ماملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن

"الحديث السابع والأربعون" عن المقدام بن معدي كرب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ماملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه رواه الإمام أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن هذا الحديث خرجه الإمام أحمد والترمذى من حديث يحيى بن جابر الطائي عن المقدام وخرجه النسائي من هذا الوجه ومن وجه آخر من رواية صالح بن يحيى بن المقدام عن جده وخرجه ابن ماجه من وجه آخر عنده وله طرق أخر وقد روى هذا الحديث مع ذكر سببه فروى أبو القاسم البغوي في معجمه من حديث عبد الرحمن بن المرقع قال فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وهي مخضرة من الفواكة فوقع الناس في الفاكهة فغشيتهم الحمي فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الحمي رائد الموت وسجن الله في الأرض وهي قطعة من النار فإذا أخذتكم فبردوا الماء في الشنان فصبوها عليكم بين الصلاتين يعني المغرب والعشاء قال فعلوا فذهبت عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلق الله وعاء إذا ملئ شرا من بطن فإذا كان لابد فاجعلوا ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للريح وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها وقد روى أن ابن أبي ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارشايات ودكاكين الصيادلة وإنما قال هذا لأن أصل كل داء التخم كما قال بعضهم أصل كل داء البردة وروى مرفوعا ولا يصح رفعه وقال الحارث بن كلدة طبيب العرب الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء ورفعه بعضهم ولا يصح أيضا وقال الحارث أيضا الذي قتل البرية وأهلك السابع في البرية إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام وقال غيره لو قيل لأهل القبور ما كان سبب آجالكم لقالوا التخم فهذا بعض منافع قليل الغذاء وترك التملؤ من الطعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته وأما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوي والغضب وكثرة الغذاء يوجب ضد ذلك قال الحسن يا ابن آدم كل في ثلث بطنك واشرب في ثلثه ودع ثلث بطنك يتنفس ويتفكر وقال المروزي جعل أبو عبدالله يعني الإمام أحمد يعظم من الجوع والفقر فقلت له يؤجر الرجل في ترك الشهوات فقال وكيف لا يؤجر وابن عمر يقول ما شبعت منذ ثلاثة أشهر قلت لأني عبدالله يجد الرجل من قلبه رقة وهو شبع قال ما أري ثم روى المروزي عن أبي عبدالله قول ابن عمر هذا من وجوه فروى بإسناده عن ابن سيرين قال قال رجل لابن عمر ألا أجيئك بجوارش قال وأي شيء هو قال شيء يهضم الطعام إذا أكلته قال ما شبعت منذ أربعة أشهر وليس ذاك لأبي لا أقدر عليه ولكن أدركت أقواما يجوعون أكثر مما يشبعون وبإسناده عن نافع قال جاء رجل بجوارش إلى ابن عمر فقال ما هذا قال شيء يهضم به الطعام قال ما أصنع به إني ليأتي على الشهر ما أشبع فيه من الطعام وبإسناده عن رجل قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن رقت مضغتك وكبر سنك وجلساؤك لا يعرفون لك حقك ولا شرفك فلو أمرت أهلك أن يجعلوا لك شيئا يلطفونك إذا رجعت إليهم قال ويحك والله ما شبعت منذ إحدي عشرة سنة ولا اثنتي عشرة سنة ولا ثلاثة عشر سنة ولا أربع عشرة سنة مرة واحدة فكيف بي وإنما بقي مني ما بقي وبإسناده عن عمرو ابن الأسود العنسي أنه كان يدع كثيرا من الشبع مخافة الأشر وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال ماشبعت منذ أسلمت وروى بإسناده عن محمد بن واسع قال من قل طعمه فهم وأفهم وصفا ورق وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد وعن أبي عبيدة الخواص قال حتفك في شبعك وحفظك في جوعك وإذا أنت شبعت ثقلت فنمت واستمكن منك العدو فجثم عليك وإذا أنت تجوعت كنت للعدو بمرصد وعن عمرو بن قيس قال إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب وعن سلمة بن سعيد قال إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعلمه وعن بعض العلماء قال إذا كنت بطينا فاعدد نفسك زمنا حتى تخمص وعن ابن الأعرابي قال كانت العرب تقول ما بات رجل بطينا فتم غرمه وعن أبي سليمان الداراني قال إذا أردت حاجة من حوائج الدنيا والآخرة فلا تأكل حتى تقضيها فإن الأكل يغير العقل وعن مالك بن دينار قال ما ينبغي للمؤمن أن تكون بطنه أكبر همه وأن تكون شهوته هي الغالبة قال وحدثني الحسن بن عبد الرحمن قال قال الحسن أو غيره كانت بلية أبيكم آدم عليه السلام أكلة وهي بليتكم إلى يوم القيامة قال وكان يقال من ملك بطنه ملك الأعمال الصالحة كلها وكان يقال لا تسكن الحكمة معدة ملأي وعن عبد العزيز بن أبي داود قال كان يقال ثلث الطعام عون على التسرع إلى الخيرات وعن قثم العابد قال كان يقال ما قل طعم امريء قط إلا رق قلبه ونديت عيناه وعن عبدالله بن مرزوق قال لم نر للأشر مثل دوام الجوع فقال له أبو عبد الرحمن العمري الزاهد وما دوامه عندك قال دوامه أن لا يشبع أبدا قال وكيف يقدر من كان في الدنيا على هذا قال ما أيسر يا أبا عبد الرحمن على أهل ولا يته ومن وفقه لطاعته لا يأكل إلا دون الشبع وهو دوام الجوع ويشبه هذا قول الحسن لما عرض الطعام على بعض أصحابه فقال له أكلت حتى لا أستطيع أن آكل فقال الحسن سبحان الله وما يأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل وروى أيضا بإسناده عن أبي عمران الجوني قال كان يقال من أحب أن ينور قلبه فليقل طعمه وعن عثمان بن زائدة قال كتب إلى سفيان الثوري إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل وعن ابن السماك قال خلا رجل بأخيه فقال أي أخي نحن أهون على الله من أن يجيعنا إنما يجيع أولياءه ومن عبدالله بن أبي الفرج قال قلت لأبي سعيد التميمي الخائف يشبع قال لا قلت المشتاق يشبع قال لا وعن رباح القيسي أنه قرب إليه طعام فأكل منه فقيل له ازدد فما أراك شبعت فصاح صيحة فقال كيف أشبع أيام الدنيا وشجرة الزقوم طعام الأثيم بين يدي فرفع الرجل الطعام من بين يديه وقال أنت في شيء ونحن في شيء قال المروزي قال لي رجل كيف ذاك المتنعم يعني أحمد قلت له و كيف هو متنعم قال أليس يجد خبزا يأكل وله امرأة يسكن إليها ويطأها فذكرت ذلك لأبي عبدالله فقال صدق وجعل يسترجع فقال إنا لنشبع وقال بشر بن الحارث ما شبعت منذ خمسين سنة وقال ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال لأنه إذا شبع من الحلال دعته نفسه إلى الحرام فكيف من هذه الأقذار وعن إبراهيم بن أدهم قال من ضبط بطنه ضبط دينه ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة وإن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان والشبع يميت القلب ومنه يكون الفرح والمرح والضحك وقال ثابت البناني بلغنا أن إبليس لعنه الله ظهر ليحيي بن زكريا عليهما السلام فرأي عليه معاليق من كل شيء فقال له يحيى عليه السلام يا إبليس ما هذه المعاليق التي أري عليك قال هذه الشهوات التي أصيب من بني آدم قال فهل لي فيها شيء قال ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وعن الذكر قال فهل غير هذا قال لا قال لله على أن لا أملأ بطني من طعام أبدا قال فقال إبليس لعنه الله لله على أن لا أنصح مسلما أبدا وقال أبو سليمان الداراني إن النفس إذا جاعت وعطشت صفا القلب ورق وإذا شبعت ورويت عمي القلب وقال مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل وإن الله ليعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب وإن الحق عنده في خزائن مدخرة فلا يعطي إلا من أحب خاصة ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إلى من أن آكلها ثم أقوم من أول الليل إلى آخره وقال الحسن بن يحيى الخشني من أراد أن يغزر دموعه ويرق قلبه فليأكل وليشرب في نصف بطنه وقال أحمد بن أبي الحواري فحدثت بهذا أبا سليمان فقال إنما جاء الحديث ثلث طعام وثلث شراب وأري هؤلاء قد حاسبوا أنفسهم فربحوا سدسا وقال محمد بن النضر الحارثي الجوع يبعث على البر كما تبعث البطنة على الأشر وعن الشافعي قال ما شبعت منذ ستة عشر سنة إلا شبعة أطرحها لأن الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقلل من الأكل في حديث المقدام وقال حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء والمراد أن المؤمن يأكل بآداب الشرع فيأكل في معي واحد والكافر يأكل بمقتضي الشهوة والشرة والنهم فيأكل في سبعة أمعاء وندب صلى الله عليه وسلم مع التقلل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه فقال طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة فأحسن ما كل المؤمن في ثلث بطنه وشرب في ثلث وترك للنفس ثلثا كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المقدام فإن كثرة الشرب تجلب النوم وتفسد الطعام قال سفيان كل ماشئت ولا تشرب فإذا لم تشرب لم يجئك النوم وقال بعض السلف كان شباب يتعبدون في بني إسرائيل فإذا كان فطرهم قام عليهم قائم فقال لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فتناموا كثيرا فتخسروا كثيرا وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يجوعون كثيرا ولا يشربون كثيرا يتقللون من أكل الشهوات وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها ولهذا كان ابن عمر يتشبه به في ذلك مع قدرته على الطعام وكذلك أبوه من قبله ففي الصحيحين عن عائشة قالت ماشبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبز بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض ولمسلم قالت ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض وخرج البخاري عن أبي هريرة قال ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض وعنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز شعير وفي صحيح مسلم عن عمر أنه خطب فذكر ما أصاب الناس من الدنيا فقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا وخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت على ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال وخرجه ابن ماجه بإسناده عن سليمان بن صرد قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثنا ثلاث ليال لا نقدر على طعام وبإسناده عن أبي هريرة قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام سخن فأكل فلما فرغ قال الحمد لله ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا و كذا وقد ذم الله ورسوله من اتبع الشهوات قال تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب مريم وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا سمينا فجعل يومئ بيده إلى بطنه ويقول لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك وفي المسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أخوف ما أخاف عليكم الشهوات التي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوي وفي مسند البزار وغيره عن فاطمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شرار أمتي الذين غذوا بالنعم يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام وخرج البزار وابن ماجه من حديث ابن عمر قال تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شعبا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة وخرج ابن ماجه من حديث سلمان أيضا بنحوه وخرجه الحاكم من حديث أبي جحيفة وفي أسانيدها كلها مقال وروى يحيى بن مندة في كتاب مناقب الإمام أحمد بإسناد له عن الإمام أحمد أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس فقال ثلث الطعام هو القوت وثلث الشراب هو القوي وثلث النفس هو الروح



جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم_أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي