كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان
 *1* كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان
*2* باب الصيد بالكلاب المعلّمة
*حع 1) حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُرْسِلُ الْكِلاَبَ الْمُعَلّمَةَ فَيُمْسِكْنَ عَلَيّ. وَأَذْكُرُ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ" قُلْتُ: وَإنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَتَلْنَ. مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا" قُلْتُ لَهُ: فَإِنّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصّيْدَ، فَأُصِيبُ. فَقَالَ: "إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ. فَكُلْهُ. وَإنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ، فَلاَ تَأْكُلْهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: إنّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ. فَقَالَ: "إذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَيْهَا، فَكُلْ مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإنْ قَتَلْنَ. إلاّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ. فَإنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ. فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنّمَا أَمْسَكَ عَلَىَ نَفْسِهِ. وَإنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ غَيْرِهَا، فَلاَ تَأْكُلْ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي السّفَرِ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: "إِذَا أَصَابَ بِحَدّهِ فَكُلْ. وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ، فَإِنّهُ وَقِيذٌ، فَلاَ تَأْكُلْ". وَسَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله فَكُلْ. فَإنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلاَ تَأْكُلْ. فَإِنّهُ إنّمَا أَمْسَكَ عَلَىَ نَفْسِهِ" قُلْتُ: فَإنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِي كَلْباً آخَرَ، فَلاَ أَدْرِي أَيّهُمَا أَخَذَهُ؟ قَالَ: "فَلاَ تَأْكُلْ. فَإِنّمَا سَمّيْتَ عَلَىَ كَلْبِكَ. وَلَمْ تُسَمّ عَلَىَ غَيْرِهِ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي السّفَرِ قَالَ: سَمِعْتُ الشّعْبِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّفَرِ. وَعَنْ نَاسٍ ذَكَرَ شُعْبَةُ عَنِ الشّعْبِيّ قال: سَمِعْتُ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ. بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: "مَا أَصَابَ بِحَدّهِ فَكُلْهُ. وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ". وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: "مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ. فَإِنّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ. فَإنْ وَجَدْتَ عِنْدَهُ كَلْباً آخَرَ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ، وَقَدْ قَتَلَهُ، فَلاَ تَأْكُلْ. إنّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللّهِ عَلَىَ كَلْبِكَ. وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَىَ غَيْرِهِ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ. حَدّثَنَا الشّعْبِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ (وَكَانَ لَنَا جَاراً وَدَخِيلاً وَرَبِيطاً بِالنّهْرَيْنِ) أَنّهُ سَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي كَلْباً قَدْ أَخَذَ. لاَ أَدْرِي أَيّهُمَا أَخَذَ. قَالَ "فَلاَ تَأْكُلْ. فَإِنّمَا سَمّيْتَ عَلَىَ كَلْبِكَ، وَلَمْ تسَمّ عَلَىَ غَيْرِهِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الشّعْبِيّ عَنِ عَدِيّبْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ.
حدّثني الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السّكُونِيّ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ الله. فَإنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيّاً فَاذْبَحْهُ. وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ. وَإنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْباً غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلاَ تَأْكُلْ. فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي أَيّهُمَا قَتَلَهُ. وَإنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللّهِ. فَإنْ غَابَ عَنْكَ يَوْماً فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلاّ أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْ إنْ شِئْتَ. وَإنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقاً فِي الْمَاءِ، فَلاَ تَأْكُلْ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارِكِ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصّيْدِ؟ قَالَ: "إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللّهِ. فَإنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ. إلاّ أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ، فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي، الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ".
حدّثنا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدّمَشْقِيّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ، عَائِذُ اللّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ. وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِيَ الْمُعَلّمِ. أَوْ بِكَلْبِيَ الّذِي لَيْسَ بِمُعَلّمٍ. فَأَخْبِرْنِي مَا الّذِي يَحِلّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَمّا مَا ذَكَرْتَ أَنّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ. فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ، فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا. وَإنْ لَمْ تَجِدُوا، فَاغْسِلُوهَا ثُمّ كُلُوا فِيهَا. وَأَمّا مَا ذَكَرْتَ أَنّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللّهِ ثُمّ كُلْ. وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللّهِ ثُمّ كُلْ. وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الّذِي لَيْسَ بِمُعَلّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا الْمُقْرِئُ كِلاَهُمَا عَنْ حَيْوَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: صَيْدَ الْقَوْسِ.
قوله: (إني أرسل كلابي المعلمة إلى آخره) مع الأحاديث المذكورة في الاصطياد فيها كلها إباحة الاصطياد، وقد أجمع المسلمون عليه وتظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة والإجماع، قال القاضي عياض: هو مباح لمن اصطاد للاكتساب والحاجة والانتفاع به بالأكل وثمنه، قال: واختلفوا فيمن اصطاد للهو ولكن قصد تذكيته والانتفاع به فكرهه مالك وأجازه الليث وابن عبد الحكم قال: فإن فعله بغير نية التذكية فهو حرام لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثاً. قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل، قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس معها) وفي رواية: (فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) في هذا الأمر بالتسمية على إرسال الصيد، وقد أجمع المسلمون على التسمية عند الإرسال على الصيد وعند الذبح والنحر، واختلفوا في أن ذلك واجب أم سنة؟ فمذهب الشافعي وطائفة أنها سنة فلو تركها سهواً أو عمداً حلّ الصيد والذبيحة وهي رواية عن مالك وأحمد. وقال أهل الظاهر: إن تركها عمداً أو سهواً لم يحل وهو الصحيح عن أحمد في صيد الجوارح وهو مروي عن ابن سيرين وأبي ثور. وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وجماهير العلماء: إن تركها سهواً حلت الذبيحة والصيد وإن تركها عمداً فلا، وعلى مذهب أصحابنا يكره تركها وقيل لا يكره بل هو خلاف الأولى والصحيح الكراهة، واحتج من أوجبها بقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} وبهذه الأحاديث، واحتج أصحابنا بقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة، إلى قوله: إلا ما ذكيتم} فأباح بالتذكية من غير اشتراط التسمية ولا وجوبها، فإن قيل: التذكية لا تكون إلا بالتسمية. قلنا: هي في اللغة الشق والفتح. وبقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وهم لا يسمون} وبحديث عائشة أنهم قالوا: "يا رسول الله إن قوماً حديث عهدهم بالجاهلية يأتونا بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله أم لم يذكروا فنأكل منها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سموا وكلوا". رواه البخاري فهذه التسمية هي المأمور بها عند أكل كل طعام وشرب كل شراب، وأجابوا عن قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} أن المراد ما ذبح للأصنام كما قال تعالى في الاَية الأخرى: {وما ذبح على النصب وما أهل به لغير الله} ولأن الله تعالى قال: {وإنه لفسق} وقد أجمع المسلمون على من أكل متروك التسمية ليس بفاسق، فوجب حملها على ما ذكرناه ليجمع بينها وبين الاَيات السابقات وحديث عائشة وحملها بعض أصحابنا على كراهة التنزيه، وأجابوا عن الأحاديث في التسمية أنها للاستحباب. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك المعلم" في إطلاقه دليل لإباحة الصيد بجميع الكلاب المعلمة من الأسود وغيره، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء، وقال الحسن البصري والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق: لا يحل صيد الكلب الأسود لأنه شيطان. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك المعلم" فيه أنه يشترط في حل ما قتله الكلب المرسل كونه كلباً معلماً وأنه يشترط الإرسال، فلو أرسل غير معلم أو استرسل المعلم بلا إرسال لم يحل ما قتله، فأما غير المعلم فمجمع عليه، وأما المعلم إذا استرسل فلا يحل ما قتله عندنا وعند العلماء كافة إلا ما حكي عن الأصم من إباحته، وإلا ما حكاه ابن المنذر عن عطاء والأوزاعي أنه يحل إن كان صاحبه أخرجه للاصطياد. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما لم يشركها كلب ليس معها" فيه تصريح بأنه لا يحل إذا شاركه كلب آخر، والمراد كلب آخر استرسل بنفسه أو أرسله من ليس هو من أهل الذكاة أو شككنا في ذلك فلا يحل أكله في كل هذه الصور، فإن تحققنا أنه إنما شاركه كلب أرسله من هو من أهل الذكاة على ذلك الصيد حل. قوله: (قلت إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب فقال إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله). وفي الرواية الأخرى: (ما أصاب بحده فكل وما أصاب بعرضه فهو وقيذ فلا تأكل) المعراض بكسر الميم وبالعين المهملة وهي خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة وقد تكون بغير حديدة هذا هو الصحيح في تفسيره، وقال الهروي: هو سهم لا ريش فيه ولا نصل، وقال ابن دريد: هو سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض، وقال الخليل كقول الهروي ونحوه عن الأصمعي، وقيل هو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رمى به ذهب مستوياً. وأما خزق فهو بالخاء المعجمة والزاي ومعناه نفذ. والوقذ والموقوذ هو الذي يقتل بغير محدد من عصا أو حجر وغيرهما، ومذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والجماهير أنه إذا اصطاد بالمعراض فقتل الصيد بحده حل وإن قتله بعرضه لم يحل لهذا الحديث. وقال مكحول والأوزاعي وغيرهما من فقهاء الشام: يحل مطلقاً. وكذا قال هؤلاء وابن أبي ليلى أنه يحل ما قتله بالبندقة. وحكي أيضاً عن سعيد بن المسيب. وقال الجماهير: لا يحل صيد البندقة مطلقاً لحديث المعراض لأنه كله رض ووقذ وهو معنى الرواية الأخرى فإنه وقيذ أي مقتول بغير محدد، والموقوذة المقتولة بالعصا ونحوها وأصله من الكسر والرض.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أكل فلا تأكل" هذا الحديث من رواية عدي بن حاتم وهو صريح في منع أكل ما أكلت منه الجارحة، وجاء في سنن أبي داود وغيره بإسناد حسن عن أبي ثعلبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كل وإن أكل منه الكلب". واختلف العلماء فيه فقال الشافعي في أصح قوليه: إذا قتلته الجارحة المعلمة من الكلاب والسباع وأكلت منه فهو حرام، وبه قال أكثر العلماء منهم ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والشعبي والنخعي وعكرمة وقتادة وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وداود. وقال سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن عمر ومالك: يحل وهو قول ضعيف للشافعي، واحتج هؤلاء بحديث أبي ثعلبة، وحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه، واحتج الأولون بحديث عدي وهو في الصحيحين مع قول الله عز وجل: {فكلوا مما أمسكن عليكم} وهذا مما لم يمسك علينا بل على نفسه، وقدموا هذا على حديث أبي ثعلبة لأنه أصح، ومنهم من تأول حديث أبي ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه وفارقه ثم عاد فأكل منه فهذا لا يضر والله أعلم. وأما جوارح الطير إذا أكلت مما صادته فالأصح عند أصحابنا والراجح من قول الشافعي تحريمه، وقال سائر العلماء بإباحته لأنه لا يمكن تعليمها ذلك بخلاف السباع وأصحابنا يمنعون هذا الدليل. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" معناه أن الله تعالى قال: فكلوا مما أمسكن عليكم فإنما إباحته بشرط أن نعلم أنه أمسك علينا، وإذا أكل منه لم نعلم أنه أمسك لنا أم لنفسه فلم يوجد شرط إباحته والأصل تحريمه. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أصاب بعرضه" هو بفتح العين أي غير المحدد منه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن ذكاته أخذه" معناه إن أخذ الكلب الصيد وقتله إياه ذكاة شريعة بمنزلة ذبح الحيوان الإنسي وهذا مجمع عليه، ولو لم يقتله الكلب لكن تركه ولم تبق فيه حياة مستقرة أو بقيت ولم يبق زمان يمكن صاحبه لحاقه وذبحه فمات حل لهذا الحديث فإن ذكاته أخذه. قوله: (سمعت عدي بن حاتم وكان لنا جاراً ودخيلاً وربيطاً بالنهرين) قال أهل اللغة: الدخيل والدخال الذي يداخل الإنسان ويخالطه في أموره، والربيط هنا بمعنى المرابط وهو الملازم والرباط الملازمة، قالوا: والمراد هنا ربط نفسه على العبادة وعن الدنيا. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه" هذا تصريح بأنه إذا أدرك ذكاته وجب ذبحه ولم يحل إلا بالذكاة وهو مجمع عليه وما نقل عن الحسن والنخعي خلافه فباطل لا أظنه يصح عنهما، وأما إذا أدركه ولم تبق فيه حياة مستقرة بأن كان قد قطع حلقومه ومريه أو أجافه أو خرق أمعاءه أو أخرج حشوته فيحل من غير ذكاة بالإجماع، قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب إمرار السكين على حلقه ليريحه. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله" فيه بيان قاعدة مهمة وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل لأن الأصل تحريمه وهذا لا خلاف فيه، وفيه تنبيه على أنه لو وجده حياً وفيه حياة مستقرة فذكاه حل، ولا يضر كونه اشترك في إمساكه كلبه وكلب غيره لأن الاعتماد حينئذٍ في الإباحة على تذكية الاَدمي لا على إمساك الكلب، وإنما تقع الإباحة بإمساك الكلب إذا قتله، وحينئذٍ إذا كان معه كلب آخر لم يحل إلا أن يكون أرسله من هو من أهل الذكاة كما أوضحناه قريباً. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت" هذا دليل لمن يقول إذا أثر جرحه فغاب عنه فوجده ميتاً وليس فيه أثر غير سهمه حل، وهو أحد قولي الشافعي ومالك في الصيد والسهم، والثاني: يحرم وهو الأصح عند أصحابنا، والثالث: يحرم في الكلب دون السهم، والأول أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة. وأما الأحاديث المخالفة له فضعيفة ومحمولة على كراهة التنزيه، وكذا الأثر عن ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت أي كل ما لم يغب عنك دون ما غاب. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل" هذا متفق على تحريمه.
قوله في حديث أبي ثعلبة: (إنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا) هكذا روى هذا الحديث البخاري ومسلم. وفي رواية أبي داود قال: "إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا" قد يقال هذا الحديث مخالف لما يقول الفقهاء، فإنهم يقولون أنه يجوز استعمال أواني المشركين إذا غسلت ولا كراهة فيها بعد الغسل سواء وجد غيرها أم لا، وهذا الحديث يقتضي كراهة استعمالها إن وجد غيرها، ولا يكفي غسلها في نفي الكراهة وإنما يغسلها ويستعملها إذا لم يجد غيرها. والجواب أن المراد النهي عن الأكل في آنيتهم التي كانوا يطبخون فيها لحم الخنزير ويشربون الخمر كما صرح به في رواية أبي داود، وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة للنجاسة كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة. وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسات فهذه يكره استعمالها قبل غسلها، فإذا غسلت فلا كراهة فيها لأنها طاهرة وليس فيها استقذار، ولم يريدوا نفي الكراهة عن آنيتهم المستعملة في الخنزير وغيره من النجاسات والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وما أصبت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل" هذا مجمع عليه أنه لا يحل إلا بذكاة.
*2* باب إذا غاب عنه الصيد ثم وجده
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرّازِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ حَمّادُ بْنُ خَالِدٍ، الْخَيّاط عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ، فَغَابَ عَنْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ، فَكُلْهُ. مَا لَمْ يُنْتِنْ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَىَ. حَدّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ: "فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ فِي الصّيْدِ. ثُمّ قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الزّاهِرِيّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الْعَلاءِ. غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يَذْكُرْ نُتُونَتَهُ. وَقَالَ، فِي الْكَلْبِ "كُلْهُ بَعْدَ ثَلاثٍ إِلاّ أَنْ يُنْتِنَ. فَدَعْهُ".
قوله: (حدثنا محمد بن مهران الرازي قال حدثنا أبو عبد الله حماد بن خالد الخياط) هذا الحديث هو أول عود سماع إبراهيم بن سفيان من مسلم، والذي قبله هو آخر فواثه الثالث، ولم يبق له في الكتاب فوات بعد هذا والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن" وفيف رواية: (فيمن يدرك صيده بعد ثلاث فكله ما لم ينتن) هذا النهي عن أكله للنتن محمول على التنزيه لا على التحريم، وكذا سائر اللحوم والأطعمة المنتنة يكره أكلها ولا يحرم إلا أن يخاف منها الضرر خوفاً معتمداً، وقال بعض أصحابنا: يحرم اللحم المنتن وهو ضعيف والله أعلم.
*2* باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير
*حع) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيم وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: نَهَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبُعِ. زَادَ إِسْحَقُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِمَا: قَالَ الزّهْرِيّ: وَلَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا حَتّىَ قَدِمْنَا الشّامَ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَائِنَا بِالْحِجَازِ. حَتّىَ حَدّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ. وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الشّامِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرٌو (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) أَنّ ابْنَ شِهَابٍ حَدّثَهُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ أَكْلِ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ.
وحدّثنيِهِ أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ. ح وَحَدّثَنَا الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ وَعَمْرٍو. كُلّهُمْ ذَكَرَ الأَكْلَ. إِلاّ صَالِحاً وَيُوسُفَ. فَإِنّ حَدِيثَهُمَا: نَهَىَ عَنْ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبُعِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيَ) عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ، فَأَكْلُهُ حَرَامٌ".
وحدّثنيهِ أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ. وَعَنْ كُلّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطّيْرِ.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا سَهْلُ بْنُ حَمّادٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. حَدّثَنَا الْحَكَمُ وَ أَبُو بِشْرٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ. وَعَنْ كُلّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطّيْرِ.
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ: أَخْبَرَنَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: نَهَىَ ح وَحَدّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ.
قوله: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. وفي رواية: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام) المخلب بكسر الميم وفتح اللام، قال أهل اللغة: المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان. في هذه الأحاديث دلالة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه يحرم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. وقال مالك: يكره ولا يحرم. قال أصحابنا: المراد بذي الناب ما يتقوى به ويصطاد. واحتج مالك بقوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً} الاَية. واحتج أصحابنا بهذه الأحاديث قالوا: والاَية ليس فيها إلا الإخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرماً إلا المذكورات في الاَية ثم أوحى إليه بتحريم كل ذي ناب من السباع فوجب قبوله والعمل به.
قوله: (عن عبيدة بن سفيان) هو بفتح العين وكسر الباء.
قوله: (عن ميمون بن مهران عن ابن عباس) هكذا ذكره مسلم من هذه الطرق وهو صحيح وقد صح سماع ميمون من ابن عباس ولا تغتر بما قد يخالف هذا.
*2* باب إباحة ميتات البحر
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ. نَتَلَقّىَ عِيراً لِقُرَيْشٍ. وَزَوّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ. فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً. قَالَ فَقُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمَصّهَا كَمَا يَمَصّ الصّبِيّ. ثُمّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ. فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إلَى اللّيْلِ. وَكُنّا نَضْرِبُ بِعِصِيّنَا الْخَبَطَ. ثُمّ نَبُلّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ. قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَىَ سَاحِلِ الْبَحْرِ. فَرُفِعَ لَنَا ع 2 لَىَ سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضّخْمِ. فَأَتَيْنَاهُ فَإذَا هِيَ دَابّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ. قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ. ثُمّ قَالَ: لاَ. بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي سَبِيلِ اللّهِ. وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا. قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْراً. وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتّىَ سَمِنّا. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ، بِالْقِلاَلِ، الدّهْنَ. وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثّوْرِ (أَوْ كَقَدْرِ الثّوْرِ) فَلَقَدْ أَخَذَ مِنّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً. فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ. وَأَخَذَ ضِلْعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ. فَأَقَامَهَا. ثُمّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا. فَمَرّ مِنْ تَحْتِهَا. وَتَزَوّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ. فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: "هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللّهُ لَكُمْ. فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ. فَأَكَلَهُ.
حدّثنا عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ ثَلاَثُمِئائَةِ رَاكِبٍ. وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ. نَرْصُدُ عِيراً لِقُرَيْشٍ. فَأَقْمْنَا بِالسّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ. حَتّىَ أَكَلْنَا الْخَبَطَ. فَسُمّيَ جَيْشَ الُخَبَطِ. فَأَلْقَىَ لَنَا الْبَحْرُ دَابّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ. فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ. وَادّهَنّا مِنْ وَدَكِهَا حَتّىَ ثَابَتْ أَجْسَامُنَا. قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ. ثُمّ نَظَرَ إِلَىَ أَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ، وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ. فَمَرّ تَحْتَهُ. قَالَ: وَجَلَسَ فِي حِجَاجِ عَيْنِهِ نَفَرٌ. قَالَ: وَأَخْرَجْنَا مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ كَذَا وَكَذَا قُلّةَ وَدَكٍ. قَالَ: وَكَانَ مَعَنَا جِرَابٌ مِنْ تَمْرٍ. فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِي كُلّ رَجُلٍ مِنّا قَبْضَةً قَبْضَةً. ثُمّ أَعْطَانَا تَمْرَةً تَمْرَةً. فَلَمّا فَنِيَ وَجَدْنَا فَقْدَهُ.
وحدّثنا عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِراً يَقُولُ، فِي جَيْشِ الْخَبَطِ: إِنّ رَجُلاً نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ. ثُمّ ثَلاَثاً. ثُمّ ثَلاَثَاً. ثُمّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: بَعَثَنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ ثَلاَثُمِائَةٍ. نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا عَلَىَ رِقَابِنَا.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ أَخْبَرَهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيّةً، ثَلاَثَمِائِةٍ. وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ. فَفَنِيَ زَادُهُمْ. فَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ زَادَهُمْ فِي مِزْوَدٍ. فَكَانَ يُقوّتُنَا. حَتّىَ كَانَ يُصِيبُنَا، كُلّ يَوْمٍ، تَمْرَةٌ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ) قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيّةً، أَنَا فِيهِمْ، إِلَىَ سِيفِ الْبَحْرِ وَسَاقوا جَمِيعاً بَقِيّةَ الْحَدِيثِ. كَنَحْوِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِي الزّبَيْرِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: فَأَكَلَ مِنْهَا الْجَيْشُ ثَمَانِي عَشَرَةَ لَيْلَةً.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ حَدّثَنَا عُثْمَان بْنُ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ الْقَزّازُ. كِلاَهُمَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جِابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثَاً إِلَىَ أَرْضِ جُهَيْنَةَ. وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ.
قوله: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة) فيه أن الجيوش لا بد لها من أمير يضبطها وينقادون لأمره ونهيه، وأنه ينبغي أن يكون الأمير أفضلهم أو من أفضلهم، قالوا: ويستحب للرفقة من الناس وإن قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم وينقادوا له. قوله: (نتلقى عيراً لقري 5) قد سبق أن العير هي الإبل التي تحمل الطعام وغيره، وفي هذا الحديث جواز صد أهل الحرب واغتيالهم والخروج لأخذ مالهم واغتنامه. قوله: (وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل) أما الجراب فبكسر الجيم وفتحها الكسر أفصح وسبق بيانه مرات، ونمصها بفتح الميم وضمها الفتح أفصح وأشهر، وسبق بيان لغاته في كتاب الإيمان، وفي هذا بيان ما كان الصحابة رضي الله عنهم عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والصبر على الجوع وخشونة العيش وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال. قوله: (وزودنا جراباً لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة). وفي رواية من هذا الحديث: (ونحن نحمل أزوادنا على رقابنا) وفي رواية: (ففني زادهم) فجمع أبو عبيدة زادهم في مزود فكان يقوتنا حتى كان يصيبنا كل يوم تمرة. وفي الموطأ: ففني زادهم وكان مزودي تمراً وكان يقوتنا حتى كان يصيبنا كل يوم تمرة". وفي الرواية الأخرى لمسلم: (كان يعطينا قبضة قبضة ثم أعطانا تمرة تمرة) قال القاضي: الجمع بين هذه الروايات أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم زودهم المزود زائداً على ما كان معهم من الزاد من أموالهم وغيرها مما واساهم به الصحابة ولهذا قال: ونحن نحمل أزوادنا، قال: ويحتمل أنه لم يكن في زادهم تمر غير هذا الجراب وكان معهم غيره من الزاد، وأما إعطاء أبي عبيدة إياهم تمرة تمرة فإنما كان في الحال الثاني بعد أن فنى زادهم وطال لبثهم كما فسره في الرواية الأخيرة، فالرواية الأولى معناها الإخبار عن آخر الأمر لا عن أوله، والظاهر أن قوله تمرة تمرة إنما كان بعد أن قسم عليهم قبضة قبضة فلما قل تمرهم قسمه عليهم تمرة تمرة ثم فرغ وفقدوا التمرة ووجدوا ألماً لفقدها وأكلوا الخبط إلى أن فتح الله عليهم بالعنبر. قوله: (فجمع أبو عبيدة زادنا في مزود فكان يقوتنا) هذا محمول على أنه جمعه برضاهم وخلطه ليبارك لهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مواطن، وكما كان الأشعريون يفعلون وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: يستحب للرفقة من المسافرين خلط أزوادهم ليكون أبرك وأحسن في العشرة، وأن لا يختص بعضهم بأكل دون بعض والله أعلم. قوله: (كهيئة الكثيب الضخم) هو بالثاء المثلثة وهو الرمل المستطيل المحدودب. قوله: (فإذا هي دابة تدعى العنبر قال أبو عبيدة ميتة ثم قال: بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلاثمائة حتى سمنا) وذكر في آخر الحديث (أنهم تزودوا منه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم حين رجعوا: هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله). معنى الحديث أن أبا عبيدة رضي الله عنه قال أولاً باجتهاده: إن هذا ميتة والميتة حرام فلا يحل لكم أكلها، ثم تغير اجتهاده فقال: بل هو حلال لكم وإن كان ميتة لأنكم في سبيل الله وقد اضطررتم، وقد أباح الله تعالى الميتة لمن كان مضطراً غير باغ ولا عاد فكلوا فأكلوا منه، وأما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من لحمه وأكله ذلك فإنما أراد به المبالغة في تطييب نفوسهم في حله وأنه لا شك في إباحته، وأنه يرتضيه لنفسه أو أنه قصد التبرك به لكونه طعمة من الله تعالى خارقة للعادة أكرمهم الله بها، وفي هذا دليل على أنه لا بأس بسؤال الإنسان من مال صاحبه ومتاعه إدلالاً عليه، وليس هو من السؤال المنهي عنه إنما ذاك في حق الأجانب للتمول ونحوه، وأما هذه فللمؤانسة والملاطفة والإدلال. وفيه جواز الاجتهاد في الأحكام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما يجوز بعده. وفيه أنه يستحب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتي إذا لم يكن فيه مشقة على المفتي وكان فيه طمأنينة للمستفتي. وفيه إباحة ميتات البحر كلها سواء في ذلك ما مات بنفسه أو باصطياد، وقد أجمع المسلمون على إباحة السمك. قال أصحابنا: يحرم الضفدع للحديث في النهي عن قتلها، قالوا: وفيما سوى ذلك ثلاثة أوجه أصحها يحل جميعه لهذا الحديث، والثاني: لا يحل، والثالث: يحل ماله نظير مأكول في البر دون ما لا يؤكل نظيره، فعلى هذا تؤكل خيل البحر وغنمه وظباؤه دون كلبه وخنزيره وحماره.
قال أصحابنا: والحمار وإن كان في البر منه مأكول وغيره لكن الغالب غير المأكول، هذا تفصيل مذهبنا، وممن قال بإباحة جميع حيوانات البحر إلا الضفدع أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم، وأباح مالك الضفدع والجميع، وقال أبو حنيفة: لا يحل غير السمك، وأما السمك الطافئ وهو الذي يموت في البحر بلا سبب فمذهبنا إباحته، وبه قال جماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم منهم أبو بكر الصديق وأبو أيوب وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأحمد وأبو ثور وداود وغيرهم. وقال جابر بن عبد الله وجابر بن زيد وطاوس وأبو حنيفة: لا يحل دليلنا قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} قال ابن عباس والجمهور: صيده ما صدتموه وطعامه ما قذفه. وبحديث جابر هذا وبحديث (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وهو حديث صحيح وبأشياء مشهورة غير ما ذكرنا. وأما الحديث المروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ألقاه البحر وجزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه" فحديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شيء كيف وهو معارض بما ذكرناه، وقد أوضحت ضعف رجاله في شرح المهذب في باب الأطعمة. فإن قيل: لا حجة في حديث العنبر لأنهم كانوا مضطرين. قلنا: الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه في المدينة من غير ضرورة. قوله: (ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور أو كقدر الثور) أما الوقب فبفتح الواو وإسكان القاف وبالباء الموحدة وهو داخل عينه ونقرتها، والقلال بكسر القاف جمع قلة بضمها وهي الجرة الكبيرة التي يقلها الرجل بين يديه أي يحملها. والفدر بكسر الفاء وفتح الدال هي القطع. وقوله: كقدر الثور رويناه بوجهين مشهورين في نسخ بلادنا: أحدهما: بقاف مفتوحة ثم دال ساكنة أي مثل الثور. والثاني: كفدر بفاء مكسورة ثم دال مفتوحة جمع فدرة والأول أصح وادعى القاضي أنه تصحيف وأن الثاني هو الصواب وليس كما قال. قوله: (ثم رحل أعظم بعير) هو بفتح الحاء أي جعل عليه رحلاً. قوله: (وتزودنا من لحمه وشائق) هو بالشين المعجمة والقاف، قال أبو عبيد: هو اللحم يؤخذ فيغلى إغلاء ولا ينضج ويحمل في الأسفار يقال وشقت اللحم فاتشق، والوشيقة الواحدة منه والجمع وشائق ووشق، وقيل الوشيقة القديد. قوله: (ثابت أجسامنا) أي رجعت إلى القوة. قوله: (فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه فنصبه) كذا هو في النسخ فنصبه. وفي الرواية الأولى: (فأقامها) فأنثها وهو المعروف، ووجه التذكير أنه أراد به العضو. قوله: (وجلس في حجاج عينه نفر) هو بحاء ثم جيم مخففة والحاء مكسورة ومفتوحة لغتان مشهورتان وهو بمعنى وقب عينه المذكور في الرواية السابقة وقد شرحناه. قوله: (إن رجلاً نحر ثلاث جزائر ثم ثلاثاً ثم ثلاثاً ثم نهاه أبو عبيدة) وهذا الرجل الذي نحر الجزائر هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه. قوله في الرواية الأولى: (فأقمنا عليه شهراً) وفي الراوية الثانية: (فأكلنا منها نصف شهر) وفي الثالثة: (فأكل منها الجيش ثماني عشرة ليلة) طريق الجمع بين الروايات أن من روى شهراً هو الأصل ومعه زيادة علم، ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها قدم المثبت، وقد قدمنا مرات أن المشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له فلا يلزم منه نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة كيف وقد عارضه فوجب قبول الزيادة، وجمع القاضي بينهما بأن من قال نصف شهر أراد أكلوا منه تلك المدة طرياً، ومن قال شهراً أراد أنهم قددوه فأكلوا منه بقية الشهر قديداً والله أعلم. قوله: (سيف البحر) هو بكسر السين وإسكان المثناة تحت وهو ساحله كما قاله في الروايتين قبله. قوله: (وحدثنا حجاج بن الشاعر وذكر في هذا الإسناد أخبرنا أبو المنذر القزاز) هكذا هو في نسخ بلادنا القزاز بالقاف وفي أكثرها البزاز بالباء. وذكر القاضي أيضاً اختلاف الرواة فيه والأشهر بالقاف وهو الذي ذكره السمعاني في الأنساب وآخرون، وذكره خلف الواسطي في الأطراف بالباء عن رواية مسلم لكن عليه تضبيب فلعله يقال بالوجهين، فالقزاز بزاز وأبو المنذر هذا اسمه إسماعيل بن حسين بن المثنى، كذا سماه أحمد بن حنبل فيما ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، واقتصر الجمهور على أنه إسماعيل بن عمر، قال أبو حاتم: هو صدوق وأمر أحمد بن حنبل بالكتابة عنه وهو من أفراد مسلم.
*2* باب تحريم أكل لحم الحمر الإِنسية
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ وَالْحَسَنِ، ابْنَيْ مُحمّدِ بْنِ عَلِيَ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ. وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ.
وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ أَبَا إِدْرِيسَ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنِي نَافِعٌ وَ سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا أَبِي وَ مَعْنُ بْنُ عِيسَىَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الأَهْلِيّ يَوْمَ خَيْبَرَ. وَكَانَ النّاسُ احْتَاجُوا إِلَيْهَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَىَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ. وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ أَصَبْنَا لِلْقَوْمِ حُمُراً خَارِجَةً مِنَ الْمَدِينَةِ. فَنَحَرْنَاهَا. فَإنّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي. إِذْ نَادَىَ مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ اكْفَؤُا الْقُدُورَ وَلاَ تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئاً. فَقُلْتُ: حَرّمَهَا تَحْرِيمَ مَاذَا؟ قَالَ: تَحَدّثْنَا بَيْنَنَا فَقُلْنَا: حَرّمَهَا أَلْبَتّةَ. وَحَرّمَهَا مِنْ أَجْلِ أَنّهَا لَمْ تُخَمّسْ.
وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). حَدّثَنَا سُلَيْمَان الشّيْبَانِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَىَ يَقُولُ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُر الأَهْلِيّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا. فَلَمّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ نَادَىَ مُنَادِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ اكْفَؤُا الْقُدُورَ. وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئاً. قَالَ فَقَالَ نَاسٌ: إِنّمَا نَهَىَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَنّهَا لَمْ تُخَمّسْ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَهَىَ عَنْهَا أَلْبَتّةَ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيَ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَىَ يَقُولاَنِ: أَصَبْنَا حُمُراً، فَطَبَخْنَاهَا. فَنَادَىَ مُنَادِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اكْفَؤُا الْقُدُورَ.
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ: أَصَبْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ حُمُراً. فَنَادَىَ مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ اكْفَؤُا الْقُدُورَ.
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: نُهينَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْب. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُلْقِيَ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ، نِيئَةً وَنَضِيجَةً. ثُمّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ.
وحدّثنيهِ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ) عَنْ عَاصِمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيّ. حَدّثَنَا عُمرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لاَ أَدْرِي. إِنّمَا نَهَىَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ أَنّهُ كَانَ حَمُولَةَ النّاسِ، فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ. أَوْ حَرّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ. لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ خَيْبَرَ. ثُمّ إِنّ اللّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمّا أَمْسَى النّاسُ، الْيَوْمَ الّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَاناً كَثِيرَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا هَذِهِ النّيرَانُ؟ عَلَىَ أَيّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟" قَالُوا: عَلَىَ لَحْمٍ. قَالَ: "عَلَىَ أَيّ لَحْمٍ؟" قَالُوا: عَلَىَ لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيّةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا. قَالَ: "أَوْ ذَاكَ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْراهِيمَ. أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَ صَفْوَانُ بْنُ عِيسَىَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النّضْرِ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، النّبِيلُ. كُلّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَنْسَ قَالَ: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، أَصَبْنَا حُمُراً خَارِجاً مِنَ الْقَرْيَةِ. فَطَبَخْنَا مِنْهَا. فَنَادَىَ مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ إِنّ اللّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا. فَإِنّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ. فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا. وَإِنّهَا لَتَفُورُ بِمَا فِيهَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، الضّرِيرُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسّانَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ جَاءَ جَاءٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُكِلَتِ الْحُمُرُ. ثُمّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ فَنَادَىَ: إنّ اللّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ. فَإِنّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ.
قَالَ: فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية) أما الإنسية فبإسكان النون مع كسر الهمزة وبفتحها لغتان مشهورتان سبق بيانهما وسبق بيان حكم نكاح المتعة وشرح أحاديثه في كتاب النكاح، وأما الحمر الإنسية فقد وقع في أكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحومها.
وفي رواية: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية) وفي روايات: (أنه صلى الله عليه وسلم وجد القدور تغلي فأمر بإراقتها وقال: لا تأكلوا من لحومها شيئاً) وفي رواية: (نهينا عن لحوم الحمر الأهلية) وفي رواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أهريقوها واكسروها فقال رجل: يا رسول الله أونهريقها ونغسلها؟ قال أو ذاك) وفي رواية: (نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنه رجس من عمل الشيطان). وفي رواية: (ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس أو نجس) فأكفئت القدور بما فيها. اختلف العلماء في المسألة فقال الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بتحريم لحومها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. وقال ابن عباس: ليست بحرام. وعن مالك ثلاث روايات أشهرها أنها مكروهة كراهية تنزيه شديدة. والثانية: حرام. والثالثة: مباحة، والصواب التحريم كما قاله الجماهير للأحاديث الصريحة. وأما الحديث المذكور في سنن أبي داود عن غالب بن أبحر قال: "أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حمر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أصابتنا السنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية" يعني بالجوال التي تأكل الجلة وهي العذرة، فهذا الحديث مضطرب مختلف الإسناد شديد الاختلاف ولو صح حمل على الأكل منها في حال الاضطرار والله أعلم.
قوله: (نادى أن اكفؤوا القدور) قال القاضي: ضبطناه بألف الوصل وفتح الفاء من كفأت ثلاثي ومعناه قلبت، قال: ويصح قطع الألف وكسر الفاء من أكفأت رباعي وهما لغتان بمعنى عند كثيرين من أهل اللغة منهم الخليل والكسائي وابن السكيت وابن قتيبة وغيرهم، وقال الأصمعي: يقال كفأت ولا يقال أكفأت بالألف.
قوله: (لحوم الحمر نيئة ونضيجة) هو بكسر النون وبالهمز أي غير مطبوخة.
قوله: (كان حمولة الناس) بفتح الحاء أي الذي يحمل متاعهم.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قدور لحوم الحمر الأهلية أهريقوها واكسروها فقال رجل أونهريقها ونغسلها قال أو ذاك) هذا صريح في نجاستها وتحريمها.
ويؤيده الرواية الأخرى: (فإنها رجس) وفي الأخرى رجس أو نجس. وفيه وجوب غسل ما أصابته النجاسة، وأن الإناء النجس يطهر بغسله مرة واحدة، ولا يحتاج إلى سبع إذا كانت غير نجاسة الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وعند أحمد يجب سبع في الجميع على أشهر الروايتين عنه، وموضع الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بالغسل ويصدق ذلك على مرة ولو وجبت الزيادة لبينها فإن في المخاطبين من هو قريب العهد بالإسلام، ومن في معناه ممن لا يفهم من الأمر بالغسل إلا مقتضاه عند الإطلاق وهو مرة، وأما أمره صلى الله عليه وسلم أولاً بكسرها فيحتمل أنه كان بوحي أو باجتهاد ثم نسخ وتعين الغسل، ولا يجوز اليوم الكسر لأنه إتلاف مال، وفيه دليل على أنه إذا غسل الإناء النجس فلا بأس باستعماله والله أعلم.
*2* باب في أكل لحوم الخيل
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ، يَوْمَ خَيْبَرَ، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ. وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أَكَلْنَا، زَمَنَ خَيْبَرَ، الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ. وَنَهَانَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحِمَارِ الأَهْلِيّ.
وحدّثنيهِ أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدّثَنِي يَعقُوبُ الدّورَقِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَ وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: نَحَرْنَا فَرَساً عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَكَلْنَاهُ.
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل) وفي رواية قال جابر: (أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي) وفي حديث أسماء قالت: (نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه) اختلف العلماء في إباحة لحوم الخيل، فمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه مباح لا كراهة فيه، وبه قال عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن سليمان وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وداود وجماهير المحدثين وغيرهم، وكرهها طائفة منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة، قال أبو حنيفة: يأثم بأكله ولا يسمى حراماً، واحتجوا بقوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} ولم يذكر الأكل، وذكر الأكل من الأنعام في الاَية التي قبلها، وبحديث صالح بن يحيى بن المقدم عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية بقية بن الوليد عن صالح بن يحيى، واتفق العلماء من أئمة الحديث وغيرهم على أنه حديث ضعيف، وقال بعضهم: هو منسوخ. روى الدارقطني والبيهقي بإسنادهما عن موسى بن هارون الحمال بالحاء الحافظ قال: هذا حديث ضعيف، قال: ولا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه. وقال البخاري: هذا الحديث فيه نظر. وقال البيهقي: هذا إسناد مضطرب. وقال الخطابي: في إسناده نظر، قال: وصالح بن يحيى عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم من بعض، وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ. وقال النسائي: حديث الإباحة أصح قال ويشبه إن كان هذا صحيحاً أن يكون منسوخاً، واحتج الجمهور بأحاديث الإباحة التي ذكرها مسلم وغيره وهي صحيحة صريحة، وبأحاديث أخر صحيحة جاءت بالإباحة ولم يثبت في النهي حديث. وأما الاَية فأجابوا عنها بأن ذكر الركوب والزينة لا يدل على أن منفعتهما مختصة بذلك فإنما خص هذان بالذكر لأنهما معظم المقصود من الخيل كقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} فذكر اللحم لأنه أعظم المقصود، وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه ودمه وسائر أجزائه، قالوا: ولهذا سكت عن ذكر حمل الأثقال على الخيل مع قوله تعالى في الأنعام: {وتحمل أثقالكم} ولم يلزم من هذا تحريم حمل الأثقال على الخيل والله أعلم.
قولها: (نحرنا فرساً) وفي رواية البخاري: (ذبحنا فرساً) وفي رواية له: (نحرنا) كما ذكر مسلم، فيجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان: فمرة نحروها ومرة ذبحوها، ويجوز أن تكون قضية واحدة، ويكون أحد اللفظين مجازاً والصحيح الأول لأنه لا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة والحقيقة غير متعذرة، بل في الحمل على الحقيقة فائدة مهمة وهي أنه يجوز ذبح المنحور ونحر المذبوح وهو مجمع عليه وإن كان فاعله مخالفاً الأفضل، والفرس يطلق على الذكر والأنثى والله أعلم.
*2* باب إباحة الضب
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سُئِلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضّبّ؟ فَقَالَ: "لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلاَ مُحَرّمِهِ".
وحدّثنا قُتيْبة بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الضّبّ؟ فَقَالَ "لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرّمُهُ"،.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَنْ أَكْلِ الضّبّ؟ فَقَالَ "لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرّمُهُ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيد. حَدّثَنَا يَحْيَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بِمِثْلِهِ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثناه أَبُو الرّبيعِ وَقُتَيْبَةُ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الضّبّ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ اللّيْثِ عَنْ نَافِعٍ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ أَيّوبَ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِضَبَ فَلَمْ يَأْكُلْهُ وَلَمْ يُحْرّمْهُ. وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيّ سَمِعَ الشّعْبِيّ. سَمِعَ ا بْنَ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ سَعْدٌ. وَأُتُوا بِلَحْمِ ضَبَ فَنَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إِنّهُ لَحْمُ ضَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "كُلُوا، فَإِنّهُ حَلاَلٌ. وَلَكِنّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيّ قَالَ: قَالَ لِي الشّعْبِيّ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيباً مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ ونِصْفٍ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ رَوَىَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا. قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ سَعْدٌ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ. فَأُتِيَ بِضَبَ مَحْنُوذٍ. فَأَهْوَىَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ. فَقَالَ بَعْضُ النّسْوَةِ اللاّتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ. فَرَفَعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ. فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "لاَ. وَلَكِنّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي. فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ".
قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِر وَ حَرْمَلَةُ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيّ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، الّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللّهِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَهْيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبّاسٍ. فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبّاً مَحْنُوذاً. قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ. فَقَدّمَتِ الضّبّ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ قَلّمَا يُقَدّمُ إِلَيْهِ طَعَامٌ حَتّىَ يُحَدّثَ بِهِ وَيُسَمّىَ لَهُ. فَأَهْوَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إِلَى الضّبّ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَدّمْتُنّ لَهُ. قُلْنَ: هُوَ الضّبّ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ. فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضّبّ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "لاَ. وَلَكِنّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي. فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ".
قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ. وَرَسُولُ اللّهِ يَنْظُرُ. فَلَمْ يَنْهَنِي.
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ النّضْرِ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ أَخْبَرَهُ أَنّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. وَهْيَ خَالَتُهُ. فَقُدّمَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمُ ضَبَ، جَاءَتْ بِهِ أُمّ حُفَيْدٍ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ. وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَعْفَرٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَأْكُلُ شَيْئاً حَتّىَ يَعْلَمَ مَا هُوَ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَحَدّثَهُ ابْنُ الأَصَمّ عَنْ مَيْمُونَةَ وَكَانَ فِي حَجْرِهَا.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: أُتِيَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ بِضَبّيْنِ مَشْوِيّيْنِ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ: يَزِيدَ بْنَ الأَصَمّ: عَنْ مَيْمُونَةَ.
وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنّ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ. وَعِنْدَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، بِلَحْمِ ضَبَ. فَذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ الزّهْرِيّ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: أَهْدَتْ خَالَتِي أُمّ حُفَيْدٍ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَمْناً وَأَقِطاً وَأَضُبّاً. فَأَكَلَ مِنَ السّمْنِ وَالأَقِطِ، وَتَرَكَ الضّبّ تَقَذّراً. وَأُكِلَ عَلَىَ مَائِدَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَوْ كَانَ حَرَاماً مَا أُكِلَ عَلَىَ مَائِدَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمّ قَالَ: دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ. فَقَرّبَ إِلَيْنَا ثَلاَثَةَ عَشْرَ ضَبّا. فَآكِلٌ وَتَارِكٌ. فَلَقِيتُ ابْنَ عَبّاسٍ مِنَ الْغَدِ. فَأَخْبَرْتُهُ. فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ. حَتّىَ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ آكُلُهُ، وَلاَ أَنْهَىَ عَنْهُ، وَلاَ أُحَرّمُهُ". فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِئْسَ مَا قُلْتُمْ. مَا بُعِثَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مُحِلاّ وَمُحَرّماً. إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بَيْنمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَعِنْدَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ وَخَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَىَ. إِذْ قُرّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ. فَلَمّا أَرَادَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْكُلَ قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: إنّهُ لَحْمُ ضَبَ. فَكَفّ يَدَهُ. وَقَالَ: "هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطّ". وَقَالَ لَهُمْ: "كُلُوا" فَأَكَلَ مِنْهُ الْفَضْلُ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْمَرْأَةُ.
وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: لاَ آكُلُ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِضَبَ. فَأَبَىَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. وَقَالَ: "لاَ أَدْرِي. لَعَلّهُ مِنَ الْقُرُونِ الّتِي مُسِخَتْ".
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِراً عَنِ الضّبّ؟ فَقَالَ: لاَ تَطْعَمُوهُ. وَقَذِرَهُ. وَقَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحَرّمْهُ. إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ. فَإِنّمَا طَعَامُ عَامّةِ الرّعَاءِ مِنْهُ. وَلَوْ كَانَ عِنْدِي طَعِمْتُهُ.
وحدّثني: مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِنّا بِأَرْضٍ مَضَبّةٍ. فَمَا تَأْمُرُنَا؟ أَوْ فَمَا تُفْتِينَا؟ قَالَ: "ذُكِرَ لِي أَنّ أُمّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ" فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ. وَإِنّهُ لَطَعَامُ عَامّةِ هَذِهِ الرّعَاءِ. وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لَطَعِمْتُهُ. إِنّمَا عَافَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الدّوْرقِيّ. حَدّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنّ أَعْرَابِيّا أَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنّي فِي غَائِطٍ مَضَبّةٍ. وَإنّهُ عَامّةُ طَعَامِ أَهْلِي. قَالَ فَلَمْ يُجِبْهُ. فَقُلْفنَا: عَاوِدْهُ. فَعَاوَدَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ. ثَلاَثاً. ثُمّ نَادَاهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الثّالِثَةِ فَقَالَ: "يَا أَعْرَابِيّ إنّ اللّهَ لَعنَ أَوْ غَضِبَ عَلَىَ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَمَسَخَهُمْ دَوّابّ يَدِبّونَ فِي الأَرْضِ. فَلاَ أَدْرِي لَعَلّ هَذَا مِنْهَا. فَلَسْتُ آكُلُهَا وَلاَ أَنْهَىَ عَنْهَا".
ثبتت هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الضب: "لست بآكله ولا محرمه" وفي روايات: (لا آكله ولا أحرمه).
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي)وفي رواية: (أنه صلى الله عليه وسلم رفع يده منه فقيل أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه فأكلوه بحضرته وهو ينظر صلى الله عليه وسلم) قال أهل اللغة: معنى أعافه أكرهه تقذراً، وأجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته، وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام وأما أظنه يصح عن أحد، وإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله.
قوله: (ضب محنوذ) أي مشوي وقيل المشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة. قوله: (أن خالداً أخذ الضب فأكله من غير استئذان) هذا من باب الإدلال والأكل من بيت القريب والصديق الذي لا يكره ذلك، وخالد أكل هذا في بيت خالته ميمونة وبيت صديقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى استئذان لا سيما والمهدية خالته، ولعله أراد بذلك جبر قلب خالته أم حفيد المهدية.
قوله في ميمونة: (وهي خالته وخالة ابن عباس) يعني خالة خالد بن الوليد وخالة ابن عباس، وأم خالد لبابة الصغرى، وأم ابن عباس لبابة الكبرى، وميمونة وأم حفيد كلهن أخوات والدهن الحارث. قوله: (قدمت به أختها حفيدة) وفي الرواية الأخرى أم حفيد، وفي بعض النسخ أم حفيدة بالهاء، وفي بعضها في رواية أبي بكر بن النضر أم حميد، وفي بعضها حميدة، وكله بضم الحاء مصغر. قال القاضي وغيره: والأصوب والأشهر أم حفيد بلا هاء واسمها هزيلة، وكذا ذكرها ابن عبد البر وغيره من الصحابة والله أعلم. قوله: (فقالت امرأة من النسوة الحضور) كذا هو في جميع النسخ النسوة الحضور.
قوله: (ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا تصريح بما اتفق عليه العلماء، وهو إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الشيء وسكوته عليه إذا فعل بحضرته يكون دليلاً لإباحته ويكون بمعنى قوله: أذنت فيه وأبحته، فإنه لا يسكت على باطل ولا يقر منكراً والله أعلم.
قوله: (دعانا عروس بالمدينة) يعني رجلاً تزوج قريباً، والعروس يقع على المرأة وعلى الرجل. قوله: (قرب إليهم خوان) هو بكسر الخاء وضمها لغتان الكسر أفصح والجمع أخونة وخون، وليس المراد بهذا الخوان ما نفاه في الحديث المشهور في قوله: (ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قط بل شيء من نحو السفرة).
قوله: (إنا بأرض مضبة) فيها لغتان مشهورتان: إحداهما: فتح الميم والضاد، والثانية: ضم الميم وكسر الضاد والأول أشهر وأفصح أي ذات ضباب كثيرة. قوله: (إني في غائط مضبة) الغائط الأرض المطمئنة. قوله صلى الله عليه وسلم: (فمسخهم دواب يدبون في الأرض) أما يدبون فبكسر الدال، وأما دواب فكذا وقع في بعض النسخ ووقع في أكثرها دواباً بالألف والأول هو الجاري على المعروف المشهور في العربية والله أعلم.
*2* باب إباحة الجراد
*حع) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَىَ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: سَبْعَ غَزَواتٍ. وَقَالَ إِسْحقُ: سِتّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: سِتّ أَوْ سَبْعَ.
وحدّثناه مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ بَشّارٍ عَنْ مُحمّدُ بْنِ جَعْفَرٍ كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: سَبْعَ غَزَوَاتٍ.
قوله: (عن أبي يعفور) هو بالفاء والراء وهو أبو يعفور الأصغر اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وأما أبو يعفور الأكبر فيقال له واقد ويقال وقدان، وسبق بيانهما في كتاب الإيمان وكتاب الصلاة. قوله: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد) فيه إباحة الجراد وأجمع المسلمون على إباحته، ثم قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والجماهير: يحل سواء مات بذكاة أو باصطياد مسلم أو مجوسي، أو مات حتف أنفه سواء قطع بعضه أو أحدث فيه سبب، وقال مالك في المشهور عنه وأحمد في رواية: لا يحل إلا إذا مات بسبب بأن يقطع بعضه أو يسلق أو يلقى في النار حياً أو يشوى، فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل والله أعلم.
*2* باب إباحة الأرنب
*حدّثنا مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَرْنَا فَاسْتَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرّ الظّهْرَانِ. فَسَعَوْا عَلَيْهِ فَلَغَبُوا. قَالَ: فَسَعَيْتُ حَتّىَ أَدْرَكْتُهَا. فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ. فَذَبَحَهَا. فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبِلَهُ.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ يَحْيَىَ: بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا.
قوله: (فاستنفجنا أرنباً بمر الظهران فسعوا عليه فلغبوا) معنى استنفجنا أثرنا ونفرنا، ومر الظهران بفتح الميم والظاء موضع قريب من مكة. قوله: (فلغبوا) هو بفتح الغين المعجمة في اللغة الفصيحة المشهورة، وفي لغة ضعيفة بكسرها حكاهما الجوهري وغيره وضعفوها أي أعيوا، وأكل الأرنب حلال عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى أنهما كرهاها، دليل الجمهور هذا الحديث مع أحاديث مثله ولم يثبت في النهي عنها شيء.
*2* باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدوّ، وكراهة الخذف
*حع 4) حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا كَهْمَسٌ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: رَأَىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغَفّلِ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ يَخْذِفُ. فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ. فَإنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ أَوْ قَالَ يَنْهَىَ عَنِ الْخَذْفِ، فَإِنّهُ لاَ يُصْطَادُ بِهِ الصّيْدُ، وَلاَ يُنْكَأُ بِهِ الْعَدُوّ. وَلَكِنّهُ يَكْسِرُ السّنّ وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ. ثُمّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ. فَقَالَ لَهُ أُخْبِرُكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ، أَوْ يَنْهَىَ عَنِ الْخَذْفِ، ثُمّ أَرَاكَ تَخْذِفُ لاَ أُكَلّمُكَ كَلِمَةً. كَذَا وَكَذَا.
حدّثني أَبُو دَاوُدَ، سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا كَهْمَسٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثنا مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَذْفِ. قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: وَقَالَ: إِنّهُ لاَ يَنْكَأُ الْعَدُوّ وَلاَ يَقْتُلُ الصّيْدَ. وَلَكِنّهُ يَكْسِرُ السّنّ وَيَفْقأُ الْعَيْنَ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيَ: إِنّهَا لاَ تَنْكَأُ العَدُوّ. وَلَمْ يَذْكُرْ: تَفْقَأُ الْعَيْنَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّ قَرِيباً لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ خَذَفَ. قَالَ فَنَهَاهُ وَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ: "إنّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوّاً. وَلَكِنّهَا تَكْسِرُ السّنّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ" قَالَ فَعَادَ فَقَالَ: أُحَدّثُكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْهُ ثُمّ تَخْذِفُ لاَ أُكَلّمُكَ أَبَداً.
وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا الثّقَفِيّ عَنْ أَيّوبَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
ذكر في الباب النهي عن الخذف لكونه لا ينكأ العدو ولا يقتل الصيد ولكن يفقأ العين ويكسر السن، أما الخذف فبالخاء والذال معجمتين وهو رمي الإنسان بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة. قوله: (ينكأ) بفتح الياء وبالهمز في آخره هكذا هو في الروايات المشهورة، قال القاضي: كذا رويناه، قال: وفي بعض الروايات ينكي بفتح الياء وكسر الكاف غير مهموز، قال القاضي: وهو أوجه لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة وليس هذا موضعه إلا على تجوز وإنما هذا من النكاية، يقال: نكيت العدو وأنكيته نكاية ونكأت بالهمز لغة فيه، قال: فعلى هذه اللغة تتوجه رواية شيوخنا ويفقأ العين مهموز. في هذا الحديث النهي عن الخذف لأنه لا مصلحة فيه ويخاف مفسدته ويلتحق به كل ما شاركه في هذا، وفيه أن ما كان فيه مصلحة أو حاجة في قتال العدو وتحصيل الصيد فهو جائز، ومن ذلك رمي الطيور الكبار بالبندق إذا كان لا يقتلها غالباً بل تدرك حية وتذكى فهو جائز. قوله: (أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ثم تخذف لا أكلمك أبداً) فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائماً، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره.
*2* باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "إنّ اللّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ. فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ. وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ. وَلْيُحِدّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ. فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".
وحدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا مُحمّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. كلّ هَؤُلاءِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ وَمَعْنَىَ حَدِيثِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" أما القتلة فبكسر القاف وهي الهيئة والحالة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فأحسنوا الذبح" فوقع في كثير من النسخ أو أكثرها فأحسنوا الذبح بفتح الذال بغيرها، وفي بعضها الذبحة بكسر الذال وبالهاء كالقتلة وهي الهيئة والحالة أيضاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "وليحد" هو بضم الياء يقال أحد السكين وحددها واستحدها بمعنى، وليرح ذبيحته بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك، ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرها إلى مذبحها، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فأحسنوا القتلة) عام في كل قتيل من الذبائح والقتل قصاصاً وفي حد ونحو ذلك، وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام والله أعلم.
*2* باب النهي عن صبر البهائم
*حدّثنا مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ جَدّي، أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، دَارَ الْحَكَمِ بْنِ أَيّوبَ. فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا. قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ.
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. ح وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَتّخِذُوا شَيْئاً فِيهِ الرّوحُ غَرَضاً".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مثْلَهُ.
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ وَ أَبُو كَامِلٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَرّ ابْنُ عُمَرَ بِنَفَرٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَتَرَامَوْنَهَا. فَلَمّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرّقُوا عَنْهَا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَرّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْراً وَهُمْ يَرْمُونَهُ. وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطّيْرِ كُلّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ. فَلَمّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرّقُوا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ اللّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا. إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرّوحُ، غَرَضاً.
حدّثني مُحمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا مُحمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحمّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنَ الدّوَابّ صَبْراً.
وهو حبسها لتقتل برمي ونحوه. قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم).
وفي رواية: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً) قال العلماء: صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه، وهو معنى لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضاً ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها، وهذ النهي للتحريم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر التي بعد هذه: (لعن الله من فعل هذا) ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه وتضييع لماليته وتفويت لذكاته إن كان مذكى ولمنفعته إن لم يكن مذكى.
قوله: (نصبوا طيراً وهم يرمونه) هكذا هو في النسخ طيراً، والمراد به واحد، والمشهور في اللغة أن الواحد يقال له طائر والجمع طير، وفي لغة قليلة إطلاق الطير على الواحد وهذا الحديث جار على تلك اللغة. قوله: (وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم) هو بهمز خاطئة أي ما لم يصب المرمى. وقوله خاطئة لغة والأفصح مخطئة، يقال لمن قصد شيئاً فأصاب غيره غلطاً أخطأ فهو مخطئ، وفي لغة قليلة خطأ فهو خاطئ، وهذا الحديث جاء على اللغة الثانية حكاها أبو عبيد والجوهري وغيرهما والله أعلم.