كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها
 *1* كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها
*2* باب
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ وَ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُفّتِ الْجَنّةُ بِالْمَكَارِهِ. وَحُفّتِ النّارُ بِالشّهَوَاتِ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلهِ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا وَقَالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىَ قَلْبِ بَشَرٍ".
مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللّهِ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة الاَية: ).
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىَ قَلْبِ بَشْرٍ. ذُخْراً. بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ اللّهُ عَلَيْهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ذُخْراً. بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ اللّهُ عَلَيهِ".
ثُمّ قَرَأَ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ}.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أَبُو صَخْرٍ أَنّ أَبَا حَازِمٍ حَدّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السّاعِدِيّ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِساً وَصَفَ فِيهِ الْجَنّةَ. حَتّىَ انْتَهَىَ. ثُمّ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: "فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" ثُمّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الاَيَةَ: {تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة الاَيتان: و ).
قوله صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" هكذا رواه مسلم حفت، ووقع في البخاري حفت، ووقع فيه أيضا حجبت وكلاهما صحيح. قال العلماء: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار بالشهوات وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها إِلاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات ونحو ذلك. وأما الشهوات التي النار محفوفة بها فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك. وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى إِلاعتناء بتحصيل الدنيا للصرف فيها ونحو ذلك.
قوله عز وجل: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعكم الله عليه} وفي بعض النسخ: (أطلعتكم عليه) هكذا هو في رواية أبي بكر بن أبي شيبة ذخرا في جميع النسخ. وأما رواية هارون بن سعيد الأيلي المذكورة قبلها ففيها ذكر في بعض النسخ وذخرا كالأول في بعضها، قال القاضي: هذه رواية الأكثرين وهو أبين كالرواية الأخرى، قال: والأولى رواية الفارسي، فأما بله فبفتح الباء الموحدة وإسكان اللام ومعناها دع عنك ما أطلعكم عليه فالذي لم يطلعكم عليه أعظم، وكأنه أضرب عنه استقلالاً له في جنب ما لم يطلع عليه، وقيل معناها غير، وقيل معناها كيف.
*2* باب إن في الجنة شجرة، يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّهَا مِائَةَ سَنَةٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلهِ. وَزَادَ: "لاَ يَقْطَعُهَا".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا".
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدّثْتُ بِهِ النّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيّاشٍ الزّرَقِيّ. فَقَالَ: حَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ الْجَوَادُ الْمُضَمّرُ السّرِيعُ، مِائَةَ عَامٍ، مَا يَقْطَعُهَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها". وفي رواية: "يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطعها". قال العلماء: والمراد بظلها كنفها وذراها وهو ما يستر أغصانها، والمضمر بفتح الضاد والميم المشددة الذي ضمر ليشتد جريه، وسبق في كتاب الجهاد صفة التضمير، قال القاضي: ورواه بعضهم المضمر بكسر الميم الثانية صفة للراكب المضمر لفرسه والمعروف هو الأول.
*2* باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، فلا يسخط عليهم أبدا
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ اللّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنّةِ فَيَقُولُونَ: لَبّيْكَ. رَبّنَا وَسَعْدَيْكَ. وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَىَ؟ يَا رَبّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبّ وَأَيّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي. فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً".
قوله تعالى: {أحل عليكم رضواني} قال القاضي في المشارق: أنزله بكم، والرضوان بكسر الراء وضمها قريء بهما في السبع والكوكب الدري فيه ثلاث لغات قريء بهن في السبع الأكثرون دري بضم الدال وتشديد الياء بلا همز، والثانية بضم الدال مهموز ممدود، والثالثة بكسر الدال مهموز ممدود وهو الكوكب العظيم، قيل سمي دريا لبياضه كالدر وقيل لإضاءته، وقيل لشبهه بالدر في كونه أرفع من باقي النجوم كالدر أرفع الجواهر.
*2* باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف، كما يرى الكوكب في السماء
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ أَهْلَ الْجَنّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِي الْجَنّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السّمَاءِ".
قَالَ فَحَدّثْتُ بِذَلِكَ النّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيّاشٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: "كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدّرّيّ فِي الأُفُقِ الشّرْقِيّ أَوِ الْغَرْبِيّ".
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيّ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعاً، نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ.
حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَىَ بْنِ خَالِدٍ. حَدّثَنَا مَعْنٌ. حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ أَهْلَ الْجَنّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدّرّيّ الْغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ. لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ، لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ: "بَلَىَ. وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللّهِ وَصَدّقُوا الْمُرْسَلِينَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما يتراؤون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم" هكذا هو في عامة النسخ من الأفق. قال القاضي: لفظة من لابتداء الغاية، ووقع في رواية البخاري في الأفق قال بعضهم وهو الصواب، قال: وذكر بعضهم أن من في رواية مسلم لانتهاء الغاية وقد جاءت كذلك كقولهم رأيت الهلال من خلل السحاب، قال القاضي: وهذا صحيح ولكن حملهم لفظة من هنا على انتهاء الغاية غير مسلم بل هي على بابها، أي كان ابتداء رؤيته إياه رؤيته من خلل السحاب ومن الأفق، قال: وقد جاء في رواية عن ابن ماهان على الأفق الغربي، ومعنى الغابر الذاهب الماشي أي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون، وروي في غير صحيح مسلم الغارب بتقديم الراء وهو بمعنى ما ذكرناه، وروي العازب بالعين المهملة والزاي ومعناه البعيد في الأفق، وكلها راجعة إلى معنى واحد.
*2* باب فيمن يود رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم، بأهله وماله
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مِنْ أَشَدّ أُمّتِي لِي حُبّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي، بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ".
*2* باب في سوق الجنة، وما ينالون فيها من النعيم والجمال
*حدّثنا أَبُو عُثْمَانَ، سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبّارِ الْبَصْرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لَسُوقاً. يَأْتُونَهَا كُلّ جُمُعَةٍ. فَتَهُبّ رِيحُ الشّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ. فَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً. فَيَرْجِعُونَ إِلَىَ أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً. فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللّهِ لَقِدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالاً" المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق، ومعنى يأتونها كل جمعة أي في مقدار كل جمعة أي أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع لفقد الشمس والليل والنهار، والسوق يذكر ويؤنث وهو أفصح، وريح الشمال بفتح الشين والميم بغير همز هكذا الرواية، قال صاحب العين: هي الشمال والشمأل بإسكان الميم مهموز، والشأملة بهمزة قبل الميم، والشمل بفتح الميم بغير ألف، والشمول بفتح الشين وضم الميم وهي التي تأتي من دبر القبلة، قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال لأنها ريح المطر عند العرب كانت تهب من جهة الشام وبها يأتي سحاب المطر وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة أي المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها.
*2* باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، وصفاتهم وأزواجهم
*حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ و يعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ (وَاللّفْظُ لِيَعْقُوبَ). قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ. أَخْبَرَنَا أَيّوبُ عَنْ مُحَمّدٍ قَالَ: إِمّا تَفَاخَرُوا وَإِمّا تَذَاكَرُوا: الرّجَالُ فِي الْجَنّةِ أَكْثَرُ أَمِ النّسَاءُ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوَ لَمْ يَقُلَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَوّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنّةَ عَلَىَ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَالّتِي تَلِيهَا عَلَىَ أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرّيَ فِي السّمَاءِ. لِكُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ. يُرَىَ مُخّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللّحْمِ. وَمَا فِي الْجَنّةِ أَعْزَبُ؟".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ أَيّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: اخْتَصَمَ الرّجَالُ وَالنّسَاءُ: أَيّهُمْ فِي الجَنّةِ أَكْثَرُ؟ فَسَأَلُوا أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيّةَ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ. حَدّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنّةَ". ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ) قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَوّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ عَلَىَ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَالّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَىَ أَشَدّ كَوْكَبٍ دُرّيَ، فِي السّمَاءِ، إِضَاءةً. لاَ يَبُولُونَ، وَلاَ يَتَغَوّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ. أَمْشَاطُهُمُ الذّهَبُ. وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. وَمَجَامِرُهُمُ الألُوّةُ. وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ. أَخْلاَقُهُمْ عَلَىَ خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. عَلَىَ صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ. سِتّونَ ذِرَاعاً، فِي السّمَاءِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنّةَ مِنْ أُمّتِي، عَلَىَ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَىَ أَشَدّ نَجْمٍ، فِي السّمَاءِ، إِضَاءَةً. ثُمّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ. لاَ يَتَغَوّطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْزُقُونَ. أَمْشَاطُهُمُ الذّهَبُ. وَمَجَامِرُهُمُ الألُوّةُ. وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. أَخْلاَقُهُمْ عَلَىَ خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. عَلَىَ طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتّونَ ذِرَاعاً".
قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: عَلَىَ خُلُقِ رَجُلٍ. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: عَلَىَ خَلْق رَجُلٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: عَلَىَ صُورَةِ أَبِيهِمْ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة تدخل الجنة هي على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان ما في الجنة أعزب" الزمرة الجماعة، والدري تقدم ضبطه وبيانه قريبا. قوله صلى الله عليه وسلم: "زوجتان" هكذا في الروايات بالتاء وهي لغة متكررة في الأحاديث وكلام العرب والأشهر حذفها، وبه جاء القرآن وأكثر الأحاديث. قوله: (وما في الجنة أعزب" هكذا في جميع نسخ بلادنا أعزب بالألف وهي لغة، والمشهور في اللغة عزب بغير ألف، ونقل القاضي أن جميع رواتهم رووه وما في الجنة عزب بغير ألف إلا العذري فرواه بالألف، قال القاضي: وليس بشيء، والعزب من لا زوجة له والعزوب البعد وسمي عزبا لبعده عن النساء. قال القاضي: ظاهر هذا الحديث أن النساء أكثر أهل الجنة. وفي الحديث الاَخر أنهن أكثر أهل النار. قال: فيخرج من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد آدم، قال: وهذا كله في الاَدميات وإلا فقد جاء للواحد من أهل الجنة من الحور العدد الكثير. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورشحهم المسك" أي عرقهم "ومجامرهم الألوة" بفتح الهمزة وضم اللام أي العود الهندي وسبق بيانه مبسوطا. قوله صلى الله عليه وسلم: "أخلاقهم على خلق رجل واحد" قد ذكر مسلم في الكتاب اختلاف ابن أبي شيبة وأبي كريب في ضبطه فإن ابن أبي شيبة يرويه بضم الحاء واللام وأبو كريب بفتح الحاء وإسكان اللام وكلاهما صحيح، وقد اختلف فيه رواية صحيح البخاري ويرجح الضم بقوله في الحديث الاَخر: لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد، وقد يرجح الفتح بقوله صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث على صورة أبيهم آدم أو على طوله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يمتخطون ولا يتفلون" هو بكسر الفاء وضمها حكاهما الجوهري وغيره، وفي رواية: "لا يبصقون" وفي رواية: "لا يبزقون" وكله بمعنى.
*2* باب في صفات الجنة وأهلها، وتسبيحهم فيها بكرة وعشيا
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَامَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنّةَ، صُوَرُهُمْ عَلَىَ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوّطُونَ فِيهَا. آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ. وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الأَلُوّةِ. وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ. يُرَىَ مُخّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللّحْمِ، مِنَ الْحُسْنِ. لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ. قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ. يُسَبّحُونَ اللّهَ بُكْرَةً وَعَشِيّا".
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللّفْظُ لِعُثْمَانَ (قَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ أَهْلَ الْجَنّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ" قَالُوا: فَمَا بَالُ الطّعَامِ؟ قَالَ: "جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ. يُلْهَمُونَ التّسْبِيحَ وَالتّحْمِيدَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النّفَسَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قوله: "كَرَشْحِ الْمِسْكِ".
وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ و حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. قَالَ حَسَنٌ: حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يأَكُلُ أَهْلُ الْجَنّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ. وَلاَ يَتَغَوّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ. وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ. يُلْهَمُونَ التّسْبِيحَ وَالحَمْدَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النّفَسَ".
قَالَ وَفِي حَدِيثِ حَجّاجٍ: "طَعَامُهُمْ ذَلِكَ".
وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَىَ الأُمَوِيّ حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "وَيُلْهَمُونَ التّسْبِيحَ وَالتّكْبِيرَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النّفَسَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يسبحون الله بكرة وعشيا" أي قدرهما.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون" مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبدا، وإن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة، وإلا في أنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبصقون، وقد دلت دلائل القرآن والسنة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبدا.
*2* باب في دوام نعيم أهل الجنة، وقوله تعالى: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ يَدْخُلِ الْجَنّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ لاَ تَبْلَىَ ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَىَ شَبَابُهُ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ و عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (وَاللّفْظُ لإِسْحَقَ). قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. قَالَ: قَالَ الثّوْرِيّ: فَحَدّثَنِي أَبُو إِسْحَقَ أَنّ الأَغَرّ حَدّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ و أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: إِنّ لَكُمْ أَنْ تَصِحّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَداً. وَإِنّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً. وَإِنّ لَكُمْ أَنْ تَشِبّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً. وَإِنّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَداً" فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (7 الأعراف الاَية: ).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس".
وفي رواية: "إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا" أي لا يصيبكم بأس وهو شدة الحال والبأس والبؤس والبأساء والبؤساء بمعنى، وينعم وتنعم بفتح أوله والعين أي يدوم لكم النعيم.
*2* باب في صفة خيام الجنة، وما للمؤمنين فيها من الأهلين
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ (وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ)، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوّفَةٍ. طُولُهَا سِتّونَ مِيلاً. لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ. يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ. فَلاَ يَرَىَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً".
وحدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصّمَدِ. حَدّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فِي الْجَنّةِ خَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوّفَةٍ عَرْضُهَا سِتّونَ مِيلاً. فِي كُلّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ، مَا يَرَوْنَ الاَخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ".
وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا هَمّامٌ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَىَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْخَيْمَةُ دُرّةٌ. طُولُهَا فِي السّمَاءِ سِتّونَ مِيلاً. فِي كُلّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ. لاَ يَرَاهُمُ الاَخَرُونَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل" وفي رواية: (طولها في السماء ستون ميلاً). أما الخيمة فبيت مربع من بيوت الأعراب. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من لؤلؤة مجوفة" هكذا هو في عامة النسخ مجوفة بالفاء، قال القاضي: وفي رواية السمرقندي مجوبة بالباء الموحدة وهي المثقوبة وهي بمعنى المجوفة، والزاوية الجانب والناحية، وفي الرواية الأولى: (عرضها ستون ميلاً) وفي الثانية: (طولها في السماء ستون ميلاً) ولا معارضة بينهما فعرضها في مساحة أرضها وطولها في السماء أي في العلو متساويان.
*2* باب ما في الدنيا من أنهار الجنة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ و عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ و عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنّيلُ، كُلّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنّةِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة" اعلم أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون، فأما سيحان وجيحان المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنة في بلاد الأرمن فجيحان نهر المصيصة وسيحان نهر إذنة وهما نهران عظيمان جدا أكبرهما جيحان فهذا هو الصواب في موضعها. وأما قول الجوهري في صحاحه جيحان نهر بالشام فغلط، أو أنه أراد المجاز من حيث أنه ببلاد الأرمن وهي مجاورة للشام، قال الحازمي: سيحان نهر عند المصيصة قال: وهو غير سيحون. وقال صاحب نهاية الغريب: سيحان وجيحان نهران بالعواصم عند المصيصة وطرسوس، واتفقوا كلهم على أن جيحون بالواو نهر وراء خراسان عند بلخ، واتفقوا على أنه غير جيحان، وكذلك سيحون غير سيحان. وأما قول القاضي عياض: هذه الأنهار الأربعة أكبر أنهار بلاد الإسلام فالنيل بمصر والفرات بالعراق وسيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون ببلاد خراسان، ففي كلامه إنكار من أوجه: أحدها: قوله الفرات بالعراق وليس بالعراق بل هو فاصل بين الشام والجزيرة. والثاني: قوله سيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون فجعل الأسماء مترادفة وليس كذلك، بل سيحان غير سيحون وجيحان غير جيحون باتفاق الناس كما سبق. الثالث: أنه ببلاد خراسان وأما سيحان وجيحان ببلاد الأرمن بقرب الشام والله أعلم. وأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلان ذكرهما القاضي عياض: أحدهما: أن الإيمان عم بلادها أو الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة. والثاني: وهو الأصح أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة والجنة مخلوقة موجودة اليوم عند أهل السنة، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان في حديث الإسراء أن الفرات والنيل يخرجان من الجنة، وفي البخاري من أصل سدرة المنتهى.
*2* باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير
*حدّثنا حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. حَدّثَنَا أَبُو النّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللّيْثِيّ. عَنْ إِبْرَاهِيمَ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم،قَالَ: "يَدْخُلُ الْجَنّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطّيْرِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَلَقَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ آدَمَ عَلَىَ صُورَتِهِ. طُولُهُ سِتّونَ ذِرَاعاً. فَلَمّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلّمْ عَلَى أُولَئِكَ النّفَرِ. وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ. فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيّونَكَ. فَإِنّهَا تَحِيّتُكَ وَتَحِيّةُ ذُرّيّتِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ. قَالَ: فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللّهِ. قَالَ: فَكُلّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنّةَ عَلَىَ صُورَةِ آدَمَ. وَطُولُهُ سِتّونَ ذِرَاعاً. فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتّىَ الاَنَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير" قيل مثلها في رقتها وضعفها كالحديث الاَخر: أهل اليمن أرق قلوبا وأضعف أفئدة، وقيل في الخوف والهيبة والطير أكثر الحيوان خوفا وفزعا كما قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وكان المراد قوم غلب عليهم الخوف كما جاء عن جماعات من السلف في شدة خوفهم، وقيل المراد متوكلون والله أعلم. قوله: (حدثنا حجاج بن الشاعر حدثنا أبو النضر حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن أبي سلمة عن أبي هريرة) هكذا وقع هذا الإسناد في عامة النسخ، ووقع في بعضها حدثنا أبي عن الزهري عن أبي سلمة فزاد الزهري، قال أبو علي الغساني: والصواب هو الأول، قال: وكذلك خرجه أبو مسعود في الأطراف، قال: ولا أعلم لسعد بن إبراهيم رواية عن الزهري. وقال الدارقطني في كتاب العلل: لم يتابع أبو النضر على وصله عن أبي هريرة، قال: والمحفوظ عن إبراهيم عن أبيه عن أبي سلمة مرسلاً، كذا رواه يعقوب وسعد بن إبراهيم بن سعد، قال: والمرسل الصواب هذا كلام الدارقطني، والصحيح أن هذا الذي ذكره لا يقدح في صحة الحديث، فقد سبق في أول هذا الكتاب أن الحديث إذا روي متصلاً ومرسلاً كان محكوما بوصله على المذهب الصحيح، لأن مع الواصل زيادة علم حفظها ولم يحفظها من أرسله والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا" هذا الحديث سبق شرحه وبيان تأويله، وهذه الرواية ظاهرة في أن الضمير في صورته عائد إلى آدم، وأن المراد أنه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض وتوفي عليها وهي طوله ستون ذراعا ولم ينتقل أطوارا كذريته، وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير. قوله: "قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله" فيه أن الوارد على جلوس يسلم عليهم وأن الأفضل أن يقول السلام عليكم بالألف واللام، ولو قال: سلام عليك كفاه، وأن رد السلام يستحب أن يكون زيادة على إِلابتداء، وأنه يجوز في الرد أن يقول: السلام عليكم ولا يشترط أن يقول وعليكم السلام والله أعلم.
*2* باب في شدة حرّ نار جهنم، وبعد قعرها، وما تأخذ من المعذبين
*حدّثنا عُمْرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاهِلِيّ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَىَ بِجَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ. مَعَ كُلّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرّونَهَا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيْرَةُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَارُكُمْ هَذِهِ، الّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ حَرّ جَهَنّمَ". قَالُوا: وَاللّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "فَإِنّهَا فُضّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتّينَ جُزْءاً. كُلّهَا مِثْلُ حَرّهَا".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ. عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي الزّنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "كُلّهُنّ مِثْلُ حَرّهَا".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ. حَدّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "تَدْرُونَ مَا هَذَا؟" قَالَ: قُلْنَا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفاً. فَهُوَ يَهْوِي فِي النّارِ الاَنَ، حَتّىَ انْتَهَىَ إِلَىَ قَعْرِهَا".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ و ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيْدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: "هَذَا وَقَعَ فِي أَسْفَلِهَا، فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حدّثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ سَمُرَةَ أَنّهُ سَمِعَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ كَعْبَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَىَ حُجْزَتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَىَ عُنُقِهِ".
حدّثني عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهّابِ (يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ) عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ كَعْبَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ رُكْبَتَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ حُجْزَتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ تَرْقُوَتِهِ".
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى و مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا سَعِيدٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَجَعَلَ مَكَانَ حُجْزَتِهِ حِقْوَيْهِ.
قوله: (حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله الحديث) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: رفعه وهم، رواه الثوري ومروان وغيرهما عن العلاء بن خالد موقوفا. وحفص ثقة حافظ إمام فزيادته الرفع مقبولة كما سبق نقله عن الأكثرين والمحققين.
قوله: (سمع وجبة) هي بفتح الواو وإسكان الجيم وهي السقطة. قوله: (في حديث محمد بن عباد بإسناده عن أبي هريرة بهذا الإسناد وقال: هذا وقع في أسفلها فسمعتم وجبتها) هكذا هو في النسخ وهو صحيح فيه محذوف دل عليه الكلام أي هذا حجر وقع أو هذا حين ونحو ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومنهم من تأخذه يعني النار إلى حجزته" هي بضم الحاء وإسكان الجيم وهي معقد الإزار والسراويل، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته وهي بفتح التاء وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، وفي رواية حقويه بفتح الحاء وكسرها وهما معقد الإزار، والمراد هنا ما يحاذي ذلك الموضع من جنبيه.
*2* باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء
*حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجّتِ النّارُ وَالْجَنّةُ. فَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الْجَبّارُونَ وَالْمُتَكَبّرُونَ. وَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الضّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ. فَقَالَ اللّهُ، عَزّ وَجَلّ، لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ (وَرُبّمَا قَالَ: أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ). وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَحَاجّتِ النّارُ وَالْجَنّةُ. فَقَالَتِ النّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبّرِينَ وَالْمُتَجَبّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنّةُ: فَمَالِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاّ ضُعَفَاءُ النّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ. فَقَالَ اللّهُ لِلْجَنّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُعَذّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا. فَأَمّا النّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ. فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ. وَتَنزوي بَعْضُهَا إِلَىَ بَعْضٍ".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ الهِلاَلِيّ، حَدّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ (يَعْنِي مُحَمّدَ بْنَ حُمَيْدٍ) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "احْتَجّتِ الْجَنّةُ وَالنّارُ". وَاقْتَصّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي الزّنَادِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَحَاجّتِ الجَنّةُ وَالنّارُ. فَقَالَتِ النّارُ: أُوثِرْتُ بِالمُتَكَبّرِينَ وَالْمُتَجَبّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنّةُ: فَمَالِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاّ ضُعَفَاءُ النّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرّثهُمْ؟ قَالَ اللّهُ لِلْجَنّةِ: إِنّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنّارِ: إِنّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا. فَأَمّا النّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتّىَ يَضَعَ اللّهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ، رِجْلَهُ. تَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ. وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَىَ بَعْضٍ. وَلاَ يَظْلِمُ اللّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَداً. وَأَمّا الْجَنّةُ فَإِنّ اللّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقاً".
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "احْتَجّتِ الجَنّةُ وَالنّارُ" فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. إِلَىَ قوله: "وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيّ مِلْوهَا" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنَ الزّيَادَةِ.
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتّىَ يَضَعَ فِيهَا رَبّ الْعِزّةِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ. قَدَمَهُ. فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، وَعِزّتِكَ. وَيُزْوَىَ بَعْضُهَا إِلَىَ بَعْضٍ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطّارِ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ شَيْبَانَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الرّزّيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (قالاَية: ) فَأَخْبَرَنَا عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "لاَ تَزَالُ جَهَنّمُ يُلْقَىَ فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ. حَتّىَ يَضَعَ رَبّ الْعِزّةِ فِيهَا قَدَمَهُ. فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَىَ بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ. بِعِزّتِكَ وَكَرَمِكَ. وَلاَ يَزَالُ فِي الْجَنّةِ فَضْلٌ حَتّىَ يُنْشِئَ اللّهُ لَهَا خَلْقاً، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنّةِ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ). أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يَبْقَىَ مِنَ الْجَنّةِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَبْقَىَ. ثُمّ يُنْشِئُ اللّهُ تَعَالَىَ لَهَا خَلْقاً مِمّا يَشَاءُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ (وَتَقَارَبَا في اللفظِ). قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ (زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ) فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ (وَاتّفَقَا في بَاقِي الْحَدِيثِ) فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ. هَذَا الْمَوْتُ. قَالَ: وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ فَيَشْرَئِبّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ. هَذَا الْمَوْتُ. قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ. قَالَ: ثُمّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ. وَيَا أَهْلَ النّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ". قَالَ: ثُمّ قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (مريم الاَية: ) وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَىَ الدّنْيَا.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنّةِ الْجَنّةَ، وَأَهْلُ النّارِ النّارَ، قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنّةِ" ثُمّ ذَكَرَ بِمَعْنَىَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ" وَلَمْ يَقُلْ: ثُمّ قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضَاً: وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدّنْيَا.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. حَدّثَنَا نَافِعٌ أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُدْخِلُ اللّهُ أَهْلَ الْجَنّةِ الْجَنّةَ. وَيُدْخِلُ أَهْلَ النّارِ النّارَ. ثُمّ يَقُومُ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: "يَا أَهْلَ الْجَنّةِ لاَ مَوْتَ. وَيَا أَهْلَ النّارِ لاَ مَوْتَ. كُلّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ".
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنّةِ إِلَىَ الْجَنّةِ، وَصَارَ أَهْلُ النّارِ إِلَىَ النّارِ، أُتِيَ بِالْمَوْتِ حَتّىَ يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ. ثُمّ يُذْبَحُ. ثُمّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنّةِ لاَ مَوْتَ. وَيَا أَهْلَ النّارِ لاَ مَوْتَ. فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنّةِ فَرَحاً إِلَىَ فَرَحِهِمْ. وَيَزْدَادُ أَهْلُ النّارِ حُزْناً إِلَىَ حُزْنِهِمْ".
حدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ هَرُونَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ضِرْسُ الْكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ. وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. يَرْفَعُهُ قَالَ: "مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النّارِ، مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ، لِلرّاكِبِ الْمُسْرِعِ".
وَلَمْ يَذْكُرِ الوَكيعِيّ "فِي النّار".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنّةِ؟" قَالُوا: بَلَىَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ ضَعِيفٍ مُتَضَعّفٍ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَىَ اللّهِ لأَبَرّهُ". ثُمّ قَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النّارِ؟" قَالُوا: بَلَىَ. قَالَ: "كُلّ عُتُلَ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "أَلاَ أَدُلّكُمْ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الخُزَاعِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنّةِ؟ كُلّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِفٍ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَىَ اللّهِ لأَبَرّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النّارِ؟ كُلّ جَوّاظٍ زَنِيمٍ مُتَكَبّرٍ".
حدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رُبّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَىَ اللّهِ لأَبَرّهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ النّاقَةَ وَذَكَرَ الّذِي عَقَرَهَا. فَقَالَ: "إِذ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا: انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ" ثُمّ ذَكَرَ النّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنّ ثُمّ قَالَ: "إِلاَمَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ؟" فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ "جَلْدَ الأَمَةِ" وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ "جَلْدَ الْعَبْدِ. وَلَعَلّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ" ثُمّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضّرْطَةِ فَقَالَ: "إِلاَمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمّا يَفْعَلُ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ، أَخَا بَنِي كَعْبٍ هَولاَءِ، يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ".
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يَقُولُ: إِنّ الْبَحِيرَةَ الّتِي يُمْنَعُ دَرّهَا لِلطّوَاغِيتِ، فَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النّاسِ. وَأَمّا السّائِبَةُ الّتِي كَانُوا يُسَيّبُونَهَا لاَِلِهَتِهِمْ، فَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ. وَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَيّبَ السّيُوبَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ. رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ. لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإِنّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا زَيْدٌ (يَعْنِي ابْنَ حُبَابٍ). حَدّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَافِعٍ، مَوْلَىَ أُمّ سَلَمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ، إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدّةٌ، أَنْ تَرَىَ قَوْماً فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ. يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللّهِ، وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِ اللّهِ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ. حَدّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَافِعٍ، مَوْلَىَ أُمّ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدّةٌ، أَوْشَكْتَ أَنْ تَرَىَ قَوْماً يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللّهِ، وَيَرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ. فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت النار والجنة" إلى آخره هذا الحديث على ظاهره، وأن الله تعالى جعل في النار والجنة تمييزا تدركان به فتحاجنا ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز فيهما دائما. قوله صلى الله عليه وسلم: "وقالت الجنة فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم" أما سقطهم فبفتح السين والقاف أي ضعفاؤهم والمتحقرون منهم، وأما عجزهم فبفتح العين والجيم جمع عاجز أي العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها والثروة والشوكة. وأما الرواية رواية محمد بن رافع ففيها: (لا يدخلني إلا ضعاف الناس وغرتهم) فروى على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في النسخ: إحداها: غرثهم بغين معجمة مفتوحة وثاء مثلثة قال القاضي هذه رواية الأكثرين من شيوخنا ومعناها أهل الحاجة والفاقة والجوع، والغرث الجوع. والثاني: عجزتهم بعين مهملة مفتوحة وجيم وزاي وتاء جمع عاجز كما سبق. والثالث: غرتهم بغين معجمة مكسورة وراء مشددة وتاء مثناة فوق، وهكذا هو الأشهر في نسخ بلادنا أي البله الغافلون الذين ليس بهم فتك وحذق في أمور الدنيا وهو نحر الحديث الاَخر: "أكثر أهل الجنة البله" قال القاضي: معناه سواد الناس وعامتهم من أهل الإيمان الذين لا يفطنون للسنة فيدخل عليهم الفتنة أو يدخلهم في البدعة أو غيرها فهم ثابتوا الإيمان وصحيحوا العقائد وهم أكثر المؤمنين وهم أكثر أهل الجنة. وأما العارفون والعلماء العاملون والصالحون المتعبدون فهم قليلون وهم أصحاب الدرجات، قال: وقيل معنى الضعفاء هنا. وفي الحديث الاَخر: (أهل الجنة كل ضعيف متضعف) إنه الخاضع لله تعالى المذل نفسه له سبحانه وتعالى ضد المتجبر المستكبر. قوله صلى الله عليه وسلم: "فتقول قط قط فهنالك تمتليء ويزوى بعضها إلى بعض" معنى يروى يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها، ومعنى قط حسبي أي يكفيني هذا، وفيه ثلاث لغات: قط قط بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فأما الناس فلا تمتليء حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله" وفي الرواية التي بعدها: "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه فتقول قط قط" وفي الرواية الأولى: (فيضع قدمه عليها) هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات، وقد سبق مرات بيان اختلاف العلماء فيها على مذهبين: أحدهما وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله ولها معني يليق بها وظاهرها غير مراد. والثاني: وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتجول بحسب ما يليق بها، فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقيل المراد بالقدم هنا المتقدم وهو شائع في اللغة ومعناه حتى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب، قال المازري والقاضي: هذا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن ابن الأعرابي. الثاني: أن المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم. الثالث: أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية، وأما الرواية التي فيها يضع الله فيها رجله فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة وتأويلها كما سبق في القدم، ويجوز أيضا أن يراد بالرجل الجماعة من الناس كما يقال رجل من جراد أي قطعة منه، قال القاضي: أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها وخلقوا لها، قالوا: ولا بد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يظلم الله من خلقه أحدا" قد سبق مرات بيان أن الظلم مستحيل في حق الله تعالى فمن عذبه بذنب أو بلا ذنب فذلك عدل منه سبحانه وتعالى. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأما الجنة فإن الله ينشيء لها خلقا" هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال فإن هؤلاء يخلقون حينئذٍ ويعطون في الجنة ما يعطون بغير عمل، ومثله أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط فكلهم في الجنة برحمة الله تعالى وفضله، وفي هذا الحديث دليل على عظم سعة الجنة، فقد جاء في الصحيح: "أن للواحد فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها ثم يبقى فيها شيء لخلق ينشئهم الله تعالى".
قوله صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيوقف بين الجنة والنار فيذبح ثم يقال خلود فلا موت" قال المازري: الموت عند أهل السنة عرض يضاد الحياة، وقال بعض المعتزلة: ليس بعرض بل معناه عدم الحياة وهذا خطأ لقوله تعالى: {خلق الموت والحياة} فأثبت الموت مخلوقا، وعلى المذهبين ليس الموت بجسم في صورة كبش أو غيره، فيتأول الحديث على أن الله يخلق هذا الجسم ثم يذبح مثالاً، لأن الموت لا يطرأ على أهل الاَخرة، والكبش الأملح قيل هو الأبيض الخالص قاله ابن الأعرابي، وقال الكسائي: هو الذي فيه بياض وسواد وبياضه أكثر وسبق بيانه في الضحايا. قوله صلى الله عليه وسلم: "فيشرئبون" بالهمز أي يرفعون رؤوسهم إلى المنادي.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث وما بين منكبيه مسيرة ثلاث) هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه، وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به.
قوله صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة: "كل ضعيف متضعف" ضبطوا قوله متضعف بفتح العين وكسرها المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره، ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا يقال تضعفه واستضعفه. وأما رواية الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه، قال القاضي: وقد يكون الضعف هنا رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء كما أن معظم أهل النار القسم الاَخر، وليس المراد الاستيعاب في الطرفين، ومعنى الأشعث متلبد الشعر مغبره الذي لا يدهنه ولا يكثر غسله، ومعنى مدفوع بالأبواب أنه لا يؤذن له بل يحجب ويطرد لحقارته عند الناس. قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أقسم على الله لأبطره" معناه لو حلف يمينا طمعا في كرم الله تعالى بإبراره لأبره، وقيل لو دعاه لأجابه، يقال أبررت قسمه وبررته والأول هو المشهور. قوله صلى الله عليه وسلم في أهل النار: "كل عتك جواظ مستكبر" وفي رواية: "كل جواظ زنيم متكبر" أما العتل بضم الين والتاء فهو الجافي الشديد الخصومة بالباطل، وقيل الجافي الفظ الغليظ. وأما الجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة فهو الجموع المنوع، وقيل كثير اللحم المختال في مشيته، وقيل القصير البطين، وقيل الفاخر بالخاء. وأما الزنيم فهو الدعي في النسب الملصق بالقوم وليس منهم شبه بزنمة الشاة. وأما المتكبر والمستكبر فهو صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط الناس.
قوله صلى الله عليه وسلم في الذي عقر الناقة: "عزير عارم" العارم بالعين المهملة والراء قال أهل اللغة: هو الشرير المفسد الخبيث وقيل القوي الشرس، وقد عرم بضم الراء وفتحها وكسرها عرامة بفتح العين وعراما بضمها فهو عارم وعرم، وفي هذا الحديث النهي عن ضرب النساء لغير ضرورة التأديب، وفيه النهي عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره، بل ينبغي أن يتغافل عنها ويستمر على حديثه واشتغاله بما كان فيه من غير التفات ولا غيره ويظهر أنه لم يسمع وفيه حسن الأدب والمعاشرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار" وفي الرواية الأخرى: "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب" أما قمعة ضبطوه على أربعة أوجه أشهرها قمعة بكسر القاف وفتح الميم المشددة. والثاني: كسر القاف والميم المشددة حكاه القاضي عن رواية الباجي عن ابن ماهان. والثالث: فتح القاف مع إسكان الميم والرابع: فتح القاف والميم جميعا وتخفيف الميم، قال القاضي: وهذه رواية الأكثرين. وأما خندف فبكسر الخاء المعجمة والدال هذا هو الأشهر، وحكى القاضي في المشارق فيه وجهين: أحدهما: هذا، والثاني: كسر الخاء وفتح الدال وآخرها فاء وهي اسم القبيلة فلا تنصرف واسمها ليلى بنت عمران بن الجاف بن قضاعة. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أبا بني كعب" كذا ضبطناه أبا بالباء وكذا هو في كثير من نسخ بلادنا، وفي بعضها أخا بالخاء، ونقل القاضي هذا عن أكثر رواة الجلودي قال: والأول رواية ابن ماهان وبعض رواة الجلودي، قال: وهو الصواب، قال: وكذا ذكر الحديث ابن أبي خيثمة ومصعب الزبيري وغيرهما لأن كعبا هو أحد بطون خزاعة وابنه، وأما لحي فبضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء، وأما قصبه فبضم القاف وإسكان الصاد قال الأكثرون: يعني أمعاءه، وقال أبو عبيد: الأمعاء واحدها قصب. أما قوله في الرواية الثانية عمرو بن عامر فقال القاضي: المعروف في نسب ابن خزاعة عمرو بن لحي بن قمعة كما قال في الرواية الأولى وهو قمعة بن إلياس بن مضر وإنما عامر عم أبيه أبي قمعة وهو مدركة بن إلياس هذا قول نساب الحجازيين، ومن الناس من يقول إنهم من اليمن من ولد عمرو بن عامر وإنه عمرو بن لحي واسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، وقد يحتج قائل بهذه الرواية الثانية، هذا آخر كلام القاضي والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة، أما الكاسيات ففيه أوجه: أحدها: معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها. والثاني: كاسيات من الثياب عاريات من فعل الخير وإِلاهتمام لاَخرتهن وإِلاعتناء بالطاعات. والثالث: تكشف شيئا من بدنها إظهارا لجمالها فهن كاسيات عاريات. والرابع: يلبسن ثيابا رقاقا تصف ما تحتها كاسيات عاريات في المعنى. وأما مائلات مميلات فقيل زائغات عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها، ومميلات يعلمن غيرهن مثل فعلهن، وقيل مائلات متبخترات في مشيتهن أكتافهن، وقيل مائلات يتمشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا معروفة لهن مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة، وقيل مائلات إلى الرجال مميلات لهم بما يبدين من زينتهن وغيرها. وأما رؤوسهن كأسنمة البخت فمعناه يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل البخت، هذا هو المشهور في تفسيره. قال المازري: ويجوز أن يكون معناه يطمحن إلى الرجال ولا يغن عنهم ولا ينكسن رؤوسهن، واختار القاضي أن المائلات تمشطن المشطة الميلاء قال وهي صفر الغدائر وشدها إلى فوق وجمعها في وسط الرأس فتصير كأسنمة البخث، قال: وهذا يدل على أن المراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن وجمع عقائصها هناك وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام، قال ابن دريد: يقال ناقة ميلاء إذا كان سنامها يميل إلى أحد شقيها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلن الجنة" يتأول التأويلين السابقين في نظائره: أحدهما: أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك مع علمها بتحريمه فتكون كافرة مخلدة في النار لا تدخل الجنة أبدا. والثاني: يحمل على أنها لا تدخلها أول الأمر مع الفائزين والله تعالى أعلم.
*2* باب فناء الدنيا، وبيان الحشر يوم القيامة
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِم (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. حَدّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُسْتَوْرِداً، أَخَا بَنِي فِهْرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللّهِ مَا الدّنْيَا فِي الاَخِرَةِ إِلاّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ وَأَشَارَ يَحْيَىَ بِالسّبّابَةِ فِي الْيَمّ. فَلْيَنْظُرْ أَحدُكُم بِمَ يَرْجِعُ؟".
وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعاً، غَيْرَ يَحْيَىَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدّادٍ، أَخِي بَنِي فِهْرٍ.
وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضَاً: قَالَ وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِالإِبْهَامِ.
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَاتِمِ ابْنِ أَبِي صَغِيرَةَ. حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ النّسَاءُ وَالرّجَالُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ في حَدِيثِهِ "غُرْلاً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنّكُمْ مُلاَقُو اللّهِ مُشَاةً حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً" وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرٌ في حَدِيثِهِ: يَخْطُبُ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَة عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ النّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيباً بِمَوْعِظَةٍ. فَقَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَىَ اللّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنَا، إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء الاَية: 1). أَلاَ وَإِنّ أَوّلَ الْخَلاَئِقِ يُكْسَىَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السّلاَمُ). أَلاَ وَإِنّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشّمَالِ. فَأَقُولُ: يَا رَبّ أَصْحَابِي. فَيُقَالُ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ، كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (5 المائدة الاَيتان: 1 و 1) قَالَ: فَيُقَالُ لِي: إِنّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدّينَ عَلَىَ أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ".
وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ وَمُعَاذٍ: "فَيُقَالُ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَقَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدّثَنَا بَهْزٌ. قَالاَ جَمِيعاً: حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُحْشَرُ النّاسُ عَلَىَ ثَلاَثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ. وَاثْنَانِ عَلَىَ بَعِيرٍ. وَثَلاَثَةٌ عَلَىَ بَعِيرٍ. وَأَرْبَعَةٌ عَلَىَ بَعِيرٍ. وَعَشَرَةٌ عَلَىَ بَعِيرٍ. وَتَحْشُرُ بَقِيّتَهُمُ النّارُ. تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا. وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا. وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "والله ما الدنيا في الاَخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه وأشار يحيى بالسبابة فلينظر بم ترجع" وفي رواية: (وأشار إسماعيل بالإبهام) هكذا هو في نسخ بلادنا بالإبهام وهي الأصبع العظمى المعروفة، كذا نقله القاضي عن جميع الرواة إلا السمرقندي فرواه البهام قال وهو تصحيف، قال القاضي: ورواية السبابة أظهر من رواية الإبهام وأشبه بالتمثيل لأن العادة الإشارة بها لا بالإبهام، ويحتمل أنه أشار بهذه مرة وهذه مرة، واليم البحر. وقوله: (بم ترجع) ضبطوا ترجع بالمثناة فوق والمثناة تحت والأول أشهر، ومن رواه بالمثناة تحت أعاد الضمير إلى أحدكم، والمثناة فوق أعاده على الأصبع وهو الأظهر ومعناه لا يعلق بها كثير شيء من الماء، ومعنى الحديث: ما الدنيا بالنسبة إلى الاَخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ودوام الاَخرة ودوام لذاتها ونعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالأصبع إلى باقي البحر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً" الغرل بضم الغين المعجمة وإسكان الراء معناه غير مختونين جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته وهي قلفته وهي الجلدة التي تقطع في الختان، قال الأزهري وغيره: هو الأغرل والأرغل والأغلف بالغين المعجمة في الثلاثة والأقلف والأعرم بالعين المهملة وجمعه غرل ورغل وغلف وقلب وعرم، والحفاة جمع حاف والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء حتى الغرلة تكون معهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "سيجاء برجال من أمتي إلى آخره" هذا الحديث قد سبق شرحه في كتاب الطهارة، وهذه الرواية تؤيد قول من قال هناك المراد به الذين ارتدوا عن الإسلام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا" قال العلماء: وهذا الحشر في آخر الدنيا قبيل القيامة وقبيل النفخ في الصور بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "بقيتهم النار تبيت معهم وتقيل وتصبح وتمسي" وهذا آخر أشراط الساعة كما ذكر مسلم بعد هذا في آيات الساعة قال: وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس. وفي رواية: "تطرد الناس إلى محشرهم" والمراد بثلاث طرائق ثلاث فرق، ومنه قوله تعالى إخبارا عن الجن: {كنا طرائق قددا} أي فرقا مختلفة الأهواء.
*2* باب في صفة يوم القيامة، أعاننا اللّهُ على أهوالها
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يَعْنُونَ ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ} ( المطففين الاَية: 6) قَالَ: "يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَىَ أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنّىَ قَالَ: "يَقُومُ النّاسُ" لَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ إِسْحَقَ الْمُسَيّبِيّ. حَدّثَنَا أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ). ح وَحَدّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ وَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْن جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا مَعْنٌ. حَدّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التّمّارُ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيّوبَ. ح وَحَدّثَنَا الْحُلْوَانِيّ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. كُلّ هَولاَءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَىَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ.
غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَصَالِحٍ "حَتّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ (يَعْنِي ابْن مُحَمّدٍ) عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الْعَرَقَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيَذْهَبُ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعاً. وَإِنّهُ لَيَبْلُغُ إِلَىَ أَفْوَاهِ النّاسِ أَوْ إِلَىَ آذَانِهِمْ" يَشُكّ ثَوْرٌ أَيّهُمَا قَالَ.
حدّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَىَ، أَبُو صَالِحٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابر. حَدّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ. حَدّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تُدْنَىَ الشّمْسُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنَ الْخَلْقِ، حَتّىَ تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ".
قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ.
قَالَ: "فَيَكُونُ النّاسُ عَلَىَ قَدَرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَىَ كَعْبَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَىَ رُكْبَتَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَىَ حَقْوَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَاماً".
قَالَ وَأَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَىَ فِيهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".
وفي رواية: (فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق) قال القاضي: ويحتمل أن المراد عرق نفسه وغيره، ويحتمل عرق نفسه خاصة، وسبب كثرة العرق تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم ورحمة بعضهم بعضا.
*2* باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار
*حدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ المُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارِ بْنِ عُثْمَانَ (وَاللّفْظُ لأَبِي غَسّانَ وَابْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرّفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الشّخّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلاَ إِنّ رَبّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمّا عَلّمَنِي، يَوْمِي هَذَا. كُلّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْداً، حَلاَلٌ. وَإِنّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلّهُمْ. وَإِنّهُمْ أَتَتْهُمُ الشّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ. وَحَرّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ. وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَاناً. وَإِنّ اللّهَ نَظَرَ إِلَىَ أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلاّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ: إِنّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ. وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَاباً لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ. تَقْرَأُهُ نَائِماً وَيَقْظَانَ. وَإِنّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرّقَ قُرَيْشاً. فَقُلْتُ: رَبّ إِذاً يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً. قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ. وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ. وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ. وَابْعَثْ جَيْشاً نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ. وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ. قَالَ: وَأَهْلُ الْجَنّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدّقٌ مُوَفّقٌ. وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلّ ذِي قُرْبَىَ، وَمُسْلِمٍ. وَعَفِيفٌ مُتَعَفّفٌ ذُو عِيَالٍ. قَالَ: وَأَهْلُ النّارِ خَمْسَةٌ: الضّعِيفُ الّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ، الّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعاً لاَ يَتْبَعُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً. وَالْخَائِنُ الّذِي لاَ يَخْفَىَ لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقّ إِلاّ خَانَهُ. وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ". وَذَكَرَ الْبُخْلَ وَالْكَذِبَ "وَالشّنْظِيرُ الْفَحّاشُ" وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو غَسّانَ فِي حَدِيثِهِ "وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ".
وحدّثناه مُحمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ، حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ "كُلّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْداً، حَلاَلٌ".
حدّثني عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ، صَاحِبِ الدّسْتَوَائِيّ حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ يَحْيَىَ: قَالَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرّفاً فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وحدّثني أَبُو عَمّارٍ حُسَيْنُ بْنُ حْرَيْثٍ. حَدّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَىَ عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مَطَرٍ. حَدّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ مُطَرّفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الشّخّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيباً. فَقَالَ: "إِنّ اللّهَ أَمَرَنِي" وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَة.وَزَادَ فِيهِ: "وَإِنّ اللّهَ أَوْحَىَ إِلَيّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتّىَ لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ علىَ أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَىَ أَحَدٍ". وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: "وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعاً لاَ يَبْغُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً".
فَقُلْتُ: فَيَكُونُ ذَلِكَ؟ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ قَالَ: نَعَمْ. وَاللّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ. وَإِنّ الرّجُلَ لَيَرْعَىَ عَلَىَ الْحَيّ، مَا بِهِ إِلاّ وَلِيدَتُهُمْ يَطَأُهَا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال" معنى نحلته أعطيته، وفي الكلام حذف أي قال الله تعالى: كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال، والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك وأنها لم تصر حراما بتحريمهم، وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق. قوله تعالى: {وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم} أي مسلمين، وقيل طاهرين من المعاصي، وقيل مستقيمين منيبين لقبول الهداية، وقيل المراد حين أخذ عليهم العهد في الذر وقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. قوله تعالى: {وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالهم عن دينهم} هكذا هو في نسخ بلادنا فاجتالتهم بالجيم، وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين وعن رواية الحافظ أبي علي الغساني فاختالتهم بالخاء المعجمة قال والأول أصح وأوضح أي استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطل، كذا فسره الهروي وآخرون، وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به، واجتال أموالهم ساقها وذهب بها، قال القاضي: ومعنى فاختالوهم بالخاء على رواية من رواه أي يحبسونهم عن دينهم ويصدونهم عنه. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" المقت أشد البغض، والمراد بهذا المقت والنظر ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد ببقايا أهل الكتاب الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل. قوله سبحانه وتعالى: "إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك" معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده والصبر في الله تعالى وغير ذلك، وأبتلي بك من أرسلتك إليهم، فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعاته، ومن يتخلف ويتأبد بالعداوة والكفر ومن ينافق، والمراد أن يمتحنه ليصير ذلك واقعا بارزا، فإن الله تعالى إنما يعاقب العباد على ما وقع منهم لا على ما يعلمه قبل وقوعه، وإلا فهو سبحانه عالم بجميع الأشياء قبل وقوعها، وهذا نحو قوله: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} أي نعلمهم فاعلين ذلك متصفين به. قوله تعالى: {أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان} أما قوله تعالى: لا يغسله الماء فمعناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على ممر الأزمان. وأما قوله تعالى: تقرأه نائما ويقظان فقال العلماء معناه يكون محفوظا لك في حالتي النوم واليقظة، وقيل تقرأه في يسر وسهولة. قوله صلى الله عليه وسلم: "فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة" هي بالثاء المثلثة أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز أي يكسر. قوله تعالى: "واغزهم نغزك" بضم النون أي نعينك. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف" فقوله ومسلم مجرور ومعطوف على ذي قربى، وقوله مقسط أي عادل. قوله صلى الله عليه وسلم: "الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلاً ولا مالاً" فقوله زبر بفتح الزاي وإسكان الموحدة أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي، وقيل هو الذي لا مال له، وقيل الذي ليس عنده ما يعتمده. وقوله لا يتبعون بالعين المهملة مخفف ومشدّد من إِلاتباع، وفي بعض النسخ يبتغون بالموحدة والغين المعجمة أي لا يطلبون. قوله صلى الله عليه وسلم: "والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه" معنى لا يخفى لا يظهر، قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته وكتمته هذا هو المشهور، وقيل هما لغتان فيهما جميعا. قوله: (وذكر البخل والكذب) هي في أكثر النسخ أو الكذب بأو، وفي بعضها والكذب بالواو والأول هو المشهور في نسخ بلادنا، وقال القاضي: روايتنا عن جميع شيوخنا بالوا وإلا ابن أبي جعفر عن الطبري فبأو، وقال بعض الشيوخ ولعله الصواب وبه تكون المذكورات خمسة. وأما الشنظير فبكسر الشين والظاء المعجمتين وإسكان النون بينهما وفسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السيء الخلق. قوله: (فيكون ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: نعم والله لقد أدركتهم في الجاهلية إلى آخره) أبو عبد الله هو مطرف بن عبد الله والقائل له قتادة، وقوله لقد أدركتهم في الجاهلية لعله يريد أواخر أمرهم وآثار الجاهلية وإلا فمطرف صغير عن إدراك زمن الجاهلية حقيقة وهو يعقل.
*2* باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ. إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النّارِ، فَمِنْ أَهْلِ النّارِ. يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتّىَ يَبْعَثَكَ اللّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الرّجُلُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ. إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، فَالْجَنّةُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النّارِ، فَالنّارُ" قَالَ: "ثُمّ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ الّذِي تُبْعَثُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ. قَالَ ابْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَكِنْ حَدّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: بَيْنَمَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ لِبَنِي النّجّارِ، عَلَىَ بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ. وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ (قَالَ: كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيّ فَقَالَ: "مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ؟" فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. قَالَ: "فَمَتَىَ مَاتَ هَؤُلاَءِ؟" قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاكِ. فَقَالَ: "إِنّ هَذِهِ الأُمّةَ تُبْتَلَىَ فِي قُبُورِهَا. فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللّهِ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ". ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "تَعَوّذُوا بِاللّهِ مِنْ عَذَابِ النّارِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ عَذَابِ النّارِ. فَقَالَ: "تَعَوّذُوا بِاللّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ: "تَعَوّذُوا بِاللّهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. قَالَ: "تَعَوّذُوا بِاللّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدّجّالِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدّجّالِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَى الْقَطّانِ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ). حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشّمْسُ. فَسَمِعَ صَوْتاً. فَقَالَ: "يَهُودُ تُعَذّبُ فِي قُبُورِهَا".
حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلّىَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ". قَالَ: "يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرّجُلِ؟". قَالَ: "فَأَمّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنّهُ عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ" قَالَ: "فَيُقَالُ لَهُ: "انْظُرْ إِلَىَ مَقْعَدِكَ مِنَ النّارِ. قَدْ أَبْدَلَكَ اللّهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنّةِ" قَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً".
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً. وَيُمْلأُ عَلَيْهِ خَضِراً إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضّرِيرُ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ الْمَيّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، إِنّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا".
حدّثني عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ) عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إنّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلّىَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ" فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {يُثَبّتُ اللّهُ الّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ} (إِبراهيم الاَية: ). قَالَ: "نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ. فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبّي اللّهُ وَنَبِيّي مُحَمّدٌ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ: {يُثَبّتُ اللّهِ الّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَوَةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ}.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ (يَعْنُونَ ابْنَ مَهْدِيَ) عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: {يُثَبّتُ اللّهُ الّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَوَةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ}، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ.
حدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا بُدَيْلٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا".
قَالَ حَمّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا، وَذَكَرَ الْمِسْكَ.
قَالَ: "وَيَقُولُ أَهْلُ السّمَاءِ: رُوحٌ طَيّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. صَلّىَ اللّهُ عَلَيْكِ وَعَلَىَ جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَىَ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ. ثُمّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَىَ آخِرِ الأَجَلِ".
قَالَ: "وَإِنّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ قَالَ حَمّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا، وَذَكَرَ لَعْناً وَيَقُولُ أَهْلُ السّمَاءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَالَ: فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَىَ آخِرِ الأَجَلِ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَيْطَةً، كَانَتْ عَلَيْهِ، عَلَىَ أَنْفِهِ، هَكَذَا.
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَلِيّ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ مَعَ عُمَرَ. ح وحدثني شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَتَرَاءَيْنَا الْهِلاَلَ. وَكُنْتُ رَجُلاً حَدِيدَ الْبَصَرِ. فَرَأَيْتُهُ. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنّهُ رَآهُ غَيْرِي. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لاَ يَرَاهُ. قَالَ يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَىَ فِرَاشِي. ثُمّ أَنْشَأَ يُحَدّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالأَمْسِ. يَقُولُ: "هَذَا مَصْرَعُ فُلاَنٍ غداً، إِنْ شَاءَ اللّهُ". قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ مَا أَخْطَأُوا الْحُدُودَ الّتِي حَدّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتّىَ انْتَهَىَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: "يَا فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ وَيَا فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ حَقّا؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللّهُ حَقّا".
قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ تُكَلّمُ أَجْسَادَاً لاَ أَرْوَاحَ فِيهَا؟ قَالَ: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. غَيْرَ أَنّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدّوا عَلَيّ شَيْئاً".
حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ قَتْلَىَ بَدْرٍ ثَلاَثاً. ثُمّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: "يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا" فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنّىَ يُجِيبُوا وَقَدْ جَيّفُوا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. وَلَكِنّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا" ثُمّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا. فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ.
حدّثني يُوسُفُ بْنُ حَمّادٍ الْمَعْنِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ. ح وَحَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوَبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِك عَنْ أَبِي طَلْحَةَ. قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً. (وَفِي حَدِيثِ رَوْحٍ، بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً) مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ. فَأُلْقُوا فِي طَوِيَ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِمَعْنَىَ حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ.
اعلم أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} الاَية، وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة، ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد ويعذبه، وإذا لم يمنعه العقل وورد الشرع به وجب قبوله واعتقاده، وقد ذكر مسلم هنا أحاديث كثيرة في إثبات عذاب القبر وسماع النبي صلى الله عليه وسلم صوت من يعذب فيه، وسماع الموتى قرع نعال دافنيهم، وكلامه صلى الله عليه وسلم لأهل القليب وقوله: ما أنتم بأسمع منهم، وسؤال الملكين الميت وإقعادهما إياه وجوابه لهما والفسح له في قبره وعرض مقعده عليه بالغداة والعشي، وسبق معظم شرح هذا في كتاب الصلاة وكتاب الجنائز، والمقصود أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر كما ذكرنا خلافا للخوارج ومعظم المعتزلة وبعض المرجئة نفوا ذلك، ثم المعذب عند أهل السنة الجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه، وخالف فيه محمد بن جرير وعبد الله بن كِرام وطائفة فقالوا: لا يشترط إعادة الروح، قال أصحابنا: هذا فاسد لأن الألم والإحساس إنما يكون في الحي، قال أصحابنا: ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه كما نشاهد في العادة أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك، فكما أن الله تعالى يعيده للحشر وهو سبحانه وتعالى قادر على ذلك فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء وإن أكلته السباع والحيتان، فإن قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر؟ فالجواب أن ذلك غير ممتنع بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها، وكذا يجد اليقظان لذة وألما لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه منه، وكذا كان جبرئيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون وكل هذا ظاهر جلي. قال أصحابنا: وأما إقعاده المذكور في الحديث فيحتمل أن يكون مختصا بالمقبور دون المنبوذ ومن أكلته السباع والحيتان، وأما ضربه بالمطارق فلا يمتنع أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب والله أعلم. قوله: (مقعدك حتى يبعثك الله) هذا تنعيم للمؤمن وتعذيب للكافر.
قوله: (حادث به بغلته) أي مالت عن الطريق ونفرت وقرع النعال وخفقها هو ضربها الأرض وصوتها فيها.
قوله: (ما كنت تقول في هذا الرجل) يعني بالرجل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يقوله في هذه العبارة التي ليس فيها تعظيم امتحانا للمسؤول لئلا يتلقن تعظيمه من عبارة السائل ثم يثبت الله الذين آمنوا. قوله: (يفسح له في قبره ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون) الخضر ضبطوه بوجهين أصحهما بفتح الخاء وكسر الضاد، والثاني: بضم الخاء وفتح الضاد والأول أشهر، ومعناه يملأ نعما غضة ناعمة واصلة من خضرة الشجر هكذا فسروه، قال القاضي: يحتمل أن يكون هذا الفسح له على ظاهره وأنه يرفع عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه إذا ردت إليه روحه، قال: ويحتمل أن يكون على ضرب المثل والاستعارة للرحمة والنعيم كما قال: سقى الله قبره وإِلاحتمال الأول أصح والله أعلم.
قوله في روح المؤمنين: (ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل، ثم قال في روح الكافر فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل) قال القاضي: المراد بالأول انطلقوا بروح المؤمن إلى سدرة المنتهى، والمراد بالثاني: انطلقوا بروح الكافر إلى سجين فهي منتهى الأجل، ويحتمل أن المراد إلى انقضاء أجل الدنيا. قوله: (فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه) الريطة بفتح الراء وإسكان الياء وهو ثوب رقيق وقيل هي الملاءة، وكان سبب ردها على الأنف بسبب ما ذكر من نتن ريح روح الكافر.
قوله: (حديد البصر) بالحاء أي نافذه ومنه قوله تعالى: {فبصرك اليوم حديد}. قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله إلى آخره" هذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم الظاهرة.
قوله صلى الله عليه وسلم في قتلى بدر: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" قال المازري: قال بعض الناس الميت يسمع عملاً بظاهرهذا الحديث، ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء، ورد عليه القاضي عياض وقال: يحمل سماعهم على ما يحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريد الله، هذا كلام القاضي وهو الظاهر المختار الذي يقتضيه أحاديث السلام على القبور والله أعلم. قوله: (يا رسول الله كيف يسمعوا وأني يجيبوا وقد جيفوا) هكذا هو في عامة النسخ المعتمدة كيف يسمعوا وأني يجيبوا من غير نون وهي لغة صحيحة وإن كانت قليلة الاستعمال وسبق بيانها مرات، ومنها الحديث السابق في كتاب الإيمان: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا" وقوله جيفوا أي أنتنوا وصاروا جيفا، يقال: جيف الميت وجاف وأجاف وأروح وأنتن بمعنى. قوله: (فسحبوا فألقوا في قليب بدر).
وفي الرواية الأخرى: (في طوى من أطواء بدر) القليب والطوى بمعنى وهي البئر المطوية بالحجارة، قال أصحابنا: وهذا السحب إلى القليب ليس دفنا لهم ولا صيانة وحرمة بل لدفع رائحتهم المؤذية والله أعلم.
*2* باب إثبات الحساب
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. جَمِيعاً عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا ابْنُ عُلَيّةَ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حُوسِبَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عُذّبَ" فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً؟} (الانشقاق الاَية: 8) فَقَالَ: "لَيْسَ ذَاكِ الْحِسَابُ. إِنّمَا ذَاكِ الْعَرْضُ. مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذّبَ".
حدّثني أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدّثَنَا أَيّوبُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
وحدّثني عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ الْعَبْدِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ(يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطّانَ). حَدّثَنَا أَبُو يُونُس الْقُشَيْرِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلاّ هَلَكَ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَيْسَ اللّهُ يَقُولُ: حِسَاباً يَسِيراً؟ قَالَ: "ذَاكِ الْعَرْضُ. وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ".
وحدّثني عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنِي يَحْيَىَ(وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ" ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب يوم القيامة عذب" معنى نوقش استقصى عليه. قال القاضي: وقوله عذب له معنيان: أحدهما أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ. والثاني أنه مفض إلى العذاب بالنار ويؤيده قوله في الرواية الأخرى هلك مكان عذب، هذا كلام القاضي، وهذا الثاني هو الصحيح ومعناه أن التقصير غالب في العباد، فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء. قوله في إسناد هذا الحديث: (عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة) هذا مما استدركه الدارقطني على البخاري ومسلم وقال: اختلف العلماء عن ابن أبي مليكة فروي عنه عن عائشة وروي عنه عن القاسم عنها، وهذا استدراك ضعيف لأنه محمول على أنه سمعه من القاسم عن عائشة وسمعه أيضا منها بلا واسطة فرواه بالوجهين وقد سبقت نظائر هذا.
*2* باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى، عند الموت
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّاءَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ، يَقُولُ: "لاَ يَمُوتَنّ أَحَدُكُمْ إِلاّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللّهِ الظّنّ".
وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وحدّثني أَبُو دَاوُدَ، سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدّثَنَا أَبُو النّعْمَانِ، عَارِمٌ. حَدّثَنَا مَهْدِيّ بْنُ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا وَاصِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيّامٍ، يَقُولُ "لاَ يَمُوتَنّ أَحَدُكُمْ إِلاّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظّنّ بِاللّهِ عَزّ وَجَلّ".
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُبْعَثُ كُلّ عَبْدٍ عَلَىَ مَا مَاتَ عَلَيْهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُهْدِيَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابِ. أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ أَنّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ عَذَاباً، أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمّ بُعِثُوا عَلَىَ أَعْمَالِهِمْ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن" وفي رواية: (إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى) قال العلماء: هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة، وقد سبق في الحديث الاَخر قوله سبحانه وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي. قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفا راجيا ويكونان سواء، وقيل يكون الخوف أرجح فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو خمحضه لأن مقصود الخرف الإنكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال فاستحب إحسان الظن المتضمن للإفتقار إلى الله تعالى والإذعان له، ويؤيده الحديث المذكور بعده: (يبعث كلال عبد على ما مات عليه) ولهذا عقبه مسلم للحديث الأول، قال العلماء: معناه يبعث على الحالة التي مات عليها، ومثله الحديث الاَخر بعده ثم بعثوا على نياتهم.