كتاب الآداب
 1* كتاب الاَداب
*2* باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء
*حدّثني أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا وَاللّفْظُ لَهُ، قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيّ) عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: نَادَىَ رَجُلٌ رَجُلاً بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي لَمْ أَعْنِكَ. إنّمَا دَعَوْتُ فُلاَناً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَسَمّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنّوْا بِكُنْيَتِي".
حدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ (وَهُوَ الْمُلَقّبُ بِسَبَلاَن). أَخْبَرَنَا عَبّادُ بْنُ عَبّادٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ وَ أَخِيهِ عَبْدِ اللّهِ. سَمِعَهُ مِنْهُمَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمَائَةٍ. يُحَدّثَانِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ أَحَبّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللّهِ عَبْدُ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ عُثْمَان: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنّا غُلاَمٌ. فَسَمّاهُ مُحَمّداً. فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ: لاَ نَدَعُكَ تُسَمّي بِاسْمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَانْطَلَقَ بِابْنِهِ حَامِلَهُ عَلَىَ ظَهْرِهِ. فَأَتَىَ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وُلِدَ لِي غُلاَمٌ. فَسَمّيْتُهُ مُحَمّداً. فَقَالَ لِي قَوْمِي: لاَ نَدَعُكَ تُسَمّي بِاسْمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَسَمّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي. فَإِنّمَا أَنَا قَاسِمٌ. أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ".
حدّثنا هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. حَدّثَنَا عَبْثَرٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنّا غْلاَمٌ. فَسَمّاهُ مُحَمّداً. فَقُلْنَا: لاَ نَكْنِيكَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتّىَ تَسْتَأْمِرَهُ. قَالَ فَأَتَاهُ. فَقَالَ: إِنّهُ وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَسَمّيْتُهُ بِرَسُولِ اللّهِ. وَإِنّ قَوْمِي أَبَوْا أَنْ يَكْنُونِي بِهِ. حَتّىَ تَسَتأْذِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ "سَمّوا بِاسْمِي. وَلاَ تَكَنّوْا بِكُنْيَتِي. فَإِنّمَا بُعْثِتُ قَاسِماً. أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ".
حدّثنا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطّحّانَ) عَنْ حُصَيْنٍ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ "فَإِنّمَا بُعِثْتُ قَاسِماً. أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَسَمّوْا بِاسْمِي. وَلاَ تَكَنّوْا بِكُنْيَتِي. فَإِنّي أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ. أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ "وَلاَ تَكْتَنُوا".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ "إِنّمَا جُعِلْتُ قَاسِماً أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وُلِدَ لَهُ غُلاَمٌ. فَأَرَادَ أَنْ يُسَمّيَهُ مُحَمّداً. فَأَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ. فَقَالَ "أَحْسَنَتِ الأَنْصَارُ. سَمّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَة. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ(يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَصَيْنٍ. ح وَحَدّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جعْفَرٍ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ. كُلّهُمْ عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ وَ مَنْصُورٍ وَ سُلَيْمَانَ وَ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. قَالُوا: سَمِعْنَا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ حَدِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُمْ مِنْ قَبْلُ. وَفِي حَدِيثِ النّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: وَزَادَ فِيهِ حُصَيْنٌ وَسُلَيْمَانُ. قَالَ حُصَيْنٌ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا بُعِثْتُ قَاسِماً أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". وَقَالَ سُلَيْمَانُ "فَإِنّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنّا غُلاَمٌ. فَسَمّاهُ الْقَاسِمَ. فَقُلْنَا: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْناً. فَأَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: "أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرّحْمَنِ".
وحدّثني أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). ح وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ). كِلاَهُمَا عَنْ رُوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَلاَ نُنْعِمُكَ عيْناً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم "تَسَمّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنّوْا بِكُنْيَتِي" قَالَ عَمْرٌو: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ نُمَيْرٍ). قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمِاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ: لَمّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي. فَقَالُوا: إنّكُمْ تَقْرَؤُونَ: {يَا أُخْتَ هَرُونَ}. وَمُوسَىَ قَبْلَ عِيسَىَ بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمّا قَدِمْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: "إِنّهُمْ كَانُوا يُسَمّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصّالِحِينَ قَبْلَهُمْ".
قوله: (نادى رجل رجلاً بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لم أعنك إنما دعوت فلاناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة وجمعها القاضي وغيره أحدها: مذهب الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحل التكني بأبي القاسم لأحد أصلاً سواء كان اسمه محمداً أو أحمد أم لم يكن لظاهر هذا الحديث. والثاني: أن هذا النهي منسوخ فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث ثم نسخ، قالوا: فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد سواء من اسمه محمد وأحمد وغيره وهذا مذهب مالك. قال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء قالوا وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار. الثالث: مذهب ابن جرير أنه ليس بمنسوخ وإنما كان النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم. الرابع: أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين وهذا قول جماعة من السلف وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر. الخامس: أنه ينهى عن التكني بأبي القاسم مطلقاً وينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم، وقد غير مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك وكان سماه أولاً القاسم وفعله بعض الأنصار أيضاً. السادس: أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقاً سواء كان له كنية أم لا، وجاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تسمون أولادكم محمداً ثم تلعنونهم" وكتب عمر إلى الكوفة لا تسموا أحداً باسم نبي، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك وسماهم به فتركهم. قال القاضي: والأشبه أن فعل عمر هذا إعظام لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك الاسم كما سبق في الحديث: "تسمونهم محمداً ثم تلعنونهم" وقيل سبب نهي عمر أنه سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: فعل الله بك يا محمد فدعاه عمر فقال: أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك والله لا تدعى محمداً ما بقيت وسماه عبد الرحمن.
قوله: "حدثني إبراهيم بن زياد الملقب بسبلان" وهو بسين مهملة مفتوحة ثم موحدة مفتوحة. قوله: "عن عبيد الله بن عمر وأخيه عبد الله" هذا صحيح لأن عبيد الله ثقة حافظ ضابط مجمع على الاحتجاج به، وأما أخوه عبد الله فضعيف لا يجوز الاحتجاج به، فإذا جمع بينهما الراوي جاز ووجب العمل بالحديث اعتماداً على عبيد الله. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما يسمى به.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنما أنا قاسم أقسم بينكم" وفي رواية للبخاري في أول الكتاب في باب: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين "وإنما أنا قاسم والله يعطي" قال القاضي عياض: هذا يشعر بأن الكنية إنما تكون بسبب وصف صحيح في المكنى أو لسبب اسم ابنه. وقال ابن بطال في شرح رواية البخاري: معناه أني لم أستأثر من مال الله تعالى شيئاً دونكم، وقاله تطييباً لقلوبهم حين فاضل في العطاء فقال: الله هو الذي يعطيكم لا أنا وإنما أنا قاسم فمن قسمت له شيئاً فذلك نصيبه قليلاً كان أو كثيراً. وأما غير أبي القاسم من الكنى فأجمع المسلمون على جوازه سواء كان له ابن أو بنت فكني به أو بها، أو لم يكن له ولد أو كان صغيراً أو كني بغير ولده. ويجوز أن يكنى الرجل أبا فلان وأبا فلانة، وأن تكنى المرأة أم فلانة وأم فلان، وصح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول للصغير أخي أنس يا أبا عمير ما فعل النغير والله أعلم. قوله: (ولا ننعمك عيناً) أي لا نقر عينك بذلك، وسبق شرح قرت عينه في حديث أبي بكر وضيفانه رضي الله تعالى عنهم.
قوله صلى الله عليه وسلم عن بني إسرائيل "أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم" استدل به جماعة على جواز التسمية بأسماء الأنبياء عليهم السلام وأجمع عليه العلماء إلا ما قدمناه عن عمر رضي الله عنه وسبق تأويله، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وكان في أصحابه خلائق مسمون بأسماء الأنبياء. قال القاضي: وقد كره بعض العلماء التسمي بأسماء الملائكة وهو قول الحارث بن مسكين قال وكره مالك التسمي بجبريل وياسين.
*2* باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، وبنافع ونحوه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا مُعَتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الرّكَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ. وَقَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ الرّكَيْنَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ) قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَمّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: أَفْلَحَ، وَرَبَاحٍ، وَيَسَارٍ، وَنَافِعٍ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الرّكَيْنِ بْنِ الرّبِيعِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تُسَمّ غُلاَمَكَ رَبَاحاً، وَلاَ يَسَاراً، وَلاَ أَفْلَحَ، وَلاَ نَافِعاً".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ عُمَيْلةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَحَبّ الْكَلاَمِ إِلَى اللّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللّهِ، وَالْحَمْدُ للّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَاللّهُ أَكْبَرُ. لاَ يَضُرّكَ بِأَيّهِنّ بَدَأْتَ. وَلاَ تُسَمّيَنّ غُلاَمَكَ يَسَاراً، وَلاَ رَبَاحاً، وَلاَ نَجِيحاً، وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنّكَ تَقُولُ: أَثَمّ هُوَ؟ فَلاَ يَكُونُ. فَيَقُولُ: لاَ".
إنّمَا هُنّ أَرْبَعٌ. فَلاَ تَزِيدُنّ عَلَيّ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنِي جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنِي أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ). ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. كُلّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ، بِإِسْنَادِ زُهَيْرٍ. فَأَمّا حَدِيثُ جَرِيرٍ وَرَوْحٍ، فَكمِثْلِ حَدِيثِ زُهَيْرٍ بِقِصّتِهِ. وَأَمّا حَدِيثُ شُعْبَةَ فَلَيْسَ فِيهِ إِلاّ ذِكْرُ تَسْمِيَةِ الْغُلاَمِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَلاَمَ الأَرْبَعَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أَرَادَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْهَىَ عَنْ أَنْ يُسَمّىَ بِيَعْلَىَ، وَبِبَرَكَةَ، وَبِأَفْلَحَ، وَبِيَسَارٍ، وَبِنَافِعٍ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ. ثُمّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا. فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً. ثُمّ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ. ثُمّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَىَ عَنْ ذَلِكَ. ثُمّ تَرَكَهُ.
قوله: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا بأربعة أسماء: أفلح ورباح ويسار ونافع) وفي رواية: (لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح فإنك تقول أثم هو فلا يكون فيقول لا إنما هن أربع فلا تزيدن علي).
وفي رواية جابر قال: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع ونحو ذلك ثم رأيته سكت بعد عنها فلم يقل شيئاً ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك ثم تركه) هكذا وقع هذا اللفظ في معظم نسخ صحيح مسلم التي ببلادنا أن يسمى بيعلى وفي بعضها بمقبل بدل يعلى، وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي بيعلى، وذكر القاضي أنه في أكثر النسخ. بمقبل وفي بعضها بيعلى، قال: والأشبه أنه تصحيف، قال: والمعروف بمقبل، وهذا الذي أنكره القاضي ليس بمنكر بل هو المشهور وهو صحيح في الرواية وفي المعنى. وروى أبو داود في سننه هذا الحديث عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عشت إن شاء الله أنهي أمتي أن يسموا نافعاً وأفلح وبركة" والله أعلم. وأما قوله: "فلا تزيدن على" هو بضم الدال ومعناه الذي سمعته أربع كلمات وكذا روايتهن لكم فلا تزيدوا علي في الرواية ولا تنقلوا عني غير الأربع، وليس فيه منع القياس على الأربع وأن يلحق بها ما في معناها. قال أصحابنا: يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث وما في معناها ولا تختص الكراهة بها وحدها وهي كراهة تنزيه لا تحريم، والعلة في الكراهة ما بينه صلى الله عليه وسلم في قوله: فإنك تقول أثم هو فيقول لا فكره لبشاعة الجواب وربما أوقع بعض الناس في شيء من الطيرة. وأما قوله: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن هذه الأسماء فمعناه أراد أن ينهى عنها نهي تحريم فلم ينه. وأما النهي الذي هو لكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية.
*2* باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية ونحوهما
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَيّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ: "أَنْتِ جَمِيلَةُ".
قَالَ أَحْمَدُ مَكَانَ أَخْبرنِي عَنْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ. فَسَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيلَةَ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو). قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، مَوْلَىَ آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بَرّةَ. فَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ. وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرّةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ كُرَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ. سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرّةَ. فَقِيلَ: تُزَكّي نَفْسَهَا. فَسَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِهَؤُلاَءِ دُونَ ابْنِ بَشّارٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ.
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ. حَدّثَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أُمّ سَلَمَةَ. قَالَتْ: كَانَ اسْمِي بَرّةَ. فَسَمّانِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ.
قَالَتْ: وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَاسْمُهَا بَرّةُ. فَسَمّاهَا زَيْنَبَ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنْ يَزيِدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ. قَالَ: سَمّيْتُ ابْنَتِي بَرّةَ. فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنْ هَذَا الاِسْمِ. وَسُمّيتُ بَرّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تُزَكّوا أَنْفُسَكُمُ، اللّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرّ مِنْكُمْ" فَقَالُوا: بِمَ نُسَمّيهَا؟ قَالَ "سَمّوهَا زَيْنَبَ".
أن ابنة لعمر كان يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة) وفي الحديث الاَخر: (كانت جويرية اسمها برة فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية وكان يكره أن يقال خرج من عند برة)، وذكر في الحديثين الاَخرين (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم غير اسم برة بنت أبي سلمة وبرة بنت جحش فسماهما زينب وزينب وقال: لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم) معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى حسن، وقد ثبت أحاديث بتغييره صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في النوعين وما في معناهما وهي التزكية أو خوف التطير.
*2* باب تحريم التسمي بملك الأملاك، وبملك الملوك
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ و أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَاللّفْظُ لاَِحْمَدَ (قَالَ الأَشْعَثِيّ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ أَخْنَع اسْمٍ عِنْدَ اللّهِ رَجُلٌ تَسَمّىَ مَلِكَ الأَمْلاَكِ" زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ "لاَ مَالِكَ إِلاّ اللّهُ عَزّ وَجَلّ".
قَالَ الأَشْعَثِيّ: قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَأَلتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ؟ فَقَالَ: أَوْضَعَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ، رَجُلٌ كَانَ يُسَمّىَ مَلِكَ الأَمْلاَكِ. لاَ مَلِكَ إِلاّ اللّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخنع اسم عند الله عز وجل رجل تسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله قال سفيان مثل شاهان شاه، وقال أحمد بن حنبل: سألت أبا عمرو عن أخنع فقال أوضع" وفي رواية: "أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه وأغيظه عليه رجل كان يسمى ملك الأملاك" هكذا جاءت هذه الألفاظ هنا أخنع وأغيظ وأخبث، وهذا التفسير الذي فسره أبو عمرو مشهور عنه وعن غيره، قالوا: معناه أشد ذلاً وصغاراً يوم القيامة والمراد صاحب الاسم، ويدل عليه الرواية الثانية أغيظ رجل. قال القاضي: وقد يستدل به على أن الاسم هو المسمى وفيه الخلاف المشهور، وقيل أخنع بمعنى أفجر، يقال خنع الرجل إلى المرأة والمرأة إليه أي دعاها إلى الفجور، وهو بمعنى أخبث أي أكذب الأسماء وقيل أقبح. وفي رواية البخاري أخنأ وهو بمعنى ما سبق أي أفحش وأفجر، والخنى الفحش وقد يكون بمعنى أهلك لصاحبه المسمى. الخنى الهلاك يقال أخنى عليه الدهر أي أهلكه. قال أبو عبيد: وروي أنخع أي أقتل والنخع القتل الشديد. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أغيظ رجل على الله وأغيظه عليه" فهكذا وقع في جميع النسخ بتكرير أغيظ، قال القاضي: ليس تكريره وجه الكلام قال وفيه وهم من بعض الرواة بتكريره أو تغييره، قال: قال بعض الشيوخ لعل أحدهما أغنط بالنون والطاء المهملة أي أشده عليه والغنط شدة الكرب. قال الماوردي: أغيظ هنا مصروف عن ظاهره والله أعلم سبحانه وتعالى لا يوصف بالغيظ فيتأول هنا الغيظ على الغضب، وسبق شرح معنى الغضب والرحمة في حق الله سبحانه وتعالى والله أعلم. وأما قوله: قال سفيان مثل شاهان شاه فكذا هو في جميع النسخ، قال القاضي: وقع في رواية شاه شاه قال: وزعم بعضهم أن الأصوب شاه شاهان، وكذا جاء في بعض الأخبار في كسرى قالوا وشاه الملك وشاهان الملوك، وكذا يقولون لقاضي القضاة موبذ موبذان، قال القاضي: ولا ينكر صحة ما جاءت به الرجال لأن كلام العجم مبني على التقديم والتأخير في المضاف والمضاف إليه فيقولون في غلام زيد زيد غلام فهكذا أكثر كلامهم، فرواية مسلم صحيحة. واعلم أن التسمي بهذا الاسم حرام، وكذلك التسمي بأسماء الله تعالى المختصة به كالرحمن والقدوس والمهيمن وخالق الخلق ونحوها. وأما قوله: قال أحمد بن حنبل سألت أبا عمرو فأبو عمرو هذا هو إسحاق بن مرار بكسر الميم على وزن قتال، وقيل مرار بفتحها وتشديد الراء كعمار، وقيل بفتحها وتخفيف الراء كغزال وهو أبو عمر واللغوي النحوي المشهور وليس بأبي عمرو الشيباني ذاك تابعي توفي قبل ولادة أحمد بن حنبل والله أعلم.
*2* باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه، وجواز تسميته يوم ولادته، واستحباب، التسمية بعبد اللّهِ وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام
*حدّثنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيّ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ وُلِدَ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَبَاءَةٍ يَهْنَأُ بَعِيراً لَهُ. فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَنَاوَلْتُهُ تَمَرَاتٍ. فَأَلْقَاهُنّ فِي فِيهِ. فَلاَكَهُنّ ثُمّ فَغَرَ فَا الصّبِيّ فَمَجّهُ فِي فِيهِ. فَجَعَلَ الصّبِيّ يَتَلَمّظُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُبّ الأَنْصَارِ التّمْرُ" وَسَمّاهُ عَبْدَ اللّهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي. فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ. فَقُبِضَ الصّبِيّ. فَلَمّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مِمّا كَانَ. فَقَرّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشّىَ. ثُمّ أَصَابَ مِنْهَا. فَلَمّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصّبِيّ. فَلَمّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: "أَعَرَسْتُمُ اللّيْلَةَ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "اللّهُمّ بَارِكْ لَهُمَا" فَوَلَدَتْ غُلاَماً. فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حَتّىَ تَأْتِيَ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَىَ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ. فَأَخَذَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَمَعَهُ شَيْءٌ؟" قَالُوا: نَعَمْ. تَمَرَاتٌ. فَأَخَذَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَمَضَغَهَا. ثُمّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ. فَجَعَلَهَا فِي فِي الصّبِيّ. ثُمّ حَنّكَهُ، وَسَمّاهُ عَبْدَ اللّهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا حَمّاد بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِهَذِهِ الْقِصّةِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ. فَأَتَيْتُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَسَمّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنّكَهُ بِتَمْرَةٍ.
حدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ، أَبُو صَالِحٍ. حَدّثَنَا شُعَيْبٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْحَقَ) أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. حَدّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّهُمَا قَالاَ: خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، حِينَ هَاجَرَتْ، وَهِيَ حُبْلَىَ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ. فَقَدِمَتْ قُبَاءً. فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ اللّهِ بِقُبَاءٍ. ثُمّ خَرَجَتْ حِينَ نُفِسَتْ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُحَنّكَهُ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ. ثُمّ دَعَا بِتَمْرَةٍ. قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَكَثْنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُهَا قَبْلَ أَنْ نَجِدَهَا. فَمَضَغَهَا. ثُمّ بَصَقَهَا فِي فِيهِ. فَإِنّ أَوّلَ شَيْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَالَتْ أَسْمَاءُ: ثُمّ مَسَحَهُ وَصَلّىَ عَلَيْهِ وَسَمّاهُ عَبْدَ اللّهِ. ثُمّ جَاءَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزّبَيْرُ. فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُ مُقْبِلاً إِلَيْهِ. ثُمّ بَايَعَهُ.
حَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنّهَا حَمَلَتْ، بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، بِمَكّةَ. قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمّ. فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ. فَنَزَلْتُ بِقُبَاءَ. فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءَ. ثُمّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ. ثُمّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَها ثُمّ تَفَلَ فِي فِيهِ. فَكَانَ أَوّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ حَنّكَهُ بِالتّمْرَةِ. ثُمّ دَعَا لَهُ وَبَرّكَ عَلَيْهِ. وَكَانَ أَوّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا هَاجَرَتْ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ حُبْلَىَ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَىَ بِالصّبْيَانِ. فَيُبَرّكُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَنّكهُمْ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: جِئْنَا بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُحَنّكُهُ. فَطَلَبْنَا تَمْرَةً. فَعَزّ عَلَيْنَا طَلَبُهَا.
اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه، ويستحب أن يكون المحنك من الصالحين وممن يتبرك به رجلاً كان أو امرأة فإن لم يكن حاضراً عند المولود حمل إليه. قوله: (ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة حين ولد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيراً له فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم فناولته تمرات فألقاهن في فيه فلا كهن ثم فغرفا الصبي فمجه فيه فجعل الصبي يتلمظه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب الأنصار التمر وسماه عبد الله) أما العباءة فمعروفة وهي ممدودة يقال فيها عباية بالياء وجمع العباءة العباء وأما قوله يهنأ فبهمز آخره أي يطليه بالقطران وهو الهناء بكسر الهاء والمد، يقال هنأت البعير أهنأه، ومعنى لا كهن أي مضغهن، قال أهل اللغة: اللوك مختص بمضغ الشيء الصلب، وفغر فاه بفتح الفاء والغين المعجمة أي فتحه، ومجه فيه أي طرحه فيه، ويتلمظ أي يحرك لسانه ليتتبع ما في فيه من آثار التمر والتلمظ واللمظ فعل ذلك باللسان يقصد به فاعله تنقية الفم من بقايا الطعام وكذلك ما على الشفتين وأكثر ما يفعل ذلك في شيء يستطيبه، ويقال تلمظ يتلمظ تلمظاً ولمظ يلمظ بضم الميم لمظاً بإسكانها، ويقال لذلك الشيء الباقي في الفم لماظة بضم اللام. وقوله صلى الله عليه وسلم: "حب الأنصار التمر" روي بضم الحاء وكسرها فالكسر بمعنى المحبوب كالذبح بمعنى المذبوح وعلى هذا فالباء مرفوعة أي محبوب الأنصار التمر، وأما من ضم الحاء فهو مصدر وفي الباء على هذا وجهان النصب وهو الأشهر والرفع، فمن نصب فتقديره انظروا حب الأنصار التمر فينصب التمر أيضاً، ومن رفع قال هو مبتدأ حذف خبره أي حب الأنصار التمر لازم أو هكذا أو عادة من صغرهم والله أعلم. وفي هذا الحديث فوائد: منها تحنيك المولود عند ولادته وهو سنة بالإجماع كما سبق. ومنها أن يحنكه صالح من رجل أو امرأة. ومنها التبرك بآثار الصالحين وريقهم وكل شيء منهم. ومنها كون التحنيك بتمر وهو مستحب ولو حنك بغيره حصل التحنيك ولكن التمر أفضل. ومنها جواز لبس العباءة. ومنها التواضع وتعاطي الكبير أشغاله وأنه لا ينقص ذلك مروءته. ومنها استحباب التسمية بعبد الله. ومنها استحباب تفويض تسميته إلى صالح فيختار له اسماً يرتضيه ومنها جواز تسميته يوم ولادته والله أعلم. قوله في الرواية الثانية: أن الصبي لما مات فجاء أبوه أبو طلحة سأل أم سليم وهي أم الصبي ما فعل الصبي؟ قالت: هو أسكن مما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت: واروا الصبي أي أدفنوه فقد مات. وفي هذا الحديث مناقب لأم سليم رضي الله عنها من عظيم صبرها وحسن رضاها بقضاء الله تعالى وجزالة عقلها في إخفائها موته على أبيه في أول الليل ليبيت مستريحاً بلا حزن ثم عشته وتعشت ثم تصنعت له وعرضت له بإصابته فأصابها، وفيه استعمال المعاريض عند الحاجة لقولها هو أسكن مما كان فإنه كلام صحيح مع أن المفهوم منه أنه قد هان مرضه وسهل وهو في الحياة، وشرط المعاريض المباحة أن لا يضيع بها حق أحد والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أعرستم الليلة" هو بإسكان العين وهو كناية عن الجماع، قال الأصمعي والجمهور: يقال أعرس الرجل إذا دخل بامرأته، قالوا: ولا يقال فيه عرس بالتشديد وأراد هنا الوطء وسماه إعراساً لأنه في معناه في المقصود. قال صاحب التحرير: روي أيضاً أعرستم بفتح العين وتشديد الراء قال وهي لغة يقال عرس بمعنى أعرس قال لكن قال أهل اللغة أعرس أفصح من عرس في هذا، وهذا السؤال للتعجب من صنيعها وصبرها وسروراً بحسن رضاها بقضاء الله تعالى، ثم دعا صلى الله عليه وسلم لهما بالبركة في ليلتهما فاستجاب الله تعالى ذلك الدعاء وحملت بعبد الله بن أبي طلحة وجاء من أولاد عبد الله إسحاق وإخوته التسعة صالحين علماء رضي الله عنهم. قوله: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن عون عن ابن سيرين عن أنس) هكذا وقع في مسلم ابن سيرين مهملاً. وفي رواية البخاري هذا الحديث عن أنس بن سيرين. قوله: (عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ولد لي غلام فأتيت به النبيّ صلى الله عليه وسلم فسماه بإبراهيم وحنكه بتمرة) فيه التحنيك وغيره مما سبق في حديث أنس، وفيه جواز التسمية بأسماء الأنبياء عليهم السلام وقد سبقت المسألة وذكرنا أن الجماهير على ذلك، وفيه جواز التسمية يوم الولادة، وفيه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن" ليس بمانع من التسمية بغيرهما ولذا سمي ابن أبي أسيد المذكور بعد هذا المنذر. قولها: (مسحه وصلى عليه وسماه عبد الله) معنى صلى عليه أي دعا له ومسحه تبركاً، ففيه استحباب الدعاء للمولود عند تحنيكه ومسحه للتبريك.
قوله: (أن ابن الزبير جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك الزبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلاً إليه ثم بايعه) هذه بيعة تبريك وتشريف لا بيعة تكليف. قولها: (فخرجت وأنا متم) أي مقاربة للولادة. قولها: (ثم تفل في فيه) هو بالتاء المثناة فوق أي بصق كما صرح به في الرواية الأخرى قوله: (وكان أول مولود ولد في الإسلام) يعني أول من ولد في الإسلام بالمدينة بعد الهجرة من أولاد المهاجرين وإلا فالنعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه ولد قبله بعد الهجرة، وفي هذا الحديث مع ما سبق شرحه مناقب كثيرة لعبد الله بن الزبير رضي الله عنه منها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مسح عليه وبارك عليه ودعا له وأول شيء دخل جوفه ريقه صلى الله عليه وسلم وأنه أول من ولد في الإسلام بالمدينة والله أعلم. قوله: (فلهي النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه) هذه اللفظة رويت على وجهين: أحدها فلها بفتح الهاء والثانية فلهي بكسرها وبالياء والأولى لغة طي والثانية لغة الأكثرين ومعناه اشتغل بشيء بين يديه، وأما من اللهو فلها بالفتح لا غير يلهو والأشهر في الرواية هنا كسر الهاء وهي لغة أكثر العرب كما ذكرنا، واتفق أهل الغريب والشراح على أن معناه اشتغل. قوله: (المنذر بن أبي أسيد) المشهور في أبي أسيد ضم الهمزة وفتح السين ولم يذكر الجماهير غيره. قال القاضي: وحكى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان أنه بفتح الهمزة، قال أحمد بن حنبل: وبالضم قال عبد الرزاق ووكيع وهو الصواب واسمه مالك بن أبي ربيعة، قالوا: وسبب تسمية النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا المولود المنذر لأن ابن عم أبيه المنذر بن عمرو كان قد استشهد ببئر معونة وكان أميرهم فيقال بكونه خلفاً منه. قوله: (فأقلبوه) أي ردوه وصرفوه في جميع نسخ صحيح مسلم فأقلبوه بالألف وأنكره جمهور أهل اللغة والغريب وشراح الحديث وقالوا صوابه قلبوه بحذف الألف، قالوا: يقال قلبت الصبي والشيء صرفته ورددته ولا يقال أقلبته، وذكر صاحب التحرير أن أقلبوه بالألف لغة قليلة فأثبتها لغة والله أعلم. قوله: (فاستفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي انتبه من شغله وفكره الذي كان فيه والله أعلم.
*2* باب جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الصغير
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (وَهُوَ ابْنُ مُطَرّفٍ، أَبُو غَسّانَ). حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِهِ. وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ. فَلَهِيَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ عَلَىَ فَخِذِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَقْلَبُوهُ. فَاسْتَفَاقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "أَيْنَ الصّبِيّ؟" فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَقْلَبْنَاهُ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: "مَا اسْمُهُ؟" قَالَ: فُلاَنٌ. يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "لاَ. وَلَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ" فَسَمّاهُ، يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ، سُلَيْمَان بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدّثَنَا أَبُو التّيّاحِ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. ح وَحَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التّيّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النّاسِ خُلُقاً. وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ. قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: كَانَ فَطِيماً. قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَآهُ قَالَ: "أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النّغَيْرُ؟". قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ.
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له أبو عمير أحسبه قال كان فطيماً قال فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال أبا عمير ما فعل النغير وكان يلعب به) أما النغير فبضم النون تصغير النغر بضمها وفتح الغين المعجمة وهو طائر صغير جمعه نغران، والفطيم بمعنى المفطوم. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة جداً منها جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الطفل وأنه ليس كذباً، وجواز المزاح فيما ليس إثماً، وجواز تصغير بعض المسميات، وجواز لعب الصبي بالعصفور وتمكين الولي إياه من ذلك، وجواز السجع بالكلام الحسن بلا كلفة، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم، وبيان ما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع وزيارة الأهل، لأن أم سليم والدة أبي عمير هي من محارمه صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه، واستدل بعض المالكية على جواز الصيد من حرم المدينة ولا دلالة فيه لذلك لأنه ليس في الحديث صراحة ولا كناية أنه من حرم المدينة، وقد سبق الأحاديث الصحيحة الكثيرة في كتاب الحج المصرحة بتحريم صيد حرم المدينة فلا يجوز تركها بمثل هذا ولا معارضتها به والله أعلم.
*2* باب جواز قوله لغير ابنه: يا بنيّ، واستحبابه للملاطفة
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بُنَيّ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي عُمَرَ). قَالاَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ: مَا سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ عَنِ الدّجّالِ أَكْثَرَ مِمّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. فَقَالَ لِي: "أَيْ بُنَيّ وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنّهُ لَنْ يَضُرّكَ" قَالَ قُلْتُ: إِنّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنّ مَعَهُ أَنْهَارَ الْمَاءِ وَجِبَالَ الْخُبْزِ. قَالَ: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللّهِ مِنْ ذَلِكَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ ابْنُ نُمَيْر. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُغِيرَةِ "أَيْ بُنَيّ" إِلاّ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ وَحْدَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم لأنس: (يا بني وللمغيرة أي بني) هو بفتح الياء المشددة وكسرها وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالكسر وبعضهم بإسكانها، وفي هذين الحديثين جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر سناً منه يا ابني ويا بني مصغراً ويا ولدي ومعناه تلطف، وإنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة، وكذا يقال له ولمن هو في مثل سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه، وإذا قصد التلطف كان مستحباً كما فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم في الدجال: "وما ينصبك منه" هو من النصب وهو التعب والمشقة أي ما يشق عليك ويتعبك منه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه لن يضرك" هو من معجزات النبوة، وسيأتي شرح أحاديث الدجال مستوعباً إن شاء الله تعالى حيث ذكرها مسلم في أواخر الكتاب وبالله التوفيق.
*2* باب الاستئذان
*حدّثني عَمْرُو بْنُ مُحَمّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنَا، وَاللّهِ يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْر بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: كُنْتُ جَالِساً بِالْمَدِينَةِ فِي مَجْلِسِ الأَنْصَارِ. فَأَتَانَا أَبُو مُوسَىَ فَزِعاً أَوْ مَذْعُوراً. قُلْنَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَيّ أَنْ آتِيَهُ. فَأَتَيْتُ بَابَهُ فَسَلّمْتُ ثَلاَثاً فَلَمْ يَرُدّ عَلَيّ. فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا؟ فَقُلْتُ: إِنّي أَتَيْتُكَ. فَسَلّمْتُ عَلَىَ بَابِكَ ثَلاَثاً. فَلَمْ يَرُدّوا عَلَيّ. فَرَجَعْتُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ". فَقَالَ عُمَرُ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيّنَةَ. وَإِلاّ أَوْجَعْتُكَ.
فقالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: لاَ يَقُومُ مَعَهُ إِلاّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قُلْتُ: أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ. قَالَ: فَاذْهَبْ بِهِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقُمْتُ مَعَهُ، فَذَهَبْتُ إِلَىَ عُمَرَ، فَشَهِدْتُ.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجّ أَنّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: كُنّا فِي مَجْلِسٍ عِنْدَ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ. فَأَتَىَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيّ مُغْضَباً حَتّىَ وَقَفَ. فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللّهَ هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الاستئْذَانُ ثَلاَثٌ. فَإِنّ أُذِنَ لَكَ. وَإِلاّ فَارْجِعْ". قَالَ أُبَيّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَىَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ أَمْسِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ. فَلَمْ يُؤذَنْ لِي فَرَجَعْتُ. ثمّ جِئْتُهُ الْيَوْمَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ. فَأَخْبَرْتُهُ أَنّي جِئْتُ أَمْسِ فَسَلّمْتُ ثَلاَثاً. ثُمّ انْصَرَفْتُ. قَالَ: قَدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ عَلَىَ شُغْلٍ. فَلَوْ مَا اسْتَأْذَنْتَ حَتّىَ يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ، كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَوَاللّهِ لأُوجِعَنّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ. أَوْ لَتَأْتِيَنّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَىَ هَذَا.
فقالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: فَوَاللّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاّ أَحْدَثُنَا سِنّا. قُمْ. يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقُمْتُ حَتّىَ أَتَيْتُ عُمَرَ. فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَذَا.
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضّلٍ). حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنّ أَبَا مُوسَىَ أَتَىَ عُمَرَ. فَاسْتَأْذَنَ. فَقَالَ عُمَرُ وَاحِدَةٌ. ثُمّ اسْتَأْذَنَ الثّانِيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: ثِنْتَانِ. ثُمّ اسْتَأْذَنَ الثّالِثَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: ثَلاَثٌ. ثُمّ انْصَرَفَ فَأَتْبَعَهُ فَرَدّهُ. فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا شَيْئاً حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَا. وَإِلاّ، فَلأَجْعَلَنّكَ عِظَةً. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَتَانَا فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الاسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ؟" قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ. قَالَ فَقُلْتُ: أَتَاكُمْ أَخُوكُمُ الْمُسْلِمُ قَدْ أُفْزِعَ، تَضْحَكُونَ؟ انْطَلِقْ فَأَنَا شَرِيكُكَ فِي هَذِهِ الْعُقُوَبَةِ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: هَذَا أَبُو سَعِيدٍ.
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْجُرَيْرِيّ وَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالاَ: سَمِعْنَاهُ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُفَضّلٍ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ.
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. حَدّثَنَا عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنّ أَبَا مُوسَى اسْتَأْذَنَ عَلَىَ عُمَرَ ثَلاَثاً. فَكَأَنّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولاً. فَرَجَعَ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ. ائْذَنُوا لَهُ. فَدُعِيَ لَهُ. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَىَ مَا صَنَعْتَ. قَالَ: إِنّا كُنّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. قَالَ: لَتُقِيمَنّ عَلَىَ هَذَا بَيّنَةً أَوْ لأَفْعَلَنّ. فَخَرَجَ فَانْطَلَقَ إِلَىَ مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَىَ هَذَا إِلاّ أَصْغَرُنَا. فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: كُنّا نؤمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: خَفِيَ عَلَيّ هَذَا مِنْ أَمْر رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. أَلْهَانِي عَنْهُ الصّفْقُ بِالأَسْوَاقِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ. حَدّثَنَا النّضْرُ (يَعْنِي ابْنَ شُمَيْلٍ) قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ النّضْرِ: أَلْهَانِي عَنْهُ الصّفْقُ بِالأَسْوَاقِ.
حدّثنا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، أَبُو عَمّارٍ. حَدّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَىَ. أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَىَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، قَالَ: جَاءَ أَبُو مُوسَىَ إِلَىَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ. هَذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ. فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ. فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ. هَذَا أَبُو مُوسَىَ. السّلاَمُ عَلَيْكُمْ. هَذَا الأَشْعَرِيّ. ثُمّ انْصَرَفَ. فَقَالَ: رُدّوا عَلَيّ. رُدّوا عَلَيّ. فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَىَ مَا رَدّكَ؟ كُنّا فِي شُغْلٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الاستئْذَانُ ثَلاَثٌ. فَإنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلاّ فَارْجِعْ". قَالَ: لَتَأْتِيَنّي عَلَىَ هَذَا بِبَيّنَةٍ. وَإِلاّ فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ. فَذَهَبَ أَبُو مُوسَىَ.
قَالَ عُمَرُ: إِنْ وَجَدَ بَيّنَةً تَجِدُوهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ عَشِيّةً. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيّنَةً فَلَمْ تَجِدُوهُ. فَلَمّا أَنْ جَاءَ بِالْعَشِيّ وَجَدُوهُ. قَالَ: يَا أَبَا مُوسَىَ مَا تَقُولُ؟ أَقَدْ وَجَدْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ. قَالَ: عَدْلٌ. قَالَ: يَا أَبَا الطّفَيْلِ مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ يَا ابْنَ الْخَطّابِ فَلاَ تَكُونَنّ عَذَاباً عَلَىَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ إِنّمَا سَمِعْتُ شَيْئاً. فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبّتَ.
وحدّثناه عبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبَانَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَىَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَلاَ تَكُنْ، يَا ابْنَ الْخَطّابِ عَذَاباً عَلَىَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ: سُبْحَانَ اللّهِ، وَمَا بَعْدَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع" أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة، والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاثاً فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام؟ الصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام فيقول: السلام عليكم أأدخل؟ والثاني يقدم الاستئذان. والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام وإلا قدم الاستئذان، وصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديثان في تقديم السلام. أما إذا استأذن ثلاثاً فلم يؤذن له وظن أنه لم يسمعه ففيه ثلاثة مذاهب: أشهرها أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان. والثاني يزيد فيه. والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده وإن كان بغيره أعاده، فمن قال بالأظهر فحجته قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: فلم يؤذن له فليرجع ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن والله أعلم. قوله: (قال عمر أقم عليه البينة وإلا أوجعتك، فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلت أنا أصغر القوم فأذهب به) معنى كلام أبي بن كعب رضي الله عنه الإنكار على عمر في إنكاره الحديث. وأما قوله لا يقوم معه إلا أصغر القوم فمعناه أن هذا حديث مشهور بيننا معروف لكبارنا وصغارنا حتى أن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تعلق بهذا الحديث من يقول لا يحتج بخبر الواحد وزعم أن عمر رضي الله عنه رد حديث أبي موسى هذا لكونه خبر واحد وهذا مذهب باطل، وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصر. وأما قول عمر لأبي موسى: أقم عليه البينة فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد، ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل، وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثاً على النبيّ صلى الله عليه وسلم فأراد سد الباب خوفاً من غير أبي موسى لا شكاً في رواية أبي موسى فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما لم يقل بل أراد زجر غيره بطريقه، فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين، ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد وكذا ما زاد حتى يبلغ التواتر فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد، ومما يؤيده أيضاً ما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة من قضية أبي موسى هذه أن أبياً رضي الله عنه قال: يا ابن الخطاب فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سبحان الله إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت والله أعلم. قوله: (فلوما استأذنت) أي هلا استأذنت؟ ومعناها التحضيض على الاستئذان. قوله: (فها وإلا فلأجعلنك عظة) أي فهات البينة. قوله: (يضحكون) سبب ضحكهم التعجب من فزع أبي موسى وذعره وخوفه من العقوبة، مع أنهم قد أمنوا أن يناله عقوبة أو غيرها لقوة حجته وسماعهم ما أنكر عليه من النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (ألهاني عنه الصفق بالأسواق) أي التجارة والمعاملة في الأسواق. قوله: (أقم البينة وإلا أوجعتك). وفي الرواية الأخرى: (والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد) وفي رواية: (لأجعلنك نكالا) هذا كله محمول على أن تقديره لأفعلن بك هذا الوعيد إن بان أنك تعمدت كذباً والله أعلم.
*2* باب كراهة قول المستأذن أنا، إذا قيل من هذا
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: أَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَدَعَوْتُ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا؟" قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا، أَنَا".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟" فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا، أَنَا".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. كلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمْ: كَأَنّهُ كَرِهَ ذَلِكَ.
قوله: (استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا؟ فقلت أنا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنا أنا) زاد في رواية: كأنه كرهها. قال العلماء: إذا استأذن فقيل له من أنت من هذا؟ كره أن يقول أنا لهذا الحديث، ولأنه لم يحصل بقوله أنا فائدة ولا زيادة بل الإبهام باق، بل ينبغي أن يقول فلان باسمه، وإن قال أنا فلان فلا بأس كما قالت أم هانئ حين استأذنت فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: من هذه؟ فقالت: أنا أم هانئ. ولا بأس بقوله أنا أبو فلان أو القاضي فلان أو الشيخ فلان إذا لم يحصل التعريف بالاسم لخفائه، وعليه يحمل حديث أم فلان، ومثله لأبي قتادة وأبي هريرة، والأحسن في هذا أن يقول أنا فلان المعروف بكذا والله أعلم.
*2* باب تحريم النظر في بيت غيره
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ). ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَخْبَرَهُ أَنّ رَجُلاً اطّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكّ بِهِ رَأْسَهُ. فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَوْ أَعْلَمُ أَنّكَ تَنْتَظِرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ" وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيّ أَخْبَرَهُ أَنّ رَجُلاً اطّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يُرَجّلُ بِهِ رَأْسَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَوْ أَعْلَمُ أَنّكَ تَنْظُرُ، طَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ. إِنّمَا جَعَلَ اللّهُ الإِذْنَ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَ حَدِيثِ اللّيْثِ وَيُونُسَ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. وَ أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ وَأَبِي كَامِلٍ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَجُلاً اطّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِصَ. فَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "مَنِ اطّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَقَدْ حَلّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنّ رَجُلاً اطّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ".
قوله: (أن رجلاً اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإذن من أجل البصر). وفي رواية: (مدرى يرجل به رأسه) أما المدرى فبكسر الميم وإسكان الدال المهملة وبالقصر وهي حديدة يسوى بها شعر الرأس، وقيل هو شبه المشط، وقيل هي أعواد تحدد تجعل شبه المشط، وقيل هو عود تسوي به المرأة شعرها، وجمعه مداري، ويقال في الواحد مدراة أيضاً ومدراية أيضاً، ويقال تدريت بالمدرى. وقوله: (يرجل به رأسه) هذا يدل لمن قال أنه مشط أو يشبه المشط. وأما قوله يحك به فلا ينافي هذا فكان يحك به ويرجل به، وترجيل الشعر تسريحه ومشطه، وفيه استحباب الترجيل وجواز استعمال المدرى. قال العلماء: فالترجيل مستحب للنساء مطلقاً وللرجل بشرط أن لا يفعله كل يوم أو كل يومين ونحو ذلك بل بحيث يخف الأول. أما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو علمت أنك تنتظرني" فهكذا هو في أكثر النسخ أو كثير منها، وفي بعضها تنظرني بحذف التاء الثانية. قال القاضي: الأول رواية الجمهور قال والصواب الثاني ويحمل الأول عليه. وقوله في جحر هو بضم الجيم وإسكان الحاء وهو الخرق. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإذن من أجل البصر" معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرام، فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا غيره مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية. وفي هذا الحديث جواز رمي عين المتطلع بشيء خفيف، فلو رماه بخفيف ففقأها فلا ضمان إذا كان قد نظر في بيت ليس فيه امرأة محرم والله أعلم.
قوله: (فقام إليه بمشقص أو مشاقص فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه) أما المشاقص فجمع مشقص وهو نصل عريض للسهم، وسبق إيضاحه في الجنائز وفي الإيمان، وأما يختله فبفتح أوله وكسر التاء أي يراوغه ويستغفله. وقوله: (ليطعنه) بضم العين وفتحها الضم أشهر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه" قال العلماء: محمول على ما إذا نظر في بيت الرجل فرماه بحصاة ففقأ عينه، وهل يجوز رميه قبل إنذاره؟ فيه وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه لظاهر هذا الحديث والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فخذفته بحصاة ففقأت عينه" هو بهمز فقأت، وأما خذفته فبالخاء المعجمة أي رميته بها من بين أصبعيك.
*2* باب نظر الفجأة
*حدّثني قُتَيْبَة بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَزيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ. كِلاَهُمَا عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا يُونسُ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ. فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنْ يُونُسَ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري) الفجاءة بضم الفاء وفتح الجيم وبالمد ويقال بفتح الفاء وإسكان الجيم والقصر لغتان هي البغتة، ومعنى نظر الفجأة أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} قال القاضي: قال العلماء وفي هذا حجة أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد والله أعلم.