كتاب الرقاق
 *1* كتاب الرقاق
*2* باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء. وبيان الفتنة بالنساء
*حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كُلّهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَينٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا التّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُمْتُ عَلَىَ بَابِ الْجَنّةِ. فَإِذَا عَامّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ. وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدّ مَحْبُوسُونَ. إِلاّ أَصْحَابَ النّارِ. فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَىَ النّارِ. وَقُمْتُ عَلَىَ بَابِ النّارِ. فَإِذَا عَامّةُ مَنْ دَخَلَهَا النّسَاءُ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: قَالَ مُحَمّدٌ صلى الله عليه وسلم: "اطّلَعْتُ فِي الْجَنّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ. وَاطّلَعْتُ فِي النّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءَ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الثّقَفِيّ. أَخْبَرَنَا أَيّوبُ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وحدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ. حَدّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم اطّلَعَ فِي النّارِ. فَذَكرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَيّوبَ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. سَمِعَ أَبَا رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التّيّاحِ قَالَ: كَانَ لِمُطَرّفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ امْرَأَتَانِ. فَجَاءَ مِنْ عِنْدِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتِ الأُخْرَىَ: جِئْتَ مِنْ عِنْدِ فُلاَنَةَ؟ فَقَالَ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. فَحَدّثَنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ أَقَلّ سَاكِنِي الْجَنّةِ النّسَاءُ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التّيّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرّفاً يُحَدّثُ أَنّهُ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ مُعَاذٍ.
حدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ، أَبُو زُرْعَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ بُكْيرٍ. حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ وَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ. عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ، عَن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً، هِيَ أَضَرّ، عَلَىَ الرّجَالِ، مِنَ النّسَاءِ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ وَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيْدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. جَمِيعاً عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: حَدّثَنَا الْمُعَتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِي: حَدّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنّهُمَا حَدّثَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النّاسِ، فِتْنَةً أَضَرّ عَلَىَ الرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ كُلّهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ، قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الدّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ. وَإِنّ اللّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. فَاتّقُوا الدّنْيَا وَاتّقُوا النّسَاءَ. فَإِنّ أَوّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النّسَاءِ".
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشّارٍ: "لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أصحاب الجد محبوسون" هو بفتح الجيم قيل المراد به أصحاب البخت والحظ في الدنيا والغنى والوجاهة بها. وقيل المراد أصحاب الولايات ومعناه محبوسون للحساب ويسبقهم الفقراء بخمسمائة عام كما جاء في الحديث. قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار" معناه من استحق من أهل الغنى النار بكفره أو معاصيه، وفي هذا الحديث تفضيل الفقر على الغنى وفيه فضيلة الفقراء والضعفاء.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك" الفجأة بفتح الفاء وإسكان الجيم مقصورة على وزن ضربة، والفجاءة بضم الفاء وفتح الجيم والمد لغتان وهي البغتة، وهذا الحديث أدخله مسلم بين أحاديث النساء وكان ينبغي أن يقدمه عليها كلها، وهذا الحديث رواه مسلم عن أبي زرعة الرازي أحد حفاظ الإسلام وأكثرهم حفظا، ولم يرو مسلم في صحيحه عنه غير هذا الحديث وهو من أقران مسلم توفي بعد مسلم بثلاث سنين سنة أربع وستين ومائتين.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" هكذا هو في جميع النسخ فاتقوا الدنيا ومعناه تجنبوا إِلافتتان بها وبالنساء، وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن وأكثرهن فتنة الزوجات ودوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن، ومعنى الدنيا خضرة حلوة يحتمل أن المراد به شيئان: أحدهما حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها كالفاكهة الخضراء الحلوة فإن النفوس تطلبها طلبا حثيثا فكذا الدنيا. والثاني سرعة فنائها كالشيء الأخضر في هذين الوصفين، ومعنى مستخلفكم فيها جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته وشهواتكم.
*2* باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيّبِيّ. حَدّثَنِي أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، أَبَا ضَمْرَةَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ. فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ. فَانْحَطّتْ عَلَىَ فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ. فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لله، فَادْعُوا اللّهَ تَعَالَىَ بِهَا، لَعَلّ اللّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللّهُمّ إِنّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ. وَامْرَأَتِي. وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَىَ عَلَيْهِمْ. فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ، حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيّ. وَأَنّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتّىَ أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا. فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ. فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا. أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا. وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصّبْيَةَ قَبْلَهُمَا. وَالصّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيّ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتّىَ طَلَعَ الْفَجْرُ. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، نَرَىَ مِنْهَا السّمَاءَ. فَفَرَجَ اللّهُ مِنْهَا فُرْجَةً. فَرَأَوْا مِنْهَا السّمَاءَ.
وَقَالَ الاَخَرُ: اللّهُمّ إِنّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمَ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدّ مَا يُحِبّ الرّجَالُ النّسَاءَ. وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا. فَأَبَتْ حَتّىَ آتِيهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتّىَ جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ. فَجِئْتُهَا بِهَا. فَلَمّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللّهِ اتّقِ اللّهَ. وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلاّ بِحَقّهِ. فَقُمْتُ عَنْهَا. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً. فَفَرَجَ لَهُمْ.
وَقَالَ الاَخَرُ: اللّهُمّ إِنّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيراً بِفَرَقِ أَرُزَ. فَلَمّا قَضَىَ عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقّي. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ. فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتّىَ جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرَاً وَرِعَاءَهَا. فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتّقِ اللّهَ وَلاَ تَظْلِمْنِي حَقّي. قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَىَ تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا. فَخُذْهَا. فَقَالَ: اتّقِ اللّهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ. خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا. فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ. فَفَرَجَ اللّهُ مَا بَقِيَ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيْدٍ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ رَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنَوْنَ ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ. كُلّهُمْ عَنْ نَافِعٍ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي ضَمْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. وَزَادُوا فِي حَدِيثِهِمْ: "وَخَرَجُوا يَمْشُونَ". وفِي حَدِيثِ صَالِحٍ "يَتَمَاشَوْنَ" إِلاّ عُبَيْدَ اللّهِ فِإِنّ فِي حَدِيثِهِ "وَخَرَجُوا" وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا شَيئاً.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ سَهْلٍ التّمِيمِيّ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ (قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: حَدّثَنَا وَقَالَ الاَخَرَانَ: أَخْبَرَنَا) أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. حَتّىَ آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ" وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: "اللّهُمّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ. فَكُنْتُ لاَ أَغْبُقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً". وَقَالَ: "فَامْتَنَعَتْ مِنّي حَتّىَ أَلَمّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السّنِينَ. فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينارٍ". وَقَالَ: "فَثَمّرْتُ أَجْرَهُ حَتّىَ كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ. فَارْتَعَجَتْ". وَقَالَ: "فَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ"
قوله صلى الله عليه وسلم: "فأووا إلى غار في جبل" الغار النقب في الجبل وأووا بقصر الهمزة ويجوز فتحها في لغة قليلة سبق بيانها قريبا. قوله: "انظروا أعمالاً عملتموها صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها" استدل أصحابنا بهذا على أنه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه وفي دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به لأن هؤلاء فعلوه فاستجيب لهم، وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم، وفي هذا الحديث فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما عمن سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم، وفيه فضل العفاف وإِلانكفاف عن المحرمات لا سيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها ويترك لله تعالى خالصا، وفيه جواز الإجارة وفضل حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة، وفيه إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل الحق. قوله: (فإذا أرحت عليها حلبت) معناه إذا رددت الماضية من المرعى إليهم وإلى موضع مبيتها وهو مراحها بضم الميم يقال أرحت الماشية وروحتها بمعنى. قوله: (نأى بي ذات يوم الشجر) وفي بعض ناء بي، فالأول يجعل الهمزة قبل الألف وبه قرأ أكثر القراء السبعة، والثاني عكسه وهما لغتان وقراءتان ومعناه بعد والثاني البعد. قوله: (فجئت بالحلاب) هو بكسر الحاء وهو الإناء الذي يحلب فيه يسع حلبة ناقة ويقال له المحلب بكسر الميم، قال القاضي: وقد يريد بالحلاب هنا اللبن المحلوب. قوله: (والصبية يتضاغون) أي يصيحون ويستغيثون من الجوع. قوله: (فلم يزل ذلك دأبي) أي حالي اللازمة، والفرجة بضم الفاء وفتحها ويقال لها أيضا فرج سبق بيانها مرات. قوله: (وقعت بين رجليها) أي جلست جلس الرجل للوقاع. قولها: (لا تفتح الخاتم إلا بحقه) الخاتم كناية عن بكارتها، وقوله بحقه أي بنكاح لا بزنا. قوله: (بفرق أرز) الفرق بفتح الراء وإسكانها لغتان الفتح أجود وأشهر وهو إناء يسع ثلاثة آصع وسبق شرحه في كتاب الطهارة. قوله: (فرغب عنه) أي كرهه وسخطه وتركه. وقوله: (لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً) فقوله لا أغبق بفتح الهمزة وضم الباء أي ما كنت أقدم عليهما أحدا في شرب نصيبهما غشاء من اللبن، والغبوق شرب العشاء، والصبوح شرب أول النهار، يقال منه غبقت الرجل بفتح الباء أغبقه بضمها مع فتح الهمزة غبقا فاغتبق أي سقيته عشاء فشرب، وهذا الذي ذكرته من ضبطه متفق عليه في كتب اللغة وكتب غريب الحديث والشروح، وقد يصحفه بعض من لا أنس له فيقول أغبق بضم الهمزة وكسر الباء وهذا غلط. قوله: (ألمت بها سنة) أي وقعت في سنة قحط. قوله: (فثمرت أجره) أي ثمنه. قوله: (حتى كثرت منه الأموال فارتجعت) هو بالعين المهملة ثم الجيم أي كثرت حتى ظهرت حركتها واضطرابها وموج بعضها في بعض لكثرتها، والارتعاج الاضطراب والحركة، واحتج بهذا الحديث أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ممن يجيز بيع الإنسان مال غيره والتصرف فيه بغير إذن مالكه إذا أجازه المالك بعد ذلك، وموضع الدلالة قوله فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاءها. وفي رواية البخاري: فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق. وأجاب أصحابنا وغيرهم ممن لا يجيز التصرف المذكور بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا، وفي كونه شرعا لنا خلاف مشهور للأصوليين، فإن قلنا ليس بشرع لنا فلا حجة وإلا فهو محمول على أنه استأجره بارز في الذمة ولم يسلم إليه بل عرضه عليه فلم يقبله لرداءته فلم يتعين من غير قبض صحيح فبقي على ملك المستأجر لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح، ثم أن المستأجر تصرف فيه وهو ملكه فصح تصرفه سواء اعتقده لنفسه أم للأجير، ثم تبرع بما اجتمع منه من الإبل والبقر والغنم والرقيق على الأجير بتراضيهما والله أعلم.