034-القول في الجرح هل يحتاج الى كشف أم لا

حدثني محمد بن عبيد الله المالكي قال قرأت على القاضى أبى بكر محمد بن الطيب قال الجمهور من أهل العلم إذا جرح من إلا يعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما والدليل عليه نفس ما دللنا به على انه لا يجب استفسار العدل عما به صار عنده المزكى عدلا لأننا متى استفسرنا الجارح لغيره فانما يجب علينا بسوء الظن والإتهام له بالجهل بما يصير به المجروح مجروحا وذلك ينقض جملة ما بنينا عليه امره من الرضا به والرجوع اليه ولا يجب كشف ما به صار مجروحا وان اختلف آراء الناس فيما به يصير المجروح مجروحا كما لا يجب كشف ذلك في العقود والحقوق وان اختلف في كثير منها فالطريق في ذلك واحد فاما إذا كان الجارح عاميا وجب لا محالة استفساره وقد ذكر أن الشافعي انما أوجب الكشف عن ذلك لأنه بلغه ان انسانا جرح رجلا فسئل عما جرحه به فقال رأيته يبول قائما فقيل له وما في ذلك ما يوجب جرحه فقال لأنه يقع الرشش عليه وعلى ثوبه ثم يصلى فقيل له رأيته يصلى كذلك فقال لا فهذا ونحوه جرح بالتأويل والجهل والعالم لا يجرح أحدا بهذا وأمثاله فوجب بذلك ما قلناه سمعت القاضى أبا الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري يقول لا يقبل الجرح الا مفسرا وليس قول أصحاب الحديث فلان ضعيف وفلان ليس بشيء مما يوجب جرحه ورد خبره وانما كان كذلك لأن الناس اختلفوا فيما يفسق به فلا بد من ذكر سببه لينظر هل هو فسق أم لا وكذلك قال أصحابنا إذا شهد رجلان بان هذا الماء نجس لم تقبل شهادتهما حتى يبينا سبب النجاسة فان الناس اختلفوا فيما ينجس به الماء وفى نجاسة الواقع فيه قلت وهذا القول هو الصواب عندنا واليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وغيرهما فان البخاري قد احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم كعكرمة مولى بن عباس في التابعين وكاسمعيل بن أبى أويس وعاصم بن على وعمرو بن مرزوق في المتأخرين وهكذا فعل مسلم بن الحجاج فإنه احتج بسويد بن سيد وجماعة غيره واشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم وسلك وأبو داود السجستاني هذه الطريق وغير واحد ممن بعده فدل ذلك على انهم ذهبوا الى ان الجرح لا يثبت الا إذا فسر سببه وذكر موجبه أخبرني أبو بكر أحمد بن سليمان بن على المقرى قال ثنا عبيد الله بن محمد بن أحمد بن على بن مهران قال أخبرني أحمد بن خلف بن أيوب البزاز المعروف بالسابح قال ثنا أحمد بن محمد بن عبد الله المنقري قال ثنا على بن عاصم قال ثنا شعبة قال احذروا غيرة أصحاب الحديث بعضهم على بعض فلهم أشد غيرة من التيوس ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره وان لم يكن الذي سمعه موجبا لرد الحديث ولا مسقطا للعدالة ويرى السامع انما فعله هو الأولى رجاء ان كان الراوي حيا ان يحمله ذلك على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة وان كان ميتا ان ينزله من نقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز ومنهم من يرى ان من الاحتياط للدين اشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل له من اخوات ونظائر فان أحوال الناس وطبائعهم جارية على إظهار الجميل واخفاء ما خالفه فإذا ظهر أمر يكره مخالف للجميل لم يؤمن ان يكون وراء شبه له ولهذا قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في الحديث الذي قدمناه في أول باب العدالة من أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وان قال ان سريرتى حسنة أخبرنا القاضى أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال ثنا أبو بشر عيسى بن إبراهيم بن عيسى الصيدلاني قال ثنا أبو يوسف القلوسى قال سمعت أبا بكر بن أبى الأسود يقول كنت أسمع الأصناف من خالي عبد الرحمن بن مهدى وكان في أصل كتابه قوم قد ترك حديثهم مثل الحسن بن أبى جعفر وعباد بن صهيب وجماعة نحو هؤلاء ثم أتيته بعد ذلك بأشهر وأخرج الى كتاب الديات فحدثني عن الحسن بن أبى جعفر فقلت يا خالي أليس كنت قد ضربت على حديثه وتركته قال بلى تفكرت فيه إذا كان يوم القيامة قام الحسن بن أبى جعفر فيتعلق بي فقال يا رب سل عبد الرحمن بن مهدى فيم أسقط عدالتى فرأيت أن أحدث عنه وما كان لي حجة عند ربي فحدث عنه بأحاديث أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال أنا عبد الله بن جعفر قال ثنا يعقوب بن سفيان قال سمعت أحمد بن صالح وذكر مسلمة بن على فقال لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه قد يقال فلان ضعيف فأما أن يقال فلان متروك فلا الا أن يجتمع الحميع على ترك حديثه