الأمر بأداء الأمانة

قال الله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " النساء
قال تعالى " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " الأحزاب
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا آؤتمن خان متفق عليه وفي رواية وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه علي دينه ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا متفق عليه قوله جذر بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة وهو أصل الشيء و الوكت بالتاء المثناة من فوق الأثر اليسير والمجل بفتح الميم وإسكان الجيم وهو تنفط في اليد ونحوها من أثر عمل وغيره قوله منتبرا مرتفعا قوله ساعيه الوالي عليه
وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم صلوات الله عليه فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله قال فيأتون إبراهيم فيقول إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما فيأتون موسى فيقول لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى لست بصاحب ذلك فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قلت بأبي وأمي أي شيء كمر البرق قال ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجئ الرجل لا يستطيع السير إلا زحفا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكردس في النار والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا رواه مسلم قوله وراء وراء هو بالفتح فيهما وقيل بالضم بلا تنوين ومعناه لست بتلك الدرجة الرفيعة وهي كلمة تذكر على سبيل التواضع وقد بسطت معناها في شرح صحيح مسلم والله أعلم
وعن أبي خبيب بضم الخاء المعجمة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم وإني لاأرني إلا سأقتل اليوم مظلوما وإن من أكبر همي لديني أفترى ديننا يبقى من مالنا شيئا ثم قال بع مالنا واقض ديني وأوصى بالثلث وثلثه لبنيه يعني لبني عبد الله بن الزبير ثلث الثلث قال فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدين شيء فثلثه لبنيك قال هشام وكان ولد عبد الله قد ورأى بعض بني الزبير خبيب وعباد وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي قال فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك قال الله قال فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه قال فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة ودارا بمصر قال وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكن هو سلف إني أخشى عليه الضيعة وما ولي إمارة قط ولا جباية ولا خراجا ولا شيئا إلا أن يكون في غزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قال عبد الله فحسبت ما كان عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمته وقلت مائة ألف فقال حكيم والله ما أرى أموالكم تسع هذه فقال عبد الله أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف قال ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شىء منه فاستعينوا بي قال وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف فقال لعبد الله إن شئتم تركتها لكم قال عبد الله لا قال فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم فقال عبد الله لا قال فاقطعوا لي قطعة قال عبد الله لك من هاهنا إلى هاهنا فباع عبد الله منها فقضى عنه دينه ووفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة فقال له معاوية كم قومت الغابة قال كل سهم بمائة ألف قال كم بقي منها قال أربعة أسهم ونصف فقال المنذر بن الزبير قد أخذت منها سهما بمائة ألف وقال عمرو بن عثمان قد أخذت منها سهما بمائة ألف وقال ابن زمعة قد أخذت منها سهما بمائة ألف فقال معاوية كم بقي منها قال سهم ونصف سهم قال قد أخذته بخمسين ومائة ألف قال وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا قال والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادي في الموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ودفع الثلث وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف رواه البخاري


رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين-للإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي


الدار الإسلامية للإعلام