كتاب الأضاحي
 *1* كتاب الأضاحي
*2* باب وقتها
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيسٍ. ح وحَدّثَنَاه يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ. حَدّثَنِي جُنْدَبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَىَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلّى وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، سَلّمَ. فَإِذَا هُوَ يَرَىَ لَحْمَ أَضَاحِيّ قَدْ ذُبِحَتْ، قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ. فَقَالَ: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ أَوْ نُصَلّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَىَ. وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللّهِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلاّمُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنِ الأَسْوَدِ ابْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَىَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا قَضَىَ صَلاَتَهُ بِالنّاسِ، نَظَرَ إِلَىَ غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ. فَقَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصّلاَةِ، فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللّهِ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالاَ: عَلَى اسْمِ اللّهِ. كَحَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ سَمِعَ جُنْدَباً الْبَجَلِيّ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ يَوْمَ أَضْحًى. ثُمّ خَطَبَ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ، فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللّهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: ضَحّىَ خَالِي، أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصّلاَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنَ الْمَعْزِ. فَقَالَ: "ضَحّ بِهَا. وَلاَ تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ". ثُمّ قَالَ: "مَنْ ضَحّىَ قَبْلَ الصّلاَةِ، فَإِنّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ. وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصّلاَةِ، فَقَدْ تَمّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنّةَ الْمُسْلِمِينَ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنّ خَالَهُ، أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ هَذَا يَوْمٌ، اللّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ. وَإِنّي عَجّلْتُ نَسِيكَتِي لأُطْعِمَ أَهْلِي وَجِيرَانِي وَأَهْلَ دَارِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعِدْ نُسُكاً" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ. هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. فَقَالَ: "هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ. وَلاَ تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ الشّعْبِيّ، عَنِ الْبَرَاءِ ابْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النّحْرِ فَقَالَ "لاَ يَذْبَحَنّ أَحَدٌ حَتّىَ يُصَلّيَ" قَالَ فَقَالَ خَالِي: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ هَذَا يَوْمٌ، اللّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ. ثُمّ ذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ هُشَيْمٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيُرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ عَنْ فرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلّىَ صَلاَتَنَا، وَوَجّهَ قِبْلَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَلاَ يَذْبَحْ حَتّىَ يُصَلّيَ" فَقَالَ خَالِي: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ نَسَكْتُ عَنِ ابْنٍ لِي. فَقَالَ: "ذَاكَ شَيْءٌ عَجّلْتَهُ لأَهْلِكَ" فَقَالَ: إنّ عِنْدِي شَاةً خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ. قَالَ: "ضَحّ بِهَا، فَإِنّهَا خَيْرُ نَسِيكَةٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الإِيَامِيّ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ أَوّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا، نُصَلّي ثُمّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنّتَنَا. وَمَنْ ذَبَحَ، فَإِنّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدّمَهُ لأَهْلِهِ. لَيْسَ مِنَ النّسُكِ فِي شَيْءٍ" وَكَانَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَدْ ذَبَحَ. فَقَالَ: عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنّةٍ. فَقَالَ "اذْبحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ سَمِعَ الشّعْبِيّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النّحْرِ بَعْدَ الصّلاَةِ. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا أَبُو النّعْمَانِ، عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). حَدّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنِ الشّعْبِيّ. حَدّثَنِي الْبَرَاءُ ابْنُ عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ نَحْرٍ. فَقَالَ "لاَ يُضَحّيَنّ أَحَدٌ حَتّىَ يُصَلّيَ" قَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. قَالَ "فَضَحّ بِهَا. وَلاَ تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصّلاَةِ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَبْدِلْهَا" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ عِنْدِي إِلاّ جَذَعَةٌ (قَالَ شُعْبَةُ: وَأَظُنّهُ قَالَ) وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنّةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اجْعَلْهَا مَكَانَهَا. وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ".
وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرِ الشّكّ فِي قوله: هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنّةٍ.
وحدّثني يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ النّحْرِ: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصّلاَةِ، فَلْيُعِدْ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَىَ فِيهِ اللّحْمُ. وَذَكَرَ هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ. كَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَدّقَهُ. قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ هِيَ أَحَبّ إِلَيّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. أَفَأَذْبَحُهَا؟ قَالَ فَرَخّصَ لَهُ. فَقَالَ: لاَ أَدْرِي أَبَلَغَتْ رُخْصَتُهُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ؟ قَالَ: وَانْكَفَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا. فَقَامَ النّاسُ إِلَىَ غُنَيْمَةٍ. فَتَوَزّعُوهَا. أَوْ قَالَ فَتَجَزّعُوهَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا أَيّوبُ وَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ ثُمّ خَطَبَ. فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصّلاَةِ أَنْ يَعِيدَ ذِبْحَاً ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ.
وحدّثني زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسّانِيّ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ وَرْدَانَ). حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أَضْحًى. قَالَ فَوَجَدَ رِيحَ لَحْمٍ. فَنَهَاهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا. قَالَ: "مَنْ كَانَ ضَحّىَ، فَلْيُعِدْ" ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا.
قال الجوهري: قال الأصمعي فيها أربع لغات: أضحية وأضحية بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها، واللغة الثالثة ضحية وجمعها ضحايا، والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى. قال القاضي: وقيل سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار، وفي الأضحى لغتان التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله". وفي رواية: "على اسم الله" قال الكتاب من أهل العربية: إذا قيل باسم الله تعين كتبه بالألف، وإنما تحذف الألف إذا كتب بسم الله الرحمن رحيم بكمالها. وقوله قبل أن يصلي أو نصلي الأول بالياء والثاني بالنون والظاهر أنه شك من الراوي، واختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر فقال جمهورهم: هي سنة في حقه إن تركها بلا عذر لم يأثم ولم يلزمه القضاء، وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم. وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث: هي واجبة على الموسر، وبه قال بعض المالكية. وقال النخعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى. وقال محمد بن الحسن: واجبة على المقيم بالأمصار. والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً والله أعلم. وأما وقت الأضحية فينبغي أن يذبحها بعد صلاته مع الإمام وحينئذٍ تجزيه بالإجماع، قال ابن المنذر: وأجمعوا أنها لا تجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر، واختلفوا فيما بعد ذلك فقال الشافعي وداود وابن المنذر وآخرون: يدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين، فإن ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلى الإمام أم لا، وسواء صلى الضحى أم لا، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادي والمسافرين، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا. وقال عطاء وأبو حنيفة: يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر الثاني ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب فإن ذبح قبل ذلك لم يجزه. وقال مالك: لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه. وقال أحمد: لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام، وسواء عنده أهل الأمصار والقرى، ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق بن راهويه، وقال الثوري: لا يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها، وقال ربيعة فيمن لا إمام له إن ذبح قبل طلوع الشمس لا يجزيه وبعد طلوعها يجزيه، وأما آخر وقت التضحية فقال الشافعي: تجوز في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده، وممن قال بهذا علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ومكحول وداود الظاهري وغيرهم. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: تختص بيوم النحر ويومين بعده، وروي هذا عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وأنس رضي الله عنهم، وقال سعيد بن جبير: تجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة ولأهل القرى يوم النحر وأيام التشريق، وقال محمد بن سيرين: لا تجوز لأحد إلا في يوم النحر خاصة، وحكى القاضي عن بعض العلماء أنها تجوز في جميع ذي الحجة، واختلفوا في جواز التضحية في ليالي أيام الذبح فقال الشافعي: تجوز ليلاً مع الكراهة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور، وقال مالك في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد: لا تجزيه في الليل بل تكون شاة لحم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فليذبح على اسم الله" هو بمعنى رواية فليذبح باسم الله أي قائلاً باسم الله هذا هو الصحيح في معناه. وقال القاضي: يحتمل أربعة أوجه: أحدها: أن يكون معناه فليذبح لله والباء بمعنى اللام. والثاني: معناه فليذبح بسنة الله. والثالث: بتسمية الله على ذبيحته إظهاراً للإسلام ومخالفة لمن يذبح لغيره وقمعاً للشيطان. والرابع: تبركاً باسمه وتيمناً بذكره كما يقال: سر على بركة الله، وسر باسم الله، وكره بعض العلماء أن يقال افعل كذا على اسم الله قال: لأن اسمه سبحانه على كل شيء. قال القاضي: هذا ليس بشيء، قال: وهذا الحديث يرد على هذا القائل. قوله: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم أضحى ثم خطب) قوله أضحى مصروف، وفي هذا أن الخطبة للعيد بعد الصلاة وهو إجماع الناس اليوم، وقد سبق بيانه واضحاً في كتاب الإيمان ثم في كتاب الصلاة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تلك شاة لحم" معناه أي ليست ضحية ولا ثواب فيها بل هي لحم لك تنتفع به كما في الرواية الأخرى: "إنما هو لحم قدمته لأهلك". قوله: (إن عندي جذعة من المعز فقال ضح بها ولا تصلح لغيرك) وفي رواية: "ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك". أما قوله صلى الله عليه وسلم ولا تجزي فهو بفتح التاء هكذا الرواية فيه في جميع الطرق والكتب ومعناه لا تكفي من نحو قوله تعالى: {واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده} وفيه أن جذعة المعز لا تجزى في الأضحية وهذا متفق عليه. قوله: (يا رسول الله إن هذا يوم اللحم فيه مكروه) قال القاضي: كذا رويناه في مسلم مكروه بالكاف والهاء من طريق السنجري والفارسي، وكذا ذكره الترمذي قال: ورويناه في مسلم. من طريق العذري مقروم بالقاف والميم، قال: وصوب بعضهم هذه الرواية وقال: معناه يشتهى فيه اللحم يقال قرمت إلى اللحم وقرمته إذا اشتهيته، قال: وهي بمعنى قوله في غير مسلم: عرفت أنه يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني. وكما جاء في الرواية الأخرى: (إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم) وكذا رواه البخاري. قال القاضي: وأما رواية مكروه فقال بعض شيوخنا: صوابه اللحم فيه مكروه بفتح الحاء أي ترك الذبح والتضحية وبقاء أهله فيه بلا لحم حتى يشتهوه مكروه واللحم بفتح الحاء اشتهاء اللحم. قال القاضي: وقال لي الأستاذ أبو عبد الله بن سليمان معناه ذبح ما لا يجزى في الأضحية مما هو لحم مكروه لمخالفة السنة، هذا آخر ما ذكره القاضي. وقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: معناه هذا يوم طلب اللحم فيه مكروه شاق وهذا حسن والله أعلم. قوله: (عندي عناق لبن) العناق بفتح العين وهي الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة وجمعها أعنق وعنوق، وأما قوله عناق لبن فمعناه صغيرة قريبة مما ترضع. قوله: (عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم) أي أطيب لحماً وأنفع لسمنها ونفاستها، وفيه إشارة إلى أن المقصود في الضحايا طيب اللحم لا كثرته، فشاة نفيسة أفضل من شاتين غير سمينتين بقيمتها، وقد سبقت المسألة في كتاب الإيمان مع الفرق بين الأضحية والعق، ومختصره أن تكثير العدد في العق مقصود فهو الأفضل بخلاف الأضحية. قوله صلى الله عليه وسلم: "هي خير نسيكتيك" معناه أنك ذبحت صورة نسيكتين وهما هذه والتي ذبحها قبل الصلاة وهذه أفضل لأن هذه حصلت بها التضحية والأولى وقعت شاة لحم لكن له فيها ثواب لا بسبب التضحية فإنها لم تقع أضحية بل لكونه قصد بها الخير وأخرجها في طاعة الله، فلهذا دخلهما أفعل التفضيل فقال هذه خير النسيكتين، فإن هذه الصيغة تتضمن أن في الأولى خيراً أيضاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك" معناه جذعة المعز وهو مقتضى سياق الكلام وإلا فجذعة الضأن تجزى. قوله: (عندي جذعة خير من مسنة) المسنة هي الثنية وهي أكبر من الجذعة بسنة فكانت هذه الجذعة أجود لطيب لحمها وسمنها. قوله: (وذكر هنة من جيرانه) أي حاجة. قوله في حديث أنس في الذي رخص له في جذعة المعز: (لا أدري أبلغت رخصته من سواه أم لا) هذا الشك بالنسبة إلى علم أنس رضي الله عنه، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب السابق بأنها لا تبلغ غيره ولا تجزى أحداً بعده. قوله: (وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبشين فذبحهما) انكفأ مهموز أي مال وانعطف، وفيه إجزاء الذكر في الأضحية وأن الأفضل أن يذبحها بنفسه وهما مجمع عليهما، وفيه جواز التضحية بحيوانين. قوله: (فقام الناس إلى غنيمة فتوزعوها أو قال فتجزعوها) هما بمعنى وهذا شك من الراوي في أحد اللفظتين، وقوله غنيمة بضم الغين تصغير الغنم. قوله في حديث محمد بن عبيد الغبري: (ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحاً) أما ذبحاً فاتفقوا على ضبطه بكسر الذال أي حيواناً يذبح كقول الله تعالى: {وفديناه بذبح} وأما قوله: أن يعيد فكذا هو في بعض الأصول المعتمدة بالياء من الإعادة، وفي كثير منها أن يعد بحذف الياء ولكن بتشديد الدال من الإعداد وهو التهيئة والله أعلم.
*2* باب سنّ الأضحية
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَذْبَحُوا إلاّ مُسِنّةً. إِلاّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضّأْنِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: صَلّىَ بِنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النّحْرِ بِالْمَدِينَةِ. فَتَقَدّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا. وَظَنّوا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَحَرَ. فَأَمَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ، أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ. وَلاَ يَنْحَرُوا حَتّىَ يَنْحَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَماً يَقْسِمُهَا عَلَىَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا. فَبَقِيَ عَتُودٌ. فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "ضَحّ بِهِ أَنْتَ".
قَالَ قُتَيْبَةُ: عَلَىَ صَحَابَتِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ عَنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ بَعْجَةَ الْجُهَنِيّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا ضَحَايَا، فَأَصَابَنِي جَذَعٌ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهُ أَصَابَنِي جَذَعٌ. فَقَالَ: "ضَحّ بِهِ".
وحدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يَعْنِي ابْنَ حَسّانَ). أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ (وَهُوَ ابْنُ سَلاّمٍ). حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. أَخْبَرَنِي بَعْجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ. بِمِثْلِ مَعْنَاهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضي عياض، ونقل العبدري وغيره من أصحابنا عن الأوزاعي أنه قال: يجزى الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن، وحكي هذا عن عطاء. وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة يجزى سواء وجد غيره أم لا. وحكوا عن ابن عمر والزهري أنهما قالا لا يجزى وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث. قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزى بحال، وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب والله أعلم. وأجمع العلماء على أنه لا تجزى الضحية بغير الإبل والبقر والغنم إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظبي عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش والله أعلم. والجذع من الضأن ماله سنة تامة هذا هو الأصح عند أصحابنا وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم، وقيل ماله ستة أشهر، وقيل سبعة، وقيل ثمانية، وقيل ابن عشرة حكاه القاضي وهو غريب، وقيل إن كان متولداً من بين شابين فستة أشهر، وإن كان من هرمين فثمانية أشهر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن أفضل الأنواع البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز، وقال مالك: الغنم أفضل لأنها أطيب لحماً، حجة الجمهور أن البدنة تجزى عن سبعة وكذا البقرة، وأما الشاة فلا تجزى إلا عن واحد بالاتفاق فدل على تفضيل البدنة والبقرة، واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم فقيل الإبل أفضل من البقرة، وقيل البقرة أفضل من الإبل وهو الأشهر عندهم، وأجمع العلماء على استحباب سمينها وطيبها واختلفوا في تسمينها، فمذهبنا ومذهب الجمهور استحبابه، وفي صحيح البخاري عن أبي أمامة: "كنا نسمن الأضحية وكان المسلمون يسمنون". وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك لئلا يتشبه باليهود وهذا قول باطل.
قوله: (فأمرهم أن لا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم) هذا مما يحتج به مالك في أنه لا يجزى الذبح إلا بعد ذبح الإمام كما سبق في مسألة اختلاف العلماء في ذلك والجمهور يتأولونه على أن المراد زجرهم عن التعجيل الذي قد يؤدي إلى فعلها قبل الوقت، ولهذا جاء في باقي الأحاديث التقييد بالصلاة وأن من ضحى بعدها أجزأه ومن لا فلا.
قوله في حديث عقبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنماً يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عتود فقال ضح به أنت) قال أهل اللغة: العتود من أولاد المعز خاصة وهو ما رعي وقوي، قال الجوهري وغيره: هو ما بلغ سنة، وجمعه أعتدة وعدان بإدغام التاء في الدال. قال البيهقي وسائر أصحابنا وغيرهم: كانت هذه رخصة لعقبة بن عامر كما كان مثلها رخصة لأبي بردة بن نيار المذكور في حديث البراء بن عازب السابق. قال البيهقي: وقد روينا ذلك من رواية الليث بن سعد ثم روى ذلك بإسناده الصحيح عن عقبة بن عامر قال: (أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم غنماً أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقي عتود منها فقال ضح بها أنت ولا رخصة لأحد فيها بعدك) قال البيهقي: وعلى هذا يحمل أيضاً ما رويناه عن زيد بن خالد قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه غنماً فأعطاني عتوداً جذعاً فقال ضح به فقلت إنه جذع من المعز أضحي به قال نعم ضح به فضحيت) هذا كلام البيهقي، وهذا الحديث رواه أبو داود بإسناد جيد حسن، وليس فيه رواية أبي داود من المعز ولكنه معلوم من قوله عتود، وهذا التأويل الذي قاله البيهقي وغيره متعين والله أعلم. قوله: (عن يحيى بن أبي كثير عن بعجة) هو بالباء الموحدة مفتوحة.
*2* باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحّى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمّىَ وَكَبّرَ. وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَىَ صِفَاحِهِمَا.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ. وَرَأَيْتُهُ وَاضِعاً قَدَمَهُ عَلَىَ صِفَاحِهِمَا. قَالَ: وَسَمّىَ وَكَبّرَ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: ضَحّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِه
قَالَ قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ سَعِيدٍ. عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَيَقُولُ: "بِاسْمِ اللّهِ، وَاللّهُ أَكْبَرُ".
حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. قَالَ: قَالَ حَيْوَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ. فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحّيَ بِهِ. فَقَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ هَلُمّي الْمُدْيَةَ". ثُمّ قَالَ "اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" فَفَعَلَتْ. ثُمّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ. ثُمّ ذَبَحَهُ. ثُمّ قَالَ "بِاسْمِ اللّهِ. اللّهُمّ تَقَبّلْ مِنْ مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ. وَمِنْ أُمّةِ مُحَمّدٍ" ثُمّ ضَحّىَ بِهِ.
قوله: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين وذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) قال ابن الأعرابي وغيره: الأملح هو الأبيض الخالص البياض. وقال الأصمعي: هو الأبيض ويشوبه شيء من السواد. وقال أبو حاتم: هو الذي يخالط بياضه حمرة. وقال بعضهم: هو الأسود يعلوه حمرة. وقال الكسائي: هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر. وقال الخطابي: هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود. وقال الداودي: هو المتغير الشعر بسواد وبياض. وقوله: (أقرنين) أي لكل واحد منهما قرنان حسنان، قال العلماء: فيستحب الأقرن. وفي هذا الحديث جواز تضحية الإنسان بعدد من الحيوان واستحباب الأقرن، وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم الذي لم يخلق له قرنان، واختلفوا في مكسور القرن فجوزه الشافعي وأبو حنيفة والجمهور سواء كان يدمي أم لا، وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيباً، وأجمعوا على استحباب استحسانها واختيار أكملها، وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو المرض والعجف والعور والعرج البين لا تجزى التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح كالعمى وقطع الرجل وشبهه، وحديث البراء هذا لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، ولكنه صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم من أصحاب السنن بأسانيد صحيحة وحسنة، قال أحمد بن حنبل: ما أحسنه من حديث. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح والله أعلم. وأما قوله: (أملحين) ففيه استحباب استحسان لون الأضحية وقد أجمعوا عليه قال أصحابنا: أفضلها البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء وهي التي لا يصفو بياضها، ثم البلقاء وهي التي بعضها أبيض وبعضها أسود، ثم السوداء. وأما قوله في الحديث الاَخر: (يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد) فمعناه أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود والله أعلم. قوله: (ذبحهما بيده) فيه أنه يستحب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بنفسه ولا يوكل في ذبحها إلا العذر، وحينئذ يستحب أن يشهد ذبحها وإن استناب فيها مسلماً جاز بلا خلاف، وإن استناب كتابياً كره كراهية تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكاً في إحدى الروايتين عنه فإنه لم يجوزها، ويجوز أن يستنيب صبياً أو امرأة حائضاً لكن يكره توكيل الصبي، وفي كراهة توكيل الحائض وجهان، قال أصحابنا: الحائض أولى بالاستنابة من الصبي والصبي أولى من الكتابي، قال أصحابنا: والأفضل لمن وكل أن يوكل مسلماً فقيهاً بباب الذبائح والضحايا لأنه أعرف بشروطها وسننها والله أعلم. قوله: (وسمى) فيه إثبات التسمية على الضحية وسائر الذبائح وهذا مجمع عليه لكن هل هو شرط أم مستحب؟ فيه خلاف سبق إيضاحه في كتاب الصيد. قوله: (وكبر) فيه استحباب التكبير مع التسمية فيقول بسم الله والله أكبر. قوله: (ووضع رجله على صفاحهما) أي صفحة العنق وهي جانبه، وإنما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه، وهذا أصح من الحديث الذي جاء بالنهي عن هذا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "هلمي المدية" أي هاتيها وهي بضم الميم وكسرها وفتحها وهي السكين. قوله صلى الله عليه وسلم: "اشحذيها بحجر" هو بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي حدديها، وهذا موافق للحديث السابق في الأمر بإحسان القتلة والذبح وإحداد الشفرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأخذ الك فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به" هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره فأضجعه وأخذ في ذبحه قائلاً: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمته مضحياً به، ولفظة ثم هنا متأولة على ما ذكرته بلا شك، وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق بها، وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع المسلمون عليه، واتفق العلماء وعمل المسلمين، على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار. قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) فيه دليل لاستحباب قول المضحي حال الذبح مع التسمية والتكبير: اللهم تقبل مني، قال أصحابنا: ويستحب معه: اللهم منك وإليك تقبل مني، فهذا مستحب عندنا وعند الحسن وجماعة وكرهه أبو حنيفة، وكره مالك: اللهم منك وإليك وقال: هي بدعة، واستدل بهذا من جوز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وزعم الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ أو مخصوص وغلطه العلماء في ذلك فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى.
*2* باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، إلا السن والظفر وسائر العظام
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا لاَقُو الْعَدُوّ غَداً. وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدىً. قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَعْجِلْ أَوْ أَرْنِي. مَا أَنْهَرَ الدّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللّهِ فَكُلْ. لَيْسَ السّنّ وَالظّفُرَ. وَسَأُحَدّثُكَ. أَمّا السّنّ فَعَظْمٌ. وَأَمّا الظّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ" قَالَ: وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ. فَنَدّ مِنْهَا بَعِيرٌ. فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ لِهَذِهِ الإِبِلِ. أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ. فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ. فَأَصَبْنَا غَنَماً وَإِبِلاً. فَعَجِلَ الْقَوْمُ. فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ. فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ. ثُمّ عَدَلَ عَشْراً مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ. وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ كَنَحْوِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ، عَنْ جَدّهِ رَافِعٍ. ثُمّ حَدّثَنِيهِ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا لاَقُو الْعَدُوّ غَداً. وَلَيْسَ مَعَنَا مُدىً. فَنُذَكّي بِاللّيطِ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِقِصّتِهِ. وَقَالَ: فَنَدّ عَلَيْنَا بَعِيرٌ مِنْهَا، فَرَمَيْنَاهُ بِالنّبْلِ حَتّىَ وَهَصْنَاهُ.
م 3 (...) وَحَدّثَنِيهِ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، الْحَدِيثَ إِلَىَ آخِرِهِ بِتَمَامِهِ. وَقَالَ فِيهِ: وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدىً، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاَعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا لاَقُو الْعَدُوّ غَداً. وَلَيْسَ مَعَنَا مُدىً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ. وَذَكَرَ سَائِرَ الْقِصّةِ.
قوله: (قلت يا رسول الله إنا لاقو العدو غداً وليس معنا مدي قال أعجل أو أرن) أما أعجل فهو بكسر الجيم، وأما أرن فبفتح الهمزة وكسر الراء وإسكان النون، وروي بإسكان الراء وكسر النون، وروي أرني بإسكان الراء وزيادة ياء، وكذا وقع هنا في أكثر النسخ. قال الخطابي: صوابه أأرن على وزن أعجل وهو بمعناه وهو من النشاط والخفة أي أعجل ذبحها لئلا تموت خنقاً، قال: وقد يكون أرن على وزن أطع أي أهلكها ذبحاً من أران القوم إذا هلكت مواشيهم، قال: ويكون أرن على وزن أعط بمعنى أدم الحز ولا تفتر من قولهم رنوت إذا أدمت النظر، وفي الصحيح أرن بمعنى أعجل وأن هذا شك من الراوي هل قال أرن أو قال أعجل؟ قال القاضي عياض: وقد رد بعضهم على الخطابي قوله أنه من أران القوم إذا هلكت مواشيهم لأن هذا لا يتعدى والمذكور في الحديث متعد على ما فسره، ورد عليه أيضاً قوله أنه أأرن إذ لا تجتمع همزتان إحداهما ساكنة في كلمة واحدة وإنما يقال في هذا أيرن بالياء. قال القاضي: وقال بعضهم معنى أرني بالياء سيلان الدم. وقال بعض أهل اللغة: صواب اللفظة بالهمز والمشهور بلا همز والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر" أما السن والظفر فمنصوبان بالاستثناء بليس، وأما أنهره فمعناه أساله وصبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر يقال نهر الدم وأنهرته. قوله صلى الله عليه وسلم: "وذكر اسم الله" هكذا هو في النسخ كلها وفيه محذوف أي وذكر اسم الله عليه أو معه، ووقع في رواية أبي داود وغيره وذكر اسم الله عليه، قال العلماء: ففي هذا الحديث تصريح بأنه يشترط في الذكاة ما يقطع ويجري الدم ولا يكفي رضها ودمغها بما لا يجري الدم. قال القاضي: وذكر الخشني في شرح هذا الحديث ما أنهز بالزاي والنهز بمعنى الدفع، قال: وهذا غريب والمشهور بالراء المهملة، وكذا ذكره إبراهيم الحربي والعلماء كافة بالراء المهملة، قال بعض العلماء: والحكمة في اشتراط الذبح وانهار الدم تميز حلال اللحم والشحم من حرامهما وتنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها، وفي هذا الحديث تصريح بجواز الذبح بكل محدد يقطع إلا الظفر والسن وسائر العظام فيدخل في ذلك السيف والسكين والسنان والحجر والخشب والزجاج والقصب والخزف والنحاس وسائر الأشياء المحددة فكلها تحصل بها الذكاة إلا السن والظفر والعظام كلها، أما الظفر فيدخل فيه ظفر الاَدمي وغيره من كل الحيوانات، وسواء المتصل والمنفصل الطاهر والنجس فكله لا تجوز الذكاة به للحديث، وأما السن فيدخل فيه سن الاَدمي وغيره الطاهر والنجس والمتصل والمنفصل، ويلحق به سائر العظام من كل الحيوان المتصل منها والمنفصل الطاهر والنجس فكله لا تجوز الذكاة بشي منه، قال أصحابنا: وفهمنا العظام من بيان النبي صلى الله عليه وسلم العلة في قوله أما السن فعظم أي نهيتكم عنه لكونه عظماً، فهذا تصريح بأن العلة كونه عظماً، فكل ما صدق عليه اسم العظم لا تجوز الذكاة به، وقد قال الشافعي وأصحابه بهذا الحديث في كل ما تضمنه على ما شرحته، وبهذا قال النخعي والحسن بن صالح والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وفقهاء الحديث وجمهور العلماء. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يجوز بالسن والعظم المتصلين ويجوز بالمنفصلين. وعن مالك روايات أشهرها جوازه بالعظم دون السن كيف كانا. والثانية: كمذهب الجمهور. والثالثة: كأبي حنيفة. والرابعة: حكاها عنه ابن المنذر يجوز بكل شيء حتى بالسن والظفر. وعن ابن جريج جواز الذكاة بعظم الحمار دون القرد، وهذا مع ما قبله باطلان منابذان للسنة. قال الشافعي وأصحابه وموافقوهم: لا تحصل الذكاة إلا بقطع الحلقوم والمريء بكمالهما ويستحب قطع الودجين ولا يشترط وهذا أصح الروايتين عن أحمد. وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه إذا قطع الحلقوم والمريء والودجين وأسال الدم حصلت الذكاة، قال: واختلفوا في قطع بعض هذا فقال الشافعي: يشترط قطع الحلقوم والمريء ويستحب الودجان، وقال الليث وأبو ثور وداود وابن المنذر: يشترط الجميع. وقال أبو حنيفة: إذا قطع ثلاثة من هذه الأربعة أجزأه. وقال مالك: يجب قطع الحلقوم والودجين ولا يشترط المريء وهذه رواية عن الليث أيضاً. وعن مالك رواية أنه يكفي قطع الودجين وعنه اشتراط قطع الأربعة كما قال الليث وأبو ثور. وعن أبي يوسف ثلاث روايات: إحداها: كأبي حنيفة. والثانية: إن قطع الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية حلت وإلا فلا. والثالثة: يشترط قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين. وقال محمد بن الحسن: إن قطع من كل واحد من الأربعة أكثره حل وإلا فلا والله أعلم. قال بعض العلماء: وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم" فكل دليل على جواز ذبح المنحور ونحر المذبوح، وقد جوزه العلماء كافة إلا داود فمنعهما وكرهه مالك كراهة تنزيه، وفي رواية كراهة تحريم، وفي رواية عنه إباحة ذبح المنحور دون نحر المذبوح، وأجمعوا أن السنة في الإبل النحر وفي الغنم الذبح والبقر كالغنم عندنا وعند الجمهور، وقيل يتخير بين ذبحها ونحرها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أما السن فعظم" معناه فلا تذبحوا به فإنه يتنجس بالدم وقد نهيتم عن الاستنجاء بالعظام لئلا تتنجس لكونها زاد إخوانكم من الجن. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وأما الظفر فمدى الحبشة" فمعناه أنهم كفار وقد نهيتم عن التشبيه بالكفار وهذا شعار لهم. قوله: (فأصبنا نهب إبل وغنم فندمنها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا) أما النهب بفتح النون فهو المنهوب وكان هذا النهب غنيمة. وقوله: (فندمنها بعير) أي شرد وهرب نافراً، والأوابد النفور والتوحش وهو جمع آبدة بالمد وكسر الباء المخففة ويقال منه أبدت بفتح الباء تأبد بضمها وتأبد بكسرها وتأبدت، ومعناه نفرت من الإنس وتوحشت، وفي هذا الحديث دليل لإباحة عقر الحيوان الذي يند ويعجز عن ذبحه ونحره. قال أصحابنا وغيرهم: الحيوان المأكول الذي لا تحل ميتته ضربان مقدور على ذبحه ومتوح 5، فالمقدور عليه لا يحل إلا بالذبح في الحلق واللبة كما سبق وهذا مجمع عليه، وسواء في هذا الإنسي والوحشي إذا قدر على ذبحه بأن أمسك الصيد أو كان متأنساً فلا يحل إلا بالذبح في الحلق واللبة، وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه يذبح ما دام متوحشاً، فإذا رماه بسهم أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئاً منه ومات به حل بالإجماع، وأما إذا توحش إنسي بأن ند بعير أو بقرة أو فرس أو شردت شاة أو غيرها فهو كالصيد فيحمل بالرمي إلى غير مذبحه وبإرسال الكلب وغيره من الجوارح عليه، وكذا لو تردى بعير أو غيره في بئر ولم يمكن قطع حلقومه ومريئه فهو كالبعير الناد في حله بالرمي بلا خلاف عندنا، وفي حله بإرسال الكلب وجهان أصحهما لا يحل، قال أصحابنا: وليس المراد بالتوحش مجرد الإفلات بل متى تيسر لحوقه بعد ولو باستعانة بمن يمسكه ونحو ذلك فليس متوحشاً ولا يحل حينئذٍ إلا بالذبح في المذبح، وإن تحقق العجز في الحال جاز رميه ولا يكلف الصبر إلى القدرة عليه، وسواء كانت الجراحة في فخذه أو خاصرته أو غيرهما من بدنه فيحل، هذا تفصيل مذهبنا، وممن قال بإباحة عقر الناد كما ذكرنا علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء والشعبي والحسن البصري والأسود بن يزيد والحكم وحماد والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود والجمهور، وقال سعيد بن المسيب وربيعة والليث ومالك: لا يحل إلا بذكاة في حلقه كغيره دليل الجمهور حديث رافع المذكور والله أعلم. قوله: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة) قال العلماء: الحليفة هذه مكان من تهامة بين حاذة وذات عرق وليست بذي الحليفة التي هي ميقات أهل المدينة، هكذا ذكره الحازمي في كتابه المؤتلف في أسماء الأماكن لكنه قال: الحليفة من غير لفظ ذي، والذي في صحيح البخاري ومسلم بذي الحليفة فكأنه يقال بالوجهين. قوله: (فأصبنا غنماً وإبلاً فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها فكفئت) معنى كفئت أي قلبت وأريق ما فيها، وإنما أمر بإراقتها لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة، فإن الأكل من الغنائم قبل القسمة إنما يباح في دار الحرب، وقال المهلب بن أبي صفرة المالكي: إنما أمروا بإكفاء القدور عقوبة لهم لاستعجالهم في السير وتركهم النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم متعرضاً لمن يقصده من عدو ونحوه والأول أصح. واعلم أن المأمور به من إراقة القدور إنما هو إتلاف لنفس المرق عقوبة لهم، وأما نفس اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم ولا يظن أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإتلافه لإنه مال للغانمين وقد نهى عن إضاعة المال، مع أن الجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة إذ من جملتهم أصحاب الخمس ومن الغانمين من لم يطبخ. فإن قيل: فلم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم. قلنا: ولم ينقل أيضاً أنهم أحرقوه وأتلفوه وإذا لم يأت فيه نقل صريح وجب تأويله على وفق القواعد الشرعية وهو ما ذكرناه، وهذا بخلاف إكفاء قدور لحم الحمر الأهلية يوم خيبر فإنه أتلف ما فيها من لحم ومرق لأنها صارت نجسة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها انها رجس أو نجس كما سبق في بابه، وأما هذه اللحوم فكانت طاهرة منتفعاً بها بلا شك فلا يظن إتلافها والله أعلم. قوله: (ثم عدل عشراً من الغنم بجزور) هذا محمول على أن هذه كانت قيمة هذه الغنم والإبل فكانت الإبل نفيسة دون الغنم بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه، ولا يكون هذا مخالفاً لقاعدة الشرع في باب الأضحية في إقامة البعير مقام سبع شياه، لأن هذا هو الغالب في قيمة الشياه والإبل المعتدلة، وأما هذه القسمة فكانت قضية اتفق فيها ما ذكرناه من نفاسة الإبل دون الغنم، وفيه أن قسمة الغنيمة لا يشترط فيها قسمة كل نوع على حدة.
قوله: (فنذكي بالليط) هو بلام مكسورة ثم ياء مثناة تحت ساكنة ثم طاء مهملة وهي قشور القصب، وليط كل شيء قشوره والواحدة ليطة وهو معنى قوله في الرواية الثانية: (أفنذبح بالقصب) وفي رواية أبي داود وغيره: (أفنذبح بالمروة) فهو محمول على أنهم قالوا هذا وهذا، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بجواب جامع لما سألوه ولغيره نفياً وإثباتاً فقال: (كل ما أنهر الدم وذكر اسم الله) فكل ليس السن والظفر. قوله: (فرميناه بالنبل حتى وهصناه) هو بهاء مفتوحة مخففة ثم صاد مهملة ساكنة ثم نون ومعناه رميناه رمياً شديداً، وقيل أسقطناه إلى الأرض، ووقع في غير مسلم رهصناه بالراء أي حبسناه.
*2* باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام. وبيان نسخه وإباحه إلى متى شاء
*حدّثني عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنَا الزّهْرِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَبَدَأَ بِالصّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَقَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ مِنْ لُحُومِ نُسُكِنَا بَعْدَ ثَلاَثٍ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. قَالَ: ثُمّ صَلّيْتُ مَعَ عَلَيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ فَصَلّىَ لَنَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ. ثُمّ خَطَبَ النّاسَ فَقَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ. فَلاَ تَأْكُلُوا.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا ابنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيّتِهِ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ اللّيْثِ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِي بَعْدَ ثَلاَثٍ.
قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ لُحُومَ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: بَعْدَ ثَلاَثٍ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالَتْ: صَدَقَ. سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حُضْرَةَ الأَضْحَىَ، زَمَنَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ادّخِرُوا ثَلاَثاً. ثُمّ تَصَدّقُوا بِمَا بَقِيَ" فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّاسَ يَتّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَمَا ذَاكَ؟" قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ. فَقَالَ: "إِنّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدّافّةِ الّتِي دَفّتْ. فَكُلُوا وَادّخِرُوا وَتَصَدّقُوا".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ. ثُمّ قَالَ بَعْدُ: "كُلُوا وَتَزَوّدُوا وَادّخِرُوا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. حَدّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْن عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: كُنّا لا نَأَكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاَثِ مِنىً. فَأَرْخَصَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "كُلُوا وَتَزَوّدُوا".
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ جَابِرٌ: حَتّىَ جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ عَدِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا لاَ نُمْسِكُ لُحُومَ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ. فَأَمْرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَزَوّدَ مِنْهَا، وَنَأْكُلَ مِنْهَا (يَعْنِي فَوْقَ ثَلاَثٍ).
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. عَنْ عَمْرٍو. عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنّا نَتَزَوّدُهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لاَ تَأْكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ" (وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: ثَلاَثَةِ أَيّامٍ).
فَشَكَوْا إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّ لَهُمْ عِيَالاً وَحَشَماً وَخَدَماً. فَقَالَ: "كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْبِسُوا أَوِ ادّخِرُوا". قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: شَكّ عَبْدُ الأَعْلَىَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ضَحّىَ مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنّ فِي بَيْتِهِ، بَعْدَ ثَالِثَةٍ، شَيْئاً". فَلَمّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمقْبِلِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ أَوّلَ؟ فَقَالَ: "لاَ. إِنّ ذَاكَ عَامٌ كَانَ النّاسُ فِيهِ بِجَهْدٍ. فَأَرَدْتُ أَنْ يَفْشُوَ فِيهِمْ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَىَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزّاهِرِيّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِيّتَهُ ثُمّ قَالَ: "يَا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ" فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتّىَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ ابْنُ رَافِعٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. كِلاَهُمَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ. حَدّثَنِي الزّبَيْدِيّ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ "أَصْلِحْ هَذَا اللّحْمَ" قَالَ فَأَصْلَحْتُهُ. فَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ مِنْهُ حَتّىَ بَلَغَ الْمَدِينَةَ.
وحدّثنيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَقُلْ: فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرّةَ) عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. حَدّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرّةَ، أَبُو سِنَانٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا. وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ. وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النّبِيذِ إِلاّ فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلّهَا. وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِراً".
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا الضّحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "كْنْتُ نَهَيْتُكُمْ" فَذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
قوله: (حدثني عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن أبي عبيد قال: شهدت العيد مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر الحديث) قال القاضي: لهذا الحديث من رواية سفيان عند أهل الحديث علة في رفعه لأن الحفاظ من أصحاب سفيان لم يرفعوه ولهذا لم يروه البخاري من رواية سفيان ورواه من غير طريقة، قال الدارقطني: هذا مما وهم فيه عبد الجبار بن العلاء لأن علي بن المديني وأحمد بن حنبل والقعنبي وأبا خيثمة وإسحاق وغيرهم رووه عن ابن عيينة موقوفاً، قال: ورفع الحديث عن الزهري صحيح من غير طريق سفيان، فقد رفعه صالح ويونس ومعمر والزبيدي ومالك من رواية جويرية كلهم رووه عن الزهري مرفوعاً، هذا كلام الدارقطني والمتن صحيح بكل حال والله أعلم. قوله في حديث علي رضي الله عنه أنه خطب فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلا تأكلوا).
وفي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأكل أحدكم من أضحيته فوق ثلاثة أيام" قال سالم: وكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وذكر حديث جابر مثله في النهي ثم قال: (كلوا بعد وادخروا وتزودوا) وحديث عائشة: (أنه دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ادخروا ثلاثة أيام ثم تصدقوا، ثم ذكر الحديث: إنما كنت نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا) وذكر معناه من حديث جابر وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد وثوبان وبريدة. قال القاضي: واختلف العلماء في الأخذ بهذه الأحاديث فقال قوم: يحرم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاث وان حكم التحريم باق كما قاله علي وابن عمر. وقال جماهير العلماء: يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث والنهي منسوخ بهذه الأحاديث المصرحة بالنسخ لا سيما حديث بريدة وهذا من نسخ السنة بالسنة، وقال بعضهم: ليس هو نسخاً بل كان التحريم لعلة فلما زالت زال لحديث سلمة وعائشة، وقيل: كان النهي الأول للكراهة لا للتحريم، قال هؤلاء: والكراهة باقية إلى اليوم ولكن لا يحرم، قالوا: ولو وقع مثل تلك العلة اليوم فدفت دافة واساهم الناس، وحملوا على هذا مذهب علي وابن عمر والصحيح نسخ النهي مطلقاً وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث والأكل إلى متى شاء لصريح حديث بريدة وغيره والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "بعد ثلاث" قال القاضي: يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبحها، ويحتمل من يوم النحر وإن تأخر ذبحها إلى أيام التشريق قال وهذا أظهر. قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت) قال أهل اللغة: الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعاً سيراً خفيفاً، ودف يدف بكسر الدال ودافة الأعراب من يرد منهم المصر، والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة.
قوله: (دف أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى) هي بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها وهو ضعيف وإنما تفتح إذا حذفت الهاء فيقال بحضر فلان. قوله: (إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك) قوله يجملون بفتح الياء مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم، يقال جملت الدهن أجمله بكسر الميم وأجمله بضمها جملاً وأجملته أجمله إجمالاً أي أذبته وهو بالجيم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا" هذا تصريح بزوال النهي عن ادخارها فوق ثلاث، وفيه الأمر بالصدقة منها والأمر بالأكل، فأما الصدقة منها إذا كانت أضحية تطوع فواجبة على الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها ويستحب أن يكون بمعظمها، قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، وفيه قول أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف وهذا الخلاف في قدر أدنى الكمال في الاستحباب، فأما الإجزاء فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كما ذكرنا، ولنا وجه أنه لا تجب الصدقة بشيء منها، وأما الأكل منها فيستحب ولا يجب، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا حكاه عنه الماوردي لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل مع قوله تعالى: {فكلوا منها} وحمل الجمهور هذا الأمر على الندب أو الإباحة لا سيما وقد ورد بعد الحظر كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} وقد اختلف الأصوليون المتكلمون في الأمر الوارد بعد الحظر فالجمهور من أصحابنا وغيرهم على أنه للوجوب كما لو ورد ابتداء، وقال جماعة منهم من أصحابنا وغيرهم أنه للإباحة.
قوله في حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر: (قلت لعطاء قال جابر حتى جئنا المدينة قال نعم) ووقع في البخاري لا بدل قوله هنا نعم فيحتمل أنه نسي في وقت فقال لا وذكر في وقت فقال نعم.
قوله: (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري) هكذا وقع في نسخ بلادنا سعيد عن قتادة عن أبي نضرة، وكذا ذكره أبو علي الغساني والقاضي عن نسخة الجلودي والكسائي قالا: وفي نسخة ابن ماهان سعيد عن أبي نضرة من غير ذكر قتادة، وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقي في الأطراف وخلف الواسطي، قال أبو علي الغساني: وهذا هو الصواب عندي والله أعلم. قوله في طريق ابن أبي شيبة وابن المثنى: (عن أبي نضرة عن أبي سعيد) هذا خلاف عادة مسلم في الاقتصار، وكان مقتضى عادته حذف أبي سعيد في الطريق الأول ويقتصر على أبي نضرة ثم يقول ح ويتحول فإن مدار الطريقين على أبي نضرة والعبارة فيهما عن أبي سعيد الخدري بلفظ واحد وكان ينبغي تركه في الأولى. قوله: (أن لهم عيالاً وحشماً وخدماً) قال أهل اللغة: الحشم بفتح الحاء والشين هم اللائذون بالإنسان يخدمونه ويقومون بأموره، وقال الجوهري: هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لأنهم يغضبون له، والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء أيضاً، ومنه قولهم: فلان لا يحتشم أي لا يستحي، ويقال حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته فاستحي الخجلة وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ذلك عام كان الناس فيه بجهد فأردت أن يفشو فيهم) هكذا هو في جميع نسخ مسلم يفشو بالفاء والشين أي يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع به المحتاجون، ووقع في البخاري يعينوا بالعين من الإعانة، قال القاضي في شرح مسلم: الذي في مسلم أشبه، وقال في المشارق: كلاهما صحيح والذي في البخاري أوجه والله أعلم. والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة.
قوله: "عن ثوبان قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح هذه فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة، هذا فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه، وفيه أن الإدخار والتزود في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج صاحبه عن التوكل، وفيه أن الضحية مشروعة للمسافر كما هي مشروعة للمقيم) وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء، وقال النخعي وأبو حنيفة: لا ضحية على المسافر، وروي هذا عن علي رضي الله تعالى عنه، وقال مالك وجماعة: لا تشرع للمسافر بمنى ومكة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً" هذا الحديث مما صرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعاً، قال العلماء: يعرف نسخ الحديث تارة بنص كهذا وتارة بأخبار الصحابي ككان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، وتارة بالتاريخ إذا تعذر الجمع، وتارة بالإجماع كترك قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، والإجماع لا ينسخ لكن يدل على وجود ناسخ، أما زيارة القبور فسبق بيانها في كتاب الجنائز، وأما الانتباذ في الأسقية فسبق شرحه في كتاب الإيمان، وسنعيده قريباً في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى، ونذكر هناك اختلاف ألفاظ هذا الحديث وتأويل المؤول منها، وأما لحوم الأضاحي فذكرنا حكمها والله أعلم.
*2* باب الفرع والعتيرة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ".
زَادَ ابْنُ رَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ: وَالْفَرَعُ أَوّلُ النّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا فرع ولا عتيرة" والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه، قال أهل اللغة وغيرهم: الفرع بفاء ثم راء مفتوحتين ثم عين مهملة ويقال فيه الفرعة بالهاء والعتيرة بعين مهملة مفتوحة ثم تاء مثناة من فوق، قالوا: والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية أيضاً، واتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا، وأما الفرع فقد فسره هنا بأنه أول النتاج كانوا يذبحونه، قال الشافعي وأصحابه وآخرون: هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها، وهكذا فسره كثيرون من أهل اللغة وغيرهم، وقال كثيرون منهم: هو أول النتاج كانوا يذبحونه لاَلهتهم وهي طواغيتهم، وكذا جاء في هذا التفسير في صحيح البخاري وسنن أبي داود، وقيل هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه، وقال شمر: قال أبو مالك كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قدم بكراً فنحره لصنمه ويسمونه الفرع وقد صح الأمر بالعتيرة والفرع في هذا الحديث وجاءت به أحاديث، منها حديث نبيشة رضي الله عنه قال: "نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب قال: اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا لله وأطعموا، قال: إنا كنا نفرع فرعاً في الجاهلية فما تأمرنا؟ فقال: في كل سائمة فرع تعدوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه" رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة. قال ابن المنذر: هو حديث صحيح. قال أبو قلابة أحد رواة هذا الحديث: السائمة مائة. ورواه البيهقي بإسناد الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة" وفي رواية: "من كل خمسين شاة شاة" قال ابن المنذر: حديث عائشة صحيح. وفي سنن أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال الراوي أراه عن جده قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرع قال: الفرع حق وإن تتركوه حتى يكون بكراً أو ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره وتكفأ إناؤك وتوله ناقتك" قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الفرع حق ولكنهم كانوا يذبحونه حين يولد ولا شبع فيه ولهذا قال تذبحه فيلزق لحمه بوبره، وفيه أن ذهاب ولدها يدفع لبنها ولهذا قال: خير من أن تكفأ يعني إذا فعلت ذلك فكأنك كفأت إناءك وأرقته وأشاربه إلى ذهاب اللبن. وفيه أنه يفجعها بولدها ولهذا قال: وتوله ناقتك فأشار بتركه حتى يكون ابن مخاض وهو ابن سنة ثم يذهب وقد طاب لحمه واستمتع بلبن أمه ولا تشق عليها مفارقته لأنه استغنى عنها، هذا كلام أبي عبيد. وروى البيهقي بإسناده عن الحارث بن عمر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات أو قال بمنى وسأله رجل عن العتيرة فقال: "من شاء عتر ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع". وعن أبي رزين قال: "يا رسول الله إنا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب فنأكل منها ونطعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس بذلك". وعن أبي رملة عن مخنف بن سليم قال: "كنا وقوفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول: يا أيها الناس إن على أهل كل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدري ما العتيرة؟ هي التي تسمى الرجبية" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، قال الترمذي: حديث حسن. وقال الخطابي: هذا الحديث ضعيف المخرج لأن أبا رملة مجهول، هذا مختصر ما جاء من الأحاديث في الفرع والعتيرة. قال الشافعي: رضي الله عنه: الفرع شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته فلا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال: "فرعوا إن شئتم" أي اذبحوا إن شئتم، وكانوا يسألونه عما كانوا يصنعونه في الجاهلية خوفاً أن يكره في الإسلام فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه، وأمرهم استحباباً أن يغذوه ثم يحمل عليه في سبيل الله. قال الشافعي: وقوله صلى الله عليه وسلم: الفرع حق معناه ليس بباطل وهو كلام عربي خرج على جواب السائل. قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا فرع ولا عتيرة) أي لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة، قال: والحديث الاَخر يدل على هذا المعنى فإنه أباح له الذبح واختار له أن يعطيه أرملة أو يحمل عليه في سبيل الله. قال: وقوله صلى الله عليه وسلم في العتيرة: "اذبحوا لله في أي شهر كان". أي اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله في أي شهر كان لا أنها في رجب دون غيره من الشهور، والصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي استحباب الفرع والعتيرة، وأجابوا عن حديث (لا فرع ولا عتيرة) بثلاثة أوجه: أحدها: جواب الشافعي السابق أن المراد نفي الوجوب. والثاني: أن المراد نفي ما كانوا يذبحون لأصنامهم. والثالث: أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة وقد نص الشافعي في سنن حرملة أنها إن تيسرت كل شهر كان حسناً، هذا تلخيص حكمها في مذهبنا.
وادعى القاضي عياض أن جماهير العلماء على نسخ الأمر بالفرع والعتيرة والله أعلم.
*2* باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة، وهو مريد التضحية، أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئا
*حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يُحَدّثُ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحّيَ، فَلاَ يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً".
قِيلَ لِسُفْيَانَ: فَإِنّ بَعْضَهُمْ لاَ يَرْفَعُهُ. قَالَ: لَكِنّي أَرْفَعُهُ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ قَالَ "إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَعِنْدَهُ أُضْحِيّةٌ، يُرِيدُ أَنْ يُضَحّيَ، فَلاَ يَأْخُذَنّ شَعْراً وَلاَ يَقْلِمَنّ ظُفُراً".
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيّ. أَبُو غَسّانَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الْحِجّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ".
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْهَاشِميّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ أَوْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو اللّيْثِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَمّارِ بْنِ أُكَيْمَةَ اللّيْثِيّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلّ هِلاَلُ ذِي الْحِجّةِ، فَلاَ يَأْخُذَنّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئاً، حَتّىَ يُضَحّيَ".
حدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمّارٍ اللّيْثِيّ قَالَ: كُنّا فِي الْحَمّامِ قُبَيْلَ الأَضْحَىَ. فَاطّلَىَ فِيهِ نَاسٌ. فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمّامِ: إِنّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يَكْرَهُ هَذَا، أَوْ يَنْهَىَ عَنْهُ. فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي؟ هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ. حَدّثَتْنِي أُمّ سَلَمَةَ، زَوْجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرٍو.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ. أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُنْدَعِيّ أَنّ ابْنَ الْمُسَيّبِ أَخْبَرَهُ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ. وَذَكَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَىَ حَدِيِثهِمْ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً" وفي رواية: "فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً" واختلف العلماء فيمن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي فقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي: أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية. وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام. وقال أبو حنيفة: لا يكره. وقال مالك في رواية: لا يكره، وفي رواية يكره، وفي رواية يحرم في التطوع دون الواجب، واحتج من حرم بهذه الأحاديث، واحتج الشافعي والاَخرون بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه" رواه البخاري ومسلم. قال الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك، وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، قال أصحابنا: والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره، والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك، وسواء شعر الإبط والشارب والعانة والرأس وغير ذلك من شعور بدنه. قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحابنا: حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر ودليله الرواية السابقة: "فلا يمس من شعره وبشره شيئاً" قال أصحابنا: والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل التشبه بالمحرم، قال أصحابنا: هذا غلط لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم. قوله: (عن عمر بن مسلم عن سعيد بن المسيب) كذا رواه مسلم عمر بضم العين في كل هذه الطرق إلا طريق حسن بن علي الحلواني ففيها عمرو بفتح العين وإلا طريق أحمد بن عبد الله بن الحكم ففيها عمراً أو عمر، وقال العلماء: الوجهان منقولان في اسمه. قوله: (عمار بن أكيمة الليثي) هو بضم الهمزة وفتح الكاف وإسكان الياء وآخره تاء تكتب هاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ذبح يذبحه" هو بكسر الذال أي حيوان يريد ذبحه فهو فعل بمعنى مفعول كحمل بمعنى محمول، ومنه قوله تعالى: {وفديناه بذبح}. قوله: (كنا في الحمام قبيل الأضحى فأطلى فيه أناس فقال بعض أهل الحمام إن سعيد بن المسيب يكره هذا وينهى عنه فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال: يا ابن أخي هذا حديث قد نسي وترك حدثتني أم سلمة وذكر حديثها السابق). أما قوله: (فأطلى فيه أناس) فمعناه أزالوا شعر العانة بالنورة والحمام مذكر مشتق من الحميم وهو الماء الحار. وقوله: (إن سعيداً يكره هذا) يعني يكره إزالة الشعر في عشر ذي الحجة لمن يريد التضحية لا أنه يكره مجرد الإطلاء، ودليل ما ذكرناه احتجاجه بحديث أم سلمة وليس فيه ذكر الإطلاء إنما فيه النهي عن إزالة الشعر. وقد نقل ابن عبد البر عن ابن المسيب جواز الإطلاء في العشر بالنورة، فإن صح هذا عنه فهو محمول على أنه أفتى به إنساناً لا يريد التضحية. قوله: (عن عمر بن مسلم الجندعي) وفي الرواية السابقة قال الليثي الجندعي بضم الجيم وإسكان النون وبفتح الدال وضمها، وجندع بطن من بني ليث وسبق بيانه أول الكتاب والله أعلم.
*2* باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنْ مَرْوَانَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ. حَدّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ حَيّانَ. حَدّثَنَا أَبُو الطّفَيْلِ، عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُسِرّ إلَيْكَ؟ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ: مَا كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُسِرّ إلَيّ شَيْئاً يَكْتُمُهُ النّاسَ. غَيْرَ أَنّهُ قَدْ حَدّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ. قَالَ فَقَالَ: مَا هُنّ؟ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: قَالَ "لَعَنَ اللّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللّهِ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ غَيّرَ مَنَارَ الأَرْضِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، سُلَيْمَانُ بْنُ حَيّانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيّانَ، عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ قَالَ: قُلْنَا لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَخْبِرْنَا بِشَيءٍ أَسَرّهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: مَا أَسَرّ إِلَيّ شَيْئاً كَتَمَهُ النّاسَ. وَلَكِنّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ "لَعَنَ اللّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللّهِ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ غَيّرَ الْمَنَارَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَزّةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيّ: أَخَصّكُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصّنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمّ بِهِ النّاسَ كَافّةً. إلاّ مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا "لَعَنَ اللّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللّهِ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من لعن والده ولعن ا.لله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثاً ولعن الله من غير منار الأرض" وفي رواية: "لعن الله من لعن والديه" أما لعن الوالد والوالدة فمن الكبائر، وسبق ذلك مشروحاً واضحاً في كتاب الإيمان، والمراد بمنار الأرض بفتح الميم علامات حدودها، وأما المحدث بكسر الدال فهو من يأتي بفساد في الأرض وسبق شرحه في آخر كتاب الحج، وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما أو للكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً، نص عليه الشافعي واتفق عليه أصحابنا، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفراً، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً، وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل بخارة بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله تعالى، قال الرافعي: هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم والله أعلم. قوله: (إن علياً غضب حين قال له رجل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك إلى آخره) فيه إبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة والإمامية من الوصية إلى علي وغير ذلك من اختراعاتهم، وفيه جواز كتابة العلم وهو مجمع عليه الاَن، وقد قدمنا ذكر المسألة في مواضع. قوله: (ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي) هكذا تستعمل كافة حالاً، وأما ما يقع في كثير من كتب المصنفين من استعمالها مضافة وبالتعريف كقولهم هذا قول كافة العلماء ومذهب الكافة فهو خطأ معدود في لحن العوام وتحريفهم، وقوله: قراب سيفي هو بكسر القاف وهو وعاء من جلد ألطف من الجراب يدخل فيه السيف بغمده وما خف من الاَلة والله أعلم.