كتاب الأشربة
 *1* كتاب الأشربة
*2* باب تحريم الخمر، وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب، وغيرها مما يسكر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيَ، عَنْ أَبِيهِ، حُسَيْنِ بْنِ عَلِيَ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفاً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَغْنَمٍ، يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَارِفاً أُخْرَىَ. فَأَنَخْتُهُمَا يَوْماً عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ. وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إذْخِراً لأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَىَ وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ. وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ. مَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنّيهِ. فَقَالَتْ: أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشّرُفِ النّوَاءِ. فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسّيْفِ. فَجَبّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا. ثُمّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا.
قُلْتُ لاِبْنِ شِهَابٍ: وَمِنَ السّنَامِ؟ قَالَ: قَدْ جَبّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عَلِيّ: فَنَظَرْتُ إِلَىَ مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي. فَأَتَيْتُ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ. فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَدَخَلَ عَلَىَ حَمْزَةَ فَتَغَيّظَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ. فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاّ عَبِيدٌ لاَِبَائِي؟ فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَهْقِرُ حَتّىَ خَرَجَ عَنْهُمْ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، أَبُو عُثْمَانَ الْمِصْرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيَ أَنّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيَ أَخْبَرَهُ أَنّ عَلِيّاً قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ، يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي شَارِفاً مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ. فَلَمّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ، بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوّاغاً مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَرْتَحِلُ مَعِيَ. فَنَأْتِي بَإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصّوّاغِينَ. فَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي. فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيّ مَتَاعاً مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ. وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ. إِلَىَ جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ. وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ. فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبّتْ أَسْمِنَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. فَلَمْ أَمْلِكْ عيْنَيّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا. قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ. غَنّتْهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابهُ. فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشّرُفِ النّوَاءِ. فَقَامَ حَمْزَةُ بِالسّيْف. فَاجْتَبّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا. فَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. قَالَ عَلِيّ: فَانْطَلَقْتُ حَتّىَ أَدْخُلَ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. قَالَ فَعَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِيَ الّذِي لَقِيتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا لَكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَاللّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطّ. عَدَا حَمْزَةُ عَلَىَ نَاقَتَيّ فَاجْتَبّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا. وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ. قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ فَارْتَدَاهُ. ثُمّ انْطَلَقَ يَمْشِي. وَاتّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَة. حَتّىَ جَاءَ الْبَابَ الّذِي فِيهِ حَمْزَةُ. فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُ. فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ. فَطَفِقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ. فَإِذَا حَمْزَةُ مُحْمَرّةٌ عَيْنَاهُ. فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ صَعّدَ النّظَرَ إِلَىَ رُكْبَتَيْهِ. ثُمّ صَعّدَ النّظَرَ فَنَظَرَ إِلَىَ سُرّتِهِ. ثُمّ صَعّدَ النّظَرَ فَنَظَرَ إِلَىَ وَجْهِهِ. فَقَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ ثَمِلٌ. فَنَكَصَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرىَ. وَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُبَارَكَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الزّهْريّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثني أَبُو الرّبِيعِ، سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ(يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ، يَوْمَ حُرّمَتِ الْخَمْرُ، فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ. وَمَا شَرَابُهُمْ إِلاّ الْفَضِيخُ: الْبُسْرُ وَالتّمْرُ. فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي. فَقَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ. فَخَرَجْتُ فَإذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلاَ إنّ الْخَمْرَ قَدْ حُرّمَتْ. قَالَ فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا. فَهَرَقْتُهَا. فَقَالُوا (أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ): قُتِلَ فُلاَنٌ. قُتِلَ فُلاَنٌ. وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ. (قَالَ فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {لَيْسَ عَلَىَ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ} (5 المائدة الاَية: ).
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْفَضِيخِ؟ فَقَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا خَمْرٌ غَيْرَ فَضِيخِكُمْ هَذَا الّذِي تُسَمّونَهُ الْفَضِيخَ. إنّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا أَيّوبَ وَرِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي بَيْتِنَا. إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمْ الْخَبَرُ؟ قُلْنَا؟ لاَ. قَالَ: فَإنّ الْخَمْرَ قَدْ حُرّمَتْ. فَقَالَ: يَا أَنَسُ أَرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ. قَالَ: فَمَا رَاجَعُوهَا وَلاَ سَأَلُوا عَنْهَا، بَعْدَ خَبَرِ الرّجُلِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: إِنّي لَقَائِمٌ عَلَى الْحَيّ، عَلَىَ عُمُومَتِي، أَسْقِيهِمْ مِنْ فَضيخٍ لَهُمْ. وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ سِنّا. فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنّهَا قَدْ حُرّمَتِ الْخَمْرُ. فَقَالُوا: اكْفِئْهَا. يَا أَنَسُ فَكَفَأْتُهَا.
قَالَ قُلْتُ لأَنَسٍ: مَا هُوَ؟ قَالَ بُسْرٌ وَرُطَبٌ. قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدّثَنِي رَجُلٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ قَالَ ذَلِكَ أَيْضاً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ قَائِماً عَلَى الْحَيّ أَسْقِيهِمْ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. وَأَنَسٌ شَاهِدٌ. فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ ذَاكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ: حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: حَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعِي أَنّهُ سَمِعَ أَنَساً يَقُولُ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، فِي رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ فَقَالَ: حَدَثَ خَبَرٌ. نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ. فَكَفَأْنَاهَا يَوْمَئِذٍ. وَإِنّهَا لَخَلِيطُ الْبُسْرِ وَالتّمْرِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَقَدْ حُرّمَتِ الخَمْرُ. وَكَانَتْ عَامّةُ خُمُورِهِمْ، يَوْمَئِذٍ، خَلِيطَ البُسْرِ وَالتّمْرِ.
وحدّثنا أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنّي لأَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَسُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ مِنْ مَزَادَةٍ، فِيهَا خَلِيطُ بُسْرٍ وَتَمْرٍ. بِنَحوِ حَدِيثِ سَعِيدٍ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ أَنْ يُخْلَطَ التّمْرُ وَالزّهْوُ ثُمّ يُشْرَبَ. وَإنّ ذَلِكَ كَانَ عَامّةَ خُمُورِهِمْ، يَوْمَ حُرّمَتِ الْخَمْرُ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيّ بْنَ كَعْبٍ، شَرَاباً مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ. فَأَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنّ الْخَمْرَ قَدْ حُرّمَتْ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إلَىَ هَذِهِ الْجَرّةِ فَاكْسِرْهَا. فَقُمْتُ إِلَىَ مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ. حَتّىَ تَكَسّرَتْ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو بَكْرٍ (يَعْنِي الْحَنَفِيّ). حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنِي أَبِي أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللّهُ الاَيَةَ الّتِي حَرّمَ اللّهَ فِيهَا الْخَمْرَ، وَما بِالْمَدِينَةِ شَرَابٌ يُشْرَبُ إلاّ مِنْ تَمْرٍ.
قوله: (أصبت شارفاً) هي بالشين المعجمة وبالفاء وهي الناقة المسنة وجمعها شرف بضم الراء وإسكانها. قوله: (أريد أن أحمل عليها اذخراً لأبيعه ومعي صائغ من بني قينقاع فأستعين به على وليمة فاطمة) أما قينقاع فبضم النون وكسرها وفتحها وهم طائفة من يهود المدينة، فيجوز صرفه على إرادة الحي وترك صرفه على إرادة القبيلة أو الطائفة، وفيه اتخاذ الوليمة للعرس سواء في ذلك من له مال كثير ومن دونه، وقد سبقت المسألة في كتاب النكاح، وفيه جواز الاستعانة في الأعمال والاكساب باليهودي، وفيه جواز الاحتشاش للتكسب وبيعه وأنه لا ينقص المروءة، وفيه جواز بيع الوقود للصواغين ومعاملتهم. قوله: (معه قينة تغنيه) القينة بفتح القاف الجارية المغنية. قوله: (ألا يا حمز للشرف النواء) الشرف بضم الشين والراء وتسكين الراء أيضاً كما سبق جمع شارف، والنواء بكسر النون وتخفيف الواو وبالمد أي السمان جمع ناوية بالتخفيف وهي السمينة، وقد نوت الناقة تنوي كرمت ترمي يقال لها ذلك إذا سمنت، هذا الذي ذكرناه في النواء أنها بكسر النون وبالمد هو الصواب المشهور في الروايات في الصحيحين وغيرهما، ويقع في بعض النسخ النوى بالياء وهو تحريف. وقال الخطابي: رواه ابن جرير ذا الشرف النوى بفتح الشين والراء وبفتح النون مقصوراً، قال: وفسره بالبعد، قال الخطابي: وكذا رواه أكثر المحققين قال وهو غلط في الرواية والتفسير، وقد جاء في غير مسلم تمام هذا الشعر:
ألا يا حمز للشرف النواء وهن معقلات بالفناء
ضع السكين في اللبات منها وضرجهن حمزة بالدماء
وعجل من أطايبها لشربقديداً من طبيخ أو شواء
قوله: (فجب أسمنتهما) وفي الرواية الأخرى: (اجتب) وفي رواية للبخاري: (أجب) وهذه غريبة في اللغة والمعنى قطع. قوله: (وبقر خواصرهما) أي شقها، وهذا الفعل الذي جرى من حمزة رضي الله عنه من شربه الخمر وقطع أسنمة الناقتين وبقر خواصرهما وأكل لحمهما وغير ذلك لا إثم عليه في شيء منه. أما أصل الشرب والسكر فكان مباحاً لأنه قبل تحريم الخمر. وأما ما قد يقوله بعض من لا تحصيل له أن السكر لم يزل محرماً فباطل لا أصل له ولا يعرف أصلاً، وأما باقي الأمور فجرت منه في حال عدم التكليف فلا إثم عليه فيها كمن شرب دواء لحاجة فزال به عقله أو شرب شيئاً يظنه خلاً فكان خمراً أو أكره على شرب الخمر فشربها وسكر فهو في حال السكر غير مكلف ولا إثم عليه فيما يقع منه في تلك الحال بلا خلاف، وأما غرامة ما أتلفه فيجب في ماله، فلعل علياً رضي الله تعالى عنه أبرأه من ذلك بعد معرفته بقيمة ما أتلفه، أو أنه أداه إليه حمزة بعد ذلك، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أداه عنه لحرمته عنده وكمال حقه ومحبته إياه وقرابته، وقد جاء في كتاب عمر بن شيبة من رواية أبي بكر بن عياش أن النبي صلى الله عليه وسلم غرم حمزة الناقتين، وقد أجمع العلماء أن ما أتلفه السكران من الأموال يلزمه ضمانه كالمجنون فإن الضمان لا يشترط فيه التكليف، ولهذا أوجب الله تعالى في كتابه في قتل الخطأ الدية والكفارة. وأما هذا السنام المقطوع فإن لم يكن تقدم نحرهما فهو حرام بإجماع المسلمين لأن ما أبين من حي فهو ميت وفيه حديث مشهور في كتب السنن ويحتمل أنه ذكاهما ويدل عليه الشعر الذي قدمناه، فإن كان ذكاهما فلحمهما حلال باتفاق العلماء إلا ما حكي عن عكرمة وإسحاق وداود أنه لا يحل ما ذبحه سارق أو غاصب أو متعد، والصواب الذي عليه الجمهور حله وإن لم يكن ذكاهما وثبت أنه أكل منهما فهو أكل في حالة السكر المباح ولا إثم فيه كما سبق والله أعلم. قوله: (فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر) وفي الرواية الأخرى: (فنكص على عقبيه القهقري) قال جمهور أهل اللغة وغيرهم: القهقرى الرجوع إلى وراء ووجهه إليك إذا ذهب عنك. وقال أبو عمرو: هو الإخصار في الرجوع أي الإسراع، فعلى هذا معناه خرج مسرعاً والأول هو المشهور المعروف، وإنما رجع القهقرى خوفاً من أن يبدو من حمزة رضي الله تعالى عنه أمر يكرهه لولا ولاه ظهره لكونه مغلوباً بالسكر. قوله: (أردت أن أبيعه من الصواغين) هكذا هو في جميع نسخ مسلم، وفي بعض الأبواب من البخاري من الصواغين، ففيه دليل لصحة استعمال الفقهاء في قولهم بعت منه ثوباً وزوجت منه ووهبت منه جارية وشبه ذلك، والفصيح حذف من، فإن الفعل متعد بنفسه ولكن استعمال من في هذا صحيح وقد كثر ذلك في كلام العرب، وقد جمعت من ذلك نظائر كثيرة في تهذيب اللغات في حرف الميم مع النون وتكون من زائدة على مذهب الأخف 5 ومن وافقه في زيادتها في الواجب. قوله: (وشارفاي مناخان) هكذا في معظم النسخ مناخان وفي بعضها مناختان بزيادة التاء، وكذلك اختلف فيه نسخ البخاري وهما صحيحان فأنث باعتبار المعنى وذكر باعتبار اللفظ. قوله: (فبينا أنا أجمع لشارفي متاعاً من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار وجمعت حين جمعت ما جمعت فإذا شارفي قد اجتبت أسنمتهما) هكذا في بعض نسخ بلادنا، ونقله القاضي عن أكثر نسخهم وسقطت لفظة (وجمعت) التي عقب قوله: (رجل من الأنصار) من أكثر نسخ بلادنا، ووقع في بعض النسخ: حتى جمعت مكان حين جمعت. قوله: (فإذا شارفي قد اجتبت أسنمتهما) هكذا هو في معظم النسخ فإذا شارفي، وفي بعضها فإذا شارفاي وهذا هو الصواب، أو يقول: فإذا شارفتاي إلا أن يقرأ فإذا شارفي بتخفيف الياء على لفظ الإفراد ويكون المراد جنس الشارف فيدخل فيه الشارفان. والله أعلم. قوله: (فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما) هذا البكاء والحزن الذي أصابه سببه ما خافه من تقصيره في حق فاطمة رضي الله عنها وجهازها والاهتمام بأمرها تقصيره أيضاً بذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لمجرد الشارفين من حيث هما من متاع الدنيا بل لما قدمناه والله أعلم. قوله: (هو في هذا البيت في شرب من الأنصار) والشرب بفتح الشين وإسكان الراء وهم الجماعة الشاربون. قوله: (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه فارتداه) هكذا هو في النسخ كلها فارتداه، وفيه جواز لباس الرداء، وترجم له البخاري باباً وفيه أن الكبير إذا خرج من منزله تجمل بثيابه ولا يقتصر على ما يكون عليه في خلوته في بيته وهذا من المروءات والاَداب المحبوبة. قوله: (فطفق يلوم حمزة) أي جعل يلومه يقال بكسر الفاء وفتحها حكاه القاضي وغيره والمشهور الكسر وبه جاء القرآن قال الله تعالى: {فطفق مسحاً بالسوق والأعناق}. قوله: (أنه ثمل) بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم أي سكران.
قوله: (وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر) قال إبراهيم الحربي: الفضيخ أن يفضخ البسر ويصب عليه الماء ويتركه حتى يغلي، وقال أبو عبيد: هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار فإن كان معه تمر فهو خليط، وفي هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة وإنها كلها تسمى خمراً، وسواء في ذلك الفضيخ ونبيذ التمر والرطب والبسر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرها وكلها محرمة وتسمى خمراً، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد والجماهير من السلف والخلف، وقال قوم من أهل البصرة: إنما يحرم عصير العنب ونقيع الزبيب النيء فأما المطبوخ منهما والنيء والمطبوخ مما سواهما فحلال ما لم يشرب ويسكر. وقال أبو حنيفة: إنما يحرم عصير ثمرات النخل والعنب قال: فسلافة العنب يحرم قليلها وكثيرها إلا أن يطبخ حتى ينقص ثلثاها. وأما نقيع التمر والزبيب فقال يحل مطبوخهما وإن مسته النار شيئاً قليلاً من غير اعتبار لحد كما اعتبر في سلافة العنب، قال: والنيء منه حرام، قال: ولكنه لا يحد شاربه، هذا كله ما لم يشرب ويسكر، فإن أسكر فهو حرام بإجماع المسلمين، واحتج الجمهور بالقرآن والسنة، أما القرآن فهو أن الله تعالى نبه على أن علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذه العلة موجودة في جميع المسكرات فوجب طرد الحكم في الجميع فإن قيل: إنما يحصل هذا المعنى في الإسكار وذلك مجمع على تحريمه. قلنا: قد أجمعوا على تحريم عصير العنب وإن لم يسكر، وقد علل الله سبحانه تحريمه كما سبق، فإذا كان ما سواه في معناه وجب طرد الحكم في الجميع ويكون التحريم للجنس المسكر، وعلل بما يحصل من الجنس في العادة. قال المازني: هذا الاستدلال آكد من كل ما يستدل به في هذه المسألة، قال: ولنا في الاستدلال طريق آخر وهو أن يقول إذا شرب سلافة العنب عند اعتصارها وهي حلوة لم تسكر فهي حلال بالإجماع، وإن اشتدت وأسكرت حرمت بالإجماع، فإن تخللت من غير تخليل آدمي حلت، فنظرنا إلى مستبدل هذه الأحكام وتجددها عند تجدد الصفات وتبدلها فأشعرنا ذلك بارتباط هذه الأحكام بهذه الصفة وقام ذلك مقام التصريح بذلك النطق فوجب جعل الجميع سواء في الحكم وأن الإسكار هو علة التحريم، هذه إحدى الطريقتين في الاستدلال لمذهب الجمهور. والثانية: الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي ذكرها مسلم وغيره كقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام" وقوله: (نهى عن كل مسكر) وحديث: (كل مسكر خمر) وحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكره مسلم هنا في آخر كتاب الأشربة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وفي رواية له: (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) وحديث النهي عن كل مسكر أسكر عن الصلاة والله أعلم. قوله في حديث أنس: (أنهم أراقوها بخبر الرجل الواحد) فيه العمل بخبر الواحد وأن هذا كان معروفاً عندهم. قوله: (فجرت في سكك المدينة) أي طرقها، وفي هذه الأحاديث أنها لا تطهر بالتخليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وجوزه أبو حنيفة، وفيه أنه لا يجوز إمساكها وقد اتفق عليه الجمهور. قوله: (إني لقائم أسقيهم وأنا أصغرهم) فيه أنه يستحب لصغير السن خدمة الكبار هذا إذا تساووا في الفضل أو تقاربوا. قوله: (فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت) المهراس بكسر الميم وهو حجر منقور، وهذا الكسر محمول على أنهم ظنوا أنه يجب كسرها وإتلافها كما يجب إتلاف الخمر وإن لم يكن في نفس الأمر هذا واجباً فلما ظنوه كسروها، ولهذا لم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وعذرهم لعدم معرفتهم الحكم وهو غسلها من غير كسر، وهكذا الحكم اليوم في أواني الخمر وجميع ظروفه سواء الفخار والزجاج والنحاس والحديد والخشب والجلود فكلها تطهر بالغسل ولا يجوز كسرها.
*2* باب تحريم تخليل الخمر
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السّدّيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبّادٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتّخَذُ خَلاّ؟ فَقَالَ: "لاَ".
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلاً فقال لا) هذا دليل الشافعي والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خللها بخبز أو بصل أو خميرة أو غير ذلك مما يلقى فيها فهي باقية على نجاستها وينجس ما ألقي فيها ولا يطهر هذا الخل بعده أبداً لا بغسل ولا بغيره. أما إذا نقلت من الشمس إلى الظل أو من الظل إلى الشمس ففي طهارتها وجهان لأصحابنا أصحهما تطهر هذا الذي ذكرناه من أنها لا تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور، وقال الأوزاعي والليث وأبو حنيفة: تطهر، وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت، والثانية حرام ولا تطهر، والثالثة حلال وتطهر، وأجمعوا أنها إذا انقلبت بنفسها خلاً طهرت، وقد حكي عن سحنون المالكي أنها لا تطهر فإن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله والله أعلم.
*2* باب تحريم التداوي بالخمر
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيّ أَنّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعَفِيّ سَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ؟ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا. فَقَالَ: إِنّمَا أَصْنَعُهَا لِلدّوَاءِ. فَقَالَ: "إِنّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ. وَلَكِنّهُ دَاءٌ.
قوله: (أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهى أو كره أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء) هذا دليل لتحريم اتخاذ الخمر وتخليلها، وفيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوي بها لأنها ليست بدواء فكأنه يتناولها بلا سبب، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا أنه يحرم التداوي بها وكذا يحرم شربها للعطش. وأما إذا غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمراً فيلزمه الإساغة بها لأن حصول الشفاء بها حينئذٍ مقطوع به بخلاف التداوي والله أعلم.
*2* باب بيان أن جميع ما ينبذ، مما يتخذ من النخل والعنب، يسمى خمرا
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْحَجّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ. حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنّ أَبَا كَثِيرٍ حَدّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشّجَرَتَيْنِ: النّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيّ. حَدّثَنَا أَبُو كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشّجَرَتَيْنِ: النّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ".
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَوْزَاعِيّ وَ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ وَ عُقْبَةَ بْنِ التّوْأَمِ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشّجَرَتَيْنِ: الْكَرْمَةِ وَالنّخْلَةِ".
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ "الْكَرْمِ وَالنّخْلِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة" وفي رواية: "الكرمة والنخلة" وفي رواية: "الكرم والنخل". هذا دليل على أن الأنبذة المتخذة من التمر والزهو والزبيب وغيرها تسمى خمراً وهي حرام إذا كانت مسكرة، وهو مذهب الجمهور كما سبق، وليس فيه نفي الخمرية عن نبيذ الذرة والعسل والشعير وغير ذلك، فقد ثبت في تلك الألفاظ أحاديث صحيحة بأنها كلها خمر وحرام، ووقع في هذا الحديث تسمية العنب كرماً وثبت في الصحيح النهي عنه، فيحتمل أن هذا الاستعمال كان قبل النهي، ويحتمل أنه استعمله بياناً للجواز وأن النهي عنه ليس للتحريم بل لكراهة التنزيه، ويحتمل أنهم خوطبوا به للتعريف لأنه المعروف في لسانهم الغالب في استعمالهم.
*2* باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين
*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ. حَدّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ أَنْ يُخْلَطَ الزّبِيبُ وَالتّمْرُ، وَالْبُسْرُ وَالتّمْرُ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ أَنْ يُنْبَذَ التّمْرُ وَالزّبِيبُ جَمِيعاً. وَنَهَىَ أَنْ يُنْبَذَ الرّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعاً.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَجْمَعُوا بَيْنَ الرّطَبِ وَالْبُسْرِ، وَبَيْنَ الزّبِيبِ وَالتّمْرِ، نَبِيذاً".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ الْمَكّيّ، مَوْلَىَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ أَنْ يُنْبَذَ الزّبِيبُ وَالتّمْرُ جَمِيعاً. وَنَهَىَ أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرّطَبُ جَمِيعاً.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنِ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ التّمْرِ وَالزّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا. وَعَنِ التّمْرِ وَالْبُسْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا.
حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ، أَبُو مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَخْلِطَ بَيْنَ الزّبِيبِ وَالتّمْرِ. وَأَنْ نَخْلِطَ الْبُسْرَ وَالتّمْرَ.
وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضّلٍ) عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيّ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ النّاجيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ شَرِبَ النّبِيذَ مِنْكُمْ، فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيباً فَرْداً. أَوْ تَمْرَاً فَرْداً. أَوْ بُسْراً فَرْداً".
وحدّثنيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَخْلِطَ بُسْراً بِتَمْرٍ. أَوْ زَبِيباً بِتَمْرٍ. أَوْ زَبِيباً بِبُسْرٍ. وَقَالَ "مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ". فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَنْتَبِذُوا الزّهْوَ وَالرّطَبَ جَمِيعاً. وَلاَ تَنْتَبِذُوا الزّبِيبَ وَالتّمْرَ جَمِيعاً. وَانْتَبِذُوا كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَىَ حِدَتِهِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ عَنْ حَجّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا عَلِيّ (وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ) عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَنْتَبِذُوا الزّهْوَ وَالرّطَبَ جَمِيعاً. وَلاَ تَنْتَبِذُوا الرّطَبَ وَالزّبِيبَ جَمِيعاً. وَلَكِنِ انْتَبِذُوا كُلّ وَاحِدٍ عَلَىَ حِدَتِهِ".
وَزَعَمَ يَحْيَىَ أَنّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ فَحَدّثَهُ عَنِ أَبِيهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ هَذَا.
وحدّثنيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلّمُ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَيْنِ الإِسْنَادَيْنِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "الرّطَبَ وَالزّهْوَ. وَالتّمْرَ وَالزّبِيبَ".
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا أَبَانٌ الْعَطّارُ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ خَلِيطِ التّمْرِ وَالْبُسْرِ. وَعَنْ خَلِيطِ الزّبِيبِ وَالتّمْرِ. وَعَنْ خَلِيطِ الزّهْوِ وَالرّطَبِ. وَقَالَ "انْتَبِذُوا كُلّ وَاحِدٍ عَلَىَ حِدَتِهِ".
وحدّثني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلمبِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الْحَنفِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الزّبِيبِ وَالتّمْرِ. وَالْبُسْرِ وَالتّمْرِ. وَقَالَ: "يُنْبَذُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَىَ حِدَتِهِ".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ (وَهُوَ أَبُو كَثِيرٍ الْغُبَرِيّ). حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: نَهَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْلَطَ التّمْرُ وَالزّبِيبُ جَمِيعاً. وَأَنْ يُخْلَطَ الْبُسْرُ وَالتّمْرُ جَمِيعاً. وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ جُرَشَ يَنْهَاهُمْ عَنْ خَلِيطِ التّمْرِ وَالزّبِيبِ.
وحدّثنيهِ وَهْبُ بْنُ بَقِيّةَ. أَخْبَرَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطّحّانَ) عَنِ الشّيْبَانِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِي التّمْرِ وَالزّبِيبِ. وَلَمْ يَذْكُرِ: الْبُسْرَ وَالتّمْرَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ نُهِيَ أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرّطَبُ جَمِيعاً. وَالتّمْرُ وَالزّبِيبُ جَمِيعاً.
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ: قَدْ نُهِيَ أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرّطَبُ جَمِيعاً. وَالتّمْرُ وَالزّبِيبُ جَمِيعاً.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط التمر والزبيب والبسر والتمر). وفي رواية: (نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعاً ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعاً) وفي رواية: (لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر بنبذ).
وفي رواية: (من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيباً فرداً أو تمراً فرداً أو بسراً فرداً) وفي رواية: (لا تنتبذوا الزهو والرطب جميعاً). هذه الأحاديث في النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما وهما تمر وزبيب أو تمر ورطب أو تمر وبسر أو رطب وبسر أو زهو وواحد من هذه المذكورات ونحو ذلك، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: سبب الكراهة فيه أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس مسكراً ويكون مسكراً، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي لكراهة التنزيه ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكراً وبهذا قال جماهير العلماء، وقال بعض المالكية هو حرام، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية عنه: لا كراهة فيه ولا بأس به لأن ما حل مفرداً حل مخلوطاً، وأنكر عليه الجمهور وقالوا منابذة لصاحب الشرع فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فإن لم يكن حراماً كان مكروهاً، واختلف أصحاب مالك في أن النهي هل يختص بالشرب أم يعمه وغيره؟ والأصح التعميم، وأما خلطهما في الانتباذ بل في معجون وغيره فلا بأس به والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنتبذوا الزهو" هو بفتح الزاي وضمها لغتان مشهورتان قال الجوهري: أهل الحجاز يضمون، والزهو هو البسر الملون الذي بدا فيه حمرة أو صفرة وطاب وزهت النخل تزهو زهواً وأزهت تزهى، وأنكر الأصمعي أزهت بالألف وأنكر غيره زهت بلا ألف وأثبتهما الجمهور ورجحوا زهت بحذف الألف، وقال ابن الأعرابي: زهت ظهرت وأزهت احمرت أو اصفرت والأكثرون على خلافه.
قوله: (وهو أبو كثير الغبري) بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة.
قوله: (كتب إلى أهل جرش) بضم الجيم وفتح الراء وهو بلد باليمن.
*2* باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ، وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكرا
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ، أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَهُ أَبُو سَلَمَةَ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَنْتَبِذُوا فِي الدّبّاءِ وَلاَ فِي الْمُزَفّتِ". ثُمّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاجْتَنِبُوا الْحَنَاتِمَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ عَنِ الْمُزَفّتِ وَالْحَنْتَمِ وَالنّقِيرِ.
قَالَ قِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: مَا الْحَنْتَمُ؟ قَالَ: الْجِرَارُ الْخُضْرُ.
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ. حَدّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمّدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ "أَنْهَاكُمْ عَنِ الدّبّاءِ وَالْحَنْتُمِ وَالنّقِيرِ وَالْمُقَيّرِ وَالْحَنْتَمُ الْمَزَادَةُ الْمَجْبُوبَةُ وَلَكِنِ اشْرَبْ فِي سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ شُعْبَةَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَلِيَ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الدّبّاءِ وَالْمُزَفّت.
هَذَا حَدِيثُ جَرِيرٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْثَرٍ وَشُعْبَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ للأَسْوَدِ: هَلْ سَأَلْتَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَمّا يُكْرَهُ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِي عَمّا نَهَىَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ. قَالَتْ: نَهَانَا، أَهْلَ الْبَيْتِ، أَنْ نَنْتَبِذَ فِي الدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ.
قَالَ قُلْتُ لَهُ: أَمَا ذَكَرَتِ الْحَنْتَمَ وَالْجَرّ؟ قَالَ: إِنّمَا أُحَدّثُكَ بِمَا سَمِعْتُ. أَأُحَدّثُكَ مَا لَمْ أَسْمَعْ؟.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَد، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). حَدّثَنَا سُفْيَانُ وَ شُعْبَةُ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَنْصُورٌ وَ سُلَيْمَانُ وَ حَمّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا الْقَاسِمُ (يَعْنِي ابْنَ الْفَضْلِ). حَدّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيّ قَالَ: لَقِيتُ عَائِشَةَ فَسَأَلْتُهَا عَنِ النّبِيذِ؟ فَحَدّثَتْنِي أَنّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلُوا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النّبِيذِ؟ فَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْتَبِذُوا فِي الدّبّاءِ وَالنّقِيرِ وَالْمُزَفّتِ وَالْحَنْتَمِ.
وحدّثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنّقِيرِ وَالْمُزَفّتِ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ سُوَيْدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلاّ أَنّهُ جَعَلَ مَكَانَ الْمُزَفّتِ الْمُقَيّرِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. ح وَحَدّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَنْهَاكُمْ عَنِ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنّقِيرِ وَالْمُقَيّرِ".
وَفِي حَدِيثِ حَمّادٍ، جَعَلَ مَكَانَ الْمُقَيّرِ الْمُزَفّتِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفّتِ وَالنّقِيرِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفّتِ وَالنّقِيرِ. وَأَنْ يُخْلَطَ الْبَلَحُ بِالزّهْوِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى الْبَهْرَانِيّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدّبّاءِ وَالنّقِيرِ وَالْمُزَفّتِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنِ التّيْمِيّ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الْجَرّ أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنّقِيرِ وَالْمُزفّتِ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ أَنّ يُنْتَبَذَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا الْمُثَنّى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشّرْبِ فِي الْحَنْتَمَةِ وَالدّبّاءِ وَالنّقِيرِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ (وَاللّفْظ لأَبِي بَكْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُمَا شَهِدَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الدّبّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفّتِ وَالنّقِيرِ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). حَدّثَنَا يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ نَبِيذِ الْجَرّ؟ فَقَالَ: حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَبِيذَ الْجَرّ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبّاسٍ فَقُلْتُ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ؟ قَالَ: وَمَا يَقُولُ؟ قُلْتُ: قَالَ: حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَبِيذَ الْجَرّ. فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عُمَرَ: حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَبِيذَ الْجَرّ. فَقُلْتُ: وَأَيّ شَيءٍ نَبِيذُ الْجَرّ؟ فَقَالَ: كُلّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنَ الْمَدَرِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ. فَانْصَرَف قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَهُ. فَسَأَلْتُ: مَاذَا قَالَ؟ قَالُوا: نَهَىَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. جَمِيعاً عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنِ الثّقَفِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ الأَيْلِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ. كُلّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَلَمْ يَذْكُرُوا: فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ. إِلاّ مَالِكٌ وَأُسَامَةُ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَبِيذِ الْجَرّ؟ قَالَ فَقَالَ: قَدْ زَعَمُوا ذَاكَ. قُلْتُ: أَنَهَىَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: قَدْ زَعَمُوا ذَاكَ.
م 5 (...) حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عُمَرَ: أَنَهَىَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَبِيذِ الْجَرّ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمّ قَالَ طَاوُسٌ: وَاللّهِ إِنّي سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَجُلاً جَاءَهُ فَقَالَ: أَنَهَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنْبَذَ فِي الْجَرّ وَالدّبّاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الْجَرّ وَالدّبّاءِ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنّهُ سَمِعَ طَاوُساً يَقُولُ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ. فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَبِيذِ الْجَرّ وَالدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ. قَالَ: سَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرّةٍ.
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
قَالَ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَالنّقِيرِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَرّ وَالدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ. وَقَالَ "انْتَبِذُوا فِي الأَسْقِيَةِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدّثُ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَنْتَمةِ. فَقُلْتُ: مَا الْحَنْتَمَةُ؟ قَالَ: الْجَرّةُ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ. حَدّثَنِي زَاذَانُ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: حَدّثْنِي بِمَا نَهَىَ عَنْهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ. وَفَسّرْهُ لِي بِلُغَتِنَا. فَإِنّ لَكُمْ لُغَةً سِوَىَ لُغَتِنَا. فَقَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَنْتَمِ، وَهِيَ الْجَرّةُ. وَعَنِ الدّبّاءِ، وَهِيَ الْقَرْعَةُ. وعَنِ الْمُزَفّتِ، وَهُوَ الْمُقَيّرُ. وَعَنِ النّقِيرِ، وَهِيَ النّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحاً، وَتُنْقَرُ نَقْراً. وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الأَسْقِيَةِ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ، عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ، وَأَشَارَ إِلَىَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فسأَلُوهُ عَنِ الأَشرِبَةِ. فَنَهَاهُمْ عَنِ الدّبّاءِ وَالنّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ وَالْمُزَفّتِ؟ وَظَنَنّا أَنّهُ نَسِيَهُ. فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ النّقِيرِ وَالْمُزَفّتِ وَالدّبّاءِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَىَ عَنِ الْجَرّ وَالدّبّاءِ وَالْمُزَفّتِ.
قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ: وَسَمِعْتُ جَابِر بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَرّ وَالْمُزَفّتِ وَالنّقِيرِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنْبَذُ لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ يُنْتَبَذُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ. فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا سِقَاءً نُبِذَ لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَأَنَا أَسْمَعُ لأَبِي الزّبَيْرِ مِنْ بِرَامٍ؟ قَالَ: مِنْ بِرَامٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرّةَ) عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. حَدّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرّةَ، أَبُو سِنَانٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَهَيْتُكُمْ عَنِ النّبِيذِ إِلاّ فِي سِقَاءٍ. فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلّهَا. وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِراً".
وحدّثنا حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا ضَحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ ابْنِ مَرثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظّرُوفِ. وَإنّ الظّرُوفَ أَوْ ظَرْفاً لاَ يُحِلّ شَيْئاً وَلاَ يُحَرّمُهُ. وَكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُعَرّفِ بْنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَن الأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الأَدَمِ. فَاشْرَبُوا فِي كُلّ وِعَاءٍ. غَيْرَ أَنْ لاَ تَشْرَبُوا مُسْكِراً".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي عُمَرَ) قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمّا نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النّبِيذِ فِي الأَوْعِيَةِ قَالُوا: لَيْسَ كُلّ النّاسِ يَجِدُ. فَأَرْخَصَ لَهُمْ فِي الْجَرّ غَيْرِ الْمُزَفّتِ.
هذا الباب قد سبق شرحه وبيان هذه الألفاظ وحكم الانتباذ، وذكرنا أنه منسوخ عندنا وعند جماهير العلماء، وأوضحنا كل ما يتعلق به في أول كتاب الإيمان في حديث وفد عبد القيس، ولا نعيد هنا إلا ما يحتاج إليه مع ما لم يسبق هناك، ومختصر القول فيه أنه كان الانتباذ في هذه الأوعية منهياً عنه في أول الإسلام خوفاً من أن يصير مسكراً فيها ولا نعلم به لكثافتها فتتلف ماليته، وربما شربه الإنسان ظاناً أنه لم يصر مسكراً فيصير شارباً للمسكر وكان العهد قريباً بإباحة المسكر، فلما طال الزمان واشتهر تحريم المسكر وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا تشربوا مسكراً وهذا صريح. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة المذكور في آخر هذه الأحاديث: (كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً).
قوله في حديث نصر بن علي الجهضمي: (أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير والحنتم المزادة المجبوبة ولكن اشرب في سقائك وأوكه) هكذا هو في جميع النسخ ببلادنا والحنتم المزادة المجبوبة، وكذا نقله القاضي عن جماهير رواة صحيح مسلم ومعظم النسخ، قال: ووقع في بعض النسخ والحنتم والمزادة المجبوبة قال: وهذا هو الصواب والأولى تغيير ووهم، قال: وكذا ذكره النسائي وعن الحنتم وعن المزادة المجبوبة، وفي سنن أبي داود والحنتم والدباء والمزادة المجبوبة قال: وضبطناه في جميع هذه الكتب المجبوبة بالجيم وبالباء الموحدة المكررة، قال: ورواه بعضهم المخنوثة بخاء معجمة ثم نون وبعد الواو ثاء مثلثة كأنه أخذه من اختناث الأسقية المذكورة في حديث آخر وهذه الرواية ليست بشيء والصواب الأول أنها بالجيم. قال إبراهيم الحربي: وثابت هي التي قطع رأسها فصارت كهيئة الدن وأصل الجب القطع وقيل هي التي قطع رأسها وليست لها عزلاء من أسفلها يتنفس الشراب منها فيصير شرابها مسكراً ولا يدرى به. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن اشرب في سقائك وأوكه" قال العلماء: معناه أن السقاء إذا أوكى أمنت مفسدة الإسكار لأنه متى تغير نبيذه واشتد وصار مسكراً شق الجلد الموكى فما لم يشقه لا يكون مسكراً، بخلاف الدباء والحنتم والمزادة المجبوبة والمزفت وغيرها من الأوعية الكثيفة فإنه قد يصير فيها مسكراً ولا يعلم.
قوله: (حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا القاسم يعني ابن الفضل) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا الفضل بغير ميم وكذا نقله القاضي عن معظم نسخ بلادهم وهو الصواب ووقع في بعض نسخ المغاربة المفضل بالميم وهو خطأ صريح، وقد ذكره مسلم بعد هذا في باب الانتباذ للنبي صلى الله عليه وسلم على الصواب باتفاق نسخ الجميع. قوله: (حدثنا محمد بن المثنى وذكر الإسناد الثاني إلى شعبة عن يحيى أبي عمر البهراني) هكذا هو في معظم نسخ بلادنا يحيى أبي عمر بالكنية وهو الصواب، وذكر القاضي أنه وقع لجميع شيوخهم يحيى بن عمر بالباء والنون نسبة، قال: ولبعضهم يحيى بن أبي عمر قال: وكلاهما وهم وإنما هو يحيى بن عبيد أبو عمر البهراني، وكذا جاء بعد هذا في باب الانتباذ للنبي صلى الله عليه وسلم على الصواب.
قوله: (نهى عن الجر) هو بمعنى الجرار الواحدة جرة، وهذا يدخل فيه جميع أنواع الجرار من الحنتم وغيره وهو منسوخ كما سبق.
قوله: (قلت: "يعني لابن عباس" وأي شيء نبيذ الجر؟ فقال: كل شيء يصنع من المدر) هذا تصريح من ابن عباس بأن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التراب.
قوله: (ونهى عن النقير وهي النخلة تنسح نسحاً أو تنقر نقراً) هكذا هو في معظم الروايات، والنسح بسين وحاء مهملتين أي تقشر ثم تنقر فتصير نقيراً، ووقع لبعض الرواة في بعض النسخ تنسج بالجيم، قال القاضي وغيره: هو تصحيف، وادعى بعض المتأخرين أنه وقع في نسخ صحيح مسلم وفي الترمذي بالجيم وليس كما قال بل معظم نسخ مسلم بالحاء. قوله: (أخبرنا عبد الخالق بن سلمة) هو بفتح اللام وكسرها سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح.
قوله: (ينبذ له في تور من حجارة) هو بالتاء المثناة فوق وفي الرواية الأخرى: (تور من برام) وهو بمعنى قوله من حجارة وهو قدح كبير كالقدر يتخذ تارة من الحجارة وتارة من النحاس وغيره. قوله في هذه الأحاديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في تور من حجارة) فيه التصريح بنسخ النهي عن الانتباذ في الأوعية الكثيفة كالدباء والحنتم والنقير وغيرها لأن تور الحجارة أكثف من هذه كلها وأولى بالنهي منها، فلما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم انتبذ له فيه دل على النسخ وهو موافق لحديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم" إلى آخره وقد ذكرناه في أول الباب. قوله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً" وفي الرواية الثانية: "نهيتكم عن الظروف وإن الظروف أو ظرفاً لا يحل شيئاً ولا يحرمه وكل مسكر حرام".وفي الرواية الثالثة: "كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً" قال القاضي: هذه الرواية الثانية فيها تغيير من بعض الرواة وصوابه: (كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم) فحذف لفظة إلا التي للاستثناء ولا بد منها، قال: والرواية الأولى فيها تغيير أيضاً وصوابها: (فاشربوا في الأوعية كلها) لأن الأسقية وظروف الأدم لم تزل مباحة مأذوناً فيها، وإنما نهى عن غيرها من الأوعية كما قال في الرواية الأولى: (كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء) فالحاصل أن صواب الروايتين كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء فانتبذوا واشربوا في كل وعاء وما سوى هذا تغيير من الرواة والله أعلم. قوله: (عن معرف بن واصل) هو بكسر الراء على المشهور ويقال بفتحها حكاه صاحب المشارق والمطالع ويقال فيه معروف.
قوله: (عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو قال: لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ) الحديث هكذا هو في النسخ المعتمدة ببلادنا ومعظم النسخ عن عبد الله بن عمرو بفتح العين من عمرو وبواو في الخط وهو ابن عمرو بن العاص، ووقع في بعضها ابن عمر بضم العين يعني ابن الخطاب، وذكر القاضي أن نسخهم أيضاً اختلفت فيهم وأن أبا علي الغساني قال: المحفوظ ابن عمرو بن العاص، وقد ذكره الحميدي صاحب ابن عيينة وابن أبي شيبة كلاهما عن سفيان بن عيينة في مسند ابن عمرو بن العاص، وكذا ذكره البخاري وأبو داود. وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين ونسبه إلى رواية البخاري ومسلم، وكذا ذكره جمهور المحدثين وهو الصحيح والله أعلم. قوله: (لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ في الأوعية قالوا ليس كل الناس يجد فأرخص لهم في الجر غير المزفت) هكذا هو في مسلم عن النبيذ في الأوعية وهو الصواب، ووقع في غير مسلم عن النبيذ في الأسقية، وكذا نقله الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن رواية علي المديني عن سفيان بن عيينة قال الحميدي: ولعله نقص منه فيكون عن النبيذ إلا في الأسقية، قال: وفي رواية عبد الله بن محمد وأبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن أبي عمر عن سفيان عن النبيذ في الأوعية. وأما قوله: (ليس كل الناس يجد) فمعناه يجد أسقية الأدم. وأما قوله: (فرخص لهم في الجر غير المزفت) فمحمول على أنه رخص فيه أولاً ثم رخص في جميع الأوعية في حديث بريدة وغيره والله أعلم.
*2* باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ "كُلّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "كُلّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَصَالِحٍ: سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ؟ وَهُوَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ: أَنّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "كُلّ شَرَابِ مُسْكِر حَرَامٌ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ) قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: بَعَثَنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِنّ شَرَاباً يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ مِنَ الشّعِيرِ. وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ. فَقَالَ: "كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو. سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَمُعَاذاً إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُمَا: "بَشّرَا وَيَسّرَا. وعَلّمَا وَلاَ تُنَفّرَا" وَأُرَاهُ قَالَ: "وَتَطَاوَعَا" قَالَ فَلَمّا وَلّىَ رَجَعَ أَبُو مُوسَىَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ لَهُمْ شَرَاباً مِنَ الْعَسَلِ يُطْبَخُ حَتّىَ يَعْقِدَ. وَالْمِزْرُ يُصْنَعُ مِنَ الشّعِيرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ مَا أَسْكَرَ عَنِ الصّلاَةِ فَهُوَ حَرَامٌ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي خَلَفٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ عَدِيَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ (وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ. حَدّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ. فَقَالَ "ادْعُوا النّاسَ. وَبَشّرَا وَلاَ تُنَفّرَا، وَيَسّرَا وَلاَ تُعَسّرَا" قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ: الْبِتْعُ، وَهُوَ مِنَ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتّىَ يَشْتَدّ. وَالْمِزْرُ، وَهُوَ مِنَ الذّرَةِ وَالشّعِيرِ يُنْبَذُ حَتّىَ يَشْتَدّ. قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ بِخَوَاتِمِهِ فَقَالَ "أَنْهَىَ عَنْ كُلّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصّلاَةِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيز (يَعْنِي الدّراوَرْدِيّ) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ (وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ) فَسَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ؟ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. إِنّ عَلَى اللّهَ، عَزّ وَجَلّ، عَهْداً، لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النّارِ".
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الاَخِرَةِ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقُ. كِلاَهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ".
وحدّثنا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ السّلَمِيّ. حَدّثَنَا مَعْنٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطّلِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عَبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ "كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَكُلّ خَمْرٍ حَرَامٌ".
قد سبق مقصود هذا الباب وذكرنا دلائله في الباب الأول مع مذاهب الناس فيه، وهذه الأحاديث المذكورة هنا صريحة في أن كل مسكر فهو حرام وهو خمر، واتفق أصحابنا على تسمية جميع هذه الأنبذة خمراً لكن قال أكثرهم هو مجاز وإنما حقيقة الخمر عصير العنب، وقال جماعة منهم هو حقيقة لظاهر الأحاديث والله أعلم. قوله: (سئل عن البتع) هو بباء موحدة مكسورة ثم تاء مثناة فوق ساكنة ثم عين مهملة وهو نبيذ العسل وهو شراب أهل اليمن، قال الجوهري: ويقال أيضاً بفتح التاء المثناة كقمع وقمع. قوله: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام) هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه يستحب للمفتي إذا رأى بالسائل حاجة إلى غير ما سأل أن يضمه في الجواب إلى المسؤول عنه، ونظير هذا الحديث حديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته. قوله: (إن شراباً يقال له المزر من الشعير) هو بكسر الميم ويكون من الذرة ومن الشعير ومن الحنطة. قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه) أي إيجاز اللفظ مع تناوله المعاني الكثيرة جداً. وقوله: (بخواتمه) أي كأنه يختم على المعاني الكثيرة التي تضمنها اللفظ اليسير فلا يخرج منها شيء عن طالبه ومستنبطه لعذوبة لفظه وجزالته. قوله: (يطبخ حتى يعقد) هو بفتح الياء وكسر القاف يقال عقد العسل ونحوه وأعقدته. قوله: (حدثنا محمد بن عباد حدثنا سفيان عن عمرو سمعه من سعيد بن أبي بردة) هذا الإسناد استدركه الدارقطني وقال: لم يتابع ابن عباد على هذا، قال: ولا يصح هذا عن عمرو بن دينار، قال: وقد روي عن ابن عيينة عن مسعر ولم يثبت ولم يخرجه البخاري من رواية ابن عيينة والله أعلم.
*2* باب عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها، بمنعه إياها في الاَخرة
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدّنْيَا، حُرِمَهَا فِي الاَخِرَةِ".
حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدّنْيَا فَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الاَخِرَةِ فَلَمْ يُسْقَهَا" قِيلَ لِمَالِكٍ: رَفَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الاَخِرَةِ. إِلاّ أَنْ يَتُوبَ".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيّ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الاَخرة إلا أن يتوب". وفي رواية: "حرمها في الاَخرة" معناه أنه يحرم شربها في الجنة وإن دخلها فإنها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصي بشربها في الدنيا، قيل إنه ينسى شهوتها لأن الجنة فيها كل ما يشتهى، وقيل لا يشتهيها وإن ذكرها ويكون هذا نقص نعيم في حقه تمييزاً بينه وبين تارك شربها، وفي هذا الحديث دليل على أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وهو مجمع عليه، واختلف متكلمو أهل السنة في أن تكفيرها قطعي أو ظني وهو الأقوى والله أعلم.
*2* باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ، أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْتَبَذُ لَهُ أَوّلَ اللّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ، إِذَا أَصْبَحَ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللّيْلَةَ الّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللّيْلَةَ الأُخْرَىَ، وَالْغَدَ إِلَىَ الْعَصْرِ. فَإنْ بَقِيَ شَيْءٌ، سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبّ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى الْبَهْرَانِيّ قَالَ: ذَكَرُوا النّبِيذَ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ فَقَالَ: كَان رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْتَبَذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ. قَالَ شُعْبَةُ: مِنْ لَيْلَةِ الاثْنَيْنِ، فَيَشْرَبُهُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثّلاَثَاءِ إِلَى الْعَصْرِ فَإِنْ فَضِلَ مِنْهُ شَيْءٌ، سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ صَبّهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ (قَالَ إِ سْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْقعُ لهُ الزّبيبُ. فَيَشْرَبُهُ الْيوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَىَ مَسَاءِ الثّالِثَةِ. ثُمّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَىَ أَوْ يُهَرَاقُ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَن الأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيى بْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْبَذُ لَهُ الزّبِيبُ فِي السّقَاءِ. فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ. فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ. فَإنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَهْرَاقَهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ عَدِيَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَىَ، أَبِي عُمَرَ النّخَعِيّ قَالَ: سَأَلَ قَوْمٌ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا وَالتّجَارَةِ فِيهَا؟ فَقَالَ: أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنّهُ لاَ يَصْلُحُ بَيْعُهَا وَلاَ شِرَاؤُهَا وَلاَ التّجَارَةُ فِيهَا. قَالَ: فَسَأَلُوهُ عَنِ النّبِيذِ؟ فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. ثُمّ رَجَعَ وَقَدْ نَبَذَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَنَاتِمَ وَنَقِيرٍ وَدُبّاءٍ. فَأَمَرَ بِهِ فَأُهَرِيقَ. ثُمّ أَمَرَ بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ. فَجُعِلَ مِنَ اللّيْلِ فَأَصْبَحَ. فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَيْلَتَهُ الْمُسْتَقْبِلَةَ. وَمِنَ الْغَدِ حَتّىَ أَمْسَىَ. فَشَرِبَ وَسَقَىَ. فَلَمّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَأُهَرِيقَ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا الْقَاسِمُ (يَعْنِي ابْنَ الْفَضْلِ الْحُدّانِيّ). حَدّثَنَا ثُمَامَةُ (يَعْنِي ابْنَ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيّ) قَالَ: لَقِيتُ عَائِشَةَ. فَسَأَلْتُهَا عَنِ النّبِيذِ؟ فَدَعَتْ عَائِشَةُ جَارِيَةً حَبَشِيّةً فَقَالَتْ: سَلْ هَذِهِ. فَإِنّها كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتِ الْحَبَشِيّةُ: كُنْتُ أَنْبِذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ مِنَ اللّيْلِ. وَأُوكِيهِ وَأُعَلّقُهُ: فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَنْ يُونُسَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ أُمّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ. يُوكَىَ أَعْلاَهُ. وَلَهُ عَزْلاَءُ. نَنْبِذُهُ غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً. وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً، فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيز (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُرْسِهِ. فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ. وَهْيَ الْعَرُوسُ. قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللّيْلِ فِي تَوْرٍ. فَلَمّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيّاهُ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سهْلاً يَقُولُ: أَتَىَ أَبُو أُسيْدٍ السّاعِدِيّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: فَلَمّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيّاهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي أَبَا غَسّانَ) حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ: فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطّعَامِ أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ. تَخُصّهُ بِذَلِكَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ و أبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ: حَدّثَنَا) ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ(وَهُوَ ابْنُ مُطَرّفٍ، أَبُو غَسّانَ). أَخْبَرَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ. فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا. فَقَدِمَتْ. فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ جَاءَهَا. فَدَخَلَ عَلَيْهَا. فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكّسَةٌ رَأْسَهَا. فَلَمّا كَلّمَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنْكَ. قَالَ: "قَدْ أَعَذْتكِ مِنّي" فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: لاَ. فَقَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. جَاءَكِ لِيَخْطِبَكِ. قَالَتْ: أَنَا كُنْتُ أَشْقَىَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ سَهْلٌ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حَتّىَ جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. ثُمّ قَالَ: "اسْقِنَا" لِسَهْلٍ. قَالَ: فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ هَذَا الْقَدَحَ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَأَخْرَجَ لَنَا سُهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا فِيهِ. قَالَ: ثُمّ اسْتَوْهَبَهُ، بَعْدَ ذَلِكَ، عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَهَبَهُ لَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَقَ: قَالَ "اسْقِنَا يَا سَهْلُ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللّهِ، بِقَدَحِي هَذَا، الشّرَابَ كُلّهُ. الْعَسَلَ وَالنّبِيذَ وَالْمَاءَ وَاللّبَنَ.
فيه ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب) والأحاديث الباقية بمعناه. في هذه الأحاديث دلالة على جواز الانتباذ وجواز شرب النبيذ ما دام حلواً لم يتغير ولم يغل وهذا جائز بإجماع الأمة، وأما سقيه الخادم بعد الثلاث وصبه فلأنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتنزه عنه بعد الثلاث. وقوله: (سقاه الخادم أو صبه) معناه تارة يسقيه الخادم وتارة يصبه وذلك الاختلاف لإختلاف حال النبيذ، فإن كان لم يظهر فيه تغير ونحوه من مبادئ الإسكار سقاه الخادم ولا يريقه لأنه مال تحرم إضاعته ويترك شربه تنزهاً، وإن كان قد ظهر فيه شيء من مبادئ الإسكار والتغير أراقه لأنه إذا أسكر صار حراماً ونجساً فيراق ولا يسقيه الخادم لأن المسكر لا يجوز سقيه الخادم كما لا يجوز شربه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قبل الثلاث فكان حيث لا تغير ولا مبادئ تغير ولا شك أصلاً والله أعلم. وأما قوله في حديث عائشة: (ينبذ غدوة فيشربه عشاء وينبذ عشاء فيشربه غدوة) فليس مخالفاً لحديث ابن عباس في الشرب إلى ثلاث لأن الشرب في يوم لا يمنع الزيادة، وقال بعضهم: لعل حديث عائشة كان زمن الحر وحيث يخشى فساده في الزيادة على يوم، وحديث ابن عباس في زمن يؤمن فيه التغير قبل الثلاث، وقيل حديث عائشة محمول على نبيذ قليل يفرغ في يومه، وحديث ابن عباس في كثير لا يفرغ فيه والله أعلم. قوله: (فإن فضل منه شيء) يقال بفتح الضاد وكسرها وقد سبق بيانه مرات. قوله: (إلى مساء الثالثة) يقال بضم الميم وكسرها لغتان الضم أرجح. قوله: (عن زيد عن يحيى النخعي) زيد هو ابن أبي أنيسة، ويحيى النخعي هو يحيى البهراني المذكور في الرواية السابقة يقال له البهراني النخعي الكوفي.
قوله: (حدثنا القاسم يعني ابن الفضل الحداني) هو بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وهو منسوب إلى بني حدان ولم يكن من أنفسهم بل كان نازلاً فيهم وهو من بني الحارث بن مالك. قولها: (وأوكيه) أي أشده بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة. قوله: (عن الحسن عن أمه) هو الحسن البصري وأمه اسمها خيرة وكانت مولاة لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها ابناها الحسن وسعيد. قولها: (في سقاء يوكأ) هذا مما رأيته يكتب ويضبط فاسداً وصوابه يوكي بالياء غير مهموز ولا حاجة إلى ذكر وجوه الفساد التي قد يوجد عليها. قولها: (وله عزلاء) هي بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة. قولها: (فيشربه عشاء) هو بكسر العين وفتح الشين وبالمد وضبطه بعضهم عشياً بفتح العين وكسر الشين وزيادة ياء مشددة.
قوله: (أنقعت له تمرات في تور) هكذا هو في الأصول أنقعت وهو صحيح، يقال: أنقعت ونقعت. وأما التور فهو بفتح التاء المثناة فوق وهو إناء من صفر أو حجارة ونحوهما كالإجانة وقد يتوضأ منه. قوله: (عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه فكانت امرأته يومئذٍ خادمتهم وهي العروس قال سهل: تدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ انقعت له تمرات من الليل في تور فلما أكل سقته إياه) هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب، ويبعد حمله على أنها كانت مستورة البشرة، وأبو أسيد بضم الهمزة واسمه مالك تقدم ذكره. قوله: (أماثته فسقته تخصه بذلك) هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول ببلادنا أماثته بمثلثة ثم مثناة فوق، يقال ماثه وأماثه لغتان مشهورتان وقد غلط من أنكر أماثه ومعناه عركته واستخرجت قوته وأذابته، ومنهم من يقول أي لينته وهو محمول على معنى الأول. وحكى القاضي عياض أن بعضهم رواه أماتته بتكرير المثناة وهو بمعنى الأول، وقوله تخصه كذا هو في صحيح مسلم تخصه من التخصيص، وكذا روي في صحيح البخاري، ورواه بعض رواة البخاري تتحفه من الإتحاف وهو بمعناه، يقال: أتحفته به إذا خصصته وأطرفته، وفي هذا جواز تخصيص صاحب الطعام بعض الحاضرين بفاخر من الطعام والشراب إذا لم يتأذ الباقون لإيثارهم المخصص لعلمه أو صلاحه أو شرفه أو غير ذلك، كما كان الحاضرون هناك يؤثرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسرون بإكرامه ويفرحون بما جرى، وإنما شربه النبي صلى الله عليه وسلم لعلتين: إحداهما: إكرام صاحب الشراب وإجابته التي لا مفسدة فيها وفي تركها كسر قلبه، والثانية: بيان الجواز والله أعلم.
قوله: (في أجم بني ساعدة) هو بضم الهمزة والجيم وهو الحصن وجمعه آجام بالمد كعنق وأعناق، قال أهل اللغة: الاَجام الحصون. قوله: (فإذا امرأة منكسة رأسها) يقال نكس رأسه بالتخفيف فهو ناكس ونكس بالتشديد فهو منكس إذا طأطأه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أعذتك مني" معناه تركتك وتركه صلى الله عليه وسلم تزوجها لأنها لم تعجبه إما لصورتها وإما لخلقها وإما لغير ذلك، وفيه دليل على جواز نظر الخاطب إلى من يريد نكاحها. وفي الحديث المشهور: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من استعاذكم بالله فأعيذوه) فلما استعاذت بالله تعالى لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بداً من إعاذتها وتركها، ثم إذا ترك شيئاً لله تعالى لا يعود فيه والله أعلم. قوله: (فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا منه قال ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له) يعني القدح الذي شرب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وما مسه أو لبسه أو كان منه فيه سبب، وهذا نحو ما أجمعوا عليه وأطبق السلف والخلف عليه من التبرك بالصلاة في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروضة الكريمة، ودخول الغار الذي دخله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، ومن هذا إعطاؤه صلى الله عليه وسلم أبا طلحة شعره ليقسمه بين الناس، وإعطاؤه صلى الله عليه وسلم حقوه لتكفن فيه بنته رضي الله عنها، وجعله الجريدتين على القبرين، وجمعت بنت ملحان عرقه صلى الله عليه وسلم، وتمسحوا بوضوئه صلى الله عليه وسلم، ودلكوا وجوههم بنخامته صلى الله عليه وسلم، وأشباه هذه كثيرة مشهورة في الصحيح وكل ذلك واضح لا شك فيه.
قوله: (سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن) المراد بالنبيذ ههنا ما سبق تفسيره في أحاديث الباب وهو ما لم ينته إلى حد الإسكار، وهذا متعين لقوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابق: (كل مسكر حرام) والله أعلم.
*2* باب جواز شرب اللبن
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ لَمّا خَرَجْنَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ. وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ. فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتّىَ رَضِيتُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: لَمّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ فَأَتْبَعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ. قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَاخَتْ فَرَسُهُ. فَقَالَ: ادْعُ اللّهَ لِي وَلاَ أَضُرّكَ. قَالَ فَدَعَا اللّهَ. قَالَ فَعَطِشَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَمَرّوا بِرَاعِي غَنَمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ: فَأَخَذْتُ قَدَحاً فَحَلَبْتُ فِيهِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ. فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَشَرِبَ حَتّىَ رَضِيتُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفظ لاِبْنِ عبّادٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزّهْرِيّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، بِإِيلِيَاءَ، بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ. فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللّبَنَ. فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلاَمُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ. لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ، غَوَتْ أُمّتُكَ.
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: بِإِيلِيَاءَ.
فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (قال: لما خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مررنا براع وقد عطاش رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبت له كثبة من لبن فأتيته بها فشرب حتى رضيت) وفيه الرواية الأخرى وحديث أبي هريرة، الكثبة بضم الكاف وإسكان الثاء المثلثة وبعدها موحدة وهو الشيء القليل. وقوله: فشرب حتى رضيت معناه شرب حتى علمت أنه شرب حاجته وكفايته. وقوله: مررنا براعي هكذا هو في الأصول براعي بالياء وهي لغة قليلة والأشهر براع، وأما شربه صلى الله عليه وسلم من هذا اللبن وليس صاحبه حاضراً لأنه كان راعياً لرجل من أهل المدينة كما جاء في الرواية الأخرى وقد ذكرها مسلم في آخر الكتاب، والمراد بالمدينة هنا مكة، وفي رواية: لرجل من قريش، فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أن هذا كان رجلاً حربياً لا أمان له فيجوز الاستيلاء على ماله. والثاني: يحتمل أنه كان رجلاً يدل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكره شربه صلى الله عليه وسلم من لبنه. والثالث: لعله كان في عرفهم مما يتسامحون به لكل أحد ويأذنون لرعاتهم ليسقوا من يمر بهم. والرابع: أنه كان مضطراً. قوله: (سراقة بن مالك بن جعشم) هو بضم الجيم والشين المعجمة وإسكان العين بينهما ويقال بفتح الشين حكاه الجوهري في الصحاح عن الفراء والصحيح المشهور ضمها. قوله: (فساخت فرسه) هو بالسين المهملة وبالخاء المعجمة ومعناه نزلت في الأرض وقبضتها الأرض وكان في جلد من الأرض كما جاء في الرواية الأخرى. قوله: (فقال ادعوا الله لي ولا أضرك فدعا له) هكذا وقع في بعض الأصول ادعوا الله بلفظ التثنية للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، وفي بعضها ادع بلفظ الواحد وكلاهما ظاهر. وقوله: فدعا له ثمامة فانطلق كما جاء في غير هذه الرواية وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك) قوله بإيلياء هو بيت المقدس وهو بالمد ويقال بالقصر ويقال إلياء بحذف الياء الأولى وقد سبق بيانه، وفي هذه الرواية محذوف تقديره أتي بقدحين فقيل له اختر أيهما شئت كما جاء مصرحاً به في البخاري، وقد ذكره مسلم في كتاب الإيمان في أول الكتاب، فألهمه الله تعالى اختيار اللبن لما أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمة واللطف بها فللّه الحمد والمنة. وقول جبريل عليه السلام: أصبت الفطرة قيل في معناه أقوال المختار منها أن الله تعالى أعلم جبريل أن النبي صلى الله عليه وسلم إن اختار اللبن كان كذا وإن اختار الخمر كان كذا، وأما الفطرة فالمراد بها هنا الإسلام والاستقامة وقد قدمنا شرح هذا كله وبيان الفطرة وسبب اختيار اللبن في أول الكتاب في باب الإسراء من كتاب الإيمان. وقوله: الحمد لله فيه استحباب حمد الله عند تجدد النعم وحصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله واندفاع ما كان يخاف وقوعه. قوله: غوت أمتك معناه ضلت وانهمكت في الشر والله أعلم.
*2* باب في شرب النبيذ وتخمير الإناء
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كُلّهُمْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا الضّحّاكُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ قَالَ: أَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحِ لَبَنٍ مِنَ النّقِيعِ. لَيْسَ مُخَمّراً. فَقَالَ: "أَلاّ خَمّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُوداً".
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: إِنّمَا أُمِرَ بِالأَسْقِيَةِ أَنْ تُوكَأَ لَيْلاً. وَبِالأَبْوَابِ أَنْ تُغْلَقَ لَيْلاً.
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَ زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحَقُ قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ أَنّهُ أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحِ لَبَنٍ. بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ زَكَرِيّاءُ قَوْلَ أَبِي حُمَيْدٍ: بِاللّيْلِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَسْقَىَ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ نَسْقِيكَ نَبِيذاً؟ فَقَالَ: "بَلَىَ" قَالَ فَخَرَجَ الرّجُلُ يَسْعَىَ. فَجَاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاّ خَمّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُوداً" قَالَ فَشَرِبَ.
حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النّقِيعِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَلاّ خَمّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُوداً".
فيه أبو حميد رضي الله عنه: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع ليس مخمراً فقال ألا خمرته ولو تعرض عليه عوداً) وفيه الأحاديث الباقية بما ترجمنا عليه. قوله: (من النقيع) روي بالنون والياء حكاهما القاضي عياض، والصحيح الأشهر الذي قاله الخطابي والأكثرون بالنون وهو موضع بوادي العقيق وهو الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: (ليس مخمراً) أي ليس مغطى والتخمير التغطية ومنه الخمر لتغطيتها على العقل، وخمار المرأة لتغطيته رأسها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولو تعرض عليه عوداً" المشهور في ضبطه تعرض بفتح التاء وضم الراء وهكذا قاله الأصمعي والجمهور، ورواه أبو عبيد بكسر الراء والصحيح الأول، ومعناه تمده عليه عرضاً أي خلاف الطول، وهذا عند عدم ما يغطيه به كما ذكره في الرواية بعده: (إن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً أو يذكر اسم الله فليفعل) فهذا ظاهر في أنه إنما يقتصر على العود عند عدم ما يغطيه به، وذكر العلماء للأمر بالتغطية فوائد: منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث وهما صيانته من الشيطان فإن الشيطان لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة. والفائدة الثالثة: صيانته من النجاسة والمقذرات. والرابعة: صيانته من الحشرات والهوام فربما وقع شيء منها فيه فشربه وهو غافل أو في الليل فيتضرر به والله أعلم. قوله: (قال أبو حميد وهو الساعدي راوي هذا الحديث إنما أمر بالأسقية أن توكأ ليلاً وبالأبواب أن تغلق ليلاً) هذا الذي قاله أبو حميد من تخصيصهما بالليل ليس في اللفظ ما يدل عليه، والمختار عند الأكثرين من الأصوليين وهو مذهب الشافعي وغيره رضي الله عنهم أن تفسير الصحابي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره، وأما إذا لم يكن في ظاهر الحديث ما يخالفه بأن كان مجملاً فيرجع إلى تأويله ويجب الحمل عليه لأنه إذا كان مجملاً لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف، وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي عند الشافعي والأكثرين، والأمر بتغطية الإناء عام فلا يقبل تخصيصه بمذهب الراوي بل يتمسك بالعموم.
وقوله في حديث جابر: (فجاء بقدح نبيذ) هو محمول على ما سبق في الباب السابق أنه نبيذ لم يشتد ولم يصر مسكراً. قوله: (عن الأعمش عن أبي سفيان) اسم أبي سفيان طلحة بن نافع تابعي مشهور سبق بيانه مرات.
*2* باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم اللّه عليها وإطفاء السراج والنار عند النوم. وكفّ الصبيان والمواشي بعد المغرب
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "غَطّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السّرَاجَ. فَإِنّ الشّيْطَانَ لاَ يَحُلّ سِقَاءً، وَلاَ يَفْتَحُ بَاباً، وَلاَ يَكْشِفُ إِنَاءً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاّ أَنْ يَعْرُضَ عَلَىَ إِنَائِهِ عُوداً، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللّه، فَلْيَفْعَلْ. فَإِنّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَىَ أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ" وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ "وَأَغْلِقُوا الْبَابَ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "وَاكْفِؤُا الإِنَاءَ أَوْ خَمّرُوا الإِنَاءَ". وَلَمْ يَذْكُرْ: تَعْرِيضَ الْعُودِ عَلَى الإِنَاءِ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَغْلِقُوا الْبَابَ" فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللّيْثِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "وَخَمّرُوا الاَنِيَةَ". وَقَالَ "تُضْرمُ عَلَىَ أَهْلِ الْبَيْتِ ثِيَابَهُمْ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِر، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِهمْ. وَقَالَ "وَالْفُوَيْسِقَةُ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَىَ أَهْلِهِ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإنّ الشّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ. فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللّيْلِ فَخَلّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ، فَإنّ الشّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَاباً مُغْلَقاً. وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ. وَخَمّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ. وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئاً. وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ نَحْواً مِمّا أَخْبَرَ عَطَاءٌ. إِلاّ أَنّهُ لاَ يَقُولُ "اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ، عَزّ وَجَلّ".
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. كَرِوَايَةِ رَوْحٍ.
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشّمْسُ حَتّىَ تَذهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ. فَإِنّ الشّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشّمْسُ حَتّىَ تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِ زُهَيْرٍ.
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، اللّيْثيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "غَطّوا الإِنَاءَ. وَأَوْكُوا السّقَاءَ. فَإنّ فِي السّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ. لاَ يَمُرّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلاّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ".
وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "فَإِنّ فِي السّنَةِ يَوْماً يَنْزِلُ فِيهِ وَبَاءٌ". وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: قَالَ اللّيْثُ: فَالأَعاجِمُ عِنْدَنَا يَتّقُونَ ذَلِكَ فِي كَانُونَ الأَوّلِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَتْرُكُوا النّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مْحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي عَامِرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَىَ أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللّيْلِ. فَلَمّا حُدّثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَأْنِهِمْ قَالَ: "إِنّ هَذِهِ النّارُ إِنّمَا هِيَ عَدُوّ لَكُمْ. فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم" المراد بالفويسقة الفأرة، وتضرم بالتاء وإسكان الضاد أي تحرق سريعاً، قال أهل اللغة: ضرمت النار بكسر الراء وتضرمت وأضرمت أي التهمت وأضرمتها أنا وضرمتها. قول مسلم رحمه الله: (ولم يذكر تعريض العود على الإناء) هكذا هو في أكثر الأصول وفي بعضها تعرض، فأما هذه فظاهرة وأما تعرض ففيه تسمح في العبارة والوجه أن يقول: ولم يذكر عرض العود لأنه المصدر الجاري على تعرض والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان جنح الليل أو أمسيت فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الباب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئاً" هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الاَخرة والدنيا، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الاَداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسباباً للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على كشف إناء ولا حل سقاء ولا فتح باب ولا إيذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه الأسباب، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح: "أن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال الشيطان لا مبيت" أي لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء. وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: "اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا" كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة، وفي هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع ويلحق بها ما في معناها. قال أصحابنا: يستحب أن يذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذي بال، وكذلك يحمد الله تعالى في أول كل أمر ذي بال للحديث الحسن المشهور فيه. قوله: "جنح الليل" هو بضم الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو ظلامه ويقال أجنح الفليل أي أقبل ظلامه وأصل الجنوح الميل. قوله صلى الله عليه وسلم: "فكفوا صبيانكم" أي امنعوهم من الخروج ذلك الوقت. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الشيطان ينتشر" أي جنس الشيطان، ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذٍ والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء" قال أهل اللغة: الفواشي كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها وهي جمع فاشية لأنها تفشو أي تنتشر في الأرض، وفحمة العشاء ظلمتها وسوادها وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه، وكذا ذكره صاحب نهاية الغريب قال: ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة، وللتي بين العشاء والفجر العسعسة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء" وفي الرواية الأخرى: يوماً بدل ليلة قال الليث: فالأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول. الوباء يمد ويقصر لغتان حكاهما الجوهري وغيره والقصر أشهر، قال الجوهري: جمع المقصور أوباء وجمع الممدود أوبية، قالوا: والوباء مرض عام يفضي إلى الموت غالباً. وقوله: (يتقون ذلك) أي يتوقعونه ويخافونه، وكانون غير مصروف لأنه علم أعجمي وهو الشهر المعروف. وأما قوله في رواية يوماً، وفي رواية ليلة فلا منافاة بينهما إذ ليس في أحدهما نفي الاَخر فهما ثابتان.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم فإذا انتفت العلة زال المنع.
قوله: (سعيد بن عمرو الأشعثي) تقدم مرات أنه منسوب إلى جده الأعلى الأشعث بن قيس. قوله: (بريدة عن أبي بردة) تقدم أيضاً مرات أنه بضم الموحدة والله أعلم.
*2* باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا، حَتّىَ يَبْدَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعَ يَدَهُ. وَإنّا حَضَرْنَا مَعَهُ، مَرّةً، طَعَاماً. فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنّهَا تُدْفَعُ. فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا. ثُمّ جَاءَ أَعْرَابِيّ كَأَنّمَا يُدْفَعُ. فَأَخَذَ بِيَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الشّيْطَانَ يَسْتَحِلّ الطّعَامَ أَنْ لاَ يُذْكَرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ. وَإنّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلّ بِهَا. فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا. فَجَاءَ بِهَذَا الأَعْرَابِيّ لِيَسْتَحِلّ بِهِ. فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ. وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ الأَرْحَبِيّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: كُنّا إِذَا دُعِينَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ طَعَامٍ. فَذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ "كَأَنّمَا يُطْرَدُ" وَفِي الْجَارِيَةِ "كَأَنّمَا تُطْرَدُ" وَقَدّمَ مَجِيءَ الأَعْرَابِيّ فِي حَدِيثِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْجَارِيَةِ. وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: ثُمّ ذَكَرَ اسْمَ اللّهِ وَأَكَلَ.
وحدّثنيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَدّمَ مَجِيءَ الْجَارِيَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الأَعْرَابِيّ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ. حَدّثَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
وحدّثنيهِ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ إِنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ. إِلاّ أَنّهُ قَالَ "وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْم اللّهِ عِنْدَ طَعَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِر، عَنْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَأْكُلُوا بالشّمَال، فَإِنّ الشّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشّمَالِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ نُمَيْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَدّهِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ. وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ. فَإِنّ الشّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). كِلاَهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. جَمِيعاً عَنِ الزّهْرِيّ بِإِسْنَادِ سُفْيَانَ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ (قَالَ أَبُو الطّاهِرِ أَخْبَرَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: حَدّثَنَا) عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. حَدّثَهُ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَأْكُلَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ. وَلاَ يَشْرَبَنّ بِهَا. فإِنّ الشّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا".
قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا "وَلاَ يَأْخُذُ بِهَا وَلاَ يَعْطِي بِهَا". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الطّاهِرِ "لاَ يَأْكُلَنّ أَحَدُكُمْ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ. حَدّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ. فَقَالَ: "كُلْ بِيَمِينِكَ" قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ. قَالَ: "لاَ اسْتَطَعْتَ" مَا مَنَعَهُ إِلاّ الْكِبْرُ. قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَىَ فِيهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصّحْفَةِ. فَقَالَ لِي: "يَا غُلاَمُ سَمّ اللّهَ. وَكُلْ بِيَمِينِكَ. وَكُلْ مِمّا يَلِيكَ".
وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْن عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهُ قَالَ: أَكَلْتُ يَوْماً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلْتُ آخُذُ مِنْ لَحْمٍ حَوْلَ الصّحْفَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "كُلْ مِمّا يَلِيكَ".
وحدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: نَهَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّهُ قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ: أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا.
وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَاخْتِنَاثُهَا أَنْ يُقْلَبَ رَأْسُهَا ثمّ يُشْرَبَ مِنْهُ.
قوله: (عن الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة رضي الله عنه قال: كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده إلى آخره) هذا الإسناد فيه ثلاثة تابعيون كوفيون بعضهم عن بعض: الأعمش عن خيثمة وهو خيثمة بن عبد الرحمن العبد الصالح، وأبو حذيفة واسمه سلمة بن صهيب وقيل ابن صهيبة وقيل ابن صهبان وقيل ابن صهبة وقيل ابن صهيبة الهمداني الأرحبي بالحاء المهملة وبالموحدة. وقوله: (لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه بيان هذا الأدب وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل في غسل اليد للطعام وفي الأكل. قوله: (فجاءت جارية كأنها تدفع) وفي الرواية الأخرى: (كأنها تطرد) يعني لشدة سرعتها (فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخدت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها) ثم زاد في الرواية الأخرى في آخر الحديث: (ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل). في هذا الحديث فوائد: منها جواز الحلف من غير استحلاف وقد تقدم بيانه مرات وتفصيل الحال في استحبابه وكراهته. ومنها استحباب التسمية في ابتداء الطعام وهذا مجمع عليه وهذا يستحب حمد الله تعالى في آخره كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، وكذا تستحب التسمية في أول الشراب بل في أول كل أمر ذي بال كما ذكرنا قريباً، قال العلماء: ويستحب أن يجهر بالتسمية ليسمع غيره وينبهه عليها، ولو ترك التسمية في أول الطعام عامداً أو ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو عاجزاً لعارض آخر ثم تمكن في أثناء أكله منها يستحب أن يسمي ويقول: بسم الله أوله وآخره لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره" رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق والدواء وسائر المشروبات كالتسمية على الطعام في كل ما ذكرناه، وتحصل التسمية بقوله: بسم الله، فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم كان حسناً، وسواء في استحباب التسمية الجنب والحائض وغيرهما. وينبغي أن يسمي كل واحد من الاَكلين، فإن سمى واحد منهم حصل أصل السنة نص عليه الشافعي رضي الله عنه، ويستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان إنما يتمكن من الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه ولأن المقصود يحصل بواحد، ويؤيده أيضاً ما سيأتي في حديث الذكر عند دخول البيت، وقد أوضحت هذه المسائل وما يتعلق بها في كتاب أذكار الطعام والله أعلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن يده في يدي مع يدها" هكذا هو في معظم الأصول يدها وفي بعضها يدهما فهذا ظاهر والتثنية تعود إلى الجارية والأعرابي، ومعناه إن يدي في يد الشيطان مع يد الجارية والأعرابي، وأما على رواية يدها بالإفراد فيعود الضمير على الجارية، وقد حكى القاضي عياض رضي الله عنه أن الوجه التثنية، والظاهر أن رواية الإفراد أيضاً مستقيمة فإن إثبات يدها لا ينفي يد الأعرابي، وإذا صحت الرواية بالإفراد وجب قبولها وتأويلها على ما ذكرناه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه" معنى يستحل يتمكن من أكله، ومعناه أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى، وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن، وإن كان جماعة فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه، ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها وأن الشيطان يأكل حقيقة، إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره بل أثبته فوجب قبوله واعتقاده والله أعلم. قوله في الرواية الثانية: وقدم مجيء الأعرابي قبل مجيء الجارية عكس الرواية الأولى والثالثة كالأولى، ووجه الجمع بينهما أن المراد بقوله في الثانية قدم مجيء الأعرابي أنه قدمه في اللفظ بغير حرف ترتيب فذكره بالواو فقال: جاء أعرابي وجاءت جارية والواو لا تقتضي ترتيباً. وأما الرواية الأولى فصريحة في الترتيب وتقديم الجارية لأنه قال: ثم جاء أعرابي وثم للترتيب فيتعين حمل الثانية على الأولى ويبعد حمله على واقعتين.
قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) معناه قال الشيطان لإخوانه وأعوانه ورفقته. وفي هذا استحباب ذكر الله تعالى عند دخول البيت وعند الطعام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال".
وفي رواية ابن عمر رضي الله عنه: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) وكان نافع يزيد فيها: (ولا يأخذ بها ولا يعطي بها). فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال، وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء وهذا إذا لم يكن عذر، فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال، وفيه أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشياطين وأن للشياطين يدين.
قوله: (أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه) هذا الرجل هو بسر بضم الباء وبالسين المهملة ابن راعي العير بفتح العين وبالمثناة الأشجعي كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني وابن ماكولا وآخرون وهو صحابي مشهور عده هؤلاء وغيرهم في الصحابة رضي الله عنهم. وأما قول القاضي عياض رضي الله عنه أن قوله ما منعه إلا الكبر يدل على أنه كان منافقاً فليس بصحيح، فإن مجرد الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق والكفر لكنه معصية إن كان الأمر أمر إيجاب، وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الاَكل آداب الأكل إذا خالفه كما في حديث عمر بن أبي سلمة الذي بعد هذا.
قوله: (عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) قوله: تطيش بكسر الطاء وبعدها مثناة تحت ساكنة أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة ولا تقتصر على موضع واحد، والصحفة دون القصعة وهي ما تسع ما يشبع خمسة، فالقصعة تشبع عشرة، كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه، وقيل الصحفة كالقصعة وجمعها صحاف، وفي هذا الحديث بيان ثلاث سنن من سنن الأكل وهي: التسمية والأكل باليمين وقد سبق بيانهما، والثالثة: الأكل مما يليه لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة فقد يتقذره صاحبه لا سيما في الأمراق وشبهها، وهذا في الثريد والأمراق وشبهها، فإن كان تمراً أو أجناساً فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه، والذي ينبغي تعميم النهي حملاً للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص. قوله: (محمد بن عمرو بن حلحلة) هو بفتح الحاءين المهملتين وإسكان اللام بينهما والله أعلم.
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية) قال في الرواية الأخرى: (واختناثها أن يقلب رأسها حتى يشرب منه) الاختناث بخاء معجمة ثم تاء مثناة فوق ثم نون ثم ألف ثم مثلثة وقد فسره في الحديث، وأصل هذه الكلمة التكسر والانطواء، ومنه سمي الرجل المتشبه بالنساء في طبعه وكلامه وحركاته مخنثاً، واتفقوا على أن النهي عن اختناثها نهي تنزيه لا تحريم، ثم قيل سببه أنه لا يؤمن أن يكون في البقاء ما يؤذيه فيدخل في جوفه ولا يدري، وقيل لأنه يقذره على غيره، وقيل أنه ينتنه أو لأنه مستقذر. وقد روى الترمذي وغيره عن كبشة بنت ثابت وهي أخت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنهما قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من قربة معلقة قائماً فقمت إلى فيها فقطعته" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقطعها لفم القربة فعلته لوجهين: أحدهما أن تصون موضعاً أصابه فم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يبتذل ويمسه كل أحد. والثاني: أن تحفظه للتبرك به والاستشفاء والله أعلم. فهذا الحديث يدل على أن النهي ليس للتحريم والله أعلم.
*2* باب كراهية الشرب قائما
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ عَنِ الشّرْبِ قَائِماً.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ أَنْ يَشْرَبَ الرّجُلُ قائِماً. قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالأَكْلُ؟ فَقَالَ: ذَاكَ أَشَرّ أَوْ أَخْبَثُ.
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ قَتَادَةَ.
حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي عِيسَى الأُسْوَارِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ عَنِ الشّرْبِ قَائِماً.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ وَابْنِ الْمُثَنّى) قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا قُتَادَةُ عَنْ أَبِي عِيسَى الأُسْوَارِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الشّرْبِ قَائِماً.
حدّثني عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيّ). حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ. أَخْبَرَنِي أَبُو غَطَفَانَ الْمُرّيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَشْرَبَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِماً. فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ".
فيه حديث قتادة: (عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً) وفي رواية: (نهى عن الشرب قائماً قال قتادة: فالأكل قال أشر أو أخبث) وفي رواية عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً) وفي رواية عنهم: (نهى عن الشرب قائماً) وفي رواية عن عمر بن حمزة قال أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقيء). وعن ابن عباس: (سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم) وفي الرواية الأخرى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم) وفي صحيح البخاري: (أن علياً رضي الله عنه شرب قائماً وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت) أعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالاً باطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها وادعى فيها دعاوي باطلة لا غرض لنا في ذكرها ولا وجه لإشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن بل نذكر الصواب ويشار إلى التحذير من الاغترار بما خالفه، وليس في هذه الأحاديث بحمد الله تعالى إشكال ولا فيها ضعف بل كلها صحيحة، والصواب فيها أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائماً فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض، وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه، وأما من زعم نسخاً أو غيره فقد غلط غلطاً فاحشاً، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ وأنى له بذلك والله أعلم. فإن قيل: كيف يكون الشرب قائماً مكروهاً وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بياناً للجواز لا يكون مكروهاً بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مكروهاً وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وطاف على بعير، مع أن الإجماع على أن الوضوء ثلاثاً ثلاثاً والطواف ماشياً أكمل ونظائر هذا غير منحصرة، فكان صلى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشيء مرة أو مرات ويواظب على الأفضل منه، وهكذا كان أكثر وضوئه صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً، وأكثر طوافه ماشياً، وأكثر شربه جالساً، وهذا واضح لا يتشكك فيه من له أدنى نسبة إلى علم والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن نسي فليستقيء" فمحمول على الاستحباب والندب، فيستحب لمن شرب قائماً أن يتقايأه لهذا الحديث الصحيح الصريح، فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب. وأما قول القاضي عياض: لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب ناسياً ليس عليه أن يتقايأه فأشار بذلك إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاءة لا يمنع كونها مستحبة، فإن ادعى مدع منع الاستحباب فهو مجازف لا يلتفت إليه فمن أين له الإجماع على منع الاستحباب؟ وكيف تترك هذه السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوى والترهات؟ ثم اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائماً ناسياً أو متعمداً، وذكر الناسي في الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى، لأنه إذا أمر به الناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف أولى وهذا واضح لا شك فيه، لا سيما على مذهب الشافعي والجمهور في أن القاتل عمداً تلزمه الكفارة، وأن قوله تعالى: {ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة} لا يمنع وجوبها على العامد بل للتنبيه والله أعلم. وأما ما يتعلق بأسانيد الباب وألفاظه فقال مسلم: حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. وحدثنا محمد بن مثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس. هذان الإسنادان بصريون كلهم، وقد سبق مرات أن هداباً يقال فيه هدبة وأن أحدهما اسم والاَخر لقب واختلف فيهما وسعيد هذا هو ابن أبي عروبة. وقوله: (قال قتادة قلنا "يعني لأنس" فالأكل قال أشر وأخبث) هكذا وقع في الأصول أشر بالألف، والمعروف في العربية شر بغير ألف وكذلك خير، قال الله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقراً} وقال تعالى: {فسيعلمون من هو شر مكاناً} ولكن هذه اللفظة وقعت هنا على الشك فإنه قال: أشر وأخبث، فشك قتادة في أن أنساً قال أشر أو قال أخبث، فلا يثبت عن أنس أشر بهذه الرواية، فإن جاءت هذه اللفظة بلا شك وثبتت عن أنس فهو عربي فصيح فهي لغة، وإن كانت قليلة الاستعمال ولهذا نظائر مما لا يكون معروفاً عند النحويين وجارياً على قواعدهم وقد صحت به الأحاديث فلا ينبغي رده إذا ثبت بل يقال هذه لغة قليلة الاستعمال ونحو هذا من العبارات، وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب، ولهذا يمنع بعضهم ما ينقله غيره عن العرب كما هو معروف والله أعلم.
وقوله: (عن أبي عيسى الأسواري) هو بضم الهمزة وحكى كسرها، والذي ذكره السمعاني وصاحبا المشارق والمطالع هو الضم فقط، قال أبو علي الغساني والسمعاني وغيرهما: لا يعرف اسمه، قال الإمام أحمد بن حنبل: لا نعلم أحداً روى عنه غير قتادة، وقال الطبراني: هو بصري ثقة وهو منسوب إلى الأسوار وهو الواحد من أساورة الفرس، قال الجوهري: قال أبو عبيد: هم الفرسان، قال: والأساورة أيضاً قوم من العجم بالبصرة نزلوها قديماً كالأخامرة بالكوفة.
قوله: (أبو غطفان المري) هو بضم الميم وتشديد الراء ولا يعرف اسمه، وفيه سريج بن يونس تقدم معناه مرات أنه بالمهملة والجيم.
*2* باب في الشرب من زمزم قائما
*وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ، مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَائِمٌ.
وحدّثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ. ح وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ وَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ (قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ يَعْقُوبُ: حَدّثَنَا) هُشَيْمٌ. حَدّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَ مُغِيرَةُ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ.
وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ سَمِعَ الشّعْبِيّ، سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ، قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ. فَشَرِبَ قَائِماً. وَاسْتَسْقَىَ وَهُو عِنْدَ الْبَيْتِ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: فَأَتَيْتُهُ بِدَلْوٍ.
قوله: (واستسقى وهو عند البيت) معناه طلب وهو عند البيت ما يشربه، والمراد بالبيت الكعبة زادها الله شرفاً.
*2* باب كراهة التنفس في نفس الإِناء واستحباب التنفس ثلاثا، خارج الإناء
*حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا الثّقَفِيّ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ أَنْ يُتَنَفّسَ فِي الإِنَاءِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيّ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاَثاً.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفّسُ فِي الشّرَابِ ثَلاَثاً، وَيَقُولُ: "إِنّهُ أَرْوَىَ وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ".
قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أَتَنَفّسُ فِي الشّرَابِ ثَلاَثاً.
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ، عَنْ أَبِي عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. وَقَالَ: فِي الإِنَاءِ.
في حديث: (نهى أن يتنفس في الإناء).
وحديث: (كان يتنفس في الإناء ثلاثاً). وفي رواية: (في الشراب ويقول إنه أروى وأبرأ وأمرأ). هذان الحديثان محمولان على ما ترجمناه لهما، فالأول: محمول على أول الترجمة، والثاني: على آخرها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أروى" من الري أي أكثر رياً وأمرأ وأبرأ مهموزان، ومعنى أبرأ أي أبرأ من ألم العطش، وقيل أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد، ومعنى أمرأ أي أجمل انسياغاً والله أعلم. قوله: (عن أبي عصام عن أنس) اسم أبي عصام خالد بن أبي عبيد. وقوله في الحديث الثاني: (كان يتنفس في الإناء أو في الشراب) معناه في أثناء شربه من الإناء أو في أثناء شربه الشراب والله أعلم.
*2* باب استحباب إدارة الماء واللبن، ونحوهما، عن يمين المبتدئ
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ. وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ. فَشَرِبَ. ثُمّ أَعْطَىَ الأَعْرَابِيّ. وَقَالَ: "الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظ لِزُهَيْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ. وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ. وَكُنّ أُمّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي عَلَىَ خِدْمَتِهِ. فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَارَنَا. فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ. وَشِيبَ لَهُ مِنْ بِئْرٍ فِي الدّارِ. فَشَرِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ. فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيّاً عَنْ يَمِينِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ، أَبِي طُوَالَةَ الأَنْصَارِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ ابْنَ مَالِكٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدّثُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِنَا. فَاسْتَسْقَىَ. فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً. ثُمّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِي هَذِهِ. قَالَ: فَأَعْطَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَشَرِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ وِجَاهَهُ، وَأَعْرَابِيّ عَنْ يَمِينِهِ. فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ شُرْبِهِ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ. يَا رَسُولَ اللّهِ يُرِيهِ إيّاهُ. فَأَعْطَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الأَعْرَابِيّ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ".
قَالَ أَنَسٌ: فَهْيَ سُنّةٌ، فَهْيَ سُنّةٌ، فَهْيَ سُنّةٌ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ. فَشَرِبَ مِنْهُ. وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ. فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟" فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ. وَاللّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَداً.
قَالَ: فَتَلّهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ). كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُولاَ: فَتَلّهُ. وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: قَالَ: فَأَعْطَاهُ إِيّاهُ.
فيه أنس رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن) وفي الرواية الأخرى: (فقال له عمر وأبو بكر عن شماله يا رسول الله اعط أبا بكر فأعطاه أعرابياً عن يمينه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيمن فالأيمن) وفي الرواية الأخرى: (الأيمنون الأيمنون الأيمنون قال أنس: فهي سنة فهي سنة فهي سنة).وفي الرواية الأخرى: (أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده). في هذه الأحاديث بيان هذه السنة الواضحة، وهو موافق لما تظاهرت عليه دلائل الشرع من استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم وإن كان صغيراً أو مفضولاً، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر رضي الله تعالى عنه. وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ولهذا يقدم الأعلم والأفرأ على الأسن النسيب في الإمامة في الصلاة. وقوله: (شيب) أي خلط وفيه جواز ذلك وإنما نهى عن شوبه إذا أراد بيعه لأنه غش، قال العلماء: والحكمة في شوبه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع.
وقوله: (فتله في يده) أي وضعه فيها، وقد جاء في مسند أبي بكر بن أبي شيبة أن هذا الغلام هو عبد الله بن عباس ومن الأشياخ خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، قيل: إنما استأذن الغلام دون الأعرابي إدلالاً على الغلام وهو ابن عباس وثقة بطيب نفسه بأصل الاستئذان لا سيما والأشياخ أقاربه، قال القاضي عياض: وفي بعض الروايات عمك وابن عمك أتأذن لي أن أعطيه، وفعل ذلك أيضاً تألفاً لقلوب الأشياخ وإعلاماً بودهم وإيثار كرامتهم إذا لم تمنع منها سنة، وتضمن ذلك أيضاً بيان هذه السنة وهي أن الأيمن أحق ولا يدفع إلى غيره إلا بإذنه، وأنه لا بأس باستئذانه، وأنه لا يلزمه الإذن، وينبغي له أيضاً أن لا يأذن إن كان فيه تفويت فضيلة أخروية ومصلحة دينية كهذه الصورة، وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لا يؤثر في القرب وإنما الإيثار المحمود ما كان في حظوظ النفس دون الطاعات، قالوا: فيكره أن يؤثر غيره بموضعه من الصف الأول وكذلك نظائره، وأما الأعرابي فلم يستأذنه مخافة من إيحاشه في استئذانه في صرفه إلى أصحابه صلى الله عليه وسلم، وربما سبق إلى قلب ذلك الأعرابي شيء يهلك به لقرب عهده بالجاهلية وأنفتها وعدم تمكنه في معرفته خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تظاهرت النصوص على تألفه صلى الله عليه وسلم قلب من يخاف عليه، وفي هذه الأحاديث أنواع من العلم منها أن البداءة باليمين في الشراب ونحوه سنة وهذا مما لا خلاف فيه، ونقل عن مالك تخصيص ذلك بالشراب، قال ابن عبد البر وغيره: لا يصح هذا عن مالك، قال القاضي عياض: يشبه أن يكون قول مالك رحمه الله تعالى أن السنة وردت في الشراب خاصة، وإنما يقدم الأيمن فالأيمن في غيره بالقياس لا بسنة منصوصة فيه، وكيف كان فالعلماء متفقون على استحباب التيامن في الشراب وأشباهه، وفيه جواز شرب اللبن المشوب، وفيه أن من سبق إلى موضع مباح أو مجلس العالم والكبير فهو أحق به ممن يجيء بعده والله أعلم. قوله: (عن أنس رضي الله عنه وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته) المراد بأمهاته أمه أم سليم وخالته أم حرام وغيرهما من محارمه، فاستعمل لفظ الأمهات في حقيقته ومجازه، وهذا على مذهب الشافعي رحمه الله والقاضي أبي بكر الباقلاني وغيرهما ممن يجوز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه، وقوله: كن أمهاتي على لغة أكلوني البراغيث وهي لغة صحيحة وإن كانت قليلة الاستعمال، وقد تقدم إيضاحها عند قوله صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة" ونظائره والله أعلم. قوله: (فحلبنا له من شاة داجن) هي بكسر الجيم وهي التي تعلف في البيوت، يقال: دجنت تدجن دجوناً، ويطلق الداجن أيضاً على كل ما يألف البيت من طير وغيره. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الأيمن فالأيمن" ضبط بالنصب والرفع وهما صحيحان النصب على تقدير أعطى الأيمن والرفع على تقدير الأيمن أحق أو نحو ذلك. وفي الرواية الأخرى: "الأيمنون" وهو يرجع الرفع. وقول عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله أعط أبا بكر) إنما قاله للتذكير بأبي بكر مخافة من نسيانه وإعلاماً لذلك الأعرابي الذي على اليمين بجلالة أبي بكر رضي الله عنه. قوله: (عن أبي طوالة) هو بضم الطاء هذا هو الصحيح المشهور، وحكى صاحب المطالع ضمها وفتحها، قالوا: ولا يعرف في المحدثين من يكنى أبا طوالة غيره، وقد ذكره الحاكم أبو أحمد في الكنى المفردة. قوله: (وعمر رضي الله عنه وجاهه) هو بضم الواو وكسرها لغتان أي قدامه مواجهاً له. قوله: (يعقوب بن عبد الرحمن القاري) هو بتشديد الياء منسوب إلى القارة القبيلة المعروفة وقد سبق بيانه مرات والله أعلم.
*2* باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَر (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً، فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتّىَ يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا".
حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنِي أَبُو عَاصِمٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مِنَ الطّعَامِ، فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتّىَ يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رَأَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثّلاَثَ مِنَ الطّعَامِ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ حَاتِمٍ: الثّلاَثَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ. وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَوْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ أَنّهُ حَدّثَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ. فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا.
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ حَدّثَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصّحْفَةِ. وَقَالَ: "إِنّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيّهِ الْبَرَكَةُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا. فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذَىً وَلْيَأْكُلْهَا. وَلاَ يَدَعْهَا لِلشّيْطَانِ. وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتّىَ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ. فَإِنّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيّ. ح وَحَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وفي حَدِيثِهِمَا "وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتّىَ يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا" وَمَا بَعْدَهُ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ الشّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ. حَتّىَ يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ. فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذَىً. ثُمّ لْيَأْكُلْهَا. وَلاَ يَدَعْهَا لِلشّيْطَانِ. فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ. فَإِنّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ".
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ "إِذَا سَقَطَتْ لقْمَةُ أَحَدِكُمْ" إِلَىَ آخِرِ الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَوّلَ الْحَدِيثِ "إِنّ الشّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ و أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فِي ذِكْرِ اللّعْقِ. وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَذَكَرَ اللّقْمَةَ. نَحْوَ حَدِيثِهِمَا.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ و أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا بَهْزٌ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثّلاَثَ. قَالَ وقَالَ "إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَىَ. وَلْيَأْكُلْهَا. وَلاَ يَدَعْهَا لِلشّيْطَانِ" وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ. قَالَ: "فَإِنّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ. فَإِنّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيّتِهِنّ الْبَرَكَةُ".
وحدّثنيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيَ) قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "وَلْيَسْلُتْ أَحَدُكُمُ الصّحْفَةَ". وَقَالَ "فِي أَيّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ، أَوْ يُبَارَكُ لَكُمْ".
فيه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها".
وفي الرواية الأخرى: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها) وفي رواية: (يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها).
وفي رواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: إنكم لا تدرون في أيه البركة). وفي رواية: (إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة). وفي رواية: (ان الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط) وذكر نحو ما سبق.وفي رواية: (وأمرنا أن نسلت القصعة). وفي رواية: (وليسلت أحدكم الصفحة). في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل منها استحباب لعق اليد محافظة على بركة الطعام وتنظيفاً لها واستحباب الأكل بثلاث أصابع ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر بأن يكون مرقاً وغيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار، واستحباب لعق القصعة وغيرها، واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس تنجست ولا بد من غسلها إن أمكن فإن تعذر أطعمها حيواناً ولا يتركها للشيطان. ومنها إثبات الشياطين وأنهم يأكلون وقد تقدم قريباً إيضاح هذا. ومنها جواز مسح اليد بالمنديل لكن السنة أن يكون بعد لعقها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه" فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته للإنسان في تصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترز منه ولا يغتر بما يزينه له. وقوله صلى الله عليه وسلم: "يلعقها أو يلعقها" معناه والله أعلم لا يمسح يده حتى يلعقها، فإن لم يفعل فحتى يلعقها غيره ممن لا يتقذر ذلك كزوجه وجارية وولد وخادم يحبونه ويلتذون بذلك ولا يتقذرون، وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد بركته ويود التبرك بلعقها، وكذا لو ألعقها شاة ونحوها والله أعلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدرون في أيه البركة" معناه والله أعلم أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه أو في ما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والامتاع به، والمراد هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوى على طاعة الله تعالى وغير ذلك. قوله: (أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أو عبد الله بن كعب أخبره عن أبيه) هذا قد تقدم مثله مرات وذكرنا أنه لا يضر الشك في الراوي إذا كان الشك بين ثقتين لأن ابني كعب هذين ثقتان. قوله صلى الله عليه وسلم: "فليمط ما كان بها من أذى ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها" أما يمط فبضم الياء ومعناه يزيل وينحى. وقال الجوهري: حكى أبو عبيد ماطه وأماطه نحاه. وقال الأصمعي: أماطه لا غير ومنه أماطة الأذى، ومطت أنا عنه أي تنحيت، والمراد بالأذى هنا المستقذر من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك فإن كانت نجاسة فقد ذكرنا حكمها. وأما المنديل فمعروف وهو بكسر الميم قال ابن فارس في المجمل: لعله مأخوذ من الندل وهو النقل، وقال غيره: هو مأخوذ من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، قال أهل اللغة: يقال تندلت بالمنديل، قال الجوهري: ويقال أيضاً تمندلت، قال: وأنكر الكسائي تمندلت. قوله: (أخبرنا أبو داود الحفري) هو بحاء مهملة وفاء مفتوحتين واسمه عمر بن سعد منسوب إلى حفر موضع بالكوفة. قوله: (عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر اسم أبي سفيان طلحة بن نافع) تقدم مرات.
قوله: (وأمرنا أن نسلت القصعة) هو بفتح النون وضم اللام ومعناه نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام ومنه سلت الدم عنها.
قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخيرة وهي رواية أبي هريرة: "إذا أكل أحدكم طعاماً فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيتهن البركة" هكذا هو في معظم الأصول، وفي بعضها: "لا يدري أيتهما" وكلاهما صحيح، أما رواية في أيتهن فظاهرة، وأما رواية لا يدري أيتهن البركة فمعناه أيتهن صاحبة البركة فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والله أعلم.
*2* باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام، واستحباب إذن صاحب الطعام للتابع
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَتَقَارَبَا فِي اللّفْظِ. قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ. قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ. وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحّامٌ. فَرَأَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَفَ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ. فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: وَيْحَكَ اصْنَعْ لَنَا طَعَاماً لِخَمْسَةِ نَفَرٍ. فَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعوَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ. قَالَ فَصَنَعَ. ثُمّ أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ. وَاتّبَعَهُمْ رَجُلٌ. فَلَمّا بَلَغَ الْبَابَ قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ هَذَا اتّبَعَنَا. فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ. وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ" قَالَ: لاَ. بَلْ آذَنُ لَهُ. يَا رَسُولَ اللّهِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيَ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوّادٍ. حَدّثَنَا أَبُو الْجَوّابِ. حَدّثَنَا عَمّارٌ (وَهُوَ ابْنُ رُزَيْقٍ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَعَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ جَاراً، لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَارِسِيّاً. كَانَ طَيّبَ الْمَرَقِ. فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ جَاءَ يَدْعُوهُ. فَقَالَ: "وَهَذِهِ؟" لِعَائِشَةَ. فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ". فَعَادَ يَدْعُوهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "وَهَذِهِ؟" قَالَ: لاَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ". ثُمّ عَادَ يَدْعُوهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَهَذِهِ؟" قَالَ: نَعَمْ. فِي الثّالِثَةِ. فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتّىَ أَتَيَا مَنْزِلَهُ.
فيه (أن رجلاً من الأنصار يقال له أبو شعيب صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً ثم دعاه خامس خمسة واتبعهم رجل فلما بلغ الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع قال: لا بل آذن له يا رسول الله).
وفيه: (أن جاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسياً كان طيب المرق فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً ثم جاء يدعوه فقال وهذه لعائشة فقال لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه لعائشة فقال لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال: نعم في الثالثة فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله) أما الحديث الأول ففيه أن المدعو إذا تبعه رجل بغير استدعاء ينبغي له أن لا يأذن له وينهاه، وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به ليأذن له أو يمنعه، وأن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذي الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزرياً بهم لشهرته بالفسق ونحو ذلك، فإن خيف من حضوره شيء من هذا لم يأذن له، وينبغي أن يتلطف في رده ولو أعطاه شيئاً من الطعام إن كان يليق به ليكون رداً جميلاً كان حسناً. وأما الحديث الثاني في قصة الفارسي وهي قضية أخرى فمحمول على أنه كان هناك عذر يمنع وجوب إجابة الدعوى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مخيراً بين إجابته وتركها فاختار أحد الجائزين وهو تركها إلا أن يأذن لعائشة معه لما كان بها من الجوع أو نحوه، فكره صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها، وهذا من جميل المعاشرة وحقوق المصاحبة وآداب المجالسة المؤكدة، فلما أذن لها اختار النبي صلى الله عليه وسلم الجائز الاَخر لتجدد المصلحة وهو حصول ما كان يريده من إكرام جليسه وإيفاء حق معاشرته ومواساته فيما يحصل، وقد سبق في باب الوليمة بيان الأعذار في ترك إجابة الدعوى واختلاف العلماء في وجوب الإجابة، وأن منهم من لم يوجبها في غير وليمة العرس كهذه الصورة والله أعلم. قوله: (فقاما يتدافعان) معناه يمشي كل واحد منهما في أثر صاحبه، قالوا: ولعل الفارسي إنما لم يدع عائشة رضي الله عنها أولاً لكون الطعام كان قليلاً فأراد توفيره على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث جواز أكل المرق والطيبات، قال الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} وقوله في الحديث الأول: (كان لأبي شعيب غلام لحام) أي يبيع اللحم، وفيه دليل على جواز الجزارة وحل كسبها والله أعلم.
*2* باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحققه تحققاً تاماً، واستحباب الاجتماع على الطعام
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ. فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السّاعَةَ؟" قَالاَ: الْجُوعُ. يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَأَنَا. وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الّذَي أَخْرَجَكُمَا. قُومُوا" فَقَامُوا مَعَهُ. فَأَتَىَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ. فَلَمّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَباً وَأَهْلاً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَيْنَ فُلاَنٌ؟" قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ. إذْ جَاءَ الأَنْصَارِيّ فَنَظَرَ إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ. ثُمّ قَالَ: الْحَمْدُ للّهِ. مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافاً مِنّي. قَالَ فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ. فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ. وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِيّاكَ وَالْحَلُوبَ" فَذَبَحَ لَهُمْ. فَأَكَلُوا مِنَ الشّاةِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ. وَشَرِبُوا. فَلَمّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنّ عَنْ هَذَا النّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ. ثُمّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتّىَ أَصَابَكُمْ هَذَا النّعِيمُ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ (يَعْنِي الْمُغِيْرَةَ بْنَ سَلَمَةَ). حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ. حَدّثَنَا أَبُو حَازِمٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَيْنَا أَبُو بَكْرٍ قَاعِدٌ وَعُمَرُ مَعَهُ، إِذْ أَتَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "مَا أَقْعَدَ كُمَا هَهُنَا؟" قَالاَ: أَخْرَجَنَا الْجُوعُ مِنْ بُيُوتِنَا. وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ ثُمّ ذكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ.
حدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، مِنْ رُقْعَةٍ عَارَضَ لِي بِهَا، ثمّ قَرَأَهُ عَلَيّ. قَالَ: أَخْبَرَنَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ. قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: لَمّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَمَصاً. فَانْكَفَأْتُ. إِلَى امْرَأَتِي. فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خمَصاً شَدِيداً. فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَاباً فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ. وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ. قَالَ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ. فَفَرَغَتْ إِلَىَ فَرَاغِي. فَقَطّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا. ثُمّ وَلّيْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا. وَطَحَنَتْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا. فَتَعَالَ أَنْتَ فِي نَفَرٍ مَعَكَ. فَصَاحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنّ جَابِراً قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُوراً. فَحَيّهَلاَ بِكُمْ" وَقَالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُنْزِلُنّ بُرْمَتَكُمْ وَلاَ تَخْبِزُنّ عَجِينَتَكُمْ، حَتّىَ أَجِيءَ" فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ النّاسَ. حَتّىَ جِئْتُ امْرَأَتِي. فَقَالَتْ: بِكَ. وبِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الّذِي قُلْتِ لِي. فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ. ثُمّ عَمَدَ إِلَىَ بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا أَو بَارَكَ. ثُمّ قَالَ: "ادْعِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ. وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا" وَهُمْ أَلْفٌ. فَأُقْسِمُ بِاللّهِ لأَكَلُوا حَتّىَ تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا. وَإنّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطّ كَمَا هِيَ. وَإنّ عَجِينَتَنَا أَوْ كَمَا قَالَ الضّحّاكُ لَتُخْبَزُ كَمَا هُوَ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأِمّ سُلَيْمٍ: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفاً. أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ. فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصاً مِنْ شَعِيرٍ: ثُمّ أَخَذَتْ خِمَاراً لَهَا. فَلَفّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمّ دَسّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي. وَرَدّتْنِي بِبَعْضِهِ. ثُمّ أَرْسَلَتْنِي إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ. وَمَعَهُ النّاسُ. فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟" قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: "أَلِطَعَامٍ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا" قَالَ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. حَتّىَ جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ. فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا أُمّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنّاسِ. وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتّىَ لَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ حَتّىَ دَخَلاَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلُمّي. مَا عِنْدَكِ. يَا أُمّ سُلَيْمٍ" فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَفُتّ. وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمّ سُلَيْمٍ عُكّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ. ثُمّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللّه أَنْ يَقُولَ. ثُمّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتّىَ شَبِعُوا. ثُمّ خَرَجُوا. ثُمّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتّىَ شَبِعُوا ثُمّ خَرَجُوا. ثُمّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" حَتّىَ أَكَلَ الْقَوْمُ كُلّهُمْ وَشَبِعُوا. وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأَدْعُوَهُ. وَقَدْ جَعَلَ طَعَاماً. قَالَ فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ النّاسِ. فَنَظَرَ إِلَيّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَالَ لِلنّاسِ: "قُومُوا" فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّمَا صَنَعْتُ لَكَ شَيْئاً. قَالَ فَمَسّهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ. ثُمّ قَالَ: "أَدْخِلْ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِي، عَشَرَةً" وَقَالَ: "كُلُوا" وَأَخْرَجَ لَهُمْ شَيْئاً مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. فَأَكَلُوا حَتّىَ شَبِعُوا. فَخَرَجُوا. فَقَالَ: "أَدْخِلْ عَشَرَةً" فَأَكَلُوا حَتّىَ شَبِعُوا. فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتّىَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاّ دَخَلَ، فَأَكَلَ حَتّىَ شَبِعَ. ثُمّ هَيّأَهَا. فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا.
وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ. ثُمّ دَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ فَعَادَ كَمَا كَانَ. فَقَالَ: "دُونَكُمْ هَذَا".
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرّقّيّ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً لِنَفْسِهِ خَاصّةً. ثُمّ أَرْسَلَنِي إِلَيْهِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ وَسَمّىَ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا. فَقَالَ "كُلُوا وَسَمّوا اللّهَ" فَأَكَلُوا. حَتّىَ فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلاً. ثُمّ أَكَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْبَيْتِ. وَتَرَكُوا سُؤْراً.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَىَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بِهَذِهِ الْقِصّةِ، فِي طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ فِيهِ: فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ. حَتّىَ أَتَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّمَا كَانَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. قَالَ هَلُمّهُ. فَإِنّ اللّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِيّ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ فِيه: ثُمّ أَكَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ. وَأَفْضَلُوا مَا أَبْلَغُوا جِيرَانَهُمْ.
وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: رَأىَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعاً فِي الْمَسْجِدِ. يَتَقَلّبُ ظَهْراً لِبَطْنٍ. فَأَتَىَ أُمّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: إِنّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعاً فِي الْمَسْجِدِ. يَتَقَلّبُ ظَهْراً لِبَطْنٍ وَأَظُنّهُ جَائِعاً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: ثُمّ أَكَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمّ سُلَيْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ. فَأَهْدَيْنَاهُ لِجِيرَانِنَا.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيّ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَوَجَدْتُهُ جَالِساً مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدّثُهُمْ، وَقَدْ عَصّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ قَالَ أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكّ عَلَىَ حَجَرٍ. فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لِمَ عَصّبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَطْنَهُ؟ فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَذَهَبْتُ إِلَىَ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ زَوْجُ أُمّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَصّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ. فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَىَ أُمّي. فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ. فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ. وَإِنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلّ عَنْهُمْ. ثُمّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ بِقِصّتِهِ.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فِي طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
فيه ثلاث أحاديث: الأول حديث أبي هريرة في خروج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من الجوع وذهابهم إلى بيت الأنصاري وإدخال امرأته إياهم ومجيء الأنصاري وفرحه بهم وإكرامه لهم، وهذا الأنصاري هو أبو الهيثم بن التيهان واسم أبي الهيثم مالك، هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها قوله: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: ما أخرجكما من بيوتكما؟ قالا: الجوع يا رسول الله قال فأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوموا فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار إلى آخره) هذا فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات، وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم وهذا زعم باطل فإن راوي الحديث أبو هريرة ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر، فإن قيل لا يلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية فلعله سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره. فالجواب أن هذا خلاف الظاهر ولا ضرورة إليه بل الصواب خلافه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يتقلب في اليسار والقلة حتى توفي صلى الله عليه وسلم، فتارة يوسر وتارة ينفد ما عنده، كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير". وعن عائشة: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعاً حتى قبض، وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله" وغير ذلك مما هو معروف، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في وقت يوسر ثم بعد قليل ينفد ما عنده لإخراجه في طاعة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وضيافة الطارقين وتجهيز السرايا وغير ذلك، وهكذا كان خلق صاحبيه رضي الله عنهما بل أكثر أصحابه، وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم مع برهم له صلى الله عليه وسلم وإكرامهم إياه وإتحافه بالطرف وغيرها ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان لكونهم لا يعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به، ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال في ذلك الوقت كما جرى لصاحبيه، ولا يعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متمكن من إزالتها إلا بادر إلى إزالتها، لكن كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عنهم إيثاراً لتحمل المشاق وحملاً عنهم، وقد بادر أبو طلحة حين قال: سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع إلى إزالة تلك الحاجة، وكذا حديث جابر وسنذكرهما بعد هذا إن شاء الله تعالى، وكذا حديث أبي شعيب الأنصاري الذي سبق في الباب قبله أنه عرف في وجهه صلى الله عليه وسلم الجوع فبادر بصنيع الطعام، وأشباه هذا كثيرة في الصحيح مشهورة، وكذلك كانوا يؤثرون بعضهم بعضاً، ولا يعلم أحد منهم ضرورة صاحبه إلا سعى في إزالتها، وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بذلك فقال تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} وقال تعالى: {رحماء بينهم} وأما قولهما رضي الله عنهما: (أخرجنا الجوع) وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما" فمعناه أنهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ولزوم طاعته والاشتغال به فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجمها ويقلقهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة وتمام التلذذ بها سعياً في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به، وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات، وقد نهى عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، وبحضرة طعام تتوق النفس إليه، وفي ثوب له أعلام، وبحضرة المتحدثين وغير ذلك مما يشغل قلبه، ونهى القاضي عن القضاء في حال غضبه وجوعه وهمه وشدة فرحه وغير ذلك مما يشغل قلبه ويمنعه كمال الفكر والله أعلم. وقوله: (بيوتكما) هو بضم الباء وكسرها لغتان قرئ بهما في السبع. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما" فيه جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم ونحوه لا على سبيل التشكي وعدم الرضا بل للتسلية والتصبر كفعله صلى الله عليه وسلم هنا ولإلتماس دعاء أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض، فهذا كله ليس بمذموم إنما يذم ما كان تشكياً وتسخطاً وتجزعاً. وقوله صلى الله عليه وسلم: (فأنا) هكذا هو في بعض النسخ فأنا بالفاء وفي بعضها بالواو وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وقد تقدم قريباً بسط الكلام فيه، وتقدم بيانه مرات. وقوله صلى الله عليه وسلم: "قوموا فقاموا" هكذا هو في الأصول بضمير الجمع وهو جائز بلا خلاف، لكن الجمهور يقولون إطلاقه على الاثنين مجاز وآخرون يقولون حقيقة. وقوله: (فأتى رجلاً من الأنصار) هو أبو الهيثم مالك بن التيهان بفتح المثناة فوق وتشديد المثناة تحت مع كسرها، وفيه جواز الإدلال على الصاحب الذي يوثق به كما ترجمنا له واستتباع جماعة إلى بيته، وفيه منقبة لأبي الهيثم إذ جعله النبي صلى الله عليه وسلم أهلاً لذلك وكفى به شرفاً ذلك.
وقوله: (فقالت مرحباً وأهلاً) كلمتان معروفتان للعرب ومعناه صادفت رحباً وسعة وأهلاً تأنس بهم، وفيه استحباب إكرام الضيف بهذا القول وشبهه وإظهار السرور بقدومه وجعله أهلاً لذلك، كل هذا وشبهه إكرام للضيف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليكرم ضيفه" وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة، وجواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت علماً محققاً أنه لا يكرهه بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة. قولها: (ذهب يستعذب لنا الماء) أي يأتينا بماء عذب وهو الطيب وفيه جواز استعذابه وتطييبه. قوله: (الحمد لله ما أحد اليوم أكرم ضيفاً مني) فيه فوائد منها استحباب حمد الله تعالى عند حصول نعمة ظاهرة، وكذا يستحب عند اندفاع نقمة كانت متوقعة وفي غير ذلك من الأحوال، وقد جمعت في ذلك قطعة صالحة في كتاب الأذكار، ومنها استحباب إظهار البشر والفرح بالضيف في وجهه وحمد الله تعالى وهو يسمع على حصول هذه النعمة والثناء على ضيفه إن لم يخف عليه فتنة فإن خاف لم يثن عليه في وجهه، وهذا طريق الجمع بين الأحاديث الواردة بجواز ذلك ومنعه وقد جمعتها مع بسط الكلام فيها في كتاب الأذكار، وفيه دليل على كمال فضيلة هذا الأنصاري وبلاغته وعظيم معرفته لأنه أتى بكلام مختصر بديع في الحسن في هذا الموطن رضي الله عنه. قوله: (فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا من هذه) العذق هنا بكسر العين وهي الكباسة وهي الغصن من النخل، وإنما أتى بهذا العذق الملون ليكون أطرف وليجمعوا بين أكل الأنواع فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا، وفيه دليل على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما، وفيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسر وإكرامه بعده بطعام يصنعه له لا سيما إن غلب على ظنه حاجته في الحال إلى الطعام، وقد يكون شديد الحاجة إلى التعجيل، وقد يشق عليه انتظار ما يصنع له لاستعجاله للانصراف، وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة لأن ذلك يمنعه من الإخلاص وكمال السرور بالضيف، وربما ظهر عليه شيء من ذلك فيتأذى به الضيف، وقد يحضر شيئاً يعرف الضيف من حاله أنه يشق عليه وأنه يتكلفه له فيتأذى الضيف لشفقته عليه، وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليكرم ضيفه" لأن أكمل إكرامه إراحة خاطره وإظهار السرور به، وأما فعل الأنصاري وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه بل لو ذبح أغناماً بل جمالاً وأنفق أموالاً في ضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما كان مسروراً بذلك مغبوطاً فيه والله أعلم. قوله: (وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب) المدية بضم الميم وكسرها هي السكين وتقدم بيانها مرات، والحلوب ذات اللبن فعول بمعنى مفعول كركوب ونظائره. قوله: (فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة) فيه دليل على جواز الشبع وما جاء في كراهة الشبع فمحمول على المداومة عليه لأنه يقسي القلب وينسي أمر المحتاجين، وأما السؤال عن هذا النعيم فقال القاضي عياض: المراد السؤال عن القيام بحق شكره، والذي نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة بإسباغها لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة والله أعلم. قوله في إسناد الطريق الثاني: (وحدثني إسحاق بن منصور أنبأنا أبو هشام "يعني المغيرة بن سلمة" أنبأنا يزيد أنبأنا أبو حازم قال سمعت أبا هريرة يقول) هكذا وقع هذا الإسناد في النسخ ببلادنا، وحكى القاضي عياض أنه وقع هكذا في رواية ابن ماهان، وفي رواية الرازي من طريق الجلودي، وأنه وقع من رواية السنجري عن الجلودي بزيادة رجل بين المغيرة بن سلمة ويزيد بن كيسان هو عبد الواحد بن زياد، قال أبو علي الجياني: ولا بد من إثبات عبد الواحد ولا يتصل الحديث إلا به، قال: وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقي في الأطراف عن مسلم عن إسحاق عن مغيرة عن عبد الواحد عن يزيد بن أبي كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة، قال الجياني: وما وقع في رواية ابن ماهان وغيره من إسقاطه خطأ بين. قلت: ونقله خلف الواسطي في الأطراف بإسقاط عبد الواحد، والظاهر الذي يقتضيه حال مغيرة ويزيد أنه لا بد من إثبات عبد الواحد كما قاله الجياني والله أعلم. هذا ما يتعلق بالحديث الأول.
أما الحديث الثاني وهو حديث طعام جابر ففيه أنواع من الفوائد وجمل من القواعد، منها الدليل الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تظاهرت أحاديث آحاد بمثل هذا حتى زاد مجموعها على التواتر، وحصل العلم القطعي بالمعنى الذي اشتركت فيه هذه الاَحاد وهو انخراق العادة بما أتى به صلى الله عليه وسلم من تكثير الطعام القليل الكثرة الظاهرة ونبع الماء وتكثيره وتسبيح الطعام وحنين الجذع وغير ذلك مما هو معروف، وقد جمع ذلك العلماء في كتب دلائل النبوة كالدلائل للقفال الشاشي وصاخبه أبي عبد الله الحليمي وأبي بكر البيهقي الإمام الحافظ وغيرهم بما هو مشهور وأحسنها كتاب البيهقي، فللّه الحمد على ما أنعم به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلينا بإكرامه صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق.
قوله: (حدثنا سعيد بن ميناء) هو بالمد والقصر وقد تقدم بيانه مرات. قوله: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم خمصاً) هو بفتح الخاء والميم أي رأيته ضامر البطن من الجوع. قوله: (فانكفأت إلى امرأتي) أي انقلبت ورجعت، ووقع في نسخ فانكفيت وهو خلاف المعروف في اللغة بل الصواب انكفأت بالهمز. قوله: (فأخرجت لي جراباً) وهو وعاء من جلد معروف بكسر الجيم وفتحها الكسر أشهر وقد سبق بيانه. قوله: (ولنا بهيمة داجن) هي بضم الياء تصغير بهيمة وهي الصغيرة من أولاد الضأن، قال الجوهري: وتطلق على الذكر والأنثى كالشاة والسخلة الصغيرة من أولاد المعز، وقد سبق قريباً أن الداجن ما ألف البيوت. قوله: (فجئته فساررته فقلت يا رسول الله) فيه جواز المساررة بالحاجة بحضرة الجماعة، وإنما نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن جابراً قد صنع لكم سوراً فحي هلا بكم" أما السور فبضم السين وإسكان الواو غير مهموز وهو الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقاً وهي لفظة فارسية، وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بألفاظ غير العربية فيدل على جوازه، وأما حي هلا بتنوين هلا وقيل بلا تنوين على وزن علا، ويقال حي هل فمعناه عليك بكذا أو ادع بكذا، قاله أبو عبيد وغيره، وقيل معناه اعجل به، وقال الهروي معناه هات وعجل به. قوله: (وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس) إنما فعل هذا لأنه صلى الله عليه وسلم دعاهم فجاؤوا تبعاً له كصاحب الطعام إذا دعا طائفة يمشي قدامهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحال لا يتقدمهم ولا يمكنهم من وطء عقبيه وفعله هنا لهذه المصلحة. قوله: (حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك) أي ذمته ودعت عليه، وقيل معناه بك تلحق الفضيحة وبك يتعلق الدم، وقيل معناه جرى هذا برأيك وسوء نظرك وتسببك. قوله: (قد فعلت الذي قلت لي) معناه أني أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة. قوله: (ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال: ادعي خابزة فلتخبز معك) هذه اللفظة وهي ادعي وقعت في بعض الأصول هكذا ادعي بعين ثم ياء وهو الصحيح الظاهر لأنه خطاب للمرأة ولهذا قال: فلتخبز معك، وفي بعضها ادعوني بواو ونون، وفي بعضها ادعني وهما أيضاً صحيحان وتقديره اطلبوا واطلب لي خابزة، وقوله عمد بفتح الميم، وقوله بصق هكذا هو في أكثر الأصول وفي بعضها بسق وهي لغة قليلة والمشهور بصق وبزق، وحكى جماعة من أهل اللغة بسق لكنها قليلة كما ذكرنا. قوله صلى الله عليه وسلم: "واقدحي من برمتكم" أي اغرفي والقدح المغرفة يقال قدحت المرق أقدحه بفتح الدال غرفته. قوله: (وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجينتنا لتخبز كما هو) قوله: (تركوه وانحرفوا) أي شبعوا وانصرفوا. وقوله: (تغط) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء أي تغلي ويسمع غليانها. وقوله: (كما هو) يعود إلى العجين، وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة: أحدهما تكثير الطعام القليل، والثاني: علمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر فيكفي ألفاً وزيادة فدعا له ألفاً قبل أن يصل إليه وقد علم أنه صاع شعير وبهيمة والله أعلم. وأما الحديث الثالث وهو حديث أنس في طعام أبي طلحة ففيه أيضاً هذان العلمان من أعلام النبوة وهما تكثير القليل وعلمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا القليل سيكثره الله تعالى فيكفي هؤلاء الخلق الكثير فدعاهم له. واعلم أن أنساً رضي الله عنه روى هنا حديثين: الأول من طريق والثاني من طريق، وهما قضيتان جرت فيهما هاتان المعجزتان وغيرهما من المعجزات، ففي الحديث الأول أن أبا طلحة وأم سليم رضي الله عنهما أرسلا أنساً رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأقراص شعير، قال أنس: فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد ومعه أصحابه فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم، فقال: ألطعام؟ فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز فأمر به صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلاً أو ثمانون.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أرسلك أبو طلحة فقلت نعم" وقوله: (الطعام فقلت نعم) هذان علمان من أعلام النبوة، وذهابه صلى الله عليه وسلم بهم علم ثالث كما سبق، وتكثير الطعام علم رابع، وفيه ما تقدم في حديث أبي هريرة وحديث جابر من ابتلاء الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه والاختبار بالجوع وغيره من المشاق ليصبروا فيعظم أجرهم ومنازلهم، وفيه ما كانوا عليه من كتمان ما بهم، وفيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من الاعتناء بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه استحباب بعث الهدية وإن كانت قليلة بالنسبة إلى مرتبة المبعوث إليه لأنها وإن قلت فهي خير من العدم، وفيه جلوس العالم لأصحابه يفيدهم ويؤدبهم واستحباب ذلك في المساجد، وفيه انطلاق صاحب الطعام بين يدي الضيفان وخروجه ليتلقاهم، وفيه منقبة لأم سليم رضي الله عنها ودلالة على عظيم فقهها ورجحان عقلها لقولها: الله ورسوله أعلم، ومعناه أنه قد عرف الطعام فهو أعلم بالمصلحة، فلو لم يعلمها في مجيء الجمع العظيم لم يفعلها فلا تحزن من ذلك، وفيه استحباب فت الطعام واختيار الثريد على الغمس باللقم. وقوله: (عصرت عليه عكة) هي بضم العين وتشديد الكاف وهي وعاء صغير من جلد للسمن خاصة. وقوله: (فآدمته) هو بالمد والقصر لغتان آدمته وأدمته أي جعلت فيه إداماً، وإنما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فإن القصعة التي فت فيها تلك الأقراص لا يتحلق عليها أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعدها عنهم والله أعلم. وأما الحديث الاَخر ففيه: (أن أنساً قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل طعاماً فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس فنظر إلي فاستحييت فقلت: أجب أبا طلحة، فقال للناس: قوموا وذكر الحديث وأخرج لهم شيئاً من بين أصابعه) وهذا الحديث قضية أخرى بلا شك وفيها ما سبق في الحديث الأول وزيادة هذا العلم الاَخر من أعلام النبوة وهو إخراج ذلك الشيء من بين أصابعه الكريمات صلى الله عليه وسلم. قوله: (وتركوا سؤراً) هو بالهمز أي بقية. قوله: (فقام أبو طلحة على الباب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله إنما كان شيء يسير قال هلمه فإن الله سيجعل فيه البركة) أما قيام أبي طلحة فلانتظار إقبال النبي صلى الله عليه وسلم فلما أقبل تلقاه. وقوله: (إنما كان شيء يسير) هكذا هو في الأصول وهو صحيح وكان هنا تامة لا تحتاج خبراً. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله سيجعل فيه البركة" فيه علم ظاهر من أعلام النبوة. وقوله: (ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت) فيه أنه يستحب لصاحب الطعام وأهله أن يكون أكلهم بعد فراغ الضيفان والله أعلم. قوله: (يتقلب ظهراً لبطن) وفي الرواية الأخرى: (وقد عصب بطنه بعصابة) لا مخالفة بينهما وأحدهما يبين الاَخر، ويقال عصب وعصب بالتخفيف والتشديد. قوله: (فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج أم سليم بنت ملحان فقلت يا أبتاه) فيه استعمال المجاز لقوله يا أبتاه وإنما هو زوج أمه. وقوله: (بنت ملحان) هو بكسر الميم والله أعلم.
*2* باب جواز أكل المرق، واستحباب أكل اليقطين، وإيثار أهل المائدة بعضهم بعضاً وإن كانوا ضيفانا، إذا لم يكره ذلك صاحب الطعام
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إنّ خَيّاطاً دَعَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلَىَ ذَلِكَ الطّعَامِ. فَقَرّبَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خُبْزاً مِنْ شَعِيرٍ. وَمَرَقاً فِيهِ دُبّاءٌ وَقَدِيدٌ. قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبّعُ الدّبّاءَ مِنْ حَوَالَي الصّحْفَةِ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبّ الدّبّاءَ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيْرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَجِيءَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبّاءٌ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ الدّبّاءِ وَيُعْجِبُهُ. قَالَ: فَلَمّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أُلْقِيهِ إِلَيْهِ وَلاَ أَطْعَمُهُ. قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا زِلْتُ، بَعْدُ، يُعْجِبُنِي الدّبّاءُ.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ وَ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَجُلاً خَيّاطاً دَعَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَزَادَ: قَالَ ثَابِتٌ: فَسَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: فَمَا صُنِعَ لِي طَعَامٌ، بَعْدُ، أَقْدِرُ عَلَىَ أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ دُبّاءٌ إلاّ صُنِعَ.
فيه حديث أنس رضي الله عنه (أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب إليه خبزاً من شعير ومرقاً فيه دباء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ) وفي رواية: (قال أنس: فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه). وفي رواية (قال أنس: فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع). فيه فوائد منها إجابة الدعوة وإباحة كسب الخياط وإباحة المرق وفضيلة أكل الدباء وأنه يستحب أن يحب الدباء وكذلك كل شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك، وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار بعضهم بعضاً إذا لم يكرهه صاحب الطعام، وأما تتبع الدباء من حوالي الصحفة فيحتمل وجهين: أحدهما: من حوالي جانبه وناحيته من الصحفة لا من حوالي جميع جوانبها فقد أمر بالأكل مما يلي الإنسان. والثاني: أن يكون من جميع جوانبها وإنما نهى ذلك لئلا يتقذره جليسه ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتقذره أحد بل يتبركون بآثاره صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يتبركون ببصاقه صلى الله عليه وسلم ونخامته ويدلكون بذلك وجوههم وشرب بعضهم بوله وبعضهم دمه وغير ذلك مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره صلى الله عليه وسلم التي يخالفه فيها غيره، والدباء هو اليقطين وهو بالمد هذا هو المشهور، وحكى القاضي عياض فيه القصر أيضاً الواحدة دباءة أو دباة والله أعلم.
*2* باب استحباب وضع النوى خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام، وطلب الدعاء من الضيف الصالح، وإجابته لذلك
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُسْرٍ. قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ أَبِي. قَالَ: فَقَرّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً وَوَطْبَةً. فَأَكَلَ مِنْهَا. ثُمّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النّوَىَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السّبّابَةَ وَالْوُسْطَىَ (قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ ظَنّي. وَهُوَ فِيهِ، إِنْ شَاءَ اللّهُ، إِلْقَاءُ النّوَىَ بَيْنَ الإِصْبَعَيْنِ). ثُمّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ. ثُمّ نَاوَلَهُ الّذِي عَنْ يَمِينِهِ. قَالَ فَقَالَ أَبِي، وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابّتِهِ: ادْعُ اللّهَ لَنَا. فَقَالَ: "اللّهُمّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ. وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. ح وَحَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمّادٍ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَشُكّا فِي إِلْقَاءِ النّوَىَ بَيْنَ الإِصْبَعَيْنِ.
فيه (يزيد بن خمير عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي فقربنا له طعاماً ورطبة فأكل منها ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه ويجمع السبابة والوسطى قال شعبة هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه فقال أبي وأخذ بلجام دابته ادع الله لنا فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) وفي الرواية الأخرى ذكره وقال: لم يشك في إلقاء النوى بين الأصبعين. عبد الله بن بسر بضم الباء ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة وفتح الميم، وقوله: (ووطبة) هكذا رواية الأكثرين وطبة بالواو وإسكان الطاء وبعدها باء موحدة، وهكذا رواه النضر بن شميل راوي هذا الحديث عن شعبة والنضر إمام من أئمة اللغة، وفسره النضر فقال الوطبة الحيس يجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن، وكذا ضبطه أبو مسعود الدمشقي وأبو بكر البرقاني وآخرون، وهكذا هو عندنا في معظم النسخ، وفي بعضها رطبة براء مضمومة وفتح الطاء، وكذا ذكره الحميدي وقال: هكذا جاء فيما رأيناه من نسخ مسلم رطبة بالراء، قال: وهو تصحيف من الراوي وإنما هو بالواو وهذا الذي ادعاه على نسخ مسلم هو فيما رآه هو وإلا فأكثرها بالواو، وكذا نقله أبو مسعود البرقاني والأكثرون عن نسخ مسلم، ونقل القاضي عياض عن رواية بعضهم في مسلم وطئة بفتح الواو وكسر الطاء وبعدها همزة وادعى أنه الصواب وهكذا ادعاه آخرون، والوطئة بالهمز عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر كالحيس هذا ما ذكروه ولا منافاة بين هذا كله فيقبل ما صحت به الروايات وهو صحيح في اللغة والله أعلم. وقوله: (ويلقي النوى بين أصبعيه) أي يجعله بينهما لقلته ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر، وقيل كان يجمعه على ظهر الأصبعين ثم يرمي به. وقوله: (قال شعبة هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى) معناه أن شعبة قال: الذي أظنه أن إلقاء النوى مذكور في الحديث فأشار إلى تردد فيه وشك، وفي الطريق الثاني جزم بإثباته ولم يشك فهو ثابت بهذه الرواية، وأما رواية الشك فلا تضر سواء تقدمت على هذه أو تأخرت لأنه تيقن في وقت وشك في وقت فاليقين ثابت ولا يمنعه النسيان في وقت آخر. وقوله: (فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه). فيه أن الشراب ونحوه يدار على اليمين كما سبق تقريره في بابه قريباً، وفيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل ودعاء الضيف بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والاَخرة والله أعلم.
*2* باب أكل القثاء بالرطب
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلاَلِيّ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: حَدّثَنَا) إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الْقِثّاءَ بِالرّطَبِ.
فيه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب) والقثاء بكسر القاف هو المشهور وفيه لغة بضمها، وقد جاء في غير مسلم زيادة قال يكسر حر هذا برد هذا فيه جواز أكلهما وأكل الطعامين معاً والتوسع في الأطعمة ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمحمول على كراهة اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية والله أعلم.
*2* باب استحباب تواضع الاَكل، وصفة قعوده
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. كِلاَهُمَا عَنْ حَفْصٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيْمٍ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ: رَأَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مُقْعِياً، يَأْكُلُ تَمْراً.
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ و ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ. فَجَعَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُهُ وَهُوَ مُحْتَفِزٌ، يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلاً ذَرِيعاً. وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: أَكْلاً حَثِيثاً.
فيه أنس رضي الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقعياً يأكل تمراً) وفي الرواية الأخرى: (أتي بتمر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقسمه وهو محتفز يأكل منه أكلاً ذريعاً) وفي رواية: (أكلاً حثيثاً). قوله: (مقعياً) أي جالساً على إليتيه ناصباً ساقيه. ومحتفز هو بالزاي أي مستعجل مستوفز غير متمكن في جلوسه وهو بمعنى قوله مقعياً، وهو أيضاً معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر في صحيح البخاري وغيره لا آكل متكئاً على ما فسره الإمام الخطابي فإنه قال: المتكئ هنا المتمكن في جلوسه من التربع وشبهه المعتمد على الوطاء تحته، قال: وكل من استوى قاعداً على وطاء فهو متكئ، ومعناه لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد له متمكناً بل أقعد مستوفزاً وآكل قليلاً. وقوله: (أكلاً ذريعاً وحثيثاً) هما بمعنى أي مستعجلاً صلى الله عليه وسلم لاستيفازه لشغل آخر فأسرع في الأكل، وكان استعجاله ليقضي حاجته منه ويرد الجوعة ثم يذهب في ذلك الشغل. وقوله: (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقسمه) أي يفرقه على من يراه أهلاً لذلك، وهذا التمر كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرع بتفريقه صلى الله عليه وسلم فلهذا كان يأكل منه والله أعلم.
*2* باب نهي الاَكل مع جماعة، عن قران تمرتين ونحوهما في لقمة، إلا بإذن أصحابه
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التّمْرَ. قَالَ وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النّاسَ يَوْمَئِذٍ جُهْدٌ. وَكُنّا نَأْكُلُ فَيَمُرّ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ وَنَحْنُ نَأْكُلُ. فَيَقُولُ: لاَ تُقَارِنُوا، فَإنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الإِقْرَانِ. إِلاّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرّجُلُ أَخَاهُ.
قَالَ شُعْبَةُ: لاَ أُرَىَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلاّ مِنْ كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ. يَعْنِي الاِسْتِئْذَانَ.
وحدّثناه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا، قَوْلُ شُعْبَةَ. وَلاَ قوله: وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرِنَ الرّجُلُ بَيْنَ التّمْرَتَيْنِ حَتّىَ يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ.
فيه (شعبة عن جبلة بن سحيم قال: كان ابن الزبير رضي الله عنه يرزقنا التمر وكان أصاب الناس يومئذٍ جهد فكنا نأكل فيمر علينا ابن عمر رضي الله عنه ونحن نأكل فيقول لا تقارنوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل أخاه، قال شعبة: لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر رضي الله عنه يعني الاستئذان) وفي الرواية الأخرى عن سفيان عن جبلة عن ابن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه). هذا النهي متفق عليه حتى يستأذنهم فإذا أذنوا فلا بأس، واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقيناً أو ظناً قوياً أنهم يرضون به ومتى شك في رضاهم فهو حرام، وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده، فإن قرن بغير رضاه فحرام، ويستحب أن يستأذن الاَكلين معه ولا يجب وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران، ثم إن كان في الطعام قلة فحسن أن لا يقرن لتساويهم، وإن كان كثيراً بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقاً التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستعجلاً ويريد الإسراع لشغل آخر كما سبق في الباب قبله. وقال الخطابي: إنما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقاً، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن وليس كما قال بل الصواب ما ذكرنا من التفصيل، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لو ثبت السبب كيف وهو غير ثابت والله أعلم. وقوله: (أصاب الناس جهد) يعني قلة وحاجة ومشقة. وقوله: (يقرن) أي يجمع وهو بضم الراء وكسرها لغتان. وقوله: (نهى عن الإقران) هكذا هو في الأصول والمعروف في اللغة القران يقال قرن بين الشيئين قالوا ولا يقال أقرن. وقوله: (قال شعبة لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر) يعني بالكلمة الكلام وهذا شائع معروف، وهذا الذي قاله شعبة لا يؤثر في رفع الاستئذان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نفاه بظن وحسبان وقد أثبته سفيان في الرواية الثانية فثبت.
*2* باب في إدخال التمر ونحوه من الأقوات للعيال
*حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التّمْرُ".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ طَحْلاَءِ عَنْ أَبِي الرّجَالِ، مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أُمّهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ، جِيَاعٌ أَهْلُهُ. يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ " قَالَهَا مَرّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثاً.
فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر" وفي الرواية الأخرى: "بيت لا تمر فيه جياع أهله". فيه فضيلة التمر وجواز الادخار للعيال والحث عليه، وفي إسناده عبد الله بن مسلمة عن يعقوب بن محمد بن طحلاء عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمهم عائشة. أما طحلاء فبفتح الطاء وإسكان الحاء المهملتين وبالمد، وأما أبو الرجال فلقب له لأنه كان له عشرة أولاد رجال وأمه عمرة بنت عبد الرحمن وهذا الإسناد كله مدنيون.
*1* كتاب
*2* باب فضل تمر المدينة
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ، مِمّا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا، حِينَ يُصْبِحُ، لَمْ يَضُرّهُ سُمّ حَتّىَ يُمْسِيَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مَنْ تَصَبّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ، عَجْوَةً، لَمْ يَضُرّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمّ وَلاَ سِحْرٌ".
وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ. ح وَحَدّثَنَاهُ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ. كِلاَهُمَا عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ. وَلاَ يَقُولاَنِ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إنّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، أَوْ إِنّهَا تِرْيَاقٌ، أَوّلَ الْبُكْرَةِ".
فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي" وفي الرواية الأخرى: "من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" وفي الرواية الأخرى: "إن في عجوة العالية شفاء أو إنها ترياق أول البكرة" اللابتان هما الحرتان والمراد لابتا المدينة وقد سبق بيانهما مرات، والسم معروف وهو بفتح السين وضمها وكسرها والفتح أفصح، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات، والترياق بكسر التاء وضمها لغتان ويقال درياق وطرياق أيضاً كله فصيح.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أول البكرة" بنصب أول على الظرف وهو بمعنى الرواية الأخرى من تصبح، والعالية ما كان من الحوائط والقرى والعمارات من جهة المدينة العليا مما يلي نجداً، والسافلة من الجهة الأخرى مما يلي تهامة، قال القاضي: وأدنى العالية ثلاثة أميال وأبعدها ثمانية من المدينة، والعجوة نوع جيد من التمر، وفي هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها، وفضيلة التصبح بسبع تمرات منه وتخصيص عجوة المدينة دون غيرها، وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الإيمان بها واعتقاد فضلها والحكمة فيها، وهذا كإعداد الصلوات ونصب الزكاة وغيرها، فهذا هو الصواب في هذا الحديث. وأما ما ذكره الإمام أبو عبد الله المازري والقاضي عياض فيه فكلام باطل فلا تلتفت إليه ولا تعرج عليه، وقصدت بهذا التنبيه التحذير من الاغترار به والله أعلم.
*2* باب فضل الكمأة، ومداواة العين بها
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنّ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ. قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنّ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنِ الْحسَنِ الْعُرَنِيّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ شُعْبَةُ: لَمّا حَدّثَنِي بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنّ، الّذِي أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ عَلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنّ الّذِي أَنْزَلَ اللّهُ عَلَىَ مُوسَىَ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعيْنِ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ يَقُولُ: قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْكَمِأَةُ مِنَ الْمَنّ الّذِي أَنْزَلَ اللّهُ، عَزّ وَجَلّ، عَلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شَبِيبٍ. قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ. فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ فَلَقِيتُ عَبْدَ الْمَلِكِ. فَحَدّثَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنّ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ".
فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" وفي رواية: "من المن الذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل". أما الكمأة فبفتح الكاف وإسكان الميم وبعدها همزة مفتوحة، وفي الإسناد الحكم بن عتيبة هو بالتاء المثناة فوق وقد سبق بيانه، والحسن العرني بضم العين المهملة وفتح الراء وبعدها نون منسوب إلى عرينة، واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن" فقال أبو عبيد وكثيرون: شبهها بالمن الذي كان ينزل على بني إسرائيل لأنه كان يحصل لهم بلا كلفة ولا علاج، والكمأة تحصل بلا كلفة ولا علاج ولا زرع بزر ولا سقي ولا غيره، وقيل هي من المن الذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل حقيقة عملاً بظاهر اللفظ. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وماؤها شفاء للعين" قيل هو نفس الماء مجرداً، وقيل معناه أن يخلط ماؤها بدواء ويعالج به العين، وقيل إن كان لبرودة ما في العين من حرارة فماؤها مجرداً شفاء، وإن كان لغير ذلك فمركب مع غيره، والصحيح بل الصواب أن ماءها مجرداً شفاء للعين مطلقاً فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجرداً فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الأيمن الكمال بن عبد الله الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث وتبركاً به والله أعلم.
*2* باب فضيلة الأسود من الكباث
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَرّ الظّهْرَانِ. وَنَحْنُ نَجْنِي الْكَبَاثَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ" قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَأَنّكَ رَعَيْتَ الْغَنَمَ. قَالَ "نَعَمْ. وَهَلْ مِن نَبِيَ إِلاّ وَقَدْ رَعَاهَا" أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ.
فيه جابر: (قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ونحن نجني الكباث فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالأسود منه فقلنا: يا رسول الله كأنك رعيت الغنم قال: نعم وهل من بني إلا وقد رعاها أو نحو هذا من القول) الكباث بفتح الكاف وبعدها مخففة موحدة ثم ألف ثم مثلثة قال أهل اللغة: هو النضيج من ثمر الأراك ومر الظهران على دون مرحلة من مكة معروف سبق بيانه وهو بفتح الظاء المعجمة وإسكان الهاء، وفيه فضيلة رعاية الغنم، قالوا: والحكمة في رعاية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لها ليأخذوا أنفسهم بالتواضع وتصفى قلوبهم بالخلوة ويترقوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالهداية والشفقة والله أعلم.
*2* باب فضيلة الخل، والتأدم به
*حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "نِعْمَ الأُدُمُ، أَوِ الإِدَامُ، الْخَلّ".
وحدّثناه مُوسَى بْنُ قُرَيْشِ بْنِ نَافِعٍ التّمِيمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: "نِعْمَ الأُدُمُ" وَلَمْ يَشُكّ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ. فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلاّ خَلّ. فَدَعَا بِهِ. فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: "نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلّ. نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلّ".
حدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنِ الْمُثَنّى بْنِ سَعِيدٍ. حَدّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي، ذَاتَ يَوْمٍ، إِلَىَ مَنْزِلِهِ. فَأَخْرَجَ إلَيْهِ فِلَقاً مِنْ خُبْزٍ. فَقَالَ: "مَا مِنْ أُدُمٍ؟" فَقَالُوا: لاَ. إِلاّ شَيْءٌ مِنْ خَلَ. قَالَ: "فَإِنّ الْخَلّ نِعْمَ الأُدُمُ".
قَالَ جَابِرٌ: فَمَا زِلْتُ أُحِبّ الْخَلّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ طَلْحَةُ: مَا زِلْتُ أُحِبّ الْخَلّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ.
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا الْمُثَنّى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ. حَدّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ إِلَىَ مَنْزِلِهِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ. إِلَى قَوْلِهِ "فَنِعْمَ الأُدُمُ الْخَلّ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا حَجّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ. حَدّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ. قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ قال: كُنْتُ جَالِساً فِي دَارِي. فَمَرّ بِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَشَارَ إِلَيّ. فَقُمْتُ إِلَيْهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي. فَانْطَلَقْنَا حَتّىَ أَتَىَ بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ. فَدَخَلَ. ثُمّ أَذِنَ لِي. فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا. فَقَالَ "هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟" فَقَالُوا: نَعَمْ. فَأُتِيَ بِثَلاَثَةِ أَقْرِصَةٍ. فَوُضِعْنَ عَلَىَ نَبِيَ. فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُرْصاً فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَأَخَذَ قُرْصاً آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيّ. ثُمّ أَخَذَ الثّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ. فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيّ. ثُمّ قَالَ "هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟" قَالُوا: لاَ. إِلاّ شَيْءٌ مِنْ خَلَ. قَالَ "هَاتُوهُ. فَنِعْمَ الأُدُمُ هُوَ".
فيه حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم الإدام أو الأدم الخل). وفي رواية: (نعم الأدم بلا شك).
وعن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا ما عندنا إلا خل فدعا به فجعل يأكل به ويقول: نعم الأدم الخل) وذكره من طرق أخرى بزيادة. في الحديث فضيلة الخل وأنه يسمى أدماً وأنه أدم فاضل جيد. قال أهل اللغة: الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به، يقال أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام أدم بضم الهمزة والدال كإهاب وأهب وكتاب وكتب، والأدم بإسكان الدال مفرد كالإدام، وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيساً للاَكلين، وأما معنى الحديث فقال الخطابي والقاضي عياض: معناه مدح الاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين مقسمة للبدن، هذا كلام الخطابي ومن تابعه، والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر والله أعلم. وأما قول جابر: (فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم) فهو كقول أنس: (ما زلت أحب الدباء) وقد سبق بيانه، وهذا مما يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه، وقد ذكرنا مرات أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين وهذا كذلك، بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فيتعين اعتماده والله أعلم. قوله: (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فأخرج إليه فلقاً من خبز) هكذا هو في الأصول فأخرج إليه فلقاً وهو صحيح ومعناه أخرج الخادم ونحوه فلقاً وهي الكسر. قوله: (فأخذ بيدي) فيه جواز أخذ الإنسان بيد صاحبه في تماشيهما. قوله: (فدخلت الحجاب عليها) معناه دخلت الحجاب إلى الموضع الذي فيه المرأة وليس فيه أنه رأى بشرتها. قوله: (فأتي بثلاثة أقرصة فوضعن على نبي) هكذا هو في أكثر الأصول نبي بنون مفتوحة ثم باء موحدة مكسورة ثم ياء مثناة تحت مشددة وفسروه بمائدة من خوص، ونقل القاضي عياض عن كثير من الرواة أو الأكثرين أنه بتي بباء موحدة مفتوحة ثم مثناة فوق مكسورة مشددة ثم ياء مثناة من تحت مشددة، والبت كساء من وبر أو صوف فلعله منديل وضع عليه هذا الطعام، قال: ورواه بعضهم بضم الباء وبعدها نون مكسورة مشددة، قال القاضي الكناني: هذا هو الصواب وهو طبق من خوص. قوله في الإسناد: (يحيى بن صالح الوحاظي) هو بضم الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظاء المعجمة منسوب إلى وحاظة قبيلة من حمير، هكذا ضبطه الجمهور وكذا نقله القاضي عياض عن شيوخهم قال: وقال أبو الوليد الباجي: هو بفتح الواو. قوله: (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بثلاثة أقرصة فجعل قدامه قرصاً وقدامي قرصاً وكسر الثالث فوضع نصفه بين يديه ونصفه بين يدي) فيه استحباب مواساة الحاضرين على الطعام وأنه يستحب جعل الخبز ونحوه بين أيديهم بالسوية وأنه لا بأس بوضع الأرغفة والأقراص صحاحاً غير مكسورة.
*2* باب إباحة أكل الثوم، وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه، وكذا ما في معناه
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ، أَكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَيّ. وَإِنّهُ بَعَثَ إِلَيّ يَوْماً بِفَضْلَةٍ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا. لأَنّ فِيهَا ثُوماً. فَسَأَلْتُهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: "لاَ. وَلَكِنّي أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ".
قَالَ: فَإِنّي أَكْرَهُ مَا كَرِهْتَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعْيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ و أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ (وَاللّفْظُ مِنْهُمَا قَرِيبٌ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو النّعْمَانِ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ (فِي رِوَايَةِ حَجّاجِ بْنِ يَزِيدَ: أَبُو زَيْدٍ الأَحولُ). حَدّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَفْلَحَ، مَوْلَىَ أَبِي أَيّوبَ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَلَيْهِ. فَنَزَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي السّفْلِ وَأَبُو أَيّوبَ فِي الْعُلْوِ. قَالَ فَانْتَبَهَ أَبُو أَيّوبَ لَيْلَةً. فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنَحّوْا. فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ. ثُمّ قَالَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "السّفْلُ أَرْفَقُ" فَقَالَ: لاَ أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا. فَتَحَوّلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُلْوِ وَأَبُو أَيّوبَ فِي السّفْلِ. فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً. فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ. فَيَتَتَبّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ. فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً فِيهِ ثُومٌ. فَلَمّا رُدّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأْكُلْ. فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ. فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "لاَ. وَلَكِنّي أَكْرَهُهُ" قَالَ: فَإِنّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ.
قَالَ: وَكَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَىَ.
قوله في الثوم: (فسألته أحرام هو؟ قال: لا ولكني أكرهه من أجل ريحه) هذا تصريح بإباحة الثوم وهو مجمع عليه، لكن يكره لمن أراد حضور المسجد أو حضور جمع في غير المسجد أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ماله رائحة كريهة وقد سبقت المسألة مستوفاة في كتاب الصلاة. قوله: (وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يؤتى) معناه تأتيه الملائكة والوحي كما جاء في الحديث الاَخر: (إني أناجي من لا تناجي وأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) وكان صلى الله عليه وسلم يترك الثوم دائماً لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كل ساعة. واختلف أصحابنا في حكم الثوم في حقه صلى الله عليه وسلم وكذلك البصل والكراث ونحوها فقال بعض أصحابنا: هي محرمة عليه والأصح عندهم أنها مكروهة كراهة تنزيه ليست محرمة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لا في جواب قوله أحرام هو، ومن قال بالأول يقول معنى الحديث ليس بحرام في حقكم والله أعلم. قوله: (كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضله إلي) قال العلماء في هذا أنه يستحب للاَكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضلة ليواسي بها من بعده لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، وكذا إذا كان في الطعام قلة ولهم إليه حاجة، ويتأكد هذا في حق الضيف لا سيما إن كانت عادة أهل الطعام أن يخرجوا كل ما عندهم وتنتظر عيالهم الفضلة كما يفعله كثير من الناس، ونقلوا أن السلف كانوا يستحبون أفضال هذه الفضلة المذكورة وهذا الحديث أصل ذلك كله. قوله: (نزل النبيّ صلى الله عليه وسلم في السفل وأبو أيوب في العلو ثم ذكر كراهة أبي أيوب لعلوه ومشيه فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم تحول إلى العلو) أما نزوله صلى الله عليه وسلم أولاً في السفل فقد صرح بسببه وأنه أرفق به وبأصحابه وقاصديه، وأما كراهة أبي أيوب فمن الأدب المحبوب الجميل، وفيه إجلال أهل الفضل والمبالغة في الأدب معهم والسفل والعلو بكسر أولهما وضمه لغتان، وفيه منقبة ظاهرة لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه من أوجه: منها نزوله صلى الله عليه وسلم، ومنها أدبه معه، ومنها موافقته في ترك الثوم. وقوله: (إني أكره ما تكره) ومن أوصاف المحب الصادق أن يحب ما أحب محبوبه ويكره ما كره. قوله: (فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه فيتتبع موضع أصابعه) يعني إذا بعث إليه فأكل منه حاجته ثم رد الفضلة أكل أبو أيوب من موضع أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم تبركاً، ففيه التبرك بآثار أهل الخير في الطعام وغيره. قوله: (فقيل له لم يأكل ففزع) يعني فزع لخوفه أن يكون حدث منه أمر أوجب الامتناع من طعامه. قوله: (حدثنا حجاج وأحمد بن سعيد قالا: حدثنا أبو النعمان حدثنا ثابت في رواية حجاج بن يزيد أخو زيد الأحول) هكذا هو في معظم النسخ ببلادنا أخو زيد بالخاء وهو غلط باتفاق الحفاظ وصوابه أبو زيد بالباء كنية لثابت، وكذا نقله القاضي عياض على الصواب عن جميع شيوخهم ونسخ بلادهم وأنه في كلها أبو زيد بالباء، قال: ووقع لبعضهم أخو زيد وهو خطأ محض وإنما هو ثابت بن زيد أبو زيد الأنصاري البصري الأحول. وحكى البخاري في تاريخه عن أبي داود الطيالسي أنه قال ثابت بن زيد، قال البخاري: والأصح ثابت بن يزيد بالياء أبو زيد. وقوله: (في أصل كتاب مسلم الأحول) مرفوع صفة لثابت والله أعلم.
*2* باب إكرام الضيف وفضل إيثاره
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنّي مَجْهُودٌ. فَأَرْسَلَ إِلَىَ بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالَتْ: وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا عِنْدِي إلاّ مَاءٌ. ثُمّ أَرْسَلَ إلَىَ أُخْرَىَ. فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. حَتّىَ قُلْنَ كُلّهُنّ مِثْلَ ذَلِكَ: لاَ. وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا عِنْدِي إِلاّ مَاءٌ. فَقَالَ: "مَنْ يُضِيفُ هَذَا، اللّيْلَةَ، رَحِمَهُ اللّهِ" فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا. يَا رَسُولَ اللّهِ فَانْطَلَقَ بِهِ إلَىَ رَحْلِهِ. فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لاَ. إلاّ قُوتُ صِبْيَانِي. قَالَ: فَعلّلِيهِمْ بِشَيْءٍ. فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِي السّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنّا نَأْكُلُ. فَإِذَا أَهْوَىَ لِيَأْكُلَ فَقُومِي إلَىَ السّرَاجِ حَتّىَ تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضّيْفُ. فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النّبِي صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "قَدْ عَجِبَ اللّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللّيْلَةَ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ. فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاّ قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ. فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: نَوّمِي الصّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السّرَاجَ وَقَرّبِي لِلضّيْفِ مَا عِنْدَكِ. قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر الاَية: 9).
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُضِيفَهُ. فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُضِيفُهُ. فَقَالَ "أَلاَ رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا، رَحِمَهُ اللّهُ" فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَىَ رَحْلِهِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَذَكَرَ فِيهِ نُزُولَ الاَيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ وَكِيعٌ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوّارٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنِ الْمِقْدَادِ. قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لَي. وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ. فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَىَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا. فَأَتَيْنَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَىَ أَهْلِهِ. فَإِذَا ثَلاَثَةُ أَعْنُزٍ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "احْتَلِبُوا هَذَا اللّبَنَ بَيْنَنَا". قَالَ: فَكُنّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلّ إنْسَانٍ مِنّا نَصِيبَهُ. وَنَرْفَعُ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَصِيبَهُ. قَالَ: فَيَجِيءُ مِنَ اللّيْلِ فَيُسَلّمُ تَسْلِيماً لاَ يُوقِظُ نَائِماً. وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ. قَالَ ثُمّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُصَلّي. ثُمّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ. فَأَتَانِي الشّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي. فَقَالَ: مُحَمّدٌ يَأْتِي الأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ. مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَىَ هَذِهِ الْجُرْعَةِ. فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا. فَلَمّا أَنْ وَغَلَتْ فِي بَطْنِي، وَعَلِمْتُ أَنّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ. قَالَ نَدّمَنِي الشّيْطَانُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ؟ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمّدٍ؟ فَيَجِيءُ فَلاَ يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ. فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ. وَعَلَيّ شَمْلَةٌ. إذَا وَضَعْتُهَا عَلَىَ قَدَمَيّ خَرَجَ رَأْسِي، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَىَ رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ. وَجَعَلَ لاَ يَجِيئُنِي النّوْمُ. وَأَمّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ. قَالَ فَجَاءَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَلّمَ كَمَا كَانَ يُسَلّمُ. ثُمّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلّىَ. ثُمّ أَتَىَ شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئاً. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السّمَاءِ. فَقُلْتُ: الاَنَ يَدْعُو عَلَيّ فَأَهْلِكُ. فَقَالَ: "اللّهُمّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي. وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي" قَالَ فَعَمَدْتُ إِلَى الشّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَيّ. وَأَخَذْتُ الشّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأَعْنُزِ أَيّهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هِيَ حَافِلَةٌ. وَإِذَا هُنّ حُفّلٌ كُلّهُنّ. فَعَمَدْتُ إِلَىَ إنَاءٍ لاَِلِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ. قَالَ فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتّىَ عَلَتْهُ رَغْوَةٌ. فَجِئْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللّيْلَةَ؟" قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمّ نَاوَلَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمّ نَاوَلَنِي. فَلَمّا عَرَفْتُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَوِيَ، وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ، ضَحِكْتُ حَتّىَ أُلْقِيتُ إِلَى الأَرْضِ. قَالَ: فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِحْدَىَ سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا وَكَذَا. وَفَعَلْتُ كَذَا. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "مَا هَذِهِ إِلاّ رَحْمَةٌ مِنَ اللّهِ. أَفَلاَ كُنْتَ آذَنْتَنِي، فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا" قَالَ فَقُلْتُ: وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا أُبَالِي إذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ، مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النّاسِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ وَ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. جَمِيعاً عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ مُعَاذٍ). حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ (وَحَدّثَ أَيْضاً)، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثِينَ وَمِائَةً. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟" فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ. فَعُجِنَ. ثُمّ جَاءَ رَجُلٌ، مُشْرِكٌ مُشْعَانّ طَوِيلٌ، بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيّةٌ أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةٌ؟" فَقَالَ: لاَ. بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَىَ مِنْهُ شَاةً. فَصُنِعَتْ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَىَ. قَالَ: وَايْمُ اللّهِ مَا مِنَ الثّلاَثِينَ وَمِائَةٍ إِلاّ حَزّ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُزّةً حُزّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا. إنْ كَانَ شَاهِداً، أَعْطَاهُ. وَإِنْ كَانَ غَائِباً، خَبَأَ لَهُ.
قَالَ وَجَعَلَ قَصْعَتَيْنِ. فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ. وَشَبِعْنَا. وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ. فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ وَ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ الْقَيْسِيّ. كُلّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ مُعَاذٍ). حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِي: حَدّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ أَنّهُ حَدّثَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ أَصْحَابَ الصّفّةِ كَانُوا نَاساً فُقَرَاءَ. وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرّةً "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ، فَلْيَذْهَبْ بِثَلاَثَةٍ. وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، بِسَادِسٍ". أَوْ كَمَا قَالَ. وَإِنّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ. وَانْطَلَقَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ. وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلاَثَةٍ. قَالَ فَهُوَ وَأَنَا وَأَبِي وَأُمّي وَلاَ أَدْرِي هَلْ قَالَ: وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ وَإِنّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشّىَ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ لَبِثَ حَتّىَ صُلّيَتِ الْعِشَاءُ. ثُمّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتّىَ نَعسَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَىَ مِنَ اللّيْلِ مَا شَاءَ اللّهُ. قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ؟ قَالَ: أَوَمَا عَشّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتّىَ تَجِيءَ. قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. قَالَ فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ. وَقَالَ: يَا غُنْثَرُ فَجَدّعَ وَسَبّ. وَقَالَ: كُلُوا. لاَ هَنِيئاً. وَقَالَ: وَاللّهِ لاَ أَطْعَمُهُ أَبَداً. قَالَ فَايْمُ اللّهِ مَا كُنّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلاّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا. قَالَ حَتّىَ شَبِعْنَا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ. فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ. قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لاَ. وَقُرّةِ عَيْنِي لَهِيَ الاَنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مِرَارٍ. قَالَ فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشّيْطَانِ. يَعْنِي يَمِينَهُ. ثُمّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً. ثُمّ حَمَلَهَا إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. قَالَ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الأَجَلُ. فَعَرّفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً. مَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ. اللّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلّ رَجُلٍ. إلاّ أَنّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ الْعَطّارُ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: نَزَلَ عَلَيْنَا أَضْيَافٌ لَنَا. قَالَ وَكَانَ أَبِي يَتَحَدّثُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللّيْلِ. قَالَ فَانْطَلَقَ وَقَالَ: يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ افْرُغْ مِنْ أَضْيَافِكَ. قَالَ فَلَمّا أَمْسَيْتُ جِئْنَا بِقِرَاهُمْ. قَالَ فَأَبَوْا. فَقَالُوا: حَتّىَ يَجِيءَ أَبُو مَنْزِلِنَا فَيَطْعَمَ مَعَنَا. قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنّهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ. وَإِنّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا خِفْتُ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ أَذىً. قَالَ فَأَبَوْا. فَلَمّا جَاءَ لَمْ يَبْدَأْ بِشَيْءٍ أَوّلَ مِنْهُمْ. فَقَالَ: أَفَرَغْتُمْ مِنْ أَضْيَافِكُمْ؟ قَالَ قَالُوا: لاَ. وَاللّهِ مَا فَرَغْنَا. قَالَ: أَلَمْ آمُرْ عَبْدَ الرّحْمَنِ؟ قَالَ وَتَنَحّيْتُ عَنْهُ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ قَالَ فَتَنَحّيْتُ. قَالَ فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي إلاّ جِئْتَ. قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: وَاللّهِ مَا لِي ذَنْبٌ. هَؤُلاَءِ أَضْيَافُكَ فَسَلْهُمْ. قَدْ أَتَيْتُهُمْ بِقِرَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يَطْعَمُوا حَتّىَ تَجِيءَ. قَالَ فَقَالَ: مَا لَكُمْ أَلاَ تَقْبَلُوا عَنّا قِرَاكُمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللّهِ لاَ أَطْعَمُهُ اللّيْلَةَ. قَالَ فَقَالُوا: فَوَاللّهِ لاَ نَطْعَمُهُ حَتّىَ تَطْعَمَهُ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ كَالشّرّ كَاللّيْلَةِ قَطّ. وَيْلَكُمْ مَا لَكُمْ أَنْ لاَ تَقْبَلُوا عَنّا قِرَاكُمْ؟ قَالَ ثُمّ قَالَ: أَمّا الأُولَىَ فَمِنَ الشّيْطَانِ. هَلُمّوا قِرَاكُمْ. قَالَ فَجِيءَ بِالطّعَامِ فَسَمّىَ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. قَالَ: فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَرّوا وَحَنِثْتُ. قَالَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "بَلْ أَنْتَ أَبَرّهُمْ وَأَخْيَرُهُمْ".
قَالَ وَلَمْ تَبْلُغْنِي كَفّارَةٌ.
قوله: (إني مجهود) أي أصابني الجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع. قوله: (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أتاه هذا المجهود أرسل إلى نسائه واحدة واحدة فقالت كل واحدة: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال من يضيف هذا الليلة رحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله وذكر صنيعه وصنيع امرأته) هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة: منها ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأهل بيته من الزهد في الدنيا والصبر على الجوع وضيق حال الدنيا. ومنها أنه ينبغي لكبير القوم أن يبدأ في مواساة الضيف ومن يطرقهم بنفسه فيواسيه من ماله أولاً بما يتيسر إن أمكنه ثم يطلب له على سبيل التعاون على البر والتقوى من أصحابه. ومنها المواساة في حال الشدائد. ومنها فضيلة إكرام الضيف وإيثاره. ومنها منقبة لهذا الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما. ومنها الاحتيال في إكرام الضيف إذا كان يمتنع منه رفقاً بأهل المنزل لقوله: (أطفئي السراج وأريه أنا نأكل) فإنه لو رأى قلة الطعام وأنهما لا يأكلان معه لامتنع من الأكل. وقوله: (فانطلق به إلى رحله) أي منزله ورحل الإنسان هو منزله من حجر أو مدر أو شعر أو وبر. قوله: (فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء) هذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان من غير جوع يضرهم فإنهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجباً ويجب تقديمه على الضيافة، وقد أثنى الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل وامرأته فدل على أنهما لم يتركا واجباً بل أحسنا وأجملا رضي الله عنهما، وأما هو وامرأته فأثرا على أنفسهما برضاهما مع حاجتهما وخصاصتهما فمدحهما الله تعالى وأنزل فيهما: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ففيه فضيلة الإيثار والحث عليه. وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من أمور الدنيا وحظوظ النفوس، أما القربات فالأفضل أن لا يؤثر بها لأن الحق فيها لله تعالى والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة" قال القاضي: المراد بالعجب من الله رضاه ذلك، قال: وقد يكون المراد عجبت ملائكة الله وأضافه إليه سبحانه وتعالى تشريفاً.
قوله: (أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس أحد يقبلنا فأتينا النبيّ صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا) أما قوله الجهد فهو بفتح الجيم وهو الجوع والمشقة وقد سبق في أول الباب. وقوله: (فليس أحد يقبلنا) هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به. قوله: (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان) هذا فيه آداب السلام على الإيقاظ في موضع فيه نيام أو من في معناهم، وأنه يكون سلاماً متوسطاً بين الرفع والمخافتة بحيث يسمع الإيقاظ ولا يهوش على غيرهم. قوله: (ما به حاجة إلى هذه الجرعة) هي بضم الجيم وفتحها حكاهما ابن السكيت وغيره وهي الحثوة من المشروب والفعل منه جرعت بفتح الجيم وكسر الراء. قوله: (وغلت في بطني) بالغين المعجمة المفتوحة أي دخلت وتمكنت منه. قوله: (إن النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا فقال: اللهم أطعم من أطعمني وأسق من سقاني) فيه الدعاء للمحسن والخادم ولمن سيفعل خيراً، وفيه ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من الحلم والأخلاق المرضية والمحاسن المرضية وكرم النفس والصبر والإغضاء عن حقوقه فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن نصيبه من اللبن. قوله في الأعنز: (إذا هن حفل كلهن) هذه من معجزات النبوة وآثار بركته صلى الله عليه وسلم. قوله: (فحلبت فيه حتى علته رغوة) هي زبد اللبن الذي يعلوه وهي بفتح الراء وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات، ورغاوة بكسر الراء وحكي ضمها ورغاية بالضم وحكي الكسر، وارتغيت شربت الرغوة، قوله: (فلما علمت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم إحدى سوآتك يا مقداد) معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفاً من أن يدعو عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم لكونه أذهب نصيب النبيّ صلى الله عليه وسلم وتعرض لأذاه، فلما علم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد روى وأجيبت دعوته فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه لذهاب ما كان به من الحزن وانقلابه سروراً بشرب النبي صلى الله عليه وسلم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد وظهور هذه المعجزة ولتعجبه من قبح فعله أولاً وحسنه آخراً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: إحدى سوآتك يا مقداد أي إنك فعلت سوءة من الفعلات ما هي فأخبره خبره فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ما هذه إلا رحمة من الله تعالى" أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته وإن كان الجميع من فضل الله تعالى.
قوله: (جاء رجل مشرك مشعان) هو بضم الميم وإسكان الشين المعجمة وتشديد النون أي منتفش الشعر ومتفرقه. قوله: (وأمر بسواد البطن أن يشوى) يعني الكبد. قوله: (وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا حز له رسول الله صلى الله عليه وسلم حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاه وإن كان غائباً خبأ له وجعل قصعتين فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا وفضل في القصعتين فحملته على البغير) الحزة بضم الحاء وهي القطعة من اللحم وغيره والقصعة بفتح القاف، وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما تكثير سواد البطن حتى وسع هذا العدد، والأخرى تكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين وفضلت منه فضلة حملوها لعدم حاجة أحد إليها، وفيه مواساة الرفقة فيما يعرض لهم من طرفة وغيرها وأنه إذا غاب بعضهم خبئ نصيبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس" هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم فليذهب بثلاثة، ووقع في صحيح البخاري فليذهب بثلاث، قال القاضي: هذا الذي ذكره البخاري هو الصواب وهو الوافق لسياق باقي الحديث. قلت: وللذي في مسلم أيضاً وجه وهو محمول على موافقة البخاري وتقديره فليذهب بمن يتم ثلاثة أو بتمام ثلاثة كما قال الله تعالى وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام أي في تمام أربعة، وسبق في كتاب الجنائز إيضاح هذا وذكر نظائره، وفي هذا الحديث فضيلة الإيثار والمواساة، وأنه إذا حضر ضيفان كثيرون فينبغي للجماعة أن يتوزعوهم ويأخذ كل واحد منهم من يحتمله، وأنه ينبغي لكبير القوم أن يأمر أصحابه بذلك ويأخذ هو من يمكنه. قوله: (وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة) هذا مبين لما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من الأخذ بأفضل الأمور والسبق إلى السخاء والجود، فإن عيال النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا قريباً من عدد ضيفانه هذه الليلة فأتى بنصف طعامه أو نحوه، وأتى أبو بكر رضي الله عنه بثلث طعامه أو أكثر، وأتى الباقون بدون ذلك والله أعلم. قوله: (فإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء) قوله نعس بفتح العين وفي هذا جواز ذهاب من عنده ضيفان إلى أشغاله ومصالحه إذا كان له من يقوم بأمورهم ويسد مسده كما كان لأبي بكر هنا عبد الرحمن رضي الله عنهما، وفيه ما كان عليه أبو بكر رضي الله عنه من الحب للنبي صلى الله عليه وسلم والانقطاع إليه وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل والأولاد والضيفان وغيرهم. قوله: (في الأضياف أنهم امتنعوا من الأكل حتى يحضر أبو بكر رضي الله عنه) هذا فعلوه أدباً ورفقاً بأبي بكر فيما ظنوه لأنهم ظنوا أنه لا يحصل له عشاء من عشائهم، قال العلماء: والصواب للضيف أن لا يمتنع مما أراده المضيف من تعجيل طعام وتكثيره وغير ذلك من أموره إلا أن يعلم أنه يتكلف ما يشق عليه حياء منه فيمنعه برفق، ومتى شك لم يعترض عليه ولم يمتنع فقد يكون للمضيف عذر أو غرض في ذلك لا يمكنه إظهاره فتلحقه المشقة بمخالفة الأضياف كما جرى في قصة أبي بكر رضي الله عنه. قوله: (عن عبد الرحمن فذهبت فاختبأت وقال: يا غنثر فجدع وسب) أما اختباؤه فخوفاً من خصام أبيه له وشتمه إياه، وقوله فجدع أي دعا بالجدع وهو قطع الأنف وغيره من الأعضاء والسب الشتم، وقوله: يا غنثر بغين معجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم ثاء مثلثة مفتوحة ومضمومة لغتان، هذه هي الرواية المشهورة في ضبطه، قالوا: وهو الثقيل الوخم، وقيل هو الجاهل مأخوذ من الغثارة بفتح الغين المعجمة وهي الجهل والنون فيه زائدة، وقيل هو السفيه، وقيل هو ذباب أزرق، وقيل هو اللئيم مأخوذ من الغثر وهو اللؤم. وحكى القاضي عن بعض الشيوخ أنه قال إنما هو غنثر بفتح الغين والثاء، ورواه الخطابي وطائفة عنتر بعين مهملة وتاء مثناة مفتوحتين قالوا وهو الذباب وقيل هو الأزرق منه شبهه به تحقيراً له. قوله: (كلوا لا هنيئاً) إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه، وقيل: إنه ليس بدعاء إنما أخبر أي لم تتهنأوا به في وقته. قوله: (والله لا أطعمه أبداً) وذكر في الرواية الأخرى في الأضياف: (قالوا والله لا نطعمه حتى تطعمه ثم أكل وأكلوا). فيه أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فعل ذلك وكفر عن يمينه كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وفيه حمل المضيف المشقة على نفسه في إكرام ضيفانه، وإذا تعارض حنثه وحنثهم حنث نفسه لأن حقهم عليه آكد، وهذا الحديث الأول مختصر توضحه الرواية الثانية وتبين ما حذف منه وما هو مقدم أو مؤخر. قوله: (ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها وأنهم أكلوا منها حتى شبعوا وصارت بعد ذلك أكثر مما كانت بثلاث مرار ثم حملوها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأكل منها الخلق الكثير) فقوله إلا ربا من أسفلها أكثر ضبطوه بالباء الموحدة وبالثاء المثلثة، هذا الحديث فيه كرامة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفيه إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة. قوله: (فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر). وقوله: (لهي الاَن أكثر منها) ضبطوهما أيضاً بالباء الموحدة وبالثاء المثلثة. قولها: (لا وقرة عيني لهي الاَن أكثر منها) قال أهل اللغة: قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه، قيل: إنما قيل ذلك لأن عينه تقر لبلوغه أمنيته فلا يستشرف لشيء فيكون مأخوذاً من القرار، وقيل مأخوذ من القر بالضم وهو البرد أي عينه باردة لسرورها وعدم مقلقها، قال الأصمعي وغيره: أقر الله عينه أي أبرد دمعته لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة، ولهذا يقال في ضده أسخن الله عينه.
قال صاحب المطالع: قال الداودي أرادت بقرة عينها النبيّ صلى الله عليه وسلم فأقسمت به، ولفظة لا في قولها لا وقرة عيني زائدة ولها نظائر مشهورة ويحتمل أنها نافية، وفيه محذوف أي لا شيء غير ما أقول وهو وقرة عيني لهي أكثر منها. قوله: (يا أخت بني فراس) هذا خطاب من أبي بكر لامرأته أم رومان ومعناه يا من هي من بني فراس، قال القاضي: فراس هو ابن غنم بن مالك بن كنانة، ولا خلاف في نسب أم رومان إلى غنم بن مالك، واختلفوا في كيفية انتسابها إلى غنم اختلافاً كثيراً، واختلفوا هل هي من بني فراس بن غنم أم من بني الحارث بن غنم؟ وهذا الحديث الصحيح كونها من بني فراس بن غنم. قوله: (فعرفنا اثنا عشر رجلاً مع كل رجل منهم أناس) هكذا هو في معظم النسخ فعرفنا بالعين وتشديد الراء أي جعلنا عرفاء، وفي كثير من النسخ ففرقنا بالفاء المكررة في أوله وبقاف من التفريق أي جعل كل رجل من الاثني عشر مع فرقة فهما صحيحان ولم يذكر القاضي هنا غير الأول، وفي هذا الحديث دليل لجواز تفريق العرفاء على العساكر ونحوها، وفي سنن أبي داود العرافة حق لما فيه من مصلحة الناس وليتيسر ضبط الجيوش ونحوها على الإمام باتخاذ العرفاء، وأما الحديث الاَخر: (العرفاء في النار) فمحمول على العرفاء المقصرين في ولايتهم المرتكبين فيها ما لا يجوز كما هو معتاد لكثير منهم. قوله: (فعرفنا اثنا عشر رجلاً مع كل واحد منهم أناس) هكذا هو في معظم النسخ وفي نادر منها اثني عشر وكلاهما صحيح، والأول جار على لغة من جعل المثنى بالألف في الرفع والنصب والجر وهي لغة أربع قبائل من العرب. ومنها قوله تعالى: {إن هذان لساحران} وغير ذلك وقد سبقت المسألة مرات. قوله: (أفرغ من أضيافك) أي عشهم وقم بحقهم. قوله: (جئناهم بقراهم) هو بكسر القاف مقصور وهو ما يصنع للضيف من مأكول ومشروب. قوله: (حتى يجيء أبو منزلنا) أي صاحبه. قوله: (إنه رجل حديد) أي فيه قوة وصلابة ويغضب لانتهاك الحرمات والتقصير في حق ضيفه ونحو ذلك. قوله: (مالكم ألا تقبلوا مناقراكم) قال القاضي عياض: قوله ألا هو بتخفيف اللام على التحضيض واستفتاح الكلام هكذا رواه الجمهور، قال: ورواه بعضهم بالتشديد ومعناه مالكم لا تقبلوا قراكم وأي شيء منعكم ذلك وأحوجكم إلى تركه؟ قوله: (أما الأولى فمن الشيطان) يعني يمينه، قال القاضي: وقيل معناه اللقمة الأولى فلقمع الشيطان وإرغامه ومخالفته في مراده باليمين وهو إيقاع الوحشة بينه وبين أضيافه فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير. قوله: (قال أبو بكر يا رسول الله بروا وحنثت فقال: بل أنت أبرهم وأخيرهم قال ولم تبلغني كفارة) معناه بروا في أيمانهم وحنثت في يميني فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: بل أنت أبرهم أي أكثرهم طاعة وخير منهم لأنك حنثت في يمينك حنثاً مندوباً إليه محثوثاً عليه فأنت أفضل منهم. قوله: (وأخيرهم) هكذا هو في جميع النسخ وأخيرهم بالألف وهي لغة سبق بيانها مرات. وأما قوله: (ولم تبلغني كفارة) يعني لم يبلغني أنه كفر قبل الحنث، فأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) وهذا نص في عين المسألة مع عموم قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام} الخ.
*2* باب فضيلة المواساة في الطعام القليل، وأن طعام الاثنين يكفي الثلاثة، ونحو ذلك
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "طَعَامُ الإِثْنَيْنِ كَافِي الثّلاَثَةِ. وَطَعَامُ الثّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ح وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ. وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ. وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثّمَانِيَةَ".
وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَقَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. لَمْ يَذْكُرْ: سَمِعْتُ.
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ. وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ "طَعَامُ الرّجُلِ يَكْفِي رَجُلَيْنِ. وَطَعَامُ رَجُلَيْنِ يَكْفِي أَرْبَعَةً. وَطَعَامُ أَرْبَعَةٍ يَكْفِي ثَمَانِيَةً".
قوله صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة".
وفي رواية جابر: "طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية" هذا فيه الحث على المواساة في الطعام وأنه وإن كان قليلاً حصلت منه الكفاية المقصودة ووقعت فيه بركة تعم الحاضرين عليه والله أعلم.
*2* باب المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء
*حَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ. وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ. كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاّدٍ الْبَاهِلِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمّدُ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ سَمِعَ نَافِعاً قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ مِسْكِيناً، فَجَعَلَ يَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَأْكُلُ أَكْلاً كَثِيراً. قَالَ فَقَالَ: لاَ يُدْخَلَنّ هَذَا عَلَيّ. فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ. وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكَرِ: ابْنَ عُمَرَ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا بُرَيْدٌ عَنْ جَدّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ "الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ. وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ عِيسَىَ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَافَهُ ضَيْفٌ، وَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ. فَشَرِبَ حِلاَبَهَا. ثُمّ أُخْرَىَ فَشَرِبَهُ. ثُمّ أُخْرَىَ فَشَرِبَهُ. حَتّىَ شَرِبَ حِلاَبَ سَبْعِ شِيَاهٍ. ثُمّ إِنّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ. فَأَمَر لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلاَبَهَا. ثُمّ أَمَرَ بِأُخْرَىَ فَلَمْ يَسْتَتِمّهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ. وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معى واحد". وفي الرواية الأخرى: أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام بعد أن ضاف كافراً فشرب حلاب سبع شياه ثم أسلم من الغد فشرب حلاب شاة ولم يستتم حلاب الثانية. قال القاضي: قيل إن هذا في رجل بعينه فقيل له على جهة التمثيل، وقيل إن المراد أن المؤمن يقتصد في أكله، وقيل المراد المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه فلا يشركه فيه الشيطان، والكافر لا يسمي فيشاركه الشيطان فيه. وفي صحيح مسلم: "أن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه" قال أهل الطب: لكل إنسان سبعة أمعاء: المعدة ثم ثلاثة متصلة بها رقاق ثم ثلاثة غلاظ، فالكافر لشرهه وعدم تسميته لا يكفيه إلا ملؤها، والمؤمن لاقتصاده وتسميته يشبعه ملء أحدها، ويحتمل أن يكون هذا في بعض المؤمنين وبعض الكفار، وقيل المراد بالسبعة سبع صفات: الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد والسمن، وقيل: المراد بالمؤمن هنا تام الإيمان المعرض عن الشهوات المقتصر على سد خلته، والمختار أن معناه بعض المؤمنين يأكل في معى واحد، وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم أن كل واحد من السبعة مثل معى المؤمن والله أعلم. قال العلماء: ومقصود الحديث التقليل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل وكثرة الأكل بضده. وأما قول ابن عمر في المسكين الذي أكل عنده كثيراً لا يدخلن هذا علي فإنما قال هذا لأنه أشبه الكفار ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة أو ضرورة، ولأن القدر الذي يأكله هذا يمكن أن يسد به خلة جماعة، وأما الرجل المذكور في الكتاب الذي شرب حلاب سبع شياه فقيل هو ثمامة بن أثال، وقبل جهجاه الغفاري، وقيل نضرة بن أبي نضرة الغفاري والله أعلم.
*2* باب لا يعيب الطعام
*حع 7) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً قَطّ. كَانَ إِذَا اشْتَهَىَ شَيْئاً أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ.
وحدّثنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ وَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَبُو داوُدَ الْحَفَرِيّ. كُلّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عَمْرٌو النّاقِدُ (وَاللّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ) قَالَوا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي يَحْيَىَ، مَوْلَىَ آلِ جَعْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَابَ طَعَاماً قَطّ. كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ سَكَتَ.
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
قوله: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط كان إذا اشتهى شيئاً أكله وإن كرهه تركه) هذا من آداب الطعام المتأكدة وعيب الطعام كقوله: مالح قليل الملح حامض رقيق غليظ غير ناضج ونحو ذلك. وأما حديث ترك أكل الضب فليس هو من عيب الطعام إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا أشتهيه، وذكر مسلم في باب اختلاف طرق هذا الحديث، فرواه أولاً من رواية الأكثرين عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة، ثم رواه عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي يحيى مولى آل جعدة عن أبي هريرة، وأنكر عليه الدارقطني هذا الإسناد الثاني وقال هو معلل، قال القاضي: وهذا الإسناد من الأحاديث المعللة في كتاب مسلم التي بين مسلم علتها كما وعد في خطبته وذكر الاختلاف فيه، ولهذه العلة لم يذكر البخاري حديث أبي معاوية ولا خرجه من طريقه بل خرجه من طريق آخر، وعلى كل حال فالمتن صحيح لا مطعن فيه والله أعلم.