كتاب اللباس والزينة
 *1* كتاب اللباس والزينة
*2* باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره، على الرجال والنساء
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصّدِيقِ، عنْ أُمّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضّةِ، إِنّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنّمَ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَمُحمّدُ بْنُ رُمْحٍ عَنِ الليْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنِيهِ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا شَيْبَان بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ) عَنْ عَبْدِ الرّحْمنِ السّرّاجِ كُلّ هَؤُلاَءِ عَنِ نَافِعٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. بِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ وَزَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ "أَنّ الّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضّةِ وَالذّهَبِ" وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذِكْرُ الأَكْلِ وَالذّهَبِ. إِلاّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ.
وحدّثني زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ، أَبُو مَعْنٍ الرّقّاشِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ (يَعْنِي ابْنَ مُرّةَ) حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ خَالَتِهِ أُمّ سَلَمَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضّةٍ، فَإِنّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَاراً مِن جَهَنّمَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم". وفي رواية: "أن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب" وفي رواية: "من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه ناراً من جهنم" اتفق العلماء من أهل الحديث واللغة والغريب وغيرهم على كسر الجيم الثانية من يجرجر، واختلفوا في راء النار في الرواية الأولى فنقلوا فيها النصب والرفع وهما مشهوران في الرواية وفي كتب الشارحين وأهل الغريب واللغة والنصب هو الصحيح المشهور الذي جزم به الأزهري وآخرون من المحققين ورجحه الزجاج والخطابي والأكثرون، ويؤيده الرواية الثالثة: (يجرجر في بطنه ناراً من جهنم) ورويناه في مسند أبي عوانة الاسفرايني وفي الجعديات من رواية عائشة رضي الله عنها: (إنما يجرجر في جوفه ناراً) كذا هو في الأصول ناراً من غير ذكر جهنم. وأما معناه فعلى رواية النصب الفاعل هو الشارب مضمر في يجرجر أي يلقيها في بطنه بجرع متتابع يسمع له جرجرة وهو الصوت لتردده في حلقه، وعلى رواية الرفع تكون النار فاعله ومعناه تصوت النار في بطنه، والجرجرة هي التصويت وسمي المشروب ناراً لأنه يؤول إليها كما قال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً} وأما جهنم عافانا الله منها ومن كل بلاء فقال الواحدي: قال يونس وأكثر النحويين هي عجمية لا تنصرف للتعريف والعجمية وسميت بذلك لبعد قعرها، يقال بئر جهنام إذا كانت عميقة القعر، وقال بعض اللغويين: مشتقة من الجهومة وهي الغلظ سميت بذلك لغلظ أمرها في العذاب والله أعلم. قال القاضي: واختلفوا في المراد بالحديث فقيل هو إخبار عن الكفار من ملوك العجم وغيرهم الذين عادتهم فعل ذلك كما قال في الحديث الاَخر: (هي لهم في الدنيا ولكم في الاَخرة) أي هم المستعملون لها في الدنيا، وكما قال صلى الله عليه وسلم في ثوب الحرير: "إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الاَخرة" أي لا نصيب، قال: وقيل المراد نهي المسلمين عن ذلك وأن من ارتكب هذا النهي استوجب هذا الوعيد وقد يعفو الله عنه، هذا كلام القاضي والصواب أن النهي يتناول جميع من يستعمل إناء الذهب أو الفضة من المسلمين والكفار لأن الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع والله أعلم. وأجمع المسلمون على تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب وإناء الفضة على الرجل وعلى المرأة، ولم يخالف في ذلك أحد من العلماء إلا ما حكاه أصحابنا العراقيون أن للشافعي قولاً قديماً أنه يكره ولا يحرم. وحكوا عن داود الظاهري تحريم الشرب وجواز الأكل وسائر وجوه الاستعمال وهذان النقلان باطلان. أما قول داود فباطل لمنابذة صريح هذه الأحاديث في النهي عن الأكل والشرب جميعاً ولمخالفة الإجماع قبله. قال أصحابنا: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمال في إناء ذهب أو فضة إلا ما حكي عن داود وقول الشافعي في القديم فهما مردودان بالنصوص والإجماع، وهذا إنما يحتاج إليه على قول من يعتد بقول داود في الإجماع والخلاف، وإلا فالمحققون يقولون لا يعتد به لإخلاله بالقياس وهو أحد شروط المجتهد الذي يعتد به. وأما قول الشافعي القديم فقال صاحب التقريب إن سياق كلام الشافعي في القديم يدل على أنه أراد أن نفس الذهب والفضة الذي اتخذ منه الإناء ليست حراماً ولهذا لم يحرم الحلي على المرأة، هذا كلام صاحب التقريب وهو من متقدمي أصحابنا وهو أتقنهم لنقل نصوص الشافعي ولأن الشافعي رجع عن هذا القديم، والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصوليين أن المجتهد إذا قال قولاً ثم رجع عنه لا يبقى قولاً له ولا ينسب إليه، قالوا: وإنما يذكر القديم، وينسب إلى الشافعي مجازاً وباسم ما كان عليه لا أنه قول له الاَن، فحصل مما ذكرناه أن الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة والأكل بملعقة من أحدهما والتجمر بمجمرة منهما والبول في الإناء منهما وجميع وجوه الاستعمال، ومنها المكحلة والميل وطرف الغالية وغير ذلك سواء الإناء الصغير والكبير، ويستوي في التحريم الرجل والمرأة بلا خلاف، وإنما فرق بين الرجل والمرأة في التحلي لما يقصد منها من التزين للزوج والسيد، قال أصحابنا: ويحرم استعال ماء الورد والأدهان من قارورة الذهب والفضة، قالوا: فإن ابتلي بطعام في إناء ذهب أو فضة فليخرج الطعام إلى إناء آخر من غيرهما ويأكل منه، فإن لم يكن إناء آخر فليجعله على رغيف إن أمكن، وإن ابتلي بالدهن في قارورة فضة فليصبه في يده اليسرى ثم يصبه من اليسرى في اليمنى ويستعمله، قال أصحابنا: ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس بأواني الفضة والذهب هذا هو الصواب، وجوزه بعض أصحابنا قالوا وهو غلط، قال الشافعي والأصحاب: لو توضأ أو اغتسل من إناء ذهب أو فضة عصى بالفعل وصح وضوءه وغسله، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة والعلماء كافة إلا داود فقال: لا يصح، والصواب الصحة.
وكذا لو أكل منه أو شرب عصى بالفعل، ولا يكون المأكول والمشروب حراماً هذا كله في حال الاختيار، وأما إذا اضطر إلى استعمال إناء فلم يجد إلا ذهباً أو فضة فله استعماله في حال الضرورة بلا خلاف، صرح به أصحابنا قالوا كما تباح الميتة في حال الضرورة، قال أصحابنا: ولو باع هذا الإناء صح بيعه لأنه عين طاهرة يمكن الانتفاع بها بأن تسبك. وأما اتخاذ هذه الأواني من غير استعمال فللشافعي والأصحاب فيه خلاف والأصح تحريمه والثاني كراهته، فإن كرهناه استحق صانعه الأجرة ووجب على كاسره أرش النقص وإلا فلا، وأما إناء الزجاج النفيس فلا يحرم بالإجماع، وأما إناء الياقوت والزمرد والفيروزج ونحوها فالأصح عند أصحابنا جواز استعمالها ومنهم من حرمها والله أعلم.
*2* باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء. وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَشْعَثُ. حَدّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرّنٍ. قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ. وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ. أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتّبَاعِ الْجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإبْرَارِ الْقَسَمِ، أَوِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدّاعِي، وَإِفْشَاءِ السّلاَمِ. وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ، أَوْ عَنْ تَخَتّمٍ بِالذّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنِ الْقَسّيّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِيبَاجِ.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. إِلاّ قوله: وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ. فَإِنّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَرْفَ فِي الْحَدِيثِ. وَجَعَلَ مَكَانَهُ: وَإِنْشَادِ الضّالّ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا عثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الشّيْبَانِيّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ زُهَيْرٍ. وَقَالَ: إِبْرَارِ الْقَسَمِ. مِنْ غَيْرِ شَكَ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: وَعَنِ الشّرْبِ فِي الْفِضّةِ. فَإِنّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْ فِي الاَخِرَةِ.
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَقَ الشّيْبَانِيّ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ. بِإِسْنَادِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ جَرِيرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنِي بَهْزٌ. قَالُوا جَمِيعاً: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ بِإِسْنَادِهِمْ، وَمَعْنَىَ حَدِيثِهِمْ، إِلاّ قوله: وَإِفْشَاءِ السّلاَمِ. فَإِنّهُ قَالَ بَدَلَهَا: وَرَدّ السّلاَمِ. وَقَالَ: نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذّهَبِ أَوْ حَلْقَةِ الذّهَبِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَ عَمْرُو بْنُ مُحَمّدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشّعْثَاءِ. بِإِسْنَادِهِمْ. وَقَالَ: وَإِفْشَاءِ السّلاَمِ وَخَاتَمِ الذّهَبِ. مِنْ غَيْرِ شَكَ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. سَمِعْتُهُ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُكَيْمٍ قَالَ: كُنّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ. فَاسْتَسْقَىَ حُذَيْفَةُ. فَجَاءَهُ دِهْقَانٌ بِشَرَابٍ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضّةٍ. فَرَمَاهُ بِهِ. وَقَالَ: إِنّي أُخْبِرُكُمْ أَنّي قَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ لاَ يَسْقِيَنِي فِيهِ. فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَشْرَبُوا فِي إِنَاءِ الذّهَفبِ وَالْفِضّةِ. وَلاَ تَلْبَسُوا الدّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ. فَإِنّهُ لَهُمْ فِي الدّنْيَا، وَهُوَ لَكُمْ فِي الاَخِرَةِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الْجُهَنِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُكَيْمٍ يَقُول: كُنّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ "يَوْمَ القِيَامَةِ".
وحدّثني عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَوّلاً، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ حُذَيْفَةَ. ثُمّ حَدّثَنَا يَزِيدُ، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ عَنْ حُذَيْفَةَ. ثُمّ حَدّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُكَيْمٍ. فَظَنَنْتُ أَنّ ابْنَ أَبِي لَيْلَىَ إِنّمَا سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُكَيْمٍ. قَالَ: كُنّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَقُلْ "يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي لَيْلَىَ) قَالَ: شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَىَ بِالْمَدَائِنِ. فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضّةٍ. فَذَكَرَهُ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَإِسْنَادِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ: شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ. غَيْرُ مُعَاذٍ وَحْدَهُ. إِنّمَا قَالُوا: إِنّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَىَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَيْفٌ. قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِداً يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ قَالَ: اسْتَسْقَىَ حُذَيْفَةُ. فَسَقَاهُ مَجُوسِيّ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضّةٍ. فَقَالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلاَ الدّيبَاجَ. وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ. وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا. فَإِنّهَا لَهُمْ فِي الدّنْيَا".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَأَىَ حُلّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا لِلنّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّما يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الاَخِرَةِ" ثُمّ جَاءَتْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا حُلَلٌ. فَأَعْطَىَ عُمَرَ مِنْهَا حُلّةً. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَسَوْتَنِيهَا. وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا" فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخاً لَهُ مُشْرِكاً، بِمَكّةَ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدّثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: رَأَىَ عُمَرُ عُطَارِداً التّمِيمِيّ يُقِيمُ بِالسّوقِ حُلّةً سِيَرَاءَ. وَكَانَ رَجُلاً يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي رَأَيْتُ عُطَارِداً يُقِيمُ فِي السّوقِ حُلّةً سِيَرَاءَ. فَلَوِ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا لِوُفُودِ الْعَرَبِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ وَأَظُنّهُ قَالَ: وَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الاَخِرَةِ" فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ. فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلّةٍ. وَبَعَثَ إِلَىَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلّةٍ. وَأَعْطَىَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلةً. وَقَالَ: "شَقّقْهَا خُمُراً بَيْنَ نِسَائِكَ" قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلّتِهِ يَحْمِلُهَا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَعَثْتَ إلَيّ بِهَذِهِ. وَقَدْ قُلْتَ بِالأَمْسِ فِي حُلّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ. فَقَالَ: "إنّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا. وَلَكِنّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا" وَأَمّا أُسَامَةُ فَرَاحَ فِي حُلّتِهِ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَظَراً عَرَفَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَنْكَرَ مَا صَنَعَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَنْظُرُ إِلَيّ؟ فَأَنْتَ بَعَثْتَ إِلَيّ بِهَا. فَقَالَ: "إِنّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا. وَلَكِنّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقّقَهَا خُمُراً بَيْنَ نِسَائِكَ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ (وَاللّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حُلّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ بِالسّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَىَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوَفْدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ" قَالَ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللّهُ. ثُمّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبّةِ دِيبَاجٍ. فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتّىَ أَتَىَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْتَ "إِنّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ". أَوْ "إِنّمَا يَلْبسُ هَذِهِ مِنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ" ثُمّ أَرْسَلْتَ إِلَيّ بِهَذِهِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَبِيعُهَا وَتُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ".
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْص عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ عُمَرَ رَأَىَ عَلَىَ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ. فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوِ اشْتَرَيْتَهُ فَقَالَ "إِنّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ" فَأُهْدِيَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُلّةٌ سِيَرَاءُ. فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيّ. قَالَ قُلْتُ: أَرْسَلْتَ بِهَا إِلَيّ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ قَالَ "إِنّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا".
وحدّثني ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَأَىَ عَلَىَ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "إِنّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْفكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا، وَلَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسهَا".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدّثُ قَالَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فِي الإِسْتَبْرَقِ. قَالَ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ. فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: رَأَىَ عُمَرُ عَلَىَ رَجُلٍ حُلّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ. فَأَتَىَ بِهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَقَالَ "إِنّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالاً".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَبْدِ المْلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، مَوْلَىَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ خَالَ وَلَدِ عَطَاءٍ. قَالَ: أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنّكَ تُحَرّمُ أَشْيَاءَ ثَلاَثَةً: الْعَلَمَ فِي الثّوْبِ، وَمِيثَرَةَ الأُرْجُوَانِ، وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلّهِ. فَقَالَ لِي عَبْدُ اللّهِ: أَمّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الأَبَدَ. وَأَمّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْعَلَمِ فِي الثّوْبِ، فَإِنّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ" فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ. وَأَمّا مِيثَرَةُ الأُرْجُوَانِ، فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبْدِ اللّهِ، فَإِذَا هِيَ أُرْجُوَانٌ.
فَرَجَعْتُ إِلَىَ أَسْمَاءَ فَخَبّرْتُهَا فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبّةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخْرَجَتْ إِلَيّ جُبّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيّةً. لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ. وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدّيبَاجِ. فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتّىَ قُبِضَتْ. فَلَمّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا. وَكَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا. فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَىَ يُسْتَشْفَىَ بِهَا.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، أَبِي ذُبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الزّبَيْر يَخْطُبُ يَقُولُ: أَلاَ لاَ تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمُ الْحَرِيرَ. فَإِنّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ. فَإِنّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الاَخِرَةِ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ: يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ كَدّكَ وَلاَ مِنْ كَدّ أَبِيكَ وَلاَ مِنْ كَدّ أُمّكَ. فَأَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ، مِمّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ، وَإِيّاكُمْ وَالتّنَعّمَ، وَزِيّ أَهْلِ الشّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ لَبُوسِ الْحَرِيرِ. قَالَ إِلاّ هَكَذَا. وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَىَ وَالسّبّابَةَ وَضَمّهُمَا. قَالَ زُهَيْرٌ: قَالَ عَاصِمٌ: هَذَا فِي الْكِتَابِ قَالَ وَرَفَعَ زُهَيْرٌ إِصْبَعَيْهِ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَرِيرِ. بِمِثْلِهِ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَهُوَ عُثْمَانُ) وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِير (وَاللّفْظُ لإِسْحَقَ). أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. قَالَ: كُنّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَلْبَسُ الْحَرِيرَ إِلاّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الاَخِرَةِ إِلاّ هَكَذَا" وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: بِإِصْبَعَيْهِ اللّتَيْنِ تَلِيَانِ الإِبْهَامَ. فَرُئِيتُهُمَا أَزْرَارَ الطّيَالِسَةِ، حِينَ رَأَيْتُ الطّيَالِسَةَ.
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ. حَدّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ. قَالَ: كُنّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النّهْدِيّ قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، أَوْ بِالشّامِ: أَمّا بَعْدُ. فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهىَ عَنِ الْحَرِيرِ إِلاّ هَكَذَا. إِصْبَعَيْنِ.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: فَمَا عَتّمْنِا أَنّهُ يَعْنِي الأَعْلاَمَ.
وحدّثنا أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ) حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي عُثْمَانَ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَ أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: نَهَىَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ. إِلاّ مَوْضِعِ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الرّزّيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ وَاللّفْظُ لاِبْنِ حَبِيبٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: لَبِسَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ. ثُمّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ. فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَىَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ، يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: "نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ" فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَرِهْتَ أَمْراً وَأَعْطَيْتَنِيهِ، فَمَا لِي؟ قَالَ: "إنّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ. إِنّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ" فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيَ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدّثُ عَنْ عَلِيَ. قَالَ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُلّةُ سِيَرَاءَ. فَبَعَثَ بِهَا إِلَيّ فَلَبِسْتُهَا. فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ: "إِنّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا. إِنّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقّقَهَا خُمُراً بَيْنَ النّسَاءِ".
حدّثناه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: فَأَمَرَنِي فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. وَفِي حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: فَأَطَرْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَأَمَرَنِي.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ (قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثّقَفِيّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيّ، عَنْ عَلِيَ أَنّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَىَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَ حَرِيرٍ. فَأَعْطَاهُ عَليّا. فَقَالَ "شَقّقْهُ خُمُراً بَيْنَ الْفَوَاطِمِ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ: بَيْنَ النّسْوَةِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُلّةَ سِيَرَاءَ. فَخَرَجْتُ فِيهَا. فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ. قَالَ فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي.
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ وَ أَبُو كَامِلٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الأَصَمّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ عُمَرَ بِجُبّةِ سُنْدُسٍ. فَقَالَ عُمَرُ: بَعَثْتَ بِهَا إِلَيّ وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ "إِنّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا. وَإِنّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِثَمَنِهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الاَخِرَةِ".
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازِيّ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَقَ الدّمَشْقِيّ عَنِ الأَوْزَاعِيّ. حَدّثَنِي شَدّادٌ، أَبُو عَمّارٍ. حَدّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الاَخِرَةِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّهُ قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَرّوجُ حَرِيرٍ. فَلَبِسَهُ ثُمّ صَلّىَ فِيهِ. ثُمّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعاً شَدِيداً. كَالْكَارِهِ لَهُ. ثُمّ قَالَ "لاَ يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتّقِينَ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا الضّحّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ). حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قوله: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم أو المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم أو عن تختم بالذهب وعن شرب بالفضة وعن المياثر وعن القسي وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج) وفي رواية: (وإنشاد الضالة بدل إبرار القسم أو المقسم) وفي رواية: (ورد السلام بدل إفشاء السلام). أما عيادة المريض فسنة بالإجماع وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه والقريب والأجنبي، واختلف العلماء في الأوكد والأفضل منهما. وأما اتباع الجنائز فسنة بالإجماع أيضاً وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما وسبق إيضاحه في الجنائز. وأما تشميت العاطس فهو أن يقول له: يرحمك الله، ويقال بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان، قال الأزهري: قال الليث التشميت ذكر الله تعالى على كل شيء، ومنه قوله للعاطس: يرحمك الله. وقال ثعلب: يقال سمت العاطس وشمته إذا دعوت له بالهدى، وقصد السمت المستقيم، قال: والأصل فيه السين المهملة فقلبت شيناً معجمة، وقال صاحب المحكم: تسميت العاطس معناه هداك الله إلى السمت، قال: وذلك لما في العاطس من الانزعاج والقلق. قال أبو عبيد وغيره: الشين المعجمة على اللغتين، قال ابن الأنباري: يقال منه شمته وسمت عليه إذا دعوت له بخير، وكل داع بالخير فهو مشمت ومسمت، وتسميت العاطس سنة وهو سنة على الكفاية إذا فعل بعض الحاضرين سقط الأمر عن الباقين، وشرطه أن يسمع قول العاطس الحمد لله كما سنوضحه مع فروع تتعلق به في بابه إن شاء الله تعالى. وأما إبرار القسم فهو سنة أيضاً مستحبة متأكدة، وإنما يندب إليه إذا لم يكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك، فإن كان شيء من هذا لم يبر قسمه، كما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً فقال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني فقال: لا تقسم ولم يخبره. وأما نصر المظلوم فمن فروض الكفاية وهو من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما يتوجه الأمر به على من قدر عليه ولم يخف ضرراً. وأما إجابة الداعي فالمراد به الداعي إلى وليمة ونحوها من الطعام، وسبق إيضاح ذلك بفروعه في باب الوليمة من كتاب النكاح. وأما إفشاء السلام فهو إشاعته وإكثاره وأن يبذله لكل مسلم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر: (وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) وسبق بيان هذا في كتاب الإيمان في حديث افشوا السلام وسنوضح فروعه في بابه إن شاء الله تعالى. وأما رد السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد كان الرد فرض عين عليه، وإن كان على جماعة كان فرض كفاية في حقهم إذا رد أحدهم سقط الحرج عن الباقين، وسنوضحه بفروعه في بابه إن شاء الله تعالى. وأما إنشاد الضالة فهو تعريفها وهو مأمور به وسبق تفصيله في كتاب اللقطة. وأما خاتم الذهب فهو حرام على الرجل بالإجماع، وكذا لو كان بعضه ذهباً وبعضه فضة حتى قال أصحابنا: لو كانت سن الخاتم ذهباً أو كان مموهاً بذهب يسير فهو حرام لعموم الحديث الاَخر في الحرير والذهب: (إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها). وأما لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسي وهو نوع من الحرير فكله حرام على الرجال سواء لبسه للخيلاء أو غيرها إلا أن يلبسه للحكة فيجوز في السفر والحضر، وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير وجميع أنواعه وخواتيم الذهب وسائر الحلي منه، ومن الفضة سواء المزوجة وغيرها، والشابة والعجوز والغنية والفقيرة، هذا الذي ذكرناه من تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء هو مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي عن قوم إباحته للرجال والنساء، وعن ابن الزبير تحريمه عليهما، ثم انعقد الإجماع على إباحته للنساء وتحريمه على الرجال. ويدل عليه الأحاديث المصرحة بالتحريم مع الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا في تشقيق علي رضي الله عنه الحرير بين نسائه وبين الفواطم خمراً لهن، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمره بذلك كما صرح به في الحديث والله أعلم. وأما الصبيان فقال أصحابنا يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد لأنه لا تكليف عليهم، وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه أصحها جوازه، والثاني تحريمه والثالث يحرم بعد سن التمييز. وأما قوله: (وعن شرب بالفضة) فقد سبق إيضاحه في الباب قبله.
وأما قوله: (وعن المياثر) فهو بالثاء المثلثة قبل الراء قال العلماء: هو جمع مئثرة بكسر الميم وهي وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج وكان من مراكب العجم ويكون من الحرير ويكون من الصوف وغيره، وقيل أغشية للسروج تتخذ من الحرير، وقيل هي سروج من الديباج، وقيل هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، والمئثرة مهموزة وهي مفعلة بكسر الميم من الوثارة، يقال وثر بضم الثاء وثارة بفتح الواو فهو وثير أي وطيء لين وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها كما في ميزان وميقات وميعاد من الوزن والوقت والوعد وأصله موزان وموقات وموعاد، قال العلماء: فالمئثرة إن كانت من الحرير كما هو الغالب فيما كان من عادتهم فهي حرام لأنه جلوس على الحرير واستعمال له، وهو حرام على الرجال سواء كان على رحل أو سرج أو غيرهما، وإن كانت مئثرة من غير الحرير فليست بحرام، ومذهبنا أنها ليست مكروهة أيضاً، فإن الثوب الأحمر لا كراهة فيه سواء كانت حمراء أم لا، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء، وحكى القاضي عن بعض العلماء كراهتها لئلا يظنها الرائي من بعيد حريراً. وفي صحيح البخاري عن يزيد بن رومان: المراد بالمئثرة جلود السباع، وهذا قول باطل مخالف للمشهور الذي أطبق عليه أهل اللغة والحديث وسائر العلماء والله أعلم. وأما القسي فهو بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة، وهذا الذي ذكرناه من فتح القاف هو الصحيح المشهور وبعض أهل الحديث يكسرها، قال أبو عبيد: أهل الحديث يكسرونها وأهل مصر يفتحونها، واختلفوا في تفسيره فالصواب ما ذكره مسلم بعد هذا بنحو كراسة في حديث النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهاه عن لبس القسي وعن جلوس على المياثر" قال: فأما القسي فثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام فيها شبه. كذا هو لفظ رواية مسلم. وفي رواية البخاري فيها حرير أمثال الأترج. قال أهل اللغة: وغريب الحديث هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف وهو موضع من بلاد مصر وهو قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس، وقيل: هي ثياب كتان مخلوط بحرير، وقيل: هي ثياب من القز، وأصله القزي بالزاي منسوب إلى القز وهو رديء الحرير فأبدل من الزاي سين، وهذا القسي إن كان حريره أكثر من كتانه فالنهي عنه للتحريم وإلا فالكراهة للتنزيه. وأما الإستبرق فغليظ الديباج، وأما الديباج فبفتح الدال وكسرها جمعه دبابيج وهو عجمي معرب الديبا والديباج والإستبرق حرام لأنهما من الحرير والله أعلم. قوله في حديث أبي بكر وعثمان بن أبي شيبة: (وزاد في الحديث وعن الشرب) فالضمير في وزاد يعود إلى الشيباني الراوي عن أشعث بن أبي الشعثاء.
قوله: (فجاء دهقان) هو بكسر الدال على المشهور وحكى ضمها ممن حكاه صاحب المشارق والمطالع، وحكاهما القاضي في الشرح عن حكاية أبي عبيدة، ووقع في نسخ صحاح الجوهري أو بعضها مفتوحاً وهذا غريب وهو زعيم فلاحي العجم، وقيل زعيم القرية ورئيسها وهو بمعنى الأول وهو عجمي معرب، قيل النون فيه أصلية مأخوذ من الدهقنة وهي الرياسة، وقيل زائدة من الدهق وهو الامتلاء، وذكره الجوهري في دهقن لكنه قال: إن جعلت نونه أصلية من قولهم تدهقن الرجل صرفته لأنه فعلان، وإن جعلته من الدهق لم تصرفه لأنه فعلان، قال القاضي: يحتمل أنه سمي به من جمع المال وملأ الأوعية منه، يقال دهقت الماء وأدهقته إذا أفرغته، ودهق لي دهقة من ماله أي أعطانيها، وأدهقت الإناء أي ملأته، قالوا: يحتمل أن يكون من الدهقنة والدهمة وهي لين الطعام لأنهم يلينون طعامهم وعيشهم لسعة أيديهم وأحوالهم، وقيل لحذقه ودهائه والله أعلم. قوله: (إن حذيفة رماه بإناء الفضة حين جاءه بالشراب فيه وذكر أنه إنما رماه به لأنه كان نهاه قبل ذلك عنه) فيه تحريم الشرب فيه وتعزير من ارتكب معصية لا سيما إن كان قد سبق نهيه عنها كقضية الدهقان مع حذيفة. وفيه أنه لا بأس أن يعزر الأمير بنفسه بعض مستحقي التعزير. وفيه أن الأمير والكبير إذا فعل شيئاً صحيحاً في نفس الأمر ولا يكون وجهه ظاهراً فينبغي أن ينبه على دليله وسبب فعله ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه لهم في الدنيا وهو لكم في الاَخرة" أي أن الكفار إنما يحصل لهم ذلك في الدنيا وأما الاَخرة فما لهم فيها من نصيب. وأما المسلمون فلهم في الجنة الحرير والذهب وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وليس في الحديث حجة لمن يقول الكفار غير مخاطبين بالفروع لأنه لم يصرح فيه بإباحته لهم، وإنما أخبر عن الواقع في العادة أنهم هم الذين يستعملونه في الدنيا وإن كان حراماً عليهم كما هو حرام على المسلمين. قوله صلى الله عليه وسلم: "وهو لكم في الاَخرة يوم القيامة" إنما جمع بينهما لأنه قد يظن أنه بمجرد موته صار في حكم الاَخرة في هذا الإكرام، فبين أنه إنما هو في يوم القيامة وبعده في الجنة أبداً، ويحتمل أن المراد أنه لكم في الاَخرة من حين الموت ويستمر في الجنة أبداً. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تأكلوا في صحافها" جمع صحفة وهي دون القصعة. قال الجوهري: قال الكسائي أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المكيلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل.
قوله: (رأى حلة سيراء) هي بسين مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة ثم راء ثم ألف ممدودة وضبطوا الحلة هنا بالتنوين، على أن سيراء صفة وبغير تنوين على الإضافة وهما وجهان مشهوران والمحققون ومتقنو العربية يختارون الإضافة. قال سيبويه: لم تأت فعلاء صفة وأكثر المحدثين ينونون، قال الخطابي: حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء، قالوا: هي برود يخالطها حرير وهي مضلعة بالحرير، وكذا فسرها في الحديث في سنن أبي داود، وكذا قاله الخليل والأصمعي وآخرون قالوا كأنها شبهت خطوطها بالستور. وقال ابن شهاب: هي ثياب مضلعة بالقز، وقيل هي مختلفة الألوان، وقال: هي وشي من حرير، وقيل إنها حرير محض، وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى حلة من إستبرق، وفي الأخرى من ديباج أو حرير، وفي رواية حلة سندس، فهذه الألفاظ تبين أن هذه الحلة كانت حريراً محضاً وهو الصحيح الذي يتعين القول به في هذا الحديث جمعاً بين الروايات ولأنها هي المحرمة، أما المختلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر وزناً والله أعلم. قال أهل اللغة: الحلة لا تكون إلا ثوبان وتكون غالباً إزاراً ورداء، وفي حديث عمر في هذه الحلة دليل لتحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء وإباحة هديته وإباحة ثمنه وجواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوباً وغيره، واستحباب لباس أنفس ثيابه يوم الجمعة والعيد وعند لقاء الوفود ونحوهم، وعرض المفضول على الفاضل، والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحه التي قد لا يذكرها، وفيه صلة الأقارب والمعارف وإن كانوا كفاراً وجواز البيع والشراء عند باب المسجد. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الاَخرة" قيل معناه من لا نصيب له في الاَخرة، وقيل من لا حرمة له، وقيل من لا دين له، فعلى الأول يكون محمولاً على الكفار، وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والكافر والله أعلم. قوله: (فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة) هكذا رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري في كتاب قال: "أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم(فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك. وفي رواية في مسند أبي عوانة الإسفرايني: (فكساها عمر أخاً له من أمه من أهل مكة مشركاً) وفي هذا كله دليل لجواز صلة الأقارب الكفار والإحسان إليهم وجواز الهدية إلى الكفار. وفيه جواز إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لا تتعين للبسهم، وقد يتوهم متوهم أن فيه دليلاً على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير وهذا وهم باطل لأن الحديث إنما فيه الهدية إلى كافر وليس فيه الإذن له في لبسها، وقد بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك إلى عمر وعلي وأسامة رضي الله عنهم ولا يلزم منه إباحة لبسها لهم، بل صرح صلى الله عليه وسلم بأنه إنما أعطاه لينتفع بها بغير اللبس، والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين والله أعلم. قوله: (رأى عمر عطارد التميمي يقيم بالسوق حلة) أي يعرضها للبيع. قوله صلى الله عليه وسلم: "شققها خمراً بين نسائك" هو بضم الميم ويجوز إسكانها جمع خمار وهو ما يوضع على رأس المرأة، وفيه دليل لجواز لبس النساء الحرير وهو مجمع عليه اليوم، وقد قدمنا أنه كان فيه خلاف لبعض السلف وزال. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت بها إليك لتنتفع بها" أي تبيعها فتنتفع بثمنها كما صرح به في الرواية التي قبلها وفي حديث ابن مثنى بعدها. قوله: (حدثني يحيى بن أبي إسحاق قال: قال لي سالم بن عبد الله في الإستبرق قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول وذكر الحديث) هكذا هو في جميع نسخ مسلم، وفي كتابي البخاري والنسائي: (قال لي سالم: ما الإستبرق؟ قلت: ما غلظ من الديباج) وهذا معنى رواية مسلم لكنها مختصرة ومعناها قال لي سالم في الإستبرق ما هو؟ فقلت: هو ما غلظ. فرواية مسلم صحيحة لا قدح فيها. وقد أشار القاضي إلى تغليطها وأن الصواب رواية البخاري وليست بغلط بل صحيحة كما أوضحناه.
(يتبع...)
*(تابع... 1): حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو... ...
قوله: (ومئثرة الأرجوان) تقدم تفسير المئثرة وضبطها. وأما الأرجوان فهو بضم الهمزة والجيم، هذا هو الصواب المعروف في روايات الحديث وفي كتب الغريب وفي كتب اللغة وغيرها، وكذا صرح به القاضي في المشارق، وفي شرح القاضي عياض في موضعين منه أنه بفتح الهمزة وضم الجيم وهذا غلط ظاهر من النساخ لا من القاضي فإنه صرح في المشارق بضم الهمزة، قال أهل اللغة وغيرهم: هو صبغ أحمر شديد الحمرة هكذا قاله أبو عبيد والجمهور، وقال الفراء: هو الحمرة، وقال ابن فارس: هو كل لون أحمر، وقيل هو الصوف الأحمر. وقال الجوهري: هو شجر له نور أحمر أحسن ما يكون قال وهو معرب. وقال آخرون: هو عربي. قالوا: والذكر والأنثى فيه سواء، يقال هذا ثوب أرجوان وهذه قطيفة أرجوان، وقد يقولونه على الصفة، ولكن الأكثر في استعماله إضافة الأرجوان إلى ما بعده، ثم أن أهل اللغة ذكروه في باب الراء والجيم والواو وهذا هو الصواب، ولا يغتر بذكر القاضي له في المشارق في باب الهمزة والراء والجيم، ولا بذكر ابن الأثير له في الراء والجيم والنون والله أعلم. قوله: (ان أسماء أرسلت إلى ابن عمر بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، ومئثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال ابن عمر: أما ما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الأبد، وأما ما ذكرت من العلم في الثوب فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما يلبس الحرير من لا خلاق له فخفت أن يكون العلم منه، وأما مئثرة الأرجوان فهذه مئثرة عبد الله أرجوان، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت إلي بجبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها) أما جواب ابن عمر في صوم رجب فإنكار منه لما بلغها عنه من تحريمه وإخبار بأنه يصوم رجباً كله وأنه يصوم الأبد، والمراد بالأبد ما سوى أيام العيدين والتشريق، وهذا مذهبه ومذهب أبيه عمر بن الخطاب وعائشة وأبي طلحة وغيرهم من سلف الأمة، ومذهب الشافعي وغيره من العلماء أنه لا يكره صوم الدهر، وقد سبقت المسألة في كتاب الصيام مع شرح الأحاديث الواردة من الطرفين، وأما ما ذكرت عنه من كراهة العلم فلم يعترف بأنه كان يحرمه بل أخبر أنه تورع عنه خوفاً من دخوله في عموم النهي عن الحرير. وأما المئثرة فأنكر ما بلغها عنه فيها وقال: هذه مئثرتي وهي أرجوان والمراد أنها حمراء وليست من حرير بل من صوف أو غيره، وقد سبق أنها قد تكون من حرير وقد تكون من صوف، وأن الأحاديث الواردة في النهي عنها مخصوصة بالتي هي من الحرير، وأما إخراج أسماء جبة النبيّ صلى الله عليه وسلم المكفوفة بالحرير فقصدت بها بيان أن هذا ليس محرماً، وهكذا الحكم عند الشافعي وغيره أن الثوب والجبة والعمامة ونحوها إذا كان مكفوف الطرف بالحرير جاز ما لم يزد على أربع أصابع، فإن زاد فهو حرام لحديث عمر رضي الله تعالى عنه المذكور بعد هذا. وأما قوله: (جبة طيالسة) فهو بإضافة جبة إلى طيالسة، والطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام على المشهور، قال جماهير أهل اللغة: لا يجوز فيه غير فتح اللام وعدوا كسرها في تصحيف العوام. وذكر القاضي في المشارق في حرف السين والياء في تفسير الساج أن الطيلسان يقال بفتح اللام وضمها وكسرها وهذا غريب ضعيف. وأما قوله: (كسروانية) فهو بكسر الكاف وفتحها والسين ساكنة والراء مفتوحة. ونقل القاضي أن جمهور الرواة رووه بكسر الكاف وهو نسبة إلى كسرى صاحب العراق ملك الفرس وفيه كسر الكاف وفتحها. قال القاضي: ورواه الهروي في مسلم فقال خسروانية. وفي هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم. وفيه أن النهي عن الحرير المراد به الثوب المتمحض من الحرير أو ما أكثره حرير، وأنه ليس المراد تحريم كل جزء منه بخلاف الخمر والذهب فإنه يحرم كل جزء منهما. وأما قوله في الجبة: (إن لها لبنة) فهو بكسر اللام وإسكان الباء هكذا ضبطها القاضي وسائر الشراح، وكذا هي في كتب اللغة والغريب قالوا وهي رقعة في جيب القميص هذه عبارتهم كلهم والله أعلم. وأما قولها: (وفرجيها مكفوفين) فكذا وقع في جميع النسخ وفرجيها مكفوفين وهما منصوبان بفعل محذوف أي ورأيت فرجيها مكفوف، ومعنى المكفوفين أنه جعل لها كفة بضم الكاف وهو ما يكف به جوانبها ويعطف عليها ويكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمين، وفي هذا جواز لباس الجبة ولباس ماله فرجان وأنه لا كراهة فيه والله أعلم. قوله: (عن أبي ذبيان) هو بضم الذال وكسرها.
وقوله: (أن عبد الله بن الزبير خطب فقال: لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا الحرير) هذا مذهب ابن الزبير، وأجمعوا بعده على إباحة الحرير للنساء كما سبق، وهذا الحديث الذي احتج به إنما ورد في لبس الرجال لوجهين: أحدهما أنه خطاب للذكور ومذهبنا ومذهب محققي الأصوليين أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال عند الإطلاق، والثاني أن الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم قبل هذا وبعده صريحة في إباحته للنساء وأمره صلى الله عليه وسلم علياً وأسامة بأن يكسواه نساءهما مع الحديث المشهور أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحرير والذهب: إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها والله أعلم. قوله: (عن أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان يا عتبة بن فرقد) إلى آخره هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخاري ومسلم وقال: هذا الحديث لم يسمعه أبو عثمان من عمر بل أخبر عن كتاب عمر وهذا الاستدراك باطل، فإن الصحيح الذي عليه جماهير المحدثين ومحققو الفقهاء والأصوليين جواز العمل بالكتاب وروايته عن الكاتب، سواء قال في الكتاب أذنت لك في رواية هذا عني أو أجزتك روايته عني أو لم يقل شيئاً، وقد أكثر البخاري ومسلم وسائر المحدثين والمصنفين في تصانيفهم من الاحتجاج بالمكاتبة، فيقول الراوي منهم وممن قبلهم كتب إلى فلان كذا أو كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان أو أخبرني مكاتبة والمراد به هذا الذي نحن فيه، وذلك معمول به عندهم معدود في المتصل لإشعاره بمعنى الإجازة. وزاد السمعاني فقال: هي أقوى من الإجازة، ودليلهم في المسألة الأحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب إلى عماله ونوابه وأمرائه ويفعلون ما فيها وكذلك الخلفاء، ومن ذلك كتاب عمر رضي الله عنه هذا فإنه كتبه إلى جيشه وفيه خلائق من الصحابة، فدل على حصول الاتفاق منه وممن عنده في المدينة ومن في الجيش على العمل بالكتاب والله أعلم. وأما قول أبي عثمان: كتب إلينا عمر فهكذا ينبغي للراوي بالمكاتبة أن يقول كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان أو أخبرنا فلان مكاتبة أو في كتابه أو فيما كتب به إلى ونحو هذا، ولا يجوز أن يطلق قوله حدثنا ولا أخبرنا هذا هو الصحيح، وجوزه طائفة من متقدمي أهل الحديث وكبارهم منهم منصور والليث وغيرهما والله أعلم. قوله: (ونحن بأذربيجان) هي إقليم معروف وراء العراق وفي ضبطها وجهان مشهوران أشهرهما وأفصحهما وقول الأكثرين أذربيجان بفتح الهمزة بغير مدة وإسكان الذال وفتح الراء وكسر الباء، قال صاحب المطالع وآخرون: هذا هو المشهور، والثاني مد الهمزة وفتح الذال وفتح الراء وكسر الباء، وحكى صاحب المشارق والمطالع أن جماعة فتحوا الباء على هذا الثاني والمشهور كسرها. قوله: (كتب إلينا عمر يا عتبة بن فرقد إنه ليس من كدك ولا كد أبيك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير) أما قوله: كتب إلينا فمعناه كتب إلى أمير الجيش وهو عتبة بن فرقد ليقرأه على الجيش فقرأه علينا. وأما قوله: (ليس من كدك) فالكد التعب والمشقة، والمراد هنا أن هذا المال الذي عندك ليس هو من كسبك ومما تعبت فيه ولحقتك الشدة والمشقة في كده وتحصيله، ولا هو من كد أبيك وأمك فورثته منهما، بل هو مال المسلمين فشاركهم فيه ولا تختص عنهم بشيء بل أشبعهم منه وهم في رحالهم أي منازلهم كما تشبع منه في الجنس والقدر والصفة، ولا تؤخر أرزاقهم عنهم ولا تحوجهم يطلبونها منك، بل أوصلها إليهم وهم في منازلهم بلا طلب. وأما قوله: (وإياكم والتنعم وزي العجم) فهو بكسر الزاي، ولبوس الحرير هو بفتح اللام وضم الباء ما يلبس منه، ومقصود عمر رضي الله تعالى عنه حثهم على خشونة العيش وصلابتهم في ذلك ومحافظتهم على طريقة العرب في ذلك، وقد جاء في هذا الحديث زيادة في مسند أبي عوانة الاسفرايني وغيره بإسناد صحيح قال: أما بعد فاتزروا وارتدوا وألقوا الخفاف والسراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم وزي الأعاجم، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب، وتمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الراكب وابرزوا وارموا الأغراض والله أعلم. قوله: (فرئيتهما أزرار الطيالسة حتى رأيت الطيالسة) فقوله: فرئيتهما هو بضم الراء وكسر الهمزة وضبطه بعضهم بفتح الراء. قوله: (فما عتمنا أنه يعني الأعلام) هكذا ضبطناه عتمنا بعين مهملة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق مشددة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم نون ومعناه ما أبطأنا في معرفة أنه أراد الإعلام، يقال عتم الشيء إذا أبطأ وتأخر وعتمته إذا أخرته، ومنه حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه غرس كذا وكذا أودية والنبيّ صلى الله عليه وسلم يناوله وهو يغرس فما عتمت منها واحدة أي ما أبطأت أن علقت. فهذا الذي ذكرناه من ضبط اللفظة وشرحها هو الصواب المعروف الذي صرح به جمهور الشارحين وأهل غريب الحديث، وذكر القاضي فيه عن بعضهم تغييراً واعتراضاً لا حاجة إلى ذكره لفساده.
قوله: (عن قتادة عن الشعبي عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال لم يرفعه عن الشعبي إلا قتادة وهو مدلس، ورواه شعبة عن أبي السفر عن الشعبي من قول عمر موقوفاً، ورواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن سويد عن عمر موقوفاً عليه، وكذا قال شعبة عن الحكم عن خيثمة عن سويد، وقاله ابن عبد الأعلى عن سويد وأبو حصين عن إبراهيم عن سويد، هذا كلام الدارقطني، وهذه الزيادة في هذه الرواية انفرد بها مسلم لم يذكرها البخاري، وقد قدمنا أن الثقة إذا انفرد برفع ما وقفه الأكثرون كان الحكم لروايته وحكم بأنه مرفوع على الصحيح الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين وهذا من ذاك والله أعلم. وفي هذ الرواية إباحة العلم من الحرير في الثوب إذا لم يزد على أربع أصابع وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وعن مالك رواية بمنعه. وعن بعض أصحابه رواية بإباحة العلم بلا تقدير بأربع أصابع بل قال يجوز وإن عظم، وهذان القولان مردودان بهذا الحديث الصريح والله أعلم. قوله: (حدثنا محمد بن عبد الله الرزي) هو براء مضمومة ثم زاي مشددة.
قوله: (فأطرتها بين نسائي) أي قسمتها. قوله: (أن أكيدر دومة) هي بضم الدال وفتحها لغتان مشهورتان، وزعم ابن دريد أنه لا يجوز إلا الضم وأن المحدثين يفتحونها وأنهم غالطون في ذلك وليس كما قال بل هما لغتان مشهورتان، قال الجوهري: أهل الحديث يقولونها بالضم وأهل اللغة يفتحونها، ويقال لها أيضاً دوماً وهي مدينة لها حصن عادي وهي في برية في أرض نخل وزرع يسقون بالنواضح وحولها عيون قليلة وغالب زرعهم الشعير وهي عن المدينة على نحو ثلاث عشرة مرحلة، وعن دمشق على نحو عشر مراحل، وعن الكوفة على قدر عشر مراحل أيضاً والله أعلم. وأما أكيدر فهو بضم الهمزة وفتح الكاف وهو أكيدر بن عبد الملك الكندي، قال الخطيب البغدادي في كتابه المبهمات: كان نصرانياً ثم أسلم، قال: وقيل بل مات نصرانياً. وقال ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما في معرفة الصحابة: أن أكيدراً هذا أسلم وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء. قال ابن الأثير في كتابه معرفة الصحابة: أما الهدية والمصالحة فصحيحان، وأما الإسلام فغلط قال لأنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير، ومن قال أسلم فقد أخطأ خطأ فاحشاً، قال: وكان أكيدر نصرانياً فلما صالحه النبي صلى الله عليه وسلم عاد إلى حصنه وبقي فيه ثم حاصره خالد بن الوليد في زمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقتله مشركاً نصرانياً يعني لنقضه العهد، قال: وذكر البلاذري أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى دومة فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد أكيدر فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله، وعلى هذا القول لا ينبغي أيضاً عده في الصحابة، هذا كلام ابن الأثير. قوله: (إن أكيدر دومة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه علياً فقال شققه خمراً بين الفواطم) أما الخمر فسبق أنه بضم الميم جمع خمار، وأما الفواطم فقال الهروي والأزهري والجمهور: إنهن ثلاث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت أسد وهي أم علي بن أبي طالب وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب. وذكر الحافظان عبد الغني بن سعيد وابن عبد البر بإسنادهما أن علياً رضي الله عنه قسمه بين الفواطم الأربع فذكر هؤلاء الثلاث. قال القاضي عياض: يشبه أن تكون الرابعة فاطمة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عقيل بن أبي طالب لاختصاصها بعلي رضي الله عنه بالمصاهرة وقربها إليه بالمناسبة وهي من المبايعات شهدت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم حنيناً ولها قصة مشهورة في الغنائم تدل على ورعها والله أعلم. قال القاضي: هذه المذكورات فاطمة بنت أسد أم علي كانت منهن وهو مصحح لهجرتها كما قاله غير واحد خلافاً لمن زعم أنها ماتت قبل الهجرة، وفي هذا الحديث جواز قبول هدية الكافر وقد سبق الجمع بين الأحاديث المختلفة في هذا. وفيه جواز هدية الحرير إلى الرجال وقبولهم إياه وجواز لباس النساء له.
قوله: (أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين) الفروج بفتح الفاء وضم الراء المشددة هذا هو الصحيح المشهور في ضبطه ولم يذكر الجمهور غيره، وحكى ضم الفاء، وحكى القاضي في الشرح وفي المشارق تخفيف الراء وتشديدها والتخفيف غريب ضعيف، قالوا: وهو قباء له شق من خلفه، وهذا اللبس المذكور في هذا الحديث كان قبل تحريم الحرير على الرجال، ولعل أول النهي والتحريم كان حين نزعه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي ذكره مسلم قبل هذا بأسطر حين صلى في قباء ديباج ثم نزعه وقال: (نهاني عنه جبريل) فيكون هذا أول التحريم والله أعلم.
*2* باب إباحة لبس الحرير للرجل، إذا كان به حكة أو نحوها
*وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: فِي السّفَرِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: رَخّصَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ رُخّصَ، لِلزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ. لِحِكّةٍ كَانَتْ بِهِمَا.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ أَنّ أَنَساً أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ شَكَوَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَمْلَ. فَرَخّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ. فِي غَزَاةٍ لَهُمَا.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في قمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما) وفي رواية: (أنهما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما) هذا الحديث صريح في الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يجوز لبس الحرير للرجل إذا كانت به حكة لما فيه من البرودة وكذلك للقمل وما في معنى ذلك، وقال مالك: لا يجوز وهذا الحديث حجة عليه، وفي هذا الحديث دليل لجواز لبس الحرير عند الضرورة كمن فاجأته الحرب ولم يجد غيره. وأما قوله لحكة فهي بكسر الحاء وتشديد الكاف وهي الجرب أو نحوه، ثم الصحيح عند أصحابنا والذي قطع به جماهيرهم أنه يجوز لبس الحرير للحكة ونحوها في السفر والحضر جميعاً، وقال بعض أصحابنا: يختص بالسفر وهو ضعيف.
*2* باب النهي عن لبس الرجلِ الثوبَ المعصفر
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَىَ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ أَنّ ابْنَ مَعْدَانَ أَخْبَرَهُ أَنّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ. قَالَ: رَأَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ. فَقَالَ "إِنّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفّارِ، فَلاَ تَلْبَسْهَا".
وحدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْمُبَارَكِ. كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالاَ: عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ.
حدّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيّوبَ الْمُوصِلِيّ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ: رَأَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ. فَقَالَ "أَأُمّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟" قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا. قَالَ: "بَلْ أَحْرِقْهُمَا".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ لُبْسِ الْقَسّيّ وَالْمُعَصْفَرِ. وَعَنْ تَخُتّمِ الذّهَبِ. وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرّكُوعِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: نَهَانِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِرَاءَةِ وَأَنَا رَاكِعٌ، وَعَنْ لُبْسِ الذّهَبِ وَالْمُعَصْفَرِ.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التّخَتّمِ بِالذّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسّيّ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرّكُوعِ وَالسّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ.
قوله: (حدثنا محمد بن مثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث أن ابن معدان أخبره أن جبير بن نفير أخبره أن عبد الله بن عمرو بن العاص أخبره قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) وفي الرواية الأخرى: (قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين فقال: أمك أمرتك بهذا؟ قلت أغسلهما قال بل أحرقهما).
وفي رواية علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي والمعصفر) هذا الإسناد الذي ذكرناه فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وخالد بن معدان، وجبير بن نفير، واختلف العلماء في الثياب المعصفرة وهي المصبوغة بعصفر فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك لكنه قال غيرها أفضل منها. وفي رواية عنه أنه أجاز لبسها في البيوت وأفنية الدور وكرهه في المحافل والأسواق ونحوها. وقال جماعة من العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهي على هذا لأنه ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء. وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة" وقال الخطابي، النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج فليس بداخل في النهي، وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج أو العمرة ليكون موافقاً لحديث ابن عمر رضي الله عنه: "نهى المحرم أن يلبس ثوباً همسه ورس أو زعفران" وأما البيهقي رضي الله عنه فأتقن المسألة فقال في كتابه معرفة السنن: نهى الشافعي الرجل عن المزعفر وأباح المعصفر. قال الشافعي: وإنما رخصت في المعصفر لأني لم أجد أحداً يحكي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم النهي عنه إلا ما قال علي رضي الله عنه نهاني ولا أقول نهاكم. قال البيهقي: وقد جاءت أحاديث تدل على النهي على العموم ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الذي ذكره مسلم ثم أحاديث أخر ثم قال: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعي لقال بها إن شاء الله. ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعي أنه قال: إذا كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي فاعملوا بالحديث ودعوا قولي. وفي رواية: فهو مذهبي. قال البيهقي: قال الشافعي وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر، قال: وآمره إذا تزعفر أن يغسله. قال البيهقي: فتبع السنة في المزعفر فمتابعتها في المعصفر أولى، قال: وقد كره المعصفر بعض السلف، وبه قال أبو عبد الله الحليمي من أصحابنا ورخص فيه جماعة والسنة أولى بالاتباع والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أمك أمرتك بهذا" معناه أن هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن، وأما الأمر بإحراقهما فقيل هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل، وهذا نظير أمر تلك المرأة التي لعنت الناقة بإرسالها وأمر أصحاب بريرة ببيعها وأنكر عليهم اشتراط الولاء ونحو ذلك والله أعلم.
*2* باب فضل لباس ثياب الحبرة
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ. قَالَ: قُلْنَا لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَيّ اللّبَاسِ كَانَ أَحَبّ إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أَعْجَب إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: الْحِبَرَةُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: كَانَ أَحَبّ الثّيَابِ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِبَرَةُ.
هذان الإسنادان اللذان في الباب كل رجالهم بصريون وسبق بيان هذا مرات. قوله: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة) هي بكسر الحاء وفتح الباء وهي ثياب من كتان أو قطن محبرة أي مزينة والتحبير التزيين والتحسين، ويقال ثوب حبرة على الوصف، وثوب حبرة على الإضافة وهو أكثر استعمالاً، والحبرة مفرد والجمع حبر وحبرات كعنبة وعنب وعنبات، ويقال ثوب حبير على الوصف فيه دليل لاستحباب لباس الحبرة وجواز لباس المخطط وهو مجمع عليه والله أعلم.
*2* باب التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه واليسير، في اللباس والفراش وغيرهما، وجواز لبس الثوب الشعر، وما فيه أعلام
*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىَ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَاراً غَلِيظاً مِمّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ. وَكِسَاءً مِنَ الّتِي يُسَمّونَهَا الْمُلَبّدَةَ. قَالَ: فَأَقْسَمَتْ بِاللّهِ إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ فِي هَذَيْنِ الثّوْبَيْنِ.
حدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ و يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ. قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إزَاراً وَكِسَاءً مُلَبّداً. فَقَالَتْ: فِي هَذَا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِي حَدِيثِهِ: إِزَاراً غَلِيظاً.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: إِزَاراً غَلِيظاً.
وحدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّاءَ. أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: خَرَجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ وِسَادَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، الّتِي يَتّكِئُ عَلَيْهَا، مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ.
وحدّثني عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: إِنّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، الّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ، أَدَماً حَشْوُهُ لِيفٌ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالاَ: ضِجَاعُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: يَنَامُ عَلَيْهِ.
في هذه الأحاديث المذكورة في الباب ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا والإعراض عن متاعها وملاذها وشهواتها وفاخر لباسها ونحوه واجتزائه بما يحصل به أدنى التجزية في ذلك كله، وفيه الندب للاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا وغيره. قوله: (أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها إزاراً وكساء ملبداً فقالت في هذا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء الملبد بفتح الباء وهو المرقع، يقال: لبدت القميص ألبده بالتخفيف فيهما، ولبدته ألبده بالتشديد، وقيل هو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبد.
قوله: (وعليه مرط مرحل من شعر أسود) أما المرط فبكسر الميم وإسكان الراء وهو كساء يكون تارة من صوف وتارة من شعر أو كتان أو خز، قال الخطابي: هو كساء يؤتزر به، وقال النضر: لا يكون المرط إلا درعاً ولا يلبسه إلا النساء ولا يكون إلا أخضر وهذا الحديث يرد عليه. وأما قوله مرحل فهو بفتح الراء وفتح الحاء المهملة هذا هو الصواب الذي رواه الجمهور وضبطه المتقنون، وحكى القاضي أن بعضهم رواه بالجيم أي عليه صور الرجال والصواب الأول ومعناه عليه صورة رحال الإبل ولا بأس بهذه الصور وإنما يحرم تصوير الحيوان. وقال الخطابي: المرحل الذي فيه خطوط. وأما قوله من شعر أسود فقيدته بالأسود لأن الشعر قد يكون أبيض.
قوله: (إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف) وفي رواية وسادة بدل فراش. وفي نسخة وساد فيه جواز اتخاذ الفرش والوسائد والنوم عليها والارتفاق بها وجواز المحشو وجواز اتخاذ ذلك من الجلود وهي الأدم والله أعلم.
*2* باب جواز اتخاذ الأنماط
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ واللّفْظُ لِعَمْرٍو (قَالَ عَمْرٌو وَقُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمّا تَزَوّجْتُ "أَتّخَذْتَ أَنْمَاطاً؟" قُلْتُ: وَأَنّىَ لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَالَ "أَمَا إنّهَا سَتَكُونُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: لَمّا تَزَوّجْتُ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَتّخَذْتَ أَنْمَاطاً؟" قُلْتُ: وَأَنّىَ لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَالَ "أَمَا إِنّهَا سَتَكُونُ".
قَالَ جَابِرٌ: وَعِنْدَ امْرَأَتِي نَمَطٌ. فَأَنَا أَقُولُ: نَحّيِه عَنّي. وَتَقُولُ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّهَا سَتَكُونُ".
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ: فَأَدَعُهَا.
قوله صلى الله عليه وسلم لجابر حين تزوج: (اتخذت أنماطاً قال وأنى لنا قال أمّا إنها ستكون) الأنماط بفتح الهمزة جمع نمط بفتح النون والميم وهو ظهارة الفراش، وقيل ظهر الفراش، ويطلق أيضاً على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل ستراً، ومنه حديث عائشة الذي ذكره مسلم بعد هذا في باب الصور قالت: (فأخذت نمطاً فسترته على الباب) والمراد في حديث جابر هو النوع الأول، وفيه جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من حرير، وفيه معجزة ظاهرة بإخباره بها وكانت كما أخبر. قوله: (عن جابر قال: وعند امرأتي نمط فأنا أقول نحيه عني وتقول قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ستكون) قوله نحيه عني أي أخرجيه من بيتي كأنه كرهه كراهة تنزيه لأنه من زينة الدنيا وملهياتها والله أعلم.
*2* باب كراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أَبُو هَانِئٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ يَقُولُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ "فِرَاشٌ لِلرّجُلِ. وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ. وَالثّالِثُ لِلضّيْفِ. وَالرّابِعُ لِلشّيْطَانِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف والرابع للشيطان" قال العلماء: معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويوسوس به ويحسنه ويساعد عليه، وقيل أنه على ظاهره وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل، كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله تعالى صاحبه عند دخوله عشاء، وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه وغير ذلك. واستدل بعضهم بهذا على أنه لا يلزمه النوم مع امرأته وأن له الانفراد عنها بفراش، والاستدلال به في هذا ضعيف، لأن المراد بهذا وقت الحاجة كالمرض وغيره كما ذكرنا، وإن كان النوم مع الزوجة ليس واجباً لكنه بدليل آخر، والصواب في النوم مع الزوجة أنه إذا لم يكن لواحد منهما عذر في الانفراد، فاجتماعهما في فراش واحد أفضل، وهو ظاهر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واظب عليه مع مواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل فينام معها، فإذا أراد القيام لوظيفته قام وتركها، فيجمع بين وظيفته وقضاء حقها المندوب وعشرتها بالمعروف لا سيما إن عرف من حالها حرصها على هذا ثم أنه لا يلزم من النوم معها الجماع والله أعلم.
*2* باب تحريم جرّ الثوب خيلاء، وبيان حدّ ما يجوز إرخاؤه إليه، وما يستحب
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ وَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. كُلّهُمْ يُخْبِرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَنْظُرُ اللّهُ إِلَىَ مَنْ جَرّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أُسَامَةُ. كُلّ هَؤُلاَءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادُوا فِيهِ "يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الّذِي يَجُرّ ثِيَابَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ، لاَ يَنْظرُ اللّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشّيْبَانِيّ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاَهُمَا عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا حَنْظَلَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ سَالِماً عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ جَرّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ لَمْ يَنْظُرِ اللّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ سُلَيْمَانَ. حَدّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: ثِيَابَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَنّاقَ يُحَدّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ رَأَىَ رَجُلاً يَجُرّ إِزَارِهِ. فَقَالَ: مِمّنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ. فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ. فَعَرَفَهُ ابْنُ عُمَرَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، بِأُذُنَيّ هَاتَيْنِ، يَقُولُ "مَنْ جَرّ إزَارَهُ، لاَ يُرِيدُ بِذَلِكَ إلاّ الْمَخِيلَةَ، فَإنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ) ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا أَبُو يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ. حَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ نَافِعٍ). كُلّهُمْ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَنّاقَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ: عَنْ مُسْلِمٍ، أَبِي الْحَسَنِ. وَفِي رِوَايَتِهِمْ جَمِيعاً "مَنْ جَرّ إِزَارَهُ" وَلَمْ يَقُولُوا: ثَوْبَهُ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمّدَ بْنَ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَمَرْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ، مَوْلَىَ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عُمَرَ. قَالَ وَأَنَا جَالِسٌ بَيْنَهُمَا: أَسَمِعْتَ، مِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الّذِي يَجُرّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ، شَيْئاً؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ "لاَ يَنْظُرُ اللّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَرَرْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ. فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللّهِ ارْفَعْ إزَارَكَ" فَرَفَعْتُهُ. ثُمّ قَالَ "زِدْ" فَزِدْتُ. فَمَا زِلْتُ أَتَحَرّاهَا بَعْدُ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِلَىَ أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَنْصَافِ السّاقَيْنِ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدٍ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَرَأَىَ رَجُلاً يَجُرّ إزَارَهُ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ الأَرْضَ بِرِجْلِهِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ يَقُولُ: جَاءَ الأَمِيرُ. جَاءَ الأَمِيرُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَىَ مَنْ يَجُرّ إِزَارَهُ بَطَراً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: كَانَ مَرْوَانُ يَسْتَخْلِفُ أَبَا هُرَيْرَةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنّى: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُسْتَخْلَفُ عَلَى الْمَدِينَةِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء" وفي رواية: "إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً".
وفي رواية عن ابن عمر: (مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال: يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته ثم قال: زد فزدت فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم أين؟ فقال: أنصاف الساقين). قال العلماء: الخيلاء بالمد والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد وهو حرام، ويقال خال الرجل خالاً واختال اختيالاً إذا تكبر، وهو رجل خال أي متكبر، وصاحب خال أي صاحب كبر، ومعنى لا ينظر الله إليه أي لا يرحمه ولا ينظر إليه نظر رحمة. وأما فقه الأحاديث فقد سبق في كتاب الإيمان واضحاً بفروعه وذكرنا هناك الحديث الصحيح أن الاسبال يكون في الإزار والقميص والعمامة وأنه لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، وظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء، وهكذا نص الشافعي على الفرق كما ذكرنا، وأجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن لهن في إرخاء ذيولهن ذراعاً والله أعلم. وأما القدر المستحب فيما ينزل إليه طرف القميص والإزار فنصف الساقين كما في حديث ابن عمر المذكور، وفي حديث أبي سعيد: (إزارة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما أسفل من ذلك فهو في النار) فالمستحب نصف الساقين، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلا فمنع تنزيه. وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد بها ما كان للخيلاء لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد والله أعلم. قال القاضي: قال العلماء وبالجملة يكره كل ما زاد على الحاجة والمعتاد في اللباس من الطول والسعة والله أعلم. قوله: (مسلم ابن يناق) هو بياء مثناة تحت مفتوحة ثم نون مشددة وبالقاف غير مصروف والله أعلم.
*2* باب تحريم التبختر في المشي، مع إعجابه بثيابه
*حدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَلاّمٍ الْجُمَحِيّ. حَدّثَنَا الرّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي، قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمّتُهُ وَبُرْدَاهُ، إذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ حَتّىَ تَقُومَ السّاعَةُ".
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. قَالُوا جَمِيعاً: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زَيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ هَذَا.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ، يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ، قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللّهُ بِهِ الأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ". ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّان. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنّ رَجُلاً مِمّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلّةٍ" ثُمّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِمْ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبرداه إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة". وفي رواية: "بينما رجل يتبختر يمشي في برديه وقد أعجبته نفسه فخسف الله به". يتجلجل بالجيم أي يتحرك وينزل مضطرباً، قيل يحتمل أن هذا الرجل من هذه الأمة فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع هذا، وقيل بل هو إخبار عمن قبل هذه الأمة وهذا هو الصحيح وهو معنى إدخال البخاري له في باب ذكر بني إسرائيل والله أعلم.
*2* باب تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَىَ عَنْ خَاتَمِ الذّهَبِ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى و ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنّى. قَالَ: سَمِعْتُ النّضْرَ بْنَ أَنَسٍ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَىَ خَاتِماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ. فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَىَ جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ" فَقِيلَ لِلرّجُلِ، بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لاَ. وَاللّهِ لاَ آخُذُهُ أَبَداً. وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَة. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ. فَكَانَ يَجْعَلُ فَصّهُ فِي بَاطِنِ كَفّهِ إذَا لَبِسَهُ. فَصَنَعَ النّاسُ. ثُمّ إِنّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ. فَقَالَ: "إِنّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ وَأَجْعَلُ فَصّهُ مِنْ دَاخِلٍ" فَرَمَىَ بِهِ. ثُمّ قَالَ: "وَاللّهِ لاَ أَلْبَسُهُ أَبَداً" فَنَبَذَ النّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِيَحْيَىَ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. كُلّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْحَدِيثِ، فِي خَاتِمِ الذّهَبِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ: وَجَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَىَ.
وحدّثنيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا أَيّوبُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيّبِيّ. حَدّثَنَا أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاض) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ. ح وَحَدّثَنَا هَرُونُ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. كُلّهُمْ عَنْ أُسَامَةَ. جَمَاعتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فِي خَاتِمِ الذّهَبِ. نَحْوَ حَدِيثِ اللّيْثِ.
أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء، وأجمعوا على تحريمه على الرجال إلا ما حكى عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن محمد بن حزم أنه أباحه، وعن بعض أنه مكروه لإحرام، وهذان النقلان باطلان، فقائلهما محجوج بهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم مع إجماع من قبله على تحريمه له مع قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها" قال أصحابنا: ويحرم سن الخاتم إذا كان ذهباً وإن كان باقيه فضة، وكذا لوموه خاتم الفضة بالذهب فهو حرام. قوله: (نهى عن خاتم الذهب) أي في حق الرجال كما سبق.
قوله: (رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه) فيه إزالة المنكر باليد لمن قدر عليها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم حين نزعه من يد الرجل: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده" ففيه تصريح بأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم كما سبق. وأما قول صاحب هذا الخاتم حين قالوا له خذه لا آخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة، ثم إن هذا الرجل إنما ترك الخاتم على سبيل الإباحة لمن أراد أخذه من الفقراء وغيرهم وحينئذ يجوز أخذه لمن شاء، فإذا أخذه جاز تصرفه فيه، ولو كان صاحبه أخذه لم يحرم عليه الأخذ والتصرف فيه بالبيع وغيره، ولكن تورع عن أخذه وأراد الصدقة به على من يحتاج إليه لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن التصرف فيه بكل وجه وإنما نهاه عن لبسه وبقي ما سواه من تصرفه على الإباحة.
قوله: (فكان يجعل فصه في باطن كفه) الفص بفتح الفاء وكسرها وفي الخاتم أربع لغات: فتح التاء وكسرها وخيتام وخاتام. قوله صلى الله عليه وسلم: "والله لا ألبسه أبداً فنبذ الناس خواتيمهم" فيه بيان ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم والاقتداء بأفعاله.
*2* باب لبس النبيّ صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اتّخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتماً مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ. ثُمّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ. ثُمّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ. ثُمّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ. حَتّىَ وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ. نَقْشُهُ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ .
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَتّىَ وَقَعَ فِي بِئْرٍ. وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ مُوسَىَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: اتّخَذَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ. ثُمّ أَلْقَاهُ. ثُمّ اتّخَذَ خَاتَماً مِنْ وَرِقٍ. وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَقَالَ "لاَ يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَىَ نَقْشِ خَاتَمِي هَذَا" وَكَانَ إذَا لَبِسَهُ جَعَلَ فَصّهُ مِمّا يَلِي بَطْنَ كَفّهِ. وَهُوَ الّذِي سَقَطَ، مِنْ مُعَيْقِيبٍ، فِي بِئْرِ أَرِيسَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ. كُلّهُمْ عَنْ حَمّادٍ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اتّخَذَ خَاتِمَاً مِنْ فِضّةٍ. وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَقَالَ لِلنّاسِ "إنّي اتّخَذْتُ خَاتَماً مِنْ فِضّةٍ. وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ فَلاَ يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَىَ نَقْشِهِ".
وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ: مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ.
قوله: (اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق) الورق الفضة، وقد أجمع المسلمون على جواز خاتم الفضة للرجال، وكره بعض علماء الشام المتقدمين لبسه لغير ذي سلطان ورووا فيه أثراً وهذا شاذ مردود. قال الخطابي: ويكره للنساء خاتم الفضة لأنه من شعار الرجال، قال: فإن لم تجد خاتم ذهب فلتصفره بزعفران وشبهه، وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل لا أصل له، والصواب أنه لا كراهة في لبسها خاتم الفضة. قوله: (اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر ثم كان في يد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس نقشه محمد رسول الله). فيه التبرك بآثار الصالحين ولبس لباسهم وجواز لبس الخاتم، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يورث إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته، بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من آثاره الضرورية صدقة للمسلمين يصرفها وإلي الأمر حيث رأى من المصالح فجعل القدح عند أنس إكراماً له لخدمته، ومن أراد التبرك به لم يمنعه، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين، واتخذ الخاتم عنده للحاجة التي اتخذه النبيّ صلى الله عليه وسلم لها فإنها موجودة في الخليفة بعده ثم الخليفة الثاني ثم الثالث. وأما بئر أريس فبفتح الهمزة وكسر الراء وبالسين المهملة وهو مصروف. وأما قوله: (نقشه محمد رسول الله) ففيه جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحب الخاتم وجواز نقش اسم الله تعالى، هذا مذهبنا ومذهب سعيد بن المسيب ومالك والجمهور، وعن ابن سيرين وبعضهم كراهة نقش اسم الله تعالى وهذا ضعيف. قال العلماء: وله أن ينقش عليه اسم نفسه أو ينقش عليه كلمة حكمة وأن ينقش ذلك مع ذكر الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا" سبب النهي أنه صلى الله عليه وسلم إنما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه إلى ملوك العجم وغيرهم فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل. قوله: (وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه) قال العلماء: لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بشيء فيجوز جعل فصه في باطن كفه وفي ظاهرها وقد عمل السلف بالوجهين، وممن اتخذه في ظاهرها ابن عباس رضي الله عنه، قالوا: ولكن الباطن أفضل اقتداء به صلى الله عليه وسلم ولأنه أصون لفصه وأسلم له وأبعد من الزهو والإعجاب.
*2* باب في اتخاذ النبيّ صلى الله عليه وسلمخاتماً، لما أراد أن يكتب إلى العجم
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: لَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرّومِ، قَالَ قَالُوا: إِنّهُمْ لاَ يَقْرَأُونَ كِتَاباً إلاّ مَخْتُوماً. قَالَ: فَاتّخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَماً مِنْ فِضّةٍ. كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ بَيَاضِهِ فِي يَدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. نَقْشُهُ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ .
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنّ الْعَجَمَ لاَ يَقْبَلُونَ إلاّ كِتَاباً عَلَيْهِ خَاتَمٌ. فَاصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ فِضّةٍ.
قَالَ: كَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ.
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَىَ كِسْرَىَ وَقَيْصَرَ وَالنّجَاشِيّ. فَقِيلَ: إِنّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَاباً إِلاّ بِخَاتَمٍ. فَصَاغَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَماً حَلْقَةً فِضّةً. وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ .
قوله: (فصاغ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً حلقة فضة) هكذا هو في جميع النسخ حلقة فضة بنصب حلقة على البدل من خاتماً وليس فيها هاء الضمير، والحلقة ساكنة اللام على المشهور، وفيها لغة شاذة ضعيفة حكاها الجوهري وغيره بفتحها.
*2* باب في طرح الخواتم
*حدّثني أَبُو عِمْرَانَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ أَبْصَرَ فِي يَدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتِمَاً مِنْ وَرِقٍ، يَوْماً وَاحِداً. قَالَ فَصَنَعَ النّاسُ الْخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ فَلَبِسُوهُ. فَطَرَحَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَاتِمَهُ. فَطَرَحَ النّاسُ خَوَاتِمَهُمْ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي زِيَادٌ أَنّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنّهُ رَأَىَ فِي يَدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتِماً مِنْ وَرِقٍ يَوْماً وَاحِداً. ثُمّ إِنّ النّاسَ اضْطَرَبُوا الْخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ. فَلَبِسُوهَا. فَطَرَحَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمَهُ. فَطَرَحَ النّاسُ خَوَاتِمَهُمْ.
حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله: (عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه أنه أبصر في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق يوماً واحداً فصنع الناس الخواتم من ورق فلبسوه فطرح النبيّ صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتمهم) قال القاضي: قال جميع أهل الحديث هذا وهم من ابن شهاب، فوهم من خاتم الذهب إلى خاتم الورق، والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذه صلى الله عليه وسلم خاتم فضة ولم يطرحه وإنما طرح خاتم الذهب كما ذكره مسلم في باقي الأحاديث. ومنهم من تأول حديث ابن شهاب وجمع بينه وبين الروايات فقال: لما أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم تحريم خاتم الذهب اتخذ خاتم فضة فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس في ذلك اليوم ليعلمهم إباحته، ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم تحريمه فطرح الناس خواتيمهم من الذهب، فيكون قوله فطرح الناس خواتمهم أي خواتم الذهب، وهذا التأويل هو الصحيح وليس في الحديث ما يمنعه. وأما قوله: (فصنع الناس الخواتم من الورق فلبسوه، ثم قال: فطرح خاتمه فطرحوا خواتمهم) فيحتمل أنهم لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم يصطنع لنفسه خاتم فضة اصطنعوا لأنفسهم خواتيم فضة وبقيت معهم خواتيم الذهب كما بقي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أن طرح خاتم الذهب واستبدلوا الفضة والله أعلم.
*2* باب في خاتم الورق فصه حبشي
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ الْمِصْرِيّ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرِقٍ. وَكَانَ فَصّهُ حَبَشِيّاً.
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَبّادُ بْنُ مُوسَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَىَ (وَهُوَ الأَنْصَارِيّ ثُمّ الزّرَقِيّ) عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خَاتَمَ فِضّةٍ فِي يَمِينِهِ. فِيهِ فَصّ حَبَشِيّ. كَانَ يَجْعَلُ فَصّهُ مِمّا يَلِي كَفّهُ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ. حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَىَ.
قوله: (وكان فصه حبشياً) قال العلماء: يعني حجراً حبشياً أي فصاً من جزع أو عقيق فإن معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل لونه حبشي أي أسود، وجاء في صحيح البخاري من رواية حميد عن أنس أيضاً فصه منه، قال ابن عبد البر: هذا أصح، وقال غيره: كلاهما صحيح، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت خاتم فصه منه، وفي وقت خاتم فصه حبشي، وفي حديث آخر فصه من عقيق. قوله: (في حديث طلحة بن يحيى وسليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه) وفي حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: (كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى) وفي حديث علي: (نهاني صلى الله عليه وسلم أن أتختم في أصبعي هذه أو هذه فأومأ إلى الوسطى والتي تليها) وروى هذا الحديث في غير مسلم السبابة والوسطى، وأجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر، وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في أصابع، قالوا: والحكمة في كونه في الخنصر أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد لكونه طرفاً ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر، ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها لهذا الحديث وهي كراهة تنزيه، وأما التختم في اليد اليمنى أو اليسرى فقد جاء فيه هذان الحديثان وهما صحيحان. وقال الدارقطني: لم يتابع سليمان بن بلال على هذه الزيادة وهي قوله في يمينه، قال: وخالفه الحفاظ عن يونس مع أنه لم يذكرها أحد من أصحاب الزهري مع تضعيف إسماعيل بن أبي أويس رواتها عن سليمان بن بلال، وقد ضعف إسماعيل بن أبي أويس أيضاً يحيى بن معين والنسائي، ولكن وثقه الأكثرون واحتجوا به واحتج به البخاري ومسلم في صحيحهما، وقد ذكر مسلم أيضاً من رواية طلحة بن يحيى مثل رواية سليمان بن بلال فلم ينفرد بها سليمان بن بلال فقد اتفق طلحة وسليمان عليها، وكون الأكثرين لم يذكروها لا يمنع صحتها فإن زيادة الثقة مقبولة والله أعلم. وأما الحكم في المسألة عند الفقهاء فأجمعوا على جواز التختم في اليمين وعلى جوازه في اليسار ولا كراهة في واحدة منهما، واختلفوا أيتهما أفضل فتختم كثيرون من السلف في اليمين وكثيرون في اليسار، واستحب مالك اليسار وكره اليمين، وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا الصحيح أن اليمين أفضل لأنه زينة، واليمين أشرف وأحق بالزينة والإكرام. وأما ما ذكره في حديث علي رضي الله تعالى عنه من القسي والمياثر وتفسيرها فقد سبق بيانه واضحاً في بابه والله أعلم.
*2* باب في لبس الخاتم في الخنصر من اليد
*وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاّدٍ الْبَاهِلِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ. وَأَشَارَ إِلَىَ الْخِنْصِرِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَىَ.
*2* باب النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ (وَاللفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ). حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَلِيَ. قَالَ: نَهَانِي، يَعْنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ. أَوِ الّتِي تَلِيهَا لَمْ يَدْرِ عَاصِمٌ فِي أَيِ الثّنْتَيْنِ وَنَهَانِي عَنْ لُبْسِ الْقَسّيّ. وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَى الْمَيَاثِرِ.
قَالَ: فَأَمّا الْقَسّيّ فَثِيَابٌ مُضَلّعَةٌ يُؤْتَىَ بِهَا مِنْ مِصْرَ وَالشّامِ فِيهَا شِبْهُ كَذَا. وَأَمّا الْمَيَاثِرُ فَشَيْءٌ كَانَتْ تَجْعَلُهُ النّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنّ عَلَى الرّحْلِ، كَالْقَطَائِفِ الأُرْجُوَانِ.
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنِ ابْنِ لأَبِي مُوسَىَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّ. فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِهِ.
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَىَ، أَوْ نَهَانِي، يَعْنِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قَالَ: قَالَ عَلِيّ: نَهَانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَخَتّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ. قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَىَ الْوُسْطَىَ وَالّتِي تَلِيهَا.
*2* باب استحباب لبس النعال وما في معناها
*حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِل عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، فِي غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا، "اسْتَكْثِرُوا مِنَ النّعَالِ. فَإِنّ الرّجُلَ لاَ يَزَالُ رَاكِباً مَا انْتَعَلَ".
قوله صلى الله عليه وسلم حين كانوا في غزاة: "استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل" معناه أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة عليه وقلة تعبه وسلامة رجله مما يعرض في الطريق من خشونة وشوك وأذى ونحو ذلك، وفيه استحباب الاستظهار في السفر بالنعال وغيرها مما يحتاج إليه المسافر واستحباب وصية الأمير أصحابه بذلك.
*2* باب استحباب لبس النعل في اليمنى أولاً، والخلع من اليسرى أولاً، وكراهة المشي في نعل واحد
*حدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَلاّمٍ الْجُمَحِيّ. حَدّثَنَا الرّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمّدٍ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَىَ. وَإذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشّمَالِ. وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعاً. أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعاً".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ. لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعاً، أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعاً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. (وَاللّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ. قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَىَ جَبْهَتِهِ فَقَالَ: أَلاَ إِنّكُمْ تَحَدّثُونَ أَنّي أَكْذِبُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِتَهْتَدُوا وَأَضِلّ. أَلاَ وَإِنّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَمْشِ فِي الأُخْرَىَ حَتّىَ يُصْلِحَهَا".
وحدّثنيهِ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ. أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينِ وَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْمَعْنَىَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ بالشمال ولينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً". وفي رواية الأخرى: "لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً" وفي رواية: "إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها" وفي رواية: "ولا يمشي في خف واحد". أما قوله صلى الله عليه وسلم لينعلهما فبضم الياء. وأما قوله صلى الله عليه وسلم أو ليخلعهما فكذا هو في جميع نسخ مسلم ليخلعهما بالخاء المعجمة واللام والعين، وفي صحيح البخاري: ليحفهما بالحاء المهملة والفاء من الحفاء وكلاهما صحيح ورواية البخاري أحسن: وأما الشسع فبشين معجمة مكسورة ثم سين مهملة ساكنة وهو أحد سيور النعال وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في النقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام، والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع وجمعه شسوع. أما فقه الأحاديث ففيه ثلاث مسائل: أحدها يستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والزينة والنظافة ونحو ذلك كلبس النعل والخف والمداس والسراويل والكم وحلق الرأس وترجيله وقص الشارب ونتف الإبط والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار والوضوء والغسل والتيمم ودخول المسجد والخروج من الخلاء ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة وتناول الأشياء الحسنة ونحو ذلك. الثانية: يستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد السابق في المسألة الأولى، فمن ذلك خلع النعل والخف والمداس والسراويل والكم والخروج من المسجد ودخول الخلاء والاستنجاء وتناول أحجار الاستنجاء ومس الذكر والامتخاط والاستنثار وتعاطي المستقذرات وأشباهها. الثالثة: يكره المشي في نعل واحدة أو خف واحد أو مداس واحد لا لعذر ودليله هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم. قال العلماء: وسببه أن ذلك تشويه ومثلة ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه وربما كان سبباً للعثار، وهذه الاَداب الثلاثة التي في المسائل الثلاث مجمع على استحبابها وأنها ليست واجبة، وإذا انقطع شسعه ونحوه فليخلعهما ولا يمشي في الأخرى وحدها حتى يصلحها وينعلها كما هو نص في الحديث.
قوله: (حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن أبي رزين قال: خرج إلينا أبو هريرة رضي الله عنه فضرب بيده على جبهته فقال: إنكم وذكر الحديث). وفي الرواية الثانية عن علي بن مسهر قال: (أخبرنا الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة بمعناه) هكذا وقع هذان الإسنادان في جميع نسخ مسلم. وذكر القاضي عن أبي علي الغساني أنه قال في الرواية الثانية: قال أبو مسعود الدمشقي إنما يرويه أبو رزين عن أبي صالح عن أبي هريرة كذا. وأخرجه أبو مسعود في كتابه عن مسلم وذكر أن علي بن مسهر انفرد بهذا. هذا آخر ما ذكره القاضي وهذا استدراك فاسد لأن أبا رزين قد صرح في الرواية الأولى بسماعه من أبي هريرة بقوله: خرج إلينا أبو هريرة إلى آخره، واسم أبي رزين مسعود بن مالك الأسدي الكوفي كان عالماً.
*2* باب النهي عن اشتمال الصماء، والاحتباء في ثوب واحد
*وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ أَنْ يَأْكُلَ الرّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ. وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصّمّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، كَاشِفاً عَنْ فَرْجِهِ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : "إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ أَوْ مَنِ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ فَلاَ يَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتّىَ يُصْلِحَ شِسْعَهُ. وَلاَ يَمْشِ فِي خُفَ وَاحِدٍ. وَلاَ يَأْكُلْ بِشِمَالِهِ. وَلاَ يَحْتَبِي بِالثّوْبِ الْوَاحِدِ. وَلاَ يَلْتَحِفِ الصّمّاءَ".
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة وأن يشتمل الصماء وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه) أما الأكل بالشمال فسبق بيانه في بابه، وسبق في الباب الماضي حكم المشي في نعل واحدة، وأما اشتمال الصماء بالمد فقال الأصمعي: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانباً فلا يبقى ما يخرج منه يده، وهذا يقوله أكثر أهل اللغة، قال ابن قتيبة: سميت صماء لأنه سد المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع. قال أبو عبيد: وأما الفقهاء فيقولون هو أن يشتمل بثوب ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه. قال العلماء: فعلى تفسير أهل اللغة يكره الاشتمال المذكور لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها أو غير ذلك فيعسر عليه أو يتعذر فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم الاشتمال المذكور إن انكشف به بعض العورة وإلا فيكره. وأما الاحتباء بالمد فهو أن يقعد الإنسان على إليتيه وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه أو بيده، وهذه القعدة يقال لها الحبوة بضم الحاء وكسرها، وكان هذا الاحتباء عادة للعرب في مجالسهم فإن انكشف معه شيء من عورته فهو حرام والله أعلم.
*2* باب في منع الاستلقاء على الظهر، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى
*حدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ اشْتِمَالِ الصّمّاءِ، وَالاِحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرّجُلُ إِحْدَىَ رِجْلَيْهِ عَلَىَ الأُخْرَىَ، وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَىَ ظَهْرِهِ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدّثَنَا) مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يُحَدّثُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ. وَلاَ تَحْتَبِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ. وَلاَ تَأْكُلْ بِشِمَالِكَ. وَلاَ تَشْتَمِلِ الصّمّاءَ. وَلاَ تَضَعْ إحْدَىَ رِجْلَيْكَ عَلَى الأُخْرَىَ، إِذَا اسْتَلْقَيْتَ".
وحدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي الأَخْنَسِ) عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَسْتَلْقِيَنّ أَحَدُكُمْ ثُمّ يَضَعُ إحْدَىَ رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَىَ".
قوله: (نهى عن اشتمال الصماء وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره).
*2* باب في إباحة الاستلقاء، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمّهِ أَنّهُ رَأَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِياً فِي الْمَسْجِدِ، وَاضِعاً إحْدَىَ رِجْلَيْهِ عَلَىَ الأُخْرَىَ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وفي الرواية الأخرى: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى) قال العلماء: أحاديث النهي عن الاستلقاء رافعاً إحدى رجليه على الأخرى محمولة على حالة تظهر فيها العورة أو شيء منها، وأما فعله صلى الله عليه وسلم فكان على وجه لا يظهر منها شيء وهذا لا بأس به ولا كراهة فيه على هذه الصفة. وفي هذا الحديث جواز الاتكاء في المسجد والاستلقاء فيه. قال القاضي: لعله صلى الله عليه وسلم فعل هذا لضرورة أو حاجة من تعب أو طلب راحة أو نحو ذلك، قال: وإلا فقد علم أن جلوسه صلى الله عليه وسلم في المجامع على خلاف هذا بل كان يجلس متربعاً أو محتبياً وهو كان أكثر جلوسه، أو القرفصاء أو مقعياً وشبهها من جلسات الوقار والتواضع. قلت: ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز، وأنكم إذا أردتم الاستلقاء فليكن هكذا، وأن النهي الذي نهيتكم عن الاستلقاء ليس هو على الإطلاق بل المراد به من ينكشف شيء من عورته أو يقارب انكشافها والله أعلم. قوله: (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا: أخبرنا عبد الرزاق) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا ذكره أبو علي الغساني عن رواية الجلودي، قال: وكذا ذكره أبو مسعود الدمشقي عن مسلم، قال: وفي رواية ابن ماهان إسحاق بن منصور بدل إسحاق بن إبراهيم، قال الغساني: الأول هو الذي أعتقد صوابه لكثرة ما يجيء إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد في رواية مسلم مقرونين عن عبد الرزاق. وإن كان إسحاق بن منصور أيضاً يروي عن عبد الرزاق، وهذا الذي صوبه الغساني هو الصواب، وكذا ذكره الواسطي في الأطراف عن رواية مسلم.
*2* باب نهي الرجل عن التزعفر
*حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو الرّبِيعِ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا حَمّادٌ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ التّزَعْفُرِ. قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمّادٌ: يَعْنِي لِلرّجَالِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَابْنُ عُلَيّةَ) عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرّجُلُ.
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) هذا دليل لمذهب الشافعي وموافقيه في تحريم لبس الثوب المزعفر على الرجل، وقد سبقت المسألة في باب نهي الرجل عن الثوب المعصفر والله أعلم.
*2* باب استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة، وتحريمه بالسواد
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قَحَافَةَ، أَوْ جَاءَ، عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثّغَامِ أَوِ الثّغَامَةِ. فَأَمَرَ، أَوْ فَأُمِرَ بِهِ إلَىَ نِسَائِهِ، قَالَ: "غَيّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ. وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثّغَامَةِ بَيَاضاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "غَيّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السّوَادَ".
قوله: (أتي بأبي قحافة رضي الله عنه يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد).
*2* باب في مخالفة اليهود في الصبغ
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللّفْظ لِيَحْيَىَ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنّ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ لاَ يَصْبُغُونَ. فَخَالِفُوهُمْ".
وفي رواية: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم). أما الثغامة بثاء مثلثة مفتوحة ثم غين معجمة مخففة قال أبو عبيد: هو نبت أبيض الزهر والثمر شبه بياض الشيب به، وقال ابن الأعرابي: شجرة تبيض كأنها الملح، وأما أبو قحافة بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة واسمه عثمان فهو ولد أبي بكر الصديق أسلم يوم فتح مكة، ويقال صبغ يصبغ بضم الياء وفتحها، ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم خضابه بالسواد على الأصح. وقيل يكره كراهة تنزيه، والمختار التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم: "واجتنبوا السواد" هذا مذهبنا. وقال القاضي: اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه فقال بعضهم: ترك الخضاب أفضل ورووا حديثاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في النهي عن تغيير الشيب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه، روي هذا عن عمر وعلي وأبي وآخرين رضي الله عنهم. وقال آخرون: الخضاب أفضل وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم للأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره، ثم اختلف هؤلاء فكان أكثرهم يخضب بالصفرة منهم ابن عمر وأبو هريرة وآخرون وروي ذلك عن علي، وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم وبعضهم بالزعفران، وخضب جماعة بالسواد روي ذلك عن عثمان والحسن والحسين ابني علي وعقبة بن عامر وابن سيرين وأبي بردة وآخرين. قال القاضي: قال الطبراني الصواب أن الاَثار المروية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض، بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط فقط. قال: واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه في ذلك، قال: ولا يجوز أن يقال فيهما ناسخ ومنسوخ. قال القاضي: وقال غيره هو على حالين فمن كان في موضع عادة أهل الصبغ أو تركه فخروجه عن العادة شهرة ومكروه. والثاني أنه يختلف باختلاف نظافة الشيب فمن كان شيبته تكون نقية أحسن منها مصبوغة فالترك أولى، ومن كانت شيبته تستبشع فالصبغ أولى، هذا ما نقله القاضي والأصح الأوفق للسنة ما قدمناه عن مذهبنا والله أعلم.
*2* باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتاً فيه صورة ولا كلب
*حدّثني سُويْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلاَمُ، فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا. فَجَاءَتْ تِلْكَ السّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ. وَفِي يَدِهِ عَصاً فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ. وَقَالَ: "مَا يُخْلِفُ اللّهَ وَعْدَهُ، وَلاَ رُسُلُهُ" ثُمّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ. فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ مَتَىَ دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَهُنَا؟" فَقَالَتْ: وَاللّهِ مَا دَرَيْتُ. فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. فَجَاءَ جِبْرِيلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ".فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ. إنّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ أَنّ جِبْرِيلَ وَعَدَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يُطَوّلْهُ كَتَطْوِيلِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السّبّاقِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبّاسٍ قَالَ: أخبرتني مَيْمُونَةُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ يَوْماً وَاجِماً. فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللّيْلَةَ. فَلَمْ يَلْقَنِي. أَمَ وَاللّهِ مَا أَخْلَفَنِي" قَالَ فَظَلّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَىَ ذَلِكَ. ثُمّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا. فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. ثُمّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ. فَلَمّا أَمْسَىَ لَقِيَهُ جِبْرِيلُ. فَقَالَ لَهُ: "قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ" قَالَ: أَجَلْ. وَلَكِنّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ. فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَئِذٍ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ. حَتّىَ إِنّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصّغِيرِ، وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ عمْرٌو النّاقِدُ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ يَحْيَىَ وَإِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عُتْبَةَ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ، وَذِكْرِهِ الأَخْبَارَ فِي الإِسْنَادِ.
حدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ".
قَالَ بُسْرٌ: ثُمّ اشْتكَىَ زَيْدٌ بَعْدُ. فَعُدْنَاهُ. فَإِذَا عَلَىَ بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ. قَالَ فَقُلْتُ لَعُبَيْدِ اللّهِ الْخَوْلاَنِيّ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصّوَرِ يَوْمَ الأَوّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلاّ رَقْماً في ثَوْبٍ.
حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجّ حَدّثَهُ أَنّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدّثَهُ أَنّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ حَدّثَهُ، وَمَعَ بُسْرٍ عُبَيْدُ اللّهِ الْخَوْلاَنِيّ أَنّ أَبَا طَلْحَةَ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ".
قَالَ بُسْرٌ: فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ. فَعُدْنَاهُ. فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِستْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ. فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللّهِ الْخَوْلاَنِيّ: أَلَمْ يُحَدّثْنَا فِي التّصَاوِيرِ؟ قَالَ: إِنّهُ قَالَ: إِلاّ رَقْماً فِي ثَوْبٍ. أَلَمْ تَسْمَعْهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: بَلَىَ. قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَبِي الْحُبَابِ، مَوْلَىَ بَنِي النّجّارِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتَاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَمَاثِيلُ".
قَالَ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: إِنّ هَذَا يُخْبِرُنِي أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَمَاثِيلُ" فَهَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: لاَ. وَلَكِنْ سَأُحَدّثُكُمْ مَا رَأَيْتُهُ فَعَلَ. رَأَيْتُهُ خَرَجَ فِي غَزَاتِهِ. فَأَخَذْتُ نَمَطاً فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ. فَلَمّا قَدِمَ فَرَأَى النّمَطَ، عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ. فَجَذَبَهُ حَتّىَ هَتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ. وَقَالَ: "إِنّ اللّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطّينَ" قَالَتْ فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ وَحَشَوْتُهُمَا لِيفاً. فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيّ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ. وَكَانَ الدّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "حَوّلِي هَذَا. فَإِنّي كُلّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدّنْيَا" قَالَتْ: وَكَانَتْ لَنَا قَطِيفَةٌ كُنّا نَقُولُ عَلَمُهَا حَرِيرٌ. فَكُنّا نَلْبَسُهَا.
حَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ وَ عَبْدُ الأَعْلَىَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ ابْنُ المُثَنّى: وَزَادَ فِيهِ يُرِيدُ عَبْدَ الأَعْلَىَ فَلَمْ يَأْمُرْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ. وَقَدْ سَتّرْتُ عَلَىَ بَابِي دُرْنُوكاً فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ. فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَبْدَةَ: قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ.
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُتَسَتّرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ. فَتَلَوّنَ وَجْهُهُ. ثمّ تَنَاوَلَ السّتْرَ فَهَتَكَهُ. ثُمّ قَالَ "إِنّ مِنْ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الّذِينَ يُشَبّهُونَ بِخَلْقِ اللّهِ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: ثُمّ أَهْوَىَ إِلَى الْقِرَامِ فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ.
حدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا "إِنّ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً" لَمْ يَذْكُرَا: مِنْ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمعيَاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ). حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ. فَلَمّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ "يَا عَائِشَةُ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللّهِ، يَوْمَ الْقيَامَةِ، الّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللّهِ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْد الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ. مَمْدُودٌ إِلَىَ سَهْوَةٍ فَكَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي إِلَيْهِ. فَقَالَ "أَخّرِيهِ عَنّي". قَالَتْ: فَأَخّرتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ. ح وَحَدّثَنَاهُ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
م حع) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: دَخَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيّ وَقَدْ سَتَرْتُ نَمَطاً فِيهِ تَصَاوِيرُ. فَنَحّاهُ. فَاتّخَذْتُ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ.
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ بُكَيْراً حَدّثَهُ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدّثَهُ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا نَصَبْتْ سِتْراً فِيهِ تَصَاوِيرُ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَعَهُ. قَالَتْ: فَقَطَعْتُهُ وِسَادَتَيْنِ. فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ حِينَئِذٍ، يُقَالُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَطَاءٍ، مَوْلَىَ بَنِي زُهْرَةَ: أَفَمَا سَمِعْتَ أَبَا مُحَمّدٍ يَذْكُرُ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْتَفِقُ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لاَ. قَالَ: لَكِنّي قَدْ سَمِعْتُهُ.
يُرِيدُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عنْ عَائِشَةَ أَنّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ. فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ. فَعَرَفْتُ، أَوْ فَعُرِفَتْ، فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُوبُ إِلَى اللّهِ وَإِلَىَ رَسُولِهِ. فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالُ هَذِهِ النّمْرُقَةِ؟" فَقَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ. تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسّدُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصّوَرِ يُعَذّبُونَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ" ثُمّ قَالَ: "إِنّ الْبَيْتَ الّذِي فِيهِ الصّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الثّقَفِيّ حَدّثَنَا أَيّوبُ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ جَدّي، عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا هرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَخِي الْمَاجِشُونِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَبَعْضُهُمْ أَتَمّ حَدِيثاً لَهُ مِنْ بَعْضٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَخِي الْمَاجِشُونِ: قَالَتْ فَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُهُ مِرْفَقَتَيْنِ. فَكَانَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا فِي الْبَيْتِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ). جَمِيعاً عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الّذِينَ يَصْنَعُونَ الصّوَرَ يُعَذّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا الثّقَفِيّ. كُلّهُمْ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضّحَىَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوّرُونَ" وَلَمْ يَذكُرِ الأَشَجّ: إِنّ.
وحدّثناه يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ أَبُو كُرَيْبٍ. كُلّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَىَ وَأَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ "إِنّ مِنْ أَشَدّ أَهْلِ النّارِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَذَاباً، الْمُصَوّرُونَ".
وَحَدِيثُ سُفْيَانَ كَحَدِيثِ وَكِيعٍ.
وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ. حَدّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ. قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِي بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَالَ مَسْرُوقٌ: هَذَا تَمَاثِيلُ كِسْرَىَ فَقُلْتُ: لاَ. هَذَا تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَالَ مَسْرُوقٌ: أَمَا إِنّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوّرُونَ".
قَالَ مُسْلِمٌ: قَرَأْتُ عَلَىَ نَصْرِ بْنِ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبّاسٍ. فَقَالَ: إِنّي رَجُلٌ أُصَوّرُ هَذِهِ الصّوَرَ. فَأَفْتِنِي فِيهَا. فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنّي. فَدَنَا مِنْهُ. ثُمّ قَالَ: ادْنُ مِنّي. فَدَنَا حَتّىَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ. قَالَ: أُنَبّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ. يَجْعَلُ لَهُ، بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا، نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ".
وَقَالَ: إنْ كُنْتَ لاَ بُدّ فَاعِلاً، فَاصْنَعِ الشّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ. فَأَقَرّ بِهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوَبَةَ، عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ. فَجَعَلَ يُفْتِي وَلاَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنّي رَجُلٌ أُصَوّرُ هَذَهِ الصّورَ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: ادْنُهْ. فَدَنَا الرّجُلُ. فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "مَنْ صَوّرَ صُورَةً فِي الدّنْيَا كُلّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَيْسَ بِنَافِخٍ.
حدّثنا أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ أَنّ رَجُلاً أَتَى ابْنَ عَبّاسٍ. فَذَكَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَىَ فِيهَا تَصَاوِيرَ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقاً كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقوا ذَرّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ دَاراً تُبْنَىَ بِالْمَدِينَةِ، لِسَعِيدٍ أَوْ لِمَرْوَانَ. قَالَ: فَرَأَىَ مَصَوّراً يُصَوّرُ فِي الدّارِ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ سُهَيْل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ".
قال أصحابنا غيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها. وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير. وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقاً على حائط أو ثوباً ملبوساً أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهناً فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام، ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت؟ فيه كلام نذكره قريباً إن شاء الله. ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له. هذا تلخيص مذهبنا في المسألة. وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم. وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل، وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبيّ صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة. وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقماً في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملاً بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم وهذا مذهب قوي. وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقماً في ثوب سواء امتهن أم لا، وسواء علق في حائط أم لا، وكرهوا ما كان له ظل أو كان مصوراً في الحيصان وشبهها سواء كان رقماً أو غيره، واحتجوا بقوله في بعض أحاديث الباب: إلا ما كان رقماً في ثوب، وهذا مذهب القاسم بن محمد، وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره. قال القاضي: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك، لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث والله أعلم.
قوله: (أصبح يوماً واجماً) هو بالجيم قال أهل اللغة: هو الساكت الذي يظهر عليه الهم والكآبة، وقيل هو الحزين، يقال وجم يجم وجوماً. قوله: (أصبح يوماً واجماً فقالت ميمونة: يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني أم والله ما أخلفني) وذكر الحديث. فيه أنه يستحب للإنسان إذا رأى صاحبه ومن له حق واجماً أن يسأله عن سببه فيساعده فيما يمكن مساعدته أو يتحزن معه أو يذكره بطريق يزول به ذلك العارض. وفيه التنبيه على الوثوق بوعد الله ورسله، لكن قد يكون للشيء شرط فيتوقف على حصوله أو يتخيل توقيته بوقت ويكون غير موقت به ونحو ذلك. وفيه أنه إذا تكدر وقت الإنسان أو تنكدت وظيفته ونحو ذلك فينبغي أن يفكر في سببه كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم هنا حتى استخرج الكلب وهو من نحو قول الله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}. قوله: (ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه) أما الجرو فبكسر الجيم وضمها وفتحها ثلاث لغات مشهورات وهو الصغير من أولاد الكلب وسائر السباع، والجمع أجر وجراء وجمع الجراء أجرية. وأما الفسطاط ففيه ست لغات: فسطاط وفستاط بالتاء وفساط بتشديد السين وضم الفاء فيهن وتكسر وهو نحو الخباء. قال القاضي: والمراد به هنا بعض حجال البيت بدليل قولها في الحديث الاَخر تحت سرير عائشة، وأصل الفسطاط عمود الأخبية التي يقام عليها والله أعلم. وأما قوله: (ثم أخذ بيده ماء فنضح به مكانه) فقد احتج به جماعة في نجاسة الكلب قالوا: والمراد بالنضح الغسل، وتأولته المالكية على أنه غسله لخوف حصول بوله أو روثه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطاناً كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشيطان. وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها. قال الخطابي: وإنما لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه. وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل والله أعلم. قوله: (فأمر بقتل الكلاب حتى أنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير) المراد بالحائط البستان، وفرق بين الحائطين لأن الكبير تدعو الحاجة إلى حفظ جوانبه ولا يتمكن الناظور من المحافظة على ذلك بخلاف الصغير، والأمر بقتل الكلاب منسوخ وسبق إيضاحه في كتاب البيوع حيث بسط مسلم أحاديثه هناك. قوله: (إلا رقماً في ثوب) هذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقماً مطلقاً كما سبق، وجوابنا وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على صورة الشجر وغيره مما ليس بحيوان، وقد قدمنا أن هذا جائز عندنا.
قوله: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاته فأخذت نمطاً فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفاً فلم يعب ذلك علي). المراد بالنمط هنا بساط لطيف له خمل، وقد سبق بيانه قريباً في باب اتخاذ الأنماط. وقولها: (هتكه) هو بمعنى قطعه وأتلف الصورة التي فيه، وقد صرحت في الروايات المذكورات بعد هذه بأن هذا النمط كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة وأنه كان فيه صورة فيستدل به لتغيير المنكر باليد وهتك الصور المحرمة والغضب عند رؤية المنكر وأنه يجوز اتخاذ الوسائد والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم حين جذب النمط وأزاله "إن الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين" فاستدلوا به على أنه يمنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم هذا هو الصحيح. وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي من أصحابنا: هو حرام وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك، وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب ولا يقتضي التحريم والله أعلم. قوله: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت لنا تمثال طائر وكان الداخل إذا دخل استقبله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا) هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة. قولها: (سترت على بابي درنوكاً فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرني فنزعته) أما قولها سترت فهو بتشديد التاء الأولى، وأما الدرنوك فبضم الدال وفتحها حكاهما القاضي وآخرون والمشهور ضمها والنون مضمومة لا غير، ويقال فيه درموك بالميم وهو ستر له خمل وجمعه درانك. قولها: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متسترة بقرام) هكذا هو في معظم النسخ متسترة بتاءين مثناتين فوق بينهما سين، وفي بعضها مستترة بسين ثم تاءين أي متخذة ستراً. وأما القرام فبكسر القاف الرقيق الستر وهو قولها: (وقد سترت سهوة لي بقرام) السهوة بفتح السين المهملة قال الأصمعي: هي شبيهة بالرف أو بالطاق يوضع عليه الشيء، قال أبو عبيد: وسمعت غير واحد من أهل اليمن يقولون السهوة عندنا بيت صغير متحدر في الأرض وسمكه مرتفع من الأرض يشبه الخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع، قال أبو عبيد: وهذا عندي أشبه ما قيل في السهوة، وقال الخليل: هي أربعة أعواد أو ثلاثة يعرض بعضها على بعض ثم يوضع عليها شيء من الأمتعة، وقال ابن الأعرابي: هي الكوة بين الدارين، وقيل بيت صغير يشبه المخدع، وقيل هي كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل شبيه دخلة في جانب البيت والله أعلم. قوله: (اشتريت نمرقة) هي بضم النون والراء ويقال بكسرهما ويقال بضم النون وفتح الراء ثلاث لغات ويقال نمرق بلا هاء وهي وسادة صغيرة، وقيل هي مرفقة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" وفي الرواية السابقة: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله تعالى" وفي رواية: "الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم" وفي رواية ابن عباس: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم" وفي رواية: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ" وفي رواية: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة". أما قوله صلى الله عليه وسلم: "ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" فهو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله تعالى: {قل فأتوا بعشر سور مثله) وأما قوله في رواية ابن عباس: يجعل له فهو بفتح الياء من يجعل والفاعل هو الله تعالى أضمر للعلم به، قال القاضي في رواية ابن عباس: يحتمل أن معناها أن الصورة التي صورها هي تعذبه بعد أن يجعل فيها روح وتكون الباء في بكل بمعنى في، قال: ويحتمل أن يجعل له بعدد كل صورة ومكانها شخص يعذبه وتكون الباء بمعنى لام السبب، وهذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان وانه غليظ التحريم. وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته ولا التكسب به وسواء الشجر المثمر وغيره، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهداً فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه، قال القاضي: لم يقله أحد غير مجاهد، واحتج مجاهد بقوله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: "ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" أي اجعلوه حيواناً ذا روح كما ضاهيتم، وعليه رواية ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي.
ويؤيده حديث ابن عباس رضي عنه المذكور في الكتاب: (إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له) وأما رواية أشد عذاباً فقيل هي محمولة على من فعل الصورة لتعبد وهو صانع الأصنام ونحوها فهذا كافر وهو أشد عذاباً، وقيل: هي فيمن قصد المعنى الذي في الحديث من مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك فهذا كافر له من أشد العذاب ما للكفار ويزيد عذابه بزيادة قبح كفره، فأما من لم يقصد بها العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير ولا يكفر كسائر المعاصي. وأما قوله تعالى: فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة فالذرة بفتح الذال وتشديد الراء ومعناه فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى، وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير أو ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله تعالى وهذا أمر تعجيز كما سبق والله أعلم.
*2* باب كراهة الكلب والجرس في السفر
*حدّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا بِشْرٌ، يَعْني ابْنَ مُفَضّلٍ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ). كِلاَهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشّيْطَانِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس".
وفي رواية: "الجرس مزامير الشيطان" الرفقة بضم الراء وكسرها والجرس بفتح الراء وهو معروف هكذا ضبطه الجمهور. ونقل القاضي أن هذه رواية الأكثرين قال: وضبطناه عن أبي بحر بإسكانها وهو اسم للصوت، فأصل الجرس بالإسكان الصوت الخفي. أما فقه الحديث ففيه كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار، وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة، وقد سبق بيان هذا قريباً، وسبق بيان الحكمة في مجانبة الملائكة بيتاً فيه كلب. وأما الجرس فقيل سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وقيل سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية مزامير الشيطان، وهذا الذي ذكرناه من كراهة الجرس على الإطلاق هو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين وهي كراهة تنزيه، وقال جماعة من متقدمي علماء الشام: يكره الجرس الكبير دون الصغير.
*2* باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. قَالَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَسِبْتُ أَنّهُ قَالَ: وَالنّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ "لاَ يَبْقَيَنّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلاَدَةٌ، إِلاّ قُطعَتْ".
قَالَ مَالِكٌ: أُرَىَ ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت" قال مالك: أرى ذلك من العين، هكذا هو في جميع النسخ قلادة من وتر أو قلادة، فقلادة الثانية مرفوعة معطوفة على قلادة الأولى، ومعناه أن الراوي شك هل قال قلادة من وتر أو قال قلادة فقط ولم يقيدها بالوتر، وقول مالك: أرى ذلك من العين هو بضم همزة أرى أي أظن أن النهي مختص بمن فعل ذلك بسبب رفع ضرر العين. وأما من فعله لغير ذلك من زينة أو غيرها فلا بأس. قال القاضي: الظاهر من مذهب مالك أن النهي مختص بالوتر دون غيره من القلائد، قال: وقد اختلف الناس في تقليد البعير وغيره من الإنسان وسائر الحيوان ما ليس بتعاويذ مخافة العين، فمنهم من منعه قبل الحاجة إليه وأجازه عند الحاجة إليه لدفع ما أصابه من ضرر العين ونحوه، ومنهم من أجازه قبل الحاجة وبعدها كما يجوز الاستظهار بالتداوي قبل المرض، هذا كلام القاضي. وقال أبو عبيد: كانوا يقلدون الإبل الأوتار لئلا تصيبها العين فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بإزالتها إعلاماً لهم أن الأوتار لا ترد شيئاً. وقال محمد بن الحسن وغيره: معناه لا تقلدوها أوتار القسي لئلا تضيق على أعناقها فتخنقها. وقال النضر: معناه لا تطلبوا الدخول التي وترتم بها في الجاهلية وهذا تأويل ضعيف فاسد والله أعلم.
*2* باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه، ووسمه فيه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ.
وحدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
وحدّثني سَلَمةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ: "لَعَنَ اللّهُ الّذِي وَسَمَهُ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنّ نَاعِماً، أَبَا عَبْدِ اللّهِ، مَوْلَىَ أُمّ سَلَمَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبْاسٍ يَقُولُ: وَرَأَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَاراً مَوْسُومَ الْوجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. قَالَ: فَوَاللّهِ لاَ أَسِمُهُ إِلاّ فِي أَقْصَىَ شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهِ. فَأَمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ فَكُوِيَ فِي جَاعِرَتَيْهِ. فَهُوَ أَوّلُ مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَيْنِ.
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الحيوان في الوجه وعن الوسم في الوجه.
وفي رواية: (مر عليه حمار وقد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه).
وفي رواية: ابن عباس رضي الله عنه (فأنكر ذلك قال: فوالله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه فأمر بحمار له فكوى في جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين) أما الوسم فبالسين المهملة هذا هو الصحيح المعروف في الروايات وكتب الحديث، قال القاضي: ضبطناه بالمهملة قال وبعضهم يقوله بالمهملة وبالمعجمة، وبعضهم فرق فقال بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد. وأما الجاعرتان فهما حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر. وأما القائل: (فوالله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه) فقد قال القاضي عياض: هو العباس بن عبد المطلب، كذا ذكره في سنن أبي داود، وكذا صرح به في رواية البخاري في تاريخه، قال القاضي: وهو في كتاب مسلم مشكل يوهم أنه من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم والصواب أنه قول العباس رضي الله عنه كما ذكرنا، هذا كلام القاضي: وقوله يوهم أنه من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم ليس هو بظاهر فيه بل ظاهره أنه من كلام ابن عباس وحينئذ يجوز أن تكون القضية جرت للعباس ولابنه، وأما الضرب في الوجه فمنهى عنه في كل الحيوان المحترم من الاَدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها لكنه في الاَدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب وربما شانه وربما آذى بعض الحواس. وأما الوسم في الوجه فمنهي عنه بالإجماع للحديث ولما ذكرناه، فأما الاَدمي فوسمه حرام لكرامته، ولأنه لا حاجة إليه فلا يجوز تعذيبه، وأما غير الاَدمي فقال جماعة من أصحابنا يكره، وقال البغوي من أصحابنا لا يجوز فأشار إلى تحريمه وهو الأظهر لأنه النبيّ صلى الله عليه وسلم لعن فاعله واللعن يقتضي التحريم. وأما وسم غير الوجه من غير الاَدمي فجائز بلا خلاف عندنا لكن يستحب في نعم الزكاة والجزية ولا يستحب في غيرها ولا ينهى عنه. قال أهل اللغة: الوسم أثر كية يقال بعير موسوم وقد وسمه يسمه وسماً وسمة والميسم الشيء الذي يوسم به وهو بكسر الميم وفتح السين وجمعه مياسم ومواسم وأصله كله من السمة وهي العلامة، ومنه موسم الحج أي معلم جمع الناس، وفلان موسوم بالخير وعليه سمة الخير أي علامته وتوسمت فيه كذا أي رأيت فيه علامته والله أعلم.
*2* باب جواز وسم الحيوان غير الاَدمي في غير الوجه، وندبه في نعم الزكاة والجزية
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: لَمّا وَلَدَتْ أُمّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِي: يَا أَنَسُ انْظُرْ هَذَا الْغُلاَمَ. فَلاَ يُصِيبَنّ شَيْئاً حَتّىَ تَغْدُوَ بِهِ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُحَنّكُهُ. قَالَ فَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْحَائِطِ. وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُوَيْتِيّةٌ. وَهُوَ يَسِمُ الظّهْرَ الّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَة عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يُحَدّثُ أَنّ أُمّهُ حِينَ وَلَدَتِ، انْطَلَقُوا بِالصّبِيّ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُحَنّكُهُ. قَالَ: فَإِذَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي مِرْبَدٍ يَسِمُ غَنَماً. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنّهُ قَالَ: فِي آذَانِهَا.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، حَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: دَخَلْنَا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِرْبَداً وَهُوَ يَسِمُ غَنَماً. قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: فِي آذَانِهَا.
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ وَيَحْيَىَ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي يَدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِيْسَمِ. وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصّدَقَةِ.
قوله: (عن أنس قال: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس انظر هذا الغلام فلا يصببن شيئاً حتى تغدو به إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يحنكه فغدوت فإذا هو في الحائط وعليه خميصة حويتية وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح) وفي رواية: (فإذا النبيّ صلى الله عليه وسلم في مربد يسم غنماً قال شعبة وأكثر علمي أنه قال في آذانها) وفي رواية: (أريت في يد النبيّ صلى الله عليه وسلم الميسم وهو يسم إبل الصدقة). أما الخميصة فهي كساء من صوف أو خز ونحوهما مربع له أعلام. وأما قوله حويتية فاختلف رواة صحيح مسلم في ضبطه فالأشهر أنه بحاء مهملة مضمومة ثم واو مفتوحة ثم ياء مثناة تحت ساكنة ثم مثناة فوق مكسورة ثم مثناة تحت مشددة، وفي بعضهم حوتنية بإسكان الواو وبعدها مثناة فوق مفتوحة ثم نون مكسورة وقد ذكرها القاضي، وفي بعضها حونية بإسكان الواو وبعدها نون مكسورة، وفي بعضها حريثية بحاء مهملة مضمومة وراء مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة ثم مثلثة مكسورة منسوبة إلى بني حريث، وكذا وقع في رواية البخاري لجمهور رواة صحيحه، وفي بعضها حونبية بفتح الحاء المهملة وإسكان الواو ثم نون مفتوحة ثم باء موحدة ذكره القاضي، وفي بعضها خويثية بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وإسكان المثناة تحت وبعدها مثلثة حكاه القاضي، وفي بعضها جوينية بجيم مضمومة ثم واو ثم مثناة تحت ثم نون مكسورة ثم مثناة تحت مشددة، وفي بعضها جونية بفتح الجيم وإسكان الواو وبعدها نون، قال القاضي في المشارق: ووقع لبعض رواة البخاري خيبرية منسوبة إلى خيبر، ووقع في الصحيحين حوتكية بفتح الحاء وبالكاف أي صغيرة ومنه رجل حوتكي أي صغير، قال صاحب التحرير في شرح مسلم في الرواية الأولى هي منسوبة إلى الحويت وهو قبيلة أو موضع، وقال القاضي في المشارق: هذه الروايات كلها تصحيف إلا روايتي جونية بالجيم وحريثية بالراء والمثلثة، فأما الجونية بالجيم فمنسوبة إلى بني الجون قبيلة من الأزد أو إلى لونها من السواد أو البياض أو الحمرة لأن العرب تسمي كل لون من هذه جوناً هذا كلام القاضي. وقال ابن الأثير في نهاية الغريب بعد أن ذكر الرواية الأولى: هذا وقع في بعض نسخ مسلم ثم قال: والمحفوظ المشهور جونية أي سوداء، قال: وأما الحويتية فلا أعرفها وطالما بحثت عنها فلم أقف لها على معنى والله أعلم. وأما قوله قال شعبة وأكثر علمي روي بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة وهما صحيحان والميسم بكسر الميم سبق بيانه في الباب قبله وسبق هناك أن وسم الاَدمي حرام، وأما غير الاَدمي فالوسم في وجهه منهي عنه، وأما غير الوجه فمستحب في نعم الزكاة والجزية وجائز في غيرها، وإذا وسم فيستحب أن يسم الغنم في آذانها، والإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضع صلب فيقل الألم فيه ويخف شعره ويظهر الوسم، وفائدة الوسم تمييز الحيوان بعضه من بعض، ويستحب أن يكتب في ماشية الجزية جزية أو صغار، وفي ماشية الزكاة زكاة أو صدقة. قال الشافعي وأصحابه: يستحب كون ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر وميسم البقر ألطف من ميسم الإبل، وهذا الذي قدمناه من استحباب وسم نعم الزكاة والجزية هو مذهبنا ومذهب الصحابة كلهم رضي الله عنهم وجماهير العلماء بعدهم. ونقل ابن الصباغ وغيره إجماع الصحابة عليه، وقال أبو حنيفة هو مكروه لأنه تعذيب ومثلة وقد نهى عن المثلة. وحجة الجمهور هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة التي ذكرها مسلم وآثار كثيرة عن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ولأنها ربما شردت فيعرفها واجدها بعلامتها فيردها. والجواب عن النهي عن المثلة والتعذيب أنه عام وحديث الوسم خاص فوجب تقديمه والله أعلم. وأما المربد فبكسر الميم وإسكان الراء وفتح الموحدة وهو الموضع الذي تحبس فيه الإبل وهو مثل الحظيرة للغنم. فقوله هنا في مربد يحتمل أنه أراد الحظيرة التي للغنم فأطلق عليها اسم المربد مجازاً لمقاربتها، ويحتمل أنه على ظاهره وأنه أدخل الغنم إلى مربد الإبل ليسمها فيه. وأما قوله يسم الظهر فالمراد به الإبل سميت بذلك لأنها تحمل الأثقال على ظهورها. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة: منها جواز الوسم في غير الاَدمي واستحبابه في نعم الزكاة والجزيرة وأنه ليس في فعله دناءة ولا ترك مروءة فقد فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم. ومنها بيان ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من التواضع وفعل الأشغال بيده ونظره في مصالح المسلمين والاحتياط في حفظ مواشيهم بالوسم وغيره. ومنها استحباب تحنيك المولود وسنبسطه في بابه إن شاء الله تعالى. ومنها حمل المولود عند ولادته إلى واحد من أهل الصلاح والفضل يحنكه بتمرة ليكون أول ما يدخل في جوفه ريق الصالحين فيتبرك به والله أعلم.
*2* باب كراهة القزع
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنِي يَحْيَىَ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الْقَزَعِ. قَالَ قُلْتُ لِنَافِعٍ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصّبِيّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. قَالاَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَجَعَلَ التّفْسِيرَ، فِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، مِنْ قَوْلِ عُبَيْدِ اللّهِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِيّ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ. ح وَحَدّثَنِي أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). حَدّثَنَا رَوْحٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ. بِإِسْنَادِ عُبَيْدِ اللّهِ. مِثْلَهُ. وَأَلْحَقَا التّفْسِيرَ فِي الْحَدِيثِ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيّوبَ، ح وَحَدّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا أَبُو النّعْمَانِ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ السّرّاجِ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِذَلِكَ.
قوله: (أخبرني عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع قلت لنافع وما القزع؟ قال يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض) وفي رواية أن هذا التفسير من كلام عبيد الله. القزع بفتح القاف والزاي وهذا الذي فسره به نافع أو عبيد الله هو الأصح وهو أن القزع حلق بعض الرأس مطلقاً، ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به، وأجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة ونحوها وهي كراهة تنزيه، وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقاً وقال بعض أصحابه لا بأس به في القصة والقفا للغلام، ومذهبنا كراهته مطلقاً للرجل والمرأة لعموم الحديث. قال العلماء: والحكمة في كراهته أنه تشويه للخلق، وقيل لأنه أذى الشر والشطارة، وقيل لأنه زي اليهود، وقد جاء هذا في رواية لأبي داود والله أعلم.
*2* باب النهي عن الجلوس في الطرقات، وإعطاء الطريق حقه
*حدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِيّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطّرُقَاتِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا بُدّ مِنْ مَجَالِسِنَا. نَتَحَدّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاّ الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطّرِيقَ حَقّهُ" قَالُوا: وَمَا حَقّهُ؟ قَالَ "غَضّ الْبَصَرِ، وَكَفّ الأَذَىَ، وَرَدّ السّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ".
وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الْمَدَنِيّ. ح وَحَدّثَنَاهُ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). كِلاَهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس في الطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حقه؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" هذا الحديث كثير الفوائد وهو من الأحاديث الجامعة وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة وظن السوء وإحقار بعض المارين وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون أو يخافون منهم ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك لكونهم لا يجدون طريقاً إلا ذلك الموضع.
*2* باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجات، والمغيرات خلق الله
*حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَعَبْدَةُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ. أَخْبَرَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ. غَيْرَ أَنّ وَكِيعاً وَشُعْبَةَ فِي حَدِيثِهِمَا فَتَمَرّطَ شَعْرُهَا.
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا حَبّانُ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنّ امْرَأَةً أَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: إِنّي زَوّجْتُ ابْنَتِي. فَتَمَرّقَ شَعْرُ رَأْسِهَا. وَزَوْجُهَا يَسْتَحْسِنُهَا. أَفَأَصِلُ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَهَاهَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا يَحْيى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ. قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ يُحْدّثُ عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوّجَتْ. وَأَنّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرّطَ شَعْرُهَا. فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهُ. فَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؟ فَلَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ. أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ يَنّاقَ عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوّجَتِ ابْنَةً لَهَا. فَاشْتَكَتْ فَتَسَاقَطَ شَعْرُهَا. فَأَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنّ زَوْجَهَا يُرِيدُهَا. أَفَأَصِلُ شَعَرَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لُعِنَ الْوَاصِلاَتُ".
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ "لُعِنَ الْمُوصِلاَتُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَزِيعٍ. حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. حَدّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمثْلِهِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لإِسْحَقَ). أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: لَعَنَ اللّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمّصَاتِ، وَالْمُتَفَلّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيّرَاتِ خَلْقَ اللّهِ. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ. يُقَالُ لَهَا: أُمّ يَعْقُوبَ. وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمّصَاتِ وَالْمُتَفَلّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيّرَاتِ خَلْقَ اللّهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: وَمَا لِيَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللّهِ. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. قَالَ اللّه عَزّ وَجَلّ: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَيكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر الاَية: 7). فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنّي أَرَىَ شَيْئاً مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الاَنَ. قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي. قَالَ فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللّهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئاً. فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً. فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكِ، لَمْ نُجَامِعْهَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (وَهُوَ ابْنُ مَهْدِيَ). حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا مُفَضّلٌ (وَهُوَ ابْنُ مُهَلْهِلٍ). كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَىَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ. وَفِي حَدِيثِ مُفَضّلٍ: الْوَاشِمَاتِ وَالْموْشُومَاتِ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، الْحَدِيثَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. مُجَرّداً عَنْ سَائِرِ الْقِصّةِ. مِنْ ذِكْرِ أُمّ يَعْقُوبَ.
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: زَجَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئاً.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، عَامَ حَجّ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيَ. يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَىَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ. وَيَقُولُ "إِنّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الزّهْرِيّ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ "إِنّمَا عُذّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ. قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَنَا وَأَخْرَجَ كُبّةً مِنْ شَعَرٍ. فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَىَ أَنّ أَحَداً يَفْعَلُهُ إلاّ الْيَهُودَ. إنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ فَسَمّاهُ الزّورَ.
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ). حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ مُعَاوِيَةَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ زِيّ سَوْءٍ. وَإِنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الزّورِ. قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصاً عَلَىَ رَأْسِهَا خِرْقَةٌ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلاَ وَهَذَا الزّورُ. قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَا يُكَثّرُ بِهِ النّسَاءُ أَشْعَارَهُنّ مِنَ الْخِرَقِ.
قوله: (جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عريساً أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله؟ فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة). وفي رواية: (فتمرق شعر رأسها وزوجها يستحسنها أفأصل شعرها يا رسول الله؟ فنهاها).
وفي رواية: (أنها مرضت فتمرط شعرها) وفي رواية: (فاشتكت فتساقط شعرها وأن زوجها يريدها). أما تمرق فبالراء المهملة وهو بمعنى تساقط وتمرط كما ذكر في باقي الروايات، ولم يذكر القاضي في الشرح إلا الراء المهملة كما ذكرنا، وحكاه في المشارق عن جمهور الرواة ثم حكى عن جماعة من رواة صحيح مسلم أنه بالزاي المعجمة قال: وهذا وإن كان قريباً من معنى الأول ولكنه لا يستعمل في الشعر في حال المرض. وأما قولها: (إن لي ابنة عريساً) فبضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة تصغير عروس، والعروس يقع على المرأة والرجل عند الدخول بها، وأما الحصبة فبفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين ويقال أيضاً بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة والإسكان أشهر وهي بثر تخرج في الجلد يقول منه حصب جلده بكسر الصاد يحصب. وأما الواصلة فهي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصلة التي تطلب من يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة، وهذه الأحاديث صريحة في تحريم الوصل ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقاً وهذا هو الظاهر المختار، وقد فصله أصحابنا فقالوا إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف، سواء كان شعر رجل أو امرأة، وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الأحاديث ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الاَدمي وسائر أجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه، وإن وصلته بشعر غير آدمي فإن كان شعراً نجساً وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضاً للحديث ولأنه حمل نجاسة في صلاته وغيرها عمداً، وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال، وأما الشعر الطاهر من غير الاَدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضاً، وإن كان فثلاثة أوجه: أحدها: لا يجوز لظاهر الأحاديث. والثاني: لا يحرم وأصحها عندهم إن فعلته بإذن الزوج أو السيد جاز وإلا فهو حرام. قالوا: وأما تحمير الوجه والخضاب بالسواد وتطريف الأصابع فإن لم يكن لها زوج ولا سيد أو كان وفعلته بغير إذنه فحرام، وإن أذن جاز على الصحيح، هذا تلخيص كلام أصحابنا في المسألة. وقال القاضي عياض: اختلف العلماء في المسألة فقال مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون: الوصل ممنوع بكل شيء سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق، واحتجوا بحديث جابر الذي ذكره مسلم بعد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئاً. وقال الليث بن سعد: النهي مختص بالوصل بالشعر ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرها، وقال بعضهم: يجوز جميع ذلك وهو مروي عن عائشة ولا يصح عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور. قال القاضي: فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لأنه ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل وإنما هو للتجمل والتحسين. قال: وفي الحديث أن وصل الشعر من المعاصي الكبائر للعن فاعله، وفيه أن المعين على الحرام يشارك فاعله في الإثم كما أن المعاون في الطاعة يشارك في ثوابها والله أعلم. وأما قولها وزوجها يستحسنها فهكذا وقع في جماعة من النسخ بإسكان الحاء وبعدها سين مكسورة ثم نون من الاستحسان أي يستحسنها فلا يصبر عنها ويطلب تعجيلها إليه، ووقع في كثير منها يستحثنيها بكسر الحاء وبعدها ثاء مثلثة ثم نون ثم ياء مثناة تحت من الحث وهو سرعة الشيء، وفي بعضها يستحثها بعد الحاء ثاء مثلثة فقط والله أعلم. وفي هذا الحديث أن الوصل حرام سواء كان لمعذورة أو عروس أو غيرهما.
قوله: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) أما الواشمة بالشين المعجمة ففاعلة الوشم وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر، وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش وقد تكثره وقد تقلله، وفاعلة هذا واشمة، وقد وشمت تشم وشماً والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له، وقد يفعل بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلة ولا تأثم البنت لعدم تكليفها حينئذٍ. قال أصحابنا: هذا الموضع الذي وشم يصير نجساً فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالته وإن لم يمكن إلا بالجرح فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيناً فاحشاً في عضو ظاهر لم تجب إزالته، فإذا بان لم يبق عليه إثم وإن لم يخف شيئاً من ذلك ونحوه لزمه إزالته ويعصى بتأخيره، وسواء في هذا كله الرجل والمرأة والله أعلم. وأما النامصة بالصاد المهملة فهي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها، وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل يستحب عندنا. وقال ابن جرير: لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص، ومذهبنا ما قدمناه من استحباب إزالة اللحية والشارب والعنفقة وأن النهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه. ورواه بعضهم المنتمصة بتقديم النون والمشهور تأخيرها، ويقال للمنقاش منماص بكسر الميم. وأما المتفلجات فبالفاء والجيم والمراد مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات وهو من الفلج بفتح الفاء واللام وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات، وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهاراً للصغر وحسن الأسنان لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة، ويقال له أيضاً الوشر ومنه لعن الواشرة والمستوشرة، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث، ولأنه تغيير لخلق الله تعالى ولأنه تزوير ولأنه تدليس. وأما قوله: المتفلجات للحسن فمعناه يفعلن ذلك طلباً للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، وأما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس والله أعلم. قوله: (لو كان ذلك لم نجامعها) قال جماهير العلماء: معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها. قال القاضي: ويحتمل أن معناه لم أطأها وهذا ضعيف والصحيح ما سبق فيحتج به في أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما ينبغي له أن يطلقها والله أعلم. قوله: (حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير حدثنا الأعمش عن إبرهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم) هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: الصحيح عن الأعمش إرساله، قال: ولم يسنده عنه غير جرير، وخالفه أبو معاوية وغيره فرووه عن الأعمش عن إبراهيم مرسلاً، قال: والمتن صحيح من رواية منصور عن إبراهيم يعني كما ذكره في الطرق السابقة، وهذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم جرير والأعمش وإبراهيم وعلقمة، وقد رأى جرير رجلاً من الصحابة وسمع أبا الطفيل وهو صحابي والله أعلم.
قوله: (أن معاوية تناول وهو على المنبر قصة من شعر كانت في يدي حرسي) قال الأصمعي وغيره: هي شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، وقيل شعر الناصية والحرسي كالشرطي وهو غلام الأمير. قوله: (وأخرج كبة من شعر) هي بضم الكاف وتشديد الباء وهي شعر مكفوف بعضه على بعض. قوله: (يا أهل المدينة أين علماؤكم) هذا السؤال للإنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره، وفي حديث معاوية هذا اعتناء الخلفاء وسائر ولاة الأمور بإنكار المنكر وإشاعة إزالته وتوبيخ من أهمل إنكاره ممن توجه ذلك عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم" قال القاضي: قيل يحتمل أنه كان محرماً عليهم فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه. وقيل يحتمل أن الهلاك كان به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر.
*2* باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها توجد من مسيرة كذا وكذا" هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجدان وفيه ذم هذين الصنفين، قيل معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها، وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه، وقيل معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. وأما مائلات فقيل معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه، مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل مائلات يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن، وقيل مائلات يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة، ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها.
*2* باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره، والتشبع بما لم يُعط
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَقُولُ: إِنّ زَوْجِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْمُتَشَبّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنّ لِي ضَرّةً. فَهَلْ عَلَيّ جُنَاحٌ أَنْ أَتَشَبّعَ مِنْ مَالِ زَوْجِي بِمَا لَمْ يُعْطِنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْمُتَشَبّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قولها: (إن امرأة قالت يا رسول الله أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور، قال أبو عبيد وآخرون: هو الذي يلبس ثياب أهل الزهد والعبادة والورع ومقصوده أن يظهر للناس أنه متصف بتلك الصفة ويظهر من التخشع والزهد أكثر مما في قلبه، فهذه ثياب زور ورياء، وقيل هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له، وقيل هو من يلبس قميصاً واحداً ويصل بكميه كمين آخرين فيظهر أن عليه قميصين. وحكى الخطابي قولاً آخر أن المراد هنا بالثوب الحالة والمذهب والعرب تكنى بالثوب عن حال لابسه ومعناه أنه كالكاذب القائل ما لم يكن، وقولاً آخر أن المراد الرجل الذي تطلب منه شهادة زور فيلبس ثوبين يتجمل بهما فلا ترد شهادته لحسن هيئته والله أعلم.
قوله في إسناد الباب: (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها) وذكر الحديث وبعده عن ابن نمير أيضاً عن عبدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء الحديث، وبعده عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وعن إسحاق عن أبي معاوية كلاهما عن هشام بهذا الإسناد، هكذا وقعت هذه الأسانيد في جميع نسخ بلادنا على هذا الترتيب، ووقع في نسخة ابن ماهان رواية ابن أبي شيبة وإسحاق عقيب رواية ابن نمير عن وكيع ومقدمة على رواية ابن نمير عن عبدة وحده، واتفق الحفاظ على أن هذا الذي في نسخة ابن ماهان خطأ، قال عبد الغني بن سعيد: هذا خطأ قبيح، قال: وليس يعرف حديث هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها إلا من رواية مسلم عن ابن نمير ومن رواية معمر بن راشد. وقال الدارقطني في كتاب العلل: حديث هشام عن أبيه عن عائشة إنما يرويه هكذا معمر والمبارك بن فضالة ويرويه غيرهما عن فاطمة عن أسماء وهو الصحيح، قال: وإخراج مسلم حديث هشام عن أبيه عن عائشة لا يصح والصواب حديث عبدة ووكيع وغيرهما عن هشام عن فاطمة عن أسماء والله أعلم.