123-القول فيمن روى حديثا ثم نسيه هل يجب العمل به أم لا

مثال ذلك ما أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال أنا الربيع بن سليمان قال أنا الشافعي قال أنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن بن عباس قال كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتكبير قال عمرو بن دينار ثم ذكرته لأبي معبد بعد فقال لم أحدثكه قال عمر وقد حدثنيه قال وكان من أصدق موالي بن عباس قال الشافعي كأنه نسيه بعد ما قد حدثه إياه أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال ثنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن عياش المتوثي قال ثنا علي بن مسلم الطوسي قال ثنا وهب يعني بن جرير قال أخبرنا شعبة قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم قال كان زوج بريرة عبدا قال شعبة لقيته بواسط فسألته عنه فلم يعرفه وقد اختلف الناس في العمل بمثل هذا وشبهه فقال أهل الحديث وعامة الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما وجمهور المتكلمين ان العمل به واجب إذا كان سامعه حافظا والناسي له بعد روايته عدلا وهو القول الصحيح وزعم المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة انه لا يجب قبول الخبر على هذا السبيل ولا العمل به قالوا ولهذا لزم اطراح حديث الزهري في المرأة تنكح بغير اذن وليها وحديث سهيل بن أبي صالح في القضاء باليمين مع الشاهد لأنهما لم يعترفا به لما ذكراه واعتلوا لذلك بما سنذكره بعد إن شاء الله وقد أخبرنا بحديث الزهري أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل قال أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا زياد بن أيوب أبو هاشم حدثنا إسماعيل بن علية قال ثنا بن جريج قال أخبرني سليمان بن موسى عن الزهري عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل فان أصابها فلها مهرها بما أصاب منها فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له وقال بن جريج فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه وقال زياد بن أيوب دلويه سقط علي في الحديث عروة لم أفهم من إسماعيل وعروة فيه ثابت وأما حديث سهيل فأخبرناه الحسن بن أبي بكر قال أنا أبو سهل بن زياد القطان قال ثنا إسماعيل بن إسحاق قال ثنا يحيى الحماني قال ثنا عبد العزيز بن محمد وسليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بشاهد ويمين قال عبد العزيز فلقيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه والذي يدل على صحة ما ذهبنا اليه انه إذا كان راوي الخبر الذي نسيه عدلا والذي حفظه عنه عدلا فإنهما لم يحدثا الا بما سمعاه ولو احتملت حالهما غير ذلك لخرجا عن حكم العدالة وكان السهو والنسيان غير مأمون على الإنسان ولا يستحيل ان يحدثه وينسى انه قد حدثه وذلك غير قادح في أمانته ولا تكذيب لمن يري عنه ولهذا كان سهيل بعد أن نسي حديثه وذكره له ربيعة يقول حدثني ربيعة عني عن أبي ويسوق الحديث أخبرناه عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الواعظ قال ثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي بمكة قال ثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال ثنا أحمد بن محمد الأزرق قال ثنا الدراوردي عن ربيعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال الدراوردي ثم أتيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فقال حدثني ربيعة عني عن أبي ثم ذكره لي وقد روى جماعة من أهل العلم أحاديث ثم نسوها وذكروا بها فكتبوها عمن حفظها عنهم وكانوا يروونها ويقول كل واحد منهم حدثني فلان عني عن فلان بكذا وكذا ويسوقون تلك الأحاديث وقد جمعناه في كتاب افردناه لها وهذا كله يدل على أنهم كانوا يجوزون نسيانهم تلك الاخبار وانه كان غير مستحيل عليهم فلا يوجبون لأجله رد خبر العدل ولا القدح فيه أخبرنا بشرى بن عبد الله الرومي قال ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال ثنا محمد بن جعفر الراشدي قال ثنا أبو بكر الأثرم قال قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل يضعف الحديث عندك بمثل هذا أن يحدث الرجل الثقة بالحديث عن الرجل فيسأله عنه فينكره ولا يعرفه فقال لا ما يضعف عندي بهذا فقلت مثل حديث الولي ومثل حديث اليمين مع الشاهد فقال قد كان معتمر يروي عن أبيه عن نفسه عن عبيد الله بن عمر قلت لأبي عبد الله من روى هذا عن معتمر قال بعض أصحابنا بلغني عنه أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الداودي قال أنا علي بن عمر الحافظ قال ثنا محمد بن مخلد قال ثنا جعفر بن أحمد بن سام قال قلت لأبي عبد الله حبيش بن مبشر الفقيه حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نكاح الا بولي قال يحيى بن معين يصححه فان اشتجروا فان السلطان ولي من لا ولي له فقلت هذا من كلام عائشة فقال لا هذا من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو لم يكن هذا الحديث ما كان السلطان ولي من لا ولي له عند الناس كلهم فقلت فابن جريج يقول سألت الزهري فلم يعرفه فقال نسي الزهري هذا الحديث كما نسي بن عمر حديث صلاة القنوت وكما نسي سمرة حديث العقيقة ولم يقل هذا عن الزهري غير بن عليه عن بن جريج كذا قال يحيى بن معين ويدل على صحة ما ذكرناه أيضا انه ليس من شرط العمل بالخبر ذكر راويه له وعلمه بأنه قد حدث به لأنه لو كان كذلك لم يجب العمل بخبر المريض والمغلوب على عقله والميت بعد روايته لأنه ليس أحد من هؤلاء يعلم انه روى ما يروى عنه فالسهو والنسيان دون هذه الأمور وأيضا فان أهل العلم كافة اتفقوا على العمل باللفظ الزائد في الحديث إذا قال راويه لا أحفظ هذه اللفظة وأحفظ اني رويت ما عداها وكذلك سبيل نسيانه لرواية جميع الحديث لأنه غير معصوم من النيسان والراوي عنه ضابط عدل فوجب قبول خبره فان قال المخالف قولنا في اللفظ الزائد كقولنا في جميع الحديث قيل هذا شيء لا نعلم أحدا قال به فركوبه باطل ولو جاز ركوب ذلك لوجب جواز مثله إذا قال الراوي لا أذكر أني رويت هذا الحديث على هذا الإعراب متى روى عنه باعراب يوجب حكما ولو اسقط لم يوجب ذلك الحكم فلا خلاف في أن نسيانه لاعراب لفظ الخبر لا يوجب رد الخبر فان قال الفرق بين نسيان اللفظ من الحديث ونسيان اعرابه وبين نسيان الحديث بأسره ان مثل نسيان اللفظ والإعراب يجوز في العادة ولا يجوز نسيان الحديث بأسره قيل أي عادة في ذلك بل المعتاد كون ذلك اجمع على طريقة واحدة وإنما يختلف بأن نسيان جملة الحديث أقل من نسيان اللفظة منه وإذا كان الأمر كذلك ثبت ما قلناه أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي قال أنا عبد الله بن إسحاق البغوي قال ثنا أبو زيد بن طريف قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال سمعت أبا خالد الأحمر يقول سمعت الأعمش يقول سمعت من أبي صالح الف حديث ثم مرضت فنسيت بعضها أخبرنا بن الفضل قال أنا عبد الله بن جعفر قال ثنا يعقوب بن سفيان قال ثنا أبو بكر يعني الحميدي قال ثنا أبو معاوية الضرير قال ثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى يوم تمور السماء مورا قال تدور دورا فسألنا سفيان عنه فقال لا أحفظه أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال أنا محمد بن العباس الخزاز قال أنا إبراهيم بن محمد الكندي قال ثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال سمعت رياح بن خالد يقول لسفيان بن عيينة في مسجد الحرام سنة إحدى وتسعين يا أبا محمد أبو معاوية يحدث عنك بشيء ليس تحفظه ووكيع يحدث عنك بشيء ليس تحفظه فقال صدقهم فاني كنت قبل اليوم أحفظ مني اليوم وقد اعتل المخالف بأن كمال العقل يمنع من نسيان جميع الحديث إذا ذكر أنه حدث به في مجلس كذا في موضع كذا في وقت كذا وهذا باطل لأن كل عاقل يعلم بمستقر العادة ان كامل العقل ينسي ما هو أكثر من ذلك فلا يعتبر بهذه الدعوى واعتل أيضا بأن الراوي إذا نسي الخبر ولم يذكر انه من سماه حرم عليه العمل بموجبه وعمل غيره تبع لعمله به فإذا حرم عليه ذلك حرم على غيره فيقال له ومن الذي يسلم لك ما ذكرته بل ما أنكرت من وجوب عمله إذا نسيه وأخبره به العدل عنه فان هذا هو الواجب عليه على ان ما ذكره لو كان صحيحا لوجب إذا حرم على العالم العمل بما كان أفتى العامي به إذا غلب على ظنه أن الحق في غير ما أفتاه أن يحرم على العامي العمل بما افتاه به وإذا حرم على الحاكم العمل بشهادة الواحد حرم على الشاهد اقامتها وذلك باطل فسقط ما قاله