002-مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي بدمشق نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي الحافظ قدم علينا من لفظة رحمه الله تعالى الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم وارشدنا إلى صراطه المستقيم وألهمنا الحمد له على ما خولنا من جزيل نعمه وأجدنا نعمة علينا مضافة الى سائر مننه احمده حمد معترف بالتقصير فيما يلزمه من شكر هباته وأسأله التوفيق للعمل بما يقرب الى مرضاته وأشهد أن لا إله ألا الله شهادة تبلغ معتقدها امله ويختم الله لقائلها بالسعادة عمله وأشهد أن محمدا عبده المنتخب من بريته ورسوله الداعى لخلقه الى طاعته أرسله بالحق المبين وابتعثه بالشرع المتين فجلى غوامض الشبهات وأنار حنادس الظلمات وأباد حزب الكفر وانصاره وشيد اعلام الدين ومناره صلى الله عليه صلاة يعطيه فيها أمنيته ويرفع بها في الآخرة درجته وعلى إخوانه من النبين وآله الأخيار المنتخبين وتابعيهم بالإحسان أجمعين اما بعد فإن الله تبارك وتعالى أنقذ الخلق من نائرة الجهل وخلص الورى من زخارف الضلالة بالكتاب الناطق والوحي الصادق المنزلين على سيد الورى نبينا محمد المصطفى ثم أوجب النجاة من النار وأبعد عن منزل الذل والخسار لمن أطاعه في إمتثال ما أمر والكف عما عنه نهى وزجر فقال ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وطاعة الله في طاعة رسوله وطاعة رسوله في اتباع سننه إذ هي النور البهي والأمر الجلي والحجة الواضحة والمحجة اللائحة من تمسك بها اهتدى ومن عدل عنها ضل وغوى ولما كان ثابت السنن والآثار وصحاح الأحاديث المنقولة والاخبار ملجأ المسلمين في الأحوال ومركز المؤمنين في الأعمال إذ لا قوام للإسلام الا باستعمالها ولا ثبات للايمان الا بانتحالها وجب الاجتهاد في علم أصولها ولزم الحث على ما عاد بعمارة سبيلها وقد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الأحاديث والمثابرة على جمعها من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروى وتمييز سبيل المرذول والمرضى واستنباط ما في السنن من الاحكام وإثارة المستودع فيها من الفقه بالحلال والحرام بل قنعوا من الحديث باسمه واقتصروا على كتبه في الصحف ورسمه فهم أغمار وحملة أسفار قد تحملوا المشاق الشديدة وسافروا الى البلدان البعيدة وهان عليهم الدأب والكلال واستوطئوا مركب الحل والارتحال وبذلوا الأنفس والاموال وركبوا المخاوف والاهوال شعث الرؤس شحب الألوان خمص البطون نواحل الابدان يقطعون أوقاتهم بالسير في البلاد طلبا لما علا من الإسناد لا يريدون شيئا سواه ولا يبتغون الا إياه يحملون عمن لا تثبت عدالته ويأخذون ممن لا تجوز امانته ويروون عمن لا يعرفون صحة حديثه ولا يتيقن ثبوت مسموعة ويحتجون بمن لا يحسن قراءة صحيفته ولا يقوم بشيء من شرائط الرواية ولا يفرق بين السماع والاجازة ولا يميز بين المسند والمرسل والمقطوع والمتصل ولا يحفظ اسم شيخه الذي حدثه حتى يستثبته من غيره ويكتبون عن الفاسق في فعله المذموم في مذهبه وعن المبتدع في دينه المقطوع على فساد اعتقاده ويرون ذلك جائزا والعمل بروايته واجبا إذا كان السماع ثابتا والإسناد متقدما عاليا فجر هذا الفعل منهم الوقيعة في سلف العلماء وسهل طريق الطعن عليهم لأهل البدع والاهواء حتى ذم الحديث واهله بعض من ارتسم بالفتوى في الدين ورأى عند اعجابه بنفسه انه أحد الأئمة المجتهدين بصدوفه عن الآثار الى الرأي المرذول وتحكمه في الدين برأيه المعلول وذلك منه غاية الجهل ونهاية التقصير عن مرتبة الفضل ينتسب الى قوم تهيبوا كد الطلب ومعاناة ما فيه من المشقة والنصب وأعيتهم الأحاديث ان يحفظوها واختلفت عليهم الأسانيد فلم يضبطوها فجانبوا ما استثقلوا وعادوا ما جهلوا وآثروا الدعة واستلذوا الراحة ثم تصدروا في المجالس قبل الحين الذي يستحقونه وأخذوا أنفسهم بالطعن على العلم الذي لا يحسنونه ان تعاطى أحدهم رواية حديث فمن صحف ابتاعها كفى مؤونة جمعها من غير سماع لها ولا معرفة بحال ناقلها وان حفظ شيئا منها خلط الغث بالسمين وألحق الصحيح بالسقيم وان قلب عليه إسناد خبر أو سئل عن علة تتعلق بأثر تحير واختلط وغيث بلحيته وامتخط تورية عن مستور جهالته فهو كالحمار في طاحونته ثم رأى ممن يحفظ الحديث ويعانيه ما ليس في وسعه الجريان فيه فلجأ الى الازدراء بفرسانه واعتصم بالطعن على الراكضين في ميدانه كما أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن جعفر الخرقي أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي قال حدثنا أبو العباس أحمد بن على الابار قال رأيت بالأهواز رجلا حف شاربه وأظنه قد اشترى كتبا وتعبأ للفتيا فذكروا أصحاب الحديث فقال ليسوا بشيء وليس يسوون شيئا فقلت له أنت لا تحسن تصلى قال انا قلت نعم قلت أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحت الصلاة ورفعت يديك فسكت فقلت وأيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضعت يديك على ركبتيك فسكت قلت أيش تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجدت فسكت قلت مالك لا تكلم ألم أقل لك انك لا تحسن تصلى أنت انما قيل لك تصلى الغداة ركعتين والظهر أربعا فالزم ذا خير لك من أن تذكر أصحاب الحديث فلست بشيء ولا تحسن شيئا فهذا المذكور مثله في الفقهاء كمثل من تقدم ذكرنا له ممن انتسب الى الحديث ولم يعلق به منه غير سماعه وكتبه دون نظره في أنواع عمله واما المحققون فيه المتخصصون به فهم الأئمة العلماء والسادة الفهماء أهل الفضل والفضيلة والمرتبة الرفيعة حفظوا على الأمة احكام الرسول واخبروا على أنباء التنزيل وأثبتوا ناسخه ومنسوخه وميزوا محكمه ومتشابهه ودونوا أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وضبطوا على اختلاف الأمور أحواله في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وملبسه ومركبه ومأكله ومشربه حتى القلامة من ظفره ما كان يصنع بها والنخاعة من فيه كيف كان يلفظها وقوله عند كل فعل يحدثه ولدى كل موقف يشهده تعظيما لقدره صلى الله عليه وسلم ومعرفة بشرف ما ذكر عنه وعزى اليه وحفظوا مناقب صحابته ومآثر عشيرته وجاؤا بسير الأنبياء ومقامات الأولياء واختلاف الفقهاء ولولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها واستنباطها من معادنها والنظر في طرقها لبطلت الشريعة وتعطلت احكامها إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة ومستفادة من السنن المنقولة فمن عرف للإسلام حقه وأوجب للدين حرمته أكبر أن يحتقر من عظم الله شأنه واعلى مكانه واظهر حجته وأبان فضيلته ولم يرتق بطعنه الى حزب الرسول وأتباع الوحي واوعية الدين وخزنة العلم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وكفى المحدث شرفا ان يكون اسمه مقرونا باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره متصلا بذكره ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم والواجب على من خصه الله تعالى بهذه الرتبة وبلغه الى هذه لمنزلة ان يبذل مجهوده في تتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وطلبها من مظانها وحملها عن أهلها والتفقه بها والنظر في احكامها والبحث عن معانيها والتأدب بآدابها ويصدف عما يقل نفعه وتبعد فائدته من طلب الشواذ والمنكرات وتتبع الاباطيل والموضوعات ويؤتى الحديث حقه من الدراسة والحفظ والتهذيب والضبط ويتميز بما تقتضيه حاله ويعود عليه زينه وجماله فقد أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي قال قرئ على أبي أحمد الحسين بن على التميمي وانا اسمع حدثني محمد بن المسيب قال حدثنا أبو الخصيب المصيصي املاء قال سمعت سعيد بن المغيرة يقول سمعت مخلد بن الحسين يقول إن كان الرجل ليسمع العلم اليسير فيسود به أهل زمانه يعرف ذلك في صدقه وورعه وانه ليروى اليوم خمسين الف حديث لا تجوز شهادته على قلنسوته أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني بنيسابور قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال أنبأ بن وهب وأخبرنا أبو الحسين علي بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة واللفظ له قال ثنا أبو روق الهزاني قال ثنا بحر بن نصر الخولاني قال ثنا بن وهب قال حدثني يحيى بن سلام عن عثمان بن مقسم عن المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد الواعظ مولى بنى هاشم قال ثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول الأزرق املاء قال حدثني جدي أبو يعقوب إسحاق بن البهلول قال ثنا سفيان ويعلى عن إسماعيل يعنى بن أبي خالد عن قيس عن عبد الله رفعه يعلى ووقفه سفيان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد الا في اثنتين رجل آتاه الله حكمة فهو يقول بها ورجل آتاه الله ما لا فهو ينفقه في حقه وأنا اذكر بمشيئة الله تعالى وتوفيقه في هذا الكتاب ما بطالب الحديث حاجة الى معرفته وبالتفقة فاقة الى حفظه ودراسته من بيان أصول علم الحديث وشرائطه وأشرح من مذاهب سلف الرواة والنقلة في ذلك ما يكثر نفعه وتعم فائدته ويستدل به على فضل المحدثين واجتهادهم في حفظ الدين ونفيهم تحريف الغالين وانتحال المبطلين ببيان الأصول من الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل واقوال الحفاظ في مراعاة الألفاظ وحكم التدليس والاحتجاج بالمراسيل والنقل عن أهل الغفلة ومن لا يضبط الرواية وذكر من يرغب عن السماع منه لسوء مذهبه والعرض على الراوي والفرق بين قول حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وجواز إصلاح اللحن والخطأ في الحديث ووجوب العمل بأخبار الآحاد والحجة على من أنكر ذلك وحكم الرواية على الشك وغلبة الظن واختلاف الروايات بتغاير العبارات ومتى يصح سماع الصغير وما جاء في المناولة وشرائط صحة الإجازة والمكاتبة وغير ذلك مما يقف عليه من تأمله ونظر فيه إذا انتهى اليه وبالله استعين وهو حسبي ونعم الوكيل