كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها
 *1* كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها
*2* باب النهي عن سب الدهر
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ. قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: يَسُبّ ابْنُ آدَمَ الدّهْرَ. فإني أَنَا الدّهْرُ. بِيَدِيَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي عُمَرَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَسُبّ الدّهْرَ. وَأَنَا الدّهْرُ. أُقَلّبُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدّهْرِ فَلاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدّهْرِ فَإِنّي أَنَا الدّهْرُ. أُقَلّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ. فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدّهْرِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الدّهْرُ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَسُبّوا الدّهْرَ. فَإِنّ اللّهَ هُوَ الدّهْرُ".
قوله سبحانه وتعالى: "يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار" وفي رواية: (قال الله تعالى عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار). وفي رواية: "يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما" وفي رواية: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر". أما قوله عز وجل: يؤذيني ابن آدم فمعناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم. وأما قوله عز وجل: وأنا الدهر فإنه برفع الراء هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين. وقال أبو بكر ومحمد بن داود الأصبهاني الطاهري: إنما هو الدهر بالنصب على الظرف أي أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره. وحكى ابن عبد البر هذه الرواية عن بعض أهل العلم. وقال النحاس: يجوز النصب أي فإن الله باق مقيم أبداً لا يزول. قال القاضي: قال بعضهم هو منصوب على التخصيص قال والظرف أصح وأصوب. أما رواية الرفع وهي الصواب فموافقة لقوله: فإن الله هو الدهر. قال العلماء: وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها. وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم.
*2* باب كراهة تسمية العنب كرما
*حدثنا حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَسُبّ أَحَدُكُمُ الدّهْرَ. فَإِنّ الله هُوَ الدّهْرُ. وَلاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ: الْكَرْمَ. فَإِنّ الْكَرْمَ الرّجُلُ الْمُسْلِمُ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَقُولُوا: كَرْمٌ. فَإِنّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تُسَمّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ. فَإِنّ الْكَرْمَ الرّجُلُ الْمُسْلِمُ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ حَفْصٍ. حَدّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمُ: الْكَرْمُ. فَإِنّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ".
وحدّثنا ابْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيْثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ، لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ. إِنّمَا الْكَرْمُ الرّجُلُ الْمُسْلِمُ".
حدّثنا عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىَ (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "لاَ تَقُولُوا: الْكَرْمُ. وَلَكِنْ قُولُوا: الْحَبْلَةُ" (يَعْنِي الْعِنَبَ).
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ قالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَقُولُوا: الْكَرْمُ. وَلَكِنْ قُولُوا: الْعِنَبُ وَالْحَبْلَةُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم". وفي رواية: "فإن الكرم قلب المؤمن". وفي رواية: "لا تسموا العنب الكرم".
وفي رواية: "لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة". أما الحبلة فبفتح الحاء المهملة وبفتح الباء وإسكانها وهي شجر العنب. ففي هذه الأحاديث كراهة تسمية العنب كرماً بل يقال عنب أو حبلة. قال العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب تطلقها على شجر العنب وعلى العنب وعلى الخمر المتخذة من العنب، سموها كرماً لكونها متخذة منه ولأنها تحمل على الكرم والسخاء فكره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك، وقال: إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن لأن الكرم مشتق من الكرم بفتح الراء وقد قال الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فسمى قلب المؤمن كرماً لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم وكذلك الرجل المسلم. قال أهل اللغة: يقال رجل كرم بإسكان الراء وامرأة كرم ورجلان كرم ورجال كرم وامرأتان كرم ونسوة كَرْم كله بفتح الراء وإسكانها بمعنى كريم وكريمان وكرام وكريمات وصف بالمصدر كضيف وعدل والله أعلم.
*2* باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد
*م 2 حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ العَلاَء، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي. كُلّكُمْ عَبِيدُ اللّهِ وَكُلّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللّهِ. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلاَمِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:"لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي. فَكُلّكُمْ عَبِيدُ اللّهِ. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: فَتَايَ. وَلاَ يَقُلِ الْعَبْدُ: رَبّي. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: سَيّدِي".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: "وَلاَ يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيّدِهِ: مَوْلاَيَ".
وزادَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: فَإِنّ مَوْلاَكُمُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اسْقِ رَبّكَ. أَطْعِمْ رَبّكَ. وَضّئْ رَبّكَ. وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: رَبّي. وَلْيَقُلْ: سَيّدِي، مَوْلاَيَ، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ، فَتَاتِي، غُلاَمِي".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي" وفي رواية: "ولا يقل العبد ربي ولكن ليقل سيدي" وفي رواية: "ولا يقل العبد لسيده مولاي فإن مولاكم الله" وفي رواية: "لا يقولن أحدكم اسق ربك أو أطعم ربك وضئ ربك ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي فتاتي غلامي" قال العلماء: مقصود الأحاديث شيئان أحدهما نهي المملوك أن يقول لسيده ربي لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى لأن الرب هو المالك أو القائم بالشيء ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى. فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها أو ربها. فالجواب من وجهين: أحدهما أن الحديث الثاني لبيان الجواز وأن النهي في الأول للأدب وكرامة التنزيه لا للتحريم. والثاني أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال واختار القاضي هذا الجواب. ولا نهي في قول المملوك سيدي لقوله صلى الله عليه وسلم: ليقل سيدي لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب ولا مستعملة فيه كاستعمالها، حتى نقل القاضي عن مالك أنه كره الدعاء بسيدي ولم يأت تسمية الله تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد وقوموا إلى سيدكم يعني سعد بن معاذ. وفي الحديث الاَخر: اسمعوا ما يقول سيدكم يعني سعد بن عبادة، فليس في قول العبد سيدي إشكال ولا لبس لأنه يستعمله غير العبد والأمة، ولا بأس أيضاً بقول العبد لسيده مولاي فإن المولى وقع على ستة عشر معنى سبق بيانها منها الناصر والمالك. قال القاضي: وأما قوله في كتاب مسلم في رواية وكيع وأبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه ولا يقل العبد لسيده مولاي فقد اختلف الرواة عن الأعمش في ذكر هذه اللفظة فلم يذكرها عنه آخرون وحذفها أصح والله أعلم. الثاني يكره للسيد أن يقول لمملوكه عبدي وأمتي بل يقول غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيماً بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال: كلكم عبيد الله، فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول في الأفعال وفي إسبال الازار وغيره. وأما غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي فليست دالة على الملك كدلالة عبدي مع أنها تطلق على الحر والمملوك وإنما هي للاختصاص، قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه} وقال لفتيانه، وقال لفتيته، قالوا سمعنا فتى يذكرهم. وأما استعمال الجارية في الحرة الصغيرة فمشهور معروف في الجاهلية والإسلام، والظاهر أن المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم والارتفاع لا للوصف والتعريف والله أعلم.
*2* باب كراهة قول الإنسان: خبثت نفسي
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". هَذَا حَدِيثُ أَبِي كُرَيْبٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ "لَكِنْ".
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي. وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي"
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي" قال أبو عبيد وجميع أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم لقست وخبثت بمعنى واحد، وإنما كره لفظ الخبث لبشاعة الاسم وعلمهم الأدب في الألفاظ واستعمال حسنها وهجران خبيثها، قالوا: ومعنى لقست غثت. وقال ابن الأعرابي: معناه ضاقت. فإن قيل: فقد قال صلى الله عليه وسلم في الذي ينام عن الصلاة فأصبح خبيث النفس كسلان. قال القاضي غيره: جوابه أن النبي صلى الله عليه وسلم مخبر هناك عن صفة غيره وعن شخص مبهم مذموم الحال لا يمتنع إطلاق هذا اللفظ عليه والله أعلم.
*2* باب استعمال المسك، وأنه أطيب الطيب. وكراهة ردّ الريحان والطيب
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ. حَدّثَنِي خُلَيْدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "كَانَتِ امْرَأَةٌ، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَصِيرَةٌ. تَمْشِي مَعَ امْرَأَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ. فَاتّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ. وَخَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ مُغْلَقٌ مُطْبَقٌ. ثُمّ حَشَتْهُ مِسْكاً. وَهُوَ أَطْيَبُ الطّيبِ. فَمَرّتْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ. فَلَمْ يَعْرِفُوهَا. فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا" وَنَفَضَ شُعْبَةُ يَدَهُ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ و الْمُسْتَمِرّ. قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا نَضْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. حَشَتْ خَاتَمَهَا مِسْكاً. وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطّيبِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. كِلاَهُمَا عَنِ المُقْرِئِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ المُقْرِئُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيّوبَ. حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ، فَلاَ يَرُدّهُ. فَإِنّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيّب الرّيحِ".
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ أَبُو طَاهِرٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ عِيَسىَ (قَالَ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ بِألُوّةٍ، غَيْرَ مُطَرّاةٍ. وَبِكَافُورٍ، يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوّةِ. ثُمّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والمسك أطيب الطيب" فيه أنه أطيب الطيب وأفضله وأنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ويجوز بيعه وهذا كله مجمع عليه. ونقل أصحابنا فيه عن الشيعة مذهباً باطلاً وهم محجوجون بإجماع المسلمين وبالأحاديث الصحيحة في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له واستعمال أصحابه. قال أصحابنا وغيرهم: هو مستثنى من القاعدة المعروفة أن ما أبين من حي فهو ميت، أو يقال أنه في معنى الجنين والبيض واللبن، وأما اتخاذ المرأة القصيرة رجلين من خشب حتى مشت بين الطويلتين فلم تعرف فحكمه في شرعنا أنها إن قصدت به مقصوداً صحيحاً شرعياً بأن قصدت ستر نفسها لئلا تعرف فتقصد بالأذى أو نحو ذلك فلا بأس به، وإن قصدت به التعاظم أو التشبه بالكاملات تزويراً على الرجال وغيرهم فهو حرام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح" المحمل هنا بفتح الميم الأولى وكسر الثانية كالمجلس، والمراد به الحمل بفتح الحاء أي خفيف الحمل ليس بثقيل. وقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا يرده) برفع الدال على الفصيح المشهور، وأكثر ما يستعمله من لا يحقق العربية بفتحها، وقد سبق بيان هذه اللفظة وقاعدتها في كتاب الحج في حديث الصعب بن جثامة حين أهدى الحمار الوحشي فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" وأما الريحان فقال أهل اللغة: وغريب الحديث في تفسير هذا الحديث هو كل نبت مشموم طيب الريح. قال القاضي عياض بعد حكاية ما ذكرناه: ويحتمل عندي أن يكون المراد به في هذا الحديث الطيب كله. وقد وقع في رواية أبي داود في هذا الحديث من عرض عليه طيب. وفي صحيح البخاري: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب" والله أعلم. وفي هذا الحديث كراهة رد الريحان لمن عرض عليه إلا لعذر.
قوله: (كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بألوة غير مطراة أو بكافور يطرحه مع الألوة ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به مأخوذ من المجمر وهو البخور، وأما الألوة فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر أهل اللغة: والغريب هي العود يتبخر به، قال الأصمعي: أراها فارسية معربة وهي بضم اللام وفتح الهمزة وضمها لغتان مشهورتان، وحكى الأزهري كسر اللام. قال القاضي: وحكى عن الكسائي ألية، قال القاضي: قال غيره وتشدد وتخفف وتكسر الهمزة وتضم، وقيل لوة ولية. وقوله: (غير مطراة) أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب، ففي هذا الحديث استحباب الطيب للرجال كما هو مستحب للنساء لكن يستحب للرجال من الطيب ما ظهر ريحه وخفي لونه، وأما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة والعيد عند حضور مجامع المسلمين ومجالس الذكر والعلم وعند إرادته معاشرة زوجته ونحو ذلك والله أعلم.