كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار
 *1* كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار
*2* باب الحث على ذكر الله تعالى
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ). قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي. وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي. إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ. وَإِنْ تَقَرّبَ مِنّي شِبْراً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً. وَإِنْ تَقَرّبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ بَاعاً. وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "وَإِنْ تَقَرّبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ بَاعاً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ قَالَ: إِذَا تَلَقّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ، تَلَقّيْتُهُ بِذِرَاعٍ. وَإِذَا تَلَقّانِي بِذِرَاعٍ، تَلَقّيْتُهُ بِبَاعٍ. وَإِذَا تَلَقّانِي بِبَاعٍ، جِئْتُهُ أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ".
حدّثنا أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ(يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكّةَ. فَمَرّ عَلَىَ جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ. فَقَالَ: "سِيرُوا. هَذَا جُمْدَانُ. سَبَقَ الْمُفَرّدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "الذّاكِرُونَ اللّهَ كَثِيراً، وَالذّاكِرَاتُ".
قوله عز وجل: {أنا عند ظن عبدي بي} قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية، وقيل: المراد به الرجاء وتأميل العفو وهذا أصح. قوله تعالى: "وأنا معه حين يذكرني" أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية. وأما قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} فمعناه بالعلم والإحاطة. قوله تعالى: "إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" قال المازري: النفس تطلق في اللغة على معان: منها الدم ومنها نفس الحيوان وهما مستحيلان في حق الله تعالى، ومنها الذات والله تعالى له ذات حقيقة وهو المراد بقوله تعالى في نفسي، ومنها الغيب وهو أحد الأقوال في قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} أي ما في غيبي، فيجوز أن يكون أيضا مراد الحديث أي إذا ذكرني خاليا أثابه الله وجازاه عما عمل بما لا يطلع عليه أحد. قوله تعالى: "وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأهم خير منهم" هذا مما استدلت به المعتزلة ومن وافقهم على تفضيل الملائكة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين واحتجوا أيضا بقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} فالتقييد بالكثير احتراز من الملائكة، ومذهب أصحابنا وغيرهم أن الأنبياء أفضل من الملائكة لقوله تعالى في بني إسرائيل: {وفضلناهم على العالمين} والملائكة من العالمين، ويتأول هذا الحديث على أن الذاكرين غالبا يكونون طائفة لا نبي فيهم، فإذا ذكره الله تعالى في خلائق من الملائكة كانوا خيرا من تلك الطائفة. قوله تعالى: "وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره، وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة، وإن زاد زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه. قوله تعالى في رواية محمد بن جعفر: "وإذا تلقاني بباع جئته أتيته" هكذا هو في أكثر النسخ جئته أتيته، وفي بعضها جئته بأسرع فقط، وفي بعضها أتيته، وهاتان ظاهرتان والأول صحيح أيضا والجمع بينهما للتوكيد وهو حسن لا سيما عند اختلاف اللفظ والله أعلم. قوله: "جبل يقال له جمدان" هو بضم الجيم وإسكان الميم. قوله صلى الله عليه وسلم: "سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" هكذا الرواية فيه المفردون بفتح الفاء وكسر الراء المشددة، وهكذا نقله القاضي عن متقني شيوخهم، وذكر غيره أنه روي بتخفيفها وإسكان الفاء، يقال فرد الرجل وفرد بالتخفيف والتشديد وأفرد، وقد فسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذاكرين الله كثيرا والذاكرات تقديره والذاكراته فحذفت الهاء هنا كما حذفت في القرآن لمناسبة رؤوس الاَي ولأنه مفعول يجوز حذفه، وهذا التفسير هو مراد الحديث. قال ابن قتيبة وغيره: وأصل المفردين الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى، وجاء في رواية: هم الذين اهتزوا في ذكر الله أي لهجوا به. وقال ابن الأعرابي: يقال فرد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهي.
*2* باب في أسماء اللّه تعالى، وفضل من أحصاها
*حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو). حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "للّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْماً. مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنّةَ، وَإِنّ اللّهَ وِتْرٌ. يُحِبّ الْوِتْرَ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ "مَنْ أَحْصَاهَا".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ للّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً. مِائَةً إِلاّ وَاحِداً. مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ".
وزادَ هَمّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِنّهُ وِتْرٌ. يُحِبّ الْوِتْرَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة أنه وتر يجب الوتر" وفي رواية: "من حفظها دخل الجنة" قال الإمام أبو القاسم القشيري: فيه دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره لقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} قال الخطابي وغيره: وفيه دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه، وقد روي أن الله هو اسمه الأعظم، قال أبو القاسم الطبري: وإليه ينسب كل اسم له فيقال الرؤوف والكريم من أسماء الله تعالى ولا يقال من أسماء الرؤوف أو الكريم الله. واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الاَخر: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك" وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم، قال ابن العربي: وهذا قليل فيها والله أعلم. وأما تعيين هذه الأسماء فقد جاء في الترمذي وغيره في بعض أسمائه خلاف، وقيل إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم وليلة القدر ونظائرها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحصاها دخل الجنة" فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين: معناه حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل أحصاها عدها في الدعاء بها، وقيل أطاقها أي أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق بمعانيها، وقيل معناه العمل بها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً، وقال بعضهم: المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوف لها وهو ضعيف والصحيح الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر" الوتر الفرد ومعناه في حق الله تعالى الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى يحب الوتر تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمسا، والطهارة ثلاثا، والطواف سبعا، والسعي سبعا، ورمي الجمار سبعا، وأيام التشريق ثلاثا، والاستنجاء ثلاثا، وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق ونصاب الإبل وغير ذلك، وجعل كثيرا من عظيم مخلوقاته وترا منها السموات والأرضون والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك، وقيل: إن معناه منصرف إلى صفة من يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصا له والله أعلم.
*2* باب العزم بالدعاء، ولا يقل إن شئت
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ عُلَيّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدّعَاءِ. وَلاَ يَقُلِ: اللّهُمّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي. فَإِنّ اللّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ. وَلْيُعَظّمِ الرّغْبَةَ. فَإِنّ اللّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مُوسَىَ الأَنْصَارِيّ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدّثَنَا الْحَارِثُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذبَابٍ) عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمُ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. اللّهُمّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ. لِيَعْزِمْ فِي الدّعَاءِ. فَإِنّ اللّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقل اللهم إن شئت فأعطني فإن الله لا مستكره له" وفي رواية: "فإن الله صانع ما شاء لا مكره".
وفي رواية: "وليعزم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه" قال العلماء: عزم المسألة الشدة في طلبها والجزم من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها، وقيل: هو حسن الظن بالله تعالى في الإجابة، ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة، قال العلماء: سبب كراهته أنه لا يتحقق استعمال المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه والله تعالى منزه عن ذلك، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث فإنه لا مستكره له، وقيل: سبب الكراهة أن في هذا اللفظ صورة الاستغفاء على المطلوب والمطلوب منه. قوله: "عن عطاء بن مثنى" هو بالمد والقصر.
*2* باب كراهة تمني الموت، لضر نزل به
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَتَمَنّيَنّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرَ نَزَلَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ لاَ بُدّ مُتَمَنّياً فَلْيَقُلِ: اللّهُمّ أَحْيِني مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي".
حدّثنا ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ). كِلاَهُمَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "مِنْ ضُرَ أَصَابَهُ".
حدّثني حَامِدُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ النّضْرِ بْنِ أَنَسٍ وَأَنَسٌ يَوْمَئِذٍ حَيّ. قَالَ أَنَسٌ: لَوْلاَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَتَمَنّيَنّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ" لَتَمَنّيْتُهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ. قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىَ خَبّابٍ وَقَدِ اكْتَوَىَ سَبْعَ كَيّاتٍ فِي بَطْنِهِ. فَقَالَ: لَوْ مَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِهِ.
حدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَ وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَتَمَنّىَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ. وَإِنّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلاّ خَيْراً".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي" فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقه أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضررا في دينه أو فتنة فيه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وغيره، وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم، وفيه أنه إن خالف ولم يصبر على حاله في بلواه بالمرض ونحوه فيلقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيرا لي الخ، والأفضل الصبر والسكون للقضاء. قوله: "حدثنا عاصم عن النضر بن أنس وأنس يومئذ حي" معناه أن النضر حدث به في حياة أبيه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدكم انقطع عمله" هكذا هو في بعض النسخ عمله وفي كثير منها أمله وكلاهما صحيح لكن الأول أجود وهو المتكرر في الأحاديث والله أعلم.
*2* باب من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه. ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدّثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الرّزّيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيّ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ" فَقُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ. فَقَالَ "لَيْسَ كَذَلِكَ. وَلَكِنّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشّرَ بِرَحْمَةِ اللّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنّتِهِ، أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، فَأَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَإِنّ الْكَافِرَ إِذَا بُشّرَ بِعَذَابِ اللّهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، وَكَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ".
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَكْرٍ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الاْسْنَادِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللّهِ".
حدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ عَنْ عَامِرٍ. حَدّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ أَنّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ. بِمِثْله.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ" قَالَ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثاً. إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا. فَقَالَتْ: إِنّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ" وَلَيْسَ مِنّا أَحَدٌ إِلاّ وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوَتَ. فَقَالَتْ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَيْسَ بِالّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ، وَحَشْرَجَ الصّدْرُ، وَاقْشَعَرّ الْجِلْدُ، وَتَشَنّجَتِ الأَصَابِعُ. فَعِنْدَ ذَلِكَ، مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ.
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنِي جَرِيرٌ عَنْ مُطَرّفٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ عَبْثَرٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ".
قوله: "حدثنا هداب" هذا الإسناد والذي بعده كلهم بصريون إلا عبادة بن الصامت فشامي.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" قالت عائشة: فقلت يا نبي الله أكراهية الموت فكلنا يكره الموت؟ قال: ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وأن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه. هذا الحديث يفسر آخره أوله، ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحب لقاء الله ومن كره لقاء الله، ومعنى الحديث: أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد له ويكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم، وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم، وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك، ولا أن حبه لقاء الاَخرين حبهم ذلك بل هو صفة لهم.
قولها: (إذا شخص البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد وتشنجت الأصابع) أما شخص فبفتح الشين والخاء ومعناه ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر، وأما الحشرجة فهي تردد النفس في الصدور، وأما اقشعرار الجلد فهو قيام شعره وتشنج الأصابع تقبضها.
*2* باب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى
*حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي. وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) وَ ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ (وَهُوَ التّيْمِيّ)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: إِذَا تَقَرّبَ عَبْدِي مِنّي شِبْراً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً. وَإِذَا تَقَرّبَ مِنّي ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ بَاعاً. أَوْ بُوعاً . وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِيّ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "إِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو كُرَيْبٍ. (وَاللّفْظُ لاَِبِي كُرَيْبٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي. وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي. فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُ. وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيّ شِبْراً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً. وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ. وَمَنْ جَاءَ بِالسّيّئَةِ، فَجَزَاؤُهُ سَيّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ. وَمَنْ تَقَرّبَ مِنّي شِبْراً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً. وَمَنْ تَقَرّبَ مِنّي ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ بَاعاً. وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً".
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. بِهَذَا الْحَدِيثِ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الاْسْنَادِ. نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا أَوْ أَزِيدُ".
قوله تعالى: "وإذا تقرب مني ذراعا تقربت إليه باعا أو بوعا" الباع والبوع بضم الباء والبوع بفتحها كله بمعنى وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره، قال الباجي: وهو قدر أربع أذرع وهذا حقيقة اللفظ، والمراد بها في هذا الحديث المجاز كما سبق في أول كتاب الذكر في شرح هذا الحديث مع الحديثين بعده.
قوله تعالى: "فله عشر أمثالها أو أزيد" معناه أن التضعيف بعشرة أمثالها لا بد بفضل الله ورحمته ووعده الذي لا يخلف، والزيادة بعد بكثرة التضعيف إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة يحصل لبعض الناس دون بعض على حسب مشيئته سبحانه وتعالى. قوله تعالى: "ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة" هو بضم القاف على المشهور وهو ما يقارب ملاها وحكى كسر القاف نقله القاضي وغيره والله أعلم.
*2* باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا
*حدّثنا أَبُو الْخَطّابِ، زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسّانِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيّاهُ؟" قَالَ: نَعَمْ. كُنْتُ أَقُولُ: اللّهُمّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الاَخِرَةِ، فَعَجّلْهُ لِي فِي الدّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سُبْحَانَ اللّهِ لاَ تُطِيقُهُ أَوْ لاَ تَسْتَطِيعُهُ أَفَلاَ قُلْتَ: اللّهُمّ آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ"، قَالَ: فَدَعَا اللّهَ لَهُ. فَشَفَاهُ.
حدّثناه عَاصِمُ بْنُ النّضْرِ التّيْمِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنَا حُمَيْدٌ بِهَذَا الاْسْنَادِ. إِلَىَ قَوْلِهِ "وَقِنَا عَذَابَ النّارِ" وَلَمْ يَذْكُرِ الزّيَادَةَ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَىَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُهُ، وَقَدْ صَارَ كَالْفَرْخِ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ حُمَيْدٍ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "لاَ طَاقَةَ لَكَ بِعَذَابِ اللّه" وَلَمْ يَذْكُرْ: فَدَعَا اللّهَ لَهُ: فَشَفَاهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سَالِمُ بْنُ نوحٍ الْعَطّارُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قوله: "عاد رجلاً من المسلمين قد خفت مثل الفرخ" أي ضعف، وفي هذا الحديث النهي عن الدعاء بتعجيل العقوبة، وفيه فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار، وفيه جواز التعجب بقول سبحان الله وقد سبقت نظائره، وفيه استحباب عيادة المريض والدعاء له، وفيه كراهة تمني البلاء لئلا يتضجر منه ويسخطه وربما شكا وأظهر الأقوال في تفسير الحسنة في الدنيا أنها العبادة والعافية وفي الاَخرة الجنة والمغفرة، وقيل الحسنة تعم الدنيا والاَخرة.
*2* باب فضل مجالس الذكر
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ للّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ مَلاَئِكَةً سَيّارَةً، فُضُلاً. يَبتَغُونَ مَجَالِسَ الذّكْرِ. فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِساً فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ. وَحَفّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِأَجْنِحَتِهِمْ. حَتّىَ يَمْلأُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السّمَاءِ الدّنْيَا. فَإِذَا تَفَرّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَىَ السّمَاءِ. قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبّحُونَكَ وَيُكَبّرُونَكَ وَيُهَلّلُونَكَ وَيُمَجّدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنّتَكَ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنّتِي؟ قَالُوا: لاَ. أَيْ رَبّ قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنّتِي؟. قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ: وَمِمّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ. يَا رَبّ قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟. قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمّا اسْتَجَارُوا. قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبّ فِيهِمْ فُلاَنٌ. عَبْدٌ خَطّاءٌ. إِنّمَا مَرّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ. هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَىَ بِهِمْ جَلِيسُهُمْ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاً يبتغون مجالس الذكر" أما السيارة فمعناه سياحون في الأرض، وأما فضلاً فضبطوه على أوجه: أحدها وهو أرجحها وأشهرها في بلادنا فضلاً بضم الفاء والضاد. والثانية بضم الفاء وإسكان الضاد ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب. والثالثة بفتح الفاء وإسكان الضاد، قال القاضي: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم. والرابعة فضل بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء: معناه على جميع الروايات أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: يبتغون فضبطوه على وجهين: أحدهما بالعين المهملة من التتبع وهو البحث عن الشيء والتفتي 5 والثاني يبتغون بالغين المعجمة من إِلابتغاء وهو الطلب وكلاهما صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا" هكذا هو في كثير من نسخ بلادنا حف بالفاء، وفي بعضها حض بالضاد المعجمة أي حث على الحضور الاستماع، وحكى القاضي عن بعض رواتهم وحط بالطاء المهملة واختاره القاضي قال: ومعناه أشار بعضهم إلى بعض بالنزول، ويؤيد هذه الرواية قوله بعده في البخاري: هلموا إلى حاجتكم. ويؤيد الرواية الأولى وهي حف قوله في البخاري: يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم ويحوف بعضهم بعضا. قوله: "ويستجيرونك من نارك" أي يطلبون الأمان منها. قوله: "عبد خطاء" أي كثير الخطايا، وفي هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم والله أعلم. قال القاضي عياض رحمه الله: وذكر الله تعالى ضربان ذكر بالقلب وذكر باللسان، وذكر القلب نوعان: أحدهما وهو أرفع الأذكار وأجلها الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه ومنه الحديث: "خير الذكر الخفي" والمراد به هذا. والثاني ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه. وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث. قال: وذكر ابن جرير الطبري وغيره اختلاف السلف في ذكر القلب واللسان أيهما أفضل، قال القاضي: والخلاف عندي إنما يتصور في مجرد ذكر القلب تسبيحا وتهليلاً وشبههما وعليه يدل كلامهم، لا أنهم مختلفون في الذكر الخفي الذي ذكرناه وإلا فذلك لا يقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله؟ وإنما الخلاف في ذكر القلب بالتسبيح المجرد ونحوه، والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب فإن كان لاهيا فلا، واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل السر أفضل، ومن رجح ذكر اللسان قال لأن العمل فيه أكثر، فإن زاد باستعمال اللسان اقتضى زيادة أجر، قال القاضي: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب فقيل تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها، وقيل لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله، قلت: الصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده والله أعلم.
*2* باب فضل الدعاء باللّهُمّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الاَخرة حسنة، وقنا عذاب النار
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ) قَالَ: سَأَلَ قَتَادَةُ أَنَساً: أَيّ دَعْوَةٍ كَانَ يَدْعُو بِهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ؟ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا يَقُولُ: "اللّهُمّ آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ".
قَالَ: وَكَانَ أَنَسٌ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ، دَعَا بِهَا. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو بِدُعَاءٍ، دَعَا بِهَا فِيهِ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ".
ذكر في الحديث أنها كانت أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لما جمعته من خيرات الاَخرة والدنيا وقد سبق شرحه قريبا والله أعلم.
*2* باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سُمَيَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ، مِائَةَ مَرّةٍ. كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ. وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ. وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيّئَةٍ. وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتّىَ يُمْسِيَ. وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمّا جَاءَ بِهِ إِلاّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ، مِائَةَ مَرّةٍ، حُطّتْ خَطَايَاهُ. وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ سُمَيَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ، حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمّا جَاءَ بِهِ. إِلاّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ".
حدّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، أَبُو أَيّوبَ الْغَيْلاَنِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ (يَعْنِي الْعَقَدِيّ). حَدّثَنَا عُمَرُ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ) عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ: حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدّثَنَا عُمَرُ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّفَرِ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ. بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ فَقُلْتُ لِلرّبِيعِ: مِمّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنْ عَمْرو بْنِ مَيْمُونٍ. قَالَ فَأَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ فَقُلْتُ: مِمّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ. قَالَ فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَىَ فَقُلْتُ: مِمّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَال: مِنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ. يُحَدّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيّ. قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَىَ اللّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَىَ الرّحْمَنِ. سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ للّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَاللّهُ أَكْبَرُ، أَحَبّ إِلَيّ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيّ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِيّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيّ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: عَلّمْنِي كَلاَماً أَقُولُهُ. قَالَ "قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً وَالْحَمْدُ للّهِ كَثِيراً سُبْحَانَ اللّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ". قَالَ: فَهَؤُلاَءِ لِرَبّي. فَمَا لِي؟ قَالَ: "قُلِ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي".
قَالَ مُوسَىَ: أَمّا عَافِنِي، فَأَنَا أَتَوَهّمُ وَمَا أَدْرِي. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِهِ قَوْلَ مُوسَىَ.
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). حَدّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلّمُ مَنْ أَسْلَمَ يَقُولُ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ أَزْهَرَ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الرّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلّمَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الصّلاَةَ. ثُمّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ: "اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي".
حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبّي؟ قَالَ "قُلِ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي" وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاّ الإِبْهَامَ "فَإِنّ هَؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ وَ عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيّ. ح وَحَدّثَنَا مُحّمَدُ بْنُ عَبْدِ الّلهِ بْنُ نُمَيْرٍ (وَالّلفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِيّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلّ يَوْمٍ، أَلْفَ حَسَنَةٍ؟" فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ "يُسَبّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ. أَوْ يُحَطّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "فيمن قال في يوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ويكون له ثواب آخر على الزيادة، وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة إعدادها وأن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو من غيره أو منه ومن غيره وهذا إِلاحتمال أظهر والله أعلم. وظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار حرزا له في جميع نهاره. قوله: (صلى الله عليه وسلم في حديث التهليل ومحيت عنه مائة سيئة) وفي حديث التسبيح: "حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" ظاهره أن التسبيح أفضل.
وقد قال في حديث التهليل: "ولم يأت أحد أفضل مما جاء به" قال القاضي في الجواب عن هذا: أن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزا من الشيطان زائدا على فضل التسبيح وتكفير الخطايا، لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار، فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزا من الشيطان، ويؤيده ما جاء في الحديث بعد هذا أن أفضل الذكر التهليل مع الحديث الاَخر: "أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له" الحديث، وقيل إنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص والله أعلم. وقد سبق أن معنى التسبيح التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص مطلقا وسمات الحدوث مطلقا.
قوله في حديث التهليل عشر مرات: حدثنا عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن ربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن ابن أبي ليلى على أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم هذا الحديث فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم: الشعبي وربيع وعمرو وابن أبي ليلى واسم ابن أبي ليلى هذا عبد الرحمن، وأما ابن أبي السفر فبفتح الفاء وسكنها بعض المغاربة والصواب الفتح.
قوله: (الله أكبر كبيرا) منصوب بفعل محذوف أي كبرت كبيرا أو ذكرت كبيرا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة" هكذا هو في عامة نسخ صحيح مسلم أو يحط بأو، وفي بعضها ويحط بالواو، وقال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: كذا هو في كتاب مسلم أو يحط بأو، وقال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى القطان عن يحيى الذي رواه مسلم من جهته فقالوا ويحط بالواو والله أعلم.
*2* باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر
*حدّثَنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التّمِيميّ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيّ وَالّلفْظ لِيَحْيَىَ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدّنْيَا، نَفّسَ اللّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ يَسّرَ عَلَىَ مُعْسِرٍ، يَسّرَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ. وَاللّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهّلَ اللّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَىَ الْجَنّةِ. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرّحْمَةُ وَحَفّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَمَنْ أَبَطأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الّلهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِي صَالْحٍ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: حَدّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الّلهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوَيِةَ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ أَبِي أُسَامَةَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التّيْسِيرِ عَلَى الْمُعْسِرِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعتُ أَبَا إِسْحَقَ يُحَدّثُ عَنِ الأَغَرّ، أَبِي مُسْلِمٍ أَنّهُ قَالَ: أَشْهَدُ علَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّهُمَا شَهِدَا عَلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللّهَ عَزّ وَجَلّ إِلاّ حَفّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ".
م 1 (...) وَحَدّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السّعْدِيّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَىَ حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللّهَ. قَالَ: آللّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاّ ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاّ ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ. وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَلّ عَنْهُ حَدِيثاً مِنّي. وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَىَ حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمْ؟" قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَىَ مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ، وَمَنّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: "آللّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاّ ذَاكَ؟" قَالُوا: وَاللّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاّ ذَاكَ. قَالَ: "أَمَا إِنّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ. وَلَكِنّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ".
فيه حديث أبي هريرة: "من نفس عن مؤمن كربة" إلى آخره وهو حديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والاَداب وسبق شرح افراد فصوله، ومعنى نفس الكربة أزالها، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين وقد سبق تفضيله، وفضل انظار المعسر، وفضل المشي في طلب العلم ويلزم من ذلك إِلاشتغال بالعلم الشرعي بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى وإن كان هذا شرطا في كل عبادة، لكن عادة العلماء يقيدون هذه المسألة به لكونه قد يتساهل فيه بعض الناس ويغفل عنه بعض المبتدئين ونحوهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة" قيل المراد بالسكينة هنا الرحمة وهو الذي اختاره القاضي عياض وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه، وقيل الطمأنية والوقار هو أحسن، وفي هذا دليل لفضل إِلاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقال مالك يكره وتأوله بعض أصحابه، ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة إِلاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى، ويدل عليه الحديث الذي بعده فإنه مطلق يتناول جميع المواضع ويكون التقييد في الحديث الأول خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" معناه من كان عمله ناقصا لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الاَباء ويقصر في العملب.
قوله: "لم أستحلفكم تهمة لكم" هي بفتح الهاء وإسكانها وهي فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو واتهمته به إذا ظننت به ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثني عليكم عندهم، وأصل البهاء الحسن والجمال، وفلان يباهي بماله أي يفخر ويتجمل بهم على غيرهم ويظهر حسنهم.
*2* باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ. جَمِيعاً عَنْ حَمّادٍ. قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ،عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ الأَغَرّ الْمُزَنِيّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنّ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّهُ لَيُغَانُ عَلَىَ قَلْبِي. وَإِنّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ، فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرّةٍ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عُمْرِو بُنِ مُرّةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَغَرّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، يُحَدّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيّهَا النّاسُ تُوبُوا إِلَىَ اللّهِ. فَإِنّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ، إِلَيْهِ مِائَةَ مَرّةٍ".
حدّثناه عُبَيْدُ الّلهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. كُلُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ (يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيّانَ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ.ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ). كُلُهُمْ عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَالّلفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسّانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "أنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" قال أهل اللغة: الغين بالغين المعجمة والغيم بمعنى، والمراد هنا ما يتغشى القلب، قال القاضي: قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه، قال: وقيل هو همه بسبب أمته وما أطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم، وقيل سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال فهي نزول عن عالي درجته ورفيع مقامه من حضوره مع الله تعالى ومشاهدته ومراقبته وفراغه مما سواه فيستغفر لذلك، وقيل: يحتمل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه لقوله تعالى: {فأنزل السكينة عليهم} ويكون استغفاره إظهارا للعبودية وإِلافتقار وملازمة الخشوع وشكرا لما أولاه، وقد قال المحاشي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام وإن كانوا آمنين عذاب الله تعالى. وقيل: يحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكرا كما سبق، وقيل هو شيء يعتري القلوب الصافية مما تتحدث به النفس فهو شها والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم مائة مرة" هذا الأمر بالتوبة موافق لقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون} وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} وقد سبق في الباب قبله بيان سبب استغفاره وتوبته صلى الله عليه وسلم ونحن إلى الاستغفار والتوبة أحوج. قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط: أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم عزما جازما أن لا يعود إلى مثلها أبدا، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع وهو رد الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه، والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي أول مقامات سالكي طريق الاَخرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" قال العلماء: هذا حد لقبول التوبة، وقد جاء في الحديث الصحيح: "إن للتوبة بابا مفتوحا فلا تزال مقبولة حتى يغلق فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق وامتنعت التوبة على من لم يكن تاب قبل ذلك" وهو معنى قوله تعالى: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. ومعنى تاب الله عليه قبل توبته ورضي بها، وللتوبة شرط آخر وهو أن يتوب قبل الغرغرة كما جاء في الحديث الصحيح، وأما في حالة الغرغرة وهي حالة النزع فلا تقبل توبته ولا غيرها ولا تنفذ وصيته ولا غيرها.
*2* باب استحباب خفض الصوت بالذكر
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَجَعَلَ النّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتّكْبِيرِ. فَقالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَيّهَا النّاسُ ارْبَعُوا عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ. إِنّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمّ وَلاَ غَائِباً. إِنّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعاً قَرِيباً، وَهُوَ مَعَكُمْ" قَالَ: وَأَنَا خَلْفَهُ، وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ. فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللّهَ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أَدُلّكَ عَلَىَ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنّةِ؟" فَقُلْتُ: بَلَىَ. يَا رَسُولَ الّلهِ قَالَ "قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بِالّلهِ".
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. جَمِيعاً عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ بِهَذا الأَسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). حَدّثَنَا التّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ أَنّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهُمْ يَصْعَدُونَ فِي ثَنِيّةٍ. قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلٌ، كُلّمَا عَلاَ ثَنِيّةً، نَادَىَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الّلَهُ وَالّلَهُ أَكْبَرُ. قَالَ فَقَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّكُمْ لاَ تُنَادُونَ أَصَمّ وَلاَ غَائِباً" قَالَ: فَقَالَ: "يَا أَبَا مُوسَىَ أَوْ يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أَدُلّكَ عَلَىَ كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الْجَنّةِ؟" قُلْتُ: مَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ. حَدّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَاصِمٍ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الثّقَفِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ الْحَذّاءُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: "وَالّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَىَ أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلتِهِ". وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْل. حَدّثَنَا عُثْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ). حَدّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَىَ الأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أَدُلّكَ عَلَىَ كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنّةِ أَوْ قَالَ عَلَىَ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنّةِ؟" فَقُلْتُ: بَلَىَ. فَقَالَ: "قُل لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَزِيْدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ: "قُلِ: اللّهُمّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَبِيراً وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَثِيراً وَلاَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ أَنْتَ. فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ".
وحدّثنيهِ أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي رَجُلٌ سَمّاهُ، وَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنّ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلّمْنِي، يَا رَسُولَ اللّهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي وَفِي بَيْتِي. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللّيْثِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "ظُلْماً كَثِيراً"
قوله صلى الله عليه وسلم للناس حين جهروا بالتكبير: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم" اربعوا بهمزة وصل وبفتح الباء الموحدة معناه ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه وأنتم تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولا غائب بل هو سميع قريب وهو معكم بالعلم والإحاطة. ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه، فإن دعت حاجة إلى الرفع رفع كما جاءت به أحاديث. وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم" هو بمعنى ما سبق وحاصله أنه مجاز كقوله تعالى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، والمراد تحقيق سماع الدعاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئا من الأمر، ومعنى الكنز هنا أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس أموالكم. قال أهل اللغة: الحول الحركة، والحيلة أي لا حركة ولا استطاعة، ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكى هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه وكله متقارب، قال أهل اللغة: ويعبر عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة، وبالأول جزم الأزهري والجمهور، وبالثاني جزم الجوهري، ويقال أيضا: لا حيل ولا قوة في لغة غريبة حكاها الجوهري وغيره.
*2* باب التعوذ من شر الفتن، وغيرها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاَءِ الدّعَوَاتِ: "اللّهُمّ فَإِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النّارِ، وَعَذَابِ النّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرّ فِتْنَةِ الْغِنَىَ، وَمِنْ شَرّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدّجّالِ. اللّهُمّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثّلْجِ وَالْبَرَدِ. وَنَقّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقّيْتَ الثّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدّنَسِ. وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللّهُمّ فَإِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ".
وحدّثناه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيْعٌ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قد سبق في كتاب الصلاة وغيره بيان تعوذه صلى الله عليه وسلم من فتنة القبر وعذاب القبر وفتنة المسيح الدجال وغسل الخطايا بالماء والثلج، وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من فتنة الغني وفتنة الفقر فلأنهما حالتان تخشى الفتنة فيهما بالتسخط وقلة الصبر والوقوع في حرام أو شبهة للحاجة، ويخاف في الغنى من الأشر والبطر والبخل بحقوق المال أو إنفاقه في إسراف وفي باطل أو في مفاخر، وأما الكسل فهو عدم انبعاث النفس للخبر وقلة الرغبة مع إمكانه، وأما العجز فعدم القدرة عليه وقيل هو ترك ما يجب فعله والتسويف به وكلاهما تستحب الإعاذة منه. قال الخطابي: إنما استعاذ صلى الله عليه وسلم من الفقر الذي هو فقر النفس لا قلة المال. قال القاضي: وقد تكون استعاذته من فقر المال والمراد الفتنة في عدم احتماله وقلة الرضا به ولهذا قال فتنة القبر ولم يقل الفقر، وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيح بفضل الفقر، وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الهرم فالمراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر كما جاء في الرواية التي بعدها، وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم وتشويه بعض المنظر والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها، وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من المغرم وهو الدين فقد فسره صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة في كتاب الصلاة أن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف، ولأنه قد يمطل المدين صاحب الدين ولأنه قد يشتغل به قلبه وربما مات قبل وفائه فبقيت ذمته مرتهنة به.
*2* باب التعوذ من العجز والكسل وغيره
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التّيْمِيّ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَالْبُخْلِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".
وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ التّيْمِيّ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّ يَزِيدَ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ قوله: "وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيمِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ تَعَوّذَ مِنْ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا. وَالْبُخْلِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ الْعَمّيّ. حَدّثَنَا هَرُونُ الأَعْوَرُ. حَدّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهَؤُلاَءِ الدّعَوَاتِ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ. وَعَذَابِ الْقَبْرِ. وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".
وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الجبن والبخل فلما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات والقيام بحقوق الله تعالى وإزالة المنكر والإغلاظ على العصاة، ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات ويقوم بنصر المظلوم والجهاد، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق ويمتنع من الطمع فيما ليس له. قال العلماء: واستعاذته صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله وشرعه أيضا تعليما، وفي هذه الأحاديث دليل لاستحباب الدعاء والاستعاذة من كل الأشياء المذكورة وما في معناها، وهذا هو الصحيح الذي أجمع عليه العلماء وأهل الفتاوي في الأمصار، وذهبت طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلاما للقضاء، وقال آخرون منهم: إن دعا للمسلمين فحسن وإن دعا لنفسه فالأولى تركه. وقال آخرون منهم: إن وجد في نفسه باعث للدعاء استحب وإلا فلا. ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسنة في الأمر بالدعاء وفعله والأخبار عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بفعله، وفي هذه الأحاديث ذكر المأثم وهو الإثم، وفيها فتنة المحيا والممات أي فتنة الحياة والموت.
*2* باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره
*حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدّثَنِي سُمَيّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، وَمِنْ جُهْدِ الْبَلاَءِ.
قَالَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: قَالَ سُفْيَانُ: أَشُكّ أَنّي زِدْتُ وَاحِدَةً مِنْها.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ بُسْرَ بْنَ سَعْيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السّلَمِيّةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّةِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرّهُ شَيْءٌ، حَتّىَ يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ".
وحدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَ أَبُو الطّاهِرِ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ وهْبٍ (وَاللّفظُ لِهَرونَ) حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: وأَخْبَرَنَا عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) أَنّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَ الْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ حَدّثَاهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الأَشَجّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السّلَمِيّةِ أَنّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ. فَإِنّهُ لاَ يَضُرّهُ شَيْءٌ حَتّىَ يَرْتَحِلَ مِنْهُ".
قَالَ يَعْقُوبُ: وَقَالَ الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ ذَكْوَانَ، أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ. قَالَ: "أَمَا لَوْ قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرّكَ".
وحدّثني عِيْسَى بْنُ حَمّادٍ الْمِصْرِيّ. أَخْبَرَنِي اللّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ أَنّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنّ أَبَا صَالِحٍ، مَوْلَىَ غَطَفَانَ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ.
قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يتعوذ من سوء القضاء ومن درك الشقاء ومن شماتة الأعداء ومن جهد البلاء" أما درك الشقاء فالمشهور فيه فتح الراء وحكى القاضي وغيره أن بعض رواة مسلم رواه ساكنها وهي لغة. وجهد البلاء بفتح الجيم وضمها الفتح أشهر وأفصح، فأما الاستعاذة من سوء القضاء فيدخل فيها سوء القضاء في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل وقد يكون ذلك في الخاتمة، وأما درك الشقاء فيكون أيضا في أمور الاَخرة والدنيا، ومعناه أعوذ بك أن يدركني شقاء، وشماتة الأعداء هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه يقال منه شمت بكسر الميم وشمت بفتحها فهو شامت واشمته غيره، وأما جهد البلاء فروي عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال وقال غيره هي الحال الشاقة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات" قيل معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية، وقيل المراد بالكلمات هنا القرآن والله أعلم.
*2* باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللّفْظُ لِعُثْمَانَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ. حَدّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضّأْ وُضُوءَكَ لِلصّلاَة. ثُمّ اضْطَجِعُ علَىَ شِقّكَ الأَيْمَنِ. ثُمّ قُلِ: اللّهُمّ إِنّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ. وَفَوّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ. وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ. رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ. لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاّ إِلَيْكَ. آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الّذِي أَنْزَلْتَ. وَبِنَبِيّكَ الّذِي أَرْسَلْتَ. وَاجْعَلْهُنّ مِنْ آخِرِ كَلاَمِكَ. فَإِنْ مُتّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتّ وَأَنْتَ عَلَىَ الْفِطْرَةِ".
قَالَ: فَرَدّدْتُهُنّ لأَسْتَذْكِرَهُنّ فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الّذِي أَرْسَلْتَ. قَالَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِنَبِيّكَ الّذِي أَرْسَلْتَ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ (يَعْنِي ابْنَ إِدْرِيسَ) قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْناً عَنِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنّ مَنْصُوراً أَتَمّ حَدِيثاً. وَزَادَ فِي حَدِيثِ حُصَيْنٍ: "وَإِنْ أَصْبَحَ أَصَابَ خَيْراً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حدّثنا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ وَ أَبُو دَاوُدَ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرو بْنِ مُرّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدّثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلاً، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللّيْلِ. أَنْ يَقُولَ: "الّلَهُمّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَوَجّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ. وَأَلْجَأتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ. وَفَوّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ. رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ. لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاّ إِلَيْكَ. آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الّذِي أَنْزَلْتَ. وَبِرَسُولِكَ الّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ" وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بَشّارٍ فِي حَدِيثِهِ. مِنَ اللّيلِ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ "يَا فُلاَنُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَىَ فِرَاشِكَ" بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو ابْنِ مُرّةَ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "وَبِنَبِيّكَ الّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتّ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَإِنْ أَصْبَحْتَ، أَصْبَحْتَ عَلَى خَيْرِ".
حدّثنا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّار. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ أَنّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ عَازِبٍ يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاٍ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "وَإِنّ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْراً".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي السّفَرِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَىَ، عَنِ الْبَرَاءِ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، قَالَ: "اللّهُمّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَبِاسْمِكَ أَمُوتُ". وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: "الْحَمْدُ لّلَهِ الّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النّشُورُ".
حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمّيّ و أبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ أَمَرَ رَجُلاً، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، قَالَ: "اللّهُمّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفّاهَا. لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا. إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا، وَإِنْ أَمَتّهَا فَاغْفِرْ لَهَا. اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ؟ فَقَالَ: مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ، مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: سَمِعْتُ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأَمُرُنَا، إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ، أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَىَ شِقّهِ الأَيْمَنِ. ثُمّ يَقُولُ: "اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ وَرَبّ الأَرْضِ وَرَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. رَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْءٍ. فَالِقَ الْحَبّ وَالنّوَىَ. وَمُنْزِلَ التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ. أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. اللّهُمّ أَنْتَ الأَوّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الاَخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ. اقْضِ عَنّا الدّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ" وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني عَبْدُ الْحَمِيْدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيّ. حَدّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطّحّانَ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا، إِذَا أَخَذْنَا مَضْجَعَنَا، أَنْ نَقُولَ. بِمِثْلِ حَدِيث جَرِيرٍ وَقَالَ: "مِنْ شَرّ كُلّ دَابّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالا: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ. حَدّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَتْ فَاطِمَةُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِماً. فَقَالَ لَهَا: "قُولِي: اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ" بِمِثْلِ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ.
وحدّثنا إِسْحَقَ بْنُ مُوسَىَ الأَنْصَارِيّ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنِي سَعِيْدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَوَىَ أَحَدُكُمْ إِلَىَ فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمّ اللّهَ. فَإِنّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَىَ فِرَاشِهِ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَىَ شِقّهِ الأَيْمَنِ. وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ اللّهُمّ رَبّي بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي. وَبِكَ أَرْفَعُهُ. إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لَهَا. وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا، فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصّالِحِينَ".
وحدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بِهَذا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: "ثُمّ لْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبّي وَضَعْتُ جَنْبِي. فَإِنْ أَحْيَيْتَ نَفْسِي. فَارْحَمْهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِثٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَىَ إِلَىَ فِرَاشِهِ قَالَ: "الْحَمْدُ للّهِ الّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا. فَكَمْ مِمّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِي".
قوله صلى الله عليه وسلم: "في حديث البراء: إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك إلى آخره" فقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أخذت مضجعك" معناه إذا أردت النوم في مضجعك فتوضأ والمضجع بفتح الميم، وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة: إحداهما الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضئا كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه. الثانية: النوم على الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى إِلانتباه. الثالثة: ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسلمت وجهي إليك" وفي الرواية الأخرى: (أسلمت نفسي إليك) أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. قال العلماء: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات كلها، يقال: سلم وأسلم واستسلم بمعنى، ومعنى ألجأت ظهري إليك أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده. وقوله: (رغبة ورهبة) أي طمعا في ثوابك وخوفا من عذابك. قوله صلى الله عليه وسلم: "مت على الفطرة" أي الإسلام وإن أصبحت أصبت خيرا أي حصل لك ثواب هذه السنن واهتمامك بالخير ومتابعتك أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: "فرددتهن لأستذكرهن فقلت آمنت برسولك الذي أرسلت قال قل آمنت بنبيك الذي أرسلت" اختلف العلماء في سبب إنكاره صلى الله عليه وسلم ورده اللفظ فقيل: إنما رده لأن قوله آمنت برسولك يحتمل غير النبي صلى الله عليه وسلم من حيث اللفظ، واختار المازري وغيره أن سبب الإنكار أن هذا ذكر ودعاء فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحي إليه صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها وهذا القول حسن، وقيل: لأن قوله ونبيك الذي أرسلت فيه جزالة من حيث صنعة الكلام، وفيه جمع النبوة والرسالة فإذا قال رسولك الذي أرسلت فإن هذان الأمران مع ما فيه من تكرير لفظ رسول وأرسلت وأهل البلاغة يعيبونه، وقد قدمنا في أول شرح خطبة هذا الكتاب أنه لا يلزم من الرسالة النبوة ولا عكسه، واحتج بعض العلماء بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى وجمهورهم على جوازها من العارف، ويجيبون عن هذا الحديث بأن المعنى هنا مختلف ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى. قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أويت إلى فراشك" أي انضممت إليه ودخلت فيه كما قال في الرواية الأخرى بعد: "إذا أخذ مضجعه"، وقال في الحديث الاَخر بعد هذا: "كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا" فأما أويت وأوى إلى فراشك فمقصور، وأما قوله وآوانا فممدود وهذا هو الصحيح الفصيح المشهور، وحكى بالقصر فيهما وسبق بيانه مرات، وقيل معنى آوانا هنا رحمنا. قوله: (فكم ممن لا مؤوى له) أي لا راحم ولا عاطف عليه، وقيل معناه لا وطن له ولا سكن يأوي إليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم باسمك أموت وباسمك أحيا" قيل معناه بذكر اسمك أحيا ما حييت وعليه أموت، وقيل معناه بك أحيا أي أنت تحييني وأنت تميتني والاسم هنا هو المسمى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" المراد بأماتنا النوم، وأما النشور فهو الإحياء للبعث يوم القيامة، فنبه صلى الله عليه وسلم بإعادة اليقظة بعد النوم الذي هو كالموت على إثبات البعث بعد الموت، قال العلماء: وحكمة الدعاء عند إرادة النوم أن تكون خاتمة أعماله كما سبق، وحكمته إذا أصبح أن يكون أول عمله بذكر التوحيد والكلم الطيب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها" أي حياتها وموتها وجميع أمورها لك وبقدرتك وفي سلطانك.
قوله: (أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته) أي من شر كل شيء من المخلوقات لأنها كلها في سلطانه وهو آخذ بنواصيها. قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الاَخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين" يحتمل أن المراد بالدين هنا حقوق الله تعالى وحقوق العباد كلها من جميع الأنواع. وأما معنى الظاهر من أسماء الله فقيل هو من الظهور بمعنى القهر والغلبة وكمال القدرة، ومنه ظهر فلان على فلان، وقيل الظاهر بالدلائل القطعية والباطن المحتجب عن خلقه، وقيل العالم بالخفيات. وأما تسميته سبحانه وتعالى بالاَخر فقال الإمام أبو بكر ابن الباقلاني: معناه الباقي بصفاته من العلم والقدرة وغيرهما التي كان عليها في الأزل، ويكون كذلك بعد موت الخلائق وذهاب علومهم وقدرهم وحواسهم وتفرق أجسامهم. قال: وتعلقت المعتزلة بهذا الاسم فاحتجوا به لمذهبهم في فناء الأجسام وذهابها بالكلية، قالوا: ومعناه الباقي بعد فناء خلقه. ومذهب أهل الحق خلاف ذلك وأن المراد الاَخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم، ولهذا يقال آخر من بقي من بني فلان فلان يراد حياته ولا يراد فناء أجسام موتاهم وعدمها، هذا كلام ابن الباقلاني.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله تعالى فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه" داخلة الإزار طرفه ومعناه أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات، ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده مكروه إن كان هناك.
*2* باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيّ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَمّا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِ اللّهَ. قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا عَمِلْتُ، وَمِنْ شَرّ مَا لَمْ أَعْمَلْ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالا: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْن، عَنْ هِلالٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ دُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا عَمِلْتُ، وَشَرّ مَا لَمْ أَعْمَلْ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالا: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ ح وحَدّثَنَا مُحَمّدُ ابْنُ عَمْرُو بْنِ جَبَلَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ "وَمِنْ شَرّ مَا لَمْ أَعْمَلْ".
وحدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا عَمِلْتُ، وَشَرّ مَا لَمْ أَعْمَلْ".
حدّثني حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو، أَبُو مَعْمَرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثَ. حَدّثَنَا الْحُسَيْنُ. حَدّثَنِي ابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ يَعْمُرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ لَكَ أَسْلَمْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ. وَعَلَيْكَ تَوَكّلْتُ. وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ. وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِعِزّتِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ، أَنْ تُضِلّنِي. أَنْتَ الْحَيّ الّذِي لاَ يَمُوتُ. وَالْجِنّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ، إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ، يَقُولُ: "سَمّعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللّهِ وَحُسْنِ بَلاَئِهِ عَلَيْنَا. رَبّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا. عَائِذاً بِاللّهِ مِنَ النّارِ".
حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَريّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَىَ الأَشْعَرِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدّعَاءِ "الّلَهُمّ اغْفِرْ لِي خَطِيْئَتِي وَجَهْلِي. وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي. وَمَا أَنَتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي. الّلَهُمّ اغْفِرْ لِي جِدّي وَهَزْلِي. وَخَطَئِي وعَمْدِي. وَكُلّ ذَلِكَ عِنْدِي. الّلَهُمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وَمَا أَخّرْتُ. وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ. وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي. أَنَتَ الْمُقَدّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخّرُ. وَأَنْتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ الصّبّاحِ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا شُعْبَةٌ فِي هَذَا الإِسْنَادِ.
حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ الْقُطَعِيّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَىَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السّمّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللّهُمّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي. وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الّتِي فِيهَا مَعَاشِي. وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الّتِي فِيهَا مَعَادِي. وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلّ خَيْرٍ. وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلّ شَرَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ و مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْهُدَىَ وَالتّقَىَ، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَىَ".
وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَقَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ ابْنَ المُثَنّى قَالَ فِي رِوَايَتِهِ: "وَالْعِفّةَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَاللّفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللّهُمّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا. وَزَكّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكّاهَا. أَنْتَ وَلِيّهَا وَمَوْلاَهَا. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيْدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ. حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النّخَعِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسَىَ قَالَ: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَىَ الْمُلْكُ للّهِ. وَالْحَمْدُ للّهِ. لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ".
قَالَ الْحَسَنُ: فَحَدّثَنِي الزّبَيْدُ أَنّهُ حَفِظَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا: "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللّهُمّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللّيْلَةِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ اللّيْلَةِ. وَشَرّ مَا بَعْدَهَا. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كَانَ نّبِيّ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسَىَ قَالَ: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ لِلّهِ. والْحَمْدُ لِلّهِ. لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ". قَالَ: أُرَاهُ قَالَ فِيْهِنّ: "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. رَبّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ وَشَرّ مَا بَعْدَهَا. رَبّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ. رَبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ". وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضاً: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ للّهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلَيَ عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسَى قَالَ: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ لِلّهِ. والْحَمْدُ لِلّهِ. لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ.الّلَهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ اللّيْلَةِ وَخَيْرِ مَا فِيْهَا. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهَا وَشَرّ مَا فِيْهَا. الّلَهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ. وَفِتْنَةِ الدّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ"
قَالَ الْحَسَنْ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ: وَزَادَنِي فِيهِ زُبَيْدٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، رَفَعَهُ أَنّهُ قَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي سَعَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ. أَعَزّ جُنْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ. فَلاَ شَيْءَ بَعْدَهُ".
حدّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَلِيَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُلِ: اللّهُمّ اهْدِنِي وَسَدّدْنِي. وَاذْكُرْ، بِالْهُدَىَ، هِدَايَتَكَ الطّرِيقَ وَالسّدَادِ، سَدَادَ السّهْمِ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ (يَعْنِي ابْنَ إِدْرِيسَ). أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُلِ: اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْهُدَىَ وَالسّدَادَ". ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل" قالوا معناه من شر ما اكتسبته مما قد يقتضي عقوبة في الدنيا أو يقتضي في الاَخرة وإن لم أكن قصدته، ويحتمل أن المراد تعليم الأمة الدعاء .
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك أسلمت وبك آمنت" معناه لك انقدت وبك صدقت، وفيه إشارة إلى الفرق بين الإيمان والإسلام وقد سبق إيضاحه في أول كتاب الإيمان. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وعليك توكلت" أي فوضت أمري إليك. "وإليك أنبت" أي أقبلت بهمتي وطاعتي وأعرضت عما سواك. "وبك خاصمت" أي بك أحتج وأدافع وأقاتل.
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذا بالله من النار) أما أسحر فمعناه قام في السحر أو انتهى في سيره إلى السحر وهو آخر الليل. وأما سمع سامع فروي بوجهين: أحدهما فتح الميم من سمع وتشديدها. والثاني كسرها مع تخفيفها. واختار القاضي هنا وفي المشارق وصاحب المطالع التشديد، وأشار إلى أنه رواية أكثر رواة مسلم قالا ومعناه بلغ سامع قولي هذا لغيره، وقال مثله تنبيها على الذكر في السحر والدعاء في ذلك، وضبطه الخطابي وآخرون بالكسر والتخفيف قال الخطابي: معناه شهد شاهد على حمدنا لله تعالى على نعمه وحسن بلائه. وقوله: "ربنا صاحبنا وأفضل علينا" أي احفظنا وحطنا واكلأنا وأفضل علينا بجزيل نعمك واصرف عنا كل مكروه. وقوله: (عائذا بالله من النار) منصوب على الحال أي أقول هذا في حال استعاذتي واستجارتي بالله من النار.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي" إلى قوله: "وكل ذلك عندي" أي أنا متصف بهذه الأشياء اغفرها إلي. قيل: قاله تواضعا وعد على نفسه فوات الكمال ذنوبا. وقيل أراد ما كان عن سهو. وقيل ما كان قبل النبوة، وعلى كل حال فهو صلى الله عليه وسلم مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فدعا بهذا وغيره تواضعا لأن الدعاء عبادة. قال أهل اللغة: الإسراف مجاوزة الحد. قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت المقدم وأنت المؤخر" يقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه ويؤخر من يشاء عن ذلك لخذلانه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" أما العفاف والعفة فهو التنزه عما لا يباح والكف عنه، والغنى هنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع" هذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليل لما قاله العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص ويلهي عن الضراعة وإِلافتقار وفراغ القلب، فأما ما حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظا فلا بأس به بل هو حسن، ومعنى نفس لا تشبع استعاذة من الحرص والطمع والشره وتعلق النفس بالاَمال البعيدة، ومعنى زكها طهرها ولفظة خير ليست للتفضيل بل معناه لا مزكي لها إلا أنت كما قال أنت وليها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر" قال القاضي: رويناه الكبر بإسكان الباء وفتحها، فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس، والفتح بمعنى الهرم والخرف والرد إلى أرذل العمر كما في الحديث الاَخر، قال القاضي: وهذا أظهر وأشهر بما قبله، قال: وبالفتح ذكره الهروي، وبالوجهين ذكره الخطابي وصوب الفتح وتعضده رواية النسائي وسوء العمر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وغلب الأحزاب وحده" أي قبائل الكفار المتحزبين عليهم وحده أي من غير قتال الاَدميين بل أرسل عليهم ريحا وجنودا لم تروها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا شيء بعده" أي سواه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم" أما السداد هنا بفتح السين وسداد السهم تقويمه، ومعنى سددني وفقني واجعلني منتصبا في جميع أموري مستقيما، وأصل السداد الاستقامة والقصد في الأمور، وأما الهدى هنا فهو الرشاد ويذكر ويؤنث، ومعنى اذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم، أي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين، لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه، ومسدد السهم يحرص على تقويمه ولا يستقيم رميه حتى يقومه، وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه وتقويمه ولزومه السنة، وقيل ليتذكر بهذا لفظ السداد والهدى لئلا ينساه.
*2* باب التسبيح أول النهار وعند النوم
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي عُمَرَ). قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، مَوْلَىَ آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلّىَ الصّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا. ثُمّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَىَ، وَهِيَ جَالِسَةٌ. فَقَالَ: "مَا زِلْتِ عَلَىَ الْحَالِ الّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاَثَ مَرّاتٍ. لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنّ: سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ و إِسْحَقُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي رِشْدِينَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ: مَرّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ صَلّىَ صَلاَةَ الْغَدَاةِ، أَوْ بَعْدَ مَا صَلّىَ الْغَدَاةَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "سُبْحَانَ اللّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ رِضَا نَفْسِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّىَ) قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَىَ. حَدّثَنَا عَلِيّ أَنّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَىَ مِنَ الرّحَىَ فِي يَدِهَا. وَأَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ. فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمّا جَاءَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "عَلَىَ مَكَانِكُمَا" فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتّىَ وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَىَ صَدْرِي. ثُمّ قَالَ: "أَلاَ أُعَلّمُكُمَا خَيْراً مِمّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبّرَا اللّهَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ. وَتُسَبّحَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيْعٌ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "أَخَذْتُمَا مَضْجَعَكُمَا مِنَ اللّيْلِ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ عَلِيَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَىَ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ عَلِيّ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفّينَ.
وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيلَىَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفّيْنَ؟
حدّثني أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيّ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). حَدّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ) عَنْ سُهَيْلٍ. عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ فَاطِمَةَ أَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِماً. وَشَكَتِ الْعَمَلَ. فَقَالَ: "مَا أَلْفَيْتِيهِ عِنْدَنَا" قَالَ: "أَلاَ أَدُلّكِ عَلَىَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ؟ تُسَبّحِيْنَ ثَلاَثاً وَثلاَثِينَ. وَتَحْمَدِينَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتُكَبّرينَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ. حِينَ تَأْخُذِينَ مَضْجَعَكِ".
وحدّثنيهِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيْدٍ الدّارِمِيّ حَدّثَنَا حَبّانُ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ حَدّثَنَا سُهَيْلٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قوله: (وهي في مسجدها) أي موضع صلاتها. قوله: (سبحان الله وبحمده مداد كلماته) هو بكسر الميم قيل معناه مثلها في العدد، وقيل مثلها في أنها لا تنفذ، وقيل في الثواب، والمداد هنا مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء. قال العلماء: واستعمله هنا مجاز لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعد ولا غيره والمراد المبالغة به في الكثرة لأنه ذكر أولاً ما يحصره العد الكثير من عدد الخلق ثم زنة العرش، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك وعبر عنه بهذا أي ما لا يحصيه عدكما لا تحصى كلمات الله تعالى. قوله: (عن أبي رشدين) هو بكسر الراء وهو كريب المذكور في الرواية الأولى.
قوله في حديث علي وفاطمة رضي الله عنهما: (حتى وجدت برد قدمه على صدري) كذا هو في نسخ مسلم قدمه مفردة، وفي البخاري قدميه بالتثنية وهي زيادة ثقة لا تخالف الأولى. قوله: (قيل لعلي رضي الله عنه ما تركتهن ليلة صفين قال ولا ليلة صفين) معناه لم يمنعني منهن ذلك الأمر والشغل الذي كنت فيه، وليلة صفين هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
*2* باب استحباب الدعاء عند صياح الديك
*حدّثني قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيْدٍ، حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدّيَكَةِ، فَاسْأَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ. فَإِنّهَا رَأَتْ مَلَكاً. وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ، فَتَعَوّذُوا بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ. فَإِنّهَا رَأَتْ شَيْطَاناً".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا" قال القاضي: سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص، وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم.
*2* باب دعاء الكرب
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشَارٍ وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيْدٍ (واللّفْظُ لاِبْنِ سَعِيْدٍ). قَالُوا: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: "لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ. لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ رَبّ السّمَاوَاتِ وَرَبّ الأَرْضِ وَرَبّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيَعٌ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَحَدِيثُ مُعَاذِ ابْنِ هِشَامٍ أَتَمّ.
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا سَعِيْدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةُ عَنْ قَتَادَةَ أَنّ أَبَا الْعَالِيَةِ الرّيَاحِيّ حَدّثَهُمْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهِنّ وَيَقُولُهُنّ عِنْدَ الْكَرْبِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ. قَالَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ. وَزَادَ مَعَهُنّ: "لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ رَبّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ".
فيه حديث ابن عباس وهو حديث جليل ينبغي إِلاعتناء به والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة. قال الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب، فإن قيل هذا ذكر وليس فيه دعاء فجوابه من وجهين مشهورين: أحدهما أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء. والثاني جواب سفيان بن عيينة فقال: أما علمت قوله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين؟ وقال الشاعر:
إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء
قوله: (كان إذا حزبه أمر) هو بحاء مهملة ثم زاي مفتوحتين ثم موحدة أي نابه وألم به أمر شديد. قال القاضي: قال بعض العلماء وهذه الفضائل المذكورة في هذه الأذكار إنما هي لأهل الشرف في الدين والطهارة من الكبائر دون المصرين وغيرهم، قال القاضي: وهذا فيه نظر والأحاديث عامة.
*2* باب فضل سبحان الله وبحمده
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا حَبّان بْنُ هِلاَلٍ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سَعِيْدٌ الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ الْجَسْرِيّ، عَنِ ابْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيّ الْكَلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَا اصْطَفَىَ اللّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ أَبِي بُكْيرٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ الْجِسْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبّ الْكَلاَمِ إِلَىَ اللّهِ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَخْبِرْنِي بِأَحَبّ الْكَلاَمِ إِلَىَ اللّهِ. فَقَالَ "إِنّ أَحَبّ الْكَلاَمِ إِلَىَ اللّهِ، سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ".
قوله: (عن أبي عبد الله الجسري) بفتح الجيم وكسرها وبالسين المهملة اسمه حمير بكسر الحاء وبالراء هذا هو الأصح الأشهر، وقيل حميد بن بشير يقال العنزي الجسري منسوب إلى بني جسر وهم بطن من بني عنزة وهو جسر بن تيم بن القدم بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن ضرار بن معد بن عدنان، كذا ذكره السمعاني وآخرون. قوله صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده" وفي رواية: أفضل هذا محمول على كلام الاَدمي وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل والله أعلم.
*2* باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب
*حدّثني أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْوَكِيعيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمّ الدّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلاّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ، بِمِثْلٍ".
حدّثنا إِسْحَقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ سَرْوَانَ الْمُعَلّمُ. حَدّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ كَرِيزٍ. قَالَ: حَدّثَتنِي أُمّ الدّرْدَاءِ قَالَتْ: حَدّثَنِي سَيّدِي أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيْسَى بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ) وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدّرْدَاءُ قَالَ: قَدِمْتُ الشّامَ. فَأَتَيْتُ أَبَا الدّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ. وَوَجَدْتُ أُمّ الدّرْدَاءِ. فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجّ، الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَادْعُ اللّهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ، بِظَهْرِ الْغَيْبِ، مُسْتَجَابَةٌ. عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكّلٌ. كُلّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكّلُ بِهِ: آمِينَ. وَلَكَ بِمِثْلٍ".
قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَىَ السّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدّرْدَاءِ. فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ. يرْوِيهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ هَرُونَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوانَ.
قوله: (عن طلحة بن عبيد بن كريز) هو بفتح الكاف. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل" وفي رواية: "قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل".
وفي رواية: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل". أما قوله صلى الله عليه وسلم بظهر الغيب فمعناه في غيبة المدعو له وفي سره لأنه أبلغ في الإخلاص. قوله: (بمثل) هو بكسر الميم وإسكان الثاء هذه الرواية المشهورة قال القاضي: ورويناه بفتحها أيضا يقال هو مثله ومثيله بزيادة الياء أي عديله سواء، وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضا، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها. قوله: (حدثنا موسى بن سروان المعلم) هكذا رواه عامة الرواة وجميع نسخ بلادنا سروان بسين مهملة مفتوحة، وكذا نقله القاضي عن عامة شيوخهم وقال وعن ابن ماهان أنه بالثاء المثلثة، قال البخاري والحاكم: يقالان جميعا فيه وهما صحيحان، وقال بعضهم فردان بالفاء وهو أنصاري عجلي. قوله: (حدثتني أم الدرداء قالت حدثني سيدي) تعني زوجها أبا الدرداء ففيه جواز تسمية المرأة زوجها سيدها وتوقيره، وأم الدرداء هذه هي الصغرى التابعية واسمها هجيمة وقيل جهيمة.
*2* باب استحباب حمد اللّهِ تعالى بعد الأكل والشرب
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ (واللّفْظُ لاِبْنِ نُمَيْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّه لَيَرْضَىَ عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. أَوْ يَشْرَبَ الشّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها" الأكلة هنا بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغداء والعشاء، وفيه استحباب حمد الله تعالى عقب الأكل والشرب، وقد جاء في البخاري صفة التحميد: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا، وجاء غير ذلك. ولو اقتصر على الحمد لله حصل أصل السنة.
*2* باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مُوَلْى ابْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلاَ، أَوْ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".
حدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ لَيْثٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، مَوْلَىَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ مِنَ الْقُرّاءِ وَأَهْلِ الْفِقْهِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ (وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ) عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ "يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي. فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدّعَاءَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت فلا أو فلم يستجب لي" وفي رواية: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول: دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء" قال أهل اللغة: يقال حسر واستحسر إذا أعيا وانقطع عن الشيء، والمراد هنا أنه ينقطع عن الدعاء، ومنه قوله تعالى: {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} أي لا ينقطعون عنها، ففيه أنه ينبغي إدامة الدعاء ولا يستبطيء الإجابة.