، ويكلم بإسكان الكاف أي يجرح، وفيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا غيره، والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى، وفيه دليل على جواز اليمين وانعقادها بقوله: (والذي نفسي بيده) ونحو هذه الصيغة من الحلف بما دل على الذات ولا خلاف في هذا، قال أصحابنا: اليمين تكون بأسماء الله تعالى وصفاته أو ما دل على ذاته. قال القاضي: واليد هنا بمعنى القدرة والملك. قوله: (والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله) أي خلفها وبعدها، وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على المسلمين والرأفة بهم، وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق بالمسلمين، وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها، وفيه مراعاة الرفق بالمسلمين والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم. قوله: (لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل) فيه فضيلة الغزو والشهادة، وفيه تمني الشهادة والخير وتمني ما لا يمكن في العادة من الخيرات، وفيه أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين. قوله صلى الله عليه وسلم: "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو، وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، قالوا: وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق، وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وجرحه يثعب" هو بفتح الياء والعين وإسكان المثلثة بينهما، ومعناه يجري متفجراً أي كثيراً وهو بمعنى الرواية الأخرى يتفجر دماً. قوله صلى الله عليه وسلم: "تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت" الضمير في كهيئتها يعود على الجراحة، وإذا طعنت بالألف بعد الذال كذا في جميع النسخ. قوله صلى الله عليه وسلم: "والعرف عرف المسك" هو بفتح العين المهملة وإسكان الراء وهو الريح.
*2* باب فضل الشهادة في سبيل اللّه تعالى
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ. لَهَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ. يَسُرّهَا أَنّهَا تَرْجِعُ إلَى الدّنْيَا. وَلاَ أَنّ لَهَا الدّنْيَا وَمَا فِيهَا. إلاّ الشّهِيدُ. فَإنّهُ يَتَمَنّىَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدّنْيَا. لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشّهَادَةِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الجَنّةَ. يُحِبّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الدّنْيَا، وَأَنّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ. غَيْرُ الشّهيدِ. فَإنّهُ يَتَمَنّىَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرّاتٍ. لِمَا يَرَىَ مِنَ الْكَرَامَةِ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْوَاسِطِيّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: "لاَ تَسْتَطِيعُوهُ" قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً. كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: "لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ". وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ الصّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللّهِ. لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ. حَتّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ تَعَالَىَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. كُلّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاّمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلاّمٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاّمٍ قَالَ: حَدّثَنِي النّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلاَمِ. إِلاّ أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجّ. وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلاَمِ. إِلاّ أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَفْضَلُ مِمّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. وَلَكِنْ إِذَا صَلّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ} (9 التوبة الاَية: ) الاَيَةَ إلَىَ آخِرِهَا.
وحدّثنيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ حَسّانَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ. أَخْبَرَنِي زَيْدٌ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاّمٍ قَالَ: حَدّثَنِي النّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي تَوْبَةَ.
قوله: (حدثنا أبو خالد الأحمر عن شعبة عن قتادة وحميد عن أنس) قال أبو علي الغساني: ظاهر هذا الإسناد أن شعبة يرويه عن قتادة وحميد جميعاً عن أنس، قال: وصوابه أن أبا خالد يرويه عن حميد عن أنس ويرويه أبو خالد أيضاً عن شعبة عن قتادة عن أنس، قال: وهكذا قاله عبد الغني بن سعيد، قال القاضي: فيكون حميد معطوفاً على شعبة لا على قتادة، قال: وقد ذكره ابن أبي شيبة في كتابه عن أبي خالد عن حميد وشعبة عن قتادة عن أنس فبينه، وإن كان فيه أيضاً إيهام فإن ظاهره أن حميداً يرويه عن قتادة وليس المراد كذلك بل المراد أن حميداً يرويه عن أنس كما سبق. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أنها ترجع إلى الدنيا ولا أن لها الدنيا وما فيها إلا الشهيد إلى آخره" هذا من صرائح الأدلة في عظيم فضل الشهادة والله المحمود المشكور، وأما سبب تسميته شهيداً فقال النضر بن شميل: لأنه حي فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار الإسلام وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة. وقال ابن الأنباري: إن الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة، وقيل لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة، وقيل لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه، وقيل لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله، وقيل لأن عليه شاهداً بكونه شهيداً وهو الدم، وقيل لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف.
قوله: (ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال لا تستطيعوه) هكذا هو في معظم النسخ لا تستطيعوه، وفي بعضها لا تستطيعونه بالنون وهذا جار على اللغة المشهورة، والأول صحيح أيضاً وهي لغة فصيحة حذف النون من غير ناصب ولا جازم وقد سبق بيانها ونظائرها مرات. قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله إلى آخره" معنى القانت هنا المطيع، وفي هذا الحديث عظيم فضل الجهاد لأن الصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال، وقد جعل المجاهد مثل من لا يفتر عن ذلك في لحظة من اللحظات، ومعلوم أن هذا لا يتأتى لأحد ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا تستطيعونه" والله أعلم.
قوله: (أن عمر رضي الله عنه زجر الرجال الذين رفعوا أصواتهم يوم الجمعة عند المنبر) فيه كراهة رفع الصوت في المساجد يوم الجمعة وغيره، وأنه لا يرفع الصوت بعلم ولا غيره عند اجتماع الناس للصلاة لما فيه من التشويش عليهم وعلى المصلين والذاكرين والله أعلم.
*2* باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اللّه
*عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالْغَدْوَةَ يَغْدُوهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ، خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ذَكْوَانَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَوْلاَ أَنّ رِجَالاً مِنْ أُمّتِي" وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ "وَلَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ وَإِسْحَقَ) (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا الْمُقْرِيءُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيّوبَ حَدّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ الْمَعَافِرِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيّوبَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ وَغَرَبَتْ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيّوبَ وَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ. قَالَ كُلّ وَاحِدِ مِنْهُمَا: حَدّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحَمَنِ الْحُبُلِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ سَوَاءً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" الغدوة بفتح الغين السير أول النهار إلى الزوال، والروحة السير من الزوال إلى آخر النهار، وأو هنا للتقسيم لا للشك، ومعناه أن الروحة يحصل بها هذا الثواب وكذا الغدوة، والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته بل يحصل هذا الثواب بكل غدوة أو روحة في طريقه إلى الغزو، وكذا غدوة وروحة في موضع القتال لأن الجميع يسمى غدوة وروحة في سبيل الله، ومعنى هذا الحديث أن فضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الاَخرة باق. قال القاضي: وقيل في معناه ومعنى نظائره من تمثيل أمور الاَخرة وثوابها بأمور الدنيا أنها خير من الدنيا وما فيها لو ملكها إنسان وملك جميع ما فيها وأنفقه في أمور الاَخرة، قال هذا القائل: وليس تمثيل الباقي بالفاني على ظاهر إطلاقه والله أعلم.
قوله: (وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان بن معاوية عن يحيى بن سعيد) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا نقله أبو علي الغساني عن رواية الجلودي، قال: ووقع في نسخة ابن ماهان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا مروان فذكر ابن أبي شيبة بدل ابن أبي عمر، قال: والصواب الأول.
*2* باب بيان ما أعده اللّهِ تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلاَنِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيَ بِاللّهِ رَبّاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمّدٍ نَبِيّاً، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنّةُ" فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ. فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيّ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَفَعَلَ. ثُمّ قَالَ: "وَأُخْرَىَ يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنّةِ. مَا بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ" قَالَ: وَمَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّهِ. الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله" قال القاضي عياض رضي الله عنه: يحتمل أن هذا على ظاهره وأن الدرجات هنا المنازل التي بعضها أرفع من بعض في الظاهر، وهذه صفة منازل الجنة كما جاء في أهل الغرف أنهم يتراؤون كالكوكب الدري، قال: ويحتمل أن المراد الرفعة بالمعنى من كثرة النعيم وعظيم الإحسان مما لم يخطر على قلب بشر ولا بصفة مخلوق، وأن أنواع ما أنعم الله به عليه من البر والكرامة يتفاضل تفاضلاً كثيراً، ويكون تباعده في الفضل كما بين السماء والأرض في البعد، قال القاضي: والاحتمال الأول أظهر وهو كما قال والله أعلم.
*2* باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه، إلا الدّين
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّهُ سَمِعَهُ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: "أَنّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالإِيمَانَ بِاللّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللّهِ تُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ. إنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ" ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ قُلْتَ؟" قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَتُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ. وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ. إلاّ الدّيْنَ. فَإنّ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السّلاَمُ، قَالَ لِي ذَلِكَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللّهِ؟ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ اللّيْثِ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ قَيْسٍ. ح قَالَ: وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَجْلاَنَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَىَ صَاحِبهِ: أَنّ رَجُلاً أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ ضَرَبْتُ بِسَيْفِي. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ الْمَقْبُرِيّ.
حدّثنا زَكَرِيّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيّ. حَدّثَنَا الْمُفَضّلُ (يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ) عَنْ عَيّاشٍ (وَهُوَ ابْنُ عَبّاسٍ الْقِتْبَانِيّ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ، عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُغْفَرُ لِلشّهِيدِ كُلّ ذَنْبٍ، إلاّ الدّيْنَ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيّوبَ حَدّثَنِي عَيّاشُ بْنُ عَبّاسٍ الْقِتْبَانِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِي، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُكَفّر كُلّ شَيْءٍ، إِلاّ الدّيْنَ".
قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن تكفير خطاياه إن قتل: "نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم أعاده فقال إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك" فيه هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد وهي تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الاَدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة وهو أن يقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص لله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "مقبل غير مدبر" لعله احتراز ممن يقبل في وقت ويدبر في وقت والمحتسب هو المخلص لله تعالى فإن قاتل لعصبية أو لغنيمة أو لصيت أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره وأما قوله صلى الله عليه وسلم إلا الدين ففيه تنبيه على جميع حقوق الاَدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الاَدميين وإنما يكفر حقوق الله تعالى. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "نعم، ثم قال بعد ذلك: إلا الدين" فمحمول على أنه أوحي إليه به في الحال ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك" والله أعلم. قوله: (حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن قيس قال: وحدثنا ابن عجلان عن محمد بن قيس عن أبي عبد الله بن أبي قتادة) القائل وحدثنا ابن عجلان هو سفيان.
قوله: (عن عياش بن عباس القتباني) الأول: بالشين المعجمة والثاني: بالمهملة والقتباني بالقاف مكسورة ثم مثناة فوق ساكنة ثم موحدة منسوب إلى قتبان بطن من رعين.
*2* باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة. وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ. جَمِيعاً عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَسْبَاطٌ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللّهِ (هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ) عَنْ هَذِهِ الاَيَةِ: {وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} (3 آل عمران الاَية: 1) قَالَ: أَمَا إِنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: "أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ. لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنّةِ حَيْثُ شَاءَتْ. ثُمّ تَأْوِي إلَىَ تِلْكَ الْقَنَادِيلِ. فَاطّلَعَ إلَيْهِمْ رَبّهُمُ اطّلاَعَةً. فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيّ شَيْءٍ نَشْتَهِي؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنّةِ حَيْثُ شِئْنَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ. فَلَمّا رَأَوْا أَنّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتّىَ نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرّةً أُخْرَىَ. فَلَمّا رَأَىَ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا".
قوله: (حدثني يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وذكر إسناده إلى مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الاَية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم في جوف طير خضر) قال المازري: كذا جاء عبد الله غير منسوب، قال أبو علي الغساني: ومن الناس من ينسبه فيقول عبد الله بن عمرو، وذكره أبو مسعود الدمشقي في مسند ابن مسعود، قال القاضي عياض: ووقع في بعض النسخ من صحيح مسلم عبد الله بن مسعود، قلت: وكذا وقع في بعض نسخ بلادنا المعتمدة ولكن لم يقع منسوباً في معظمها، وذكره خلف الواسطي والحميدي وغيرهما في مسند ابن مسعود وهو الصواب، وهذا الحديث مرفوع لقوله: (إنا قد سألنا عن ذلك فقال يعني النبي صلى الله عليه وسلم). قوله صلى الله عليه وسلم في الشهداء: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل" فيه بيان أن الجنة مخلوقة موجودة وهو مذهب أهل السنة وهي التي أهبط منها آدم وهي التي ينعم فيها المؤمنون في الاَخرة هذا إجماع أهل السنة. وقالت المعتزلة وطائفة من المبتدعة أيضاً وغيرهم أنها ليست موجودة وإنما توجد بعد البعث في القيامة، قالوا: والجنة التي أخرج منها آدم غيرها، وظواهر القرآن والسنة تدل لمذهب أهل الحق، وفيه إثبات مجازاة الأموات بالثواب والعقاب قبل القيامة، قال القاضي: وفيه أن الأرواح باقية لا تفنى فينعم المحسن ويعذب المسيء وقد جاء به القرآن والاَثار وهو مذهب أهل السنة، خلافاً لطائفة من المبتدعة قالت تفنى، قال القاضي: وقال هنا أرواح الشهداء، وقال في حديث مالك: إنما نسمة المؤمن والنسمة تطلق على ذات الإنسان جسماً وروحاً وتطلق على الروح مفردة وهو المراد بها في هذا التفسير في الحديث الاَخر بالروح ولعلمنا بأن الجسم يفنى ويأكله التراب، ولقوله في الحديث: (حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم القيامة) قال القاضي: وذكر في حديث مالك رحمه الله تعالى نسمة المؤمن وقال هنا الشهداء لأن هذه صفتهم لقوله تعالى: {أحياء عند ربهم يرزقون} وكما فسره في هذا الحديث، وأما غيرهم فإنما يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي كما جاء في حديث ابن عمر وكما قال في آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً} قال القاضي: وقيل: بل المراد جميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب فيدخلونها الاَن بدليل عموم الحديث، وقيل: بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "في جوف طير خضر" وفي غير مسلم: "بطير خضر" وفي حديث آخر: "بحواصل طير" وفي الموطأ: "إنما نسمة المؤمن طير" وفي حديث آخر عن قتادة: "في صورة طير أبيض" قال القاضي: قال بعض المتكلمين على هذا الأشبه صحة قول من قال طير أو صورة طير وهو أكثر ما جاءت به الرواية لا سيما مع قوله: تأوي إلى قناديل تحت العرش، قال القاضي: واستبعد بعضهم هذا ولم ينكر آخرون وليس فيه ما ينكره ولا فرق بين الأمرين بل رواية طير أو جوف طير أصح معنى، وليس للأقيسة والعقول في هذا حكم وكله من المجوزات، فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو أجواف طير أو حيث يشاء كان ذلك ووقع ولم يبعد لا سيما مع القول بأن الأرواح أجسام، قال القاضي: وقيل إن هذا المنعم أو المعذب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح وهو الذي يتألم ويعذب ويلتذ وينعم، وهو الذي يقول رب ارجعون، وهو الذي يسرح في شجر الجنة، فغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائراً أو يجعل في جوف طائر وفي قناديل تحت العرش وغير ذلك مما يريد الله عز وجل. قال القاضي: وقد اختلف الناس في الروح ما هي اختلافاً لا يكاد يحصر، فقال كثير من أرباب المعاني وعلم الباطن المتكلمين لا تعرف حقيقته ولا يصح وصفه وهو مما جهل العباد علمه واستدلوا بقوله تعالى: {قل الروح من أمر ربي} وغلت الفلاسفة فقالت بعدم الروح، وقال جمهور الأطباء هو البخار اللطيف الساري في البدن، وقال كثيرون من شيوخنا هو الحياة، وقال آخرون هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه وقيل هو بعض الجسم ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم وهذه صفة الأجسام لا المعاني، وقال بعض مقدمي أئمتنا هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم، وقال بعض مشايخنا وغيرهم إنه النفس الداخل والخارج، وقال آخرون هو الدم، هذا ما نقله القاضي، والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن فإذا فارقته مات، قال القاضي: واختلفوا في النفس والروح فقيل هما بمعنى وهما لفظان لمسمى واحد، وقيل إن النفس هي النفس الداخل والخارج، وقيل هي الدم، وقيل هي الحياة والله أعلم.
قال القاضي: وقد تعلق بحديثنا هذا وشبهه بعض الملحدة القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب، وهذا ضلال بين وإبطال لما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والجنة والنار، ولهذا قال في الحديث: (حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه) يعني يوم يجيء بجميع الخلق والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فقال لهم الله تعالى هل تشتهون شيئاً الخ" هذا مبالغة في إكرامهم وتنعيمهم إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطر على قلب بشر ثم رغبهم في سؤال الزيادة فلم يجدوا مزيداً على ما أعطاهم فسألوه حين رأوه أنه لا بد من سؤال أن يرجع أرواحهم إلى أجسادهم ليجاهدوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله تعالى ويستلذوا بالقتل في سبيله والله أعلم.
*2* باب فضل الجهاد والرباط
*حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزّبَيْدِيّ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللّيْثِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَجُلاً أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيّ النّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشّعَابِ، يَعْبُدُ اللّهَ رَبّهُ، وَيَدَعُ النّاسَ مِنْ شَرّهِ".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللّيْثِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَيّ النّاسِ أَفْضَلُ؟ يَارَسُولَ اللّهِ قَالَ: "مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشّعَابِ. يَعْبُدُ رَبّهُ وَيَدَعُ النّاسَ مِنْ شَرّهِ".
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَن ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. فَقَالَ "وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ" وَلَمْ يَقُلْ "ثُمّ رَجُلٌ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْجَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ. يَطِيرُ عَلَىَ مَتْنِهِ. كُلّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ. يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانّهُ. أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذِهِ الشّعَفِ. أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ. يُقِيمُ الصّلاَةَ وَيُؤْتِي الزّكَاةَ. وَيَعْبُدُ رَبّهُ حَتّىَ يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ. لَيْسَ مِنَ النّاسِ إِلاّ فِي خَيْرٍ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَ يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ). كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَدْرٍ. وَقَالَ "فِي شِعْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الشّعَابِ" خِلاَفَ رِوَايَةِ يَحْيَىَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنِىَ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ بَعْجَةَ. وَقَالَ"فِي شِعْبٍ مِنَ الشّعَابِ".
قوله: (أي الناس أفضل؟ فقال: "رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه") قال القاضي: هذا عام مخصوص وتقديره هذا من أفضل الناس وإلا فالعلماء أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره" فيه دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفي ذلك خلاف مشهور، فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص، وقد كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك، وأما الشعب فهو ما انفرج بين جبلين وليس المراد نفس الشعب خصوصاً بل المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشعب مثالاً لأنه حال عن الناس غالباً، وهذا الحديث نحو الحديث الاَخر حين سئل صلى الله عليه وسلم عن النجاة فقال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه" المعاش هو العيش وهو الحياة وتقديره والله أعلم من خير أحوال عيشهم رجل ممسك. قوله صلى الله عليه وسلم: "يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي القتل والموت مظانه" معناه يسارع على ظهره وهو متنه كلما سمع هيعة وهي الصوت عند حضور العدو وهي بفتح الهاء وإسكان الياء، والفزعة بإسكان الزاي النهوض إلى العدو، ومعنى يبتغي القتل مظانه يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة، وفي هذا الحديث فضيلة الجهاد والرباط والحرص على الشهادة. قوله صلى الله عليه وسلم: "أو رجل في غنيمة في رأس شعفة" الغنيمة بضم الغين تصغير الغنم أي قطعة منها، والشعفة بفتح الشين والعين أعلى الجبل.
*2* باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الاَخر، يدخلان الجنة
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَضْحَكُ اللّهُ إِلَىَ رَجُلَيْنِ. يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الاَخَرَ. كِلاَهُمَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ" فَقَالُوا: كَيْفَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَيُسْتَشْهَدُ. ثُمّ يَتُوبُ اللّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْلِمُ. فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَيُسْتَشْهَدُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزّنَادِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَضْحَكُ اللّهُ لِرَجُلَيْنِ. يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الاَخَرَ. كِلاَهُمَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ". قَالُوا: كَيْفَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "يُقْتَلُ هَذَا فَيَلِجُ الْجَنّةَ. ثُمّ يَتُوبُ اللّهُ عَلَى الاَخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَىَ الإِسْلاَمِ. ثُمّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُسْتَشْهَدُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الاَخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله فيستشهد" قال القاضي: الضحك هنا استعارة في حق الله تعالى لأنه لا يجوز عليه سبحانه الضحك المعروف في حقنا لأنه إنما يصح من الأجسام وممن يجوز عليه تغير الحالات والله تعالى منزه عن ذلك، وإنما المراد به الرضا بفعلهما والثواب عليه وحمد فعلهما ومحبته وتلقي رسل الله لهما بذلك، لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقته ما يرضاه وسروره وبره لمن يلقاه، قال: ويحتمل أن يكون المراد هنا ضحك ملائكة الله تعالى الذين يوجههم لقبض روحه وإدخاله الجنة كما يقال: قتل السلطان فلاناً أي أمر بقتله.
*2* باب من قتل كافراً ثم سدّد
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ و علِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النّارِ أَبَداً".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلاَلِيّ. حَدّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ الْفَزَارِيّ، عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النّارِ اجْتِمَاعاً يَضُرّ أَحَدُهُمَا الاَخَرَ" قِيلَ: مَنْ هُمْ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِراً ثُمّ سَدّدَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً"وفي رواية: "لا يجتمعان في النار اجتماعاً يضر أحدهما الاَخر قيل من هم يا رسول الله؟ قال: مؤمن قتل كافراً ثم سدد" قال القاضي في الرواية الأولى: يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافراً في الجهاد فيكون ذلك مكفراً لذنوبه حتى لا يعاقب عليها أو يكون بنية مخصوصة أو حالة مخصوصة، ويحتمل أن يكون عقابه إن عوقب بغير النار كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة أولاً ولا يدخل النار، أو يكون إن عوقب بها في غير موضع عقاب الكفار ولا يجتمعان في إدراكها. قال: وأما قوله في الرواية الثانية: (اجتماعاً يضر أحدهما الاَخر) فيدل على أنه اجتماع مخصوص قال وهو مشكل المعنى، وأوجه ما فيه أن يكون معناه ما أشرنا إليه أنهما لا يجتمعان في وقت إن استحق العقاب فيعيره بدخوله معه وأنه لم ينفعه إيمانه وقتله إياه وقد جاء مثل هذا في بعض الحديث، لكن قوله في هذا الحديث: (مؤمن قتل كافراً ثم سدد) مشكل لأن المؤمن إذا سدد ومعناه استقام على الطريقة المثلى ولم يخلط لم يدخل النار أصلاً سواء قتل كافراً أو لم يقتله. قال القاضي: ووجهه عندي أن يكون قوله: (ثم سدد) عائداً على الكافر القاتل ويكون بمعنى الحديث السابق: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الاَخر يدخلان الجنة) ورأى بعضهم أن هذا اللفظ تغير من بعض الرواة وأن صوابه مؤمن قتله كافر ثم سدد، ويكون معنى قوله: (لا يجتمعان في النار اجتماعاً يضر أحدهما الاَخر) أي لا يدخلانها للعقاب ويكون هذا استثناء من اجتماع الورود وتخاصمهم على جسر جهنم، هذا آخر كلام القاضي.
*2* باب فضل الصدقة في سبيل اللّه، وتضعيفها
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشّيْبَانِيّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ. فَقَالَ: هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَكَ بِهَا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ. سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ. كُلّهَا مَخْطُومَةٌ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قوله: (جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) معنى مخطومة أي فيها خطام وهو قريب من الزمام وسبق شرحه مرات، قيل: يحتمل أن المراد له أجر سبعمائة ناقة، ويحتمل أن يكون على ظاهره ويكون له في الجنة بها سبعمائة كل واحدة منهن مخطومة يركبهن حيث شاء للتنزه كما جاء في خيل الجنة ونجبها وهذا الاحتمال أظهر والله أعلم.
*2* باب فضل إعانة الغازي في سبيل اللّه بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشّيْبَانِيّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي. فَقَالَ: "مَا عِنْدِي" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَدُلّهُ عَلَىَ مَنْ يَحْمِلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَلّ علىَ خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ فَتَىً مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُرِيدُ الْغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِي مَا أَتَجَهّزُ. قَالَ: "ائْتِ فُلاَناً فَإِنّهُ قَدْ كَانَ تَجَهّزَ فَمَرِضَ". فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُكَ السّلاَمَ وَيَقُولُ: أَعْطِنِي الّذِي تَجَهّزْتَ بِهِ. قَالَ: يَا فُلاَنَةُ أَعْطِيهِ الّذِي تَجَهّزْتُ بِهِ. وَلاَ تَحْبِسِي عَنْهُ شَيْئاً. فَوَاللّهِ لاَ تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئاً فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ".
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو الطّاهِرِ (قَالَ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "مَنْ جَهّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَدْ غَزَا. وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا".
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). حَدّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلّمُ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ قَالَ: قَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَهّزَ غَازِياً فَقَدْ غَزَا. وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا".
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْمُبَارَكِ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى المَهْرِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثاً إلَىَ بَنِي لِحْيَانَ، مِنْ هُذَيْلٍ. فَقَالَ: "لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا. وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا".
وحدّثنيهِ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصّمَدِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الوَارِثِ) قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدّثُ: حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنْ يَحْيَىَ. حَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى المَهْرِيّ. حَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ بَعَثَ بَعْثاً. بِمَعْنَاهُ. وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ (يَعْنِي ابْنَ مُوسَىَ) عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَىَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى الْمَهْرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إلَىَ بَنِي لَحْيَانَ "لِيَخْرُجَ مِنْ كُلّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ" ثُمّ قَالَ لِلْقَاعِدِ: "أَيّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ، كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ".
قوله: (أبدع بي) هو بضم الهمزة وفي بعض النسخ بدع بي بحذف الهمزة وتشديد الدال، ونقله القاضي عن جمهور رواة مسلم قال: والأول هو الصواب ومعروف في اللغة، وكذا رواه أبو داود وآخرون بالألف ومعناه هلكت دابتي وهي مركوبي. قوله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" فيه فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم، والمراد بمثل أجر فاعله أن له ثواباً بذلك الفعل كما أن لفاعله ثواباً ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء.
قوله: (أن فتى من أسلم قال يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به، قال: ائت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض إلى آخره) فيه فضيلة الدلالة على الخير، وفيه أن ما نوى الإنسان صرفه في جهة بر فتعذرت عليه تلك الجهة يستحب له بذله في جهة أخرى من البر ولا يلزمه ذلك ما لم يلتزمه بالنذر.
قوله صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) أي حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد وسواء قليله وكثيره ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم وإنفاق عليهم أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته، وفي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين أو قام بأمر من مهماتهم.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً إلى بني لحيان من هذيل فقال لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما) أما بنو لحيان فبكسر اللام وفتحها والكسر أشهر، وقد اتفق العلماء على أن بني لحيان كانوا في ذلك الوقت كفاراً فبعث إليهم بعثاً يغزونهم وقال لذلك البعث: ليخرج من كل قبيلة نصف عددها وهو المراد بقوله من كل رجلين أحدهما، وأما كون الأجر بينهما فهو محمول على ما إذا خلف المقيم الغازي في أهله بخير كما شرحناه قريباً وكما صرح به في باقي الأحاديث. قوله: (في إسناد هذا الحديث أبو سعيد مولى المهري) هو بالراء واسمه سالم بن عبد الله أبو عبد الله النصري بالنون المدني مولى شداد بن الهادي، ويقال مولى مالك بن أوس بن الحدثان، ويقال مولى دوس، ويقال له سالم سبلات بالسين المهملة والباء الموحدة المفتوحتين وهو سالم البرد بالراء وآخره دال، وهو سالم مولى النصريين بالنون وهو أبو عبد الله مولى شداد، وهو سالم أبو عبد الله المديني، وهو سالم مولى مالك بن أوس، وهو سالم مولى المهريين، وهو سالم مولى دوس، وهو سالم أبو عبد الله الدوسي، ولسالم هذا نظائر في هذا وهو أن يكون للإنسان أسماء أو صفات وتعريفات يعرفه كل إنسان بواحد منها، وصنف الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري في هذا كتاباً حسناً وصنف فيه غيره.
*2* باب حرمة نساء المجاهدين، وإثم من خانهم فيهن
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَىَ الْقَاعِدِينَ، كَحُرْمَةِ أُمهَاتِهِمْ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ، فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلاّ وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ. فَمَا ظَنّكُمْ؟".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ (يَعْنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم) بِمَعْنَىَ حَدِيثِ الثّوْرِيّ.
وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَعْنَبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ: "فَقَالَ: فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ". فَالْتَفَتَ إلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "فَمَا ظَنّكُمْ؟".
قوله صلى الله عليه وسلم: "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم" هذا في شيئين: أحدهما: تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك. والثاني: في برهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يتصول بها إلى ريبة ونحوها. قوله صلى الله عليه وسلم في الذي يخون المجاهد في أهله: "إن المجاهد يأخذ يوم القيامة من حسناته ما شاء فما ظنكم" معناه ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام أي لا يبقى منها شيئاً إن أمكنه والله أعلم.
*2* باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّىَ). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ أَنّهُ سَمِعَ البَرَاءَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الاَيَةِ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} (4 النساء الاَية: ) فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْداً فَجَاءَ بِكَتِفٍ يَكْتُبُهَا. فَشَكَا إلَيْهِ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ. فَنَزَلَتْ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ}.
قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فِي هَذِهِ الاَيَةِ: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. بِمِثْلِ حَدِيثِ البَرَاءِ. وَقَالَ ابْنُ بَشّارٍ فِي رِوَايَتِهِ: سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ. حَدّثَنِي أَبُو إِسْحَقَ عَنِ البَرَاءِ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} كَلّمَهُ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ. فَنَزَلَتْ: {غَيْرَ أُولِي الضّرَرِ}.
قوله: (فجاء بكتف يكتبها) فيه جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف، وفيه طهارة عظم المذكي وجواز الانتفاع به. قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} الاَية فيه دليل لسقوط الجهاد عن المعذورين ولكن لا يكون ثوابهم ثواب المجاهدين بل لهم ثواب نياتهم إن كان لهم نية صالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: "ولكن جهاد ونية" وفيه أن الجهاد فرض كفاية ليس بفرض عين، وفيه رد على من يقول أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين وبعده فرض كفاية والصحيح أنه لم يزل فرض كفاية من حين شرع، وهذه الاَية ظاهرة في ذلك لقوله تعالى: {وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} وقوله تعالى: {غير أولي الضرر} قرئ غير بنصب الراء ورفعها قراءتان مشهورتان في السبع، قرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصبها والباقون برفعها، وقرئ في الشاذ بجرها، فمن نصب فعلى الاستثناء، ومن رفع فوصف للقاعدين أو بدل منهم، ومن جر فوصف للمؤمنين أو بدل منهم. قوله: (فشكا إليه ابن أم مكتوم ضرارته) أي عماه هكذا هو في جميع نسخ بلادنا ضرارته بفتح الضاد، وحكى صاحب المشارق والمطالع عن بعض الرواة أنه ضبط ضرراً به والصواب الأول.
*2* باب ثبوت الجنة للشهيد
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشْعَثِيّ وَ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ لسَعِيدٍ). أَخْبَرَنَا سُفْيَان عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ أَنَا، يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: "فِي الْجَنّةِ" فَأَلْقَىَ تَمَرَاتٍ كُنّ فِي يَدِهِ. ثُمّ قَاتَلَ حَتّىَ قُتِلَ. وَفِي حَدِيثِ سُوَيْدٍ: قَالَ رَجُلٌ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ أُحُدٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّبِيتِ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ المِصّيصيّ. حَدّثَنَا عِيَسَىَ (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ البَرَاءِ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّبِيتِ قَبِيلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَأَنّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمّ تَقَدّمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "عَمِلَ هَذَا يَسِيراً، وَأُجِرَ كَثِيراً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النّضْرِ بْنِ أَبِي النّضْرِ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ. وَأَلْفَاظهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بُسَيْسَةَ، عَيْناً يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ. فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم (قَالَ: لاَ أَدْرِي مَا اسْتَثْنَىَ بَعْضَ نِسَائِهِ) قَالَ: فَحَدّثَهُ الْحَدِيثَ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلّمَ. فَقَالَ: "إِنّ لَنَا طَلِبَةً. فَمَنْ كَانَ ظَهرُهُ حَاضِراً فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا" فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عِلْوِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: "لاَ. إلاّ مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِراً" فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ. حَتّىَ سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إلَىَ بَدْرٍ. وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُقَدّمَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَىَ شَيْءٍ حَتّىَ أَكُونَ أَنَا دُونَهُ" فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُومُوا إلَىَ جَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ" قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ جَنّةٌ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: بَخْ بَخْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخْ بَخْ" قَالَ: لاَ. وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إلاّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: "فَإنّكَ مِنْ أَهْلِهَا" فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ. فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنّ. ثُمّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتّىَ آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ، إنّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ فَرَمَىَ بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التّمْرِ. ثُمّ قَاتَلَهُمْ حَتّىَ قُتِلَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، وَهُوَ بِحَضْرَةِ الْعَدُوّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ أَبْوَابَ الْجَنّةِ تَحْتَ ظِلاَلِ السّيُوفِ" فَقَامَ رَجُلٌ رَثّ الْهَيْئَةِ. فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَىَ آنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجَعَ إلَىَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السّلاَمَ. ثُمّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ. ثُمّ مَشَىَ بِسَيْفِهِ إلَى الْعَدُوّ. فَضَرَبَ بِهِ حَتّىَ قُتِلَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَفّان. حَدّثَنَا حَمّادٌ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسّنّةَ. فَبَعَثَ إلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. يُقَالُ لَهُمُ الْقُرّاءُ. فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ. يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ. وَيَتَدَارَسُونَ بِاللّيْلِ يَتَعَلّمُونَ. وَكَانُوا بِالنّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطّعَامَ لأَهْلِ الصّفّةِ، وَلِلْفُقَرَاءِ. فَبَعَثَهُمُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِمْ. فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ. قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ. فَقَالُوا: اللّهُمّ بَلّغْ عَنّا نَبِيّنَا أَنّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ. وَرَضِيتَ عَنّا. قَالَ وَأَتَىَ رَجُلٌ حَرَاماً، خَالَ أَنَس، مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتّىَ أَنْفَذَهُ. فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ، وَرَبّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ "إنّ إخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا. وَإِنّهُمْ قَالُوا: اللّهُمّ بَلّغْ عَنّا نَبِيّنَا أَنّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ. وَرَضِيتَ عَنّا".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: عَمّيَ الّذِي سُمّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَدْراً. قَالَ: فَشَقّ عَلَيْهِ. قَالَ: أَوّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غُيّبْتُ عَنْهُ. وَإنْ أَرَانِيَ اللّهُ مَشْهَداً، فِيمَا بَعْدُ، مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لَيَرَانِيَ اللّهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا. قَالَ: فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ؟ فَقَالَ: وَاهاً لِرِيحِ الْجَنّةِ. أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ. قَالَ: فَقَاتَلَهُمْ حَتّىَ قُتِلَ. قَالَ: فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ، مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. قَالَ فَقَالَتْ أُخْتُهُ، عَمّتِيَ الرّبَيّعُ بِنْتُ النّضْرِ: فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إلاّ بِبِنَانِهِ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىَ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب الاَية: ) قَالَ: فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ.
قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: في الجنة فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل" فيه ثبوت الجنة للشهيد، وفيه المبادرة بالخير وأنه لا يشتغل عنه بحظوظ النفوس.
قوله: (وحدثنا أحمد بن جناب المصيصي) بالجيم والنون، وأما المصيصي فبكسر الميم والصاد المشددة ويقال بفتح الميم وتخفيف الصاد وجهان معروفان الأول أشهر منسوب إلى المصيصة المدينة المعروفة. قوله: (جاء رجل من بني النبيت هو بنون مفتوحة ثم باء مكسورة ثم مثناة تحت ساكنة ثم مثناة فوق وهم قبيلة من الأنصار كما ذكر في الكتاب).
قوله: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عيناً) هكذا هو في جميع النسخ بسيسة بباء موحدة مضمومة وبسينين مهملتين مفتوحتين بينهما ياء مثناة تحت ساكنة، قال القاضي: هكذا هو في جميع النسخ، قال: وكذا رواه أبو داود وأصحاب الحديث، قال: والمعروف في كتب السيرة بسبس بباءين موحدتين مفتوحتين بينهما سين ساكنة وهو بسبس بن عمرو، ويقال ابن بشر من الأنصار من الخزرج، ويقال حليف لهم، قلت: يجوز أن يكون أحد اللفظين اسماً له والاَخر لقباً. وقوله: (عيناً) أي متجسساً ورقيباً. قوله: (ما صنعت عير أبي سفيان) هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره من الأمتعة، قال في المشارق: العير هي الإبل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارات، قال: ولا تسمى عيراً إلا إذا كانت كذلك، وقال الجوهري في الصحاح: العير الإبل تحمل الميرة وجمعها عيرات بكسر العين وفتح الياء. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضراً فليركب" هي بفتح الطاء وكسر اللام أي شيئاً نطلبه والظهر الدواب التي تركب. قوله: (فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم) هو بضم الظاء وإسكان الهاء أي مركوباتهم، في هذا استحباب التورية في الحرب، وأن لا يبين الإمام جهة إغارته وإغارة سراياه لئلا يشيع ذلك فيحذرهم العدو. قوله: (في علو المدينة) بضم العين وكسرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه" أي قدامه متقدماً في ذلك الشيء لئلا يفوت شيء من المصالح التي لا تعلمونها. قوله: "عمير بن الحمام" بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم. قوله: (بخ بخ) فيه لغتان إسكان الخاء وكسرها منوناً وهي كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير. قوله: (لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها) هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة رجاءة بالمد ونصب التاء، وفي بعضها رجاء بلا تنوين، وفي بعضها بالتنوين ممدودان بحذف التاء وكله صحيح معروف في اللغة، ومعناه والله ما فعلته لشيء إلا لرجاء أن أكون من أهلها. قوله: (فأخرج تمرات من قرنه) هو بقاف وراء مفتوحتين ثم نون أي جعبة النشاب، ووقع في بعض نسخ المغاربة فيه تصحيف. قوله: (لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل) فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء.
قوله: (وهو بحضرة العدو) هو بفتح الحاء وضمها وكسرها ثلاث لغات، ويقال أيضاً بحضر بفتح الحاء والضاد بحذف الهاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" قال العلماء: معناه إن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها. قوله: (كسر جفن سيفه) هو بفتح الجيم وإسكان الفاء وبالنون وهو غمده.
قوله: (وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد) معناه يضعونه في المسجد مسبلاً لمن أراد استعماله لطهارة أو شرب أو غيرهما، وفي جواز وضعه في المسجد، وقد كانوا يضعون أيضاً أعذاق التمر لمن أرادها في المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في جواز هذا وفضله. قوله: (ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة) أصحاب الصفة هم الفقراء الغرباء الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لهم في آخره صفة وهو مكان منقطع من المسجد مظلل عليه يبيتون فيه، قاله إبراهيم الحربي والقاضي، وأصله من صفة البيت وهي شيء كالظلة قدامه فيه فضيلة الصدقة وفضيلة الاكتساب من الحلال لها، وفيه جواز الصفة في المسجد وجواز المبيت فيه بلا كراهة وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. قوله: (اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا) فيه فضيلة ظاهرة للشهداء وثبوت الرضا منهم ولهم وهو موافق لقوله تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} قال العلماء رضي الله عنهم بطاعتهم ورضوا عنه بما أكرمهم به وأعطاهم إياه من الخيرات والرضى من الله تعالى إفاضة الخير والإحسان والرحمة فيكون من صفات الأفعال وهو أيضاً بمعنى إرادته فيكون من صفات الذات.
قوله: (ليراني الله ما أصنع) هكذا هو في أكثر النسخ ليراني بالألف وهو صحيح، ويكون ما أصنع بدلاً من الضمير في أراني أي ليرى الله ما أصنع، ووقع في بعض النسخ ليرين الله بياء بعد الراء ثم نون مشددة وهكذا وقع في صحيح البخاري، وعلى هذا ضبطوه بوجهين: أحدهما ليرين بفتح الياء والراء أي يراه الله واقعاً بارزاً، والثاني: ليرين بضم الياء وكسر الراء ومعناه ليرين الله الناس ما أصنعه ويبرزه الله تعالى لهم. قوله: (فهاب أن يقول غيرها) معناه أنه اقتصر على هذه اللفظة المبهمة أي قوله ليرين الله ما أصنع مخافة أن يعاهد الله على غيرها فيعجز عنه أو تضعف بنيته عنه أو نحو ذلك وليكون إبراء له من الحول والقوة. قوله: (واهاً لريح الجنة أجده دون أحد) قال العلماء: واهاً كلمة تحنن وتلهف. قوله: (أجده دون أحد) محمول على ظاهره وأن الله تعالى أوجده ريحها من موضع المعركة وقد ثبتت الأحاديث أن ريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام.
*2* باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيّ أَنّ رَجُلاً أَعْرَابِيّاً أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ الرّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ. وَالرّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ. وَالرّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَىَ مَكَانُهُ. فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللّهِ أَعْلَىَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللّهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنِ الرّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللّهِ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ الرّجُلُ يُقَاتِلُ مِنّا شَجَاعَةً. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ؟ فَقَالَ: الرّجُلُ يُقَاتِلُ غَضَباً وَيُقَاتِلُ حَمِيّةً. قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ إِلاّ أَنّهُ كَانَ قَائِماً فَقَالَ "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللّهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة، وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل الله يختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. قوله: (الرجل يقاتل للذكر) أي ليذكره الناس بالشجاعة وهو بكسر الذال. قوله: (ويقاتل حمية) هي الأنفة والغيرة والمحاماة عن عشيرته. قوله: (فرفع رأسه إليه وما رفع رأسه إليه إلا أنه كان قائماً) فيه أنه لا بأس أن يكون المستفتي واقفاً إذا كان هناك عذر من ضيق مكان أو غيره وكذلك طالب الحاجة وفيه إقبال المتكلم على من يخاطبه.
*2* باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: تَفَرّقَ النّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشّامِ: أَيّهَا الشّيْخُ حَدّثْنَا حَدِيثاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: نَعَمْ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ. فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلّمَ الْعِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ. فَأُتِيَ بِهِ. فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنّكَ تَعَلّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ. وَرَجُلٌ وَسّعَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلّهِ. فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ. ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ".
وحدّثناه عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا الْحَجّاجُ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: تَفَرّجَ النّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ لَهُ: نَاتِلٌ الشّامِيّ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ.
قوله: (تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل أهل الشام أيها الشيخ) وفي الرواية الأخرى: (فقال له ناتل الشامي" هو بالنون في أوله وبعد الألف تاء مثناة فوق، وهو ناتل بن قيس الحزامي الشامي من أهل فلسطين وهو تابعي وكان أبوه صحابياً وكان ناتل كبير قومه. قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله، وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصاً، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصاً. قوله: (تفرج الناس عن أبي هريرة) أي تفرقوا بعد اجتماعهم.
*2* باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم
*حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ، إلاّ تَعَجّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الاَخِرَةِ. وَيَبْقَىَ لَهُمُ الثّلُثُ. وَإنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ. حَدّثَنِي أَبُو هَانِئٍ. حَدّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيّةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلاّ كَانُوا قَدْ تَعَجّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ. وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيّةٍ تَخْفِقُ وَتُصَابُ إلاّ تَمّ أُجُورُهُمْ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الاَخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم" و في الرواية الثانية: "ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم" قال أهل اللغة: الإخفاق أن يغزوا فلا يغنموا شيئاً، وكذلك كل طالب حاجة إذا لم تحصل فقد أخفق، ومنه أخفق الصائد إذا لم يقع له صيد، وأما معنى الحديث فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله: منا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها أي يجتنيها، فهذا الذي ذكرنا هو الصواب وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا فتعين حمله على ما ذكرنا. وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه بعد حكايته في تفسيره أقوالاً فاسدة، منها قول من زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح ولا يجوز أن ينقص ثوابهم بالغنيمة كما لم ينقص ثواب أهل بدر وهم أفضل المجاهدين وهي أفضل غنيمة، قال: وزعم بعض هؤلاء أن أبا هانئ حميد بن هانئ راويه مجهول، ورجحوا الحديث السابق في أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة فرجحوه على هذا الحديث لشهرته وشهرة رجاله ولأنه في الصحيحين وهذا في مسلم خاصة وهذا القول باطل من أوجه فإنه لا تعارض بينه وبين هذا الحديث المذكور، فإن الذي في الحديث السابق رجوعه بما نال من أجر وغنيمة ولم يقل أن الغنيمة تنقص الأجر أم لا، ولا قال أجره كأجر من لم يغنم فهو مطلق وهذا مقيد فوجب حمله عليه. وأما قولهم أبو هانئ مجهول فغلط فاحش بل هو ثقة مشهور روى عنه الليث بن سعد وحيوة وابن وهب وخلائق من الأئمة، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به في صحيحه. وأما قولهم أنه ليس في الصحيحين فليس لازماً في صحة الحديث كونه في الصحيحين ولا في أحدهما. وأما قولهم في غنيمة بدر فليس في غنيمة بدر نص أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط وكونهم مغفوراً لهم مرضياً عنهم، ومن أهل الجنة لا يلزم أن لا تكون وراء هذا مرتبة أخرى هي أفضل منه مع أنه شديد الفضل عظيم القدر، ومن الأقوال الباطلة ما حكاه القاضي عن بعضهم أنه قال: لعل الذي تعجل ثلثي أجره إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها وهذا غلط فاحش إذ لو كانت على خلاف وجهها لم يكن ثلث الأجر، وزعم بعضهم أن المراد أن التي أخفقت يكون لها أجر بالأسف على ما فاتها من الغنيمة فيضاعف ثوابها كما يضاعف لمن أصيب في ماله وأهله وهذا القول فاسد مباين لصريح الحديث، وزعم بعضهم أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معاً فنقص ثوابه وهذا أيضاً ضعيف والصواب ما قدمناه والله أعلم.
*2* باب قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية" وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا الأَعْمَالُ بِالنّيّةِ. وَإِنّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَىَ. فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَىَ اللّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَىَ مَا هَاجَرَ إلَيْهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِر. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ). ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، سُلَيْمَانُ بْنُ حَيّانَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ) وَ يزَيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمَدَانِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بإِسْنَادِ مَالِكٍ وَمَعْنَىَ حَدِيثِهِ.
وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يُخْبِرُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية" الحديث. أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وصحته، قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام، وقال الشافعي: يدخل في سبعين باباً من الفقه، وقال آخرون: هو ربع الإسلام، وقال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: ينبغي لمن صنف كتاباً أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيهاً للطالب على تصحيح النية، ونقل الخطابي هذا عن الأئمة مطلقاً وقد فعل ذلك البخاري وغيره فابتدؤوا به قبل كل شيء، وذكره البخاري في سبعة مواضع من كتابه، قال الحفاظ: ولم يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا من رواية علقمة بن وقاص، ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وعن يحيى انتشر فرواه عنه أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة، ولهذا قال الأئمة: ليس هو متواتراً وإن كان مشهوراً عند الخاصة والعامة لأنه فقد شرط التواتر في أوله وفيه طرفة من طرف الإسناد فإنه رواه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض يحيى ومحمد وعلقمة، قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم: لفظة إنما موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما سواه، فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية، وفيه دليل على أن الطهارة وهي الوضوء والغسل والتيمم لا تصح إلا بالنية، وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات. وأما إزالة النجاسة فالمشهور عندنا أنها لا تفتقر إلى نية لأنها من باب التروك والترك لا يحتاج إلى نية وقد نقلوا الإجماع فيها وشذ بعض أصحابنا فأوجبها وهو باطل، وتدخل النية في الطلاق والعتاق والقذف، ومعنى دخولها أنها إذا قارنت كناية صارت كالصريح، وإن أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أو ثلاثاً وقع ما نوى، وإن نوى بصريح غير مقتضاه دين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يقبل منه في الظاهر. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لامرئ ما نوى" قالوا: فائدة ذكره بعد (إنما الأعمال بالنية) بيان أن تعيين المنوي شرط فلو كان على إنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهراً أو غيرها، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" معناه من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله، ومن قصد بها دنيا أو امرأة فهي حظ ولا نصيب له في الاَخرة بسبب هذه الهجرة، وأصل الهجرة الترك والمراد هنا ترك الوطن، وذكر المرأة مع الدنيا يحتمل وجهين: أحدهما: أنه جاء أن سبب هذا الحديث أن رجلاً هاجر ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فقيل له مهاجر أم قيس، والثاني: أنه للتنبيه على زيادة التحذير من ذلك وهو من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيهاً على مزيته والله أعلم.
*2* باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى
*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ طَلَبَ الشّهَادَةَ صَادِقاً، أُعْطِيَهَا، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) (قَالَ أَبُو الطّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ: حَرْمَلَةُ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ). حَدّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ أَنّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حَدّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ سَأَلَ اللّهَ الشّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلّغَهُ اللّهُ مَنَازِلَ الشّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَىَ فِرَاشِهِ" وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطّاهِرِ فِي حَدِيثِهِ "بِصِدْقٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه".
وفي الرواية الأخرى: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" معنى الرواية الأولى مفسر من الرواية الثانية، ومعناهما جميعاً أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه، وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير.
*2* باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكّيّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سُمَيَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدّثُ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَىَ شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ".
قَالَ ابْنُ سَهْمٍ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: فَنُرَىَ أَنّ ذَلِكَ كَانَ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه مات على شعبة من نفاق، قال عبد الله بن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" قوله: نرى بضم النون أي نظن وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره إنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق، وفي هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها، وقد اختلف أصحابنا فيمن تمكن من الصلاة في أول وقتها فأخرها بنية أن يفعلها في أثنائه فمات قبل فعلها، أو أخر الحج بعد التمكن إلى سنة أخرى فمات قبل فعله هل يأثم أم لا؟ والأصح عندهم أنه يأثم في الحج دون الصلاة لأن مدة الصلاة قريبة فلا تنسب إلى تفريط بالتأخير بخلاف الحج، وقيل يأثم فيها، وقيل لا يأثم فيهما، وقيل يأثم في الحج الشيخ دون الشاب والله أعلم.
*2* باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ. فَقَالَ "إنّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً، إلاّ كَانُوا مَعَكُمْ. حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ "إِلاّ شَرِكُوكُمْ فِي الأَجْرِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض" وفي رواية: "إلا شركوكم في الأجر" قال أهل اللغة: شركه بكسر الراء بمعنى شاركه، وفي هذا الحديث فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته، وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك وتمنى كونه مع الغزاة ونحوهم كثر ثوابه والله أعلم.
*2* باب فضل الغزو في البحر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْخُلُ عَلَىَ أُمّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ. وَكَانَتْ أُمّ حَرَامٍ تَحْتَعُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَأَطْعَمَتْهُ. ثُمّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ. فَنَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمّتِي عُرِضُوا عَلَيّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللّهِ. يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ. مُلُوكاً عَلَى الأَسِرّةِ. أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرّةِ". (يَشُكّ أَيّهُمَا قَالَ) قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ اللّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا. ثُمّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ. ثُمّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمّتِي عُرِضُوا عَلَيّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللّهِ" كَمَا قَالَ فِي الأُولَىَ. قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ "أَنْتِ مِنَ الأَوّلِينَ".
حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمّ حَرَامٍ وَهِيَ خَالَةُ أَنَسٍ. قَالَتْ: أَتَانَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً. فَقَالَ عِنْدَنَا. فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِي قَالَ "أُرِيتُ قَوْماً مِنْ أُمّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ. كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرّةِ" فَقُلْتُ: ادْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ "فَإِنّكِ مِنْهُمْ" قَالَتْ: ثُمّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ أَيْضَاً وَهُوَ يَضْحَكُ. فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. فَقُلْتُ: ادْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ "أَنْتَ مِنَ الأَوّلِينَ".
قَالَ: فَتَزَوّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، بَعْدُ، فَغَزَا فِي الْبَحْرِ فَحَمَلَهَا مَعَهُ. فَلَمّا أَنْ جَاءَتْ قُرّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ. فَرَكِبَتْهَا. فَصَرَعَتْهَا. فَانْدَقّتْ عُنُقُهَا.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ وَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ حَبّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ خَالَتِهِ أُمّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلحَانَ أَنّهَا قَالَتْ: نَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً قَرِيباً مِنّي. ثُمّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسّمُ. قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمّتِي عُرِضُوا عَلَيّ. يَرْكَبُونَ ظَهْرَ هَذَا الْبَحْرِ الأَخْضَرِ" ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ.
وحدّثني يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أتَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَةَ مِلْحَانَ، خَالَةَ أَنَسٍ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عِنْدَهَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ إِسْحَقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَمُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبّانِ.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان قتطعمه وتفلي رأسه وينام عندها) اتفق العلماء على أنها كانت محرماً له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة، وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار. قوله: (تفلي) بفتح التاء وإسكان الفاء فيه جواز فلي الرأس وقتل القمل منه ومن غيره، قال أصحابنا: قتل القمل وغيره من المؤذيات مستحب، وفيه جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره مما ليس بعورة، وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها وهذا كله مجمع عليه، وفيه جواز أكل الضيف عند المرأة المزوجة مما قدمته له إلا أن يعلم أنه من مال الزوج ويعلم أنه يكره أكله من طعامه. قولها: (فاستيقظ وهو يضحك) هذا الضحك فرحاً وسروراً بكون أمته تبقى بعده متظاهرة بأمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر. قوله صلى الله عليه وسلم: "يركبون ثبج هذا البحر" الثبج بثاء مثلثة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم جيم وهو ظهره ووسطه. وفي الرواية الأخرى: "يركبون ظهر البحر". قوله صلى الله عليه وسلم: "كالملوك على الأسرة" قيل هو صفة لهم في الاَخرة إذا دخلوا الجنة والأصح أنه صفة لهم في الدنيا، أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم. قولها في المرة الثانية: (ادع الله أن يجعلني منهم وكان دعا لها في الأولى قال أنت من الأولين) هذا دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى وأنه عرض فيها غير الأولين، وفيه معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم منها إخباره ببقاء أمته بعده، وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد، وأنهم يغزون، وأنهم يركبون البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان وأنها تكون معهم وقد وجد بحمد الله تعالى كل ذلك، وفيه فضيلة لتلك الجيوش وأنهم غزاة في سبيل الله. واختلف العلماء متى جرت الغزوة التي توفيت فيها أم حرام في البحر، وقد ذكر في هذه الرواية في مسلم أنها ركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها فهلكت. قال القاضي قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها إلى قبرس فصرعت عن دابتها هناك فتوفيت ودفنت هناك، وعلى هذا يكون قوله في زمان معاوية معناه في زمان غزوه في البحر لا في أيام خلافته، قال: وقيل بل كان ذلك في خلافته، قال: وهو أظهر في دلالة قوله في زمانه، وفي هذا الحديث جواز ركوب البحر للرجال والنساء وكذا قاله الجمهور، وكره مالك ركوبه للنساء لأنه لا يمكنهن غالباً التستر فيه ولا غض البصر عن المتصرفين فيه، ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن، لا سيما فيما صغر من السفيان مع ضرووتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال. قال القاضي رحمه الله تعالى: وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما منع ركوبه، وقيل إنما منعه العمران للتجارة وطلب الدنيا لا للطاعات. وقد روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز، وضعف أبو داود هذا الحديث وقال رواته مجهولون، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القتال في سبيل الله تعالى والموت فيه سواء في الأجر لأن أم حرام ماتت ولم تقتل ولا دلالة فيه لذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل انهم شهداء إنما يغزون في سبيل الله، ولكن قد ذكر مسلم في الحديث الذي بعد هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبي هريرة: (من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد) وهو موافق لمعنى قول الله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} قوله في الرواية الأولى: (وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته) وقال في الرواية الأخرى: (فتزوجها عبادة بن الصامت بعد) فظاهر الرواية الأولى أنها كانت زوجة لعبادة حال دخول النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ولكن الرواية الثانية صريحة في أنه إنما تزوجها بعد ذلك، فتحمل الأولى على موافقة الثانية ويكون قد أخبر عما صار حالاً لها بعد ذلك. قوله: (وحدثناه محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد) هكذا هو في نسخ بلادنا، ونقل القاضي عن بعض نسخهم حدثنا محمد بن رمح ويحيى بن يحيى أخبرنا الليث فزاد يحيى بن يحيى مع محمد بن رمح.
*2* باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل
*حع 3) حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطّيَالِسيّ. حَدّثَنَا لَيْثٌ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنْ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِمِطْ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ. وَإِنْ مَاتَ، جَرَىَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتّانَ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِمِطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ اللّيْثِ عَنْ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ.
قوله: "عن عبد الرحمن بن بهرام" بفتح الباء وكسرها. قوله: "شرحبيل بن السمط" يقال بفتح السين وكسر الميم ويقال بكسر السين وإسكان اليم. قوله صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله" هذه فضيلة ظاهره للمرابط وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحاً في غير مسلم: "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة". قوله صلى الله عليه وسلم: "وأجرى عليه رزقه" موافق لقول الله تعالى في الشهداء: {أحياء عند ربهم يرزقون} والأحاديث السابقة أن أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة. قوله صلى الله عليه وسلم: "أمن الفتان" ضبطوا أمن بوجهين: أحدهما: أمن بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو. والثاني: أومن بضم الهمزة وبواو، وأما الفتان فقال القاضي: رواية الأكثرين بضم الفاء جمع فاتن، قال: ورواية الطبري بالفتح، وفي رواية أبي داود في سننه أومن من فتاني القبر.
*2* باب بيان الشهداء
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سُمَيَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "بَيْنَمَا رَجُلٌ، يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطّرِيقِ. فَأَخّرَهُ. فَشَكَرَ اللّهُ لَهُ. فَغَفَرَ لَهُ". وَقَالَ: "الشّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا تَعُدّونَ الشّهِيدَ فِيكُمْ؟" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. قَالَ "إنّ شُهَدَاءَ أُمّتِي إذاً لَقَلِيلٌ" قَالُوا: فَمَنْ هُمْ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ مَاتَ فِي الطّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ".
قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ: أَشْهَدُ عَلَىَ أَبِيكَ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ قَالَ "وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ".
وحدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ سُهَيْلٌ: قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مِقْسَمٍ: أَشْهَدُ عَلَىَ أَخِيكَ أَنّهُ زَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ "وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِهِ: قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَزَادَ فِيهِ "وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ".
حدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). حَدّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: بِمَ مَاتَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرَةَ؟ قَالَتْ قُلْتُ: بِالطّاعُونِ. قَالَتْ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الطّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ".
وحدّثناه الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَاصِمٍ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له" فيه فضيلة إماطة الأذى عن الطريق وهو كل مؤذ، وهذه الإماطة أدنى شعب الإيمان كما سبق في الحديث. قوله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله" وفي رواية مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك: "الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فذكر المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم وصاحب ذات الجنب والحرق والمرأة تموت بجمع" وفي رواية لمسلم: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد" وهذا الحديث الذي رواه مالك صحيح بلا خلاف وإن كان البخاري ومسلم لم يخرجاه، فأما المطعون فهو الذي يموت في الطاعون كما في الرواية الأخرى: "الطاعون شهادة لكل مسلم" وأما المبطون فهو صاحب داء البطن. وهو الإسهال، قال القاضي: وقيل هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل هو الذي تشتكي بطنه، وقيل هو الذي يموت بداء بطنه مطلقاً، وأما الغرق فهو الذي يموت غريقاً في الماء، وصاحب الهدم من يموت تحته، وصاحب ذات الجنب معروف وهي قرحة تكون في الجنب باطناً، والحريق الذي يموت بحريق النار، وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وفتحها وكسرها والضم أشهر قيل التي تموت حاملاً جامعة ولدها في بطنها وقيل هي البكر والصحيح الأول. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن مات في سبيل الله فهو شهيد" فمعناه بأي صفة مات وقد سبق بيانه، قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، وقد جاء في حديث آخر في الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) وسبق بيانه في كتاب الإيمان. وفي حديث آخر صحيح: (من قتل دون سيفه فهو شهيد) قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الاَخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، وقد سبق في كتاب الإيمان بيان هذا وأن الشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والاَخرة وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الاَخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الاَخرة وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبراً.
قوله في حديث عبد الحميد بن بيان: (قال عبد الله بن مقسم أشهد على أخيك أنه زاد في هذا الحديث ومن غرق فهو شهيد) هكذا وقع في أكثر نسخ بلادنا على أخيك بالخاء وفي بعضها على أبيك بالباء وهذا هو الصواب، قال القاضي: وقع في رواية ابن ماهان على أبيك وهو الصواب، وفي رواية الجلودي على أخيك وهو خطأ والصواب على أبيك كما سبق في رواية زهير، وإنما قاله ابن مقسم لسهيل بن أبي صالح، وكذا ذكره أيضاً في الرواية التي بعدها والله أعلم.
*2* باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه
*حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَلِيَ، ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيَ أَنّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ {وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ} أَلاَ إِنّ الْقُوّةَ الرّمْيُ. أَلاَ إِنّ الْقُوّةَ الرّمْيُ. أَلاَ إنّ الْقُوّةَ الرّمْيُ".
حع حع 8) وحدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَلِيَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ. وَيَكْفِيكُمُ اللّهُ. فَلاَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ".
وحدّثناه دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضرَ، عَنْ عَمْرِو بْن الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَلِيَ الْهَمْدَانِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعقُوب، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ شَمَاسَةَ أَنّ فُقَيْماً اللّخْمِيّ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ، وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقّ عَلَيْكَ. قَالَ عُقْبَة: لَوْلاَ كَلاَمٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ أُعَانِيهِ. قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لاِبْنِ شُمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إنّهُ قَالَ "مَنْ عَلِمَ الرّمْيَ ثُمّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنّا، أَوْ قَدْ عَصَىَ".
قوله: (ثمامة بن شفي) هو بشين معجمة مضمومة ثم فاء مفتوحة ثم ياء مشددة. قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثاً) هذا تصريح بتفسيرها ورد لما يحكيه المفسرون من الأقوال سوى هذا، وفيه في الأحاديث بعده فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى، وكذلك المشاجعة وسائر أنواع استعمال السلاح، وكذا المسابقة بالخيل وغيرها كما سبق في بابه، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ورياضة الأعضاء بذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه" الأرضون بفتح الراء على المشهور، وحكى الجوهري لغة شاذة بإسكانها، ويعجز بكسر الجيم على المشهور وبفتحها في لغة ومعناه الندب إلى الرمي. قوله: (ابن شماسة) بضم الشين وفتحها. قوله: (لم أعانيه) هكذا هو في معظم النسخ لم أعانيه بالياء وفي بعضها لم أعانه بحذفها وهو الفصيح والأول لغة معروفة سبق بيانها مرات. قوله صلى الله عليه وسلم: "من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى" هذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عذر، وسبق تفسير (فليس منا) في كتاب الإيمان.
*2* باب قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم"
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ. لاَ يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ. حَتّىَ يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ "وَهُمْ كَذَلِكَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ عَبْدَةُ. كِلاَهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيّ) عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النّاسِ، حَتّىَ يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللّهِ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ".
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْس قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَرْوَانَ. سَوَاءً.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدّينُ قَائِماً، يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتّىَ تَقُومَ السّاعَةُ".
حدّثني هَرُون بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقّ، ظَاهِرِينَ إلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنّ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللّهِ، لاَ يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتّىَ يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النّاسِ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا جَعْفَرٌ (وَهُوَ ابْنُ بُرْقَانَ) حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمّ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ذَكَرَ حَدِيثاً رَوَاهُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. لَمْ أَسْمَعْهُ رَوىَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ مِنْبَرِهِ حَدِيثاً غَيْرَهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقّهْهُ فِي الدّينِ. وَلاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ عَلَىَ مَنْ نَاوَأَهُمْ، إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
حدّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمّي عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلّدٍ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: لاَ تَقُومُ السّاعَةُ إلاّ عَلَىَ شِرَارِ الْخَلْقِ. هُمْ شَرّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ. لاَ يَدْعُونَ اللّهَ بِشَيْءٍ إلاّ رَدّهُ عَلَيْهِمْ.
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَىَ ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ. فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ. فَقَالَ عُقْبَةُ: هُوَ أَعْلَمُ. وَأَمّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَىَ أَمْرِ اللّهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوّهِمْ، لاَ يَضُرّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتّىَ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ، وَهُمْ عَلَىَ ذَلِكَ". فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: أَجَلْ. ثُمّ يَبْعَثُ اللّهُ رِيحاً كَرِيحِ الْمِسْكِ. مَسّهَا مَسّ الْحَرِيرِ. فَلاَ تَتْرُكُ نَفْساً فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبّةَ مِنَ الإِيمَانِ إلاّ قَبَضَتْهُ. ثُمّ يَبْقَىَ شِرَارُ النّاسِ، عَلَيْهِمْ تَقُومُ السّاعَةُ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتّىَ تَقُومَ السّاعَةُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" هذا الحديث سبق شرحه مع ما يشبهه في أواخر كتاب الإيمان، وذكرنا هناك الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا المعنى، وأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي أمر الله من الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة.
وأن المراد برواية من روى (حتى تقوم الساعة) أي تقرب الساعة وهو خروج الريح. وأما هذه الطائفة فقال البخاري: هم أهل العلم. وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث. قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة، فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاَن ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث. وفيه دليل لكون الإجماع حجة وهو أصح ما استدل به له من الحديث. وأما حديث (لا تجتمع أمتي على ضلالة) فضعيف والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ظاهرين على من ناوأهم" هو بهمزة بعد الواو أي عاداهم وهو مأخوذ من نأى إليهم ونأوا إليه أي نهضوا للقتال.
قوله: (مسلمة بن مخلد) بضم الميم وفتح الخاء وتشديد اللام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" قال علي بن المديني: المراد بأهل الغرب العرب، والمراد بالغرب الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالباً، وقال آخرون: المراد به الغرب من الأرض، وقال معاذ: هم بالشام، وجاء في حديث آخرهم ببيت المقدس، وقيل هم أهل الشام وما وراء ذلك. قال القاضي: وقيل المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد وغرب كل شيء حده.
*2* باب مراعاة مصلحة الدوب في السير، والنهي عن التعريس في الطريق
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ. وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السّيْرَ. وَإِذَا عَرّسْتُمْ بِاللّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ. فَإِنّهَا مَأْوَى الْهَوَامّ بِاللّيْلِ".
حدّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ. وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَهِ، فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا. وَإِذَا عَرّسْتُمْ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ. فَإِنّهَا طُرُقُ الدّوَابّ، وَمَأْوَى الْهَوَامّ بِاللّيْلِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم بها في السنة فبادروا بها نقيها" الخصب بكسر الخاء وهو كثرة العشب والمرعى وهو ضد الجدب والمراد بالسنة هنا القحط ومنه قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} أي بالقحوط، ونقيها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ، ومعنى الحديث الحث على الرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها، فإن سافروا في الخصب قللوا السير وتركوها ترعى في بعض النهار وفي أثناء السير فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها، وإن سافروا في القحط عجلوا السير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوتها ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف ويذهب نقيها وربما كلّت ووقفت، وقد جاء في أول هذا الحديث في رواية مالك في الموطأ: "إن الله رفيق يحب الرفق". قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل" قال أهل اللغة: التعريس النزول في أواخر الليل للنوم والراحة، هذا قول الخليل والأكثرين، وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار، والمراد بهذا الحديث هو الأول، وهذا أدب من آداب السير والنزول أرشد إليه صلى الله عليه وسلم لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه وما تجد فيها من رمة ونحوها، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مر به منها ما يؤذيه فينبغي أن يتباعد عن الطريق.
*2* باب السفر قطعة من العذاب، واستحباب تعجيل المسافر إلى أهله، بعد قضاء شغله
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، وَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَ أَبُو مُصْعَبٍ الزّهْرِيّ، وَ مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. التّمِيمِيّ (وَاللّفْظ لَهُ). قَالَ قُلْتُ لِ مَالِكٍ: حَدّثَكَ سُمَيّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "السّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ.يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. فَإِذَا قَضَىَ أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَلْيُعَجّلْ إلَىَ أَهْلِهِ؟" قَالَ: نَعَمْ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه" معناه يمنعه كمالها ولذيذها لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد والسرى والخوف ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العين. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله" النهمة بفتح النون وإسكان الهاء هي الحاجة، والمقصود في هذا الحديث استحباب تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء شغله ولا يتأخر بما ليس له بمهم.
*2* باب كراهة الطروق، وهو الدخول ليلاً، لمن ورد من سفر
*م 1 حع 0) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ عَنْ هَمّامٍ، عَنْ إِسْحقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلاً. وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيّةً.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ الّنبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: كَانَ لاَ يَدْخُلُ.
حدّثني إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا سَيّارٌ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سَيّارٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ. فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَالَ: "أَمْهِلُوا حَتّىَ نَدْخُلَ لَيْلاً (أَيْ عِشَاءً) كَيْ تَمْتَشِطَ الشّعِثَةُ وَتَسْتَحِدّ الْمُغِيبَةُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيّارٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلاَ يَأْتِيَنّ أَهْلَهُ طُرُوقاً. حَتّىَ تَسْتَحِدّ الْمُغِيبَةُ. وَتَمْتَشِطَ الشّعِثَةُ".
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا سَيّارٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَطَالَ الرّجُلُ الْغَيْبَةَ، أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ طُرُوقاً.
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً. يَتَخَوّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: قَالَ سُفْيَانُ: لاَ أَدْرِي هَذَا فِي الْحَدِيثِ أَمْ لاَ. يَعْنِي أَنْ يَتَخَوّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِكَرَاهَةِ الطّرُوقِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: يَتَخَوّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلاً وكان يأتيهم غدوة أو عشية) وفي رواية: (إذا قدم أحدكم ليلاً فلا يأتين أهله طروقاً حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة) وفي الرواية الأخرى: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطال الرجل الغيبة أن يأتي أهله طروقاً) وفي الرواية الأخرى: (نهى أن يطرق أهله ليلاً يتخونهم أو يطلب عثراتهم) أما قوله صلى الله عليه وسلم في الأخيرة: "يطرق أهله ليلاً يتخونهم" فهو بفتح اللام وإسكان الياء أي في الليل، والطروق بضم الطاء هو الإتيان في الليل وكل آت في الليل فهو طارق، ومعنى تستحد المغيبة أي تزيل شعر عانتها، والمغيبة التي غاب زوجها، والاستحداد استفعال من استعمال الحديدة وهي الموسى والمراد إزالته كيف كان، ومعنى يتخونهم يظن خيانتهم ويكشف أستارهم ويكشف هل خانوا أم لا. ومعنى هذه الروايات كلها أنه يكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلاً بغتة، فأما من كان سفره قريباً تتوقع امرأته إتيانه ليلاً فلا بأس كما قال في إحدى هذه الروايات: إذا أطال الرجل الغيبة. وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الاَن داخلون فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذي نهي بسببه فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة، ويؤيد ما ذكرناه ما جاء في الحديث الاَخر: (امهلوا حتى ندخل ليلاً) أي عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة. فهذا صريح فيما قلناه وهو مفروض في أنهم أرادوا الدخول في أوائل النهار بغتة فأمرهم بالصبر إلى آخر النهار ليبلغ قدومهم إلى المدينة وتتأهب النساء وغيرهن والله أعلم.