006-الرد على من قال يجب القطع على خبر الواحد

بأنه كذب إذا لم يقع العلم بصدقه من ناحية الضرورة أو الاستدلال ان قال قائل ما أنكرت من أن الخبر إذا كان مرويا فيما يتعلق بالدين ولم يعلم ضرورة ولا قامت على صحته حجة وجب القطع على كونه كذبا لأن الله تعالى لو علم صدقه لم يخلنا من دليل على ذلك وطريق اليه يقال له لم لا يجوز أن يخلينا من ذلك وفيه وقع الخلاف بل ما أنكرت من وجوب كونه صدقا لان الله تعالى لو علم انه كذب لم يخلنا من دليل على ذلك وفى اخلائه من ذلك دليل على انه صدق ولا مخرج له من هذا السؤال ثم يقال له ان حال الخبر في هذا الباب كحال الشهادة على وقوع الجائز الممكن ولو وجب ما قلته لوجب متى عريت الشهادة المتعلق بها حكم في الدين من دلالة الصدق ان يقطع على انها كذب وزور وهكذا يجب متى لم يدلنا الله تعالى على ايمان الخلفاء والقضاء والامراء والسعاة وكل نائب عن الأئمة في شيء من أمر الدين وعلى عدالتهم وطهارة سرائرهم ان يجب القطع على كفرهم وفسقهم ومتى لم يدلنا على صحته القياس في الحكم وان الحق فيه دون غيره وجب القضاء على فساده ولا جواب عن شيء من ذلك وان قال كما يجب القطع على كذب مدعى الرسالة متى لم يكن معه علم دال على صدقه فكذلك يجب القطع على كذب المخبر متى لم تكن معه حجة تدل على صدقه يقال له ان كان هذا قياسا صحيحا فإنه يجب القطع بتكذيب جميع آحاد الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين متى انفردوا بالخبر ولم تكن معهم دلالة على صدقهم وهذا خروج عن الدين وجهل ممن صار اليه ولو كان قياس مدعى النبوة وراوى الخبر واحدا لوجب ان يكون في الشهادة مثله وان يقطع على كل شهادة لم يقم دليل على صحتها أو يبلغ عدد الشهود عدد أهل التواتر انها كذب وزور وهذا لا يقوله ذو تحصيل لان ذلك لو كان صحيحا لم يجز لأحد من حكام المسلمين ان يحكم بشهادة اثنين ولا بشهادة أربعة وبشهادة من لم يقم الدليل على صدقة لأنه انما يحكم بشهادة يعلم انها كاذبة ثم الفرق بين خبر مدعى الرسالة وبين خبر الواحد ان الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن الله تعالى بما لا نعلم الا من جهته وقد أمرنا الله تعالى بتعظيمه ظاهرا و باطنا وموالاته والقطع على طهارته ونقاء سريرته والعلم بأنه صادق في جميع ما يخبر به فوجب مع تكليف ذلك ازاحة العلة فيما به يعلم حصول صدقة والقطع والا كان تكليفا للشىء مع عدم الدليل عليه وذلك محال وخارج عن باب التعبد واما خبر الواحد فما تعبدنا فيه بهذا لأنه ليس يخبرنا عما يخبرنا عنه بما لا يصح ان نعلمه الا من جهته ولا هو خبر عن الله تعالى ولا نحن مأمورون بالقطع على طهارة سريرته والعلم بأنه صادق في خبره بل انما تعبدنا بالعمل بخبره متى ظننا كونه صدقا فحاله في ذلك كحال الشاهد الذي أمرنا بالعمل بشهادته دون اعتقاد شيء من هذه الجملة فيه وكما لا يجوز قياس الشهادة على ادعاء النبوة فكذلك لا يجوز قياس الخبر عليها وهذا واضح لا شبهة فيه
معرفة الخبر المتصل الموجب للقبول والعمل
حدثني على بن أحمد الهاشمي قال هذا الكتاب جدي عيسى بن موسى بن أبى محمد بن المتوكل على الله فقرأت فيه حدثني أبو بكر محمد بن داود النيسابوري قال سمعت محمد بن نعيم يقول سمعت محمد بن يحيى وهو الذهلي يقول ولا يجوز الاحتجاج الا بالحديث الموصل غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال أخبرنا محمد بن نعيم الضبي الحافظ قال قرأت بخط أبى عمرو المستملى سمعت يحيى بن محمد بن يحيى يقول لا يكتب الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرويه ثقة عن ثقة حتى يتناهى الخبر الى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة ولا يكون فيهم رجل مجهول ولا رجل مجروح فإذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة وجب قبوله والعمل به وترك مخالفته قرأت في كتاب أبى الحسين أحمد بن قاج الوراق ثنا على بن الفضل بن ظاهر البلخي قال ثنا محمد بن غالب الكرابيسي قال ثنا مسلم بن عبد الرحمن البخلى وهو السلمي قال ثنا عبد الله بن محمد الامام قال ثنا محمد بن يسار عن قتادة قال لا يحمل هذا الحديث عن صالح عن طالح ولا عن طالح عن صالح حتى يكون صالح عن صالح أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء في كتابه إلينا من مصر قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي الموت أبو بكر المكى قال قال لنا أحمد بن زيد بن هارون انما هو صالح عن صالح وصالح عن تابع وتابع عن صاحب وصاحب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل وجبرئيل عن الله عز وجل
معرفة ما يستعمل أصحاب الحديث من العبارات
في صفة الاخبار واقسام الجرح والتعديل مختصرا وصفهم الحديث بأنه مسند يريدون ان إسناده متصل بين روايه وبين من اسند عنه الا ان أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما اسند عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة واتصال الإسناد فيه ان يكون واحد من رواته سمعه من فوقه حتى ينتهى ذلك الى آخره وان لم يبين فيه السماع بل اقتصر على العنعنة واما المرسل فهو ما انقطع إسناده بان يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه الا ان أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعى عن النبي صلى الله عليه وسلم واما ما رواه تابع التابعى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل وهو اخفض مرتبة من المرسل والمرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله والموقوف ما أسنده الراوي الى الصحابي ولم يتجاوزه والمنقطع مثل المرسل الا ان هذه العبارة تستعمل غالبا في رواية من دون التابعى عن الصحابة مثل أن يروى مالك بن أنس عن عبد الله بن عمر أو سفيان الثوري عن جابر بن عبد الله أو شعبة بن الحجاج عن أنس بن مالك وما أشبه ذلك وقال بعض أهل العلم بالحديث الحديث المنقطع ما روى عن التابعى ومن دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله والمدلس رواية المحدث عمن عاصره ولم يلقه فيتوهم انه سمع منه أو روايته عمن قد لقيه ما لم يسمعه منه هذا هو التدليس في الإسناد فأما التدليس للشيوخ فمثل ان يغير اسم شيخه لعلمه بان الناس يرغبون عن الرواية عنه أو يكنيه بغير كنيته أو ينسبه الى غير نسبته المعروفة من أمره ووصفهم لمن روى عنه انه صحابي يريدون انه ممن ثبتت صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعى من صحب الصحابي فأما أقسام العبارات بالأخبار عن أحوال الرواة فأرفعها ان يقال حجة أو ثقة وأدونها ان يقال كذاب أو ساقط أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الماليني قال انا أبو أحمد عبد الله بن عدى الحافظ قال ثنا القاسم بن زكريا ويحيى بن صاعد ومحمود بن موسى الحلواني وأحمد بن محمد بن سليمان القطان قالوا ثنا عمرو بن على ثنا عبد الرحمن بن مهدى قال ثنا أبو خلدة قال فقال له رجل يا أبا سعيد أكان ثقة قال كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا وقال القاسم وكان خيارا الثقة شعبة وسفيان أخبرني الحسن بن أبى طالب قال ثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال أخبرنا الحسين بن محمد بن عفير قال قال أبو جعفر أحمد بن سنان كان عبد الرحمن بن مهدى ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق فيقول رجل صالح الحديث أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ قال ثنا أبى قال ثنا الحسين بن صدقة قال ثنا أحمد بن أبى خيثمة قال قلت ليحيى بن معين انك تقول فلان ليس به بأس وفلان ضعيف قال إذا قلت لك ليس به بأس فهو ثقة وإذا قلت لك هو ضعيف فليس هو بثقة لا يكتب حديثه حدثني على بن محمد بن نصر الدينوري قال سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول سألت أبا الحسن الدارقطني قلت له إذا قلت فلان لين أيش تريد به قال لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي فيما أخبرني به أبو زرعة روح بن محمد بن أحمد القاضى إجازة شافهنى بها أن على بن محمد بن عمر القصار أخبرهم عنه وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى فإذا قيل للواحد انه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج بحديثه وإذا قيل انه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهى المنزلة الثانية وإذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه الا انه دون الثانية وإذا قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا وإذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الأول في كتب حديثه الا انه دونه وإذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به وإذا قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهى المنزلة الرابعة
وصف من يحتج بحديثه ويلزم قبول روايته على الإجمال دون التفصيل
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب قال أنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي قال ثنا أحمد بن موسى الجوهري ح وأخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان قال ثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد الحافظ لفظا قال ثنا محمد بن حمدان الطرائفي قالا ثنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي قال لي قائل احدد لي أقل ما تقوم به الحجة على أهل العلم حتى يثبت عليهم خبر الخاصة فقلت خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهى به الى النبي صلى الله عليه وسلم أو من انتهى به اليه دونه ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها ان يكون من حدث به ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه عاقلا بما يحدث به عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ أو ان يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمعه لايحدث به على المعنى لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال الى الحرام وإذا اداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه احالته للحديث حافظا ان حدث من حفظه حافظا لكتابه ان حدث من كتابه إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم بريئا من ان يكون مدلسا يحدث عمن لقى ما لم يسمع منه ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث الثقات خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهى الحديث موصولا الى النبي صلى الله عليه وسلم أو الى من انتهى به اليه دونه لان كل واحد منهم مثبت لمن حدثه مثبت على من حدث عنه فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال ثنا أبو على محمد بن أحمد بن الحسن قال ثنا بشر بن موسى قال قال عبد الله بن الزبير الحميدي فان قال قائل فما الحديث الذي يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلزمنا الحجة به قلت هو أن يكون الحديث ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلا غير مقطوع معروف الرجال أو يكون حديثا متصلا حدثنيه ثقة معروف عن رجل جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتا يعرفه من حدثنيه عنه حتى يصل الى النبي صلى الله عليه وسلم وان لم يقل كل واحد ممن حدثه سمعت أو حدثنا حتى ينتهى ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم وان أمكن ان يكون بين المحدث والمحدث عنه واحد أو أكثر لان ذلك عندي على السماع لادراك المحدث من حدث عنه حتى ينتهى ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم ولازم صحيح يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقا مدركا لمن روى ذلك عنه مثل شاهدين شهدا عند حاكم على شهادة شاهدين يعرف الحاكم عدالة اللذين شهدا عنده ولم يعرف عدالة من شهدا على شهادته فعليه إجازة شهادتهما على شهادة من شهدا عليه ولا يقف عن الحكم بجهالته بالمشهود على شهادتهما قال عبد الله فهذا الظاهر الذي يحكم به والباطن ما غاب عنا من وهم المحدث وكذبه ونسيانه وادخاله بينه وبين من حدث عنه رجلا أو أكثر وما اشبه ذلك مما يمكن ان يكون ذلك على خلاف ما قال فلا نكلف علمه الا بشيء ظهر لنا فلا يسعنا حينئذ قبوله لما ظهر لنا منه
ذكر شبهة من زعم أن خبر الواحد يوجب العلم وابطالها
أخبرني أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن أحمد المالكي قال قرأت على القاضى أبى بكر محمد بن الطيب قال فاما من قال من الفقهاء أن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر دون الباطن فإنه قول من لا يحصل علم هذا الباب لأن العلم من حقه ان لا يكون علما على الحقيقة بظاهر أو باطن الا بان يكون معلومه على ما هو به ظاهرا وباطنا فسقط هذا القول قال وتعلقهم في ذلك بقوله عز وجل فان علمتموهن مؤمنات بعيد لأنه أراد تعالى وهو اعلم فان علمتموهن في اظهارهن الشهادتين ونطقهن بهما وظهور ذلك منهن معلوم يدرك إذا وقع وانما سمى النطق ايمانا على معنى انه دال عليه وعلم في اللسان على اخلاص الاعتقاد ومعرفة القلب مجازا واتساعا ولذلك نفى تعالى الإيمان عمن علم انه غير معتقد له في قوله قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا اى قولوا استسلمنا فزعا من اسيافهم قال واما التعلق في أن خبر الواحد يوجب العلم فان الله تعالى لما أوجب العمل به وجب العلم بصدقة وصحته لقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله وان تقولوا على الله مالا تعلمون فإنه أيضا بعيد لأنه انما عنى تعالى بذلك ان لا تقولوا في دين الله ما لا تعلمون ايجابه والقول والحكم به عليكم ولا تقولوا سمعنا ورأينا وشهدنا وأنتم لم تسمعوا وتروا وتشاهدوا وقد ثبت ايجابه تعالى علينا العمل بخبر الواحد وتحريم القطع على انه صدق أو كذب فالحكم به معلوم من أمر الدين وشهادة بما يعلم ويقطع به ولو كان ما تعلقوا به من ذلك دليلا على صدق خبر الواحد لدل على صدق الشاهدين أو صدق يمين الطالب للحق واوجب القطع بايمان الامام والقاضي والمفتى إذ ألزمنا المصير الى احكامهم وفتواهم لأنه لا يجوز القول في الدين بغير علم وهذا عجز ممن تعلق به فبطل ما قالوه