كتاب صفة القيامة والجنة والنار
 *1* كتاب صفة القيامة والجنّة والنّار
*2* باب
*حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ بُكَيْرٍ. حَدّثَنِي الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّهُ لَيَأْتِي الرّجُلُ الْعَظِيمُ السّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. اقْرَؤُوا: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} (الكهف الاَية: 1).
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا فُضَيْلٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السّلْمَانِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنّ اللّهَ تَعَالَىَ يُمْسِكُ السّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَالأَرَضِينَ عَلىَ إِصْبَعٍ. وَالْجِبَالَ وَالشّجَرَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَالْمَاءَ وَالثّرَىَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَىَ إِصْبَعٍ. ثُمّ يَهُزّهُنّ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجّباً مِمّا قَالَ الْحَبْرُ. تَصْدِيقاً لَهُ. ثُمّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسّمَاوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ} (الزمر الاَية: ).
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيْلٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: ثُمّ يَهُزّهُنّ.
وَقَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتّىَ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجّباً لِمَا قَالَ: تَصْدِيقاً لَهُ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ} وَتَلاَ الاَيَةَ.
حدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلِى رَسوُلِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنّ اللّهَ يُمْسِكُ السّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ. وَالأَرَضِينَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَالشّجَرَ وَالثّرَىَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ. ثُمّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. أَنَا الْمَلِكُ. قَالَ فَرَأَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتّىَ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. ثُمّ قَرَأَ: وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَيْسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعاً: وَالشّجَرَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَالثّرَىَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: وَالْخَلاَئِقَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَلَكِنْ فِي حَدِيثِهِ: وَالْجِبَالَ عَلَىَ إِصْبَعٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: تَصْدِيقاً لَهُ تَعَجّباً لِمَا قَالَ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي ابْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقْبِضُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيَطْوِي السّمَاءَ بِيَمِينِهِ. ثُمّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَطْوِي اللّهُ عَزّ وَجَلّ السّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمّ يَأْخُذُهُنّ بِيَدِهِ الْيُمْنَىَ. ثُمّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَيْنَ الْجَبّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبّرُونَ؟ ثُمّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ. ثُمّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَيْنَ الْجَبّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبّرُونَ؟".
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ). حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَأخُذُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ. فَيَقُولُ: أَنَا اللّهُ.(وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا) أَنَا الْمَلِكُ" حَتّىَ نَظَرْتُ إِلَىَ الْمِنْبَرِ يَتَحَرّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ. حَتّىَ إِنّي لأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: "يَأْخُذُ الْجَبّارُ، عَزّ وَجَلّ، سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ" ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزن عند الله جناح بعوضة" أي لا يعدله في القدر والمنزلة أي لا قدر له وفيه ذم السمن، والحبر بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح وهو العالم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يمسك السموات على أصبع والأرضين على أصبع إلى قوله ثم يهزهن" هذا من أحاديث الصفات، وقد سبق فيها المذهبان التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد، فعلى قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا على إِلاقتدار أي خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل، والناس يذكرون الأصبع في هذا للمبالغة وإِلاحتقار فيقول أحدهم: بأصبعي أقتل زيدا أي لا كلفة علي في قتله، وقيل: يحتمل أن المراد أصابع بعض مخلوقاته وهذا غير ممتنع، والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة. قوله: "فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه}" ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صديق الحبر في قوله إن الله تعالى يقبض السموات والأرضين والمخلوقات بالأصابع ثم قرأ الاَية التي فيها الإشارة إلى نحو ما يقول. قال القاضي: وقال بعض المتكلمين ليس ضحكه صلى الله عليه وسلم وتعجبه وتلاوته للاَية تصديقا للحبر بل هو رد لقوله وإنكار وتعجب من سواء اعتقاده، فإن مذهب اليهود التجسيم ففهم منه ذلك، وقوله تصديقا له إنما هو من كلام الراوي على ما فهم والأول أظهر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يطوي الأرضين بشماله". وفي رواية: "أن ابن مقسم نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأخذ الله سمواته وأرضيه بيديه ويقول: أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه" قال العلماء: المراد بقوله يقبض أصابعه ويبسطها النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: إن ابن مقسم نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إطلاق اليدين لله تعالى فمتأول على القدرة وكني عن ذلك باليدين لأن أفعالنا باليدين فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوضح وأوكد في النفوس، وذكر اليمين والشمال حتى يتم المثال لأنها نتناول باليمين ما نكرمه وبالشمال ما دونه، ولأن اليمين في حقنا يقوي لما لا يقوي له الشمال، ومعلوم أن السموات أعظم من الأرض فأضافها إلى اليمين والأرضين إلى الشمال ليظهر التقريب في الاستعارة، وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شيء ولا أثقل من شيء، هذا مختصر كلام المازري في هذا قال القاضي: وفي هذا الحديث ثلاثة ألفاظ: يقبض ويطوي ويأخذ كله بمعنى الجمع لأن السموات مبسوطة والأرضين مدحوة وممدودة، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة وتبديل الأرض غير الأرض والسموات، فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض ورفعها وتبديلها بغيرها، قال: وقبض النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وحكاية للمبسوط والمقبوض وهو السموات والأرضون لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى، ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة. وقوله في المنبر: (يتحرك من أسفل شيء منه) أي من أسفله إلى أعلاه لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى، ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة، قال القاضي: ويحتمل أن يكون بنفسه هيبة لسمعه كما حن الجذع، ثم قال والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل: ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق، فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفي علينا آمنا به وكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى وبالله التوفيق. قوله: (والشجر والثرى على أصبع) الثرى هو التراب الندي. قوله: (بدت نواجذه) بالذال المعجمة أي أنيابه.
*2* باب ابتداء الخلق، وخلق آدم عليه السلام
*حدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَافِع، مَوْلَىَ أُمّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَقَالَ: "خَلَقَ اللّهُ، عَزّ وَجَلّ، التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ. وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ. وَخَلَقَ الشّجَرَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ. وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثّلاَثَاءِ. وَخَلَقَ النّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ. وَبَثّ فِيهَا الدّوَابّ يَوْمَ الْخَمِيسِ. وَخَلَقَ آدَمَ، عَلَيْهِ السّلاَمُ، بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فِي آخِرِ الْخَلْقِ. فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ. فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَىَ اللّيْلِ".
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدّثَنَا الْبِسْطَامِيّ (وَهُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيْسَىَ)، وَسَهْلُ بْنُ عَمّارٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ بِنْتِ حَفْصٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ حَجّاجٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خلق المكروه يوم الثلاثاء" كذا رواه ثابت بن قاسم قال: وهو ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره من جواهر الأرض، وكل شيء يقوم به صلاح شيء فهو تقنه ومنه إتقان الشيء وهو إحكامه. قلت: ولا منافاة بين الروايتين فكلاهما خلق يوم الثلاثاء. قولهصلى الله عليه وسلم: "وخلق النور يوم الأربعاء". كذا هو في صحيح مسلم النور بالراء، وروايات ثابت بن قاسم النون بالنون في آخره، قال القاضي: وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم وهو الحوت ولا منافاة أيضا فكلاهما خلق يوم الأربعاء بفتح الهمزة وكسر الباء وفتحها وضمها ثلاث لغات حكاهن صاحب المحكم وجمعه أربعاوات وحكي أيضا أرابيع.
*2* باب في البعث والنشور، وصفة الأَرض يوم القيامة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدّثَنِي أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىَ أَرْضٍ بَيْضَاءَ، عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النّقِيّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: {يَوْمَ تُبَدّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسّمَاوَاتُ} (إبراهيم الاَية: ). فَأَيْنَ يَكُونُ النّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ "عَلَىَ الصّرَاطِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد" العفراء بالعين المهملة والمد بيضاء إلى حمرة والنقي بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء هو الدقيق الحوري وهو الدرمك وهو الأرض الجيدة، قال القاضي: كأن النار غيرت بياض وجه الأرض إلى الحمرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيها علم لأحد" هو بفتح العين واللام أي ليس بها علامة سكنى أو بناء ولا أثر.
*2* باب نزل أهل الجنة
*حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً. يَكْفَؤُهَا الْجَبّارُ بِيَدِهِ. كَمَا يَكْفَؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السّفَرِ. نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنّةِ". قَالَ: فَأَتَىَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالَ: بَارَكَ الرّحْمَنُ عَلَيْكَ، أَبَا الْقَاسِمِ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "بَلَىَ" قَالَ: تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً (كَمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم). قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمّ ضَحِكَ حَتّىَ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: "بَلَىَ" قَالَ "إِدَامُهُمْ بَالاَمُ وَنُونٌ. قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ. يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفاً".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيْبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنَا قُرّةُ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بَايَعَنِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ لَمْ يَبْقَ عَلَىَ ظَهْرِهَا يَهُودِيّ إِلاّ أَسْلَمَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يكفأها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة" أما النزل فبضم النون والزاي ويجوز إسكان الزاي وهو ما يعد للضيف عند نزوله. وأما الخبزة فبضم الخاء قال أهل اللغة: هي الظلمة التي توضع في الملة. ويكفأها بالهمز وروي في غير يتكفأها بالهمز أيضا، وخبزة المسافر هي التي يجعلها في الملة ويتكفأها بيديه أي يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها، وقد سبق الكلام في اليد في حق الله تعالى وتأويلها قريبا مع القطع باستحالة الجارحة ليس كمثله شيء، ومعنى الحديث أن الله تعالى يجعل الأرض كالظلمة والرغيف العظيم ويكون ذلك طعاما نزلاً لأهل الجنة والله على كل شيء قدير. قوله: (إدامهم بالام ونون، قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زائد كبدهما سبعون ألفا) أما النون فهو الحوت باتفاق العلماء، وأما بالام فبباء موحدة مفتوحة وبتخفيف اللام وميم مرفوعة غير منونة، وفي معناها أقوال مضطربة الصحيح منها الذي اختاره القاضي وغيره من المحققين أنها لفظة عبرانية معناه بالعبرانية ثور وفسره بهذا ولهذا سألوا اليهودي عن تفسيرها، ولو كانت عربية لعرفتها الصحابة ولم يحتاجوا إلى سؤاله عنها، فهذا هو المختار في بيان هذه اللفظة. وقال الخطابي: لعل اليهودي أراد التعمية عليهم فقطع الهجاء وقدم أحد الحرفين على الاَخر وهي لام ألف وياء يريد لأي على وزن لعا وهو الثور الوحشي فصحف الراوي الياء المثناة فجعلها موحدة، قال الخطابي: هذا أقرب ما يقع فيه والله أعلم. وأما زائدة الكبد وهي القطعة المنفردة المتعلقة في الكبد وهي أطيبها. وأما قوله يأكل منها سبعون ألفا فقال القاضي يحتمل أنهم السبعون ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب فخصوا بأطيب النزل، ويحتمل أنه عبر بالسبعين ألفا عن العدد الكثير ولم يرد الحصر في ذلك القدر وهذا معروف في كلام العرب والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو بايعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم" قال صاحب التحرير: المراد عشرة من أحبارهم.
*2* باب سؤال اليهود النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن الروح، وَقوله تعالى: يسألونك عن الروح، الاَية
*حدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ، وَهُوَ مُتّكِئٌ عَلَىَ عَسِيبٍ، إِذْ مَرّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرّوحِ. فَقَالُوا: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ؟ لاَ يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ. فَقَالُوا: سَلُوهُ. فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنِ الرّوحِ. قَالَ: فَأَسْكَتَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئاً. فَعَلِمْتُ أَنّهُ يُوحَىَ إِلَيْهِ. قَالَ: فَقُمْتُ مَكَانِي. فَلَمّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ، قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} (الإِسراء الاَية: ).
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ. بِنَحوِ حَدِيثِ حَفْصٍ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً. وَفِي حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ: وَمَا أُوتُوا، مِنِ رِوَايَةِ ابْنِ خَشْرَمٍ.
حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ إِدْرِيسَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَرْوِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي نَخْلٍ يَتَوَكّأُ عَلَىَ عَسِيبٍ. ثُمّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجّ (وَاللّفْظُ لِعَبْدِ اللّهِ). قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضّحَىَ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبّابٍ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ. فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. فَقَالَ لِي: لَنْ أَقْضِيَكَ حَتّىَ تَكْفُرَ بِمُحَمّدٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنّي لَنْ أَكْفُرَ بِمُحَمّدٍ حَتّىَ تَمُوتَ ثُمّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِن رجَعْتُ إِلَىَ مَالٍ وَوَلَدٍ.
قَالَ وَكِيعٌ: كَذَا قَالَ الأَعْمَشُ. قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: {أَفَرَأَيْتَ الّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنّ مَالاً وَوَلَداً} (مريم الاَية: ) إِلَىَ قوله: {وَيَأْتِينَا فَرْداً}.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ وَكِيعٍ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: قَالَ: كُنْتُ قَيْناً فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ عَمَلاً، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ.
قوله: (كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب) فقوله في حرث بثاء مثلثة وهو موضع الزرع وهو مراده بقوله في الرواية الأخرى في نخل، واتفقت نسخ صحيح مسلم على أنه حرث بالثاء المثلثة، وكذا رواه البخاري في مواضع، ورواه في أول الكتاب في باب ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً خرب بالباء الموحدة والخاء المعجمة جمع خراب قال العلماء الأول أصوب وللاَخر وجه ويجوز أن يكون الموضع فيه الوصفان. وأما العسيب فهو جريدة النخل. وقوله: (متكيء عليه) أي معتمد. قوله: (سلوه عن الروح فقالوا ما رابكم إليه لا يستقبلكم بشيء تكرهونه) هكذا في جميع النسخ ما رابكم إليه أي ما دعاكم إلى سؤاله، أو ما شككم فيه حتى احتجتم إلى سؤاله، أو ما دعاكم إلى سؤال تخشون سوء عقباه. قوله: (فأسكت النبي صلى الله عليه وسلم) أي سكت، وقيل أطرق، وقيل أعرض عنه. قوله: (فلما نزل الوحي قال يسألونك عن الروح) وكذا ذكره البخاري في أكثر أبوابه، قال القاضي: وهو وهم وصوابه ما سبق في رواية ابن ماهان فلما انجلى عنه، وكذا رواه البخاري في وضع، وفي موضع فلما صعد الوحي وقال: وهذا وجه الكلام لأنه قد ذكر قبل ذلك نزول الوحي عليه، قلت: وكل الروايات صحيحة، ومعنى رواية مسلم أنه لما نزل الوحي وتم نزل قوله تعالى: {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} هكذا هو في بعض النسخ أوتيتم على وفق القراءة المشهورة، وفي أكثر نسخ البخاري ومسلم: {وما أوتوا من العلم إلا قليلاً} قال المازري: الكلام في الروح والنفس مما يغمض ويدق ومع هذا فأكثر الناس فيه الكلام وألفوا فيه التآليف، قال أبو الحسن الأشعري: هو النفس الداخل والخارج، وقال ابن الباقلاني: هو متردد بين هذا الذي قاله الأشعري وبين الحياة، وقيل هو جسم لطيف مشارك للأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة، وقال بعضهم: لا يعلم الروح إلا الله تعالى لقوله تعالى: {قل الروح من أمر ربي} وقال الجمهور: هي معلومة واختلفوا فيها على هذه الأقوال، وقيل هي الدم، وقيل غير ذلك، وليس في الاَية دليل على أنها لا تعلم ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلمها، وإنما أجاب بما في الاَية الكريمة لأنه كان عندهم أنه إن أجاب بتفسير الروح فليس بنبي، وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث والله أعلم.
قوله: (كنت قينا في الجاهلية) أي حدادا.
*2* باب في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ ليعذبهم وأنت فيهم، الاَية
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَريّ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الزّيَادِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللّهُمّ! إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(8 الأنفال الاَيتان: و ) إِلَىَ آخِرِ الاَيَةِ.
*2* باب قوله: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ. حَدّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفّرُ مُحَمّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللاّتِ وَالْعُزّىَ لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنّ عَلَىَ رَقَبَتِهِ. أَوْ لأُعفّرَنّ وَجْهَهُ فِي التّرَابِ. قَالَ: فَأَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلّي. زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَىَ رَقَبَتِهِ. قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاّ وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَيَتّقِي بِيَدَيْهِ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقاً مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً.
فقالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ دَنَا لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْواً عُضْواً".
قَالَ: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لاَ نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَو شَيْءٌ بَلَغَهُ : {كَلاّ إِنّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَىَ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىَ إِنّ إِلَىَ رَبّكَ الرّجْعَىَ أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ عَبْداً إِذَا صَلّىَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَىَ الْهُدَىَ أَوْ أَمَرَ بِالتّقْوَىَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَذّبَ وَتَوَلّىَ} (يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ) {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنّ اللّهَ يَرَىَ كَلاّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزّبَانِيَةَ كَلاّ لاَ تُطِعْهُ} (العلق الاَيات: 6 ).
زَادَ عُبَيْدُ اللّهِ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: وَأَمَرَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ.
وزادَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ. يَعْنِي قَوْمَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "هل يعفر محمد وجهه" أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو التراب. قوله: (فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه) أما فجئهم فبكسر الجيم ويقال أيضا فجأهم لغتان، وينكص بكسر الكاف رجع على عقبيه يمشي على ورائه. قوله: "إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولاً وأجنحة كأجنحة الملائكة" ولهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل وغيره ممن أراد به ضررا، قال الله تعالى: {والله يعصمك من الناس} وهذه الاَية نزلت بعد الهجرة والله أعلم.
*2* باب الدخان
*حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضّحَىَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنّا عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ جُلُوساً. وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ: إِنّ قَاصّا عِنْدَ بَابِ كِنْدَةَ يَقُصّ وَيَزْعُمُ أَنّ آيَةَ الدّخَانِ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفّارِ. وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ، وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ: يَا أَيّهَا النّاسُ إِتّقُوا اللّهَ. مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئاً، فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ. وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلْيَقُلِ: اللّهُ أَعْلَمُ. فَإِنّهُ أَعْلَمُ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ، لِمَا لاَ يَعْلَمُ: اللّهُ أَعْلَمُ. فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَالَ لِنَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلّفِينَ}( ص الاَية: ). إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا رَأَىَ مِنَ النّاسِ إِدْبَاراً. فَقَالَ: "اللّهُمّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ" قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصّتْ كُلّ شَيْءٍ. حَتّىَ أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ. وَيَنْظُرُ إِلَىَ السّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَىَ كَهَيْئَةِ الدّخَانِ. فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إِنّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللّهِ وَبِصِلَةِ الرّحِمِ. وَإِنّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا. فَادْعُ اللّهَ لَهُمْ. قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الدخان الاَيتان: و ) إِلَىَ قوله: {إِنّكُمْ عَائِدُونَ}.
قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الاَخِرَةِ؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىَ إِنّا مُنْتَقِمُونَ} ( الدخان الاَية: ). فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللّزَامُ، وَآيَةُ الرّومِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو كُرَيبٍ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ). قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: جَاءَ إلَى عَبْدِ اللّهِ رَجُلٌ فَقَالَ: تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلاً يُفَسّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ. يُفَسِرّ هَذِهِ الاَيَةَ: يَوْمَ تَأَتِي السّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. قَالَ: يَأْتِي النّاسَ يَومَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ. حَتّىَ يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: مَنْ عَلِمَ عِلْماً فَلْيَقُلْ بِهِ. وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللّهُ أَعْلَمُ. فَإِنّ مِنْ فِقْهِ الرّجُلِ أَنْ يَقُولَ، لِمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللّهُ أَعْلَمُ. إِنّمَا كَانَ هَذَا، أَنّ قُرَيْشاً لَمّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ. حَتّىَ جَعَلَ الرّجُلُ يَنْظُرُ إِلَىَ السّمَاءِ فَيَرَىَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ. وَحَتّىَ أَكَلُوا الْعِظَامَ. فَأَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَغْفِرِ اللّهَ لِمُضَرَ فَإِنّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ "لِمُضَرَ؟ إِنّكَ لَجَرِيءٌ" قَالَ: فَدَعَا اللّهَ لَهُمْ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {إِنّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنّكُمْ عَائِدُونَ} (الدخان الاَية: ).
قَالَ: فَمُطِرُوا. فَلَمّا أَصَابَتْهُمُ الرّفَاهِيَةُ، قَالَ: عَادُوا إِلَىَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَىَ النّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الدخان الاَيتان: ). {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىَ إِنّا مُنْتَقِمُونَ} (الدخان الاَيات: ). قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضّحَىَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدّخَانُ، وَاللّزَامُ، والرّومُ، والْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ.
حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيّ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ الْجَزّارِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلىَ عَنْ أُبَيّ ابْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: {وَلَنُذِيقَنّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَىَ دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} (السجدة الاَية: ). قَالَ: مَصَائِبُ الدّنْيَا، وَالرّومُ، وَالْبَطْشَةُ، أَوِ الدّخَانُ (شُعْبَةُ الشّاكّ فِي البَطْشَةِ أَوِ الدّخَانِ).
قوله: (إن قاصا عند أبواب كنودة) هو باب بالكوفة. قوله: (فأخذتهم سنة حصت كل شيء) السنة القحط والجدب ومنه قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} وحصت بحاء وصاد مشددة مهملتين أي استأصلته. قوله: (أفيكشف عذاب الاَخرة) هذا استفهام إنكار على من يقول إن الدخان يكون يوم القيامة كما صرح به في الرواية الثانية فقال ابن مسعود: هذا قول باطل لأن الله تعالى قال: {إنا كاشفو العذاب قليلاً إنكم عائدون} ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الاَخرة إنما هو في الدنيا. قوله صلى الله عليه وسلم: "كسني يوسف" بتخفيف الياء. قوله: (فأصابهم قحط وجهد) بفتح الجيم أي مشقة شديدة وحكي ضمها. قوله: (فقال يا رسول الله استغفر الله لمضر) هكذا وقع في جميع نسخ مسلم استغفر الله لمضر، وفي البخاري: "استسق الله لمضر" قال القاضي: قال بعضهم استسق هو الصواب اللائق بالحال لأنهم كفار لا يدعى لهم بالمغفرة. قلت: كلاهما صحيح فمعنى استسق اطلب لهم المطر والسقيا، ومعنى استغفر ادع لهم بالهداية التي يترتب عليها الاستغفار. قوله: (مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم) وفسرها كلها في الكتاب إلا اللزام والمراد به قوله سبحانه وتعالى: {فسوف يكون لزاما} أي يكون عذابهم لازما، قالوا: وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر وهي البطشة الكبرى.
*2* باب انشقاق القمر
*حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: انْشَقّ الْقَمَرُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِقّتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْهَدُوا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا عُمْرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التّمِيْمِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنىً، إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ. فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْهَدُوا".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقّ الْقَمَرُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِلْقَتَيْنِ. فَسَتَرَ الْجَبَلُ فِلْقَةً. وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ اشْهَدْ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ.
وحدّثنيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. بِإِسْنَادِ ابْنِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيَ: فَقَالَ: "اشْهَدُوا. اشْهَدُوا".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنّ أَهْلَ مَكّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيةً. فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، مَرّتَيْنِ.
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ شَيْبَانَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ أَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ أَبُو دَاوُدَ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: انْشَقّ الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: انْشَقّ الْقَمَرُ عَلَىَ عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا مُوسَى بْنُ قُرَيْشٍ التّمِيْمِيّ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدُ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: إِنّ الْقَمَرَ انْشَقّ عَلَىَ زَمَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي: انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الاَية الكريمة وسياقها، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين المخالفي الملة وذلك لما أعمى الله قلبه ولا إنكار للعقل فيها لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره. وأما قول بعض الملاحدة: لو وقع هذا لنقل متواترا واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته ولم يختص بها أهل مكة فأجاب العلماء بأن هذا إِلانشقاق حصل في الليل ومعظم الناس نيام غافلون والأبواب مغلقة وهم متغطون بثيابهم، فقال من يتفكر في السماء أو ينظر إليها إلا الشاذ النادر، ومما هو مشاهد معتاد أن كسوف القمر وغيره من العجائب والأنوار الطالع والشهب العظام وغير ذلك مما يحدث في السماء في الليل يقع ولا يتحدث بها إلا الاَحاد ولا علم عند غيرهم لما ذكرناه، وكان هذا الإنشقاق آية حصلت في الليل لقوم سألوها واقترحوا رؤيتها فلم يتنبه غيرهم لها، قالوا: وقد يكون القمر كان حينئذ في بعض المجاري والمنازل التي تظهر لبعض الاَفاق دون بعض كما يكون ظاهرا لقوم غائبا عن قوم كما يجد الكسوف أهل بلد دون بلد والله أعلم.
قوله: (وحدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي كلاهما عن شعبة بإسناد ابن معاذ) هكذا هو في عامة النسخ بإسناد ابن معاذ، وفي بعضها بإسنادي معاذ، قال القاضي: وغير هذا أشبه بالصحة لأنه ذكر لمعاذ إسنادين قبل هذا والأول أيضا صحيح لأن الإسنادين من رواية ابن معاذ عن أبيه.
*2* باب لا أحد أصبر على أذى، من اللّه عز وجل
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَىَ أَذىً يَسْمَعُهُ مِنَ اللّهِ عَزّ وَجَلّ. إِنّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. إِلاّ قَوْلَهُ "وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ" فَإِنّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ.
وحدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّقَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَىَ أَذىً يَسْمَعُهُ مِنَ اللّهِ تَعَالَىَ. إِنّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدّا. وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَداً، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ".
قال صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم يعافيهم ويزرقهم" قال العلماء: معناه أن الله تعالى واسع الحلم حتى على الكافر الذي ينسب إليه الولد والند. قال المازري: حقيقة الصبر منع النفس من إِلانتقام أو غيره، فالصبر نتيجة إِلامتناع فأطلق اسم الصبر على إِلامتناع في حق الله تعالى لذلك، قال القاضي: والصبور من أسماء الله تعالى وهو الذي لا يعاجل العصاة بإِلانتقام وهو بمعنى الحليم في أسمائه سبحانه وتعالى، والحليم هو الصفوح مع القدرة على الإنتقام.
*2* باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا
*حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ لأَهْوَنِ أَهْلِ النّارَ عَذَاباً: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لاَ تُشْرِكَ (أَحْسَبُهُ قَالَ) وَلاَ أُدْخِلَكَ النّارَ. فَأَبَيْتَ إِلاّ الشّرْكَ".
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. إِلاّ قَوْلَهُ "وَلاَ أُدْخِلَكَ النّارَ" فَإِنّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنْسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُقَالُ لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً، أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. ح وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ). كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ. قَدْ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها؟ فيقول نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك إلى قوله: فأبيت إلا الشرك" وفي رواية: "فيقال قد سئلت أيسر من ذلك" وفي رواية: "فيقال كذبت قد سئلت أيسر من ذلك" المراد بأردت في الرواية الأولى طلبت منك وأمرتك، وقد أوضحه في الروايتين الأخيرتين بقوله قد سئلت أيسر فيتعين تأويل أردت على ذلك جمعا بين الروايات، لأنه يستحيل عند أهل الحق أن يريد الله تعالى شيئا فلا يقع، ومذهب أهل الحق أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات خيرها وشرها ومنها الإيمان والكفر، فهو سبحانه وتعالى مريد لإيمان المؤمن ومريد لكفر الكافر، خلافا للمعتزلة في قولهم: إنه أراد إيمان الكافر ولم يرد كفره تعالى الله عن قولهم الباطل فإنه يلزم من قولهم إثبات العجز في حقه سبحانه وأنه وقع في ملكه ما لم يرده. وأما هذا الحديث فقد بينا تأويله. وأما قوله فيقال له كذبت فالظاهر أن معناه أن يقال له لو رددناك إلى الدنيا وكانت لك كلها أكنت تفتدي بها؟ فيقول نعم، فيقال له: كذبت قد سئلت أيسر من ذلك فأبيت، ويكون هذا من معنى قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} ولا بد من هذا التأويل ليجمع بينه وبين قوله تعالى: {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة} أي لو كان لهم يوم القيامة ما في الأرض جميعا ومثله معه وأمكنهم إِلافتداء لافتدوا، وفي هذا الحديث دليل على أنه يجوز أن يقول الإنسان الله يقول، وقد أنكره بعض السلف وقال: يكره أن يقول الله يقول وإنما يقال قال الله، وقد قدمنا فساد هذا المذهب وبينا أن الصواب جوازه، وبه قال عامة العلماء من السلف والخلف، وبه جاء القرآن العزيز في قوله تعالى: {والله يقول الحق} وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مثل هذا والله أعلم.
*2* باب يحشر الكافر على وجهه
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَىَ وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ "أَلَيْسَ الّذِي أَمْشَاهُ عَلَىَ رِجْلَيْهِ فِي الدّنْيَا، قَادِراً عَلَىَ أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَىَ وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟".
قَالَ قَتَادَةُ: بَلَىَ. وَعِزّةِ رَبّنَا
*2* باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار، وصبغ أشدهم بؤساً في الجنة
*حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَىَ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدّنْيَا، مِنْ أَهْلِ النّارِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُصْبَغُ فِي النّارِ صَبْغَةً: ثُمّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطّ؟ هَلْ مَرّ بِكَ نَعِيمٌ قَطّ؟ فَيَقُولُ: لاَ. وَاللّهِ يَا رَبّ وَيُؤْتَىَ بِأَشَدّ النّاسِ بُؤْساً فِي الدّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنّةِ. فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطّ؟ هَلْ مَرّ بِكَ شِدّةٌ قَطّ؟ فَيَقُولُ: لاَ. وَاللّهِ يَا رَبّ مَا مَرّ بِي بُؤْسٌ قَطّ. وَلاَ رَأَيْتُ شِدّةً قَطّ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "فيصبغ في النار صبغة" الصبغة بفتح الصاد أي يغمس غمسة والبؤس بالهمز هو الشدة والله أعلم.
*2* باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والاَخرة، وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِزُهَيرٍ). قَالاَ: حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا هَمّامُ بْنُ يَحْيَىَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً. يُعْطَىَ بِهَا فِي الدّنْيَا وَيُجْزَىَ بِهَا فِي الاَخِرَةِ. وَأَمّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للّهِ فِي الدّنْيَا. حَتّىَ إِذَا أَفْضَىَ إِلَىَ الاَخِرَةِ. لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا".
حدّثنا عَاصِمُ بْنُ النّضْرِ التّيْمِيّ. حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدّنْيَا. وَأَمّا الْمُؤْمِنُ فَإِنّ اللّهَ يَدّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الاَخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً فِي الدّنْيَا، عَلَىَ طَاعَتِهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الرّزّيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزي بها في الاَخرة" وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الاَخرة لم يكن له حسنة يجزى بها. وفي رواية: أن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الاَخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته. أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الاَخرة ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربا إلى الله، وصرح في هذا الحديث بأن يطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات أي بما فعله متقربا به إلى الله تعالى مما لا يفتقر صحته إلى النية، كصلة الرحم والصدقة والعتق والضيافة وتسهيل الخيرات ونحوها. وأما المؤمن فيدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الاَخرة ويجزى بها مع ذلك أيضا في الدنيا ولا مانع من جزائه بها في الدنيا والاَخرة، وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده قوله: (إن الله تعالى لا يظلم مؤمنا حسنة) معناه لا يترك مجازاته بشيء من حسناته، والظلم يطلق بمعنى النقص، وحقيقة الظلم مستحيلة من الله تعالى كما سبق بيانه، ومعنى أفضى إلى الاَخرة صار إليها، وأما إذا فعل الكافر مثل هذه الحسنات ثم أسلم فإنه يثاب عليها في الاَخرة على المذهب الصحيح، وقد سبقت المسألة في كتاب الإيمان.
*2* باب مثل المؤمن كالزرع، ومثل الكافر كشجر الأرز
*حدّثنا أَبو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ مَعْمَرٍ. عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزّرْعِ. لاَ تَزَالُ الرّيحُ تُمِيلُهُ. وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ. لاَ تَهْتَزّ حَتّىَ تَسْتَحْصِدَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرّزّاقِ مَكَانَ قَوْلِهِ تُمِيلُهُ "تُفِيئُهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزّرْعِ. تُفِيئُهَا الرّيحُ. تَصْرَعُهَا مَرّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَىَ. حَتّىَ تَهِيجَ. وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَىَ أَصْلِهَا. لاَ يُفِيئُهَا شَيْءٌ. حَتّىَ يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرّةً وَاحِدَةً".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا بَشْرُ بْنُ السّرِيّ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزّرْعِ. تُفِيئُهَا الرّيَاحُ. تَصْرَعُهَا مَرّةً وَتَعْدِلُهَا. حَتّىَ يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ. الّتِي لاَ يُصِيبُهَا شَيْءٌ. حَتّىَ يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرّةً وَاحِدَةً".
وحدّثنيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ. قَالاَ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ السّرِيّ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ أَنّ مَحْمُوداً قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ بِشْرٍ: "وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ". وَأَمّا ابْنُ حَاتِمٍ فَقَالَ: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ" كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ.
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ هَاشِمٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ ابْنُ هَاشِمٍ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشّارٍ: عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ) عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِهْمِ. وَقَالاَ جَمِيعاً فِي حَدِيثِهِمَا عَنْ يَحْيَىَ: "وَمَثَلُ الْكَافِرِ مَثَلُ الأَرْزَةِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن مثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد".
وفي رواية: "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج، ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية على أصلها لا يفيئها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة" أما الخامة فبالبخاء المعجمة وتخفيف الميم وهي الطاقة والقصبة اللينة من المزرع وألفها منقلبة عن واو، وأما تميلها وتفيئها فمعنى واحد ومعناه تقلبها الريح يمينا وشمالاً، ومعنى تصرعها تخفضها وتعدلها بفتح التاء وكسر الدال أي ترفعها، ومعنى تهيج تيبس. وقوله صلى الله عليه وسلم: "تستحصد" بفتح أوله وكسر الصاد كذا ضبطناه، وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين وعن بعضهم بضم أوله وفتح الصاد ما لم يسم فاعله والأول أجود أي لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه. وأما الأرزة فبفتح الهمزة وراء ساكنة ثم زاي هذا هو المشهور في ضبطها وهو المعروف في الروايات وكتب الغريب، وذكر الجوهري وصاحب نهاية الغريب أنها تقال أيضا بفتح الراء، قال في النهاية: وقال بعضهم هي الاَرزة بالمد وكسر الراء على وزن فاعلة وأنكرها أبو عبيد، وقد قال أهل اللغة الاَرزة بالمد هي الثابتة وهذا المعنى صحيح هنا، فإنكار أبي عبيد محمول على إنكار روايتها كذلك لا إنكار لصحة معناها، قال أهل اللغة: والغريب شجر معروف يقال له الأرزن يشبه شجر الصنوبر بفتح الصاد يكون بالشام وبلاد الأرمن وقيل هو الصنوبر، وأما (المجذية) فبميم مضمومة ثم جيم ساكنة ثم ذال معجمة مكسورة وهي الثابتة المنتصبة يقال منه جذب يجذب وأجذب يجذب، والإنجعاف الإنقلاع قال العلماء: معنى الحديث أن المؤمن كثير الاَلام في بدنه أو أهله أو ماله وذلك مكفر لسيئاته ورافع لدرجاته، وأما الكافر فقليلها وإن وقع به شيء لم يكفر شيئا من سيئاته بل يأتي بها يوم القيامة كاملة.
*2* باب مثل المؤمن مثل النخلة
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ (وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ) قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفرٍ). أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِنَ الشّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا. وَإِنّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ. فَحَدّثُونِي مَا هِيَ؟" فَوَقَعَ النّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي.
قَالَ عَبْدُ اللّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّهَا النّخْلَةُ. فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمّ قَالُوا: حَدّثْنَا مَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: فَقَالَ "هِيَ النّخْلَةُ".
قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النّخْلَةُ، أَحَبّ إِلَيّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ الضّبَعِيّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً لأَصْحَابِهِ: "أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ، مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ". فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَذْكُرُونَ شَجَراً مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ أَنّهَا النّخْلَةُ. فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا. فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ، فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلّمَ. فَلَمّا سَكَتُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "هِيَ النّخْلَةُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَىَ الْمَدِينَةِ. فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاّ حَدِيثاً وَاحِداً. قَالَ: كُنّا عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأُتِيَ بِجُمّارٍ. فَذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا.
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِداً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَمَرَ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُمّارٍ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ شِبْهِ، أَوْ كَالرّجُلِ الْمُسْلِمِ. لاَ يَتَحَاتّ وَرَقُهَا".
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَعَلّ مُسْلِماً قَالَ: وَتُؤْتِي أُكُلَهَا. وَكَذَا وَجَدْتُ عِنْدَ غَيْرِي أَيْضاً. وَلاَ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّهَا النّخْلَةُ. وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلّمَانِ. فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئاً. فَقَالَ عُمَرُ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبّ إِلَيّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله بن عمر: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال: هي النخلة، قال: فذكرت ذلك لعمر قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا" أما قوله: قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن تكون" فهو بفتح اللام، ووقع في بعض النسخ البوادي وفي بعضها البواد بحذف الياء وهي لغة. وفي هذا الحديث فوائد: منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ويرغبهم في الفكر والإعتناء، وفيه ضرب الأمثال والأشباه، وفيه توقير الكبار كما فعل ابن عمر، لكن إذا لم يعرف الكبار المسألة فينبغي للصغير الذي يعرفها أن يقولها، وفيه سرور الإنسان بنجابة ولده وحسن فهمه وقوله عمر رضي الله عنه لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي أراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لابنه ويعلم حسن فهمه ونجابته، وفيه فضل النخل. قال العلماء: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالاً وأواني وغير ذلك ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال، كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه، ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك، فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه، قيل وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر، وقيل لأنها لا تحمل حتى تلقح والله أعلم. قوله: "فوقع الناس في شجر البوادي" أي ذهبت أفكارهم إلى أشجار البوادي وكان كل إنسان يفسرها بنوع من أنواع شجر البوادي وذهلوا عن النخلة. قوله: "قال ابن عمر وألقى في نفسي أو روعي أنها النخلة فجعلت أريد أن أقولها فإذا أسنان القوم فأهاب أن أتكلم" الروع هنا بضم الراء وهو النفس والقلب والخلد، وأسنان القوم يعني كبارهم وشيوخهم. قوله: "فأتي بجمار" هو بضم الجيم وتشديد الميم وهو الذي يؤكل من قلب النخل يكون لينا. قوله: "حدثنا سيف قال سمعت مجاهدا" هكذا صوابه سيف، قال القاضي: ووقع في نسخة سفيان وهو غلط بل هو سيف، قال البخاري: وكيع يقول هو سيف أبو سليمان، وابن المبارك يقول سيف بن أبي سليمان، ويحيى بن القطان يقول سيف بن سليمان. قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يتحات ورقها) أي لا يتناثر ويتساقط. قوله: لا ينحات ورقها قال إبراهيم: لعل مسلما قال وتؤتي، وكذا وجدت عند غيري أيضا. ولا تؤتي أكلها كل حين، معنى هذا أنه وقع في رواية إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم ورواية غيره أيضا من مسلم لا يتحات ورقها ولا تؤتى أكلها كل حين، واستشكل إبراهيم بن سفيان هذا لقوله ولا تؤتى أكلها خلاف باقي الروايات فقال: لعل مسلما رواه وتؤتى بإسقاط لا، وأكون أنا وغيري غلطنا في إثبات لا. قال القاضي وغيره من الأئمة: وليس هو بغلط كما توهمه إبراهيم بل الذي في مسلم صحيح بإثبات لا، وكذا رواه البخاري بإثبات لا، ووجهه أن لفظة لا ليست متعلقة بتؤتى بل متعلقة بمحذوف تقديره لا يتحات ورقها ولا مكرر أي لا يصيبها كذا ولا كذا، لكن لم يذكر الراوي تلك الأشياء المعطوفة ثم ابتدأ فقال تؤتى أكلها كل حين.
*2* باب تحريش الشيطان، وبعث سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينا
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ الشّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَلَكِنْ فِي التّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَىَ الْبَحْرِ. فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النّاسَ. فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ). قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَىَ الْمَاءِ. ثُمّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ. فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً. يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً. قَالَ: ثُمّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتّىَ فَرّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ".
قَالَ الأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: "فَيَلْتَزِمُهُ".
حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَبْعَثُ الشّيْطَانُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النّاسَ. فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ وَقَدْ وُكّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنّ". قَالُوا: وَإِيّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "وَإِيّايَ. إِلاّ أَنّ اللّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ. فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاّ بِخَيْرٍ".
حدّثنا ابْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنِيَانِ ابْنَ مَهْدِيَ) عَنْ سُفْيَانَ ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ عَنْ عَمّارِ بْنِ رُزَيْقٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. مِثْلَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: "وَقَدْ وُكّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ".
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ. حَدّثَهُ أَنّ عُرْوَةَ حَدّثَهُ أَنّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَدّثَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ. فَجَاءَ فَرَأَىَ مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟" فَقُلْتُ: وَمَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِي عَلَىَ مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَ كُلّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "نَعَمْ. وَلَكِنْ رَبّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتّىَ أَسْلَمَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم" هذا الحديث من معجزات النبوة وقد سبق بيان جزيرة العرب، ومعناه أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن عرش إبليس على البحر يبعث سراياه يفتنون الناس" العرش هو سرير الملك ومعناه أن مركزه البحر ومنه يبعث سراياه في نواحي الأرض. قوله: "فيدنيه منه ويقول نعم أنت" هو بكسر النون وإسكان العين وهي نعم الموضوعة للمدح فيمدحه لإعجابه بصنعه وبلوغه الغاية التي أرادها. قوله: "فيلتزمه" أي يضمه إلى نفسه ويعانقه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير" فأسلم برفع الميم وفتحها وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال معناه أسلم أنا من شره وفتنته، ومن فتح قال إن القرين أسلم من الإسلام وصار مؤمنا لا يأمرني إلا بخير، واختلفوا في الأرجح منهما فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض الفتح وهو المختار لقوله صلى الله عليه وسلم: فلا يأمرني إلا بخير. واختلفوا على رواية الفتح قيل أسلم بمعنى استسلم وانقاد، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم فاستسلم، وقيل معناه صار مسلما مؤمنا وهذا هو الظاهر، قال القاضي: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان.
قوله: "حدثنا ابن وهب قال أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط" هو بضم القاف وفتح السين المهملة وإسكان الياء واسمه يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير الليثي المدني أبو عبد التابعي، واسم أبي صخر هذا حميد بن زياد الخراط المدني سكن مصر والله أعلم.
*2* باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة اللّهِ تعالى
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "لَنْ يُنْجِيَ أَحَداً مِنْكُمُ عَمَلُهُ" قَالَ رَجُلٌ: وَلاَ إِيّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ إِيّايَ. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ. وَلَكِنْ سَدّدُوا".
وحدّثنيهِ يُونُس بْن عَبْدِ الأَعْلَى الصّدَفِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجّ بِهَذا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ: "وَلَكِنْ سَدّدُوا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنّةَ" فَقِيلَ: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِي رَبّي بِرَحْمَةٍ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ".
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ بِيَدِهِ هَكَذَا. وَأَشَارَ عَلَىَ رَأْسِهِ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِي اللّهُ مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أَحَدٌ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ:"وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَدَارَكَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَبّادٍ يَحْيَىَ بْنُ عَبّادٍ، حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوَلْىَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنّةَ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَارِبُوا وَسَدّدُوا. وَاعْلَمُوا أَنّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَنْتَ؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعاً. كَرِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلهِ وَزَادَ "وَأَبْشِرُوا".
حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يُدْخِلُ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنّةَ. وَلاَ يُجِيرُهُ مِنَ النّارِ، وَلاَ أَنَا. إِلاّ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ".
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ. أَخْبَرَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُحَدّثُ عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَدّدُوا وَقَارِبُوا. وَأَبْشِرُوا. فَإِنّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنّةَ أَحَداً عَمَلُهُ". قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ. وَاعْلَمُوا أَنّ أَحَبّ الْعَمَلِ إِلَىَ اللّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ".
وحدّثناه حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطّلِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "وَأَبْشِرُوا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول الله؟ قال: ولا إياي إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ولكن سددوا" وفي رواية: "برحمة منه وفضل" وفي رواية: ("بمغفرة ورحمة") وفي رواية: ("إلا أن يتداركني الله منه برحمة") اعلم أن مذهب أهل السنة إنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا إيجاب ولا تحريم ولا غيرهما من أنواع التكليف، ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع، ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله تعالى لا يجب عليه شيء تعالى الله بل العالم ملكه والدنيا والاَخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه، وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك ولكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب المنافقين و يخلدهم في النار عدلاَ منه. وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل ويوجبون ثواب الأعمال ويوجبون الأصلح ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع. وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته. وأما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} و{تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ونحوهما من الاَيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الاَيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله وفضله فيصح أنهم لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة والله أعلم. ومعنى يتعمدني برحمته يلبسنيها ويغمدني بها، ومنه أغمدت السيف وغمدته إذا جعلته في غمده وسترته به، ومعنى "سددوا وقاربوا" اطلبوا السداد واعملوا به وإن عجزتم عنه فقاربوه أي اقربوا منه ، والسداد الصواب وهو بين الإفراط والتفريط فلا تغلوا ولا تقصروا.
*2* باب إكثار الأعمال، والاجتهاد في العبادة
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم صَلّىَ حَتّىَ انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ. فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ اللّهُ لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ. فَقَالَ: "أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: قَامَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ وَرِمَتْ قَدَمَاهُ. قَالُوا: قَدْ غَفَرَ اللّهُ لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ. قَالَ: "أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟".
حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا صَلّىَ، قَامَ حَتّىَ تَفَطّرَ رِجْلاَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟".
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه فقيل له أتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟).
وفي رواية: "حتى تفطرت رجلاه" معنى تفطرت تشققت قالوا ومنه فطر الصائم وأفطره لأنه خرق صومه وشقه. قال القاضي: الشكر معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسميت المجازاة على فعل الجميل شكرا لأنها تتضمن الثناء عليه، وشكر العبد الله تعالى اعترافه بنعمه وثناؤه عليه وتمام مواظبته على طاعته. وأما شكر الله تعالى أفعال عباده فمجازاته إياهم عليها وتضعيف ثوابها وثناؤه بما أنعم به عليهم، فهو المعطي والمثني سبحانه والشكور من أسمائه سبحانه وتعالى بهذا المعنى والله أعلم.
*2* باب الاقتصاد في الموعظة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنّا جُلُوساً عِنْدَ بَابِ عَبْدِ اللّهِ نَنْتَظِرُهُ. فَمَرّ بِنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النّخَعِيّ. فَقُلْنَا: أَعْلِمْهُ بِمَكَانِنَا. فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللّهِ. فَقَالَ: إِنّي أُخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ. فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ إِلاّ كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلّكُمْ. إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَوّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيّامِ. مَخَافَةَ السّآمَةِ عَلَيْنَا.
حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التّمِيْمِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وزادَ مِنْجَابٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرّةَ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، مِثْلَهُ.
وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا فُضَيلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللّهِ يُذَكّرُنَا كُلّ يَوْمِ خَمِيسٍ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ إِنّا نُحِبّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ. وَلَوَدِدْنَا أَنّكَ حَدّثْتَنَا كُلّ يَوْمٍ. فَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدّثَكُمْ إِلاّ كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلّكُمْ. إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَوّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيّامِ. كَرَاهِيَةَ السّآمَةِ عَلَيْنَا.
قوله: "ما يمنعني أن أخرج عليكم إلا كراهية أن أملكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا" السآمة بالمد الملل. وقوله: أملكم بضم الهمزة أي أوقعكم في الملل وهو الضجر، وأما الكراهية فبتخفيف الياء، ومعنى يتخولنا يتعاهدنا هذا هو المشهور في تفسيرها، قال القاضي: وقيل يصلحنا. وقال ابن الأعرابي: معناه يتخذنا خولاً، وقيل يفاجئنا بها. وقال أبو عبيد: يدللنا، وقيل: يحبسنا كما يحبس الإنسان خوله وهو يتخولنا بالخاء المعجمة عند جميعهم إلا أبا عمرو فقال هي بالمهملة أي يطلب حالاتهم وأوقات نشاطهم، وفي هذا الحديث إِلاقتصاد في الموعظة لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها.