كتاب القدر
 كتاب القدر
*3*) باب كيفية الخلق الاَدمي، في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي وَ أَبُو مُعَاوِيَة وَ وَكِيعٌ. قَالُوا: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قال: حَدّثَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الصّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً. ثُمّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرّوحَ. وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوَالّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ حَتّىَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاّ ذِرَاعٌ. فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ. فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ. فَيَدْخُلُهَا. وَإِنّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ. حَتّىَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاّ ذِرَاعٌ. فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ. فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ. فَيَدْخُلُهَا".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحمِيدِ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيْسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَاه عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجّاجِ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: "إِنّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً". وَقَالَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ: "أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً". وَأَمّا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ وَعِيسَىَ: "أَرْبَعِينَ يَوْماً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ نُمَيْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، يَبْلُغُ بِهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَىَ النّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرّ فِي الرّحِمِ بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. فَيَقُولُ: يَا رَبّ أَشَقِيّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَىَ؟ فَيُكْتَبَانِ. وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ. ثُمّ تُطْوَىَ الصّحُفُ. فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزّبَيْرُ الْمَكّيّ أَنّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: الشّقِيّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمّهِ وَالسّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. فَأَتَىَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يُقَالُ لَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِيّ. فَحَدّثَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَكَيْفَ يَشْقَىَ رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ: أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا مَرّ بِالنّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللّهُ إِلَيْهَا مَلَكاً. فَصَوّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا. ثُمّ قَالَ: يَا رَبّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَىَ؟ فَيَقْضِي رَبّكَ مَا شَاءَ. وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ. ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ أَجَلُهُ. فَيَقُولُ رَبّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ. ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ رِزْقُهُ. فَيَقْضِي رَبّكَ مَا شَاءَ. وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ. ثُمّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصّحِيفَةِ فِي يَدِهِ. فَلاَ يَزِيدُ عَلَىَ مَا أُمِرَ وَلاَ يَنْقُصُ".
حدّثنا أَحْمَدُبْنُ عُثْمَانَ النّوْفَلِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْحٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّ أَبَا الطّفَيْلِ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُود يَقُولُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي بُكَيرٍ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ. حدّثنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَطَاءٍ أَنّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ حَدّثَهُا أَنّ أَبَا الطّفَيْلِ حَدّثَهُ قال: دَخَلْتُ عَلَىَ أَبِي سَرِيحَةَ، حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُذُنَيّ هَاتَيْنِ، يَقُولُ: "إِنّ النّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. ثُمّ يَتَصَوّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ". قَالَ زُهَيْرٌ: حَسِبْتُهُ قَالَ: الّذِي يَخْلُقُهَا: "فَيَقُولُ: يَا رَبّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَىَ؟ فَيَجْعَلُهُ اللّهُ ذَكَراً أَوْ أُنْثَىَ. ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ أَسَوِيّ أَوْ غَيْرُ سَوِيَ؟ فَيَجْعَلُهُ اللّهُ سَوِيّا أَوْ غَيْرَ سَوِيَ. ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ مَا رِزْقُهُ؟ مَا أَجَلُهُ؟ مَا خُلُقُهُ؟ ثُمّ يَجْعَلُهُ اللّهُ شَقِيّا أَوْ سَعِيداً".
حدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ. حَدّثَنِي أَبِي، كُلْثُومٌ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيّ، صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنّ مَلَكاً مُوَكّلاً بِالرّحِمِ. إِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئاً بِإِذْنِ اللّهِ، لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً". ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
حدّثني أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَرَفَعَ الْحَدِيثَ أَنّهُ قَالَ: "إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَكّلَ بِالرّحِمِ مَلَكاً. فَيَقُولُ أَيْ رَبّ نُطْفَةٌ. أَيْ رَبّ عَلَقَةٌ. أَيْ رَبّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقاً قَالَ: قَالَ الْمَلَكُ: أَيْ رَبّ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَىَ؟ شَقِيّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمّهِ".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَلِيَ، قَالَ: كُنّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ. وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ. فَنَكّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ. ثُمّ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلاّ وَقَدْ كَتَبَ اللّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ. وَإِلاّ وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيّةً أَوْ سَعِيدَةً" قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلاَ نَمْكُثُ عَلَىَ كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ "مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَىَ عَمَلِ أَهْلِ السّعَادَةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَىَ عَمَلِ أَهْلِ الشّقَاوَةِ". فَقَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ. أَمّا أَهْلُ السّعَادَةِ فَيُيَسّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السّعَادَةِ. وَأَمّا أَهْلُ الشّقَاوَةِ فَيُيَسّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشّقَاوَةِ". ثُمّ قَرَأَ: {فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ وَكَذّبِ بِالْحُسْنَىَ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ} (الليل الاَيات: 5 ).
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ: فَأَخَذَ عُوْداً. وَلَمْ يَقُلْ: مِخْصَرَةً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ: ثُمّ قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ، عَنْ عَلِيَ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلاّ وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلاَ نَتّكِلُ؟ قَالَ: "لاَ. اعْمَلُوا، فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ". ثُمّ قَرَأَ: {فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ} إِلَىَ قوله: {فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ} (الليل الاَيات: 5 ).
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ وَ الأَعْمَشِ أَنّهُمَا سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدّثُهُ عَنْ أَبِي عَبْدَ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ، عَنْ عَلِيَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِهِ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بَيّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنّا خُلِقْنَا الاَنَ. فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ أَفِيمَا جَفّتْ بِهِ الأَقْلاَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ: "لاَ. بَلْ فِيمَا جَفّتْ بِهِ الأَقْلاَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ" قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟.
قَالَ زُهَيْرٌ: ثُمّ تَكَلّمَ أَبُو الزّبَيْرِ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ. فَسَأَلْتُ: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الّلهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْمَعْنَىَ. وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ عَامِلٍ مُيَسّرٌ لِعَمَلِهِ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ الضّبَعِيّ. حَدّثَنَا مُطَرّفٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنّةِ مِنْ أَهْلِ النّارِ؟ قَالَ: فَقَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ "كُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. كُلّهُمْ عَنْ يَزِيدَ الرّشْكِ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ حَمّادٍ. وفي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدّئِليّ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَىَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرِ مَا سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيّهُمْ وَثَبَتَتِ الْحُجّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ علَيْهِمْ، وَمَضَىَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَقَالَ: أَفَلاَ يَكُونُ ظُلْماً؟ قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعاً شَدِيداً. وَقُلْتُ: كُلّ شَيْءٍ خَلْقُ اللّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ. فَلاَ يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فَقَالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللّهُ إِنّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلاّ لأَحْزِرَ عَقْلَكَ. إِنّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النّاسُ الْيَوْمَ، وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَىَ فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: "لاَ. بَلَ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَىَ فِيهِمْ. وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}" (الشمس الاَيتان: 7 و 8).
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ الزّمَنَ الطّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ، ثُمّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ. وَإِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ الزّمَنَ الطّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ، ثُمّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النّارِ. وَإِنّ الرّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ".
قوله: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم تكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم تكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) أما قوله: (الصادق المصدوق) فمعناه الصادق في قوله المصدوق فيما يأتي من الوحي الكريم، وأما قوله: (إن أحدكم) فبكسر الهمزة على حكاية لفظه صلى الله عليه وسلم. قوله: (بكتب رزقه) هو بالباء الموحدة في أوله على البدل من أربع، وقوله: (شقي أو سعيد) مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي وهو شقي أو سعيد. قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "ثم يرسل الملك" ظاهره أن إرساله يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وفي الرواية التي بعد هذه: "يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أم سعيد؟" وفي الرواية الثالثة: "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها". وفي رواية حذيفة بن أسيد: (إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك) وفي رواية: (إن ملكاً موكلاً بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئاً بإذن الله لبضع وأربعين ليلة) وذكر الحديث. وفي رواية أنس: (أن الله قد وكل بالرحم ملكاً فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة) قال العلماء: طريق الجمع بين هذه الروايات أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة وأنه يقول يا رب هذه علقة هذه مضغة في أوقاتها، فكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى وهو أعلم سبحانه. ولكلام الملك وتصرفه أوقات: أحدها: حين يخلقها الله تعالى نطفة ثم ينقلها علقة وهو أول علم الملك بأنه ولد لأنه ليس كل نطفة تصير ولداً وذلك عقب الأربعين الأولى وحينئذٍ يكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته، ثم للملك فيه تصرف آخر في وقت آخر وهو تصويره وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه وكونه ذكراً أم أنثى وذلك إنما يكون في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة وقبل انقضاء هذه الأربعين وقبل نفخ الروح فيه لأن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام صورته. وأما قوله في إحدى الروايات: فإذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك وذكر رزقه. فقال القاضي وغيره: ليس هو على ظاهره ولا يصح حمله على ظاهره، بل المراد بتصويرها وخلق سمعها إلى آخره أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة كما قال الله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً} ثم يكون للملك فيه تصوير آخر وهو وقت نفخ الروح عقب الأربعين الثالثة حين يكمل له أربعة أشهر. واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر، ووقع في رواية للبخاري: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه، فقوله ثم يبعث بحرف ثم يقتضي تأخير كتب الملك هذه الأمور إلى ما بعد الأربعين الثالثة، والأحاديث الباقية تقتضي الكتب بعد الأربعين الأولى، وجوابه أن قوله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن فيكتب معطوف على قوله يجمع في بطن أمه ومتعلق به لا بما قبله وهو قوله ثم يكون مضغة مثله، ويكون قوله ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله معترضاً بين المعطوف والمعطوف عليه وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وغيره من كلام العرب قال القاضي وغيره: والمراد بإرسال الملك في هذه الأشياء أمره بها وبالتصرف فيها بهذه الأفعال وإلا فقد صرح في الحديث بأنه موكل بالرحم وأنه يقول يا رب نطفة يا رب علقة. قال القاضي: وقوله في حديث أنس وإذا أراد الله أن يقضي خلقاً قال يا رب أذكر أم أنثى شقي أم سعيد؟ لا يخالف ما قدمناه ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة بل ابتداء للكلام وإخبار عن حالة أخرى، فأخبر أولاً بحال الملك مع النطفة، ثم أخبر أن الله تعالى إذا أراد إظهار خلق النطفة علقة كان كذا وكذا، ثم المراد بجميع ما ذكر من الرزق والأجل والشقاوة والسعادة والعمل والذكورة والأنوثة أنه يظهر ذلك للملك ويأمره بإنفاذه وكتابته، وإلا فقضاء الله تعالى سابق على ذلك، وعلمه وإرادته لكل ذلك موجود في الأزل والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فوالذي لا إلَه غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار الخ" المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه، وأن تلك الدار ما بقي بينه وبين أن يصلها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع، والمراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس لا أنه غالب فيهم، ثم أنه من لطف الله تعالى وسعة رحمته انقلاب الناس من الشر إلى الخير في كثرة، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور ونهاية القلة وهو نحو قوله تعالى: {إن رحمتي سبقت غضبي وغلبت غضبي}، ويدخل في هذا من انقلب إلى عمل النار بكفر أو معصية لكن يختلفان في التخليد وعدمه، فالكافر يخلد في النار والعاصي الذي مات موحداً لا يخلد فيها كما سبق تقريره، وفي هذا الحديث تصريح بإثبات القدر وأن التوبة تهدم الذنوب قبلها، وأن من مات على شيء حكم له به من خير أو شر إلا أن أصحاب المعاصي غير الكفر في المشيئة والله أعلم.
قوله: (عن حذيفة بن أسيد) هو بفتح الهمزة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فيقول يا رب أشقي أو سعيد فيكتبان فيقول أي رب أذكر أو أنثى فيكتبان" يكتبان في الموضعين بضم أوله ومعناه يكتب أحدهما.
قوله: (دخلت على أبي سريحة) هو بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالحاء المهملة. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتصور عليها الملك" هكذا هو في جميع نسخ بلادنا يتصور بالصاد، وذكر القاضي يتسور بالسين قال: والمراد بيتسور ينزل وهو استعارة من تسورت الدار إذا نزلت فيها من أعلاها ولا يكون التسور إلا من فوق فيحتمل أن تكون الصاد الواقعة في نسخ بلادنا مبدلة من السين والله أعلم.
قوله: (فنكس فجعل ينكت بمخصرته) أما نكس فبتخفيف الكاف وتشديدها لغتان فصيحتان، يقال نكسه ينكسه فهو ناكس كقتله يقتله فهو قاتل، ونكسه ينكسه تنكيساً فهو منكس أي خفض رأسه وطأطأ إلى الأرض على هيئة المهموم. وقوله: ينكت بفتح الياء وضم الكاف وآخره تاء مثناة فوق أي يخط بها خطاً يسيراً مرة بعد مرة وهذا فعل المفكر المهموم، والمخصرة بكسر الميم ما أخذه الإنسان بيده واختصره من عصا لطيفة وعكاز لطيف وغيرهما، وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره، خيرها وشرها نفعها وضرها، وقد سبق في أول كتاب الإيمان قطعة صالحة من هذا قال الله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} فهو ملك لله تعالى يفعل ما يشاء ولا اعتراض على المالك في ملكه، ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله. قال الإمام أبو المظفر السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء النفس ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب، لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربتمن دونها الأستار، اختص الله به وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وقيل إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها والله أعلم. وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره، ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعملهم كما قال: فسنيسره لليسرى وللعسرى، وكما صرحت به هذه الأحاديث.
قوله: (جفت به الأقلام) أي مضت به المقادير وسبق علم الله تعالى به وتمت كتابته في اللوح المحفوظ وجف القلم الذي كتب به وامتنعت فيه الزيادة والنقصان. قال العلماء: وكتاب الله تعالى ولوحه وقلمه والصحف المذكورة في الأحاديث كل ذلك مما يجب الإيمان به، وأما كيفية ذلك وصفته فعلمها إلى الله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء والله أعلم.
قوله: (ما يعمل الناس ويكدحون فيه) أي يسعون، والكدح هو السعي في العمل سواء كان للاَخرة أم للدنيا. قوله: (لأحزر عقلك) أي لأمتحن عقلك وفهمك ومعرفتك والله أعلم
*2* باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ حَاتِمٍ وَابْنِ دِينَارٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجّ آدَمُ وَمُوسَىَ. فَقَالَ مُوسَىَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا. خَيّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَىَ. اصْطَفَاكَ اللّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَىَ أَمْرٍ قَدّرَهُ اللّهُ عَلَيّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟" فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "فَحَجّ آدَمُ مُوسَىَ. فَحَجّ آدَمُ مُوسَىَ".
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَابْنِ عَبْدَةَ. قَالَ أَحَدُهُمَا: خَطّ. وَقَالَ الاَخَرُ: كَتَبَ لَكَ التّوْرَاةَ بِيَدِهِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَحَاجّ آدَمُ وَمُوسَىَ. فَحَجّ آدَمُ مُوسَىَ. فَقَالَ لَهُ مُوسَىَ: أَنْتَ آدَمُ الّذِي أَغْوَيْتَ النّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ الّذِي أَعْطَاهُ اللّهُ عِلْمَ كُلّ شَيْءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَىَ النّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَلُومُنِي عَلَىَ أَمْرٍ قُدّرَ عَلَيّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مُوسَىَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُوسَىَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ هُرْمُزَ) وَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجّ آدَمُ وَمُوسَىَ عَلَيْهِمَا السّلاَمُ عِنْدَ رَبّهِمَا. فَحَجّ آدَمُ مُوسَىَ. قَالَ مُوسَىَ: أَنْتَ آدَمُ الّذِي خَلَقَكَ اللّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنّتِهِ، ثُمّ أَهْبَطْتَ النّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَىَ الأَرْضِ؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَىَ الّذِي اصْطَفَاكَ اللّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ. وَأَعْطَاكَ الأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلّ شَيْءٍ، وَقَرّبَكَ نَجِيّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللّهَ كَتَبَ التّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَىَ: بِأَرْبَعِينَ عَاماً. قَالَ آدَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا: {وَعَصَىَ آدَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ}؟ (طه الاَية: 1). قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَىَ أَنْ عَمِلْتُ عَمَلاً كَتَبَهُ اللّهُ عَلَيّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟" قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَحَجّ آدَمُ مُوسَىَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ حَاتِمٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجّ آدَمُ وَمُوسَىَ. فَقَالَ لَهُ مُوسَىَ: أَنْتَ آدَمُ الّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنّةِ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَىَ الّذِي اصْطَفَاكَ اللّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ، ثُمّ تَلُومُنِي عَلَىَ أَمْرٍ قَدْ قُدّرَ عَلَيّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَحَجّ آدَمُ مُوسَىَ".
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا أَيّوبُ بْنُ النّجّارِ الْيَمَامِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَىَ حَدِيثِهِمْ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضّرِيرُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسّانَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلاَنِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبَلِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كَتَبَ اللّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَىَ الْمَاءِ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا الْمُقْرِئُ. حَدّثَنَا حَيْوَةُ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا نَافِعٌ (يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ). كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي هَانِئٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ غَيْرَ أَنّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى" قال أبو الحسن القابسي: التقت أرواحهما في السماء فوقع الحجاج بينهما، قال القاضي عياض: ويحتمل أنه على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما، وقد ثبت في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في السموات وفي بيت المقدس وصلى بهم، قال: فلا يبعد أن الله تعالى أحياهم كما جاء في الشهداء، قال: ويحتمل أن ذلك جرى في حياة موسى سأل الله تعالى أن يريه آدم فحاجه. قوله صلى الله عليه وسلم: ("فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة" وفي رواية: "أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة" وفي رواية: "أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض". معنى خيبتنا أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران، وقد خاب يخيب ويخوب ومعناه كنت سبب خيبتنا وإغوائنا بالخطيئة التي ترتب عليها إخراجك من الجنة ثم تعرضنا نحن لإغواء الشياطين، والغي الانهماك في الشر، وفيه جواز إطلاق الشيء على سببه، وفيه ذكر الجنة وهي موجودة من قبل آدم هذا مذهب أهل الحق. قوله: (اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده) في اليد هنا المذهبان السابقان في كتاب الإيمان ومواضع في أحاديث الصفات: أحدهما الإيمان بها ولا يتعرض لتأويلها مع أن ظاهرها غير مراد. والثاني في تأويلها على القدرة، ومعنى اصطفاك أي اختصك وآثرك بذلك. قوله: (أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة) المراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ وفي صحف التوراة وألواحها أي كتبه علي قبل خلقي بأربعين سنة، وقد صرح بهذا في الرواية التي بعد هذه فقال: (بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين سنة، قال: أتلومني على أن عملت عملاً كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة)؟ فهذه الرواية مصرحة ببيان المراد بالتقدير ولا يجوز أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم الله تعالى وما قدره على عباده وأراد من خلقه أزلي لا أول له، ولم يزل سبحانه مريداً لما أراده من خلقه من طاعة ومعصية وخير وشر. قوله صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى" هكذا الرواية في جميع كتب الحديث باتفاق الناقلين والرواة والشراح وأهل الغريب فحج آدم موسى برفع آدم وهو فاعل أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها، ومعنى كلام آدم أنك يا موسى تعلم أن هذا كتب علي قبل أن أخلق وقدر علي فلا بد من وقوعه، ولو حرصت أنا والخلائق أجمعون على رد مثقال ذرة منه لم نقدر فلم تلومني على ذلك؟ ولأن اللوم على الذنب شرعي لا عقلي، وإذ تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجاً بالشرع، فإن قيل: فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقاً فيما قاله. فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" قال العلماء: المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره لا أصل التقدير فإن ذلك أزلي لا أول له، وقوله: (وعرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات والأرض والله أعلم
*2* باب تصريف اللّه تعالى القلوب كيف شاء
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. كِلاَهُمَا عَنِ الْمُقْرِئُ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ. قَالَ: حَدّثَنَا حَيْوَةُ. أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبَلِيّ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرّحْمَنِ. كَقَلْبٍ وَاحِدٍ. يُصَرّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ". ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ مُصَرّفَ الْقُلُوبِ صَرّفْ قُلُوبَنَا عَلَىَ طَاعَتِكَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" هذا من أحاديث الصفات وفيها القولان السابقان قريباً: أحدهما الإيمان بها من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى بل يؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء} والثاني: يتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا المراد المجاز كما يقال فلان في قبضتي وفي كفي لا يراد به أنه حال في كفه بل المراد تحت قدرتي، ويقال فلان بين أصبعي أقلبه كيف شئت أي أنه مني على قهره والتصرف فيه كيف شئت، فمعنى الحديث أنه سبحانه وتعالى متصرف في قلوب عباده وغيرها كيف شاء، لا يمتنع عليه منها شيء ولا يفوته ما أراده، كما لا يمتنع على الإنسان ما كان بين إصبعيه، فخاطب العرب بما يفهمونه ومثله بالمعاني الحسية تأكيداً له في نفوسهم. قإن قيل: فقدرة الله تعالى واحدة والإصبعان للتثنية. فالجواب أنه قد سبق أن هذا مجاز واستعارة فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه غير مقصود به التثنية والجمع والله أعلم
*2* باب كل شيء بقدر
*حدّثني عَبْدُ الأَعْلَىَ بْنُ حَمّادٍ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ أَنّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: كُلّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ. حَتّىَ الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ. أَوِ الْكَيْسُ وَالْعجْزُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: جَاء مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَدَرِ. فَنَزَلَتْ: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسّ سَقَرَ إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر الاَيتان: و).
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو قال الكيس والعجز" قال القاضي: رويناه برفع العجز والكيس عطفاً على كل وبجرهما عطفاً على شيء، قال: ويحتمل أن العجز هنا على ظاهره وهو عدم القدرة، وقيل هو ترك ما يجب فعله والتسويف به وتأخيره عن وقته، قال: ويحتمل العجز عن الطاعات، ويحتمل العموم في أمور الدنيا والاَخرة، والكيس ضد العجز وهو النشاط والحذق بالأمور، ومعناه أن العاجز قد قدر عجزه، والكيس قد قدر كيسه.
قوله: (جاء مشركو قريش يخاصمون في القدر فنزلت: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر}) المراد بالقدر هنا القدر المعروف وهو ما قدر الله وقضاه وسبق به علمه وإرادته، وأشار الباجي إلا خلاف هذا وليس كما قال، وفي هذه الاَية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شيء فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله مراد له
*2* باب قدر علي ابن آدم حظه من الزنى وغيره
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (وَاللّفْظ لإِسْحَقَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَشْبَهَ بِاللّمَمِ مِمّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ اللّهَ كَتَبَ عَلَىَ ابْنِ آدَمَ حَظّهُ مِنَ الزّنَى. مُدْرِكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ. فَزنَى الْعَيْنَيْنِ النّظَرُ. وَزِنَى اللّسَانِ النّطْقُ وَالنّفْسُ تَمَنّىَ وَتَشْتَهِي. وَالْفَرْجُ يُصَدّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذّبُهُ".
قَالَ عَبْدٌ فِي رِوَايَتِهِ: ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ. سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُتِبَ عَلَىَ ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزّنَى. مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ. فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النّظَرُ. وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ. وَاللّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ. وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ. وَالرّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا. وَالْقَلْبُ يَهْوَىَ وَيَتَمَنّىَ. وَيُصَدّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذّبُهُ".
قوله: (ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) وفي الرواية الثانية "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه" معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا فمنهم من يكون زناه حقيقياً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنا المجازي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه، معناه أنه قد يحقق الزنا بالفرج، وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك والله أعلم وأما قول ابن عباس: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة فمعناه تفسير قوله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} ومعنى الاَية والله أعلم الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم يغفر لهم اللمم كما في قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} فمعنى الاَيتين أن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر وهي اللمم. وفسره ابن عباس بما في هذا الحديث من النظر واللمس ونحوهما وهي كما قال هذا هو الصحيح في تفسير اللمم، وقيل أن يلم بالشيء ولا يفعله، وقيل الميل إلى الذنب ولا يصر عليه، وقيل غير ذلك مما ليس بظاهر، وأصل اللمم والإلمام الميل إلى الشيء وطلبه من غير مداومة والله أعلم
*2* باب كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين
*حدّثنا حَاجبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزّبَيْدِيّ، عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ. كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ. هَلْ تُحِسّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟" ثُمّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ} الاَية (الروم الاَية: ).
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. كِلاَهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ "كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً". وَلَمْ يَذْكُرْ: جَمْعَاءَ.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَيسَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ". ثُمّ يَقُولُ: اقْرَأُوا: {فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ} (الروم الاَية: ).
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُلِدَ عَلَىَ الْفِطْرَةِ. فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُشَرّكَانِهِ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟" قَالَ "اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
في حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ وَهُوَ عَلَىَ الْمِلّةِ".
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ "إِلاّ عَلَىَ هَذِهِ الْمِلّةِ، حَتّىَ يُبَيّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ".
وَفِي رِوَايَة: أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ "لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاّ عَلَىَ هَذِهِ الْفِطْرَةِ. حَتّىَ يُعَبّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ يُولَدُ يُولَدُ عَلَىَ هَذا الْفِطْرَةِ. فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ. كَمَا تَنْتِجُونَ الإِبِلَ. فَهَلْ تَجِدُونَ فِيهَا جَدْعَاءَ؟ حَتّىَ تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيراً؟ قَالَ "اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمّهُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ. وَأَبَوَاهُ، بَعْدُ، يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ. فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ. كُلّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمّهُ يَلْكُزُهُ الشّيْطَانُ فِي حِضْنَيْهِ، إِلاّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا".
حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ. فَقَالَ: "اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ. ح وَحَدّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ (وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللّهِ). كُلّهُمْ عَنِ الزّهرِيّ. بِإِسْنَادِ يُونُسَ وَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ شُعَيْبٍ وَمَعْقِلٍ: سُئِلَ عَنْ ذَرَارِيّ الْمُشْرِكِينَ.
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ. مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ صَغِيراً. فَقَالَ "اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: "اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، إِذْ خَلَقَهُمْ".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَسْقَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْغُلاَمَ الّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِراً. وَلَوْ عَاشَ لأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَاناً وَكُفْراً".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ فُضَيْلِ ابْنِ عَمْرِو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: تُوُفّيَ صَبِيّ. فَقُلْتُ: طُوبَىَ لَهُ. عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ لاَ تَدْرِينَ أَنّ اللّهَ خَلَقَ الْجَنّةَ وَخَلَقَ النّارَ. فَخَلَقَ لِهَذِهِ أَهْلاً، وَلِهَذِهِ أَهْلاً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَىَ، عَنْ عَمّتِهِ، عَائِشَةَ بِنْتِ طَلحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: دُعِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَىَ جَنَازَةِ صَبِيَ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ طُوبَىَ لِهَذَا. عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنّةِ لَمْ يَعْمَلِ السّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ. قَالَ "أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ، يَا عَائِشَةُ إِنّ اللّهَ خَلَقَ لِلْجَنّةِ أَهْلاً. خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ. وَخَلَقَ لِلنّارِ أَهْلاً. خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ"..
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الصّبّاحِ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيّاءَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَىَ. ح وَحَدّثنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبِدٍ. حَدّثَنَا الْحَسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ. ح وَحَدّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ يُوسُفَ. كِلاَهِمَا عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَىَ. بِإِسْنَادِ وَكِيعٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} الاَية" وفي رواية: "ما من مولود يولد إلا وهو على الملة" وفي رواية: "ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه، قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيراً؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين" وفي رواية: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً" وفي حديث عائشة: (توفي صبي من الأنصار فقالت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة أن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم). أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفاً، وتوقف فيه بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا. وأجاب العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع، كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله: أعطه إني لأراه مؤمناً، قال: أو مسلماً؟ الحديث. ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة، فلما علم قال ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" وغير ذلك من الأحاديث والله أعلم. وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب، قال الأكثرون هم في النار تبعاً لاَبائهم وتوقفت طائفة فيهم، والثالث هو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة، ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم (حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس قالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين) رواه البخاري في صحيحه. ومنها قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} ولا يتوجه على المولود التكليف ويلزمه قول الرسول حتى يبلغ وهذا متفق عليه والله أعلم. وأما الفطرة المذكورة في هذه الأحاديث فقال المازري: قيل هي ما أخذ عليهم في أصلاب آبائهم وأن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين، وقيل هي ما قضي عليه من سعادة أو شقاوة يصير إليها، وقيل هي ما هيء له، هذا كلام المازري. وقال أبو عبيد: سألت محمد بن الحسن عن هذا الحديث فقال: كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الأمر بالجهاد. وقال أبو عبيد: كأنه يعني أنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل أن يهوده أبواه أو ينصرانه لم يرثهما ولم يرثاه لأنه مسلم وهما كافران ولما جاز أن يسبى، فلما فرضت الفرائض وتقررت السنن على خلاف ذلك علم أنه يولد على دينهما. وقال ابن المبارك: يولد على ما يصير إليه من سعادة أو شقاوة، فمن علم الله تعالى أنه يصير مسلماً ولد على فطرة الإسلام، ومن علم أنه يصير كافراً ولد على الكفر، وقيل معناه كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به، فليس أحد يولد إلا وهو يقر بأن له صانعاً وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره، والأصح أن معناه أن كل مولود يولد متهيئاً للإسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً استمر على الإسلام في أحكام الاَخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا، وهذا معنى يهودانه وينصرانه ويمجسانه أي يحكم له بحكمهما في الدنيا، فإن بلغ استمر عليه حكم الكفر ودينهما، فإن كانت سبقت له سعادة أسلم وإلا مات على كفره، وإن مات قبل بلوغه فهل هو من أهل الجنة أم النار أم يتوقف فيه؟ ففيه المذاهب الثلاثة السابقة قريباً الأصح أنه من أهل الجنة، والجواب عن حديث الله أعلم بما كانوا عاملين أنه ليس فيه تصريح بأنهم في النار، وحقيقة لفظه الله أعلم بما كانوا يعملون لو بلغوا ولم يبلغوا إذ التكليف لا يكون إلا بالبلوغ، وأما غلام الخضر فيجب تأويله قطعاً لأن أبويه كانا مؤمنين فيكون هو مسلماً فيتأول على أن معناه أن الله أعلم أنه لو بلغ لكان كافراً لا أنه كافر في الحال، ولا يجري عليه في الحال أحكام الكفار والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "كما تنتج البهيمة بهيمة" فهو بضم التاء الأولى وفتح الثانية ورفع البهيمة ونصب بهيمة ومعناه كما تلد البهيمة بهيمة (جمعاء) بالمد أي مجتمعة الأعضاء سليمة من نقص لا توجد فيها جدعاء بالمد وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء، ومعناه أن البهيمة تلد البهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث زهير بن حرب: "ما من مولود إلا يلد على الفطرة" هكذا هو في جميع النسخ يلد بضم الياء المثناة تحت وكسر اللام على وزن ضرب، حكاه القاضي عن رواية السمرقندي قال: وهو صحيح على إبدال الواو ياء لانضمامها، قال: وقد ذكر الهجري في نوادره يقال ولد ويلد بمعنى، قال القاضي: ورواه غير السمرقندي يولد والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها" هكذا هو في جميع النسخ في حضنيه بحاء مهملة مكسورة ثم ضاد معجمة ثم نون ثم ياء تثنية حضن وهو الجنب وقيل الخاصرة. قال القاضي: ورواه ابن ماهان خصييه بالخاء المعجمة والصاد المهملة وهو الأنثيان، قال القاضي: وأظن هذا وهما بدليل قوله إلا مريم وابنها، وسبق شرح هذا الحديث في كتاب الفضائل، وسبق ذكر الغلام الذي قتله الخضر في فضائل الخضر.
قوله: (عن رقبة بن مسقلة) هكذا هو في جميع النسخ مسقلة بالسين وهو صحيح يقال بالسين والصاد. وفي قوله صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما كانوا عاملين بيان لمذهب أهل الحق أن الله علم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون وقد سبق بيان نظائره من القرآن والحديث
*2* باب بيان أن الاَجال والأرزاق وغيرها، لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْيَشْكُرِيّ، عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: قَالَتْ أُمّ حَبِيبَةَ، زَوْجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَبِأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ. وَبِأَخِي، مُعَاوِيَةَ. قَالَ: فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ سَأَلْتِ اللّهِ لاَِجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ. لَنْ يُعَجّلَ شَيْئاً قَبْلَ حِلّهِ. أَوْ يُؤَخّرَ شَيْئاً عَنْ حِلّهِ. وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللّهِ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْراً وَأَفْضَلَ".
قَالَ وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدةُ. قَالَ مِسْعَرٌ: وَأُرَاهُ قَالَ وَالْخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ. فَقَالَ "إِنّ اللّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلاً وَلاَ عَقِباً. وَقَدْ كَانَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ".
حدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ بَشْرٍ وَوَكِيعٍ جَمِيعاً "مِنْ عَذَابٍ فِي النّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ وَاللّفْظُ لِحَجّاجٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ حَجّاجٌ: حَدّثَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا الثّوْرِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْيَشْكُرِيّ، عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَتْ أُمّ حَبِيبَةَ: اللّهُمّ مَتّعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَبِأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ. وَبِأَخِيِ، مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّكِ سَأَلْتِ اللّهَ لاَجَالٍ مَضْرَوَبةٍ، وَآثَارٍ مَوْطوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ. لاَ يُعَجّلُ شَيْئاً مِنْهَا قَبْلَ حَلّهِ. وَلاَ يُؤَخّرُ مِنْهَا شَيْئاً بَعْدَ حِلّهِ. وَلَوْ سَأَلْتِ اللّهِ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النّارِ، وَعَذَابِ فِي الْقَبْرِ، لَكَانَ خَيْراً لَكِ".
قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ الْقِرْدَةُ وَالْخَنَازِيرُ، هِيَ مِمّا مُسِخَ؟ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِنّ اللّهِ عَزّ وَجَلّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْماً، أَوْ يُعَذّبْ قَوْماً، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلاً. وَإِنّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانوا قَبْلَ ذَلَكَ".
حَدّثَنِيهِ أَبُو دَاوُدَ، سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "وَآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ".
قَالَ ابْنُ مَعْبَدٍ: وَرَوَىَ بَعْضُهُمْ "قَبْلَ حَلّهِ" أَيْ نُزُولِهِ.
قوله: (قالت أم حبيبة اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد سألت الله عز وجل لاَجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة، ولن يعجل شيئاً قبل حله أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل) أما حله فضبطناه بوجهين فتح الحاء وكسرها في المواضع الخمسة من هذه الروايات، وذكر القاضي أن جميع الرواة على الفتح ومراده رواة بلادهم وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر وهما لغتان ومعناه وجوبه، وحينه يقال حل الأجل يحل حلاً وحلاً، وهذا الحديث صريح في أن الاَجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك. وأما ما ورد في حديث صلة الرحم تزيد في العمر ونظائره فقد سبق تأويله في باب صلة الأرحام واضحاً. قال المازري: هنا قد تقرر بالدلائل القطعية أن الله تعالى أعلم بالاَجال والأرزاق وغيرها، وحقيقة العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه، فإذا علم الله تعالى أن زيداً يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها لئلا ينقلب العلم جهلاً فاستحال أن الاَجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص، فيتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكله الله بقبض الأرواح وأمره فيها بآجال ممدودة، فإنه بعد أن يأمره بذلك أو يثبته في اللوح المحفوظ ينقص منه ويزيد على حسب ما سبق به علمه في الأزل وهو معنى قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} وعلى ما ذكرناه يحمل قوله تعالى: ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده. واعلم أن مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله، وقالت المعتزلة: قطع أجله والله أعلم. فإن قيل: ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروغ منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب مع أنه مفروغ منه أيضاً كالأجل؟ فالجواب: أن الجميع مفروغ منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة، وقد أمر الشرع بالعبادات فقيل أفلا نتكل على كتابنا وما سبق لنا من القدر؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة، وكما لا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالاً على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك" أي قبل مسخ بني إسرائيل فدل على أنها ليست من المسخ وجاء كانوا بضمير العقلاء مجازاً لكونه جرى في الكلام ما يقتضي مشاركتها للعقلاء كما في قوله تعالى: {رأيتهم لي ساجدين} و{كل في فلك يسبحون}
*2* باب في الأمر بالقوة وترك العجز. والاستعانة باللّهِ، وتفويض المقادير للّه
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَىَ بْنِ حَبّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيّ خَيْرٌ وَأَحَبّ إِلَىَ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضّعِيفِ. وَفِي كُلَ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَىَ مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنّي فَعَلْتُ كذا لم يُصبني كذا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللّهِ. وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشّيْطَانِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الاَخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلباً لها ومحافظة عليها ونحو ذلك. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي كل خير" فمعناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. قوله صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" أما احرص فبكسر الراء وتعجز بكسر الجيم وحكى فتحهما جميعاً، ومعناه احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن طلب الإعانة. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" قال القاضي عياض: قال بعض العلماء هذا النهي إنما هو لمن قاله معتقداً ذلك حتماً، وأنه لو فعل ذلك لم تصبه قطعاً، فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى بأنه لن يصيبه إلا ما شاء الله فليس من هذا، واستدل بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الغار: لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا. قال القاضي: وهذا لا حجة فيه لأنه إنما أخبر عن مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدر بعد وقوعه، قال: وكذا جميع ما ذكره البخاري في باب ما يجوز من اللو كحديث: "لولا حدثان عهد قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم" و: "لو كنت راجعاً بغير بينة لرجمت هذه" و: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" وشبه ذلك، فكله مستقبل لا اعتراض فيه على قدر فلا كراهة فيه، لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع وعما هو في قدرته، فأما ما ذهب فليس في قدرته، قال القاضي: فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي تنزيه ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لو تفتح عمل الشيطان" أي يلقى في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان هذا كلام القاضي. قلت: وقد جاء من استعمال لو في الماضي قوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" وغير ذلك، فالظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه فيكون نهي تنزيه لا تحريم، فأما من قاله تأسفاً على ما فات من طاعة الله تعالى أو ما هو متعذر عليه من ذلك ونحو هذا فلا بأس به وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث والله أعلم