كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم
 *1* كتاب فضائل الصحابة رضي اللّهُ تعالى عنهم
*2* باب من فضائل أبي بكر الصديق، رضي اللّهُ عنه
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ (قَالَ عَبْدُ اللّهِ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ حَدّثَهُ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَىَ أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَىَ رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَىَ قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ. فَقَالَ"يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَىَ بْنِ خَالِدٍ. حَدّثَنَا مَعْنٌ. حَدّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَىَ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "عَبْدٌ خَيّرَهُ اللّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ. فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ" فَبَكَىَ أَبُو بَكْرٍ. وَبَكَىَ. فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمّهَاتِنَا. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيّرُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَمَنّ النّاسِ عَلَيّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ. وَلَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً. وَلَكِنْ أُخُوّةُ الإِسْلاَمِ. لاَ يَبْقَيَنّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلاّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَالِمٍ، أَبِي النّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم النّاسَ يَوْماً. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيلِ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ قَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً. وَلَكِنّهُ أَخِي وَصَاحِبِي. وَقَدِ اتّخَذَ اللّهُ، عَزّ وَجَلّ، صَاحِبَكُمْ خَلِيلاً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّىَ) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً مِنْ أُمّتِي أَحَداً خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلاً"
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مُغِيَرةَ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيّانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيلِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلاً، لاَتّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلاً. وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللّهُ"
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ (وَاللّفْظُ لَهُمَا) قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ إِنّي أَبْرَأُ إِلَىَ كُلّ خِلَ مِنْ خِلّهِ. وَلَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً. إِنّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللّهِ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَىَ جَيْشِ ذَاتِ السّلاَسِلِ. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيّ النّاسِ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ "عَائِشَةُ" قُلْتُ: مِنَ الرّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا" قُلْتُ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "عُمَرُ" فَعَدّ رِجَالاً.
وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. سَمِعْتُ عَائِشَةَ، وَسُئِلَتْ: مَنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْلِفاً لَوِ اسْتَخْلَفَهُ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ. فَقِيلَ لَهَا: ثُمّ مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. ثُمّ قِيلَ لَهَا: مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟. قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ. ثُمّ انْتَهَتْ إِلَىَ هَذَا.
حدّثني عَبّادُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِدٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً. فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ قَالَ أَبِي: كَأَنّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ".
وحدّثنيهِ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ. أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلّمَتْهُ فِي شَيْءٍ. فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبّادِ بْنِ مُوسَىَ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي مَرَضِهِ: "ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ، وَأَخَاكِ، حَتّىَ أَكْتُبَ كِتَاباً. فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنّىَ مُتَمَنَ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَىَ. وَيَأْبَىَ اللّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاّ أَبَا بَكْرٍ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِماً؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضاً؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاّ دَخَلَ الْجَنّةَ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ، قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ: إِنّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا. وَلَكِنّي إِنّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ". فَقَالَ النّاسُ: سُبْحَانَ اللّهِ تَعَجّباً وَفَزَعاً. أَبَقَرَةٌ تَكَلّمُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ، عَدَا عَلَيْهِ الذّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً. فَطَلَبَهُ الرّاعِي حَتّىَ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟" فَقَالَ النّاسُ: سُبْحَانَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنّي أُومِنُ بِذَلِكَ. أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ".
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قِصّةَ الشّاةِ وَالذّئْبِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قِصّةَ الْبَقَرَةِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفرِيّ عَنْ سُفْيَانَ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزّهْرِيّ. وَفِي حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ الْبَقَرَةِ وَالشّاةِ مَعاً. وَقَالاَ فِي حَدِيثِهِمَا: "فَإِنّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" وَمَا هُمَا ثَمّ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرٍ. كِلاَهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أبو عبد الله المازري: اختلف الناس في تفضيل بعض الصحابة على بعض فقالت طائفة: لا نفاضل بل نمسك عن ذلك، وقال الجمهور بالتفضيل ثم اختلفوا فقال أهل السنة أفضلهم أبو بكر الصديق، وقال الخطابية أفضلهم عمر بن الخطاب، وقالت الراوندية أفضلهم العباس، وقالت الشيعة علي، واتفق أهل السنة على أن أفضلهم أبو بكر ثم عمر قال جمهورهم ثم عثمان ثم علي، وقال بعض أهل السنة من أهل الكوفة بتقديم علي على عثمان والصحيح المشهور تقديم عثمان، قال أبو منصور البغدادي: أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة على الترتيب المذكور ثم تمام العشرة ثم أهل بدر ثم أحد ثم بيعة الرضوان، وممن له مزية أهل العقبتين من الأنصار وكذلك السابقون الأولون وهم من صلى إلى القبلتين في قول ابن المسيب وطائفة، وفي قول الشعبي أهل بيعة الرضوان، وفي قول عطاء ومحمد بن كعب أهل بدر، قال القاضي عياض: وذهبت طائفة منهم ابن عبد البر إلى أن من توفي من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ممن بقي بعده وهذا الإطلاق غير مرضي ولا مقبول، واختلف العلماء في أن التفضيل المذكور قطعي أم لا، وهل هو في الظاهر والباطن أم في الظاهر خاصة؟ وممن قال بالقطع أبو الحسن الأشعري قال وهم في الفضل على ترتيبهم في الإمامة، وممن قال بأنه اجتهادي ظني أبو بكر الباقلاني، وذكر ابن الباقلاني اختلاف العلماء في أن التفضيل هل هو في الظاهر أم في الظاهر والباطن جميعاً؟ وكذلك اختلفوا في عائشة وخديجة أيتهما أفضل، وفي عائشة وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين. وأما عثمان رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع وقتل مظلوماً وقتلته فسقة لأن موجبات القتل مضبوطة ولم يجر منه رضي الله عنه ما يقتضيه ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل وسفلة الأطراف والأرذال تحزبوا وقصدوه من مصر فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه. وأما علي رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره. وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه. وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحداً منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم. واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده. وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الاَخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه. وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم، ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" معناه ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد وهو داخل في قوله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذا المقام، وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه، والفضيلة من أوجه منها هذا اللفظ، ومنها بذله نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه، ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وبكى وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا" هكذا هو في جميع النسخ فبكى أبو بكر وبكى معناه بكى كثيراً ثم بكى، والمراد بزهرة الدنيا نعيمها وأعراضها وحدودها وشبهها بزهرة الروض، وقوله فديناك دليل لجواز التفدية وقد سبق بيانه مرات، وكان أبو بكر رضي الله عنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو العبد المخير فبكى حزناً على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائماً، وإنما قال صلى الله عليه وسلم أن عبداً وأبهمه لينظر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر" قال العلماء: معناه أكثرهم جوداً وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب، ولأن المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وفي غيره. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام" وفي رواية: "لكن أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً" قال القاضي: قيل أصل الخلة الافتقار والانقطاع فخليل الله المنقطع إليه، وقيل لقصره حاجته على الله تعالى، وقيل الخلة الاختصاص، وقيل الاصطفاء، وسمي إبراهيم خليلاً لأنه والى في الله تعالى وعادى فيه، وقيل سمي به لأنه تخلق بخلال حسنة وأخلاق كريمة وخلة الله تعالى له نصره وجعله إماماً لمن بعده. وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودة بتخلل الأسرار، وقيل أصلها المحبة ومعناه الإسعاف والإلطاف، وقيل الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله، ومعنى الحديث أن حب الله تعالى لم يبق في قلبه موضعاً لغيره. قال القاضي: وجاء في أحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا وأنا حبيب الله، فاختلف المتكلمون هل المحبة أرفع من الخلة أم الخلة أرفع أم هما سواء؟ فقالت طائفة هما بمعنى فلا يكون الحبيب إلا خليلاً ولا يكون الخليل إلا حبيباً، وقيل الحبيب أرفع لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وسلم، وقيل الخليل أرفع، وقد ثبتت خلة نبينا صلى الله عليه وسلم لله تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره، وأثبت محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وابنيها وغيرهم، ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه هذه مباديها. وأما غايتها فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث الصحيح: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره" إلى آخره، هذا كلام القاضي. وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم فلا يخالف هذا لأن الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" الخوخة بفتح الخاء وهي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه، وفيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه. وفيه أن المساجد تصان عن تطرق الناس إليها في خوخات ونحوها إلا من أبوابها إلا لحاجة مهمة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله" هما بكسر الخاء، فأما الأول فكسره متفق عليه وهو الخل بمعنى الخليل، وأما قوله من خله فبكسر الخاء عند جميع الرواة في جميع النسخ، وكذا نقله القاضي عن جميعهم قال: والصواب الأوجه فتحها، قال: والخلة والخل والخلال والمخاللة والخلالة والخلوة الإخاء والصداقة أي برئت إليه من صداقته المقتضية المخاللة، هذا كلام القاضي والكسر صحيح كما جاءت به الروايات أي أبرأ إليه من مخالتي إياه. وذكر ابن الأثير أنه روي بكسر الخاء وفتحها وأنهما بمعنى الخلة بالضم التي هي الصداقة.
قوله: (بعثه على جيش ذات السلاسل) هو بفتح السين الأولى وكسر الثانية وهو ماء لنبي حذام بناحية الشام، ومنهم من قال هو بضم السين الأولى، وكذا ذكره ابن الأثير في نهاية الغريب وأظنه استنبطه من كلام الجوهري في الصحاح ولا دلالة فيه والمشهور والمعروف فتحها، وكانت هذه الغزوة في جمادى الأخرى سنة ثمان من الهجرة، وكانت مؤتة قبلها في جمادى الأولى من سنة ثمان أيضاً، قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: كانت ذات السلاسل بعد مؤتة فيما ذكره أهل المغازي إلا ابن إسحاق فقال قبلها. قوله: (أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال عمر، فعد رجالاً) هذا تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم. وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر على جميع الصحابة.
قوله: (سئلت عائشة من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه قالت أبو بكر، فقيل لها ثم من بعد أبي بكر قالت عمر، ثم قيل لها من بعد عمر قالت أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا) يعني وقفت على أبي عبيدة، هذا دليل لأهل السنة في تقديم أبي بكر ثم عمر للخلافة مع إجماع الصحابة، وفيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته صريحاً بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه لفضيلته، ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولاً ولذكر حافظ النص ما معه ولرجعوا إليه لكن تنازعوا أولاً ولم يكن هناك نص ثم اتفقوا على أبي بكر واستقر الأمر. وأما ما تدعيه الشيعة من النص على علي والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي، وأول من كذبهم علي رضي الله عنه بقوله ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة الحديث ولو كان عنده نص لذكره، ولم ينقل أنه ذكره في يوم من الأيام ولا أن أحداً ذكره له والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بعد هذا للمرأة حين قالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك "قال: فإن لم تجديني فأتي أبا بكر" فليس فيه نص على خلافته وأمر بها بل هو إخبار بالغيب الذي أعلمه الله تعالى به والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "ادعي لي أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً فإنى أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا ولا يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة أنا ولا بتخفيف أنا ولا أي يقول أنا أحق وليس كما يقول بل يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، وفي بعضها أنا أولى أي أنا أحق بالخلافة، قال القاضي: هذه الرواية أجودها، ورواه بعضهم أنا ولي بتخفيف النون وكسر اللام أي أنا أحق والخلافة لي، وعن بعضهم أنا ولاه أي أنا الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أنى ولاه بتشديد النون أي كيف ولاه، في هذا الحديث دلالة ظاهرة لفضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإخبار منه صلى الله عليه وسلم بما سيقع في المستقبل بعد وفاته وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره، وفيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع ووقع كل ذلك، وأما طلبه لأخيها مع أبي بكر فالمراد أنه يكتب الكتاب. ووقع في رواية البخاري: لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه وأعهد، ولبعض رواة البخاري وآتيه بألف ممدودة ومثناة فوق ومثناة تحت من الإتيان، قال القاضي: وصوبه بعضهم وليس كما صوب بل الصواب ابنه بالباء الموحدة والنون وهو أخو عائشة، وتوضحه رواية مسلم أخاك، ولأن إتيان النبي صلى الله عليه وسلم كان متعذراً أو متعسراً وقد عجز عن حضور الجماعة واستخلف الصديق ليصلي بالناس واستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة" قال القاضي: معناه دخل الجنة بلا محاسبة ولا مجازاة على قبيح الأعمال، وإلا فمجرد الإيمان يقتضي دخول الجنة بفضل الله تعالى.
قوله صلى الله عليه وسلم في كلام البقرة وكلام الذئب وتعجب الناس من ذلك: "فإني أومن به وأبو بكر وعمر وما هما" ثم قال العلماء: إنما قال ذلك ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما لعظيم سلطان الله وكمال قدرته، ففيه فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفيه جواز كرامات الأولياء وخرق العوائد وهو مذهب أهل الحق وسبقت المسألة. قوله: (قال الذئب من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري) روى السبع بضم الباء وإسكانها الأكثرون على الضم، قال القاضي: الرواية بالضم، وقال بعض أهل اللغة: هي ساكنة وجعله اسماً للموضع الذي عنده المحشر يوم القيامة أي من لها يوم القيامة، وأنكر بعض أهل اللغة أن يكون هذا اسماً ليوم القيامة، وقال بعض أهل اللغة: يقال سبعت الأسد إذا دعوته، فالمعنى على هذا من لها يوم الفزع ويوم القيامة يوم الفزع، ويحتمل أن يكون المراد من لها يوم الإهمال من أسبعت الرجل أهملته، وقال بعضهم: يوم السبع بالإسكان عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه بلعبهم فيأكل الذئب غنمهم، وقال الداودي: يوم السبع أي يوم يطردك عنها السبع وبقيت أنا فيها لا راعي لها غيري لفرارك منه فأفعل فيها ما أشاء، هذا كلام القاضي. وقال ابن الأعرابي: هو بالإسكان أي يوم القيامة أو يوم الذعر، وأنكر عليه آخرون هذا لقوله يوم لا راعي لها غيري ويوم القيامة لا يكون الذئب راعيها ولا له بها تعلق، والأصح ما قاله آخرون وسبقت الإشارة إليهمن أنها عند الفتن حين تتركها الناس هملاً لا راعي لها نهبة للسباع فجعل السبع لها راعياً أي منفرداً بها وتكون بضم الباء والله أعلم
*2* باب من فضائل عمر، رضي اللّهُ تعالى عنه
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ وَ أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ وَ أَبُو كُريْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَاللّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ (قَالَ أَبُو الرّبِيعِ: حَدّثَنَا. وَقَالاَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ عَلَىَ سَرِيرِهِ. فَتَكَنّفَهُ النّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلّونَ عَلَيْهِ. قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ. وَأَنَا فِيهِمْ. قَالَ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاّ بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي. فَالْتَفَتّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيّ. فَتَرَحّمَ عَلَىَ عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلّفْتَ أَحَداً أَحَبّ إِلَيّ، أَنْ أَلْقَىَ اللّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ، مِنْكَ. وَايْمُ اللّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ. وَذَاكَ أَنّي كُنْتُ أُكَثّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو، أَوْ لأَظُنّ، أَنْ يَجْعَلَكَ اللّهُ مَعَهُمَا.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيْسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ.
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللّفْظُ لَهُمْ). قَالُوا: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ. مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثّدِيّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرّ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرّهُ". قَالُوا: مَاذَا أَوّلْتَ ذَلِكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: "الدّينَ".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ أَنّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ قَدَحاً أُتِيتُ بِهِ، فِيهِ لَبَنٌ. فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتّىَ إِنّي لأَرَىَ الرّيّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي. ثُمّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ". قَالُوا: مَاذَا أَوّلْتَ ذَلِكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "الْعِلْمَ".
وحدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيلٍ. ح وَحَدّثَنَا الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. بِإِسْنَادِ يُونُسَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ.
حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَىَ قَلِيبٍ، عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللّهُ. ثُمّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ. وَفِي نَزْعِهِ، وَاللّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ضُعْفٌ. ثُمّ اسْتَحَالَتْ غَرْباً فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطّابِ. فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّا مِنَ النّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، حَتّىَ ضَرَبَ النّاسُ بِعَطَنٍ".
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ الْحَلْوَانِيّ و عَبْد بْنُ حُمَيدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. بِإِسْنَادِ يُونُسَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ.
حدّثني الْحَلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. قَالَ: قَالَ الأَعْرَجُ وَغَيْرُهُ: إِنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ يَنْزِعُ" بِنَحْوِ حَدِيثِ الزّهْرِيّ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمّي، عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنّ أَبَا يُونُسَ، مَوْلَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنّي أَنْزِعُ عَلَىَ حَوْضِي أَسْقِي النّاسَ. فَجَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرَوّحَنِي. فَنَزَعَ دَلْوَيْنِ. وَفِي نَزْعِهِ ضُعْفٌ. وَاللّهُ يَغْفِرُ لَهُ. فَجَاءَ ابْنُ الْخَطّابِ فَأَخَذَ مِنْهُ. فَلَمْ أَرَ نَزْعَ رَجُلٍ قَطّ أَقْوَىَ مِنْهُ. حَتّىَ تَوَلّىَ النّاسُ، وَالْحَوْضُ مَلاَنُ يَتَفَجّرُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُرِيتُ كَأَنّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ علىَ قَلِيبٍ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ. فَنَزَعَ نَزْعاً ضَعِيفاً. وَاللّهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ، يَغْفِرُ لَهُ. ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَقَىَ. فَاسْتَحَالَتْ غَرْباً. فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّا مِنَ النّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ. حَتّىَ رُوِيَ النّاسُ وَضَرَبُوا الْعَطَنَ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنِي مُوسَىَ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رضيَ اللّهُ عَنْهُمَا. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو وَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَا جَابِراً يُخْبِرُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "دَخَلْتُ الْجَنّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَاراً أَوْ قَصْراً. فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ". فَبَكَىَ عُمَرُ وَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللّهِ أَوَ عَلَيْكَ يُغَارُ؟.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو وَابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِراً.ح وَحَدّثَنَاهُ عُمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعْتُ جَابِراً عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرٍ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ أَنّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسّيَبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنّةِ. فَإِذَا امْرَأَةٌ تَوَضّأُ إِلَىَ جَانِبِ قَصْرٍ. فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ. فَوَلّيْتُ مُدْبِراً".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَىَ عُمَرُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَالَ عُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟.
وحدّثنيهِ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). ح وحَدّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَالَ حَسَنٌ: حَدّثَنَا) يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصِ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَاهُ سَعْداً قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ. عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنّ. فَلَمّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللّهُ سِنّكَ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاّتِي كُنّ عِنْدِي. فَلَمّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ" قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ، يَا رَسُولَ اللّهِ أَحَقّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمّ قَالَ عُمَرُ: أَيْ عَدُوّاتِ أَنْفُسِهِنّ أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْنَ: نَعَمْ. أَنْتَ أَغْلَظُ وَأَفَظّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشّيْطَانُ قَطّ سَالِكاً فَجّا إِلاّ سَلَكَ فَجّا غَيْرَ فَجّكَ".
حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ. أَخْبَرَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ جَاءَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ قَدْ رَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنّ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الزّهْرِيّ.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَة، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: "قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدّثُونَ. فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ فَإِنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ مِنْهُمْ".
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدّثُونَ: مُلْهَمُونَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ أَخْبَرَنَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبّي فِي ثَلاَثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَىَ بَدْرٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: لَمّا تُوُفّيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيَ، ابْنُ سَلُولَ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفّنَ فِيهِ أَبَاهُ. فَأَعْطَاهُ. ثُمّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلّيَ عَلَيْهِ. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلّيَ عَلَيْهِ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُصَلّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللّهُ أَنْ تُصَلّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّمَا خَيّرَنِي اللّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً} (9 التوبة الاَية: ) وَسَأَزِيدُ عَلَىَ سَبْعِينَ" قَالَ: إِنّهُ مُنَافِقٌ.
فَصَلّىَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {وَلاَ تُصَلّ عَلَىَ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} (9 التوبة الاَية: ).
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فِي مَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَزَادَ: قَالَ فَتَرَكَ الصّلاَةَ عَلَيْهِمْ.
قوله: (فتكنفه الناس) أي أحاطوا به والسرير هنا النعش. قوله: "فلم يرعني إلا برجل" هو بفتح الباء وضم الراء ومعناه لم يفجأني إلا ذلك، وقوله برجل هكذا هو في النسخ برجل بالباء أي لم يفجأني الأمر أو الحال إلا برجل، وفي هذا الحديث فضيلة أبي بكر وعمر وشهادة علي لهما وحسن ثنائه عليهما وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين.
قوله صلى الله عليه وسلم في رؤيا المنام: "ومر عمر وعليه قميص يجره قالوا ما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين".
وفي الرواية الأخرى: "رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم" قال أهل العبارة: القميص في النوم معناه الدين، وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به. وأما تفسير اللبن بالعلم فلاشتراكهما في كثرة النفع وفي أنهما سبب الصلاح، فاللبن غذاء الأطفال وسبب صلاحهم وقوت للأبدان بعد ذلك، والعلم سبب لصلاح الاَخرة والدنيا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه والله يغفر له ضعف ثم استحالت غرباً فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن" أما القليب فهي البئر غير المطوية والدلو يذكر ويؤنث، والذنوب بفتح الذال الدلو المملوءة، والغرب بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء وهي الدلو العظيمة، والنزع الاستقاء، والضعف بضم الضاد وفتحها لغتان مشهورتان الضم أفصح، ومعنى استحالت صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر، وأما العبقري فهو السيد وقيل الذي ليس فوقه شيء، ومعنى ضرب الناس بعطن أي أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن بركته وآثار صحبته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام، ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأنزل الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} ثم توفي صلى الله عليه وسلم فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهراً وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ذنوباً أو ذنوبين وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم وشبه أميرهم بالمستقى لهم وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضي الله عنه وفي نزعه ضعف فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر ولا إثبات فضيلة لعمر عليه وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات ومصر الأمصار ودون الدواوين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: والله يغفر له فليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة، وقد سبق في الحديث في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك. قال العلماء: وفي كل هذا إعلام بخلافة أبي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني" قال العلماء: فيه إشارة إلى نيابة أبي بكر عنه وخلافته بعده وراحته صلى الله عليه وسلم بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها كما قال صلى الله عليه وسلم: مستريح ومستراح منه الحديث، والدنيا سجن المؤمن، ولا كرب على أبيك بعد اليوم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه" أما يفري فبفتح الياء وإسكان الفاء وكسر الراء، وأما فريه فروي بوجهين: أحدهما فريه بإسكان الراء وتخفيف الياء والثانية كسر الراء وتشديد الياء وهما لغتان صحيحتان، وأنكر الخليل التشديد وقال هو غلط اتفقوا على أن معناه لم أر سيداً يعمل عمله ويقطع قطعه، وأصل الفري بالإسكان القطع يقال فريت الشيء أفريه فرياً قطعته للإصلاح فهو مفري وفرى وأفريته إذا شققته على جهة الإفساد، وتقول العرب: تركته يفري الفرى إذا عمل العمل فأجاده، ومنه حديث حسان لأفرينهم فري الأديم أي أقطعهم بالهجاء كما يقطع الأديم. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى ضرب الناس بعطن" سبق تفسيره، قال القاضي: ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة، وقيل يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعاً لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر وضرب الناس بعطن لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفهم وابتدأ الفتوح ومهد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كأني أنزع بدلو بكرة" هي بإسكان الكاف وفتحها. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى روي الناس" هو بكسر الواو والمخففة أي أخذوا كفايتهم.
قوله: (عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيدان محمد بن سعد بن أبي وقاص أخبره أن أباه سعداً قال استأذن عمر) هذا الحديث اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم: صالح وابن شهاب وعبد الحميد ومحمد، وقد رأى عبد الحميد بن عباس. قوله: (وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن) قال العلماء: معنى يستكثرنه يطلبن كثيراً من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن، وقوله عالية أصواتهن قال القاضي: يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان باجتماعها لا أن كلام كل واحدة بانفرادها أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم. قوله: (قلن أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) الفظ والغليظ بمعنى وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب، قال العلماء: وليست لفظة افعل هنا للمفاضلة بل هي بمعنى فظ غليظ، قال القاضي: وقد يصح حملها على المفاضلة وأن القدر الذي منها في النبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان من إغلاظه على الكافرين والمنافقين كما قال تعالى: {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} وكان يغضب ويغلظ عند انتهاك حرمات الله تعالى والله أعلم. وفي هذا الحديث فضل لين الجانب والحلم والرفق ما لم يفوت مقصوداً شرعياً. قال الله تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} وقال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقال تعالى: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}. قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك) الفج الطريق الواسع ويطلق أيضاً على المكان المنخرق بين الجبلين، وهذا الحديث محمول على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكاً فجاً هرب هيبة من عمر وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئاً. قال القاضي: ويحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشيطان وإغوائه منه، وأن عمر في جميع أمور سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان والصحيح الأول.
قوله: (عن ابن وهب عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم) قال ابن وهب: تفسير محدثون ملهمون هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: المشهور فيه عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه البخاري من هذا الطريق عن أبي سلمة عن أبي هريرة، واختلف تفسير العلماء للمراد بمحدثون فقال ابن وهب ملهمون وقيل مصيبون وإذا ظنوا فكأنهم حدثوا بشيء فظنوا وقيل تكلمهم الملائكة وجاء في رواية متكلمون، وقال البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم وفيه إثبات كرامات الأولياء.
قوله: (قال عمر وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر) هذا من أجل مناقب عمر وفضائله رضي الله عنه وهو مطابق للحديث قبله ولهذا عقبه مسلم به، وجاء في هذه الرواية: وافقت ربي في ثلاث وفسرها بهذه الثلاث، وجاء في رواية أخرى في الصحيح: اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت الاَية بذلك. وجاء في الحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا موافقته في منع الصلاة على المنافقين ونزول الاَية بذلك، وجاءت موافقته في تحريم الخمر فهذه ست وليس في لفظه ما ينفي زيادة الموافقة والله أعلم.
قوله: (لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول) هكذا صوابه ان يكتب بن سلول بالألف ويعرب بإعراب عبد الله فإنه وصف ثان له لأنه عبد الله بن أبي وهو عبد الله ابن سلول أيضاً فأبي أبوه وسلول أمه فنسب إلى أبويه جميعاً ووصف بهما، وقد سبق بيان هذا ونظائره في كتاب الإيمان في حديث المقداد حين قتل من أظهر الشهادة وأوضحنا هناك وجوهها. قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه قميصه ليكفن فيه أباه المنافق) قيل إنما أعطاه قميصه وكفنه فيه تطييباً لقلب ابنه فإنه كان صحابياً صالحاً وقد سأل ذلك فأجابه إليه، وقيل مكافأة لعبد الله المنافق الميت لأنه كان ألبس العباس حين أسر يوم بدر قميصاً، وفي هذا الحديث بيان عظيم مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم ما كان من هذا المنافق من الإيذاء وقابله بالحسنى فألبسه قميصاً كفناً وصلى عليه واستغفر له، قال الله تعالى: {إنك لعلى خلق عظيم} وفيه تحريم الصلاة والدعاء له بالمغفرة والقيام على قبره للدعاء
*2* باب من فضائل عثمان بن عفان، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ وَ سُلَيْمَانَ ابْنَيْ يَسَارٍ، وَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعاً فِي بَيْتِي، كَاشِفاً عَنْ فَخِذَيْهِ. أَوْ سَاقَيْهِ. فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ. فَأَذِنَ لَهُ. وَهُوَ عَلَىَ تِلْكَ الْحَالِ. فَتَحَدّثَ. ثُمّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ. وَهُوَ كَذَلِكَ. فَتَحَدّثَ. ثُمّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَسَوّىَ ثِيَابَهُ قَالَ مُحَمّدٌ: وَلاَ أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ فَتَحَدّثَ. فَلَمّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشّ لَهُ. وَلَمْ تُبَالِهِ. ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ. ثُمّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ "أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ".
حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَ عُثْمَانَ حَدّثَاهُ أَنّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَىَ فِرَاشِهِ، لاَبِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ. فَأَذِنَ لأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَقَضَىَ إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمّ انْصَرَفَ. ثُمّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ. فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَىَ تِلْكَ الْحَالِ فَقَضَىَ إِلَيْهِ حَاجَتَهُ. ثُمّ انْصَرَفَ. قَالَ عُثْمَانُ: ثُمّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ. وَقَالَ لِعَائِشَةَ: "اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ" فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي ثُمّ انْصَرَفْتُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا، كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيّ. وَإِنّي خَشِيتُ، إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَىَ تِلْكَ الْحَالِ، أَنْ لاَ يَبْلُغَ إِلَيّ فِي حَاجَتِهِ".
حدّثناه عَمْرٌو النّاقِدُ وَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كُلّهُمْ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ أَنّ عُثْمَانَ وَ عَائِشَةَ حَدّثَاهُ أَنّ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ اسْتَأْذَنَ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ الزّهْرِيّ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ الأَشْعَرِيّ. قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُتّكِئٌ يَرْكُزُ بِعُودٍ مَعَهُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطّينِ، إِذَا اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ. فَقَالَ: "افْتَحْ. وَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ" قَالَ: فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ. فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشّرْتُهُ بِالْجَنّةِ. قَالَ: ثُمّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ. فَقَالَ: "افْتَحْ وَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ" قَالَ: فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ. فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشّرْتُهُ بِالْجَنّةِ. ثُمّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ. قَالَ: فَجَلَسَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "افْتَحْ وَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ عَلَىَ بَلْوَىَ تَكُونُ" قَالَ: فَذَهَبْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ. قَالَ: فَفَتَحْتُ وَبَشّرْتُهُ بِالْجَنّةِ. قَالَ: وَقُلْتُ الّذِي قَالَ: فَقَالَ: اللّهُمّ صَبْراً. أَوِ اللّهُ الْمُسْتَعَانُ.
حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ الأَشْعَرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطاً وَأَمَرَنِي أَنْ أَحْفَظَ الْبَابَ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسّانَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ) عَنْ شرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ. أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيّ أَنّهُ تَوَضّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمّ خَرَجَ. فَقَالَ: لأَلْزَمَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلأَكُونَنّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ. فَسَأَلَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: خَرَجَ. وَجّهَ هَهُنَا. قَالَ: فَخَرَجْتُ عَلَىَ إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ. حَتّىَ دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ. قَالَ: فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ. وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ. حَتّىَ قَضَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ وَتَوَضّأَ. فَقُمْتُ إِلَيْهِ. فَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَىَ بِئْرِ أَرِيسٍ. وَتَوَسّطَ قُفّهَا، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، وَدَلاّهُمَا فِي الْبِئْرِ. قَالَ: فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ. ثُمّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ. فَقُلْتُ: لأَكُونَنّ بَوّابَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَىَ رِسْلِكَ. قَالَ: ثُمّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشّرْهُ بِالْجَنّةِ" قَالَ: فَأَقْبَلْتُ حَتّىَ قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشّرُكَ بِالْجَنّةِ. قَالَ: فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ. فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ فِي الْقُفّ. وَدَلّىَ رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ. كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ. ثُمّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ. وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضّأُ وَيَلْحَقُنِي. فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللّهِ بِفُلاَنٍ يُرِيدُ أَخَاهُ خَيْراً يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرّكُ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ. فَقُلْتُ: عَلَىَ رِسْلِكَ. ثُمّ جِئْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشّرَهُ بِالْجَنّةِ" فَجِئْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: أَذِنَ وَيُبَشّرُكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنّةِ. قَالَ: فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُفّ، عَنْ يَسَارِهِ. وَدَلّىَ رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ. ثُمّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللّهُ بِفُلاَنٍ خَيْراً يَعْنِي أَخَاهُ يَأْتِ بِهِ. فَجَاءَ إِنْسَانٌ فَحَرّكَ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ. فَقُلْتُ: عَلَىَ رِسْلِكَ. قَالَ: وَجِئْتُ الْنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشّرَهُ بِالْجَنّةِ. مَعَ بَلْوَىَ تُصِيبُهُ" قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ. وَيُبَشّرُكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنّةِ. مَعَ بَلْوَىَ تُصِيبُكَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفّ قَدْ مُلِئَ. فَجَلَسَ وُجَاهَهُمْ مِنَ الشّقّ الاَخَرِ.
قَالَ شَرِيكٌ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ: فَأَوّلْتُهَا قُبُورَهُمْ.
حَدّثَنِيهِ أَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ. حَدّثَنِي سُلَيْمَانَ بْنُ بِلاَلٍ. حَدّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ. سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يَقُولُ: حَدّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيّ هَهُنَا. (وَأَشَارَ لِي سُلَيْمَانُ إِلَىَ مَجْلِسِ سَعِيدٍ، نَاحِيَةَ الْمَقْصُورَةِ) قَالَ أَبُو مُوسَىَ: خَرَجْتُ أُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَلَكَ فِي الأَمْوَالِ. فَتَبِعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ دَخَلَ مَالاً. فَجَلَسَ فِي الْقُفّ. وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاّهُمَا فِي الْبِئْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَسّانَ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ سَعِيدٍ: فَأَوّلْتُهَا قُبُورَهُمْ.
حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ قَالاَ: حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً إِلَىَ حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ. فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيّبِ: فَتَأَوّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ اجْتَمَعَتْ هَهُنَا. وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.
قولها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال إلى آخره) هذا الحديث مما يحتج به المالكية وغيرهم ممن يقول ليست الفخذ عورة ولا حجة فيه لأنه مشكوك في المكشوف هل هو الساقان أم الفخذان فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ، وفي هذا الحديث جواز تدلل العالم والفاضل بحضرة من يدل عليه من فضلاء أصحابه واستحباب ترك ذلك إذا حضر غريب أو صاحب يستحي منه. قوله: (دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا تهتش بالتاء بعد الهاء، وفي بعض النسخ الطارئة بحذفها وكذا ذكره القاضي وعلى هذا فالهاء مفتوحة يقال هش يهش كشم يشم، وأما الهش الذي هو خبط الورق من الشجر فيقال منه هش يهش بضمها، قال الله تعالى: {وأهش بها} قال أهل اللغة: الهشاشة والبشاشة بمعنى طلاقة الوجه وحسن اللقاء، ومعنى لم تباله لم تكترث به وتحتفل لدخوله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة" هكذا هو في الرواية أستحي بياء واحدة في كل واحدة منهما، قال أهل اللغة: يقال استحيي يستحيي بياءين واستحي ويستحي بياء واحدة لغتان الأولى أفصح وأشهر وبها جاء القرآن، وفيه فضيلة ظاهرة لعثمان وجلالته عند الملائكة، وأن الحياء صفة جميلة من صفات الملائكة.
قوله: (لابس مرط عائشة) هو بكسر الميم وهو كساء من صوف، وقال الخليل: كساء من صوف أو كتان أو غيره، وقال ابن الأعرابي وأبو زيد هو الإزار. قولها: (مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان) أي اهتممت لهما واحتفلت بدخولهما، هكذا هو في جميع نسخ بلادنا فزعت بالزاي والعين المهملة، وكذا حكاه القاضي عن رواية الأكثرين قال وضبطه بعضهم فرغت بالراء والغين المعجمة وهو قريب من معنى الأول.
قوله: (عن عثمان بن غياث) هو بالغين المعجمة والثاء المثلثة. قوله: (في حائط) هو البستان. قوله: (يركز بعود) هو بضم الكاف أي يضرب بأسفله ليثبته في الأرض. قوله: (استفتح رجل فقال افتح وبشره بالجنة) وفي رواية: (أمرني أن أحفظ الباب) وفي رواية: (لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يكون بواباً في جميع ذلك المجلس ليبشر هؤلاء المذكورين بالجنة رضي الله عنهم، ويحتمل أنه أمره بحفظ الباب أولاً إلى أن يقضي حاجته ويتوضأ لأنها حالة يستتر فيها ثم حفظ الباب أبو موسى من تلقاء نفسه. وفيه فضيلة هؤلاء الثلاثة وأنهم من أهل الجنة، وفضيلة لأبي موسى، وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب ونحوه، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لإخباره بقصة عثمان والبلوى وأن الثلاثة يستمرون على الإيمان والهدى. قوله: (والله المستعان) فيه استحبابه عند مثل هذا الحال. قوله: (فخرج وجه ههنا) المشهور في الرواية وجه بتشديد الجيم وضبطه بعضهم بإسكانها، وحكى القاضي الوجهين ونقل الأول عن الجمهور ورجح الثاني لوجود خرج أي قصد هذه الجهة. قوله: (جلس على بئر أريس وتوسط قفها) أما أريس فبفتح الهمزة مصروف، وأما القف فبضم القاف وهو حافة البئر وأصله الغليظ المرتفع من الأرض. قوله: (على رسلك) بكسر الراء وفتحها لغتان الكسر أشهر ومعناه تمهل وتأن. قوله: (في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما دليا أرجلهما في البئر كما دلاهما النبي صلى الله عليه وسلم فيها) هذا فعلاه للموافقة وليكون أبلغ في بقاء النبي صلى الله عليه وسلم على حالته وراحته بخلاف ما إذا لم يفعلاه فربما إستحيى منهما فرفعهما، وفي هذا دليل للغة الصحيحة أنه يجوز أن يقول دليت الدلو في البئر ودليت رجلي وغيرها فيه كما يقال أدليت، قال الله تعالى: {فأدلى دلوه} ومنهم من منع الأول وهذا الحديث يرد عليه. قوله: (فجلس وجاهتهم) بكسر الواو وضمها أي قبالتهم. قوله: (قال سعيد بن المسيب فأولتها قبورهم) يعني أن الثلاثة دفنوا في مكان واحد وعثمان في مكان بائن عنهم وهذا من باب الفراسة الصادقة
*2* باب من فضائل عليّ بن أبي طالب، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيمِيّ وَ أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمّدُ بْنُ الصّبّاحِ وَ عُبَيْدُ اللّهِ الْقَوَارِيرِيّ وَ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. كُلّهُمْ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الصّبّاحِ). حَدّثَنَا يُوسُفُ، أَبُو سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيَ: "أَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَرُونَ مِنْ مُوسَىَ. إِلاّ أَنّهُ لاَ نَبِيّ بَعْدِي".
قَالَ سَعِيدٌ: فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهَ بِهَا سَعْداً. فَلَقِيتُ سَعْداً. فَحَدّثْتُهُ بِمَا حَدّثَنِي عَامِرٌ. فَقَالَ: أَنَا سَمِعْتُهُ. فَقُلْتُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ؟ فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَىَ أُذُنَيْهِ فَقَالَ: نَعَمْ. وَإِلاّ. فَاسْتَكّتَا.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ. قَالَ: خَلّفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ تُخَلّفُنِي فِي النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ؟ فَقَالَ "أَمَا تَرْضَىَ أَنْ تَكُونَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَرُونَ مِنْ مُوسَىَ؟ غَيْرَ أَنّهُ لاَ نَبِيّ بَعْدِي".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللّفْظِ) قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْداً فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبّ أَبَا التّرَابِ؟ فَقَالَ: أَمّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاَثَا قَالَهُنّ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَنْ أَسُبّهُ. لأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنّ أَحَبّ إِلَيّ مِنْ حُمْرِ النّعَمِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهُ، خَلّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ خَلّفْتَنِي مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا تَرْضَىَ أَنْ تَكُونَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَرُونَ مِنْ مُوسَىَ. إِلاّ أَنّهُ لاَ نُبُوّةَ بَعْدِي". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ" قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ "ادْعُوا لِي عَلِيّا" فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ. فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرّايَةَ إِلَيْهِ. فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ. وَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ. {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} (3 آل عمران الاَية: ) دَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَقَالَ: "اللّهُمّ هَؤُلاَءِ أَهْلِي".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ لِعَلَيَ "أَمَا تَرْضَىَ أَنْ تَكُونَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَرُونَ مِنْ مُوسَىَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ سُهَيْل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنّ هَذِهِ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ. يَفْتَحُ اللّهُ عَلَىَ يَدَيْهِ". قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: مَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ إِلاّ يَوْمَئِذٍ. قَالَ: فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَىَ لَهَا. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَأَعْطَاهُ إِيّاهَا. وَقَالَ: "امْشِ. وَلاَ تَلْتَفِتْ. حَتّىَ يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْكَ". قَالَ: فَسَارَ عَلِيّ شَيْئاً ثُمّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ. فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللّهِ عَلَىَ مَاذَا أُقَاتِلُ النّاسَ؟ قَالَ: "قَاتِلْهُمْ حَتّىَ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَأَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. إِلاّ بِحَقّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَىَ اللّهِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ هَذَا). حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ. أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنّ هَذِهِ الرّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللّهُ عَلَىَ يَدَيْهِ. يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ. وَيُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ" قَالَ: فَبَاتَ النّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيّهُمْ يُعْطَاهَا. قَالَ: فَلَمّا أَصْبَحَ النّاسُ غَدَوْا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. كُلّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا. فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟" فَقَالُوا: هُوَ، يَا رَسُولَ اللّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَالَ: فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ. وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ. حَتّىَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ. فَأَعْطَاهُ الرّايَةَ. فَقَالَ عَلِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُقَاتِلْهُمْ حَتّىَ يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ: "انْفُذْ عَلَىَ رِسْلِكَ. حَتّىَ تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ. ثُمّ ادْعُهُمْ إِلَىَ الإِسْلاَمِ. وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقّ اللّهِ فِيهِ. فَوَاللّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النّعَمِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ كَانَ عَلِيّ قَدْ تَخَلّفَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ. وَكَانَ رَمِداً. فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلّفُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ عَلِيّ فَلَحِقَ بِالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا كَانَ مَسَاءُ اللّيْلَةِ الّتِي فَتَحَهَا اللّهُ فِي صَبَاحِهَا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لأُعْطِيَنّ الرّايَةَ، أَوْ لَيَأْخُذَنّ بِالرّايَةِ، غَداً، رَجُلٌ يُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللّهَ عَلَيْهِ" فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيَ، وَمَا نَرْجُوهُ. فَقَالُوا: هَذَا عَلِيّ. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الرّايَةَ. فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنْ حَرْبٍ وَ شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنِي أَبُو حَيّانَ. حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيّانَ. قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَىَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. فَلَمّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لَقِيتَ، يَا زَيْدُ خَيْراً كَثِيراً. رَأَيْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ. وَغَزَوْتَ مَعَهُ. وَصَلّيْتَ خَلْفَهُ. لَقَدْ لَقِيتَ، يَا زَيْدُ خَيْراً كَثِيراً. حَدّثْنَا، يَا زَيْدُ، مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَاللّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنّي. وَقَدُمَ عَهْدِي. وَنَسِيتُ بَعْضَ الّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَمَا حَدّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا. وَمَا لاَ، فَلاَ تُكَلّفُونِيهِ. ثُمّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فِينَا خَطِيباً. بِمَاءٍ يُدْعَىَ خُمّا. بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكّرَ. ثُمّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ. أَلاَ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبّي فَأُجِيبَ. وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوّلُهُمَا كِتَابُ اللّهِ فِيهِ الْهُدَىَ وَالنّورُ. فَخُذُوا بِكِتَابِ اللّهِ. وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ" فَحَثّ عَلَىَ كِتَابِ اللّهِ وَرَغّبَ فِيهِ. ثُمّ قَالَ: "وَأَهْلُ بَيْتِي. أُذَكّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي. أُذَكّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي. أُذَكّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي". فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْل بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مِمّنْ حُرِمَ الصّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيَ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبّاسٍ. قَالَ: كُلّ هَؤُلاَءِ حُرِمَ الصّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَكّارِ بْنِ الرّيّانِ. حَدّثَنَا حَسّانُ (يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ، بِمَعْنىَ حَدِيثِ زُهَيرٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي حَيّانَ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: "كِتَابُ اللّهِ فِيهِ الْهُدَىَ وَالنّورُ. مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ، وَأَخَذَ بِهِ، كَانَ عَلَىَ الْهُدَىَ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلّ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَكّارِ بْنِ الرّيّانِ. حَدّثَنَا حَسّانُ (يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ) عَنْ سَعِيدٍ (وَهُوَ ابْنُ مَسْرُوقٍ)، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: لَقَدْ رَأَيْتَ خَيْراً. لَقَدْ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلّيْتَ خَلْفَهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي حَيّانَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "أَلاَ وَإِنّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ. هُوَ حَبْلُ اللّهِ. مَنِ اتّبَعَهُ كَانَ عَلَىَ الْهُدَىَ. وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَىَ ضلاَلَةٍ". وَفِيهِ: فَقُلْنَا: مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ نِسَاؤُهُ؟ قَالَ: لاَ. وَايْمُ اللّهِ إِنْ الْمَرْأَةَ تَكُونُ مَعَ الرّجُلِ الْعَصْرَ مِنَ الدّهْرِ. ثُمّ يُطَلّقُهَا فَتَرْجِعُ إِلَىَ أَبِيهَا وَقَوْمِهَا. أَهْلُ بَيْتِهِ أَصْلُهُ، وَعَصَبَتُهُ الّذِينَ حُرِمُوا الصّدَقَةَ بَعْدَهُ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ. قَالَ فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيّا. قَالَ فَأَبَىَ سَهْلٌ. فَقَالَ لَهُ: أَمّا إِذَا أَبَيْتَ فَقُلْ: لَعَنَ اللّهُ أَبَا التّرَابِ. فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيَ اسْمٌ أَحَبّ إِلَيْهِ مَنْ أَبِي التّرَابِ. وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا. فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرَنَا عَنْ قِصّتِهِ. لِمَ سُمّيَ أَبَا تُرَابٍ؟ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ. فَلَمْ يَجِدْ عَلِيّا فِي الْبَيْتِ. فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمّكِ؟" فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ. فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ. فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لإِنْسَانٍ: "انْظُرْ. أَيْنَ هُوَ؟" فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ. قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقّهِ. فَأَصَابَهُ تُرَابٌ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا التّرَابِ قُمْ أَبَا التّرَابِ".
قوله: (عن يوسف بن الماجشون) وفي بعض النسخ يوسف الماجشون بحذف لفظة ابن وكلاهما صحيح وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة، واسم أبي سلمة دينار، والماجشون لقب يعقوب وهو لقب جرى عليه وعلى أولاده وأولاد أخيه وهو بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وهو لفظ فارسي ومعناه الأحمر الأبيض المورد سمي يعقوب بذلك لحمرة وجهه وبياضه. قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" قال القاضي: هذا الحديث مما تعلقت به الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت حقاً لعلي وأنه وصى له بها، قال: ثم اختلف هؤلاء فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره، وزاد بعضهم فكفر علياً لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم، وهؤلاء أسخف مذهباً وأفسد عقلاً من أن يرد قولهم أو يناظر، وقال القاضي: ولا شك في كفر من قال هذا لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم الإسلام، وأما من عدا هؤلاء الغلاة فإنهم لا يسلكون هذا المسلك، فأما الإمامية وبعض المعتزلة فيقولون هم مخطئون في تقديم غيره لا كفار، وبعض المعتزلة لا يقول بالتخطئة لجواز تقديم المفضول عندهم، وهذا الحديث لا حجة فيه لأحد منهم بل فيه إثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك، ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا: وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة والله أعلم. قال العلماء: وفي هذا الحديث دليل على أن عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم إذا نزل في آخر الزمان نزل حكماً من حكام هذه الأمة يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينزل نبياً، وقد سبقت الأحاديث المصرحة بما ذكرناه في كتاب الإيمان. قوله: (فوضع أصبعيه على أذنيه فقال نعم وإلا فاستكتا) هو بتشديد الكاف أي صمتا. قوله: (ان معاوية قال لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسب أبا تراب؟) قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها قالوا ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك، فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ. قوله: (فتساورت لها) هو بالسين المهملة وبالواو ثم الراء ومعناه تطاولت لها كما صرح في الرواية الأخرى أي حرصت عليها أي أظهرت وجهي وتصديت لذلك ليتذكرني.
قوله: (فما أحببت الإمارة إلا يومئذ) إنما كانت محبته لها لما دلت عليه الإمارة من محبته لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحبتهما له والفتح على يديه. قوله صلى الله عليه وسلم: "امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار علي رضي الله عنه شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ماذا أقاتل الناس؟" هذا الالتفات يحتمل وجهين: أحدهما أنه على ظاهره أي لا تلتفت بعينيك لا يميناً ولا شمالاً بل امض على جهة قصدك. والثاني أن المراد الحث على الإقدام والمبادرة إلى ذلك وحمله علي رضي الله عنه على ظاهره ولم يلتفت بعينه حين احتاج وفي هذا حمل أمره صلى الله عليه وسلم على ظاهره، وقيل يحتمل أن المراد لا تنصرف بعد لقاء عدوك حتى يفتح الله عليك، وفي هذا الحديث معجزات ظاهرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم قولية وفعلية، فالقولية إعلامه بأن الله تعالى يفتح على يديه فكان كذلك، والفعلية بصاقه في عينه وكان أرمد فبرأ من ساعته، وفيه فضائل ظاهرة لعلي رضي الله عنه وبيان شجاعته وحسن مراعاته لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه الله ورسوله وحبهما إياه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وفي الرواية الأخرى: "ادعهم إلى الإسلام" هذا الحديث فيه الدعاء إلى الإسلام قبل القتال وقد قال بإيجابه طائفة على الإطلاق، ومذهبنا ومذهب آخرين أنهم إن كانوا ممن لم تبلغهم دعوة الإسلام وجب إنذارهم قبل القتال وإلا فلا يجب لكن يستحب، وقد سبقت المسألة مبسوطة في أول الجهاد، وليس في هذا ذكر الجزية وقبولها إذا بذلوها، ولعله كان قبل نزول آية الجزية، وفيه دليل على قبول الإسلام سواء كان في حال القتال أم في غيره، وحسابه على الله تعالى معناه أنا ننكف عنه في الظاهر، وأما بينه وبين الله تعالى فإن كان صادقاً مؤمناً بقلبه نفعه ذلك في الاَخرة ونجا من النار كما نفعه في الدنيا وإلا فلا ينفعه بل يكون منافقاً من أهل النار. وفيه أنه يشترط في صحة الإسلام النطق بالشهادتين، فإن كان أخرس أو في معناه كفته الإشارة إليهما والله أعلم.
قوله: (فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها) هكذا هو في معظم النسخ والروايات يدوكون بضم الدال المهملة وبالواو أي يخوضون ويتحدثون في ذلك، وفي بعض النسخ يذكرون بإسكان الذال المعجمة وبالراء. قوله صلى الله عليه وسلم: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن تكون لك حمر النعم" هي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه، وقد سبق بيان أن تشبيه أمور الاَخرة بإعراض الدنيا إنما هو للتقريب من الإفهام وإلا فذرة من الاَخرة الباقية خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها لو تصورت، وفي هذا الحديث بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة.
قوله: (ماء يدعى خماً بين مكة والمدينة) هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم وهو اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الحسنة عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيضة فيقال غدير خم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا تارك فيكم ثقلين فذكر كتاب الله وأهل بيته" قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل لثقل العمل بهما. قوله: (ولكن أهل بيته من حرم الصدقة) هو بضم الحاء وتخفيف الراء والمراد بالصدقة الزكاة وهي حرام عندنا على بني هاشم وبني المطلب، وقال مالك بنو هاشم فقط، وقيل بنو قصي، وقيل قريش كلها. قوله في الرواية الأخرى: (نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة) قال وفي الرواية الأخرى (فقلنا من أهل بيته نساؤه قال لا) هذا دليل لإبطال قول من قال هم قريش كلها فقد كان في نسائه قرشيات وهن عائشة وحفصة وأم سلمة وسودة وأم حبيبة رضي الله عنهن. وأما قوله في الرواية الأخرى: (فقلنا من أهل بيته نساؤه قال لا) فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته، فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم وأمر باحترامهم وإكرامهم وسماهم ثقلاً ووعظ في حقوقهم وذكر فنساؤه داخلات في هذا كله ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة، وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله: (نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة) فاتفقت الروايتان. قوله صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله هو حبل الله" قيل المراد بحبل الله عهده، وقيل السبب الموصل إلى رضاه ورحمته، وقيل هو نوره الذي يهدي به. قوله: (المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر) أي القطعة منه.
قولها: (فخرج ولم يقل عندي) هو بفتح الياء وكسر القاف من القيلولة وهي النوم نصف النهار، وفيه جواز النوم في المسجد، واستحباب ملاطفة الغضبان وممازحته والمشي إليه لاسترضائه
*2* باب في فضل سعد بن أبي وقاص، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَرِقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَقَالَ: لَيْتَ رَجُلاً صَالِحاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللّيْلَةَ. قَالَتْ وَسَمِعْنَا صَوْتَ السّلاَحِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا؟" قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ سَمِعْتُ غَطِيطَهُ.
حدّثناه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، لَيْلَةً. فَقَالَ: "لَيْتَ رَجُلاً صَالِحاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللّيْلَةَ" قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلاَحٍ. فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟" قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا جَاءَ بِكَ؟" قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ نَامَ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: فَقُلْنَا: مَنْ هَذَا؟.
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. سَمِعْتُ يَحْيَىَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَرِقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ.
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَدّادٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّا يَقُولُ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ، غَيْرَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. فَإِنّهُ جَعَلَ يَقُولُ لَهُ، يَوْمَ أُحُدٍ: "ارْمِ. فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَنْ وَكِيع. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ الْحَنْظَلِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ. كُلّهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَدّادٍ، عَنْ عَلِيَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِيَ ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ يَحْيَىَ (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ قَالَ: لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ. كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "ارْمِ. فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي" قَالَ: فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ. فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ. فَضَحِكَ. رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ نَظَرْتُ إِلَىَ نَوَاجِذِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: فَحَلَفَتْ أُمّ سَعْدٍ أَنْ لاَ تُكَلّمَهُ أَبَداً حَتّىَ يَكْفُرَ بِدِينِهِ. وَلاَ تَأْكُلَ وَلاَ تَشْرَبَ. قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنّ اللّهَ وَصّاكَ بِوَالِدَيْكَ. وَأَنَا أُمّكَ. وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا.
قَالَ: مَكَثَتْ ثَلاَثاً حَتّىَ غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ. فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ: فَسَقَاهَا. فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَىَ سَعْدٍ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الاَيَةَ: {وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَنْ تُشْرِكَ بِي} (لقمان الاَية: ) وَفِيهَا: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً}.
قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم غَنِيمَةً عَظِيمَةً. فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ فَأَخَذْتُهُ. فَأَتَيْتُ بِهِ الرّسُولَ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: نَفّلْنِي هَذَا السّيْفَ. فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ حَالَهُ. فَقَالَ: "رُدّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ" فَانْطَلَقْتُ. حَتّىَ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ لاَمَتْنِي نَفْسِي. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ. قَالَ: فَشَدّ لِي صَوْتَهُ: "رُدّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ" قَالَ: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} (8 الأنفال الاَية: 1).
قَالَ: وَمَرِضْتُ فَأَرْسَلْتُ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَانِي. فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمْ مَالِي حَيْثُ شِئْتُ. قَالَ: فَأَبَىَ. قُلْتُ: فَالنّصْفَ. قَالَ: فَأَبَىَ. قُلْتُ: فَالثّلُثَ. قَالَ: فَسَكَتَ. فَكَانَ، بَعْدُ، الثّلُثُ جَائِزاً.
قَالَ: وَأَتَيْتُ عَلَىَ نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِيكَ خَمْراً. وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرّمَ الْخَمْرُ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فِي حَشَ وَالْحَشّ الْبُسْتَانُ فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيّ عِنْدَهُمْ، وَزِقّ مِنْ خَمْرٍ. قَالَ: فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ. قَالَ: فَذُكِرَتِ الأَنْصَارُ وَالْمُهَاجِرُونَ عِنْدَهُمْ. فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيِ الرّأْسِ فَضَرَبَنِي بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِي. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيّ يَعْنِي نَفْسَهُ شَأْنَ الْخَمْرِ: {إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ} (5 المائدة الاَية: ).
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِيّ أَرْبَعُ آيَاتٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَنْ سِمَاكٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ: قَالَ فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصاً. ثُمّ أَوْجَرُوهَا. وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضاً: فَضَرَبَ بِهِ أَنْفَ سَعْدٍ فَفَزَرَهُ. وَكَانَ أَنْفُ سَعْدٍ مَفْزُوراً.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ: فِيّ نَزَلَتْ: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ} (6 الأنعام الاَية: ).
قَالَ: نَزَلَتْ فِي سِتّةٍ: أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا لَهُ: تُدْنِي هَؤُلاَءِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الأَسَدِيّ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ. قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سِتّةَ نَفَرٍ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: اطْرُدْ هَؤُلاَءِ لاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا.
قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلاَلٌ، وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمّيهِمَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقَعَ. فَحَدّثَ نَفْسَهُ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (6 الأنعام الاَية: ).
قولها: (أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) هو بفتح الهمزة وكسر الراء وتخفيف القاف أي سهر ولم يأته نوم والأرق السهر، ويقال أرقني الأمر بالتشديد تأريقاً أي أسهرني، ورجل أرق على وزن فرح. قوله صلى الله عليه وسلم: "ليت رجلاً صالحاً يحرسني" فيه جواز الاحتراس من العدو والأخذ بالحزم وترك الإهمال في موضع الحاجة إلى الاحتياط، قال العلماء: وكان هذا الحديث قبل نزول قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الاحتراس حين نزلت هذه الاَية وأمر أصحابه بالانصراف عن حراسته. وقد صرح في الرواية الثانية بأن هذا الحديث الأول كان في أول قدومه المدينة ومعلوم أن الاَية نزلت بعد ذلك بأزمان. قولها: (حتى سمعت غطيطه) هو بالغين المعجمة وهو صوت النائم المرتفع. قولها: (سمعنا خشخشة سلاح) أي صوت سلاح صدم بعضه بعضاً.
قوله: (سمعت علياً رضي الله عنه يقول ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول ارم فداك أبي وأمي).
وفي رواية عن سعد قال: (جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد فقال ارم فداك أبي وأمي) فيه جواز التفدية بالأبوين، وبه قال جماهير العلماء، وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري رضي الله عنهما، وكرهه بعضهم في التفدية بالمسلم من أبويه، والصحيح الجواز مطلقاً لأنه ليس فيه حقيقه فداء وإنما هو كلام وألطاف وإعلام بمحبته له ومنزلته، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالتفدية مطلقاً. وأما قوله: (ما جمع أبويه لغير سعد) وذكر بعد أنه جمعهما للزبير وقد جاء جمعهما لغيرهما أيضاً فيحمل قول علي رضي الله عنه على نفي علم نفسه أي لا أعلمه جمعهما إلا لسعد بن أبي وقاص وهو سعد بن مالك، وفيه فضيلة الرمي والحث عليه والدعاء لمن فعل خيراً. قوله: (كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين) أي أثخن فيهم وعمل فيهم نحو عمل النار. قوله: (فنزعت له بسهم ليس فيه نصل فأصبت جنبه فسقط وانكشفت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه) فقوله: نزعت له بسهم أي رميته بسهم ليس فيه زج. وقوله: فأصبت جنبه بالجيم والنون هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها حبته بحاء مهملة وباء موحدة مشددة ثم مثناة فوق أي حبة قلبه. وقوله: فضحك أي فرحاً بقتله عدوه لا لانكشافه. وقوله: نواجذه بالذال المعجمة أي أنيابه وقيل أضراسه وسبق بيانه مرات. قوله: (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق الحنظلي عن محمد بن بشر عن مسعر ح وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن مسعر كلهم عن سعد بن إبراهيم قال أبو مسعود الدمشقي وأبو علي الغساني وغيرهما) هكذا رواه مسلم، قالوا: وأسقط من روايته سفيان الثوري بين وكيع ومسعر لأن أبا بكر بن أبي شيبة إنما رواه في مسنده والمغازي وغيره موضع عن وكيع عن الثوري عن مسعر، وادعى بعضهم أن وكيعاً لم يدرك مسعراً وهذا خطأ ظاهر، فقد ذكر ابن أبي حاتم وغيره وكيعاً فيمن روى عن مسعر، ولأن وكيعاً أدرك نحو ست وعشرين سنة من حياة مسعر مع أنهما كوفيان. قال أبو نعيم الفضل بن دكين والبخاري وغيرهما: توفي مسعر سنة خمس وخمسين ومائة. وقال أحمد بن حنبل وغيره: ولد وكيع سنة تسع وعشرين ومائة، فلا يمتنع أن يكون وكيع سمع هذا الحديث من مسعر، وكون ابن أبي شيبة رواه عن وكيع عن الثوري عن مسعر لا يلزم منه منع سماعه من مسعر كما قدمناه في نظائره والله أعلم. قوله: (أردت أن ألقيه في القبض) هو بفتح القاف والباء الموحدة والضاد المعجمة الموضع الذي يجمع فيه الغنائم، وقد سبق شرح أكثر هذا الحديث مفرقاً، والحش بفتح الحاء وضمها البستان. قوله: (شجر وافاها بعصا ثم أوجروها) أي فتحوه ثم صبوا فيها الطعام وإنما شجروها بالعصا لئلا تطبقه فيمتنع وصول الطعام جوفها، وهكذا صوابه بالشين المعجمة والجيم والراء وهكذا في جميع النسخ. قال القاضي: ويروى شحو افاها بالحاء المهملة وحذف الراء ومعناه قريب من الأول أي أوسعوه وفتحوه، والشحو التوسعة، ودابة شحو واسعة الخطو، ويقال أوجره ووجره لغتان الأولى أفصح وأشهر. قوله: (ضرب أنفه ففزره) هو بزاي ثم راء يعني شقه وكان نفه مفزوراً أي مشقوقاً
*2* باب من فضائل طلحة والزبير، رضي اللّهُ تعالى عنهما
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدّمِيّ وَ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. قَالُوا: حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ (وَهُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيّامِ الّتِي قَاتَلَ فِيهِنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ. مَنْ حَدِيثِهِمَا.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: نَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم النّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. فَانْتَدَبَ الزّبَيْرُ ثَلاَثاً. ثُمّ نَدَبَهُمْ. فَانْتَدَبَ الزّبَيْرُ. ثُمّ نَدَبَهُمْ. فَانْتَدَبَ الزّبَيْرُ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لِكُلّ نَبِيَ حَوَارِيّ وَحَوَارِيّ الزّبَيْرُ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ وَكِيعٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.
حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، مَعَ النّسْوَةِ. فِي أُطُمِ حَسّانَ. فَكَانَ يُطَأْطِئُ لِي مَرّةً فَأَنْظُرُ. وَأُطَأْطِئُ لَهُ مَرّةً فَيَنْظُرُ. فَكُنْتُ أَعْرِفُ أَبِي إِذَا مَرّ عَلَىَ فَرَسِهِ فِي السّلاَحِ، إِلَىَ بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي. فَقَالَ: وَرَأَيْتَنِي يَا بُنَيّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَئِذٍ، أَبَوَيْهِ. فَقَالَ: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الأُطُمِ الّذِي فِيهِ النّسْوَةُ. يَعْنِي نِسْوَةَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُرْوَةَ فِي الْحَدِيثِ. وَلَكِنْ أَدْرَجَ الْقِصّةَ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزّبَيْرِ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَىَ حِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيّ وَطَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ. فَتَحَرّكَتِ الصّخْرَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاّ نَبِيّ أَوْ صِدّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيّ قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ. حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَىَ جَبَلِ حِرَاءٍ. فَتَحَرّكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْكُنْ. حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلاّ نَبِيّ أَوْ صِدّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ" وَعَلَيْهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيّ وَطَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ رَضيَ اللّهُ عنهم.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْدَةُ. قَالاَ: حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: أَبَوَاكَ، وَاللّهِ مِنَ الّذِينَ اسْتَجَابُوا للّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: تَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَالزّبَيْرَ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْبَهِيّ، عَنْ عُرْوَةَ. قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: كَانَ أَبَوَاكَ مِنَ الّذِينَ اسْتَجَابُوا للّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ.
قوله: (عن أبي عثمان قال لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام إلى قوله غير طلحة وسعد عن حديثهما) معناه وهما حدثاني بذلك والله أعلم.
قوله: (ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير) أي دعاهم للجهاد وحرضهم عليه فأجابه الزبير. قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري وحواري الزبير" قال القاضي: اختلف في ضبطه فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء من الثاني كمصرخي، وضبطه أكثرهم بكسرها، والحواري الناصر وقيل الخاصة.
قوله: (عن عبد الله بن الزبير قال: كنت أنا وعمرو بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان فكان يطأطئ لي مرة فأنظر إلى آخره) الأطم بضم الهمزة والطاء الحصن وجمعه آطام كعنق وأعناق، قال القاضي: ويقال في الجمع أيضاً إطام بكسر الهمزة والقصر كآكام وإكام. وقوله: كان يطأطئ هو بهمز آخره ومعناه يخفض لي ظهره، وفي هذا الحديث دليل لحصول ضبط الصبي وتمييزه وهو ابن أربع سنين، فإن ابن الزبير ولد عام الهجرة في المدينة وكان الخندق سنة أربع من الهجرة على الصحيح فيكون له في وقت ضبطه لهذه القضية دون أربع سنين، وفي هذا رد على ما قاله جمهور المحدثين أنه لا يصح سماع الصبي حتى يبلغ خمس سنين، والصواب صحته متى حصل التمييز وإن كان ابن أربع أو دونها، وفيه منقبة لابن الزبير لجودة ضبطه لهذه القضية مفصلة في هذا السن والله أعلم.
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" هكذا وقع في معظم النسخ بتقديم علي على عثمان، وفي بعضها بتقديم عثمان على علي كما وقع في الرواية الثانية باتفاق النسخ. وقوله: (اهدأ) بهمز آخره أي اسكن، وحراء بكسر الحاء وبالمد هذا هو الصواب، وقد سبق بيانه واضحاً في كتاب الإيمان وأن الصحيح أنه مذكر ممدود مصروف. وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره أن هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء فإن عمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلماً شهداء فقتل الثلاثة مشهور، وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال، وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركاً للقتال فأصابه سهم فقتله، وقد ثبت أن من قتل ظلماً فهو شهيد، والمراد شهداء في أحكام الاَخرة وعظيم ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، وفيه بيان فضيلة هؤلاء، وفيه إثبات التمييز في الحجاز وجواز التزكية والثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، وأما ذكر سعد بن أبي وقاص في الشهداء في الرواية الثانية فقال القاضي إنما سمي شهيداً لأنه مشهود له بالجنة
*2* باب فضائل أبي عبيدة بن الجراح، رضي اللّهُ تعالى عنه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ خَالِدٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ. أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ لِكُلّ أُمّةٍ أَمِيناً. وَإِنّ أَمِينَنَا، أَيّتُهَا الأُمّةُ، أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ أَهْلَ الْيَمَنِ قَدِمُوا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً يُعَلّمْنَا السّنّةَ وَالإِسْلاَمَ. قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: "هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمّةِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّىَ). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَقَ يُحَدّثُ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلاً أَمِيناً. فَقَالَ: "لأَبْعَثَنّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِيناً حَقّ أَمِينٍ. حَقّ أَمِينٍ" قَالَ، فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النّاسُ. قَالَ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل أمة أميناً وأن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح" قال القاضي: هو بالرفع على النداء، قال: والإعراب الأفصح أن يكون منصوباً على الاختصاص، حكى سيبويه: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وأما الأمين فهو الثقة المرضي، قال العلماء: والأمانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة لكن النبي صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليهم وكانوا بها أخص.
قوله: (فاستشرف لها الناس) أي تطلعوا إلى الولاية ورغبوا فيها حرصاً على أن يكون هو الأمين الموعود في الحديث لا حرصاً على الولاية من حيث هي:
*2* باب فضائل الحسن والحسين، رضي اللّهُ عنهما
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ لِحَسَنٍ: "اللّهُمّ إِنّي أُحِبّهُ، فَأَحِبّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبّهُ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنَ النّهَارِ. لاَ يُكَلّمُنِي وَلاَ أُكَلّمُهُ. حَتّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ. ثُمّ انْصَرَفَ. حَتّىَ أَتَىَ خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: "أَثَمّ لُكَعُ؟ أَثَمّ لُكَعُ؟" يَعْنِي حَسَناً. فَظَنَنّا أَنّهُ إِنّمَا تَحْبِسُهُ أُمّهُ لأَنْ تُغَسّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَاباً. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى. حَتّىَ اعْتَنَقَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ إِنّي أُحِبّهُ. فَأَحِبّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبّهُ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيَ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ). حَدّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيَ عَلَىَ عَاتِقِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ يَقُولُ: "اللّهُمّ، إِنّي أُحِبّهُ فَأَحِبّهُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: حَدّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيَ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ)، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعاً الْحَسَنَ بْنَ عَلِيَ عَلَىَ عَاتِقِهِ. وَهُوَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أُحِبّهُ فَأَحِبّهُ".
حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ الرّومِيّ الْيَمَامِيّ وَ عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا النّضْرُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمّارٍ). حَدّثَنَا إِيَاسٌ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، بَغْلَتَهُ الشّهْبَاءَ. حَتّىَ أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. هَذَا قُدّامَهُ وَهَذَا خَلْفَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه" فيه حث على حبه وبيان لفضيلته رضي الله عنه. قوله: (في طائفة من النهار حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال: أثم لكع أثم لكع "يعني حسناً" فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخاباً) أما قوله طائفة من النهار فالمراد قطعة منه، وقينقاع بضم النون وفتحها وكسرها سبق مرات، ولكع المراد به هنا الصغير، وخباء فاطمة بكسر الخاء المعجمة وبالمد أي بيتها، والسخاب بكسر السين والمهملة وبالخاء المعجمة جمعه سخب وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب يعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيان والجواري، وقيل هو خيط فيه خرز سمي سخاباً لصوت خرزه عند حركته من السخب بفتح السين والخاء يقال الصخب بالصاد وهو اختلاط الأصوات، وفي هذا الحديث جواز إلباس الصبيان القلائد والسخب ونحوها من الزينة واستحباب تنظيفهم لا سيما عند لقائهم أهل الفضل واستحباب النظافة مطلقاً. قوله: (جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه) فيه استحباب ملاطفة الصبي ومداعبته رحمة له ولطفاً واستحباب التواضع مع الأطفال وغيرهم، واختلف العلماء في معانقة الرجل للرجل القادم من سفر فكرهها مالك وقال هي بدعة، واستحبها سفيان وغيره وهو الصحيح الذي عليه الأكثرون فعل ذلك بجعفر حين قدم فقال مالك هو خاص به فقال سفيان ما يخصه بغير دليل فسكت مالك، قال القاضي عياض: وسكوت مالك دليل لتسليمه قول سفيان وموافقته وهو الصواب حتى يدل دليل للتخصيص.
قوله: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً الحسن بن علي على عاتقه) العاتق ما بين المنكب والعنق وفيه ملاطفة الصبيان ورحمتهم ومماستهم وأن رطوبات وجهه ونحوها طاهرة حتى تتحقق نجاستها، ولم ينقل عن السلف التحفظ منها ولا يخلون منها غالباً.
قوله: (لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء هذا قدامه وهذا خلفه) فيه دليل لجواز ركوب ثلاثة على دابة إذا كانت مطيقة وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة. وحكى القاضي عن بعضهم منع ذلك مطلقاً وهو فاسد
*2* باب فضائل أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَة. قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحّلٌ، مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ. فَجَاءَ الْحَسَنُ ابْنُ عَلِيَ فَأَدْخَلَهُ. ثُمّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ. ثُمّ جَاءَتْ فاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا. ثُمّ جَاءَ عَلِيّ فَأَدْخَلَهُ. ثُمّ قَالَ: {إِنّمَا يُرِيدُ اللّهِ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} (الأحزاب الاَية: ).
قوله: (وعليه مرط مرحل) هو بالحاء المهملة، ونقل القاضي أنه وقع لبعض رواة كتاب مسلم بالحاء ولبعضهم بالجيم، والمرحل بالحاء هو الموشى المنقوش عليه صور رجال الإبل وبالجيم عليه صور المراجل وهي القدور، وأما المرط فبكسر الميم وهو كساء جمعه مروط وسبق بيانه مرات. قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} قيل هو الشك، وقيل العذاب، وقيل الإثم، قال الأزهري: الرجس اسم لكل مستقذر من عمل
*2* باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، رضي اللّهُ عنهما
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ عَنْ مُوسَىَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلاّ زَيْدَ بْنَ مُحَمّدٍ. حَتّىَ نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ: {ادْعُوهُمْ لاَِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ} (الأحزاب الاَية: 5).
قَالَ الشّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ، مُحَمّدُ بْنُ عِيْسَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبّاسِ السّرّاجُ وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُوسُفَ الدّوَيْرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ.
حدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا حَبّانُ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. حَدّثَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُوْنَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثاً. وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. فَطَعَنَ النّاسُ فِي إِمْرَتِهِ. فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ. وَايْمُ اللّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقاً لِلإِمْرَةِ. وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبّ النّاسِ إِلَيّ. وَإِنّ هَذَا لَمِنْ أَحَبّ النّاسِ إِلَيّ، بَعْدَهُ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ (يَعْنِي ابْنَ حَمْزَةَ)، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ. وَايْمُ اللّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقاً لَهَا. وَايْمُ اللّهِ إِنْ كَانَ لأَحَبّ النّاسِ إِلَيّ. وَايْمُ اللّهِ إِنّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَايْمُ اللّهِ إِنْ كَانَ لأَحَبّهُمْ إِلَيّ مِنْ بَعْدِهِ. فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ".
قوله: (ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن ادعوهم لاَبائهم) قال العلماء: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيداً ودعاه ابنه وكانت العرب تفعل ذلك يتبنى الرجل مولاه أو غيره فيكون ابناً له يوارثه وينتسب إليه حتى نزلت الاَية، فرجع كل إنسان إلى نسبه إلا من لم يكن له نسب معروف فيضاف إلى مواليه كما قال الله تعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم}.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان لخليقاً للإمارة" أي حقيقاً بها فيه جواز إمارة العتيق وجواز تقديمه على العرب وجواز تولية الصغير على الكبار، فقد كان أسامة صغيراً جداً توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وقيل عشرين، وجواز تولية المفضول على الفاضل للمصلحة، وفي هذه الأحاديث فضائل ظاهرة لزيد ولأسامة رضي الله عنهما، ويقال طعن في الإمرة والعرض والنسب ونحوها يطعن بالفتح وطعن بالرمح واصبعه وغيرها يطعن بالضم هذا هو المشهور، وقيل لغتان فيهما، والإمرة بكسر الهمزة الولاية وكذلك الإمارة
*2* باب فضائل عبد اللّهِ بن جعفر، رضي اللّهِ عنهما
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشّهِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ لاِبْنِ الزّبَيْرِ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقّيْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَمَلَنَا، وَتَرَكَكَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشّهِيدِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ. وَإِسْنَادِهِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرّقٍ الْعِجْلِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ. قَالَ، وَإِنّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ. فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ. قَالَ: فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ، ثَلاَثَةً عَلَىَ دَابّةٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ. حَدّثَنِي مُورّقٌ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالَ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقّيَ بِنَا. قَالَ: فَتُلُقّيَ بِي وَبِالْحَسَنِ أَوْ بِالْحُسَيْنِ. قَالَ: فَحَمَلَ أَحَدَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالاَخَرَ خَلْفَهُ. حَتّىَ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ.
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ بْنُ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، مَوْلَىَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ. فَأَسَرّ إِلَيّ حَدِيثاً، لاَ أُحَدّثُ بِهِ أَحَداً مِنَ النّاسِ.
قوله: (قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس فحملنا وتركك) معناه قال ابن جعفر فحملنا وتركك وتوضحه الروايات بعده، وقد توهم القاضي عياض أن القائل فحملنا هو ابن الزبير وجعله خلطاً في رواية مسلم وليس كما قال بل صوابه ما ذكرناه وأن القائل فحملنا وتركك ابن جعفر.
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته) هذه سنة مستحبة أن يتلقى الصبيان المسافر وأن يركبهم وأن يردفهم ويلاطفهم والله أعلم
*2* باب فضائل خديجة أم المؤمنين، رضي اللّهُ تعالى عنها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَ وَكِيعٌ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ (وَاللّفْظُ حَدِيثُ أَبِي أُسَامَةَ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيّا بِالْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ. وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ".
قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَىَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ مُرّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَمَلَ مِنَ الرّجَالِ كَثِيرٌ. وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ. وَإِنّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَىَ النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَىَ سَائِرِ الطّعَامِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَىَ جِبْرِيلُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ. مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ. فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السّلاَمَ مِنْ رَبّهَا عَزّ وَجَلّ. وَمِنّي. وَبَشّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ مِنْ قَصَبٍ. لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ. وَلَمْ يَقُلْ فِي الْحَديثِ: وَمِنّي.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَىَ: أَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَشّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. بَشّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ مِنْ قَصَبٍ. لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَ جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَىَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: بَشّرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ، بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، بِبَيْتٍ فِي الْجَنّةِ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاغِرْتُ عَلَىَ امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَىَ خَدِيجَةَ. وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِين. لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا. وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبّهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ يُبَشّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنّةِ. وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشّاةَ ثُمّ يُهْدِيهَا إِلَىَ خَلاَئِلِهَا.
حدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَىَ نِسَاءِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ عَلَىَ خَدِيجَةَ. وَإِنّي لَمْ أُدْرِكْهَا.
قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَبَحَ الشّاةَ فَيَقُولُ: "أَرْسِلُوا بِهَا إِلَىَ أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ" قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْماً فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي قَدْ رُزِقْتُ حُبّهَا".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. إِلَىَ قِصّةِ الشّاةِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الزّيَادَةَ بَعْدَهَا.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: مَا غِرْتُ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، مَا غِرْتُ عَلَىَ خَدِيجَةَ. لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيّاهَا. وَمَا رَأَيْتُهَا قَطّ.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمْ يَتَزَوّجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ خَدِيجَةَ حَتّىَ مَاتَتْ.
حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتِ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ. فَقَالَ: "اللّهُمّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ" فَغِرْتُ فَقُلْتُ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدّهْرِ، فَأَبْدَلَكَ اللّهُ خَيْراً مِنْهَا.
قوله صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وأشار وكيع إلى السماء والأرض) أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد به جميع نساء الأرض أي كل من بين السماء والأرض من النساء، والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه، قال القاضي: ويحتمل أن المراد أنهما من خير نساء الأرض والصحيح الأول.
قوله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون) يقال كمل بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات الكسر ضعيف، قال القاضي: هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم، والجمهور على أنهما ليستا نبيتين بل هما صديقتان ووليتان من أولياء الله تعالى، ولفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه، والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى، قال القاضي: فإن قلنا هما نبيتان فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما، وإن قلنا وليتان لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما، هذا كلام القاضي، وهذا الذي نقله من القول بنبوتهما غريب ضعيف، وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" قال العلماء: معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه، والمراد بالفضيلة نفعه والشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك، فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة، وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة، وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة.
قوله: (عن أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) هذا الحديث من مراسيل الصحابة وهو حجة عند الجماهير كما سبق، وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائني لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة، فهو محمول على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي ولم يذكر أبو هريرة هنا سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله أولاً قد أتتك معناه توجهت إليك، وقوله: فإذا هي أتتك أي وصلتك فاقرأ عليها السلام أي سلم عليها وهذه فضائل ظاهرة لخديجة رضي الله عنها، وقوله ببيت من قصب قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف، وقيل قصب من ذهب منظوم بالجوهر، قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف، قالوا: ويقال لكل مجوف قصب، وقد جاء في الحديث مفسراً ببيت من لؤلؤة محياة وفسروه بمجوفة، قال الخطابي وغيره: المراد بالبيت هنا القصر، وأما الصخب فبفتح الصاد والخاء وهو الصوت المختلط المرتفع، والنصب المشقة والتعب ويقال فيه نصب بضم النون وإسكان الصاد وبفتحهما لغتان حكاهما القاضي وغيره كالحزن والحزن والفتح أشهر وأفصح وبه جاء القرآن، وقد نصب الرجل بفتح النون وكسر الصاد إذا أعيا.
قوله: (عن عائشة قالت: هلكت خديجة قبل أن يتزوجني بثلاث سنين) تعني قبل أن يدخل بها لا قبل العقد وإنما كان قبل العقد بنحو سنة ونصف. قوله: (يهديها إلى خلائلها) أي صدائقها جميع خليلة وهي الصديقة. قوله صلى الله عليه وسلم: (رزقت حبها) فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت.
قولها: (فارتاح لذلك) أي هش لمجيئها وسر بها لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب. قولها: (عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين) معناه عجوز كبيرة جداً حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق لشدقها بياض شيء من الأسنان إنما بقي فيه حمرة لثاتها، قال القاضي: قال المصري وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك ولهذا لم تزجر عائشة عنها، قال القاضي: وعندي أن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها ولعلها لم تكن بلغت حينئذ
*2* باب في فضل عائشة، رضي اللّهُ تعالى عنها
*حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرّبِيعِ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي الرّبِيعِ). حَدّثَنَا حَمّادٌ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ. جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتَكَ؟ فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ. فَإِذَا أَنْتِ هِيَ. فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ، يُمْضِهِ".
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. جَمِيعاً عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَة: حَدّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيّ غَضْبَىَ" قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ "أَمّا إِذَا كُنْتِ عَنّي رَاضِيَةً، فَإِنّكِ تَقُولِينَ: لاَ. وَرَبّ مُحَمّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَىَ، قُلْتِ: لاَ. وَرَبّ إِبْرَاهِيمَ" قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ. وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاّ اسْمَكَ.
وحدّثناه ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَىَ قوله: لاَ. وَرَبّ إِبْرَاهِيمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَرّبُهُنّ إِلَيّ.
حدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيْتِهِ. وَهُنّ اللّعَبُ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّاسَ كَانُوا يَتَحَرّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: حَدّثَنِي. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ، بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي. فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. وَأَنَا سَاكِتَةٌ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيْ بُنَيّةُ أَلَسْتِ تُحِبّينَ مَا أُحِبّ؟" فَقَالَتْ: بَلَىَ. قَالَ: "فَأَحِبّي هَذِهِ". قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَرَجَعَتْ إِلَىَ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُنّ بِالّذِي قَالَتْ. وَبِالّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْنَ لَهَا: مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنّا مِنْ شَيْءٍ. فَارْجِعِي إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولِي لَهُ: إِنّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللّهِ لاَ أُكَلّمُهُ فِيهَا أَبَداً. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ الّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطّ خَيْراً فِي الدّينِ مِنْ زَيْنَبَ. وَأَتْقَىَ للّهِ. وَأَصْدَقَ حَدِيثاً. وَأَوْصَلَ لِلرّحِمِ. وَأَعْظَمَ صَدَقَةً. وَأَشَدّ ابْتِذَالاً لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الّذِي تَصَدّقُ بِهِ، وَتَقَرّبُ بِهِ إِلَىَ اللّهِ تَعَالَىَ. مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حَدّةٍ كَانَتْ فِيهَا. تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ. قَالَتْ: فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا. عَلَىَ الْحَالَةِ الّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا. فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. قَالَتْ: ثُمّ وَقَعَتْ بِي. فَاسْتَطَالَتْ عَلَيّ. وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ، هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا. قَالَتْ فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتّىَ عَرَفْتُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ. قَالَتْ: فَلَمّا وَقَعَتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتّىَ أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا. قَالَت: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبَسّمَ: "إِنّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ".
حَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُهْزَاذَ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ: حَدّثَنَيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ فِي الْمَعْنَىَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: فَلَمّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَفَقّدُ يَقُولُ: "أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَداً؟" اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَلَمّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنّهَا سِمَعَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَىَ صَدْرِهَا، وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي. وَأَلْحِقْنِي بِالرّفِيقِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظ لاِبْنِ الْمُثَنّى) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيّ حَتّىَ يُخَيّرَ بَيْنَ الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ. قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فِي مَرَضِهِ الّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحّةٌ، يَقُولُ: {مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَاءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (4 النساء الاَية: ).
قَالَتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيّرَ حِينَئِذٍ.
حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسِيّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ "إِنّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيّ قَطّ، حَتّىَ يُرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنّةِ، ثُمّ يُخَيّرُ" قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَأْسُهُ عَلَىَ فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمّ أَفَاقَ. فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَىَ السّقْفِ. ثُمّ قَالَ: "اللّهُمّ في الرّفِيقِ الأَعْلَىَ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِذاً لاَ يَخْتَارُنَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الّذِي كَانَ يُحَدّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قوله: "إِنّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيّ قَطّ حَتّىَ يَرَىَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنّةِ ثُمّ يُخَيّرُ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قوله: "اللّهُمّ مع الرّفِيقَ الأَعْلَىَ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ. قَالَ عَبْدٌ: حَدّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ. حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا خَرَجَ، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ. فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَىَ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ. فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعاً. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا كَانَ بِاللّيْلِ، سَارَ مَعَ عَائِشَةَ، يَتَحَدّثُ مَعَهَا. فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلاَ تَرْكَبِينَ اللّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ؟ قَالَتْ: بَلَىَ. فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَىَ بَعِيرِ حَفْصَةَ. وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَىَ بَعِيرِ عَائِشَةَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ جَمَلِ عَائِشَةَ، وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلّمَ ثُمّ سَارَ مَعَهَا. حَتّىَ نَزَلُوا. فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ. فَلَمّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ: يَا رَبّ سَلّطْ عَلَيّ عَقْرَباً أَوْ حَيّةً تَلْدَغُنِي. رَسُولُكَ وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئاً.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَىَ النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَىَ سَائِرِ الطّعَامِ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ). كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ: أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا حَدّثَتْهُ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: "إِنّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السّلاَمَ" قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللّهِ.
حدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُلاَئِيّ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدةَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَامِراً يَقُولُ: حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمّدٍ عَن زَكَرِيّاءَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيّ. حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السّلاَمَ" قَالَتْ فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللّهِ.
قَالَتْ: وَهُوَ يَرَىَ مَا لاَ أَرَىَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "جاءني بك الملك في سرقة من حرير" هي بفتح السين المهملة والراء وهي الشقق البيض من الحرير قاله أبو عبيد وغيره. قوله صلى الله عليه وسلم: "فأقول إن يك من عند الله يمضه" قال القاضي: إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة وقبل تخليص أحلامه صلى الله عليه وسلم من الأضغاث فمعناها إن كانت رؤيا حق، وإن كانت بعد النبوة فلها ثلاثة معان: أحدها أن المراد إن تكن الرؤيا على وجهها وظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وتفسير فسيمضه الله تعالى وينجزه فالشك عائد إلى أنها رؤيا على ظاهرها أم تحتاج إلى تعبير وصرف على ظاهرها. الثاني: أن المراد إن كانت هذه الزوجة في الدنيا يمضها الله فالشك أنها زوجته في الدنيا أم في الجنة. الثالث: أنه لم يشك ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك كما قال أأنت أم أم سالم وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف وسماه بعضهم مزج الشك باليقين.
قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبي إلى قولها: يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك" قال القاضي مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم هي مما سبق من الغيرة التي عفى عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة، قال: واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله ولولا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم وهجره كبيرة عظيمة ولهذا قالت لا أهجر إلا اسمك، فدل على أن قلبها وحبها كما كان وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة. قال القاضي: واستدل بعضهم بهذا أن الاسم غير المسمى في المخلوقين، وأما في حق الله تعالى فالاسم هو المسمى، قال القاضي: وهذا كلام من لا تحقيق عنده من معنى المسألة لغة ولا نظراً، ولا شك عند القائلين بأن الاسم هو المسمى من أهل السنة وجماهير أئمة اللغة أو مخالفيهم من المعتزلة أن الاسم قد يقع أحياناً، والمراد به التسمية حيث كان في خالق أو مخلوق، ففي حق الخالق تسمية المخلوق له باسمه وفعل المخلوق ذلك بعباراته المخلوقة، وأما أسماؤه سبحانه وتعالى التي سمى بها نفسه فقديمة كما أن ذاته وصفاته قديمة، وكذلك لا يختلفون أن لفظة الاسم إذا تكلم بها المخلوق فتلك اللفظة والحروف والأصوات المقطعة المنفهم منها الاسم أنها غير الذات بل هي التسمية، وإنما الاسم الذي هو الذات ما يفهم منه من خالق ومخلوق، هذا آخر كلام القاضي.
قوله: (عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي: فيه جواز اللعب بهن، قال: وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها لهذا الحديث ولما فيه من تدريب النساء في صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن، قال: وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن، وروي عن مالك كراهة شرائهن، وهذا محمول على كراهة الاكتساب بها وتنزيه ذوي المروءات عن تولي بيع ذلك لا كراهة اللعب، قال: ومذهب جمهور العلماء جواز اللعب بهن، وقالت طائفة: هو منسوخ بالنهي عن الصور، هذا كلام القاضي. قولها: (وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يسر بهن إلي) معنى ينقمعن يتغيبن حياء منه وهيبة وقد يدخلن في بيت ونحوه وهو قريب من الأول، ويسر بهن بتشديد الراء أي يرسلهن وهذا من لطفه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته.
قولها: (يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة) معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب، وكان صلى الله عليه وسلم يسوي بينهن في الأفعال والمبيت ونحوه، وأما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن، وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى وإنما يؤمر بالعدل في الأفعال. وقد اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء في أنه صلى الله عليه وسلم هل كان يلزمه القسم بينهن في الدوام والمساواة في ذلك كما يلزم غيره أم لا يلزمه بل يفعل ما يشاء من إيثار وحرمان، فالمراد بالحديث طلب المساواة في محبة القلب لا العدل في الأفعال فإنه كان حاصلاً قطعاً، ولهذا كان يطاف به صلى الله عليه وسلم في مرضه عليهن حتى ضعف فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة فأذن له. قولها: (يناشدنك) أي يسألنك. قولها: (هي التي تساميني) أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة مأخوذ من السمو وهو الارتفاع. قولها: (ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة) هكذا هو في معظم النسخ سورة من حد بفتح الحاء بلا هاء، وفي بعضها من حدة بكسر الحاء وبالهاء، وقولها سورة هي بسين مهملة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم راء ثم تاء، والسورة الثوران وعجلة الغضب، وأما الحدة فهي شدة الخلق وثورانه، ومعنى الكلام أنها كاملة الأوصاف إلا أن فيها شدة خلق وسرعة غضب تسرع منها. الفيئة بفتح الفاء وبالهمز وهي الرجوع أي إذا وقع ذلك منها رجعت عنه سريعاً ولا تصر عليه، وقد صحف صاحب التحرير في هذا الحديث تصحيفاً قبيحاً جداً فقال ما عدا سودة بالدال وجعلها سودة بنت زمعة وهذا من الغلط الفاحش نبهت عليه لئلا يغتر به. قولها: (ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها) أما أنحيت فبالنون المهملة أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة، وفي بعض النسخ حتى بدل حين وكلاهما صحيح ورجح القاضي حين بالنون، ومعنى لم أنشبها لم أمهلها. وفي الرواية الثانية: (لم أنشبها أن أثخنتها عليه) بالعين المهملة وبالياء، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة، واثخنتها بالثاء المثلثة والخاء المعجمة أي قمعتها وقهرتها. وقولها أولاً ثم وقعت بي أي استطالت علي ونالت مني بالوقيعة في. اعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة ولا أشار بعينه ولا غيرها بل لا يحل اعتقاد ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم تحرم عليه خائنة الأعين، وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم إنها ابنة أبي بكر فمعناه الإشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها والله أعلم.
قولها: (قبضه الله بين سحري ونحري) السحر بفتح السين المهملة وضمها وإسكان الحاء وهي الرئة وما تعلق بها، قال القاضي: وقيل إنما هو شجرى بالشين المعجمة والجيم، وشبك هذا القائل أصابعه وأومأ إلى أنها ضمته إلى نحرها مشبكة يديها عليه والصواب المعروف هو الأول. قوله: (فلما كان يومي قبضه الله) أي يومها الأصيل بحساب الدور والقسم وإلا فقد كان صار جميع الأيام في بيتها. قولها: (وأخذته بحة) هي بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء وهي غلظ في الصوت.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق" وفي رواية. "الرفيق الأعلى". الصحيح الذي عليه الجمهور أن المراد بالرفيق الأعلى الأنبياء الساكنون أعلى عليين، ولفظة رفيق تطلق على الواحد والجمع، قال الله تعالى: {وحسن أولئك رفيقاً} وقيل هو الله تعالى، يقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة فهو فعيل بمعنى فاعل، وأنكر الأزهري هذا القول وقيل أراد مرتفق الجنة. قولها: (فأشخص بصره إلى السماء) هو بفتح الخاء أي رفعه إلى السماء ولم يطرف.
قولها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة على عائشة وحفصة) أي خرجت القرعة لهما ففيه صحة الإقراع في القسم بين الزوجات وفي الأموال وفي العتق ونحو ذلك مما هو مقرر في كتب الفقه مما في معنى هذا وبإثبات القرعة في هذه الأشياء. قال الشافعي وجماهير العلماء: وفيه أن من أراد سفراً ببعض نسائه أقرع بينهن كذلك، وهذا الإقراع عندنا واجب في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النبي صلى الله عليه وسلم ففي وجوب القسم في حقه خلاف قدمناه مرات، فمن قال بوجوب القسم يجعل إقراعه واجباً، ومن لم يوجبه يقول إقراعه صلى الله عليه وسلم من حسن عشرته ومكارم أخلاقه. قولها: (إن حفصة قالت لعائشة ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك) قال القاضي: قال المهلب هذا دليل على أن القسم لم يكن واجباً عليه صلى الله عليه وسلم فلهذا تحيلت حفصة على عائشة بما فعلت ولو كان واجباً لحرم ذلك على حفصة، وهذا الذي أدعاه ليس بلازم، فإن القائل بأن القسم واجب عليه لا يمنع حديث الأخرى في غير وقت عماد القسم، قال أصحابنا: يجوز أن يدخل في غير وقت عماد القسم إلى غير صاحبة النوبة فيأخذ المتاع أو يضعه أو نحوه من الحاجات، وله أن يقبلها ويلمسها من غير إطالة، وعماد القسم في حق المسافر هو وقت النزول فحالة السير ليست منه سواء كان ليلاً أو نهاراً. قولها: (جعلت رجلها بين الأذخر وتقول إلى آخره) هذا الذي فعلته وقالته حملها عليها فرط الغيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق أن أمر الغيرة معفو عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "إن جبريل يقرأ عليك السلام قالت فقلت وعليه السلام ورحمة الله" فيه فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها، وفيه استحباب بعث السلام، ويجب على الرسول تبليغه، وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة وأن الذي يبلغه السلام يرد عليه، قال أصحابنا: وهذا الرد واجب على الفور، وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب لزمه أن يرد السلام عليه باللفظ على الفور إذا قرأه، وفيه أنه يستحب في الرد أن يقول وعليك أو وعليكم السلام بالواو، فلو قال: عليكم السلام أو عليكم أجزأه على الصحيح وكان تاركاً للأفضل، وقال بعض أصحابنا: لا يجزئه، وسبقت مسائل السلام في بابه مستوفاة، ومعنى يقرأ عليك السلام يسلم عليك. قوله صلى الله عليه وسلم: "يا عائش" دليل لجواز الترخيم ويجوز فتح الشين وضمها
*2* باب ذكر حَديث أم زرع
*حدّثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ. كِلاَهُمَا عَنْ عِيسَىَ(وَاللّفْظُ لاِبْنِ حُجْرٍ). حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَخِيهِ، عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَىَ عَشَرَةَ امْرَأَةً. فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنّ شَيْئاً.
وحدّثنيهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: عَيَايَاءٌ طِبَاقَاءُ. وَلَمْ يَشُكّ. وَقَالَ: قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ. وَقَالَ: وَصِفْرُ رِدَائِهَا. وَخَيْرُ نِسَائِهَا. وَعَقْرُ جَارَتِهَا. وَقَالَ: وَلاَ تَنْقُثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثاً، وَقَالَ: وَأَعْطَانِي مِنْ كُلّ ذَابِحَةٍ زَوْجاً.
قوله: (أحمد بن جناب) بالجيم والنون قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه المبهمات: لا أعلم أحداً سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جداً فذكره، وفيه أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو، واسم الثالثة حنى بنت نعب، والرابعة مهدد بنت أبي مرزمة، والخامسة كبشة، والسادسة هند، والسابعة حنى بنت علقمة، والثامنة بنت أوس بن عبد، والعاشرة كبشة بنت الأرقم، والحادية عشر أم زرع بنت أكهل بن ساعد. قولها: (جلس إحدى عشرة امرأة) هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها جلسن بزيادة نون وهي لغة قليلة سبق بيانها في مواضع منها حديث يتعاقبون فيكم ملائكة وإحدى عشرة وتسع عشرة وما بينهما يجوز فيه إسكان الشين وكسرها وفتحها والإسكان أفصح وأشهر. قولها: (زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل) قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشراح: المراد بالغث المهزول. وقولها على رأس جبل وعر أي صعب الوصول إليه، فالمعنى أنه قليل الخير من أوجه: منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومنها أنه مع ذلك غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة هكذا فسره الجمهور. وقال الخطابي: قولها على رأس جبل أي يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيراً أي أنه يجمع إلى قلة خيره تكبره وسوء الخلق. قالوا: وقولها ولا سمين فينتقل أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته. قال الخطابي: ليس فيه مصلحة يحتمل سوء عشرته بسببها يقال أنقلت الشيء بمعنى نقلته. وروي في غير هذه الرواية ولا سمين فينتقى أي يستخرج نقيه والنقي بكسر النون وإسكان القاف هو المخ يقال: نقوت العظم ونقيته وانتقيته إذا استخرجت نقيه. قولها: (قالت الثانية زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره) فقولها لا أبث خبره أي لا أنشره وأشيعه إني أخاف أن لا أذره فيه تأويلان: أحدهما لابن السكيت وغيره أن الهاء عائدة على خبره فالمعنى أن خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته. والثانية أن الهاء عائدة على الزوج وتكون لا زائدة كما في قوله تعالى: {ما منعك أن لا تسجد} ومعناه إني أخاف أن يطلقني فأذره، وأما عجره وبجره فالمراد بهما عيوبه. وقال الخطابي وغيره: أرادت بهما عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة، قالوا: وأصل العجر أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد، والبجر نحوها إلا أنها في البطن خاصة واحدتها بجرة ومنه قيل رجل أبجر إذا كان ناتئ السرة عظيمها، ويقال أيضاً رجل أبجر إذا كان عظيم البطن وامرأة بجراء والجمع بجر. وقال الهروي: قال ابن الأعرابي العجرة نفخة في الظهر فإن كانت في السرة فهي بجرة. قولها: (قالت الثالثة زوجي العشنق إن أنطلق أطلق وإن أسكت أعلق) فالعشنق بعين مهملة مفتوحة ثم شين معجمة مفتوحة ثم نون مشددة ثم قاف وهو الطويل ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع، فإن ذكرت عيوبه طلقني وإن سكت عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوجة.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة) هذا مدح بليغ ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة لذيذ معتدل ليس فيه حر ولا برد مفرط، ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه، ولا يسأمني ويمل صحبتي.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد) هذا أيضاً مدح بليغ، فقولها فهد بفتح الفاء وكسر الهاء تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي، وشبهته بالفهد لكثرة نومه يقال أنوم من فهد وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد، أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه، وإذا خرج أسد بفتح الهمزة وكسر السين وهو وصف له بالشجاعة، ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد يقال أسد واستأسد. قال القاضي: وقال ابن أبي أويس معنى فهد إذا دخل البيت وثب على وثوب الفهد فكأنها تريد ضربها والمبادرة بجماعها والصحيح المشهور التفسير الأول.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث) قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيئاً، والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بضم الشين وهي ما بقي في الإناء من الشراب فإذا شربها قيل اشتفها وتشافها، وقولها ولا يولج الكف ليعلم البث قال أبو عبيد: أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به لأن البث الحزن فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها فوصفته بالمروءة وكرم الخلق. وقال الهروي: قال ابن الأعرابي هذا ذم له أرادت وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته، قال: ولا بث هناك إلا محبتها الدنو من زوجها. وقال آخرون: أرادت أنه لا يفتقد أموري ومصالحي. قال ابن الأنباري: رد ابن قتيبة على أبي عبيدة تأويله لهذا الحرف وقال: كيف تمدحه بهذا وقد ذمته في صدر الكلام؟ قال ابن الأنباري: ولا رد على أبي عبيد لأن النسوة تعاقدن أن لا يكتمن شيئاً من أخبار أزواجهن، فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفتها، ومنهن من كانت أوصاف زوجها قبيحة فذكرتها، ومنهن من كانت أوصافه فيها حسن وقبيح فذكرتهما، وإلى قول ابن الأعرابي وابن قتيبة ذهب الخطابي وغيره واختاره القاضي عياض.
قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلاً لك) هكذا وقع في هذه الرواية غياياء بالغين المعجمة أو عياياء بالمهملة وفي أكثر الروايات بالمعجمة، وأنكر أبو عبيد وغيره المعجمة وقالوا: الصواب المهملة وهو الذي لا يلقح، وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء بالمعجمة صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص ومعناه لا يهتدي إلى سلك، أو أنها وصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه، أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره، أو يكون غياياء من الغي وهو الانهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة، قال الله تعالى: {فسوف يلقون غياً} وأما طباقاء فمعناه المطبقة عليه أموره حمقاً، وقيل الذي يعجز عن الكلام فتنطبق شفتاه، وقيل هو العيي الأحمق الفدم، وقولها شجك أي جرحك في الرأس فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد، وقولها: فلك الفل الكسر والضرب ومعناه أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما، وقيل: المراد بالفل هنا الخصومة. وقولها: كل داء له داء أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه.
قالت الثامنة: زوجي الريح ريح زرنب والمس مس أرنب) الزرنب نوع من الطيب معروف، قيل أرادت طيب ريح جسده، وقيل طيب ثيابه في الناس، وقيل لين خلقه وحسن عشرته، والمس مس أرنب صريح في لين الجانب وكرم الخلق.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من النادي) هكذا هو في النسخ النادي بالياء وهو الفصيح في العربية لكن المشهور في الرواية حذفها ليتم السجع. قال العلماء: معنى رفيع العماد وصفه بالشرف وسناء الذكر، وأصل العماد عماد البيت وجمعه عمد وهي العيدان التي تعمد بها البيوت أي بيته في الحسب رفيع في قومه، وقيل أن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه وهكذا بيوت الأجواد. وقولها: طويل النجاد بكسر النون تصفه بطول القامة والنجاد حمائل السيف، فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه والعرب تمدح بذلك. قولها: عظيم الرماد تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز فيكثر وقوده فيكثر رماده، وقيل لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضيفان، والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض ويرفعون الأقباس على الأيدي لتهتدي بها الضيفان. وقولها: قريب البيت من النادي قال أهل اللغة: النادي والناد والندى والمنتدى مجلس القوم وصفته بالكرم والسودد لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته لأن الضيفان يقصدون النادي، ولأن أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب النادي واللئام يتباعدون من النادي.
قالت العاشرة: زوجي مالك فما مالك مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) معناه أن له إبلاً كثيراً فهي باركة بفنائه لا يوجهها تسرح إلا قليلاً قدر الضرورة ومعظم أوقاتها تكون باركة بفنائه، فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها، والمزهر بكسر الميم العود الذي يضرب أرادت أن زوجها عود إبله إذانزل به الضيفان نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان وأنهن منحورات هوالك، هذا تفسير أبي عبيد والجمهور، وقيل مباركها كثيرة لكثرة ما ينحر منها للأضياف، قال هؤلاء: ولو كانت كما قال الأولون لماتت هزالاً وهذا ليس بلازم فإنها تسرح وقتاً تأخذ فيه حاجتها ثم تبرك بالفناء، وقيل كثيرات المبارك أي مباركها في الحقوق والعطايا والحمالات والضيفان كثيرة ومراعيها قليلة لأنها تصرف في هذه الوجوه قاله ابن السكيت. قال القاضي عياض: وقال أبو سعيد النيسابوري إنما هو إذا سمعن صوت المزهر بضم الميم وهو موقد النار للأضياف قال ولم تكن العرب تعرف المزهر بكسر الميم الذي هو العود إلا من خالط الحضر، قال القاضي: وهذا خطأ منه لأنه لم يروه أحد بضم الميم ولأن المزهر بكسر الميم مشهور في أشعار العرب ولأنه لا يسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة فقد جاء في رواية أنهن من قرية من قرى اليمن. قالت الحادية عشرة، وفي بعض النسخ الحادي عشرة وفي بعضها الحادية عشر والصحيح الأول. قولها: (أناس من حلي أذني) هو بتشديد الياء من أذني على التثنية، والحلي بضم الحاء وكسرها لغتان مشهورتان، والنوس بالنون والسين المهملة الحركة من كل شيء متدل، يقال منه ناس ينوس نوساً وأناسه غيره أناسة، ومعناه حلاني قرطة وشنوفاً فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها. قولها: (وملأ من شحم عضدي) وقال العلماء: معناه أسمنني وملأ بدني شحماً ولم ترد اختصاص العضدين لكن إذا سمنتا سمن غيرهما.
قولها: (وبجحني فبجحت إلى نفسي) هو بتشديد جيم بجحني فبجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر قال الجوهري الفتح ضعيفة ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي، يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر. قولها: (وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق) أما قولها في غنيمة فبضم الغين تصغير الغنم أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل، لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل. وأما قولها بشق فهو بكسر الشين وفتحها والمعروف في روايات الحديث والمشهور لأهل الحديث كسرها والمعروف عند أهل اللغة فتحها، قال أبو عبيد: هو بالفتح، والمحدثون يكسرونه، قال: وهو موضع. وقال الهروي: الصواب الفتح. قال ابن الأنباري: هو بالكسر والفتح وهو موضع. وقال ابن أبي أويس وابن حبيب: يعني بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم وشق الجبل ناحيته. وقال القبتيني: ويقطونه بشق بالكسر أي بشظف من العيش وجهد. قال القاضي عياض: هذا عندي أرجح واختاره أيضاً غيره فحصل فيه ثلاثة أقوال. وقولها: ودائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره، قال الهروي وغيره: يقال داس الطعام درسه، وقيل الدائس الأبدك. قولها: ومنق هو بضم الميم وفتح النون وتشديد القاف ومنهم من يكسر النون والصحيح المشهور فتحها، قال أبو عبيد: هو بفتحها، قال: والمحدثون يكسرونها ولا أدري ما معناه. قال القاضي: روايتنا فيه بالفتح ثم ذكر قول أبي عبيد قال: وقاله ابن أبي أويس بالكسر وهو من النقيق وهو أصوات المواشي تصفه بكثرة أمواله ويكون منق من أنق إذا صار ذا نقيق أو دخل في النقيق، والصحيح عند الجمهور فتحها والمراد به الذي ينقي الطعام أي يخرجه من بيته وقشوره، وهذا أجود من قول الهروي هو الذي ينقيه بالغربال والمقصود أنه صاحب زرع ويدوسه وينقيه. قولها: (فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقنح) معناه لا يقبح قولي فيرد بل يقبل مني، ومعنى أتصبح أنام الصبحة وهي بعد الصباح أي أنها مكفية بمن يخدمها فتنام. وقولها: فأتقنح هو بالنون بعد القاف هكذا هو في جميع النسخ بالنون، قال القاضي: لم نروه في صحيح البخاري ومسلم إلا بالنون. وقال البخاري: قال بعضهم فأتقمح بالميم قال وهو أصح. وقال أبو عبيد: هو بالميم قال وبعض الناس يرويه بالنون ولا أدري ما هذا. وقال آخرون: النون والميم صحيحتان فأيهما معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الري، ومنه قمح البعير يقمح إذا رفع رأسه من الماء بعد الري. قال أبو عبيد: ولا أراها قالت هذه إلا لعزة الماء عندهم، ومن قاله بالنون فمعناه أقطع المشرب وأتمهل فيه، وقيل هو الشرب بعد الري. قال أهل اللغة: قنحت الإبل إذا تكارهت وتقنحته أيضاً.
قولها: (عكومها رداح) قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة واحدها عكم بكسر العين ورداح أي عظام كبيرة، ومنه قيل للمرأة رداح: إذا كانت عظيمة الأكفال، فإن قيل: رداح مفردة فكيف وصف بها العكوم والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد. قال القاضي: جوابه أنه أراد كل عكم منها رداح، أو يكون رداح هنا مصدراً كالذهاب. قولها: (وبيتها فساح) بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة أي واسع والفسيح مثله هكذا فسره الجمهور، قال القاضي: ويحتمل أنها أرادت كثرة الخير والنعمة. قولها: (مضجعه كمسل شطبة) المسل بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام، وشطبة بشين معجمة ثم طاء مهملة ساكنة ثم موحدة ثم هاء وهي ما شطب من جريد النخل أي شق وهي السعفة لأن الجريدة تشقق منها قضبان رقاق مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل، والمسل هنا مصدر بمعنى المسلول أي ما سل من قشره. وقال ابن الأعرابي وغيره: أرادت بقولها كمسل شطبة أنه كالسيف سل من غمده. قولها: (وتشبعه ذراع الجفرة) الذراع مؤنثة وقد تذكر، والجفرة بفتح الجيم وهي الأنثى من أولاد المعز وقيل من الضأن وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، والذكر جفر لأنه جفر جنباه أي عظما. قال القاضي: قال أبو عبيد وغيره الجفرة من أولاد المعز. وقال ابن الأنباري وابن دريد من أولاد الضأن والمراد أنه قليل الأكل والعرب تمدح به. قولها: (طوع أبيها وطوع أمها) أي مطيعة لهما منقادة لأمرهما. قولها: (وملء كسائها) أي ممتلئة الجسم سمينته. وقالت في الرواية الأخرى: صفر ردائها بكسر الصاد والصفر الخالي، قال الهروي: أي ضامرة البطن والرداء ينتهي إلى البطن، وقال غيره معناه أنها خفيفة أعلى البدن وهو موضع الرداء ممتلئة أسفله وهو موضع الكساء، ويؤيد هذا أنه جاء في رواية وملء أزارها، قال القاضي: والأولى أن المراد امتلأ منكبيها وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها فلا يمسه فيصير خالياً بخلاف أسفلها. قولها: (وغيظ جارتها) قالوا: المراد بجارتها ضرتها يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها. وفي الرواية الأخرى: (وعقر جارتها) هكذا هو في النسخ عقر بفتح العين وسكون القاف، قال القاضي: كذا ضبطناه عن جميع شيوخنا، قال: وضبطه الجياني عبر بضم العين وإسكان الباء الموحدة وكذا ذكره ابن الأعرابي، وكأن الجياني أصلحه من كتاب الأنباري، وفسره الأنباري بوجهين: أحدهما أنه من الاعتبار أي ترى من حسنها وعفتها وعقلها ما تعتبر به. والثاني من العبرة وهي البكاء أي ترى من ذلك ما يبكيها لغيظها وحسدها، ومن رواه بالقاف فمعناه تغيظها فتصير كمعقور وقيل تدهشها من قولهم عقر ذادهش. قولها: (لا تبث حديثنا تبثيثاً) هو بالباء الموحدة بين المثناة والمثلثة أي لا تشيعه وتظهره بل تكتم سرنا وحديثنا كله، وروي في غير مسلم تنث وهو بالنون وهو قريب من الأول أي لا تظهره.
قولها: (ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً) الميرة الطعام المجلوب ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به ومعناه وصفها بالأمانة. قولها: (ولا تملأ بيتنا تعشيشاً) هو بالعين المهملة أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه، وقيل معناه لا تخوننا في طعامنا في زوايا البيت كأعشاش الطير، وروي في غير مسلم تغشيشاً بالغين المعجمة من الغش قيل في الطعام وقيل من النميمة أي لا تتحدث بنميمة. قولها: (والأوطاب تمخض) هو جمع وطب بفتح الواو وإسكان الطاء وهو جمع قليل النظير، وفي رواية في غير مسلم والوطاب وهو الجمع الأصلي وهي سقية اللبن التي يمخض فيها وقال أبو عبيد هو جمع وطبة. قولها: (يلعبان من تحت خصرها برمانتين) قال أبو عبيد: معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان، قال القاضي: قال بعضهم المراد بالرمانتين هنا ثدياها، ومعناه أن لها نهدين حسنين صغيرين كالرمانتين، قال القاضي: هذا أرجح لا سيما وقد روي من تحت صدرها ومن تحت درعها، ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم ولا جرت العادة أيضاً باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال. قولها: (فنكحت بعده رجلاً سرياً ركب شرياً) أما الأول: فبالسين المهملة على المشهور، وحكى القاضي عن ابن السكيت أنه حكى فيه المهملة والمعجمة. وأما الثاني: فبالشين المعجمة بلا خلاف، فالأول معناه سيداً شريفاً وقيل سخياً. والثاني هو الفرس الذي يستشرى في سيره أي يلح ويمضي بلا فتور ولا انكسار، وقال ابن السكيت: هو الفرس الفائق الخيار. قولها: (وأخذ خطياً) هو بفتح الخاء وكسرها والفتح أشهر ولم يذكر الأكثر غيره، وممن حكى الكسر أبو الفتح الهمداني في كتاب الاشتقاق قالوا: والخطى الرمح منسوب إلى الخط قرية من سيف البحر أي ساحله عند عمان والبحرين. قال أبو الفتح: قيل لها الخط لأنها على ساحل البحر، والساحل يقال له الخط لأنه فاصل بين الماء والتراب، وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع وتثقف فيه، قال القاضي: ولا يصح قول من قال ان الخط منبت الرماح. قولها: (وأراح علي نعماً ثرياً) أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم هو موضع مبيتها، والنعم الإبل والبقر والغنم، ويحتمل أن المراد هنا بعضها وهي الإبل، وادعى القاضي عياض أن أكثر أهل اللغة على أن النعم مختصة بالإبل، والثري بالمثلثة وتشديد الياء الكثير من المال وغيره ومنه الثروة في المال وهي كثرته. قولها: (وأعطاني من كل رائحة زوجاً) فقولها من كل رائحة أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد. وقولها زوجاً أي اثنين ويحتمل أنها أرادت صنفاً والزوج يقع على الصنف ومنه قوله تعالى: {وكنتم أزواجاً ثلاثة} قولها في الرواية الثانية: وأعطاني من كل ذابحة زوجاً. هكذا هو في جميع النسخ ذابحة بالذال المعجمة وبالباء الموحدة أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها وهي فاعلة بمعنى مفعولة. قوله: (ميري أهلك) بكسر الميم من الميرة أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم. قولها في الرواية الثانية: (ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً) فقولها تنقث بفتح التاء وإسكان النون وضم القاف، وجاء قولها تنقيثاً مصدراً على غير المصدر وهو جائز كقوله تعالى: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً} ومراده أن هذه الرواية وقعت بالتخفيف كما ضبطناه، وفي الرواية السابقة تنقث بضم التاء وفتح النون وكسر القاف المشددة وكلاهما صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها، ومعناه أنا لك كأبي زرع وكان زائدة أو للدوام كقوله تعالى: {وكان الله غفوراً رحيماً} أي كان فيما مضى وهو باق كذلك والله أعلم. قال العلماء في حديث أم زرع هذا فوائد: منها استحباب حسن المعاشرة للأهل وجواز الإخبار عن الأمم الخالية وأن المشبه بالشيء لا يلزم كونه مثله في كل شيء. ومنها أن كنايات الطلاق لا يقع بها طلاق إلا بالنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" ومن جملة أفعال أبي زرع أنه طلق امرأته أم زرع كما سبق، ولم يقع على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق بتشبيهه لكونه لم ينو الطلاق. قال المازري: قال بعضهم وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم أو أسمائهم وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنساناً بعينه أو جماعة بأعيانهم. قال المازري: وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها وهو مجهول فأقر على ذلك، وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات، لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة، فإن كان مجهولاً لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا ويجعله كمن قال في العالم من يشرب أو يسرق.
قال المازري: وفيما قاله هذا القائل احتمال، قال القاضي عياض: صدق القائل المذكور فإنه إذا كان مجهولاً عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه، قال: وقد قال إبراهيم لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه أو ينبه عليه بما يفهم به عنه، وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان والأزواج لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهن بالغيبة لو تعين فكيف مع الجهالة والله أعلم
*1* كتاب
*2* باب فضائل فاطمة، بنت النبيّ، عليها الصلاة والسلام
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاَهُمَا عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيّ التّيْمِيّ أَنّ الْمِسْوَرَ ابْنَ مَخْرَمَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: "إِنّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ، عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَلاَ آذَنُ لَهُمْ. ثُمّ لاَ آذَنُ لَهُمْ. ثُمّ لاَ آذَنُ لَهُمْ. إِلاّ أَنْ يُحِبّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ. فَإِنّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنّي. يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا".
حدّثني أَبُو مَعْمَرٍ، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنّي. يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا".
حدّثني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنِ الْوَلِيدِ ابْنِ كَثِيرٍ. حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدّؤَلِيّ أَنّ ابْنَ شِهَابٍ حَدّثَهُ أَنّ عَلِيّ بْنَ الْحُسَيْنِ حَدّثَهُ أَنّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلَيَ رضي اللّهُ عنها، لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ. فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيّ مِنْ حَاجَةٍ تَأَمُرُنِي بِهَا؟ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ. قَالَ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيّ سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ. وَايْمُ اللّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِ أَبَداً، حَتّىَ تَبْلُغَ نَفْسِي. إِنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ عَلَىَ فَاطَمِةَ. فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ فِي ذَلِكَ، عَلَىَ مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: "إِنّ فَاطِمَةَ مِنّي. وَإِنّي أَتَخَوّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا".
قَالَ: ثُمّ ذَكَرَ صِهْراً لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. فَأَثْنَىَ عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيّاهُ فَأَحْسَنَ. قَالَ: "حَدّثَنِي فَصَدَقَنِي. وَوَعَدَنِي فَأَوْفَىَ لِي. وَإِنّي لَسْتُ أُحَرّمُ حَلاَلاً وَلاَ أُحِلّ حَرَاماً. وَلَكِنْ، وَاللّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِنْتُ عَدُوّ اللّهِ مَكَاناً وَاحِداً أَبَداً".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ. وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ أَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَهُ: إِنّ قَوْمَكَ يَتَحَدّثُونَ أَنّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ. وَهَذَا عَلِيّ، نَاكِحاً ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ.
قَالَ الْمِسْوَرُ: فَقَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهّدَ. ثُمّ قَالَ: "أَمّا بَعْدُ، فَإِنّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ. فَحَدّثَنِي فَصَدَقَنِي. وَإِنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ مُضْغَةٌ مِنّي. وَإِنّمَا أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهَا. وَإِنّهَا، وَاللّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ وَبِنْتُ عَدُوّ اللّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَداً".
قَالَ: فَتَرَكَ عَلِيّ الْخِطْبَةَ.
وحدّثنيهِ أَبُو مَعْنٍ الرّقَاشِيّ حَدّثَنَا وَهْبٌ (يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ) عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: سَمِعْتُ النّعْمَانَ (يَعْنِي ابْنَ رَاشِدٍ) يُحَدّثُ عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنّ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ حَدّثَهُ أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فَسَارّهَا. فَبَكَتْ. ثُمّ سَارّهَا فَضَحِكَتْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِفَاطِمَةَ: مَا هَذَا الّذِي سَارّكِ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَكَيْتِ. ثُمّ سَارّكِ فَضَحِكْتِ؟ قَالَتْ: سَارّنِي فَأَخْبَرَنِي بِمَوْتِهِ، فَبَكَيْتُ. ثُمّ سَارّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنّي أَوّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَضَحِكْتُ.
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنّ أَزْوَاجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عنْدَهُ. لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنّ وَاحِدةً. فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي. مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً. فَلَمّا رَآهَا رَحّبَ بِهَا. فَقَالَ: "مَرْحَباً بِابْنَتِي" ثُمّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ. ثُمّ سَارّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، فَلَمّا رَأَىَ جَزَعَهَا سَارّهَا الثّانِيَةَ فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ لَهَا: خَصّكِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسّرَارِ. ثُمّ أَنْتِ تَبْكِينَ؟ فَلَمّا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ أُفْشِي عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سِرّهُ. قَالَتْ: فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ، بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقّ، لَمَا حَدّثْتِنِي مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: أَمّا الاَنَ، فَنَعَمْ. أَمّا حِينَ سَارّنِي فِي الْمَرّةِ الأُولَىَ، فَأَخْبَرَنِي "أَنّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلّ سَنَةٍ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ، وَإِنّهُ عَارَضَهُ الاَنَ مَرّتَيْنِ، وَإِنّي لاَ أُرَىَ الأَجَلَ إِلاّ قَدِ اقْتَرَبَ. فَاتّقِي اللّهِ وَاصْبِرِي. فَإِنّهُ نِعْمَ السّلَفُ أَنَا لَكِ". قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الّذِي رَأَيْتِ. فَلَمّا رَأَىَ جَزَعِي سَارّنِي الثّانِيَةَ فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضَيْ أَنْ تَكُونِي سَيّدَةَ نِسَاء المُوءْمِنِينَ. أَوْ سَيّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمّةِ؟" قَالَتْ: فَضَحِكْتُ ضَحِكِي الّذِي رَأَيْتِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ زَكَرِيّاءَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ عَنْ فِرَاس عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنّ امْرَأَةً. فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "مَرْحَباً بِابْنَتِي" فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِيْنِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ. ثُمّ إِنّهُ أَسَرّ إِلَيْهَا حَدِيثاً فَبَكَتْ فَاطِمَةُ. ثُمّ إِنّهُ سَارّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضاً. فَقُلْتُ لَهَا مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِي سِرّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحاً أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ. فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أَخَصّكِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمّ تَبْكِينَ؟ وَسَأَلْتُهَا عَمّا قَالَ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: إِنّهُ كَانَ حَدّثَنِي: "أَنّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلّ عَامٍ مَرّةً. وَإِنّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرّتَيْنِ. وَلاَ أُرَانِي إِلاّ قَدْ حَضَرَ أَجَلِي. وَإِنّكِ أَوّلُ أَهْلِي لُحُوقاً بِي. وَنِعْمَ السّلَفُ أَنَا لَكِ". فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ. ثُمّ إِنّهُ سَارّنِي فَقَالَ: "أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. أَوْ سَيّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمّةِ؟" فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي ابن أبي طالب فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها". وفي الرواية الأخرى: "إني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً" وفي الرواية الأخرى: "ان فاطمة مضغة مني وأنا أكره أن يفتنوها" أما البضعة فبفتح الباء لا يجوز غيره وهي قطعة اللحم وكذلك المضغة بضم الميم. وأما يريبني فبفتح الياء قال إبراهيم الحربي: الريب ما رابك من شيء خفت عقباه. وقال الفراء: راب وأراب بمعنى. وقال أبو زيد: رابني الأمر تيقنت منه الريبة وأرابني شككني وأوهمني. وحكي عن أبي زيد أيضاً وغيره كقول الفراء. قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال وعلى كل وجه إن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحاً وهو حي وهذا بخلاف غيره، قالوا: وقد أعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم: "لست أحرم حلالاً" ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين: إحداهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من أذاه فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة. والثانية خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة. وقيل ليس المراد به النهي عن جمعهما بل معناه أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع. ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما، ويكون معنى لا أحرم حلالاً أي لا أقول شيئاً يخالف حكم الله فإذا أحل شيئاً لم أحرمه وإذا حرمه لم أحلله ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله. قوله: (ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس) هو أبو العاص بن الربيع زوج زينب رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصهر يطلق على الزوج وأقاربه وأقارب المرأة، وهو مشتق من صهرت الشيء وأصهرته إذا قربته، والمصاهرة مقاربة بين الأجانب والمتباعدين.
قولها: (فأخبرني أني أول من يلحق به من أهله فضحكت) هذه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم بل معجزتان فأخبر ببقائها بعده وبأنها أول أهله لحاقاً به، ووقع كذلك وضحكت سروراً بسرعة لحاقها، وفيه إيثارهم الاَخرة وسرورهم بالانتقال إليها والخلاص من الدنيا. قولها: (فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين) هكذا وقع في هذه الرواية وذكر المرتين شك من بعض الرواة والصواب حذفها كما في باقي الروايات. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك" أرى بضم الهمزة أي أظن والسلف المتقدم ومعناه أنا متقدم قدامك فتردين علي. وفي هذه الرواية أما ترضي هكذا هو في النسخ ترضي وهو لغة والمشهور ترضين
*2* باب من فضائل أم سلمة، أم المؤمنين، رضي اللّهُ عنها
*حدّثني عَبْدِ الأَعْلَىَ بْنُ حَمّادٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدُ الأَعْلَىَ الْقَيْسِيّ. كِلاَهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَالَ ابْنُ حَمّادٍ: حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي. حَدّثَنَا عَنْ عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ. قَالَ: لاَ تَكُونَنّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ، أَوّلَ مَنْ يَدْخُلُ السّوقَ وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا. فَإِنّهَا مَعْرَكَةُ الشّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ.
قَالَ: وَأُنْبِئْتُ أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ أَتَىَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أُمّ سَلَمَةَ. قَالَ: فَجَعَلَ يَتَحَدّثُ ثُمّ قَامَ. فَقَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأِمّ سَلَمَةَ: "مَنْ هَذَا؟" أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ. قَالَ: فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاّ إِيّاهُ. حَتّىَ سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ بِخَبَرِ جِبرِيل. أَوْ كَمَا قَالَ.قَالَ فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
قوله في السوق: (إنها معركة الشيطان) قال أهل اللغة: المعركة بفتح الراء موضع القتال لمعاركة الأبطال بعضهم بعضاً فيها ومصارعتهم فشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بالمعركة لكثرة ما يقع فيها من أنواع الباطل كالغش والخداع والأيمان الخائنة والعقود الفاسدة والنجش والبيع على بيع أخيه والشراء على شرائه والسوم على سومه وبخس المكيال والميزان. قوله: (وبها تنصب رايته) إشارة إلى ثبوته هناك واجتماع أعوانه إليه للتحريش بين الناس وحملهم على هذه المفاسد المذكورة ونحوها فهي موضعه وموضع أعوانه، والسوق تؤنث وتذكر سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم. قوله: (إن أم سلمة رأت جبريل في صورة دحية) هو بفتح الدال وكسرها وفيه منقبة لأم سلمة رضي الله عنها، وفيه جواز رؤية البشر الملائكة ووقوع ذلك ويرونهم على صورة الاَدميين لأنهم لا يقدرون على رؤيتهم على صورهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى جبريل على صورة دحية غالباً ورآه مرتين على صورته الأصلية. قولها: (يخبر خبرنا) هكذا هو في نسخ بلادنا، وكذا نقله القاضي عن بعض الرواة والنسخ وعن بعضهم يخبر خبر جبريل قال وهو الصواب وقد وقع في البخاري على الصواب
*2* باب من فضائل زينب، أم المؤمنين، رضي اللّهُ عنها
*حدّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، أَبُو أَحْمَدَ. حَدّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السّيْنَابِيّ. أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَىَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْرَعُكُنّ لَحَاقاً بِي، أَطْوَلُكُنّ يَداً".
قَالَتْ: فَكُنّ يَتَطَاوَلْنَ أَيّتُهُنّ أَطْوَلُ يَداً.
قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَداً زَيْنَبُ. لأَنّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدّقُ.
قولها: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً قالت فكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق) معنى الحديث أنهن ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية وهي الجارحة فكن يذرعن أيديهن بقصبة فكانت سودة أطولهن جارحة وكانت زينب أطولهن يداً في الصدقة وفعل الخير فماتت زينب أولهن فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود. قال أهل اللغة: يقال فلان طويل اليد وطويل الباع إذا كان سمحاً جواداً، وضده قصير اليد والباع وجد الأنامل، وفيه معجزة باهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة ظاهرة لزينب، ووقع هذا الحديث في كتاب الزكاة من البخاري بلفظ متعقد يوهم أن أسرعهن لحاقاً سودة وهذا الوهم باطل بالإجماع
*2* باب من فضائل أم أيمن، رضي اللّهُ عنها
*حدّثنا أَبُو كَرِيبٍ بن أحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ المُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ أُمّ أَيْمَنَ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ. قَالَ: فَلاَ أَدْرِي أَصَادَفَتْهُ صَائِماً أَوْ لَمْ يُرِدْهُ. فَجَعَلَتْ تَصْخَبُ عَلَيْهِ وَتَذَمّرُ عَلَيْهِ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَىَ أُمّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا. كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا. فَلَمّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ. فَقَالاَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنّ مَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَكِنْ أَبْكِي أَنّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السّمَاءِ. فَهَيّجَتْهُمَا عَلَىَ الْبُكَاءِ. فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ مَعَهَا.
قوله: (انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن فناولته إناء فيه شراب فلا أدري أصادفته صائماً أو لم يرده فجعلت تصخب عليه وتذمر عليه) قوله تصخب أي تصيح وترفع صوتها إنكاراً لإمساكه عن شرب الشراب، وقوله تذمر وهي بفتح التاء وإسكان الذال المعجمة وضم الميم ويقال تذمر بفتح التاء والذال والميم أي تتذمر وتتكلم بالغضب، يقال ذمر يذمر كقتل يقتل إذا غضب وإذا تكلم بالغضب. ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رد الشراب عليها إما لصيام وإما لغيره فغضبت وتكلمت بالإنكار والغضب، وكانت تدل عليه صلى الله عليه وسلم لكونها حضنته وربته صلى الله عليه وسلم، وجاء في الحديث: "أم أيمن أمي بعد أمي" وفيه أن للضيف الإمتناع من الطعام والشراب الذي يحضره المضيف إذا كان له عذر من صوم أو غيره مما هو مقرر في كتب الفقه.
قوله: (قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها) فيه زيارة الصالحين وفضلها وزيارة الصالح لمن هو دونه وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره ولأهل ود صديقه، وزيارة جماعة من الرجال للمرأة الصالحة وسماع كلامها، واستصحاب العالم والكبير صاحباً له في الزيارة والعيادة ونحوهما، والبكاء حزناً على فراق الصالحين والأصحاب وإن كانوا قد انتقلوا إلى أفضل مما كانوا عليه والله أعلم
*2* باب من فضائل أم سليم، أم أنس بن مالك، وبلال رضي اللّهُ عَنْهُما
*حدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَدْخُلُ عَلَىَ أَحَدٍ مِنَ النّسَاءِ إِلاّ عَلَىَ أَزْوَاجِهِ. إِلاّ أُمّ سُلَيْمٍ. فَإِنّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: "إِنّي أَرْحَمُهَا. قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي".
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ السّرِيّ). حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "دَخَلْتُ الْجَنّةَ فَسَمعْتُ خَشْفَةً. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ، أُمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ".
حدّثني أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْفَرَجِ. حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُرِيتُ الْجَنّةَ. فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ. ثُمّ سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي. فَإِذَا بِلاَلٌ".
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فإنه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال: إني أرحمها قتل أخوها معي) قد قدمنا في كتاب الجهاد عند ذكر أم حرام أخت أم سليم أنهما كانتا خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين إما من الرضاع وإما من النسب فتحل له الخلوة بهما، وكان يدخل عليهما خاصة لا يدخل على غيرهما من النساء إلا أزواجه. قال العلماء: ففيه جواز دخول المحرم على محرمه، وفيه إشارة إلى منع دخول الرجل إلى الأجنبية وإن كان صالحاً، وقد تقدمت الأحاديث الصحيحة المشهورة في تحريم الخلوة بالأجنبية، قال العلماء: أراد امتناع الأمة من الدخول على الأجنبيات فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الرحمة والتواضع وملاطفة الضعفاء، وفيه صحة الاستثناء من الاستثناء، وقد رتب عليه أصحابنا مسائل في الطلاق والإقرار، ومثله في القرآن: {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته}.
قوله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعت خشفة قلت من هذا قالوا هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك" أما الخشفة فبخاء مفتوحة ثم شين ساكنة معجمتين وهي حركة المشي وصوته ويقال أيضاً بفتح الشين، والغميصاء بضم الغين المعجمة وبالصاد المهملة ممدودة، ويقال لها الرميصاء أيضاً ويقال بالسين، قال ابن عبد البر: أم سليم هي الرميصاء والغميصاء والمشهور فيه الغين وأختها أم حرام الرميصاء ومعناهما متقارب والرمص والغمص قذى يابس وغير يابس يكون في أطراف العين وهذا منقبة ظاهرة لأم سليم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال) هي صوت المشي اليابس إذا حك بعضه بعضاً
*2* باب من فضائل أبي طلحة الأنصاريّ، رضي اللّهُ تعالى عنه
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمّ سُلَيْمٍ. فَقَالَتْ لأَهْلِهَا: لاَ تُحَدّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتّىَ أَكُونَ أَنَا أُحَدّثُهُ. قَالَ: فَجَاءَ فَقَرّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً. فَأَكَلَ وَشَرِبَ. فَقَالَ: ثُمّ تَصَنّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنّعُ قَبْلَ ذَلِكَ. فَوَقَعَ بِهَا. فَلَمّا رَأَتْ أَنّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنّ قَوْماً أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لاَ. قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ. قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: تَرَكْتِنِي حَتّىَ تَلَطّخْتُ ثُمّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي فَانْطَلَقَ حَتّىَ أَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَارَكَ اللّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا" قَالَ: فَحَمَلَتْ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَىَ الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ، لاَ يَطْرُقُهَا طُرُوقاً. فَدَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ. فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ. فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ. وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنّكَ لَتَعْلَمُ، يَا رَبّ إِنّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ نَبِيّكَ إِذَا خَرَجَ، وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ. وَقَدِ احْتُبِسْتُ بِمَا تَرَىَ. قَالَ: تَقُولُ أُمّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا أَجِدُ الّذِي كُنْتُ أَجِدُ. انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا. قَالَ: وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا. فَوَلَدَتْ غُلاَماً. فَقَالَتْ لِي أُمّي: يَا أَنَسُ لاَ يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتّىَ تَغْدُوَ بِهِ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ. فَلَمّا رَآنِي قَالَ: "لَعَلّ أُمّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. فَوَضَعَ الْمِيسَمَ. قَالَ: وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ. وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ. فَلاَكَهَا فِي فِيهِ حَتّىَ ذَابَتْ. ثُمّ قَذَفَهَا فِي فِي الصّبِيّ. فَجَعَلَ الصّبِيّ يَتَلَمّظُهَا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَى حُبّ الأَنْصَارِ التّمْرَ" قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمّاهُ عَبْدَ اللّهِ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ. حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
قوله: (في حديث أم سليم مع زوجها أبي طلحة حين مات ابنهما) هذا الحديث سبق شرحه في كتاب الأدب وضربها لمثل العارية دليل لكمال علمها وفضلها وعظم إيمانها وطمأنينتها، قالوا: وهذا الغلام الذي توفي هو أبو عمير صاحب النغير وغابر ليلتكما أي ماضيها، وقوله: لا يطرقها طروقاً أي لا يدخلها في الليل. قوله: (فضربها المخاض) هو الطلق ووجع الولادة، وفيه استجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فحملت بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة وجاء من ولده عشرة رجال علماء أخيار، وفيه كرامة ظاهرة لأبي طلحة وفضائل لأم سليم، وفيه تحنيك المولود وأنه يحمل إلى صالح ليحنكه، وأنه يجوز تسميته في يوم ولادته واستحباب التسمية بعبد الله، وكراهة الطروق للقادم من سفر إذا لم يعلم أهله بقدومه قبل ذلك، وفيه جوا وسم الحيوان ليتميز وليعرف فيردها من وجدها، وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ووسمه بيده
*2* باب من فضائل بلال، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيّانَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا أَبُو حَيّانَ التّيْمِيّ، يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلاَلٍ، عِنْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ: "يَا بِلاَلُ حَدّثْنِي بِأَرْجَىَ عَمَلٍ عَمِلْتَهُ، عِنْدَكَ، فِي الإِسْلاَمِ مَنْفَعَةً. فَإِنّي سَمِعْتُ اللّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيّ فِي الْجَنّةِ". قَالَ بِلاَلٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً فِي الإِسْلاَمِ أَرْجَىَ عِنْدِي مَنْفَعَةً، مِنْ أَنّي لاَ أَتَطَهّرُ طُهُوراً تَامّا، فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ، إِلاّ صَلّيْتُ بِذَلِكَ الطّهُورِ، مَا كَتَبَ اللّهُ لِي أَنْ أُصَلّيَ.
قوله: (لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله أن أصلي) معناه قدر الله لي، وفيه فضيلة الصلاة عقب الوضوء وأنها سنة وأنها تباح في أوقات النهي عند طلوع الشمس واستوائها وغروبها وبعد صلاة الصبح والعصر لأنها ذات سبب وهذا مذهبنا
*2* باب من فضائل عبد اللّهِ بن مسعود وأمه، رضي اللّهُ تعالى عنهما
*حدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التّمِيمِيّ وَ سَهِلُ بْنُ عُثْمَانَ و عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحَضْرَمِيّ وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ (قَالَ سَهْلٌ وَ مِنْجَابٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {لَيْسَ عَلَىَ الّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتّقَوْا وَأَمَنُوا} (5 المائدة الاَية: ) إِلَىَ آخِرِ الاَيَةِ. قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قِيلَ لِي: أَنْتَ مِنْهُمْ".
حدّثنا إِسْحَقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنْظَلِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَاللّفْطُ لابْنِ رَافِعٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا) يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ. فَكُنّا حِيناً وَمَا نُرَىَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمّهُ إِلاّ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ. مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ.
حَدّثَنِيه مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ أَنّهُ سَمِعَ الأَسْوَدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَىَ يَقُولُ: لَقَدْ قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ و ابْنُ بَشّارٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُرَىَ أَنّ عَبْدَ اللّهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. أَوْ مَا ذَكَرَ مِنْ نَحْوِ هَذَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّىَ). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ. قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا مُوسَىَ وَأَبَا مَسْعُودٍ، حِينَ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَتُرَاهُ تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ؟ فَقَالَ: إِنْ قُلْتُ ذَاكَ. إِنْ كَانَ لَيُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا. وَيَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا.
حدّثنا أَبُو كَرِيبٍ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا قُطْبَةُ (هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: كُنّا فِي دَارِ أَبِي مُوسَىَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللّهِ. وَهُمْ يَنْظُرُونَ فِي مُصْحَفٍ. فَقَامَ عَبْدُ اللّهِ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ بَعْدَهُ أَعْلَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ هَذَا الْقَائِمِ. فَقَالَ أَبُو مُوسَىَ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ. لَقَدْ كَانَ يَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. وَيُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا.
وحدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ (هُوَ ابْنُ مُوسَىَ) عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ. قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا مُوسَىَ فَوَجَدْتُ عَبْدَ اللّهِ وَ أَبَا مُوسَىَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كَرِيبٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيدِ بْنِ وَهْبٍ. قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ حُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَىَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ قُطْبَةَ أَتَمّ وَأَكْثَرُ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَنّهُ قَالَ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (3 آل عمران الاَية: 1). ثُمّ قَالَ: عَلَىَ قِرَاءَةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعاً وَسَبْعِينَ سُورَةً. وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللّهِ. وَلَوْ أَعْلَمُ أَنّ أَحَداً أَعْلَمُ مِنّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ.
قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً يَرُدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَعِيبُهُ.
حدّثنا أَبُو كَرِيبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ. حَدّثَنَا قُطْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: وَالّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللّهِ سُورَةٌ إِلاّ أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ. وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلاّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ. وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَداً هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللّهِ مِنّي، تَبْلُغُهُ الإِبِلُ، لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: كُنّا نَأْتِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو فَنَتَحَدّثُ إِلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: عِنْدَهُ فَذَكَرْنَا يَوْماً عبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: لَقَدْ ذَكَرْتُمْ رَجُلاً لاَ أَزَالُ أُحِبّهُ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ ابْنِ أُمّ عَبْدٍ. فَبَدَأَ بِهِ ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ، مَوْلَىَ أَبِي حُذَيْفَةَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالُوا: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: كُنّا عَنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. فَذَكَرْنَا حَدِيثاً عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: إِنّ ذَاكَ الرّجُلَ لاَ أَزَالُ أُحِبّهُ بَعْدَ شَيءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: مِنِ ابْنِ أُمّ عَبْدٍ فَبَدَأَ بِهِ وَمِنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ سَالِمٍ، مَوْلَىَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ".
وَحَرْفٌ لَمْ يَذْكُرْهُ زُهَيْرٌ. قوله: يَقُولُهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كَرِيبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ وَوَكِيعٍ. فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَدّمَ مُعَاذاً قَبْلَ أُبَيَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَرِيبٍ، أُبَيّ قَبْلَ مُعَاذٍ.
حدّثنا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. ح وَحَدّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِهِمْ. وَاخْتَلَفَا عَن شُعْبَةَ فِي تَنْسِيقِ الأَرْبَعَةِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذَكَرُوا ابْنَ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبّهُ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اسْتَقْرِؤُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، مَوْلَىَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَالَ شُعْبَةُ: بَدَأَ بِهَذَيْنِ. لاَ أَدْرِي بِأَيّهِمَا بَدَأَ.
قوله: (لما نزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيل لي أنت منهم) معناه أن ابن مسعود منهم.
قوله: (فكنا حيناً وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم ولزومهم له) أما قوله كنا فمعناه مكثنا. وقوله حيناً أي زماناً. قال الشافعي وأصحابه ومحققو أهل العلم وغيرهم: الحين يقع على القطعة من الدهر طالت أم قصرت. وقوله ما نرى بضم النون أي ما نظن. وقوله كثرة بفتح الكاف على الفصيح المشهور وبه جاء القرآن، وحكى الجوهري وغيره كسرها. وقوله: دخولهم ولزومهم جمعهما وهما اثنان هو وأمه لأن الإثنين يجوز جمعهما بالإتفاق، لكن الجمهور يقولون أقل الجمع ثلاثة فجمع الإثنين مجاز، وقالت طائفة: أقله اثنان فجمعهما حقيقة.
قوله: (عن ابن مسعود قال ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، ثم قال: على قراءة من تأمرونني أن أقرأ) إلى آخره، فيه محذوف وهو مختصر مما جاء في غير هذه الرواية، معناه أن ابن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجمهور وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه فأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه وبموافقة مصحف الجمهور وطلبوا مصحفه أن يحرقوه كما فعلوا بغيره فامتنع وقال لأصحابه: غلوا مصاحفكم أي اكتموها ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة وكفى لكم بذلك شرفاً، ثم قال على سبيل الإنكار: ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت إليه قال شقيق فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحداً يرد ذلك عليه ولا يعيبه) الحلق بفتح الحاء واللام ويقال بكسر الحاء وفتح اللام قال القاضي: وقالها الحربي بفتح الحاء وإسكان اللام وهو جمع حلقة بإسكان اللام على المشهور، وحكى الجوهري وغيره فتحها أيضاً واتفقوا على أن فتحها ضعيف، فعلى قول الحربي هو كتمر وتمرة، وفي هذا الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة. وأما النهي عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة بل للفخر والإعجاب، وقد كثرت تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك أو تحصيل مصلحة للناس أو ترغيب في أخذ العلم عنه أو نحو ذلك، فمن المصلحة قول يوسف صلى الله عليه وسلم: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه في وقت حصاره أنه جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة. ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا، وقول سهل بن سعد: ما بقي أحد أعلم بذلك مني، وقول غيره على الخبير سقطت وأشباهه. وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم والذهاب إلى الفضلاء حيث كانوا، وفيه أن الصحابة لم ينكروا قول ابن مسعود أنه أعلمهم، والمراد أعلمهم بكتاب الله كما صرح به، فلا يلزم منه أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم بالسنة، ولا يلزم من ذلك أيضاً أن يكون أفضل منهم عند الله تعالى، فقد يكون واحد أعلم من آخر بباب من العلم أو بنوع، والاَخر أعلم من حيث الجملة، وقد يكون واحد أعلم من آخر، وذاك أفضل عند الله بزيادة تقواه وخشيته وورعه وزهده وطهارة قلبه وغير ذلك، ولا شك أن الخلفاء الراشدين الأربعة كل منهم أفضل من ابن مسعود.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا القرآن من أربعة وذكر منهم ابن مسعود" قال العلماء: سببه أن هؤلاء أكثر ضبطاً لألفاظه وأتقن لأدائه وإن كان غيرهم أفقه في معانيه منهم، أو لأن هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذه منه صلى الله عليه وسلم مشافهة وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم من بعض، أو لأن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ عنهم أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من تقدم هؤلاء الأربعة وتمكنهم وأنهم أقعد من غيرهم في ذلك فليؤخذ عنهم
*2* باب من فضائل أبيّ بن كعب وجماعة من الأنصار، رضي اللّهُ تعالى عنهم
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّىَ. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: جَمَعَ الْقُرْآنَ، عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَرْبَعَةٌ. كُلّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ.
قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي.
حدّثني أَبُو دَاوُدَ، سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ. كُلّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ. وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُكْنَىَ أَبَا زَيْدٍ.
حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأِبَيَ: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ" قَالَ: آللّهُ سَمّانِي لَكَ؟ قَالَ "اللّهُ سَمّاكَ لِي" قَالَ: فَجَعَلَ أُبَيّ يَبْكِي.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأِبَيّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الّذِينَ كَفَرُوا} (البينة الاَية: 1) قَالَ: وَسَمّانِي؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: فَبَكَىَ.
حَدّثَنِيهِ يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لأُبَيَ. بِمِثْلِهِ.
قوله: (جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد) قال المازري: هذا الحديث مما يتعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن وجوابه من وجهين: أحدهما أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه فقد يكون مراده الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم ولو نفاهم كان المراد نفي علمه، ومع هذا فقد روى غير مسلم حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر منهم المازري خمسة عشر صحابياً، وثبت في الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمع القرآن وكانت اليمامة قريباً من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الذين قتلوا من جامعية يومئذ فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها وبقي بالمدينة أو بمكة أو غيرهما، ولم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعليهم ونحوهم من كبار الصحابة الذين يبعد كل البعد أنهم لم يجمعوه مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بهم ونحن نرى أهل عصرنا حفظة منهم في كل بلدة ألوف مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة، مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن وما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف نظن بهم إهماله؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد يجمع القرآن إلا الأربعة المذكورون. الجواب الثاني أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة لم يقدح في تواتره، فإن أجزأه حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعهم جميعه بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك ولم يخالف في هذا مسلم ولا ملحد وبالله التوفيق. قوله: (قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي) أبو زيد هذا هو سعد بن عبيد بن النعمان الأوسي من بني عمرو بن عوف بدري يعرف بسعد القاري استشهد بالقادسية سنة خمس عشرة في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال ابن عبد البر: هذا هو قول أهل الكوفة وخالفهم غيرهم فقالوا هو قيس بن السكن الخزرجي من بني عدي بن النجار بدري، قال موسى بن عقبة: استشهد يوم جيش أبي عبيد بالعراق سنة خمس عشرة أيضاً.
قوله صلى الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب رضي الله عنه: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا قال: وسماني؟ قال: نعم، قال: فبكى" وفي رواية: (فجعل يبكي) أما بكاؤه فبكاء سرور واستصغار لنفسه عن تأهيله لهذه النعمة وإعطائه هذه المنزلة والنعمة فيها من وجهين: أحدهما كونه منصوصاً عليه بعينه ولهذا قال وسماني معناه نص علي بعيني أو قال اقرأ على واحد من أصحابك قال بل سماك فتزايدت النعمة. والثاني قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها منقبة عظيمة له لم يشاركه فيها أحد من الناس، وقيل إنما بكى خوفاً من تقصيره في شكر هذه النعمة، وأما تخصيص هذه السورة بالقراءة فلأنها مع وجازتها جامعة لأصول وقواعد ومهمات عظيمة وكان الحال يقتضي الإختصار. وأما الحكمة في أمره بالقراءة على أبي قال المازري والقاضي: هي أن يتعلم أبي ألفاظه وصيغة أدائه ومواضع الوقوف وصنع النغم في نغمات القرآن على أسلوب ألفه الشرع وقدره بخلاف ما سواه من النغم المستعمل في غيره ولكل ضرب من النغم مخصوص في النفوس فكانت القراءة عليه ليتعلم منه وقيل قرأ عليه ليسن عرض القرآن على حفاظه البارعين فيه المجيدين لأدائه، وليسن التواضع في أخذ الإنسان القرآن وغيره من العلوم الشرعية من أهلها، وإن كانوا دونه في النسب والدين والفضيلة والمرتبة والشهرة وغير ذلك، ولينبه الناس على فضيلة أبي في ذلك ويحثهم على الأخذ منه وكان كذلك، فكان بعد النبي صلى الله عليه وسلم رأساً وإماماً مقصوداً في ذلك مشهوراً به والله أعلم
*2* باب من فضائل سعد بن معاذ، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: "اهْتَزّ لَهَا عَرْشُ الرّحْمَنِ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيّ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اهْتَزّ عَرْشُ الرّحْمَنِ، لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الرّزّيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَطَاءٍ، الْخَفّافُ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَجِنَازَتُهُ مَوْضُوعَةٌ يَعْنِي سَعْداً " اهْتَزّ لَهَا عَرْشُ الرّحْمَنِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ. قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُلّةُ حَرِيرٍ. فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونُهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا. فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينَ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنّةِ، خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ".
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَة الضّبّيّ. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. أَنْبَأَنِي أَبُو إِسْحَقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبِ حَرِيرٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ثُمّ قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ هَذَا أَوْ بِمِثْلِهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدّثَنَا أُمَيّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيْعاً. كَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّهُ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جُبّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ. وَكَانَ يَنْهَىَ عَنِ الْحَرِيرِ. فَعَجِبَ النّاسُ مِنْهَا. فَقَالَ: "وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ إِنّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ، فِي الْجَنّةِ، أَحْسَنُ مِنْ هَذَا".
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوْحٍ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ أَهْدَىَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُلّةً. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: وَكَانَ يَنْهَىَ عَنِ الْحَرِيرِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" اختلف العلماء في تأويله فقالت طائفة هو على ظاهره، واهتزاز العرش تحركه فرحاً بقدوم روح سعد، وجعل الله تعالى في العرش تمييزاً حصل به هذا ولا مانع منه كما قال تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} وهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار. وقال المازري: قال بعضهم هو على حقيقته وأن العرش تحرك لموته قال وهذا لا ينكر من جهة العقل لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون، قال: لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك إلا أن يقال إن الله تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته. وقال آخرون: المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة فحذف المضاف، والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول، ومنه قول العرب: فلان يهتز للمكارم لا يريدون اضطراب جسمه وحركته وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها. وقال الحربي: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون أظلمت لموت فلان الأرض وقامت له القيامة. وقال جماعة: المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش، وهذا القول باطل يرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم اهتز لموته عرش الرحمن وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم والله أعلم.
قوله: (فجعل أصحابه يلمسونها) هو بضم الميم وكسرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين" المناديل جمع منديل بكسر الميم في المفرد وهو هذا الذي يحمل في اليد، قال ابن الأعرابي وابن فارس وغيرهما: هو مشتق من الندل وهو النقل لأنه ينقل من واحد إلى واحد، وقيل من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، قال أهل العربية: يقال مه تندلت بالمنديل، قال الجوهري: ويقال أيضاً تمندلت، قال: وأنكر الكسائي قال ويقال أيضاً تمدلت، وقال العلماء: هذه إشارة إلى عظيم منزلة سعد في الجنة وأن أدنى ثيابه فيها خير من هذه لأن المنديل أدنى الثياب لأنه معد للوسخ والامتهان فغيره أفضل، وفيه إثبات الجنة لسعد. قوله في هذا الحديث: (أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير) وفي الرواية الأخرى: (ثوب حرير) وفي الأخرى: (جبة) قال القاضي: رواية الجبة بالجيم والباء لأنه كان ثوباً واحداً كما صرح به في الرواية الأخرى، والأكثرون يقولون الحلة لا تكون إلا ثوبين يحل أحدهما على الاَخر فلا يصح الحلة هنا. وأما من يقول الحلة ثوب واحد جديد قريب العهد بحله من طيه فيصح وقد جاء في كتب السير أنها كانت قباء.
وأما قوله: (أهدى أكيدر دومة الجندل) فسبق بيان حال أكيدر واختلافهم في إسلامه ونسبه وأن دومة بفتح الدال وضمها وذكرنا موضعها في كتاب المغازي وسبق بيان أحكام الحرير في كتاب اللباس والله أعلم
*2* باب من فضائل أبي دجانة، سماك بن خرشة، رضي اللّهُ تعالى عنه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ سَيْفاً يَوْمَ أُحُدٍ. فَقَالَ: "مَنْ يَأْخُذُ مِنّي هَذَا السَيْفَ بِحَقّهِ؟" فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ. كُلّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقّهِ؟" قَالَ: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقّهِ.
قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ.
هو بضم الدال وتخفيف الجيم. قوله: (فأحجم القوم) هو بحاء ثم جيم هكذا هو في معظم نسخ بلادنا، وفي بعضها بتقديم الجيم على الحاء، وادعى القاضي عياض أن الرواية بتقديم الجيم ولم يذكر غيره قال فهما لغتان ومعناهما تأخروا وكفوا. قوله: (ففلق به هام المشركين) أي شق رؤوسهم
*2* باب من فضائل عبد اللّهِ بْنِ عمرو بن حرام، والد جابر، رضي اللّهُ تعالى عنهما
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَ عُمْرٌو النّاقِدُ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيْيَنَةَ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، جِيءَ بِهِ مُسَجّى، وَقَدْ مُثِلَ بِهِ. قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثّوْبَ، فَنَهَانِي قَوْمِي. ثُمّ أَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثّوْبَ، فَنَهَانِي قَوْمِي. فَرَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ. فَسَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ أَوْ صَائِحَةٍ. فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟" فَقَالُوا: بِنْتُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو، فَقَالَ: "وَلِمَ تَبْكِي؟ فَمَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتّىَ رُفِعَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ. فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي. وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنْهَانِي. قَالَ وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ، بِنْتُ عَمْرٍو تَبْكِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَبْكِيهِ، أَوْ لاَ تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتّىَ رَفَعْتُمُوهُ".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ الْمَلاَئِكَةِ وَبُكَاءِ الْبَاكِيَةِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ عَدِيَ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ مُجَدّعاً. فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
قوله: (جيء بأبي مسجى وقد مثل به) المسجى المغطى ومثل بضم الميم وكسر الثاء المخففة يقال مثل بالقتيل والحيوان يمثل مثلاً كقتل يقتل قتلاً إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه أو مذاكيره ونحو ذلك والإسم المثلة، فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة والرواية هنا بالتخفيف. قوله صلى الله عليه وسلم: "فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" قال القاضي: يحتمل أن ذلك لتزاحمهم عليه لبشارته بفضل الله ورضاه عنه وما أعد له من الكرامة عليه ازدحموا عليه إكراماً له وفرحاً به، أو أظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو جسمه. قوله: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله) معناه سواء بكت عليه أم لا فما زالت الملائكة تظله أي فقد حصل له من الكرامة هذا وغيره، فلا ينبغي البكاء على مثل هذا وفي هذا تسلية لها. قوله: (عن عبد الكريم عن محمد بن المنكدر عن جابر) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، قال القاضي: ووقع في نسخة ابن ماهان عن محمد بن علي بن حسين عن جابر بدل محمد بن المنكدر، قال الجياني: والصواب الأول وهو الذي ذكره أبو السعود الدمشقي. قوله: (جيء بأبي مجدعاً) أي مقطوع الأنف والأذنين قال الخليل: الجدع قطع الأنف والأذن والله أعلم
*2* باب من فضائل جليبيب، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَغْزَىً لَهُ. فَأَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فُلاَناً وَفُلاَناً وَفُلاَناً. ثُمّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فُلاَناً وَفُلاَناً وَفُلاَناً. ثُمّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: لاَ. قَالَ: "لَكِنّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيباً. فَاطْلُبُوهُ" فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَىَ. فَوَجَدُوهُ إِلَىَ جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ. ثُمّ قَتَلُوهُ. فَأَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "قَتَلَ سَبْعَةً. ثُمّ قَتَلُوهُ. هَذَا مِنّي وَأَنَا مِنْهُ. هَذَا مِنّي وَأَنَا مِنْهُ". قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَىَ سَاعِدَيْهِ. لَيْسَ لَهُ إِلاّ سَاعِدا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلاً.
هو بضم الجيم. قوله: (كان في مغزى له) أي في سفر غزو، وفي حديثه أن الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا مني وأنا منه" معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى
*2* باب من فضائل أبي ذر، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرَ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ. وَكَانُوا يُحِلّونَ الشّهْرَ الْحَرَامَ. فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمّنَا. فَنَزَلْنَا عَلَىَ خَالٍ لَنَا. فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا. فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ. فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا الّذِي قِيلَ لَهُ. فَقُلْتُ: أَمّا مَا مَضَىَ مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ. فَقَرّبْنَا صِرْمَتَنَا. فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا. وَتَغَطّىَ خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي. فَانْطَلَقْنَا حَتّىَ نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكّةَ. فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا. فَأَتَيَا الْكَاهِنَ. فَخَيّرَ أُنَيْساً. فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلّيْتُ، يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثِ سِنِينَ. قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: للّهِ. قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجّهُ حَيْثُ يُوَجّهُنِي رَبّي. أُصَلّي عِشَاءً حَتّىَ إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنّي خِفَاءٌ. حَتّىَ تَعْلُونِي الشّمْسُ.
فقالَ أُنَيْسٌ: إِنّ لِي حَاجَةً بِمَكّةَ فَاكْفِنِي. فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتّىَ أَتَىَ مَكّةَ. فَرَاثَ عَلَيّ. ثُمّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلاً بِمَكّةَ عَلَىَ دِينِكَ. يَزْعُمُ أَنّ اللّهَ أَرْسَلَهُ. قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ. وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشّعَرَاءِ.
قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ. فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ. وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَىَ أَقْرَاءِ الشّعْرِ. فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَىَ لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنّهُ شِعْرٌ. وَاللّهِ إِنّهُ لَصَادِقٌ. وَإِنّهُم لَكَاذِبُونَ.
قَالَ: قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتّىَ أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ. قَالَ: فَأَتَيْتُ مَكّةَ. فَتَضَعّفْتُ رَجُلاً مِنْهُمْ. فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الّذِي تَدْعُونَهُ الصّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيّ، فَقَالَ: الصّابِئَ فَمَالَ عَلَيّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ. حَتّىَ خَرَرْتُ مَغْشِيّاعلَيّ. قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنّهُ نُصُبٌ أَحْمَرُ. قَالَ فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنّي الدّمَاءَ: وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا. وَلَقَدْ لَبِثْتُ، يَا ابْنَ أَخِي ثَلاَثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاّ مَاءَ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتّىَ تَكَسّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. وَمَا وَجَدْتُ عَلَىَ كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ.
قَالَ: فَبَيْنَا أَهْلُ مَكّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، إِذْ ضُرِبَ عَلَىَ أَسْمِخَتِهِمْ. فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ. وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ. قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيّ فِي طَوَافِهِمَا فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الأُخْرَىَ. قَالَ: فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا. قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيّ. فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ. غَيْرَ أَنّي لاَ أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ وَتَقُولاَنِ: لَوْ كَانَ هَهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا. قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ. وَهُمَا هَابِطَانِ. قَالَ: "مَا لَكُمَا؟" قَالَتَا: الصّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَالَ: "مَا قَالَ لَكُمَا؟" قَالَتَا: إِنّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ. وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ. ثُمّ صَلّىَ. فَلَمّا قَضَىَ صَلاَتَهُ (قَالَ أَبُو ذَرَ) فَكُنْتُ أَنَا أَوّلُ مَنْ حَيّاهُ بِتَحِيّةِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: فَقُلْتُ: السّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ "وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ". ثُمّ قَالَ: "مَنْ أَنْتَ؟" قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ. قَالَ: فَأَهْوَىَ بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَىَ جَبْهَتِهِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَىَ غِفَارٍ. فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ. فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ. وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنّي. ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ. ثُمّ قَالَ: "مَتَىَ كُنْتَ هَهُنَا؟" قَالَ: قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَهُنَا مُنْذُ ثَلاَثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: "فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟" قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاّ مَاءُ زَمْزَمٍ. فَسَمِنْتُ حَتّىَ تَكَسّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ. قَالَ: "إِنّهَا مُبَارَكَةٌ. إِنّهَا طَعَامُ طُعْمٍ".
فقالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللّيْلَةَ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا. فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً. فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطّائِفِ. وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. ثُمّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ. ثُمّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنّهُ قَدْ وُجّهَتْ لِيَ أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ. لاَ أُرَاهَا إِلاّ يَثْرِبَ. فَهَلْ أَنْتَ مُبَلّغٌ عَنّي قَوْمَكَ؟ عَسَىَ اللّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ". فَأَتَيْتُ أُنَيْساً فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدّقْتُ. قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ. فَإِنّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدّقْتُ. فَأَتَيْنَا أُمّنَا. فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا. فَإِنّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدّقْتُ. فَاحْتَمَلْنَا حَتّىَ أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَاراً. فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ. وَكَانَ يَؤُمّهُمْ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ. وَكَانَ سَيّدَهُمْ.
وَقَالَ نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِيَ. وَجَاءَتْ أَسْلَمُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إِخْوَتُنَا. نُسْلِمُ عَلَىَ الّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ. فَأَسْلَمُوا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "غِفَارُ غَفَرَ اللّهُ لَهَا: وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ"
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ قُلْتُ فَاكْفِنِي حَتّىَ أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ قَالَ: نَعَمْ. وَكُنْ عَلَىَ حَذَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَإِنّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهّمُوا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ الْعَنَزِيّ. حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيَ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابنُ عَوْنٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرَ: يَا ابْنَ أَخِي صَلّيْتُ سَنَتَيْنِ قَبْلَ مَبْعَثِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ قُلْتُ: فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجّهَنِي اللّهُ. وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَتَنَافَرَا إِلَىَ رَجُلٍ مِنَ الْكُهّانِ. قَالَ فَلَمْ يَزَلْ أَخِي، أُنَيسٌ يَمْدَحَهُ حَتّىَ غَلَبَهُ. قَالَ فَأَخَذْنَا صِرْمَتَهُ فَضَمَمْنَاهَا إِلَىَ صِرْمَتِنَا. وَقَالَ أَيْضاً فِي حَدِيثِهِ: قَالَ فَجَاءَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ. فَإِنّي لأَوّلُ النّاسِ حَيّاهُ بِتَحِيّةِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: قُلْتُ: السّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ: قَالَ "وَعَلَيْكَ السّلاَمُ. مَنْ أَنْتَ". وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضاً: فَقَالَ: "مُنْذُ كَمْ أَنْتَ هَهُنَا؟" قَالَ: قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَفِيهِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ اللّيْلَةَ.
وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدِ بْنُ عَرْعَرَةَ السّامِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَتَقَارَبَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ. وَاللّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا الْمُثَنّىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَمّا بَلَغَ أَبَا ذَرَ مَبْعَثُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَكّةَ قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَىَ هَذَا الْوَادِي. فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرّجُلِ الّذِي يَزْعُمُ أَنّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السّمَاءِ. فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الاَخَرُ حَتّىَ قَدِمَ مَكّةَ. وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ. ثُمّ رَجَعَ إِلَىَ أَبِي ذَرَ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ. وَكَلاَماً مَا هُوَ بِالشّعْرِ. فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ. فَتَزَوّدَ وَحَمَلَ شَنّةً لَهُ، فِيهَا مَاءٌ. حَتّىَ قَدِمَ مَكّةَ. فَأَتَىَ الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يَعْرِفُهُ. وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ. حَتّىَ أَدْرَكَهُ يَعْنِي اللّيْلَ فَاضْطَجَعَ. فَرَآهُ عَلِيّ فَعَرَفَ أَنّهُ غَرِيبٌ. فَلَمّا رَآهُ تَبِعَهُ. فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ. حَتّىَ أَصْبَحَ. ثُمّ احْتَمَلَ قُرَيْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَىَ الْمَسْجِدِ. فَظَلّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَلاَ يَرَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ أَمْسَىَ. فَعَادَ إِلَىَ مَضْجَعِهِ. فَمَرّ بِهِ عَلِيّ. فَقَالَ: مَا أَنَى لِلرّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ. فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ. وَلاَ يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ. حَتّىَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الثّالِثِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَقَامَهُ عَلِيّ مَعَهُ. ثُمّ قَالَ لَهُ: أَلاَ تُحَدّثُنِي؟ مَا الّذِي أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْداً وَمِيثاقاً لَتُرْشِدَنّي. فَعَلْتُ. فَفَعَلَ. فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: فَإِنّهُ حَقّ. وَهُوَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتّبِعْنِي. فَإِنّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئاً أَخَافُ عَلَيْكَ، قُمْتُ كَأَنّي أُرِيقُ الْمَاءَ. فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتّبِعْنِي حَتّىَ تَدْخُلَ مَدْخَلِي. فَفَعَلَ. فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ. حَتّىَ دَخَلَ عَلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَدَخَلَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ. فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "ارْجِعْ إِلَىَ قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتّىَ يَأْتِيَكَ أَمْرِي". فَقَالَ: وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَصْرُخَنّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. فَخَرَجَ حَتّىَ أَتَىَ الْمَسْجِدَ. فَنَادَىَ بِأَعْلَىَ صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ. وَثَارَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتّىَ أَضْجَعُوهُ. فَأَتَى الْعَبّاسُ فَأَكَبّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ مِنْ غِفَارٍ. وَأَنّ طَرِيقَ تُجّارِكُمْ إِلَىَ الشّامِ عَلَيْهِمْ. فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ. ثُمّ عَادَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهَا. وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ. فَأَكَبّ عَلَيْهِ الْعَبّاسُ فَأَنْقَذَهُ.
قوله: (فنثا علينا الذي قيل له) هو بنون ثم مثلثة أي أشاعه وأفشاه. قوله: (فقربنا صرمتنا) هي بكسر الصاد وهي القطعة من الإبل وتطلق أيضاً على القطعة من الغنم. قوله: (فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخير أنيساً فأتانا أنيس بصرمتنا أو مثلها معها) قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة فيفخر كل واحد من الرجلين على الاَخر ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفراً، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعركما بينه في الرواية الأخرى. وقوله: (نافر عن صرمتنا وعن مثلها) معناه تراهن هو وآخر أيهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك فأيهما كان أفضل أخذ الصرمتين فتحاكما إلى الكاهن فحكم بأن أنيساً أفضل وهو معنى قوله فخير أنيساً أي جعله الخيار والأفضل. قوله: (حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء) هو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الفاء وبالمد وهو الكساء وجمعه أخفية ككساء وأكسية. قال القاضي: ورواه بعضهم عن ابن ماهان جفاء بجيم مضمومة وهو غثاء السيل والصواب المعروف وهو الأول. قوله: (فراث علي) أي أبطأ. قوله: (أقراء الشعر) أي طرقه وأنواعه وهي بالقاف والراء وبالمد. قوله: (أتيت مكة فتضعفت رجلاً منهم) يعني نظرت إلى أضعفهم فسألته لأن الضعيف مأمون الغائلة غالباً. وفي رواية ابن ماهان فتضيفت بالياء، وأنكرها القاضي وغيره قالوا لا وجه له هنا. قوله: (كأني نصب أحمر) يعني من كثرة الدماء التي سالت في بصرتهم، والنصب الصم والحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده فيحمر بالدم وهو بضم الصاد وإسكانها وجمعه أنصاب ومنه قوله تعالى: {وما ذبح على النصب} قوله: (حتى تكسرت عكن بطني) يعني انثنت لكثرة السمن وانطوت. قوله: (وما وجدت على كبدي سخفة جوع) هي بفتح السين المهملة وضمها وإسكان الخاء المعجمة وهي رقة الجوع وضعفه وهزاله. قوله: (فبينا أهل مكة في ليلة قمراء أضحيان إذ ضرب على أسمختهم فما يطوف بالبيت أحد وامرأتين منهم تدعوان إسافاً ونائلة) أما قوله قمراء فمعناه مقمرة طالع قمرها، والإضحيان بكسر الهمزة والحاء وإسكان الضاد المعجمة بينهما وهي المضيئة، ويقال ليلة أضحيان وأضحيانة وضحياء ويوم ضحيان، وقوله على أسمختهم هكذا هو في جميع النسخ. وهو جمع سماخ وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس يقال صماخ بالصاد وسماخ بالسين الصاد أفصح وأشهر، والمراد بأصمختهم هنا آذانهم أي ناموا قال الله تعالى: {فضربنا على آذانهم} أي أنمناهم. قوله: (وامرأتين) هكذا هو في معظم النسخ بالياء وفي بعضها وامرأتان بالألف والأول منصوب بفعل محذوف أي ورأيت امرأتين. قوله: (فما تناهتا عن قولهما) أي ما انتهتا عن قولهما بل دامتا عليه، ووقع في أكثر النسخ فما تناهتا على قولهما وهو صحيح أيضاً وتقديره ما تناهتا من الدوام على قولهما. قوله: (فقلت هن مثل الخشبة غير أني لا أكني) الهن والهنة بتخفيف نونهما هو كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر فقال لهما ومثل الخشبة بالفرج وأراد بذلك سب إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك، قوله: (فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان ههنا أحد من أنفارنا) الولولة الدعاء بالويل، والأنفار جمع نفر أو نفير وهو الذي ينفر عند الاستغاثة، ورواه بعضهم أنصارنا وهو بمعناه وتقديره لو كان هنا أحد من أنصارنا لانتصر لنا. قوله: (كلمة تملأ الفم) أي عظيمة لا شيء أقبح منها كالشيء الذي يملأ الشيء ولا يسع غيره، وقيل معناه لا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها. قوله: (فكنت أول من حياه بتحية الإسلام فقال وعليك ورحمة الله) هكذا هو في جميع النسخ وعليك من غير ذكر السلام، وفيه دلالة لأحد الوجهين لأصحابنا أنه إذا قال في رد السلام وعليك يجزئه لأن العطف يقتضي كونه جواباً، والمشهور من أحواله صلى الله عليه وسلم وأحوال السلف رد السلام بكماله فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله أو ورحمته وبركاته وسبق إيضاحه في بابه. قوله: (فقدعني صاحبه) أي كفني يقال قدعه وأقدعه إذا كفه ومنعه وهو بدال مهملة. قوله صلى الله عليه وسلم في زمزم: "إنها طعام طعم" هو بضم الطاء وإسكان العين أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام. قوله: (غبرت ما غبرت) أي بقيت ما بقيت. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد وجهت لي أرض" أي أريت جهتها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أراها إلا يثرب" ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها وهذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة، وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب أو أنه سماها باسمها المعروف عند الناس حينئذ. قوله: (ما بي رغبة عن دينكما) أي لا أكرهه بل أدخل فيه. قوله: (فاحتملنا) يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا وسرنا. قوله: (إيماء بن رحضة الغفاري) قوله إيماء ممدود والهمزة في أوله مكسورة على المشهور، وحكى القاضي فتحها أيضاً وأشار إلى ترجيحه وليس براجح، ورحضة براء وحاء مهملة وضاد معجمة مفتوحات.
قوله: (شنفوا له وتجهموا) هو بشين معجمة مفتوحة ثم نون مكسورة ثم فاء أي أبغضوه، ويقال رجل شنف مثال حذر أي شانئ مبغض. وقوله: تجهموا أي قابلوه بوجوه غليظة كريهة. قوله: (فأين كنت توجه) هو بفتح التاء والجيم، وفي بعض النسخ توجه بضم التاء وكسر الجيم وكلاهما صحيح. قوله: (فتنافرا إلى رجل من الكهان) أي تحاكما إليه. قوله: (أتحفني بضيافته) أي خصني بها وأكرمني بذلك، قال أهل اللغة: التحفة بإسكان الحاء وفتحها هو ما يكرم به الإنسان والفعل منه أتحفه.
قوله: (إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي) هو بالسين المهملة منسوب إلى أسامة بن لؤي وعرعرة بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة. قوله: (فانطلق الاَخر حتى قدم مكة) هكذا هو في أكثر النسخ، وفي بعضها الأخ بدل الاَخر وهو هو فكلاهما صحيح. قوله: (ما شفيتني فيما أردت) كذا في جميع نسخ مسلم فيما بالفاء، وفي رواية البخاري مما بالميم وهو أجود أي ما بلغتني غرضي وأزلت عني هم كشف هذا الأمر. قوله: (وحمل شنة) هي بفتح الشين وهي القربة البالية. قوله: (فرآه علي فعرف أنه غريب فلما رآه تبعه) كذا هو في جميع نسخ مسلم تبعه، وفي رواية البخاري أتبعه قال القاضي: هي أحسن وأشبه بمساق الكلام وتكون بإسكان التاء أي قال له إتبعني. قوله: (احتمل قريبته) بضم القاف على التصغير، وفي بعض النسخ قربته بالتكبير وهي الشنة المذكورة قبله. قوله: (ما أنى للرجل) وفي بعض النسخ آن وهما لغتان أي ما حان، وفي بعض النسخ أما بزيادة ألف الاستفهام وهي مرادة في الرواية الأولى ولكن حذفت وهو جائز. قوله: (فانطلق يقفوه) أي يتبعه. قوله: (لأصرخن بها بين ظهرانيهم) هو بضم الراء من لأصرخن أي لأرفعن صوتي بها. وقوله بين ظهرانيهم وهو بفتح النون ويقال بين ظهريهم
*2* باب من فضائل جرير بن عبد اللّهِ، رضي اللّهُ تعالى عنه
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ عَنْ بَيَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ يَقُولُ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ. وَلاَ رَآنِي إِلاّ ضَحِكَ.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قِيسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ. وَلاَ رَآنِي إِلاّ تَبَسّمَ فِي وَجْهِي. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ: وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنّي لاَ أَثْبُتُ عَلَىَ الْخَيْلِ. فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "اللّهُمّ ثَبّتْهُ. وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّا".
حدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ. أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشّامِيّةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةِ الْيَمَانِيَةِ وَالشّامِيّةِ" فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ أَحْمَسَ. فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ. فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا جَرِيرُ أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ" بَيْتٍ لِخَثْعَمَ كَانَ يُدْعَىَ كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ. قَالَ: فَنَفَرْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ. وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَىَ الْخَيْلِ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَضَرَبَ يَدَهُ فِي صَدْرِي فَقَالَ: "اللّهُمّ ثَبّتْهُ. وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّا".
قَالَ: فَانْطَلَقَ فَحَرّقَهَا بِالنّارِ. ثُمّ بَعَثَ جَرِيرٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُبَشّرُهُ. يُكْنَىَ أَبَا أَرْطَاةَ، مِنّا. فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: مَا جِئْتُكَ حَتّىَ تَرَكْنَاهَا كَأَنّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. فَبَرّكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا، خَمْسَ مَرّاتٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيّ). ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وقَالَ فِي حَدِيثِ مَرْوَانَ: فَجَاءَ بَشِيرُ جَرِيرٍ، أَبُو أَرْطَاةَ، حُصَيْنُ بْنُ رَبِيعَةَ، يُبَشّرُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك) معناه ما منعني الدخول عليه في وقت من الأوقات، ومعنى ضحك تبسم كما صرح به في الرواية الثانية، وفعل ذلك إكراماً ولطفاً وبشاشة، ففيه استحباب هذا اللطف للوارد، وفيه فضيلة ظاهرة لجرير.
قوله: (ذو الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام هذا هو المشهور، وحكى القاضي أيضاً ضم الخاء مع فتح اللام، وحكى أيضاً فتح الخاء وسكون اللام وهو بيت في اليمن كان فيه أصنام يعبدونها. قوله: (وكان يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية) وفي بعض النسخ: الكعبة اليمانية الكعبة الشامية بغير واو هذا اللفظ فيه إيهام، والمراد أن ذا الخلصة كانوا يسمونها الكعبة اليمانية، وكانت الكعبة الكريمة التي بمكة تسمى الكعبة الشامية ففرقوا بينهما للتمييز هذا هو المراد فيتأول اللفظ عليه، وتقديره يقال له الكعبة اليمانية ويقال للتي بمكة الشامية، وأما من رواه الكعبة اليمانية الكعبة الشامية بحذف الواو فمعناه كأن يقال هذان اللفظان أحدهما لموضع والاَخر للاَخر، وأما قوله: (هل أنت مريحي من ذي الخلصة والكعبة اليمانية والشامية) فقال القاضي عياض: ذكر الشامية وهم وغلط من بعض الرواة والصواب حذفه، وقد ذكره البخاري بهذا الإسناد وليس فيه هذه الزيادة والوهم هذا كلام القاضي وليس بجيد بل يمكن تأويل هذا اللفظ ويكون التقدير هل أنت مريحي من قولهم الكعبة اليمانية والشامية ووجود هذا الموضع الذي يلزم منه هذه التسمية. قوله: (فنفرت) أي خرجت للقتال. قوله: (تدعى كعبة اليمانية) هكذا هو في جميع النسخ وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، وأجازه الكوفيون، وقدر البصريون فيه حذفاً أي كعبة الجهة اليمانية واليمانية بتخفيف الياء على المشهور وحكى تشديدها وسبق إيضاحه في كتاب الحج. قوله: (كأنها جمل أجرب) قال القاضي: معناه مطلي بالقطران لما به من الجرب فصار أسود لذلك يعني صارت سوداء من إحراقها، وفيه النكاية بآثار الباطل والمبالغة في إزالته، وفي هذا الحديث استحباب إرسال البشير بالفتوح ونحوها. قوله: (فجاء بشير جرير أبو أرطاة حصين بن ربيعة) هكذا هو في بعض النسخ حصين بالصاد وفي أكثرها حسين بالسين، وذكر القاضي الوجهين قال: والصواب الصاد وهو الموجود في نسخة ابن ماهان
*2* باب فضائل عبد اللّهِ بن عباس، رضي اللّهُ عنهما
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ النّضْرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يُحَدّثُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَتَىَ الْخَلاَءَ. فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءاً. فَلَمّا خَرَجَ قَالَ: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟" فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ قَالُوا وَفِي رِوَايةِ أَبِي بَكْرٍ قُلْتُ: ابْنُ عَبّاسٍ. قَالَ: "اللّهُمّ فَقّهْهُ".
قوله: (حدثنا زهير بن حرب وأبو بكر بن النضر) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا أبو بكر بن النضر، وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة صحيح مسلم. وفي نسخة العذري أبو بكر بن أبي النضر قال: وكلاهما صحيح هو أبو بكر بن النضر بن أبي النضر هاشم بن القاسم سماه الحاكم أحمد وسماه الكلابادي محمداً، هذا ما ذكره القاضي ممن قال اسمه أحمد عبد الله بن أحمد الدورقي. وقال السراج: سألته عن اسمه فقال اسمي كنيتي وهذا هو الأشهر، ولم يذكر الحاكم أو أحمد في كتابه الكنى غيره والمشهور فيه أبو بكر بن أبي النضر. قوله صلى الله عليه وسلم في ابن عباس: "اللهم فقهه" فيه فضيلة الفقه واستحباب الدعاء بظهر الغيب واستحباب الدعاء لمن عمل عملاً خيراً مع الإنسان، وفيه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له فكان من الفقه بالمحل الأعلى
*2* باب من فضائل عبد اللّهِ بْن عمر، رضي اللّه عنهما
*حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ وَ خَلَف بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. كُلّهُمْ عَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الرّبِيعِ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنّ فِي يَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ. وَلَيْسَ مَكَانٌ أُرِيدُ مِنَ الْجَنّةِ إِلاّ طَارَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَقَصَصْتُهُ علَىَ حَفْصَةَ. فَقَصّتْهُ حَفْصَةُ عَلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَرَىَ عَبْدَ اللّهِ رَجُلاً صَالِحاً".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (وَاللّفْظُ لِعَبْدٍ) قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: كَانَ الرّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا رَأَىَ رُؤْيَا، قَصّهَا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَتَمَنّيْتُ أَنْ أَرَىَ رُؤْيَا أَقُصّهَا عَلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَكُنْتُ غُلاَماً شَابّا عَزَباً. وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ علَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَرَأَيْتُ فِي النّوْمِ كَأَنّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَىَ النّارِ. فَإِذَا هِيَ مَطْوِيّةٌ كَطَيّ الْبِئْرِ. وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ. وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ. فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ النّارِ. أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ النّارِ. أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ النّارِ. قَالَ: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ. فَقَصَصْتُهَا عَلَىَ حَفْصَةَ. فَقَصّتْهَا حَفْصَةُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرّجُلُ عَبْدُ اللّهِ لَوْ كَانَ يُصَلّي مِنَ اللّيْلِ".
قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لاَ يَنَامُ مِنَ اللّيْلِ إِلاّ قَلِيلاً.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدُ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدٍ، خَتَنُ الْفِرْيَابِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ الْفَزَارِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَمْ يَكُنْ لِي أَهْلٌ. فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنّمَا انْطُلِقَ بِي إِلَىَ بِئْرٍ. فَذَكَرَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.
قوله: (قطعة إستبرق) هو ما غلظ من الديباج. قوله صلى الله عليه وسلم: "أرى عبد الله رجلاً صالحاً" هو بفتح همزة أرى أي أعلمه وأعتقده صالحاً، والصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد.
قوله: (وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه دليل للشافعي وأصحابه وموافقيهم أنه لا كراهة في النوم في المسجد. قوله: (له قرنان كقرني البئر) هما الخشبتان اللتان عليهما الخطاف وهي الحديدة التي في جانب البكرة قاله ابن دريد، وقال الخليل: هما ما يبنى حول البئر ويوضع عليه الخشبة التي يدور عليها المحور وهي الحديدة التي تدور عليها البكرة. قوله: (لم ترع) أي لا روع عليك ولا ضرر. قوله صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" فيه فضيلة صلاة الليل. قوله: (أخبرنا موسى بن خالد ختن الفريابي) الختن بفتح الخاء المعجمة والمثناة فوق أي زوج ابنته، والفريابي بكسر الفاء ويقال له الفريابي والفرايابي ثلاثة أوجه مشهورة منسوب إلى فرياب مدينة معروفة
*2* باب من فضائل أنس بن مالك، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمّ سُلَيْمٍ. أَنّهَا قَالَت: يَا رَسُولَ اللّهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ. ادْعُ اللّهَ لَهُ. فَقَالَ: "اللّهُمّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَاركْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: قَالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ. سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ، مِثْلَ ذَلِكَ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: دَخَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا. وَمَا هُوَ إِلاّ أَنَا وَأُمّي وَأُمّ حَرَامٍ، خَالَتِي. فَقَالَتْ أُمّي: يَا رَسُولَ اللّهِ خُوَيْدِمُكَ. ادْعُ اللّهَ لَهُ. قَالَ: فَدَعَا لِي بِكُلّ خَيْرٍ. وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَالَ: "اللّهُمّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ. وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ".
حدّثني أَبُو مَعْنٍ الرّقَاشِيّ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ. حَدّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: جَاءَتْ بِي أُمّي، أُمّ أَنَسٍ إِلىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ أَزّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدّتْنِي بِنِصْفِهِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أُنَيْسٌ، ابْنِي. أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ. فَادْعُ اللّهَ لَهُ. فَقَالَ: "اللّهُمّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ".
قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللّهِ إِنّ مَالِي لَكَثِيرٌ. وَإِنّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادّونَ عَلَىَ نَحْوَ الْمِائَةِ، الْيَوْمَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَعْفَرٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ) عَنِ الْجَعْدِ، أَبِي عُثْمَانَ. قَالَ: حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: مَرّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَمِعَتْ أُمّي، أُمّ سُلَيْمٍ صَوْتَهُ. فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ أُنَيْسٌ. فَدَعَا لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ دَعَوَاتٍ. قَدْ رَأَيْتُ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ فِي الدّنْيَا. وَأَنَا أَرْجُو الثّالِثَةَ فِي الاَخِرَةِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَىَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. قَالَ: فَسَلّمَ عَلَيْنَا. فَبَعَثَنِي إِلَىَ حَاجَةٍ. فَأَبْطَأْتُ عَلَىَ أُمّي. فَلَمّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنّهَا سِرّ. قَالَتْ: لاَ تُحَدّثَنّ بِسِرّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَداً.
قَالَ أَنَسٌ: وَاللّهِ لَوْ حَدّثْتُ بِهِ أَحَداً لَحَدّثْتُكَ، يَا ثَابِتُ.
حدّثنا حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَسَرّ إِلَيّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سِرّا. فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَداً بَعْدُ. وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي عَنْهُ أُمّ سُلَيْمٍ. فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لأنس بن مالك رضي الله عنه: "اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته" وذكر في الرواية الأخرى: "كثر ماله وولده". هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه، وفيه فضائل لأنس، وفيه دليل لمن يفضل الغني على الفقير، ومن قال بتفضيل الفقير أجاب عن هذا بأن هذا قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبارك له فيه، ومتى بورك فيه لم يكن فيه فتنة ولم يحصل بسببه ضرر ولا تقصير في حق ولا غير ذلك من الاَفات التي تتطرق إلى سائر الأغنياء بخلاف غيره، وفيه هذا الأدب البديع وهو أنه إذا دعا بشيء له تعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة ونحوهما، وكان أنس وولده رحمة وخيراً ونفعاً بلا ضرر بسبب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (إن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم) معناه ويبلغ عددهم نحو المائة، وثبت في صحيح البخاري عن أنس أنه دفن من أولاده قبل مقدم الحجاج بن يوسف مائة وعشرين والله أعلم
*2* باب من فضائل عبد اللّهِ بن سلام، رضي اللّهُ عنه
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ عِيْسَىَ. حَدّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ. قالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِحَيَ يَمْشِي، إِنّهُ فِي الْجَنّةِ، إِلاّ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلاَمٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ الْعَنْزِيّ. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي نَاسٍ. فِيهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِه أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ. هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ. فَصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوّزُ فِيهِمَا. ثُمّ خَرَجَ فَاتّبَعْتُهُ. فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ. وَدَخَلْتُ. فَتَحَدّثْنَا. فَلَمّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ: إِنّكَ لَمّا دَخَلْتَ قَبْلُ، قَالَ رَجُلٌ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لاَ يَعْلَمُ. وَسَأُحَدّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟. رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ. رَأَيْتُنِي فِي رَوْضَةٍ ذَكَرَ سَعَتَهَا وَعُشْبَهَا وَخُضْرَتَهَا وَوَسْطَ الرّوْضَةِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ. أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلاَهُ فِي السّمَاءِ. فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ. فَقِيلَ لِيَ: ارْقَهْ. فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أَسْتَطِيعُ. فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ(قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَالْمِنْصَفُ الخَادِمٌ) فَقَالَ بِثِيَابِي مِنْ خَلْفِي وَصَفَ أَنّهُ رَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ بِيَدِهِ فَرَقِيتُ حَتّىَ كُنْتُ فِي أَعْلَىَ الْعَمُودِ. فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ. فَقِيلَ لِيَ: اسْتَمْسِكْ.
فَلَقَدِ اسْتَيْقَظْتُ وَإِنّهَا لَفِي يَدِي. فَقَصَصْتُهَا عَلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "تِلْكَ الرّوْضَةُ الإِسْلاَمُ. وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ. وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَىَ. وَأَنْتَ عَلَىَ الإِسْلاَم حَتّىَ تَمُوتَ".
قَالَ: وَالرّجُلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاَمٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوّادٍ. حَدّثَنَا حَرَمِيّ بْنُ عُمَارَةَ. حَدّثَنَا قُرّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ. فَمَرّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاَمٍ. فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ. فَقُمْتُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ. إِنّمَا رَأَيْتُ كَأَنّ عَمُوداً وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. فَنُصِبَ فِيهَا. وَفِي رَأْسِهَا عُرْوَةٌ. وَفِي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ. فَرَقِيتُ حَتّىَ أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ. فَقَصَصْتُهَا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَمُوتُ عَبْدُ اللّهِ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ). حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرّ. قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي حَلْقَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَفِيهَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ. وَهُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاَمٍ. قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدّثُهُمْ حَدِيثاً حَسَناً. قَالَ: فَلَمّا قَامَ قَالَ الْقَوْمُ: مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَىَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَىَ هَذَا. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللّهِ، لأَتْبَعَنّهُ فَلأَعْلَمَنّ مَكَانَ بَيْتِهِ. قَالَ: فَتَبِعْتُهُ. فَانْطَلَقَ حَتّىَ كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ. ثُمّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ. قَالَ: فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي. فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ يَقُولُونَ لَكَ، لَمّا قُمْتَ: مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَىَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَىَ هَذَا. فَأَعْجَبَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ. قَالَ: اللّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْجَنّةِ. وَسَأُحَدّثُكَ مِمّ قَالُوا ذَاكَ. إِنّي بَيْنَمَا أَنَا نَائمٌ، إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي: قُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِجَوَادّ عَنْ شِمَالِي. قَالَ: فَأَخَذْتُ لاَِخُذَ فِيهَا. فَقَالَ لِي: لاَ تَأْخُذْ فِيهَا فَإِنّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشّمَالِ. قَالَ: فَإِذَا جَوادّ مَنْهَجٌ عَلَىَ يَمِينِي. فَقَالَ لِي: خُذْ هَهُنَا. فَأَتَىَ بِي جَبَلاً. فَقَالَ لِيَ: اصْعَدْ. قَالَ: فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَىَ اسْتِي. قَالَ: حَتّىَ فَعَلْتُ ذَلِكَ مِرَاراً. قَالَ: ثُمّ انْطَلَقَ بِي حَتّىَ أَتَىَ بِي عَمُوداً. رَأْسُهُ فِي السّمَاءِ وَأَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ. فِي أَعْلاَهُ حَلْقَةٌ. فَقَالَ لِي: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْعَدُ هَذَا؟ وَرَأْسُهُ فِي السّمَاءِ. قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِي فَزَجَلَ بِي. قَالَ: فَإِذَا أَنَا مُتَعَلّقٌ بِالْحَلْقَةِ. قَالَ: ثُمّ ضَرَبَ الْعَمُودَ فَخَرّ. قَالَ: وَبَقِيتُ مُتَعَلّقاً بِالْحَلْقَةِ حَتّىَ أَصْبَحْتُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: "أَمّا الطّرُقُ الّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الشّمَالِ. قَالَ وَأَمّا الطّرُقُ الّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَأَمّا الْجَبَلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشّهَدَاءِ. وَلَنْ تَنَالَهُ. وَأَمّا الْعَمُودُ فَهُوَ عَمُودُ الإِسْلاَمِ. وَأَمّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ عُرْوَةُ الإِسْلاَمِ. وَلَنْ تَزَالَ مُتَمَسّكاً بِهَا حَتّىَ تَمُوتَ".
قوله: (عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي أنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام) قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة إلى آخر العشرة، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن عكاشة منهم، وثابت بن قيس وغيرهم، وليس هذا مخالفاً لقول سعد فإن سعداً قال ما سمعته ولم ينف أصل الإخبار بالجنة لغيره ولو نفاه كان الإثبات مقدماً عليه.
قوله: (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الباء. قوله: (فصلى ركعتين فيها ثم خرج) وفي بعض النسخ: (فصلى ركعتين فيهما ثم خرج) وفي بعضها: (فصلى ركعتين ثم خرج) هذه الأخيرة ظاهرة، وأما إثبات فيها أو فيهما فهو الموجود لمعظم رواة مسلم، وفيه نقص وتمامه ما ثبت في البخاري ركعتين تجوز فيهما. قوله: (ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم) هذا إنكار من عبد الله بن سلام حيث قطعوا له بالجنة، فيحمل على أن هؤلاء بلغهم خبر سعد بن أبي وقاص بأن ابن سلام من أهل الجنة ولم يسمع هو، ويحتمل أنه كره الثناء عليه بذلك تواضعاً وإيثاراً للخمول وكراهة للشهرة. قوله: (فجاءني منصف) هو بكسر الميم وفتح الصاد ويقال بفتح الميم أيضاً وقد فسره في الحديث بالخادم والوصيف وهو صحيح، قالوا هو الوصيف الصغير المدرك للخدمة. قوله: (فرقيت هو) بكسر القاف على اللغة المشهورة الصحيحة وحكي فتحها، قال القاضي: وقد جاء بالروايتين في مسلم والموطأ وغيرهما في غير هذا الموضع. قوله: (فإذا أنا بجواد عن شمالي) الجواد جمع جادة وهي الطريق البينة المسلوكة والمشهور فيها جواد بتشديد الدال، قال القاضي عياض: وقد تخفف قاله صاحب العين. قوله: (وإذا جواد منهج عن يميني) أي طرق واضحة بينة مستقيمة، والنهج الطريق المستقيم ونهج الأمر وأنهج إذا وضح وطريق منهج ومنهاج ونهج أي بين واضح. قوله: (فزجل بي) هو بالزاي والجيم أي رمى بي والله أعلم
*3* مكرر باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه
*حدثنا عمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر كلهم عن سفيان قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ان عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت انشد وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال اللهم نعم
حدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن بن المسيب أن حسان قال في حلقة فيهم أبو هريرة أنشدك الله يا أبا هريرة أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن انه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة أنشدك الله هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيده بروح القدس قال أبو هريرة نعم
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عدي وهو بن ثابت قال سمعت البراء بن عازب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت اهجهم أو هاجهم وجبريل معك
حدثنيه زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن ح وحدثني أبو بكر بن نافع حدثنا غندر ح وحدثنا بن بشار حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن كلهم عن شعبة بهذا الإسناد مثله
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه أن حسان بن ثابت كان ممن كثر على عائشة فسببته فقالت يا بن أختي دعه فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثناه عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام بهذا الإسناد
حدثني بشر بن خالد أخبرنا محمد يعني بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا يشبب بأبيات له فقال حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها لم تأذنين له يدخل عليك وقد قال الله { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } فقالت فأي عذاب أشد من العمى انه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثناه بن المثنى حدثنا بن أبي عدي عن شعبة في هذا الإسناد وقال قالت كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر حصان رزان
حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا يحيى بن زكريا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال حسان يا رسول الله ائذن لي في أبي سفيان قال كيف بقرابتي منه قال والذي أكرمك لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير فقال حسان وان سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد قصيدته هذه
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة حدثنا هشام بن عروة بهذا الإسناد قالت استأذن حسان بن ثابت النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين ولم يذكر أبا سفيان وقال بدل الخمير العجين
حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي حدثني خالد بن يزيد حدثني سعيد بن أبي هلال عن عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق بالنبل فأرسل إلى بن رواحة فقال اهجهم فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم ادلع لسانه فجعل يحركه فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل فان أبا بكر اعلم قريش بأنسابها وان لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي فاتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله قد لخص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان ان روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هجاهم حسان فشفى واشتفى قال حسان هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمد برا تقيا رسول الله شيمته الوفاء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز الله فيه من يشاء وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق ليس به خفاء وقال الله قد يسرت جندا هم الأنصار عرضتها اللقاء لنا في كل يوم من معد سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء
هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري عاش هو و آباؤه الثلاثة كل واحد مائة و عشرين سنة و عاش حسان ستين سنة في الجاهلية و ستين في الإسلام . قوله : ( ان حسان أنشد الشعر في المسجد بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ) فيه جواز انشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحاً و استحبابه إذا كان في ممادح الإسلام و أهله أو في هجاء الكفار و التحريض على قتالهم أو تحقيرهم و نحو ذلك و هكذا كان شعر حسان و فيه استحباب الدعاء لمن قال شعراً من هذا النوع و فيه جواز الأنتصار من الكفار و يجوز أيضاً من غيرهم بشرطه و روح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم . قوله : (ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي يدافع و يناضل . قوله : (شعرا يشبب بأبيات له فقال حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ) أما قوله : يشبب فمعناه يتغزل كذا فسره في المشارق و حصان بفتح الحاء أي محصنة عفيفة و رزان كاملة العقل و رجل رزين . و قوله ما تزن أي ماتتهم يقال زننته و ازننته إذا طننت به خيراً أو شراً. و غرثى بفتح الغين المعجمة و اسكان الراء و بالمثلثة أي جائعة و رجل غرثان و امرأة غرثى معناه لا تغتاب الناس لأنها لو اغتابتهم شبعت من لحومهم . قوله : (ائذن لي في أبي سفيان قال كيف بقرابتي منه قال والذي أكرمك لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير فقال حسان وان سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد ) و بعد هذا بيت لم يذكره مسلم و بكره تتم الفائدة و المراد و هو و من ولدت ابناء زهرة منهمو كرام و لم يقرب عجائزك المجد . المراد ببنت مخزوم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله و الزبير وأبي طالب و مراده بأبي سفيان هذا المذكور المهجو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب و هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم و كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم و المسلمين في ذلك الوقت ثم أسلم و حسن اسلامه . و قوله : ولدت ابناء زهره منهم مراده هالة بنت وهب بن عبد مناف أم حمزة و صفية و أما قوله ووالدك العبد فهو سب لابي سفيان بن الحارث و معناه أن أم الحارث بن عبد المطلب ووالد أي سفيان هذا هى سمية بنت موهب و موهب غلام لبني عبد مناف و كذا أم أبي سفيان بن الحارث كانت كذلك و هو مراده بقوله و لم يقرب عجائزك المجد . قوله : لاسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير المراد بالخمير هو العجين كما قال في الرواية الأخرى و معناه لاتلطفن في تخليص نسبك من هجوه بحيث لا يبقى جزء من نسبك في نسبهم الذي ناله الهجو كما أن الشعرة إذا سلت من العجين لا يبقى منها شئ فيه بخلاف ما لو سلت من شي صلب فإنها ربما انقطعت فبقيت منها فيه بقية . قوله صلى الله عليه وسلم : ( اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق بالنبل ) هو بفتح الراء وهو الرمي بها و اما الرشق بالكسر فهو اسم للنبل التي ترمى دفعة واحدة و في بعض النسخ رشق النبل و فيه جواز هجو الكفار ما لم يكن أمان و أنه لا غيبة فيه و أما أمره صلى الله عليه وسلم بهجائهم و طلبه ذلك من أصحابه واحداً بعد واحد و لم يرض قول الأول و الثاني حتى أمر حسان فالمقصود منه النكاية في الكفار و قد أمر الله تعالى بالجهاد في الكفار و الاغلاظ عليهم و كان هذا الهجو أشد عليهم من رشق النبل فكان مندوباً لذلك مع ما فيه من كف اذاهم و بيان نقصهم و الانتصار بهجائهم المسلمين قال العلماء ينبغي أن لا يبدأ المشركون بالسب و الهجاء مخافة من سبهم الاسلام و أهله قال الله تعالى ( و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) ، و لتنزيه ألسنة المسلمين عن الفحش إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة لابتدائهم به فيكف اذاهم و نحوه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . قوله : ( قد آن لكم ) أي حان لكم (آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ) قال العلماء المراد بذنبه هنا لسانه فشبهه نفسه بالأسد في انتقامه و بطشه اذا اغتاظ و حينئذ يضرب بذنبه جنبيه كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه فجعل يحركه فشبه نفسه بالأسد و لسانه بذنبه . قوله : ( ثم أدلع لسانه ) أي أخرجه عن الشفتين يقال دلع لسانه و ادلعه و دلع اللسان بنفسه . قوله : ( لافرينهم بلساني فري الاديم ) أي لامزقن اعراضهم تمزيق الجلد . قوله : ( هجاهم حسان فشفى و اشتفى ) أي شفى المؤمنين و اشتفى هو بما ناله من اعراض الكفار ومزقها و نافح عن الإسلام و المسلمين . قوله : ( هجوت محمداً برأ تقياً ) و في كثير من النسخ حنيفاً بدل تقياً فالبر بفتح الباء الواسع الخير و هو مأخوذ من البر بكسر الباء و هو الاتساع في الإحسان و هو اسم جامع للخير ، و قيل البر هنا بمعنى المتنزه عن المأثم و أما الحنيف فقيل هو المستقيم و الأصح أنه المائل إلى الخير و قيل الحنيف التابع ملة ابراهيم صلى الله عليه وسلم . قوله : ( شيمته الوفاء ) أي خلقه .
قوله : (فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ) هذا مما احتج به ابن قتية لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف ، و قال غيره عرض الجل أموره كلها التي يحمد بها و يذم من نفسه و أسلافه و كل ما لحقه نقص يعيبه و أما قوله وقاء فبكسر الواو و بالمد و هو ما وقيت به الشئ . قوله : ( تثير النقع ) أي ترفع الغبار و تهيجه . قوله : ( من كنفي كداء ) فبفتح النون أي جانبي كداء بفتح الكاف و بالمد هي ثنية على باب مكة سبق بيانها في كتاب الحج و على هذه الرواية في هذا البي اقواء مخالف لباقيها و في بعض النسخ غايتها كداء و في بعضها موعدها كداء . قوله : ( يبارين الأعنة ) و يروى يبارعن الأعنة قال القاضي الأول هو رواية الأكثرين و معناه انها لصرامتها و قوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها و هي منازعتها لها أيضاً قال القاضي و في رواية ابن الحذاء يبارين الأسنة و هي الرماح قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها انهن يضاهين قوامها و اعتدالها . قوله : ( مصعدات ) أي مقبلات اليكم و متوجهات يقال اصعد في الأرض إذا ذهب فيها مبتدئاً و لا يقال للراجع . قوله : ( على اكتافها الأسل الظماء ) أما اكتافها فبالتاء المثناة فوق و الأس بفتح الهمزة و السين المهملة و بعدها لام هذه رواية الجمهور و الأسل الرماح و الظماء الرقاق فكأنها لقلة مائها عطاش و قيل المراد بالظماء العطاش لداء الأعداء و في بعض الروايات الأسد الظماء بالدال أي الرجال المشبهون للأسد العطاش إلى دمائكم . قوله : ( تظل جيادنا ممطرات ) أي تظل جيادنا مسرعات يسبق بعضها بعضاً . قوله : ( تلطمهن بالخمر النساء ) أي تمسحهن النساء بخمرهن بضم الحاء و الميم جمع خمار أي يزلن عنهن الغبار و هذا لعزتها و كرامتها عندهم و حكى القاضي انه روى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة و هو صحيح المعنى لكن الأول هو المعروف و هو الأبلغ في إكرامها . قوله : ( و قال الله قد يسرت جنداً ) أي هيأتهم و أرصدتهم . قوله : ( عرضتها اللقاء ) هو بضم العين أي مقصودها و مطلوبها . قوله : ( ليس له كفاء ) أي مماثل و لا مقاوم ، و الله أعلم .
*2* باب من فضائل أبي هريرة ، رضي اللّهُ عنه
*حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيّ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. حَدّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمّي إِلَىَ الإِسْلاَمِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ. فَدَعَوْتُهَا يَوْماً فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ. فَأَتَيْتُ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي كُنْتُ أَدْعُو أُمّي إِلَىَ الإِسْلاَمِ فَتَأْبَىَ عَلَيّ. فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ. فَادْعُ اللّهَ أَنْ يَهْدِي أُمّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ اهْدِ أُمّ أَبِي هُرَيْرَةَ" فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِراً بِدَعْوَةِ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَىَ الْبَابِ. فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ. فَسَمِعَتْ أُمّي خَشْفَ قَدَمَيّ. فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ. قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا. فَفَتَحَتِ الْبَابَ. ثُمّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَىَ أُمّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْراً.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ اللّهَ أَنْ يُحَبّبَنِي أَنَا وَأُمّي إِلَىَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبّبَهُمْ إِلَيْنَا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ حَبّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمّهُ إِلَىَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ. وَحَبّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ" فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي، وَلاَ يَرَانِي، إِلاّ أَحَبّنِي.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ الأَعْرَجِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَاللّهُ الْمَوْعِدُ. كُنْتُ رَجُلاً مِسْكِيناً. أَخْدُمُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ مِلْءِ بَطْنِي. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَىَ أَمْوَالِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَلَنْ يَنْسَىَ شَيْئاً سَمِعَهُ مِنّي" فَبَسَطْتُ ثَوْبِي حَتّىَ قَضَىَ حَدِيثَهُ. ثُمّ ضَمَمْتُهُ إِلَيّ. فَمَا نَسِيتُ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَىَ بْنِ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مَعْنٌ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنّ مَالِكاً انْتَهَىَ حَدِيثُهُ عَنْدَ انْقِضَاءِ قُوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ الرّوَايَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ" إِلَىَ آخِرِهِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ حَدّثَهُ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَىَ جَنْبِ حُجْرَتِي. يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. يُسْمِعُنِي ذَلِكَ. وَكُنْتُ أُسَبّحُ. فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي. وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.
وحدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنّكُمْ تَقُولُونَ: إِنّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
قوله: (فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف) أي مغلق. قوله: (خشف قدمي) أي صوتهما في الأرض وخضخضة الماء صوت تحريكه، وفيه استجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور بعين المسؤول وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم واستحباب حمد الله عند حصول النعم.
قوله: (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني) أي ألازمه وأقنع بقوتي ولا أجمع مالاً لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتي، والمراد من حيث حصل القوت من الوجوه المباحة وليس هو من الخدمة بالأجرة. قوله: (يقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد) معناه فيحاسبني إن تعمدت كذباً ويحاسب من ظن بي السوء. قوله: (يشغلهم الصفق بالأسواق) هو بفتح الياء من يشغلهم وحكي ضمها وهو غريب، والصفق هو كناية عن التبايع وكانوا يصفقون بالأيدي من المتبايعين بعضها على بعض، والسوق مؤنثة ويذكر سميت به لقيام الناس فيها على سوقهم، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بسط ثوب أبي هريرة. قوله: (كنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي) معنى أسبح أصلي نافلة وهي السبحة بضم السين قيل المراد هنا صلاة الضحى. قوله: (لم يكن يسرد الحديث كسردكم) أي يكثره ويتابعه والله أعلم
*2* باب من فضائل أهل بدر رضي اللّهُ عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمّدٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ. فَقَالَ: "ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ. فَإِنّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ. فَخُذُوهُ مِنْهَا" فَانْطَلَقْنَا تَعَادَىَ بِنَا خَيْلُنَا. فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ. فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنّ الثّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا. فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا فِيهِ: "مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَىَ نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟" قَالَ: لاَ تَعْجَلْ عَلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقاً فِي قُرَيْشٍ (قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفاً لَهُمْ. وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا) وَكَانَ مِمّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ. فَأَحْبَبْتُ، إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتّخِذَ فِيهِمْ يَداً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي. وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْراً وَلاَ ارْتِدَاداً عَنْ دِينِي. وَلاَ رِضاً بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ" فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: "إِنّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ اللّهَ اطّلَعَ عَلَىَ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ. فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتّخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (الممتحنة الاَية: 1). وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَزُهَيْرٍ ذِكْرُ الاَيَةِ. وَجَعَلَهَا إِسْحَقُ، فِي رِوَايَتِهِ، مِنْ تِلاَوَةِ سُفْيَانَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللّهِ). كُلّهُمْ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ، عَنْ عَلِيَ. قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ. وَكُلّنَا فَارِسٌ. فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتّىَ تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ. فَإِنّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَىَ الْمُشْرِكِينَ" فَذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيَ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ عَبْداً لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو حَاطِباً. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَيَدْخُلَنّ حَاطِبٌ النّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَبْتَ لاَ يَدْخُلُهَا. فَإِنّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالْحُدَيْبِيَةَ".
قوله: (روضة خاخ) هي بخائين معجمتين هذا هو الصواب الذي قاله العلماء كافة في جميع الطوائف وفي جميع الروايات والكتب، ووقع في البخاري من رواية أبي عوانة حاج بحاء مهملة والجيم، واتفق العلماء على أنه من غلط أبي عوانة، وإنما اشتبه عليه بذات حاج بالمهملة والجيم وهي موضع بين المدينة والشام على طريق الحجيج، وأما روضة خاخ فبين مكة والمدينة بقرب المدينة، قال صاحب المطالع: وقال الصائدي هي بقرب مكة والصواب الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن بها ظعينة معها كتاب" الظعينة هنا الجارية وأصلها الهودج وسميت بها الجارية لأنها تكون فيه، واسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي القرشي. وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلاً أو امرأة، وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة أو كان في الستر مفسدة، وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا يفوت به مصلحة، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر، وفيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك، وهذا الجنس كبيرة قطعاً لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبيرة بلا شك لقوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله} الاَية، وفيه أنه لا يحد العاصي ولا يعزر إلا بإذن الإمام، وفيه إشارة جلساء الإمام والحاكم بما يرونه كما أشار عمر بضرب عنق حاطب، ومذهب الشافعي وطائفة أن الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله. وقال بعض المالكية يقتل إلا أن يتوب، وبعضهم يقتل وإن تاب، وقال مالك: يجتهد فيه الإمام. قوله: (تعادى بنا خيلنا) هو بفتح التاء أي تجري. قوله: (فأخرجته من عقاصها) هو بكسر العين أي شعرها المضفور وهو جمع عقيصة. قوله صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" قال العلماء معناه الغفران لهم في الاَخرة وإلا فإن توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا، ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد وأقامه عمر على بعضهم، قال: وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مسطحاً الحد وكان بدرياً. قوله: (عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام) وفي الرواية السابقة المقداد بدل أبي مرثد ولا منافاة بل بعث الأربعة علياً والزبير والمقداد وأبا مرثد.
قوله: (يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية) فيه فضيلة أهل بدر والحديبية وفضيلة حاطب لكونه منهم، وفيه أن لفظة الكذب هي الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عمداً كان أو سهواً، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم، وسبقت المسألة في كتاب الإيمان، وقال بعض أهل اللغة: لا يستعمل الكذب إلا في الإخبار عن الماضي بخلاف ما هو مستقبل وهذا الحديث يرد عليه والله أعلم
*2* باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي اللّهُ عنهم
*حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمّ مُبَشّرٍ أَنّهَا سَمِعَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، عِنْدَ حَفْصَةَ: "لاَ يَدْخُلُ النّارَ، إِنْ شَاءَ اللّهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشّجَرَةِ، أَحَدٌ. الّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا" قَالَتْ: بَلَىَ. يَا رَسُولَ اللّهِ فَانْتَهَرَهَا. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا} (مريم الاَية: ). فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيهَا جُثِيّا} (مريم الاَية: ).
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها" قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً كما صرح به في الحديث الذي قبله حديث حاطب وإنما قال إن شاء الله للتبرك لا للشك. وأما قول حفصة بلى وانتهار النبي صلى الله عليه وسلم لها فقالت: {وإن منكم إلا واردها} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقد قال: {ثم ننجي الذين اتقوا} فيه دليل للمناظرة والإعتراض والجواب على وجه الاسترشاد وهو مقصود حفصة لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم، والصحيح أن المراد بالورود في الاَية المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الاَخرون
*2* باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين، رضي اللّهُ عنهما
*حدّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. قَالَ أَبُو عَامِرٍ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا بُرْيْدٌ عَنْ جَدّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَمَعَهُ بِلاَلٌ. فَأَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْرَابِيّ. فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي، يَا مُحَمّدُ مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبْشِرْ". فَقَالَ لَهُ الأَعْرَابِيّ: أَكْثَرْتَ عَلَيّ مِنْ "أَبْشِرْ" فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلىَ أَبِي مُوسَىَ وَبِلاَلٍ، كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ. فَقَالَ: "إِنّ هَذَا قَدْ رَدّ الْبُشْرَىَ. فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا" فَقَالاَ: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ. فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ. وَمَجّ فِيهِ. ثُمّ قَالَ: "اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَىَ وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا. وَأَبْشِرَا" فَأَخَذَا الْقَدَحَ. فَفَعَلاَ مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَنَادَتْهُمَا أُمّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السّتْرِ: أَفْضِلاَ لأِمّكُمَا مِمّا فِي إِنَائِكُمَا. فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رّدٍ، أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (وَاللّفْظُ لأَبِي عَامِرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ . قَالَ: لَمّا فَرَغَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَىَ جَيْشٍ إِلَىَ أَوْطَاسٍ. فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ. فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللّهُ أَصْحَابَهُ. فَقَالَ أَبُو مُوسَىَ: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ. قَالَ: فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ. رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ بِسَهْمٍ. فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ. فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ أَبُو عَامِرٍ إِلَىَ أَبِي مُوسَىَ. فَقَالَ: إِنّ ذَاكَ قَاتِلِي. تَرَاهُ ذَلِكَ الّذِي رَمَانِي. قَالَ أَبُو مُوسَىَ: فَقَصَدْتُ لَهُ فَاعْتَمَدْتُهُ فَلَحِقْتُهُ. فَلَمّا رَآنِي وَلّىَ عَنّي ذَاهِباً. فَاتّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلاَ تَسْتَحْيِي؟ أَلَسْتَ عَرَبِيّا؟ أَلاَ تَثْبُتُ؟ فَكَفّ. فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ. فَاخْتَلَفْنَا أَنَا وَهُوَ ضَرْبَتَيْنِ. فَضَرَبْتُهُ بِالسّيْفِ فَقَتَلْتُهُ. ثُمّ رَجَعْتُ إِلَىَ أَبِي عَامِرٍ فَقُلْتُ: إِنّ اللّهَ قَدْ قَتَلَ صَاحِبَكَ. قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السّهْمَ. فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي انْطَلِقْ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْرِئْهُ مِنّي السّلاَمَ. وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو عَامِرٍ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَىَ النّاسِ. وَمَكَثَ يَسِيراً ثُمّ إِنّهُ مَاتَ. فَلَمّا رَجَعْتُ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلْتُ عَلَيْهِ. وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَىَ سَرِيرٍ مُرْمَلٍ، وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ، وَقَدْ أَثّرَ رِمَالُ السّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَنْبَهِ. فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرنا وَخَبَر أَبِي عَامِرٍ. وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ: يَسْتَغْفِرْ لِي. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ. فَتَوَضّأَ مِنْهُ. ثُمّ رَفَعَ يَدَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "الّلَهُمّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ، أَبِي عَامِرٍ" حَتّىَ رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. ثُمّ قَالَ: "اللّهُمّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ مِنَ النّاسِ" فَقُلْتُ: وَلِي. يَا رَسُولَ اللّهِ فَاسْتَغْفِرْ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ. وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيماً".
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ. وَالأُخْرَىَ لأَبِي مُوسَىَ.
في الحديث الأول فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة رضي الله عنهم، وفيه استحباب البشارة واستحباب الإزدحام فيما يتبرك به وطلبه ممن هو معه والمشاركة فيه.
قوله: (فنزا منه الماء) هو بالنون والزاي أي ظهر وارتفع وجرى ولم ينقطع. قوله: (على سرير مرمل وعليه فراش وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أما مرمل فبإسكان الراء وفتح الميم، ورمال بكسر الراء وضمها وهو الذي ينسج في وجهه بالسعف ونحوه ويشد بشريط ونحوه يقال منه أرملته فهو مرمل وحكى رملته فهو مرمول. وأما قوله وعليه فراش فكذا وقع في صحيح البخاري ومسلم فقال القابسي: الذي أحفظه في غير هذا السند عليه فراش قال وأظن لفظة ما سقطت لبعض الرواة، وتابعه القاضي عياض وغيره على أن لفظة ما ساقطة وأن الصواب إثباتها، قالوا: وقد جاء في حديث عمر في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبيه. قوله: (ثم رفع يديه ثم قال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر حتى رأيت بياض إبطيه إلى آخره) فيه استحباب الدعاء واستحباب رفع اليدين فيه، وأن الحديث الذي رواه أنس أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاثة مواطن محمول على أنه لم يره وإلا فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطناً
*2* باب من فضائل الأشعرِيّين رضي الله عنهم
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رِفْقَةِ الأَشْعَرِيّينَ بِالْقُرْآنِ، حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ، بِالْقُرْآنِ بِاللّيْلِ. وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنّهَارِ. وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ -أَوْ قَالَ الْعَدُوّ -قَالَ لَهُمْ: إِنّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ".
حدّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. قَالَ أَبُو عَامِرٍ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةُ. حَدّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدّهِ، أَبِي بُرْدةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الأَشْعَرِيّينَ، إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، بِالسّوِيّةِ. فَهُمْ مِنّي وَأَنَا مِنْهُمْ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف أصوابضت رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار" أما قوله صلى الله عليه وسلم: يدخلون فبالدال من الدخول هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، ونقله القاضي عن جمهور الرواة في مسلم، وفي البخاري قال: ووقع لبعض رواة الكتابين يرحلون بالراء والحاء المهملة من الرحيل قال: واختار بعضهم هذه الرواية، قلت: والأولى صحيحة أو أصح، والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا لشغل ثم رجعوا، وفيه دليل لفضيلة الأشعريين، وفيه أن الجهر بالقرآن في الليل فضيلة إذا لم يكن فيه إيذاء لنائم أو لمصل أو غيرهما ولا رياء والله أعلم. والرفقة بضم الراء وكسرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومنهم حكيم إذا لقي الخيل أو قال العدو قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم" أي تنتظروهم، ومنه قوله تعالى: {انظرونا نقتبس من نوركم} قال القاضي: واختلف شيوخنا في المراد بحكيم هنا فقال أبو علي الجياني: هو اسم علم لرجل، وقال أبو علي الصدفي: هو صفة من الحكمة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو إلى آخره" معنى أرملوا فني طعامهم، وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين، وفضيلة الإيثار والمواساة، وفضيلة خلط الأزواد في السفر، وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر ثم يقسم، وليس المراد بهذا القسمة المعروفة في كتب الفقه بشروطها ومنعها في الربويات واشتراط المواساة وغيرها، وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضاً ومواساتهم بالموجود. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فهم مني وأنا منهم" سبق تفسيره في باب فضائل جليبيب
*2* باب من فضائل أبي سفيان بن حرب، رضي الله عنه
*حدّثني عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا النّضْرُ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمّدٍ الْيَمَامِيّ). حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ. حَدّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ. حَدّثَنِي ابْنُ عَبّاسٍ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَىَ أَبِي سُفْيَانَ وَلاَ يُقَاعِدُونَهُ. فَقَالَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيّ اللّهُ ثَلاَثٌ أَعْطِنِيهِنّ. قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ، أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، أُزَوّجُكَهَا. قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِباً بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: وَتُؤَمّرُنِي حَتّىَ أُقَاتِلَ الْكُفّارَ، كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: "نَعَمْ".
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: وَلَوْلاَ أَنّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ. لأَنّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئاً إِلاّ قَالَ: "نَعَمْ".
قوله: (أحمد بن جعفر المعقري) هو بفتح الميم وإسكان العين المهملة وبكسر القاف منسوب إلى معقر وهي ناحية من اليمن. قوله: (حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ثلاث أعطنيهن قال نعم، قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال نعم، قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال نعم، قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال نعم) أما أبو زميل فبضم الزاي وفتح الميم وإسكان الياء واسمه سماك بن الوليد الحنفي اليماميثم الكوفي. وأما قوله أحسن العرب وأجمله فهو كقوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنه خلقاً وقد سبق شرحه في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله الحديث بعده في نساء قريش أحناه على ولد وأرعاه لزوج، قال أبو حاتم السجستاني وغيره: أي وأجملهم وأحسنهم وأرعاهم لكن لا يتكلمون به إلا مفرداً، قال النحويون: معناه وأجمل من هناك. واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال ووجه الإشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة وهذا مشهور لا خلاف فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل، قال أبو عبيدة وخليفة بن خياط وابن البرقي والجمهور: تزوجها سنة ست وقيل سنة سبع. قال القاضي عياض: واختلفوا أين تزوجها فقيل بالمدينة بعد قدومها من الحبشة وقال الجمهور بأرض الحبشة، قال: واختلفوا فيمن عقد له عليها هناك فقيل عثمان وقيل خالد بن سعيد بن العاصي بإذنها، وقيل النجاشي لأنه كان أمير الموضع وسلطانه، قال القاضي: والذي في مسلم هنا أنه زوجها أبو سفيان غريب جداً وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور ولم يزد القاضي على هذا، وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة وأبوها كافر، وفي رواية عن ابن حزم أيضاً أنه قال موضوع قال والاَفة فيه من عكرمة بن عمار الراوي عن أبي زميل، وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله هذا على ابن حزم وبالغ في الشناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته فإنه كان هجوماً على تخطئة الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم، قال: ولا نعلم أحداً من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما وكان مستجاب الدعوة، قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه وغفلة لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطييباً لقلبه لأنه كان ربما يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، وقد خفى أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبي سفيان ممن كثر علمه وطالت صحبته، هذا كلام أبي عمرو رحمه الله، وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال لأبي سفيان أنه يحتاج إلى تجديده فلعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله نعم أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة عقد والله أعلم
*2* باب من فضائل جعفر بن أبي طالب، وأسماء بنت عميس، وأهل سفينتهم، رضي الله عنهم
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةُ. حَدّثَنِي بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ. فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ. أَنَا وَأَخَوَانِ لِي. أَنَا أَصْغَرُهُمَا. أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالاَخَرُ أَبُو رُهْمٍ. -إِمّا قَالَ بِضْعاً وَإِمّا قَالَ: ثَلاَثَةً وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي -قَالَ: فَرَكِبْنَا سَفِينَةً. فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَىَ النّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ. فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنَا هَهُنَا. وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ. فَأَقِيمُوا مَعَنَا. فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتّىَ قَدِمْنَا جَمِيعاً. قَالَ: فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ. فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ أَعْطَانَا مِنْهَا. وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئاً. إِلاّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ. إِلاّ لأَصْحَابِ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ. قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ. قَالَ: فَكَانَ نَاسٌ مِنَ النّاسِ يَقُولُونَ لَنَا -يَعْنِي لأَهْلِ السّفِينَةِ : نَحْنُ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ.
قال: فَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَىَ حَفْصَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَائرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النّجَاشِيّ فِيمَنْ هَاجَرَ إِليْهِ. فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَىَ حَفْصَةَ، وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا. فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رأَىَ أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ عُمَرُ: الحَبَشيّة هَذه؟ البَحْرِيّةُ هذِهِ؟ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ: فَقَالَ عُمَرُ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ. فَنَحْنُ أَحَقّ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْكُمْ. فَغَضِبَتْ. وَقَالَتْ كَلِمَةً: كَذَبْتَ. يَا عُمَرُ! كَلاّ واللهِ! كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يُطْعِمُ جَائعَكُمْ، وَكُنّا فِي دَارِ، أَوْ فِي أَرْضِ، البَعَدَاءِ البُغَضَاءِ فِي الحَبَشَةِ. وَذَلِكَ فِي الله وفِي رَسُولِهِ وَايْمُ الله! لاَ أَطْعَمُ طَعَاماً وَلاَ أَشْرَبُ شَرَاباً حَتّى أَذْكُرَ مَا قلْتَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. ونَحْنُ كَنّا نؤْذَىَ وَنَخَافُ. وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُهُ. وَوَاللهِ! لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَىَ ذَلِكَ. قَالَ فَلَمّا جَاءَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا نَبِيّ الله! إِنّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ بِأَحَقّ بِي مِنْكُم. وَلَهُ وَلاصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدةٌ. وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ".
قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبا مُوسَىَ وَأَصْحَابَ السّفِينَةَ يَأْتُونِي أَرْسَالاً. يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ. مَا مِنَ الدّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظِمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَىَ، وَإِنّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الحَدِيثَ مِنّي.
قوله: (أنا وأخوان لي أنا أصغرهم) هكذا هو في النسخ أصغرهما والوجه أصغر منهما. قوله: (فأسهم لنا أو قال أعطانا منها) هذا الإعطاء محمول على أنه برضا الغانمين، وقد جاء في صحيح البخاري ما يؤيده، وفي رواية البيهقي التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم المسلمين فشركوهم في سهمانهم. قولها لعمر رضي الله عنه: (كذبت) أي أخطأت وقد استعملوا كذب بمعنى أخطأ. قولها: (وكنا في دار البعداء البغضاء) قال العلماء: البعداء في النسب البغضاء في الدين لأنهم كفار إلا النجاشي وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويورى لهم. قولها: (يأتوني أرسالاً) بفتح الهمزة أي أفواجاً فوجاً بعد فوج، يقال أو رد إبله أرسالاً أي متقطعة متتابعة، وأوردها عراكاً، أي مجتمعة والله أعلم
*2* باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَة بْنِ قُرّةَ، عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَىَ عَلَىَ سَلْمَانَ وَ صُهَيْبٍ وَ بِلاَلٍ فِي نَفَرٍ. فَقَالُوا: وَاللّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوّ اللّهِ مَأْخَذَهَا. قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيّدِهِمْ؟ فَأَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبّكَ".
فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ قَقَالَ: يَا إِخْوَتَاه! أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. يَغْفِرُ الله لَكَ. يَا أُخَيّ!
قوله: (أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها) ضبطوه بوجهين: أحدهما بالقصر وفتح الخاء، والثاني بالمد وكسرها وكلاهما صحيح، وهذا الإتيان لأبي سفيان كان هو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء، وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم. قوله: (يا إخوتاه أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي) أما قولهم يا أخي فضبطوه بضم الهمزة على التصغير وهو تصغير تحبيب وترقيق وملاطفة وفي بعض النسخ بفتحها، قال القاضي: قد روي عن أبي بكر أنه نهى عن مثل هذه الصيغة وقال: قل عافاك الله رحمك الله لا تزد أي لا تقل قبل الدعاء لا فتصير صورته صورة نفي الدعاء، قال بعضهم: قل لا ويغفر لك الله
*2* باب من فضائل الأنصار
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ (وَاللّفْظُ لإِسْحَقَ). قَالاَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيّهُمَا} (3 آل عمران الاَية: 1) بَنُو سَلَمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ. وَمَا نُحِبّ أَنّهَا لَمْ تَنْزِلْ. لِقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ: {وَاللّهُ وَلِيّهُمَا}.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ".
وحدّثنيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثني أَبُو مَعْنٍ الرّقَاشِيّ حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمّارٍ) حَدّثَنَا إِسْحَقُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) أَنّ أَنَساً حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَغْفَرَ لِلأَنْصَارِ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: "وَلِذَرَارِيّ الأَنْصَارِ، وَلِمَوَالِي الأَنْصَارِ" لاَ أَشُكّ فِيهِ.
حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ). حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ)، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَأَىَ صِبْيَاناً وَنِسَاءً مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ. فَقَامَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُمْثَلاً. فَقَالَ: "اللّهُمّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبّ النّاسِ إِلَيّ. اللّهُمّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبّ النّاسِ إِلَيّ" يَعْنِي الأَنْصَارَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ غُنْدَرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ. سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَخَلاَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنّكُمْ لأَحَبّ النّاسِ إِلَيّ" ثَلاَثَ مَرّاتٍ.
حَدّثَنِيهِ يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْب قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي. وَإِنّ النّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلّونَ. فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ".
قوله: (بنو سلمة) هو بكسر اللام قبيلة من الأنصار.
قوله: (فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم ممثلاً) هو بضم الميم الأولى وإسكان الثانية وبفتح الثاء المثلثة وكسرها كذا روي بالوجهين وهما مشهوران، قال القاضي: جمهور الرواة بالفتح، قال: وصححه بعضهم قال ولبعضهم هنا، وفي البخاري بالكسر ومعناه قائماً منتصباً قال وعند بعضهم مقبلاً، وللبخاري في كتاب النكاح ممتناً بتاء مثناة فوق ونون من المنة أي متفضلاً عليهم، قال: واختار بعضهم هذا وضبطه بعض المتقنين ممتناً بكسر التاء وتخفيف النون أي قياماً طويلاً، قال القاضي: والمختار ما قدمناه عن الجمهور.
قوله: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلا بها) هذه المرأة إما محرم له كأم سليم وأختها، وأما المراد بالخلوة أنها سألته سؤالاً خفياً بحضرة ناس ولم تكن خلوة مطلقة وهي الخلوة المنهي عنها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الأنصار كرشي وعيبتي" قال العلماء: معناه جماعتي وخاصتي الذين أثق بهم وأعتمدهم في أموري، قال الخطابي: ضرب مثلاً بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه والعيبة وعاء معروف أكبر من المخلاة يحفظ الإنسان فيها ثيابه وفاخر متاعه ويصونها ضربها مثلاً لأنهم أهل سره وخفي أحواله. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس سيكثرون ويقلون" أي ويقل الأنصار وهذا من المعجزات. قوله صلى الله عليه وسلم: "فاقبلوا من محسنهم واعفوا عن مسيئهم" وفي بعض الأصول عن سيئتهم والمراد بذلك فيما سوى الحدود
*2* باب في خير دور الأنصار، رضي الله عنهم
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النّجّارِ. ثُمّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. ثُمّ بَنُو سَاعِدَةَ وَفِي كُلّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ". فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أُرَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ قَدْ فَضَلَ عَلَيْنَا. فَقِيلَ: قَدْ فَضّلَكُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ.
حَدّثَنَاه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعْتُ أَنَساً يُحَدّثُ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدُ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنْسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ لاَ يَذْكُرُ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَ سَعْدٍ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرّازِيّ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ عَبّادٍ). حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدٍ خَطِيباً عِنْدَ ابْنِ عُتْبَةَ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم"خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النّجّارِ، وَدَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ وَدَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَدَارُ بَنِي سَاعِدَةَ". وَاللّهِ لَوْ كُنْتُ مُؤْثِراً بِهَا أَحَداً لاَثَرْتُ بِهَا عَشِيرَتِي.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزّنَادِ. قَالَ: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ لَسَمِعَ أَبَا أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيّ يَشْهَدُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَار بَنُو النّجّارِ. ثُمّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ. ثُمّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. ثُمّ بَنُو سَاعِدَةَ. وَفِي كُلّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ".
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أُتّهَمُ أَنَا عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ لَوْ كُنْتُ كَاذِباً لَبَدَأْتُ بِقَوْمِي، بَنِي سَاعِدَةَ. وَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ: خُلّفْنَا فَكُنّا آخِرَ الأَرْبَعِ. أَسْرِجُوا لِي حِمَارِي آتِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَلّمَهُ ابْنُ أَخِيهِ، سَهْلٌ. فَقَالَ: أَتَذْهَبُ لِتَرُدّ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَرسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ. أَوَلَيْسَ حَسْبُكَ أَنْ تَكُونَ رَابِعَ أَرْبَعٍ. فَرَجَعَ وَقَالَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ فَحُلّ عَنْهُ.
حدّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيّ بْنِ بَحْرٍ. حَدّثَنِي أَبُو دَاوُدَ حَدّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنَي أَبُو سَلَمَة أَنّ أَبَا أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيّ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "خَيْرُ الأَنْصَارِ، أَوْ خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ" بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. فِي ذِكْرِ الدّورِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قِصّةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ.
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ. سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ "أُحَدّثُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟" قَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ" قَالُوا: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ "ثُمّ بَنُو النّجّارِ" قَالُوا: ثُمّ مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "ثُمّ بَنُو الحرث بْنِ الْخَزْرَجِ" قَالوا: ثُمّ مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "ثُمّ بَنُو سَاعِدَةَ" قَالُوا: ثُمّ مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "ثُمّ فِي كُلّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ" فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مُغْضَباً. فَقَالَ: أَنَحْنُ آخِرُ الأَرْبَعِ؟ حِينَ سَمّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَارَهُم. فَأَرَادَ كَلاَمَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ: اجْلِسْ. أَلاَ تَرْضَىَ أَنْ سَمّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَارَكُمْ فِي الأَرْبَعِ الدّورِ الّتِي سَمّىَ؟ فَمَنْ تَرَكَ فَلَمْ يُسَمّ أَكْثَرُ مِمّنْ سَمّىَ. فَانْتَهَىَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خير دور الأنصار" أي خير قبائلهم وكانت كل قبيلة منها تسكن محلة فتسمى تلك المحلة دار بني فلان، ولهذا جاء في كثير من الروايات بنو فلان من غير ذكر الدار، قال العلماء: وتفضيلهم على قدر سبقهم إلى الإسلام ومآثرهم فيه، وفي هذا دليل لجواز تفضيل القبائل والأشخاص بغير مجازفة ولا هوى ولا يكون هذا غيبة. قوله: (سمعت أبا أسيد خطيباً عند ابن عتبة) أما أسيد فبضم الهمزة على المشهور، وحكى القاضي عن عبد الرحمن بن مهدي فتحها وهو شاذ ضعيف، وخطيباً بكسر الطاء اسم فاعل وفي بعض النسخ خطبنا بفتحها فعل ماض.قوله: (عند ابن عتبة) بالمثناة فوق هو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل عمه معاوية بن أبي سفيان على المدينة. قوله: (خلفنا) أي أخرنا فجعلنا آخر الناس، وفي حديث جرير بن عبد الله وخدمته لأنس إكراماً للأنصار دليل لإكرام المحسن والمنتسب إليه وإن كان أصغر سناً، وفيه تواضع جرير وفضيلته وإكرامه للنبي صلى الله عليه وسلم وإحسانه إلى من انتسب إلى من أحسن إليه صلى الله عليه وسلم
*2* باب في حسن صحبة الأنصار، رضي اللّه عنهم
*حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عَرْعَرَةَ (وَاللّفْظُ لِلْجَهْضَمِيّ). حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ. حَدّثَنَا شُعْبْةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُنِي. فَقُلْتُ لَهُ: لاَ تَفْعَلْ. فَقَالَ: إِنّي قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً، آلَيْتُ أَنْ لاَ أَصْحَبَ أَحَداً مِنْهُمْ إِلاّ خَدَمْتُهُ.
زَادَ ابْنُ الْمُثَنّى وَابْنُ بَشّارٍ فِي حَدِيثِهِمَا: وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ. وَقَالَ ابْنُ بَشّارٍ: أَسَنّ مِنْ أَنَسٍ.
*2* باب دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "غِفَارُ غَفَرَ اللّهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَهْدِيَ. قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانِ الْجَوْنِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ائْتِ قَوْمَكَ فَقُلْ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللّهُ لَهَا".
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدّثَنَا عبد الوهاب الثَقَفِيّ عَنْ أَيُوب، عَن مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. كُلّهُمْ قَالَ: عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال "أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللّهُ لَهَا".
وحدّثني حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ. حَدّثَنَا الْفَضْل بْنُ مُوسَىَ، عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللّهُ لَهَا. أَمَا إِنّي لَمْ أَقُلْهَا. وَلَكِنْ قَالَهَا اللّهُ عَزّ وَجَلّ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللّيْثِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيَ، عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي صَلاَةٍ: "اللّهُمّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ. وَعُصَيّةَ عَصَوُا اللّهُ وَرَسُولَهُ. غِفَارُ غَفَرَ اللّهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ (قَالَ يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "غِفَارُ غَفَرَ اللّهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللّهُ. وَعُصَيّةُ عَصَتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ".
حدّثنا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. ح وَحَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ الْحُلْوَانِي وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ وَأُسَامَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَر.
وحدّثنيهِ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ. حَدّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدّادٍ عَنْ يَحْيَىَ حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ. حَدّثَنِي ابْنُ عُمَرَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. مِثْلَ حَدِيثِ هَؤُلاَءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأسلم سالمها الله" قال العلماء من المسالمة وترك الحرب قيل هو دعاء وقيل خبر، قال القاضي في المشارق: هو من أحسن الكلام مأخوذ من سالمته إذا لم تر منه مكروهاً، فكأنه دعا لهم بأن يصنع الله بهم ما يوافقهم فيكون سالمها بمعنى سلمها، وقد جاء فاعل بمعنى فعل كقاتله الله أي قتله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم العن بني لحيان ورعلاً" لحيان بكسر اللام وفتحها وهم بطن من هذيل ورعل بكسر الراء وإسكان العين المهملة، وفيه جواز لعن الكفار جملة أو الطائفة منهم بخلاف الواحد بعينه
*2* باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيء
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (وَهُوَ ابْنُ هَرُونَ). أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَنْصَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللّهِ، مَوَالِيّ دُونَ النّاسِ. وَاللّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلاَهُمْ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ، مَوَالِيّ. لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللّهِ وَرَسُولِهِ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ سَعْدٌ فِي بَعْضِ هَذَا فِيمَا أَعْلَمُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثَنَا شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ قَالَ: "أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ، أَوْ جُهَيْنَةُ، خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ، وَالْحَلِيفَيْنِ، أَسَدٍ وَغَطَفَانَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا عَمْرٌوالنّاقِدُ وَ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ(قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَغِفَارُ وَأَسْلَمُ وَمُزَيْنَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ، أَوْ قَالَ جُهَيْنَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ مُزَيْنَةَ، خَيْرٌ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَسَدٍ وَطَيّءٍ وَغَطَفَانَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ يَعْقُوبُ الدّوْرَقِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِيانِ ابْنَ عُلَيّةَ) حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لأَسْلَمُ وغِفَارُ، وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ، خَيْرٌ عِنْدَ اللّهِ قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ وَهَوَازِنَ وَتَمِيمٍ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أَبِيَ يَعْقُوبَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ جَاءَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: إِنّمَا بَايَعَكَ سُرّاقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ. وَأَحْسِبُ جُهَيْنَةَ (مُحَمّدٌ الّذِي شَكّ) فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَأَحْسِبُ جُهَيْنَةُ خَيْراً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ، أَخَابُوا وَخَسِرُوا؟" فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنّهُمْ لأَخْيَرُ مِنْهُمْ"وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: مُحَمّدٌ الّذِي شَكّ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنِي سَيّدُ بَنِي تَمِيمٍ، مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الضّبّيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ "وَجُهَيْنَةُ" وَلَمْ يَقُلْ: أَحْسِبُ.
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَالْحَلِيفَيْنِ بَني أَسَدٍ وَغَطَفَانَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ.ح وَحَدّثَنِيهِ عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، بِهَذا الإِسْنَادِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْراً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَبْدّ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ" وَمَدّ بِهَا صَوْتَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا. قَالَ: "فَإِنّهُمْ خَيْرٌ".
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ "أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ. قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَقَالَ لِي: إِنّ أَوّلَ صَدَقَةٍ بَيّضَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَوُجُوهَ أَصْحَابِهِ، صَدَقَةَ طَيّءٍ، جِئْتَ بِهَا إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَدِمَ الطّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ دَوْساً قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ. فَادْعُ اللّهَ عَلَيْهَا. فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ. فَقَالَ: "اللّهُمّ اهْدِ دَوْساً وَائْتِ بِهِمْ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ أَزَالُ أُحِبّ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ ثَلاَثٍ. سَمِعْتُهُنّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "هُمْ أَشَدّ أُمّتِي عَلَىَ الدّجّالِ" قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا" قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْتِقِيهَا فَإِنّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لاَ أَزَالَ أُحِبّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ سَمِعْتهُنّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُهَا فِيهِمْ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ. حَدّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيّ، إِمَامُ مَسْجِدِ دَاوُدَ. حَدّثَنَا دَاوُدُ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: ثَلاَثُ خِصَالٍ سَمِعْتُهُنّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي تَمِيمٍ. لاَ أَزَالُ أُحِبّهُمْ بَعْدُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِهَذَا الْمَعْنَىَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "هُمْ أَشَدّ النّاسِ قِتَالاً فِي الْمَلاَحِمِ". وَلَمْ يَذْكُرِ الدّجّالَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الأنصار ومزينة ومن كان من بني عبد الله ومن ذكر موالي دون الناس والله ورسوله مولاهم" أي وليهم والمتكفل بهم وبمصالحهم وهم مواليه أي ناصروه والمختصون به. قال القاضي: المراد ببني عبد الله هنا بنو عبد العزى من غطفان سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد الله فسمتهم العرب بني محولة لتحويل اسم أبيهم.
قوله: (والحليفين أسد وغطفان) بالحاء المهملة من الحلف أي المتحالفين.
قوله صلى الله عليه وسلم: (إنهم لأخير منهم) هكذا هو في جميع النسخ لأخير وهي لغة قليلة تكررت في الأحاديث، وأهل العربية ينكرونها ويقولون الصواب خير وشر ولا يقال أخير ولا أشر ولا يقبل إنكارهم فهي لغة قليلة الاستعمال، وأما تفضيل هذه القبائل فلسبقهم إلى الإسلام وآثارهم فيه. قوله: (حدثني سيد بني تميم محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي) قال القاضي: كذا وقع هنا وضبة لا تجتمع في بني تميم إنما ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر، وفي قري 5 أيضاً ضبة بن الحارث بن فهر، قال: وقد نسبه البخاري في التاريخ كما وقع في مسلم. قلت: وفي هذيل أيضاً ضبة بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل، فيجوز أن يكون ضبياً بالحلف أو مجازاً لمقاربته فإن تميماً تجتمع هي وضبة قريباً.
قوله: (أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيء) أي سرتهم وأفرحتهم وطيء بالهمزة على المشهور وحكى تركه وسبق بيانه والملاحم معارك القتال والتحامه
*2* باب خيار الناس
*حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَجِدُونَ النّاسَ مَعَادِنَ. فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا. وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النّاسِ فِي هَذَا الأَمْرِ، أَكْرَهُهُمْ لَهُ. قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ. وَتَجِدُونَ مِنْ شِرَارِ النّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ. الّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِزَامِيّ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَجِدُونَ النّاسَ مَعَادِنَ" بِمِثْلِ حَدِيثِ الزّهْرِيّ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ وَالأَعْرَجِ "تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النّاسِ فِي هَذَا الشّأْنِ أَشَدّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً حَتّىَ يَقَعَ فِيهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" هذا الحديث سبق شرحه في فضائل يوسف صلى الله عليه وسلم، وفقهوا بضم القاف على المشهور وحكى كسرها أي صاروا فقهاء وعلماء والمعادن الأصول، وإذا كانت الأصول شريفة كانت الفروع كذلك غالباً والفضيلة في الإسلام بالتقوى، لكن إذا انضم إليها شرف النسب ازدادت فضلاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أشدهم له كراهية حتى يقع فيه" قال القاضي: يحتمل أن المراد به الإسلام كما كان من عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاصي وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وغيره من مسلمة الفتح وغيرهم ممن كان يكره الإسلام كراهية شديدة لما دخل فيه أخلص وأحبه وجاهد فيه حق جهاده. قال: ويحتمل أن المراد بالأمر في ذي الوجهين هنا الولايات لأنه إذا أعطيها من غير مسألة أعين عليها. قوله صلى الله عليه وسلم في ذي الوجهين أنه من شرار الناس فسببه ظاهر لأنه نفاق محض وكذب وخداع وتحيل على إطلاعه على إسرار الطائفتين، وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها ويظهر لها أنه منها في خير أو شر وهي مداهنة محرمة
*2* باب من فضائل نساء قريش
*حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ (قَالَ أَحَدُهُمَا: صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ. وَقَالَ الاَخَرُ: نِسَاءُ قُرَيْشٍ) أَحْنَاهُ عَلَىَ يَتِيمٍ فِي صِغَرِهِ. وَأَرْعَاهُ عَلَىَ زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. يَبْلغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "أَرْعَاهُ عَلَىَ وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ" وَلَمْ يَقُلْ: يَتِيمٍ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهُبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ. أَحْنَاهُ عَلَىَ طِفْلٍ. وَأَرْعَاهُ عَلَىَ زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ".
قَالَ: يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَىَ إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيراً قَطّ.
مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ(قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ أُمّ هَانِئٍ، بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي قَدْ كَبِرْتُ. وَلِي عِيَالٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ" ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "أَحْنَاهُ عَلَىَ وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ، صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ. أَحْنَاهُ عَلَىَ وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَىَ زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ".
حدّثني أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ). حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ). حَدّثَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ هَذَا. سَوَاءً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغيره وأرعاه على زوج في ذات يده" فيه فضيلة نساء قريش وفضل هذه الخصال، وهي الحنوة على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم والقيام عليهم إذا كانوا يتامى ونحو ذلك مراعاة حق الزوج في ماله وحفظه والأمانة فيه وحسن تدبيره في النفقة وغيرها وصيانته ونحو ذلك، ومعنى ركبن الإبل نساء العرب ولهذا قال أبو هريرة في الحديث: (لم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط) والمقصود أن نساء قريش خير نساء العرب وقد علم أن العرب خير من غيرهم في الجملة. وأما الأفراد فيدخل بها الخصوص، ومعنى ذات يده أي شأنه المضاف إليه، ومعنى أحناه أشفقه، والحانية على ولدها التي تقوم عليهم بعد يتمهم فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية، قال الهروي: وقد سبق في باب فضل أبي سفيان قريباً بيان أحناه وأرعاه وأن معناه أحناهن والله أعلم
*2* باب مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، رضي الله تعالى عنهم
*حدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم آخَىَ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَبَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ.
حدّثني أَبُو جَعْفَرٍ. مُحَمّدُ بْنُ الصّبّاحِ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ. قَالَ: قِيلَ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: بَلَغَكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ؟" فَقَالَ أَنَسٌ: قَدْ حَالَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، فِي دَارِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَالَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، فِي دَارِهِ الّتِي بِالْمَدِينَةِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ. وَأَيّمَا حِلْفٍ، كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلاّ شِدّةً".
ذكر في الباب المؤاخاة والحلف وحديث: (لا حلف في الإسلام) وحديث أنس: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري بالمدينة). قال القاضي: قال الطبري لا يجوز الحلف اليوم فإن المذكور في الحديث والموارثة به وبالمؤاخاة كله منسوخ لقوله تعالى: {وأولوا الأحارم بعضهم أولى ببعض} وقال الحسن: كان التوارث بالحلف فنسخ بآية المواريث. قلت: أما ما يتعلق بالإرث فيستحب فيه المخالفة عند جماهير العلماء. وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق فهذا باق لم ينسخ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث: "وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حلف في الإسلام" فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه والله أعلم
*2* باب بيان أن بقاء النبيّ صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ. كُلّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيَ الْجُعْفِيّ عَنْ مُجَمّعِ بْنِ يَحْيَىَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: صَلّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتّىَ نُصَلّي مَعَهُ العِشَاءَ قَالَ: فَجَلَسْنَا. فَخَرَجَ عَلَيْنَا. فَقَالَ: "مَا زِلْتُمْ هَهُنَا؟" قُلْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ. ثُمّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتّىَ نُصَلّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ. قَالَ "أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ" قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَىَ السّمَاءِ. وَكَانَ كَثِيراً مِمّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَىَ السّمَاءِ. فَقَالَ: "النّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسّمَاءِ. فَإِذَا ذَهَبَتِ النّجُومِ أَتَىَ السّمَاءَ مَا تُوعَدُ. وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي. فَإِذَا ذَهَبَتُ أَتَىَ أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ. وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأِمّتِي. فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَىَ أُمّتِي مَا يُوعَدُونَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد" قال العلماء: الأمنة بفتح الهمزة والميم والأمن والأمان بمعنى، ومعنى الحديث أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون" أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً وقد وقع كل ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: (وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم
*2* باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم
*حدّثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبِيّ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِراً يُخْبِرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "يَأْتِي عَلَىَ النّاسِ زَمَانٌ. يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النّاسِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النّاسِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَىَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النّاسِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَىَ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ".
حدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَمَوِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: زَعَمَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "يَأْتِي عَلَىَ النّاسِ زَمَانٌ. يُبْعَثُ مِنْهُمُ الْبَعْثُ فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرّجُلُ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ. ثُمّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثّانِي فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيهِمْ مَنْ رَأَىَ أَصْحَابَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ. ثُمّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثّالِثُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ مَنْ رَأَىَ مَنْ رَأَىَ أَصْحَابَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ ثُمّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرّابِعُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ أَحَداً رَأَىَ مَنْ رَأَىَ أَحَداً رَأَى أَصْحَابَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَيُوجَدُ الرّجُلُ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبِيدَةَ السّلْمَانِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمّتِي الْقَرْنُ الّذِينَ يَلُونِي. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمّ يَجِيءُ يَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ. وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ" لَمْ يَذْكُرْ هنّادٌ الْقَرْنَ فِي حَدِيثِهِ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ "ثُمّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيّ النّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ "قَرْنِي. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَبْدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَتَبْدُرُ يَمِينُهُ شَهَادَتَهُ".
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَنْهَوْنَنَا، وَنَحْنُ غِلْمَانٌ، عَنِ الْعَهْدِ وَالشّهَادَاتِ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ. بِإِسْنَادِ أَبِي الأَحْوَصِ وَ جَرِيرٍ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِهِمَا. وَلَيْسَ في حَدِيثِهِمَا: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا أَزْهَر بْنُ سَعْدٍ السّمّانُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَيْرُ النّاسِ قَرْنِي. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ" فَلاَ أَدْرِي فِي الثّالِثَةِ أَوْ فِي الرّابِعَةِ قَالَ: "ثُمّ يَتَخَلّفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ. تَسْبقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ".
حدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ. ح وَحَدّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمّتِي الْقَرْنُ الّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ". وَاللّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثّالِثَ أَمْ لاَ. قَالَ: "ثُمّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبّونَ السّمَانَةَ. يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنِي حَجّاج بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي بِشْرٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ شُعْبَة: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلاَ أَدْرِي مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ غُنْدَرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةً. حَدّثَنِي زَهْدَمُ ابْنُ مُضَرّبٍ. سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ". قَالَ عِمْرَانُ: فَلاَ أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قَرْنِهِ، مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. "ثُمّ يَكُونَ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ. وَيَخُونُونَ وَلاَ يُتّمَنُونَ. وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السّمَنُ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمْ: قَالَ: لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. وَفِي حَدِيثِ شَبَابَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرّبٍ، وَجَاءَنِي فِي حَاجَةٍ عَلَىَ فَرَسٍ، فَحَدّثَنِي أَنّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ. وَفِي حَدِيثِ يَحْيَىَ وَشَبَابَةَ "يَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ". وَفِي حَدِيثِ بَهْزٍ "يُوفُونَ" كَمَا قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِهَذَا الْحَدِيثِ "خَيْرُ هَذِهِ الأُمّةِ الْقَرْنُ الّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ". زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ: "وَاللّهُ أَعْلَمُ. أَذَكَرَ الثّالِثَ أَمْ لاَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ زَهْدَمٍ عَنْ عِمْرَانَ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ "وَيَحْلِفُونَ وَلاَ يُسْتَحْلَفُونَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ (وَاللّفْظُ لاِءَبِي بَكْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا حُسَيْنٌ (وَهُوَ ابْنُ عَلِيَ الْجُعْفِيّ) عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ السّدّيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ الْبَهِيّ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَيّ النّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "الْقَرْنُ الّذِي أَنَا فِيهِ، ثُمّ الثّانِي، ثُمّ الثّالِثُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يغزو فئام من الناس" هو بفاء مكسورة ثم همزة أي جماعة، وحكى القاضي فيه بالياء مخففة بلا همز، ولغة أخرى فتح الفاء حكاها عن الخليل والمشهور الأول، وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفضل الصحابة والتابعين وتابعيهم، والبعث هنا الجيش.
قوله: (عن عبيدة السلماني) هو بفتح العين والسين وإسكان اللام منسوب إلى بني سلمان. قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني" وفي رواية: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" إلى آخره. اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم والمراد أصحابه، وقد قدمنا أن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة فهو من أصحابه، ورواية خير الناس على عمومها والمراد منه جملة القرن، ولا يلزم منه تفضيل الصحابي على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا أفراد النساء على مريم وآسية وغيرهما، بل المراد جملة القرن بالنسبة إلى كل قرن بجملته، قال القاضي: واختلفوا في المراد بالقرن هنا فقال المغيرة: قرنه أصحابه والذين يلونهم أبناؤهم والثالث أبناء أبنائهم، وقال شهر: قرنه ما بقيت عين رأته، والثاني ما بقيت عين رأت من رآه ثم كذلك، وقال غير واحد: القرن كل طبقة مقترنين في وقت، وقيل هو لأهل مدة بعث فيها نبي طالت مدته أم قصرت، وذكر الحربي الاختلاف في قدره بالسنين من عشر سنين إلى مائة وعشرين ثم قال: وليس منه شيء واضح ورأى أن القرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد وقال الحسن وغيره: القرن عشر سنين، وقتادة سبعون، والنخعي أربعون، وزرارة بن أبي أوفى مائة وعشرون، وعبد الملك بن عمير مائة، وقال ابن الأعرابي: هو الوقت. هذا آخر نقل القاضي، والصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم الصحابة والثاني التابعون والثالث تابعوهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" هذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته، واحتج به بعض المالكية في رد شهادة من حلف معها وجمهور العلماء أنها لا ترد، ومعنى الحديث أنه يجمع بين اليمين والشهادة فتارة تسبق هذه وتارة هذه، وفي الرواية الأخرى: "تبدر شهادة أحدهم" وهو بمعنى تسبق. قوله: (ينهوننا عن العهد والشهادات) أي الجمع بين اليمين والشهادة، وقيل المراد النهي عن قوله على عهد الله أو أشهد بالله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يتخلف من بعدهم خلف" هكذا هو في معظم النسخ يتخلف وفي بعضها يخلف بحذف التاء وكلاهما صحيح أي يجيء بعدهم خلف بإسكان اللام هكذا الرواية والمراد خلف سوء، قال أهل اللغة: الخلف ما صار عوضاً عن غيره ويُستعمل فيمن خلف بخير أو بشر لكن يقال في الخير بفتح اللام وإسكانها لغتان الفتح أشهر وأجود، وفي الشر بإسكانها عند الجمهور وحكي أيضاً فتحها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يخلف قوم يحبون السمانة يشهدون قبل أن يستشهدوا" وفي رواية: "ويظهر قوم فيهم السمن" السمانة بفتح السين هي السمن، قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسمن هنا كثرة اللحم ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم وليس معناه أن يتمحضوا سماناً، قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خلقة فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب زائداً على المعتاد، وقيل: المراد بالسمن هنا أنهم يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف وغيره، وقيل المراد جمعهم الأموال. وقوله صلى الله عليه وسلم: "يشهدون قبل أن يستشهدوا" هذا الحديث في ظاهره مخالفة للحديث الاَخر خير الشهود الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها، قال العلماء: الجمع بينهما أن الذم في ذلك لمن بادر بالشهادة في حق الاَدمي هو عالم بها قبل أن يسألها صاحبها، وأما المدح فهو لمن كانت عنده شهادة الاَدمي ولا يعلم بها صاحبها فيخبره بها ليستشهده بها عند القاضي إن أراد، ويلتحق به من كانت عنده شهادة حسبة وهي الشهادة بحقوق الله تعالى فيأتي القاضي ويشهد بها وهذا ممدوح إلا إذا كانت الشهادة بحد ورأى المصلحة في الستر، هذا الذي ذكرناه من الجمع بين الحديثين هو مذهب أصحابنا ومالك وجماهير العلماء وهو الصواب، وقيل فيه أقوال ضعيفة منها قول من قال بالذم مطلقاً ونابذ حديث المدح، ومنها قول من حمله على شهادة الزور، ومنها قول من حمله على الشهادة بالحدود وكلها فاسدة، واحتج عبد الله بن شبرمة بهذا الحديث لمذهبه في منعه الشهادة على الإقرار قبل أن يستشهد ومذهبنا ومذهب الجمهور قبولها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ويخونون ولا يتمنون" هكذا في أكثر النسخ يتمنون بتشديد النون وفي بعضها يؤتمنون، ومعناه يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بحقير مرة واحدة فإنه يصدق عليه أنه خان ولا يخرج به عن الأمانة في بعض المواطن. قوله صلى الله عليه وسلم: "وينذرون ولا يوفون" هو بكسر الذال وضمها لغتان وفي رواية يفون وهما صحيحان، يقال وفي وأوفى فيه وجوب الوفاء بالنذر وهو واجب بلا خلاف وإن كان ابتداء النذر منهياً عنه كما سبق في بابه، وفي هذه الأحاديث دلائل للنبوة ومعجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كل الأمور التي أخبر بها وقعت كما أخبر. قوله: (سمعت أبا جمرة قال حدثني زهدم بن مضرب) أما أبو جمرة فبالجيم وهو أبو جمرة نصر بن عمران سبق بيانه في كتاب الإيمان في حديث وفد عبد القيس ثم في مواضع ولا خلاف أنه المراد هنا، وأما زهدم فبزاي مفتوحة ثم هاء ساكنة ثم دال مهملة مفتوحة، ومضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المشددة.
قوله: (عن السدي عن عبد الله البهي عن عائشة) هو بفتح الباء الموحدة وكسر الهاء وهذا الإسناد مما استدركه الدارقطني فقال: إنما روى البهي عن عروة عن عائشة، قال القاضي: قد صححوا روايته عن عائشة وقد ذكر البخاري روايته عن عائشة
*2* باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم"
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا. وَقَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلّىَ بِنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، صَلاَةَ الْعِشَاءِ، فِي آخِرِ حَيَاتِهِ. فَلَمّا سَلّمَ قَامَ فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنّ عَلَىَ رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَىَ مِمّنْ هُوَ عَلَىَ ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ".
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ، فِيمَا يَتَحَدّثُونَ مِنَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنّمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَبْقَىَ مِمّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَىَ ظَهْرِ الأَرْض أَحَدٌ"، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ.
حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَان. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ. وَرَوَاهُ اللّيْثُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ. بِإِسْنَادِ مَعْمَرٍ. كَمِثْلِ حَدِيثِهِ.
حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سمِعَ عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: "تَسْأَلُونِي عَنِ السّاعَةِ؟ وَإِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ. وَأُقْسِمُ بِاللّهِ مَا عَلَىَ الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ".
حَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذا الاْسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: قَبْل مَوْتِهِ بِشَهْرٍ.
حدّثني يحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. كِلاَهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي. حَدّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ. أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيّةٌ يَوْمَئِذٍ".
وَعَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ صَاحِبِ السّقَايَةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وَفَسّرَهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ قَالَ: نَقْصُ الْعُمُرِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيِدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ بِالاْسْنَادَيْنِ جَمِيعاً، مِثْلَهُ.
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ دَاوُدَ (وَاللّفْظُ لَهُ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيّانَ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: لَمّا رَجَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ، سَأَلُوهُ عَنِ السّاعَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ، وَعَلَىَ الأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ".
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: قَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، تَبْلُغُ مِائَةَ سَنَةٍ".
فقالَ سَالِمٌ: تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَهُ. إِنّمَا هِيَ كُلّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ يَوْمَئِذٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أريتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، قال ابن عمر: وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن".
وفي رواية جابر: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر يقول: ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ) وفي رواية أبي سعيد مثله لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما رجع من تبوك، هذه الأحاديث قد فسر بعضها بعضاً وفيها علم من أعلام النبوة، والمراد أن كل نفس منفوسة كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل أمرها قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة، ومعنى نفس منفوسة أي مولودة وفيه احتراز من الملائكة، وقد احتج بهذه الأحاديث من شذ من المحدثين فقال الخضر عليه السلام ميت والجمهور على حياته كما سبق في باب فضائله، ويتأولون هذه الأحاديث على أنه كان على البحر لا على الأرض أو أنها عام مخصوص. قوله: (فوهل الناس) بفتح الهاء أي غلطوا يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا كضرب يضرب ضرباً أي غلط وذهب وهمه إلى خلاف الصواب، وأما وهلت بكسرها أهل بفتحها وهلا كحذرت أحذر حذراً فمعناه فزعت والوهل بالفتح الفزع. قوله: (ينخرم ذلك القرن) أي ينقطع وينقضي. قوله: (وعن عبد الرحمن صاحب السقاية عن جابر) هو معطوف على قول معتمر بن سليمان سمعت أبي قال حدثنا أبو نضرة، ثم قال بعد تمام الحديث وعن عبد الرحمن، فالقائل وعن عبد الرحمن هو سليمان والد معتمر فسليمان يرويه بإسناد مسلم إليه عن اثنين أبي نضرة وعبد الرحمن صاحب السقاية كلاهما عن جابر والله أعلم
*2* باب تحريم سب الصحابة، رضي الله عنهم
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَسُبّوا أَصْحَابِي. لاَ تَسُبّوا أَصْحَابِي. فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا أَدْرَكَ مُدّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ. فَسَبّهُ خَالِدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَسُبّوا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا أَدْرَكَ مُدّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ".
حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ وَ أَبِي مُعَاوِيَةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ وَوَكِيعٍ ذِكْرُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
قوله: (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي) قال أبو علي الجياني: قال أبو مسعود الدمشقي هذا وهم والصواب من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري لاعن أبي هريرة، وكذا رواه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب والناس، قال: وسئل الدارقطني عن إسناد هذا الحديث فقال يرويه الأعمش واختلف عنه فرواه زيد بن أبي أمية عنه عن أبي صالح عن أبي هريرة، واختلف على أبي عوانة عنه فرواه عفان ويحيى بن حماد عن أبي عوانة عن الأعمش كذلك، ورواه مسدد وأبو كامل وشيبان عن أبي عوانة فقالوا عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكذا قال نصر بن علي عن أبي داود والخرشي عن الأعمش، والصواب من روايات الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، ورواه زائدة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة والصحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد والله أعلم. واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون، كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا الشرح، قال القاضي: وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية: يقتل. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" قال أهل اللغة: النصيف النصف وفيه أربع لغات: نصف بكسر النون ونصف بضمها ونصف بفتحها ونصيف بزيادة الياء، حكاهن القاضي عياض في المشارق عن الخطابي، ومعناه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مداً ولا نصف مد. قال القاضي: ويؤيد هذا ما قدمناه في أول باب فضائل الصحابة عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وقد قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة} الاَية، هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حق جهاده وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال القاضي: ومن أصحاب الحديث من يقول هذه الفضيلة مختصة بمن طالت صحبته وقاتل معه وأنفق وهاجر ونصر، لا لمن رآه مرة كوفود الأعراب أو صحبه آخراً بعد الفتح وبعد إعزاز الدين ممن لم يوجد له هجرة ولا أثر في الدين ومنفعة المسلمين، قال: والصحيح هو الأول وعليه الأكثرون والله أعلم
*2* باب من فضائل أويس القرنيّ، رضي الله عنه
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنِي سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ أَنّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَىَ عُمَرَ. وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ. فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هَهُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيّينَ؟ فَجَاءَ ذَلِكَ الرّجُلُ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: "إِنّ رَجُلاً يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ: لاَ يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمَ لَهُ. قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ. فَدَعَا اللّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ. إِلاّ مَوْضِعَ الدّينَارِ أَوِ الدّرْهَمِ. فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ) عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيّ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ قَالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ خَيْرَ التّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ. وَلَهُ وَالِدَةٌ. وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ. فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَىَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، إِذَا أَتَىَ عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتّىَ أَتَىَ عَلَىَ أُوَيْسٍ. فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرِأْتَ مِنْهُ إِلاّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمّ مِنْ قَرَنٍ. كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنْهُ إِلاّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ. لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرّ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَىَ اللّهِ لأَبَرّهُ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ". فَاسْتَغْفِرْ لِي. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
فقالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ. قَالَ: أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَىَ عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النّاسِ أَحَبّ إِلَيّ.
قَالَ: فَلَمّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. فَوَافَقَ عُمَرَ. فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ. قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمّ مِنْ قَرَنٍ. كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنْهُ. إِلاّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ. لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرّ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَىَ اللّهِ لأَبَرّهُ. فَإِنّ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ". فَأَتَىَ أُوَيْساً فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْداً بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْداً بِسَفَرٍ صَالِحٍ. فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَفَطِنَ لَهُ النّاسُ. فَانْطَلَقَ عَلَىَ وَجْهِهِ.
قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً. فَكَانَ كُلّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لأِوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ؟.
قوله: (أسير بن جابر) هو بضم الهمزة وفتح السين المهملة ويقال أسير بن عمرو ويقال يسر بضم الياء المثناة تحت، وفي قصة أويس هذه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أويس بن عامر كذا رواه مسلم هنا وهو المشهور، وقال ابن ماكولا: ويقال أويس بن عمرو قالوا وكنيته أبو عمرو، قال القائل: قتل بصفين وهو القرني من بني قرن بفتح القاف والراء وهي بطن من مراد وهو قرن بن ردمان بن ناجبة بن مراد، وقال الكلبي: ومراد اسمه جابر بن مالك بن أدد بن صحب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن سباد، هذا الذي ذكرناه من كونه من بطن من مراد وإليه نسب هو الصواب ولا خلاف فيه، وفي صحاح الجوهري أنه منسوب إلى قرن المنازل الجبل المعروف ميقات الإحرام لأهل نجد وهذا غلط فاحش، وسبق هناك التنبيه عليه لئلا يغتر به قوله وفيهم رجل يسخر بأويس أي يحتقره ويستهزئ به، وهذا دليل على أنه يخفي حاله ويكتم السر الذي بينه وبين الله عز وجل ولا يظهر منه شيء يدل لذلك، وهذه طريق العارفين وخواص الأولياء رضي الله عنهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن لقيه منكم فليستغفر لكم". وفي الرواية الأخرى: (قال لعمر فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) هذه منقبة ظاهرة لأويس رضي الله عنه، وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وإن كان الطالب أفضل منهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن خير التابعين رجل يقال له أويس إلى آخره" هذا صريح في أنه خير التابعين، وقد يقال قد قال أحمد بن حنبل وغيره أفضل التابعين سعيد بن المسيب، والجواب أن مرادهم أن سعيداً أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها لا في الخير عند الله تعالى وفي هذه اللفظة معجزة ظاهرة أيضاً. قوله: (أمداد أهل اليمن) هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو واحدهم مدد. قوله: (أكون في غبراء الناس أحب إلي) هو بفتح الغين المعجمة وبإسكان الموحدة وبالمد أي ضعافهم وصعاليكهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم وهذا من إيثار الخمول وكتم حاله. قوله: (رث البيت) هو بمعنى الرواية الأخرى قليل المتاع والرثاثة والبذاذة بمعنى وهو حقارة المتاع وضيق العيش، وفي حديثه فضل بر الوالدين وفضل العزلة وإخفاء الأحوال
*2* باب وصية النبيّ صلى الله عليه وسلم بأهل مصر
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ. ح وَحَدّثَنِي هَرُون بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي حَرْمَلَةُ (وَهُوَ ابْنُ عِمْرَانَ التّجِيبِيّ) عَنْ عَبْدِ الرّحمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيّ . قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضاً يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ. فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْراً. فَإِنّ لَهُمْ ذِمّةً وَرَحِماً. فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ الْمِصْرِيّ يْحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ، عَنْ أَبِي ذَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ. وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمّىَ فِيهَا الْقِيرَاطُ. فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَىَ أَهْلِهَا. فَإِنّ لَهُمْ ذِمّةً وَرَحِماً. أَوْ قَالَ: "ذِمّةً وَصِهْراً. فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا". قَالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرّحمَنِ بْنَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ، يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجْتُ مِنْهَا.
قوله: (عن عبد الرحمن بن شماسة) بضم الشين المعجمة وفتحها. قوله صلى الله عليه وسلم: "ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً، فإذا رأيت رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها قال فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها" وفي رواية: "ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط، وفيها: فإن لهم ذمة ورحماً أو قال ذمة وصهراً". قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به. وأما الذمة فهي الحرمة والحق وهي هنا بمعنى الذمام. وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم. وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم. وفيه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده بحيث يقهرون العجم والجبابرة. ومنها أنهم يفتحون مصر. ومنها تنازع الرجلين في وضع اللبنة، ووقع كل ذلك ولله الحمد، ومعنى يقتتلان يختصمان كما صرح به في الرواية الثانية. قوله: )عن أبي بصرة عن أبي ذر) هو بالموحدة والصاد المهملة
*2* باب فضل أهل عمان
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْوَازِعِ، جَابِرِ ابْنِ عَمْرٍو الرّاسِبيّ. سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً إِلَىَ حَيَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ. فَسَبّوهُ وَضَرَبُوهُ. فَجَاءَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ، مَا سَبّوكَ وَلاَ ضَرَبُوكَ".
عمان) في هذا الحديث بضم العين وتخفيف الميم وهي مدينة بالبحرين، وحكى القاضي أن منهم من ضبطه بفتح العين وتشديد الميم يعني عمان البلقاء وهذا غلط وفيه الثناء عليهم وفضلهم والله أعلم
*2* باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها
*حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ إِسْحَقَ الْحَضْرَمِيّ). أَخْبَرَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ. رَأَيْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الزّبَيْرِ عَلَىَ عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرّ عَلَيْهِ وَالنّاسُ. حَتّىَ مَرّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ. فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ السّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ السّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللّهِ إِنْ كُنْتَ، مَا عَلِمْتُ، صَوّاماً. قَوّاماً. وَصُولاً لِلرّحِمِ. أَمَا وَاللّهِ لأُمّةٌ أَنْتَ أَشَرّهَا لأُمّةٌ خَيْرٌ.
ثُمّ نَفَذَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ. فَبَلَغَ الْحَجّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللّهِ وَقَوْلُهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ. فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ. ثُمّ أَرْسَلَ إِلَىَ أُمّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ. فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرّسُولَ: لَتَأْتِيَنّي أَوْ لأَبْعَثَنّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ. قَالَ: فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَالله لاَ آتِيكَ حَتّىَ تَبْعَثَ إِلَيّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي. قَالَ: فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتَيّ. فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ. ثُمّ انْطَلَقَ يَتَوَذّفُ. حَتّىَ دَخَلَ عَلَيْهَا. فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوّ اللّهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ. بَلَغَنِي أَنّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النّطَاقَيْنِ أَنَا، وَاللّهِ ذَاتُ النّطَاقَيْنِ. أَمّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدّوَابّ. وَأَمّا الاَخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الّتِي لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ. أَمَا إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَدّثَنَا: "أَنّ فِي ثَقِيفٍ كَذّاباً وَمُبِيراً" فَأَمّا الْكَذّابُ فَرَأَيْنَاهُ. وَأَمّا الْمُبِيرُ فَلاَ إِخَالُكَ إِلاّ إِيّاهُ. قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا.
قوله: (رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال السلام عليك أبا خبيب) قوله عقبة المدينة هي عقبة بمكة، وأبو خبيب بضم الخاء المعجمة كنية ابن الزبير كني بأبيه خبيب وكان أكبر أولاده وله ثلاث كنى ذكرها البخاري في التاريخ وآخرون أبو خبيب وأبو بكر وأبو بكير، وفيه استحباب السلام على الميت في قبره وغيره وتكرير السلام ثلاثاً كما كرر ابن عمر، وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة، وفيه منقبة لابن عمر لقوله بالحق في الملأ وعدم اكتراثه بالحجاج لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه وقوله وثناؤه عليه فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق ويشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله أنه عدو الله وظالم ونحوه، فأراد ابن عمر براءة ابن الزبير من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج وأعلم الناس بمحاسنه وأنه ضد ما قاله الحجاج، ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوماً وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه. قوله: (لقد كنت أنهاك عن هذا) أي عن المنازعة الطويلة. قوله في وصفه (وصولاً للرحم) قال القاضي: هو أصح من قول بعض الأخباريين ووصفه بالإمساك وقد عده صاحب كتاب الأجود فيهم وهو المعروف من أحواله. قوله: (والله لأمة أنت شرها أمة خير) هكذا هو في كثير من نسخنا لأمة خير، وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة صحيح مسلم، وفي أكثر نسخ بلادنا لأمة سوء، ونقله القاضي عن رواية السمرقندي قال: وهو خطأ وتصحيف. قوله: (ثم نفذ ابن عمر) أي انصرف. قوله: (يسحبك بقرونك) أي يجرك بضفائر شعرك. قوله: (أروني سبتي) بكسر السين المهملة وإسكان الموحدة وتشديد آخره وهي النعل التي لا شعر عليها. قوله: (ثم انطلق يتوذف) هو بالواو والذال المعجمة والفاء قال أبو عبيد معناه يسرع، وقال أبو عمر: معناه يتبختر. قوله: (ذات النطاقين) هو بكسر النون قال العلماء: النطاق أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل تفعل ذلك عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها، قيل: سميت أسماء ذات النطاقين لأنها كانت تطارف نطاقاً فوق نطاق، والأصح أنها سميت بذلك لأنها شقت نطاقها الواحد نصفين فجعلت أحدهما نطاقاً صغيراً واكتفت به، والاَخر لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه كما صرحت به في هذا الحديث هنا وفي البخاري ولفظ البخاري أوضح من لفظ مسلم. قولها للحجاج: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومبيراً فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا أخالك إلا إياه) أما أخالك فبفتح الهمزة وكسرها وهو أشهر ومعناه أظنك، والمبير المهلك، وقولها في الكذاب فرأيناه تعني به المحتار ابن أبي عبيد الثقفي كان شديد الكذب ومن أقبحه ادعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم يأتيه، واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المحتار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف والله أعلم
*2* باب فضل فارس
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جَعْفَرٍ الْجَزَرِيّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ الدّينُ عِنْدَ الثّرَيّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِس. حَتّىَ يَتَنَاوَلَهُ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنّا جُلُوساً عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ. فَلَمّا قَرَأَ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} (الجمعة 3). قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا رَسُولَ اللّهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. حَتّىَ سَأَلَهُ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً. قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ. قَالَ:فَوَضَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَىَ سَلْمَانَ، ثُمّ قَالَ: "لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثّرَيّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ".
فيه فضيلة ظاهرة لهم وجواز استعمال المجاز والمبالغة في مواضعها
*2* باب قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة، لا تجد فيها راحلة"
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللّفْظُ لِمُحَمّدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَجِدُونَ النّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ، لاَ يَجِدُ الرّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً".
قال ابن قتيبة: الراحلة النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره فهي كاملة الأوصاف فإذا كانت في إبل عرفت، قال: ومعنى الحديث أن الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل في النسب بل هم أشباه كالإبل المائة. وقال الأزهري: الراحلة عند العرب الجمل النجيب والناقة النجيبة، قال: والهاء فيها للمبالغة كما يقال رجل فهامة ونسابة، قال: والمعنى الذي ذكره ابن قتيبة غلط بل معنى الحديث أن الزاهد في الدنيا الكامل في الزهد فيها والرغبة في الاَخرة قليل جداً كقلة الراحلة في الإبل، هذا كلام الأزهري وهو أجود من كلام ابن قتيبة، وأجود منهما قول آخرين أن معناه المرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف الحسن المنظر القوي على الأحمال والأسفار، سميت راحلة لأنها ترحل أي يجعل عليها الرحل فهي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية أي مرضية ونظائره.